أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 0

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 351

الكتب بساتین العلماء

مكتبة الجوادين العامة

مؤسسة السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني

تأسست سنة 1360 ه- 1941م

صحن الكاظمية - العراق

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

وما فاتني نصركم باللسان اذا فاتني نصركم باليد

الجزء الأول

دار المرتضی

هدية مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث إلی مكتبة الجوادين العامة

ص: 1

المجلد 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

حقوق الطبع والنشر محفوظة

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

الإهداء

يا سيد الشهداء وشهيد الاباء ، اقدم لأعتابك هذه المجموعة الفواحة رمزاً للوفاء ، فما أتمتع به من عزة وكرامة وعافية وسلامة كانت من اشعاعاتك التي تضفيها علي بجاهك العظيم عند اللّه تعالى.

فتقبل يا سيدي بعض ما يجب من ولدك.

المؤلف

ص: 5

ص: 6

تصدير :

اشارة

بقلم العلامة :

الشيخ محمد جواد مغنية

بسمِ اللّهِ الرَحمنِ الرّحيمِ

وبعد :

فان كلمتي هذه ليست مقدمة بمعناها الصحيح ، ولا تقريظاً لهذه المجموعة ، او تعرفاً لها ، او ثناء على من جمعها ، وان استوجب الشكر على ما بذل من جهد ، وانما تبحث هذه الكلمة :

اولا : هل يقدس الشيعة شخص الحسين بالذات ، او ان اسم الحسين عندهم رمز لشيء عميق الدلالة ، تماماً كما يرمز العاشق بالغزال الى محبوبته؟.

ثانياً : هل انعكس شيء من اشراقات الحسين (عليه السلام) وروحه في نفوس الذين يهتفون باسمه ليل نهار - في هذا العصر - ويحتفلون بذكراه ، وينصبون لها السرادقات ، ويقيمون لها الحفلات ، وينفقون عليها الالوف؟.

ص: 7

ثالثاً : هل خطباء المنبر الحسيني يؤدون مهمتهم كما ينبغي؟.

الحسين رمز :

قد يبدون للنظرة الأولى ان كلمة الحسين تعني عند الشيعة المعنى الظاهر منها ، وان دلالتها تقف عند ذات الحسين بن علي وشخصه ، وان الشيعة ينفعلون بهذه الشخصية الى حد الجنون .. ولكن سرعان ما تتحول هذه النظرة الى معنى اشمل واكمل من الذات والشخصيات لدى الناقد البصير ، ويؤمن ايماناً لا يشوبه ريب بان كلمة الحسين تعني عند الشيعة مبدأ الفداء ونكران الذات ، وان الحسين ماهو الا مظهر ومثال لهذا المبدأ في اكمل معانيه .. ودليل الادلة على هذه الحقيقة هو ادب الشيعة انفسهم .. فلقد كان الادب ، وما زال الصورة الحية التي تنعكس عليها عقيلة الامة وعقيدتها ، وعاداتها وبيئتها.

واذا رجعنا الى التراث الادبي لشيعة اهل البيت وجدناه يعكس الاحتجاج الصارخ على الظلم والظالمين في كل زمان ومكان ، والثورة العنيفة في شرق الارض وغربها ، وان ادباء الشيعة ، وبخاصة شعراءهم يرمزون باسم الحسين الى هذه الثورة ، وذاك الاحتجاج ، لان الحسين اعلى مثال واصدقه على ذلك ، كما يرمزون الى الفساد والطغيان بيزيد وبني حرب وزياد وامية وآل ابي سفيان ، لانهم يمثلون الشر بشتى جهاته ، والفساد بجميع خصائصه على النقيض من الحسين .. واليك هذه

ص: 8

الابيات كشاهد ومثال :

فمن قصيدة لاديب شيعي :

سهم رمى احشاك يابن المصطفى *** سهم به قلب الهداية قد رمي

ومن قصيدة لآخر :

بنفسي رأس الدين ترفع راسه *** رفيع العوالي السمهرية ميد

ولثالث :

اليوم قد قتلوا النبي وغادروا الا *** سلام يبكي ثاكلا مفجوعا

فهذه الابيات والالوف من امثالها تنظر الى الانسان نظرة شاملة واعية ، وتزخر بالثورة على كل من ينتهك حقا من حقوق الناس ، وترمز الى هذه الحقوق بكلمة الحسين ، وتعبر بقلبه عن قلب الهداية ، وبراسه عن رأس الدين ، وبقتله عن قتل رسول اللّه ودين اللّه .. واستمع الى هذه الصرخة الغاضبة يطلقها الشيخ احمد النحوي في وجوه حكام الجور الذين اتخذوا مال اللّه دولا ، وعباده خولا :

عجبا لمال اللّه اصبح مكسبا *** في رائح للظالمين وغاد

عجبا لآل اللّه صاروا مغنما *** لبني يزيد هدية وزياد

فيزيد وزياد رمز لكل من يسعى في الارض فسادا ، واوضح الدلالات كلها هذا البيت :

ص: 9

ويقدم الأموي وهو مؤخر *** ويؤخر العلوي وهو مقدم

فانه ينطبق على كل من يتولى منصبا ، وهو ليس له باهل .. وبهذا نجد تفسير الابيات التي يستنهض بها الشعراء صاحب الامر ليثأر من قاتلي الحسين ، ويفعل بهم مثل ما فعلوا ، وهم يقصدون بالحسين كل مظلوم ومحروم ، وبقاتليه كل ظالم وفاسد ، وبصاحب الامر الدولة الكريمة العادلة التي تملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا واليها يرمز السيد الحلي بقوله :

لاتطهر الارض من رجس العدى ابداً *** ما لم يسل فوقها سيل الدم العرم

هذا ، الى ان الحسين (عليه السلام) قد مضى على استشهاده ألف وثلاثمئة سنة او تزيد ، ومن يومه الى يومنا هذا ، والاجيال من قوميات شتى ينظمون فيه الاشعار بالفصحى وغير الفصحى ، وقد تغيرت الحياة ومرت بالعديد من الأطوار ، وقضت على الكثير من العادات الا الاحتفال بذكرى الحسين ، والهتاف باسم الحسين نثراً وشعراً ، فانه ينمو من عصر الى عصر ، تماماً كما تنمو الحياة ، وسيستمر هذا النمو - والسين في يستمر للتأكير لا للتقريب - قياساً للغائب على الشاهد .. وما عرفت البشرية جمعاء عظيماً من ابناءها قيل فيه من الشعر ما قيل في الحسين بن علي (عليه السلام) .. ولو تصدى متتبع للمقارنة بين ما نظم فيه ، وما نظم في

ص: 10

عظماء الدنيا مجتمعين لتعادلت الكفتان ، او رجحت كفة الحسين ، وما هذه المجموعة ( الشبرية ) الا نقطة من بحر ، وحبة من رمل ، والسر الاول والاخير يكمن في المبدأ الذي مضى عليه الحسين ، واشار اليه بقوله ؛ وهو في طريقه الى ربه : ( امضى على دين النبي ) : اذن ، تعظيم الحسين تعظيم لدين النبي.

وقد يقال : ان مسألة النظم في الحسين (عليه السلام) مسألة طائفية ، لا مسألة اسلام وانسانية؟.

ونقول في الجواب : ان تمجيد الثورة ضد الظلم والطغيان هو تمجيد للانسانية نفسها ، حتى ولو كان الدافع الطائفية او الحزبية او القومية ، فان الثورة الفرنسية والجزائرية والفيتنامية ثورات قومية ، ومع ذلك فهي انسانية ، ومصدر الإلهام لكثير من الثورات.

وبهذه المناسبة انقل هذا المقطع من كتابي ( الاثنا عشرية ) :

ان التطور لم يقف عند حدود المادة ، بل تعداها الى الافكار واللغة ، لانها جميعاً متلازمة متشابكة لا ينفك بعضها عن بعض ، وكلمة الحسين كانت في البداية اسما لذات الحسين بن علي (عليه السلام) ثم تطورت مع الزمن ، واصبحت عند شيعته وشيعة ابيه رمزاً للبطولة والجهاد من اجل تحرير الانسانية من الظلم ولااضطهاد ، وعنواناً للفداء والتضحية

ص: 11

بالرجال والنساء والاطفال لإحياء دين محمد بن عبد اللّه ، « ص » ولا شيء اصدق في الدلالة على هذه الحقيقة من قول الحسين : امضي على دين النبي.

اما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسما لابن معاوية ، وهي الآن عند الشيعة رمز الفساد والاستبداد ، والتهتك والخلاعة ، وعنوان للزندقة والالحاد ، فحيثما يكون الشر والفساد فثم اسم يزيد ، وحيثما يكون الحق فثمَّ اسم الحسين .. فكربلاء اليوم عند الشيعة هي فلسطين المحتلة وسيناء والضفة الغربية من الاردن ، والمرتفعات السورية ، اما اطفال الحسين وسبايا الحسين فهم النساء والاطفال المشردون من ديارهم .. وشهداء كربلاء هم الذين قتلوا دفاعاً عن الحق والوطن في 5 حزيران. وهذا ما عناه الشاعر بقوله :

كأن كل مكان كربلاء لدى *** عيني وكل زمان يوم عاشورا

اين روح الحسين؟ :

ونخلص من هذا الى نتيجة لا مفر منها ، وهي ان اية ثورة على الظلم والطغيان تقوم في شرق الارض وغربها فهي ثورة حسينية من هذه الجهة ، حتى ولو كان اصحابها لايؤمنون باللّه واليوم الآخر .. فان الظلم كريه وبغيض بحكم العقل والشرع ، سواء أوقع على المؤمن ام الكافر ، وان اي انسان ضحى بنفسه في سبيل الخير والانسانية فهو حسيني في

ص: 12

عمله هذا ، وان لم يسمع باسم الحسين ، لان الانسانية ليست وقفاً على دين من الاديان ، او قومية من القوميات.

وعلى هذا فالفيتناميون الذين يموتون من اجل التحرر والتقدم ، وصد الغزاة الغاصبين يلتقون مع الحسين في مبدأه ، وان لم يسمعوا باسمه ، ومن لا يهتم الا بنفسه وذويه ، ويساند اهل البغي والفساد حرصاً على منفعته فهو على دين يزيد وابن زياد ، وان لطم وبكى على الحسين ان الحسيني حقاً من يؤثر الدين على نفسه واهله ، ويضحي بالجميع من اجله ، تماماً كما فعل الحسين ، اما من يكيف الدين والمذهب على اهوائه تماما كما يقطع الثوب على مقدار طوله وعرضه ، اما هذا فما هو من الحسين ودين الحسين في شيء.

وتقول : كيف؟ وهذه الحرقة واللوعة ، وهذا الدمع والعويل على الحسين ، هل هو رياء ونفاق؟.

واقول : كلا ، هو صدق واعتقاد ، ولكن الشيطان يوهمه ان الدين هو مجرد البكاء على الحسين وزيارة قبر الحسين (عليه السلام) .. وفيما عداه فالدين هو منفعته ومنفعة اولاده وذويه .. ودليل الادلة على ذلك انه حينما تصدم هذه المنفعة مع مبدأ الحسين يؤثرها على الحسين وجد الحسين .. ان حب الذات يفصل الانسان عن نفسه ، ويبعده عن واقعه ، وينتقل به الى عالم لا وجود له الا في مخيلته وعقيدته ، ويوهمه انه

ص: 13

اتقى الاتقياء ، وهو أفسق الفاسقين ، وانه اعقل العقلاء ، وهو اسفه الجاهلين.

ومن يدري اني اصف نفسي بنفسي ، من حيث لا اشعر .. واقول .. ان هذا ليس بمحال ، وانه جائز على كل انسان غير معصوم كائناً من كان ويكون .. ولكني اقسم جازماً اني اتهم نفسي واحاكمها كثيراً ، واتقبل الحكم عليها من كل منصف خبير ، فهل يتفضل السادة الكبار ، بل والمراهقون منهم والصغار ، هل يتفضلون بقبول الرجاء من هذا العبد الفقير الذي يتهم نفسه ان يتهموا انفسهم ، ويراجعوها ، ويقفوا منها موقف الناقد البصير ، تماماً كما يتهمون غيرهم ، او ان حضراتهم يصرون على انهم فوق الشبهات ، لان الراد عليهم راد على اللّه؟ .. ومهما شككت ، فاني على يقين بان من ينظر الى نفسه بهذه العين فهو من الذين عناهم اللّه بقوله : « قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ، «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)» » 105 - الكهف.

خطباء المنبر الحسيني :

كان المنبر فيما مضى الوسيلة الكبرى للدعاية والاعلام ، ثم تطورت وسائل النشر الى الكتب ، ومنها الى الصحف والمسرح والاذاعة ، ثم

ص: 14

الى التلفزيون والروايات والالواح الفنية ، والبعثات التبشيرية ، واخطر الوسائل كلها اولئك المأجورون الذين يقبضون في الظلام من اعداء الدين والوطن ؛ ويمشون بين الناس كالشرفاء .. وان لي مع هؤلاء لموقفا اجمع واوجع.

والشيعة لا يملكون من وسائل الاعلام الا المنبرا لحسيني وبعض المؤلفات ، ولكن جماهير منبر الحسين لا يحلم بها كاتب ومؤلف ، وهو سلاح له خطره ومضاؤه في محاربة الباطل واهله ، والزندقة والالحاد ، لان الهدف الاول من هذا المنبر ان يبث في الناس روح الحسين ، حتى اذا رأوا باطلا قاوموه وحقاً ناصروه ، ومن هنا كان العبء ثقيلا على خطباء المنبر الخطير الا على الاكفاء منهم .. والحق ان بعضهم أدوا المهمة على وجهها ، واهتدى بهم الكثير من الشباب الى سواء السبيل ولكن هؤلاء - وللاسف - قليلون جداً ، والاكثرية الغالبة مرتزقة متطفلون ، او ممثلون لايهتمون بشيء الا بعاطفة المستمع وميوله ، تماماً كالمهرج ، يقف على خشبة المسرح ليؤنس المتفرجين ويضحكهم. ويجهلون او يتجاهلون ان كمهمة المرشد الواعظ كمهمة الطبيب الجراح يستأصل بمبضعه الداء من جذوره ، ولا يكترث باحتجاج المريض وصراخه.

ص: 15

والحديث عن قراء التعزية وخطباء المنبر الحسيني متشعب الاطراف ، بخاصة عن الذين لا يشعرون بالمسئولية ، ولا يقدرون لهذا المنبر هيبته وقداسته ، وما رأيت احد تناول هذا الامر بالدرس والبحث ، وعالجه معالجة موضوعية ، مع انه جدير بالاهتمام لتأثيره البالغ في حياتنا وعقيدتنا.

ولو وجدت متسعاً من الوقت لتصديت ، ووضعت النقط على الحروف ، مع مخطط شامل يفي بالغرض المطلوب .. واكتفي الآن بهذه النصيحة ، وهي ان يجعل الخطيب نصب عينيه قول سيد البلغاء ، وامام الخطباء (عليه السلام) :

( لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجها آذان السامعين ). هذا هو مقياس البلاغة الذي يحفظ للكلمة شرفها .. وهو واضح وبسيط ، كلام يتفق مع القلوب والآذان ، ولا شيء وراء ذلك.

وختاماً نسجل تقديرنا لخطيب المنبر الحسيني الكفؤ صاحب هذه المجموعة التي ضاعفت حسناته بعدد ابياتها ، وشهدت له بالتتبع وسعة الاطلاع. واللّه سبحانه المسئول ان يجعلنا مع الذين جمعوا وخطبوا ، ونظموا وكتبوا في الحسين (عليه السلام) ودعا دعوته لوجه اللّه والانسانية.

بيروت في 1 / 1 / 1969

ص: 16

بِسم اللّهِ الرَحمنِ الرّحيمِ

مقدمة المؤلف :

اشارة

هذه الموسوعة تعطيك أوضح الصور عن أدب الشيعة وعن عقائدهم واتجاهاتهم وتمثل اصدق العواطف عن احاسيسهم ومشاعرهم فليس في الدنيا وقعة كوقعة الحسين هزّت العالم هزاً عنيفا وأثرت أثرها الكبير في النفوس واهاجت اللوعة واستدرت الدمعة بل هي التي كونت فيهم هذا الادب الثر والشعور الفياض وخلقت منهم اكبر عدد من الشعراء حتى قيل ان الادب شيعي وقيل : وهل وجدت اديباً غير شيعيّ. ذلك لأن الكبت والالم يدفعان الانسان للنظم وتصوير الحال بلسان المقال وما دام المرء يشعر بالثأر وحرارة الثكل لا ينام عن ثأره فيندفع يصوّر حاله معدداً آلامه مسامراً أحزانه في لياليه وأيامه وفي خلواته ومجتمعاته.

ولا اريد ان أجمع كل ما جاء من شعر الشعراء في الامام الحسين ويوم الحسين ولا اقدر ان اقوم بذلك بل غايتي ان اعرض نماذج من شعرهم واعدّد أسماءهم

ص: 17

وادوارهم وعصورهم فكثيراً ما أسمع عن أدباء هذا العصر ان فلاناً يكتب عن أدب الطف ولكن لا ارى لذلك اثراً لذا بادرت لسدّ هذا الفراغ مستعيناً باللّه سيما وان بعض هذا المجموع كنت قد حفظته عن ظهر غيب ورويته في الأندية الحسينية فان الخطيب الحسيني عندما يريد مزاولة الخطابة تكون نواة عمله وأساس خطابته هو الالمام بمعرفة الشعر الحسيني وحفظه عن ظهر غيب وإنشاده في المحافل الحسينية باللون الذي امرنا الأئمة بانشاده وعلى الطريقة المشجية.

نعم ان الشعر الذي قيل في يوم الحسين علیه السلام يحتاج الى مئات المجلدات إذا أردنا استقصاءه وجمعه ، وإن شاعراً واحداً وهو الشيخ أحمد البلادي من شعراء القرن الثاني عشر الهجري نظم الف قصيدة في رثاء الإمام الحسين علیه السلام ودوّنها في مجلدين ضخمين كما روى ذلك الشيخ الاميني في موسوعته ، وأن الشيخ الخليعي جمال الدين بن عبد العزيز وهو من شعراء القرن التاسع له ديوان شعر في الامام الحسين « ع » ، واني وقفت على ديوان للشيخ حسن الدمستاني من شعراء القرن الثالث عشركله في يوم كربلاء. وللشيخ محمد الشويكي من شعراء القرن الثاني عشر ديوان في مدائح النبي وآله ، وآخر في مراثيهم اسماه ( مسيل العبرات ) يحتوى على خمسين قصيدة في اوزان مختلفة وبين ايدينا كتاب ( المنتخب ) للشيخ محي الدين الطريحي المتوفي في القرن الثاني عشر وفيه عشرات القصائد ولا يعلم قائلها ومثله مئات المقاتل التي تروي قصة الحسين علیه السلام وتثبت شواهد من الشعر الذي قيل في رثائه وبين ايدينا مجاميع خطية في المكتبات العامة والخاصة وفيها المئات من القصائد الحسينية ولم يذكر اسم ناظمها وقائلها.

وهكذا كانت ثورة الحسين غطت بسناها المشارق والمغارب واستخدمت العقول والأفكار فهي نور يتوهج في قلوب المسلمين فيندفع الى افواههم مدحاً ورثاء ، وهي انشودة العز في فم الاجيال تهز القلوب وتطربها وتحيي النفوس بالعزائم الحية ، ذلك لأن هدف الحسين ما كان هدفاً خاصاً حتى تختص به فئة

ص: 18

دون فئة او يقتصر على طائفة دون طائفة ، بل كان هدفاً عالمياً فعلى كل ذي شعور حي ان يحتفل بذكراه ، قال الفيلسوف جبران خليل جبران : لم أجد انساناً كالحسين سجل مجد البشرية بدمائه ، وقال الزعيم الهندي غاندي. تعلمت من الحسين ان أكون مظلوماً حتى انتصر.

قال عبد الحسيب طه في ( ادب الشيعة ) والواقع أن قتل الحسين على هذه الصورة الغادرة - والحسين هو من هو ديناً ومكانة بين المسلمين - لابد أن يلهب المشاعر ، ويرهف الأحاسيس ويطلق الألسن ، ويترك في النفس الإنسانية اثراً حزيناً دامياً ، ويجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.

وهال الناس هذا الحادث الجلل - حتى الأمويين انفسهم - فأقضَّ المضاجع واذهل العقول وارتسم في الأذهان ، وصار شغل الجماهير وحديث النوادي.

تجاوبت الدنيا عليك مآتماً *** نواعيك فيها للقيامة تهتف

فما تجد مسلما الا وتجيش نفسه لذلك الدم المهدور وكأنه هو الموتور أجل فلا تختص بذلك فئة دون فئة ولا طائفة دون طائفة وكأن الشاعر الذي يقول :

حب آل النبي خالط قلبي *** كاختلاط الضيا بماء العيونِ

إنما يترجم عن عاطفة كل مسلم ، وهل التشيع إلا حب آل محمد ، ومن هذا الذي لايحب آل بيت رسول اللّه الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ملامك في آل النبي فانهم *** أحباي ما داموا وأهل تقاة

قال النبهاني في ( الشرف المؤبد لآل محمد ) ص 99 روى السبكي في طبقاته بسنده المتصل الى الربيع بن سليمان المرادي - صاحب الامام الشافعي - قال خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى فلم ينزل وادياً ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول :

ص: 19

يا راكباً عجْ بالمحصّب من منى *** واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً اذا فاض الحجيج الى منى *** فيضا كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبّ آل محمد *** فليشهد الثقلان أني رافضي

بل صرح بشعره ان محبة أهل البيت من فرائض الدين فقال :

يا اهل بيت رسول اللّه حبكم *** فرض من اللّه في القرآن انزله

كفاكم من عظيم الفخر انكم *** من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

وقال ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) ص 101 وللشيخ شمس الدين ابن العربي قوله :

رأيت ولائي آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربى

فما طلب المبعوث أجراً على الهدى *** بتبليغه إلا المودة في القربى

هذا الحب الذي هو شعبة من شعب الاسلام ، ظاهره عواطف اسى عميقة على ما أصاب اهل هذا البيت من كوارث وما اعتورهم من نكبات في مختلف الأوطان والعصور الاسلامية مما جعل حديثه شجى كل نفس ولوعة كل قلب.

ان المبالغة في التنكيل بهم أظهرتهم مظهر المظلومين المعتدى عليهم ، فكان العطف عليهم أعمّ والتأثر لمصابهم اوجع ، هذه العواطف غير المشوبة ولا المصطنعة اضفت على الشعر الشيعي كله لوناً حزيناً باكياً ، تحته جيشان : نفسي ثائر ذلك لدمهم المطلول ، وهذا لحقهم الممطول ، وبين هذا وذاك فخر يفرع السماء بروقيه ، ومجد يطاول الأجيال ، يقول محمد بن هاني الأندلسي في قصيدة له :

غدوا ناكسي ابصارهم عن خليفة *** عليم بسر اللّه غير معلم

وروح هدى في جسم نور يمده *** شعاع من الأعلى الذي لم يجسّم

على كل خط من أسرّة وجهه *** دليل لعين الناظر المتوسّم

امام هدى ما التفّ ثوب نبوة *** على ابن نبيّ منه باللّه أعلم

ص: 20

ولا بسطت ايدي العفاة بنانها *** الى أريحي منه أندى واكرم

ولا التمع التاج المفصّل نظمه *** على ملك منه أجلّ وأعظم

ففيه لنفس ما استدلّت دلالة *** وعلم لاخرى لم تدّبر فتعلم

* * *

بكم عز ما بين البقيع ويثرب *** ونسّك ما بين الحطيم وزمزم

فلا برحت تترى عليكم من الورى *** صلاة مصلّ أو سلام مسلم

ماعرف التاريخ من أول الناس حتى يومهم هذا أن شخصاً قيل فيه من الشعر والنثر كالحسين بن علي بن ابي طالب فقد رثاه كل عصر وكل جيل بكل لسان في جميع الازمان ووجد الشيعة مجالا لبث احزانهم ومتنفساُ لآلامهم من طريق رثاء الحسين سيما وهذه الفرقة محاربة في كل الحكومات وفي جميع الادوار ومما ساعد على ذلك أن فاجعة الطف هي الفاجعة الوحيدة في التاريخ بفواجعها وفوادحها فتميزوا بالرثاء وابدعوا فيه دون باقي ضروب الشعر فاجادوا تصويره وتنميقه.

وكان السبب الكبير الذي دفع بالشيعة لهذا الاكثار من الشعر هو حث ائمتهم لهم على ذلك وما اعد اللّه لهم من الثواب تجاه هذه النصرة قال الامام الصادق علیه السلام :

من قال فينا بيتاً من الشعر بنى اللّه له بيتاً في الجنة(1).

وقال علیه السلام : من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى ، غفر اللّه له ، ووجبت له الجنة.

ثم احتفاء اهل البيت بمكانة الشاعر وتقديره وتقديم الشكر على نصرته لهم

ص: 21


1- عيون اخبار الرضا للصدوق.

والدعاء له بأجمل الدعاء وألطفه كما جاء من دعائهم للكميت ، ودعبل ، والحميري واضرابهم في تلك العصور التي كمت الافواه وغلت الايدي عن نصرة اهل البيت ولم يعد يجسر احد من الشعراء على المجاهرة بثراء الحسين علیه السلام لشدة الضغط الاموي الا الشاذ الذي ينظم البيت والبيتين ينطلق بهما لسانه ، وتندفع بهما عاطفته وكذا الحال في الدور العباسي.

مضى على الذكريات الحسينية ردح من الزمن وهي لاتقام الا تحت ستار الخفاء في زوايا البيوت وبتمام التحفظ والاتقاء حذار ان تشعر بهم السلطة الزمنية.

قال ابو الفرج الاصبهاني قي مقاتل الطالبيين : كانت الشعراء لاتقدم على رثاء الحسين علیه السلام مخافة من بني امية وخشية منهم.

وفي تاريخ ابن الاثير عندما اورد قصيدة اعشى همدان التي رثى بها التوابين الذين طلبوا بثار الحسين التي منها :

فساروا وهم مابين ملتمس التقى

وآخر مما جرَّ بالامس تائب

قال : وهي مما يكتم في ذلك الزمان. (1)

وقال ابو الفرج في مقاتل الطالبيين : قد رثى الحسين بن علي (عليه السلام) جماعة من

ص: 22


1- اقول والقصيدة مطلعها كما في الاعيان ج 35 - ص 328. المّ خيال منك يا امّ غالب *** فحييت عنا من حبيب مجانب فما انس لا انس انتقالك في الضحى *** الينا مع البيض الحسان الخراعب تراءت لنا هيفاء مهضومة الحشى *** لطيفة طيّ الكشح ريّا الحقائب فتلك النوى وهي الجوى لى والمنى *** فاحبب بها من خلة لم تصاقب ولا يبعد اللّه الشباب وذكره *** وحب تصافي المعصرات الكواعب فاني وان لم انسهن لذاكر *** رويّة مخبات كريم المناسب توسل بالتقوى الى اللّه صادقا *** وتقوى الآله خير تكساب كاسب وخلى عن الدنيا فلم يلتبس بها *** وتاب الى اللّه الرفيع المراتب تخلى عن الدنيا وقال طرحتها *** فلست اليها ما حييت بآيب وما انا فيما يكره الناس فقده *** ويسعى له الساعون فيها براغب توجه من نحو الثوية سائرا *** الى ابن زياد في الجموع الكتائب بقوم هم اهل التقية والنهى *** مصاليت انجاد سراة مناجب مضوا تاركي رأي ابن طلحة حسبة *** ولم يستجيبوا للأمير المخاطب فساروا وهم مابين ملتمس التقى *** وآخر مما جرّ بالامس تائب فلاقوا بعين الوردة الجيش فاصلاً *** اليهم فحسوهم ببيض قواضب يمانية تذري الاكف وتارة *** بخيل عتاق مقربات سلاهب فجاءهم جمع من الشام بعده *** جموع كموج البحر من كل جانب فما برحوا حتى أُبيدت سراتهم *** فلم ينج منهم ثمّ غير عصائب وغودر اهل الصبر صرعى فاصبحوا *** تعاورهم ريح الصبا والجنائب فأضحى الخزاعي الرئيس مجدلا *** كأن لم يقاتل مرة ويحارب

متأخري الشعراء استغنى عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الاطالة واما ماتقدم فما وقع الينا شيء رثى به ، وكانت الشعراء لاتقدم على ذلك مخافة من بني امية وخشية منهم انتهى.

وقال الشيخ عباس القمي في ( الكنى والالقاب ) راوياً عن معجم الشعراء للمرزباني ان عوف بن عبد اللّه الازدي - كان ممن شهد مع علي بن ابي طالب في صفين - له قصيدة طويلة رثى بها الحسين ، وكانت هذه المرثية تخبأ أيام بني امية وانما خرجت بعد كذا ، قال ابن الكلبي منها :

ونحن سمونا لابن هند بجحفلٍ

كرجل الدبا يزجي اليه الدواهيا

اقول وأول القصيدة :

ص: 23

صحوت وودعت الصبا والغوانيا *** وقلت لاصحابي اجيبوا المناديا

وقولوا له اذ قام يدعو الى الهدى *** - وقبل الدعا - لبيك لبيك داعيا

سقى اللّه قبراً ضمن المجد والتقى *** - بغربية الطف الغمام - الغواديا

فيا امة تاهت وضلت سفاهة *** أنيبوا فارضوا الواحد المتعاليا

وستذكر في ترجمته.

من اجل ذلك كان للمجاهر بفضل اهل البيت قسط كبير عندهم ، قال الامام الباقر علیه السلام للكميت لما انشده قصيدته : من لقلب متيم مستهام. لا تزال مؤيداً بروح القدس (1) واستأذن الكميت على الصادق علیه السلام في ايام التشريق ينشده قصيدته ، فكبر على الامام ان يتذاكروا الشعر في الايام العظام ، ولما قال له الكميت انها فيكم ، أنس ابو عبداللّه علیه السلام - لان نصرتهم نصرة لله - ثم دعا بعض اهله فقرب ، ثم انشده الكميت فكثر البكاء ولما اتى على قوله :

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم

فيا آخراً اسدى له الغي أول

رفع الصادق يديه وقال : اللّهم اغفر للكميت ما قدم وأخر وما اسر وأعلن واعطه حتى يرضى (2).

وهكذا فقد صبغت حادثة الامام الحسين علیه السلام ، ولا تزال تصبغ ادب الشيعة بالحزن العميق والرثاء المؤلم موشحاً بالدموع واستدرار البكاء حتى ظهر ذلك على غنائهم وشكواهم من احبابهم وعتابهم لأصدقائهم.

وبالوقت الذي نقرأ في شعرهم اللوعة والمضاضة نحس بالأستنهاض والثورة فهي نفوس شاعرة متوثبة صارخة بوجه الظلم والطغيان والفساد والاستبداد منددة بالولاة الجائرين والظلمة المستهترين ، واليك نموذجاً من ذلك :

ص: 24


1- رجال الكشى ، ص 181.
2- الاغاني ج 15 ص 118. ومعاهد التنصيص ج 2. ص 27.

ان لم اقف حيث جيش الموت يزدحم *** فلا مشت بي في طرق العلا قدم

لابد أن أتداوى بالقنا فلقد *** صبرت حتى فؤادي كله ألم

عندي من العزم سر لا أبوح به *** حتى تبوح به الهندية الخذم

لا ارضعت لي العلى ابناً صفو درّتها *** ان هكذا ظل رمحي وهو منفطم

إلية بضبا قومي التي حمدت *** قدما مواقعها الهيجاء لا القمم

لاحلبن ثدي الحرب وهي قناً *** لبانها من صدور الشوس وهو دم

مالي أسالم قوماً عندهم ترتى *** لا سالمتني يد الايام ان سلموا

هذه أبيات من مطلع قصيدة للسيد حيدر الحلي لا تقل ابياتها عن السبعين بيتا وهي على هذا اللون من الاستنهاض للهاشميين وشيعتهم وحتى يقول فيها والخطاب للحجة المهدي من آل محمد صلوات اللّه عليهم :

ما خلت تقعد حتى تستثار لهم *** وأنت أنت وهم فيما جنوه هم

لم تبق أسيافهم منكم على ابن تقى *** فكيف تبقى عليهم لا أبا لهم

فلا وصفحك ان القوم ما صفحوا *** ولا وحلمك ان القوم ما حلموا

ويلتفت الى بني هاشم فيقول :

يا غادياً بمطايا العزم حمّلها *** هماً تضيق به الأضلاع والحزم

عرّج على الحي من عمرو العلى فأرح *** منهم بحيث اطمان الباس والكرم

وحيّ منهم حماة ليس بابنهم *** من لا يرف عليه في الوغي العلم

قف منهم موقفاً تغلى القلوب به *** من فورة العتب واسأل ما الذي بهم

جفّت عزائم فهر أم تردى بردت *** منها الحمية أم قد ماتت الشيم

أم لم تجد لذع عتبي في حشاشتها *** فقد تساقط جمراً من فمي الكلم

اين الشهامة أم اين الحفاظ اما *** يأبي لها شرف الاحساب والكرم

ص: 25

تسبى حرائرها بالطف حاسرة *** ولم تكن بغبار الموت تلتثم

وقصائد السيد حيدر المعروفة بالحوليات تزيد على العشرين كلها على هذا اللون وهذا النسق والاتجاه ولهذا الشاعر نظائر تضيق بتعدادهم بطون الدفاتر لازالت ترددها المحافل وتسير بذكرها القوافل ، وحسبك ان تجد حتى الطبقة الاميّة من أبناء الشيعة يحفظ هذه الأشعار الحسينية ويستشهد بها ويستعذب انشادها وترديدها ، والحق ان المآتم الحسينية من اكبر وسائل التهذيب عند الشيعة وهي التي جندت اكبر عدد من أنصار اهل البيت والدعوة الى مبدأهم ونصرتهم ولفتت انظار الناس الى مظلوميتهم وحقهم المغتصب فلا تعجب اذا حاربها المعاند والجامد وراح يهزأ بها ، والمتجاهل المكابر ، حتى قال :

هتكوا الحسين بكل عام مرة *** وتمثلوا بعداوة وتصوروا

ويلاه من تلك الفضيحة انها *** تطوى وفي ايدي الروافض تنشر

وقال بعضهم :

لا عذّب اللّه يزيداً ولا *** مدت يد السوء الى رحله

لأنه قد كان ذا قدرة *** على اجتثاث الفرع من اصله

لكنه ابقى لنا مثلكم *** عمداً لكي يعذر في فعله

فيجيبه الشاعر الخفاجي (1) بقوله :

يا قاتل اللّه يزيداً ومن *** يعذره الكافر في فعله

اطفأ نوراً بعضه مشرق *** يدل بالفضل على كله

واللّه ابقى الفرع حرباً على *** من رام قطع الفرع من اصله

ليظهر الدين به والهدى *** ويجعل السادة من نسله

ص: 26


1- هو عبد اللّه بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي ، صاحب قلعة عزاز ، له شعر في امير المؤمنين (عليه السلام) توفي سنة 466 ه.

اما البيتين المتقدمين فقد ذكرهما السيد محمود شكري الآلوسي في ( مختصر التحفة الاثنى عشرية ) ص 383 والمطبوعة بالمطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1373 ه- وعليها تعليق محب الدين الخطيب وبعد أن عاب المظاهر الحسينية التي تقوم بها الشيعة قال : واللّه در من قال : هتكوا الحسين بكل عام مرة .. البيتين.

اقول وتقدم من شعراء الشيعة مدافعين عن عقائدهم بالرد على هذا الشاعر ، منهم العلامة الجليل الشيخ محمد رضا المظفر حيث يقول مشطراً :

( هتكوا الحسين بكل عام مرة ) *** قوم على تلك المآتم انكروا

قد حرموا فيه المواكب والبكا *** ( وتمثلوا بعداوة وتصوروا )

( ويلاه من تلك الفضيحة إنها ) *** أبداً على مر الليالي تذكر

احسبتم آثار هذا الدين ان *** ( تطوى وفي ايدي الروافض تنشر )

وقلت مشطراً :

( هتكوا الحسين بكل عام مرة ) *** اذ تبعث الذكرى فظائع تذكر

قد حاربوه وهو بضعة احمد *** ( وتمثلوا بعداوة وتصوروا )

( ويلاه من تلك الفضيحة انها ) *** عار بوجه امية لا ينكر

يا ساترا وجه الحقيقة لا تخل *** ( تطوى وفي ايدي الروافض تنشر )

أقول وقد جمع العلامة البحاثة السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم هذه الردود في كتابه ( عاشوراء في الاسلام ).

بوركت يا سيد الشهداء وبوركت نهضتك الجبارة فيما عرف التاريخ أيمن منها واكثر بركة ، انها علمتنا معنى العزة والكرامة والرجولة والشهامة ، وكيف يكون المؤمن بربه حقاً ، واذا عددنا امجاد العرب ففي مقدمة ذلك جهاد الحسين وثورة الحسين وإباء الحسين منذ الف وثلثمائة عام تمر بالعصور

ص: 27

فتستخدمها ويمر كل يوم ذكراه فيقيم الدنيا ويقعدها بالرغم من تقلب الزمان وتطور الاحداث يقول الكاتب المصري ابراهيم عبد القادر المازني :

لا يزال مصرع الحسين بعد اربعة عشر قرناً يهز العالم الاسلامي هزاً عنيفاً ، ولست اعرف في تاريخ الامم قاطبة حادثة مفردة كان لها هذا الاثر العميق على الزمن في مصائر دول عظيمة وشعوب شتى.

ولقد بلغت من الذيوع والشهرة ، ان اصبح يرويها الكبير والصغير والمسلم وغير المسلم.

وبعد فهي موضع الشاهد ومضرب المثل في كل ما يمر في هذه الحياة وسلوة المصاب وعزاؤه اذ انها تصغر عندها المصائب على حد قول الشاعر :

أنست رزيتكم رزايانا التي *** سلفت وهوّنت الرزايا الاتية

وفجائع الأيام تبقى مدة *** وتزول ، وهي الى القيامة باقية

يقول الشاعر العلوي السيد محمد سعيد الحبوبي مؤبناً السيد ميرزا جعفر القزويني - قائد الحركة الأدبية في عصره في الحلة الفيحاء موطن الادب والشعر - وكان الفقيد قد لبّى نداء ربه في اول محرم الحرام وبه تعود ذكرى الحسين فقال من قصيدة له :

كان المحرم مخبراً فأريتنا *** يا جعفر فيه الحسين قتيلا

فكأن جسمك جسمه لكنه *** كان العفير وكنت انت غسيلا

وكأن رأسك رأسه لو لم يكن *** عن منكبيه مميزاً مفصولا

وجبينك الوضاح مثل جبينه *** بلجاًوليس كمثله تجديلاً

وحملت أنت مشرّفاً ايدي الورى *** وثوى بنعش لم يكن محمولا

ص: 28

إن تنأ عنا راحلاً كرحيله *** فلرب سجاد تركت عليلا

ويدخل القاضي الرشيد ابو الحسين احمد بن القاضي الرشيد علي المصري الاسواني الى مصر بعد مقتل الظافر باللّه العباسي وجلوس الفائز باللّه ويحضر المأتم وقد حصر شعراء الدولة فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم فقام هذا الشاعر في آخرهم وأنشد قصيدته التي أو لها :

ما للرياض تميل سكراً *** هل سقيت بالمزن خمرا

إلى أن وصل الى قوله :

أفكربلاء بالعراق *** وكربلاء بمصر أخرى

فتذرف العيون ويعج القصر بالبكاء والعويل وتنثال العطايا من كل جانب على الناظم لاهتدائه لحسن المناسبة.

ويتكرر اسم الحسين علیه السلام على لسان امير الشعراء احمد شوقي فيقول في رثائه للزعيم مصطفى كامل باشا - مؤسس الحزب الوطني - في قصيدته التي أولها :

المشرقان عليك ينتحبان *** قاصيهما في مأتم والداني

ومنها :

يزجون نعشك في السناء وفي السنا *** فكأنما في نعشك القمران

وكأنه نعش الحسين بكربلا *** يختال بين بكى وبين حنان

ويقول شوقي بك في قصيدته الحرية الحمراء :

في مهرجان الحق أو يوم الدم *** مهج من الشهداء لم تتكلم

يبدو عليها نورَ نورُ دمآئها *** كدم الحسين على هلال محرم

ص: 29

ويفجع دعبل بن علي الخزاعي بولده الصغير احمد فيتأسى بمصارع آل محمد ، ويقول :

على الكره ما فارقت احمد وانطوى *** عليه بناء جندل ورزين

ولولا التأسي بالنبي وأهله *** لأسبل من عيني عليه شؤون

هو النفس ، الا أن آل محمد *** لهم دون نفسي في الفؤاد كمين

اضرّ بهم ارث النبي فأصبحوا *** يساهم فيهم ميتة ومنون (1)

دعتهم ذئاب من امية وانتحت *** عليهم دراكاً أزمة وسنون (2)

ويقول الحسين بن احمد الكاتب النيلي البغدادي المشهور بابن الحجاج من شعراء القرن الرابع الهجري :

وأبرصٌ من بني الزواني *** ملمّع أبلق اليدين

قلت وقد لجّ بي أذاه *** وزاد ما بينه وبيني

يامعشر الشيعة الحقوني *** قد ظفر الشمر بالحسين (3)

ويقول ابن عبدون احد شعراء الاندلس :

أراك ترنو اليّ شزراً *** بمقلة تستجيز حيني

كأنني من بني زياد *** وأنت من شيعة الحسين

ويقول الشيخ حمادي الكواز في معرض العتاب على الحبيب :

ص: 30


1- ساهم : قارع ( من القرعة ) واراد بالمنون : الاغتيال.
2- الدراك : المداركة ، اي الملاحقة. والسنة الازمة والقحط.
3- ذلك ان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين علیه السلام كان ابرصا.

شاب رأسي والحب فيكم وليد *** وبلى الجسم والغرام جديد

قتل الصبر كالحسين شهيداً *** لا لذب والهجر منكم يزيد

ومر الشاعر جعفر بن محمد الخطي سنة 1019 في سفينة مائية عابراً البحر بين كتكان وثوبلي وبوبهان - من قرى البحرين - وبينما هو في السفينة وثبت سمكة من البحر وهي من نوع السبيطي فشقت جبهته اليمنى فنظم قصيدة غراء اولها :

برغم العوالي والمهندة البتر *** دماء أراقتها سبيطية البحر

الى ان يقول والقصيدة طويلة :

لعمر أبي الخطى ان بات ثأره *** لذي غير كفو وهو نادرة العصر

فثار علي بات عند ابن ملجم *** وأعقبه ثأر الحسين لدى شمر

وحتى عند السكر والخمريات يكون منه موضع الشاهد فهذا شميم النحوي من شعراء القرن السادس والمتوفى سنة 601 يقول :

أمزج بمسبوك اللجين *** ذهبا حكته دموع عيني

لما نعى ناعي الفراق *** ببين من أهوى وبيني

وأحالها التشبيه لما *** شبهت بدم الحسين

خفقت لنا شمسان من *** لألائها في الخافقين

وبدت لنا في كأسها *** من لونها في حلتين

فاعجب هداك اللّه من *** كون اتفاق الضرتين (1)

ويقول سعيد بن هاشم العبدي احد شعراء القرن الرابع الهجري :

ص: 31


1- ترجمه اليعقوبي في البابليات - الجزء الاول.

أنا في قبضة الغرام رهين *** بين سيفين أرهفا ورديني

فكأن الهوى فتى علوي *** ظن اني وليت قتل الحسين

وكأني يزيد بين يديه *** فهو يختار أوجع القتلتين

وهكذا راح اسم الحسين وقصته يترددان على الافواه ويتخذ الناس منهما شاهداً ومثلاً وتأسيا واستشهادا :

بكاء الكائنات :

كان لعظم هذه الفاجعة التي لم يقع في الإسلام أفظع ولا أشنع منها ان تجاوبت الأرض والسماء بالعزاء. روى الآلوسي في شرح القصيدة العينية ان عبد الباقي العمري الموصلي رثى الحسين بقوله :

يا عاذل الصبّ في بكاه *** باللّه ساعفه في بكأئك

فانه ما بكى وحيداً *** على بني المصطفى اولئك

بل إنما قد بكت عليهم *** الإنس والجن والملائك

ويقول في ملحمته الكبيرة كما في الديوان :

قضى الحسين نحبه وما سوى *** اللّه عليه قد بكى وانتحبا

ويقول ابو الفرج ابن الجوزي في ( التبصرة ) :

لما كان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب ، فيستدل بذلك على غضبه وانه امارة السخط ، والحق سبحانه ليس بجسم فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الافق وذلك دليل على عظم الجناية.

والى قتل الحسين علیه السلام وحمرة السماء يشير أبو العلاء المعري في قصيدة اولها :

ص: 32

عللاني فان بيض الاماني *** فنيت والظلام ليس بفان

الى ان يقول فيها :

وعلى الدهر من دماء الشهيدين *** علي ونجله شاهدان

فهما في اواخر الليل فجران *** وفي أولياته شفقان

ثبتا في قيمصه ليجيء الحشر *** مستعدياً الى الرحمن

ومن لطيف الاستنتاج ما أنشدنيه الشيخ عبد الحسين الحويزي لنفسه :

كل شيء في عالم الكون أرخى *** عينه بالدموع يبكي حسينا

نُزهّ اللّه عن بًكأ ، وعلي *** قد بكأه - وكان لله عينا -

روي أن أم سلمة سمعت هاتفاً يقول كما روى الطبري في ج 6 ص 269 ، وابن الاثير في ج 4 ص 40 :

أيها القاتلون جهلاً حسيناً *** ابشروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم على لسان ابن داود *** وموسى وصاحب الانجيل

وروى ابن قولويه في الكامل ، انهم كانوا يسمعون نوح الجن في الليالي التي قتل فيها الحسين علیه السلام فمن شعرهم :

ابكي ابن فاطمة الذي *** من قتله شاب الشعر

ولقتله زلزلتموا *** ولقتله انخسف القمر

ومن نوحهم ما رواه هو وغيره :

نساء الجن يبكين *** من الحزن شجيّاتْ

ويلطمن خدوداً *** كألدنانير نقيات

ويلبسن الثياب السود *** بعد القصبيات

ص: 33

ويسعدن بنوح *** للنساء الهاشميات

ويندبن حسينا *** عظمت تلك الرزيات

ومن نوحهم ما رواه الشيخ المفيد رحمه اللّه عن رجل من بني تميم قال كنت جالساً بالرابية ومعي صاحب لي فسمعنا هاتفاً يقول :

واللّه ما جئتكم حتى بصرت به *** بالطف منعفر الخدين منحورا

وحوله فتية تدمى نحورهم *** مثل المصابيح يملون الدجى نورا

لقد حثثت قلوصي كي أصادفهم *** من قبل ، كيما ألاقي الخرّد الحورا

فعاقني قدر واللّه بالغة *** فكان امراً قضاه اللّه مقدورا

كان الحسين سراجاً يستضاء به *** اللّه يعلم اني لم أقل زورا

فقلت من أنت يرحمك اللّه ، قال وليٌ من جن نصيبين أردت أنا وأبي نصرة الحسين ومواساته فانصرفنا من الحج فرأيناه قتيلا.

وذكر ابن نما رحمه اللّه عن أبي حباب الكلبي قال : لما قتل الحسين (عليه السلام) ناحت عليه الجن فكان الجصاصون يخرجون بالليل الى الجبانة فيسمعون الجن يقولون :

مسح الحسين جبينه *** فله بريق في الخدود

وأبوه من أعلى قريش *** وجده خير الجدود

وناحت عليه الجن فقالت :

لمن الأبيات بالطف على كره بنينا *** تلك ابيات الحسين يتجاوبن رنينا

ص: 34

قال السيد الامين في الأعيان : والشك في ذلك ينبغي له التشكيك في قوله تعالى : « قلْ أوحي اليّ انه استمع نفر من الجن ».

وروى ان القوم لما ساروا برأس الحسين وبسباياه نزلوا في بعض المنازل ووضعوا الرأس المطهر فلم يشعروا الا وقد ظهر قلم حديد من الحائط وكتب بالدم :

أترجوا امة قتلت حسيناً *** شفاعة جده يوم الحساب

كذا في مجمع الزوائد لابن حجر ج 9 ص 199 ، والخصائص للسيوطي ج 2 ص 127 ، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 342 ، والصواعق المحرقة ص 116 والكواكب الدرية ج 1 ص 57 ، والاتحاف بحب الاشراف ص 23 ، وفي تاريخ القرماني ص 108 وصلوا الى دير في الطريق فنزلوا فيه ليقيلوا به فوجدوا مكتوباً على بعض جدرانه هذا البيت :

ومن ألوان الرثاء على الحسين ما رواه الشيخ يوسف البحراني عن زهر الربيع قال : ذكر بهاء المللة والدين أن أباه الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي دخل مسجد الكوفة فوجد حجراً احمراً مكتوباً فيه :

أنا در من السما نثروني *** يوم تزويج والد السبطين

كنت أصفى من اللجين بياضاً *** صبغتني دماء نحر الحسين

كذا في الكشكول للشيخ يوسف البحراني ص 17 عن كشكول الشيخ البهائي.

وما رواه السيد ابن طاووس أن الحسين علیه السلام لما نزل الخزيمية (1) أقام بها يوماً وليلة فلما اصبح اقبلت اليه اخته زينب فقالت : يا أخي أأخبرك بشيء سمعته البارحة ، فقال الحسين (عليه السلام) وما ذاك ، فقالت خرجت

ص: 35


1- الخزيمية بضم اوله وفتح ثانيه. تصغير خزم منسوبة الى خزيمة بن حازم وهو منزل من منازل الحج بعد الثعلبية من الكوفة.

في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفاً يهتف ويقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجهد *** ومن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا *** بمقدار الى انجاز وعد

فقال لها الحسين (عليه السلام) يا أختاه كل الذي قضى فهو كائن (1).

ص: 36


1- ولدت زينب الكبرى بعد الحسين (عليه السلام) في الخامس من شهر جمادي الاولى في السنة الخامسة من الهجرة وهي الملقبة بالصديقة الصغرى للفرق بينها وبين أمها الصديقة الكبرى. والقابها : عقيلة بني هاشم. عقيلة الطالبيين. الموثقة. العارفة. العالمة. والعقيلة في اللغة هي الكريمة في قومها والمخدرة في بيتها. وروت الحديث عن ابيها امير المؤمنين وعن امها فاطمة وروت خطبتها الشهيرة عنها. ولدتها الزهراء سلام اللّه عليها بعد شقيقها الحسين بسنتين. وجاء في خيرات الحسان وغيره ان مجاعة اصابت المدينة فرحل عنها بأهله عبد اللّه بن جعفر الطيار الى ضيعة له في الشام وقد حمت زوجته زينب من وعثاء السفر او ذكريات احزان واشجان من عهد سبي يزيد لآل رسول اللّه صلوات اللّه عليهم ، ثم توفيت على اثرها في النصف من رجب سنة 65 ودفنت هناك حيث المزار المشهور المعمور ومنذ سنين لاتقل عن عشر والعمران قائم على قدم وساق والهدايا والنذور والتبرعات جارية. وقد كتب على جبهة الباب الرئيسي : ألا زر بقعة بالشام طابت *** لزينب بضعة لابي تراب فقل للمذنبين ان ادخلوها *** تكونوا آمنين من العذاب ولما اهدي القفص الفضي المذهب الذي يزن 12 طنا المحلى بالجواهر الكريمة النادرة نظم المرحوم الشيخ علي البازي مؤرخاً كما رواه لي هو : هذا ضريح زينب قف عنده *** واستغفر اللّه لكل مذنب ترى الملا طراً واملاك السما *** ارخ ( وقوفاً في ضريح زينب ) ويقول الخطيب الشهير الشيخ قاسم الملا رحمه اللّه من قصيدة له عدد فيها كرامة الحوراء زينب : لمرقدها بالشام تروى ثقاتها *** وقيل بمصر ان هذا لاعجب لمرقدها بالشام دلت خوارق *** لها ينجلي من ظلمة الشك غيهب

زيارة الحسين وفضلها

جاءت الروايات بأسانيدها الصحيحة عن النبي وأهل البيت علیهم السلام في فضل زيارة الحسين وأن اللّه عوّض الحسين عن شهادته وتضحيته بان كان الشفاء في تربته واللأئمة من ذريته واستجابة الدعاء عند قبته ، وأن اللّه ينظر الى زوار قبر الحسين عشية عرفة قبل ان ينظر الى حجاج بيته الحرام. ذلك لأن الحسين حفظ حرمة البيت الحرام.

فقد قال لابن عباس عندما خرج من مكة المكرمة قبل ان يتم حجه يابن عباس لو لم اخرج لهتكت حرمة البيت.

وجاء عن الامام الباقر (عليه السلام) ان الحسين قتل مظلوماً فألى اللّه أن لايأتي قبر الحسين مظلوم الا تكفل برد مظلمته ، وأن الحسين قتل مهموماً حزيناً كئيباً فألى اللّه أن لايأتي قبر الحسين مهموم الا فرّج عنه. الى أمثال هذا كثير وكثير فقامت الشيعة بكل شوق تقصد قبر الحسين من البلدان النائية والاقطار البعيدة ولا يصدها عن ذلك تعب ولا نصب ولا خوف ولا خطر وتضحي بكل غال ورخيص في سبيل زيارة الحسين لتقف في مرقده المطهر وتستوحي من روحانية ابي الشهداء دروس العزة والتضحية ولترجع بذنب مغفور وطرف مقرور ، ومن اعظم المواسم التي تقصدها الشيعة - كما ارشدهم أئمتهم هي ليلة عاشوراء والتي في صبيحتها كان استشهاد الحسين علیه السلام . والكثير من الشيعة يحيى هذه الليلة بالدعاء واقامة العزاء وتلاوة مقتل الطف والبكاء لان الحسين علیه السلام أحياها بالصلاة والاستغفار وقراءة القرآن هو وأصحابه كما جاء في الرواية : بات الحسين وأصحابه ليلة العاشر من المحرم ولهم دوي كدوي النحل من التهجد والتضرع والدعاء والاستغفار ، فقال فيهم شاعرهم :

سمة العبيد من الخشوع عليهم *** لله ان ضمّتهم الأسحار

واذا ترجلت الضحى شهدت لهم *** بيض القواضب أنهم احرار

ص: 37

كربلاء في يوم عاشوراء

كلما عاد شهر محرم الحرام عادت معه ذكرى أبي الشهداء وشهيد الاباء أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام . عادت حافلة بالعَبرة والعِبرة وعادت الذكرى للحادثة الدامية فما من بقعة من بقاع الارض وفيها شيعة لأهل البيت ، إلا وأقيمت ذكرى الحسين (عليه السلام) وانتصب منبر الحسين وعزاء الحسين (عليه السلام) .

أما كربلاء - بلد الحسين ومحل استشهاده ومصرعه - فانها تلبس الحداد وتتجلبب بالسواد وتحمل شارات الحزن فلا تجد مكاناً ولا محلا ولا مخزناً ولا مسجداً الا وعليه شعار الحسين ويجتمع الناس وتغص كربلاء بالوفاد من جميع الاقطار الاسلامية فليس هناك منظر أعظم من ذلك المنظر في اللوعة والتفجع وتتوالى المواكب والاجتماعات فكل موكب يمثل بلداً من البلدان يحمل شعاره ويردد أناشيد الحزن والعزاء. فهذا موكب شباب الكاظمية في ليلة عاشوراء يحف بالراية العراقية ويشق

ص: 38

طريقه الى حرم الامام الحسين (عليه السلام) تتقدمه المشاعل الكهربائية والاعلام الحسينية وتتعالى نغمات الأناشيد قائلة :

أيها الذائد عن شرع الهدى *** أنت رمز للمعالي يا حسين

يومك السامي سيبقى خالداً *** أبد الدهر يهز الخافقين

وذاك موكب قضاء ( بلد ) قد كتب على الراية بحروف بارزة :

رزء الحسين السبط عم الورى *** ما بلد أولى به من ( بلد )

ويتلوه قضاء ( القورنة ) قد كتب على الراية :

من بلد ( القرنة ) جاءت لكم *** شيعتكم تسعى الى نينوى

إن طاح بالطف لواكم فقد *** جاءت لكم ترفع هذا اللوى

وهذا موكب بغداد يكتب على قطعة قماش :

صرخ النادبون باسم ابن طه *** وعليه لم تحبس الدمع عين

لم يصيبوا الحسين الا فقيداً *** حينما أرخوه ( أين الحسين )

ويمر موكب النجف الاشرف وهو أضخم موكب يكون ليلة عاشوراء مجلل بالوقار اذ يتقدمه الروحانيون بعمائمهم وشعاراتهم الدينية ويتوسطهم علم الحسين قد كتب عليه:

سيكون الدم الزكي لواء *** لشعوب تحاول استقلالا

ينبت المجد في ظلال البنود *** الحمر يهوى نسيجها سربالا

وهذا الصحن الحسيني على سعته يغص بالناس وفي الجهة الجنوبية الشرقية من الصحن الحسيني خزان ماء مبرد قد أسسته والدة السلطان عبد الحميد العثماني وعليه تاريخ التأسيس سنة 1281 ه- ببيت من الشعر

ص: 39

سلسبيل قد أتى تاريخه *** اشرب الماء ولا تنس الحسين

وتملكك الروعة عندما تشاهد الصحن وروعته وقد كتب القرآن على جوانبه بخطوط بارزة تقرأ جلية بالرغم من ارتفاع جدران الصحن حوالي 15 متر ، وأول ما تشاهده في وسط الصحن هو الإيوان الذهبي بجدرانه الذهبية المشعة وابواب الحرم الحسيني الذهبية وقد كتب عليها بالذهب الخالص :

فداء لمثواك من مضجع

وهي قصيدة من أروع الشعر لشاعر العرب - اليوم - الأستاذ محمد مهدي الجواهري ، وقصيدة الشاعر الكبير المرحوم السيد حيدر الحلي ومنها :

ياتربة الطف المقدسة التي *** هالوا على ابن محمد بوغائها

إلى غير ذلك من القطع الشعرية التي تزدان بها جدران الحرم الحسيني المقدس.

ص: 40

اربعين الحسين (عليه السلام) في كربلاء

يوم أربعين الحسين علیه السلام وهو يوم العشرين من صفر من أضخم المؤتمرات الاسلامية يجتمع الناس فيه كاجتماعهم في مكة المكرمة تلتقي هناك سائر الفئات من مختلف العناصر ويعتنق شمال العراق بجنوبه والوفود من بعض الأقطار الاسلامية فهذا الموكب يردد انشودته باللغة العربية ، وذاك باللغة التركية ، وثالث باللغة الفارسية ، ورابع باللغة الأوردية وهكذا.

ولست مبالغا اذا قلت ان هذا الموسم يجمع اكثر من مليون نسمة جاءت لاحياء ذكرى الأربعين أو لزيارة ( مردّ الرأس ) إذ أن الروايات تقول أن رأس الحسين علیه السلام اعيد الى الجسد الشريف بعد اربعين يوماً من استشهاده. جاء زين العابدين علي بن الحسين والفواطم معه ومعهم الرأس الشريف وبقية الرؤوس ومنه زيارة الأربعين.

ان هذه المواكب من سائر الأقطار ومختلف البلدان تؤم كربلاء وقد سجلت ادارة السلطة المحلية أكثر من 300 مؤكب أكثرها يضرب

ص: 41

الخيام حوالي كربلاء والبعض يحجز المحلات الكبيرة وتستهلك كربلاء في هذا الموسم من الرزما لا يقل عن مائة طن وكل موكب له منادون يدعون الناس الى المائدة وتناول الطعام باسم الحسين.

وتتخلل هذا الموسم زيارات التعارف بين المواكب وتبادل العواطف وتقديم التمنيات والتحيات وعظيم الأجر يوم الحشر ، ان الآلاف من الناس يقومون بالخدمة لهؤلاء الزوار ويسخون بانفسهم من أجل راحة الزائرين فالبعض بسقي الماء المعطر والمذاب فيه السكر ، والبعض برش ماء الورد ، والبعض بالتهوية بالمراوح اليدوية وهكذا.

الامام الحسين (عليه السلام)

ولد الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام بالمدينة لثلاث أو لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. وجاءت به امة فاطمة (عليه السلام) الى جده (صلی الله عليه وآله وسلم) فاستبشر به وسماه حسينا وعق عنه كبشاً. ويكنى ابا عبداللّه وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة بشهادة الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) . وبالاسناد الى سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال سمعت الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) يقول في الحسن والحسين علیهماالسلام : ( اللّهم اني احبهما وأحب من يحبهما ) وقال (صلی الله عليه وآله وسلم) : ( ان ابني هذين ريحانتي في الدنيا ). وحسبهما كرامة لايشاركان فيها ، أنها هما المرادان بالأبناء في آية المباهلة. وأنهما من أهل العباء الذين لا يدرك أمد فضلهم ، وممن نزل به قوله تعالى « ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً - الى ، وجزاهم جنة وحريرا ». وانهما من القربى. وممن نزلت بهم آية التطهير. وما الى ذلك من المناقب. وقد استفاضت أخبارها وملأت الدفاتر.

وهو الامام بعد أخيه بنص أبيه وتصريح جده (صلی الله عليه وآله وسلم) فيه وفي أخيه مما

ص: 42

هو نص جلي على امامتهما بقوله ( ابناي هذان امامان قاما أو قعدا ) وبوصية أخيه الحسن صلوات اللّه عليه فامامته بما ذكر وبكثير من الدلائل ثابتة. وطاعته لازمة. وما كف عن المطالبة بها بعد وفاة أخيه الا وفاء بالهدنة المعقودة بين أخيه وبين معاوية. ولما كتب له أهل العراق بعد وفاة أخيه بخلع معاوية والبيعة له امتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لايجوز له نقضه حتى تمضي المدة. ولما انقضت بمهلكه مدة الهدنة اظهر أمره بحسب الامكان وأبان عن حقه للجاهلين به حالا بعد حال الى ان اجتمع له في الظاهر الانصار فدعا الى الجهاد وشمًّر للقتال وتوجه بولده واهل بيته من حرم اللّه وحرم رسوله (صلی الله عليه وآله وسلم) نحو العراق للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء. وقدم أمامه ابن عمه مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) للدعوة الى اللّه والبيعة له على الجهاد فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه وضمنوا له النصرة والنصيحة. ووثقوا له في ذلك وعاقدوه. ولكن سرعان ان نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه فقتل بينهم ولم يمنعوه وخرجوا الى حرب الحسين (عليه السلام) وقد أجاب دعوتهم التي تواترت عليه بها كتبهم فحاصروه ومنعوه المسير الى بلاد اللّه واضطروه الى حيث لا يجد ناصرا ولا مهرباً منهم وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتى تمكنوا منه فقتلوه فمضى (عليه السلام) ظمآن مجاهداً صابراً محتسباً مظلوماً قد نكثت بيعته واستحلت حرمته ، ولم يوف له بعهد ، ولارعيت فيه ذمّة عقد. شهيداً على ما مضى عليه أبوه وأخوه وقد قتل معه ولده وأهل بيته وسير برأسه ورؤوس رهط من أصحابه وأبنائه سبايا الى الشام وجرى عليه وعلى اهل بيته من بعده من الفظائع ما هو مسطور ومشهور.

وان سألت عن الأهداف التي يهدف اليها الحسين والسر الذي ثار ابو الشهداء من أجله فاسمع كلماته التي صرخ بها في خطبته بالجيوش التي جاءت تحاربه قال :

ايها الناس ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم اللّه ناكثاً لعهد اللّه مخالفاً لسنة رسول اللّه يعمل في عباد اللّه بالاثم

ص: 43

والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولاقول كان حقاً على اللّه أن يدخله مدخله. ألا وان هولاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام اللّه وحرموا حلاله. وأنا احق من غيري ، وقد أتتني كتبكم ورسلكم وانكم لاتسلموني ولاتخذلوني فان بقيتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم وأنا الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول اللّه نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهلكم. الى آخر ما قال :

لم يكن سيد الشهداء بالرجل الطامع في حكم أو امارة أو مال ، فقد كان بوسعه أن يقول ( نعم ) لكي يحصل من وراء هذه القولة على ما يشاء من نعم الدنيا ، وكان خصومه مستعدين لأن يمنحوه ما يشاء لقاء أن يمسك لسانه وأن يلزم الصمت.

يظن البعض ان الامام الحسين علیه السلام أراد من رواء نهضته الحصول على زمام الحكم ولكن من يدرس فلسفة النهضة يتأكد لديه أن للحسين منزلة اجتماعية لدى المسليمن أبعد بكثير من منزلة الملوك والحكام.

قال عمر أبو النصر كانت ثورة الامام الحسين علیه السلام على يزيد ثورة أمة على حاكم لا يصلح للحكم ، وامام لم يتوفر فيه ما يجب أن يتوفر في المليك الحاكم والامام القائم من عدل وأخلاق وعلم وايمان ... ومن هذا يدل على ان الاسلام لا يؤيد الحاكم الطاغية ولا الامير العاتي بل انه ليذهب الى اكثر من هذا فيأمر المسلمين بابعاده والثورة ضده فمقام الحكم لا يليق الا للأفاضل من القوم الخلّص من البشر الذين يقسطون بين الناس ويقيمون العدل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

ولقد صرح الحسين (عليه السلام) برأيه فأرسل كلمته يوم خرج من المدينة فقال : أنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح

ص: 44

اللّه وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله.

انه علیه السلام يعلمنا كيف يكون المؤمن بربه شجاعاً في الحق لا ترهبه صولة الباطل ولا تخدعهٍ زهرة الحياة عن أداء رسالة الحق والخير والايمان حتى اذا عاش عاش عزيزاً ، واذا قضى قضى مع الأبرار كريماً.

« من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ».

وقد علّمنا علیه السلام أن اليد الطاهرة النقية لا تخضع لليد الآثمة الملوثة ، وقد قال لمروان بن الحكم : وعلى الاسلام السلام اذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

وقال لأخيه محمد بن الحنفية : واللّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية.

وخرج من المدينة يلازم الطريق الأعظم بالرغم من أن السلطة الأموية قد سدت الطرق بوجهه تريد قتله - فقال له اهل بيته : لو تنكبّت الطريق كما فعل ابن الزبير فقال (عليه السلام) : واللّه لا أفارق الطريق الأعظم حتى يقضي اللّه ما هو قاض.

غداة بنى عبد المناف انوفهم *** أبت أن يساف الضيم فيها بمنشقِ

سرت لم تنكّب عن طريق لغيره *** حذار العدى بل بالطريق المطرق

إلى أن أتت أرض الطفوف فخيّمت *** بأعلى سنامِ للعلاء ومفرق

ص: 45

تاريخ مقتله (عليه السلام)

مضى الحسين (عليه السلام) في يوم السبت العاشر من المحرم سنة احدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه قتيلاً مظلوماً وسنّة ثمان وخمسون سنة أقام منها مع جده رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) سبعاً سنين ومع أبيه علي (عليه السلام) سبعاً وثلاثين سنة ومع أخيه الحسن (عليه السلام) سبعاً واربعين سنة ، وكانت مدة خلافته بعد اخيه احدى عشر سنة انتهى ملخصاً ببعض التصرف عن ارشاد المفيد. أقول والأصح انه علیه السلام قتل يوم الجمعة العاشر من المحرم اذ كان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الأربعاء وتواترت الروايات انه علیه السلام نزل كربلاء يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم ، وتقول اكثر الروايات : واصبح ابن سعد يوم عاشوراء وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت.

زوجات الحسين علیه السلام واولاده

1 - شهر بانويه بنت يزدجرد بن شهريار كسرى - وهي ام الامام زين العابدين علي بن الحسين علیه السلام .

2 - ليلى بنت أبي مرة بن عروة الثقفي - عظيم القريتين الذي قالت قريش فيه ( لولا أُنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) وعنوا بالقريتين مكة والطائف. وليلى هي امّ علي الأكبر بن الحسين المقتول بالطف بين يدي أبيه.

3 - الرباب بنت امريء القيس بن عدي ، الكلبية ، وهي ام عبد اللّه الرضيع بن الحسين ، وسكينة بنت الحسين.

ص: 46

4 - ام اسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه التيمية ، ام فاطمة ام الحسن وكنت أولاً عند الامام الحسن علیه السلام ، وإنما تزوجها الحسين بوصية من الحسن اذ قال له عند موته :

لا أريد أن تخرج هذه المرأة من بيتكم ، واني راض عنها.

5 - القضاعية وهي ام جعفر بن الحسين وقد مات في حياة ابيه.

فعلى هذا يكون اولاد الحسين علیه السلام ستة : أربعة ذكور وابنتان وهم :

1 - علي بن الحسين الأكبر وهو الذي استشهد في كربلاء ويكنى أبو الحسن.

2 - علي بن الحسين السجاد ويكنى ابو محمد.

3 - عبد اللّه قتل مع أبيه صغيراً يوم الطف ، جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه.

4 - جعفر بن الحسين.

5 - فاطمة.

6 - سكينة.

وجاء في بعض الاخبار ان للحسين ولدين آخرين وهما : محمد بن الحسين ، ومحسن بن الحسين المدفون في جبل جوشن قرب حلب.

ومن حكم الحسين القصيرة الفارعة الرائعة.

قال رجل عند الحسين ان المعروف اذا أسدي الى غيري أهله ضاع فقال الحسين ليس كذلك ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر.

وقال ما أخذ اللّه طاقة احد الا وضع عنه طاعته ولا اخذ قدرته الا وضع عنه كلفته.

ص: 47

وقال : العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ولا يثق بمن يخاف غدره ، ولا يرجو من لا يوثق برجائه.

وقال : ان قوماً عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار ، وان قوماً عبدو اللّه شكراً فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة.

وسئله رجل عن معنى قوله تعالى : « واما بنعمه ربك فحدث » قال امره أن يحدثه بما انعم اللّه به عليه في دينه.

وقال اذا سمعت أحداً يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك فان أشقى الاعراض به معارفه.

وللامام الحسين (عليه السلام) كلمات آية في الاقناع ، وفي ذروة البلاغة سهلة اللفظ جيّدة السبك متراصفة الفقرات متلائمة الأطراف تملك القلوب وتستعبد الأسماع كقوله : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم الخ ... ومن عظيم بلاغته دعاؤه يوم عرفه دعابه وهو واقف على قدميه في ميسرة الجبل تحت السماء رافعاً يديه بحذاء وجهه خاشعاً متبتلاً وهو دعاء طويل مشهور.

ص: 48

شعراء الحسين علیه السلام في القرن الاول الهجري

اشارة

ص: 49

ص: 50

1 - عقبة بن عمرو السهمي

2 - سليمان بن قتة

3 - ابو الرميح الخزاعي - عمير بن مالك

4 - الرباب بنت امريء القيس الكلبي

5 - بشير بن جذلم

6 - جارية هاشمية تنعي الحسين

7 - بنت عقيل بن أبي طالب

8 - فاطمة - ام البنين الكلابية -

9 - ام كلثوم بنت امير المؤمنين

10 - الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب

11 - كعب بن جابر الأزدي

12 - عبيد اللّه بن الحر الجعفي

13 - ابو الاسود الدؤلي - ظالم بن عمرو

14 - يزيد بن ربيعة بن مفرّغ

15 - عبيد اللّه بن عمرو الكندي البدي

16 - عامر بن يزيد بن ثبيط العبدي

17 - الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب

18 - عوف بن عبد اللّه بن الأحمر الأزدي

19 - أبو دهبل وهب بن زمعة

20 - المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب

21 - مصعب بن الزبير بن العوام

22 - عبد اللّه بن الزبير الأسدي

23 - يحيى بن الحكم بن العاص

24 - خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي

25 - شيخ يروي أبيات قالها جده في الحسين (عليه السلام)

ص: 51

1 - عقبة بن عمرو السهمي :

قصد كربلاء في أواخر المائة الأولى ، الشاعر العربي المعروف عقبة ابن عمرو السهمي - من بني سهم بن عون بن غالبة ، لزيارة قبر الحسين ، ووقف بإزاء القبر ورثى الحسين (عليه السلام) بالأبيات التالية :

مررت على قبر الحسين بكربلا *** ففاض عليه من دموعي غزيرها

وما زلت أبيكه وأرثي لشجوه *** ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وبكّيت من بعد الحسين عصائباً *** أطافت به من جانبيه قبورها

اذا العين قرت في الحياة وأنتم *** تخافون في الدنيا فأظلم نورها

سلام على أهل القبور بكربلا *** وقلّ لها مني سلام يزورها

سلام بآصال العشى وبالضحي *** تؤديه نكباء الرياح ومورها

ولا برح الوفّاد زوار قبره *** يفوح عليهم مسكها وعبيرها

ص: 52

قال السيد الأمين في الجزء 41 من الأعيان : عقبة بن عمرو السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب ، قال يرثي الحسين وهو اول شعر رثي به علیه السلام : اذا العين قرت في الحياة وأنتم ...

وقال سبط ابن الجوزي عن السدي أن أول شعر رثي به الحسين (عليه السلام) قول عقبة بن عمرو السهمي - من بني سهم بن عوف بن غالب - ورواه المفيد رحمه اللّه في المجالس بسنده عن ابراهيم بن داحة (1) قال من قصيدة هذا مطلعها : اذا العين قرت في الحياة ... الخ

وقال الطريحي في المنتخب : ولله در من قال وهو على مانقل أول شعر قيل في الحسين علیه السلام .

ص: 53


1- ابن داحة ، ويقال له ابن ابي داحة ، وهو ابراهيم بن سليمان المزني ، يحكى عن الجاحظ انه ذكره في كتاب الحيوان وقال : وكان ابن داحة رافضياً.

2 - سليمان بن قتة :

اشارة

قال السيد الامين في ( أعيان الشيعة ) وينبغي ان يكون اول من رثاه سليمان بن قتة العدوي التيمي مولى بني تيم بن مرة ، توفي بدمشق سنة 126.

وكان منقطعاً الى بني هاشم فإنه مر بكربلاء بعد قتل الحسين بثلاث فنظر الى مصارعهم واتكأ على فرس له عربية وأنشأ يقول :

مررت على أبيات آل محمد *** فلم أرها أمثالها يوم حلت (1)

ألم تر أن الشمس أضحت مريضة *** لقتل حسين والبلاد اقشعرت

وكانوا رجاء ثم أضحوا رزية *** لقد عظمت تلك الرزايا وجلت

وتسألنا قيس فنعطي فقيرها *** وتقتلنا قيس إذا النعل زلت

وعند غني قطرة من دمآئنا *** سنطلبها يومآ بها حيث حلت

فلا يبعد اللّه الديار واهلها *** وإن أصبحت منهم برغم تخلت

وان قتيل الطف من آل هاشم *** أذل رقاب المسلمين فذلت

وقد أعولت تبكي السمآء لفقده *** وأنجمنا ناحت عليه وصلت

ص: 54


1- هذه الأبيات ذكرها الفاضل المجلسي « ره » وغيره كما ذكرها ابو الفرج في المقاتل لسليمان واوردها ابن شهر اشوب وغيره ايضا له.

فقال له عبد الرحمن بن حسن بن حسن : هلا قلت ( رقاب المسلمين فذلت ) وبعضهم يروي هذه الأبيات لأبي الرميح الخزاعي.

والظاهر أن لكل من سليمان بن قتة وأبي الرميح أبياتاً في رثاء الحسين علیه السلام على هذا الوزن وهذه القافية ، وقد أدخل بعض أبيات كل منهما في أبيات الآخر وستأتي ترجمة أبي الرميح.

أقول : وفي كتاب ( رغبة الامل من كتاب الكامل ) للمرصفي : سليمان بن قنة بفتح القاف والنون المشددة ، وفي مكان آخر ذكره قتة بالتاء. ثم ذكر الغريب في الشعر فقال : ( غني ) يريد قبيلة غني بن اعصر بن سعيد بن قيس عيلان بن مضر. ( وتقتلنا قيس ) يريد منهم شمر بن ذي الجوشن بن الأعور بن عمرو بن معاوية بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة الذي حرض عبيد اللّه بن زياد على قتل الحسين ونادى في الناس : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ، اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم.

والذي تولى قتله قيما يروى سنان بن أنس النخعي. انتهى.

أقول والأصح أن قاتله شمر كما في أكثر المقاتل ونظم كثير من الشعراء ذلك ، يقول الحاج هاشم الكعبي :

و مرَّ يحز النحر غير مراقبٍ *** من اللّه لا يخشى ولا يتوجّل

وقال السيد جعفر الحلي :

شلّ الاله يدي شمر غداة على *** صدر ابن فاطمة بالسيف قد بركا

ومن شعر سليمان ما رواه السيد في الاعيان ج 35 ص 365 :

عين جودي بعبرة وعويل *** واندبي ان ندبت آل الرسول

ستة كلهم لصلب علي *** قد اصيبوا وسبعة لعقيل

واندبي ان بكيت عوناً أخاهم *** ليس فيما ينوبهم بخذول

ص: 55

وسمي النبي غودر فيهم *** قد علوه بصارم مصقول

واندبي كهلهم فليس اذا ما *** عدّ في الخير كهلهم كالكهول

فلعمري لقد اصيب ذوو القربى *** فبكّى على المصاب الجليل

فإذا ما بكيت عيني فجودي *** بدموع تسيل كل مسيل

قال السيد الامين في ج 35 ص 362.

عّده ابن شهر آشوب في المعالم من شعراء اهل البيت المتقين فقال : سليمان بن قتة التيمى الهاشمي. وفي كامل المبرد ج 1 ص 106 هو رجل من بني تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، وكان منقطعا إلى بني هاشم انتهى. وكان من الشيعة التابعين والشعراء ، اقول ذكر السيد الأمين الابيات المتقدمة وقال :

كثر ذكر الناس لها ، واختلفت روايتهم لها بالزيادة والنقصان وتغيير بعض الألفاظ ففي كامل المبرد قال سليمان بن قتة ، ( وذكر الأبيات ) وفي تهذيب تاريخ ابن عساكر قال سليمان بن قتة يرثي الحسين ( وذكر الابيات ) وبها بعض الاختلاف وفي الجزء 14 ص 448 من الاعيان قال :

التيمي تيم بن مرة اورد له ابن الأثير في الكامل هذه الابيات في رثاء الحسين علیه السلام وقال : وكان منقطعاً إلى بني هاشم ولم يذكر اسمه وبعضهم نسبها لسليمان بن قتة العدوي مولى بني تميم ، وقيل انها لابي الرميح الخزاعي ومن المحتمل ان يكون المراد بالتيمي سليمان بن قتة وان يكون الصواب مولى بني تيم واللّه اعلم.

وقال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ، سليمان بن قتة القرشي العدوي مولى بني تيم بن مرة ويقال له الهاشمي. والضبط قتة بفتح القاف وتشديد المثناة من فوق ثم الهاء. كان من الشيعة وله ابيات يرثي بها الحسن المجتبى ومراث كثيرة للحسين علیه السلام والقتلى معه.

وقال الشيخ عباس القمي : قَتّة كضبَّة : اسم أم سليمان ، واسم والده

ص: 56

حبيب المحاربي وهو تابعي مشهور. وقيل أنّ سليمان هو أوّل من رثى الحسين : مَرّ بكربلاء فنظر إلى مصارع الشهداء فبكى حتى كاد ان يموت ثم قال : الأبيات.

توضيح

اراد بقوله : ستة كلهم لصلب علي هم :

1 - الحسين بن علي بن طالب وامه فاطمة الزهراء

2 - العباس بن علي بن أبي طالب وامه أم البنين فاطمة بنت حزام.

3 - عبد اللّه بن علي بن أبي طالب وامه أم البنين فاطمة بنت حزام.

4 - عثمان بن علي بن أبي طالب وامه أم البنين فاطمة بنت حزام.

5 - جعفر بن علي بن أبي طالب وامه أم البنين فاطمة بنت حزام.

6 - ابو بكر بن علي بن أبي طالب واسمه محمد الأصغر أو عبداللّه وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد

فهؤلاء الستة لصلب علي علیه السلام واختلف في غيرهم.

وقوله وسبعة لعقيل وهم :

1 - مسلم بن عقيل بن أبي طالب

2 - عبد اللّه بن مسلم بن عقيل

3 - محمد بن مسلم بن عقيل

4 - محمد بن أبي سعيد بن عقيل

5 - عبد الرحمن بن عقيل

6 - جعفر بن عقيل

هؤلاء الذين ذكرهم السماوي في ( ابصار العين ) وهو ينطبق على شعر المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وكان مع الحسين إلا

ص: 57

انه مرض في الطريق فعزم عليه الحسين ان يرجع فرجع فلما بلغه قتله رثاه فكان من مرثيته :

وستة ليس لهم مشبه *** بني عقيل خير فرسان

ولكن الذي ذكره المؤرخون اكثر من ستة.

وقوله : واندبي ان بكيت عونا أخاهم.

يعني به عون بن عبداللّه بن جعفر بن ابي طالب وامه زينب الكبرى العقيلة بنت أمير المؤمنين علیه السلام . وامها فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال السروي : برز عون بن عبد اللّه بن جعفر الى القوم وهو يقول :

ان تنكروني فأنا ابن جعفر *** شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح اخضر *** كفى بهذا شرفاً في المحشر

فضرب فيهم بسيفه حتى قتل منهم ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً ثم ضربه عبد اللّه بن قطنة الطائي النهباني بسيفه فقتله.

وبقوله : وسمي النبي غودر فيهم. أراد به محمد بن عبد اللّه بن أبي طالب امه الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف.

قال السروي : تقدم محمد قبل عون إلى الحرب فبرز اليهم وهو يقول :

أشكو إلى اللّه من العدوان *** فعال قوم في الردى عميان

قد بدلوا معالم القرآن *** ومحكم التنزيل والتبيان

فقتل عشرة أنفس ثم تعطفوا عليه فقتله عامر بن نهشل التميمي.

ص: 58

3 - ابو الرميح الخزاعي :

ابو الرميح الخزاعي هو عمير بن مالك بن حنظل بن عبد شمس بن سعد بن غنم بن حيلب بن جبير بن عدي بن سلول الخزاعي.

توفي في حدود سنة 100 ، كان شاعراً مكثراً الشعر في رثاء الحسين علیه السلام ، مقلاً في غيره كما قال ابن النديم ، وكان ابوه مالك بن حنظلة من الصحابة كما في الاصابة ، وكان يزور آل محمد فيجتمعون اليه ويقرأ عليهم مراثيه.

حدث المرزباني قال دخل أبو الرميح على فاطمة بنت الحسين بن علي (عليهم السلام) فأنشدها مرثيته في الحسين (عليه السلام) :

أجالت على عيني سحائبُ عبرة *** فلم تصح بعد الدمع حتى ارمعلّت

تبكّى على آل النبي محمد *** وما اكثرت في الدمع لابل اقلت

اؤلئك قوم لم يشيموا سيوفهم *** وقد نكأت أعداءهم حين سلت

وإن قتيل الطف من آل هاشم *** أذل رقاباً من قريش فذلت

ص: 59

فقالت فاطمة : يا أبا الرميح هكذا تقول ، قال : فكيف اقول جعلني اللّه فداك ، قالت قل : اذل رقال المسلمين فذلت.

فقال : لا أنشدها بعد اليوم إلا هكذا.

وهذا البيت مذكور لسليمان بن قتة العدوي ولعله تضمنه او استشهد به.

وفي الجزء الاول من الأعيان القسم الثاني ص 165 :

أبو الرميح الخزاعي عمر بن مالك بن حنظلة ، له رثاء في الحسين توفي حدود المائة.

ص: 60

4 - الرباب

قالت الرباب بنت امرىء القيس بن عدي زوجة الحسين علیه السلام ترثيه. وقد توفيت سنة 62 ه.

إن الذي كان نوراً يستضاء به *** في كربلاء قتيل غير مدفونِ

سبط النبي جزاك اللّه صالحة *** عنا وجنّبتَ خسران الموازين

قد كنت لي جبلاً صلداً ألوذ به *** وكنت تصحبنا بالرحم والدين

َمن لليتامى ومن للسائلين ومن *** يغني وياوي اليه كل مسكين

واللّه لا أبتغي صهراً بصهركم *** حتى أغيّب بين اللحد والطين

وقالت الرباب ايضاً وهي بالشام بعد ما اخذت رأس الحسين « ع » وقبلته ووضعته في حجرها ، كما في تاريخ القرماني ص 4 وتذكرة الخواص ص 147 :

واحسيناً فلا نسيت حسيناً *** أقصدته أسنة الأعداءِ

غادروه بكربلاء صريعاً *** لا سقى اللّه جانبي كربلاء

ص: 61

كانت الرباب بنت امرىء القيس من خيرة النساء وأفضلهن ، جاء بها الحسين « ع » مع حرمه الى الطف ، وحملت معهن الى الكوفة ورجعت مع الحرم الى المدينة فأقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين « ع » ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله بسنة كمداً. رواه ابن الأثير في تاريخه ج 4 ص 36.

ويقول ابن الأثير : وليس بصحيح انها اقامت على قبر الحسين سنة وفي تذكرة الخواص وابن الأثير والأغاني انها في تلك السنة التي عاشت بها خطبها الاشراف فأبت وقالت ما كنت لأتخذ حماً (1) بعد رسول اللّه. وحق لها إذا امتنعت فانها لا ترى مثل سيد شباب أهل الجنة.

ولما رجعت من الشام أقامت المأتم على الحسين وبكت النساء معها حتى جفت دموعها ، ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت أن يصنع السويق ، وقالت : انما نريد أن نقوي على البكاء رواه المجلسي في البحار ج 10 ص 235 عن الكافي.

وفي الأغاني قال هشام بن الكلبي : كانت الرباب من خيار النساء وافضلهن. وفي نسمة السحر : كانت من خيار النساء جمالا وأدباً وعقلاً. أسلم أبوها في خلافة عمر وكان نصرانياً من عرب الشام فما صلى صلاة حتى ولّاه عمر على من أسلم بالشام من قضاعة ، وما أمسى حتى خطب اليه علي بن أبي طالب ابنته الرباب على ابنه الحسين فزوجه اياها.

والرباب هي بنت امرى القيس بن عدي بن اوس بن جابر بن كعب بن عليم بن هبل بن عبد اللّه بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب ، زوجة الحسين « ع » فولدت للحسين « ع » سكينة عقيلة قريش وعبد اللّه بن الحسين « ع »

ص: 62


1- الحم احد الاحماء. اقارب الزوج.

قتل يوم الطف وامه تنظر اليه. وقال ابن الأثير في ج 4 ص 45 : كان مع الحسين امرأته الرباب بنت امرىء القيس وهي ام ابنته سكينة وحملت الى الشام فيمن حمل من أهله ثم عادت إلى المدينة فخطبها الأشراف من قريش فقالت ما كنت لأتخذ حموا بعد رسول « ص » وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً ، وقيل انها قامت على قبره سنة وعادت الى المدينة أسفاً عليه.

وقال السيد الأمين في الاعيان في الجزء الأول من القسم الثاني :

والرباب بنت امرىء القيس بن عدي بن اوس زوجة الحسين « ع » لها فيه رثاء ، ماتت سنة 62.

ص: 63

5 - بشير بن جذلم : 6 - جارية تنعي الحسين « ع » :

يا اهل يثرب لامقام لكم بها *** قتلٍ الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرّج *** والراس منه على القناة يدار

وفي بعض الروايات زيادة قوله :

يا أهل يثرب شيخكم وإمامكم *** ما منكم أحد عليه يغار

ص: 64

قال السيد الأمين في الأعيان : بشير بن جذلم من أصحاب علي ابن الحسين « ع » ذكره السيد علي بن طاووس في كتاب ( اللّهوف على قتلى الطفوف ) وظاهره أنه كان مع علي بن الحسين واهل بيته حين توجهوا من العراق الى المدينة ولا يعلم سبب وجوده معهم.

قال الراوي : ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة. قال بشير ابن جذلم : فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين فحط رحاله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه ، وقال : يابشير رحم اللّه أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شي منه ، قلت بلى يا بن رسول اللّه اني لشاعر ، فقال : ادخل المدينة وانع أبا عبد اللّه ، قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي « ص » رفعت صوتى بالبكاء وأنشأت أقول :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها. الابيات

ثم قلت هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه ، قال : فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن ضاربات خدودهن يدعين بالويل والثبور ، فلم أر باكيا اكثر من ذلك اليوم ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه ، وسمعت جارية تنوح على الحسين « ع » فتقول :

نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا *** وأمرضني ناع نعاه فأفجعا

فعينيّ جودا بالدموع واسكبا *** وجودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دهى عرش الجليل فزعزعا *** فأصبح هذا المجد والدين أجدعا

على ابن نبي اللّه وابن وصيه *** وإن كان عنا شاحط الدار اشسعا

ثم قالت أيها الناعي جددتَ حزننا بأبي عبد اللّه وخدشت منا قروحاً لما تندمل فمن أنت رحمك اللّه فقلت انا البشير بن جذلم وجهني

ص: 65

مولاي علي بن الحسين وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبا عبد اللّه الحسين ونسائه ، قال فتركوني مكاني وبادروني فضربت فرسي حتى رجعت اليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان علي بن الحسين داخلاً فخرج وهو يمسح دموعه بمنديل وخلفه خادم معه كرسي فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة وارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية يعزونه ، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة ، فأومأ بيده أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال : ( خطبة الامام زين العابدين علي بن الحسين علیه السلام ).

ص: 66

7 - ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب :

مآذا تقولون إن قال النبي لكم *** ماذا فعلتم وأنتم اخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي *** منهم أسارى ومنهم ضرّ جوا بدم

ما كان هذا جزائي اذ نصحت لكم *** أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي (1)

ص: 67


1- مروج الذهب ج 2 ص 75 ، والطبري ج 6 ص 221 ، وابن الاثير ج 4 ص 39.

قال السيد الأمين في الأعيان ج 4 ص 372 : خرجت ام لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين ومعها اخواتها ، ام هاني وأسماء ورملة وزينب بنات عقيل تبكي قتلاها بالطف وتقول :

ماذا تقولون ان قال النبي لكم الأبيات

وفي الجزء14 ص 169 قال : روى ابن الاثير في الكامل وغيره في غيره أنه لما أتى البشير بقتل الحسين « ع » الى عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة قال له : ناد بقتله فنادى فصاح نساء بني هاشم وخرجت بنت عقيل بن ابي طالب ومعها نساؤها حاسرة تلوي ثوبها وهي تقول :

ماذا تقولون ان قال النبي لكم الابيات

فلما سمع عمرو اصواتهن ضحك وقال :

عجّت نساء بني زياد عجةً *** كعجيج نسوتنا غداة الأرنبٍ

قال والارنب : وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب ، وهذا البيت لعمرو بن معد يكرب انتهى.

وفي جزء 32 ص 137 :

لما جاء نعى الحسين « ع » الى المدينة خرجت ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب حين سمعت نعي الحسين « ع » حاسرة ومعها اخواتها : ام هاني واسماء ورملة وزينب بنات عقيل بن ابي طالب - والظاهر ان رملة كانت أكبرهن - تبكي قتلاها بالطف وهي تقول : ماذا تقولون إن قال النبي لكم. البيتان.

قال الصادق « ع » ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رؤى في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد اللّه بن زياد.

وقالت فاطمة بنت أمير المؤمنين « ع » : ما تحنّات امرأة منا ولا

ص: 68

أجالت في عينها مردوداً ، ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد اللّه بن زياد.

والأبيات المذكورة ذكرها أيضاً ابن نما في ( مثير الأحزان ) وفي اللّهوف لابن طاووس ، ويقول ابن جرير في التاريخ ج 6 ص 268 انها لبنت عقيل بن أبي طالب وكذا رأي ابن الأثير. وفي رواية ابن قتيبة في عيون الاخبار ج 1 ص 212 للأبيات خلاف ، وفي مقتل الخوارزمي ج 2 ص 76 : ان زينب بنت عقيل بن ابي طالب قالت البيتبن الاولين ، وفي رواية أخرى ان بنت عقيل بن ابي طالب قالت وذكر اربعة أبيات ، والرابع منها :

ضيعتم حقنا واللّه أوجبه *** وقد رعى الفيل حق البيت والحرم

ونسبها ابن شهر اشوب في المناقب الى زينب بنت امير المؤمنين « ع » وانها انشأت الابيات الثلاثة بعد خطبتها بالكوفة.

وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ان زينب بنت عقيل بن ابي طالب قالت : وذكر اربعة ابيات ، وكان الرابع في روايته :

ذريتي وبنو عمي بمضيعة *** منهم اسارى وقتلى ضرجوا بدم

ونسب ابن حجر الهيتمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 200 الابيات الثلاثة الى زينب بنت عقيل بن أبي طالب ، وفي ارشاد المفيد رحمه اللّه : لما سمعت ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب بنعي الحسين خرجت تنعاه ومعها اخواتها : ام هاني واسماء ورملة وزينب. وذكر الابيات الثلاثة واقول ورأيت في بعض كتب المقاتل : وخرجت اسماء بنت عقيل بن أبي طالب في جماعة من نسائها حاسرة حتى انتهت الى قبر رسول اللّه « ص » فلاذت به وشهقت عنده ثم التفتت الى المهاجرين والانصار وهي تقول : ماذا تقولون ان قال النبي لكم ... الخ فأبكت

ص: 69

من حضر ولم ير باك وباكية اكثر من ذلك اليوم (1).

أما السيد الامين في الاعيان ج 11 م12 ص 218 قال :

قال ابن شهر اشوب في المناقب أنه لما قتل الحسين علیه السلام خرجت اسماء بنت عقيل بن أبي طالب تنوح وتقول :

ماذا تقولون ان قال النبي لكم *** يوم الحساب وصدق القول مسموع

خذلتم عترتي او كنتم غيباً *** والحق عند وليّ الامر مجموع

أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما *** منكم له اليوم عند اللّه مشفوع

ما كان عند غداة الطف اذ حضروا *** تلك المنايا ولا عنهن مدفوع

ص: 70


1- امالي الشيخ الطوسي ص 55.

8 - ام البنين :

اشارة

ام البنين ترثي اولادها كما انشده ابو الحسن الأخفش في شرح الكامل للمبرد ، وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم وتحمل عبيد اللّه بن العباس معها فيجتمع أهل المدينة لسماع رثائها وفيهم مروان بن الحكم فيبكون لشجّي الندبة ، فمن قولها :

يا من رأى العباسَ كرّ *** على جماهير النقدْ (1)

ووراه من أبناء حيدر *** كلّ ليثٍ ذيِ لبد

أنبئت أنّ ابني أصيبَ *** براسه مقطوع يد

ويلي على شبلي أما *** لَ برأسه ضرب العمد

لوكأن سيفك في يد *** يك لما دنا منه أحد

ومن قولها :

لا تدعوّني ويك أم البنين *** تذكّريني بليوث العرين

كانت بنون لي أدعى بهم *** واليوم اصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الرُبى *** قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصانُ اشلاءهم *** فكّلهم أمسى صريعا طعينْ

يا ليت شعري أكما أخبروا *** بأنّ عباساً قطيع الوتين (2)

ص: 71


1- النقد : نوع من الغنم قصار الارجل. والعباس من اسماء الاسد
2- 2 - عن ابصار العين والأعيان

أم البنين هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة أخي لبيد الشاعر ابن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابية زوجة الامام امير المؤمنين ذكر أهل الانساب ان أمير المؤمنين علي علیه السلام قال لاخيه عقيل بن ابي طالب - وكان عالماً بانساب العرب - انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً ، فقال له اين أنت عن فاطمة بنت حزام (1) فانه ليس في العرب أشجع من ابائها الذين يقول فيهم لبيد للنعمان ابن المنذر ملك الحيرة :

نحن بني أم البنين الاربعة *** الضاربون الهام وسط المجمعة

والمطعمون الجفنة المدعدعة *** ونحن خير عامر بن صعصعة

وامها ثمامة بنت سهيل بن عامر الذين منهم عروة الرحال صاحب الردافة والرحلة الى الملوك وهو الذي اجار حمولة النعمان على أهل الشيح والقيصوم من أهل نجد وتهامة ، ومنهم ابو براء عامر بن مالك الذي يقال له ملاعب الاسنة لشجاعته وفروسيته. كذا ذكر السيد الداودي في ( العمدة ) وجاء في كتاب الكنى والألقاب للشيخ القمي : ان عامر بن مالك العامري الكلابي الملقب بملاعب الاسنة ، هو الذي كان به مرض الاستسقاء فبعث الى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، لبيد ابن ربيعة مع هدايا فلم يقبلها - لانه صلی اللّه علیه و آله كان لا يقبل هدية مشرك ، ثم أخذ جثوة (2) من الأرض فتفل عليها وقال للبيد : دفها بماء ثم أسقها اياه ، فأخذها متعجباً يرى انه قد استهزء به فأتاه فشربها ، فأطلق من مرضه.

وقال السيد الأمين في الأعيان : أم البنين من بيت عريق في

ص: 72


1- جاء في الاصابة ج 1 ص 375 والمعارف لابن قتيبة ص 92 ان والد ام البنين اسمه حرام بالراء المهملة بعد الحاء. وعند ابن الاثير وابن جرير وابي الفداء وغيرهم بالزاء المعجمة.
2- 2 - الجثوة بالجيم مثلثة : الحجارة المجموعة

العروبة (1) والشجاعة. تزوج بها أمير المؤمنين اما بعد وفاة الصديقة فاطمة الزهراء ( كما يراه الطبري في ج 6 ص 89 ، وابن الأثير في ج 3 ص 158 ، وابو الفداء في ج 1 ص 181 ) ، أو بعد أن تزوج بأمامة بنت زينب بنت رسول اللّه كما يراه البعض الاخر ، ومنهم ابن شهر اشوب في المناقب ج 2 ص 117 ومطالب السؤل ص 63 ، والفصول المهمة ص 145 ، والاصابة في ترجمة امامة.

اقول : ولم تخرج أم البنين الى احد قبل أمير المؤمنين ولا بعده وكانت من النساء العالمات الفاضلات العارفات بحق أهل البيت مخلصة في ولائهم. ووصفها صاحب العمدة بالعالمة ، وقد بلغ من معرفتها وتبصرها أنها لما دخلت على علي علیه السلام كان الحسنان مريضين فأخذت تسهر معهما وتقابلهما بالبشاشة ولطيف الكلام كالأم الحنون.

ولدت لأمير المؤمنين اربعة بنين انجبت بهم وأول ما ولدت العباس ويلقب قمر بني هاشم ويكنى ابا الفضل. وبعده عبداللّه ، وبعده جعفرا ، وبعده عثمان ، وروى ابو الفرج عن امير المؤمنين علیه السلام انه قال سميت عثمان بعثمان بن مظعون ، فهؤلاء البنون الاربعة : كانت تكنى بهم فاطمة ام البنين.

ص: 73


1- ذكر الشيخ السماوي في ( ابصار العِين ) ام البنين بنت حزام ، وامها ثمامة بنت سهيل ابن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب ، وامها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل بن مالك الاخزم رئيس هوازن بن جعفر بن كلاب ، وامها كبشة بنت عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وامها ام الخشف بنت ابي معاوية فارس هوازن بن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وامها فاطمة بنت جعفربن كلاب : ، وامها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف ، وامها امنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن ذردان بن اسد بن خزيمة ، وامها بنت جحدر بن ضبيعة الاغر بن قيس بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار ، وامها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة ، وامها بنت ذي الرأسين خشين بن ابي عصم بن سمح بن فزارة ، وامها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان

قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ويستفاد قوة ايمانها وتشيعها ان بشراً كلما نعى اليها بعد وروده إلى المدينة احداً من اولادها الأربعة قالت ( ما معناه ) اخبرني عن ابي ابا عبداللّه الحسين ، فلما نعى اليها الحسين قالت : قد قطعت نياط قلبي ، اولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبداللّه الحسين. فان علقتها بالحسين ليس إلا لامامته علیه السلام ، وتهوينها على نفسها موت مثل هؤلاء الأشبال الأربعة إن سلم الحسين يكشف عن مرتبة في الديانة رفيعة.

وقال صاحب رياض الأحزان : واقامت امُ البنين زوجة امير المؤمنين العزاء على الحسين واجتمع عندها نساء بني هاشم يندبن الحسين وأهل بيته وبكت ام سلمة وقالت : فعلوها ملأ اللّه قبورهم نارا.

ص: 74

9 - ام كلثوم :

قال الشيخ عباس القمي في كتابه ( نفس المهموم ) :

إن ام كلثوم حين توجهت الى المدينة جعلت تبكي وتقول :

مدينة جدنا لا تقبلينا *** فبالحسرات والاحزان جينا

خرجنا منك بالاهلين جمعاً *** رجعنا لا رجالَ ولا بنينا

ص: 75

ام كلثوم بنت امير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام ، وامها الزهراء فاطمة وقد ولدت بعد زينب الكبرى كما أن زينب ولدت بعد الحسين.

وام كلثوم هي المسماة بزينب الصغرى اما كنيتها ام كلثوم الكبرى وقد جاءت هذه المخدرة مع اخيها الحسين الى العراق وهي زوجة عون ابن جعفر الطيار.

أما هذه الشهرة التي تقول بأن ام كلثوم قد تزوجها عمر بن الخطاب فهي عارية عن الصحة ، وبيان ذلك ان المؤرخين قد اتفقوا على ان ام كلثوم تزوجها عون بن جعفر ، او اخوه محمد بن جعفر اولا ، ثم عون ثانياً ، والاتفاق في ذلك عن ائمة الحديث المعتمدين كابن حجر في الإصابة ، وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهما ممن كتب في الصحابة ان عون بن جعفر قتل يوم ( تستر ) ويوم تستر لا كلام انه في خلافة عمر بن الخطاب وفيه اسر الهرمزان ومات عمر بعد يوم تستر بسبع سنين فكيف تزوج بها عون بعد عمر.

والحقيقة أن ام كلثوم لم يتزوجها غير ابن عمها عون ابن جعفر حتى قتل عنها بكربلاء على ما صرح به السيد الداودي في عمدة الطالب والمسعودي في مروج الذهب ، والدر المنثور في طبقات ربات الخدور وكان له من العمر يوم قتل على ما قيل ستة وخمسون سنة وكانت ام كلثوم معه بالطف. وتوفيت بالمدينة بعد رجوعها مع السبايا ، وكانت مدة مكثها في المدينة اربعة أشهر وعشرة ايام.

وهذا كتاب ( المستدرك على الصحيحين في الحديث ) ، للحفاظ الكبير الحاكم النيسابوري ج 3 ص 142 عندما يروي زواج ام كلثوم بنت علي « ع » من عمر ، ويأتي الحافظ الذهبي في الذيل ويقول : قلت منقطع ، أي سند هذا الحديث منقطع. وإذا علمنا ان الخبر

ص: 76

اذا لم يصححه الذهبي سقط عن الاعتبار واتضح لنا ضعف هذه الاشاعة وكذبها. والان نورد كلام الشيخ الجليل محمد بن محمد بن النعمان البغدادي والمعروف بالشيخ المفيد وذلك في جواب المسألة العاشرة من المسائل السرودية لما سأله السائل عن حكم ذلك الزواج - وكلامه الفصل - وهذا نصه ان الخبر الوارد بتزويج امير المؤمنين علي « ع » ابنته من عمر غير ثابت ، وطريقه من الزبير بن بكار وطريقه معروف لم يكن موثوقاً به في النقل ، وكان متهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين « ع » فيما يدعيه عنهم على بني هاشم ، وانما نشر الحديث اثبات أبي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه فظن كثير من النساء انه حق لرواية رجل علوي له ، وانما هو رواه عن الزبير كما روى الحديث نفسه مختلفاً. فتارة يروي ان امير المؤمنين تولى ذلك ، وتارة يروي انه لم يقع العقد الا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروي انه من اختيار وايثار.

ثم بعض الرواة يذكرون أن عمر أولدها ولداً أسماه زيداً ، وبعضهم يرى أن لزيد بن عمر عقبا ، ومنهم من يقول قتل ولا عقب له ، ومنهم من يقول انه وامه قتلا ، ومنهم من يقول ان امه بقيت بعده ، ومنهم من يقول ان عمر امهر ام كلثوم أربعين الف درهم ، ومنهم من يقول كان مهرها خمسمائة درهم ، وبدء هذا القول وكثرة الاختلاف يبطل الحديث ولا يكون له تأثير على حال. انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال الشيخ المامقاني قدس سره في تنقيح المقال :

ام كلثوم بنت امير المؤمنين علیه السلام هذه كنية لزينب الصغرى وقد كانت مع أخيها الحسين بكربلاء وكانت مع السجاد علیه السلام في الشام ثم الى المدينة وهي جليلة القدر فهيمة بليغة ، وخطبتها في مجلس ابن زياد بالكوفة معروفة وفي الكتب مسطورة. وفي الاخبار ان عمر

ص: 77

ابن الخطاب تزوجها غصباً وأنكر ذلك جمع ، ولعلم الهدى في هذا الباب رسالة مفردة أصرّ فيها على ذلك وأصرّ اخرون على الانكار ، وحيث لا يترتب من تحقيق ذلك وكان يصعب الالتزام به طويناه اشتغالا بالأهم.

خطبتها بالكوفة :

قال السيد ابن طاووس في ( اللّهوف على قتلى الطفوف ) خطبت ام كلثوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت :

يا اهل الكوفة سوأة لكم ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه وانتهبتم امواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه فتبا لكم وسحقا.

ويلكم أتدرون أي دواهِ دهتكم ، وأي وزر على ظهوركم حملتم وأي دماء سفكتموها ، وأي كريمة اصبتموها ، وأي صبية سلبتموها ، وأي اموال انتهبتموها ، قتلتم خير رجالات بعد النبي ونزعت الرحمة من قلوبكم ألا ان حزب اللّه هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت :

قتلتم أخي ظلماً فويل لأمكم *** ستجزون ناراً حرها يتوقد

سفكتم دماء حرم اللّه سفكها *** وحرمها القران ثم محمد

فضج الناس بالبكاء والنحيب ونشرت النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن وبكى الرجال فلم ُير باكية اكثر من ذلك اليوم.

ص: 78

10 - الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب :

قال السيد الامين في الاعيان ج 32 ص 282 في احوال زهير بن سليم الازدي المقتول مع الحسين يوم كربلاء في الحملة الاولى ، قال وفيه يقول الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب من قصيدته التي ينعى بها على بني أمية افعالهم :

أرجعوا عامراً ورّدوا زهيراً *** ثم عثمان فارجعوا غارمينا

وارجعوا الحر وابن قين وقوماً *** قتلوا حين جاوروا صفينا

أين عمرو وأين بشر وقتلى *** منهم بالعراء مآ يدفنونا

ص: 79

عنى بعامر العبدي وبزهير هذا وبعثمان أخا الحسين - وأمه أم البنين الكلابية - وبالحر الرياحي ، وبابن قين زهيرا وبعمرو الصيداوي وببشر الحضرمي ، انتهى.

أقول ذكر الشاعر سبعة ممن استشهدوا بين يدي الحسين (عليه السلام) في جملة المستشهدين بين يديه ، ويحسن بنا أن نذكر ترجمة كل واحد منهم ممن لم تذكر ترجمته في هذه الموسوعة :

1 - عامر بن مسلم العبدي البصري : قال الشيخ السماوي في ( ابصار العين ) : كان عامر من شيعة البصرة ، فخرج هو ومولاه سالم مع يزيد بن ثبيط العبدي الى الحسين (عليه السلام) وانضم اليه حتى وصلوا كربلاء وكان القتال فقتلا بين يديه. قال في المناقب : وفي الحدائق قتلا في الحملة الاولى.

2 - زهير بن سليم الأزدي : قال السماوي في ( ابصار العين ) : كان زهير ممن جاء الى الحسين علیه السلام في الليلة العاشرة عندما رأى تصميم القوم على قتاله فانضم الى أصحابه وقتل في الحملة الاولى.

3 - عثمان بن علي بن ابي طالب : قال الشيخ السماوي : ولد عثمان بعد اخيه عبد اللّه بنحو سنتين وامه فاطمة ام البنين ، وبقي مع اخيه الحسن نحو اربع عشرة سنة مع الحسين (عليه السلام) ثلاثاً وعشرين سنة وذلك مدة عمره.

وروى أبو الفرج عن امير المؤمنين علیه السلام انه قال : انما سميته عثمان بعثمان بن مظعون (1) قال أهل السير : لما قتل عبد اللّه بن علي

ص: 80


1- عثمان بن مظعون من اجلاء الصحابة ، اسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً وهاجر الهجرتين وشهد بدراً ، وكان اول رجل مات بالمدينة سنة اثنين من الهجرة وكان ممن حرم الخمرة على نفسه في الجاهلية ودفن في بقيع الغرقد بعد ان صلى عليه النبي ووضع حجراً على قبره وجعل يزوره.

دعا العباس عثمان ، وقال له تقدم يا أخي كما قال لعبد اللّه فتقدم الى الحرب يضرب بسيفه ويقول :

إني انا عثمان ذو المفاخر *** شيخي علي ذو الفعال الطاهر

فرماه خولي بن يزيد الأصبحي فأوهطه (1) حتى سقط لجنبه فجاءه رجل من بني ابان بن دارم فقتله واحتز رأسه.

4 - عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي : كان شريفاً من اشراف الكوفة مخلص الولاء لأهل البيت ، قام مع مسلم حتى اذا خانته الكوفة لم يسعه الا الاختفاء ، فلما سمع بقتل قيس بن مسهر وأنه أُخبر أن الحسين صار بالحاجر خرج اليه ومعه مولاه سعد ومجمع العائذي وابنه وجنادة بن الحرث السلماني واتبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو ( الكامل ) فجنبوه وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي وكان جاء الى الكوفة يمتار لأهله طعاماً فخرج بهم على طريق متنكبة وسار سيراً عنيفاً من الخوف لأنهم علموا أن الطريق مرصود حتى اذا قاربوا الحسين علیه السلام حدا بهم الطرماح بن عدي فقال :

يا ناقتي لا تذعري من جزري *** وشمِّري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر *** حتى تحلِّي بكريم النجر

الماجد الحر رحيب الصدر *** أتى به اللّه لخير أمر

ثمَّة ابقاء بقاء الدهر

فانتهوا الى الحسين وهو بعذيب والهجانات (2) فسلموا عليه وانشدوه

ص: 81


1- اوهطه : اضعفه واثخنه بالجراحة صرعة لايقوم منها.
2- غذيب الهجانات موضع فوق الكوفة عن القادسية اربعة اميال. واضيف الى الهجانات لأن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يجعل فيه ابله.

الأبيات فقال علیه السلام : أما واللّه إني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد اللّه بنا قتلنا أو ظفرنا.

5 - بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي : قال السماوي كان بشر من حضرموت وعداده في كندة وكان تابعياً وله اولاد معروفون بالمغازي ، وكان بشر ممن جاء إلى الحسين أيام المهادنة ، وقال السيد الداودي لما كان اليوم العاشر من المحرم ووقع القتال قيل لبشر وهو في تلك الحال : إن ابنك عمراً قد أُسر في ثغر الري فقال عند اللّه احتسبه ونفسي ، ما كنت أحب ان يؤسر وأنا أبقى بعده ، فسمع الحسين (عليه السلام) مقالته فقال له : رحمك اللّه أنت في حل من بيعتي فاذهب واعمل في فكاك ابنك. فقال له : أكلتني السباع حياً إن فارقتلك يا أبا عبد اللّه. فقال له : فاعط ابنك محمداً - وكان معه - هذه الأثواب البرود يستعين بها في فكاك اخيه وأعطاه خمسة اثواب قيمتها الف دينار.

وقال السروي انه قتل في الحملة الاولى.

6 - الحر الرياحي : وهو ابن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتَّاب ابن هرمي بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي اليربوعي الرياحي.

كان الحر شريفاً في قومه ، جاهلية واسلاما ، فان جده عتابا كان رديف النعمان. وولد عتاب قيساً وقعنباً ومات فردف قيس للنعمان ، ونازعه الشيبانيون ، فقامت بسبب ذلك حرب يوم الظخفة ، والحر هو ابن عم الأخوص الصحابي الشاعر ، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب ، وكان الحر في الكوفة رئيساً ، ندبه ابن زياد لمعارضة الحسين (عليه السلام) فخرج في ألف فارس ( روى ) الشيخ ابن نما ان الحر لما أخرجه ابن زياد إلى الحسين وخرج من القصر ، نودى من خلفه ابشر يا حر بالجنة ، قال فالتفت فلم ير احداً فقال في نفسه ما هذه

ص: 82

البشارة وأنا أسير إلى حرب الحسين ، وما كان يحدث نفسه في الجنة ، فلما صار مع الحسين ، قصَّ عليه الخبر ، فقال له الحسين. لقد أصبت أجراً وخيراً ( روى ) ابو مخنف عن عبداللّه بن سليم والمنذر ابن المشمعل الاسديين ، قالا كنا نساير الحسين فنزل شراف وأمر فتيانه باستقاء الماء والاكثار منه ، ثم ساروا صباحاً ، فرسموا (1) صدر يومهم حتى انتصف النهار فكبّر رجل منهم ، فقال الحسين : اللّه اكبر لِمَ كبرت قال رأيت النخل ( قالا ) فقلنا ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط ، قال فما تريانه رأى ، قلنا رأى هوادى الخيل ، فقال وانا واللّه ارى ذلك.

ثم قال الحسين : أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد ، قلنا بلى هذا ذو حسم (2) عن يسارك تميل اليه فان سبقت القوم ، فهو كما تريد فأخذ ذات اليسار ، فما كان بأسرع من أن طلعت وهوادي الخيل (3) فتبيناها فعدلنا عنهم فعدلوا معنا : كأن أسنتهم اليعاسيب (4) وكأن راياتهم اجنحة الطير ، فسبقناهم إلى ذي حسم ، فضربت أبنية الحسين (عليه السلام) ، وجاء القوم فاذا الحر في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حرّ الظهيرة والحسين (عليه السلام) واصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه اسقوا القوم ورشّفوا الخيل ، فلما سقوهم ورشفوا خيولهم ، حضرت الصلوة. فأمر الحسين الحجاج ابن مسروق الجعفي. وكان معه أن يؤذن فأذّن وحضرت الاقامة فخرج الحسين في أزار وردآء ونعلين ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال ايها الناس انها معذرة إلى اللّه واليكم اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم

ص: 83


1- رسموا : اي ساروا الرسيم ، وهو نوع من السير معروف.
2- جبل معروف.
3- هوادي الخيل : أوائلها واعناقها.
4- جمع يعسوب : النحل.

إلى آخر ما قال فسكتوا عنه فقال للمؤذن اقم فأقام ، فقال الحسين للحر أتريد أن تصلي بأصحابك قال لا بل بصلوتك فصلى بهم الحسين ثم دخل مضربه واجتمع اليه أصحابه ، ودخل الحر خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه ، ثم عادوا إلى مصافهم فأخذ كل بعنان دابته ، وجلس في ظلها فلما كان وقت العصر امر الحسين بالتهيؤ للرحيل؟ ونادى بالعصر وصلى بالقوم ثم انفتل من صلواته واقبل بوجهه على القوم فحمد اللّه واثنى عليه ، وقال ايها الناس ( اني لم آتكم حتى اتتني كتبكم ورسلكم فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما اطمأن به من عهودكم ومواثيقكم وان كنتم على غير ذلك انصرفت إلى المكان الذي جئت منه فقال الحر إنا واللّه ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر ، فقال الحسين يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم الىَّ فأخرج خرجين مملوين صحفا فنشرها بين ايديهم ، فقال الحر فانا لسنا من هؤلاء اللذين كتبوا اليك وقد أُمرنا اذا نحن لقيناك ان لا نفارقك حتى نقدمك على عبيداللّه ، فقال الحسين الموت ادنى اليك من ذلك ، ثم قال لاصحابه اركبوا فركبوا ، وانتظروا حتى ركبت النساء ، فقال انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحر ثكلتك امك ما تريد ، قال اما واللّه لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي انت عليها ما تركت امه بالثكل ان اقوله كائنا ما كان ، ولكن واللّه ما لي الى ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه ، فقال الحسين فما تريد ، قال اريد ان انطلق بك إلى عبيداللّه ، فقال اذن لا اتبعك ، قال الحر اذن لا ادعك؟ فترادا الكلام ثلث مرات ، ثم قال الحر اني لم اؤمر بقتالك ، وانما امرت أن لا افارقك حتى اقدمك الكوفة فان ابيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب إلى يزيد ان شئت ، او إلى ابن زياد ان شئت فلعل اللّه إن

ص: 84

يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من امرك ، ( قال ) فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين العذيب ثمانية وثلثون ميلاً وسار والحر يسايره حتى اذا كان بالبيضة (1) ، خطب اصحابه ثم ركب فسايره الحر ، وقال له اذكرك اللّه يا أبا عبداللّه في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن فوتلت لتهلكن فيما أرى فقال له الحسين أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني ما ادرى ما أقول لك ولكني اقول كما قال اخو الاوس لابن عمه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) قال له اين تذهب فانك مقتول ؛ فقال :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى *** إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وآسي الرجال الصالحين بنفسه *** وفارق مثبوراً (2) وباعد مجرما

أقدم نفسي لا اريد لقاءها *** لتلقى خميساً في الهياج عرمرما

فإن عشت لم اندم وإن مت لم الم *** كفى بك عاراً ان تلام وتندمآ

فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ، فاذا هم باربعة نفر يجنبون فرساً لنافع بن هلال ويدلهم الطرماح بن عدي ، فاتوا إلى الحسين (عليه السلام) وسلموا عليه فأقبل الحر ، وقال إن هؤلاء النفر الذين جائوا من اهل الكوفة ليسوا ممن اقبل معك ، وانا حابسهم أورادهم ، فقال الحسين (عليه السلام) لامنعهم مما أمنع منه نفسي انما هؤلاء انصاري واعواني ، وقد كنت اعطيتني ان لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك جواب عبيداللّه ، فقال اجل لكن لم يأتوا معك ، قال هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك قال فكف عنهم الحر ، ثم ارتحل الحسين (عليه السلام) من قصر بني مقاتل ، فأخذ يتياسر والحر يرده ، فاذا راكب على

ص: 85


1- البيضة بكسر الباء ما بين واقصة الي والعذيب.
2- 2 - الثبر : اللعن

نجيب له وعليه السلاح فتنكب قوساً مقبل من الكوفة فوقفوا ينتظرونه جميعاً فلما انتهى اليهم سلم على الحر وترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر البدى من كندة فدفع إلى الحر كتاباً من عبيداللّه ، فاذا فيه ، اما بعد فجعجع بالحسين (عليه السلام) حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام. فلما قرأ الكتاب جاء به الى الحسين (عليه السلام) ومعه الرسول ، فقال هذا كتاب الأمير يأمرني أن أُجعجع بكم في المكان الذي يأتني فيه كتابه ، وهذا رسوله قد أمره ان لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره ، وأخذكم بالنزول في ذلك المكان ، فقال له دعنا ننزل في هذه القرية أو هذه أو هذه يعنى نينوى والغاضرية وشفيّة فقال واللّه لا استطيع ذلك هذا الرجل بعث عليّ عينا ، فنزلوا هناك ( قال ) ابو مخنف لما اجتمعت الجيوش بكربلاء لقتال الحسين جعل عمر بن سعد على ربع المدينة عبداللّه بن زهير بن سليم الازدي ، وعلى ربع مذحج واسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد ، وعلى الميمنة عمرو ابن الحجاج ، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عزرة ابن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعي ، واعطى الراية مولاه دريدا فشهد هؤلاء كلهم قتال الحسين ، إلا الحر فانه عدل اليه وقتل معه ( قال ) ابو مخنف : ثم ان الحر لما زحف عمر بن سعد بالجيوش ، قال له اصلحك اللّه امقاتل أنت هذا الرجل ، فقال اي واللّه قتالا ايسره أن تسقط الرؤوس ، وتقطع الايدي ، قال افمالك في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا ، فقال اما واللّه لو كان الأمر إليّ لفعلت. ولكن اميرك قد ابى ، فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفاً ومعه قرة بين قيس الرياحي فقال يا قرة هل سقيت فرسك اليوم

ص: 86

قال لا ، قال اما تريد ان تسقيه ، قال فظننت واللّه انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال ، وكره ان اراه حين يصنع ذلك فيخاف ان ارفعه عليه ، فقلت انا منطلق فساقيه ، قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فواللّه لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه ، قال : فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً ، فقال له المهاجر بن اوس الرياحي ، ماتريد يا بن يزيد ، اتريد أن تحمل ، فسكت وأخذه مثل العرواء (1) : فقال له يا بن يزيد ، ان أمرك لمريب وما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من اشجع اهل الكوفة رجلاً ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك ، قال اني واللّه اخير نفسي بين الجنة والنار ، وواللّه لا أختار على الجنة شيئأ ، ولو قطعت وحرقت. ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين ، فلما دنا منهم ، قلب ترسه فتالوا مستأمن ، حتى اذا عرفوه ، سلم على الحسين ، وقال جعلني اللّه فداك يابن رسول اللّه انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان. واللّه الذي لا اله إلا هو ، ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضت عليهم ابدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا ابالي ان اصانع القوم في بعض أمرهم ولا يظنون اني خرجت من طاعتهم واما هم فسيقبلون من الحسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، وواللّه ان لو ظننتهم لا يقبلونها منك ، ما ركبتها منك واني قد جئتك تائباً مما كان مني إلى ربي ، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك ، افترى لي توبة ، قال نعم ، يتوب اللّه عليك ويغفر لك ، فانزل. قال : انا لك فارساً خير مني راجلا. اقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري ، قال فاصنع ما بدا لك ، فاستقدم امام اصحابه ، ثم قال ايها القوم اما تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم ،

ص: 87


1- العروآء بالعين المضمونة والراء المهملة المفتوحة : قوة الحمي ورعدتها.

فيعافيكم اللّه من حربه ، قالوا فكلم الأمير عمر ، فكلمه بما قال له من قبل وقال لأصحابه ، فقال عمر : قد حرصت ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت فالتفت الحر إلى القوم وقال : يا أهل الكوفة ، لامكم الهبل والعبر (1) دعوتم ابن رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) ، حتى إذا أتاكم اسلمتموه؟ وزعمتم انكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه امستكم بنفسه ، وأخذتم بكظمه. واحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد اللّه العريضة. حتى يأمن ويامن أهل بيته ، فأصبح في ايديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا ، حلأتموه ونسائه وصبيته واصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني. وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمدا (صلی الله عليه وآله وسلم) في ذريته ، لا سقاكم اللّه يوم الظمأ ان لم تتوبوا وتنزعوا عما انتم عليه ، من يومكم هذا ، في ساعتكم هذه. فحملت عليه رجال ، ترميه بالنبل ، فأقبل حتى وقف إمام الحسين (عليه السلام) ( وروى ) ابو مخنف أن يزيد بن سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم ، كان قال : اما واللّه لو رأيت الحر ، حين خرج ، لاتبعته السنان. قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ، ويتمثل بقوله عنترة :

ما زلت ارميهم بثغرة نحره *** ولبانه حتى تسربل بالدم

وان فرسه لمضروب من اذنيه وحاجبيه ، وان دمائه لتسيل ، فقال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان ، هذا الحر الذي كنت تتمنى ، قال نعم وخرج اليه فقال له هل لك يا حر في المبارزة ، قال نعم قد شئت فبرز له قال الحصين ، وكنت انظر اليه فواللّه لكان نفسه كانت في يد الحر ، خرج اليه فما لبث أن قتله ، ( وروى )

ص: 88


1- 1 - العبر كصبر بمعنى الثكل

ابو مخنف عن ايوب بن مشرح الخيواني انه كان يقول جال الحر على فرسه ، فرميته بسهم. فحشاته فرسه فما لبث إذ أُرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحر ، كأنه ليث والسيف في يده ، وهو يقول :

ان تعقروا بي فأنا ابن الحر *** أشجع من ذي لبد هزبر

( قال ) فما رأيت أحد قط يفرى فريه ( قال ) ابو مخنف ولما قتل حبيب أخذ الحر يقاتل راجلاً وهو يقول :

آليتُ لا أقتل حتى أقتلا *** ولن أصاب اليوم إلّا مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا مفصلا *** لا ناكلاً فيهم ولا مهللا

ويضرب فيهم ويقول :

اني انا الحر ومأوى الضيف *** اضرب في اعراضكم بالسيف

عن خير من حلّ بأرض الخيف

ثم أخذ يقاتل هو وزهير قتالاً شديداً ، فكان إذا شد احدهما واستلحم : شد الآخر حتى يخلصه ، ففعلا ذلك ساعة ، ثم شدت جماعة على الحر ، فقتلوه. فلما صرع وقف عليه الحسين علیه السلام ، وقال له انت كما سمتك امك الحر ، حر في الدنيا وسعيد في الآخرة ، وفيه يقول عبيداللّه بن عمرو الكندي البدى :

سعيد بن عبداللّه لا تنسينّه *** ولا الحر اذ آسى زهيراً على قسر

أقول وكان الحر أول من قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) في المبارزة.

ص: 89

واما الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، صاحب الأبيات ، قتل يوم الحرة مع عسكر أهل المدينة في ذي الحجة سنة 63 ، قال الطبري في تاريخه ان الفضل جاء الى عبداللّه بن حنظلة الغسيل فقاتل في نحو من عشرين فارساً قتالاً شديداً حسناً ، ثم قال لعبداللّه مُر من معك فارسا فليأتني فليقف معي فاذا حملت فليحملوا فواللّه لا انتهي حتى ابلغ مسلماً فاما ان اقتله وإما ان أقتل دونه ، فقال عبداللّه بن حنظله لرجل ناد في الخيل فلتقف مع الفضل ابن العباس فنادى فيهم فجمعهم إلى الفضل فلما اجتمعت الخيل اليه حمل على أهل الشام فانكشفوا ، فقال لأصحابه الا ترونهم كشفا لئاما احملوا اخرى جعلت فداكم فواللّه لئن عاينت اميرهم لاقتلنه أو لاقتلن دونه إن صبر ساعة معقب سرورا انه ليس بعد الصبر إلا النصر ، ثم حمل وحمل أصحابه معه فانفرجت خيل أهل الشام عن مسلم بن عقبة ، وبقي في نحو من خمسمائة راجل جثاة على الركب مشرعي الأسنة نحو القوم ومضى كما هو نحو رايته حتى يضرب رأس صاحب الراية وإن عليه لمغفراً فقط المغفر وفلق هامته فخر ميتاً ، فقال خذها واناابن عبد المطلب فظن انه قتل مسلما ، فقال قتلت طاغية القوم ورب الكعبة ، فما قتل مسلم وانما كان ذلك غلاماً له يقال له رومي وكان شجاعاً فأخذ مسلم رايته وانبّ اهل الشام وحرضهم وتهددهم وشدت تلك الرجالة امام الراية فصرع الفضل بن عباس فقتل وما بينه وبين اطناب مسلم بن عقبة إلا نحو من عشرة اذرع وفي رواية ان مسرف بن عقبة كان مريضاً يوم القتال وانه أمر بسرير وكرسي فوضع بين الصفين وقال يا أهل الشام قاتلوا عن أميركم أو دعوا ، ثم زحفوا نحوهم فحمل الفضل بن العباس بن ربيعة هو واصحابه حتى انتهى إلى السرير فوثبوا اليه فطعنوه حتى سقط.

ص: 90

11 - كعب بن جابر الأزدي :

كان كعب بن جابر الازدي (1) ممن قاتل الحسين علیه السلام وهو الذي قتل برير بن خضير الهمداني رحمه اللّه ، فقالت له اخته النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيّد الغراء ، لقد أتيت عظيماً من الأمر ، واللّه لا اكلمك من رأسي كلمة ابداً ، فقال كعب :

سلي ُتخبري عني وأنتِ ذميمة *** غداة حسين والرمآح شوارعُ

ألم آتِ أقصى ما كرهت ولم يخل *** علي غداة الروع مآ أنا صانع

معي يزني لم تخنه كعوبه *** وابيض مشخوب (2) الفرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم *** بديني وإني بابن حرب لقانع

ولم تر عيني مثلهم في زمانهم *** ولا قبلهم في الناس اذ انا يافع

أشدّ قراعاً بالسيوف لدى الوغى *** الا كل من يحمي الذمآر مقارع

وقدصبروا للطعن والضرب حسراً *** وقد نازوا لو أنّ ذلك نافع

فابلغ عبيداللّه إمآ لقيته *** بأني مطيع للخليفة سامع

قتلت بريراً ثم حملت نعمة *** أبا منقذ لمآ دعا من يماصع

ص: 91


1- في الاعلام للزركلي : كعب بن جابر ، شاعر كان مع عبيداللّه بن زياد يوم مقتل الحسين وله في ذلك ابيات اولها : سلي تخبري عني وانت ذميمة *** غداة حسين والرماح شوارع رواها المرزباني في كتابه ص 345 ؛ وقال : توفى نحو66 ه- ، 685 م ، وروي الطبري بعضها في الجزء 6 ص 247.
2- مشخوب : مصقول.

قال فبلغت ابياته رضي بن منقذ فقال مجيباً له يرد عليه.

فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم *** ولا جعل النعماء عندي ابن جابر

لقد كان ذاك اليوم عاراً وسبّة *** يعيَّره الابناء بعد المعاشر

فيا ليت اني كنت من قبل قتله *** ويوم حسين كنت في رمس قابر

فيا سوءتا ماذا أقول لخالقي *** وما حجتي يوم الحساب القماطر

قال الطبري حمل اصحاب الحسين علیه السلام ، وفيهم برير بن خضير الهمداني (1) فحمل عليه رضى بن منقذ العبدي فاعتنق بريراً فاعتركا ساعة ثم ان بريراً صرعه وقعد على صدره ، فجعل رضى يصيح بأصحابه : اين اهل المصاع (2) والدفاع فذهب كعب بن جابر الازدي ليحمل عليه فقلت له ان هذا برير بن خضير القاريء الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد فلم يلتفت لعذلي وحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره ، فلما وجد برير مسّ الرمح ، برك على رضي يعض انفه حتى قطعه وانفذ الطعنة كعب حتى القاه عنه وقد غيب السنان في ظهره ثم اقبل يضربه بسيفه حتى برد ، فكأني انظر إلى رضي قام ينفض التراب عنه ويده على انفه وهو يقول : انعمت عليّ يا اخا الأزد نعمةًّ لا انساها ابداً.

ص: 92


1- برير بن خضير من شيوخ القراء ومن اصحاب امير المؤمنين علیه السلام وموقفه يوم الطف من اجل المواقف تنبىء خطبه عن شدة ايمانه وبصيرته في دينه. وقد احتج يوم عاشوراء على اهل الكوفة بخطبة يذكرها التاريخ. قال اهل السير كان برير شريفاً ناسكاً شجاعا قرائا للقرآن ، وكان من أهل الكوفة من الهمدانيين ، قتل مع الحسين علیه السلام بكربلاء سنة 61 ه.
2- أي أهل القتال والجلاد.

12 - عبد اللّه بن الحر الجعفي :

يبيت النشاوي من أمية نوّماً *** وبالطف قتلي لا ينام حميمها

وما ضيّع الاسلام الا قبيلة *** تأمّر نوكاها (1) ودام نعيمها

وأضحت قناة الدين في كف ظالم *** إذا اعوجَّ منها جانب لا يقيمها

فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة *** وعيني تبكي لا يجف سجومها

حياتي او تلقى أمية خزية *** يذل له احتى الممات قرومها

ص: 93


1- 1 - جمع انوك وهو الاحمق

جاء في نفس المهموم : وسار الحسين (عليه السلام) حتى نزل قصر بني مقاتل (1) فاذا فسطاط مضروب ورمح مركوز وخيول مضمرة ، فقال الحسين : لمن هذا الفسطاط قالوا لعبيد اللّه بن الحر الجعفي فأرسل اليه الحسين رجلاً من أصحابه يقال له الحجاج بن مسروق الجعفي فأقبل فسلم عليه فرد علیه السلام ثم قال : ما وراءك؟ فقال : ورائي يابن الحر أن اللّه قد أهدى اليك كرامة ان قبلتها فقال وما تلك الكرامة ، فقال هذا الحسين بن علي يدعوك الى نصرته فان قاتلت بين يديه أجرت ، وإن قتلت بين يديه استشهدت فقال له عبيد اللّه بن الحر واللّه يا حجاج ما خرجت من الكوفة الا مخافة أن يدخلها الحسين وانا فيها ولا أنصره لأنه ليس في الكوفة شيعة ولا انصار الا مالوا الى الدنيا الا من عصم منهم فارجع اليه فأخبره بذلك ، فجاء الحجاج وأخبر الحسين فدعا علیه السلام بنعليه فلبسهما واقبل حتى دخل على ابن الحر فلما رآه قد دخل وسلم ، وثب عبيد اللّه وتنحى عن صدر مجلسه وقبّل يديه ورجليه وجلس الحسين (عليه السلام) ثم قال : يابن الحر ما يمنعك أن تخرج معي قال : احب أن تعفيني من الخروج معك وهذه فرسي المحلقة فاركبها فواللّه ما طلبت عليها شيئاً الا ادركته ولا طلبني احد إلا فتّه حتى تلحق بمأمنك وأنا ضمين لك بعيالاتك أوديهم اليك أو اموت انا وأصحابي دونهم.

قال الحسين : أهذه نصيحة منك قال نعم واللّه ، قال : إني سأنصحك كما نصحتني مهما استطعت ان لا تسمع واعيتنا فو اللّه لا يسمع اليوم واعيتنا أحد ثم لا يعيننا إلا كبه اللّه على منخريه في النار قال عبيد اللّه بن الحر دخل عليَّ الحسين ولحيته كأنها جناح غراب فواللّه

ص: 94


1- قال السيد المقرم ينسب القصر الى مقاتل بن حسان بن ثعلبة ، وساق نسبه الحموي في المعجم الى امريء القيس بن زيد بن مناة بن تميم ، يقع بين عين التمر والقطقطانة والقريات خربه عيسى بن علي بن عبد اللّه بن العباس ثم جدده.

ما رأيت أحداً أملأ للعين ولا أهيب في القلب منه ولا واللّه ما رققت على أحد قط رقتي على الحسين حين رأيته يمشي وأطفاله حواليه.

وروى مسنداً عنه أنه سأل الحسين عن خضابه فقال (عليه السلام) : اما أنه ليس كما ترون انما هو حنا وكتم ، وفي خزانة الأدب للبغدادي في ج 1 ص 298 أنه سأل الحسين : أسواد أم خضاب ، قال يابن الحر عجل علي الشيب ، فعرفت أنه خضاب.

وجاء في رجال السيد بحر العلوم ، عبيد اللّه بن الحر بن المجمع بن الخزيم الجعفي من أشراف الكوفة عربي صميم وليس من اخوة أديم ، موالي جعفي. ذكر النجاشي في اول كتابه : عبيد اللّه بن الحر الفارس الفاتك الشاعر ، وعده من سلفنا الصالحين المتقدمين في التصنيف وقال : له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين علیه السلام . قال السيد بحر العلوم : والعجب منه - رحمه اللّه - كيف عدّ هذا من سلفنا الصالح وهو الذي خذل الحسين وقد مشى اليه يستنصره فأبى أن ينصره وعرض عليه فرسه لينجو عليها - فأعرض عنه الحسين وقال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضدا.

وقصته معروفة.

وقال : كان قائداً من الشجعان الأبطال ، وكان من أصحاب عثمان ابن عفان ، فلما قتل عثمان انحاز الى معاوية فشهد معه صفين وأقام عنده إلى أن قتل علي علیه السلام فرحل الى الكوفة ، فلما كانت فاجعة الحسين تغيب ولم يشهد الوقعة فسأل عنه ابن زياد - كما مر -

ص: 95

ثم التّف حول مصعب وقاتل المختار ثم خاف مصعب أن ينقلب عليه عبيد اللّه فحبسه وأطلقه بعد أيام بشفاعة من مذحج فحقدها عليه وخرج مغاضباً فوجه اليه مصعب رجال يراودونه على الطاعة ويعدونه بالولاية ، وأخرين يقاتلونه فرد اؤلئك وهزم هؤلاء واشتدت عزيمته ، وكان معه ثلثمائة مقاتل فامتلك تكريت وأغار على الكوفة. وأعيى مصعباً أمره ، ثم تفرق عنه جمعه بعد معركة ، وخاف أن يؤسر فألقى نفسه في الفرات فمات غريقاً. وكان شاعراً فحلا ثابت الايمان قال لمعاوية يوماً : ان علياً على الحق وأنت على الباطل وهذا يدل على صحة اعتقاده لا سيما ما أظهره من شدة ندمه وتحسره - نظماً ونثراً على تركه لنصرة الحسين (عليه السلام) ليفوز بجنات النعيم وطيبها.

ومن اخذه بالثأر مع المختار قالوا وتداخله من الندم شيء عظيم حتى كادت نفسه تفيض.

والرجل صحيح الاعتقاد سييء العمل ، وقد يرجى له النجاة بحسن عقيدته وبحنو الحسين علیه السلام وتعطفه عليه ، حيث أمره بالفرار من مكانه حتى لا يسمع الواعية ، فيكبه اللّه على وجهه في النار واللّه أعلم بحقيقة حاله. انتهى كلام السيد بحر العلوم رحمه اللّه .

وقال الشيخ نجم الدين - من أحفاد ابن نما - في رسالته ( ذوب النضار في شرح الثأر ) : وكان عبيد اللّه بن الحر الجعفي من أشراف الكوفة ، وكان قد مشى اليه الحسين (عليه السلام) وندبه الى الخروج معه فلم يفعل ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض ، فقال :

فيالك حسرة نادمتُ حيا *** تردّد بين حلقي والتراقي

حسين حين يطلب بذل نصري *** على أهل الضلالة والنفاق

غداة يقول لي بالقصر قولاً *** أتتركنا وتزمع بالفراق

ص: 96

ولو أني اواسيه بنفسي *** لنلت كرامة يوم التلاق

مع ابن المصطفى نفسي فداه *** تولى ثم ودّع بانطلاق

فلو فلق التلهف قلبَ حي *** لهمَّ اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الاولى نصروا حسيناً *** وخاب الآخرون الى النفاق

جاء في التاريخ الكامل ج 4 ص 237 حوادث سنة 68 وهي السنة التي مات فيها ابن الحر قال :

لما مات معاوية وقتل الحسين (عليه السلام) لم يكن عبيد اللّه بن الحر الجعفي فيمن حضر قتله. تغيب عن ذلك تعمداً فلما قتل جعل ابن زياد يتفقد الأشراف من أهل الكوفة فلم َير عبيد اللّه بن الحر ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه فقال له : أين كنت يا بن الحر؟ قال كنت مريضاً ، قال مريض القلب أم مريض البدن فقال أما قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فلقد منّ اللّه علي بالعافية ، فقال ابن زياد كذبت ولكنك كنت مع عدونا ، فقال : لو كنت معه لرؤي مكاني. وغفل عنه ابن زياد فخرج وركب فرسه ، ثم طلبه ابن زياد فقالوا ركب الساعة ، فقال : عليَّ به ، فاحضر الشرطة خلفه ، فقالوا : أجب الأمير فقال : أبلغوه اني لا آتي اليه طائعاً أبداً ، ثم أجرى فرسه وأتى منزل أحمد بن زياد الطائي فاجتمع اليه اصحابه ثم خرج حتى أتى كربلاء فنظر الى مصارع الحسين (عليه السلام) ومن قتل معه فاستغفر لهم ثم مضى الى المدائن فقال في ذلك :

يقول أمير غادر وابن غادر الأبيات.

وقال السيد المقرم في ( المقتل ) : وفي أيام عبد الملك سنة 68 قتل عبيد اللّه بالقرب من الأنبار ، وفي أنساب الاشراف ج 5 ص 297

ص: 97

قاتله عبيد اللّه بن العباس السلمي من قبل القباع ولما أثخن بالجراح ركب سفينة ليعبر الفرات وأراد أصحابه عبيد اللّه أن يقبضوا السفينة فأتلف نفسه في الماء خوفاً منهم وجراحاته تشخب دماً ، ويذكر ابن حبيب في ( المحبّر ) ان مصعب بن الزبير نصب رأس عبيد اللّه بن الحر الجعفي بالكوفة. وفي جمهرة أنساب العرب لابن حزم أن أولاد عبيد اللّه بن الحر هم : صدقة ، وبرة ، والاشعر ، شهدوا واقعة الجماجم مع ابن الاشعث.

ومن شعره الذي أظهر به الندم على عدم نصرة الحسين (عليه السلام) :

يقول أمير غادر وابن غادر *** ألا كنت قاتلت الحسين بن فاطمة

ونفسي على خذلانه واعتزاله *** وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته *** ألا كل نفس لا تسدد نادمه

وإني لأني لم أكن من حمآته *** لذو حسرة ما ان تفارق لازمه

سقى اللّه أرواح الذين تبادروا *** الى نصره سقياً من الغيث دائمه

وقفت على أجداثهم ومحالهم *** فكاد الحشى ينقض والعين ساجمه

لعمري لقدكانوامصاليت في الوغى *** سراعاً الى الهيجا حماة خضارمه

تآسوا على نصر ابن بنت نبيهم *** بأسيافهم آساد غيل ضراغمه

فان يقتلوا في كل نفس بقية *** على الأرض قد أضحت لذلك واجمه

وما ان رأى الراؤون افضل منهم *** لدى الموت سادات وزهر قماقمه

يقتلهم ظلماً ويرجو ودادنا *** فدع خطة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم *** فكم ناقم منا عليكم وناقمه

أهم مرارا أن أسير بجحفل *** الى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفوا ولا ذدتكم في كتائب *** أشد عليكم من زحوف الديالمه

ص: 98

ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه فقعد على فرسه ونجا منه. وأقام ابن الحر بمنزله على شاطىء الفرات إلى أن مات يزيد.

ومن شعره الذي يتأسف به على عدم نصرة الحسين (عليه السلام) :

ولما دعا المختار للثأر أقبلت *** كتائب من أشياع آل محمد

وقد لبسوا فوق الدروع قلوبهم *** وخاضوا بحار الموت في كل مشهد

هم نصروا سبط النبي ورهطه *** ودانوا بأخذ الثأر من كل ملحد

ففازوا بجنات النعيم وطيبها *** وذلك خير من لجين وعسجد

ولو أنني يوم الهياج لدى الوغى *** لأعملت حد المشرفي المهند

وواأسفا إذ لم أكن من حمآته *** فأقتل فيهم كل باغ ومعتد

وكل هذا يخبر عن ندامته على قعوده عن نصرة سيد الشهداء ، قال صاحب نفس المهموم : وحكى ايضاً أنه كان يضرب يده على الأخرى ويقول ما فعلت بنفسي ويردد هذه الأشعار.

وقال الشيخ القمي في نفس المهموم : ثم أن بيت بني الحر الجعفي من بيوت الشيعة وهم اديم وأيوب وزكريا من أصحاب الصادق ذكرهم النجاشي وأثبت لأديم وايوب أصلاً ووثقهما ولزكريا كتابا.

وقال الشيخ عباس القمي في الكنى : ابن الحر الجعفي هو عبيد اللّه بن الحر الفارس الفاتك ، له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قتل سنة 68 ، وعن كتاب الاعلام قال في ترجمة ، وكان معه ثلثمائة مقاتل وأغار على الكوفة وأعيى مصعباً امره ثم تفرق عنه جمعه فخاف أن يؤسر فألقى نفسه في الفرات فمات غريقاً ، وكان شاعراً فحلاً.

ص: 99

وقال السيد الأمين في الأعيان ، ومن شعره :

يخوِّفني بالقتل قومي وإنمآ *** أموت اذا جاء الكتاب المؤجلُ

لعل القنا تدني بأطرافها الغنى *** فنحى كرامآ او نموت فنقتل

وِإنك إن لاتركب الهول لاتنل *** من المال ما يكفي الصديق ويفضل

ِإذا القرن لاقاني وملَّ حياته *** فلست ابالي أينا مآت أول

ص: 100

13 - ابو الاسود الدؤلي :

اشارة

ابو الأسود الدؤلي يرثي الحسين بن علي علیهماالسلام ومن أُصيب معه من بني هاشم :

أقول لعاذلتي مرةً *** وكانت على ودّنا قائمه

اذا أنتِ لم تبصري ما أرى *** فبيني وأنتِ لنا صارمه

ألستِ ترينَ بني هاشم *** قد افنتهمو الفئة الظالمه

فانت تزينتهم بالهدى *** وبالطف هام بني فاطمه

فلو كنت راسخة في الكتا *** بالاحزاب خابرة عالمه (1)

علمتِ بأنهّم معشر *** لهم سبقت لعنة جاثمه

سأجعل نفسي لهم جنةً *** فلا تكثري لي من اللائمه

أُرجيّ بذلك حوض الرّسو *** ل والفوز والنّعمة الدّائمه

لتهلكَ إن هلكتْ بّرةً *** وتخلص إن خلصت غانمه (2)

وقال ايضاً يرثيه ويحرض على ثأره :

يا ناعي الدين الذي ينعى التقى *** قم فانعه والبيت ذا الاستارِ

أبني علىٍ آل بيت محمد *** بالطّف تقتلهم جفاة نزارِ

سبحان ذا العرش العليَّ مكانه *** أنى يكأبره ذووا الاوزار

ص: 101


1- وفي نسخة : وبالحرب خابرة عالمة.
2- 2 - ديوان ابي الأسود

أبني ( قشيرٍ ) إنني ادعوكمو *** للحق قبل ضلالة وخسار

كونوا لهم جنناً وذودوا عنهمو *** أشياعَ كل منافق جبار

وتقدموا في سهمكم من هاشم *** خير البرية في كتاب الباري

بهمو اهتديتم فاكفروا إن شئتمو *** وهمو الخيار وهم بنو الاخيار (1)

وقال :

أقول وذاك من جزع ووجد *** أزال اللّه ملك بني زياد

وأبعدهم بما غدروا وخانوا *** كما بعدت ثمود وقوم عاد

ولا رجعت ركائبهم اليهم *** الى يوم القيامة والتناد (2)

ص: 102


1- ديوان ابي الاسود.
2- تاريخ ابن عساكر ج 7 ص 216.
الشاعر

أبو الأسود الدؤلي - ظالم بن عمرو :

ذكره المرزباني في شعراء الشيعة وقال : كان من قدماء التابعين وكبرائهم ، وكان شاعراً مجيداً وكان شيعياً ، وعدَّه ابن شهر آشوب من شعراء أهل البيت المقتصدين.

توفي عام 69 ه- بالبصرة بالطاعون (1) الجارف وعمره 85 سنة. قال ابن بدران في تهذيب ابن عساكر قال الواقدي : كان ابو الأسود ممن أسلم على عهد رسول اللّه وقاتل مع علي (عليه السلام) يوم الجمل وكان علوياً وأبو الاسود معدود من التابعين ، والفقهاء ، والشعراء ، والمحدثين ، والأشراف والفرسان ، والامراء ، والدهاة ، والنحويين والحاضري الجواب ، والشيعة ، والبخلاء.

وهو واضع علم النحو بارشاد من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع الى الكتب المؤلفة في هذا الفن ، وقد جمع الاستاذ المعاصر عبد الكريم الدجيلي ديوان أبو الأسود الدؤلي وحققه وشرحه وكتب عن حياة أبي الاسود وقام بطبعه فشكراً له على هذه الخدمة الادبية.

وفي الاعيان قال : هاجر أبو الأسود الى البصرة على عهد عمر بن الخطاب.

ومن شعر أبي الأسود مشيراً الى أمير المؤمنين علیه السلام :

ص: 103


1- قال الذهبي في تاريخ الاسلام عند ذكر سنة 69 قال المدائني حدثني من ادرك الطاعون الجارف قال ثلاثة ايام جرف فيها الناس فمات فيها في كل يوم نحو سبعين الفا حتى عجز الناس عن دفن الموتى فكانت الوحوش تدخل البيوت فتصيب منهم.

حسدوا الفتى اذ لم ينالوا سعيه *** فالقوم أعداءٌ له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها *** حسداً وبغياً إنه لدميم

والوجه يشرق في الظلام كأنه *** بدر منير والسماء نجوم

وكذاك من عظمت عليه نعمة *** حسّاده سيف عليه صروم

فاترك مجاراة السفيه فانها *** ندم وغبٌ بعد ذاك وخيم

وإذا جريت مع السفيه كما جرى *** فكلا كما في جريه مذموم

واذا عتبت على السفيه ولمته *** في مثل ما يأتي فأنت ظلوم

يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كأن ذا التعليم

لاتنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك اذا فعلت عظيم

ابدأ بنفسك وأنهها عن غيها *** فاذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما وعظت ويٌقتدى *** بالرأي منك وينفع التعليم

تصف الدواءَ وأنت أولى بالدوا *** وتعالج المرضى وأنت سقيم

وكذاك تلقح بالرشاد عقولنا *** أبداً وأنت من الرشاد عقيم

ويل الشجيّ من الخليّ فانه *** نصب الغواة بشجوه مغموم

وترى الخلي قرير عين لاهياً *** وعلى الشجي كأبة وهموم

ويقول مآلك لاتقول مقالتي *** ولسان ذا طلق وذا مكضوم

لاتكلمنْ عرض ابن عمك ظالماً *** فاذا فعلت فعرضك المكلوم

وحريمه ايضاً حريمك فاحمه *** كيلا يباح لديك منه حريم

واذا اقتضضت من ابن عمك كلمة *** فكلامه لك ان فعلت كلوم

واذا طلبت الى كريم حاجةً *** فلقاؤه يكفيك والتسليم

فاذا راك مسلّماً ذكر الذي *** حملته فكأنه محتوم

فارج الكريم وان رأيت جفاءه *** فالعتب منه والفعال كريم

وعجبت للدنيا ورغبة أهلها *** والرزق فيما بينهم مقسوم

ص: 104

والاحمق المرزوق احمق من ارى *** من اهلها والعاقل المحروم

ثم انقضى عجبي لعلمي انه *** قدر مواف وقته معلوم

وقال في رثاء أمير المؤمنين علیه السلام :

ألا يا عين ويحك فاسعدينا *** ألا فابك أميرَ المؤمنينا

رُزئنا خير من ركب المطايا *** وخيّسها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها *** ومن قرأ المثاني والمئينا

فكل مناقب الخيرات فيه *** وحب رسول رب العالمينا

وكنا قبل مقتله بخير *** نرى مولى رسول اللّه فينا

يقيم الدين لا يرتاب فيه *** ويقضي بالفرائض مستبينا

ويدعو للجماعة من عصاه *** وينهك قطع ايدي السارقينا

وليس بكأتم علماً لديه *** ولم يخلق من المتجبرينا

ألا أبلغ معاوية بن حرب *** فلا قرّت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا *** بخير الناس طراً أجمعينا

ومن بعد النبي فخير نفس *** ابو حسن وخير الصالحينا

لقد علمت قريش حيث كانت *** بأنك خيرها حسباً ودينا

اذا استقبلت وجه أبي حسين *** رأيت البدر راع الناظرينا

كأن الناس اذ فقدوا عليا *** نعام جال في بلد سنينا

فلا واللّه لا أنسى علياً *** وحسن صلاته في الراكعينا

تبكى أمَّ كلثوم عليه *** بعبرتها وقد رأت اليقينا

ولو انا سئلنا المال فيه *** بذلنا المال فيه والبنينا

فلا تشمت معاوية بن حرب *** فانّ بقية الخلفاء فينا

وأجمعنا الامارة عن تراض *** إلى ابن نبينا وإلى أخينا

ص: 105

وإن سراتنا وذوي حجانا *** تواصوا أن نجيب إذا دعينا

بكل مهند عضبٍ وجردٍ *** عليهن الكماة مسومينا

وروى ابن قتيبة في الشعر والشعراء قوله :

اذا كنتَ مظلوماً فلا تلف راضيا *** عن القوم حتى تأخذَ النصف واغضب

وإن كنت انت الظالم القوم فاطرّح *** مقالتهم واشغب بهم كل مَشغب

وقارب بذى جهل وباعد بعالم *** جلوب عليك الحق من كل مجلب

وإن حدبوا فاقعس ، وإن هم تقاعسوا *** لينتزعوا ماخلف ظهرك فاحدب

وقال :

تعودتُ مس الضر حتى ألفته *** وأسلمني طول البلاء الى الصبر

ووسّع صدري للاذى كثرة الاذى *** وكان قديماً قد يضيق به صدري

إذا أنا لم اقبل من الدهر كل مآ *** ألاقيه منه طال عتبي على الدهر

ص: 106

14 - ابن مفرغ الحميري :

قال يخاطب عبيد اللّه بن زياد :

كم يا عبيد اللّه عندك من دمٍِ *** يسعى ليدركه بقتلك ساعي

ومعاشر أُنف أبحت دماءهم *** فرّقتهم من بعد طول جماع

اذكر حسيناً وابن عروة هانئاً *** وبني عقيلٍ فارس المرباع

ص: 107

يزيد بن ربيعة بن مفرغ (1) كان شاعراً مقداماً هجا زياداً وآل زياد وعرف سجن عبيد اللّه بن زياد وهو القائل لما استلحق معاوية زياداً ونسبه الى ابيه (2) :

الا أبلغ معاوية بن حرب *** مغلغلة من الرجل اليماني

أتغضب أن يقال ابوك عفّ *** وترضى أن يقال أبوك زاني

فاشهد أنّ رحمك من زياد *** كرحم الفيل من وَلد الأتان

وأشهد أنها ولدت زياداً *** وصخر من سمية غير داني

فاستأذن عبيد اللّه بن زياد معاوية في قتله فلم يأذن له وأمره بتأديبه فلما قدم ابن زياد البصرة أخذ ابن المفرغ من دار المنذر بن الجارود - وكان أجاره - فأمر به فسقى دواء ثم حمل على حمار وطيف به وهو يسلخ في ثيابه ، فقال لعبيد اللّه :

يغسل الماء ماصنعت ، وقولي *** راسخ منك في العظام البوالي (3)

أقول وتمثل سيدنا الحسين علیه السلام بشعره لما خرج من دار والي المدينة الوليد بن عتبه بن أبي سفيان ، وكان قد طلب من الحسين البيعة ليزيد ابن معاوية فأبى سيد الشهداء قائلاً : يا أمير انا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح اللّه وبنا يختم ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة ، ثم خرج يتمثل بقول يزيد بن المفرغ :

ص: 108


1- انما سمي مفرغاً لأنه راهن على سقاء من لبن يشربه كله فشربه حتى فرغه فسمي مفرغاً ، وكان شاعراً غزلا محسناً من شعراء الصدر الأول وزمن معاوية بن ابي سفيان.
2- وفي خزانة الأدب ، والحيوان : ان هذه الأشعار لعبد الرحمن بن الحكم - اخي مروان - قال ابو الفرج والناس ينسبونها الى ابن المفرغ لكثرة هجائه لزياد.
3- هذا البيت من قصيدة يذكر فيها ما فعل به ابن زياد واهمال حلفائه من قريش اياه.

لاذعرت السوام في غسق الصبح *** مغيراً ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى مخافة الموت ضيماً *** والمنايا يرصدنني أن أحيدا

وقال ابن قتيبة في الشعر الشعراء : هو يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري حليف لقريش ، صحب عباد بن زياد بن ابي سفيان فلم يحمده وكان عباد طويل اللحية عريضها ، فركب ذات يوم وابن مفرغ معه في موكبه فهبت الريح فنفشت لحيته قال ابن مفرغ :

ألا ليت اللحي كانت حشيشاً *** فنعلفها دواب المسلمينا

فبلغ ذلك عباداً فجفاه وحقد عليه ، فأخذه عبيد اللّه بن زياد فحبسه وعذبه وسقاه التربذ في النبيذ (1) وحمله على بعير وقرن به خنزيرة ، فامشاه بطنة مشياً شديداً ، فكان يسيل ما يخرج منه على الخنزيرة فتصيءُ ، فكلما صاءت قال ابن مفرغ :

ضجت سميةُ لما مسها القَرنُ *** لا تجزعي إن شر الشيمة الجزع

وسمية ام زياد ، فطيف به في أزقة البصرة وأسواقها والناس يصيحون خلفه فمر به فارسي فرآه فقال : ( اين جيست ) ، لما يسيل منه وهو يقول :

أبست نبيذست ... عصارات زبيبست ... سمية رو سفيدست. (2)

ومعناه هذا ماء نبيذ ، هذا عصارة زبيب ، وسمية عاهر فلما ألح عليه ما يخرج منه قيل لابن زياد : انه لما به. لا نأمن أن يموت فأمر به فانزل ، فاغتسل فلما خرج من الماء قال :

يغسل الماء مافعلت ، وقولي *** راسخ منك في العظام البوالي (3)

ص: 109


1- هو راسب زئبقي اصفر.
2- انظر هذا في الطبري.
3- والقصيدة طويلة رواها ابو الفرج في الأغاني.

ثم دس اليه غرماءه يقتضونه ويستعدون عليه ففعلوا ذلك فامر ببيع ما وجد له في اعطاء غرمائه ، فكان فيما بيغ له غلام كان رباه يقال له ( بُرد ) كان يعدل عنه ولده ، وجارية يقال لها ( اراكة ) أو ( اراك ) فقال ابن مفرغ فيهما :

يا برد مآ مسنا دهر أضرّ بنا *** من قبل هذا ولا بعنا له ولداً

أما الاراك فكانت من محارمنا *** عيشاً لذيذاً وكانت جنةً رغدا

لولا الدعي ولولا ما تعرّض لي *** من الحوادث ما فارقتها أبداً

وقال من قصيدة له ، وهي أجود شعره :

وشريت برداً ليتني *** من بعد برد كنت هامه

أو بومة تدعو الصدى *** بين المشقّر واليمآمة

وأَول الشعر :

اصرمت حبلك من أمامه *** من بعد أيام برامه (1)

ثم ان عبيد اللّه بن زياد أمر به فحمل إلى سجستان الى عباد بن زياد ، فحبس بها.

وقال الشيخ القمي في الكنى : ابو عثمان يزيد بن زياد بن ربيعة ابن مفرغ الحميري لقب جده مفرغاً ، وقد هجا عباد بن زياد وعبيد اللّه بن زياد وقد نكّلا به وحبساه ولولا قومه وعشيرته الذين كانوا مع يزيد بن معاوية لقتلاه ، ومن شعره في لحية عباد - وكان عظيم اللحية كأنها جوالق :

ألا ليت اللحى كانت حشيشاً *** فتعلفها خيول المسلمينا

وله أيضاً في هجاء زياد :

فاشهدُ أن امك لم تباشر *** أبا سفيان واضعة القناع

ص: 110


1- انظرها في طبقات ابن سلام والخزانة والاغاني والكامل.

ولكن كان أمر فيه لبس *** على وجل شديد وامتناع

وله في هجاء عبيد اللّه بن زياد :

وقل لعبيد اللّه مالك والد *** بحق ولا يدري امرءً كيف ينسب

ومن شعره أيضاً :

إن زياداً ونافعاً وأبا بكرةَ *** عندي من أعجب العجبِ (1)

هم رجال ثلاثة خلقوا *** في رحم أنثى وكلهم لأبِ

ذا قرشي كما يقول وذا *** مولى وهذا ابن عمه عربي

توفي سنة 69 ه- بعد ان قضى عمراً تارة في سجن عبيد اللّه ابن زياد بالبصرة ، واخرى في سجن عباد بن زياد بسجستان ومع ذلك كان ينطلق بهجاء آل زياد فلما طال مقامه في السجن استأجر رسولاً الى دمشق وقال له : إذا كان يوم الجمعة فقف على درج جامع دمشق وانشد هذه الأبيات :

ابلغ سراةَ بني قحطان قاطبةً *** عضّت بأير أبيها سادة اليمن

اضحى دعي زياد فقع قرقرة *** يا للحوادث يلهو بابن ذي يزن

والحميري صريع وسط مزبلة *** هذا لعمرك غبن ليس كالغبن

قولوا جميعاً امير المؤمنين لنا *** عليك حق ومنّ ليس كالمنن

اكفف دعيّ زياد عن أكارمنا *** ماذا تريد بذي الأحقاد والاحن

ففعل الرسول ما أمره به وأنشد الأبيات فحميت اليمانية وغضبوا وركب طلحة الطلحات الى الحجاز وليس قرشيا وكان ابن مفرغ حليفاً لبني أمية فقال لهم طلحة يا معشر قريش إن اخاكم وحليفكم ابن مفرغ قد ابتلى بهذه الاعبد من بني زياد وهو عديدكم وحليفكم ورجل منكم

ص: 111


1- أراد بهم اولاد سمية وهم ، زياد ، ونافع وابو بكرة كل واحد من هؤلاء ينتمي وينسب لأب غير الاخر واراد بالنبطي : نافعاً : وبالعربي ابا بكرة. ، وبالمولى زياد لان اباه عبيد كان عبد بني علاج.

وواللّه ما احب أن يجري اللّه عافيته الى يدي دونكم ولا أفوز بالمكرمة في أمره وتخلوا أنتم منها ، فانهضوا معي بجماعتكم الى يزيد بن معاوية فان أهل اليمن قد تحركوا بالشام.

فركب خالد بن أسيد وامية بن عبد اللّه اخوه في وجوه خزاعة وكنانة وخرجوا إلى يزيد فبينما هم يسمرون ذات ليلة إذ سمعوا راكباً يتغنى في سواد الليل بقول ابن مفرغ ويقول :

قلت والليل مطبق بعراه *** ليتني مت قبل ترك سعيد

ليتني مت قبل تركي أخا *** النجدة والحزم والفعال الشديدَ

عبشمي ابوه عبد مناف *** فاز منها بتاجها المعقود

قل لقومي لدى الأباطح من آل *** لويّ بن غالب ذي الجود

سامني بعدكم دعي زياد *** خطة الغادر اللئيم الزهيد

كان ما كان في الاراكة واجتبَّ *** ببرد سنام عيشي وجيدي

أوغل العبد في العقوبة والشتم *** وأودى بطارفي وتليدي

فارحلوا في حليفكم واخيكم *** نحو غوث المستصرخين يزيد

فاطلبوا النصفَ من دعي زياد *** وسلوني بما أدعيت شهودي

فدعوه وسألوه ما هذا الذي سمعنا منك تغني به فقال هذا قول رجل واللّه إن أمره لعجيب رجل ضاع بين قريش واليمن وهو رجل الناس ، قالوا من هو قال ابن مفرغ ، فقالوا واللّه ما رحلنا إلا فيه وانتسبوا له فعرفهم وانشد قوله :

لعمري لو كان الأسير بن معمر *** وصاحبه أو شكله ابن اسيد

ولو أنهم نالوا أمية أر قلت *** براكبها الوجناء نحو يزيد

فابلغت عذراً في لؤى ابن غالب *** واتلفت فيهم طارفي وتليدي

فإٍن لم يغيرها الإمآم بحقها *** عدلت الى شُمٍ شوامخ صيد

ص: 112

فناديت فيهم دعوة يمنية *** كما كان آبائي دعوا وجدودي

ودافعت حتى ابلغ الجهد عنهم *** دفاع امرىء في الخير غير زهيد

فإن لم تكونوا عند ظني بنصركم *** فليس لها غير الأغر سعيد

بنفسي وأهلي ذاك حياً وميتاً *** نضارُ وعود المرء أكرم عود

فكم من مقام في قريش كفيته *** ويوم يشيب الكاعبات شديد

وخصم تحامآه لؤى بن غالب *** شببت له ناري فهاب وقودي

وخير كثير قد أفأتُ عليكم *** وأنتم رقود أو شبيه رقود

فاسترجع القوم وقالوا : واللّه ذلت رؤوسنا في العرب إن لم نغسلها بكفه ، فاغذّ القوم السيرَ حتى قدموا الشام وهناك اجتمعوا مع اليمانية ودخلوا على يزيد وكلموه فأمر بتسريح ابن مفرغ وأرسل بذلك مع رجل له خمخام فأطلقه.

ومن قول ابن مفرغ يذكر هرب عبيد اللّه بن زياد وتركه أمه :

أعبيدُ هلا كنتَ أول فارس *** يوم الهياج دعا بحتفك داعي

أسلمت امك والرماح تنوشها *** يا ليتني لك ليلة الأفزاع

إذ تستغيث وما لنفسك مانع *** عبد تردده بدار ضياع

هلا عجوز إذ تمد بثديها *** وتصيح ان لا تنزعنّ قناعي

فركبت رأسك ثم قلت أرى العدا *** كثروا وأخلف موعد الاشياع

فانجي بنفسك وابتغي نفقاً فما *** لي طاقة بكِ والسلام وداعي

ليس الكريم بمن يخلّف امه *** وفتاتَه في المنزل الجعجاع

حذر المنية والرياح تنوشه *** لم يرم دون نسائه بكراع

متأبطاً سيفاً عليه يلمَّق *** مثل الحمآر أثرته بيفاع

لا خير في هذرِ يهز لسانه *** بكلامه والقلب غيرَ شجاع

لابن الزبير غداةً يذمر مبدراً *** أولى بغاية كل يوم وقاع

ص: 113

واحق بالصبر الجميل من امرىءِ *** كزّ انامله قصير الباع

جعد اليدين عن السماحة والندى *** وعن الضريبة فاحشِ منّاع

كم يا عبيد اللّه عندك من دمِ *** يسعى ليدركه بقتلك ساعي

ومعاشر أنفٍ أبحت حريمهمٍ *** فرقتهم من بعد طول جماع

أذكر حسيناً وابن عروة هانئاً *** وبني عقيلٍ فارس المرباع

وقال ابن مفرغ في مقتل ابن زياد بالزاب :

ان الذي عاش حثاراً بذمته *** ومات عبداً قتيل اللّه بالزابِ

العبد للعبد لا أصل ولا طرف *** ألوت به ذات أظفار وأنياب

إن المنايا اذا مازرن طاغيةً *** هتكن عنه ستوراً بين أبواب

هلا جموع نزار إذ لقيتهم *** كنت امرءً من نزار غير مرتاب

لا انت زاحمت عن ملك فتمنعه *** ولا مددت إلى قوم بأسباب

ما شق جيب ولا ناحتك نائحة *** ولا بكتك جياد عند أسلاب

قال الطبري في تاريخه وفي سنة 59 كان ما كان من امر يزيد بن مفرغ الحميري وعباد بن زياد وهجاء يزيد بني زياد ، وقال :

ان يزيد بن ربيعة بن مفرغ كان مع عباد بن زياد بسجستان فاشتغل عنه بحرب الترك فاستبطأه فاصاب الجند مع عباد ضيق في إعلاف دوابهم فقال ابن مفرغ :

ألا ليت اللحي كانت حشيشا *** فيعلفها خيول المسلمينا

ولقد مر ما صنع به عبيد اللّه ثم حمله الى عباد بسجستان فكلمت اليمانية فيه بالشام معاوية فأرسل رسولاً الى عباد فحمل ابن مفرغ من عنده حتى قدم على معاوية فقال في طريقه :

عدس ما لعبّادٍ عليك إمارة *** نجوتِ وهذا تحملين طليقُ

ص: 114

15 - عبيد اللّه بن عمرو الكندي البدي :

اشارة

سعيدَ بن عبد اللّه لا تنسينه *** ولا الحر إذ آسى زهيراً على قسر

فلو وقفت صمّ الجبال مكأنهم *** لمارت على سهل ودكّت على وعر

فمن قائم يستعرض النبلَ وجهه *** ومن مقدم يلقى الاسنة بالصدر

ص: 115

قال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال : عبيداللّه بن عمرو الكندي ذكره علماء السير وانه كان فارساً شجاعاً كوفياً شيعياً شهد مع أمير المؤمنين مشاهده كلها وبايع مسلم بن عقيل ، وكان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين وعقد له مسلم راية على ربع كندة يوم حاصر قصر الامارة فلما تخاذل الناس عن مسلم واطمأن ابن زياد ارسل الحصين بن نمير فقبض على عبيداللّه واحضره امامه فسأله ممن انت ، قال من كندة قال : انت صاحب راية كندة وربيعة قال نعم ، قال انطلقوا به فاضربوا عنقه فانطلقوا به فضربوا عنقه رضوان اللّه عليه.

قال التستري صاحب ( قاموس الرجال ) : انما روى الطبري عقد مسلم له على ربع كندة وربيعة واما اخذه وقتله فلا.

وحيث ان الشاعر قد ذكر في الابيات اسماء الأبطال الثلاثة من اصحاب الحسين علیه السلام ، رأينا ان نذكر ترجمة كل واحد منهم بالمناسبة :

1 - سعيد بن عبد اللّه الحنفي :

كان ممن استشهد مع الحسين يوم الطف وكان من وجوه الشيعة بالكوفة ، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم ، وكان ممن حمل الكتب إلى الحسين علیه السلام من اهل الكوفة إلى مكة والحسين فيها ، ولما خطب الحسين اصحابه في اللية العاشرة من محرم وأذن لهم بالتفرق فأجابه اهل بيته ثم قام سعيد بن عبد اللّه فقال : واللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه إنا قد حفظنا نبيه محمداً فيك. واللّه لو علمت أني أُقتل في أُحيي ثم احرق حيَّاً ثم أُذر. يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى القي حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً.

وروى ابن مخنف انه لما صلى الحسين الظهر صلاة الخوف. اقتتلوا

ص: 116

بعد الظهر فاشتد القتال ، ولما قرب الأعداء من الحسين ، وهو قائم بمكانه ، استقدم سعيد الحنفي امام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً وهو قائم بين يدي الحسين يقيه السهام طوراً بوجهه وطوراً بصدره وطوراً بيديه وطوراً بجبينه فلم يكد يصل إلى الحسين شيء من ذلك حتى سقط الحنفي إلى الارض وهو يقول اللّهم ألعنهم لعن عاد وثمود. اللّهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصرة نبيك ، ثم ألتفت إلى الحسين فقال ، أوفيت يابن رسول اللّه ، قال نعم أنت أمامي في الجنة ثم فاضت نفسه النفيسة.

2 - الحر بن يزيد الرياحي :

تقدت ترجمته في ص 82 - 89 من هذه الموسوعة.

3 - زهير بن القين بن قيس الانماري البجلي :

كان زهير رجلاً شريفاً في قومه ، نازلا فيهم بالكوفة ، شجاعاً ، له في المغازي مواقف مشهورة ، ومواطن مشهودة ، وكان أولاً عثمانياً فحج سنة ستين في اهله ، ثم عاد فوافق الحسين في الطريق ، فهداه اللّه وانتقل علويا ، ( روى ) ابو مخنف عن بعض الفزاريين ، قال كنا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكة نساير الحسين علیه السلام فلم يكن شيء ابغض الينا من ان نسايره في منزل ، فاذا سار الحسين علیه السلام تخلف زهير ، واذا نزل الحسين تقدم زهير ، حتى نزلنا يوماً في منزل لم نجد بُدّاً من أن ننازله فيه فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب فبينا نحن نتغدى من طعام لنا ، وإذا أقبل رسول الحسين (عليه السلام) فسلم ودخل ، فقال يا زهير بن القين : إن ابا عبداللّه الحسين بن علي بعثني اليك لتأتيه ، فطرح كل انسان منا ما في يده حتى كأن على رؤسنا الطير ، ( قال ) ابو مخنف : فحدثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير قالت : فقلت له ايبعث اليك ابن رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم)

ص: 117

ثم لا تأتيه ، سبحان اللّه لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفتَ.

قالت فأتاه زهير بن القين : فما لبث ان جاء مستبشرا قد اسفر وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوّض وحمل إلى الحسين (عليه السلام) ثم قال لي : انت طالق ، الحقي بأهلك ، فأني لا احب ان يصيبك بسببي إلّا خير ، ثم قال لأصحابه من احب منكم أن يتبعني ، والا فانه آخر العهد ، إني سأحدثكم حديثا ، غزونا بلنجر (1) ، ففتح اللّه علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان افرحتم بما فتح اللّه عليكم : واصبتم من المغانم؟ فقلنا نعم فقال : اذا ادركتم شباب آل محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) فكونوا اشد فرحاً بقتالكم معه بما اصبتم من المغانم ، فأما انا فاني استودعكم اللّه ، قال ثم واللّه ما زال اول القوم حتى قتل معه.

( وقال ) ابو مخنف لما عارض الحر بن يزيد ، الحسين (عليه السلام) في الطريق واراد أن ينزله حيث يريد ، فأبى الحسين (عليه السلام) عليه ، ثم انه سايره فلما بلغ ذا حسم خطب اصحابه خطبته التي يقول فيها ، اما بعد فانه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ( الخ ) ، فقام زهير ، وقال لاصحابه أتتكلمون أم أتكلم ، قالوا بل تكلم : فحمد اللّه واثنى عليه ، ثم قال قد سمعنا هداك اللّه يابن رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) مقالتك واللّه لو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنا فيها مخلدين - إلا أنّ فراقها في نصرك ومواساتك - لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها ، فدعا له الحسين وقال له خيراً ( وروى ) ابن مخنف ان الحر لما ضايق الحسين علیه السلام بالنزول : واتاه أمر ابن زياد ان ينزل الحسين على غير ماء ولا كلاء ولا في قرية ، قال له الحسين ، دعنا ننزل في هذه القرية. يعني نينوى او هذه يعني الغاضرية ، او هذه يعني شفيّة ، فقال الحر : لا واللّه

ص: 118


1- بلنجر بالباء الموحدة واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة هي مدينة في الخزر.

لا استطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عليَّ عينا. فقال زهير للحسين (عليه السلام) يابن رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) ، ان قتال هؤلاء اهون علينا مَن قتال من بعدَهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال له الحسين (عليه السلام) : ما كنت لأبدئهم بقتال فقال له زهير : فسر بنا إلى هذه القرية فانها حصينة وهي على شاطيء الفرات ، فان منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم ، فقال الحسين علیه السلام واية قرية هي : قال العقر ، فقال الحسين (عليه السلام) اللّهم اني اعوذ بك من العقر ، فنزل بمكانه وهو كربلاء.

وقال ابو مخنف لما اجمع عمر بن سعد على القتال نادى شمر بن ذي الجوشن : يا خيل اللّه اركبي وابشري بالجنة ، والحسين علیه السلام جالس امام بيته ، محتب بسيفه وقد وضع رأسه على ركبته من نعاس ، فدنت اخته زينب منه وقالت : يا اخي قد اقترب العدو ، وذلك يوم الخميس التاسع من المحرم بعد العصر ، وجائه العباس ، فقال يا أخي أتاك القوم ، فنهض ، ثم قال يا عباس اركب اليهم حتى تسألهم عما جاء بهم ، فركب العباس في عشرين فارسا منهم حبيب بن مظاهر وزهير ابن القين ، فسألهم العباس ، فقالوا جاء أمر الامير بالنزول على حكمه او المنازلة ، فقال لهم العباس : لا تعجلوا حتى أرجع الى ابي عبد اللّه فاعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا له القه فاعلمه ثم القنا بما يقول ، فذهب العباس راجعاً ووقف اصحابه ، فقال حبيب لزهير كلم القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم انا : فقال زهير انت بدأت فكلمهم فكلمم فردّ عليه عزرة بن قيس بقوله : إنك لتزكي نفسك ما استطعت ، فقال له زهير : ان اللّه قد زكائها وهداها فاتق اللّه يا عزرة ، فاني لك من الناصحين انشدك اللّه يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية ، فقال عزرة : ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت انما كنت عثمانياً ، قال أفلا تستدل بموقفي هذا على اني منهم ، اما

ص: 119

واللّه ما كتبت اليه كتاباً قط ، ولا أرسلت اليه رسولا قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم ، فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه ، حفظاً لما ضيعتم من حق اللّه وحق رسوله ، قال واقبل العباس. فسألهم امهال العشية ، فتوامروا ، ثم رضوا فرجعوا.

( وروى ) ابو مخنف عن الضحاك بن عبد اللّه المشرقي قال : لما كانت الليلة العاشرة خطب الحسين (عليه السلام) اصحابه واهل بيته ، فقال في كلامه : هذا الليل قد غشيكم ، فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي ، فان القوم انما يطلبوني ، فأجابه العباس وبقية اهله ، ثم اجابه مسلم بن عوسجة واجابه سعيد ، ثم قالم زهير فقال واللّه لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة ، وانّ اللّه يدفع بذلك القتل عن نفسك ، وعن انفس هؤلاء الفتية من اهل بيتك ( وقال ) اهل السير لما صف الحسين (عليه السلام) اصحابه للقتال ، وانما هم زهاء السبعين ، جعل زهير على الميمنة ، وحبيباً على الميسرة ووقف في القلب واعطى الراية لأخيه العباس ، ( وروى ) ابو مخنف عن علي بن حنظلة بن سعد الشبامي عن كثير بن عبد اللّه الشعبي البجلي ، قال لما زحفنا قبل الحسين علیه السلام ، خرج الينا زهير بن القين. على فرس له ذنوب ، وهو شاك في السلاح ، فقال يا اهل الكوفة. نذار لكم من عذاب اللّه نذار انّ حقنا على المسلم نصيحة اخيه المسلم ، ونحن حتى الآن اخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، فاذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا امة وكنتم امة ، انّ اللّه قد ابتلانا واياكم بذرية نبيه ، لينظر ما نحن وانتم عاملون ، انا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد اللّه بن زياد فانكم لا تدركون منهما إلا السوءَ عمرَ سلطانهما

ص: 120

كله انهما يسملان اعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتلان أماثلكم وقرائكم امثال حجر ابن عدي واصحابه ، وهاني بن عروة واشباهه ، ( قال ) فسبوه واثنوا على عبيد اللّه وابيه وقالوا واللّه لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الامير ( فقال ) لهم زهير : عباد اللّه إنّ ولد فاطمة (عليهاالسلام) احق بالود والنصر من ابي سمية ، فان لم تنصرهم فاعيذكم باللّه ان تقتلوهم ، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد ، فلعمري إنه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين علیه السلام ( قال ) فرماه الشمر بسهم ، وقال له اسكت اسكت : اللّه نامتك (1) فقد أبرمتنا (2) بكثرة كلامك ، فقال زهير يابن البوال على عقبيه ، ما اياك اخاطب ، إنما أنت بهيمة ، واللّه ما اظنك تحكم من كتاب اللّه آيتين ، فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الاليم.

فقال له شمر : إن اللّه قاتلك وصاحبك عن ساعة ، قال زهير : افبالموت تخوفني ، واللّه للموت معه احب اليّ من الخلد معكم ( قال ) ثم اقبل على الناس رافعاً صوته وصاح بهم ، عباد اللّه لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي واشباهه ، فواللّه لا تنال شفاعة محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) قوم أهرقوا دماء ذريته واهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم ( قال ) فناداه رجل من خلفه : يا زهير إنّ ابا عبداللّه (عليه السلام) يقول لك اقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وابلغتَ ، لو نفع النصح والابلاغ ، فذهب اليهم.

( وروى ) ابو مخنف عن حميد بن مسلم قال حمل شمر حتى طعن

ص: 121


1- النأمة بالهمزة والنأمة بالتشديد الصوت ، يقال ذلك كناية عن الموت وهو دعاء عند العرب مشهور.
2- ابرمتنا : اضجرتنا.

فسطاط الحسين علیه السلام برمحه وقال : عليّ بالنار حتى احرق هذا البيت على اهله ، فصاحت النساء ، وخرجت من الفسطاط ، فصاح الحسين (عليه السلام) يابن ذي الجوشن ، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على اهلي ، احرقك اللّه بالنار وحمل ، وحمل زهير بن القين في عشرة من اصحابه ، فشد على شمر واصحابه ، فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها ، وقتل زهير ابا عزة الضبابي من اصحاب شمر وذوي قرباه ، وتبع اصحابه الباقين فتعطف الناس عليهم فكثروهم وقتلوا اكثرهم وسلم زهير ، ( قال ) ابو مخنف واستمر القتال بعد قتل حبيب فقاتل زهير والحر قتالا شديداً فكان اذا شد احدهما واستلحم ، شد الآخر فخلصه : فقتل الحر ، ثم صلى الحسين علیه السلام صلوة الخوف ولما فرغ منها ، تقدم زهير فجعل يقاتل قتالا لم يُر مثله ، ولم يسمع بشبهه واخذ يحمل على القوم فيقول :

انا زهير وانا ابن القين *** أذودكم بالسيف عن حسين

ثم رجع فوقف امام الحسين (عليه السلام) وقال له :

فدتك نفسي هادياً مهديا *** اليوم القى جدك النبيا

وحسناً والمرتضى عليا *** وذا الجناحين الشهيد الحيا

فكأنه ودعه ، وعاد يقاتل ، فشد عليه كثير بن عبداللّه الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه ، ( وقال ) السروي في المناقب لما صرع ، وقف عليه الحسين (عليه السلام) فقال : لايبعدنك اللّه يا زهير ، ولعن اللّه قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازيرا.

ص: 122

16 - عامر بن يزيد بن ثبيط العبدي البصري :

يافرو قومي فاندبي *** خير البرية في القبور

وابكي الشهيد بعبرة *** من فيض دمع ذي درور

وارث الحسين مع التفجُّع *** والتأوه والزفير

قتلوا الحرامَ من الأئمة *** في الحرام من الشهور

وأبكي يزيد مجدلا *** وأبنيه في حرِّ الهجير

متزملين دمآؤهم *** تجري على لبب النحور

يا لهف نفسي لم تفز *** معهم بجناتٍ وحور

ص: 123

روى هذه الأبيات الشيخ السماوي في ( ابصار العين في انصار الحسين ) وقال هي في رثاء يزيد بن ثبيط (1) وولديه الذين قتلوا مع الحسين وهي من نظم عامر بن يزيد قالها في رثاء ابيه وأخويه لما صرعوا يوم الطف مع ابي عبد اللّه الحسين علیه السلام . وكان من خبرهم ان يزيد بن ثبيط كان من الشيعة ومن اصحاب ابي الاسود وكان شريفاً في قومه.

قال أبو جعفر الطبري : كانت مارية ابنة منقذ العبدية تتشيع وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدثون فيها ، وقد كان ابن زياد بلغه اقبال الحسين علیه السلام ومكاتبة أهل العراق له ، فأمر عامله أن يضع المناظر ويأخذ الطريق ، فأجمع يزيد بن ثبيط على الخروج الى الحسين وكان له بنون عشرة فدعاهم الى الخروج معه وقال : أيكم يخرج معي متقدماً ، فانتدب له اثنان : عبد اللّه وعبيد اللّه ، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة : اني قد أزمعتُ على الخروج وأنا خارج فمن يخرج معي فقالوا انا نخاف أصحاب ابن زياد ، فقال : اني واللّه لو قد استوت أخفافها بالجدد (2) لهان علي طلب من طلبني ، ثم خرج وابناه وصحبه عامر ومولاه وسيف بن مالك والأدهم بن امية ، وقوي في الطريق (3) حتى انتهى الى الحسين (عليه السلام) وهو بالابطح من مكة فاستراح في رحله ثم خرج الى الحسين الى منزله ، وبلغ الحسين (عليه السلام) مجيئه فجعل يطلبه حتى جاء الى رحله فقيل له قد خرج الى منزلك فجلس في رحله ينتظره وأقبل يزيد - لما لم يجد الحسين في منزله وسمع أنه ذهب اليه - راجعاً على أثره ، فلما رأى الحسين (عليه السلام) في رحله قال : ( بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) السلام عليك يا بن رسول اللّه

ص: 124


1- ثبيط بالثاء المثلثة والباء المفردة والياء المثناة والطاء المهملة.
2- الجدد : صلب الارض ، وفي المثل : من سلك الجدد امن العثار.
3- قوي في الطريق : تتبع الطريق القواء اي القفر الخالي.

ثم سلم عليه وجلس اليه واخبره بالذي جاء له ، فدعا له الحسين بالخير ثم ضم رحله الى رحله ، وما زال معه حتى قتل بين يديه في الطف مبارزة ، وقتل ابناه في الحملة الاولى كما ذكره السروي ، وفي رثائه ورثاء ولديه يقول ولده عامر بن يزيد ( الابيات ).

وقال الشيخ ابن نما الحلي رحمه اللّه حدث ابو العباس الحميري قال : قال رجل من عبد القيس قتل اخوه مع الحسين (عليه السلام) .

أقول ورواها السيد الامين في ( الاعيان ) وقال : وعبد القيس قبيلة معروفة بالتشيع لأهل البيت علیهم السلام :

يا فرد قومي فاندبي *** خيرَ البرية في القبور

وابكي الشهيد بعبرةٍ *** من فيض دمع ذي درور

ذاك الحسين مع التفجع *** والتأوه والزفير

قتلوا الحرام من الأئمة *** في الحرام من الشهور

ص: 125

17 - الفضل بن عباس بن عتبة بن ابي لهب بن عبد المطلب بن هاشم :

اشارة

بكيت لفقد الاكرمين تتابعوا *** لوصل المنايا دارعون وحُسّرُ

من الأكرمين البيض من آل هاشم *** لهم سلف من واضح المجد يذكر

بهم فجعتنا والفواجع كأسمها *** تميم وبكر والسّكون وحمير

وفي كل حي نضحة من دمآئنا *** بني هاشم يعلو سناها ويشهر

فلله محيانا وكأن مماتنا *** ولله قتلانا تدان وتنشر

لكل دم مولى ، ومولى دمآئنا *** بمرتقب يعلو عليكم ويظهر

فسوف يرى أعداؤنا حين تلتقي *** لأي الفريقين النبي المطهر

مصابيح امثال الأهلة إذ هم *** لدى الحرب أو دفع الكريهة أبصر

ومنها :

أعينيَّ إن لا تبكيا لمصيبتي *** فكل عيون الناس عني أصبر

أعينيَّ جودا من دموع غزيرة *** فقد حق إشفاقي وما كنت أحذر

ص: 126

أبو لهب بن عبد المطلب واسمه عبد العزى - له من الأولاد : عتبة بن أبي لهب ، ومعتِّباً وعتيبة وهو الذي اكله الاسد وكان ابو لهب يكنى بأسماء بنيه كلهم وامهم ام جميل ، وهي ( حمالة الحطب ) بنت حرب بن امية بن عبد شمس وفيها يقول الاحوص الشاعر الانصاري :

ماذاتُ حبل يراه الناس كلهم *** وسط الجحيم ولا يخفى على احد

كل الحبال حبال الناس من شعر *** وحبلها وسط أهل النار من مسد

شهد عتبة ومعتب حنيناً مع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وثبتا فيمن ثبت معه ، واصيب عين معتب يومئذ.

ومن شعر الفضل بن العباس - وكان شديد الادمة ولذلك قال :

وأنا الأخضر (1) من يعرفني *** أخضر الجلدة في بيت العربْ

من يساجلني يساجلْ ماجداً *** يملأ الدلو الى عقد الكرب

إنمآ عبد مناف جوهر *** زيَّن الجوهر عبد المطلب

الشاعر

هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم ( شاعر الهاشميين ).

توفي في حدود سنة 90 في خلافة الوليد بن عبد الملك ، وكان احد شعراء بني هاشم وفصحائهم هاشمي الابوين ، امه آمنة بنت العباس ابن عبد المطلب.

ومن شعره :

ص: 127


1- كان شديد السمرة ، والعرب تسمي الاسمر اخضر وتتمدح بذلك.

ماكنت أحسب أن الامرَ منصرف *** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

من فيه ما فيهم من كل صالحة *** وليس في كلهم ما فيه من حسن

أليس اول من صلى لقبلتكم *** وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهداً بالنبي ومن *** جبريل عون له في الغسل والكفن

مآذا يردكم عنه فنعرفه *** ها إن ذا غَبَن من أعظم الغبن

قال المرصفي في شرح الكامل : وكان من أصحاب علي (عليه السلام) وهو القائل يخاطب بني امية :

مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا *** لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم *** وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا

مهلا بني عمنا عن نحت أثلتنا *** سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا

اللّه يعلم أنا لا نحبكم *** ولا نلومكم ألا تحبونا

كل له نية في بغض صاحبه *** بنعمة اللّه نقليكم وتقلونا

وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط - أخو عثمان لأمه - يرثي عثمان ويتهم بني هاشم وعلياً ويتوعدهم :

ألا مَن لليل لا تغور كواكبه *** اذا لاح نجم لاح نجم يراقبه

بني هاشم ردوا سلاح ابن اختكم *** ولا تنهبوه لا تحل مناهبه

بني هاشم لا تعجلوا بإفادة *** سواء علينا قاتلوه وسالبه

فقد يجبر العظم الكسير وينبري *** لذي الحق يوماً حقه فيطالبه

وإنا وإياكم وما كأن منكم *** كصدع الصفا لا يرأب الصدعَ شاعبه

ص: 128

بني هاشم كيف التعاقد بيننا *** وعند علي سيفه وحرائبه

لعمرك لا أنسى ابن أروى وقتله *** وهل ينسينًّ الماء ما عاش شاربه

هم قتلوه كي يكونوا مكأنه *** كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه

وإني لمجتاب اليكم بجحفلٍ *** يصمُّ السميعَ جرسه (1) وجلائبه

فانتدب له الفضل بن العباس بن عتبة يرد عليه فيقول :

فلا تسألونا بالسلاح فإنه *** اضيع وألقاه لدى الروع صاحبه

سلوا أهل مصرعن سلاح ابن اختنا *** فهم سلبوه سيفه وحرائبه

وكان ولي العهد بعد محمد *** علي وفي كل المواطن صاحبه

علي ولي اللّه أظهر دينه *** وأنت من الاشقين فيمن تحاربه

وقد أنزل الرحمن انك فاسق *** فمالك في الإسلام سهم تطالبه (2)

وشبهته كسرى وقد كأن مثله *** شبيها بكسرى هديه وعصائبه

ص: 129


1- الجرس : الصوت.
2- في الوليد نزل قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا » الآية وذلك ان رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) ارسله الى بني المصطلق ليجيء بالزكاة فخرجوا للقائه فهابهم فعاد الى رسول اللّه يقول انهم ارتدوا عن الاسلام فنزلت الآية ومن ذلك سمي بالفاسق.

18 - عوف الازدي :

هو عوف بن عبد اللّه بن الاحمر الازدي - أحد التوابين - يرثي الحسين علیه السلام ، ويدعو إلى الأخذ بثأره فيقول :

صحوت وقد صح الصبا والعواديا *** وقلت لاصحابي أجيبوا المناديا

وقولوا له إذ قام يدعو إلى الهدى *** وقبل الدعا لبيك لبيك داعيا

ألا وأنع خير الناس جداً ووالدا *** (حسيناً) لأهل الدين ، إن كنت ناعيا

لبيك حسيناً مرمل ذو خصاصة *** عديم وامآم تشكى المواليا

فاضحى حسين للرمآح دريئةً *** وغودر مسلوباً لدى الطف ثاويا

سقى اللّه قبراً ضمن المجد والتقى *** بغربية الطفَ الغمآمَ الغواديا

فيا امة تاهت وضلّت سفاهةً *** أنيبوا ، فارضوا الواحد المتعاليا (1)

ومنها :

ونحن سمونا لابن هند بجحفل *** كرجل الدبا يزجي اليه الدواهيا

فلما التقينا بيّن الضرب أيّنا *** بصفين كان الاضرع المتوانيا

لبيك حسيناً كلمآ ذرّ شارق *** وعند غسوق الليل من كان باكيا

لحا اللّه قوماً اشخصوهم وغرروا *** فلم يَر يوم الباس منهم محاميا

ولا موفياً بالعهد إذ حمس الوغا *** ولا زاجراً عنه المضلين ناهيا

فيا ليتني اذ ذاك كنتُ شهدته *** فضاربت عنه الشانئين الأعاديا

ودافعت عنه ما استطعت مجاهداً *** وأعملت سيفي فيهم وسنانيا

ص: 130


1- عن كتاب « ادب الشيعة » عبد الحسيب طه - مصر.

قال الشيخ القمي في الكنى : عوف الازدي ذكره المرزباني في معجم الشعراء فقال : عوف بن عبد اللّه بن الاحمر الازدي.شهد مع علي (عليه السلام) صفين وله قصيدة طويلة رثى فيها الحسين (عليه السلام) وحرض الشيعة : على الطلب بدمه وكانت هذه المرثية تخبأ أيام بني امية وإنما خرجت بعد ذلك. قاله ابن الكلبي ، منها :

ونحن سمونا لابن هند بجحفل *** كرجل الدبا يزجي اليه الدواهيا

الابيات. وفي الاعيان ج 42 ايضاً رواها عن المرزباني اقول لاعجب اذا ضاع اكثر القصيدة وذهب جلها ولم يبقى منها الاهذه الابيات لأن الدور لبني امية والضغط على شيعة أهل البيت كان قائماً على قدم وساق ، لذا يقول : وكانت هذه المرثية تخبأ أيام بني امية حيث كانوا يأخذون الناس بالترغيب والترهيب ومتى حورب الشخص بهذين العاملين محى اسمه ومات وانطفأ ذكره.

ملاحظة : وجاء في الجزء الاول من الاعيان - القسم الثاني ص 164 قوله : وعبد اللّه بن عوف بن الاحمر كان يحرض على الطلب لثأر الحسين علیه السلام ، وهو القائل :

الا وانع خير الناس جداً ووالداً *** حسيناً لاهل الدين إن كنت ناعيا

سقى اللّه قبراً ضمن المجد والتقى *** بغربية الطف الغمآم الغواديا

هذين البيتين تتمة الابيات السابقة ولكن السيد جعل اسم الولد بمكان الوالد كما انه في جزء 32 ص 119 عند ترجمة رفاعة بن شداد البجلي قال : واراد رفاعة بن شداد الرجوع عن الحرب فقال عبد اللّه ابن عوف بن الاحمر : هلكنا واللّه إذاً لئن انصرفنا ليركبن اكتافنا فلا نبلغ فرسخاً حتى نهلك ، هذه الشمس قد قاربت للغروب فنقاتلهم على خيلنا فاذا غسق الليل ركبنا خيولنا وسرنا ، فقال رفاعة نعم ما

ص: 131

رأيت وأخذ الراية وقاتلهم قتالا شديداً فلما امسوا رجع اهل الشام الى معسكرهم ونظر رفاعة إلى كل رجل قد عقر فرسه وجرح فدفعه إلى قومه.

قال الطبري قال ابو مخنف حدثني الحسين بن يزيد عن السري ابن كعب ، قال خرجنا مع رجال الحي نشيعهم فلما انتهينا الى قبر الحسين وانصرف سليمان بن صرد واصحابه عن القبر ولزموا الطريق استقدمهم عبداللّه بن عوف بن الاحمر على فرس له مهلوب كميت مربوع تتأكل تأكلا وهو يرتجز ويقول :

خرجن يُلمعنَ بنا أرسالا *** عوابساً يحملننا أبطالا

نريد أن نلقى به الأقتالا *** القاسطين الغدر الضُّلالا

وقد رفضنا الاهل والأموالا *** والخفرات البيض والحجالا

نُرضي به ذا النعم المفضالا

ص: 132

19 - ابو دهبل وهب بن زمعة الجحمي :

19 - ابو دهبل (1) وهب بن زمعة الجحمي :

إليك أخا الصب الشجيّ صبابه *** تذيب الصخور الجامدات همومُها

عجبت وأيامُ الزمآن عجائب *** ويظهر بين المعجبات عظيمها

تبيت النشاوى من امية نوّماً *** وبالطف قتلى ما ينام حميمها

وتضحى كرام من ذؤابة هاشم *** يحكّم فيها كيف شاء لئيمها

وتغدو جسوم ما تغذت سوى العلى *** غذاها على رغم المعالي سهومها

وربّات صون ما تبدّت لعينها *** قبيل السبا إلا لوقت نجومها

تزاولها ايدي الهوان كأنمآ *** تقّحم ما لا عفو فيه أثيمها

و ما أفسد الإسلام الا عصابة *** تأمرّ نوكأها ودام نعيمها

وصارت قناة الدين في كف ظالم *** إذا مال منها جانب لا يقيمها

وخاض بها طخياء لا يهتدى لها *** سبيل ولا يرجى الهدى من يعومها

ويخبط عشوا لا يُراد مرادها *** ويركب عميا لا يريدُّ عزومها

يجشّمها ما لا يجشمه الردى *** لأودى وعادت للنفوس جسومها

الى حيث القاها ببيداء مجهل *** تضل لأهل الحلم فيها حلومها

رمتها لأهل الطف منها عصابة *** حداها الى هدم المكأرم لومها

فشَّنت بها شعواء في خير فتية *** تخلّت لكسب المكرمات همومها

ص: 133


1- دهبل كجعفر بفتح الدال المهملة وسكون الهاء وفتح الباء الموحدة وسكون اللام.

على أن فيها مفخراً لو سمعت به *** الى الشمس لم تحجب سناها غيومها

فجردن من سحب الاباء بوارقاً *** يشيم الفتا قبل الفنا من يشيمها

فما صعرت خداً لاحراز عزة *** إذا كان فيها ساعة ما يضيمها

أولئك آل اللّه آل محمد *** كرام تحدث ما حداها كريمها

أكأرم أولين المكارم رفعة *** فحمد العلى لولا علاهم ذميمها

ضياغم أعطين الضياغم جرأةٍ *** فما كأن الا من عطاهم قدومها

يخوضون تيار المنايا ظواميا *** كما خاض في عذب الموارد هيمها

يقوم بهم للمجد أبيض مآجد *** أخو عزماتٍ أقعدت من يرومها

حمى بعد ما أدى الحفاظ حمآية *** و أحمى الحماة الحافظين زعيمها

الى أن قضى من بعدما إن قضى على *** ظمآءٍ يسلى بالسهام فطيمها

أصابته شنعاء فلو حل وقعها *** على الأرض دكت قبل ذاك تخومها

فأيّمها لم تلق بالطف كأفلا *** ولم ير من يحنو عليه فطيمها

أضاءت غراب البين فيهم فأصبحت *** من الشجو لا تأوي العمارة بومها

فقصّر فما طول الكلام ببالغ *** مداها رمى بالعيّ عنها كليمها

فمآ حملت ام الرزايا بمثلها *** وان ولدت في الدهر فهي عقيمها

أتت أولاً فيها بأول معضل *** فما ذا الذي شحّت على من يسومها

فأقسم لا تنفعك نفسي جزوعة *** وعيني سفوحاً لا يملّ سجومها

حياتي أو تلقى امية وقعة *** يذل لها حتى الممات قرومها

لقد كان في ام الكتاب وفي الهدى *** وفي الوحي لم ينسخ لقوم علومها

ص: 134

فرائض في القرآن قد تعلمونها *** يلوح لذي اللب البصير أُرومها

بها دان من قبل المسيح بن مريم *** ومن بعده لمآ أمرَّ بريمها

فأما لكل غير آل محمد *** فيقضي بها حكامها وزعيمها

وأما لميراث الرسول وأهله *** فكل يراهم ذمها وجسيمها

فكيف وضلوا بعد خمسين حجة *** يلام على هلك الشراة أديمها

ص: 135

وهو وهب بن زمعة بن اسيد بن اميمة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي المعروف بأبي دهبل الجمحي.

خرج مع التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، ولما وقف على قبر الحسين (عليه السلام) في كربلاء قال : الابيات.

قال السيد الأمين في الأعيان ج 52 ص 5 :

وذكرنا في كتاب ( أصدق الأخبار ) عند ذكر التوابين لما جائوا الى قبر الحسين (عليه السلام) انه قام في تلك الحال وهب بن زمعة الجعفي باكياً على القبر الشريف وأنشد أبيات عبيد اللّه بن الحر الجحفي وذكرنا في الحاشية أن المرتضى في أماليه نسبها لأبي دهبل الجمحي عدا البيتين الاخيرين وهذا خطأ ، فان أبا دهبل الجمحي اسمه وهب بن رمعة ويوشك أن يكون صواب العبارة هكذا : فقام عبيد اللّه بن الحر الجحفي وانشد أبيات وهب بن زمعة الجمحي ، وكأن التحريف وقع في نسخة الكتاب الذي نقلنا عنه وتبعنا نحن ذلك ولعل عبيد اللّه زاد البيتين فيها فانه كان شاعراً.

وقال السيد ايضاً في الجزء الرابع - القسم الاول - من الأعيان : ابو دهبل الجمحي وهب بن زمعة وهو معاصر لمعاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد ورثى الحسين وهجا بني امية مع تحامي الناس ورثاه في عهد بني امية بأبيات اوردها المرتضى في الامالي :

تبيت النشاوى من امية نوماً ... الخ ، وهو من المائة الاولى (1)

اقول :

وأبو دهبل شاعر جميل عفيف ترجم له صاحب الاغاني فقال : كان أبو دهبل من اشراف بني جمح ، وكان يحمل الحمالة وكان مسوداً

ص: 136


1- انظر ص 163 من الجزء الاول من اعيان الشيعة القسم الثاني.

وذكر بعض أبياته التي قالها في الامام الحسين علیه السلام وجملة من شعره فمن قوله :

فواندمي ان لم أعجَّ اذ تقول لي *** تقدّم فشيعنا الى ضحوة الغدِ

تكن سكناً او تقدر العين أنها *** ستبكي مراراً فاسل من بعد واحمد

فأصبحتُ مما كان بيني وبينها *** سوى ذكرها كالقابض الماء باليد

وله :

يا ليت من يمنع المعروف يُمنعه *** حتى يذوق رجال غب ما صنعوا

وليت رزق رجالٍ مثل نائلهم *** قوت كقوت ووسع كالذي وسعوا

وليت للناس خطاً في وجوههم *** تُبين أخلاقهم فيه اذا اجتمعوا

وليت ذا الفحش لاقى فاشحاً ابداً *** ووافق الحلم اهلَ الحلم فابتدعوا

ص: 137

20 - المغيرة بن نوفل :

المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف كان مع الحسين بن علي علیهماالسلام ، فأصابه مرض في الطريق ، فعزم عليه الحسين (عليه السلام) أن يرجع فرجع.

فلما بلغه قتله قال يرثيه :

أحزنني الدهر وأبكاني *** والدهر ذو صرف وألوانِ

أفردني من تسعة قتلوا *** بالطف أضحوا رهن أكفان

وستة ليس لهم مشبه *** بني عقيل خير فرسان

والمرء عون واخيه مضى *** كلاهما هيج أحزاني

من كان مسروراً بما نالنا *** وشامتاً يومآ فمِ الآن (1)

ص: 138


1- ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص 272.

جاء في جمهرة انساب العرب ان نوفل بن الحارث بن عبد المطلب له عقب كثير احدهم : المغيرة. ثم قال تزوج المغيرة هذا أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس ، وامها زينب بنت رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) ولم تلد له شيئاً ، ثم خلف عليها بعده علي بن أبي طالب ولم تلد ايضاً لعلي شيئاً.

ومن ولد المغيرة : يحيى بن يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل بن الحارث روى عنه وعن أبيه الحديث.

وروى الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ذلك وقال : لما خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) خاف من معاوية أن يتزوج بأمامة فأمر المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب ان يتزوجها بعده فلما توفي امير المؤمنين (عليه السلام) وقضت العدة تزوجها المغيرة.

وذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى. فقال المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب امه ضريبة بنت سعيد بن القَشِب. ثم ذكر جملة من أحواله.

وابوه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وهو القائل لما أخرج المشركون من كان بمكة من بني هاشم الى بدر كرها :

حرام علي حرب أحمد انني *** أرى احمداً مني قريباً أواصرهُ

وإن تك قهر ألبّت وتجمعت *** عليه فإن اللّه لا شك ناصره

وقال ايضا :

إليكم اليكم إنني لست منكم *** تبرأت من دين الشيوخ الأكابر

لعمرك ما ديني بشيء أبيعه *** وما أنا اذ أسلمت يوماً بكافر

شهدتُ على أن النبي محمداً *** أتى بالهدى من ربه والبصائر

ص: 139

وأن رسول اللّه يدعو الى التقى *** وان رسول اللّه ليس بشاعر

على ذاك أحيا ثم أُبعث موقتاً *** وأَثوى عليه ميتاً في المقابر

قال ابن سعد في الطبقات الكبرى : وأسر نوفل بن حارث ببدر فقال له رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) : افد نفسك يا نوفل ، قال مالي شيء أفدي به نفسي يا رسول اللّه قال : أفد نفسك برماحك التي بجده ، قال : اشهد انك رسول اللّه ففدى نفسه وكانت الف رمح.

وأسلم نوفل بن الحارث وكان أسن من اخوته ربيعة وأبي سفيان وعبد شمس بني الحارث. ورجع نوفل الى مكة ثم هاجر هو والعباس الى رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) أيام الخندق. واخى رسول اللّه بينه وبين العباس ابن عبد المطلب وكانا قبل ذلك شريكين في الجاهلية متقاوضين في المال متحابين متصافين. وأقطع رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) نوفل بن الحارث منزلا عند المسجد بالمدينة وشهد نوفل مع رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) فتح مكة وحنين والطائف ، وثبت يوم حنين مع رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) ، فكان عن يمينه يومئذ ، وأعاده رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) يوم حنين بثلاثة آلاف رمح.

وتوفي نوفل بن الحارث بعد أن استخلف عمر بن الخطاب بسنة وثلاثة اشهر ودفن بالبقيع.

ص: 140

21 - مصعب بن الزبير :

قال مصعب بن الزبير بن العوام لما باشر الحرب :

وان الأولى بالطفَّ من آل هاشم *** تآسوا فسنوا للكرام التآسيا

ص: 141

مُصْعب بن الزبير بن العوام بن خويلد ولاه أخوه عبد اللّه على العراق فبدأ بالبصرة فنزلها ثم خرج في جيش كثير الى المختار بن أبي عبيد وهو بالكوفة فقاتله حتى قتله وبعث برأسه الى أخيه عبد اللّه بن الزبير.

قال ابن سعد في الطبقات الكبرى : قتل مصعب يوم الخميس للنصف من جمادي الاولى سنة اثنتين وسبعين وكان الذي سار اليه فقتله عبد الملك بن مروان. قالوا : ولما استقتل أنشد هذا البيت.

ص: 142

22 - عبد اللّه بن الزبير الاسدي :

اشارة

22 - عبد اللّه بن الزبير الاسدي (1) :

اشارة

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري *** إلى هاني بالسوق وابن عقيل

الى بطل قد هشم السيف وجهه *** وآخر يهوى من طمار قتيل

أصابهما أمر الامير فأصبحا *** أحاديث مَن يسري بكل سبيل

ترى جسداً قد غير الموت لونه *** و نضْح دم قد سال كل مسيل (2)

أيركب اسماء الهماليج (3) آمناً *** وقد طلبته مذحج بذحول

تطيف حواليه مراد وكلهم *** على رقبة من سائلِ ومسول

فان انتم لم تثاروا بأخيكم *** فكونوا بغايا أُرضيت بقليل (4)

ص: 143


1- الزبير بفتح الزاي المعجمة كحبيب ، قال الشيخ السماوي في ابصار العين : هو من بني اسد بن خزيمة ، وكان يتشيع. ذكره المرزباني في معجم الشعراء وذكر له شعراً.
2- وفي رواية الطبري في تاريخه بعد البيت الرابع هذا البيت. فتى هو أحيى من فتاة حيية *** واقطع من ذي شفرتين صقيل
3- الهماليج جمع هملاج وهو البرذون.
4- وقيل هذه الابيات للفرزدق.

لما كانت قصة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة تتصل بواقعة الطف ويوم الحسين اتصالا وثيقاً رأينا من الواجب ان لا تخلو هذه الموسوعة من هذه القطعه الشعرية وضم كل ما قيل من الشعر في حق مسلم وهاني إلى هذه الإضمامة ، وها نحن نذكر باختصار ترجمة متقضبة للشهيدين مسلم وهاني.

مسلم بن عقيل بن ابي طالب علیه السلام :

هو سفير الحسين الى الكوفة والذي كتب الحسين في حقه إلى اهل الكوفة : اما بعد فقد ارسلت اليكم اخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي مسلم بن عقيل ، فهذه الشهادة من الامام في حقه تدلنا على فضله ومقامه. والى هذا اشار الخطيب الاديب الشيخ محمد على اليعقوبي في قصيدة قالها في مسلم بن عقيل :

ولو لم يكن خير الاقارب عنده *** لما اختاره منهم سفيراً مقدما

وقال الخطيب الشاعر السيد مهدي الاعرجي :

يكفيك يابن عقيل فخراً في الورى *** فيه سموت الى السماك الأعزل

إذ في رسالته الحسين لك اصطفى *** حيث الرسول يكون عقل المرسل

قال ابن شهر آشوب في المناقب ان علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) لما عبأ عسكره يوم صفين جعل على ميمنته الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر ومسلم بن عقيل. فانظر بمن قرنه وبصف من جعله اما امه فقد ذكر ابن قتيبة في المعارف انها نبطيَّة من آل فرزند - والنبط جيل ينزلون بالبطائح وهي ارض واسعة بين واسط

ص: 144

والبصرة كانت قديماً قرى متصلة وارضاً عامرة (1) فانجبت مسلم بن عقيل بطل الحروب واول شهيد في ثورة كربلاء والمغامر في سبيل الدعوة لابن بنت الرسول وموقفه بالكوفة وهو وحيد وما ابداه من البسالة يكفيه فخراً ، ولا زالت المحافل تروي يومه المشهود بكل فخر وتنظم من الشعر في تعداد مكارمه ومآثره.

هاني بن عروة المذحجي المرادي الغطيفي :

كان صحابياً كأبيه عروة وكان معمراً ، وهو وأبوه من وجوه الشيعة ، وحضرا مع امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) حروبه الثلاث وهو القائل يوم الجمل :

يا لك حرباً حثها جمالها *** يقودها لنقصها ضلالها

هذا عليُ حوله أقبالها

قال ابن سعد في الطبقات أن عمره كان يوم قتل بضعاً وتسعين سنة ، وكان يتوكأ على عصاً بها زج وهي التي ضربه بها ابن زياد.

قال المسعودي في مروج الذهب : انه كان شيخ مراد وزعيمها يركب في أربعة آلاف دارع وثمانمائة آلاف راجل ، فإذا تلاها احلافها من كندة ركب في ثلاثين الف دارع ، وذكر المبرد في الكامل وغيره ان

ص: 145


1- ذكر البحاثة السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه « الشهيد مسلم بن عقيل » قال : ام مسلم بن عقيل نبطية ، والنبط في جبل شمر وهو المعروف بجبل أجاء وسلمي - منزل لطي ، وأخيرا - اي في القرن الثالث عشر والرابع عشر كان منزلا لآل رشيد حتى تغلب عليهم عبد العزيز آل سعود ، وشمر في اواسط بلاد العرب ثم نزحوا الى العراق لما فيه من الخصب والرخاء فأقاموا في سواد العراق ، وما انكر احد في ان لغة النبط عربية كاسماء ملوكهم البالغين ثمانية عشر.

عروة خرج مع حجر بن عدي وأراد معاوية قتله فشفع فيه زياد بن ابيه ، أما موقف هاني دون مسلم بن عقيل فهو من المواقف المشرفة ولا زال يذكر فيشكر حتى قتل شهيداً وهناك من يشكك بموقف هاني وانه كان مدفوعا بدافع العصبية والذب عن الجار فقط. اقول وذلك تجنّ على كرامة الرجل ، وكتب السيد محمد مهدي بحر العلوم قدس اللّه روحه في رجاله في احوال هاني ، ونزهه عن كل شائبة ، وقد استوفينا البحث في مخطوطنا ( الضرائح والمزارات ).

قال المرزباني في معجم الشعراء : عبد اللّه بن الزبير بن الاعشى - واسمه قيس بن بجرة بن قيس بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين الاسدي. والزبير هو ابن أخ الشاعر مطير ابن الاشيم كان شاعراً شريفاً ، قال : وعبد اللّه بن الزبير هو القائل في رثاء عمير بن ضابىء ابن الحارث البرجمي لما قتله الحجاج بالكوفة :

تجهز فاما أن تزور ابن ضابىء *** عميراً واما ان تزور المهلبا

هما خطتا خسف نجاؤك منهما *** ركوبك حولياً من الثلج أشهبا

ص: 146

23 - يحيى بن الحكم :

لهامُ بجنب الطف أدنى قرابة *** من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغلِ (1)

سمية أمسى نسلها عدد الحصى *** وبنت رسول اللّه ليست بذي نسل

ص: 147


1- كان زياد ينسب لأبي عبيد : عبد بني علاج من بني ثقيف لان سمية اتهمت به ، وولدت زيادا على فراشه فكان يسمى « الدعي » واشار اليه النسابة الكلبي بقوله : فان يكن الزمان جنى علينا *** بقتل الترك والموت الوحي فقد قتل الدعي ، وعبد كلب *** بأرض الطف اولاد النبي اراد بعبد كلب : يزيد لان امه ميسون بنت بجدل الكلبية امكنت عبد ابيها من نفسها فولدت يزيد. وبالدعي : عبيد اللّه بن زياد ، ولما سئلت عائشة عن زياد لمن يدعى ، قالت : هوابن ابيه. وكان زياد يسمى : وليجة بني امية ، وفي اللغة. الوليجة : الرجل الذي يدخل في القوم وليس منهم. ولما استلحق معاوية بابي سفيان غضب لذلك بنو امية لانه اولج فيهم من ليس منهم ، فقال عبد الرحمن بن الحكم الا ابلغ معاوية بن حرب .. الابيات.

قال السيد الامين في الاعيان ج 21 ص 177 في ترجمة الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب :

ويحيى هذا مع أنه أخو مروان وابن الحكم فقد كان له مواقف حسنة منها الموقف الذي نفع فيه الحسن بن الحسن عند عبد الملك وسعى في قضاء حاجته. ومن مواقفه المحمودة أنه لما ولي اخوه مروان الخلافة - وكان يلقب خيط باطل (1) - انشد يحيى :

لحا اللّه قوماً أمرُّوا خيط باطل *** على الناس يعطي ما يشاء ويمنع

ومنها أنه سأل اهل الكوفة الذين جاؤوا بالسبايا والرؤوس.

ما صنعتم فأخبروه فقال : حُجبتم عن محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة لن أُجامعكم على أمر ابداً.

ومنها انه لما ادخل السبايا والرؤوس على يزيد كان عنده يحيى هذا فقال : لهام بجنب الطف أدنى قرابة - البيتان.

فضرب يزيد في صدره وقال : اسكت ، وفي رواية انه اسرَّ اليه وقال : سبحان اللّه في هذا الموضع ما يسعك السكوت.

وقال البلاذري في انساب الاشراف : كان يحيى بن الحكم والياً على المدينة لعبد الملك وكان يكنى ابا مروان.

أقول والمشهور بالشعر هو عبد الرحمن بن الحكم ويكنى أبا مطرَّف ويقال أبا حرب ، فكان شاعراً - كما في ( انساب الاشراف ). كما

ص: 148


1- يقال : ادق من خيط باطل ، وهو الهباء المنبت في الشمس ، وقيل لعاب الشمس ، وقيل الخيط الخارج من فم العنكبوت الذي يقال له : مخاط الشيطان. وكان مروان بن الحكم يلقب بذلك لانه كان طويلا مضطرباً.

أن يحيى كان شاعراً ولكن عبد الرحمن كان أشهر واكثر شعراً.

وذكر ابو الفرج في ( الأغاني ) ج 15 مهاجاة لعبد الرحمن بن الحكم بن العاص بن امية مع عبد الرحمن بن حسان وشعر كلٍ منهما.

ويقول أبو الفرج أخبرني ابن دريد قال أخبرني الرياشي قال حدثنا ابن بكير عن هشام ابن الكلبي عن خالد بن سعيد عن أبيه قال : رأيت مروان بن الحكم يطوف بالبيت ويقول : اللّهم اذهب عني الشعر. واخوه عبد الرحمن يقول : اللّهم اني أسألك ما استعاذ منه فذهب الشعر عن مروان وقاله عبد الرحمن.

ومما روى ابو الفرج في الأغاني ، والحيوان للجاحظ ، وخزانة الادب من شعر عبد الرحمن بن الحكم - اخي مروان - قوله مخاطباً لمعاوية :

ألا أبلغ معاوية بن حرب *** مغلغلةً عن الرجل اليمآني

أتغضب ان يقال أبوك عفُ *** وترضى أن يقال أبوك زان

وأشهد أن إلّك من زياد *** كإلِّ الفيل من ولد الاتان

وأشهد أنها حملت زياداً *** وصخرُ من سمية غير دان

قال ابو الفرج : والناس ينسبونها إلى ابن مفرِّغ لكثرة هجائه لزياد وذلك غلط.

اقول ويغلب على ظني أنه في القرن الاول فان اخاه مروان مات سنة خمس وستين ه.

ص: 149

24 - خالد بن المهاجر :

قال خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي في قتل الحسين علیه السلام :

أبني امية هل علمتم انني *** أحصيت ما بالطف من قبرِ

صب الإله عليكم غضباً *** أبناء جيش الفتح او بدر

ص: 150

قال السيد الأمين في الأعيان : هو حفيد خالد بن الوليد الصحابي المشهور الذي أسلم قبيل الفتح ، وكان المهاجر والد خالد مع علي (عليه السلام) بصفين وكان خالد على رأي ابيه هاشمي المذهب ودخل مع بني هاشم الشِعب ( يعني ايام ابن الزبير حين حصرهم فيه وأراد احراقهم إن لم يبايعوه ) وكان عمه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مع معاوية بصفين ولهذا كان خالد بن المهاجر أسوأ الناس رأياً في عمه.

وفي جمهرة أنساب العرب ص 147 خالد بن المهاجر كان الزهري يروى عنه. ثم قال : وكثر ولد خالد بن الوليد حتى بلغوا نحو أربعين رجلاً ، وكانوا كلهم بالشام ، ثم انقرضوا كلهم في طاعون وقع فلم يبق لأحد منهم عقب. وقال الزبيري في كتابه ( نسب قريش ) :

خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد امه مريم بنت لجأ بن عوف ابن خارجة بن سنان بن أبي حارثة.

وكان خالد بن المهاجر بن خالد اتهم معاوية بن أبي سفيان أن يكون دسّ الى عمه عبد الرحمن بن خالد متطبباً يقال له ابن أُثال فسقاه في دواء شربة فمات منها ، فاعترض لابن اثال فقتله. ثم لم يزل مخالفا بني امية وكان شاعراً ، وهو الذي يقول في قتل الحسين بن علي (عليه السلام) يخاطب بني امية ( البيتان ).

أقول : وروى له بعض الشعر.

ص: 151

25 - شيخ يروي ابيات :

اشارة

دخل شيخ كبير السن على الإمام الكاظم موسى بن جعفر علیه السلام فأنشده أبيات قالها جده :

عجباً لمصقولٍ علاك فرنده *** يومَ الهياج وقد علاك غبارُ

ولأسهم نفذتك دون حرائر *** يدعون جدّك والدموع غزار

هلا تقصّفت السهامُ وعاقها *** عن جسمك الإجلال والإكبار

ص: 152

في المناقب لابن شهرآشوب أن المنصور تقدم الى موسى بن جعفر علیه السلام بالجلوس للتهنئة في يوم ( النيروز ) وقبض ما يحمل اليه من الهدايا ، فقال (عليه السلام) : إني فتشت الأخبار عن جدي رسول اللّه فلم أجد لهذا العيد خبراً ، وانه سنّة للفرس ومحاها الإسلام ، ومعاذ اللّه أن يحيي ما محاه الإسلام.

أقول : سمعت أنه طلب ذلك من الصادق علیه السلام فوّجه ولده موسى ، فقال المنصور : انما نفعل ذلك سياسة للجند فسألتك باللّه العظيم إلا جلست. فجلس ودخل عليه الملوك والأمراء والاجناد يهنوّنه ويحملون اليه الهدايا والتحف وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحُمل ، فدخل في آخر الناس شيخ كبير السن فقال يابن رسول اللّه انني رجل صعلوك لا مال لي اتحفك به ولكن اتحفك بثلاثة أبيات قالها جدي في جدك الحسين علیه السلام وهي :

عجباً لمصقول علا فرنده ... الأبيات.

قال علیه السلام : قبلت هديتك ، اجلس بارك اللّه فيك ، ورفع رأسه الى الخادم وقال له : امض الى امير المؤمنين وعرفه بهذا المال وما يصنع به ، فمضى الخادم ثم عاد وهو يقول : كلها هبة مني له يفعل بها ما اراد ، فقال الإمام علیه السلام للشيخ اقبض هذا المال فهو هبة مني لك.

واذا كانت الرواية تقول عن هذا الشيخ انه كبير السن وجاء بالأبيات التي قالها جده فيمكن أن يكون جده من القرن الاول الهجري اذ ان القصة كانت في اواسط القرن الثاني ومن ذلك نستطيع أن نقول ان جده كان في عصره الحسين علیه السلام وممن شاهد الوقعة واللّه أعلم.

ص: 153

استدراك :

فاتنا أن نذكر ما عثرنا عليه من قصيدة الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب التي جاءت في ص 80 ثلاثة أبيات فقط وها هي البقية :

كلما أحدثوا بأرض نقيقاً *** ضمنونا السجون او سيرونا

قتلونا بغير ذنب اليهم *** قاتل اللّه امة قتلونا

ما رعوا حقنا ولا حفظوا فينا *** وصاة الإله بلأقربينا

جعلونا أدنى عدو اليهم *** فهم في دمائهم يسبحونا

أنكروا حقنا وجاروا علينا *** وعلى غير إحنة ابغضونا

غير أن النبي منا وانا *** لم نزل في صلاتهم راغبينا

ان دعونا الى الهدى لم يجيبو *** نا ، وكانواعن الهدى ناكيبنا

فعسى اللّه أن يديب أُناساً *** من اناس فيصبحوا طاهرينا

فتقر العيون من قوم سوء *** قد أخافوا وقتلوا المؤمنينا

من بني هاشم ومن كل حي *** ينصرون الإسلام مستنصرينا

في اناس آباؤهم نصروا الدين *** وكانوا لربهم ناصرينا

تحكم المرهفات في الهام منهم *** بأكف المعاشر الثائرينا

اين قتلى منهم بغيتم عليهم *** ثم قتلتموهُم ظالمينا

أرجعوا هاشماً وردوا ابا اليقظان *** وابن البديل في أخرينا

وارجعوا ذا الشهادتين وقتلى *** أنتم في قتالهم فاجرونا

ثم ردّوا أبا عمير وردوا *** لي رشيداً وميثمآ والذينا

قتلوا بالطفوف يوم حسين *** من بني هاشم وردوا حسينا

أين عمرو واين بشر وقتلى *** معهم في العراء ما يدفنونا

أرجعوا عامراً وردوا زهيرا *** ثم عثمان فارجعوا غارمينا

وارجعوا هانياً وردوا إلينا *** كل من قد قتلتم أجمعينا

إن تردوهم الينا ولسنا *** منكم غير ذلكم قابلينا

ص: 154

شعراء الحسين علیه السلام في القرن الثاني الهجري

اشارة

ص: 155

ص: 156

1 - سكينة بنت الحسين (عليهماالسلام)

2 - فاطمة بنت الحسين (عليهماالسلام)

3 - سفيان بن مصعب العبدي

4 - الكميت الأسدي

5 - جعفر بن عفان الطائي

6 - سيف بن عميرة

7 - اسماعيل الحميري

8 - منصور النمري

9 - محمد بن ادريس الشافعي

10 - الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس بن امير المؤمنين

11 - النجاشي

ص: 157

1 - سكينة بنت الحسين (عليهماالسلام) :

اشارة

لاتعذليه فهم قاطع طُرقُه *** فعينه بدموع ذُرّفِ غدقه

إن الحسين غداة الطف يرشقه *** ريب المنون فما أن يخطىء الحدقه

بكفّ شر عباد اللّه كلهم *** نسل البغايا وجيش المرَّق الفسقه

يا أمة السوء هاتوا ما احتجاجكم *** غدا وجلُّكم بالسيف قد صفقه

الويل حل بكم إلا بمن لحقه *** صيرتموه لأرمآح العدى درقه

يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً *** لا تبك ولداً ولا أهلاً ولا رفقه

لكن على ابن رسول اللّه فانسكبي *** قيحا ودمعا وأثريهما العلقه

رواها الزجاج عبد الرحمن بن اسحق في الأمالي طبعة 1324 ص 111. قال انشدنا ابو بكر بن دريد عن ابي حاتم سهل بن محمد السجستاني لسكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام .

ص: 158

كانت السيدة سكينة سيدة نساء عصرها وأوقرهن ذكاء وعقلا وادبا وعفة ، وكانت تزيّن مجالس نساء أهل المدينة بعلمها وأدبها وتقواها ، وكان منزلها بمثابة ندوة لتعلم العلم والفقه والحديث.

ولدت الرباب : سكينة وعبد اللّه. فأما عبد اللّه فقد قتل رضيعاً في حجر ابيه يوم عاشوراء وذلك لما قتل اهل بيته وصحبه وبقي وحده.

وأما سكينة فقد روى الشيخ عباس القمي في ( نفس المهموم ) أن اسمها آمنة وقيل أمينة وانما امها الرباب لقبتها بسكينة كما ذكر ابن خلكان في ترجمتها ذلك في وفيات الاعيان وكذا في شذرات الذهب في ج 1 ص 154 ونور الابصار ص 157 ويظهر ان امها انما أعطتها هذا اللقب لسكونها وهدوئها. وعلى ذلك فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف التي بعدها ، لا كما يجري على الالسن من ضم السين وفتح الكاف.

والمحكي عن شرح أسماء رجال المشكاة أنه مصغر بضم السين وفتح الكاف. ومثله القاموس. قال البحاثة السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه ( سكينة بنت الحسين ) :

ولم يتضح لنا سنة ولادتها ولا مقدار عمرها كماصح لنا ولادتها بالمدينة ووفاتها فيها كما في تهذيب الاسماء للنووي ج 1 ص 263 ، ومعارف ابن قتيبة وتذكرة الخواص وابن خلكان بترجمتها.

قال السيد الامين في ( الاعيان ) عن ابن خلكان : توفيت السيدة سكينة بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الاول سنة 117 ه- سنة سبع عشرة ومائة بعد الهجرة.

وقال : كانت سيدة نساء عصرها ومن اجمل النساء ، وعمرها على ما قيل خمس وسبعون سنة ، فعلى هذا كان لها بالطف تسعة عشر سنة.

ص: 159

وقال سبط ابن الجوزي ماتت فاطمة بنت الحسين واختها سكينة في سنة واحدة وهي سنة مائة وسبعة عشرة بعد الهجرة.

روى الصبان في اسعاف الراغبين ان الحسن المثنى بن الحسن بن امير المؤمنين (عليه السلام) أتى عمه الحسين يخطب احدى ابنتيه : فاطمة وسكينة فقال له أبو عبد اللّه : اختار لك فاطمة فهي اكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) ، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار ، وفي الجمال تشبه الحور العين.

واما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع اللّه فلا تصلح لرجل ، أقول هذه شهادة من الامام أبي عبد اللّه في تقوى هذه ، السيدة المصونة وأنها منقطعة الى الطاعة والعبادة فكأنها لا تأنس بغيرها وهذا مما زاد في محلها من قلب أبيها الحسين امام عصره حتى استحقت أن يضعها المعصوم بخيرة النساء وذلك لما ودع الامام عيالاته يوم عاشوراء أجلس سكينة وهو يمسح على رأسها ويقول :

لاتحرقي قلبي بدمعك حسرة *** ما دام مني الروح في جثماني

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي *** تأتينه يا خيرة النسوان

أيليق بهذه المصونة الجليلة والحرة النبيلة أن تجالس الشعراء وينشدونها الأشعار كما روى ذلك ابو الفرج المرواني في الأغاني وروايته عن آل الزبير وعداوة آل الزبير لآل النبي مشهورة مذكورة.

سكينة بنت الحسين التي نشأت في حضن الرسالة ودرجت في حجر الامامة بنت الحسين سيد أهل الإباء ، وعاشت بجنب عمتها وسيدتها العظيمة الحوراء زينب بنت امير المؤمنين (عليهماالسلام) وبجوار اخيها السجاد زين العابدين ، تحوطها هالة من أنوار الميامين الأبرار ومن سادات بني هاشم الكرام ، ان من يتربى ويترعرع في مدرسة الرسالة

ص: 160

المحمدية ويتفقه بفقه القرآن ويتأدب بالأدب العلوي العالي ويتهذب بالتربية الحسينية الرفيعة مثل السيدة سكينة لا يمكن أن ترضى لنفسها أو تسمح لصواحبها وأترابها من نسوة المدينة من أهل الشرف بالاجتماع مع الرجال الاجانب مهما كانوا وهي من بيت أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

أيصح أن تقوم خيرة النساء في عصرها - كما يقول سيد الشهداء - وهي ترى أخاها السجاد علیه السلام يغمى عليه بين حين وآخر ويعقد المجالس للنياحة على أبيه الشهيد والثواكل من نساء بني هاشم يندبن قتلاهن ثم تعقد هي مجلس السمر مع الشعراء.

كتب العلامة السيد عبد الرزاق المقرم ودافع عن كرامة بنت الحسين وأعقبه المحقق الاستاذ توفيق الفكيكي فأجاد وأفاد واستهل كتابه بهذا البيت - وهو للسيد الشريف الرضي :

وقد نقلوا عني الذي لم أفة به *** وما آفه الاخبار الا رواتها

وجاء بقصيدة عمر بن أبي ربيعة التي قالها سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف واولها :

قالت سكينةُ والدموع ذوارف *** تجري على الخدين والجلباب

وذكر عدة مصادر منها ما حققه المحقق العلامة الشنقيطي في شرح أمالي الزجاج كما أوردها صاحب الاغاني ايضاً : قالت سعيدة والدموع ذوارف ، واستدل بمصادر عديدة منها الحصري في ( زهر الآداب ) كما انها في ديوان عمر بن أبي ربيعة هكذا : قالت سعيدة والدموع ذوارف.

وان لعمر بن أبي ربيعة شعراً كثيراً في ( سعدى ) يورده صاحب

ص: 161

الاغاني ، ثم روى ايضاً عن حماد بن اسحاق الموصلي ومعجم الادباء وشارح ديوان عمر بن أبي ربيعة وكلها تؤيد ما يقول وتصرح بأن هذا الشعر ليس في سكينة ، وان هذه الرواية المدسوسة التي يرويها القالي عن استاذه الزجاج وهذا عن شيخه المبرد رواها عن القصاصين والمغنين الذين عاشوا على موائد البلاط الأموي.

قال : وهناك أهم من هذا كله - وهو العنصر السياسي فانه كان العامل المهم في هذا التغيير خاصة اذا ما علمنا ان الشيخ القالي اموي الفكرة وان جده سلمان كان مولى الى عبد الملك بن مروان ، وقد عاش بقية حياته في كنف الخليفة الاموي عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم في الاندلس ، وكان من مقتضى السياسة الاموية في الشرق والغرب ومن مصلحتها أن تذيع هذه القصيدة وامثالها على لسان المغنين والمغنيات والقصاصين باسم ( سكينة ) بنت الحسين ، ومما يؤيد ذلك استنكار الرشيد وغضبه على اسحاق الموصلي عندما غنى بين يديه بما حفظه عن المغنين : قالت سكينة والدموع ذوارف ، وقوله : الا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من رأسك انتهى. (1)

ويأتي سؤال هل تزوجت سكينة بن الحسين؟ وبمن تزوجت؟ نقول أن علماء النسب والتاريخ يذكرون ان سكينة تزوجت بعبد اللّه الاكبر بن الإمام الحسن السبط وهو أخو القاسم ، وامهما رملة. استشهد يوم الطف قبل القاسم ، ومن هؤلاء الأعلام النسابة ابو الحسن العمري في القرن السادس في كتابه ( المجدي ) وابو علي الطبرسي صاحب مجمع

ص: 162


1- كتب القانوني البارع الأستاذ توفيق الفكيكي كتابا عن حياة السيدة سكينة بنت الحسين (عليهماالسلام) وكان هذا الكتاب الحلقة الخامسة من سلسلة حديث الشهر التي اصدرها العلامة البارع الشيخ عبد اللّه السبيتي.

البيان في اعلام الورى ص 127 عند ذكر اولاد الحسن ، والشيخ محمد الصبان في اسعاف الراغبين على هامش نور الابصار ص 202 ، وروى الشيخ عباس القمي في سفينة البحار عن اعلام الورى في ذكر اولاد الحسين بن علي (عليه السلام) : وكان عبد اللّه بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبنى بها.

بعض ما جاء في فضلها :

1 - روى ابن الفرج ان سكينة بنت الحسين (عليهماالسلام) كانت في مأتم فيه بنت لعثمان فقالت بنت عثمان : أنا بنت الشهيد ، فسكتت سكينة فقال المؤذن : أشهد أن محمداً رسول اللّه. قالت سكينة هذا أبي او أبوك ، فقالت العثمانية : لا أفخر عليكم أبداً.

2 - وروى سبط ابن الجوزي عن سفيان الثوري قال : أراد علي بن الحسين الخروج الى الحج او العمرة فاتخذت له اخته سكينة بنت الحسين سفرة طعام أنفقت عليها الف درهم وأرسلت بها اليه ، فلما كان بظهر الحرّة أمر بها ففرقت في الفقراء والمساكين.

3 - وفي تاريخ ابن خلكان : ان سكينة سيدة نساء عصرها.

4 - وقال مؤرخ دمشق شمس الدين محمد بن طولون في كتابه ( الأئمة الاثنا عشر ) قدمت سكينة دمشق مع اهلها ثم خرجت الى المدينة. وكانت من سادات النساء واهل الجود والفضل رضي اللّه عنها وعن ابيها.

ص: 163

2 - فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهماالسلام) :

اشارة

قالت تنعي أباها :

نعق الغرابُ فقلت مَن *** تنعاه ويحك يا غرابْ

قال : الإمام فقلت مَن *** قال : الموفق للصواب

قلت : الحسين ، فقال لي *** بمقال محزون أجاب

إن الحسين بكربلاء *** بين الأسنة والحراب

أبكي الحسين بعبرة *** ترضى الإله مع الثواب

ثم استقلّ به الجناح *** فلم يطق ردّ الجواب

فبكيت مما حلّ بي *** بعد الرضى المستجاب (1)

ص: 164


1- الدر المنثور في طبقات ربات الخدور. قالت : وقيل أن هذه الابيات لفاطمة الصغرى وأنها تخلفت بالمدينة.

فاطمة بنت الحسين - امها ام اسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه وكانت عند الحسن بن علي (عليه السلام) وقد كانت قد ولدت من الحسن طلحة وقد درج ولا عقب له. كذا قال ابو الفرج. ثم تزوجها الحسين بوصية من اخيه الحسن فولدت له فاطمة تزوج بها الحسن المثنى بن الحسن بن امير المؤمنين. روى الصبان في اسعاف الراغبين : ان الحسن المثنى بن الحسن أتى عمه أبا عبد اللّه الحسين يخطب احدى ابنتيه : فاطمة وسكينة ، فقال له أبو عبد اللّه (عليه السلام) أختار لك فاطمة ، فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) ، أما في اردين فتقوم الليل كله وتصوم النهار ، وأما في الجمال تشبه الحور العين ، وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع اللّه تعالى فلا تصلح لرجل.

جاء في الدر المنثور :

ولما مات الحسن المثنى خرجت زوجته فاطمة بنت الحسين (عليهماالسلام) على قبره فصطاطا ، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار ، فلما كان رأس السنة قالت لمواليها : اذا أظلم الليل فقوَّضوا هذا الفصطاط ، فلما أظلم الليل وقوّضوه سمعت قائلا يقول : هل وجدوا ما فقدوا. فأجابه اخر : بل يئسوا فانقلبوا.

قالت : وكانت فاطمة كريمة الاخلاق حسنة الاعراق ، وكانت فاطمة اكبر سناً من اختها سكينة وترى انها مدفونة في مصر خلف الدرب الاحمر في زقاق يعرف بزقاق فاطمة النبوية في مسجد جليل ومقامها عظيم وعليه المهابة والجلال.

وبأعلى القبر لوح من الرخام منقوش عليه بخط بديع :

ص: 165

أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه *** بالرغم مني بين الترب والحجرٍ

يا قبر فاطمة بنت ابن فاطمة *** بنت الأئمة بنت الأنجم الزهر

يا قبر مافيك من دين ومن ورع *** ومن عفاف ومن صون ومن خفر

وتقول المؤلفة ان وفاتها كانت سنة عشر ومائة للهجرة :

قال الشيخ عباس القمي في كتابه ( نفس المهموم ) : توفيت فاطمة بنت الحسين في السنة التي توفيت بها اختها سكينة بنت الحسين وهي سنة سبع عشرة بعد المأة من الهجرة بالمدينة.

اولادها :

1 - عبد اللّه المحض وإنما سُمي بالمحض لانه اجتمعت عليه ولادة الحسن والحسين وكان يشبه برسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) وهو شيخ بني هاشم في عصره وكان يتولى صدقات امير المؤمنين علي (عليه السلام) . وقيل له : بم صرتم أفضل الناس؟ فقال : لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى ان نكون من احد.

وكان من شعره :

بيض حرائر ما هممن بريبة *** كضباء مكة صيدهنّ حرامُ

يحسبن من لين الكلام زوانياً *** ويصدّهن عن الخنا الاسلام

مات في حبس المنصور الدوانيقي بالهاشمية يوم عيد الأضحى سنة خمس واربعين ومائة وصلى عليه اخوه الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب علیهم السلام ، وله من العمر خمس وسبعون سنة ، وله

ص: 166

من الاولاد محمد ذو النفس الزكية ، وابراهيم باخمرا من أبطال الهاشميين.

1 - ابراهيم الغمر.

2 - الحسن المثلث.

وكل من هؤلاء له عقب وكلهم ماتوا في حبس المنصور الدوانيقي لما حج المنصور ايام ولايته سنة 45 من الهجرة ودخل المدينة جمع بني الحسن فكانوا اكثر من عشرين رجلا وقيدهم بالحديد وقال لعبد اللّه المحض اين الفاسقان الكذابان يعني ولديه محمد وابراهيم قال : لا علم لي بهما ، فاسمعه كلاماً بذيئاً ثم اوقفه واخوته وعامة بني الحسن في الشمس مكشوفة رؤوسهم وركب هو في محمل مغطى فناداه عبد اللّه المحض : يا امير أهكذا - فعلنا بكم يوم بدر - يشير الى صنع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بالعباس حين بات يأنُّ ، قيل له : ما لك يا رسول اللّه لا تنام ، قال : كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي العباس في الوثاق. قالوا : وكانت طفلة لعبد اللّه المحض اسمها فاطمة قد وقفت على الطريق لما مرَّ محمل المنصور وقالت يا أمير المؤمنين ، فالتفت اليها المنصور فأنشأت تقول :

ارحم كبيراً سِنّه منهدماً *** في السجن بين سلاسل وقيود

ان جدت بالرحم القريبة بيننا *** ما جدَّنا من جدكم ببيعد

فلم يلتفت اليها ، وجاء ببني الحسن الى الهاشمية وحبسهم في محبس تحت الارض كانوا لا يعرفون ليلا ولا نهارا ، ومن أجل معرفة أوقات الصلاة فانهم جزؤوا القرآن وعند انتهاء كل جزء يصلون وقتا من

ص: 167

الاوقات. قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ولما حملوا من المدينة نظر اليهم ابن ابي زناد السعدي فقال :

من لنفس كثيرة الإشفاق *** ولعينٍ كثيرة الإطراق

لفراق الذين راحوا الى الموت *** عياناً والموت مر المذاق

ثم ظلوا يسلّمون علينا *** بأكفٍ مشدودة في الوثاق

قال : وحتى ماتوا في الحبس ويقال إن المنصور ردم عليهم الحبس فماتوا.

ص: 168

لقد هدّ ركني رزءُ آل محمدِ *** وتلك الرزايا والخطوب عظامُ

وابكت جفوني بالفرات مصارع *** لآل النبي المصطفى وعظام

عظام باكناف الفرات زكيّة *** بهنّ علينا حرمة وذمآم

فكم حرّة مسبية ويتيمة *** وكم من كريم قد علاه حسام

لآل رسول اللّه صلّت عليهم *** ملائكة بيض الوجوه كرام

افاطم اشجاني بنوك ذوو العلى *** فشبتُ واني صادق لغلام

وأضحيتُ لا ألتذّ طيب معيشتي *** كأن عليَّ الطيبات حرام

ولا البارد العذب الفرات اسيغه *** ولا ظل يهنيني الغداة طعام

يقولون لي صبراً جميلاً وسلوةً *** وما لي الى الصبر الجميل مرام

فكيف اصطباري بعد آل محمدِ *** وفي القلب مني لوعة وضرام

ص: 169

ابو محمد سفيان بن مصعب العبدي (1) الكوفي من شعراء اهل البيت علیهم السلام ، وقد اكثر من شعره في مدح امير المؤمنين علي بن ابي طالب وذريته وتفجّع لمصابهم ، ولم نجد في غيرهم له شعر ، توفي حدود سنة 120 بالكوفة. ويرى الشيخ الاميني انه بقي اكثر من ذلك اي إلى حدود سنة 178.

استنشده الامام الصادق في شعره كما في رواية ثقة الاسلام الكليني في روضة الكافي باسناده عن أبي داود المسترق عنه قال : دخلت على ابي عبد اللّه علیه السلام فقال:

قولوا لأم فروة تجيء فتسمع ما صُنع بجدها ، قال فجاءت فقعدت خلف الستر ثم قال فانشدنا ، قال فقلت :

فرو جودي بدمعك المسكوب.

قال فصاحت وصحن النساء فقال ابو عبد اللّه علیه السلام : الباب. فاجتمع اهل المدينة على الباب ، قال فبعث اليهم ابو عبد اللّه صبي لنا غشي عليه فصحن النساء.

وفي رجال الشيخ ان الامام الصادق علیه السلام قال : يا معشر الشيعة علموا أولادكم شعر العبدي فإنه على دين اللّه.

وروى ابو الفرج في الاغاني ج 7 ص 22 عن ابي داود المسترق سليمان بن سفيان ان السيد الحميري والعبدي اجتمعا فانشد السيد :

إني أدينُ بما دان الوصيُّ به *** يوم الخريبة (2) من قتل المحلّينا

وبالذي دان يوم النهروان به *** وشاركت كفه كفى بصفينا

ص: 170


1- العبدي نسبة الى عبد القيس.
2- 2 - الخريبة : موضع بالبصرة كانت به واقعة الجمل

فقال له العبدي : أخطأت ، لو شاركت كفك كفه كنت مثله ، ولكن قل : وتابعت كفه كفى ، لتكون تابعاً لا شريكاً.

فكان السيد الحميري بعد ذلك يقول : انا اشعر الناس إلاّ العبدي اقول ووجدت قصيدة لشاعرنا المترجم له في اعيان الشيعة جزء35 وهي من فاخر المدح وجيّد النظم وهي كما يقول السيد : من كنوز هذا الكتاب وقلما توجد في غيره فأجبت أن لا تخلو هذه الموسوعة منها.

قصيدة سفيان بن مصعب العبدي :

هل في سؤالك رسمَ المنزل الحزب *** برء لقلبك من داءِ الهوى الوصِب

أم حرُّه يوم وشك البين يُبرده *** ما استحدرته النوى من دمعك السرب

هيهات أن ينفد الوجه المثير له *** نأيُ الخليط الذي وليًّ فلم يؤب

يا رائد الحيِّ حسب الحي ما ضمنت *** له المدامع من ماء ومن عشب

ما خلتُ من قبل ان حالت نوى قذف *** أنّ العيونَ لهم أهمى من السحب

بانوا فكم أطلقوا دمعاً وكم أسروا *** لباً وكم قطعوا للوصل من سبب

من غادِر لم أكن يوماً أسّر له *** غدراً وما الغدر من شأن الفتى العربي

ص: 171

وحافظ العهد يهدي صفحتي فرح *** للكاشحين وتخفي وجه مكتئب (1)

بانوا قبابا وأحبابا تصونهم *** عن النواظر أطراف القنا السلبِ

وخلفوا عاشقا ملقى ربى خلِسا *** بطرفه حِذر من يهوى فلم يصب

القى النحول عليه بُرده فغدا *** كأنّه ما نسوا في الدار من طنب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما *** حجبن من قضب فيها ومن كئب

من كل هيفاء اعطاف هظيم حشى *** لعْساء مرتشف غرّاءَ منتقب

كأنما ثغرها وهناً وريقتها *** ما ضمَّت الكأس من راح ومن حبب

وفي الخدور بدور لو برزن لنا *** برّدن كل حشى بالوجد ملتهبِ

وفي حشاي غليل بات يضرمه *** شوق إلى بَرد ذاك الظلم والشنب

يا راقد اللوعة اهبب من كراك فقد *** بان الخليط ويا مضنى الغرام ثِبِ

ص: 172


1- يعني انه يبدي الفرح للكاشحين عند فرحه ليغيظهم بذلك ويخفي عنهم الكآبة عند حزنه لئلا يشمتوا به.

أما وعصر هوى ذَبَّ العزاء له *** ريب المنون وغالته يد النوب

لأشرقن بدمعي ان نات بهم *** دار ولم أقص ما في النفس من أرب

ليس العجيب بأن لم يبق لي جَلد *** لكن بقائي وقد بانوا من العجب

شبتُ ابن عشرين عاماً والفراق له *** سهم متى ما يصب شمل الفتى يشب

ما هزَّ عطفي من شوق الى وطني *** ولا اعتراني من وجدِ ومن طرب

مثل اشتياقي من بُعد ومنتزح *** من الغريِّ وما فيه من الحسب

أذكى ثرى ضم أزكى العالمين فذا *** خيرُ الرجال وهذه أشرف الترب

ان كان عن ناظري بالغيب محتجباً *** فانه عن ضميري غير محتجب

مرت عليه ضروع المزن رائحة *** من الجنوب فرّوته من الحلب

من كل مقربةٍ اقراب مرزمة *** ارزامَ صادية الأزوار والقرب

يقذ بها حر نيران البروق ومآ *** لهن تحت سجاليها من اللّهبِ

ص: 173

حتى ترى الجلعد الكوماء رائحة *** ممغوطة النسع ضمراً رخوة اللبب

بل جاد ما ضمّ ذاك الترب من شرف *** مزن المدامع من جار ومنسكب

تهفو اشتياقا اليه كلّ جارحةِ *** مني ولا مثل ما تحتاج في رجب

ولو تكون لي الأقدار مسعدة *** لطاب لي عنده بعدي ومقتربي

يا راكبا جسرة تطوى مناسمها *** ملاءة البيد بالتقريب والخبب

هوجاء لا يطعم الانضاء غاربها *** مسرى ولا تتشكى مؤلم التعب

تقيد المغزل الادمآء في صعد *** وتطلح الكاسر الفتخاء في صبب

تثنى الرياح اذا مرت بغابتها *** حسرى الطلائع بالغيطان والهضب

بلِّغ سلامي قبراً بالغرىّ حوى *** أوفى البرية من عجم ومن عرب

واجعل شعارك لله الخشوع به *** ونادِ خيرَ وصي صنوً خير نبي

اسمع أبا حسن إن الاولى عدلوا *** عن حكمك انقلبوا عن خير منقلب

ص: 174

ما بالهم نكبوا نهج النجاة وقد *** وضّحته واقتفوا نهجاً من العطب

ودافعوك عن الامر الذي اعتلقت *** زمامَه من قريش كفّ مغتصب

ظلت تجاذبها حتى لقد حزمت *** خشاشها تربت من كفِّ مجتذب

وكان بالأمس منها المستقيل فلم *** أرادها اليوم لو لم يأت ...........

وأنت توسعه صبراً على مضض *** والحلم أحسن ما يأتي مع الغضب

حتى اذا الموت ناداه فأسمعه *** والموتُ داعٍ متى يدع امرءً يجب

حَبا بها آخراً فاعتاض محتقب *** منه بأفضع محمولِ ومحتقب

وكان أول من اوصى ببيعته *** لك النبي ولكن حال من كثب

حتى اذا ثالث منهم تقمصها *** وقد تبدل منها الجد باللعب

عادت كما بدأت شوهاء جاهلة *** تجرّ فيها ذئاب أكلة الغلب

وكان عنها لهم في خم من دجرٍ *** لمّا رقى احمدُ الهادي على قتب

ص: 175

وقال والناس من دان اليه ومن *** ثاو لديه ومن مصغ ومرتقب

قم يا علي فاني قد أمرتُ بأن *** أبلِّغ الناس والتبليغ أجدر بي

إني نصبت عليا هادياً علماً *** بعدي وان علياً خير منتصب

فبايعوك وكل باسط يده *** اليك من فوق قلبِ عنك منقلب

عافوك لا مانع طولاً ولا حصر *** قولا ولا لهج بالغشَّ والريب

وكنت قطب رحى الإسلام دونهم *** ولا تدور رحى إلا على قطب

ولا تساوت بكم في العلم مرتبة *** ولا تماثلتم في البيت والنسب

ان تلحظ القرن والعسال في يده *** يظل مضطرباً في كف مضطرب

وان هززت قناةً ظلت توردها *** وريد ممتنع في الروع مجتنب

ولا تسلَّ حساماً يوم ملحمة *** إلا وتحجبه في رأس محتجب

كيوم خيبر اذ لم يمتنع رجل *** من اليهود بغير الفرِّ والهرب

ص: 176

فأغضب المصطفى اذ جر رايته *** على الثرىناكصاً يهوي على العقب

فقال اني سأعطيها غداً لفتى *** يحبه اللّه والمبعوث منتجب

حتى غدوت بها جذلان معتزماً *** مظنة الموت لا كالخائف النحب

تلقاء أرعن جرار أحمّ دج *** مجر لهام طحون جحفل لجب

جمَّ الصلادم والبيض الصوارم والز *** رق اللّهاذم والمآذي واليلب

والأرض من لا حقيِّات مطهمة *** والمستظل مثار القسطل الهدب

وعارض الجيش من نقع بوارقه *** لمع الأسنة والهندية القضب

أقدمت تضرب صبراً تحته فغدا *** يصوب مزنا ولو أحجمت لم يصب

غادرت فرسانه من هارب فرقِ *** ومقعص بدم الاوداج مختضب

لك المناقب يعيا الحاسبون لها *** عدا ويعجز عنا كل مكتتب

كرجعة الشمس اذ رمت الصلاة وقد *** راحت توارى عن الأبصار بالحجب

ص: 177

رُدّت عليك كأن الشهب مااتضحت *** لناظر وكأن الشمس لم تَغب

وفي براءة أنباء عجائبها *** لم تطو عن نازح يوماً ومقترب

وليلة الغار لمابت ممتلئا *** أمناً وغيرك ملآن من الرعب

ما انت إلا أخو الهادي وناصره *** ومظهر الحق والمنعوت في الكتب

وزوج بضعته الزهراء يكنفها *** دون الورى وابو ابنائها النجب

من كل مجتهد في اللّه معتضدِ *** باللّه معتقد لله محتسب

وارين هادين ان ليل الضلال دجا *** كانوا لطارقهم أهدى من الشهب

لقِّبت بالرفض لما أن منحتهم *** ودّي وأحسن ما أدعى به لقبي

صلاة ذي العرش تترى كل آونة *** على ابن فاطمة الكشّاف للكرب

وأبنيه من هالك بالسم مخترم *** ومن معفّر خدّ في الثرى ترب

لولا الفعيلة ما قاد الذين هم *** أبناء حربٍ اليهم جحفل الحرب

ص: 178

والعابد الزاهد السجاد يتبعه *** وباقر العلم داني غاية الطلب

وجعفر وابنه موسى ويتبعه ال- *** -بّر الرضا والجواد العابد الدئب

والعسكريين والمهدي قائمهم *** ذو الأمر لابس أثواب الهدى القشب

من يملأ الأرض عدلا بعدما ملئت *** جوراً ويقمع أهل الزيغ والشغب

القائد البهم والشوسَ الكمآة الى *** حرب الطغاة على قبِّ الكلا شزب

أهل الهدى لا اناس باع بائعهم *** دين المهيمن بالدينار والرتب

لو أن أضغانهم في النار كامنة *** لا غنت النار عن مذكٍ ومحتطب

ياصاحب الكوثر الرقراق زاخرة *** ذُدّ النواصب عن سلساله الخصب

قارعت منهم كماةً في هواكَ بما *** جرَّدت من خاطر أو مقول ذرب

حتى لقد وسمت كلما جباههم *** خواطري بمضاء الشعر والخطب

إن ترض عني فلا أسديت عارفة *** ان ساءني سخط أُمِ برةِ وأبِ

ص: 179

صحبت حبك والتقوى وقد كثرت *** لي الصحاب فكانا خيرَ مصطحب

فاستجل من خاطر العبدي آنسة *** طابت ولو جاوزت اياك لم تطب

جاءت تمايل في ثوبيْ حياً وهوى *** اليك حالية بالفضل والأدب

أتعبت نفسي في مدحيك عارفة *** بأن راحتها في ذلك التعبِ

ص: 180

4 - الكميت الأسدي :

اشارة

ومن اكبر الأحداث كانت مصيبة *** علينا قتيلُ الادعياء الملحّبُ (1)

قتيل بجنب الطف من آل هاشم *** فيالك لحماً ليس عنه مذبب

ومنعفر الخدين من آل هاشم *** ألا حبّذا ذاك الجبين المتّرب

ومَن عجب لم أقضه أن خيلهم *** لأجوافها تحت العجاجة أزمل (2)

هَماهم بالمستلئمين عوابس *** كحدآن يوم الدّجن تعلو وتسفل

يحلئن عن ماء الفرات وظله *** حسيناً ولم يشهر عليهن منصل

كأنَّ حسينا والبهاليل حوله *** لأسيافهم ما يختلي المتقبِّل

يخضن به من آل أحمد في الوغى *** دما طل منهم كالبهيم المحجِّل

وغاب نبي اللّه عنهم وفقده *** على الناس رزء ما هنالك مجلل

فلم أر مخذولا أجلَّ مصيبة *** وأوجب منه نصرة حين يخذل

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم *** فيا آخر أسدى له الغيَّ أول

ص: 181


1- الملحب : المقطع بالسيف. والأدعياء جمع دعي وهو عبيد اللّه بن زياد بن سمية نسب الى امه اذ لم يعرف له اب.
2- الصوت المختلط والصوت من الصدر.

تهافت ذُبّان المطامع حوله *** فريقان شتى ذو سلاح وأعزل

إذا شرَعت فيه الأسنة كبّرت *** غواتهم من كل أوبِ وهللوا

فما ظفر المجرى إليهم برأسه *** ولا عذل الباكي عليه الموَلوِلُ

فلم أر موتورين أهل بصيرةِ *** وحق لهم أيد صحاح وأرجل

كشيعته ، والحرب قد ثفيت لهم *** أمامهم قدر تخيش ومرجل (1)

فريقان : هذا راكب في عداوة *** وباك على خذلانه الحق معول

فما نفع المستأخرين نكيصهم *** ولا ضرّ أهل السابقات التعجُّل

ص: 182


1- ثفيت : افيم لها الا ثافي.
الشاعر :

ابو المستهل الكميت بن زيد الاسدي المولود سنة 60 والمتوفى سنة 126 ه. قال أبو الفرج : شاعر مقدم عالم بلغات العرب ، خبير بأيامها من شعراء مضر وألسنتها والمتعصبين على القحطانية المقارنين المقارعين لشعرائهم ، وكان في أيام بني امية ولم يدرك الدولة العباسية ومات قبلها ، وكان معروفاً بالتشيع لبني هاشم مشهوراً بذلك.

سئل معاذ الهراء : من أشعر الناس؟ قال : أمن الجاهليين أم الاسلاميين؟ قالوا : بل من الجاهليين. قال : امرؤ القيس وزهير وعبيد بن الابرص. قالوا : فمن الإسلاميين قال : الفرزدق وجرير والاخطل والراعي ، قال فقيل له : يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت ، قال : ذاك أشعر الاولين والآخرين.

قال صاعد مولى الكميت دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي علیهماالسلام فأنشده الكميت :

مَن لقلب ميتم مستهام *** غير ما صبوةٍ ولا احلامٍ

بل هواي الذي أُجنُّ وأبدي *** لبني هاشم أجلّ الانامٍ

فأنصت له علیه السلام فلما بلغ الى قوله :

أخلص اللّه هواي فما أغرق

نَزعاً ولا تطيش سهامي (1)

قال له الباقر علیه السلام قل ( فقد أُغرق نَزعاً ولا تطيش سهامي ).

ص: 183


1- النزع : جذب الوتر بالسهم ، والاغراق نزعا المبالغة في ذلك. وأغرق النازع في القوس مثل يضرب للغلو والافراط. فقوله ( فما اغرق نزعا ) ، لا يناسب المقام اذ يكون معناه اني لا ابالغ في المحبة ، والمناسب المبالغة فيها فلذلك غيره الامام علیه السلام بقوله. فقد اغرق نزعاً.

فقال : يا مولاي انت أشعر مني بهذا المعنى ، وعرض عليه مالا فلم يقبل. وقال واللّه ماقلت فيكم شيئا أريد به عرض الدنيا ولا أقبل عليه عوضاً اذا كان لله ورسوله ، قال (عليه السلام) فلك ما قال رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) لحسان : لا زلت مؤيداً بروح القدس ما ذببت عنا أهل البيت قال جعلني اللّه فداك. ثم لم يبق من أهل البيت الا من حمل اليه شيئاً فلم يقبل منهم ، وفي رواية أنه قال : ولكن تكرمني بقميص من قمصك فأعطاه ، ودخل يوماً على الامام فأنشده :

ذهب الذين يُعاش في أكنافهم *** لم يبق الا شامت أو حاسدُ

وبقى على ظهر البسيطة واحد *** فهو المراد وأنت ذاك الواحد

وقال بعضهم كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر ، كان خطيب اسد وفقيه الشيعة وحافظ القرآن وثبت الجنان وكان كاتباً حسن الخط وكان نسابة وكان جدلاً وهو اول من ناظر في التشيع وكان رامياً لم يكن في اسد أرمى منه وكان فارساً وكان سخياً دينّاً اخرجه ابن عساكر وقال ولد الكميت سنة ستين ومات سنة ست وعشرين ومائة. قال صاحب خزانة الأدب قال بعضهم كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر ، كان خطيب اسد ، فقيه الشيعة ، حافظ القرآن ، ثبت الجنان ، كاتباً حسن الخط ، نسابة ، جدلا وهو اول من ناظر في التشيع ، رامياً لم يكن في أسد أرمى منه ، فارساً شجاعاً ، سخياً ديّناً.

والكميت اول من احتج في شعره على المذهب الحجج القوية الكثيرة حتى زعم الجاحظ أنه اول من دل الشيعة على طرق الاحتجاج وموقفه بوجه الامويين بتلك العصور الجائرة والطغاة المستهترة يعطينا أقوى البراهين على تصلبه في مبدأه وصراحته في عقيدته وتفاديه لآل

ص: 184

الرسول صلوات اللّه عليهم ، قال المرزباني في معجم الشعراء : والكميت ابن زيد مكثر جدا وكان يتعمل لإدخال الغريب في شعره ، وله في أهل البيت الأشعار المشهورة وهي أجود شعره.

ورى ابو الفرج في الأغاني 15 باسناده عن محمد بن علي النوفلي قال سمعت ابي يقول : لما قال الكميت بن زيد الشعر وكان اول ما قال ( الهاشميات ) فسترها ثم أتى الفرزدق بن غالب فقال له : يا أبا فراس انك شيخ مضر وشاعرها وأنا ابن اخيك الكميت بن زيد الأسدي قال له : صدقت انت ابن اخي فما حاجتك قال نفث على لساني فقلت شعراً فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسناً أمرتني باذاعته وإن كان قبيحا امرتني بستره وكنتَ اول من ستره علي فقال له الفرزدق أما عقلك فحسن واني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك فأنشدني ما قلت فأنشده :

طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب

قال فقال لي : فيم تطربت يا ابن اخي.

فقال :

ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب

قال بلى يابن أخي فالعب فإنك في أوان اللعب فقال :

ولم يلهني دار ولا رسم منزل *** ولم يتطرّبني بناتُ مخضَّب

فقال ما يطربك يابن أخي فقال :

ولا السانحات البارحات عشية *** أمرّ سليم القرن أم مرّ اعضب

فقال : اجل لا تتطير فقال :

ولكن الى اهل الفضائل والتقى *** وخير بني حوّاء والخيرُ يطلب

ص: 185

فقال : ومن هؤلاء ويحك قال :

الى النفر البيض الذين بحبّهم *** الى اللّه فيما نابني أتقرب

قال أرحني ويحك من هؤلاء قال :

بني هاشم رهط النبي فانني *** بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب

خفضت لهم مني جناحي مودة *** الى كنف عطفاه أهل ومرحب

وكنت لهم من هؤلاء وهؤلا *** مجناً على أني أذم وأغضب

وأرمي وأرمي بالعداوة أهلها *** واني لأوذي فيهم وأؤنب

يعيّرني جهال قومي بحبهم *** وبغضهم ادنى لعار وأعطبُ

فقل للذي في ظلّ عمياء جونة *** يرى العدل جوراً لا الى اين يذهبُ

بأيّ كتاب أم بأية سنة *** ترى حبّهم عاراً عليك وتحسب

ستقرعُ منها سنّ خزيان نادم *** إذا اليوم ضم الناكثين العصبصب

فمالي الاال أحمد شيعة *** ومالي الا مذهب الحق مذهبُ

فقال له الفرزدق : يابن أخي واللّه لو جزتهم الى سواهم لذهب قولك باطلاً ، ثم قال له : يابن اخي أذع ثم أذع فأنت واللّه أشعر من مضى وأشعر من بقي.

ومن هذه القصيدة :

وأحمل أحقاد الأقارب فيكم *** وينصب لي في الأبعدين فأنصبُ

بخاتمكم غصباً تجوز امورهم *** فلم أر غصباً مثله يتغصّب

وقالوا ورثناها أبانا وامنا *** ومآ ورثتهم ذاك أم ولا أب

يرون لهم حقاً على الناس واجباً *** سفاها وحقُ الهاشميين اوجب

ص: 186

ومنها :

يشيرون بالأيدي اليّ وقولهم *** ألا خابَ هذا والمشيرون أخيب

فطائفة قد كفرتني بحبكم *** وطائفة قالوا مسيء ومذنبُ

فما ساءني تكفير هاتيك منهم *** ولا عيب هاتيك التي هي أعيب

وقالوا ترابي هواهُ ودينه *** بذلك أدعى فيهم وأُلّقب

ومنها :

فيا موقداً ناراُ لغيرك ضوئها *** ويا حاطباً في غير حبلك تحطب

ألم ترني من حبّ آل محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) *** أروح وأغدو خائفاً اترقب

على أيّ جرم ام بأية سيرة *** اعنّف في تقريظهم وأؤنب

اناسُ بهم عزّت قريش فأصبحوا *** وفيهم خباء المكرمات المطنّبُ

خضمون أشراف لها ميم سادة *** مطاعيم ايسارُ اذا الناس أجدبوا

ومنها في الحسين (عليه السلام) :

قتيل بجنب الطف من آل هاشم *** فيالك لحماً ليس عنهُ مذببُ

ومنعفرُ الخدين من آلِ هاشم *** ألا حبذا ذاك الجبينُ المتّرب

قال البغدادي في خزانة الادب ج 1 ص 87 : بلغ خالد بن عبد اللّه القسري خبر قصيدة الكميت المسماة بالمذهبة والتي اولها :

ألا حييتَ عنا يا مدينا *** وهل ناس تقوى مسلمينا

ويستثير فيها العدنانية على القحطانية - اليمانية ومنها :

لنا قمر السماء وكل نجم *** تشير اليه أيدي المهتدينا

ص: 187

وجدت اللّه اذ سمى نزاراً *** وأسكنهم بمكة قاطنينا

لنا جعل المكارم خالصات *** وللناس القفا ولنا الجبينا

قال : وكان خالد من عرب اليمن فقال : واللّه لاقتلنه ، ثم اشترى ثلاثين جارية في نهاية الحسن فراواهن قصائد الكميت - الهاشمياتِ ودسهن مع نخاس الى هشام بن عبد الملك فاشتراهن فأنشدنه يوماً القصائد المذكورة ، فقال لهن هشام : من القائل لهذا الشعر ، قلن الكميت بن الزيد الاسدي قال : وفي اي بلد هو ، قلن الكوفة فكتب في الحال الىّ خالد بن عبد اللّه القسري ان ابعث الي برأس الكميت فأخذه خالد وحبسه فوجَّه الكميت الى امرأته ( حُبي ) ولبس ثيابها وخرج من الحبس فلما علم خالد أراد أن ينكل بالمرأة فأجتمعت بنو اسد اليه وقالوا : لاسبيل لك على امرأة خدعها زوجها فخافهم وخلى سبيلها. وبقي الكميت خائفا متخفيا في البادية سنة ثم خرج ليلاً في جماعة من بني اسد على خوف ووجل وساروا حتى دخلوا الشام ، فتوارى الكميت في بني اسد وبني تميم فاجتمع عدة منهم ودخلوا على عنبسة بن سعيد بن العاص - وكان سيد قريش يومئذ - وقالوا : يا ابا خالد هذه مكرمة ادخرها اللّه لك ، هذا الكميت بن زيد لسان مضر جاء اليك لتخلصه من القتل ، فقال لهم : دعوه يضرب خيمه على قبر معاوية بن هشام فمضى الكميت فضرب فسطاطاً عند قبره ، ودخل عنبسة على مسلمة بن هشام وقال : يا ابا شاكر مكرمة اتيتك بها تبلغ الثريا فان كنت ترى انك تفي بها والا كتمتها ، قال مسلمة وما هي فاخبره الخبر ، فقام ودخل على ابيه هشام وهو عند امه في غير وقت دخوله ، فقال هشام : اجئت في حاجة قال نعم قال هي مقضية إلا ان يكون الكميت ، فقال ما أحب ان يستثني عليّ في حاجتي وما أنا والكميت ، فقالت امّه : واللّه لتقضين حاجته كائنة ما كانت ، قال : قد قضيتها قال حاجتي هي الكميت يا أمير المؤمنين

ص: 188

وهو آمن بأمان اللّه وأمان امير المؤمنين وهو شاعر مضر وقد قال فينا قولا لم يقبل مثله ، قال هشام : قد أمنته واجزت أمانك له فعقد له مجلساً فانشد الكميت قصيدة ارتجلها واولها : قف بالديار وقوف زائر.

روى ابو الفرج عن ورد بن زيد - اخي الكميت - قال : ارسلني الكميت الى ابي جعفر علیه السلام ، فقلت له : ان الكميت ارسلني اليك وقد صنع بنفسه ما صنع فتأذن له ان يمدح بني امية ، قال : نعم هو في حلّ فليقل ما شاء ، فنظم هذه القصيدة :

قف بالديار وقوف زائر *** وتاي إنك غير صابر

مآذا عليك من الوقو *** فِ بهامِد الطللين دائر

ومنها :

فالآن صرت إلى امية *** والامور إلى المصائر

ومن غرو قصائد الكميت قصيدته العينية واولها :

تفى عن عينك الارقُ الهجوعا *** وهُم يمتري منها الدموعا

ومنها :

لدى الرحمن يشفع بالمثاني *** فكان له ابو حسن شفيعا

ويوم الدوحِ دوحِ غدير خُمٍ *** أبان له الولايةَ لوٍ أطيعا

ولكن الرجالَ تبايعوها *** فلم أرَ مثلها خطراً منيعا

ومنها :

فقل لبني أُمية حيثُ كانوا *** وإن خفت المهنّد والقطيعا

اجاعَ اللّه من اشبعتموه *** واشبع من بجوركم أُجيعا

بمرضيَّ السياسة هاشميّ *** يكون حياً لامته ربيعا

ص: 189

ومن شعر الكميت الاسدي قوله :

من لقلب متيم مستهام *** غَير ما صبوةٍ ولا أحلام

بل هوايً الذي اُجن وابدي *** لبني هاشم أجلِ الانام

للقريبين من ندى والبعيدين *** من الجور في عرى الاَحكام

والمصيبين بابَ ما اخطأ الناسُ *** ومرسي قواعد الاسلام

والحماة الكفاة في الحرب إن لفّ *** ضرام وقوده بضِرام

والغيوث الذين إن امحل الناسُ *** فمآوى حواضن الايتام

راجحي الوزن كاملي العدل في *** السيرة طبين بالأمور العظام

فضلوا الناس في الحديث حديثاً *** وقديمآ في أولَّ القُدّام

أبطحيين أريحيين كالأنجم *** ذات الرجوم والاعلام

واذا الحرب أومضت بسنا *** الحرب وسار الهمام نحو الهمام

فهم الاسد في الوغى لا اللواتي *** بين خيس العرين والآجام (1)

أُسد حربٍ غيوث جدب بها ليلَ *** مقاويل غير ما أفدام (2)

ومحلون محرمون مقرّون *** لحل قراره وحرام

ساسةُ لاكمن يرى رعية الناس *** سواءً ورعية الانعام

لا كعبد المليك أو كوليدٍ *** أو سليمان بعد أو كهشام

ومنها في الامام :

ووصي الوصي ذي الخطة الفصل *** ومُردي الخصوم يوم الخصام

وقتيل بالطف غودر منه *** بين غوغاء أمِة وطغام

ص: 190


1- 1 - الخيس بالكسر : موضع الاسد ، والعرين مأواه
2- 2 - الافدام جمع فدم : هو الذي عنده عي في الكلام مع ثقل ورخاوة

وابو الفضل إن ذكرهم *** الحلو شفاء النفوس والاسقام

قتل الادعياء إذ قتلوه *** اكرم الشاربين صوب الغمام

ما ابالي ولن ابالي فيهم *** ابداً رغم ساخطين رٍغام

فهم شيعتي وقسمي من الأمة *** حسبي من سائر الاقسام

ولهت نفسي الطروب اليهم *** ولهاً حالَ دون طعم الطعام

ص: 191

5 - جعفر بن عفان الطائي :

لبيك على الإسلام من كأن باكياً *** فقد ضيعت أحكأمه واستحلّت

غداة حسينُ للرمآح دريئة *** وقد نهلت منه السيوف وعلّتِ

وغودر في الصحراء لحماً مبدداً *** عليه عناف الطير بانت وظلت

فما نصرته أمة السوء إذا دعا *** لقد طاشت الأحلام منها وظلت

ألا بل محوا أنوارهم بأكفهم *** فلا سلمت تلك الاكف وشلت

وناداهم جهداً بحق محمد *** فإن ابنه من نفسه حيث حلت

فما حفظوا قرب الرسول ولارعوا *** وزلت بهم أقدامهم واستزلتِ

أذاقته حرّ القتل اُمة جده *** هفت نعلها في كربلاء وزلتِ

فلا قدس الرحمن امة جده *** وإن هي صاحت للاله وصلتِ

كما فجعت بنت الرسول بنسلها *** وكانوا كماة الحرب حين استقلت

ص: 192

ابو عبد اللّه جعفر بن عفان الطائي كان معاصراً للامام الصادق (عليه السلام) توفي في حدود سنة 150 روى الكشى باسناده عن زيد الشحام قال كنا عند أبي عبد اللّه ونحن جماعة من الكوفيين فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقربه وادناه ، ثم قال يا جعفر قال لبيك جعلني اللّه فداك ، قال بلغني أنك تقول الشعر في الحسين (عليه السلام) وتجيد فقال له نعم جعلني اللّه فداك ، قال قل فأنشد فبكى (عليه السلام) ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته ، ثم قال ، ياجعفر واللّه لقد شهدت ملائكة اللّه المقربون ههنا يسمعون قولك في الحسين (عليه السلام) ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر ، ولقد اوجب اللّه تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها وغفر لك ، ثم قال يا جعفر ألا أزيدك قال نعم يا سيدي قال ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وابكى به إلا أوجب اللّه له الجنة وغفر له.

وفي الخلاصة : ابو عبد اللّه جعفر بن عفان كان من شعراء الكوفة وكان مكفوفاً ، وله أشعاراً كثيرة في معان مختلفة ، ومن الشيعة المخلصين ذكره علماء الرجال ووثقوه وهو الذي ردّ على مروان بن أبي حفصة حيث يقول :

أنى يكون وليس ذاك بكائنٍِ *** لبني البنات وراثةُ ألاعمامِ

فقال جعفر بن عفان :

لم لا يكون وإن ذاك لكائن *** لبني البنات وراثة الأعمامِ

للبنت نصف كامل من ماله *** والعم متروك بغير سهام

ماللطليق وللتراث وإنما *** صلى الطليق مخافة الصمصام (1)

ص: 193


1- الاغاني ج 9 ص 45.

ودخل جماعة على الامام الرضا علیه السلام فرأوه متغيراً فسألوه عن ذلك قال :

بتّ ليلتي ساهراً متفكراً في قول مروان بن أبي حفصة ، وذكر البيت المتقدم ، قال : ثم نمت فاذا أنا بقائل قد أخذ بعضادة الباب وهو يقول :

انى يكون وليس ذاك بكأئن *** للمشركين دعائم الإسلام

لبني البنات نصيبتهم من جدهم *** والعم متروك بغير سهام

ما للطليق وللتراث وإنما *** سجد الطليق مخافة الصمصام

قد كان أخبرك القرآن بفضله *** فمضى القضاء به من الحكام

ان ابن فاطمة المنوّه باسمه *** حاز الوراثة عن بني الأعمام

وبقى ابن نثلة واقفاً متردداً *** يبكي ويسعده ذوو الارحام (1)

ومروان سرق المعنى مما قاله مولى لتمام بن معبد بن العباس بن عبد المطلب معرضاً بعبيد اللّه بن أبي رافع مولى رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) فانه أتى الحسن بن علي علیه السلام وقال : أنا مولاك ، وكان قديماً يكتب لعلي ابن ابي طالب (عليه السلام) مولى تمام :

جحدت بني العباس حق أبيهم *** فما كنت في الدعوى كريم العواقب

متى كان أولاد البنات كوارث *** يحوز ويدعى والدا في المناسب (2)

قال السيد الامين في الجزء الأول في الاعيان : وجعفر بن عفان الطائي صاحب المراثي في الحسين (عليه السلام) قال ابن النديم : هو من شعراء الشيعة شعره مائتا ورقة انتهى.

ص: 194


1- عيون أخبار الرضا.
2- مقتل الحسين للسيد المقرم عن طبقات ابن المعتز.

وعده المرزباني في شعراء الشيعة وقال : كان من شعراء الكوفة وله اشعار كثيرة في معان مختلفة.

ومن شعره في أهل البيت علیهم السلام :

ألا يا عين فابكي الف عام *** وزيدي إن قدرتِ على المزيد

اذا ذكر الحسين فلا تملي *** وجودى الدهر بالعبرات جودي

فقد بكت الحمائم من شجاها *** بكت لأليفها الفرد الوحيد

بكين وما درين وانت تدري *** فكيف تهم عينك بالجمود

أتنسى سبط احمد حين يمسي *** ويصبح بين أطباق الصعيد

ص: 195

6 - سيف بن عميرة :

6 - سيف بن عميرة (1) :

قال يرثي الحسين علیه السلام أولها :

جلّ المصابُ بمن أُصبنا فاعذري *** ياهذه وعن الملام فأقصري

ص: 196


1- عميرة بالعين المهملة المفتوحة والميم المكسورة والياء المثناة من تحت الساكنة والراء المهملة المفتوحة والهاء وزان سفينة.

جاء في الجزء الثالث من رجال السيد بحر العلوم ص 36 سيف بن عميرة النخعي. عربي كوفي ادرك الطبقة الثالثة والرابعة وروى عن الصادق والكاظم علیهماالسلام ، وهو احد الثقاة المكثرين والعلماء المصنفين ، له كتاب روى عنه مشاهير الثقاة ، وجماهير الرواة ، كإبراهيم بن هاشم واسماعيل بن مهران ، وايوب بن نوح والحسن بن محبوب والحسن ابن علي بن ابي حمزة والحسن بن يوسف بن بقاح وابنه الحسين ابن سيف وحماد بن عثمان والعباس بن عامر ، وعبد السلام بن سالم ، وعبد اللّه بن جبلة وعلي بن أسباط وعلي بن حديد وعلي بن الحكم وعلي بن سيف - والاكثر عن أخيه عن ابيه - وعلي بن النعمان وفضالة بن ايوب ومحمد بن ابي عمير ومحمد بن خالد الطيالسي ومحمد ابن عبد الجبار ومحمد بن عبد الحميد وموسى بن القاسم ويونس بن عبد الرحيم وغيرهم.

وفي غاية المراد : وربما ضعف بعضهم سيفاً ، والصحيح انه ثقة (1) وذكر السيد اقوال العلماء في جلالة سيف وفّند الطعون الواردة وبرهن على عدم صحتها.

وقال السيد الأمين في الأعيان ج 35 ص 424 :

سيف بن عميرة بفتح العين المهملة وثقه الشيخ والعلامة بل والنجاشي وقال ابن شهر آشوب أنه واقفي ، وقال المحقق البهبهاني قال جدي : لم تَر من أصحاب الرجال وغيرهم ما يدل على وقفه وكأنه وقع منه سهواً. وله قصيدة في رثاء الحسين (عليه السلام) وأولها :

جل المصاب بمن اصبنا فاعذري ... الابيات.

وقال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) :

سيف بن عميرة النخعي الكوفي ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق علیه السلام وأخرى من أصحاب الكاظم قائلاً : سيف ابن عميرة له كتاب روى عن أبي عبد اللّه ، وعده ابن النديم في فهرسته ص 322 من فقهاء الشيعة الذين رووا الفقه عن الائمة علیهم السلام .

ص: 197


1- راجع غاية المراد في شرح نكت الارشاد للشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين المكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الاول ، والمقتول سنة 786 ه.

7 - السيد الحميري :

اشارة

أُمرر على جدث الحسين *** وقل لأعظمه الزكيّة

يا أعظاماً لا زلت من *** وطفاء ساكبةِ رويه

ما لذّ عيشُ بعد رضّك *** بالجياد الاعوجية

قبر تضمن طيّباً *** آباؤه خير البرية

آباؤه أهل الريا *** سة والخلافة والوصية

والخير والشيم المهذبة *** المطيَّبة الرضيه

فإذا مررتَ بقبره *** فأطل به وقف المطيّه

وابك المطهرَ للمطهّر *** والمطهرة الزكيّة

كبكأء معولةٍ غدت *** يوماً بواحدها المنية

والعن صدى عمر بن سعد *** والملمع بالنقيه

شمر بن جوشنِ الذي *** طاحت به نفس شقيه

جعلوا ابنَ بنت نبيهم *** غرضاً كما ترمى الدرّيه

لم يدعُهم لقتاله *** إلا الجعالة والعطيّة

لمآ دعوه لكي تحكم *** فيه أولاد البغيه

أولاد أخبث من مشى *** مرحاً وأخبثهم سجيه

فعصاهم وأبت له *** نفس معززة أبيه

فغدوا له بالسابغات *** عليهم والمشرفيه

والبيض واليلب اليما *** ني والطوال السمهرية

ص: 198

وهم ألوف وهو في *** سبعين نفس هاشميه

فلقوه في خلف لأحمد *** مقبلين من الثنيه

مستيقنين بأنهم *** سيقوا لأسبابِ المنيه

يا عين فابكي ماحييتِ *** على ذوي الذمم الوفيه

لا عذر في ترك البكا *** دماً وانتِ به حريه

وقوله في الحسين علیه السلام يخاطب أصحابه :

لست أنساه حين أيقن بالموت *** دعاهم وقام فيهم خطيبا

ثم قال ارجعوا إلى أهلكم *** ليس سوائي أرى لهم مطلوبا

ص: 199

الشاعر :

هو اسماعيل بن محمد ، كنيته ابو هاشم ، المولود سنة 105 ، والمتوفي سنة 178 أو 173 ببغداد ودفن بالجنينة ولد بعمان ونشأ بالبصرة ، نظم فأكثر ، ذكر ابن المعتز في طبقات الشعراء أنه رؤي حمّال في بغداد مثقل فسئل عن حمله فقال : ميميات السيد ، وفي تذكرة ابن المعتز أنه كان للسيد أربع بنات كل واحدة منهن تحفظ أربعمائة قصيدة من قصائده ولم يترك فضيلة ولا منقبة لأمير المؤمنين إلا نظم فيها شعراً على أن فضائله (عليه السلام) لا يحيط بها نطاق النظم والنثر ، ومما دلّ على إخلاصه قوله :

أيا رب إني لم أُرد بالذي به *** مدحتُ علياً غير وجهك فارحم

ومن شعره :

وإذا الرجال توسلوا بوسيلة *** فوسيلتي حُبّي لآلِ محمدِ

وجدّه يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميري هجا زياداً وآل زياد بأقذع الهجاء كما تقدم في ترجمته فهو قد ورث الشعر والصلابة عن جده.

وللسيد مناظرات ومحاججات مع القاضي سوار وغيره. وكان اذا جلس في مجلس لا يدع أحداً يتكلم إلا بفضائل آل بيت النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) فجلس يوما في مجلس من مجالس البصرة فخاض الناس في ذكر النخل والزرع فغضب السيد وقام فقيل له : مم القيام يا أبا هاشم فأنشد :

إني لأكره أن أُطيلَ بمجلس *** لا ذكر فيه لآل بيت محمدِ

لا ذكر فيه لأحمدٍ ووصيه *** وبنيه ذلك مجلسُ قصفُ ردي

إن الذي ينساهم في مجلس *** حتى يفارقه لغير مسدد

ص: 200

وذكره ابن شهر آشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين ، اسنتفد شعره في معنى واحد وهو مدح اهل البيت ولم يترك منقبة لأمير المؤمنين علیه السلام إلا نظم فيها شعراً. ومن شعره :

جعلتُ آل الرسول لي سبباً *** أرجو نجاتي به من العَطَبِ

على مَ اُلحى على مودة مَن *** جعلتهم عدةً لمنقلبي

لو لم أكن قائلاً بحبهم *** أشفقتُ من بعضهم على نسبي

قال الشيخ الاميني أومىء الى الحديث المشهور بحديث الخيمة الذي يرويه الخليفة أبوبكر فيما يوثر عنه قال : رأيت رسول اللّه في خيمته وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : يامعشر المسلمين إني سلم لمن سالم اهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ، وليُّ لمن والاهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجدُّ طيب المولد ، ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء الولادة.

وقال الأمير سيف الدولة :

حبُّ علي ابن ابي طالب *** للناس مقياس ومعيار

يخرج ما في أصلهم مثلما *** يخرج غشَّ الذهب النارُ

وقال عبد اللّه بن المعتز :

مَن رام هجوَ عليٍ *** فشعره قد هجاهُ

لو أنه لأبيه *** ما كان يهجو أباهُ

وقال صفي الدين الحلي :

أمير المؤمنين أراك لما *** ذكرتك عند ذي نسب صفالي

وان كررتُ ذكرك عند نغلٍ *** تكدَّر صفوه وبغا قتالي

ص: 201

فصرت إذا شككت بأصل مرءٍ *** ذكرتك بالجميل من الفعال

فليس يطيق سمع ثناك إلا *** كريم الأصل محمود الخلال

فها أنا قد خبرت بك البرايا *** فأنت محك أولاد الحلال

روى ابن الأثير في النهاية عن ابي سعيد الخدري قال : كنا معاشر الانصار نَبور (1) اولادنا بحبهم علياً رضي اللّه عنه ، فإذا ولد فينا مولود فلم يحبه عرفنا انه ليس منا. ورواه الحافظ الجزري في كتابه ( اسنى المطالب ) وعن عبادة بن الصامت قال : كنا نبور اولادنا بحب علي ابن ابي طالب فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا وانه لغير رشده (2) كذا ذكر ذلك في النهاية ولسان العرب.

قال الحافظ الجزري في أسنى المطالب بعد ذكر هذا الحديث : وهذا مشهور من قديم والى اليوم أنه ما يبغض علياً الا ولد الزنا.

وجاء في فوات الوفيات :

اسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة ، كان شاعراً محسناً كثير القول. له مدائح جمّة في آل البيت ، وكان مقيما بالبصرة ، وكان أبواه يبغضان علياً ، وسمعهما يسبّانه بعد صلاة الفجر فقال :

لعن اللّه والديّ جميعاً *** ثم أصلاهما عذاب الجحيم

وكان أسمر اللون ، تام القامة ، حسن الالفاظ ، جميل الخطاب مقدّماً عند المنصور والمهدي ، ومات اول ايام الرشيد سنة ثلاث وسبعين ومائة ، وولد سنة خمس ومائة. وكان

ص: 202


1- نبور : اي نجربه ونختبره.
2- يقال. فلان لغير رشده اي لغير ابيه.

احد الشعراء الثلاثة الذين لم يضبط ما لهم من الشعر كم ، هو وبشار وأبو العتاهية.

وقال السيد اتى بي أبي الى محمد بن سيرين وانا صغير فقال لي : يابني ، اقصص رؤياك فقلت : رأيت كأني في أرض سبخة والى جانبها أرض حسنة ، والنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) واقف فيها ، وليس فيها نبت ، وفي الأرض السبخة سوك ونخل ، فقال لي يا اسماعيل ، أتدري لمن هذا النخل قلت : لا ، قال : هذا لامرىء القيس بن حجر ، فانقله الى هذه الأرض الطيبة التي أنا فيها ، فجعلت انقله ، الى أن نقلت جميع النخل وحولت شيئاً من الشوك فقال ابن سيرين لأبي : أما ابنك هذا فسيقول الشعر في مدح طَهرة ابرار فما مضت إلا مدة ، حتى قلت الشعر.

قال الصولي : قال أبو العيناء للسيد : بلغنى انك تقول بالرجعة قال : هو ما بلغك ، قال فأعطني ديناراً بمائة دينار الى الرجعة فقال السيد : علي ان توّثق لي بمن يضمن انك ترجع انساناً ، اخاف ان ترجع قردا او كلباً فيذهب مالي.

وحكى ان اثنين تلاحيا في أي الخلق أفضل بعد رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) فقال أحدهما : أبو بكر ، وقال الآخر : علي ، فتراضيا بالحكم الى اول من يطلع عليهما ، فطلع عليهما السيد الحميري ، فقال القائل بفضل علي : قد تنافرت انا وهذا اليك في افضل الخلق بعد رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) فقلت انا : علي ، فقال السيد : وما قال هذا ابن الزانية؟ فقال ذاك لم أقل شيئاً.

قيل لما استقام الأمر للسفاح خطب يوما فأحسن الخطبة ، فلما

ص: 203

نزل عن المنبر قام اليه السيد الحميري فأنشده :

دونكموها يا بني هاشم *** فجددوا من آيها الدارسا

دونكموها فالبسوا تاجها *** لاتعدموا منكم لها لابسا

دونكموها لا عَلت كعب من أمسى *** عليكم مُلكها نافسا

خلافة اللّه وسلطانه *** وعنصرٍاً كان لكم دارسا

فساسها قبلكم ساسةُ *** ما تركوا رطبا ولا يابسا

لو خيرَّ المنير فرسانه *** ما اختار إلا منكم فارسا

فلست من ان تملكوها الى *** هبوط عيسي منكم آبسا

روائع من شعر السيد الحميري :

قال في موقف امير المؤمنين ليلة بدر الكبرى لما عطش المسلمون فقال النبي من يأتينا بالماء ، قال علي : أنا فأخذ القربة ومضى وجاء بالماء :

اقسم باللّه وآلائه *** والمرء عما قال مسؤلُ

أن علي بن أبي طالب *** على التقى والبِِرِِِّ مجبول

وأنه الهادي الامآم الذي *** له على الأمة تفضيل

يقول بالحق ويقضي به *** وليس تلهيه الأباطيل

يمشي الى الحرب وفي كفّه *** ابيضُ ماضي الحّد مصقول

مشى العفرنى بين اشباله *** ابرزه للقنص الغيل

ذاك الذي سلم في ليلة *** عليه ميكأل وجبريل

ميكال في ألف وجبريل في *** ألفٍ ويتلوهم سرافيل

ليلة بدر رمداً انزلوا *** كأنهم طير أبابيل

فسلموا لمآ أتوا نحوه *** وذاك إعظام وتبجيل

ص: 204

عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس : أسألك عن اختلاف الناس في علي (عليه السلام) قال يابن جبير : تسألني عن رجل كانت له في ليلة واحدة ثلاثة ألاف منقبة وهي ليلة القربة في قليب بدر ، سلم عليه ثلاثة آلاف من الملائكة من عند ربهم ، وتسألني عن وصي رسول اللّه وصاحب حوضه. فكانت الأبيات المتقدمة متضمنة لهذه الرواية.

وقال السيد :

أُحبُّ الذي مات من أهل وده *** تلّقاه بالبشرى لدى الموت يضحكُ

ومن مات يهوى غيره من عدوّه *** فليس له إلا الى النار مسلك

أبا حسن تفديك نفسي واسرتي *** ومالي وما أصبحت بالارض أملك

أبا حسن إني بفضلك عارف *** وإني بحبل من ولاك لممسك

وأنت وصي المصطفى وابن عمه *** فإنا نعادي مبغضيك ونترك

مواليك ناج مؤمن بيِّن الهدى *** وقاليك معروف الضلالة مشرك

ولاح لحاني في عليٍّ وحزبه *** فقلتُ لحاك اللّه إنك اعفك (1)

ص: 205


1- 1 - الأعفك : الاحمق

وقال في الامام علي علیه السلام :

مشيراً الى الخبر الذي يرويه ابن شهر آشوب في المناقب عن الحافظ أبي نعيم عن جماعة من الرواة عن الحارث الهمداني عن علي علیه السلام قال : لا يموت عبد يحبني إلا رآني حيث يحب ولا يموت عبد يبغضني إلا رآني حيث يكره والي ذلك أشار السيد الحميري ايضاً بقوله. ومنهم من ينسب هذا الشعر الى علي علیه السلام وهو من الخطأ :

قولُ علي لحارث عجبُ *** كم ثمّ أعجوبةٍ له حملا

يا حار (1) همدان من يمت يرنى *** من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه *** بنعته واسمه ومآ فعلا

وأنت عند الصراط تعرفني *** فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من باردٍ على ظمأ *** تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين تعرض للعرض ، *** ذريه لاتقبلي الرجلا

ذريه لا تقبيله إن له *** حبلا بحبل الوصي متصلا

وكان آخر له قوله :

كذب الزاعمون أنّ علياً *** لا ينجّي محبة من هناتِ

قدوربي دخلت جنّة عدن *** وعفاني الإله عن سيئاتي

فأبشر اليوم أولياء عليًّ *** وتولوا عليّ حتى الممات

ثم من بعده تولّوا بنيه *** واحداً بعد واحد بالصفات

ص: 206


1- حار : ترخيم حارث كقولهم : يا اسم والمراد : اسماء.

وقال أشهد أن لا إله الا اللّه حقاً ، وأشهد أن محمدا رسول اللّه صدقاً صدقاً ، وأشهد أن عليا ولي اللّه رفقا رفقا.

ثم غمض عينيه لنفسه ، فكأنما روحه ذُبالة طُفئت أو حصاة سقطت.

ص: 207

8 - منصور النمري :

اشارة

قال يرثي الحسين علیه السلام :

شاءُ من الناس راتع هاملْ *** يُعللون النفوس بالباطل

تُقتلُ ذريّة النبي وير *** جون جنانَ الخلود للقاتل

ويلك يا قاتل الحسين لقد *** بؤت بحمل ينوء بالحامل

أيّ حباء حبوتَ أحمد في *** حفرته من حرارة الثاكل

بأيّ وجه تلقى النبي وقد *** دخلت في قتله مع الداخل

هلّم فاطلب غدا شفاعته *** أو لا فرد حوضه مع الناهل

ما الشك عندي في كفر قاتله *** لكنني قد أشك في الخاذل

نفسي فداءُ الحسين حين غدا *** الى المنايا غدّو لا قافل

ذلك يومُ أنحى بشفرته *** على سنام الإسلام والكأهل

حتى متى أنتِ تعجلين ألا *** تنزل بالقوم نقمة العاجل

لا يعجلُ اللّه ان عجلت وما *** ربك عما ترين بالغافل

أعاذلي إنني أحبُّ بني *** أحمد فالترب في فم العاذل

قد دنت ما دينكم عليه فما *** رجعت من دينكم إلى طائل

جفوتم عترة النبي وما الجافي *** لآل النبي كألواصل

مظلومة والنبي والدها *** تدير أرجاء مقلة حافل

ألا مصاليتَ يغضبون لها *** بسلةِ البيض والقنا الذابل (1)

ص: 208


1- رواها ابو الفرج في الاغاني وفي مقاتل الطالبيين وتاريخ بغداد.

وقال أيضاً :

متى يشفيك دمعك من همولِ *** ويبرد ما بقلبك من غليلِ

ألا ياربَّ ذي حزن تعايا *** بصبرِ فاستراح الى العويل

قتيل ما قتيل بني زياد *** ألا بأبي وامي من قتيل

رويد ابن الدعى ومآ أدعاه *** سيلقي ما تسلف عن قليل

غدت بيض الصفائح والعوالي *** بأيدي كل مؤتشبِ (1) دخيل

معاشر أو دعت أيام بدر *** صدورهم وديعات العليل

فلما أمكن الاسلام شدّوا *** عليه شدة الحنقِ الصؤول

فوافوا كربلاء مع المنايا *** بمرداةِ مسومة الخيول

وأبناء السعادة قد تواصوا *** على الحدثان بالصبر الجميل

ص: 209


1- المؤتشب : الاخلاط والاوباش.

فما بخلت أكفهم بضرب *** كأمثال المصاعبة النزول

ولا وجدت على الأصلاب منهم *** ولا الاكتاف آثار النصول

ولكن الوجوه بها كلوم *** وفوق نحورهم مجرى السيول

أيخلو قلب ذي ورع ودين *** من الأحزان والهم الطويل

وقد شرقت رماح بني زياد *** بريّ من دمآء بني الرسول

ألم يحزنك سرب من نساء *** لآل محمد خمش الذيول

يشققن الجيوب على حسين *** أيامى قد خلون من البعول

فقدن محمداً فلقين ضيماً *** وكن به مصونات الحجول

ألم يبلغك والأنبياء تنمى *** مصال الدهر في ولد البتول

بتربة كربلاء لهم ديار *** نيام الأهل دارسة الطلول

تحيات ومغفرة وروح *** على تلك المحلة والحلول

ولا زالت معأدن كل غيث *** من الوسمي مرتجس هطول

ص: 210

برئنا يا رسول اللّه ممن *** أصابك بلأذاة وبالذحول

ألا يا ليتني وصلت يميني *** هناك بقائم السيف الصقيل

فجدت على السيوف بحرّ وجهي *** ولم أخذل بنيك مع الخذول

وقال أيضاً كما روى ابن قتيبة في الشعر والشعراء عن طبقات ابن معتز.

آلُ النبي ومن يُّحبهمُ *** يتطامنون مخافةَ القتل

أمنوا النصارى واليهودَ وهم *** من امة التوحيد في ازل (1)

قال : وانشد الرشيد هذا بعد موته فقال : لقد هممت أن أنبشه ثم أحرقه.

ص: 211


1- الازل : الضيق.
الشاعر :

هو منصور بن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم الكبش الرخم ابن مالك النمري (1) من النمر بن قاسط من نزار ، وفاته سنة 190 هجري كما ذكر الزركلي في الاعلام ، وذكر غيره سنة 193 هجري.

كنيته أبو الفضل الشاعر الجزري البغدادي كان من خاصة هرون الرشيد وهو في الباطن من محبي اهل البيت علیهم السلام ، ولما سمع الرشيد قصيدته اللامية غضبت غضباً شديداً وأمر أبا عصمة - احد قواده - أن يذهب من فوره الى الرقة ويأخذ منصور النمري ويقطع لسانه ويقتله ويبعث اليه برأسه ، فلما وصل ابو عصمة الى باب الرقة رأى جنازة النمري خارجة منه فعاد الى الرشيد وأخبره بوفاة النمري فقال الرشيد فألا إذ صادفته ميتاً أحرقته بالنار كذا قال ابن المتعز في ( الطبقات ). ونجّى اللّه النمري من عذاب الرشيد.

وروى ابن شهر آشوب : أنهم نبشوا قبره. وروى السيد المرتضى في أماليه المعروف بالغرر والدرر بسنده عن الحافظ أنه قال : كان منصور النمري يأتي باسم هرون الرشيد في شعره ومراده به صاحب منزلة هارون علیه السلام - يعني امير المؤمنين (عليه السلام) .

وقال السيد حسن الصدر في ( تأسيس الشيعة ) ذكره ضياء الدين في نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر وحكى عن جماعة من علماء الزيدية أنه كان من الشيعة ، وكان يورى في مدح هرون الرشيد العباسي بعلي (عليه السلام) تلميحاً منه الى الحديث المشهور : أنت مني بمنزلة هارون من موسى كقوله :

ص: 212


1- النمري بفتح النون والميم.

آل الرسول خيار الناس كلهم *** وخير آل رسول اللّه هارون

وحكي في الأغاني عنه حكايات موضوعة وضعها اعداؤه كمروان بن أبي حفصة وامثاله ، وان صحّت فهي من باب التقية ، ضرورة ان الامامة بالنص لا بالإرث باجماع الشيعة.

ص: 213

9 - الامام الشافعي :

اشارة

تأوَّه قلبي والفؤادُ كئيبُ *** وأرّق نومي فالسهادُ عجيبُ

فمن مبلغ ، عني الحسينَ رسالةً *** وإن كرهتها أنفسُ وقلوبُ

ذبيحُ ، بلا جرم كأنّ قميصه *** صبيغ بماء الارجوان خضيب

فللسيف إعوال وللرمح رّنة *** وللخيل من بعد الصهيل نحيب

تزلزلت الدنيا لآل محمد *** وكادت لهم صمّ الجبال تذوب

وغارت نجوم واقشعرّت كواكب *** وهتكّ أستار وشقّ جيوب

يُصلّى على المبعوث من آل هاشم *** ويغزى بنوه إنَّ ذا لعجيب

لئن كأن ذنبي حبّ آلِ محمد *** فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي *** إذا ما بدت للناظرين خطوب (1)

ص: 214


1- كذا في المناقب وفي ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي القندوزي قال : وقال الحافظ جمال الدين المدني في كتابه ( معراج الوصول ) ان الامام الشافعي انشد : ومما نفى نومي وشيب لمتى *** تصاريف أيام لهن خطوب الابيات...
الشاعر :

هو محمد بن ادريس الشافعي المولود سنة 150 والمتوفي سنة 240 بمصر يوم الجمعة سلخ رجب.

نسبه : محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف فالشافعي قرشي النسب.

نشأ يتيما في حجر امه وتولت تربيته عندما خشيت عليه الضيعة فأرسلته الى مكة المكرمة وهو ابن عشر سنين ، اما ولادته فكانت بغزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن في السنة التي توفي فيها أبو حنيفة سنة 150 ولقد زاد بعضهم فقال انه ولد في الليلة التي توفي فيها ابو حنيفة وجعلوا ذلك من البشائر فيه والاشارة لعظمته.

قدم الشافعي مكة المكرمة وهو يومئذ ابن عشر سنين فحفظ القرآن الكريم وتعلَّم الكتابة وكان حريصاً على استماع الحديث ، وكان يكتب على الخزف مرة وعلى الجلود اخرى ، واتجه لطلب الفقه وحضر على بعض علماء مكة ، ثم توجه الى المدينة وحضر على مالك بن انس واتصل به ، ثم بعد ذلك قدم بغداد ثلاث مرات ، وقدم الشافعي الى مصر سنة 198 ونزل بالفسطاط ضيفاً كريماً على محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم فأكرم مثواه ووازره ، وكانت لمحمد بن عبد اللّه مكانة في مصر ورياسة علمية ، وكان أهل مصر لا يعدلون به احداً ، وتأكدت بينه وبين الشافعي مودة وإخاء وقام في معونة الشافعي ومؤازرته ونشر علمه وللشافعي شعر كثير في الحكم والنصائح.

ص: 215

قال ابن خلكان : ومن الشعر المنسوب الى الشافعي :

كلما أدبنى الدهر *** أراني نقص عقلي

واذا ما ازددت علماً *** زادني علماً بجهلي

وقال الشافعي : تزوجت امرأة من قريش بمكة ، وكنت امازحها فأقول :

ومن البليّة أن تحبّ *** فلا يحبّك من تحبه

فتقول هي :

وتصدُّ عنك بوجهه *** وتلحّ أنتَ فلا تغبّه

وقال ابن خلكان : ومن شعره ما نقلته من خط الحافظ ابي طاهر السلفي :

إن الذي رزق اليسار ولم يُصب *** حمداً ولا أجراً لغير موفّق

الجدّ يُدني كل أمر شاسع *** والجد يفتح كل باب مغلق

واذا سمعت بأن مجدوداً حوى *** عودا فاثمر في يديه فصدّق

وإذا سمعتَ بأن محروماً أتى *** ماءً ليشربه فغاض فحقق

لو كان بالحيل الغنى لو جدتني *** بنجوم أقطار السما تعلّقي

لكن من رزق الحجا حُرمَ الغنى *** ضدّ ان مفترقان أي تفرق

ومن الدليل على القضاء وكونه *** بؤس اللبيب وطيب عيش الاحمق

ومن قوله :

امطرى لؤلؤاً جبال سرنديب *** وفيضي آبار تكريت تبرا

همتي همة الملوك ونفسي *** نفس حرّ ترى المذلة كفرا

ص: 216

أنا إن عشت لست اعدم قوتاً *** وإذا مت لست أعدم قبراً

وهو القائل :

ولو الشعر بالعلماء يزري *** لكنتُ اليومَ أشعرَ من لبيد

كان الامام الشافعي يتظاهر بمدح أهل البيت صلوات اللّه عليهم ويميل اليهم فيقول:

آل النبي ذريعتي *** وهموا اليه وسيلتي

ارجو بأن اعطى غداً *** بيدي اليمين صحيفتي

واشتهر عند قوله :

يا آل بيت رسول اللّه حبكموا *** فرضُ من اللّه في القرآن انزله (1)

يكفيكم من عظيم الذكر انكموا *** من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له

ويوضح في الابيات الآتية عن سبب اتهامه بالرفض أو التشيع :

قالوا ترفضتَ قلت كلا *** ما الرفض ديني واعتقادي

لكن توليتُ دون شك *** خير إمام وخير هادي

إن كان حبُّ الوصي رفضاً *** فأنني أرفض العباد

وروى شيخ الاسلام الحموي في فوائده في الباب الثاني والعشرين من طريق ابي الحسن الواحدي باسناده عن الربيع بن سلمان ، قال : قال النبهاني في الشرف المؤبد لآل محمد ص 99 روى السبكي في

ص: 217


1- 1 - اشارة الى الآية الشريفة : « قل لا أسئلكم عليه أجراً الا المودة في القربى »

طبقاته بسنده المتصل الى الربيع بن سليمان المرادي - صاحب الامام الشافعي - قال خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى ، فلم ينزل وادياً ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول :

يا راكباً قف بالمحّصب من منى *** واهتف بساكن خيفها والناهضِ

سحراً اذا فاض الحجيج الى منى *** فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبُّ آل محمد *** فليشهد الثقلان اني رافضي

ورواها الفخر الرازي في مناقب الشافعي ص 15.

وسئل الشافعي يوماً عن علي علیه السلام فقال : ما اقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفا ، وأخفت اعداؤه فضائله حسداً وقد شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين. وأخذ هذا المعنى السيد تاج الدين فقال :

لقد كتمت آثار آل محمد *** محبوهم خوفا وأعداؤهم بغضا

فشاع لهم بين الفريقين نبذةُ *** بها ملأ اللّه السماوات والارضا

وقال محمد بن ادريس الشافعي ايضا :

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم *** مذاهبهم في أبحر الغيَّ والجهل

ركبتُ على اسم اللّه في سفن النجا *** وهم آل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكت حبل اللّه وهو ولاؤهم *** كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل

اذا افترقت في الدين سبعون فرقةً *** ونيفاً كما قد صحَّ في محكم النقل

ص: 218

ولم يك ناجِ منهم غير فرقةِ *** فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

أفي فرق الهلاك آل محمد *** أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي

فإن قلتَ في الناجين فالقول واحد *** وإن قلت في الهّلاك حفت عن العدل

اذا كان مولى القوم منهم فانني *** رضيت بهم ما زال في طلهم طلي

فخلَّ عليا لي إمامآ ونسله *** وانت من الباقين في سائر الحل

اقول : وتعجبني كلمة للدكتور يعقوب صروف صاحب مجلة ( المقتطف ) - وهو من اكبر الشخصيات العلمية - قال : وليس ما يفتخر به محصوراً في الفوز السياسي وفتح البلدان ، بل ان للاخلاق والفضائل مقاماً أرفع في حياة الامم ، وكل ما قرأناه في الكتب العريبة والافرنجية التي تذكر تاريخ الممالك الاسلامية رأيناه ينوّه بفضائل اهل البيت ولو خفف من شأنهم في السياسة.

قيل للشافعي ان قوماً لا يصبرون على سماع فضيلة لاهل البيت فاذا اراد احد يذكرها يقولون هذا رافضي قال فأنشأ الشافعي يقول :

اذا في مجلس ذكروا علياً *** وسبطيه وفاطمة الزكيه

فاجرى بعضهم ذكرى سواهم *** فأيقن انه لسلقلقيه

اذا ذكروا عليا أو بنيه *** تشاغل بالروايات الدنيه

وقال تجاوزوا ياقوم عنه *** فهذا من حديث الرافضيه

برأت الى المهمين من اناسِ *** يرون الرفض حبَّ الفاطميه

على آل الرسول صلاة ربي *** ولعنته لتلك الجاهليه

وقال - كما روى الفخر الرازي في المناقب ص 51 - ونحن اخذناه عن كتاب ( الامام الصادق والمذاهب الاربعة ) ج 3 ص 321

ص: 219

أنا الشيعي في ديني ، واصلي *** بمكة ثم دارى عسقليه

باطيب مولد وأعزّ فخراً *** وأحسن مذهبِ سموا البّرية

روى الشيخ القمي في الكنى والالقاب عن فهرست ابن النديم قال : كان الشافعي شديداً في التشيع ، وذكر له رجل يوماً مسألة فأجاب فيها ، فقال له : خالفتَ على بن أبي طالب ، فقال له : ثبت لي هذا عن علي بن أبي طالب حتى أضع خدي على التراب ، واقول : قد اخطأت وأرجع عن قولي الى قوله. وحضر ذات يوما مجلساً فيه بعض الطالبيين ، فقال : لا أتكلم في مجلس يحضره احدهم هو أحق بالكلام ولهم الرياسة والفضل انتهى.

ومن روائع اقواله :

واذا عجزت عن العدو فداره *** وامزح له إن المزاح وفاق

فالماء بالنار التي هي ضده *** يعطي النضاج وطبعها الاحراق

وله كما في خريدة القصر :

وما خرَّ نصل السيف إغلاقُ غمده *** إذا كان عضباً حيث انفذته برى

وله :

يقولون اسباب الفراغ ثلاثة *** واربعة خلوّه وهو خيارها

وقد ذكروا مالا وأمناً وصحة *** ولم يعلموا ان الشباب مدار

وذكر ابن خلكان في ترجمة ابي عمرو أشهب بن عبد العزيز الفقيه المالكي المصري المتوفي سنة 204 قال ابن عبد الحكم سمعت اشهب يدعو على الشافعي بالموت ، فذكرت ذلك للشافعي فقال متمثلاً

تمنى رجال أن اموت فان أمت *** فتلك سبيل لست فيها بأوحد

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى *** تزوّد لأخرى غيرها فكأن قد

ص: 220

قال فمات الشافعي فأشترى أشهب من تركته عبداً ، ثم مات اشهب فاشتريت انا ذلك العبد من تركته. قال المسعودي حدثني فقير ابن مسكين عن المزني - وكان سماعنا من فقير بمدينة اسوان بصعيد مصر - قال : قال المزني دخلت على الشافعي غداة وفاته فقلت له : كيف اصبحت يا ابا عبداللّه ، قال : اصبحت من الدنيا راحلا ، ولاخواني مفارقاً وبكأس المنية شارباً ولا ادري إلى الجنه تصير روحي فاهنيها أم الى النار فأعزّيها ، وانشأ يقول :

ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجا مني لعفوك سلمّا

تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما

وللشافعي في مدح السفر :

ما في المقام لذي عقل وذي أدب *** من راحة فدع الأوطان وأغترب

سافر تجد عوضاً عمن تفارقه *** وانصب فان لذيذ العيش في النصب

اني رأيت وقوف الماء يفسده *** إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب

الأسد لولا فراق الغاب ما افترست *** والسهم لولا فراق القوس لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة *** لملها الناس من عجم ومن عرب

والتبر كالترب ملقى في أمآكنه *** والعود في أرضه نوعُ من الحطب

فان تغرّب هذا عزّ مطلبه *** وإن تغرب ذاك عزّ كألذّهب

وله في المؤاخاة :

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً *** فدعه ولا تكثر عليه التأسفا

ففي الناس أبدال وفي الترك راحة *** وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا

فما كل من تهواه يهواك قلبه *** ولا خير في ود يجيء تكلفا

اذا لم يكن صفو الوداد طبيعة *** ولا كل من صافيته لك قد صفا

ولا خير في خل يخون خليله *** ويلقاه من بصر المودة بالجفا

ص: 221

وينكر عيشاً قد تقادم عهده *** ويظهر سراً كأن بالأمس في خفا

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديق صدوق يصدق الوعد منصفا

وله في عز النفس :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما ان عين السخط تُبدي المساويا

ولست بهيابِ لمن لا يهابني *** ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا

فان تدن مني تدن منك مودتي *** وإن تنا عني تلقني عنك نائيا

كلانا غني عن أخيه حياته *** ونحن إذا متنا أشد تغانيا

ص: 222

10 - الفضل بن الحسن بن عبيداللّه بن العباس بن علي بن ابي طالب :

اشارة

قال يؤبّن جده أبا الفضل العباس شهيد الطف سلام اللّه عليه (1) :

احقّ الناس أن يُبكي عليه *** فتى أبكى الحسين بكربلاء

اخوه وابن والده علي *** ابو الفضل المضرج بالدماء

ومن واساه لا يُثنيه شيء *** فجادله على عطشٍ بماء

ص: 223


1- 1 - رواها الشيخ الأميني عن ( روض الجنان في نل مشتهى الجنان ) للمؤرخ الهندي اشرف علي
لمحة عن حياة العباس علیه السلام :

العباس بن علي بن أبي طالب هو حامل راية الحسين يوم كربلاء وعنوان عسكره ، جاء في الزيارة عن الامام علیه السلام : اشهد أنك نعم الاخ المواسي لأخيه ، أعطاك اللّه من جنانه افسحها منزلا وافضلها غرفا ً ورفع ذكرك في عليين وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً.وهو من فقهاء اهل البيت وكفاه شهادة ابيه له بقوله : ان ولدي العباس زُقّ العلم زقا.

ويقول الامام الصادق علیه السلام : كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان له منزلة عند اللّه يغبطه (1) بها جميع الشهداء وحتى قال الشيخ محمد طه نجف في رجاله عند ذكر العباس بن امير المؤمنين : أنا أجلّ من ان يذكرفي عداد سائر الرجال بل المناسب ان يذكر عند ذكر اهل البيت المعصومين.

أقول : وما كان جهاد العباس عن حميّة وعصبية أو مدفوعا ً بدافع الاخوة بل دفاعه عن الحق ولان الحسين كان مثال الايمان ورمز الحق ، علّمنا العباس ذلك في رجزه يوم عاشورا مذ قال :

ص: 224


1- يغبطه اي يتمنى ان يكون مثله بلا نقصان من حظه والغبطة خصلة غير مذمومة وهي تمني مثل ما للغير ، كما ان المنافسة هي : تمني مثل ما للغير مع السعي في التحصيل ، وهي سبب قوي للنشاط التقدم قال اللّه تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. انما المذموم الحسد ، وهو كراهة نعمة الغير وحب زوالها ، اما اذا تمنى مثل حاله دون ان يريد زوال نعمته فتلك الغبطة وفي الحديث : المؤمن يغبط والمنافق يحسد. واصل الحسد هو نظر الحاسد الى المحسود بعين الاكبار والاعظام ، فيرى نفسه حقيرا في جنب ما اوتي ذلك المحسود. ومن اجمل ما قيل : ان يحسدوك على علاك فانما *** متسافل الدرجات يحسد من علا

واللّه ان قطعتم يميني *** اني احامي ابداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين *** نجل النبيَّ الطاهر الامين

وتتبع ذلك مزاياه التي عددها الإمام الصادق في الزيارة التي زاره بها ومنها :

اشهد لك بالصدق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب والدليل العالم والوصي المبلغ. ومن القاب العباس : العابد والعبد الصالح كما في الزيارة : السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولامير المؤمنين.

أما ولادة العباس فقد كانت سنة ست وعشرين من الهجرة ، وعاش مع أبيه أمير ألمؤمنين اربع عشرة سنة.

ويلقب بقمر بني هاشم لجماله ووسامته ويكنى بابي الفضل.وعاش مع اخيه الحسن أربعاً وعشرين سنة ، ومع اخيه الحسين اربعاً وثلاثين سنة وذلك مدة عمره.وكان أيّداً (1) شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً يركب الفرس المطهم (2) ورجلاه تخطان في الأرض كما انه يلقب بالسقا وبأبي قربة لأنه ملك المشرعة يوم عاشورا وسقى صبية الحسين وقد ابت نفسه ان يشرب الماء واخوه الحسين ظمآن فاغترف بيده غرفة من الماء ثم تذكر عطش الحسين فرمى بها وقال :

يانفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت ان تكوني

هذا حسين وارد المنون *** وتشربين بارد المعين

ثم عاد وقد أخد اعداؤه عليه طريقه فجعل يضربهم بسيفه وهو يقول :

ص: 225


1- الايد كسيد : القوي ، والوسيم من الوسامة ، الجمال.
2- المطهم كمحمد السمين الفاحش السمن العالي وهذه كناية عن طوله وجسامته.

لا أرهب الموت إذا الموت زقا (1) *** حتى اوارى في المصاليت لقى

إني أنا العباس أغدو بالسقا *** ولا أهاب الموت يوم الملتقى

اولاد سيدنا العباس واحفاده :

اولاد سيدنا العباس واحفاده كانوا جميعاً علماء فضلاء ، أبرار أتقياء وكانوا كلهم ذوي شأن عظيم ومقام كريم من الجلالة والعظمة والعلم والحلم والزهد والعبادة والسخاء والخطابة يستفيد الناس من علومهم وكمالاتهم.

كان لسيدنا ابي الفضل العباس بن علي علیه السلام ولدان عبيد اللّه والفضل ، وأمهما لبابة بنت عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب هي زوجة سيدنا العباس. اما عبيد اللّه بن العباس بن امير المؤمنين فقد كان عالماً كبيرا ومنه العقب فإن الفضل اخاه لا عقب له ، وكان عبيد اللّه بن العباس - كما قال النسابة العمري في ( المجدي ) - من كبار العلماء موصوفاً بالجمال والكمال والمرؤة ؛ مات سنة 155 ه- ، تزوج من ثلاث عقائل كريمات الحسب : 1 - رقيه بنت الحسن بن علي 2 - وبنت معبد بن عبد اللّه بن عبد المطلب 3 - وبنت المسور ابن مخرمة الزبيري - كذا ذكر السيد البحاثة المقرم في كتابه ( قمر بني هاشم ) ثم قال : ولعبيد اللّه منزلة كبيرة عند السجاد كرامة لموقف ابيه ابي الفضل العباس علیه السلام ، وكان اذا رأى عبيد اللّه بن العباس رقّ واستعبر باكياً ، فاذا سئل عنه قال : اني اذكر موقف ابيه يوم الطف فما املك نفسي ،

ص: 226


1- زقا اي صاح ومن قول العرب : زقت هامته.

ولعبيد اللّه بن العباس ولدان : عبد اللّه والحسن ، وانحصر العقب في الحسن فان عبد اللّه أخاه لاعقب له ، وذرية الحسن بن عبيد اللّه ابن العباس لهم فضل وعلم وأدب وهم خمسة كلهم أجلّاء فضلاء ادباء وهم :

الفضل ، الحمزة ، ابراهيم ، العباس ، عبيد اللّه

قال الداودي في عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب : كان اكبرهم العباس وكان سيداً جليلاً ، قال النجاري : ما رؤي هاشمي أعضب لساناً منه. وفي البحار عن تاريخ بغداد : انه جاء إلى بغداد ايام هارون الرشيد فاكرمه واعظمه واحترمه وبعده في ايام المأمون زاد المأمون في اكرامه حيث كان فاضلاً شاعراً فصيحا ، ويظنه الناس انه اشعر اولاد ابي طالب. ومن شعره قوله مفتخراً :

وقالت قريش لنا مفخُر *** رفيعُ على الناس لاينكرُ

فقد صدقوا لهمُ فضلهم *** وبينهم رتبُ تقصر

وأدناهم رحمآ بالنبي *** اذا فخروا فيه المفخر

بنا الفخر منكم على غيركم *** فأمّا علينا فلا تفخروا

ففضل النبي عليكم لنا *** أقرّوا به بعد ما انكروا

فان طرتم بسوى مجدنا *** فان جناحكم الاقصر (1)

وقال الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ) ج 12 ص 136 : العباس بن الحسن بن عبيد اللّه كان عالما شاعراً فصيحا من افصح رجال بني هاشم لسانا وبيانا وشعرا ، ويزعم اكثر العلوية انه اشعر ولد أبي طالب (2)

ص: 227


1- 1 - عن الفصول المختارة للسيد المرتضى علم الهدى
2- قال السيد المقرم في كتابه ( قمر بني هاشم ) : اولد العباس عشرة ذكور وذكر بعضهم.

ومن شعره يذكره إخاه ابي طالب عم النبي صلی اللّه علیه و آله - لعبد اللّه - والد رسول اللّه لأبيه وامه - من بين اخوته :

إنا وان رسول اللّه يجمعنا *** ابُ وامُّ وجد غير موصوم

جاءت بنا ربّة من بين اسرته *** غرّاء من نسل عمران بن مخزوم

حزنا بها دون من يسعى ليدركها *** قرابة من حواها غير مسهوم

رزقا من اللّه اعطانا فضيلته *** والناس من بين مرزوق ومحروم

قال الداودي ( في عمدة الطالب ) : واما الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس فقد كان لسناً فصيحاً ، شديد الدين عظيم الشجاعة محتشماً عند الخلفاء ويقال له : ابن الهاشمية ، وهو الذي يؤبن جده ابا الفضل شهيد الطف بقوله :

أحقّ الناس ان يبكي عليه *** فتى أبكى الحسين بكربلاء

الابيات المتقدمة.

اقول : واعقب الفضل من ثلاثة : جعفر والعباس ومحمد (1)

واما الحمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس فقد كان يشبّه بجده امير المؤمنين علیه السلام . خرج توقيع المأمون بخطه وفيه : يٌعطى الحمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس بن امير المؤمنين ألف درهم لشبهه بجده امير المؤمنين. تزوج زينب بنت الحسين بن علي ابن عبد اللّه بن جعفر الطيار المعروف بالزينبي ، نسبة الى امه زينب بنت امير المؤمنين ، وكان حفيده محمد بن علي بن حمزة موجهاً شاعراً نزل البصرة وروى الحديث عن الرضا وغيره ، مات سنة 286 ه- كذا جاء في عمدة الطالب ، وترجمة الخطيب في تاريخ بغداد ج 2 ص 63 وقال : كان رواية للاخبار وهو صدوق وله

ص: 228


1- 1 - ستاتي تراجمهم ان شاء اللّه في الجزء الثاني من هذه الموسوعة

الرواية عن جماعة كثيرة. وفي تهذيب التهذيب ج 9 ص 352 وصفه بالعلوي البغدادي ونقل عن ابن ابي حاتم انه صدوق ثقة.

واما ابراهيم ويعرف بجردقة كان من الفقهاء والادباء والزهاد ، وابنه علي احد الاجواد له جاه وشرف مات سنة 264 وأولد تسعة عشر ولداً ، ومن احفاده ابو الحسن علي بن ابراهيم جردقة كان خليفة ابي عبد اللّه بن الداعي على النقابة ببغداد كذا جاء في ( العمدة ) وعبد اللّه بن علي بن ابراهيم جردقة جاء الى بغداد ثم سكن مصر وكان يمتنع من التحدث بها ثم حدث وعنده كتب تسمى الجعفرية فيها فقه على مذهب الشيعة ، توفي في مصرفي رجب سنة ثلثمائة واثني عشر كما جاء في تاريخ بغداد ج 10 ص 346 وكان زاهد عصره قد طاف اكثر الاقطار يكتب عن اهل البيت.

واما عبيد اللّه بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس بن امير المؤمنين ففيه يقول محمد بن يوسف الجعفري : ما رايت احداً أهيب ولا أهيا ولاامرأ من عبيد اللّه بن الحسن تولى إمارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما ايام المامون سنة 204 كما ذكر ذلك البغدادي في تاريخ بغداد ج 10 ص 313. وفي سنة 204 وسنة 206 ولاه إمارة الحاج كما ذكر الطبري في ج 10 ص 355. مات ببغداد في زمن المامون وكانت امه وام اخيه العباس ام ولد.

ص: 229

11 - النجاشي :

قال مصعب (1) بن عبد اللّه بن المصعب الزبيري في كتابه : نسب قريش ص 41 :

وقال النجاشي يرثي الحسين بن علي :

يا جعد بكِّيه ولا تسأمي *** بكاءَ حقٍّ ليس بالباطل

على ابن بنت الطاهر المصطفى *** وابن ابن عم المصطفى الفاضل

لن تُغلقي باباً على مثله *** في الناس من حافٍ ولا ناعلِ

ص: 230


1- ولادته سنة 156 ه- ، ووفاته 236.

12 - عبداللّه بن غالب :

روى ابن قولويه في ( كامل الزيارات ) ص 105 قال : حدثني محمد ابن جعفر عن محمد بن الحسين عن ابن ابي عمير عن عبداللّه بن حسان عن ابن ابي شعبة عن عبداللّه بن غالب ، قال دخلت على ابي عبداللّه علیه السلام فانشدته مرثية في الحسين فلما انتهيت الى هذا الموضع :

فيا لبليّة تكسو حسينا *** بمسقاه الثرى عفر الترابِ

صاحت باكية من وراء الستر : وآ أبتاه.

ص: 231

قال الشيخ المامقاني : عبد اللّه بن غالب الاسدي عدّه الشيخ رحمه اللّه في رجاله تارة من اصحاب الباقر علیه السلام . قائلاً : عبد اللّه بن غالب الاسدي الشاعر الذي قال له ابو عبد اللّه علیه السلام : ان ملكاً يلقنك الشعر وإني لأعرف ذلك الملك. واخرى من اصحاب الصادق.

وقال النجاشي : عبد اللّه بن غالب الاسدي الشاعر الفقيه ابو علي روى عن ابي جعفروابي عبداللّه وابي الحسن علیهم السلام ثقة ثقة واخوه اسحاق بن غالب له كتاب تكثر الرواة عنه منهم الحسن ابن محبوب. وكذا جاء في الخلاصة.

وقال الكشي : قال نصر بن الصباح البلخي : عبد اللّه بن غالب الشاعر الذي قال له ابو عبد اللّه ان ملكَاً يلقي عليه الشعر إني لآعرف ذلك الملك.

ص: 232

13 - ابو هارون المكفوف :

اشارة

روى ابن قولويه في ( كامل الزيارت ) ص 105 قال : حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن محمد ابن اسماعيل عن صالح بن عقبة عن ابي هارون المكفوف ، قال: دخلت على ابي عبداللّه علیه السلام فقال لي انشدني فانشدته:

أمرر على جدث الحسين *** وقل لأعظمه الزكية (1)

قال : فلما بكى أمسكت انا ، فقال مر ، فمررت ، قال زدني زدني قال فانشدته :

يا مريم قومي واندبي مولاكِ *** وعلى الحسين فاسعدي ببكاكِ

قال : فبكى وتهايج النساء ، قال فلما أن سكتن قال لي : يا ابا هارون مَن أنشد في الحسين علیه السلام فابكى عشرة فله الجنة ، ثم جعل ينقصّ واحداً واحداً حتى بلغ الواحد ، فقال من انشد في الحسين فابكى واحداً فله الجنة ، ثم قال : مَن ذكره فبكى فله الجنة.

وروى ابن قولويه في الكامل ايضاً قال حدثنا ابو العباس القرشي عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن محمد بن اسماعيل عن صالح ابن عقبة عن ابي هارون المكفوف قال : قال ابو عبد اللّه علیه السلام :

ص: 233


1- هذا البيت من ابيات للسيد الحميري ، وانما انشده انشاداً ولم ينشأه.

يا ابا هارون انشدني في الحسين علیه السلام ، قال فانشدته فبكى. فقال : أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقة - قال فانشدته :

امرر على جدث الحسين *** فقل لاعظمه الزكّية

قال فبكى ثم قال زدني ، قال فأنشدته القصيدة الاخرى ، قال فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر ، قال فلما فرغتُ قال لي : يا ابا هارون من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت له الجنة ، ومَن انشد في الحسين شعراً فبكى وابكى واحدا كتبت لهما الجنة ، ومَن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه ولم يرضى له بدون الجنة.

قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ج 3.

ابو هارون المكفوف عدّه الشيخ رحمه اللّه في اصحاب الباقر علیه السلام ، وله كتاب رواه عنه عبيس بن هشام. اقول وروى الشيخ المامقاني رواية تشير بالطعن على الرجل ، ثم قال : ولكن في الكافي رواية كاشفة عن كونه محل عناية الصادق وهي ما رواه عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابي اسحاق الخفاف عن محمد بن ابي زيد عن ابي هارون قال قال لي ابو عبد اللّه علیه السلام : أيسرك أن يكون لك قائد يا ابا هارون ، قلت نعم جعلت فداك ، فاعطاني ثلاثين ديناراً فقال : اشتر خادماً كوفياً فاشتريته ، فلما أن حج دخلت عليه فقال : كيف رايت قائدك يا ابا هارون ، فقلت خيراً ، فاعطاني خمسة وعشرين ديناراً فقال : اشتر به جارية شبانية (1) فان اولادهن فره ، فاشتريتها وزوجتها منه فولدت ثلاث بنات فاهديت واحدة منهن الى بعض ولد ابي عبد اللّه علیه السلام وارجو أن يجعل اللّه ثوابي منها الجنة ، وبقيت ثنتان ما يسرني بهما ألوف.

ص: 234


1- الشباني : الاحمرالوجه.

قال الشيخ المامقاني : وظني ان اسم الرجل : موسى بن عميرة مولى آل جعدة بن هبيرة ، وقال السيد الامين في الاعيان : ابو هارون المكفوف : اسمه موسى بن عمير أو ابن ابي عمير ، مولى آل جعدة. روى الكليني في الكافي عن محمد بن سنان عنه عن ابي عبد اللّه علیه السلام هذا ما ذكره في الجزء 7 في باب الكنى. ثم ذكره في الجزء 49 ص 85 تحت عنوان :

ابو المكفوف موسى بن عمير او ابن ابي عمير الكوفي مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومي وروى الرواية التي تدل على الطعن فيه وقال : كل ما تقدم يدّل على حسن حال ابي هارون وان مانسب اليه من الغلو باطل انتهى.

وقال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال ايضاً : موسى بن عمير ابو هارون المكفوف مولى آل جعدة بن هبيرة كوفي ، عده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق (عليه السلام) . وذكر رواية الكشي التي اشرنا اليها وان يكن لم يقطع بان المعنى هو لانه لم يصرح باسمه بل بالكنية فقط.

ص: 235

زينب الكبرى بنت علي (عليهما السلام)

زينب الكبرى بنت علي (عليهماالسلام) (1)

قالت الحوراء زينب الكبرى بنت امير المؤمنين علي علیه السلام في ابيات ترثي بها اخاها الحسين :

على الطف السلام وساكنيه *** وروح اللّه في تلك القباب

نفوس قدست في الارض قدساً *** وقد خُلقت من النطف العذاب

مضاجع فتية عبدوا فناموا *** هجوداً في الفدافد والروابي

علتهم في مضاجعهم كعاب *** باردان منعمة رطاب

وصيّرت القبور لهم قصوراً *** مناخاً ذات أفنيةٍ رحاب (2)

ص: 236


1- ملاحظة كان الواجب أن تكون في القرن الاول وانما اخرت سهواً.
2- عن كتاب ( بطل العلقمي ) ج 3 ص 335.
زينب الكبرى بنت امير المؤمنين علیه السلام :

تُلقّب بالعقيلة وعقيلة بني هاشم وعقيلة الطابيين. وتلقب بالموثقة والعارفة. والعالمة غير المعلمة. والفاضلة. والكاملة. وعابدة آل علي.

وهي اولى بنات امير المؤمنين (عليه السلام) ولدتها فاطمة الزهراء بعد الحسنين ، نشأت في حضن النبوة ودرجت في بيت الرسالة ورضعت لبان الوحي من ثدي العصمة فنشأت نشأةً قدسية روحانية فان الخمسة اصحاب العبا قد قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها وكفى بهم مؤدبين ومهذبين.

ذكر العلامة محمد علي احمد المصري في رسالته قال : ان السيدة زينب نشأت نشأة حسنة كاملة فاضلة عالمة من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وكانت على جانب عظيم من الحلم والعلم ومكارم الاخلاق ذات فصاحة وبلاغة ... الى أخر من قال. (1)

قال الكاتب فريد وجدي : السيدة زينب بنت علي رضي اللّه عنهما ، كانت من فضليات النساء وشريفات العقائل. ذات تقي وطهر وعبادة.

زينب الكبرى بنت امير المؤمنين علي من فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) ولدت سنة خمس من الهجرة في الخامس من جمادي

ص: 237


1- عن الكتاب ( عقيلة بني هاشم ) للخطيب علي بن الحسين الهاشمي.

الاول ، وكانت عند وفاة جدها رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) بنت خمس سنين ، وعند وفاة امها الزهراء ابنة ست إلا اشهراً.

وروت الحديث عن امها الزهراء وروت خطبتها الشهيرة عنها على طولها مع أنها لما سمعتها كانت صغيرة السن ، وكان يرويها عنها اهل البيت ، وروى علي بن الحسين عنها عن امها فاطمة ما يتعلق بولادة الحسين ، وحدّثت عن أبيها امير المؤمنين وأخويها الحسنين.

زوجها ابوها من ابن اخيه عبداللّه (1) بن جعفر فولدت له عوناً (2) وعباساً وام كلثوم.

ص: 238


1- عبداللّه بن جعفر الطيار يقال له قطب السخاء وفيه يقول عبداللّه بن قيس الرقيات : وما كنت الا كالأغر ابن جعفر *** رأى المال لا يبقى فابقى له ذكرا وكان من احسن الناس وجهاً وأفصحهم منطقا واسمحهم كقا ، كانت ولادته بارض الحبشة وامه اسماء بنت عميس وحضر مع امير المؤمنين حروبه الثلاث ثم لازم الحسن والحسين مات سنة اربعة أو خمسة وثمانين من الهجرة.
2- يتوهم البعض أن المرقد الواقع بالقرب من مدينة كربلاء المقدسة على سبعة أميال من شرقي المدينة انه عون بن عبداللّه بن جعفر الذي امه الحوراء زينب بنت علي (عليهماالسلام) انما عون المذكور مدفون في الحائر الحسيني مع الشهداء في حفرة واحدة عند رجلي الامام الحسين (عليه السلام) ، وانما المرقد المعروف بهذا الاسم هو : عون بن عبداللّه بن جعفر بن مرعي بن علي بن الحسن البنفسج بن ادريس بن داود ابن احمد المسود بن عبداللّه بن موسى الجون بن عبداللّه المحض بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن ابي طالب. وكان سيداً جليلاً قد سكن الحائر الحسيني المقدس ، وكانت له ضيعة على ثلاثة فراسخ عن كربلاء فخرج اليها وادركه الموت فدفن في ضيعته ، فكان له مزار مشهور وقبة عالية والناس يقصدون بالنذور وقضاء الحاجات. وقبته ماثلة للعيان.ذكره النسابة السيد جعفر بن السيد محمد الاعرجي الكاظمي المتوفي سنة 1333 في كتابه ( مناهل الضرب في انساب العرب ).

وللسيدة الحوراء زينب سلام اللّه عليها مواقف مليئة بالبطولة والشجاعة يوم وقعت الواقعة بين الحق والباطل في كربلاء ويوم استشهد جميع أنصار الحق لايريدون أن يذعنوا للباطل. زينب رمز المرأة المسلمة المؤمنة ، ومفخرة المرأة العربية المخلصة فقد شاطرت الحسين بهذه النهضة الجبارة ، قال العلامة المعاصر الشيخ عبد المهدي مطر في قصيدةعدد فيها مواقف السيدة زينب :

يا ريشة القلم استفزّي واكتبي *** هل كان هزّك مثل موقف زينب

وفاتها :

ذكر المؤرخون ان السيدة زينب ماتت في النصف من رجب سنة 65 ه.

وقال الاستاذ حسن قاسم في كتابه ، السيدة زينب :

السيدة الطاهرة الزكية بنت الامام علي بن ابي طالب ابن عم الرسول وشقيقة ريحانتيه. لها اشرف نسب واجل حسب واكمل وأطهر قلب. فكأنها صيغت في قالب ضمخ بعطر الفضائل. فالمستجلي آثارها يتمثل أمام عينيه رمز الحق ، رمز الفضيلة. رمز الشجاعة. رمز المرؤة فصاحة اللسان. قوة الجنان. مثال الزهد والورع مثال العفاف والشهامة. ان في ذلك لعبرة.

وقال العلامة محمد علي احمد المصري في رسالته : السيدة زينب :

ص: 239

هي بنت سيدي الامام علي كرم اللّه وجهه ، وبنت السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه وهي من أجل أهل البيت حسباً وأعلاهم نسباً. خيرة السيدات الطاهرات ومن فضليات النساء وجليلات العقائل التي قامت الفوارس في الشجاعة واتخذت طول حياتها تقوى اللّه بضاعة كريمة الدارين وشقيقة الحسنين.

وقال عمر ابو النصر في كتابه ، فاطمة بنت محمد : واما زينب بنت فاطمة فقد اظهرت انها من اكثر اهل البيت جرأة وبلاغة وفصاحة. وقد استطارت شهرتها بما أظهرت يوم كربلاء وبعده من حجة وقوة وجرأة وبلاغة حتى ضرب بها المثل وشهد لها المؤرخون والكتاب.

وقال ابن الاثير : إن زينب ولدت في حياة النبي وكانت عاقلة لبيبة جزلة ، وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها فاطمة مشهور ، يدلّ على عقل وقوّة جنان.

وقال العلامة البرغاني في ( مجالس المؤمنين ) : إنّ المقامات العرفانية الخاصة بزينب تقرب من مقامات الامامة ، وانها لما رأت حالة زين العابدين - حين رأى أجساد أبيه وإخوته وعشيرته وأهل بيته على الثرى صرعى مجزرين كالاضاحي وقد اضطرب قلبه واصفرّ لونه - أخذت في تسليته ، وحدثته بحديث أمّ أيمن (1) كما روى ابن قولويه في

ص: 240


1- هي مربية النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) ومولاته ، سوداء ورثها النبي عن امه ، وكان اسمها بركة ، فاعتقها وزوجها عبيد الخزرجي بمكة فولدت له أيمن ، فمات زوجها فزوجها النبي من زيد فولدت له اسامة أسود يشبهها ، فاسامة وأيمن اخوان. وام ايمن شهد النبي لها الجنة.

( كامل الزيارة ) ص 261 : ان علي بن الحسين لما نظر الى اهله مجزرين وبينهم مهجة الزهراء بحالةِ تذيب القلوب ، اشتد قلقه ، فلما تبيّنت ذلك منه زينب أخذت تصبره قائلة:

مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي ، فواللّه إن هذا لعهدُ من اللّه الى جدك وابيك ، ولقد أخذ اللّه ميثاق اناس لا تعرفهم فراعنة هذه الارض وهم معروفون في اهل السماوات ، إنهم يجمعون هذه الاعضاء المقطعة والجسوم المضرّجة فيوارونها ، وينصبون بهذا الطف عَلَماً لقبر أبيك سيد الشهداء لايدرس أثره ولا يمحي رسمه على كرور الليالي والايام ، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا عُلوّاً.

هذا هو الايمان الصادق ، وهذا هو السرّ الذي أخبرت به الحوراء عن عقيدة راسخة مستمد من ينبوع النبوة وفيض الامامة أتراها كيف تخبره متحققة ما تقول وتوكد قولها بالقسم إذ تقول : فواللّه إنّ هذا لعهد من اللّه. ثم افتكر في مدى علمها وقابليّتها لتقّبل هذه الاسرار التي لا تستودع إلا عند الاوصياء والأبدال ولا تكون إلا عند من امتحن اللّه قلبه للإيمان. وهكذا كانت ابنة علي كلما عضّها الدهر بويلاته ولجّ بها المصاب انفجرت كالبركان تخبر عن مكنونات النبوة واسرار الإمامة ، اقول ومن هذا الحديث ترويه أمّ أيمن وهو من أصح الاخبار سنداً ، كما ورد على لسان ميثم التمار في حديث جبلّة المكيّة : إعلمي يا جبلّة ان الحسين بن علي سيد الشهداء يوم القيامة ، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة وورد على لسان زين العابدين كما في - الكامل لإبن قولية ص 268 قال : تزهر أرض كربلاء يوم القيامة كالكوكب

ص: 241

الدري ، وتنادي انا ارض اللّه المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنتُ سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة.

وزينب هي عقيلة بني هاشم. ولّدها هاشم مرتين ، وما ولد هاشم مرتين من قبلها سوى امّ هاني - اخت امير المؤمنين ، وهي اول هاشمية من هاشميين. والعقيلة عند العرب وان كانت هي المخدرة الكريمة لكن تخدّر زينب لم يشابهه تخدر امرأة. قال ابو الفرج : العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك فقال : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي. وكانت ثانية امها الزهراء في العبادة ، وكانت تؤدي نوافل الليل كاملة في كل أوقاتها حتى ان الحسين علیه السلام عندما ودع عياله وداعه الاخير يوم عاشوراء قال لها : يا اختاه لا تنسيني في نافلة الليل كما ذكر ذلك البيرجندي وهو مدوّن في كتب السير.

وكانت كما قال لها الإمام السجاد : انتِ يا عمّة عالمة غير معلّمة ، وفهّمة غير مفهمة واما الصبر فقد بلغت فيه ابعد غاياته وانتهت فيه الى أعلا درجاته فانها لما سقط الحسين يوم عاشوراء خرجت من الفسطاط حتى انتهت اليه ، قال بعض أرباب المقاتل : انها لما وقفت على جسد الحسين قالت : اللّهم تقبّل منا هذا القربان. ونقل صاحب الخصائص الحسينية أنها كانت قد وطنت نفسها عند احراق الخيم ان تقّر في الخيمة مع النسوة ، إن كانت اللّه شاء إحراقهنَّ كما شاء قتل رجالهن ، ولذلك قالت لزين العابدين عند اضطرام النار : يا بن اخي ما نصنع ، مستفهمة منه مشيئة اللّه فيهنَّ ، وإلا فمن يرى النار يهرب منها بالطبع ولا يستشير فيما يصنع.

قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) : زينب في الصبر والتقوى

ص: 242

وقوة الايمان والثبات وحيدة ، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنها تفرغ عن امير المؤمنين كما لايخفى على من أنعم النظر في خطبتها ، ولو قلنا بعصمتها لم يكن لاحد إن ينكر أن كان عارفاً باحوالها في الطف وما بعده ، كيف ولولا ذلك لما حمّلها الحسين مقداراً من ثقل الإمامة أيام مرض السجاد ، وما أوصى اليها بجملة من وصاياه ، ولما أنابها السجاد علیه السلام نيابة خاصة في بيان الاحكام وجملة اخرى من آثار الولاية ... الى ان قال ... وعمرها حين توفيت دون الستين.

وقال الطبرسي : إنها روت اخباراً كثيرة عن امها الزهراء ، وروى أنها كانت شديدة المحبة بالنسبة الى الحسين من صغرها ، اقول كأن وحدة الهدف ونبل الغاية والمقصد وكبر النفس جعلت منهما أليفين عظيمين لذلك شاطرته النهضة وشاركته في ثورته المباركة ، وعندما دخلت الكوفة ورأت تلك الجماهير كالسيل يدفع بعضها البعض واذا بابنة علي بمجرد أن أومأت الى الناس أن اسكتوا ، ارتدّت الانفاس وسكنت الاجراس.

توافرت الروايات عن حذلم بن كثير ، قال : قدمت الكوفة في المحرم سنة احدى وستين عند منصرف علي بن الحسين والسبايا من كربلاء ومعهم الاجناد يحيطون بهم ، وقد خرج الناس للنظر اليهم فلما اقبل بهم على الجمال بغير وطاء خرجن النسوة اهل الكوفة يبكين وينشدن.

وذكر الجاحظ في ( البيان والتبيين ) عن خزيمة الاسدي قال : ورأيت نساء اهل الكوفة يومئذ قياماً يندبن مهنكات الجيوب. قال حذلم بن كثير : فسمعت علي بن الحسين يقول بصوت ضعيف - وقد انهكته العلة ، والجامعة في عنقه : إن هؤلاء النسوة يبكين إذن فمن قتلنا.

ص: 243

قال : ورأيت زينب بنت علي ولم أر خفرةً أنطق منها ، كأنها تفرغ عن لسان امير المؤمنين. قال : أومأت الى الناس أن اسكتوا. فارتدت الانفاس وسكنت الاصوات فقالت :

الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطيبين الاخيار ، اما بعد يا اهل الكوفة يا اهل الختر والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا ، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ، الا وهل فيكم الا الصلف والنطف (1) والكذب والشنف (2) وملق الاماء وغمز الاعداء أو كمرعى على دمنة (3) او كقصة (4) على ملحودة ، ألا ساء ما قدّمت لكم انفسكم سخط اللّه عليكم وفي العذاب انتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون اي واللّه فاكبوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها ابداً ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم. ومنار محجتكم. وقدرة سنتكم ، ألا ساء ما تزرون وبعداً لكم وسحقا. فلقد خاب السعي وتبّت الايدي ، وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من اللّه وضربت عليكم الذلة والمسكنة ، ويلكم يا اهل الكوفة أتدرون أيّ كبد لرسول اللّه فريتم. وأيّ كريمة له أبرزتم ، وأيّ دم له سفكتم ، واي حرمة له انتهكتم ، ولقد جئتم بها صلعاء (5) عنقاء ، سوداء ، فقماء ، خرقاء

ص: 244


1- الصلف : الادعاء تكبراً ، والنطف : التلطخ بالعيب.
2- الشنف : بالتحريك البغض والتنكر.
3- الدمنة : المكان الذي تدمن به الابل والغنم فيكثر البول والبعر.
4- القصة بالفتح : بناية مجصصة على القبر.
5- الصلعاء : الداهية وما بعد صفات له بالقبح والشدة.

شوهاء كطلاع الارض (1) أو ملأ السماء ، افعجبتم إن أمطرت السماء دماً ولعذاب الآخره اخزى وانتم لا تنظرون ، فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه (2) البدار ، ولا يخاف قوت الثار وإن ربكم لبالمرصاد.

قال الراوي : فواللّه لقد رأيتُ الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم على أفواههم ، ورأيتُ شيخاً واقفاً الى جنبي يبكي حتى اخضلّت لحيته بالدموع وهو يقول : بأبي انتم وامي. كهولكم خير الكهول ، وشبانكم خير شبان ، ونساؤكم خير نساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يُخزى ولا يُبزى (3) ثم انشد :

كهولكم خير الكهول ونسلكم *** إذا عُدَّ ُنسلُ لا يبور ولا يُخزى

وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها وأخذته الدهشه من براعتها وشجاعتها الابية.

ولما أدخلت السبايا على ابن زياد في قصر الإمارة بالكوفة وقد غصّ القصر بالناس إذ أن الرواية تقول : وأذن للناس إذناً عاماً ، ووضع ابن زياد رأس الحسين بين يديه وأدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه ودخلت زينب اخت الحسين في جملتهم متنكّرة وعليها أرذل ثيابها ومضت حتى جلست ناحيةً وحفت بها إماؤها ، فقال ابن زياد : من هذه المتنكّرة فلم تُجبه ترفُعاً عن مخاطبته حتى قال له بعض

ص: 245


1- طلاع الارض : ملؤها.
2- الحفز : الحت والاعجال.
3- لا يبزي : اي لا يغلب ولا يقهر.

إمائها : هذه زينب بنت علي. فاقبل اللعين قائلاً متشفياً شامتاً :

كيف رأيتِ صنع اللّه بأخيك الحسين. قالت بما يكشف له أنها غير مبالية ولا متفجّعة : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كُتب عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع اللّه بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم فانظر لمن الفلح ثكلتك امك يا بن مرجانة.

فكان هذا الكلام أشق عليه من رمي السهام وضرب الحسام ولهذا اغضبه حتى همّ أن يشفي غيظه بضربه لها ، فقام والسوط بيده فقام عمرو بن حريث وقال : يا امير إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ، قال أما تراها حيث تجرأت عليَّ ، قال : لا تلم زينب يرى ابن زياد انه القانط على العراق بيد من حديد والناس تناديه : يا أمير واذا بالمرأة الاسيرة تقول له : يا بن مرجانة.

اما خطبتها بالشام في البلاط الاموي تلك الخطبة البليغة والمملؤة شجاعة وحماسة وقوة ورصانة واحتجاجا وادلة بذلك المجلس المكتظ بمختلف الناس وجماهير الوافدين رواها ابن طيفور في ( بلاغات النساء ) ص 21 وروراها الشيخ الصدوق وغيره من ارباب التاريخ قالوا :

لما ادخل علي بن الحسين علیه السلام وحرمه على يزيد وجيء برأس الحسين ووضع بين يديه في طشت وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده ، وهو يتمثل بابيات ابن الزبعري المشرك :

يا غراب البين ما شئت فقل *** إنما تذكر شيئاً قد فعلْ

ليت اشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الاسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل

ص: 246

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبرُ جاء ولا وحي نزل

لستُ من خندف إن لم أنتقم *** من بني احمد ما كان فعل

قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلنا مَيل بدر فاعتدل

وأخذنا من علي ثارنا *** وقتلنا الفارس الشهمَ البطل (1)

فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب وأمها فاطمة بنت رسول اللّه صلي اللّه وعليه واله وقالت :

الحمد لله رب العالمين ، وصلى اللّه على رسوله محمد وآله اجمعين ، صدق اللّه سبحانه حيث يقول : « ثم كان عاقبة الذين أساؤا السو أي أن كذّبوا بآيات اللّه وكانوا بها يستهزأون » أظننتَ يا يزيد حيث أخذتَ علينا أٌقطار الارض وآفاق السماء (2) فاصبحنا نُساق كما تساق الإماء ، أن بنا على اللّه هوانا وبك عليه كرامة ، وان ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمختَ بأنفك ، ونظرت في عطفك ، تضربُ أصدريك فرحاً ، وتنفض مذرويك مرحاً (3) ، جذلان مسروراً حين رأيت الدينا لك مستوسقة (4) والامور متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا (5) فمهلاً مهلاً ، لا تطش جهلاً ، أنسيتَ قول اللّه تعالى « ولا يحسبنّ الذين

ص: 247


1- ذكر ابن هشام في ( السيرة النبوية ) قصيدة ابن الزبعري بكاملها.
2- تريد علیهاالسلام بهذا القول : أنك ملأت الارض بالخيل والرجال والفضاء بالرايات وضيقت الارض العريضة علينا. كما يقول شاعر الحسين : بجمع من الارض سد الفروج *** وغطا النجود وغيطانها وطا الوحش إذا لم يجد مهرباً *** ولازمت الطير أوكانها
3- تضرب أصدريك : اي منكبيك ، وتنفض مذرويك : المذروان جانبا الاليتين. يقال : جاء فلان ينفض مذرويه : اذا جاء باغياً يتهدد.
4- مستوسقة : مجتمعة. ومتسقة : منتظمة.
5- تقول علیهاالسلام ان الملك ملكنا والسلطان لنا من جدنا الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) .

كفروا أنما نُملي لهم خيرُ لأنفسهم إنما نُملى لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين » (1).

أمن العدل يا بن الطلقاء (2) تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول اللّه سبايا. قد هُتكت ستورهن ، وأبديت وجوههنَّ ، وصحلت (3) أصواتهنّ ، تحدو بهنّ الاعداء من بلد الى بلد ، ويستشرفهنّ اهل المناهل والمناقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد. والشريف والدني ، ليس معهن من رجالهن وليّ ولا من حماتهن حمي ، وكيف ترتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الاذكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء (4) وكيف يستبطاً في بغضنا اهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنآن (5) والإحن والاضغان ، ثم تقول غير متأثّم ولا مستعظم داعياً باشياخك - ليت اشياخي ببدر شهدوا - منحنياً على ثنايا ابي عبد اللّه سيد شباب اهل الجنة تنكتها بمخصرتك (6) وكيف لا تقول

ص: 248


1- سورة آل عمران - 178.
2- الطلقاء هم ابو سفيان ومعاوية وآل امية الذين اطلقهم رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) عام الفتح اذ قال : اذهبوا فانتم الطلقاء. وبهذا صاروا عبيداً لرسول اللّه هم وذراريهم.
3- صحلت : بحت يقال ، صحل صوته : بح وخشن.
4- اشارة الى ما فعلته هند ام معاوية يوم احد حيت شقت بطن الحمزة بن عبد المطلب وهو قتيل واستخرجت كبده فلاكتها باسنانها ثم جعلت من اصابع يديه ورجليه ، معضدين وقلادة وخلخالين.
5- الشنآن : البغض والحقد ، تقول علیهاالسلام . ان بذرة الحقد لم تزل متمكنة من نفوسكم يا بني أمية ، واعظم ما شق عليكم واثر في نفوسكم ان شرف النبوة في هذا البيت الطاهر كما قيل : عبد شمس قد أضرمت لبني هاشم *** حرباً يشيب منها الوليد فابن حرب للمصطفى ، وابن هند *** لعلي ، وللحسين يزيد
6- المخصرة بكسر الميم كالسوط.

ذلك وقد نكأت القرحة (1) واستأصلت الشأفة (2) بإراقتك دماء ذرية محمد صلی اللّه علیه و آله ونجوم الارض من آل عبد المطلب. أتهتف باشياخك. زعمت انك تناديهم فلتردنّ وشيكاً (3) موردهم ، ولتودنّ أنك شللت وبكمتَ ولم تكن قلت ما قلت وفعلتَ ما فعلت ، اللّهم خُذلنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا. واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا.

فواللّه يا يزيد ما فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك ، ولتردن على رسول اللّه بما تحملت من سفك دماء ذرّيته وانتهكتَ من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع اللّه شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم « ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون » (4) وحسبك باللّه حاكماً ، وبمحمد صلی اللّه علیه و آله خصيما ، وبجبريل ظهيراً.

وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا (5) وأيّكم شرَّ مكاناً وأضعف جندا. ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك (6) إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك. لكن العيون عبرى والصدور حرّى ، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب اللّه النُجباء بحزب الشيطان الطلقاء. وهذه الايدي تَنْطِفُ من

ص: 249


1- نكأت القرحة : اي وسعت مكانا جرحها.
2- الشأفة : قرحة تخرج في اسفل القدم فتكوى وتذهب ، ويقال ، استأصل اللّه شأفته ، اذهبها كما تذهب تلك القرحة.
3- وشيكاً : قريباً.
4- آل عمران - 169.
5- الكهف - 50.
6- الدواهي جمع داهية : هي النازلة الشديدة تنزل بالانسان.

دمائنا (1) والافواهُ تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل (2) وتعفّرها أمهاتُ الفراعل (3). ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدننا وشيكاً مغرماً حين لا تدل إلا ما قدّمت يداك وما ربك بظلاّم للعبيد. فالى اللّه المشتكى ، وعليه المعّول ، فكد كيدك. واسع سعيك ، وناصب جهدك فواللّه لا تمحو ذكرنا (4) ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا يرحض عنك عارها ، وهل رأيك إلا فند (5) وأيامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة اللّه على الظالمين. فالحمد لله رب العالمين. الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسآل اللّه أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فقال يزيد :

ياصيحة تحمد من صوائح *** ما أهون النوح على النوائح

أرأيت ابنة علي وموقفها الذي تعجز عنه أبطال الرجال .. تأمل في كلامها الطافح بالعزة والإباء. والمملوء جرأة وإقداما ، والمشحون بالابهة والعظمة ، بعدم المبالاة بكل ما مرّ عليها من المصائب والنوائب

ص: 250


1- تنطف : اي تقطر.
2- العواسل : الذئاب.
3- الفراعل : ولد الضبع.
4- 4 - تقول علیهاالسلام انك بقتلك للحسين قد قضيت على اسمه فهيهات لا تمحو ذكرنا ، ولقد صدقت ربيبة الوحي فهذه الآثار الباقية لأهل البيت والثناء العاطر ، وهذه قبابهم المقدسة مطافاً لعامة المسلمين ، يبتهلون الى اللّه في مشاهدهم : السلام عليكم يا اهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، وخزان العلم ومنتهى الحلم واصول الكرم ، وقادة الامم الى آخر الزيارة.
5- الفند : الكذب.

لكأن نفس أخيها بين جنبيها ولسان أبيها بين فكّيها ، إنها بكل شجاعة تفرغ بليغ الخطاب غير مقحمة ولا متعلثمة فبخ بخ ذرية بعضها من بعض.

وان اختلاف الروايات في كون دفنها في الشام أو مصر أو البقيع يعود الى عظمة شخصيتها ، فكل من هذه البلاد الثلاثة كانت تتجاذب رواية دفنها فيها وتوكدها عندها لتجذب اليها انظار العالم الاسلامي ، وان النفع الذي يتحقق لبلد الشام - اليوم - من وجود مشهد الحوراء زينب هو نفع اقتصادي ، إن عشرات الالوف من الزائرين الذين يقصدونها من مختلف الاقطار القريبة والبعيدة يدرّ على البلد بربح طيب وما زال العمران ومنذ اكثر من عشرة سنوات وحتى يومنا هذا يسعف اليد العاملة في البلد.

نشرت مجلة ( الغري ) النجفية في سنتها 15 تحت عنوان القفص الذهبي فقالت : أهدى أغنى أغنياء الباكستان السيد محمد علي حبيب قفصاً ذهبياً للسيدة زينب بنت الامام علي بن ابي طالب ، وكان السبب الوحيد لاهداء هذا القفص هو أنه كان له ولد مصاب بمرض مزمن وقد عجز أطباء العالم عن معالجته فأيس من شفائه ، فتضرع الى اللّه تعالى وتوسل بحفيدة النبي زينب الكبرى فقصد الشام لزيارة قبرها وبات ليلته في حضرتها متضرعاً الى اللّه في شفاء ولده ثم سافر الى بلده ، وحين وصوله شاهد ولده معافى بتمام الصحة من المرض الذي الّم به ، وهذه احدى كرامات الطاهرة زينب.

ثم روت مجلة الغري عن جريدة ( الزمان ) الدمشقية الخبر التالي : تصل خلال الايام القادمة الهدية الثمينة ، وهي عبارة عن كسوة من الفضة المذهبة لضريح السيدة زينب علیهاالسلام حفيدة الرسول الاعظم.

ص: 251

- ثم تعطي الجريدة المذكورة صورة عن الاحتفال في كراتشي بهذا الضريح - تقول : وقد سبقت للهدية قصة عجيبة اذ أنّ للسيد محمد علي حبيب نجلُ واحد أصيب بالشلل وعالجه ابوه في مستشفيات اوربا ولدى أمهر أطبائها ولكن المشلول لم يشفى ، ومنذ عامين في طريق عودة الوالد من احدى جولاته في اروبا مر في دمشق وزار قبر السيدة زينب وقضى ليلة في باحة الضريح وأخذ يبتهل الى اللّه أن يشفى ابنه الوحيد ، وفي الصباح غادر المكان وقد علق بذهنه تاريخ تلك الليلة التي قضاها الى جانب حفيدة الرسول الكريم ، وعند وصوله الى كراتشي كان اهله في استقباله ، وكان أول سؤاله عن ابنه المشلول المقعد ، ولشدة ما كانت دهشته عظمية عندما قالوا له : انه شفي ، وانه يقضي دورة النقاهة في ضاحية من ضواحي العاصمة.

واستمع الرجل الى القصة من أولها فاذا هم يقولون : ان الولد المقعد شعر ذات ليلة وهي نفس الليلة التي قضاها ابوه في جوار ضريح السيدة زينب. شعر الابن بالقوة في قدميه فحركها ثم حاول ان يهبط من سريره الى الارض ليقف على قدميه ونادى امه والخدم وسار بمعونتهم ، وكان فزع الام بالغاً أشده لأن ابنها عاود الكرة في الصباح وأخذ يمشي طيلة النهار ، والتقى الاب بابنه بعد ذلك فرآه يمشي كما يمشي السليم من الناس وشهد فلذة كبده بعينه صحيح الجسم بعد أن عجز أطباء العالم عن شفائه ، وأيقن ان الشفاء نزل في نفس الليلة التي يتوسل فيها الى اللّه. فاعتزم أن يقدّم للضريح هدية ثمينة تليق بصاحبة الضريح المكرمة.

اقول ونشرت مجلة العرفان اللبنانية : ان هذا القفص الذهبي يزن 12 طناً ، وهو محلى بالجواهر الكريمة النادرة وقد ارخ وصول الضريح الخطيب المؤرخ الشيخ علي البازي بقوله :

ص: 252

هذا ضريح زينب قف عنده *** واستغفر اللّه لكل مذنب

ترى الملا طراً وأملاك السما *** أرّخ ( وقوفاً في ضريح زينب )

1370 ه-

ونشرت مجلة العرفان اللبنانية مجلد 42 ص 923 فقالت :

أهدت ايران حكومة وشعباً صندوقاً أثرياً من العاج والآبنوس المطعّم بالذهب لضريح السيدة زينب المدفونة في ظاهر الشام - قرية راوية - وهو من صنع الفنان الايراني الحاج محمد سميع ، وبقي في صنعه ثلاثين شهرا وقد ساهم في نفقاته جلالة شاه ايران وبعض متمولي الشعب ، وقدّر ثمنه بمائتي الف ليرة سورية ، وله عطاء من البلور ، وقد احضرته بعثة ايرانية رسميّة برئاسة ضابط ايراني كبير ، وأُقيمت حفلة كبرى في الصحن الزينبي ترأس الحفلة السيد صبري العسلي رئيس الوزارة السورية وهو الذي أزاح الستار عن الصندوق.

ص: 253

علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) :

قال بعد قتل ابيه علیه السلام مخاطباً أهل الكوفة :

فلا غَرو من قتل الحسين فشيخه *** أبوه علي كان خيراً وأكرما

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي *** أصاب حسينا كان ذلك أعظما

قتيل بشط النهر روحي فداؤه *** جزاء الذي أراده نار جهنما (1)

ولما أُدخل مع السبايا الى الكوفة قال كما رواه الطريحي في المنتخب :

يا امة السوء لاسقياً لربعكم *** يا امة لم تراعِ جدنا فينا

لو أننا ورسول اللّه يجمعنا *** يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيرونا على الاقتاب عارية *** كأننا لم نشيّد فيكم دينا

ص: 254


1- عن ( الرائق ) للسيد احمد العطار الحسني ، الجزء الاول ، مخطوط.

الامام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : لقب بزين العابدين لزهده وعبادته كما يلقب بالخالص والزاهد والخاشع ، والمتهجد والسجاد وذي الثفنات (1). ولد بالمدينة الطيبة يوم الجمعة لخمس خلون من شعبان أو لتسع خلون منه. وقال الشيخ في المصباح وابن طاووس في الاقبال ان مولده كان في النصف من جمادي الاول وذلك سنة ثمان وثلاثين أو سبع وثلاثين ، اي في خلافة جده أمير المؤمنين بغير خلاف من ذلك ، وكان عمره يوم وقعة الطف بكربلاء ثلاثاً وعشرين سنة ، وبقي بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة على الأشهر ، فتكون ولادته بالتاريخ الميلادي سنة 715 ، قال المفيد في الارشاد : وكان أمير المؤمنين علیه السلام قد ولى حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق فبعث اليه ببنتي يزدجرد بن شهريار فنحل ابنه الحسين ( شاه زنان ) منهما فاولدها زين العابدين وماتت في نفاسها ، فهي ام ولد (2) ونحل الاخرى محمد بن أبي بكر ، فدلدت له القاسم ، فهما ابنا خالة. وشهد زين العابدين وقعة كربلاء مع أبيه الحسين علیه السلام وحال بين اشتراكه في الحرب مرضه.

قال الإمام الباقر (عليه السلام) : إن أبي ما ذكر لله نعمة إلا سجد ، ولا قرأ آية الا سجد ، ولا وفّق لإصلاح اثنين إلا سجد ، ولا دفع اللّه عنه كربة إلا سجد ، ولا فرغ من صلاته الا سجد ، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده.

ص: 255


1- جمع ثفنة بالكسر للفاء وهو الاثر الذي يكون في ركب البعير.
2- معنى ام ولد عند العرب هي التي ملكت قهراً بالسيف ، وعند الفقهاء هي المملوكة ، يتزوجها المالك فيجعل عتقها صداقها ويطؤها بملك اليمين وتحمل منه فاذا مات المالك وقد ولدت له اعتقت من نصيب ولدها. وتسميها العرب فتاة ، وجارية ، وامة ، وسرية ، ومملوكة ، وام ولد.

وكان يحمل الجراب ليلاً على ظهره فيتصدق ويقول : إن صدقة السر تظفىء غضب الرب. وعن ابي جعفر الباقر أيضاً قال : إنه يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره فيأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه ويغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه ، فلما مات وجدوه يعول بمائة بيت من أهل المدينة وكثيراً ما كانوا قياماً على أبوابهم ينتظرونه فاذا رأوه تباشروا به وقالوا : جاء صاحب الجراب.

وكانت له جارية تصب الماء على يده فوقع الإبريق عليه فشجّه ، فرفع اليها رأسه فقالت : والكاظمين الغيظ. قال : كظمت غيظي. قالت : والعافين عن الناس. قال : عفوت عنك. قالت : واللّه يحب المحسنين. قال لها : اذهبي فأنت حرة لوجه اللّه تعالى ، وأمر لها بمال تستعين به على حياة الحرية. روى ذلك علي بن عيسى الاربلي في كشف الغمة.

وان رجلاً من أهل المدينة وقف عليه وشتمه ، فأراد الوقيعة به غلمانه ، قال لهم دعوه ثم دفع له ثوبه وفيه الف درهم ، فصاح الرجل : أنت ابن رسول اللّه حقاً (1).

ولقيه رجل فسبّه فقال : يا هذا بيني وبين جهنم عقبة ، إن أنا جزتها فما أُبالي بما قلت ، وإن لم أجزها فأنا أكثر مما تقول ، وألقى إلين أموالاً فانصرف خجلاً (2).

قال ابن حجر في الصواعق : زين العابدين علي بن الحسين هو الذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة ، وكان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه ، وقيل له في ذلك قال : ألا تدرون بين يدي مَن أقف.

ص: 256


1- روى ذلك الامام الغزالي في كتابه ( التبر المسبوك )

وروى انه حج على ناقته عشرين حجة فما فزعها بسوط ، وفي رواية اثنتين وعشرين حجة ، ولقد سئلت عنه مولاة له فقالت : أأطنب أم أختصر؟ فقيل لها بل اختصري : فقالت : ما أتيته بطعام في نهار قط وما فرشت له فراشاً بليل قط. وجرى ذكره في مجالس عمر بن عبد العزيز فقال : ذهب سراج الدنيا وجمال الاسلام زين العابدين. وكان علیه السلام لا يضرب مملوكاً له ، بل يكتب ذنبه عنده حتى اذا كان شهر رمضان جمعهم وقررهم بذنوبهم وطلب منهم أن يستغفروا اللّه كما غفر لهم ثم يعتقهم ويجيزهم بجوائز ، اي يقض عليهم الهبات والصلاة ، وما استخدم خادماً فوق حول.

وفي العقد الفريد لابن عبد ربه قال : ووفد الناس عليه في المسجد يلمسون يده محبة للخير وتفاؤلا ، فكأن الرجل يدخل إلى مسجد رسول اللّه فيراه ، فيذهب اليه من فوره أو بعد صلاته يقبل يده ويضعها على عينيه يتفاءلون ويرجون الخير.

وكان إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته. وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله. وأراد الحج فاتخذت له اخته سكينة طعاماً بألف درهم فلما صار بظهر ( الحرّة ) تصدق به على المساكين.

ولما كانت وقعة الحرَّة أراد مروان ان يستودع أهله فلم يأموهم احد وتنكر الناس له - ومروان من يعرف التأريخ كرهه لأهل البيت - إلا الإمام زين العابدين فانه جعل أهل مروان مع عياله ، وجمع اربعمائة ضائنة (1) بحشمهن فضمهن إلى بيته ، حتى قالت واحدة : واللّه ما عشت بين أبوي كما عشت في كنف ذلك الشريف. وحكى عن ربيع

ص: 257


1- الضائنة : هي المرأة الضعيفة.

الابرار للزمخشري : انه لما وجه يزيد بن معاوية قائده مسلم بن عقبة لاستباحة المدينة المنورة ، ضم علي بن الحسين علیه السلام إلى نفسه أربعمائة ضائنة بحشمهن يعولهن إلى ان تقوض جيش الشام فقالت إمرأة منهن : ماعشت واللّه بين أبوي بمثل ذلك الشريف.

وروى الحر العاملي في ( الوسائل ) عن عدة الداعي قال : كان زين العابدين (عليه السلام) يقبل يده عند الصدقة ، فقيل له في ذلك فقال : إنها تقع في يد اللّه قبل ان تقع في يد السائل. قال وقال رسول اللّه : ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد اللّه ، ثم تلا هذه الآية « ألم تعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ». وكان علیه السلام من أحسن الناس صوتاً بالقرآن. السقاؤن يمرون فيقفون ببابه يستمعون قراءته.

قال عمر بن عبد العزيز يوماً - وقد قام من عنده علي بن الحسين - : من أشرف الناس ، قالوا : أنتم. فقال : كلا ، إن أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفاً ، من أحب الناس أن يكونوا منه ، ولم يحب أن يكون من أحد. واليه يشير أبو الاسود الدؤلي بقوله :

وإن وليداً بين كسرى وهاشم

لأكرم من نيطت عليه التمائم

قال صاحب ربيع الأبرار : كان زين العابدين يقول : أنا ابن الخيرتين فان جده رسول اللّه ، وامه ابنة ملك الفرس. لأن رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) قال : لله من عباده خيرتان : فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس أقول ومن المناسب قول الشاعر الفحل المهيار الديلمي الذي يفتخر فيه بنفسه وحسبه :

اعجبتْ بي بين نادى قومها *** أُم سعد فمضت تسأل بي

ص: 258

سرّها ما علمت من خلقي *** فارادت علمها ما حسبي

لا تخالي نسباً يخفضني *** أنا من يرضيك عند النسب

قومي استولوا على الدهر فتى *** وبنوا فوق رؤس الحقب

عمموا بالشمس هامآتهم *** وبنوا أبياتهم بالشهب

وأبي كسرى على إيوانه *** أين في الناس أب مثل أبي

سورة الملك القدامى وعلى *** شرف الإسلام لي والادب

قد قبست المجد من خير أب *** وقبست الدين من خير نبي

وضممت الفخر من اطرافه *** سودد الفرس ودين العرب

وسئل الإمام علي بن الحسين علیه السلام عن العصبية فقال : العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ، ولكن من العصبية ان يعين قومه على الظلم.

بين الانسانية والروحانية

رابع الأئمة الأمجاد علي بن الحسين السجاد هو الإمام بعد أبيه وثبتت إمامته بوجوه الاول أنه افضل الخلق بعد أبيه علماً وعملاً والامامة للافضل دون المفضول ، الثاني ثبوت الإمامة في العترة خاصة بالنظر والخبر عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وفساد قول من ادعاها لمحمد بن الحنفية لعدم النص عليه فيثبت انها في علي بن الحسين (عليه السلام) ، الثالث ورود النص عليه من رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) ومن جده أمير المؤمنين في حياة أبيه ومن وصية أبيه.

ص: 259

اتفق المخالف والمؤالف على فضل هذا الإمام ، وفي كتب مناقب أهل البيت التي الّفها علماء الفريقين الشيء الكثير من فضائله ، ولقد قال سعيد ابن المسيب من التابعين في جواب قرشي سأله عن حين دخل عليه : هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وقال الزهري : مارأيت قرشيا افضل منه. وقال ابن خلكان : وهو احد الأئمة الاثنى عشر ومن سادات التابعين ، وكان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة ، وهذا مبلغ اجتهاده في العبادة. وأما مقاماته. في الزهد والعزوف عن الدنيا والحلم والعلم والبلاغة وحسبه ما أثر عنه فيها من صحيفته التي هي فرقان العابدين والمعجزة الخالدة من معجزات البيان وهي تتلى في المحاريب ومواطن الذكر والفكر كما تتلى آيات القرآن فهي مقامات لم يضارعه بها احد من أهل عصره وما كان محله منها إلا كمحل آبائه المعصومين وسبيله سبيلهم ولا غرو فانه فرع من تلك الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.

واما جلالة قدره ومبلغ هيبته في النفوس فينبئك عنها ما رواه غيره واحد من رواة السنة والشيعة متواتراً واليك حديثه وهو ان هشام بن عبد الملك بن مروان لما حج وطاف بالبيت أراد ان يستلم الحجر فلم يقدر لكثرة ازدحام الناس عليه فنصب له منبر وجلس عليه ، وكان معه رؤساء أهل الشام وبينما هو ينظر إلى الناس وإذا بعلي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب سلام اللّه عليه قد اقبل وهو أحسن الناس وجهاً ، واطيبهم أرجا ، والطفهم شمائلا فطاف بالبيت فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم فقال رجل من اهل الشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة ، فقال هشام وقد اغتاظ من إجلال الشعب غيره لا أعرفه فقام الفرزدق - (1) وقال لكني اعرفه :

ص: 260


1- 1 - الفرزدق من أفخر شعراء عصره واجزلهم لفظاً ، وامتنهم مدحاً ولد في البصرة عام 19 ه- وكانت يومئذٍ حاظرة الأدب والبيان وبعد أن نشأ بها وترعرع أخذ والده يوحي اليه آيات القريض ويلقنه ما يستحسنه من ديوان العرب ، وهكذا ظل يغذيه حتى انفجرت قريحته وفاضت طلاقة لسانه واتسم بطابع النبوغ والعبقرية ، فقدمه أبوه بعد واقعة الجمل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قائلاً : إن ابني هذا يوشك أن يكون شاعراً مجيداً فقال الإمام علیه السلام : احفظه القرآن فهو خير له. فرسخت هذه النصيحة الغالية في ذهن الفرزدق فقيد رجله وحلف أن لا يفك قيده حتى يحفظ القرآن. وكان الفرزدق عريقاً في المجد والسؤدد كريم المنبت والعنصر ولآبائه وأجداده خصال مشهورة تدل على رفعة قدرهم وعلو منزلتهم وابوه غالب المشهور بالسخاء وجده صعصعة الذي فدى المؤدات ونهى عن قتلهن ، وقيل أنه أحى الف مؤدة ، والصحيح ما بيّنه الفرزدق بقوله أحيا جدي إثنين وتسعين مؤدة وفي جده هذا يقول مفتخراً في إحدى قصائده المشهورة. ومنا الذي احيى الوئيد وغالب *** وعمرو ومنا حاجب والأقارع أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا ياجرير المجامع قال السيد المرتضى في أماليه : ان الفرزدق مع تقدمه في الشعر وبلوغه فيه الذروة العليا والغاية القصوى شريف الاباء كريم المنبت ولآبائه مآثر لا تدفع. اقول : وقصته مع سليمان بن عبد الملك تعرفنا قيمته وقد ذكرها إبن أبي الحديد في شرح النهج ، عن أبي عبيدة قال : كان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء والولاة إلا قاعداً ، فدخل على سليمان بن عبد الملك يوماً فأنشده شعراً فخر فيه بآبائه منه قوله : تاللّه ما حملت من ناقة رجلاً *** مثلي إذا الريح لفتني على الكور فقال سليمان هذا المدح لي أم لك؟ قال : لي ولك يا أمير المؤمنين. فغضب سليمان : وقال : قم فأتمم ولا تنشد بعدها إلا قائماً ، فقال الفرزدق لا واللّه لا افعل او يسقط اكثر شعري الى الارض. فغضب سليمان وارتفع صوته فسمع الضوضاء بالباب فسأل عنها فقيل له : بنو تميم يقولون لا ينشد الفرزدق قائماً وأيدينا في مقابض سيوفنا. قال : فلينشد قاعدا. وعند ذلك انصرف بنو تميم عن باب سليمان. ومن المشهور ان الفرزدق صادف الحسين علیه السلام في طريقه الى العراق فسلّم عليه وسأله الحسين. والرواية تقول : لقيت الحسين علیه السلام خارجاً من مكة ومعه أسيافة وتراسه ، قال فقلت : لمن هذا القطار ، فقيل للحسين بن علي فاتيته فسلمت عليه وقلت له : اعطاك اللّه سؤلك وأملك فيما تحب ، بأبي انت وامي يابن رسول اللّه ما اعجلك على الحج ، فقال لو لم اعجل لأخذت ، ثم قال لي : من انت ، قرت امرؤ من العرب ، فلا واللّه ما فتشني عن اكثر من ذلك ، ثم قال لي اخبرني عن الناس خلفك ، فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء واللّه يفعل ما يشاء فقال صدقت لله الامر كل يوم هو في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد اللّه على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل بلغك اللّه ما تحب ، وكفاك ما تحذر ، وسألته عن اشياء من نذور ومناسك فاخبرني بها وحرك راحلته وقال : السلام عليك. ثم افترقنا ووقف الفرزدق وهو شيخ في ظل الكعبة فتعلق باستارها وعاهد اللّه أن لا يكذب ولا يشتم. ومن شعره في ذلك. ألم ترني عاهدت ربي وأنني *** لبين رثاج قائمآ ومقام على حلفة لا اشتم الدهر مسلما *** ولا خارجاً من فيّ زور كلام رجعت الى ربي وايقنت أنني *** ملاق لأيام المنون حمامي

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا الذي احمد المختار والده *** صلى الإله عليه ماجري القلم

ص: 261

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** بجده أنبياء اللّه قد خُتموا

إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ص: 262

يُنمي الى ذروة العزّ التي قصُرتْ *** عن نيلها عرب الاسلام والعجم

يكأد يُمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا مآ جاء يستلم

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمهُ *** لخر يلثم امنه ما وطا القدم

في كفه خيزران ريحه عبق *** من كفَّ أروع في عرنينه شمم

يغضي حياءً ويغضي من مهابته *** فما يكلمُ إلا حين يبتسم

من جده دان فضل الانبياء له *** وفضل أمته دانت له الامم

ينشقُّ نور الضحى عن نور غرّته *** كالشمس ينجاب عن اشراقها الظلم

مشتقّة من رسول اللّه نبعته *** طابت عناصره والخيم (1) والشيم

اللّه شرّفه قدما وفضّله *** جرى بذلك له في لوحه القلم

وليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من انكرت والعجم

كلتا يديه غياث عمَّ نفعهما *** تستو كفان ولا يعروهما العدم

سهل الخليقة لا تُخشى بوادره *** يزينه اثنان حسن الخلق والكرم

لا يخلفُ الوعد ميمونُ نقيبته *** رحبَ الفناء أريب (2) حين يعتزم

ص: 263


1- الخيم بالكسر : السجية والطبيعة ، بلا واحد.
2- الاريب : العاقل.

ما قال لا قط إلا في تشهده *** لو لا التشهد كانت لاءه نعم

عمّ البرية بالاحسان فانقلعت *** عنها الغواية والاملاقُ والعدم

من معشر حبّهم دين وبغضهم *** كفر وقربهم ملجى ومعتصم

ان عدَّ أهل التقى كانوا أئمتهم *** او قيل من خير أهل الارض قيل : هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم *** ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما ازمة أزمت *** والاسد اسد الشرى والباس محتدم

لا ينقص العسر بسطا من اكفهم *** سيان ذلك ان اثروا وان عدموا

يستدفع السوء والبلوى بحبهم *** ويستزاد به الاحسان والنعم

مقدّمُ بعد ذكر اللّه ذكرهم *** في كل بدء ومختوم به الكلم

مَن يعرف اللّه يعرف أولّية ذا *** فالدين من بيت هذا ناله الامم

فتكدر هشام وشق عليه سماع هذه القصيدة ، وقال له : ألا قلت فينا مثلها ، قال : هات جداً كجده وأباً كأبيه ، واما كامه حتى اقول مثلها. فأمر بحبس الفرزدق بعسفان - بين مكة والمدينة - فبلغ الامام خبره فبعه اليه باثنى عشر الف درهم ، فردها الفرزدق وقال : انا مدحته لله تعالى لا للعطاء ، فبعث بها الامام ثانية واقسم عليه في قبولها وقال له : قد رأى اللّه مكانك ، وعلم نيتك وشكر لك. ونحن اهل البيت إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه ، فقبلها امتثالاً لأمر امامه. وظل يهجو هشاماً وهو في الحبس. ومما هجاه به قوله :

أيحبسني بين المدينة والتي *** اليها قلوب الناس يهوى منيبها

يُقلب رأساً لم يكن رأس سيد *** وعيناً له حولاء باد عيوبها

فبلغ شعره هشاما فاطلقه.

قال شيخ الحرمين أبو عبد اللّه القرطبي : لو لم يكن لأبي فراس عند

ص: 264

اللّه عمل إلا هذا دخل به الجنة لأنها كلمة حق عند سلطان جائر.

أقول ومما روى هذه القصيدة ونصّ على أنها قيلت في الامام زين العابدين جماعة من أبناء السنة والجماعة منهم : الشبلنجي في نور الابصار والحصري في زهر الآداب ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ، والسيوطي في شرح شواهد المغني ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة وابن حجر في الصواعق ، والحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، وأبو نعيم في حلية الأولياء.

اقواله وحكمه :

كان زين العابدين الى جانب ما اشتهر به من الزهد والتقوى والكرم نسيج وحده في عصره وإن الباحث متى راح يبحث في نواحي عظمة هذا الامام ارتفع الى عالم الروحانيات وهذه الصحيفة السجادية التي تجمع أدعية الإمام وابتهالاته وهي الواح خالدة من البلاغة والحكمة والفلسفة ومعرفة اللّه يقول علیه السلام في حمده لله وتمجيده : الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً ، واخترعهم على مشيئته اختراعا ، ثم سلك بهم طريق إرادته وبعثهم في سبيل محبته ، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم اليه ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخّرهم عنه وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه ، لا ينقص من زاده ناقص ، ولا يزيد من نقص منهم زائد ، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقتاً ، ونصب له أمداً محدودا ، يتخطا اليه بايام عمره ، ويرهقه باعوام دهره حتى إذا بلغ اقصى أثره واستوعب حساب عمره قبضه إلى ما ندبه اليه من موفور

ص: 265

ثوابه أو محذور عقابه ليجزي الذين أساؤا بما عملوا او يجزي الذين أحسنوا بالحسنى عدلاً منه تقدست اسماؤه وتظاهرت آلاؤه لا يسئل عما يفعل وهم يُسئلون والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة واسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرّفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الانسانية الى حدود البهيمية ، فكانوا كما وصف في محكم كتابه « إن هم إلا كالانعام بل هم أضلّ سبيلا ».

ومن دعائه في مكارم الاخلاق قوله.

اللّهم صل على محمد وآله وحلّني بحلية الصالحين ، وألبسني زينة المتقين ، في بسط العدل وكظم الغيظ ، وإطفاء النائرة ، وضمّ أهل الفرقة وإصلاح ذات البين ، ولين العريكة ، وخفض الجناح وحسن السيرة والسبق الى الفضيلة ، والقول بالحق وإن عز ، واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي ، واستكثار الشر وان قلّ من قولي وفعلي ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفس مثلها ، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها.

اللّهم إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وإن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني ، وإن أكرمتني فمن ذا الذي يهينني ، وإن اهنتني فمن ذا الذي يكرمني وإن عذبتني فمن ذا الذي يرحمني.

اللّهم ألبس قلبي الوحشة من شرار خلقك ، وهَب لي الانس بك وباوليائك وأهل طاعتك.

وهكذا ناجى الإمام زين العابدين ربه بأدعية جمعت في كتاب اسمه ( الصحيفة السجادية ) واسلوبها اشبه باسلوب نهج البلاغة لجدّه أمير المؤمنين وتسمى أيضا بزبور آل محمد وانجيل اهل البيت وقد اشتملت على

ص: 266

أفانين من التضرع والابتهال. وتبدو هذه الادعية لأول وهلة ، انها روحية محضة لاتمت إلى المادة بسبب ولكن بالتأمل تظهر صلتها الوثيقة بالعيش والاسرة وبالمجتمع وتراها دروساً قيمة منتزعة من صميم المجتمع. إن ظروف الإمام السجاد علیه السلام - وهو في عهد المروانيين - لم تسمح له أن يرتقى منبر الارشاد بأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، لكنه مع حراجة موقفه استطاع أن يداوي المجتمع ويهديه الى سبيل الخير عن طريق الدعاء ، فقد ضمّن هذه الصحيفة السجادية دعوته الإصلاحية ، وأهدافه العالية وآرائه الصائبة التي تهدف إلى المثل العليا.

ان الصحيفة تحتوي على 54 دعاء وهي : التحميد لله عز وجل. والصلاة على محمد واله ، الصلاة على حملة العرش ، الصلاة على مصدّقي الرسل ، دعاؤه لنفسه وخاصته ، دعاؤه عند الصباح والمساء ، دعاؤه في المهمات ، دعاؤه في الاستعاذة ، دعاؤه في الاشتياق ، دعاؤه في اللجاء إلى اللّه ، دعاؤه بخواتم الخير ، دعاؤه في الاعتراف ، دعاؤه في طلب الحوائج ، دعاؤه في الظلامات ، دعاؤه عند المرض ، دعاؤه في الاستقالة ، دعاؤه على الشيطان ، دعاؤه في المحذورات ، دعاؤه في الاستسقاء ، دعاؤه في مكارم الأخلاق ، دعاؤه إذا أحزنه امر ، دعاؤه عند الشدّة ، دعاؤه بالعافية ، دعاؤه لأبويه ، دعاؤه لولده ، دعاؤه لجيرانه ، دعاؤه لأهل الثغور ، دعاؤه في التفرغ ، دعاؤه إذا قتر عليه ، دعاؤه في المعونة على قضاء الدين ، دعاؤه بالتوبة ، دعاؤه في صلاة الليل ، دعاؤه في الاستخارة ، دعاؤه اذا ابتلى ورأى مبتلى بفضيحة بذنب ، دعاؤه في الرضا بقضاء اللّه ، دعاؤه عند سماع الرعد ، دعاؤه في الشكر ، دعاؤه في الاعتذار ، دعاؤه في طلب العفو ، دعاؤه عند ذكر الموت ، دعاؤه في طلب الستر والوقاية ، دعاؤه عند ختمه القرآن ، دعاؤه إذا نظر إلى الهلال ، دعاؤه لدخول شهر رمضان ، دعاؤه لوداع شهر

ص: 267

رمضان ، دعاؤه للعيدين والجمعة ، دعاؤه لعرفة ، دعاؤه للأضحى والجمعة ، دعاؤه في دفع كيد الأعداء ، دعاؤه في الرهبة ، دعاؤه في التضرع والاستكانة ، دعاؤه في الالحاح ، دعاؤه في التذلل ، دعاؤه في استكشاف الهموم.

وهي في الغاية من الاعجاز قد تكفلت ببيان كل ما يعترض المسلم المؤمن من مشاكل في الدين والعلم والاجتماع ، بل هي الطب النفسي والعلاج الروحي.

ان للانسان حالات كثيرة من حزن وفرح ، ورخاء وشدة ، وسعة وتقتير ، وصحة ومرض ، ومودة وعداوة ، وطاعة ومعصية ، إلى غير ذلك من الامور. وانك لترى في الصحيفة استقصاء لهذه الحالات وعلاجاً لادوائها وحلاً لمشكلاتها. وإنما سميت بالصحيفة الكاملة لكمالها فيما أُلفّت له أو لكمال مؤلفها ، فمن بين ملايين الكتب في المكتبة البشرية الواسعة ليست اعظم من الكتب الثلاثة :

1 - القرآن الكريم وهو اولها وسيدها.

2 - نهج البلاغة. للامام أمير المؤمنين علي علیه السلام .

3 - الصحيفة السجادية ، وهما مستمدان من القرآن داعيان له.

إن أدعية الصحيفة يحسن بلاغتها وكمال فصاحتها احتوت على لباب العلوم الالهية والمعارف اليقينية حتى قال بعض العرفاء : إنها تجري مجرى التنزيلات السماوية وتسير مسير الصحف اللوحية.

قال ابن الجوزي في خصائص الأئمة : لولا امير المؤمنين على علیه السلام لما كمل توحيد المسلمين وعقائدهمِ إذ أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وضع اصولا

ص: 268

لهذه العقائد اما الدقائق من كون الصفات ذاتيه وفعليه وان ايها عين ذاته تعالى وأيها ليست بعينه - الى ان قال في حق الإمام زين العابدين علیه السلام : ان له حق الأملاء والتعليم والإنشاء وكيفية المكالمة والمخاطبة وعرض الحوائج الى اللّه تعالى ، فانه لولاه لم يعرف المسلمون كيف يتكلمون ويتفوهون مع اللّه سبحنه في حوائجهم ، فان هذا الإمام علَّمهم بانه متى ما استغفرت فقل كذا ، ومتى ما خفت فقل هكذا واذا كنت في شدة فقل كذا ، وان عجزت عن تدبير أمر فقل كذا ، وإن كنت مظلوماً فاقرأ دعاء كذا.

يقول الاستاذ عبد الهادي المختار في شرحه لرسالة ( الحقوق ) : كنت قبل اطلاعي على رسالة الحقوق للامام زين العابدين - اعتقد ان الامام زين العابدين رجل محراب ولا هم له إلا الصلاة والعبادة والزهد والبكاء والانصراف الى اللّه ، ولكني علمت بعد ذلك انه رجل دولة وواضع شريعة ، ومنشيء قانون ، وعلمت لماذا حارب علي معاوية ، ولماذا صالح الحسن معاوية ، او لماذا أضحى الحسين بنفسه وولده ، وعلمت ان التشريح والتقنين ليس بجديد وإنما أخذه غيرنا عنا ، فصرنا نقلدهم في ما استفادوه منها ونستفاد ما فقدناه.

أقول وفي العهد الصفوي ذلك العهد الذي كان ازهى عصوره للعلم لا تكاد تجد بايران - سيما اصفهان - داراً فيها القرآن الكريم إلا وجدت معه الصحيفة الكاملة وذلك حسب ما ادبهم أئمتهم علیهم السلام وعنايتهم بهذه الثروة العلمية التي هي أثمن تراث إسلامي ، وكان أهل البيت لا يفارقونها سفراً وحضراً كما ورد ان يحي بن زيد بن علي بن الحسين كان وهو في طريقه إلى خراسان يخرجها ويقرأ فيها.

يقول العلامة محمد جواد مغنية : وما قرأها إنسان من اي لون كان إلا

ص: 269

تقلبه إلى اجواء يشعر معها بنشوة لا عهد لاهل الارض بمثلها ، ومنذ اطلعت عليها احسست بدافع قهري يسوقني الى التفكير في كلماتها والكتابة عنها ، والدعوة اليها ، ونشرها بين جميع الطوائف ، فكتبت عنها فصلاً في كتاب : ( مع الشيعة الامامية ) بعنوان : مناجاة. وآخر في كتاب ( أهل البيت ) بعنوان : من تسبيحات الإمام زين العابدين. وثالثاً في كتاب ( الإسلام مع الحياة ) بعنوان : العز الظاهر والذل الباطن. ورابعاً في كتاب ( الآخرة والعقل ) بعنوان اللّه كريم.

وأهديتها الى عدد كبير من شيخ مصر وفلسطين ولبنان ، وإلى غبطة البطريرك الماروني بولس المعوشي ، ورأيته بعد الإهداء بأيام ، فشكرني على الهدية فقلت له : ما الذي استوقف نظركم فيها؟ فقال : قرأت دعاءا لإمام لابويه فترك في نفسي أثراً بالغا.

ومن الذي يقرأ قول الإمام : اللّهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف وابّرهما برّ الام الرؤف ، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما اقرّ لعينيَّ من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدري من شربة الظمآن حتى أوثر على هواي هواهما ، واقدّم على رضاي رضاهما ، واستكثر برّهما بي وإن قل واستقل بري بهما وان كثر.

من الذي يقرأ هذا القول ولا يترك في نفسه أعمق الآثار ، يهابهما هيبة السلطان العسوف مع مخالطته لهما ودنوّه منهما وعلمه برأفتهما ، إنها هيبة التعظيم والتوقير لاهيبة الخوف من الحساب والعقاب ، هيبة الابوة التي لا يقدّرها الا العارفون.

ثم اقرأ معي هذه الكلمات للإمام :

اللّهم وما تعدّيا علي فيه من قول ، أو أسرفا عليّ فيه من فعل ،

ص: 270

أو ضيعاه من حق ، أو قصّر أبي عنه من واجب فقد وهبته لهما ، وجدتُ به عليهما ورغبتُ اليك في وضع تبعته عنهما فاني لا اتهمهما على نفسي ، ولا استبطأهما في برّيُ ، ولا اكره ما تولّياه من أمري يا ربِّ.

أقول ومن ابلغ الدروس في مراعاة حقوق الآخرين ومعاونتهم وتحقيق معنى الاخوة الإسلامية قوله علیه السلام في دعائه :

اللّهم اني اعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ، ومن معروف أُسدي اليّ فلم اشكره ، ومن مسيء اعتذر الي فلم اعذره ، ومن ذي فاقةِ سألني فلم أُوثره ، ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم أوفره ، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره.

إن هذا الاعتذار من أبدع ما ينبه النفس إلى ما ينبغي عمله من هذه الأخلاق الالهية العالية والمثالية التي لم يحلم بها أرقى عصره في المدنيّة.

حكى ابن شهر آشوب المتوفي سنة 588 في كتابه مناقب آل أبي طالب : ان بعض البلغاء بالبصرة ذكرت عنده الصحيفة الكاملة فقال : خذوا عنى حتى أملي عليكم مثلها ، فاخذ القلم والقرطاس وأطرق رأسه فما رفعه حتى مات.

كتب عنه كثير من العلماء والمفكرين وشروحها تزيد على الخمسين شرحاً وقد كتب الدكتور حسين محفوظ مقالاً عنها وقال : انها تُرجمت إلى الإنكليزية واللوردية والفارسية وان شراحها عددهم 58 شارحاً أقول ولعل اجود هذه الشروح واغزرها ما كتبه السيد عليخان المسمى ب- ( رياض السالكين ) كتاب ضخم ممتع قد طبع طباعة حجرية قديمة بالقطع الكبير.

ص: 271

وفاته :

روى ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ان الإمام علي بن الحسين مات مسموما ، سمه الوليد بن عبد الملك. وقال الصدوق وابن طاووس في الإقبال : سمه الوليد بن عبد الملك. فلما توفي غسله ولده محمد الباقر وحنطه وكفنه وصلى عليه ودفنه.

قال سعيد بن المسيب : وشهد جنازته البر والفاجر ، وأثني عليه الصالح والطالح ، وانهال الناس يتبعونه حتى لم يبق احد ، ودفن بالبقيع مع عمه الحسن في القبة التي فيها العباس.

توفي علیه السلام بالمدينة سنة خمس وتسعين من الهجرة في شهر المحرم الخامس والعشرون منه وله سبع وخمسون سنة من العمر ، والعقب من الحسين منحصر فيه ، ومنه تناسل ولد الحسين علیه السلام .

ص: 272

شاعر يرثي علي الاكبر (عليه السلام) :

قال ابو الفرج في المقاتل : حدثني احمد بن سعيد عن يحيى عن عبيد اللّه بن حمزة عن الحجاج بن المعتمر الهلالي عن أبي عبيدة وخلف الأحمر ان هذه الأبيات قيلت في علي الاكبر :

لم تَر عينُ نظرت مثله *** من محتفٍ يمشي ومن ناعلِ

يغلي نهيء (1) اللحم حتى إذا *** أنضج لم يغل على الآكل

كأن إذا شبِّت له ناره *** يوقدها بالشرف الكأمل

كيما يراها بائس مرمل *** أو فرد حي ليس بالآهل

أعني ابن ليلى ذا السدى والندى (2) *** أعني ابن بنت الحسب الفاضل

لا يؤثر الدنيا على دينه *** ولا يبيع الحقَ بالباطل

ص: 273


1- النهي ، بوزن امير : اللحم الذي لم ينضج و ( نيء ) مهموزاً ، هو كل شيء شانه ان يعالج بطبخ او شيء لم ينضج فيقال : لحم نيء. قال في المصباح : والابدال والادغام عامي. ورواها السيد الامين : يغلى بنيء اللحم ، وقال : وتعدية يغلي بالباء مع انها متعدية بالهمزة لانه اراد يغلي الماء والقدر بنيء اللحم ، ورواها في ابصار العين ( نهيء ) بوزن امير ولكنه مخالف لما جاء في ( المقاتل ) و ( السرائر ) مع عدم الوثوق بصحتهما. وقوله يغلى الاولى من الغليان ، والثانية من الغلاء مقابل الرخص. وجاء في ابصار العين للشيخ السماوي ( يوقدها بالشرف القابل ) وقال : القابل : المقبل عليك ومنه عام قابل. وفي بعض النسخ : يوقدها بالشرف الطائل.
2- ( السدى ) ندى اول الليل ففي مصباح المنير مادة ( ندى ) ان ما يسقط اول الليل من البلل يقال له : سدى. وما يسقط في اخره يقال له : ندى ، ويكنى بكل منها وبهما عن الكرم.
علي بن الحسين الاكبر بن علي بن أبي طالب :

ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان ، وروى الحديث عن جده علي ابن أبي طالب ثم كما حققه ابن ادريس في السرائر ونقله عن علماء التاريخ والنسب. او بعد جده علیه السلام بسنتين كما ذكره الشيخ المفيد قدس سره في الارشاد ، وامه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي عظيم القريتين والذي قالت قريش فيه « لولا انزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم » وعنوا بالقريتين : مكة والطائف. فكان جد ليلى عظيم القريتين ، وهو الذي ارسلته قريش للنبي يوم الحديبية فعقد معه الصلح ثم اسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) من الطائف ، واستأذن النبي في الرجوع لأهله ، فرجع ودعا قومه إلى الإسلام فرماه واحد منهم بسهم وهو يؤذن للصلاة فمات فقال رسول اللّه لما بلغه موته : مثل عروة مثل صاحب ( يس ) دعا قومه الى اللّه فقتلوه.

وامها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن امية ، ولهذا نادى رجل من أهل الكوفة حين برز علي الأكبر للقتال : إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد فان شئت آمنّاك ، فقال له : ويلك لقرابة رسول اللّه أحقّ أن تُرعى.

وروى ابو الفرج ان معاوية قال : من أحقّ الناس بهذا الامر ، قالوا انت قال : لا ، اولى الناس بهذا الامر علي بن الحسين بن علي : جده رسول اللّه ، وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني امية ، وزهو ثقيف.

وكان يشبه بجده رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) في الخَلق والخُلق (1) والمنطق ،

ص: 274


1- الخلق بضم الخاء الطبع ، وبفتحها الصورة.

ويكنى ابا الحسن. ويلقب بالاكبر لأنه الأكبر من أخيه علي الأصغر.

قال السيد هبة الدين الشهرستاني : وكما شابه النبي في الجسم فقد شابه جده علياً في الاسم كما شابهه في الشجاعة وفي تعصبه للحق حتى انه يوم قال الحسين أثناء مسيره : كأني بفارس قد عنّ لي على فرس يقول القوم يسيرون والمنايا تسرى اليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا ، فقال له : يا أبت لا اراك اللّه سوء السنا على الحق ، قال : بلى والذي اليه مرجع العباد : قال يا أبتِ اذن لا نبالي بالموت ، فقال له : جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولداً عن والده.

قال أبو الفرج وغيره : وكان اول من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسين علي بن الحسين علیه السلام ، فانه لما نظر الى وحدة أبيه تقدم اليه ، وهو على فرس له يدعى ذا الجناح - فاستأذنه في البراز - وكان من أصبح الناس وجهاً واحسنهم خلقاً ، فأرخى عينيه بالدموع وأطرق ، ثم قال : - وقد رفع شيبته الى السماء - اللّهم اشهد على هؤلاء فانه قد برز اليهم غلام اشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقا برسولك وكنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا اليه ؛ ثم صاح : يابن سعد قطع اللّه رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول اللّه ، فلما فهم علي الإذن من أبيه شد على القوم وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي *** نحن وبيت اللّه أولى بالنبي

واللّه لايحكم فينا ابن الدعي

فقاتل قتالاً شديداً ، ثم عاد إلى أبيه وهو يقول : يا أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني. فبكى الحسين علیه السلام وقال : واغوثاه أنىّ لي بالماء فقاتل يابني قليلاً واصبر فما اسرع الملتقى بجدك

ص: 275

محمد فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.

فكّر عليهم يفعل فعل أبيه وجده ، فرماه مرة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه.

وقال أبو الفرج : قال حميد بن مسلم الأزدي : كنت واقفاً وبجنبي مرة بن منقذ وعلي بن الحسين يشد على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم ، فقال مرة : عليّ اثام العرب ان مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ به اباه ، فقلت : لا تقل. يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه ، فقال : لأفعلن ، ومر بنا علي وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق فرسه فكرّ به على الأعداء فاحتوشوه بسيوفهم فقطعوه ، فصاح قبل أن يفارق الدنيا : السلام عليك يا أبة هذا جدي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة ، فشد الحسين علیه السلام حتى وقف عليه - وهو مقطع - فقال : قتل اللّه قوماً قتلوك ، يا بني فما أجرأهم على اللّه وعلى انتهاك حرمة الرسول ، ثم استهلّت عيناه بالدموع وقال : على الدنيا بعدك العفا.

وروى أبو الفرج وأبو مخنف عن حميد بن مسلم الأزدي أنه قال : وكأني أنظر الى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهو تنادي : يا حبيباه ، يابن اخياه. فسألت عنها. فقالوا هذه زينب بنت علي بن ابي طالب. فجاءت حتى انكبت عليه ، فجاء الحسين اليها وأخذ بيدها الى الفسطاط ورجع فقال لفتيانه : احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه ثم جاؤا به فوضعه بين يدي فسطاطه.

وقال السيد ابن طاوس في اللّهوف : ثم شهق علي الأكبر شهقة ومات فجاء الحسين حتى وقف عليه ووضع خده على خده وقال : قتل اللّه قوماً قتلوك الى آخر كلامه.

ص: 276

قال الشيخ التستري في الخصائص الحسينية : السلام إما السلام تحية أو سلام توديع ، ففي سلام التوديع يقدمون الخبر ويقولون : عليك مني السلام ، يعني يا ابه اودعك والملتقى يوم القيامة.

وفي نفس المهموم عن روضة الصفا : رفع الحسين صوته بالبكاء ، ولم يسمع احد الى ذلك الزمان صوته بالبكاء.

وفي ناسخ التواريخ ان الحسين لما جاء الى ولده رآه وبه رمق وفتح علي عينيه في وجه أبيه وقال : يا أبتاه أرى أبواب السماء قد انفتحت والحور العين بيدها كؤوس الماء قد نزلن من السماء وهن يدعونني الى الجنة ، فأوصيك بهذه النسوة بأن لا يخمشن علي وجهاً ، ثم سكن وانقطع أنينه.

ص: 277

استدراك :

احببنا ان لا يخلو الكتاب من هذه القصيدة ، وقد فاتنا ذكرها في ترجمة الكميت.

قال الجاحظ في ( البيان والتبيين ) : قيل للفرزدق : أحسن الكميت في مدح هؤلاء الهاشميين قال : وجد آجراً وجصّافبنى ، فقد كان الهاشميون كذلك ، كانوا أقرب الناس الى لطف الشمائل وجميل الخصال :

إن نزلوا فالغيوث باكرةُ *** والاسد - اسد العرين - إن ركبوا

لاهم مفاريح عند توبتهم *** ولا مجازيع إن هم نُكبوا

هينون لينون في بيوتهم *** سنخُ التقى والفضائل النجب

والطيبون المبرأون من الآفةِ *** والمنجبون والنجب

والسالمون المطهرون من العيب *** ورأس الرؤس لا الذنب

وهذه الاخرى من هاشمياته :

طربتَ وهل بك من مطرب *** ولم تتصاب ، ولم تلعبِ

صبابة شوق تهيجُ الحليمَ *** ولا عار فيها على الأشيبِ

وما أنت إلّا رسوم الديار *** ولو كن كالخلل المذهب

ولا ظعن الحي إذ أدْلجت *** بواكر كالاجل والرَّبرب

ولست تصبُّ الى الظاعنين *** إذا ما خليلك لم يصبب

* * *

فدع ذكر من لست من شأنه *** ولا هو من شأنك المنصبُ

ص: 278

وهات الثناء لأهل الثّناء *** بالأصواب قولك فالأصوب

بني هاشمٍ فهم الأكرمون *** بنو الباذخ الأفضل الأطيب

وإياهم فاتخذ أولياءَ *** من دون ذي النّسب الأقرب

وفي حبهم فاتهم عاذلا *** نهاكَ ، وفي حَبلهم فاحطب

أرى لهم الفضل في السَّابقات *** ولم أتمن ، ولم أحسب

مساميح بيضُ ، كرام الجدود *** مراجيع في الرَّهج الأصهب

مواهيب للمنفس المستراد *** لأمثاله ، حين لا موهب (1)

اكارمُ غرّ حسان الوجوه *** مطاعيم للطّارق الأجنب

* * *

وردت مياههم صادياً *** بحائمة ، ورد مستعذب

فما حلأتى عصى السقاة *** ولاقيل : يا أبعد ولا يا أغرب

ولكن بجأجاة الأكرمين *** بحظّي في الأكرم الأطيب

لئن طال شربي بالآجنات *** لقد طاب عندهم مشربي

* * *

أُناس إذا وردت بحرهم *** صوادي الغرائب لم تغرب

وليس التفحش من شأنهم *** ولا طيرة الغضب المغضب

ولا الطعن في أعين المقبلين *** ولا في قفا المدبر المذنب

نجوم الامور إذا إدلمست *** بظلماء ديجورها الغيهب

واهل القديم ، واهل الحديث *** إذا عُقدت حبوة المحتبى

* * *

وشجو لنفسي لم انسه *** بمعترك الطف فالمجنبي

ص: 279


1- المنفس : ما يتنافس فيه ، والمستراد : المطلوب ، ولا موهوب : لاواهب.

كأن خدودهم الواضحاتِ *** بينَ المجر إلى المسْحب

صفائح بيض جلتها القيون *** ممّا تخيرن من يثرب

* * *

او قلّ عدلاً عسى أن أنال *** ما بين شرقٍ إلى مغرب

رفعت لهم ناظري خائف *** على الحق يقدعُ مسترهب

عن كتاب ( ادب الشيعة ) ص 258

ص: 280

شعراء الحسين علیه السلام في القرن الثالث الهجري

اشارة

ص: 281

1 - عبد السلام بن رغبان ( ديك الجن )

2 - خالد بن معدان من شعراء القرن الاول (1)

3 - دعبل بن علي الخزاعي

4 - الحسين بن الضحاك ( الخليع )

5 - عبد اللّه بن المعتز العباسي

6 - الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس ابن علي بن أبي طالب علیه السلام

7 - علي بن محمد بن بسام البغدادي

8 - محمد بن أحمد بن الصقر الموصلي

9 - القاسم بن يوسف الكاتب

10 - علي بن الحسن بن علي بن عمر الاشرف بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علي السلام

11 - محمد الجواليقي

ص: 282


1- 1 - هذه الترجمة ضمن ترجمة ديك الجن

1 - عبد السلام ديك الجن : 2 - خالد بن معدان

اشارة

قال ديك الجن ، في رثاء الحسين (عليه السلام) :

ما انت مني ولا ربعاك لي وطر *** الهمّ امتلك بي والشوق والفكرُ

وراعها ان دمعي فاض منتثراً *** لا اوترى كبدي للحزن تنتثر

اين الحسين وقتلى من بني حسن *** وجعفر وعقيل غالهم عمر (1)

قتلى يحنُّ اليها البيت والحجر *** شوقا وتبكيهم الآيات والسور

مات الحسين بأيد في مغائظها *** طول عليه وفي إشفاقها قصر

لا درّ در الأعادي عندما وتروا *** ودّر درك ما تحوين يا حفر

لما رأوا طرقات الصبر معرضة *** الى لقاءٍ ولقيا رحمة صبروا

قالوا لانفسهم يا حبذا نهل *** محمد وعلي بعده صدر

ردوا هنيئاً مريئاً آل فاطمة *** حوض الردى فارتضوا بالقتل واصطبروا

الحوض حوضكم والجد جدكم *** وعند ربكم في خلقة غير

ابكيكم يابني التقوى وأعولكم *** واشرب الصبر وهو الصاب والصبر

ص: 283


1- اي عمر بن سعد ووفي رواية غالهم غمر ، والغمر الجاهل الحاقد.

في كل يوم لقلبي من تذكركم *** تغريبة ولدمعي فيكم سفر

موتاً وقتلا بهامآت مغلقة *** من هاشم غاب عنها النصر والظفر

كفى بأن اناة اللّه واقعة *** يوماً ولله في هذا الورى نظر

انسى علياً وتفنيد الغواة له *** وفي غد يعرف الأفاك والأشر

حتى اذا ابصر الاحياء من يمن *** برهانة آمنوا من بعد ما كفروا

ام من حوى قصبات السبق دونهم *** يوم القليب وفي اعناقهم زور

أضبع غير علي كأن رافعه *** محمد الخير ام لا تعقل الحمر

الحق ابلج والاعلام واضحة *** لو أمنت انفس الشانين او نظروا

دعوا التخبط في عشواء مظلمة *** ام يبدلا كوكب فيها ولا قمر

وقال يرثي الحسين علیه السلام (1)

يا عين لا للغضا ولا الكتب *** بكا الرزايا سوى بكأ الطربِ

جودي وجدي بملأ جفنك ثمَّ *** احتفلي بالدموع وانسكبي

يا عين في كربلاء مقابل قد *** تركن قلبي مقابل الكرب

مقابُر تحتها منابر من *** علم وحلم ومنظر عجب

من البهاليل آل فاطمة *** اهل المعالي السادة النجب

كم شرقت منهم السيوف وكم *** رُويت الارض من دم سرب

نفسي فداء لكم ومن لكم *** نفسي وامي واسرتي وابي

لاتبعدوا يا بني النبي على *** ان قد بعدتم والدهر ذو نوب

يا نفس لا تسأمي ولا تضقي *** وارسي على الخطب رسوة الهضب

صوني شعاع الضمير واستشعري *** الصبر وحسن العزاء واحتسبي

فالخلق في الارض يعجلون *** ومولاك على توأدٍ ومرتقب

ص: 284


1- 1 - عن ديوانه المطبوع في بيروت سنة 3183 ه-

لابد ان يحشر القتيل وأن *** يسأل ذو قتله عن السبب

فالويل والنار والثبور لمن *** قد اسلموه للجمرة واللّهب

يا صفوة اللّه في خلائقة *** واكرم الاعجمين والعرب

انتم بدور الهدى وانجمه *** ودوحة المكرمات والحسب

وساسة الحوض يومَ لانهل *** لمورديكم موارد العطب

فكرت فيكم وفي المصاب *** فما انفك قوادي يعوم في عجب

ما زلتم في الحياة بينهم *** بين قتيل وبين مستلب

قد كان في هجركم رضى بكم *** وكم رضى مشرج على غضب

حتى اذا اودع النبي شجا *** قيد لهاة القصاقص الحرب

مع بعيدين احرزا نسبا *** مع بعد دار عن ذلك النسب

ما كأن تيم لهاشم بأخ *** ولا عدي لاحمد بأب

لكن حديثا عداوة وقلى *** تهورا في غيابة الشقب (1)

قاما بدعوى في الظلم غالبةٍ *** وحجة جزلة من الكذب

من ثم اوصى به نبيكم *** نصا فابدى عداوة الكلب

ومن هناك انبرى الزمان لهم *** بعد التياط بغاربٍ جشب (2)

لا تسلقوني بحد السنتكم *** ما أرب الظالمين من اربي

انا الى اللّه راجعون على *** سهوالليالي وغفلة النوب

غدا عليُ ورب منقلب *** اشأم قد عاد غير منقلب

فاغتره السيف وهو خادمه *** متى يُهب في الوغى به يجب

اودى ولو مد عينه اسد الغاب *** لناجي السرحان في هرب

يا طول حزني ولوعتي وتباريحي *** ويا حسرتي وياكربتي

لهول يوم تقلص العلم *** والدين بثغريهما عن الشنب

ص: 285


1- الشقب : مهواة مابين كل جبلين ، والجمع شقاب وشقوب.
2- الالتياط : الالتصاق ، الجشب ، الخشن.

ذلك يوم لم ترم جائحة *** بمثله المصطفى ولم تصب

يوم اصاب الضحى بظلمته *** وقنع الشمس من دجى الغُهب

وغادر المعولات من هاشم *** الخير حيارى مهتوكة الحجب

تمري عيونا علي ابي حسن *** مخفوقة بالكلام والندب

تغمر ربع الهموم اعينها *** بالدمع حزناً لربعها الخرب

تئن والنفس تستدير بها *** رحى من الموت مرة القطب

لهفي لذاك الرواء ام ذلك *** الرأي وتلك الانباء والخطب

يا سيد الاوصياء والعالي *** الحجة والمرتضى وذا الرتب

ان يسر جيش الهموم منك *** الى شمس منى والمقام والحجب

فربما تقْعَص الكماة باقدامك *** قعصاً يُجثى على الركب

ورب مقورةٍ ململمة *** في عارضٍ للحمام منسكب

فللت ارجاءها وجحفلها *** بذي صقال كوامض الشهب

او اسمر الصدر اصفر ازرق *** الرأس وان كأن احمر الحلب

اودى علي صلى على روحه *** اللّه صلاة طويلة الدأب

وكل نفس لحينها سبب *** يسرى اليها كهيئة اللعب

والناس بالغيب يرجمون وما *** خلتهم يرجمون عن كثب (1)

وفي غد فاعلمي لقاؤهم *** فإنهم يرقبون ، فارتقب

وقال من مرثية في الحسين علیه السلام :

اصبحت ملقى في الفراش سقيما *** اجدُ النسيم من السقام سموما

ص: 286


1- 1 - عن كثب : عن قرب

ماء من العبرات حرّى ارضه *** لو كان من مطر لكان هزيما (1)

وبلابلُ لو انهن مآكل *** لم تخطىء الغسلين والزقوما (2)

وكرىً يرو عنّي سرى لو انه *** ظل لكان الحر واليحمومآ (3)

مرت بقلبي ذكريات بني الهدى *** فنسيت منها الروح والتهويما (4)

ونظرت سبط محمد في كربلا *** فرداً يعاني حزنه المكظوما

تنحو اضالعه سيوف امية *** فتراهم الصمصوم فالصمصوما

فالجسم اضحى في الصعيد موزعاً *** والرأس امسى في الصعاد (5) كريما

وقال في اهل البيت علیهم السلام :

شرفي محبة معشر *** شرقوا بسورة هل اتى

وولايَ فيمن فتكه *** لذوي الضلالة اخبتا (6)

واذا تكلم في الهدى *** جحّ الغوي وأسكتا

فلفتكه ولهديه *** سماه ذو العرش الفتى

ثبت اذا قد ماسوا *** في المهاوي زلتا

لم يعبد الصنام قط *** ولا أراب ولا عتا (7)

صنوان هذا منذر *** وافى ، وذاهاد أتى

يهدي لما اوفى به *** حكم الكتاب وأثبتا

فهو القرين له وما *** افترقا يصيف أو شتا

ص: 287


1- الهزيم : صوت الرعد والرعد نفسه.
2- الغسلين : ما انغسل من لحوم اهل النار ودمائهم ومنه قوله تعالى « فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام الا من غسلين ». والزقوم. اسم طعام لهم.
3- اليحموم : الدخان الاسود قال تعالى « وظل من يحموم ».
4- الروح : الرحمة. هوم الرجل تهويما اذا هز رأسه من النعاس
5- 5 - الصعاد : مفردها الصعدة وهي القناة المستوية ، ويريد بها هنا الرماح
6- 6 - أخبت : اخشت واذل
7- أراب : جعل فيه ريبه. عتا : استكبر وجاوز الحد ، فهو عات وعتي

لكنما الاعداء لم *** يدعوه أن يتلفتا

ثقل الهدى وكتابه *** بعد النبي تشتتا

واحسرتا من غضبه *** وسكوته ، واحسرتا

طالت حياة عدوه *** حتى متى ، والى متى

وقال بمدحه علیه السلام واولها :

دعوا ابن ابي طالب للهدى *** ونحر العدى كيفما يفعل

وقال في الزهراء ، واولها :

يا قبر فاطمة الذي ما مثله *** قبر بطيبة طاب فيه مبيتا

وقال يمدح اهل البيت علیهم السلام من ارجوزته الكاملة :

ان الرسول لم يزل يقول *** والخير ما قال به الرسول

وقال يمدح الامام علي بن أبي طالب ويتظلم له ، واولها :

اصبحتُ جمّ بلابل الصدر *** وأبيت منطوياً على الجمر

ان بحت يوماً طل فيه دمي *** ولئن كتمت يضق به صدري

وهذه القصائد كلها في ديوانه المطبوع في بيروت - لبنان ، وقال :

جاؤا برأسك يابن بنت محمد *** مترملا بدمآئه ترميلا

وكأنما بك يابن بنت محمد *** قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا *** في قتلك التنزيل والتأويلا

ويكبرون بان قتلت وانمآ *** قتلوا بك التكبير والتهليلا

قال السيد الامين في اعيان الشيعة جزء 4 ص 374 وروى ان خالد بن معدان الطائي من فضلاء التابعين لما شاهد رأس الحسين علیه السلام بالشام اخفى نفسه شهرا من جميع اصحابه فلما وجدوه بعد اذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك ، فقال : الا ترون ما نزل بنا ، ثم أنشأ يقول الابيات (1) وجاء في الجزء 29 ص 140 من الاعيان ايضاً.

ص: 288


1- ورواها ابن عساكر في تاريخ دمشق وزاد هذا البيت : نقضوا الكتاب المستبين وأبرموا *** ما ليس مرضياً ولا مقبولا
خالد بن معدان الطائي

في حاشية تهذيب التهذيب عن المغني للذهبي : معدان بمفتوحة وسكون عين مهملة ، وخفة دال مهملة.

كان خالد هذا من فضلاء التابعين المختصين بامير المؤمنين (عليه السلام) .

قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) : خالد بن معدان الطائي من فضلاء التابعين واهل الصلاح والذين ارسله عبد اللّه بن عباس ايام ولايته من قبل امير المؤمنين علیه السلام على البصرة بجند من اهل البصرة الى الاهواز ممداً به معقل ابن قيس الرياحي امير الجيش المحارب بأمر علي للناجي الخارجي بالاهواز وكتب اليه معه ، وجهت اليك خالد بن معدان الطائي مع رجال من المسلمين وهو من اهل الدين والصلاح والنجدة فاعرف ذلك له ان شاء اللّه. ذكر ذلك ابن هلال الثقفي في كتاب ( الغارات ) ، ويظهر من نسبة ابن شهر آشوب في المناقب له الابيات الاربعة المشهورة في رثاء الحسين التي اولها : ( جاؤا برأسك يابن بنت محمد ) انه بقي الى ما بعد قتل الحسين علیه السلام ، ويعلم مما نقل الفاضل المجلسي عن بعض كتب المناقب القديمة انه كان يومئذ بالشام فانه روى عن الكتاب المذكور باسناده عن البيهقي عن علي بن محمد بن الاديب يذكر باسناد له : ان رأس الحسين لما صلب بالشام اختفى خالد بن معدان - وهو من افضل التابعين - عن اصحابه فطلبوه شهراً حتى وجدوه ، فسألوه عن عزلته فقال : اما ترون ما نزل بنا ، ثم انشأ يقول : جاؤا برأسك يابن بنت محمد ... الابيات.

قال : وقد نسب الى خالد بن معدان في رثاء الحسين علیه السلام ، قالها حين

ص: 289

مجيء السبايا والرؤس الى الشام ويبعد ان يكون هو الطائي هذا ، لانه يكون قد بلغ المائة او تجاوزها ولو كان كذلك لذكر ، ويمكن كونه الكلاعي الشامي الحمصي المتوفي سنة 103 او اكثر.

اقول : اما الشيخ ابن نما الحلي رحمه اللّه ، فقد نسبها لابن سنان الخفاجي كما ذكر ذلك في ( مثير الاحزان ) والظاهر ان ابن سنان له ابيات تشبه هذه الابيات في المعنى فحصل التوهم.

ثم ان السيد الامين رحمه اللّه ذكر هذه الابيات في الجزء 38 ص 30 في ترجمة ديك الجن وانها من نظمه ولم يناقش في ذلك ، وديك الجن هو : ابو محمد عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد اللّه بن رغبان بن مزيد ابن تميم الكلبي الحمصي ولد سنة 161 بسلمية وتوفي سنة 235 ه- 850 م او 236

وقال عن ديك الجن :

عمره اربع وسبعون سنة او خمس وسبعون ، ذكره ابن شهر آشوب في شعراء اهل البيت (عليهم السلام). شاعر الدنيا وصاحب الشهرة بالادب فاق شعراء عصره وطار ذكره وشعره في الامصار حتى صاروا يبذلون الاموال للقطعة من شعره ، قال ابن خلكان : وهو من اهل سلمية ولم يفارق الشام مع ان خلفاء بني العباس في عصره ببغداد فلا رحل الى العراق ولا الى غيره منتجعاً بشعره ، وكان يتشيع تشيعا حسناً ، وله مراث في الحسين (عليه السلام) ، وقال ابن شهر آشوب : افتتن الناس بشعره في العراق وهو في الشام حتى انه اعطي ابا تمام قطعة من شعره ، وقال له يا فتى اكتسب بهذا واستعن به على قولك ، فنفعه في العلم والمعاش. قال عبد اللّه بن محمد بن عبد الملك الزبيدي كنت جالساً عند ديك الجن فدخل عليه حَدثِ فانشده شعراً عمله فاخرج ديك الجن من تحت مصلاه درجاً كبيراً فيه كثير من شعره فسلمه اليه ، وقال له : يا فتى تكسب بهذا واستعن به على قولك فلما خرج سألته عنه ، فقال : هذا فتى من اهل حاسم يذكرانه من طيء يكنى اباتمام واسمه حبيب بن اوس وفيه ادب وذكاء وله قريحة وطبع - الحديث.

ص: 290

يعتبر الشاعر ديك الجن في طليعة شعراء القرن الثالث الهجري ومن ابرزهم في الرثاء ، ولم يجاره في مدح آل البيت ورثائهم الا السيد الحميري وشعره يقوم دليلاً قوياً على انه شاعر مطبوع ترتاح له النفس وتتذوقه الاسماع والقلوب ، وولاؤه لأهل البيت ظاهر على شعره.

ومن شعره في امير المؤمنين علي علیه السلام :

سطا يوم بدر بقرضابه *** وفي اُحدٍ لم يزل يحملُ

ومن بأسه فتحت خيبر *** ولم يُنجها بابها المقفل

دحا اربعين ذراعاً به *** هزبر له دانت الاشبل

واوردت له البيهقي في المحاسن والمساوى هذه القصيدة :

لا تقفْ للزمان في منزل الضيم *** ولا تستكن لرقة حالِ

واهن نفسك الكريمة للموت *** وقحّم بها على الاهوال

فلعمري للموت ازين للحر *** من الذل ضارعاً للرجال

اي ماء يدور في وجهك الحر *** اذا ما امتهنته بالسؤال

ثم لا سيما اذا عصف الدهر *** بأهل الندى واهل النوال

غاضت المكرمات وانقرض *** الناس وبادت سحائب الافضال

فقليل من الورى من تراه *** يرتجى او يصون عرضاً بمال

وكذاك الهلال اول مآ *** يبدو نحيلا في دقة الخلخال

ثم يزداد ضوئه فتراه *** قمراً في السماء غير هلال

عاد تدميثك المضاجع *** للجنب فعال الخريدة المكسال

عامليُّ النتاج تطوى له الارض *** اذا ما استعد للانفال

جرشع لاحق الا ياطل كالاعفر *** ضافي السبيب غير مذال

واتخذ ظهره من الذل حصناً *** نعم حصن الكريم في الزلزال

لا احب الفتى اراه اذا مآ *** عضه الدهر جاثماً في الظلال

ص: 291

مستكيناً لذي الغنى خاشع *** الطرف ذليل الادبار والاقبال

اين جوبُ البلاد شرقا وغرباً *** واعتساف السهول والاجبال

واعتراض الرقاق يوضع فيها *** بظباء النجاد والعمال

ذهب الناس فاطلب الرزق *** بالسيف والا فمُت شديد الهزال

وقال يهجو اهل حمص لان خطيبهم كان يكثر الصلاة على محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) :

سمعوا الصلاة على النبي توالى *** فتفرقوا شيعاً وقالوا لا ، لا

ثم استمر على الصلاة إمامهم *** فتحزبوا ورمى الرجال رجالا

يا آل حمص تَوقعوا من عارها *** خزياً يحلّ عليكم ووبالا

شاهت (1) وجوهكم وجوهاً طالما *** رغمت معاطسها وساءت حالا

ان يثن من صلى عليه كرامة *** فاللّه قد صلى عليه تعالى

وقال يرثى ابا تمام الطائي :

فُجع القريض بخاتم الشعراء *** وغدير روضتها حبيب الطائي

ماتا معاً فتجاورا في حفرة *** وكذاك كانا قبلُ في الاحياء

ومن شعره :

ما الذنب الالجدي حين ورثني *** علماً وورثه من قبل ذاك أبي

فالحمد لله حمداً لانفاد له *** ما المرء الا بما يحوي من النسب

وقوله :

او ما ترى طمري بينهما *** رجل الحّ بهز له الجدُّ

فالسيف يقطع وهو ذو صدأ *** والنصل يقرى الهام لا الغمد

هل تنعفنَّ السيف حيلتهُ *** يوم الجلاد إذا بنا الحدُّ

وله :

أيا قمراً تبسم عن اقاحا *** ويا غصناً يميل مع الرياح

ص: 292


1- شاهت : قبحت. المعطس الانف.

جبينك. والمقلّد والثنايا *** صباح في صباح في صباح

ويقال انه كان له غلام وجارية كان يحبهما حباً شديداً فرآهما على حالة مكروهة فقتلهما وقال في الجارية :

يا طلعةً طلع الحمام عليها *** فجنى لها ثمر الردى بيديها

رويت من دمها الثرى ولطالما *** روى الهوى شفتي من شفتيها

وقال في الغلام :

ياسيف إن ترم الزمان بغدره *** فلأنت ابدلت الوصال بهجره

فقتلته وله على كرامة *** ملأ الحشا وله الفؤاد بأسره

عهدي به ميتاً كاحسن نائم *** والحزن يسفح أدمعي في حجره

وقال وقد ندم على قتله جاريته :

جاءت تزور فراشي بعدما *** قبرت فظلت ألثم نحراً زانه العود

وقلت قرة عين قد بعثت لنا *** فكيف ذا وطريق القبر مسدود

قالت هناك عظامي فيه مودعة *** تعيت فيه نبات الارض والدود

وهذه الروح قد جاءتك زائرة *** هذي زيارة من في الارض ملحود

اقول وجاء في وفيات الاعيان لإبن خلكان تتمة للبيتين الذين رثي بهما الجارية وهي :

مكنت سيفي من مجال وشاحها *** ومدامعي تجري على خديها

فوحق نعليها وما وطىء الحصى *** شيىء اعز علىَّ من نعليها

ص: 293

ما كان قتلتها لأني لم اكن *** ابكي اذا سقط الغبار عليها

لكن بخلت علىَ سواي بحبها *** وانفتُ من نظر الغلام اليها

قال وصنعت اخت الغلام :

ياويح ديك الجن يا تباً له *** ماذا تضمن صدره من غدره

قتل الذي يهوى وعمّر بعده *** يارب لا تمدد له في عمره

ص: 294

3 - دعبل بن علي الخزاعي :

اشارة

تجاوبن بالإرنان والزفرات *** نوائح عجم اللفظ والنطقاتِ

يخبرن بالانفاس عن سر أنفس *** أسارى هوى ماضِ وآخرآت

فاسعدن أو أسعفن حتى ثقوضت *** صفوف الدجى بالفجر منهزمات

على العرصات الخاليات من المهى *** سلام شجِ صبّ على العرصات

فعهدي بها خضر المعاهد مألفاً *** من العطرات البيض والخضرات

ليالي يعيدن الوصال على القلى *** ويعدي تدانينا على الغربات

وإذ هنَّ يلحظن العيون سوافرا *** ويسترن بالايدي على الوجنات

وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة *** يبيت لها قلبي على نشوات

فكم حسراتٍ هاجها بمحسّر *** وقوفي يوم الجمع من عرفات

ألم تر للايام مآ جرّ جورها *** على الناس من نقص وطول شتات

ومن دول المستهزئين(المستهترين) ومن غدا *** بهم طالباً للنور في الظلمات

فكيف ومن أنى يطالب زلفة *** الى اللّه بعد الصوم والصلوات

سوى حب أبناء النبي ورهطه *** وبغض بني الزرقاء والعبلات

وهند وما أدّت سمية وابنها *** اولوا الكفر في الاسلام والفجرات

هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه *** ومحكمه بالزور والشبهات

ولم تك إلا محنة كشفتهم *** بدعوى ضلال من هنٍ وهنات

تراث بلا قربى وملك بلا هدى *** وحكم بلا شورى بغير هداة

رزايا أرتنا خضرة الافق حمرة *** وردّت اجاجا طعم كل فرات

وما سهلت تلك المذاهب فيهم *** على الناس إلا بيعة الفلتات

ص: 295

ولو قلدوا الموصى اليه زمامها *** لزمت بمأمون على العثرات

اخي خاتم الرسل المصفى من القذى *** ومفترس الابطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهيده *** وبدر وأُحد شامخ الهضبات

وآي من القرآن تتلى بفضله *** وإيثاره بالقوت في اللزبات

وغرّ خلال أدركته بسبقها *** مناقب كانت فيه مؤتنفات

مناقب لم تدرك بكيدٍ ولم تنل *** بشيء سوى حد القنا الذربات

نجي لجبريل الامين وانتم *** عكوف على العزى معاً ومناة

بكيت لرسم الدار من عرفات *** وأذريت دمع العين بالعبرات

وفك عرى صبري وهاجت صبابتي *** رسوم ديار قد عفت وعرات

مدارس أيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول اللّه بالخيف من منى *** وبالبيت والتعريف والجمرات

ديار لعبد اللّه بالخيف من منى *** وللسيد الداعي الى الصلوات

ديار علي والحسين وجعفر *** وحمزة والسجاد ذي الثفنات

ديار لعبد اللّه والفضل صنوه *** نجي رسول اللّه في الخلوات

وسبطي رسول اللّه وابني وصيه *** ووارث علم اللّه والحسنات

منازل وحي اللّه ينزل بينها *** على أحمد المذكور في السورات

منازل قوم يهتدى بهداهم *** فتؤمن منهم زلة العثرات

منازل كأنت للصلاة وللتقى *** وللصوم والتطهير والحسنات

منازل لا فعل يحل بريعها *** ولا ابن فعال هاتك الحرمات

ديار عفاها جور كل منابذ *** ولم تعف للايام والسنوات

فيا وارثي علم النبي وآله *** عليكم سلام دائم النفحات

لقد آمنت نفسي بكم في حياتها *** واني لارجو الأمن بعد مماتي

قفا نسأل الدار التي خف أهلها *** متى عهدها بالصوم والصلوات

واين الاولى شطت بهم غربة النوى *** أفانين في الافاق ( الاقطار ) مفترقات

هم أهل ميراث النبي اذا اعتزوا *** وهم خير سادات وخير حماة

اذا لم نناج اللّه في صلواتنا *** باسمائهم لم يقبل الصلوات

ص: 296

مطاعيم في الاقتار ( الاعسار ) في كل مشهد *** لقد شرفوا بالفضل والبركات

وما الناس إلا غاصب ومكذب *** ومضطغن ذو إحنة وترات

اذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر *** ويوم حنين أسبلوا العبرات

فكيف يحبون النبي ورهطه *** وهم تركوا أحشاءهم وغرات

لقد لاينوه في المقال وأضمروا *** قلوباً على الاحقاد منطويات

فان لم تكن إلا بقربي محمد *** فهاشم أولى من هن وهنات

سقى اللّه قبراً بالمدينة غيثه *** فقد حل فيه الأمن بالبركات

نبي الهدى صلى عليه مليكه *** وبلغ عنا روحه التحفات

وصلى عليه اللّه مآ ذرّ شارق *** ولاحت نجوم الليل مبتدرات

* * *

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا *** وقد مآت عطشانا بشط فرات

إذاً للطمت الخد فاطم عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي *** نجوم سماوات بارض فلاة

قبور بكوفان واخرى بطيبة *** واخرى بفخ نالها صلواتي

واخرى بأرض الجوزجان محلها *** وقبر بباخمري لدى الغربات

وقبر ببغداد لنفس زكية *** تضمنها الرحمن في الغرفات

فقال الرضا علیه السلام : افلا أُلحق لك بيتين بهذا الموضع بهما تمام قصيدتك فقال بلى يا ابن رسول اللّه ، فقال الرضا علیه السلام - :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة *** الحت على الاحشاء بالزفرات

الى الحشر حتى يبعث اللّه قائما *** يفرج عنا الغم والكربات

فقال دعبل : هذا القبر الذي بطوس قبر من؟ قال الرضا علیه السلام : هو قبري.

ص: 297

علي بن موسى أرشد اللّه أمره *** وصلى عليه أفضل الصلوات

* * *

فأمآ الممضات التي لست بالغا *** مبالغها مني بكنه صفات

قبور بجنب النهر من أرض كربلا *** معرسهم فيها بشط فرات

توفوا عطاشى بالفرات فليتني *** توفيت فيهم قبل حين وفاتي

الى اللّه اشكو لوعة عند ذكرهم *** سقتني بكأس الثكل والفظعات

أخاف بأن أزدارهم فتشوقنى *** مصارعهم بالجزع فالنخلات

تقسمهم ( تغشاهم ) ريب المنون فما نرى *** لهم عقوة مغشية الحجرات

خلا إن منهم بالمدينة عصبة *** مدينين انضاء من اللزبات

قليلة زوار سوى أن زوّراً *** من الضبع والعقبان والرخمات

لهم كل يوم تربة بمضاجع *** ثوت في نواحي الارض مفترقات

تنكب لأواء السنين جوارهم *** ولا تصطليهم جمرة الجمرات

وقد كان منهم في الحجاز وأرضها *** مغاوير نحّارون في الازمآت

حمى لم تزره المدنيات وأوجه *** تضيء لدى الاستار في الظلمات

اذا وردوا خيلا بسمر من القنا *** مساعير حرب اقحموا الغمرات

وان فخروا يوما اتوا بمحمد *** وجبريل والفرقان ذي السورات

وعدّوا علياً ذا المناقب والعلى *** وفاطمة الزهراء خير بنات

وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى *** وجعفراً الطيار في الحجبات

ولائك لا منتوج ( ملتوج ) هند وحزبها *** سمية من نوكى ومن قذرات

ستسأل فعل عنهم وفعيلها *** وبيعتهم من أفجر الفجرات

وهم منعوا الآباء عن أخذ حقهم *** وهم تركوا الابناء رهن شتات

وهم عدلوها عن وصي محمد *** فبيعتهم جاءت على الغدرات

وليهم صفو النبي محمد *** ابو الحسن الفرّاج للغمرات

ص: 298

ملامك في آل النبي فانهم *** أحبّاي ماداموا واهل ثقاتي

تخيرتهم رشداً لنفسي انهم *** على كل حال خيرة الخيرات

نبذت اليهم بالمودة صادقاً *** وسلمت نفسي طائعاً لولاتي

فيا رب زدني في هواي بصيرة *** وزد حبهم يا رب في حسناتي

سأبكيهم مآ حج لله راكب *** وما فاح قمري على الشجرات

واني لمولاهم وقال عدوهم *** واني لمحزون بطول حياتي

بنفسي أنتم من كهول وفتية *** لفكِّ عناةٍ او لحمل ديات

وللخيل لما قيد الموت خطوها *** فاطلقتم منهن بالذربات

احب قصي الرحم من أجل حبكم *** وأهجر فيكم أسرتي وبناتي

واكتم حبيكم مخافة كأشح *** عنيد لأهل الحق غير مواتي

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة *** فقد آن للتسكأب والهملات

لقد خفت في الدنيا وايام سعيها *** وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

ألم تراني من ثلاثون حجة *** أروح وأغدو دائم الحسرات

أرى فيأهم في غيرهم متقسماً *** وأيديهم من فيئهم صفرات

فكيف أداوي من جوي لي والجوى *** امية أهل الفسق والنبعات

وآل زياد في ( القصور ) مصونة *** وآل رسول اللّه في الفلوات

سأبكيكم ما ذر في الارض شارق *** ونادى منادي الخير بالصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها *** وبالليل أبكيكم وبالغدوات

ديار رسول اللّه اصبحن بلقعا *** وآل زياد تسكن الحجرات

وآل رسول اللّه تدمى نحورهم *** وآل زياد آمنوا السربات

وآل رسول اللّه تسبى حريمهم *** وآل زياد ربة الحجلات

اذا وتروا مدوا الى واتريهم *** أكفاً عن الاوتار منقبضات

فلولا الذي ارجوه في اليوم أو غد *** تقطع نفسي إثرهم حسراتي

خروج إمآم لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه والبركات

يميز فينا كل حق وباطل *** ويجزي على النعماء والنقمات

ص: 299

فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري *** فغير بعيد كل مآ هو آتي

ولا تجزعي من مدة الجور إنني *** أرى قوتي قد آذنت بثبات

فان قرّب الرحمن من تلك مدتي *** وأخر من عمري ووقت وفاتي

شفيت ولم أترك لنفسي غصة *** ورويت منهم منصلي وقناتي

فاني من الرحمن أرجو بحبهم *** حياة لدى الفردوس غير ثبات

عسى اللّه ان يرتاح للخلق انه *** الى كل قوم دائم اللحظات

فان قلت عرفا أنكروه بمنكر *** وغطوا على التحقيق بالشبهات

تقاصر نفسي دائما عن جدالهم *** كفاني ما ألقى من العبرات

احوال نقل الصم عن مستقرها *** واسماع احجار من الصلدات

فحسبي منهم ان أبوء بغصة *** تردد في صدري وفي لهواتي

فيمن عارف لم ينتفع ومعاند *** تميل به الاهواء للشهوات

كأنك بالاضلاع قد ضاق ذرعها *** لما حملت من شدة الزفرات

قال ابو الفرج في الأغاني قصيدة دعبل :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

من احسن الشعر وفاخر المدائح المقولة في اهل البيت علیهم السلام قصد بها علي بن موسى الرضا علیه السلام بخراسان ، قال دخلت على علي بن موسى الرضا علیه السلام فقال لي انشدني فأنشدته ( مدارس آيات ) حتى انتهيت الى قولي :

اذا وُتروا مدوا الى واتريهم *** اكفاً عن الاوتار منقبضات

بكى حتى أُغمي عليه ، وأومأ إلي الخادم كان على رأسه : أن اسكت فسكت ، فمكث ساعة ثم قال لي أعد. فأعدت حتى انتهيت الى هذا البيت ايضاً فأصابه مثل الذي اصابه في المرة الاولى وأومأ الخادم الي : ان اسكت فسكت وهكذا ثلاث مرات فقال لي احسنت - ثلاث مرات ثم أمر لي بعشرة

ص: 300

آلاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن دفعت الى احد بعد ، وأمر لي من منزله بحلى كثير اخرجه إلي الخادم فقدمت العراق فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم اشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة الف درهم فكان اول مال اعتقدته.

وروي ان دعبلاً استوهب من الرضا علیه السلام ثوباً قد لبسه ليجعله في اكفانه فخلع جبة كانت عليه فأعطاه إياه وبلغ اهل قم خبرها فسألوه ان يبيعهم إياها بثلاثين الف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصبا ، وقالوا له : إن شئت ان تأخذ المال فافعل والا فانت اعلم ، فقال لهم : اني واللّه لااعطيكم إياها طوعا ولا تنفعكم غصبا واشكوكم الى الرضا ، فصالحوه على ان اعطوه الثلاثين الف درهم وفرد كمٍّ من بطانتها فرضي بذلك فأعطوه فُرد كمٍّ فكان في اكفانه.

وكتب قصيدته على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في اكفانه.

قال ابن الفتال في الروضة وابن شهراشوب في المناقب : وروى ان دعبل انشدها الامام علیه السلام من قوله : مدارس آيات. فقيل له لم بدأت بمدراس ايات فقال : استحيت من الامام علیه السلام ان انشده التشبيب فانشدته المناقب.

وقال :

تأسفتْ جارتي لما رأت زوري *** وعدّت الحلم ذنباً غير مغتفر

ترجو الصبا بعدما شابت ذوائبها *** وقد جرت طلقاً في حلبة الكبر

أجارتي! إن شيب الرأس ثقَّلني *** ذكر المعاد وارضاني عن القدر

لو كنت اركن للدنيا وزينتها *** إذن بكيت على الماضين من نفري

أخنى الزمان على أهلي فصدّعهم *** تصدع القعب لاقى صدمة الحجر

بعض أقام وبعض قد أهاب به *** داعي المنية والباقي على الأثر

ص: 301

أمآ المقيم فأخشى أن يفارقني *** ولستُ أوبة من ولى بمنتظر

أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي *** كحاكم قصَّ رؤيا بعد مدّكر

لولا تشاغل نفسي بالأولى سلفوا *** من أهل بيت رسول اللّه لم اقر

وفي مواليك للمحزون مشغلة *** من ان تبيت لمفقودِ على أثر

كم من ذراعِ لهم بالطف بائنة *** وعارض من صعيد الترب منعفر

أنسى الحسين ومسراهم لمقتله *** وهم يقولونَ : هذا سيدُ البشر!

يا أمة السوء ما جازيت أحمد عن *** حسن البلاء على التنزيل والسور

خلفتموه على الابناء حين مضى *** خلافة الذئب في أبقار ذي بقر

وليس حي من الأحياء تعلمهُ *** من ذي يمانٍ ومن بكرٍ ومن مضر

الا وهم شركاء في دمائهم *** كما تشاركَ ايسار على جزر (1)

قتلاً واسراً وتحريقاً ومنهبة : *** فعل الغزاة بأرض الروم والخزر

أرى امية معذورين إن قتلوا *** ولا أرى لبني العباس من عذر

ابناء حربٍ ومروانٍ واسرتهم *** بنو معيطٍ ولاة الحقد والوغر

قوم قتلتم على الإسلام أولهم *** حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر

اربعْ بطوس على قبر الزكي بها *** إن كنت تربع من دينِ على وطر

قبران في طوس : خير الخلق كلهم *** وقبر شرهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما *** على الزكي بقرب الرجس من ضرر

هيهات كل امريء رهن بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذر

حدث ميمون بن هارون قال : قال ابراهيم بن المهدي للمأمون في دعبل يحرضه عليه ، فضحك المامون وقال : إنما تحرضني عليه لقوله فيك :

يا معشر الاجناد لا تقنطوا *** وارضوا بما كان ولا تسخطوا

ص: 302


1- الياسر : الذي يلي قسمة الجزور. والجزور الناقة المجزورة.

فسوف تعطون حُنينيةً *** يلتذها الامرد والاشمط

والمعبديات لقوادكم *** لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكذا يرزق قواده *** خليفة مصحفه البربط

حدث ابو ناجية قال : كان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه ، وبلغ دعبلا انه يريد اغتياله وقتله فهرب الى الجبل وقال يهجوه :

بكى لشتات الدين مكتئب صب *** وفاض بفرط الدمع من عينه غرب

قام إمآم لم يكن ذا هداية *** فليس له دين وليس له لب

ومآ كانت الانباء تأتي بمثله *** يُملّك يوماً أو تدين له العربُ

ولكن كما قال الذين تتابعوا *** من السلف الماضين اذ عظم الخطب

ملوك بني العباس في الكتب سبعة *** ولم تأتنا عن ثامن لهم كتب

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة *** خيار إذا عُدّوا وثامنهم كلب

وإني لأعلي كلبهم عنك رفعةً *** لأنك ذو ذنب وليس له ذنب

لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم *** وصيف واشناسُ وقد عظم الكرب

وفضل ابن مروان يثلم ثلمة *** يظّل لها الاسلام ليس له شعب

وحدث ميمون بن هارون قال : لما مات المعتصم قال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه :

قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا *** في خير قبر لخير مدفون

لن يجبر اللّه امة فقدت *** مثلك إلا بمثل هارون

فقال دعبل يعارضه :

قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا *** في شرّ قبر لشرّ مدفون

ص: 303

إذ هب إلى النار والعذاب فما *** خلتك إلا من شياطين

ما زلت حتى عقدت بيعة من *** أضّر بالمسلمين والدين

ودخل عبد اللّه بن طاهر على المأمون فقال له المأمون : أي شيء تحفظ يا عبد اللّه لدعبل ، فقال احفظ ابياتاً له في أهل البيت أمير المؤمنين ، قال : هاتها ويحك ، فانشده عبد اللّه قول دعبل :

سقياً ورعيا لأيام الصبابات *** أيام أرفل في أثواب لذاتي

ايام غصني رطيب من ليانته *** أصبو إلى خير جارات وكنات

دع عنك ذكر زمان فات مطلبه *** واقذف برجلك عن متن الجهالات

واقصد بكل مديح انت قائله *** نحو الهداة بني بيت الكرامات

فقال المأمون : انه قد وجد واللّه مقالاً ونال ببعيد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم ، ثم قال المأمون: لقد احسن في وصف سفر سافره فطال ذلك السفر عليه فقال فيه:

ألم يأن للسفر الذين تحملوا *** إلى وطن قبل الممات رجوع

فقلت ولم أملك سوابق عبرةٍ *** نطقن بما ضمّت عليه ضلوع

تبين فكم دار تفرّق شملها *** شمل شتيتٍ عاد وهو جميع

كذاك الليالي صرفهن كما ترى *** لكل اناس جدبة وربيع

ثم قال : ما سافرتُ قط الا كانت هذه الأبيات نصب عيني في سفري وهجيرتي ومسيلتي حتى أعود.

قال ابن قتيبه في « الشعروالشعراء » وهو القائل :

يموتُ ردّيء الشعر من قبل اهله *** وجيده يحيا وإن مات قائله

ص: 304

وهو القائل :

إن من ضنّ بالكنيف عن الضيفِ *** بغير الكنيف كيف يجودُ

ما رأينا ولا سمعنا بحشٍّ *** قبل هذا لبابهِ إقليد

ان يكن في الكنيف شيء تخبّا *** ه فعندي إن شئت فيه مزيد

وكان ضيفاً لرجل فقام لحاجة فوجد باب الكنيف مغلقاً ، فلم يتهيأ فتحه حتى أعجله الأمر.

وفي معجم الادباء قال : (1) ومما يختار من شعر دعبل قصيدته العينية التي رثى بها الحسين علیه السلام قال :

رأس ابن بنت محمد ووصيه *** يا للرجال على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع *** لا جازع من ذا ولا متخشع

ايقظت اجفانا وكنت لها كرى *** وانمت عيناً لم تكن بك تهجع

كحلت بمنظرك العيون عماية *** واصمّ نعيك كل اذن تسمع

ما روضة إلا تمنت انها *** لك مضجع ولحظ قبرك موضع

ويمدح الامام أمير المؤمنين ويذكر تصدقه بالخاتم في صلاته ونزول قوله تعالى :

« انما وليكم اللّه ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ».

نطق القران بفضل ال محمد *** وولايةٍ لعليه لم تجحد

بولاية المختار من خير الذي *** بعد النبي الصادق المتودد

إذ جاءه المسكين حال صلاته *** فامتدّ طوعاً بالذراع وباليد

فتناول المسكين منه خاتماً *** هبة الكريم الاجودين الاجود

ص: 305


1- 1 - جزء 11 - وفي الديوان ص 232

فاختصه الرحمن في تنزيله *** من حاز مثل فخاره فليعدد

إن الإله وليكم ورسوله *** والمؤمنين فمن يشا فليجحد

يكن الإله خصيمه فيها غداً *** واللّه ليس بمخلف في الموعد

وقول :

أتسكب دمع العين بالعبرات *** وبتّ تقاسي شدة الزفرات (1)

وتبكى لاثار لال محمد؟! *** فقد ضاق منك الصدر بالحسرات

الافابكهم حقاً وبلَّ عليهمُ *** عيوناً لريب الدهر منسكبات

ولاتنس في يوم الطفوف مصابهم *** وداهيةً من أعظم النكبات

سقى اللّه أجداثاً على ارض كربلاء *** مرابيع أمطار من المزنات

وصلى على روح الحسين حبيبه *** قتيلاً لدى النهرين بالفلوات

قتيلاً بلا جرم فجعنا بفقده *** فريداً ينادي : أين أين حمآتي؟!

أنا الظامئ العطشان في أرض غربة *** قتيلاً ومظلوماً بغير تراب

وقد رفعوا رأس الحسين على القنا *** وساقوا نساءً ولها خفرات

فقل لابن سعد : عذب اللّه روحه *** ستلقى عذاب النار باللعنات

سأقنت طول الدهر ماهبت الصبا *** وأقنتُ بالاصال والغدوات

على معشر ضلوا جميعاً وضيعوا *** مقال رسول اللّه بالشبهات

وقال :

ان كنت محزوناً فمالك ترقد *** هلا بكيت لمن بكاه محمدُ (2)

هلا بكيت على الحسين وأهله؟ *** إن البكاء لمثلهم قد يحمدُ

لتضغضغ الإسلام يوم مصابه *** فالجود يبكي فقده والسودد

فلقد بكته في السماء ملائكُ *** زهرُ كرام راكعون وسجدُ

ص: 306


1- 1 - الغدير ج 2 ص 381
2- 2 - الغدير ج 2 ص 382

أنسيت إذ صارت إليه كتائب *** فيها إبن سعد والطغاة الجحد؟

فسقوه من جرع الحتوف بمشهد *** كثر العداة به وقل المسعد

لم يحفظوا حق النبي محمدٍ *** اذ جرّعوه حرارةً ما تبرد

قتلوا الحسينُ فأثكلوه بسبطه *** فالثكل من بعد الحسين مبرد

كيف القرار؟! وفي السبايا زينب *** تدعو بفرط حرارة : يا أحمد

هذا حسينُ بالسيوف مبضَّع *** متلطخ بدمآئه مستشهد

عار بلا ثوب صريع في الثرى *** بين الحوافر والسنابك يقصد

والطيبون بنوك قتلى حوله *** فوق التراب ذبائح لا تلحد

يا جد قد منعوا الفرات وقتَّلوا *** عطشاً فليس لهم هنالك مورد

يا جد من ثكلى وطول مصيبتي *** ولما اُعافيه أقوم وأقعد

وقال :

جاؤوا من الشام المشومة أهلها *** للشوم يقدم جندهم ابليسُ

لُعنوا وقد لُعنوا بقتل إمامهم *** تركوه وهو مبضع مخموس

وسُبوا فوا حزني بنات محمد *** عبرى حواسر مالهن لبوس

تباً لكم يا ويلكم أرضيتم *** بالنار؟ ذلَّ هنالك المحبوس

بعتم بدنيا غيركم جهلاً بكم *** عزَّ الحياة وانه لنفيس

أخزى بها من بيعةٍ أمويةٍ *** لُعنت وحظ البايعين خسيس

بؤسا لمن بايعتم وكأنني *** بإمامكم وسط الجحيم حبيس

يا ال أحمد مآ لقيتم بعده؟ *** من عصبة هم في القياس مجوس

كم عبرة فاضت لكم وتقطعت *** يوم الطفوف على الحسين نفوس

صبراً موالينا فسوف نديلكم *** يوماً على آل اللعين عبوس

ما زلت متبعاً لكم ولأمركم *** وعليه نفسي ما حييت أسوس

ص: 307

الشاعر

ولد سنة 148 ومات سنة 246 ه- وعاش سبعا وتسعين سنة 97 ، قال أبو الفرج الأصبهاني توفي بقرية من نواحي السوس ودفن بتلك القرية وكان صديقا للبحتري - وأبو تمام حبيب بن اوس قد مات قبله فرثاهما البحتري بقوله :

قد زاد في كلفى وأوقد لوعتي *** مثوى حبيب يوم مات ودعبل

جدث على الأهواز يبعد دونه *** مسرى النعيَّ ورّمة بالموصل

كان دعبل شاعراً مفلقاً مخلصاً في ولاء أهل البيت علیهم السلام ، ومن محاسنه أنه لا يرغب في مدح الملوك ولكثرة طعنه في أعداء أهل البيت أصبح مرهوب اللسان تخاف هجاءه الملوك. قال ابراهيم بن المدّبر لقيت دعبل بن علي الخزاعي فقلت له أنت أجسر الناس عندي وأقدمهم حيث تقول :

إني من القوم الذين سيوفهم *** قتلت أباك وشرّفتك بمقعد

رفعوا محلك بعد طول خموله *** واستنقذوك من الحضيض الاوهد

- يشير إلى قصة طاهر الخزاعي وقتله الأمين اخا المأمون - فقال : يا ابا اسحاق انا احمل خشبتي منذ اربعين سنة فلا اجد من يصلبني عليها.

وذكر ابو الفرج الاصبهاني في الاغاني ج 18 ص 44 قال الجاحظ

ص: 308

سمعت دعبل بن علي يقول : مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذرّ شارقه إلا وأنا اقول فيه شعراً.

حدث محمد بن القاسم بن مهرويه قال كنت مع دعبل بالضميرة وقد جاء نعى المعتصم وقيام الواثق ، فقال لي دعبل : امعك شيء تكتب فيه فقلت نعم واخرجت قرطاساً فأملى عليّ بديهاً :

الحمد لله لا صبرُ ولا جَلَبُ *** ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا

خليفة مات لم يحزن له أحد *** واخر قام لم يفرح به احد

ولدعبل من هذا النوع كثير ولكنه ضاع ولم يبق إلا القليل النادر ، قال عبد الحسيب طه : ولو وَصَلنا كله لورثنا أدباً قوياً جريئاً يمثل نفس دعبل وقوتها وجرأتها.

ص: 309

4 - الحسين بن الضحاك

اشارة

ومما شجا قلبي وأوكف عبرتي *** محارمُ من ال النبي استحلتِ

ومهتوكة بالطف عنها سجوفها *** كعاب كقرن الشمس لمآ تبدّتِ

إذا حفزتها روعة من منازع *** لها المرط عاذت بالخضوع ورنت

وربات خدرٍ من ذوابة هاشم *** هتفن بدعوى خير حي وميت

أردّ يداً مني إذا مآ ذكرته *** على كبد حرّى وقلب مفتت

فلا بات ليل الشامتين بغبطة *** ولا بلغت آمآلها مآ تمنت

وقوله من قصيدة كما في الطليعة :

هتكوا بحرمتك التي هتكت *** حرم الرسول ودونها السُّجُف

سلبت معاجرهن واختلست *** ذات النقاب ونوزع الشنف

قد كنت كهفا يستظل به *** ومضى فلا ظل ولا كهف

قال السيد الامين في الأعيان : يمكن أن يستدل على تشيعه بما نسبه اليه جماعة انه قال في رثاء الحسين علیه السلام وقد ذكرناه نحن في الدر النضيد ولا ندري الان من أين نقلناه

أقول والظاهر ان السيد نقله عن مثير الاحزان للشيخ ابن نما حيث قال : ويحسن ان نستشهد بشعر الحسين بن الضحاك :

ومما شجا قلبي واوكف عبرتي الابيات.

ص: 310

الشاعر :

هو ابو علي الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلي المعروف بالخليع أو الخالع. ولد سنة 162 ومات سنة 250 فيكون عمره 88 سنة وقيل بل عمر أكثر من مائة سنة ، وكانت ولادته بالبصرة.

ونشأ بها ثم ارتحل إلى بغداد وأقام بها ، وكانت تلك الإقامة في الأعوام الاخيرة في عهد هارون الرشيد المتوفي سنة 193 ه- ، فقنع هذا الشاعر بمنادمة صالح بن هارون الرشيد ثم ارتقى إلى منادمة اخيه الأمين فلما تولى الامين الخلافة كان من ندمائه والمقربين اليه فاجزل عطاياه وأسنى جوائزه.

وقال الحموي في معجم الادباء : الحسين بن الضحاك ، ابو علي. أصله من خراسان ، وهو مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي فهو مولى (1) لا باهلي النسب كما زعم ابن الجراح ، بصري المولد والمنشأ وهو شاعر ماجن ولذلك لقب بالخليع ، وعداده في الطبقة الأولى من شعراء الدولة العباسية المجيدين وكان شاعراً مطبوعاً حسن التصرف في الشعر ، وكان أبو نؤاس يغير على معانيه في الخمر ، فإذا قال فيها شيئاً نسبه الناس إلى ابي نؤاس ، وله غزل كثير أجاد فيه ، فمن ذلك قوله :

وَصف البدر حسن وجهك حتى *** خلت أني وما أراك أراكا

وإذا مآ تنفَس النرجس الغضُّ *** توهمته نسيم شذاكا

خدع للمنى تعللني فيك *** بإشراق ذا وبهجة ذاكا

وقال الحسين بن الضحاك ، وقد عمّر :

أصبحتُ من أُسراء اللّه من محتسباً *** في الارض نحو قضاء اللّه والقدر

إن الثمانين إذ وُفّيت عدتَها *** لم تُبْق باقيةً منى ولم تذر

يقول الحموي : والاصل في قول الحسين بن الضحاك هذا ، الحديث الذي

ص: 311


1- 1 - مولى : مملوك

رواه ابن قتيبة في غريب الحديث قال. حدثنا ابو سفيان الغنوي حدثنا معقل ابن مالك عن عبد الرحمن بن سليمان عن عبيد اللّه بن أنس عن انس عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قال : اذا بلغ العبد ثمانين سنةً فانه أسير اللّه في الارض ، تُكتبُ له الحسنات وتُمحى عنه السيئات.

اقول وجاء عن الامام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام : إن اللّه ليكرم ابناء السبعين ويستحي من ابناء الثمانين فيأمر بأن تكتب لهم الحسنات وتُمحى عنهم السيئات ويقول هم اُسرائي في الارض وما اجمل ما قيل :

وهتْ عزماتك عند المشيب *** وما كان من حقها أن تهي

وأنكرتَ نفسك لما كُبرت *** فلا هي أنتَ ، ولا انت هي

ومن شعر أبناء الثمانين قول احدهم :

ضعفتُ ومَن جاز الثمانين يضعف *** وينكر منه كلما كأن يعرفُ

ويمشي رويداً كألاسير مقيداً *** تداني خطاه في الحديد ويرسف

وقال الاخر :

قالت أنينك طولَ الليل يزعجنا *** فما الذي تشتكي ، قلت الثمانينا

وقال الاخر :

إن الثمانين وبلّغتها *** قد أحوجت سمعي الى ترجمان

له ديوان شعر طبع في دار الثقافة ببيروت فمن قوله في قبيح الوجه ( سابور ) :

ويحك ما اخسّك بل أخصّك بالعيوبِ *** وجهُ قبيحُ في التبسم كيف يحسن في القطوب

ص: 312

وله في الغزل شعر كثير وفي رثاء الامين وغيره من بني العباس. ترجم له في كتاب وفيات الاعيان لابن خلكان. قال : ومن محاسن شعره

صِل بخدى خديك تلق عجيباً *** من معانٍ يجاد فيها الضميرُ

فبخدّيك للربيع رياض *** وبخدّي للدموع غدير

وله ايضاً :

أيا من طرفه سحرُ *** ويا من ريقه خمرُ

تجاسرت فكاشفتكَ *** لما غلب الصبرُ

وما أحسن في مثلك *** ان ينهتك السرّ

فان عنفي الناس *** ففي وجهك لي عذر

وذكر في كتاب الاغاني ان هذه الابيات انشدها ابو العباس ثعلب النحوي للخليع ابن الرضا وقال ما بقي من يحسن ان يقول مثل هذا ، وله ايضا :

إذا خنتموا بالغيب عهدي فما لكم *** تدلّون إدلال المقيم على العهدِ

صلوا وافعلوا فعل المدل بوصله *** وإلا فصدوا وافعلوا فعل ذي صدَّ

ص: 313

5 - عبد اللّه ابن المعتز

5 - عبد اللّه ابن المعتز (1)

المولود سنة 247 ه-

المتوفي سنة 296 ه- - 908 م.

شجاك الحي إذ بانوا *** فدمع العين تهتانُ

وفيهم العسُ اغيدُ *** ساجي الطرف وسنان

ولم أنس ، وقد زُمّت *** لو شك البين أضعان

وقد اسهبني فاهُ *** وولىَّ وهو عجلان

فقل في مكرَع عذبٍ *** وقد وافاه عطشان

وضمٍّ لم تحسنه *** له في الريح أغصان

كما ضمّ غريق سابحاً *** والمآءُ طوفان

وما خفنا من الناسِ *** وهل في الناس إنسان

جَزينا الامويّين *** ودّناهم كمآ دانوا

وذاقوا ثَمر البغي *** وخنّاهم كمآ خانوا

وللخير وللشر *** بكفّ اللّه ميزان

ولولا نحن قد ضاعَ *** دمُ بالطف مجّانُ (2)

فيا مَن عنده القبرُ *** وطينُ القبر قُربانُ

باسيافٍ لكم اودى *** حسينُ وهو ظمأن

يُرى في وجهه الجهمِ *** لوجه الموت ألوان

ص: 314


1- 1 - عن الديوان
2- العس : في شفتيه سواد ، والاغيد : المائل العنق ، اللين الاعطاف. ساجي : ساكن.

ودأب العلويين *** لهم جحدُ وكُفران

فهلّا كان إمساكُ *** اذا لم يكُ إحسان

يلومونهم ظلماً *** فهّلا مثلَهم كأنوا

ويقول في مدح الامام علي علیه السلام ورثاء الحسين :

« أ آكل لحمي »

ريثت الحجيج ، فقال العداة *** سبَّ علياً وبيت النبي

أآكل لحمي ، واحسو دمي! *** فيا قوم للعجب الأعجب!

علي يظنون بي بغضه ، *** فهلا سوى الكفر ظنوه بي؟

اذا لاسقتني غداً كفه *** من الحوض والمشرب الأعذبِ

سُببت ، فمن لامني منهم ، *** فلست بمرضٍ ولا معتبِ

مجلّي الكروبِ ، وليث الحروب *** ، في الرهّج(1) الساطع الاهيب

وبحر العلم ، وغيظ الخصوم *** متى يصطرع وهم يغلب

يُقلب في فمه مقولاً ، *** كشقشقة الجمل المصعب (2)

وأول من ظل في موقف ، *** يصلي مع الطاهر الطيبِ

وكأن أخاً لنبي الهدى ، *** وخُص بذاك ، فلا تكذب

وكفؤاً لخير نساء العباد *** ما بين شرقٍ الى مغربِ

وأقضى القضاة لفصل الخطاب *** والمنطق الأعدل الاصوبِ

وفي ليلة الغار وقى النبي ، *** عشاءً الى الفلق الاشهبِ

وبات ضجيعاً به في فراش *** موطن نفس على الاصعب

وعمرو بن عبدٍ وأحزابه ، *** سقاهم حسا الموت في يثربِ

ص: 315


1- الرهج الساطع : الغبار المنتشر.
2- الشقشقة : شيء كالرئة يخرجه البعير من فمه اذا هاج.

وسل عنه خيبر ذات الحصونِ *** تخبّرك عنه وعن مرحبِ

سبطاه جدهمآ أحمد *** فبخ لجدهمآ والابِ

ولاعجب غير قتل الحسين *** ظمان يقصي عن الشرب

فيا أسداً ظل بين الكلاب *** تنهشه دامي المخلبِ

لئن كأن روَّعنا فقده *** وفاجأ من حيث لم يحسب

كم قد بكينا عليه دماً *** بسمر مثقفة الأكعبِ

وبيضٍ صوارم مصقولة *** متى يمتَحن وقعها تشربِ

وكم من شعارٍ لنا باسمٍه *** يُجدد منها على المذنبِ

وكم من سواد حددنا به *** وتطويل شعر على المنكب

ونوحٍ عليه لنا بالصهيل *** وصلصلة اللجم في منقبِ

وذاك قليل له من بني *** ابيه ومنصبه الاقربِ (1)

وقوله تحت عنوان ، لو أنه ابيه :

من دام هجو عليّ *** فشعره قد هجاه

لو أنه لأبيه *** ما كان يهجو أباه (2)

الشاعر :

ابو العباس عبد اللّه بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي اخذ الادب عن ابي العباس المبرد وابي العباس ثعلب وغيرهما ، قال ابن خلكان كان اديبا بليغا شاعراً مطبوعا مقتدراً على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الابداع للمعاني الى ان جرت له الكائنة في خلافة المقتدر واتفق معه جماعة من رؤساء الاجناد ووجوه الكتاب فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر

ص: 316


1- عن ديوانه.
2- عن ديوانه.

بقين وقيل لسبع بقين من شهر ربيع الاول سنة ست وتسعين ومائتين وبايعوا عبد اللّه المذكور ولقبوه المرتضى باللّه واقام يوما وليلة ثم ان اصحاب المقتدر تحزبوا وتراجعوا وحاربوا اعوان ابن المعتر وشتتوهم واعادوا المقتدر الى دسته واختفى ابن المعتز في دار ابن الجصاص التاجر الجوهري فاخذه المقتدر وسلمه الى مؤنس الخادم الخازن فقتله وسلمه الى اهله ملفوفا في كساء ، وذلك يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين ، ودفن في خرابة بازاء داره ، ومولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع واربعين ومائتين.

وجاء في مقدمة ديوانه المطبوع في دار صادر ببيروت سنة 1381 ه- : عبد اللّه بن المعتز ، الخليفة العباسي ، ولد في بغداد ونشأ فيها ، وثار الرؤساء للجند والكتاب فخلعوا المقتدر وجعلوا ابن المعتز مكانه وبايعوه بالخلافة ولّقبوه المرتضى باللّه ، غير ان خلافته لم تدم الا يوماً وليلة ، ذاك بأن انصار المقتدر لم يلبثوا أن تغلبوا على انصاره وفتكوا بهم وأعادوا صاحبهم الى عرشه ، ففرّ ابن المعتز واختبأ كما ذكرنا سابقاً.

اقتبس ابن المعتز اداب العرب وعلومهم من ابي العباس المبرد وابي العباس ثعلب فخرج شاعراً مطبوعا جيد القريحة ، وكانت حياته حياة انس وطرب ، ومعازف وقيان فظهرت صور هذه في شعره.

قال صاحب روضات الجنات ، وكان ذا نُصب وعداوة شديدة مع اهل البيت علیهم السلام ، وذكر له ابن خلكان عدة مؤلفات منها طبقات الشعراء ، ومنها كتاب الزهر والرياض ، وكتاب البديع ، وكتاب مخاطبات الاخوان بالشعر ، وكتاب اشعار الملوك ، وكان يقول : لو قيل لي ما احسن شعر تعرفه لقلتُ قول العباس بن احنف :

قد سحب الناس اذيال الظنون بنا *** وفرّق الناس فينا قولهم فرقا

ص: 317

فكاذب قد رمى بالظن غيركم *** وصادق ليس يدري انه صدقا

ومن شعره :

« طار نومي »

طار نومي ، وعاود القلب عيدُ *** وأبى لي الّرقادَ حزن شديد (1)

جلّ ما بي ، وقل صبري ففي قل- *** بي جراح ، وحشو جفني السهود

سهر يفتق الجفون ، ونيران *** تلظى ، قلبي لهنّ وقود

لامني صاحبي ، وقلبي عميدُ *** أين ممآ يريده مآ أُريد

شيّبتني ، وما يشيّبني السن *** هموم تتري ، ودهر مريد

فتراني مثل الصحيفة قد أخلصها *** عند صقلها ترديد

أين اخواني الأولى كنت أصفيهم *** ودادي ، وكلهم لي ودود

شردتهم كف الحوادث والأيام *** من بعد جمعهم تشريد

فلقد أصبحوا ، وأصبحت منهم *** كلخاء أستل منه العود (2)

هل لدنيا قد أقبلت نحونا دهراً *** فصدّت ، وليس منا صدود

من معاد أم لامعاد لدينا *** فأسل عنها فكل شيء يبيد

ربمآ طاف بالمدام علينا *** عسكري كغصن بانٍ يميد

أكرع الكرعة الروية في *** كأس ، وطرفي بطرفه معقود

أيها السائلي عن الحسب الاطيب *** مآ فوقه لخلقٍ مزيد

نحن آل الرسول والعترة الحق *** وأهل القربى فماذا تريد

ولنا مآ أضاء صبح عليه *** وأتته ايات ليل سود

وملكنا رقّ الامآمة ميراثا *** فمن ذاعّنا بفخر يجيد

وأبونا حامي النبي ، وقد *** أدبر من تعلمون ، وهو يذود

ص: 318


1- العيد : ما اعتادك من مرض او حزن او هم ونحو ذلك.
2- اللخاء : قشر العود.

ذاك يوم إستطار بالجمع ردع *** في حنين ، وللوطيس وقود

كان فيهم منا المكأتم ايماناً *** وفرعونُ غافل والجنود

رسل القوم حين لدّوا جميعاً *** غيره ، كيف فُضِّلَ الملدود (1)

ومن شعر ابن المعتز قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين وهي مثبتة في ديوانه تتكون من اربعين بيتاً ، فردّ عليه انصار العلويين ومنهم تميم بن معدّ الفاطمي المتوفى 374 نظم قصيدته التي أولها :

يا بني هاشم ولسنا سواء *** في صغار من العلى وكبار

وكانت هذه القصيدة رداً على قصيدة ابن المعتز التي أولها :

أي رسم لال هند ودار *** درسا غير ملعب ومنار

ومنهم القاضي التنوخي (2) بقصيدته التي رواها الشيخ الاميني في موسوعته عن كتاب ( الحدائق الوردية ) كما جاء ذكرها في ( نسمة السحر ) ومنها

من ابن رسول اللّه وابن وصيه *** الى مدغل (3) في عقدة الدين ناصب

نشأ بين طنبورٍ وزقٍ ومزهر *** وفي حجر شاد أو على صدر ضارب

ومن ظهر سكران الى بطن قينة *** على شبه في ملكها وشوائب

بعيب عليا خير من وطيء الحصا *** واكرم سارٍ في الانام وسارب

ويزرى على السبطين سبطي محمد *** فقل في حضيض رام نيل الكواكب

وينسب افعال القراميط كاذباً *** الى عشرة الهادي الكرام الاطائب

الى معشر لا يبرح الذم بينهم *** ولا تزدرى أعراضهم بالمعائب

ص: 319


1- لدوا : خاصموا. الملدود : المخاصم.
2- هو ابو القاسم علي بن محمد المعروف بالقاضي التنوخي المتوفي سنة 342 من افذاد القرن الرابع الهجري ، له اليد الطولى في كثير من العلوم ، قال الثعالبي : كان يتقلد قضاء البصرة والأهواز بضع سنين. وله عدة تصانيف في مختلف العلوم ، كعلم العروض والقوافي ، وذكر السمعاني واليافعي وابن حجر وصاحب الشذرات له ديوان شعر ، واختار منه الثعالبي ما ذكر من شعره.
3- ادغل في الامر : افسد فيه.

اذا ما انتدوا كانوا شموس بيوتهم *** وان ركبوا كانوا بدور الركائب

وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الردى *** وإن ضحكوا ابكوا عيون النوادب

نشوا بين جبريل وبين محمد *** وبين علي خير مآش وراكب

وزير النبي المصطفى ووصيه *** ومشبهه في شيمة وضرائب

ومن قال في يوم الغدير محمد *** وقد خاف من غدر العداة النواصب

امآ انني أولى بكم من نفوسكم *** فقالوا بلى ، قول المريب الموارب

فقال لهم : من كنت مولاه منكم *** فهذا اخي مولاه بعدي وصاحبي

اطيعوه طراً فهو مني بمنزلي *** كهرون من موسى الكليم المخاطب

منها :

وقلت : بنو حرب كسوكم عمائماً *** من الضرب في الهامات حمر الذوائبِ

صدقتَ منايانا السيوف وإنما *** تموتون فوق الفرش موت الكواعب

ونحن الاولى لا يسرح الذم بيننا *** ولا تَدّري أعراضنا بالمعائب

ومآ للغواني والوغى فتعوذّوا *** بقرع المثاني من قراع الكتائب

ويوم حنين قلت حزنا فخاره *** ولو كأن يدري عدّها في المثالب

أبوه مناد والوصي مضارب (1) *** فقل في منادٍ صيت ومضارب

وجئتم من الاولاد تبغون إرثه *** فأبعد بمحجوب بحاجب حاجب

وقلتم : نهضنا ثائرين شعارنا *** بثارات زيد الخير عند التحارب

فهلا بابراهيم كان شعاركم *** فترجع دعواكم تَعلَّةَ خائب

ومنها :

فكم مثل زيد قد أبادت سيوفكم *** بلا سبب غير الظنون الكواذب

ما حمل المنصور من ارض يثرب *** بدور هدى تجلو ظلام الغياهبِ

وقطعتم بالبغي يوم محمد *** قرائن أرحام له وقرائب

ص: 320


1- يريد العباس وعليا امير المؤمنين علیه السلام .

وفي ارض باخمرا مصابيح قد ثوت *** متربة الهامات حمر الترائب

وغادر هاديكم بفخ طوائفاً *** يغاديهم بالقاع بقع النواعب

وهارونكم أودى بغير جريرة *** نجوم تقى مثل النجوم الثواقب

ومأمونكم سمّ الرضا بعد بيعة *** تهدّ ذرى شمّ الجبال الرواسب

فهذا جواب للذي قال : مالكم *** غضاباً على الاقدار يا آل طالب

واليكم قصيدة الشاعر صفي الدين من شعراء القرن الثامن وستأتي ترجمته في هذه الموسوعة ، والقصيدة من غرر الشعر :

الشاعر صفي الدين الحلي المولود سنة 677 والمتوفي 752 يردّ على قصيدة ابن المعتز العباسي التي أولها :

ألا من لعين وتسكابها *** تشكّي القذا وبكا هابها

ترامت بنا حادثات الزمان *** ترامي القسي بنشابها

ويارب ألسنة كالسيوف *** تقطّع ارقابَ اصحابها

ويقول فيها :

ونحن ورثنا ثياب النبي *** فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يابني بنته *** ولكن بنو العم أولى بها

ومنها :

قتلنا امية في دارها *** ونحن أحق بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقّيتم *** زبونا أقرت بجلابها

فأجابه الصفي بقوله :

ألا قل لشر عبيد الإله *** وطاغي قريش وكذّابها

وباغي العباد وباغي العناد *** وهاجي الكرام ومغتابها

ص: 321

أأنت تُفاخر آل النبي *** وتجحدها فضل أحسابها؟

بكم باهل المصطفى أم بهم *** فردّ العداة بأوصابها؟

أعنكم نفي الرجس أم عنهم *** لطهر النفوس وألبابها؟

أما الرجس والخمر من دأبكم *** وفرط العبادة من دابها

وقلت : ورثنا ثياب ( النبي ) *** فكم تجذبون بأهدابها؟

وعندك لايُوَرثُ الأنبيا *** فكيف حظيتم بأثوابها؟

فكذبت نفسك في الحالتين *** ولم تعلم الشّهد من صابها

أجَدَّك يرضى بمآ قلته؟ *** وما كأن يوماً بمرتابها

وكان بصفين من حزبهم *** لحربِ الطغاة وأحزابها

وقد شمّر الموت عن ساقه *** وكشّرت الحرب عن نابها

فأقبل يدعو إلى ( حيدر ) *** بارغابها وبارهابها

وآثر أن ترتضيه الأنام *** من الحكمين لأسبابها

ليعطي الخلافة أهلاً لها *** فلم يرتضوه لايجابها

وصلى مع الناس طول الحياة *** و ( حيدر ) في صدر محرابها

فهلا تقمصها جدّكم *** إذا كأن إذ ذاك أحرى بها؟

إذا جعل الأمر شورى لهم *** فهل كأن من بعض أربابها؟

أخامسهم كأن أم سادساً؟ *** وقد جليت بين خطّابها

وقولك : أنتم بنو بنته *** ولكن بنو العم أولى بها

بنو البنت ايضا بنو عمه *** وذلك أدنى لأنسابها

فدع في الخلافة فصل الخلاف *** فليست ذلولاً لركأبها

وما أنتَ والفحص عن شأنها *** وما قمّصوك بأثوابها

وما ساورتك سوى ساعة *** فما كنتَ أهلاً لأسبابها

وكيف يخصّوك يوما بها؟ *** ولم تتأدّب بآدابها

وقلت : بأنكم القاتلون *** أُسود أُمية في غابها

ص: 322

كذبتَ وأسرفت فيما أدّعيت *** ولم تنهَ نفسك عن عابها

فكم حاولتها سُراةُ لكم *** فردّت على نكص أعقابها

ولولا سيوف أبي مسلم *** لعزت على جهد طلابها

وذلك عبدُ لهم لا لكم *** رعى فيكم قرب أنسابها

وكنتم اسارى ببطن الحبوس *** وقد شفكم لثم أعتابها

فأخرجكم وحباكم بها *** وقمّصكم فضل جلبابها

فجازيتموه بشرِّ الجزاء *** لطغوى النفوس وإعجابها

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف *** وجاؤا الخلافة من بابها

هم الزّاهدون هم العابدون *** هم الساجدون بمحرابها

هم الصائمون هم القائمون *** هم العالمون بآدابها

هُم قطب ملة دين الاله *** ودور الرحى حول أقطابها

عليك بلهوكَ بالغانيات *** وخلّ المعالي لأصحابها

ووصف العذارى وذات الخمار *** ونعت العقار بألقابها

وشعربك في ومدح ترك الصلاة *** وسعي السّقاة بأكوابها

فذلك شأنك لا شأنهم *** وجري الجياد بأحسابها

ومن شعره :

بلوتُ أخلاء هذا الزمان *** فاقللت بالهجر منهم نصيبي

وكلهم إن تصفحتهم *** صديق العيان عدو المغيب

ويقول :

يقولون لي ، والبعد بيني وبينها *** نأت عنك شرُ ، وانطوى سببُ القرب

فقلت لهم ، والسر يظهره البكا *** لئن فارقت عيني ، فقد سكنت قلبي

ص: 323

وقوله :

أهدت إليّ صحيفة مكتوبة *** أرضت بها سخط الضمير العاتبِ

يا ليتني ضمنت طيّ جوابها *** حتى أقبل كف ذاك الكأتبِ

وقوله :

أيا من حسنه عذر اشتياقي *** ويحسن سوء حالي في سواهُ

أعنّي بالوصال فدتك نفسي *** فقد بلغ الهوى بي منتهاه

ص: 324

6 - الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس ابن علي بن ابي طالب علیه السلام :

قال وهو يرثي جده العباس بن علي (عليه السلام) :

أني لأذكر للعباس موقفه *** بكربلاءَ وهام القوم تُختطفُ

يحمي الحسين ويسقيه على ظمأ *** ولا يَولّي ولا يثنى ولا يقف

ولا أرى مشهداً يوماً كمشهده *** مع الحسين عليه الفضل والشرف

أكرم به مشهداً بانت فضيلته *** وما أضاع له افعاله خلف (1)

وفي معجم الشعراء للمرزباني ص 184 :

أكرم به سيداً بانت فضيلته *** وما أضاع له كسب العلا خلف

وقال ابو الحسن العمري في المجدي : وجدت ابيات لأبي العباس الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس بن امير المؤمنين في جده العباس وهي : إني لأذكر للعباس موقفه.

وقال المرزباني في معجم الشعراءص 184 :

الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس بن علي ابن ابي طالب شاعر مقل متوكلي ( اي معاصر للمتوكل ). وقال هو وغيره :

ص: 325


1- اعيان الشيعة ج 42 ص 282.

شاعر مقل ، وكان يشبه بعلي بن ابي طالب رضي اللّه عنه وهوالقائل بفخر بجده العباس بن علي ( إني لأذكر للعباس موقفه ) الابيات.

وقال السيد الامين في الاعيان ج 1 ص 379 : كان شاعراً في اواسط المائة الثالثة. اقول ويكنى بأبي العباس وكان خطيباً شاعراً وقع عقبه الى قم وطبرستان ، قال الشيخ عبد الواحد المظفر في كتابه البطل العلقمي : الفضل بن محمد الشاعر الفصيح وهو من الشعراء المجيدين في الدولة العباسية ، وجلَّ شعره بمفاخر اسلافه ومجد اُسرته.

وقال الداودي في عمدة الطالب : فمن ولد محمد بن الفضل بن الحسن ابن عبيد اللّه : هو ابو العباس الفضل بن محمد الخطيب الشاعر له ولد.

اقول اما ابوه محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه فقد كان شاعراً مجيداً ولكنه مقلّ ، وكان معاصراً للمأمون وأدرك عصر المتوكل وكان له قدر وجلالة عندهما. قال ابو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية : محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه ، أُمه جعفرية وكان مشهوراً بالجمال. وقال المأمون ما رأيت ذكراً أتم جمالاً من محمد ابن الفضل بن الحسن.

* * *

اقول واذا كان المترجم له من المعاصرين للمتوكل فان المتوكل مات سنة 247 ه- اي في اواسط القرن الثالث فكان الانسب ان يكون من شعراء هذا القرن.

ص: 326

7 - البسامي علي بن محمد :

قال ابن خلكان لما هدم المتوكل قبر الحسين بن علي علیه السلام في سنة 226 قال البسامي :

تاللّه إن كانت اُمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله *** هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا *** في قتله فتتبعوه رميمآ

واورد الطوسي في الامالي ص 209 عن عبد اللّه بن دانية الطوري قال : حججت سنة 247 سبع واربعين ومائتين فلما صدرت من الحج وصرت الى العراق زرت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب على حال خيفة من السلطان ثم توجهت الى زيارة الحسين فإذا هو قد حرث ارضه وفجر فيها الماء وأرسلت الثيران والعوامل في الارض فبعيني وبصري كنت ارى الثيران تساق في الارض فتنساق لهم حتى اذا حاذت القبر حادت عنه يميناً وشمالاً فتضرب بالعصى الضرب الشديد فلا ينفع ذلك ولا تطأ القبر بوجه فما امكنني الزيارة فتوجهت الى بغداد وانا اقول - تاللّه ان كانت امية قد اتت - الابيات.

ص: 327

الشاعر

في الكنى ابن بسام هو ابو الحسن علي بن محمد بن نصر بن منصور ابن بسام البغدادي المعروف بالبسامي الشاعر المشهور توفي سنة 303 وفي الجزء الاول من اعيان الشيعة ان وفاته سنة 302 وفي الاعيان ج 42 ان عمره ينيف على السبعين ومن شعره :

إنّ عليا لم يزل محنةً *** لرابح الدين ومغبونِ

أنزله من نفسه المصطفى *** منزلة لم تك بالدون

فارجع الى الاعراف حتى ترى *** ما صنع الناس بهارون

وقال ياقوت الحموي : كان حسن البديهة شاعراً ماضياً أديباً ، وكان مع فصاحته وبيانه لاحظّ له في التطويل ، إنما تحسن مقطعاته وتنذر أبياته وهو من أهل بيت الكتابة ، كان جدّه نصر بن منصور يتولى ديوان الخاتم والنفقات والازمة في ايام المعتصم.

وفي انساب السمعاني ج 2 ص 219.

البسّامي. بفتح الباء الموحدة والسين المهملة المشددة بعدها الالف وفي آخرها الميم ، هذه النسبة الى بسام ، وهو اسم لجد ابي الحسن علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام الشاعر البسامي ، من اهل بغداد سائر الشعر مشهور عند اهل الأدب ، روى عنه محمد بن يحيى الصولي وابو سهل احمد بن محمد بن زياد القطان وغيرهما ، وقيل طلب البسامي من بعض جيرانه دابة عارية فمنعها فكتب إليه :

بخلت عنا بأدهم عجف *** لست تراني ما عشت أطلبه

فلا تقل صنته فما خلق اللّه *** مصونا وانت تركبه

مات البسامي في صفر سنة اثنتين وثلاثمائة. قال ياقوت في معجم الادباء : وعلي بن بسام القائل يمدح النحو :

رأيت لسان المرء وافدَ عقله *** وعنوانَه فانظر بمآذا تُعنونُ

ص: 328

فلا تعدُ اصلاح اللسان فانه *** يخبّر عما عنده ويبين

ويعجبني زيُّ الفتى وجمآله *** فيسقط من عيني ساعة يَلحَن

على أنّ للاعراب حدّاً وربما *** سمعت من الاعراب ما ليس يحسن

ولا خير باللفظ الكريه استماعه *** ولا في قبيح اللحن والقصد أزين

قال الحصري القيرواني في زهر الآداب :

علي بن منصور بن بسام ، مليح المقطعات ، كثير الهجاء خبيثة ، وله حظ التطويل وهو القائل :

ولكم قطعت الياء في ديمومةٍ *** نُطف المياه بها سودا الناظر

في ليلة فيها السماء مزادة *** سوداء مظلمة كقلب الكافر

والبرق يخفق من خلال سحابه *** خفق الفؤاد مواعداً من زائر

والقطر منهمل يسحُّ كأنه *** دمع الدموع بإثر إلفٍ سائر

وقال في العباس لما وزر للمكتفي :

وزارة العباس من نحسها *** ستقلع الدولة من أُسّها

شبهته لما بدا مقبلا *** في حلل يخجل من لُبسها

جارية رعناء قد قدّرت *** ثياب مولاها على نفسها

وقال في علي بن يحيى المنجم يرثيه :

قد زرت قبرك يا علي مسلماً *** ولك الزيارة من أقلّ الواجب

ولو استطعت حملت عنك ترابه *** فلطالما عني حملت نوائبي

وكان مولعاً بهجاء أبيه وفيه يقول وقد ابتنى دارا :

شدت داراً خلتها مكرمةً *** سلّط اللّه عليها الغرقا

وأرانيك صريعاً وسطها *** وأرانيها صعيدا زلقا

ص: 329

ذكر ابو الفداء في البداية والنهاية ان الماء لما أُجري على قبر الحسين علیه السلام ليمحي اثره جاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها حتى وقع على قبر الحسين فبكى وقال : بأبي أنت وأمي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ، ثم أنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه *** وطيب تراب القبر دلّ على القبر

وقريب منه قول المهيار الديلمي :

كأن ضريحك زهر الربيع *** مرّ عليه نسيم الخريف

أنشرك ما حمل الزائرون *** أم المسك خالط ترب الطفوف

ص: 330

8 - الصقر الموصلي :

لا تذكرنّ لي الديار بلا قعا *** أخشى على قلبي يسيل مدامعا

ومرابعا أقوت وكأنت للورى *** مأوى النزيل مصايفاً ومرابعا

أودى الزمآن بها وودت مهجتي *** منها وفيها لو تقيم أضالعا

يا من به امتحن الإله عباده *** مَن كان منهم عاصيا أو طائعا

اني لاعجب من معاشر عصبةٍ *** جعلوك في عدد الخلافة رابعا

ومنها خطاب للنبي صلی اللّه علیه و آله :

لو أن عينك عاينت بعض الذي *** ببنيك حلّ اذاً رأيت فظائعا

أما ابنك الحسن الزكي فانه *** لما مضيت سقوه سماً ناقعا

هروا به كبداً لديك كريمة *** منه واحشاءً به وأضالعا

وسقوا حسيناً بالطفوف على ظماء *** كأس المنية فاحتساها جارعا

قتلوه عطشانا بعرصة كربلاء *** وسبوا حلائله وخُلّف ضائعا

جسدا بلا رأس يمد على الثرى *** رجلا له ويلم اُخرى فازعا

ابو العباس محمد بن احمد الصقر الموصلي :

توفي في حدود 305 في الموصل. ذكره في المعالم بعنوان ابي الصقر وفي المناقب بعنوان : الصقر كما في معجم الادباء.

ص: 331

9 - القاسم بن يوسف الكاتب :

اشارة

سلّم على قبر الحسين وقل له *** صلى الإله عليك من قبرِ

وسقاك صوب الغاديات ولا *** زالت عليك روائح تسري

يابن النبي وخير أمته *** بعد النبي مقال ذي خبر

أصبحت مغتربا بمختلف *** للرامسات وواكفٍ القطر

ونأيت عن دار الاحبة *** واستوطنتَ دار البعد والقفر

بل جنة الفردوس تسكنها *** جار النبي ورهطه الزهر

مآذا تحمل قاتلوك من *** الآصار والاعباء والوزر

خرجوا من الاسلام ضاحية *** واستبدلوا بدلا من الكفر

كتبوا اليك وأرسلوا رسلاً *** تترى بما وعدوا من النصر

أعطوك بيعتهم وموثقهم *** باللّه بين الركن والحجر

حتى اذا أصرختَ دعوتهم *** طلباً لوجه اللّه والاجر

وخرجت محتسباً لتحيي ما *** قدمات من سنن الهدى الدثر

ختروا مواثقهم وعهدهم *** لا يرهبون عواقب الختر

ركنوا الى الدنيا فلم يئلوا *** فيها الى حظٍّ ولا وفر

جعلوا سمية منكم خلفاً *** وبنى أمية حاملي الإصر

قتلوك واتخذوهم ستراً *** ما دون علم اللّه من ستر

فأبادهم سيف الفناء بأ *** الظالمين بذلك الوتر يدي

يجدون بالمرصاد ربهم *** بعدا لأهل النكث والغدر

أبني سمية أنتم نفر *** ولدُ البغايا غير ما نكر

ص: 332

قلتم عبيد لا نقرُّ به *** ونقرّ بالعيّاب والعهر

منكم بشط الزاب مجترز *** للغاسلات العبس والبسر

ولكم مصارع مثل مصرعه *** ما حَنّ ذو وكر الى وكر

وبنو أُمية سومروا تلفاً *** بالمشرفية والقنا السمر

هشموا بها شمة وحاق بهم *** ما قدموا من سيء المكر

ولهم فلا فوت ولا عجلُ *** أمثالها في غابر الدهر

في محكمات الذكر لعّنهم *** فيها روى العلماء من ذكر

منهم معاوية اللعين ومروان *** الضنين وشارب الخمر

والابتر السهمي رابعهم *** عمرو وكل الشر في عمر

إني لأرجو أن تنالهم *** مني يدُ تُشفي جوى الصدر

بالقائم المهدي إن عاجلاً *** أو آجلا إن مدّ في العمر

أو ينقضي من دونه أجلي *** فاللّه أولى فيه بالغدر

ولكل عبد غيب نيَّته *** في الخير مسطور وفي الشر

ما تنقضي حسرات ذي ورعٍ *** ودمُ الحسين على الثرى يجري

ودمآء إخوته وشيعته *** مستلحمون بجانب النهر

خذلوا وقل هناك ناصرهم *** فاستعصموا باللّه والصبر

مستقدمين على بصائرهم *** لا ينكصون لروعة الذعر

يأبون أن بعطوا الدنيَّة أو *** يرضوا مهادنةً على قسر

البرُّ ذخرهم وكنزهم *** خير الكنوز وأفضل الذخر

آل الرسول وسر أُسرته *** والطاهرون لطيّبٍ طهر

حلو الشرف اليفاع على *** علياء بين الغفر والنسر

فابكِ الحسين بمضمر فرح *** وابكٍ الحسين بمدمع غزر

حق البكاء له وحق له *** حسن الثناء وطيّب النشر

ص: 333

لايبلغ المثنى مداه ولا *** يحويى المديح مقالة المطري

مأوى اليتامى والأرامل *** والأضياف في اللزبات والعسر

لا مانعاً حق الصديق ولا *** يخفى عليه مبيت ذي الفقر

كم سائلٍ أعطى وذي عُدُم *** أغنى وعان فكَّ من أسر

وتخال في الظلمآء سنَّته *** قمراً توسط ليلة البدر

لا تنطق العوراء حضرته *** عفّ يعاف مقالة الهجر

ومبرأ من كل فاحشةٍ *** برّ السريرة طاهر الجهر

ص: 334

الشاعر

هو ابو محمد القاسم بن يوسف بن القاسم بن صبيح القبطي الأصل مولى بني عجل من أهل الكوفة جاء في ص 163 من اوراق الصولي قسم الشعراء : كان القاسم بن يوسف أسنَّ من أخيه أبي جعفر أحمد بن يوسف واكثر شعراً منه وأفصح في شعره وأشعر في فنه الذي أعجبه من مراثي البهائم من جميع المحدثين حتى أنه لرأس فيه متقدم جميع من نحاه وما ينبغي أن يسقط شيء من شعره لأنه كله مختار وللناس فيه فائدة ولا يوجد مجموعاً كما نورده وأنا أذكره على القوافي. وكان القاسم جميل المذهب أحد متكلمي الشيعة. وفي ص 206 قال : لما تولى الوزارة للمأمون أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح ولى اخاه القاسم بن يوسف خراج السواد فجباه فضلاً مما جباه غيره في أيام المأمون.

وفي معجم الشعراء للمرزباني 335 القاسم بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب القبطي مولى بني عجل وأخوه أحمد بن يوسف الكاتب وزير المأمون ، والقاسم شاعر حسن الافتنان في القول وهو أشعر من أخيه أحمد وأكثر شعراً.

وفي تاريخ بغداد للخطيب ج 5 ص 216 أحمد بن يوسف بن القاسم ابن صبيح من أفاضل كتاب المأمون ، مات سنة 213 ه. يقول الصولي في الأوراق ورثاه أخوه القاسم بن يوسف (1). أقول فالمترجم له أكبر

ص: 335


1- ذكر صاحب معجم الأدباء بعض مرثية القاسم لأخيه أحمد ، منها : رماك الدهر بالحدث الجليل *** فعز النفس بالصبر الجميل أترجو سلوة وأخوك ثاو *** ببطن الأرض تحت ثرى مهيل ومثل أخيك فلتبك البواكي *** لمعضلة من الخطب الجليل

من أخيه أحمد وعاش أكثر من أخيه ورثاه بقصيدة ، ولم نقف على تاريخ وفاته ولكنه عاش في أواخر القرن الثاني واوائل القرن الثالث كما أن السيد الأمين قد فاته ترجمة هذا الرجل في الأعيان ولكنه عندما ذكر مراثر الحسين علیه السلام في الجزء الرابع ذكر أبياتاً من قصيدته التي ذكرناها وقال : وممن رثاه من قدماء الشعراء القاسم بن يوسف الكاتب أحد متكلمي الشيعة وشعرائهم ، ذكره المرزباني فقال من قصيدة طويلة انتهى.

نعم ذكر السيد الأمين ترجمة مطولة لأخيه أحمد بن يوسف بن صبيح الكاتب في الجزء 10 من الأعيان ص 355.

ومن شعره كما رواه الصولي في الأوراق ص 180 :

أيها السائل عن خير الورى *** خير من تحت السماوات نزار

وقريش ذروة المجد وفي *** هاشم أرست فمثوى وقرار

مغرس طاب فأثرى محتداً *** واستطال الفرع والعود نضار

هاشم فخر قصيّ كلها *** أين تيم وعدي والفخار

لهم أيد طوال في العلى *** ولمن سامآهم أيد قصار

لهم الوحي وفيهم بعده *** آمر الحق وفي الحق منار

وهم أولى بأرحامهم *** في كتاب اللّه إن كأن إعتبار

ما بعيد كقريب نسبا *** لا ولا يعدل بالطرف الحمآر

إنما تجري على أحسابها *** عنق الخيل وللغير الغبار

ليس من أخره اللّه كمن *** قدَّم اللّه ، ولله الخيار

ما الموالي كمواليهم وإن *** أنبت الدهر لهم ريشاً فطاروا

خسر الآخذ ما ليس له *** عمد عين والشريك المستشار

ولفيف ألّفوا بينهم *** بيعة فيها اختلاط وانتشار

ورسول اللّه لم يدفن فما *** القوم اعتمام وانتظار

ص: 336

10 - علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف :

قال علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام ، يرثي شهداء الطف (1) :

إن الكرام بني النبي محمدٍ *** خير البرية رائح أو غادِ

قوم هدى اللّه العباد بجدهم *** والمؤثرون الضيف بالأزواد

كأنوا إذا نهل القنا بأكفهم *** سكبوا السيوف أعالي الأغماد

ولهم بجنب الطف أكرم موقف *** صبروا على الريب الفظيع العادي

حول الحسين مصرعين كأنما *** كانت مناياهم على ميعاد

ص: 337


1- عن معجم الشعراء المرزباني ص 139.

قال المرزباني في معجم الشعراء ص 139 :

علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب هو القائل لعلي بن عبد اللّه الجعفري - وكان عمر بن فرج الرُخجي حمله من المدينة.

صبراً أبا حسن فالصبرُ عادتكم *** إن الكرام على ما نابهم صبر

أنتم كرام وأرضى الناس كلهم *** عن الإله بما يجري به القَدر

واعلم بأنك محفوظ إلى أجلٍ *** فلن يضرّك ما سدّى به عُمر

وذكر الداودي في عمدة الطالب في سلسلة النسب فقال :

أما أبو الحسن علي العسكري بن الحسن بن علي الاصغر وفي ولده البيت والعدد فأعقب من ثلاثة رجال : أبو علي أحمد الصوفي - لأنه كان يلبس الصوف - الفاضل المصنف ، وأبو عبد اللّه الحسين الشاعر المحدث ، وأبو محمد الحسن الناصر الكبير الاطروشي وهو إمام الزيدية ملك الديلم ، صاحب المقالة ، اليه ينتسب الناصرية من الزيدية ، وكان مع محمد بن زيد الداعي الحسني بطبرستان ، توفي بآمل سنة أربع وثلثمائة.

أقول ولما كان الولد قد توفي بعد القرن الثالث بقليل جاز لنا أن نعتبر الوالد من القرن الثالث.

ص: 338

11 - محمد بن علي الجواليقي الكوفي :

قال المرزباني : في المعجم ص 405 كان يتشيع ، قال يرثي الحسين بن علي :

أمن رسوم المنازل الدُرُس *** وسجعُ ورقٍ سجعن في الغلس

هتكت سجف العزاء عن طربٍ *** شاقتك معتاده إلى أنسِ

وفيها يقول :

أبك حسيناً ليوم مصرعه *** بالطف بين الكتائب الخُرُس

تعدو عليه بسيف والده *** أيد طوال لمعشرٍ نكس

تاللّه ما إن رأيت مثلهم *** في يوم ضَنْك قماطر عبس

أحسنَ صبراً على البلاء وقد *** ضيّقت الحربُ مجرع النفس

أضحى بنات النبي إذ قتلوا *** في مأتم والسباع في عرس

توفي سنة 384.

ص: 339

ص: 340

الفهرس

اشارة

ص: 341

فهرس الموضوعات

الإهداء... 5

تصدير الكتاب... 7

مقدمة المؤلف... 17

زيارة الحسين وفضلها... 37

كربلاء في يوم عاشوراء... 38

اربعين الحسين (عليه السلام) في كربلاء... 41

تاريخ مقتل الحسين (عليه السلام) ... 46

زوجات الحسين واولاده... 46

شعراء الحسين (عليه السلام) في القرن الاول

اسامي شعراء القرن الأول... 51

عقبة بن عمرو السهمي... 52

سليمان بن قتة... 54

ابو الرميح الخزاعي... 59

الرباب وزجة الحسين... 61

بشير بن جذلم... 64

جارية تنعي الحسين... 64

ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب... 67

ام البنين... 71

ام كلثوم... 75

ص: 342

الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب... 79

وفي صمن ترجمتة الفضل تركمة كل من :

عامر بن مسلم العبدي البصري ، زهير بن سيليم الازدي ، عثمان بن علي بن أبي طالب ، عمروبن خالد الاسدي الصيداوي ، بشر بن عمرو الكندي ، الحر الرياحي

كعب بن جابر الأزدي... 91

عبد اللّه بن الحر الجعفي... 93

ابو الاسود الدؤلي... 101

ابن مفرغ الحميري... 107

عبيد اللّه بن عمرو الكندي البدي... 115

وفي ضمن ترجمته ترجمة كل من :

سعيد بن عبد اللّه الحنفي ، زهير بن القين البجلي

عامر بن يزيد بن ثبيط العبدي... 123

الفضل بن العباس بن عتبة بن ابي لهب... 126

عوف الازدي... 130

ابو دهبل وهب بن زمعة الجحمي... 133

المغيرة بن نوفل... 138

مصعب بن الزبير... 141

عبد اللّه بن الزبير الاسدي... 143

وفي ضمن ترجمته ترجمة كل من :

مسلم بن عقيل ، وهاني بن عروة

يحيى بن الحكم... 147

خالد بن المهاجر... 150

شيخ يروي ابيات في الحسين (عليه السلام) ... 152

ص: 343

شعراء الحسين (عليه السلام) في القرن الثاني

أسامي شعراء القرن الثاني... 157

سكينة بنت الحسين (عليهماالسلام)... 158

فاطمة بنت الحسين (عليهماالسلام) :... 164

سفيان بن مصعب العبدي... 169

الكميت الأسدي... 181

جعفر بن عفان الطائي... 192

سيف بن عميرة... 196

السيد الحميري... 198

منصور النمري... 208

الامام الشافعي... 214

الفضل بن الحسن بن عبيداللّه بن العباس بن علي بن ابي طالب :... 223

النجاشي... 230

عبداللّه بن غالب... 231

ابو هارون المكفوف... 233

زينب الكبرى... 236

علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) ... 254

شاعر يرثي علي الاكبر ... 273

ترجمة علي الاكبر... 274

قصيدة عصماء للكميت... 278

ص: 344

شعراء الحسين (عليه السلام) في القرن الثالث

اسامي شعراء القرن الثالث... 282

عبد السلام ديك الجن... 283

خالد بن معدان الطائي... 289

دعبل بن علي الخزاعي... 295

الحسين بن الضحاك... 310

عبد اللّه ابن المعتز ... 314

الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس ابن علي بن ابي طالب (عليه السلام)

... 325

البسامي علي بن محمد... 327

الصقر الموصلي... 331

القاسم بن يوسف الكاتب... 332

علي بن الحسن بن علي بنعمر الاشرف... 336

محمد بن علي الجواليقي الكوفي... 338

ص: 345

فهرس مصادر البحث

اسم الكتاب / المؤلف

القرآن الكريم

نهج البلاغة الامام علي (عليه السلام)

الصحيفة السجادية الامام زين العابدين (عليه السلام)

تفسير مجمع البيان الطبرسي

تاريخ الاُمم والملوك ابن جرير الطبري

تاريخ الاسلام الذهبي

أعيان الشيعة السيد محسن الامين العاملي

أدب الشيعة عبد الحسيب طه

أعلام الورى الطبرسي

الامام الصادق والمذاهب الاربعة اسد حيدر

الأمالي ابو علي القالي

الأمالي السيد المرتضى

الأمالي الشيخ المفيد

الأمالي الشيخ الطوسي

الأغاني ابو الفرج الاصفهاني

إسعاف الراغبين الصبان

الإصابة ابن حجر العسقلاني

اسد الغابة ابن حجر العسقلاني

الإستيعاب ابن عبد البر

ابصار العين السماوي

التبر المسبوك الامام الغزالي

ص: 346

اسم الكتاب / المؤلف

بلاغات النساء ابن طيفور

البيان والتبيين الجاحظ

بطل العلقمي عبد الواحد المظفر

الأعلام الزركلي

انساب الأشراف البلاذري

تاريخ القرماني القرماني

تاريخ ابن عساكر ابن عساكر

تأسيس الشيعة سيد حسين الصدر

تذكرة الخواص سبط ابن الحوزي

بحار الأنوار المجلسي

تنقيح المقال الشيخ المامقاني

البابليات اليعقوبي

التبصرة ابن الجوزي

الاسلام مع الحياة محمد جواد مغنية

أهل البيت محمد جواد مغنية

الآخرة والعقل محمد جواد مغنية

مع الشيعة الامامية محمد جواد مغنية

تهذيب الاسماء النووي

جمهرة انساب العرب ابن حزم

تاريخ بغداد الخطيب البغدادي

خزانة الادب البغدادي

الحيوان الجاحظ

ديوان دعبل دعبل

ديوان السيد حيدر السيد حيدر الحلي

ص: 347

اسم الكتاب / المؤلف

ديوان الفرزدق الفرزدق

خصائص الائمة ابن الجوزي

حلية الأولياء ابو نعيم الأصبهاني

الخصائص السيوطي

الخصائص الحسينية الشيخ التستري

ذوب النضار في شرح الثأر ابن نما

رجال الكشي الكشي

رجال النجاشي النجاشي

رجال السيد بحر العلوم السيد بحر العلوم

رجال الطوسي الشيخ الطوسي

رغبة الأمل المرصفي

روضة الواعظين ابن الفتال النيسابوري

روض الجنان أشرف علي الهندي

الرائق السيد احمد العطار

روضة الصفا

رياض السالكين السيد عليخان

ربيع الابرار الزمخشري

زهر الآداب الحصري

السيدة سكينة توفيق الفكيكي

السيدة زينب حسن قاسم

السيدة زينب محمد علي أحمد المصري

السيرة النبوية ابن هشام

شرح رسالة الحقوق عبد الهادي المختار

ص: 348

اسم الكتاب / المؤلف

شذرات الذهب ابن العماد الحنبلي

الشعر والشعراء ابن قتيبة

الشرف المؤبد النبهاني

الصواعق المحرقة ابن حجر

الطبقات الكبرى ابن سعد

الطبقات ابن المعتز

عيون اخبار الرضا الشيخ الصدوق

عمدة الطالب الداوودي

عيون الاخبار ابن قتيبة

العقد الفريد ابن عبد ربه

عقيلة بني هاشم علي بن الحسين الهاشمي

الغارات ابن هلال الثقفي

فاطمة بنت محمد عمر ابو النصر

الفصول المختارة السيد المرتضى

الفصول المهمة ابن الصباغ المالكي

الفهرست ابن النديم

قاموس الرجال التستري

قمر بني هاشم عبد الرزاق المقرم

سكينة بنت الحسين عبد الرزاق المقرم

مقتل الحسين (عليه السلام) عبد الرزاق المقرم

مسلم بن عقيل عبد الرزاق المقرم

عاشوراء في الاسلام عبد الرزاق المقرم

الكافي الشيخ الكليني

الكامل المبرد

ص: 349

اسم الكتاب / المؤلف

الكامل ابن الاثير

الكشكول الشيخ البهائي

الكشكول الشيخ يوسف البحراني

كفاية الطالب الكنجي الشافعي

كامل الزيارات ابن قولويه

الكنى والالقاب الشيخ عباس القمي

نفس المهموم الشيخ عباس القمي

سفينة البحار الشيخ عباس القمي

اللّهوف ابن طاووس

مقاتل الطالبيين ابو الفرج الاصبهاني

المناقب ابن شهر آشوب

المعالم ابن شهر آشوب

مقتل الحسين (عليه السلام) ابو مخنف

المنتخب الطريحي

مروج الذهب المسعودي

المعارف ابن قتيبة

المحبر ابن حبيب

معجم الشعراء المرزباني

معجم البلدان ياقوت الحموي

معجم الادباء ياقوت الحموي

المغنى الذهبي

المحاسن والمساوئ البيهقي

مصباح اللغة

ص: 350

اسم الكتاب / المؤلف

معاهد التنصيص محمود شكري الآلوسي

مختصر التحفة الأثني عشرية

مجمع الزوائد ابن حجر

مثير الاحزان ابن نما

المستدرك الحاكم

مجالس المؤمنين العلامة البرغاني

مناهل الضرب السيد جعفر الاعرجي

معراج الوصول الحافظ جمال الدين المدني

المجدي النسابة العمري

مجلة العرفان اللبنانية

مجلة الغري النجفية

جريدة الزمان الدمشقية

ناسخ التواريخ

نور الابصار الشبلنجي

نسب قريش الزبيري

وفيات الاعيان ابن خلكان

وسائل الشيعة الحر العاملي

ينابيع المودة القندوزي

سر السلسلة العلوية ابو نصر البخاري

ص: 351

المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 340

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء الثاني

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا والصلاة على سيدنا الصادق بالحق والصدق والقائل :

إن من الشعر لحكمة ، وإن من البيان لسحرا.

وعلى آله واصحابه المنتجبين.

وبعد فهذا هو الجزء الثاني من ( ادب الطف ) يقتصر على القرن الرابع الهجري والخامس من شعراء الحسين علیه السلام ، وارجو ان يكون مقبولا ومشمولا بعناية اللّه انه سميع مجيب.

المؤلف

ص: 5

ص: 6

شعراء القرن الرابع الهجري

اشارة

منصور بن سلمة الهروي

ابو بكر محمد بن الحسن بن دريد

احمد بن محمد بن الحسن الصنوبري

علي بن اصدق الحائري

ابو الحسن السري بن احمد الرفاء الموصلي

محمود بن الحسين بن السندي كشاجم

طلحة بن عبيد اللّه العوني المصري

علي بن اسحاق الزاهي الشاعر

الامير ابو فراس الحمداني

محمد بن هاني الاندلسي

الناشي الصغير ابو الحسن علي بن عبد اللّه بن الوصيف

الامير محمد بن عبد اللّه السوسي

سعيد بن هاشم الخالدي

الامير تميم بن الخليفة

علي بن احمد الجرجاني الجوهري

الصاحب اسماعيل بن عباد

محمد بن هاشم الخالدي

الحسين بن الحجاج

علي بن حماد العبدي

احمد بن الحسين بديع الزمان الهمداني

الشريف الرضي

ص: 7

ص: 8

منصور بن سلمة الهروي

روي الشيخ نجم الدين محمد بن جعفر بن ابي البقا هبة اللّه المعروف بابن نما الحلي المتوفى سنة 645 ه. في كتابه ( مثير الأحزان ).

قال : قال الهروي الكاتب سمعت منصور بن سلمة الهروي ينشد ببغداد في شهر رمضان سنة احدى عشر وثلثمائة شعرا من جملته.

تصان بنت الدعي في كلل *** الملك ، وبنت الرسول تبتذلُ

يرجى رضى المصطفى فوا عجبا *** تقتل اولاده ويحتمل

ص: 9

أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد

اشارة

قال السيد احمد العطار في المجموع الرائق : هذه قصيدة لابي بكر بن دريد الأزدي في أهل البيت علیهم السلام وهي من أغرب ما جاء في معناها لأن أبا بكر بصري المنشأ والمولد ، وعامة أهل البصرة يدينون بغير هذا المعتقد ، وقد اشتملت من الغرائب ما تتهذب بحفظه السنة المتعلمين والشادين وتتنبه بمثله قرائح المبتدين والمستفيدين وأورد ابن شهر اشوب ثمانية أبيات منها وهي التي تقع بين قوسين. أقول والنسخة المنقولة عنها هذه القصيدة من الخطوط القديمة ولعلها ترجع إلى أول القرن الثامن الهجري :

سدكت به عنتا تُفنّده *** وتظل بالاقتار توعده

طورا تهازله لترضيه *** وتجد احيانا فتصمده

وتقول أبق فانه نشب *** قد شف طارفه ومتلده

فييءُ وما خوّلتِ فاحتجبي *** المال ايسره مبدده

ان الذي تدرين عرته *** لا تستطيف به مقرّده

ما المال إلا ما نعشت به *** ذا عثرة لهفان أرفده

أو مائلا يحوى برغبته *** مستشكدا للعرف اشكده

مستصفداً ضاقت مذاهبه *** فعلي يحب أن أصفده

وغناء مال المرء عنه اذا *** ارضى الصفيح عليه ملحده

تاللّه افتأ سائلا طللا *** بالجزع دعدعه تأبده

مقو وما اقوى فؤادي من *** ذكرى تهيجه وتكمده

ذكرى تزال لها على كبدي *** لذع يُضرّمه ويوقده

ص: 10

كم إثر ذكراهم له نفس *** يدمي مسالكه تصعّده

إنّ اللواتي يوم ذي شجُبٍ *** اضنين جسمك هنّ عوّده

فسلا فلا سُعدى تساعده *** مالا ولا هند تهنّده

وتنكّرت ريا وجارتها *** وتهددت بالهجر مهدده

ربما يرقن اذا سمعن به *** دمعا يمار عليه أثمده

والمرء خدن الغانيات اذا *** غصن الشباب اهتز أملده

والشيب عيب عندهن اذا *** ما لاح في فوديه يُكسده

عاود عزاك ولا تكن رجلا *** بيد المنى والعجز مروده

وأرى الأسى خلقت معارضه *** لغليل حزن المرء تُبرده

وفتى كنصل السيف منصلتا *** يعلو الخطوب فلا تُكأده

صافحته لا فاحشا حرجا *** والحُلق ألأمُه مُرّنده

ولقد مُنيت من الرجال بمن *** غمر القبائل منه سودده

فملاين لا يستلن شططا *** ومخاشن لا بد أضهده

يا صاح ما ابصرت من عجب *** بالحق زاغت عنه عّنّده

أألى الضلال تحيد عن نهج *** يهدى الى الجنات مرشده

( إن البرية خيرها نسبا *** إن عد أكرمه وأمجده )

( نسب محمده معظمه *** وكفاك تعظيما مُحمّده )

( نسب إذا كبت الزناد فما *** تكبو إذا مانضّ أزنده )

( واخو النبي فريد محتده *** لم يُكبه في القدح مُصلده )

( حل العلاء به على شرف *** يتكأد الراقين مَصعده )

أو ليس خامس من تضمنّه *** عن أمر روح القدس بُرجده

إذ قال أحمدها ولاؤهم *** أهلي وأهل المرء وددّه

يا رب فاضممهم الى كنف *** لا يستطيع الكيد كيّده

( أو لم يَبت ليلا أبو حسن *** والمشركون هناك رُصّده )

( متلففا ليرد كيدهم *** ومهاد خير الناس مَمهده )

ص: 11

( فوقى النبي ببذل مهجته *** وبأعين الكفار منجده )

وهو الذي أتبع الهدى يفعاً *** لم يستمله عن التقى دده

كهل التاله وهو مقتبل *** في الشرخ غض الغصن أغيده

والشرك يُعبد عزياه به *** جهلا دعائمه وجلمده

ومنازل الاقران قد علموا *** والنقع مُطرّق تلبّده

خواض غمرة كل معترك *** سيان أليسه ورعدده

فسقى الوليد بكاس منصله *** كأسا توهله وتصخده

فهوى يمج نجيع حشرته *** والموت يلفته ويقصده

وسما بأحد والقنا قصد *** كالليث أمكنه تصيّده

فأباد أصحاب اللواء فلم *** يترك له كفّا تُسنّده

ثم ابن عبد يوم أورده *** شربا يذوق الموت وُرّده

جزع المداد فذاده بطل *** لله مرضاه ومعتده

وحصون خيبر إذ أطاف بها *** لم يثنه عن ذاك صُدّده

ونجم قد عقد الولاء له *** عقدا يُقَلقَل منه حُسّده

ما نال في يوم مدى شرف *** إلا أبر فزاده غده

من ذا يساجل أو يُناجب في *** نسب رسول اللّه محتده

أبناء فاطمة الذين اذا *** مجد اشار به مُعدّده

فذراهم مرعى هوامله *** ولديه منشأه ومولده

والمجد يعلم أن أيديهم *** عنها اذا قادته مقوده

لولاهم كان الورى همجا *** كالبهم فرّقه مشرّده

لولاهم حار السبيل بنا *** عما نحاوله ونقصده

لولاهم استولى الضلال على *** منهاجنا واشتد موصده

هم حجة اللّه التي كندت *** واللّه ينعم ثم تكنده

هم ظل دين اللّه مدّده *** أمناً على الدنيا ممدده

وهم قوام لا يزيغ اذا *** ما مال ركن الدين يعمده

ص: 12

وهم الغيوث الهاميات اذا *** ضن الغمام وجف مورده

وهم الحبال المانعات اذا *** ما الياس اطلقه مصفده

كم من يد لهم ينوء بها *** فتهد حاملها وتُلهده

كم منة لهم مورثة *** آثار طول ليس تفقده

وإخال ان الوقت شاملنا *** فمسيمه منا وموعده

اذ سار جند الكفر يقدمه *** متسربلاً غدراً يُجنده

في جحفل يُسجى الفضاء به *** كرهاء بحر فاض مزبده

طلاب ثار الشرك آونة *** تحتثه طورا وتحشده

لو أن صنديد الهضاب به *** يرمى لزلزل منه صندده

حتى اطافوا بالحسين وقد *** عطف البلاء وقل منجده

صفا كما رص البنا وعلى *** ميدانه بالسيد (1) مُرهده

قرنين مضطغن ومكتسب *** ومكاتم للوغم يحقده

فرموه عن غرض وليس له *** من ملجأ الا مهنده

وصميم اسرته وخُلصته *** ونأى فلم يشهده أحمده

لو أن حمزته وجعفره *** وعليّه اذ ذاك يَشهده

ما رامت الطلقاء حوزته *** بل عمّها بالذعر منهده

منعوه ورد الماء ويلهم *** وحماه لم يمنع تورّده

خمسا أديم عليه سرمده *** وأشد وقع الشر سرمده

حتى إذا حامت مناجزة *** في صدر يوم غاب أسعده

ثاروا إليه فثار لا وكلا *** وأمامه عزم يؤيّده

كالقوم ردد في لغادده *** هدرا يردده ويرعده

والخيل ترهقه فيرهقها *** ضربا يفض البيض اهوده

حتى إذا القتل استحر بهم *** في مأزق ضنك مقصّده

ص: 13


1- السِيد هو الاسد.

وتخرمت أنصاره وخلا *** كالليث لم ينكل تجلّده

ثبت الجناب على بصيرته *** والعزم لم ينقص تأكده

وتعاورته ضبى سيوفهم *** فتقيمه طورا وتقعده

حتى هوى فهوى بناء علا *** واجتث منتزعا موطده

طمسوا بمقتله الهدى طُمست *** عنهم مناهجه وأنجده

وتروا النبي به وقد وتروا *** الروح الامين غداة يشهده

فبكاه قبر المصطفى جزعا *** وبكاه منبره ومسجده

وتسربلت أفق السماء له *** قتما يخالطه تورده

وتبجست صم الصخور دما *** لما علاه دم يجسّده

وأتيح للماء الغؤر به *** والغور ينضبه ويثمده

ومن الفجيعة أن هامته *** للرمح تأطره تأوده

تهدى الى ابن العلج محملها *** وافى طلوع الجبت اجعده

عبد يُجاء براس سيده *** لما أذيل وضاع سيده

يجرى براس ابن النبي لقد *** لعن المراد به وروّده

لعن الإله بني امية ما *** غنّى على فنن مغرده

فيهم يحكّم لا ينهنه في *** الاسلام عابثه ومفسده

ص: 14

ابن دريد هو ابو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدري القحطاني البصري الشيعي الإمامي عالم فاضل أديب حفوظ ، شاعر نحوي لغوي ، أخذ عن الرياشي وأبي حاتم السجستاني وغيرهما ، وكان واسع الرواية لم ير أحفظ منه ، يحكى أنه كان إذا قرئ عليه ديوان شعر مرة واحدة حفظه من أوله الى آخره. قال المسعودي ، وكان ابن دريد ببغداد ممن برع في زماننا هذا في الشعر وانتهى في اللغة وقام مقام الخليل بن أحمد فيها ، وأورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين وكان يذهب في الشعر كل مذهب ، فطورا يجزل وطورا يرق وشعره أكثر من أن نحصيه أو يأتي عليه كتابنا هذا ، فمن شعره قصيدته المقصورة أو لها :

يا ظبية أشبه شيء بالمها *** ترعى الخزامى بين أشجار النقى

أما ترى رأسي حاكى لونه *** طرّة صبح تحت أذيال الدجى

واشتعل المبيض في مسوّده *** مثل اشتعال النار في جزل الغضا

( انتهى )

له مصنفات منها كتاب الجمهرة وهو من الكتب المعتبرة في اللغة ، حكي أنه أملاها من حفظه سنة 297 فما استعان عليها بالنظر في شيء من الكتب إلا في الهمزة واللفيف ، واشتهرت مقصورته غاية الاشتهار وقد اعتنى بشرحها خلق كثير وعارضه فيها جماعة من الشعراء منهم ابو القاسم علي التنوخي الانطاكي وعد ابن شهر اشوب ابن دريد من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) ومن شعره :

ص: 15

أهوى النبي محمداً ووصيه *** وابنيه وابنته البتول الطاهرة

أهل العباء فإنني بولائهم *** أرجو السلامة والنجا في الآخرة

وأرى محبة من يقول بفضلهم *** سببا يجير من السبيل الجائرة

أرجو بذلك رضى المهيمن وحده *** يوم الوقوف على ظهور الساهرة

توفي ببغداد 18 شعبان سنة 321 يوم وفاة ابي هاشم الجبائي قال الناس مات علم اللغة وعلم الكلام بموت ابن دريد وابي هاشم ودفنا بالخيزرانية.

قال الامين في أعيان الشيعة مولده بالبصرة في سكة صالح سنة 223 وتوفي يوم الاربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقين من شعبان أو من رمضان سنة 321 فيكون عمره ثماني وتسعين سنة وقال ابن خلكان يقال انه عاش ثلاثا وتسعين سنة لا غير.

وذكره صاحب رياض العلماء فقال : كان وزيرا لبني ميكال امراء الشيعة في فارس فعهدوا اليه نظارة ديوانهم حتى كانت الأوامر تصدر عنه ويوقع عليها بتوقيعه وبلغ أعلى المراتب ولما خلع بنو ميكال وذهبوا الى ارض خراسان جاء ابن دريد الى بغداد سنة 308 واتصل بالوزير الشيعي علي بن الفرات فقربه الى المقتدر فأمر له بخمسين دينارا كل شهر حتى مات.

ص: 16

من مقصورة ابن دريد في الحكم والأخلاق الكريمة

مَن لم يعظه الدهر لم ينفعه ما *** راح به الواعظ يوما أو غدا

مَن لم تُفده عبرا أيامه *** كان العمى أولى به من الهدى

مَن قاس ما لم يره بما يرى *** أراه مايدنو اليه ما نأى

مَن عارض الأطماع باليأس رنت *** اليه عين العز من حيث رنا

مَن لم يقف عند انتهاء قدره *** تقاصرت عنه فسيحات الخطا

مَن ناط بالعجب عرا أخلاقه *** نيطت عُرا المقت الى تلك العرا

مَن طال فوق منتهى بسطته *** أعجزه نيل الدنابله (1) القصا

وللفتى من ماله ما قدّمت *** يداه قبل موته لا ما اقتنى

وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وعى

اقول وشطر هذه المقصورة السيد محمد بن مال اللّه بن معصوم القطيفي النجفي المتوفى سنة 1271 وجعل التشطير في رثاء الحسين وستأتي الترجمة في شعراء القرن الثالث عشر ان شاء اللّه.

ومن شعره قوله :

غرّاء لو جلت الخدود شعاعها *** للشمس عند طلوعها لم تشرق

غصن على دعص تأوّد فوقه *** قمر تألق تحت ليل مطبق

ص: 17


1- بله اسم فعل معناه دع واترك يعني ان من طلب فوق ما في سعته لم يدرك قريبا ولا بعيدا.

لو قيل للحسن احتكم لم يعدها *** أو قيل خاطب غيرها لم ينطق

وكأننا من فرعها في مغرب *** وكأننا من وجهها في مشرق

تبدو فيهتف للعيون ضياؤها *** الويل حل بمقلة لم تطبق

أورد السيد الأمين له في الاعيان ترجمة ضافية ذكر فيها اقوال العلماء فيه ومشائخه وتلامذته وشعره وأخباره مفصلة.

ص: 18

أحمد بن محمد بن الحسن الصنوبري

اشارة

يا خير من لبس النبوة *** من جميع الانبياء

وجدي على سبطيك وج- *** -د ليس يؤذن بانقضاء

هذا قتيل الاشقيا *** ء وذا قتيل الادعياء

يوم الحسين هرقت دم- *** -ع الارض بل دمع السماء

يوم الحسين تركت با *** ب العز مهجور الفناء

يا كربلاء خلقت من *** كرب عليّ ومن بلاء

كم فيك من وجه تش- *** رّب ماؤه ماء البهاء

نفسي فداء المصطلي *** نار الوغى أي اصطلاء

حيث الاسنة في الجوا *** شن كالكواكب في السماء

فاختار درع الصبر حي- *** -ث الصبر من لبس السناء

وابى إباء الأسد إ *** نّ الأسد صادقة الإباء

وقضى كريما إذ قضى *** ظمآن في نفر ظماء

منعوه طعم الماء لا *** وجدوا لماء طعم ماء

مَن ذا لمعقور الجوا *** د ممال أعواد الخباء

مَن للطريح الشلو عر *** يانا مُخلّى بالعراء

مَن للمحنط بالترا *** ب وللمغسل بالدماء

ص: 19

من لابن فاطمة المغ- *** -يّب عن عيون الاولياء (1)

وللصنوبري ذكرها صاحب الدر النظيم في الأئمة اللّهاميم :

ذكر يوم الحسين بألطف أودى *** بصماخي فلم يدع لي صماخا

متبعات نسأوه النوح نوحا *** رافعات إثر الصراخ صراخا

منعوه ماء الفرات وظلّوا *** يتعاطونه زلالا نقاخا

بأبي عترة النبي وأمي *** سد عنهم معاند أصماخا

خير ذا الخلق صبية وشبابا *** وكهولا وخيرهم أشياخا

أخذوا صدر مفخر العز مذكا *** نوا وخلّوا للعالمين المخاخا

النقيّون حيث كانوا جيوبا *** حيث لا يأمن الجيوب اتساخا

خلقوا أسخياء لا متساخين *** وليس السخى من يتساخى

أهل فضل تناسخوا الفضل شيبا *** وشبابا اكرم بذاك انتساخا

يا ابن بنت النبي اكرم به ابنا *** وبأسناخ جدّه اسناخا

وابن من وازر النبي ووالا *** ه وصافاه في الغدير وواخا

وابن من كان للكريهة ركنا *** باً وفي وجه هولها رساخا

للطلى تحت قسطل الحرب ضرّا *** يا وللهام في الوغى شداخا (2)

ما عليكم أناخ كلكله الد *** هر ولكن على الانام اناخا

وقال :

ما في المنازل حاجة نقضيها *** إلا السلام وادمع نذريها

وتفجع للعين فيها حيث لا *** عيش أوازيه بعيشي فيها

أبكي المنازل وهي لا تدري الذي *** بعث البكاء لكنت أستبكيها

ص: 20


1- رواها بن شهر اشوب في المناقب. الأعيان ج9 ص356 والتفسير.
2- الطلى بالكسر طلية وهو العنق ومن كلامهم : اللحية حلية ما لم تطل عن الطلية.

باللّه يا دمع السحائب سقّها *** ولئن بخلت فأدمعي تسقيها

يا مغريا نفسي بوصف غريرة *** أغريت عاصية على مغريها

لا خير في وصف النساء فاعفني *** عما تكلفنيه من وصفيها

يا رب قافية حلى امضاؤها *** لم يحل ممضاها الى ممضيها

لا تطمعن النفس في إعطائها *** شيئا فتطلب فوق ما تعطيها

حب النبي محمد ووصيه *** مع حب فاطمة وحب بنيها

أهل الكساء الخمسة الغرر التي *** يبني العلا بعلاهم بانيها

كم نعمة أوليت يا مولاهم *** في حبهم فالحمد للموليها

إن السفاه بترك مدحي فيهم *** فيحق لي أن لا أكون سفيها

هم صفوة الكرم الذي أصفيهم *** ودي وأصفيت الذي يصفيها

أرجو شفاعتهم وتلك شفاعة *** يلتذ برد رجائها راجيها

صلّوا على بنت النبي محمد *** بعد الصلاة على النبي أبيها

وابكوا دماء لو تشاهد سفكها *** في كربلاء لما ونت تبكيها

يا هولها بين العمائم واللّهى *** تجري وأسياف العدى تجريها

تلك الدماء لو انها توقى إذا *** كانت دماء العالمين تقيها

لو أن منها قطرة تفدى إذا *** كنابنا وبغيرنا نفديها

إن الذين بغوا إراقتها بغوا *** ميشومة العقبى على باغيها

قتل ابن من أوصى اليه خير من *** أوصى الوصايا قط أو يوصيها

رفع النبي يمينه بيمينه *** ليرى ارتفاع يمينه رائيها

في موضع أضحى عليه منبها *** فيه وفيه يبدئ التشبيها

آخاه في ضم ونوّه باسمه *** لم يأل في خير به تنويها

هو قال ( اقضاكم ) علي إنه *** أمضى قضيته التي يمضيها

هو لي كهارون لموسى حبذا *** تشبيه هرون به تشبيها

يوماه يوم للعدى يرويهم *** جودا ويوم للقنا يرويها

يسع الأنام مثوبة وعقوبة *** كلتاهما تمضي لما يمضيها

ص: 21

بيد لتشييد المعالي شطرها *** ولهدم أعمار العدى باقيها

ومضاء صبر ما رأى راء له *** فيما رآه من الصدور شبيها

لو تاه فيه قوم موسى مرة *** أخرى لأنسى قوم موسى التيها

عوجا بدار الطف بالدار التي *** ورث الهدى أهلوه عن اهليها

نبكي قبورا إن بكينا غيرها *** بعض البكاء فانما نعنيها

نفدت حياتي في شجى وكآبة *** لله مكتئب الحياء شجيها

بأبي عفت منكم معالم أوجه *** أضحى بها وجه الفخار وجيها

مالي علمت سوى الصلاة عليكم *** آل النبي هدية أهديها

وأسا علي فإن أفأت بمقلتي *** يحدي سوابق دمعها حاديها

سقيا لها فئة وددت بأنني *** معها فسقاني الردى ساقيها

تلك التي لا أرض تحمل مثلها *** لا مثل حاضرها ولا باديها

قلبي يتيه على القلوب بحبها *** وكذا لساني ليس يملك تيها

وأنا المدلّه بالمرائي كلما *** زادت أريد بقولها تدليها

يرثي نفوسا لو تطيق إبانة *** لرئت له من طول ما يرثيها

ص: 22

أبو بكر احمد بن محمد بن الحسن بن مراد الضبي الحلبي الانطاكي المعروف بالصنوبري توفي سنة 334.

ذكره الامين في اعيان الشيعة فقال : كان شاعراً مجيداً مطبوعاً مكثراً وكان عالي النفس ضنينا بماء وجهه عن ان يبذله في طلب جوائز ممدوح صائنا لشأنه عن الهجاء يقول الشعر تأدبا لا تكسبا ، مقتصرا في اكثر شعره على وصف الرياض والأزدهار. وكان يسكن حلب ودمشق قال الشيخ عباس القمي في ( الكنى والألقاب ) : ذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت (عليهم السلام) وله أشعار في مدائح أهل البيت ومراثيهم أقول : ان السيد الامين اسماه احمد بن محمد وكناه بأبي بكر ولكن الشيخ القمي في الكني والالقاب اسماه ابو بكر بن أحمد بن محمد وقول الشيخ الأميني موافق لما رواه السيد في الأعيان.

قال الثعالبي : تشبيهات ابن المعتز ، وأوصاف كشاجم ، وروضيات الصنوبري متى اجتمعت اجتمع الظرف والطرف وسمع السامع من الاحسان العجب.

وله في وصف حلب ومنتزهاتها قصيدة تنتهي الى مائة واربعة أبيات توجد في معجم البلدان للحموي ج 3 ص 317 وقال البستاني في ( دائرة المعارف ) ج 7 ص 137 هي اجود ما وصف به حلب ، مستهلها.

احبسا العيس احبساها *** وسلا الدار سلاها

قال الشيخ الاميني : واما تشيعه فهو الذي يطفح به شعره الرائق ونص بذلك اليماني في نسمة السحر وعده ابن شهر اشوب من مادحي أهل البيت علیهم السلام وأما دعوى صاحب النسمة انه كان زيديا واستظهاره ذلك من شعره فاحسب أنها فتوى مجردة فانه لم يدعمها بدليل ، وشعره الذي ذكره هو وغيره خال من اي ظهور ادعاه واليك نبذا مما وقفنا عليه في المذهب. قال في القصيدة يمدح بها عليا أمير المؤمنين علیه السلام .

ص: 23

اخي حبيبي حبيب اللّه لا كذب *** وابناه للمصطفى المستخلص ابنان

صلى الى القبلتين المقتدى بهما *** والناس عن ذاك في صم وعميان

ما مثل زوجته اخرى يقاس بها *** ولا يقاس على سبطيه سبطان

فمضمر الحب في نور يخص به *** ومضمر البغض مخصوص بنيران

هذا غدا مالك في النار يملكه *** وذاك رضوان يلقاه برضوان

رُدّت له الشمس في أفلاكها فقضى *** صلاته غير ما ساه ولا وان

أليس من حل منه في أخوّته *** محل هارون من موسى بن عمران؟!

وشافع الملك الراجي شفاعته *** إذ جاءه ملك في خلق ثعبان

قال النبي له : أشقى البريّة يا *** علي إذ ذُكر الأشقى شقيّان

هذا عصى صالحا في عقر ناقته *** وذاك فيك سيلقاني بعصيان

ليخضبن هذه من ذا أبا حسن *** في حين يخضبها من أحمر قان

ومن شعر الصنوبري ما رواه النويري في نهاية الارب :

محن الفتى يخبرن عن فضل الفتى *** كالنار مخبرة بفضل العنبر

وقال :

رب حال كأنها مُذهَب ال- *** -ديباج صارت من رقة كاللاذ (1)

وزمان مثل ابنة الكرم حُسنا *** عاد عند العيون مثل الداذي (2)

أو ما من فساد رأى الليالي *** ان شعري هذا وحالي هذي

ص: 24


1- اللاذة : ثوب حرير احمر صيني والجمع لاذ.
2- الداذي : شراب للفساق.

ومن شعره في اهل البيت علیهم السلام (1) :

سقى حلب المزن مغنى حلب *** فكم وكلت طربا بالطرب

وكم مستطاب من العيش لي *** لديها إذا العيش لم يستطب

إذا نشر الزهر أعلامه *** بها ومطارده والعذب

غدا وحواشيه من فضة *** ترفّ وأوساطه من ذهب

تلاعبه الريح صدر الضحى *** فيجلى علينا جلاء اللعب

متى ما تغنّت مهاريه *** وانشد دبسيّه أو خطب

ندبت ونُحت بني احمد *** ومثلي ناح ومثلى ندب

بني المصطفى المرتضى خاتم *** النبيين والمنخب المنتخب

لا سرى مسراه إلا به *** وما مسّه في السرى من تعب

أم القمر انشق إلا له *** ليقضي ما قد قضى من أرب

ولا يد سبّح فيها الحصى *** سوى يده في جميع الحقب

وفي تفلة رد عين الوصي *** إلى حال صحتها إذ أحب

اخوه وزوج احب الورى *** اليه ومسعده في النوب

له ردت الشمس حتى قضى *** الصلاة وقام بما قد وجب

وزكّا بخاتمه راكعا *** رجاء المجازاة في المنقلب

ابو حسن والحسين الذَين *** كانا سراجي سراج العرب

هما خير ماش مشى جدّةً *** وجداً وأزكاه أماً وأب

* * *

أنيخا بنا العيس في كربلاء *** مناخ البلاء مناخ الكرب

نشم ممسّك ذاك الثرى *** ونلثم كافور تلك الترب

ونقضي زيارة قبر بها *** فان زيارته تستحب

ص: 25


1- عن المجموع الرائق السيد أحمد العطار - مخطوط.

سآسي لمن فيه كل الاسى *** واسكب دمعي له ما انسكب

لمن مات من ظمأ والفرات *** يرمي بامواجه من كثب

يروم اقترابا فيحمونه ال- *** وصول اليه اذا ما اقترب

وقد أنصب الفاطميات ما *** يعانيه تحت الوغى من نصب

اذا هو ودّعهن انتحبن *** من حر توديعه وانتحب

أيابن الرسول ويابن البتول *** يا زينة العلم زين الأدب

كأني بشمر مكبّا عليك *** ويل لشمر على من أكب

ومهري ماض مخلّى العنان *** خضيب اللبان خضيب اللبب

وقد أجلت الحرب عن نسوة *** سقتها يد الحرب كاس الحرب

يلاحظن وجهك فوق القناة *** ويذهبن باللحظ أنىّ ذهب

فبوركت مرثية حُليت *** من الحَلي بالمنتقى المنتخب

الى ضَبّة الكوفة الاكرمين *** تنسّب اكرم بهذا النسب

الى القائمين بحق الوصي *** عند الرضاء وعند الغضب

ص: 26

وقال أيضا فيهم صلوات اللّه عليهم :

وقال أيضا فيهم صلوات اللّه عليهم (1)

حيّ ولا تسأم التحيات *** وناج ما اسطعت من مناجاة

حيّ دياراً أضحت معالمها *** بالطف معلومة العلامات

وقل لها يا ديار آل رسول *** اللّه يا معدن الرسالات

وقل عليك السلام ما انبرت *** الشمس أو البدر للبريات

هم مناخ الهدى ومنتجع *** الوحي ومستوطن الهدايات

إن يَتلُ تالي الكتاب فضلهم *** يتل صنوفا من التلاوات

خصّوا تلك الآيات تكرمة *** اكرم بتلك الآيات آيات

هم خير ماش مشى على قدم *** وخير مَن يمتطي المطيّات

هم علّموا العالمين أن عبدوا *** اللّه وألغوا عبادة اللات

عُجت بأبياتهم أسائلها *** فعجت منها بخير أبيات

على قبور زكية ضمنت *** لحودها أعظما زكيّات

أذكى نسيما لمن ينسّمها *** من زهرات الربى الذكيّات

واصلها الغيث بالغدو ولا *** صارمها الغيث بالعشيّات

الشافعون المشفعون إذا *** ما لم يشفّع ذوو الشفاعات

من حين ماتوا أحيوا ، وليس كمن *** أحياؤهم في عداد أموات

جلّت رزاياهم فلست أرى *** بعد رزياتهم رزيّات

ص: 27


1- عن المجموع الرائق تأليف السيد احمد العطار - مخطوط.

نوحا على سيدي الحسين نعم *** نوحا على سيدي بن سادات

نوحاً تنوحا منه على شرف *** مجدّل بين مشرفيات

ذقنا بدوق السيوف من دمه *** مرارةً فاقت المرارات

كأنني بالدماء منه على *** خير تراق وخير لبّات

ذيد حسين عن الفرات فيا *** بليّة أثمرت بليات

لم يستطع شربه وقد شربت *** من دمه المرهفات شربات

ما لك ما غُرت يا فرات ولم *** تسق الخبيثين والخبيثات

كم فاطميين منك قد فُطموا *** من غير جرم وفاطميات

ويل يزيد غداة يقرع بالق- *** -ضيب من سيدي الثنيات

فزد يزيدا لعنا وأسرته *** من ناصبيّ وناصبيات

العنه والعن من ليس يلعنه *** ثُبت بذا أفضل المثوبات

الجن والانس والملائكة الكرام *** تبكي بلا محاشاة

على خضيب الاطراف من دمه *** يا هول اطرافه الخضيبات

في لمّة من بني أبيه حوت *** طيب الأبوّات والبنوّات

مَن يسل وقتا فان ذكرهم *** مجدد لي في كل أوقاتي

بهم أجازي يوما الحساب إذا *** ما حوسب الخلق للمجازاة

تجارتي حبهم وحبّهم *** ما زال من أربح التجارات

ص: 28

وقوله :

وقوله (1)

لوعة ما تزحرح *** وجوى ليس يبرح

وشجى ما أزال *** افيق منه واصبح

وأسى كلما خَبا *** خبوه عاد يقدح

وحسود يحاول *** الجد من حيث يمزح

فهو يأسو اذا حض- *** -رت وإن غبت يقدح

فمداج موارب ومبين *** ومبين مصرح

كإبن آوى يعوي ور *** أى وكالكلب ينبح

عجبي والخطوب تب- *** لطلابي لراحة العي-

-رح فينا وتسنح *** -ش والموت أروح

قل لباغي ربح بمدح *** اذا ظل يمدح

مدح آل النبي يا *** باغي الربح أربح

مَن بهم تمنح النجا *** ة غداً حين تمنح

وبهم تصلح الامور *** التي ليس تصلح

ما فصبح إلا وهم *** بالعلى منه أفصح

سبقوا شرح ذي النه- *** -هى بنهى ليس تشرح

هم على المعتفين *** أوسع أيد وأفسح

ص: 29


1- عن المجموع الرائق تأليف السيد احمد العطار مخطوط.

كلما وزنوا به *** فهم منه أرجح

طيّر النار في الحشا *** طاير ظل يصدح

ناح شجواً وما درى *** أنني منه أنوح

أنا أشجى منه فوادا *** وأضنى وأقرح

لي فواد بناره *** كل يوم ملوّح

وحشاً ما المدى مدي *** حرقاتي يشرّح

للحسين الذي الشؤن *** بذكراه تسفح

لابن مَن قام بالنصيحة *** إذ قام يَنصح

الذبيح الذبيح من *** عطش وهو يذبح

من رأى ابن النبي *** في دمه كيف يسبح

طامحا طرفه الى *** اهله حين تطمح

يطبق العين وهو *** في كربات ويفتح

بي جوى للحسين *** يؤلم قلبي ويقرح

ابطحي ما إن حوى *** مثله قط أبطح

تلمح المكرمات من *** طرفه حين يلمح

أيّ قبر بالطف أضحى *** به الطف يُبجح

بابي الطف مطرحا *** للعلى فيه مطرح

ظاهر الارض منه تحزن *** والبطن تفرح

مالسفر بالطف امسوا *** حلولا وأصبحوا

من صريع على جوانبه *** الطير جُنّح

وطريح على محاسنه *** الترب يطرح

فلحى اللّه مستبيحى *** حماهم وقد لُحوا

ما قبيح إلا وما ارتكب *** القوم أقبح

آل بيت النبي مالي *** عنكم تزحزح

أفلح السالكون ظ- *** -ل هداكم وانجحوا

ص: 30

انا في ذاك لاسوى *** ذاك اسعى واكدح

فعسى اللّه عن *** ذنوبي يعفو ويصفح

وقال كما في المجموع الرائق :

يا حادي الركب أنخ يا حادي *** ما غير وادي الطف لي بواد

يعتادني شوقي الى الطف فكن *** مشاركي في سومي المعتاد

لله ارض الطف ارضاً انها *** ارض الهدى المعبود فيها الهادي

أرض يحار الطرف في حايرها *** مهما بدى فالنور منه باد

حيى الحيا الطف وحيّا اهله *** من رائح من الحيا أو غاد

حتى ترى أنواره موشية *** تزهي على موشية الابراد

زهوي بحب المصطفى وآله *** على الأعادي وعلى الحساد

قوم على منهم وابناء أ *** فديهم بآبائي وبالأجداد

هم الأولى ليس لهم في فخرهم *** ند وحاشاهم من الأنداد

يا دمع اسعدني ولست منصفي *** يا دمع ان قصرت في اسعادي

ما انس لا انسى الحسين والاولى *** باعوا به الاصلاح بالافساد

لما رآهم أشرعوا صم القنا *** وجردوا البيض من الاغماد

نازعهم ارث ابيه قائلا *** أليس ارث الاب للا ولاد

أنا الحسين بن علي أسد الروح *** الذي يعلو على الاساد

فاضمروا الصدق له واظهروا *** قول مصرّين على الاحقاد

ففارق الدنيا فديناه وهل *** لذايق كاس المنايا فاد

ولم يرم زادا سوى الماء فما *** ان زودوه منه بعض الزاد

اروى التراب ابن علي من دم *** أي دم وابن علي صاد

تلك الصفايا من بنات المصطفى *** في ملك أوغاد بني أوغاد

قريحة اكبادها يملكها *** عصابة غليظة الاكباد

ص: 31

لذا غدت أيامنا مأتماً *** وكنّ كالاعراس والاعياد

وقوله كما في المجموع الرائق :

سر راشداً يا أيها السائر *** ما حار مَن مقصده الحائر

ما حار من زار إمام الهدى *** خير مزور زاره الزاير

مَن جده أطهر جد ومَن *** أبوه لا شك الاب الطاهر

مقاسم النار ، له المسلم المؤ *** من منا ، ولها الكافر

دان بدين الحق طفلاً وما *** ان دان لاباد ولا حاظر

الوارد الكهف على فتية *** لا وارد منهم ولا صادر

حتى اذا سلّم ردوا وفي *** ردّهم ما يخبر الخابر

اذكر شجوى ببني هاشم *** شجوى الذي يشجى به الذاكر

اذكرهم ما ضحك الروض أو *** ما ناح فيه وبكى الطائر

يوم الحسين ابتز ضبري فما *** منى لا الصبر ولا الصابر

لهفي على مولاي مستنصرا *** غيب عن نصرته الناصر

حتى إذا دار بماساءنا *** على الحسين القدر الدائر

خرّ يضاهي قمرا زاهرا *** واين منه القمر الزاهر

وأم كلثوم ونسوانها *** بمنظر يكبره الناظر

يسارق الطرف إليها وقد *** انحى على منحره الناحر

فالدمع من مقلته قاطر *** والدمع من مقلتها قاطر

يا من هم الصفوة من هاشم *** يعرفها الاول والآخر

ذا الشاعر الضبي يلقى بكم *** ما ليس يلقى بكم شاعر

ص: 32

وقوله فيهم علیهم السلام من قصيدة اولها :

عوجا على الطف الحنايا *** ما طوره أطر الحنايا

فهناك مثوى الاصفياء *** ء المنتمين الى الصفايا

لم ترع لا الموصي ولا *** الموصى اليه ولا الوصايا

ابن النبي معفر *** وبنات فاطمة سبايا

خير البرايا ، رأسه *** يهدى الى شر البرايا

لم ادر للصبيان أذرف *** ف أدمعي أم للصبايا

تاللّه لا تخفى شجوني *** لا وعلام الخفايا

ويزيد قد وضع القضيب *** من الحسين على الثنايا

فهبوه ما استحيى النبي *** ولا الوصي أما تحايا

ص: 33

بعض الشعراء الكوفيين :

ايها العينان فيضا *** واستهلا لا تغيضا

لم أمرّضه فاسلو *** لا ولا كان مريضا

روى المفيد رحمه اللّه في الامالي عن النيسابوري أن ذرة النائحة رأت فاطمة الزهراء علیهاالسلام فيما يرى النائم وأنها وقفت على قبر الحسين علیه السلام تبكي وأمرتها أن تنشد :

ايها العينان فيضا *** واستهلا لا تغيضا

وابكيا بالطف ميتا *** ترك الصدر رضيضا

لم أمرضه قتيلا *** لا ولا كان مريضا (1)

ص: 34


1- المناقب لابن شهر اشوب ج 2 ص 189.

قال السيد الامين في ( الاعيان ) ج 17 ص 320

عليّ بن أصدق الحائري

عصره بين المائة الثالثة والرابعة

عن كتاب المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي انه ان بالحائر من كربلاء رجل يدعى ابن اصدق ينوح على الحسين علیه السلام فبعث ابو الحسن الكاتب الى هذا المنشد أبا القاسم التنوخي علي بن محمد بن داود والد مؤلف النشوار - لينوح على الحسين بقصيدة لبعض الشعراء الكوفيين وأولها :

ايها العينان فيضا *** واستهلا لا تغيضا

لم امرضه فاسلو *** لا ولا كان مريضا

قال ابو القاسم وكان هذا في النصف من شعبان والناس اذ ذاك يلقون جهدا جهيدا من الحنابلة اذا ارادوا الخروج الى الحائر فلم ازل اتلطف حتى خرجت فكنت في الحائر ليلة النصف من شعبان.

وولد ابو القاسم هذا سنة 278 ومات سنة 342.

ص: 35

أبو الحسن السري بن أحمد الرفاء الموصلي

السري الرفاء الموصلي بمدح أهل البيت ويذكر الحسين علیه السلام :

السري الرفاء الموصلي بمدح أهل البيت ويذكر الحسين علیه السلام (1):

نطوي الليالي علما أن ستطوينا *** فشعشعيها بماء المزن واسقينا

وتوجّي بكؤوس الراح ايدينا *** فانما خلقت للراح ايدينا

قامت تهز قواما ناعما سرقت *** شمائل البان من اعطافه اللينا

تحث حمراء يلقاها المزاج كما *** القيت فوق جنّي الورد نسرينا

فلست أدري اتسقينا وقد نفحت *** روائح المسك منها أم تحيينا

قد ملكتنا زمام العيش صافية *** لو فاتنا الملك راحت عنه تسلينا

ومخطف القد يرضينا ويسخطنا *** حسنا ويقتلنا دلا ويحيينا

لما رأيت عيون الدهر تلحظنا *** شزرا تيقّنتُ أن الدهر يردينا

نمضي ونترك من الفاظنا تحفا *** تنسي رياحينها الشرب الرياحينا

وما نبالي بذم الاغبياء اذا *** كان اللبيب من الاقوام يطرينا

ورب غراء لم تنظم قلائدها *** إلا ليُحمد فيها الفاطميونا

الوارثون كتاب اللّه يمنحهم *** ارث النبي على رغم المعادينا

والسابقون الى الخيرات ينجدهم *** عتق النجار اذا كل المجارونا

قوم نصلي عليهم حين نذكرهم *** حُبّا ونلعن اقواما والعرانينا

اغنتهم عن صفات المادحين لهم *** مدائح اللّه في طاها وياسينا

ص: 36


1- القصيدة في ديوانه المطبوع بالقاهرة سنة 1355.

فلست أمدحهم الا لأرغم في *** مديحهم انف شانيهم وشانينا

أقام روح وريحان على جدث *** ثوى الحسين به ظمآن آمينا

كأن أحشاءنا من ذكره أبدا *** تطوى على الجمر او تحشى السكاكينا

مهلا فما نقضوا آثار والده *** وانما نقضوا في قتله الدينا

آل النبي وجدنا حبكم سببا *** يرضى الاله به عنا ويرضينا

فما نخاطبكم إلا بسادتنا *** ولا نناديكم إلا موالينا

فكم لنا من معاد في مودتكم *** يزيدكم في سواد القلب تمكينا

( وكم لنا من فخار في مودتكم *** يزيدها في سواد القلب تمكينا )

ومن عدو لكم خف عداوته *** اللّه يرميه عنا وهو يرمينا

إن اجر في مدحكم جري الجواد فقد *** أضحت رحاب مساعيكم ميادينا

وكيف يعدوكم شعري وذكركم *** يزيد مستحسن الاشعار تحسينا

ص: 37

أبو الحسن السري بن أحمد بن السري الكندي الرفاء الموصلي المعروف بالسري الرفاء. والرفاء من الرفو والتطريز ، كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بالموصل قال السيد الأمين في الاعيان : توفي سنة 344 ببغداد ودفن بها كان شاعراً مطبوعا كثير الافتتان في التشبيهات والأوصاف ، وعده ابن شهر اشوب من شعراء اهل البيت المتقين وله ديوان مشهور وفيه مدح لسيف الدولة وبني حمدان إذ كان على اتصال به وبهم وكان شاعر سيف الدولة الحمداني وتغنى الركبان بشعره فحسده من حسده من الشعراء كالخالديين الشارعين الموصليين المشهورين ، وكان يتهمهما بسرقة شعره واثنى عليه المؤرخون وارباب الأدب.

وقال الشيخ القمي في ( الكنى والالقاب ) : وكان مغرى بنسخ ديوان ابي الفتح كشاجم الشاعر وهو اذ ذاك ريحان الأدب ، والسري الرفاء في طريقه يذهب وعلى قالبه يضرب ، وله ديوان شعر. كانت وفاته في نيف وستين وثلثمائة ببغداد. وقال في مقدمة ديوانه : انه كان في ضنك من العيش فخرج الى حلب واتصل بسيف الدولة واستكثر من المدح له فطلع سعده بعد الافول وحسن موقع شعره عند الأمراء من بني حمدان ورؤساء الشام والعراق.

وفي الديوان قال : وكانت وفاته بعيد سنة 360 ه.

ص: 38

فمن شعر السري ابيات يذكر فيها صناعته رواها ابن خلكان :

وكانت الابرة فيما مضى *** صائنة وجهي وأشعاري

فأصبح الرزق بها ضيقا *** كأنه من ثقبها جاري

ومن شعره في النسيب :

بنفسي مَن أجود له بنفسي *** ويبخل بالتحية والسلام

وحتفي كامن في مقلتيه *** كمون الموت في حد الحسام

وجاء في نهاية الارب للنويري من شعره :

اذا العبء الثقيل توزّعته *** أكفّ القوم هان على الرقاب

وقوله :

فانك كلما استودعت سرا *** أنمّ من النسيم على الرياض

وقوله :

الى كم احبّر فيك المديح *** ويلقى سواي لديك الحبورا

أقول واكثر شعره في مدح سيف الدولة والوزير المهلبي وآل حمدان وفيه أهاج في الخالديين وغيرهما وقصائد وصفية يصف بها صيد السمك وشبكته والنار وكلاب الصيد.

ص: 39

محمود بن الحسين بن السندي كشاجم

الشاعر كشاجم أبو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك :

اجل هو الرزء جلّ فادحه *** باكره فاجع ورائحه

لا ربع دار عفا ولا طل *** أوحش لمّا نأت ملاقحه

فجائع لو درى الجنين بها *** لعاد مبيضة مسالحه

يا بؤس دهر حين آل رسو *** ل اللّه تجتاحهم جوائحه

إذا تفكّرت في مصابهم *** أثقب زند الهموم قادحه

بعضهم قرّبت مصارعه *** وبعضهم بوعدت مطارحه

أظلم في كربلاء يومهم *** ثمّ تجلّى وهم ذبائحه

لا يبرح الغيث كل شارقة *** تحصى غواديه أو روائحه

على ثرى حلّه غريب رسو *** ل اللّه مجروحة جوارحه

ذلّ حماه وقلّ ناصره *** ونال أقصى مناه كاشحه

وسيق نسوانه طلائح أحزان *** تهادى بهم طلائحه

وهنّ يُمنعن بالوعيد من الن- *** -وح وغرّ العلى نوائحه

عادى الأسى جدّه ووالده *** حين استغاثتهما صرائحه

لو لم يُرد ذو الجلال حربهم *** به لضاقت بهم فسائحه

وهو الذي اجتاح حين ما عقر *** ت ناقته إذ دعاه صالحه

يا شيع الغيّ والضلال ومَن *** كلّهم جمّة فضائحه

غششتم اللّه في أذيّة مَن *** إليكم أدّيت نصائحه

عفرتم بالثرى جبين فتّى *** جبريل قبل النبي ماسحه

ص: 40

سيّان عند الاله كلكم *** خاذله منكم وذابحه

على الذي فاتهم بحقّهم *** لعن يغاديه أو يراوحه

جهلتم فيهم الذي عرف البي- *** -ت وما قابلت أباطحه

إن تصمتوا عن دعائهم فلكم *** يوم وغى لا يجاب صائحه

في حيث كبش الردى يناطح مَن *** أبصر كبش الوغى يناطحه

وفي غد يعرف المخالف من *** خاسر دين منكم ورابحه

وبين أيديكم حريق لظى *** يلفح تلك الوجوه لافحه

إن عبتموهم بجهلكم سفها *** ما ضر بدر السما نابحه

أو تكتموا فالقرآن مشكله *** بفضلهم ناطق وواضحه

ما أشرق المجد من قبورهم *** إلا وسكّانها مصابحه

قوم أبي حد سيف والدهم *** للدين أو يستقيم جامحه

وهو الذي استأنس النبي به *** والدين مذعورة مسارحه

حاربه القوم وهو ناصره *** قدما وغشّوه وهو ناصحه

وكم كسى منهم السيوف دما *** يوم جلاد يطيح طائحه

ما صفح القوم عندما قدروا *** لمّا جنت فيهم صفائحه

بل منحوه العناد واجتهدوا *** أن يمنعوه واللّه مانحه

كانوا خفافا الى أذيّته *** وهو ثقيل الوقار راجحه

منخفض الطرف عن حطامهم *** وهو الى الصالحات طامحه

بحر علوم اذا العلوم طمت *** فهي بتيارها ضحاضحه

وان جروا في العفاف بذّهم *** بالسبق عود الجران قارحه

يا عترة حبهم يبين به *** صالح هذا الورى وطالحه

مغالق الشر أنتم يا بني أحمد *** اذ غيركم مفاتحه

طبتم فان مرّ ذكركم عرضا *** فاح بروح الجنان فائحه

أكاتم الحزن في محبتكم *** والحزن يعيا به مكادحه

ص: 41

ليس سوى الدمع والاناء بما *** يكون فيه لا بدّ راشحه

لو كنت في عصر دعبل عبدت *** مدائحي فيكم مدائحه

وقال :

بكاء وقلّ غناء البكاء *** على رزء ذرية الانبياء

لئن ذل فيه عزيز الدمو *** ع لقد عز فهي ذليل العزاء

اعاذلتي إن برد التقى *** كسانيه حبي لاهل الكساء

سفينة نوح فمن يعتلق *** بحبّهم معلق بالنجاء

لعمري لقد ضل رأي الهوى *** بافئدة من هواها هوائي

واوصى النبي ولكن غدت *** وصاياه منبذة بالعراء

ومن قبلها أمر الميتون *** برد الأمور الى الاوصياء

ولم ينشر القوم غلّ الصدور *** حتى طواه الردى في رداء

ولو سلّموا لامام الهدى *** لقوبل معوجهم باستراء

هلال الى الرشد عالي الضياء *** وسيف على الكفر ماضي المضاء

وبحر تدفق بالمعجزات *** كما يتدفق ينبوع ماء

علوم سماوية لا تنال *** ومَن ذا ينال نجوم السماء

وكم موقف كان شخص الحمام *** من الخوف فيه قليل الخفاء

جلاه فان انكروا فضله *** فقد عرفت ذاك شمس الضحاء

أراه العجاج قبيل الصباح *** وردت عليه بعيد المساء

وان وتر القوم في بدرهم *** لقد نقض القوم في كربلاء

مطايا الخطايا خذي في الظلام *** فما همّ ابليس غير الحداء

لقد هتكت حرم المصطفى *** وحلّ بهن عظيم البلاء

وساقوا رجالهم كالعبيد *** وحازوا نساءهم كالاماء

فلو كان جدهم شاهدا *** لتبع ظعنهم بالبكاء

ص: 42

حقود تضرم بدرية *** وداء الحقود عزيز الدواء

تراه مع الموت تحت اللواء *** واللّه والنصر فوق اللواء

غداة خميس إمام الهدى *** وقد عاث فيهم هزبر اللقاء

وكم انفس في سعير هوت *** وهام مطيرة في الهواء

بضرب كما انقد جيب القميص *** وطعن كما انحل عقد السقاء

اخيرة ربي من الخيّرين *** وصفوة ربي من الاصفياء

طهرتم فكنتم مديح المديح *** وكان سواكم هجاء الهجاء

قضيت بحبكم ما عليّ *** اذا ما دعيت لفصل القضاء

وايقنت ان ذنوبي به *** تساقط عني سقوط الهباء

فصلى عليكم آله الورى *** صلاة توازي نجوم السماء

وقال :

له شغل عن سؤال الطلل *** اقام الخليط به أم رحل

فما ضمنته لحاظ الظبا *** تطالعه من سجوف الكلل

ولا تستفز حجاه الخدود *** بمصفرة واحمرار الخجل

كفاه كفاه فلا تعذلاه *** كرّ الجديدين كرّ العذل

طوى الغيّ منتشرا في ذراه *** تطفى الصبابة لما اشتعل

له في البكاء على الطاهرين *** مندوحة عن بكاء الغزل

فكم فيهم من هلال هوى *** قبيل التمام وبدر أفل

هم حجج اللّه في خلقه *** ويوم المعاد على من خذل

ومَن انزل اللّه تفضيلهم *** فردّ على اللّه ما قد نزل

فجدهم خاتم الانبياء *** ويعرف ذاك جميع الملل

ووالدهم سيد الأوصياء *** معطى الفقير ومردى البطل

ص: 43

ومن علّم السمر طعن الكلا *** لدى الروع والبيض ضرب القلل

ولو زالت الأرض يوم الهياج *** فمن تحت اخمصه لم تزل

ومن صدّ عن وجه دنياهم *** وقد لبست حليها والحلل

وكان إذا ما اضيفوا اليه *** أرفعهم رتبة في مثل

سماء أضفت اليها الحضيض *** وبحر قرنت اليه الوشل

وجود تعلّم منه السحاب *** وحلم تولّد منه الجبل

وكم شبهة بهداه جلى *** وكم خطة بحجاه فصل

وكم أطفأ اللّه نار الضلال *** به وهي ترمي الهدى بالشعل

وكم ردّ خالقنا شمسه *** عليه وقد جنحت للطفل

ولو لم تعد كان في رأيه *** وفي وجهه من سناها بدل

ومن ضرب الناس بالمرهفات *** على الدين ضرب غريب الابل

وقد علموا أن يوم الغدير *** بغدرتهم جرّ يوم الجمل

فيا معشر الظالمين الذين *** اذاقوا النبي مضيض الثكل

اتردي الحسين سيوف الطغاة *** ظمآن لم يطف حر الغلل

ثوى عطشا وتنال الرماح *** من دمه عَلّها والنهل

ولم يخسف اللّه بالظالمين *** ولكنه لا يخاف العجل

لقد نشطت لعناد الرسول *** أناس بها عن هداها كسل

فلا بوعدت أعين من عمى *** ولا عوفيت أذرع من شلل

ويا رب وفق لي خير المقال *** اذا لم أوفّق لخير العمل

ولا تقطعن املي والرجاء *** فانت الرجاء وأنت الامل

ص: 44

كشاجم

ابو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك الرملي المعروف بكشاجم. نسبة الى الرملة من أرض فلسطين. وإنما لقب بكشاجم اشارة بكل حرف منها الى علم : فبالكاف الى انه كاتب ، وبالشين الى انه شاعر ، وبالالف الى انه اديب ، وبالجيم الى انه منجم ، وبالميم الى انه متكلم. فكان كاتباً شاعراً اديبا جامعا منجما ، وكان مؤلفا صنف في افانين العلوم. ذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت علیهم السلام المجاهرين وله قصائد في مدح آل محمد (عليهم السلام) ، وجمع ديوانه ابو بكر محمد بن عبد اللّه الحمدوني مرتبا على الحروف والحق به بعد ما تم جمعه زيادات اخذها عن ابي الفرج بن كشاجم سماه ( الثغر الباسم من شعر كشاجم ) مطبوع.

ذكر صاحب شذرات الذهب انه توفي سنة 360.

اما الزر كلي في الاعلام فيقول : انه توفي سنة 350.

قال الشيخ القمي في الكنى أقول : كانت عمة والد كشاجم اخت السندي من المحبين لاهل البيت (عليهم السلام) وكانت تلي خدمة موسى بن جعفر (عليهما السلام) لما كان في محبس السندي. قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد اخبرنا الحسن بن محمد العلوي قال : حدثني جدي حدثني عمار بن ابان قال : حبس ابو الحسن

ص: 45

موسى بن جعفر عند السندي فسألته اخته ان تتولى حبسه وكانت تتدين - ففعل ، فكانت في خدمته ، فحكى لنا انها قالت : كان اذا صلى العتمة حمد اللّه ومجّده ودعاه فلم يزل كذلك حتى يزول الليل فاذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح ثم يذكر قليلاً حتى تطلع الشمس ثم يقعد الى ارتفاع الضحى ثم يتهيأ ويستاك ويأكل ثم يرقد الى قبل الزوال ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة. فكان هذا دأبه ، فكانت اخت السندي اذا نظرت اليه قالت : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل وكان عبدا صالحاً ( انتهى ).

ص: 46

طلحة بن عبيد اللّه العَوني المصري

ابو محمد العوني المصري يرثي الحسين علیه السلام :

فيا بضعة من فواد النبي *** بالطف أضحت كثيبا مهيلا

ويا كبداً من فواد البتول *** بالطف شُلّت فأضحت أكيلا

قتلت فابكيت عين الرسول *** وأبكيت من رحمة جبرئيلا

وقال :

لم انس يوما للحسين وقد ثوى *** بالطف مسلوب الرداء خليعا

ظمآن من ماء الفرات معطّشا *** ريّان من غصص الحتوف نقيعا

يرنو الى ماء الفرات بطرفه *** فيراه عنه محرما ممنوعا

وقال :

غصن رسول اللّه أحكم غرسه *** فعلا الغصون نضارة وتماما

واللّه ألبسه المهابة والحجى *** وربا به أن يعبد الاصناما

ما زال يغذوه بدين محمد *** كهلا وطفلا ناشئا وغلاما

وقال :

يا قمرا غاب حين لاحا *** أورثني فقدك المناحا

يا نوب الدهر لم يدع لي *** صرفك من حادث صلاحا

أبعد يوم الحسين ويحيى *** أستعذب اللّهو والمزاحا؟!

ص: 47

كربت كي تهتدي البرايا *** به وتلقى به النجاحا

فالدين قد لفّ بردتيه *** والشرك القى لها جناحا

فصار ذاك الصباح ليلا *** وصار ذاك الدجى صباحا

فجاء إذا جاءهم تنحّوا *** لكي يريها الهدى الصراحا

حتى إذا جاءهم تنحّوا *** لا بل نحو قتله اجتياحا

وأنبتوا البيد بالعوالي *** والقضب واستعجلوا الكفاحا

فدافعت عنه أولياه *** وعانقوا البيض والرماحا

سبعون في مثلهم ألوفا *** فاثخنوا بينهم جراحا

ثم قضوا جملة فلاقوا *** هناك سهم القضا المتّاحا

فشد فيهم أبو علي *** وصافحت نفسه الصفاحا

يا غيرة اللّه لا تغيثي *** منهم صياحا ولا ضباحا

ثم انثنى ظامئا وحيدا *** كما غدا فيهم وراحا

ولم يزل يرتقي الى ان *** دعاه داعي اللقا فصاحا

دونكم مهجتي فاني *** دُعيت أن أرتقي الضراحا

فكلكلوا فوقه ، فهذا *** يقطع رأسا وذا جناحا

يا بأبي أنفسا ظماء *** ماتت ولم تشرب المباحا

يا بأبي أجسما تعرّت *** ثم اكتست بالدمها وُشاحا

يا سادتي با بني عليّ *** بكى الهدى فقدكم وناحا

أو حشتم الحِجر والمساعي *** آنستم القفر والبطاحا

أو حشتم الذكر والمثاني *** والسور الطوال الفصاحا

لا سامح اللّه مَن قَلاكم *** وزاد أشياعكم سماحا

ص: 48

أبو محمد طلحة بن عبيد اللّه بن محمد بن أبي عون الغساني :

أبو محمد طلحة بن عبيد اللّه بن محمد بن أبي عون الغساني (1) المعروف بالعوني المصري :

توفي حوالي سنة 350 بمصر.

عدّه ابن شهر اشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين قال وقد نظم أكثر المناقب ويسمونه بالغلو قال السيد الأمين في الاعيان : قلت ذكروا في احوال أحمد بن منير الاطرابلسي انه كان في اول أمره ينشد شعر العوني في أسواق طرابلس.

وعن العمدة لأبن رشيق هو أول من نظم الشعر المسمى بالقواديسي وأورد له في المناقب قوله من أبيات :

ولولا حجة في كل وقت *** لاضحى الدين مجهول الرسوم

وحار الناس في طخياء منها *** نجونا بالأهلة والنجوم

وله :

يا صاحبيّ رحلتما وتركتما *** قلبي رهين تصبر وتصابي

أبكي وفاءكما وأندبه كما *** يبكي المحب معاهد الأحباب

أخذهما المتنبي منه - كما عن العميدي في الابانة عن سرقات المتنبي فأشكل

ص: 49


1- غسان : ماء باليمن تنسب اليه قبائل. وما بالشلل قريب من الجحفة :

معنا هما بقوله :

وفاؤكما كالربع اشجاء طاسمه *** بأن تسعدا والدمع أسقاه ساجمه

حتى ان الناظر لا يفهم معنى هذا البيت الا بعد سماعهما.

وله في الائمة علیهم السلام أكثر من عشرة آلاف بيت.

قال الشيخ الأميني سلمه اللّه : وشعره في أهل البيت علیهم السلام مدحا ورثاءا مبثوت في ( المناقب ) لابن شهر اشوب و ( روضة الواعظين ) لشيخنا الفتال و ( الصراط المستقيم ) لشيخنا البياضي.

وقد جمعنا من شعره ما يربو على ثلثمائة وخمسين بيتا ، وجمعه ورتّبه العلامة السماوي في ديوان ، ومما رتبه قصيدته المعروفة بالمذهبة توجد في ( مناقب ابن شهر اشوب ) ناقصة الأطراف. انتهى.

ص: 50

ابو القاسم الزاهي الشاعر ، رواها ابن شهر اشوب في المناقب :

اعاتب نفسي اذا قصّرت *** وأفنى دموعي اذا ما جرت

لذكراكم يا بني المصطفى *** دموعي على الخد قد سُطّرت

لكم وعليكم جفت غمضها *** جفوني عن النوم واستشعرت

أمثل اجسامكم بالعراق *** وفيها الأسنة قد كسّرت

أمثلكم في عراص الطفوف *** بدوراً تكسّف إذ أقمرت

غدت ارض يثرب من جمعكم *** كخط الصحيفة إذ أقفرت

واضحى بكم كربلاء مغربا *** لزهر النجوم اذا غورت

كأني بزينب حول الحسين *** ومنها الذوائب قد نشرت

تمرّغ في نحره شعرها *** وتبدي من الوجد ما أضمرت

وفاطمة عقلها طائر *** اذا السوط في جنبها أبصرت

وللسبط فوق الثرى شيبة *** بفيض دم النحر قد عفرت

ورأس الحسين امام الرماح *** كغُرّة صبح اذا أسفرت

وله يرثيه علیه السلام :

لست أنسى الحسين في كربلاء *** وحسين ظام فريد وحيد

ساجد يلثم الثرى وعليه *** قضب الهند ركع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب *** ويرى الماء وهو عنه بعيد

ص: 51

وقال :

يا آل احمد ماذا كان جرمكم *** فكل أرواحكم بالسيف تنتزع

تلفى جموعكم شتّى مُفرّقة *** بين العباد وشمل الناس مجتمع

وتستباحون أقمارا منكّسة *** تهوى وأرؤسها بالسمر تقترع

ألستم خير من قام الرشاد بكم *** وقوّضت سنن التضليل والبدع؟!

ووُحّد الصمد الاعلى بهديكم *** إذ كنتم علما للرشد يتّبع؟

ما للحوادث لا تجري بظالمكم؟ *** ما للمصائب عنكم ليس ترتدع

منكم طريد ومقتول على ظمأ *** ومنكم دنف بالسمر مُنصرع

وهارب في أقاصي الغرب مغترب *** ودارع بدم اللبات مندرع

ومقصد من جدار ظل منكدرا *** وآخر تحت ردم فوقه يقع

ومن محرّق جسم لا يُزار له *** قبر ولا مشهد يأتيه مرتدع

وإن نسيت فلا أنسى الحسين وقد *** مالت إليه جنود الشرك تقترع

فجسمه لحوامي الخيل مطرّد *** ورأسه لسنان السمر مرتفع

وله في رثائهم سلام اللّه عليهم قوله :

بنو المصطفى تفنون بالسيف عنوة *** ويسلمني طيف الهجوع فأهجع؟

ظلمتم وذُبّحتم وقسّم فيثكم *** وجار عليكم من لكم كان يخضع

فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا *** وإلا لكم فيه قتيل ومصرع

وقال :

إبكي يا عين ابكي آل رسول *** اللّه حتى تخد منك الخدود

وتقلّب يا قلب في ضَرم الحزن *** فما في الشجا لهم تفنيد

فهم النخل باسقات كما قال *** سوام لهن طلع نضيد

وهم في كتاب زيتونة النور *** وفيها لكل نار وقود

ص: 52

وبأسمائهم إذا ذكر اللّه *** بأسمائه اقتران أكيد

غادرتهم حوادث الدهر صرعى *** كل شهم بالنفس منه يجود

لست أنسى الحسين في كربلاء *** وهو ظام بين الأعادي وحيد

ساجد يلثم الثرا وعليه *** قضب الهند رُكّع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب *** ويرى الماء وهو عنه بعيد

يا بني الغدر مَن قتلتم؟ لعمري *** قد قتلتم مَن قام فيه الوجود

ص: 53

عليّ بن اسحاق الزاهي الشاعر

ابو القاسم علي بن اسحاق بن خلف البغدادي المعروف بالزاهي الشاعر المشهور.

ولد يوم الاثنين لعشر بقين من صفر سنة 318 وتوفي يوم الأربعاء لعشر بقين من جمادي الآخرة سنة 352 ببغداد ودفن في مقابر قريش.

والزاهي نسبة الى قرية ( زاه ) من قرى نيسابور وبعضهم قال إنما لقب الزاهي لأنه أول من زها في شعره (1) وذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت علیهم السلام المجاهرين فقال : ابو القاسم الزاهي الشامي وصاف ، وذكره عميد الدولة ابو سعيد بن عبد الرحيم في طبقات الشعراء قال : وشعره في أربعة اجزاء واكثر شعره في أهل البيت ومدح سيف الدولة والوزير المهلبي وغيرهما من رؤساء وقته وذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان فقال : كان وصّافا محسنا كثير الملح ، وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وأشار الى انه كان قطاناً وروى له السيد الأمين في الأعيان بعض اشعاره في الغزل والوصف.

فمن شعره قوله :

فوجهك نزهة الابصار حسنا *** وصوتك متعة الاسماع طيبا

رنا ظبياً وغنّى عندليباً *** ولاح شقائقا ومشى قضيبا

ص: 54


1- وهو الاصوب لأنه بغدادي ، وقرية الزاه بنيشابور ، فأين هو منها.

وقوله :

ارى الليل يمضي والنجوم كأنها *** عيون الندامى حين مالت الى الغمض

وقد لاح فجر يغمر الجو نوره *** كما انفرجت بالماء عين على الارض

ومن شعر الزاهي في مدح امير المؤمنين :

دع الشناعات ايها الخدعة *** واركن الى الحق واغد متّبعه

مَن وحّد اللّه أولا وأبى *** إلا النبي الاميّ وأتّبعه

مَن قال فيه النبي : كان من ال- *** -حق عليّ والحق كان معه

مَن سلّ سيف الإله بينهم *** سيفا من النور ذو العلى طبعه

مَن هزم الجيش يوم خيبرهم *** وهزّ باب القموص فاقتلعه

مَن فرض المصطفى ولاه على *** الخلق بيوم « الغدير » إذ رفعه

أشهد أن الذي نقول به *** يعلم بطلانه الذي سمعه

وقال يمدحه :

أُقيم نجم للخلافة حيدر *** ومن قبل قال الطهر ما ليس ينكر

غداة دعاه المصطفى وهو مزمع *** لقصد تبوك وهو للسير مضمر

فقال : أقم عنّى بطيبة واعلمن *** بأنك للفجّار بالحق تهر

ولمّا مضى الطهر النبيّ تظاهرت *** عليه رجال بالمقال وأجهروا

فقالوا : عليّ قد قلاه محمد *** وذاك من الأعداء إفك ومنكر

فأتبعه دون المعرس فانثنى *** وقالوا : عليّ قد أتى فتأخروا

ولمّا أبان القول عمّن يقوله *** وأبدى له ما كان يبدي ويضمر

فقال : أما ترضى تكون خليفتي *** كهارون من موسى؟ وشأنك أكبر

وعلاه خير الخلق قدرا وقدرة *** وذاك من اللّه العليّ مقدّر

وقال رسول اللّه : هذا إمامكم *** له اللّه ناجى أيها المتحيّر

ص: 55

ومن شعر الزاهي في الامام امير المؤمنين علیه السلام رواها الأميني في الغدير :

لا يهتدي الى الرشاد من فحص *** إلا إذا والى عليّا وخلص

ولا يذوق شربة من حوضه *** من غمس الولا عليه وغمص

ولا يشم الرَوح من جنانه *** مَن قال فيه مَن عداه وانتقص

نفس النبي المصطفى والصنو وال- *** -خليفة الوارث للعلم بنص

مَن قد أجاب سابقا دعوته *** وهو غلام والى اللّه شخص

ما عرف اللات ولا العزّى ولا *** انثنى اليهما ولا حب ونص

مَن ارتقى متن النبي صاعدا *** وكسّر الأوثان في أولى الفرص

وطهّر الكعبة من رجس بها *** ثمّ هو للأرض عنها وقمص

مَن قد فدا بنفسه محمدا *** ولم يكن بنفسه عنه حرص

وبات من فوق الفراش دونه *** وجاد فيما قد غلا وما رخص

مَن كان في بدر ويوم أحد *** قطّ من الأعناق ما شاء وقص

فقال جبريل ونادى : لا فتى *** إلا عليّ عمّ في القول وخص

مَن قدّ عمرو العامريّ سيفه *** فخرّ كالفيل هوى وما قحص

وراءها صاح : ألا مبارز *** فالتوت الأعناق تشكو من وقص (1)

مَن أعطى الراية يوم خيبر *** من بعد ما بها أخو الدعوى نكص

وراح فيها مبصرا مستبصرا *** وكان أرمدا بعينيه الرمص

فاقتلع الباب ونال فتحه *** ودكّ طود مرحب لمّا قعص

من كسح البصرة من ناكثها *** وقصّ رجل عسكر بما رقص

وفرق المال وقال : خمسة *** لواحد. فساوت الجند الحصص

وقال في ذي اليوم يأتي مدد *** وعدّه فلم يزد وما نقص

ومّن بصفّين نضا حسامه *** ففلق الهام وفرّق القصص (2)

ص: 56


1- الوقص : الكسر.
2- عظام الصدر.

وصدّ بن عمرو وبسر كرماً *** إذ لقيا بالسوأتين من شخص

ومن أسال ( النهروان ) بالدما *** وقطّع العرق الذي بها رهص

وكذّب القائل أن قد عبروا *** وعدّ مَن يحصد منهم ويحص

ذاك الذي قد جمع القرآن في *** أحكامه الواجبات والرُخص

ذاك الذي آثر في طعامه *** على صيامه وجاد بالقُرص

فأنزل اللّه تعالى هل اتى *** وذكر الجزاء في ذاك وقص

ذاك الذي أستوحش منه أنس *** أن يشهد الحق فشاهد البرص

إذ قال : مَن يشهد بالغدير لي *** فبادَر السامع وهو قد نكص

فقال : أنسيت. فقال : كاذب *** سوف ترى مالا تواريه القمص

يا بن أبي طالب يا من هو من *** خاتم الانبياء في الحكمة فص

فضلك لا ينكر لكن الولا *** قد ساغه بعض وبعض فيه غص

فذكره عند مواليك شفا *** وذكره عند معاديك غُصص

كالطير بعض في رياض أزهرت *** وابتسم الورد وبعض في قفص

وله في مدح أهل البيت علیهم السلام قوله ، رواها الأميني في الغدير :

يا لائمي في الولا هل أنت تعتبر *** بمن يوالي رسول اللّه أو يذر؟

قوم لو أن البحار تنزف بالأ *** قلام مشقا وأقلام الدنا شجر

والإنس والجن كتّاب لفضلهم *** والصحف ما احتوت الآصال والبكر

لم يكتبوا العشر بل لم يعد جهدهم *** في ذلك الفضل إلا وهو محتقر

أهل الفخار وأقطاب المدار ومن *** أضحت لأمرهم الايام تأتمر

هم آل أحمد والصيد الجحاجحة الز *** هر الغطارفة العلويّة الغرر

والبيض من هاشم والأكرمون أولوا *** الفضل الجليل ومن سادت بهم مضر

فافطن بعقلك هل في القدر غيرهم *** قوم يكاد إليهم يرجع القدر

اعطوا الصفا نهلا أعطوا البنوة من *** قبل المزاج فلم يلحق بهم كدر

وتوجوا شرفا ما مثله شرف *** وقلّدوا خطرا ما مثله خطر

ص: 57

حسبي بهم حججاً لله واضحة *** يجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

هم دوحة المجد والأوراق شيعتهم *** والمصطفى الاصل والذريّة الثمر

وقوله :

يا سادتي يا آل ياسين فقط *** عليكم الوحي من اللّه هبط

لولاكم لم يقبل الفرض ولا *** رحنا لبحر العفو من أكرم شط

أنتم ولاة العهد في الذر ومن *** هواهم اللّه علينا قد شرط

ما أحد قايسكم بغيركم *** ومازج السلسل بالشرب اللمط

إلا كمن ضاهى الجبال بالحصا *** أو قايس الأبحر جهلا بالنقط

* * *

صنو النبيّ المصطفى والكاشف ال- *** -غمّاء عنه والحسام المخترط

أوّل من صام وصلّى سابقاً *** إلى المعالي وعلى السبق غبط

* * *

وكلّم الشمس ومَن رُدّت له *** ببابل والغرب منها قد قبط

وراكض الأرض ومن أنبع للع- *** -سكر ماء العين في الوادي للقحط

بحر لديه كل بحر جدول *** يغرف من تيّاره إذا اغتمط

وليث غاب كل ليث عنده *** ينظره العقل صغيرا إذ قلط

باسط علم اللّه في الأض ومَن *** بحبّه الرحمن للرزق بسط

سيف لو أن الطفل يلقى سيفه *** بكفّه في يوم حرب لشمط

يخطو إلى الحرب به مدرّعاً *** فكم به قد قدّ من رجس وقط

وللزاهى :

توليت خير الخلق بدء وآخرا *** والقيت رحلي في حماهم مجاورا

ص: 58

هم الآل آل اللّه والقطب الذي *** بهم فلك التوحيد اصبح دائرا

أئمة حق خاتم الرسل جدهم *** ووالدهم من كان للحق ناصرا

علي امير المؤمنين الذي اغتدى *** الى قرنه بالسيف لا زال باترا

وأمهم الزهراء أكرم برّة *** غدا قلبها مضنى على الوجد صابرا

فمنهم قتيل السم ظلما ومنهم *** امام له جبريل يكدح زائرا

قتيل بأرض الطف أروت دماؤه *** رماح الأعادي والسيوف البواترا

ومنهم أخو المحراب سجاد ليله *** وباقر بطن العلم افديه باقرا

وسادسهم ياقوته العلم جعفر *** إمام هدى تلقاه بالعدل آمرا

وسابعهم موسى ابو العلم الرضا *** ومن لم يزل بالفضل للخلق غامرا

وثامنهم مرسي خراسان مَن به *** طفقت حزينا للهموم مساورا

وتاسعهم زين الانام محمد *** أبو علم للقوم اصبح عاشرا

ومنهم امام سر من را محلّه *** اقام لحادي العشر منهم مجاورا

وآخرهم مهدي آل محمد *** فكان لعقد الفاطمين آخرا

عليهم سلام اللّه لا زال ممسيا *** يواصل اجداثا لهم ومباكرا

ولا زالت الاكباد منا اليهم *** تحن حنين الفاقدات زوافرا

وأعيننا تجري دموعا عليهم *** لما كابدوا تلك الملوك الجبابرا

وسوف يديل اللّه من كل ظالم *** بقائم عدل يعلن الحق ظاهرا

وانا لنرجو اللّه بالحزن والبكا *** لهم ان يحط السيئات الكبائرا

ويرزقنا فيهم شفاعة جدهم *** فانا اتخذناها لتلك ذخائرا

قال السيد الامين في الاعيان : وله في امير المؤمنين علیه السلام :

ما زلت بعد رسول اللّه منفردا *** بحراً يفيض على الوراد زاخره

أمواجه العلم والبرهان لجتّه *** والحلم شطاه والتقوى جواهره

ص: 59

وله في مدح الإمام علیه السلام :

وآل عليا واستضيء مقباسه *** تدخل جناناً ولتسقى كأسه

فمن تولاه نجا ومَن عَدا *** ما عرف الدين ولا أساسه

أول من قد وحّد اللّه وما *** ثنى إلى الأوثان يوما رأسه

فدى النبي المصطفى بنفسه *** إذ ضيقت أعداؤه أنفاسه

بات على فرش النبي آمنا *** والليل قد طافت به أحراسه

حتى إذا ما هجم القوم على *** مستيقظ بنصله أشماسه

ثار إليهم فتولّوا فرقاً *** يمنعهم عن قربه حماسه

مكسّر الأصنام في البيت الذي *** ازيح عن وجه الهدى غماسه

رقى على الكاهل من خير الورى *** والدين مقرون به أنباسه

ونكّس اللات والقى هَبَلا *** مهشماً يقلبه انتكاسه

وقام مولاي على البيت وقد *** طهّره إذ قد رمى أرجاسه

وفي ديوان ابي القاسم علي بن اسحاق ابن خلف الزاهي البغدادي المخطوط

قصائد هذه أوائلها وكلها في اهل البيت علیهم السلام .

1 - قد تركتني مصائبي حِرضا *** ما سغت ريقا بها ولا جرضا

2 - ساقها شوق الى طو *** س ومن تحميه طوس

3 - يا ابا السبطين وجدي عليكم *** في مسائي مضرم وابتكاري

4 - ايا صاحبي قد قطعنا الطريقا *** وانت تحاول ما لن يليقا

ونتف تتألف من خمسة أبيات واقل وأكثر قد جمعها المرحوم الشيخ محمد السماوي ونضدّها بخطه :

ص: 60

الأمير أبو فراس الحمداني

اشارة

يوم بسفح الدير لا أنساه *** أرعى له دهري الذي أولاه

يوم عمرت العمر فيه بفتية *** من نورهم أخذ الزمان بهاه

فكأن عزّتهم ضياء نهاره *** وكأن أوجههم نجوم دجاه

ومهفهف للغصن حسن قوامه *** والظبي منه إذا رنا عيناه

نازعته كأسا كأن ضياءها *** لما تبدّت في الظلام ضياه

في ليلة حسنت بود وصاله *** فكأنها من حسنه إياه

فكأنما فيه الثريا إذ بدت *** كف يشير الى الذي يهواه

والبدر منتصف الضياء كأنه *** متبسم بالكف يستر فاه

ظبي لو أن الفكر مرّ بخده *** من دون لحظة ناظر أدماه

فحرمت قرب الوصل منه مثل ما *** حرم الحسين الماء وهو يراه

واحتز رأسا طالما من حجره *** أدنته كفا جده ويداه

يوم بعين اللّه كان وانما *** يملي لظلم الظالمين اللّه

يوم عليه تغيرت شمس الضحى *** وبكت دما مما رأته سماه

لا عذر فيه لمهجة لم تنفطر *** أو ذي بكاء لم تفض عيناه

تباً لقوم تابعوا أهواءهم *** فيما يسوءهم غدا عقباه

اتراهم لم يسمعوا ما خصه *** فيه النبي من المقال اباه

ص: 61

اذ قال يوم غدير خم معلنا *** من كنت مولاه فذا مولاه

هذي وصيته اليه فافهموا *** يا من يقول بأن ما أوصاه

واقروا من القرآن ما في فضله *** وتأملوه واعرفوا فحواه

لو لم تنزّل فيه إلا ( هل أتى ) *** من دون كل منزّل لكفاه

مَن كان أول مَن حوى القرآن من *** لفظ النبي ونطقه وتلاه

مَن كان صاحب فتح خيبر من رمى *** بالكف منه بابه ودحاه

مَن عاضد المختار من دون الورى *** مَن آزر المختار من آخاه

مَن خصه جبريل من رب العلا *** بتحية من ربه وحباه

أظننتم أن تقتلوا أولاده *** ويظلكم يوم المعاد لواه

أو تشربوا من حوضه بيمينه *** كأسا وقد شرب الحسين دماه

أنسيتم يوم الكساء وانه *** ممن حواه مع النبي كساه

يا رب اني مهتد بهداهم *** لا اهتدي يوم الهدى بسواه

اهوى الذي يهوى النبي وآله *** أبدا واشنأ كل مَن يشناه

مذ قال قبلي في قريض قائل *** ويل لمى شفعاؤه خصماه

ص: 62

الأمير ابو فراس الحارث بن سعيد الحمداني العدوي التغلبي.

وابو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء من أسماء الأسد.

ولد بمنبج سنة 320 وقتل يوم الاربعاء لثمان خلون من ربيع الآخر في حرب كانت بينه وبين غلام سيف الدولة سنة 357 ومقتضى تاريخ ولادته ووفاته ان يكون عمره 37 سنة ، نشأ ابو فراس في عشيرة عربية صميمة تقلب أفرادها في الملك والامارة قرونا عديدة وكانت لهم أحسن سير ة مملؤة بمحاسن الأفعال وجميل الصفات من كرم وسخاء وعز وإباء وصولة وشجاعة وفصاحة وبراعة. وسيف الدولة المتقدم في الرياسة والامارة والشجاعة والكرم وأبو فراس الفائق بشعره فيهم والمتميز بشجاعته وفروسيته وهو أمير جليل وقائد عظيم أكبر قواد سيف الدولة وشجاع مدره وشاعر مفلق وعربي صميم تجلت فيه الاخلاق والشيم العربية وهو امير السيف والقلم ومن حقه إذ يقول :

واني لنزّال بكل مخوفة *** كثير إلى نزالها النظر الشزر

واني لجرار لكل كتيبة *** معودة أن لا يخل بها النصر

سيذكرني قومي اذا جدّ جدهم *** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

وكل شعره يعطيك صورة عن عظمة شخصيته. اما ولاؤه لأهل البيت علیهم السلام فيكفي شاهدا عليه قصيدته العالية المسماة بالشافية وكلها في أهل البيت وظلم بني العباس لهم. وأولها :

ص: 63

الحق مهتضم والدين مخترم *** وفيء آل رسول اللّه مقتسم

والناس عندك لاناس فيحفظهم (1) *** سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم

إني أبيت قليل النوم أدقني *** قلب تصارع فيه الهم والهمم

وعزمة لا ينام الليل صاحبها *** إلا على ظفر في طيّه كرم

يُصان مهري لأمر لا أبوح به *** والدرع والرمح والصمصامة الحذم (2)

وكل مائرة الضبعين مسرحها *** رمث الجزيرة والخذراف والعنم (3)

وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا *** وليس رأيهم رأيا اذا عزموا

يا للرجال أما لله منتصر *** من الطغاة؟ أما لله منتقم

بنو عليّ رعايا في ديارهم *** والأمر تملكه النسوان والخدم

محلّئون فأصفى شربهم وشل *** عند الورود وأوافى ودّهم لمم

فالأرض إلا على ملاكها سعة *** والمال إلا على أربابه ديم

فما السعيد بها إلا الذي ظلموا *** وما الشقي بها إلا الذي ظلموا

للمتقين من الدنيا عواقبها *** وإن تعجّل منها الظالم الاثم

أتفخرون عليهم لا أبا لكم *** حتى كأن رسول اللّه جدّكم

ولا توازن فيما بينكم شرف *** ولا تساوت لكم في موطن قدم

ولا لكم مثلهم في المجد متصل *** ولا لجدّكم معشار جدّهم

ولا لعرقكم من عرقهم شبَه *** ولا نتثيلتكم من أمهم أمم (4)

قام النبي بها « يوم الغدير » لهم *** واللّه يشهد والأملاك والأمم

حتى إذا أصبحت في غير صاحبها *** باتت تنازعها الذؤبان والرخم

وصيّروا أمرهم شورى كأنهم *** لا يعرفون ولاة الحق أيّهم

ص: 64


1- احفظه : اغضبه فغضب.
2- الحذم من السيوف بالحاء المهملة : القاطع.
3- مار : تحرك الضيع والعضد كناية عن السمن. الرمث بكسر الميم المهملة : القاطع خشب يضم بعضه الى بعض ويسمى الطوف. الحذراف بكسر الخاء : نبات.
4- نثيلة هي أم العباس بن عبد المطلب. الامم : القرب.

تاللّه ما جهل الأقوام موضعها *** لكنّهم ستروا وجه الذي علموا

ثم ادّعاها بنو العباس ملكهم *** ولا لهم قدم فيها ولا قدم

لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا *** ولا يحكّم في أمر لهم حكم

ولا رآهم أبو بكر وصاحبه *** أهلا لما طلبوا منها وما زعموا

فهل هم مدّعوها غير واجبة؟ *** أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا؟

أمّا عليّ فأدنى من قرابتكم *** عند الولاية إن لم تكفر النعم

أينكر الحبر عبد اللّه نعمته؟ *** أبوكم أم عبيد اللّه أم قثم؟

بئس الجزاء جزيتم في بني حسن *** أباهم العلم الهادي وأمهم

لا بيعة ردّعتكم عن دمائهم *** ولا يمين ولا قربى ولا ذمم

هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب *** للصافحين ببدر عن أسيركم؟!

هلا كففتم عن الديباج (1) سوطكم *** وعن بنات رسول اللّه شتمكم؟

ما نزّهت لرسول اللّه مهجته *** عن السياط فهلا نزّه الحرم؟

ما نال منهم بنوحرب وإن عظمت *** تلك الجرائر إلا دون نيلكم

كم غدرة لكم في الدين واضحة *** وكم دم لرسول اللّه عندكم

أنتم له شيعة فيما ترون وفي *** أظفاركم من بنيه الطاهرين دم

هيهات لا قرّبت قربى ولا رحم *** يوما إذا أقصت الأخلاق والشيم

كانت مودّة سلمان له رحما *** ولم يكن بين نوح وابنه رحم

يا جاهدا في مساويهم يُكتّمها *** غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم؟

ليس الرشيد كموسى في القياس ولا *** مأمونكم كالرضى لو أنصف الحكم

ذاق الزبيري (2) غب الحنث وانكشفت *** عن ابن فاطمة الأقوال والتهم

باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته *** وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا

ص: 65


1- الديباج هو محمد بن عبد اللّه اخو بني الحسن لامهم فاطمة بنت الحسين السبط ، ضربه المنصور مايتين وخمسين سوطاً.
2- الزبيري هو عبد اللّه بن مصعب ، باهله يحيى بن عبد اللّه بن حسن فتفرقا فما وصل الزبيري الى داره حتى جعل يصيح : بطني بطني ومات.

يا عصبة شقيت من بعدما سعدت *** ومعشراً هلكوا من بعد ما سلموا

لبئسما لقيت منهم وإن بليت *** بجانب الطف تلك الأعظم الرمم (1)

لا عن أبي مسلم في نصحه صفحوا *** ولا الهبيري نجا الحلف والقسم (2)

ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا *** فيه الوفاء ولا عن غيّهم حلموا (3)

أبلغ لديك بني العباس مالكة *** لا يدّعوا ملكها ملاكها العجم

أي المفاخر أرست في منازلكم *** وغيركم آمر فيها ومحتكم؟

أنى يزيدكم في مفخر علم؟ *** وفي الخلاف عليكم يخفق العَلم

يا باعة الخمر كفّوا عن مفاخركم *** لمعشر بيعهم يوم الهياج دم

خلّوا الفخار لعلامين ان سئلوا *** يوم السؤال وعمّالين إن عملوا

لا يغضبون لغير اللّه إن غضبوا *** ولا يضيعون حكم اللّه إن حكموا

تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا *** وفي بيوتكم الأوتار والنغم

منكم عُليّة أم منهم؟ وكان لكم *** شيخ المغنّين إبراهيم أم لهم؟

إذا تلوا سورة غنّى إمامكم *** قف بالطلول التي لم يعفها القدم

ما في بيوتهم للخمر معتصر *** ولا بيوتكم للسوء معتصم

ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم *** ولا يُرى لهم قرد ولا حشم

ص: 66


1- اشار إلى فعل المتوكل بقبر الامام السبط الشهيد.
2- ابو مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية ، قتله المنصور والهبيري هو يزيد بن عمرو بن هبيرة احد ولاة بني امية حاربه بنو العباس ايام السفاح ثم امنوه فخرج الى المنصور بعد المواثيق والايمان فغدروا به وقتلوه سنة 132.
3- استعمل السفاح اخاه يحيى بن محمد على الموصل فأمنهم ونادى من دخل الجامع فهو آمن ، وأقام الرجال على ابواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا قيل انه قتل فيه احد عشر الفا ممن له خاتم وخلقا كثيرا ممن ليس له خاتم ، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة ايام وذلك في سنة 132.

الركن والبيت والأستار منزلهم *** وزمزم والصفى والحجر والحرم

وليس من قَسَم في الذكر نعرفه *** إلا وهم غير شك ذلك القسم

اقول وقد شرح بعض الفضلاء هذه القصيدة شرحاً جيداً. يحكى انه دخل بغداد وأمر أن يشهر خمسمائة سيف خلفه وقيل اكثر ووقف في المعسكر وانشد القصيدة وخرج من باب آخر.

قال الشيخ القمي في الكنى الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون فارس ميدان العقل والفراسة والشجاعة والرياسة ، كان ابن عم السلطان ناصر الدولة وسيف الدولة ابني عبد اللّه بن حمدان وقلادة وشاح محامد آل حمدان ، وكان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ونبلا ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور ، قال الصاحب بن عباد : بدء الشعر بملك وختم بملك. يعنى أمرء القيس وابي فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يتجرّى على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح مَن دونه من آل حمدان تهيباً له واجلالا ، لا اغفالا وإخلالا ، وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن ابي فراس ويميزه بالأكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله.

وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ثم نقلوه إلى القسطنطينية وذلك سنة ثمان واربعين وثلثماءة وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين وله في الاسر اشعار كثيرة متينة يجمعها ديوانه.

قال أبو هلال العسكري في ديوان المعاني : ومن جيد ما قيل في اظهار الرغبة في الاخوان قول ابي فراس بن حمدان :

قل لاخواننا الجفاة رويداً *** اذرجونا إلى احتمال الملال

إن ذاك الصدود من غير جُرم *** لم يدع فيّ موضعا للوصال

ص: 67

أحسنوا في وصالكم أو فسيئوا *** لاعدمناكم على كل حال

وقال :

انظر إلى الزهر البديع *** والماء في برك الربيع

وإذا الرياح جرت عليه *** في الذهاب وفي الرجوع

نثرت على بيض الصفائح *** بينها حَلَق الدروع

أقول ومن روائعه قوله :

قد كنتَ عدتي التي اسطو بها *** ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي

فرميت منك بضدّ ما أملتّه *** والمرء يشرق بالزلال البارد

وقوله :

أساء فزادته الاساءة حظوة *** حبيب على ما كان منه حبيب

يعدّ عليَّ الواشيان ذنوبه *** ومن اين للوجه الجميل ذنوب

وقوله في الفخر :

أقلى فأيام المحب قلائل *** وفي قلبه شغل عن القلب شاغل

وواللّه ما قصّرت في طلب العلى *** ولكن كان الدهر عني غافل

مواعيد ايام تطاولني بها *** مروات أزمان ودهر مخاتل

تدافعني الايام عما ارومه *** كما دفع الدين الغريم المماطل

خليلي شدا لي على ناقتيكما *** اذا ما بدا شيب من الفجر ناصل

وما كل طلاب من الناس بالغ *** ولا كل سيار إلى المجد واصل

وما المرء الا حيث يجعل نفسه *** واني لها فوق السماكين جاعل

اصاغرنا في المكرمات أكابر *** اواخرنا في المأثرات اوائل

اذا صلت صولا لم أجد لي مصاولا *** وإن قلت قولا لم أجد مَن يقاول

ص: 68

وقوله في الاخوانيات :

لم اواخذك بالحفاء لاني *** واثق منك بالوداد الصريح

فجميل العدو غير جميل *** وقبيح الصديق غير قبيح

وقوله :

خفض عليك ولا تكن قلق الحشا *** مما يكون وعلّه وعساه

فالدهر اقصر مدة مما ترى *** وعساك ان تكفى الذي تخشاه

وقال ابو فراس في ذم اخوان الرخاء :

تناساني الاصحاب إلا عُصيبة *** ستلحقُ بالأخرى غدا وتحول

فمن قيل كان العذر في الناس سُبّة *** وذم زمان واستلام خليل

وفارق عمرو بن الزبير شقيقه (1) *** وخلّى أمير المؤمنين عقيل (2)انظر نكث الهميان ص 200 والسيرة الحلبية ج 1 ص 304 وتذكرة الخواص ص 7 والخصال للصدوق ج1 ص 38.(3)

ومَن ذا الذي يبقى على الدهر إنهم *** وإن كثرت دعواهم لقليل

وصرنا نَرى أن المتارك محسن *** وان خليلا لا يضر وصول

أقلّب طرفي لا ارى غير صاحب *** يميل مع النعماء حيث تميل

ص: 69


1- في ديوان ابي فراس ( خليله ).
2- 2 - عجيب من الأمير ابي فراس أن يغض من كرامة عقيل بن أبي طالب بقوله : وخلی أمير المؤمنین عقيل. و هو محبوب النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم والذي قال له : إني أحبك حبيبي : حبّاً لك وحباً لحب أبي طالب إياك
3- . ان الروايات في سفر عقيل الی الشام هل كان علی عهد أخيه الإمام أمير المؤمنین أو بعده متضاربة واستظهر ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 82 انه بعد شهادة أمير المؤمنين وجزم به العلامة الجليل السيد علي خان في ( الدرجات الرفيعة ) وهو الأصوب بعد ملاحظة مجموع ما يؤثر في هذا الباب. وعليه تكون وفادته كوفود غيره من الرجال المرضيين عند أهل البيت علیهم السلام الى معاوية في تلك الظروف القاسية. ألم يقد عبد اللّه بن عباس على معاوية وكذلك الامام الحسن علیه السلام ، على أن عقيلا لم يؤثر عنه يوم وفادته على معاوية انه خضع أو استكان أو جامله ووافقه على باطل أو أنه اعترف له بخلافة وزعامة ، بل أوثر عنه الطعن في نسب معاوية وحسبه وأشفع ذلك بتعظيم سيد الوصيين. من ذلك ما ذكره صاحب الدرجات الرفيعة أن معاوية قال له : يا أبا يزيد اخبرني عن عسكري وعسكر أخيك. فقال عقليل : لقد مررت بعسكر أخي فاذا ليل كليل رسول اللّه ونهار كنهاره إلا أن رسول اللّه ليس فيهم ، وما رأيت فيهم الا مصليا ، ولا سمعت الا قارئاً ، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفّر برسول اللّه ليلة العقبة. أقول وقد أفردنا لعقيل ترجمة وافية في مخطوطنا ( الضرائح والمزارات ) وأثبتنا ان قبره في البقيع ، وان معه في القبر ابن أخيه عبد اللّه بن جعفر الطيار ، لا ما يقوله الشيخ الطريحي في مادة ( عقل ) من ان عقيل بن أبي طالب مات بالشام.
ومن روائعه قوله في الشكوى والعتاب :

وإني وقومي فرّقتنا مذاهب *** وإن جمعتنا في الاصول المناسب

فاقصاهم أقصاهم من مَساءتي *** وأقربهم مما كرهت الاقارب

غريب وأهلي حيث ما كرّ ناظري *** وحيد وحولي من رجالي عصائب

نسيبك من ناسبت بالودّ قلبه *** وجارك من صافيته لا المصاقب

وأعظم أعداء الرجال ثِقاتها *** وأهون مَن عاديته مَن تحارب

وما الذنب إلا العجز يركُبه الفتى *** وما ذنبه إن حاربته المطالب

ومن كان غير السيف كافل رزقه *** فللذلّ منه - لا محالة - جانب

وقال في الصبر على الاصدقاء :

ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاني *** ليست مواخذة الخلان من شاني

يجني الخليل فاستحلي جنايته *** حتى يدل على عفوي وإحساني

يجني عليّ فاحنو صافحاً أبداً *** لا شيء أحسن من حان على جاني

ويتبع الذنب ذنباً حين يعرفني *** عمدا فأتبع غفرانا بغفران

ص: 70

وقال وهي من حكمياته :

كيف أبغي الصلاح من سعي قوم *** ضيعوا الحزم فيه ايّ ضياع

فمطاع المقال غير سديد *** وسديد المقال غير مطاع

وقال :

عرفت الشر لا للشرّ *** لكن لتوقّيه

فمن لا يعرف الشرّ *** من الناس يقع فيه

ومن غرر شعره قوله :

اراك عصى الدمع شيمتك الصبر *** أما للهوى نهي عليك ولا امر

بلى أنا مشتاق وعندي لوعة *** ولكن مثلي لا يذاع له سر

اذا الليل أضواني بسطت يد الهوى *** وأذللت دمعا من خلائقه الكبر

تكاد تضيء النار بين جوانحي *** إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

معللتي بالوصل والموت دونه *** إذا مت ظمئانا فلا نزل القطر

بدوت وأهلي حاضرون لأنني *** أرى ان دارا لست من أهلها قفر

وحاربت قومي في هواك وإنهم *** وإياي لولا حبك الماء والخمر

وان كان ما قال الوشاة ولم يكن *** فقد يهدم الايمان ما شيّد الكفر

وفيت وفي بعض الوفاء مذلة *** لآنسة في الحي شيمتها الغدر

وقور وريعان الصبا يستفزها *** فتأرن احيانا كما يأرن المهر

تسألني من أنت وهي عليمة *** وهل بفتى مثلي على حاله نكر

فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى *** قتيلك قالت ايّهم فهم كُثر

فقلت لها لو شئت لم تتعنتي *** ولم تسألي عني وعندك بي خبر

ولا كان للأحزان لولاك مسلك *** الى القلب لكن الهوى للبلى جسر

فأيقنت أن لا عزّ بعدي لعاشق *** وأن يدي مما علقت به صفر

فقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا *** فقلت معاذ اللّه بل أنتِ لا الدهر

ص: 71

وقلّبت امري لا ارى لي راحة *** إذا البين انساني الحّ بي الهجر

فعدت الى حكم الزمان وحكمها *** لها الذنب لا تجزى به ولي العذر

وتجفل حينا ثم تدنو كأنما *** تراعي طلا بالواد أعجزه الحضر

واني لنزال بكل مخوفة *** كثير الى نزالها النظر الشزر

واني لجرار لكل كتيبة *** معودة أن لا يخلّ بها النصر

فاصدأ حتى ترتوي البيض والقنا *** واسغب حتى يشبع الذئب والنسر

ولا أصبح الحي الخلوف بغارة *** ولا الجيش ما لم تأته قبلي النُذر

ويا رب دار لم تخفني منيعة *** طلعت عليها بالردى انا والفجر

وساحبة الاذيال نحوي لقيتها *** فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعر

وهبت لها ما حازه الجيش كله *** وراحت ولم يكشف لابياتها ستر

ولا راح يطغيني بأثوابه الغنى *** ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر

وماحاجتي في المال أبغي وفوره *** اذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفر

أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى *** ولا فرسي مهر ولا ربه غمر

ولكن إذا حُمّ القضاء على امرىء *** فليس له برّ يقيه ولا بحر

وقال اصيحابي الفرار أو الردى *** فقلت هما أمران احلاهما مُر

ولكنني امضي لما لا يعيبني *** وحسبك من أمرين خيرهما الاسر

يمنون ان خلّوا ثيابي وإنما *** عليّ ثياب من دمائهم حمر

وقائم سيفي فيهم اندقّ نصله *** واعقاب رمحي فيهم حطم الصدر

سيذكرني قومي اذا جد جدهم *** وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر

ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به *** ولو كان يغني الصفر ما نفق التبر

ونحن اناس لا توسط بيننا *** لنا الصدر دون العالمين أو القبر

تهون علينا في المعالي نفوسنا *** ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر

وجاء الشاعران الكبيران الشيخ حسن الشيخ علي الحلي والعلامة الحجة السيد محمد حسين الكيشوان وهما من شعراء القرن الرابع عشر فنظما الأبيات

ص: 72

الآتية على الروي وعلى القافية وتخلّصا الى يوم الحسين ووقعة الطف فقالا :

لذا أرخصت بالطف صحب ابن فاطم *** نفوساً لخلق الكائنات هي السر

هم القوم من عليا لوى وغالب *** بهم تكشف الجُلّى ويستدفع الضر

يحيّون هندى السيوف بأوجه *** تهلل من لئلاء غرّته البشر

يكرون والابطال نكصا تقاعست *** من الخوف والاساد شيمتها الكر

اذا اسودّ يوم الحرب اشرقن بالضبا *** لهم أوجه والشوس ألوانها صفر

فما وقفوا في الحرب إلا ليعبروا *** الى الموت والهندى من دونه جسر

الى أن ثووا تحت العجاج بمعرك *** هو الحشر لا بل دون موقفه الحشر

وماتوا كراما تشهد الحرب انهم *** أباة اذا ألوى بهم حادث نكر

ابا حسن شكوى اليك وانها *** لواعج اشجان يجيش بها الصدر

اتدري بما لاقت من الكرب والبلى *** وما واجهت بالطف أبناءك الغر

أعزّيك فيهم انهم وردوا الردى *** بافئدة ما بلّ غلّتها قطر

وثاوين في حرّ الهجيرة بالعرى *** عليهم ذيول الريح بالترب تنجر

متى أيها الموتور تبعث غارة *** تعيد الثرى والبر من دمهم بحر

اتغضى وانت المدرك الثار عن دم *** بزعم العدى اضحت وليس لها وتر

وتلك يجنب النهر فتيان هاشم *** ثوت تحت اطراف القنا دمها هدر

وزاكية لم تلف في النوح مسعداً *** سوى أنها بالسوط يزجرها زجر

تجاذبها أيدي العدو خمارها *** فتستر بالأيدي اذا اعوز الستر

تطوف بها الاعداء في كل مهمة *** فيجذبها قفر ويقذفها قفر

اتهتك من بعد الحذور ستورها *** وتسلب عنهن البراقع والازر

فأين الابا والفاطميات اصبحت *** اسارى بها الاكوار أودى بها الاسر

ص: 73

محمد بن هاني الأندلسي

اشارة

فلا حملت فرسان حرب جيادها *** إذا لم تزرهم من كميت وأدهم

ولا عذب الماء القراح لشارب *** وفي الارض مروانية غير أيّم

ألا إن يوما هاشميا أظلّهم *** يطير فراش الهام من كل مجثم

كيوم يزيد والسبايا طريدة *** على كل موار الملاط عثمثم

وقد غصّت البيداء بالعيس فوقها *** كرائم أبناء النبي المكرّم

فما في حريم بعدها من تحرّج *** ولاهتك ستر بعدها بمحرّم

ص: 74

محمد بن هاني الأندلسي :

قال يمدح المعز لدين اللّه الفاطمي ويذكر ما جرى على الحسين ، وهي مائتا بيت كلها غرر وهذه روائع منها :

يعزّ على الحسناء أن أطأ القنا *** واعثر في ذيل الخميس العرمرم

وبين حصى الياقوت لبّات خائف *** حبيب اليه لو توسد معصمي

ومما شجاني في العلاقة أنني *** شربت زعاقا قاتلا لذّ في فمي

رميت بسهم لم يصب وأصابني *** فالقيت قوسي عن يدي وأسهمي

فلو أنني أسطيع أثقلت خدرها *** بما فوق رايات المعزّ من الدم

لها العذبات الحمر تهفو كأنها *** حواشي بروق أو ذوائب أنجم

يقدّمها للطعن كل شمر دل *** على كل خوّار العنان مطهم

ومتصل بين الإله وبينه *** ممر من الأسباب لم يتصرم

مقلّد مضّاء من الحق صارم *** ووارث مسطور من الآي محكم

إمام هدى ما التف ثوب نبوة *** على ابن بنيّ منه باللّه أعلم

ولا بسطت أيدي العفاة بنانها *** الى أريحي منه أندى وأكرم

وأنت بدأت الصفح عن كل مذنب *** وأنت سننت العفو عن كل مجرم

قصاراك ملك الأرض لا ما يرونه *** من الحظ فيها والنصيب المعشم

ولا بد من تلك التي تجمع الورى *** على لا حب يهدي الى الحق أقوم

فقد سئمت بيض الظبا من جفونها *** وكانت متى تألف سوى الهام تسأم

ص: 75

وقد غضبت للدين باسط كفه *** اليهن في الآفاق كالمتظلم

وللعرب العرباء ذلّت خدودها *** وللفترة العمياء في الزمن العمي

وللعز في مصر يرد سريره *** الى ناعب بالبين ينعق أسحم

وللملك في بغداد إن ردّ حكمه *** الى عضد في غير كف ومعصم

سوام رتاع بين جهل وحيرة *** وملك مضاع بين ترك وديلم

كأن قد كشفت الامر عن شبهاته *** فلم يضطهد حق ولم يتهضم

وفاض وما مد الفرات ولم يجز *** لوارده طهر بغير تيمم

فلا حملت فرسان حرب جيادها *** اذا لم تزرهم من كميت وأدهم

ولا عذب الماء القراح لشارب *** وفي الأرض مروانية غير أيم

الا إن يوما هاشميا أظلهم *** يطير فراش الهام من كل مجثم

كيوم يزيد والسبايا طريدة *** على كل موار الملاط عثمثم

وقد غصّت البيداء بالعيس فوقها *** كرائم أبناء النبي المكرم

فما في حريم بعدها من تحرج *** ولا هتك ستر بعدها بمحرم

فان يتخرم خير سبطي محمد *** فان وليّ الثار لم يتخرم

الا سائلوا عنه البتول فتخبروا *** اكانت له أمّا وكان لها ابنم

واولى بلوم من امية كلها *** وان جلّ امر عن ملام ولوم

اناس هم الداء الدفين الذي سرى *** الى رمم بالطف منكم واعظم

هم قد حوا تلك الزناد التي روت *** ولو لم تشبّ النار لم تتضرم

وهم رشحوا تيما لارث نبيهم *** وما كان تيمي اليه بمنتمي

على اي حكم اللّه إذ يأفكونه *** احل لهم تقديم غير المقدّم

وفي اي دين الوحي والمصطفى له *** سقوا آله ممزوج صاب بعلقم

ولكن امرا كان ابرم بينهم *** وان قال قوم فلتة غير مبرم

بأسياف ذاك البغي اول سلها *** أصيب عليٌ لا بسيف ابن ملجم

وبالحقد حقد الجاهلية انه *** الى الآن لم يظعن ولم يتصرم

وبالثار في بدر أريقت دماؤكم *** وقيد اليكم كل أجرد صلدم

ص: 76

ويأبى لكم من أن يطل نجيعها *** فتوّ غضاب من كمي ومعلم

قليل لقاء البيض إلا من الظبا *** قليل شراب الكاس إلا من الدم

سبقتم الى المجد القديم بأسره *** وبؤتم بعادي على الدهر أقدم

اذا ما بناء شاده اللّه وحده *** تهدمت الدنيا ولم يتهدم

بكم عز ما بين البقيع ويثرب *** ونسّك ما بين الحطيم وزمزم

فلا برحت تترى عليكم من الورى *** صلاة مصّل أو سلام مسلّم

واقسم اني فيك وحدي لشيعة *** وكنت ابرّ القائلين بمقسم

وعندي على نأي المزار وبعده *** قصائد تشرى كالجمان المنظم

اذا اشأمت كانت لبانة معرق *** وإن أعرقت كانت لبانة مشئم

ص: 77

محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الاندلسي :

ولد بقرية سكون من قرى مدينة اشبيلية سنة 320 أو 326 ه- وقتل في رجب سنة 362 وعمره 36 سنة ، كان أبوه هانئ من قرية من قرى المهدية بافريقية وكان أيضا شاعراً أديبا فانتقل إلى الاندلس فولد له محمد المذكور بمدينة اشبيلية ونشأ بها واشتغل وحصل له حظ وافر من الأدب وعمل الشعر ومهر فيه وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم وكان اكثر تأدبه بدار العلم في قرطبة حتى برع بكثير من العلوم لا سيما علم الهيئة ، شعره طافح بالتشيع كقوله :

لي صارم وهو شيعي كحامله *** يكاد يسبق كرّاتي الى البطل

اذا المعز معز الدين سلّطه *** لم يرتقب بالمنايا مدة الأجل

وله في القصيدة التي أولها :

تقول بنو العباس هل فتحت مصر *** فقل لبني العباس قد قضى الأمر

وقد جاوز الاسكندرية جوهر *** تطالعه البشرى ويقدمه النصر

ويقول فيها :

فكل إمامي يجيء كأنما *** على خده الشعرى وفي وجهه البدر

ص: 78

ومن روائعه :

ولم أجد الانسان الا ابن سعيه *** فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا

وبالهمة العلياء يرقى إلى العلى *** فمن كان أعلى همة كان أظهرا

ولم يتأخر مَن اراد تقدّماً *** ولم يتقدم من أراد تأخرا

وقال :

عجبت لقوم أضلوا السبيل *** وقد بيّن اللّه أين الهدى

فما عرفوا لاحق لما استنار *** ولا أبصروا الرشد لمابدا

وما خفى الرشد لكنما *** أضلّ الحلوم اتباع الهوى

وقال ابن خلكان :

ليس في المغاربة من هو افصح منه لا متقدميهم ولا متأخريهم بل هو اشعرهم على الاطلاق وهو عند المغاربة كالمتنبي عند المشارقة اقول وفيه قال القائل :

ان تكن فارساً فكن كعلي *** أو تكن شاعراً فكن كابن هاني

كل من يدعى بما ليس فيه *** كذّبته شواهد الامتحان

وقال يمدح المعز لدين اللّه وقيل ان هذه القصيدة أول ما أنشده بالقيروان وانه امر له بدست قيمته ستة آلاف دينار ، فقال له يا امير المؤمنين مالي موضع يسع الدست اذا بسط فأمر له ببناء قصر فغرم عليه ستة آلاف دينار وحمل اليه آلة تشاكل القصر والدست قيمتها ثلاثة آلاف دينار. وفي آخر القصيدة يذكر الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام :

هل من أعقّة عالج يبرين *** أم منهما بقر الحدوج العين

ولمن ليال ما ذممنا عهدنا *** مذكنّ إلا أنهن شجون

ص: 79

المشرقات كأنهن كواكب *** والناعمات كانهن غصون

بيض وما ضحك الصباح وانها *** بالمسك من طرر الحسان لجون

أدمى لها المرجان صفحة خده *** وبكى عليها اللؤلؤ المكنون

أعدى الحمام تأوُّهي من بعدها *** فكأنه فيما سجعن رنين

بانوا سراعا للهوادج زفرة *** مما رأين وللمطي حنين

فكأنما صبغوا الضحى بقبابهم *** أو عصفرت فيه الخدود جفون

ماذا على حلل الشقيق لو انها *** عن لابسيها في الخدود تبين

لاعطّشن الروض بعدهم ولا *** يرويه لي دمع عليه هَتون

أأعير لحظ العين بهجة منظر *** وأخونهم إني اذا لخؤون

لا الجو جو مشرق ولو اكتسى *** زهرا ولا الماء المعين معين

لا يبعدنّ اذ العبير له ثرى *** والبان دوح والشموس قطين

ايام فيه العبقري مفوّف *** والسابري مضاعف موضون

والزاعبية شّرع والمشرفيّ- *** -ة لمّع والمقربات صفون

والعهد من ظمياء اذ لاقومها *** خزر ولا الحرب الزبون زبون

عهدي بذاك الجو وهو أسنّة *** وكناس ذاك الخشف وهو عرين

هل يدنيني منه أجرد سابح *** مرح وجائلة النسوع أمون

ومهنّد فيه الفرند كأنه *** درٌ له خلف الغرار كمين

عضب المضارب مقفر من اعين *** لكنّه من أنفس مسكون

قد كان رشح حديده أجلا وما *** صاغت مضاربه الرقاق قيون

وكأنما يلقى الضريبة دونه *** باس المعز أو اسمه المخزون

هذا معدّ والخلائق كلها *** هذا المعزّ متوجا والدين

هذا ضمير النشأة الأولى التي *** بدأ الإله وغيبها المكنون

من أجل هذا قدّر المقدور في *** أم الكتاب وكوّن التكوين

وبذا تلقّى آدم من ربه *** عفوا وفاء ليونس اليقطين

يا أرض كيف حملت ثني نجاده *** بل انت تلك تموج منك متون

ص: 80

حاشا لما حملت تحمل مثله *** أرض ولكن السماء تعين

لو يلتقي الطوفان قبل وجوده *** لم يُنج نوحا فلكه المشحون

لو أنّ هذا الدهر يبطش بطشه *** لم يعقب الحركات منه سكون

الروض ما قد قيل في أيامه *** لا إنه وردٌ ولا نسرين

والمسك ما لثَم الثرى من ذكره *** لا إنّ كل قرارة دارين

ملك كما حدّثت عنه رأفة *** فالخمر ماء والشراسة لين

شيم لو أن اليم اعطي رفقها *** لم يلتقم ذا النون فيه النون

تاللّه لا ظل الغمام معاقل *** تأبى عليه ولا النجوم حصون

ووراء حق ابن الرسول ضراغم *** اسد وشهباء السلاح منون

الطالبان المشرفيّة والقنا *** والمدركان النصر والتمكين

وصواهل لا الهضب يوم مغارها *** هضب ولا البيد الحزون حزون

جَنب الحمام وما لهنّ قوادم *** وعلا الربود وما لهن وكون

فلهن من وَرَق اللجين توجس *** ولهن من مقل الظباء شفون

فكأنها تحت النضار كواكب *** وكأنها تحت الحديد دجون

عُرفت بساعة سبقها لا انّها *** علقت بها يوم الرهان عيون

وأجلّ علم البرق فيها أنها *** مرّت بجانحتيه وهي ظنون

في الغيث شبه من نداك كأنما *** مسَحت على الانواء منك يمين

أما الغنى فهو الذي أوليتنا *** فكأن جودك في الخلود رهين

تطأ الجياد بنا البدور كأنها *** تحت السنابك مرمر مسنون

فالفيء لا متنقل والحوض لا *** متكدّر والمن لا ممنون

انظر الى الدنيا باشفاق فقد *** أرخصت هذا العلق وهو ثمين

لو يستطيع البحر لاستعدى على *** جدوى يديك وإنه لقمين

أمدده أو فاصفح له عن نيله *** فلقد تخوّف أن يقال ضنين

وأذن له يغرق أميّة معلنا *** ما كل مأذون له مأذون

وأعذر أميّة ان تغصّ بريقها *** فالمهل ما سُقيته والغسلين

ص: 81

ألقت بأيدي الذل ملقى عمرها *** بالثوب إذ فغرت له صفّين

قد قاد أمرهم وقلّد ثغرهم *** منهم مهين لا يكاد يبين

لتحكمنّك أو تزايل معصما *** كف ويشخب بالدماء وتين

أوَ لم تشنّ بها وقائعك التي *** جفلت وراء الهند منها الصين

هل غير أخرى صيلم إن الذي *** وقاك تلك بأختها لضمين

بل لو ثنيت إلى الخليج بعزمة *** سرت الكواكب فيه وهي سفين

لو لم تكن حزما أناتك لم يكن *** للنار في حجر الزناد كمين

قد جاء أمر اللّه واقترب المدى *** من كلّ مطّلع وحان الحين

ورمى إلى البلد الأمين بطرفه *** ملك على سرّ الاله أمين

لم يدر ما رجم الظنون وإنما *** دفع القضاء اليه وهو يقين

كذبت رجال ما أدّعت من حقكم *** ومن المقال كأهله مأفون

أبني لؤيّ اين فضل قديمكم *** بل اين حلم كالجبال رصين

ناز عتم حق الوصيّ ودونه *** حرم وحجر مانع وحجون

ناضلتموه على الخلافة بالتي *** ردّت وفيكم حدّها المسنون

حرّفتموها عن أبي السبطين عن *** زمع وليس من الهجان هجين

لو تتّقون اللّه لم يطمح لها *** طرف ولم يشمخ لها عرنين

لكنّكم كنتم كأهل العجل لم *** يحفظ لموسى فيهم هارون

لو تسألون القبر يوم فرحتم *** لأجاب أنّ محمدا محزون

ماذا تريد من الكتاب نواصب *** وله ظهور دونها وبطون

هي بغية أظللتموها فارجعوا *** في آل ياسين ثوت ياسين

ردّوا عليهم حكمهم فعليهم *** نزل البيان وفيهم التبيين

البيت بيت اللّه وهو معظّم *** والنور نور اللّه وهو مبين

والستر ستر الغيب وهو محجب *** والسر سر اللّه وهو مصون

النور انت وكل نور ظلمة *** والفوق انت وكل قدر دون

لو كان رأيك شائعا في أمّة *** علموا بما سيكون قبل يكون

ص: 82

أو كان بشرك في شعاع الشمس لم *** يكسف لها عند الشروق جبين

أو كان سخطك عدوة في اليم لم *** تحمله دون لهاته التنين

لم تسكن الدنيا فواق بكيّة *** إلا وأنت لخوفها تأمين

اللّه يقبل نسكنا عنا بما *** يُرضيك من هدي وانت معين

فرضان من صوم وشكر خليفة *** هذا بهذا عندنا مقرون

فارزق عبادك منك فضل شفاعة *** واقرب بهم زلفى فانت مكين

لك حمدنا لا إنه لك مفخر *** ما قدرك المنثور والموزون

قد قال فيك اللّه ما أنا قائل *** فكأن كل قصيدة تضمين

اللّه يعلم أن رأيك في الورى *** مأمون حزم عنده وأمين

ولانت أفضل من تشير بجاهه *** تحت المظلّة باللواء يمين

ومن مشهور شعره قصيدته التي يمدح بها المعز لدين اللّه ويذكر فتح مصر على يد القائد جوهر وقد أنشدها بالقيروان :

تقول بنو العباس هل فُتحت مصر *** فقل لبني العباس قد قُضي الأمر

وقد جاوز الاسكندرية جوهر *** تطالعه البشرى ويقدمه النصر

وقد أوفدت مصر اليه وفودها *** وزيد الى المعقود من جسرها جسر

فما جاء هذا اليوم إلا وقد غدت *** وأيديكم منها ومن غيرها صفر

فلا تكثروا ذكر الزمان الذي خلا *** فذلك عصر قد تقضى وذا عصر

أفي الجيش كنتم تمترون رويدكم *** فهذا القنا العرّاص والجحفل المجر

وقد أشرفت خيل الإله طوالعا *** على الدين والدنيا كما طلع الفجر

وذا ابن بني اللّه يطلب وتره *** وكان حريّ لا يضيع له وتر

ذروا الورد في ماء الفرات لخيله *** فلا الضحل منه تمنعون ولا الغمر

أفي الشمس شك انها الشمس بعدما *** تجلّت عيانا ليس من دونها ستر

وما هي إلا آية بعد آية *** ونذر لكم إن كان يغنيكم النذر

فكونوا حصيدا خامدين أو ارعووا *** الى ملك في كفه الموت والنشر

ص: 83

اطيعوا اماما للأيمّة فاضلاً *** كما كانت الأعمال يفضلها البر

ردوا ساقيا لا تنزفون حياضه *** جموما (1) كما لا ينزف الأبحر الدر

فان تتبعوه فهو مولاكم الذي *** له برسول اللّه دونكم الفخر

وإلا فبعدوا للبعيد فبينه *** وبينكم ما لا يقرّ به الدهر

افي ابن ابي السبطين أم في طليقكم *** تنزّلت الآيات والسور الغر

بني نثلة ما أورث اللّه نثلة *** وما ولدت هل يستوي العبد والحر

وأنى بهذا وهي أعدت برقّها *** أباكم فاياكم ودعوى هي الكفر

ذروا الناس ردوهم الى من يسوسهم *** فما لكم في الامر عرف ولا نكر

اسرتم قروما بالعراق اعزّة *** فقد فُكّ من اعناقهم ذلك الأسر

وقد بزكم ايامكم عُصب الهدى *** وانصار دين اللّه والبيض والسمر

ومقتبل ايامه متهلّل *** اليه الشباب الغض والزمن النضر

أدار كما شاء الورى وتحيزت *** على السبعة الأفلاك أنمله العشر

تعالوا الى حكام كل قبيلة *** ففي الأرض اقبال واندية زهر

ولا تعدلوا بالصيد من آل هاشم *** ولا تتركوا فهرا وما جمعت فهر

فجيئوا بمن ضمّت لؤي بن غالب *** وجيئوا بمن ادت كنانة والنضر

أتدرون متن أزكى اللبريّة منصبا *** وأفضلها ان عُدّد البدو والحضر

ولا تذروا عليا معتد وغيرها *** ليُعرف منكم من له الحق والأمر

ومن عجب ان اللسان جرى لهم *** بذكر على حين انقضوا وانقضى الذكر

فبادوا وعفى اللّه آثار ملكهم *** فلا خبر يلقاك عنهم ولا خُبر

ألا تلكم الأرض العريضة اصبحت *** وما لبني العباس في عرضها فتر

فقد دالت الدنيا لآل محمد *** وقد جرّرت أذيالها الدولة البكر

ورد حقوق الطالبيين مَن زكت *** صنائعه في آله وزكا الذخر

معز الهدى والدين والرحم التي *** به اتصلت أسبابها وله الشكر

ص: 84


1- الجموم : الماء الكثير.

من انتاشهم في كل شرق ومغرب *** فبدّل أمناً ذلك الخوف والذعر

فكل إمامي يجيء كأنما *** على يده الشعرى وفي وجهه البدر

ولما تولت دولة النصب عنهم *** تولى العمى والجهل واللؤم والغدر

حقوق أتت من دونها أعصر خلت *** فما ردّها دهر عليه ولا عصر

فجرد ذو التاج المقادير دونها *** كما جردت بيض مضاربها حمر

فانقذها من بُرثن الدهر بعدما *** تواكلها القِرس المنيّب والهِصر (1)

وأجرى على ما أنزل اللّه قسمها *** فلم يتخرّم منه قلّ ولا كثر

فدونكموها أهل بيت محمد *** صفت بمعزّ الدين جمّاتها الكدر

فقد صارت الدنيا اليكم مصيرها *** وصار له الحمد المضاعف والاجر

إمام رأيت الدين مرتبطا به *** فطاعته فوز وعصيانه خسر

أرى مدحه كالمدح لله إنه *** قنوت وتسبيح يُحَطّ به الوزر

هو الوارث الدنيا ومن خلقت له *** من الناس حتى يلتقي القُطر والقُطُر

وما جهل المنصور في المهد فضله *** وقد لاحت الاعلام والسمة البَهر

رأى أن سيسمى مالك الأرض كلها *** فلما رآه قال ذا الصمد الوتر

وما ذاك أخذا بالفراسة وحدها *** ولا أنه فيها الى الظن مضطر

ولكن موجوداً من الأثر الذي *** تلقاه عن حبر ضنين به خُبر

وكنزا من العلم الربوبي انه *** هو العلم حقا لا القيافة والزجر

فبشّر به البيت المحرم عاجلاً *** اذا أوجف التطواف بالناس والنفر

وها فكأن قد زاره وتجانفت *** به عن قصور الملك طيبة والسر

هل البيت بيت اللّه إلا حريمه *** وهل لغريب الدار عن اهله صبر

منازله الأولى اللواتي يشقنه *** فليس له عنهنّ مغدى ولا قصر

وحيث تلقّى جدّه القدس وانتحت *** له كلمات اللّه والسر والجهر

فان يتمنّ البيت تلك فقد دنت *** مواقيتها والعسر من بعده اليسر

ص: 85


1- القرس : البعوض ، المنيب : ذو الناب. الهصر : الأسد.

وإن حنّ من شوق اليك فانّه *** ليوجد من رياك في جوّه نشر

ألست ابن بانية فلو جئته انجلت *** غواشيه وابيضّت مناسكه الغبر

حبيب الى بطحاء مكّة موسم *** تحيّي معّدا فيه مكّة والحجر

هناك تضيء الارض نورا وتلتقي *** دنوا فلا يستبعد السفر السفر

وتدري فروض الحج من نافلاته *** ويمتاز عند الامة الخير والشر

شهدت لقد اعززت ذا الدين عزّة *** خشيت لها أن يستبد به الكبر

فأمضيت عزما ليس يعصيك بعده *** من الناس إلا جاهل بك مغتر

أهنيك بالفتح الذي انا ناظر *** اليه بعين ليس يغمضها الكفر

فلم يبق الا البرد تترى ومابأى *** عليك مدى أقصى مواعيده شهر

وما ضر مصرا حين ألقت قيادها *** اليك امد النيل أم غاله جزر

وقد حبّرت فيها لك الخطب التي *** بدائعها نظم والفاظها نثر

فلم يُهرَق فيها لذي ذمّة دم *** حرام ولم يحمل على مسلم أُصر

غدا جوهر فيها غمامة رحمة *** يقي جانبيها كل نائبة تعرو

كأني به قد سار في القوم سيرة *** تودّ لها بغداد لو أنها مصر

ستحسدها فيه المشارق انه *** سواء اذا ما حلّ في الأرض والقطر

ومن اين تعدوه سياسة مثلها *** وقد قلصت في الحرب عن ساقه الازر

وثقّف تثقيف الرديني قبلها *** وما الطرف الا أن يهذّبه الضمر

وليس الذي يأتي بأوّل ما كفى *** فشدّ به ملك وسدّ به ثغر

فما بمداه دون مجد تخلف *** ولا بخطاه دون صالحة بهر

سننت له فيهم من العدل سنّة *** هي الآية المجلى ببرهانها السحر

على ما خلا من سنّة الوحي اذ خلا *** فأذيالها تضفو عليهم وتنجر

وأوصيته فيهم برفقك مردفا *** بجودك معقودا به عهدك البر

وصاة كما أوصى بها اللّه رسله *** وليس بأذن انت مسمعها وقر

وبينتها بالكتب من كل مدرج *** كأن جميع الخير في طيه سطر

يقول رجال شاهدوا يوم حكمه *** بنا تعمر الدنيا ولو أنها قفر

ص: 86

بذا لا ضياع حللّوا حرماتها *** وأقطاعها فاستصفى السهل والوعر

فحسبكم يا اهل مصر بعدله *** دليلاً على العدل الذي عنه يفترّوا

فذاك بيان واضح عن خليفة *** كثير سواه عند معروفه نزر

رضينا لكم يا أهل مصر بدولة *** اطاع لنا في ظلّها الامن والوفر

لكم أسوة فينا قديما فلم يكن *** بأحوالنا عنكم خفاء ولا ستر

وهل نحن الا معشر من عفاته *** لنا الصافنات الجرد والعسكر الدثر

فكيف مواليه الذين كأنّهم *** سماء على العافين أمطارها البتر

لبسنا به ايام دهر كأنّها *** بها وسن أو مال ميلا بها السكر

فيا ملكا هدي الملائك هديه *** ولكن نجر الانبياء له نجر

ويا رازقا من كفّه منشأ الحيا *** وإلا فمن اسرارها نبع البحر

الا إنما الايام أيامُك التي *** لك الشطرمن نعمائها ولنا الشطر

لك المجد منها يا لك الخير والعلى *** وتبقى لنا منها الحلوبة والدر

لقد جُدت حتى ليس للمال طالب *** وأعطيت حتى ما لنفسه قدر

فليس لمن لا يرتقي النجم همّة *** وليس لمن لا يستفيد الغنى عذر

وددت لجيل قد تقدّم عصرهم *** لو استأخروا في حلبة العمر اوكروا

ولو شهدوا الايام والعيش بعدهم *** حدائق والآمال مونقة خضر

فلو سمع التثويبَ من كان رمّة *** رفاتا ولبى الصوت من ضمّه قبر

لناديت من قد مات حيّ بدولة *** تُقام لها الموتى ويرتجع العمر

وقال يمدح يحيى بن علي الأندلسي :

فتكات طرفك أم سيوف أبيك *** وكؤوس خمر أم مراشف فيك

أجلاد مرهفة وفتك محاجر *** ما انت راحمة ولا أهلوك

يا بنت ذا البرد الطويل نجاده *** اكذا يجوز الحكم في ناديك

قد كان يدعوني خيالك طارقاً *** حتى دعاني بالقنا داعيك

عيناك أم مغناك موعدنا وفي *** وادي الكرى القاك أو وادياك

ص: 87

منعوك من سنة الكرى وسروا فلو *** عثروا بطيف طارق ظنّوك

ودعوك نشوى ما سقوك مدامة *** لما تمايل عطفك اتهموكِ

حسبوا التكحل في جفونك حلية *** تاللّه ما بأكفهم كحلوكِ

وجلوك لي اذ نحن غصنا بانة *** حتى إذا احتفل الهوى حجبوكِ

ولوى مقبلك اللثام وما دروا *** أن قد لثمت به وقُبّل فوكِ

فضعي القناع فقبل خدّك ضرّجت *** رايات يحيى بالدم المسفوك

يا خيله لا تسخطي عزماته *** ولئن سخطت فقلما يرضيك

ايها فمن بين الأسنة والظبى *** إن الملائكة الكرام تليك

قد قلّدتك يدُ الأمير أعنّةً *** لتخايلي وشكا بما يتلوك

وحماك اغمار الموارد انه *** بالسيف من مهج العدى ساقيك

عوجي بجنح الليل فالملك الذي *** يهدي النجوم الى العلى هاديك

رب المذاكي والعوالي شرّعا *** لكنه وتر بغير شريك

هو ذلك الليث الغضنفر فانج من *** بطش على مهج الليوث وشيك

تلقاه فوق رحاله وأقبّ لا *** تلقاه فوق حشيّة وأريك

تأبى له الا المكارم يشجب *** يأبى سنام المجد غير تموكِ

بيت سما بك والكواكب جنّح *** من تحت أبنية له وسموكِ

كذبت نفوس الحاسدين ظنونها *** من آفك منهم ومن مأفوكِ

ان السماء لدون ما ترقى له *** والنجم أقرب نهجك المسلوكِ

عاودتَ من دار الخلافة مطلعا *** فطلعت شمسا غير ذات دلوكِ

ورأى الخليفة منك بأس مهنّد *** بيديه من روح الشعاع سبيكِ

وغدت بك الدنيا زبرجدة جلت *** عن ثغر لؤلؤة اليك ضحوك

يدك الحميدة قبل جودك انها *** يد مالك يقضي على مملوكِ

صدقت مفوّفة الايادي انما *** يوماك فيها درتا دُرنوكِ

الشعر ما زرّت عليك جيوبه *** من كل موشيّ البديع محوكِ

وألفتك فتك في صميم المال لا *** ما حدّثوا عن عروة الصعلوكِ

ص: 88

وأرى الملوك إذا رأيتك سوقة *** وأرى عفاتك سوقة كملوكِ

الغيث أولهم وليس بمعدم *** والبحر منهم وهو غير ضريكِ

أجريتَ جودك في الزلال لشارب *** وسبكته في العسجد المسبوكِ

لا يعدمنّك أعوجي صعّرت *** عادات نصرك منه خدّ مليك

من سابح منها اذا استحضرته *** ربذ (1) اليدين وسلهب محبوك

قيد الظليم مخبر عن ضاحك *** من بَيض أدحيّ الظليم تريك (2)

لو تأخذ الحسناء عنه خصالها *** ما طال بثّ محبّها المفروكِ

لو كان سنبكه الدقيق بكفّها *** نظمت قلائدها بغير سلوكِ

لك كل قرم لو تقدّم عمرُه *** لم يلهج العَدَويّ باليرموكِ

وقعاتُ نصر في الأعادي حدّثت *** عن يوم بدر قبلها وتبوكِ

هل أنت تارك نصل سيفك حقبة *** في غمده أم ليس بالمتروك

لو يستطيع الليل لاستعدى على *** مسراك تحت قناعه الحُلوكِ

لاقيتَ كلّ كتيبةٍ وفللتَ كلّ *** ضريبةٍ وألنت كلّ عريكِ

ص: 89


1- ربذ اليدين : صنع اليدين خفيفهما. السلهب : الجواد عظم وطالت عضامه.
2- الادحى : مبيض النعام في الرمل وأراد بالضاحك : الابيض. التريك : بيض النعام.

وقال يمدح المعز ويذكر ورود رسل الروم اليه بالكتب يتضرعون اليه في الصلح ويصف الاسطول الفاطمي الذي كان سيد البرح المتوسط يومذاك

ألا طرَقتنا والنجوم ركودُ *** وفي الحيّ ايقاظ ونحن هجود

وقد أعجل الفجر الملمع خطوها *** وفي اخريات الليل منه عمود

سرت عاطلا غضبى على الدر وحده *** فلم يدر نحر ما دهاه وجيد

فما برحت إلا ومن سلك ادمعي *** قلائد في لبّاتها وعقود

وما مغزل أدماه دان بريرها *** تربّع ايكا ناعما وترود

بأحسن منها يوم نصّت سوالفاً *** تريع الى اترابها وتحيد

ألم يأتها أنّا كبرنا عن الصبا *** وانّا بلينا والزمان جديد

فليت مشيبا لا يزال ولم أقل *** بكاظمة ليت الشباب يعود

ولم ارَ مثلي ماله من تجلّد *** ولا كجفوني ما لهنّ جمود

ولا كالليالي ما لهن مواثق *** ولا كالغواني ما لهن عهود

ولا كالمعز ابن النبي خليفةً *** له اللّه بالفخر المبين شهيد

وما لسماء ان تعدّ نجومها *** اذا عُدّ آباء له وجدود

بأسيافه تلك العواري نصولها *** الى اليوم لم تعرف لهن غمود

ومن خيله تلك الجوافل انها *** الى اليوم لم تُحطط لهن لُبود

فيا ايها الشانيه خلتك صادياً *** فانك عن ذاك المعين مذود

لغيرك سقيا الماء وهو مروّقُ *** وغيرك ربُّ الظلّ وهو مديد

ص: 90

نجاة ولكن أين منك مرامها *** وحوض ولكن اين منك ورود

إمام له مما جهلت حقيقة *** وليس له مما علمت نديد

من الخطل المعدود إن قيل ماجد *** ومادحه المثني عليه مجيد

وهل جائز فيه عميد سميدع *** وسائله ضخم الدسيع عميد

مدائحه عن كل هذا بمعزل *** عن القول إلا ما أخل نشيد

ومعلومها في كل نفس جبلّة *** بها يستهل الطفل وهو وليد

أغير الذي قد خط ّ في اللوح أبتغي *** مديحا له إني اذا لعنود

وما يستوي وحي من اللّه منزل *** وقافية في الغابرين شرود

ولكن رأيت الشعر سنّة من خلا *** له رَجَز ما ينقضي وقصيد

شكرت ودادا ان منك سجية *** تقبّل شكر العبد وهو ودود

فان يك تقصير فمني وإن أقل *** سدادا فمرمى القائلين سديد

وان الذي سمّاك خير خليفة *** لمجري القضاء الحتم حيث تريد

لك البر والبحر العظيم عبابه *** فسيّان اغمار تخاض وبيد

أما والجواري المنشآت التي سرت *** لقد ظاهرتها عدّة وعديد

قباب كما تزجى القباب على المها *** ولكن مَن ضمّت عليه أسود

ولله ممّا لا يرون كتائب *** مسوّمة تحدو بها وجنود

اطاع لها ان الملائك خلفها *** كما وقفت خلف الصفوف ردود

وان الرياح الذاريات كتائب *** وان النجوم الطالعات سعود

وما راع ملك الروم الا اطلاعها *** تنشرّ اعلام لها وبنود

عليها غمام مكفهر صبيرُه *** له بارقات جمّة ورعود

مواخر في طامي العباب كأنها *** لعزمك بأس أو لكفك جود

أنافت بها اعلامها وسما ، لها *** بناء على غير العراء مشيد

وليس بأعلى شاهق وهو كوكب *** وليس من الصفاح وهو صلود

من الراسيات الشم لولا انتقالها *** فمنها قنان شمخ وريود

من الطير إلا انهنّ جوارح *** فليس لها إلا النفوس مصيد

ص: 91

من القادحات النار تضرم للصلى *** فليس لها يوم اللقاء خلود

اذا زفرت غيظا ترامت بمارج *** كما شبّ من نار الجحيم وقود

فافواههنّ الحاميات صواعق *** وانفاسهنّ الزافرات حديد

تشب لآل الجاثليق سعيرها *** وما هي من آل الطريد بعيد

لها شُعَلٌ فوق الغمار كأنها *** دماء تلقتها ملاحف سود

تعانق موج البحر حتى كأنه *** سليط لها فيه الذبال عتيد

ترى الماء فيها وهو قان عبابه *** كما باشرت ردع الخلوق جلود

فليس لها إلا الرياح اعنّة *** وليس لها الا الحباب كديد

وغيرَ المذاكي نجرها غير أنّها *** مسومّة تحت الفوارس قود

ترى كل قوداء التليل اذا انثنت *** سوالف غيد بالمها وقدود

رحيبة مد الباع وهي نضيجة *** بغير شوى عذراء وهي ولود

تكبرّن عن نقع يثار كأنها *** موال وجرد الصافنات عبيد

لها من شفوف العبقري ملابس *** مفوّفة فيها النضار جسيد

كما اشتملت فوق الأرائك خرّد *** او التفعت فوق المنابر صيد

لبؤس تكفّ الموج وهو غطامط *** وتدرأ باس اليمّ وهو شديد

فمنه دروع فوقها وجواشن *** ومنها خفاتين لها وبرود

ألا في سبيل اللّه تبذل كل ما *** تضن به الانواء وهي جمود

فلا غرو ان اعزرت دين محمد *** فأنت له دون الملوك عقيد

وباسمك تدعوه الأعادي لأنهم *** يقرّون حتما والمراد جحود

غضبت له ان ثُلّ بالشام عرشه *** وعادك من ذكر العواصم عيد

فبتّ له دون الانام مسهدا *** ونام طليق خائن وطريد

برغمهم إن أيّد الحق أهله *** وان باء بالفعل الحميد حميد

فللوحي منهم جاحد ومكذّب *** وللدين منهم كاشح وحسود

وما ساءهم ما سرّ ابناء قيصر *** وتلك ترات لم تزل وحقود

وهم بعدوا عنهم على قرب دارهم *** وجحفلك الداني وأنت بعيد

ص: 92

وقلت اناس ما الدمستق شكره *** اذا جاءه بالعفو منك بريد

وتقبيله الترب الذي فوق خده *** الى ذفرتيه من ثراه صعيد

تناجيك عنه الكتب وهي ضراعة *** ويأتيك عنه القول وهو سجود

اذا أنكرت فيها التراجم لفظه *** فأدمعه بين السطور شهود

ليالي تقفو الرسل رسل خواضع *** ويأتيك من بعد الوفود وفود

وما دلفت إلا الهموم وراءه *** وإن قال قوم انهن حشود

ولكن رأى ذلاّ فهانت منيّة *** جرّب خُطبانا فلُذّ هبيد (1)

وعرّض يستجدي الحمام لنفسه *** وبعض حمام المستريح خلود

فان هز أسياف الهرقل فإنها *** اذا شئت اغلال له وقيود

أفي النوم يستام الوغى ويشبّها *** ففيم اذاً يلقى الفتى فيحيد

ويعطي الجزا والسلم عن يد صاغر *** ويقضى وصدر الرمح فيه قصيد (2)

يقرّب قربانا على وجل فإن *** تقبّلته من مثله فسعيد

أليس عجيبا ان دعاك الى الوغى *** كما حرّض الليث المزعفر سيد

ويا رب من تعليمه وهو منافس *** وتسدي إليه العرف وهو كنود

فان لم تكن الا الغواية وحدها *** فان غرار المشرفيّ رشيد

كدأبك عزم للخطوب موكل *** عليهم وسيف للنفوس مبيد

إذا هجروا الأوطان ردّهم إلى *** مصارعهم أن ليس عنك محيد

وان لم يكن الا الديار ورعيهم *** فتلك نواويس لهم ولحود

ألا هل أتاهم أنّ ثغرك موحد *** وليس له الا الرماح وصيد

وليس سواء في طريق تريدها *** حدور الى ما يبتغى وصعود

فعزمك يلقى كل عزم مملّك *** كما يتلاقى كائد ومكيد

وفلكك يلقى الفلك في اليم من عل *** كما يتلاقى سيد ومسود

فليت ابا السبطين والتربُ دونه *** رأى كيف تبدي حكمه وتعيد

ص: 93


1- الخطبان : الحنظل ، واراد به شدة الحرب. الهبيد : الحنظل.
2- القصيد : المتكسر.

وملكك ما ضمّت عليه تهائم *** وملكك ما ضمّت عليه نجود

وأخذك قسرا من بني الاصفر الذي *** تذبذب كسرى عنه وهو عنيد

اذاً لرأى يمناك تخضب سيفه *** وانت عن الدين الحنيف تذود

شهدت لقد أُعطيت جامع فضله *** وانت على علمي بذاك شهيد

ولو طلبت في الغيث منك سجيّة *** لقد عز موجود وعز وجود

اليك يفر المسلمون بامرهم *** وقد وُتروا وترا وانت مقيد

فأن امير المؤمنين كعهدهم *** وعند امير المؤمنين مزيد

وقال يمدح المعز ويفدّيه بشهر الصيام :

الحب حيث المعشر الاعداء *** والصبر حيث الكلة السيراء

ما للمهارى الناجيات كأنها *** حتم عليها البين والعدواء

ليس العجيب بأن يبارين الصبا *** والعذل في اسماعهن حداء

يدنو منال يد المحب وفوقها *** شمس الظهيرة خدرها الجوزاء

بانت مودعة فجيد معرض *** يوم الوداع ونظرة شزراء

وغدت ممنّعة القباب كأنها *** بين الحجال فريدة عصماه

حُجبَت ويُحجب طيفها فكأنما *** منهم على لحظاتها رقباء

ما بانة الوادي تثنّى خوطها *** لكنها اليزنيّة السمراء

لم يبق طرف أجرد الا أتى *** من دونها وطمّرة جرداء

ومفاضة مسرودة وكتيبة *** ملمومة وعجاجة شهباء

ماذا أُسائل عن مغاني اهلها *** وضميري المأهول وفي خفاء

لله احدى الدوح فاردة ولا *** لله محنية ولا جرعاء

باتت تثنى لا الرياح تهزها *** دوني ولا أنفاسي الصعداء

فكأنما كانت تذكر بينكم *** فتميد في اعطافها البرحاء

كل يهيج هواك اما أيكة *** خضراء أو أيكيّة ورقاء

فانظر أنار باللوى إم بارق *** متألق أو راية حمراء

ص: 94

بالغور تخبو تارة ويشبّها *** تحت الدُجنة مندل وكباء

ذم الليالي بعد ليلتنا التي *** سلفت كما ذم الفراق لقاء

ليست بياض الصبح حتى خلتها *** فيه نجاشيا عليه قباء

حتى بدت والفجر في سربالها *** فكأنها خيفانة صدراء

ثم انتحى فيها الصديع فادبرت *** وكأنها وحشية عفراء

طويت ليَ الأيام فوق مكايد *** ما تنطوي لي فوقها الأعداء

ما كان أحسن من اياديها التي *** توليك الا انها حسناء

ما تحسن الدنيا تديم نعيمها *** فهي الصناع وكفها الخرقاء

تشأى النجاز عليّ وهي بفتكها *** ضرغامة وبلونها حرباء (1)

ان المكارم كنّ سربا رائدا *** حتى كنسن كأنهن ظباء

وطفقت اسأل عن اغر محجّل *** فاذا الانام جُبُلّة دهماء

حتى دفعت الى المعز خليفة *** فعلمت أن المطلب الخلفاء

جود كأن اليم فيه نفاثة *** وكأنما الدنيا عليه غثاء

ملك إذا نطقت علاه بمدحه *** خرس الوفود وأفحم الخطباء

هو علة الدنيا ومن خلقت له *** ولعلةٍ ما كانت الاشياء

من صفو ماء الوحي وهو مجاجة *** من حوضه الينبوع وهو شفاء

من أيكة الفردوس حيث تفتقت *** ثمراتها وتفيأ الأفياء

من شعلة القبس التي عرضت على *** موسى وقد جازت به الظلماء

من معدن التقديس وهو سلالة *** فخرت به الأجداد والآباء

من حيث يقتبس النهار لمبصر *** من جوهر الملكوت وهو ضياء

الناس اجماع على تفضيله *** وتشق عن مكنونها الانباء

فاستيقظوا من غفلة وتنبّهوا *** ما بالصباح على العيون خفاء

ليست سماء اللّه ما ترأونها *** لكنّ أرضا تحتويه سماء

ص: 95


1- تشأى : تسبق. النجاز : القتال.

أمّا كواكبها له فخواضع *** تخفي السجود ويظهر الايماء

والشمس ترجع عن سناه جفونها *** وكأنها مطروفة مرهاء

هذا الشفيع لأمةٍ تأتي به *** وجدوده لجدودها شفعاء

هذا امين اللّه بين عباده *** وبلاده ان عدّتِ الامناء

هذا الذي عطفت عليه مكّة *** وشعابها والركن والبطحاء

هذا الاغرّ الازهر المتدفق ال- *** -متألّق المتبلّج الوضّاء

فعليه من سيما النبي دلالة *** وعليه من نور الإله بهاء

ورث المقيم بيثرب فالمنبر ال- *** أعلى له والترعة العلياء

والخطبة الزهراء فيها الحكمة ال- *** -غرّاء فيها الحجة البيضاء

للناس اجماع على تفصيله *** حتى استوى اللؤماء والكرماء

واللكن والفصحاء والبعداء وال- *** -قرباء والخصماء والشهداء

خرّاب هام الروم منتقما وفي *** اعناقهم من جوده اعباء

تجري اياديه التي اولاهم *** فكأنها بين الدماء دماء

لولا انبعاث السيف وهو مسلط *** في قتلهم قَتَلتهم النعماء

كانت ملوك الاعجمين أعزةً *** فأذلها ذو العزّة الأبّاء

لن تصغر العظماء في سلطانها *** الا اذا دلفت لها العظماء

جهل البطارق أنه الملك الذي *** أوصى البنين بسلمه الآباء

حتى رأى جُهّالهم من عزمه *** غبّ الذي شهدت به العلماء

فتقاصروا من بعد ما حكم الردى *** ومضى الوعيد وشُبّت الهيجاء

والسيل ليس يحيد عن مستِنّه *** والسهم لا يدلى به غلواء

لم يشركوا في أنه خير الورى *** ولذي البرية عندهم شركاء

واذا أقرّ المشركون بفضله *** قسراً فما ادراك ما الحُنفاء

في اللّه يسري جودُه وجنوده *** وعديده والعزم والآراء

أو ما ترى دولَ الملوك تطيعه *** فكأنها خَوَلٌ له وإماء

نزلت ملائكة السماء بنصره *** وأطاعه الاصباح والامساء

ص: 96

والملك والفلك المدار وسعده *** والغزو في الدأماء والدهماء

والدهر والايام في تصريفها *** والناس والخضراء والغبراء

اين المفرّ ولا مفر لهارب *** ولك البسيطان الثرى والماء

ولك الجواري المنشآت مواخرا *** تجري بأمرك والرياح رخاء

والحاملات وكلها محمولة *** والناتجات وكلها عذراء

والاعوجيّات التي ان سوبقت *** غلبت وجري المذكيات غلاء

والطائرات السابقات السابحا *** ت الناجيات اذا استحثّ نجاء

فالبأس في حَمس الوغى لكماتها *** والكبرياء لهنّ والخيلاء

لا يصدرون نحورها يوم الوغى *** إلا كما صبغ الخدود حياء

شمّ العوالي والانوف تبسموا *** تحت العبوس فأظلموا وأضاءوا

لبسوا الحديد على الحديد مظاهرا *** حتى اليلامق والدروع سواء

وتقنعوا الفولاذ حتى المقلة ال- *** -نجلاء فيها المقلة الخوصاء

فكأنما فوق الأكف بوارق *** وكأنما فوق المتون إضاء

من كل مسرود الدخارص فوقه *** حُبك ومصقول عليه هباء

وتعانقوا حتى ردينيّاتهم *** عطشى وبيضهم الرقاق رواء

أعززت دين اللّه يا ابن نبيّه *** فاليوم فيه تخمط وإباء

فأقل حظ العرب منك سعادة *** وأقل حظ الروم منك شقاء

فاذا بعثت الجيش فهو منية *** واذا رأيت الرأيَ فهو قضاء

يكسو نداك الروض قبل أوانه *** وتحيد عنك اللزبة اللأواء

وصفات ذاتك منك يأخذها الورى *** في المكرمات فكلّها أسماء

قد جالت الافهام فيك فدقت ال- *** أوهام فيك وجلّت الآلاء

فعنت لك الابصار وانقادت لك ال- *** أقدار واستحيت لك الأنواء

وتجمّعت فيك القلوب على الرضى *** وتشعّبت في حبّك الاهواء

انت الذي فصل الخطاب وانما *** بك حكّمت في مدحك الشعراء

وأخصّ منزلة من الشعراء في *** أمثالها المضروبة الحكماء

ص: 97

أخذ الكلام كثيره وقليله *** قسمين ذا داء وذاك دواء

دانوا بأن مديحهم لك طاعة *** فرض فليس لهم عليك جزاء

فاسلم اذا راب البرية حادث *** واخلد اذا عمّ النفوس فناء

فيه تنزّل كل وحي منزل *** فلأهل بيت الوحي فيه سناء

فتطول فيه اكفّ آل محمد *** وتغل فيه عن الندى الطلقاء

ما زلت تقضي فرضَه وامامه *** ووراءه لك نائل وحباء

حسبي بمدحك فيه ذخرا انه *** للنسك عند الناسكين كفاء

هيهات منّا شكر ما تولى فقد *** شكرَتكَ قبل الألسن الأعضاء

واللّه في علياك أصدق قائل *** فكأن قول القائلين هذاء

لا تسألن عن الزمان فانه *** في راحتيك يدور حيث تشاء

وقال يمدح المعز ويصف انتصاراته على الروم في البر والبحر :

أقوى المحصّب من هاد ومن هيد *** وودّعودنا لطيات عباديد

ذا موقف الصب من مرمى الجمار ومن *** مساحب البدن قفرا غير معهود

ما أنسى لا انَس جفال العجيج بنا *** والراقصات من المهرية القود

وموقف الفتيات الناسكات ضحىً *** يعثرن في حبرات الفتية الصيد

يحرمن في الريط من مثنىً وواحدةٍ *** وليس يحرمن إلا في المواعيدِ

ذوات نيل ضعاف وهي قاتلة *** وقد يصيب كميّا سهم رعديد

قد كنت قناصها أيام اذعرها *** غيد السوالف في أيامنا الغيد

اذ لا تبيت ظباء الحيّ نافرة *** ولا تراع مهاة الرمل بالسيد

لا مثل وجدي بريعان الشباب وقد *** رأيت أملود عيشي غير املود

والشيب يضرب في فوديّ بارقه *** والدهر يقدح في شملي بتبديد

ورابني لون رأسي انه اختلفت *** فيه الغمائم من بيض ومن سود

إن تبكِ أعيننا للحادثات فقد *** كحلننا بعد تغميض بتسهيد

ص: 98

وليس ترضى الليالي في تصرّفها *** إلا إذا مزجت صاباً بقنديد (1)

لا عرقن زمانا راب حادثة *** اذا استمر فالقى بالمقاليد

لله تصديق ما في النفس من امل *** وفي المعز معز الدين والجود

الواهب البدرات النجل ضاحية *** امثال اسنمة البزل الجلاعيد

مؤيد العزم في الجلى اذا طرقت *** مندد السمع في النادي اذا نودي

لكل صوت مجال في مسامعه *** غير العنيفين من لؤم وتفنيد

وعند ذي التاج بيض المكرمات وما *** عندي له غير تمجيد وتحميد

أتبعته فكري حتى إذا بلغت *** غاياتها بين تصويب وتصعيد

رأيت موضع برهان يبين وما *** رأيت موضع تكييف وتحديد

وكان منقذ نفسي من عمايتها *** فقلت فيه بعلم لا بتقليد

فمن ضمير بجد القول مشتمل *** ومن لسان بحر المدح غريد

ما أجزل اللّه ذخري قبل رؤيته *** ولا انتفعتُ بإيمان وتوحيد

لله من سبب بالمجد متصل *** وظل عدل على الآفاق ممدود

هادي رشاد وبرهان وموعظة *** وبينات وتوفيق وتسديد

ضياء مظلمة الايام داجية *** وغيث ممحلة الاكناف جارود

ترى أعاديه في أيام دولته *** ما لا يرى حاسد في وجه محسود

قد حاكمته ملوك الروم في لجب *** وكان لله حكم غير مردود

إذ لا ترى هبرزيا غير منعفر *** منهم ولا جاثليقا غير مصفود

قضيت نحب العوالي من بطارقهم *** وللدماسق يوم غير مشهود

ذمّوا قناك وقد ثارت أسنّتها *** فما تركن وريدا غير مورود

طعن يكوّر هذا في فريسة ذا *** كأن في كل شلو بطن ملحود

حويت اسلابهم من كل ذي شطب *** ماض ومطرّد الكعبين أملود

وكل درع دلاص المتن سابغة *** تطوى على كل شافي النسج مسرود

ص: 99


1- القنديد : عسل قصب السكر اذا جمد.

لم يعلموا أن ذاك العزم منصلت *** وأن تلك المنايا بالمراصيد

حتى اتوك على الاقتاب من بُهم *** خزر العيون ومن شوس مذاويد

وفوق كل قتود بَز مستلب *** وفوق كل قناة رأس صنديد

توجت منها القنا تيجان ملحمة *** من كل محلول سلك النظم معقود

كأنها في الذرى سحق مكمّمة *** من كل مخضود أعلى الطلع منضود

سود الغَدائر في بيض الأسنه في *** حمر الانابيب في ردع وتجسيد

أشهدتهم كل فضفاض القميص ضحى *** في كل سرج تحلّى ظهر قيدود

كأن أرماحهم تتلو اذا هزجت *** زبور داود في محراب داود

لو كان للروم علم بالذي لقيت *** ما هنئت ام بطريق بمولود

لم يبق في أرض قسطنطين مشركة *** الا وقد خصّها ثكل بمفقود

أرض اقمت رنينا في مآتمها *** يغني الحمائم عن سجع وتغريد

كأنما بادرت منها ملوكهم *** مصارع القتل أو جاءوا بموعود

ما كل بارقة في الجو صاعقة *** تسري ولا كل عفريت بمريّدِ

القى الدمستق بالصلبان حين رأى *** ما أنزل اللّه من نصر وتأييد

فقل له حال من دون الخليج قناً *** سمر وأدرع أبطال مناجيد

أهل الجلاد اذا بانت أكفهم *** يجمعن بين العوالي واللغاديد

فرسان طعن تؤام في الفرائص لا *** ينمى وضرب دراك في القماحيد (1)

ذا أهرت كشدوق الأسد قد رجفت *** زأرا وهذا غموس كالأخاديد

أعيا عليه أيرجو أم يخاف وقد *** رآك تنجز من وعد وتوعيد

وقائع كظمته فانثنى خرسا *** كأنما كَعَمَت فاه بجلمود

حميته البر والبحر الفضاء معا *** فما يمر ببات غير مسدود

يرى ثغورك كالعين التي سملت *** بين المرورات منها والقراديد

يا رب قارعة الأجيال راسية *** منها وشاهقة الأكناف صيخود

ص: 100


1- القماحيد ، الواحدة قمحودة : مؤخر القذال ، خلف الأذنين.

دنا ليمنع ركنيها بغاربه *** فبات يدعم مهدوداً بمهدود

قد كانت الروم محذورا كتائبها *** تدني البلاد على شحط وتبعيد

ملك تأخر عهد الدهر من قدم *** عنه كأن لم يكن دهرا بمعهود

حل الذي أحكموه في العزائم من *** عقد وما جربوه في المكاييد

وشاغبوا اليم ألفي حجة كملا *** وهم فوارس قاريّاته السود

فاليوم قد طمست فيه مسالكهم *** من كل لاحب نهج الفلك مقصود

لو كنت سألتهم في اليم ما عرفوا *** سُفح السفائن من غير الملاحيد

هيهات لو راعهم في كل معترك *** ليث الليوث وصنديد الصناديد

من ليس يمسح عن عرنين مضطهد *** ولا يبيت على أحناء مفؤود

ذو هيبة تتقى في غير بائقة *** وحكمة تُجتنى من غير تعقيد

من معشر تسع الدنيا نفوسهم *** والناس ما بين تضييق وتنكيد

لو أصحروا في فضاء من صدورهم *** سدّوا عليك فروج البيد بالبيد

اولئك الناس إن عدوا بأجمعهم *** ومن سواهم فلغو غير معدود

والفرق بين الورى جمعا وبينهم *** كالفرق ما بين معدوم وموجود

إن كان للجود باب مرتج غلق *** فأنت تدني اليه كل اقليد

كأن حلمك أرسى الأرض أو عقدت *** به نواصي ذرى أعلامها القود

لك المواهب اولاها وآخرها *** عطاء رب عطاء غير محدود

فأنت سيّرت ما في الجود من مثل *** باق ومن أثر في الناس محمود

لو خلّد الدهر ذا عز لعزته *** كنت الأحق بتعمير وتخليد

تُبلى الكرام وآثار الكرام وما *** تزداد في كل عصر غير تجديد

ص: 101

الناشي الصغير أبو الحسن علي بن عبد اللّه بن الوصيف

اشارة

بني احمد قلبي لكم يتقطع *** بمثل مصابي فيكم ليس يسمع

فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا *** وليس لكم فيها قتيل ومصرع

ظلمتم وقتلتم وقُسّم فيئكم *** وضاقت بكم أرض فلم يحم موضع

جسوم على البوغاء ترمى وأرؤس *** على أرؤوس اللدن الذوابل تُرفع

نوارون لم تأوِ فراشاً جنوبكم *** ويسلمني طيب الهجوع فاهجع

وذكر السيد الأمين في الدر النضيد هذه الأبيات للناشي :

مصائب نسل فاطمة البتول *** نكت حسراتها كبد الرسول

ألا بابي البدور لقين خسفاً *** وأسلمها الطلوع الى الأفول

الا يا يوم عاشورا رماني *** مصابي منك بالداء الدخيل

كأني بابن فاطمة جديلا *** يلاقي الترب بالوجه الجميل

وقد قطع العداة الرأس منه *** وعلّوه على رمح طويل

وفاطمة الصغيرة بع عز *** كساها الحزن أثواب الذليل

تنادي جدها يا جد إنا *** طلبنا بعد فقدك بالدخول

ص: 102

وللناشي في أهل البيت علیهم السلام :

رجائي بعيد والممات قريب *** ويخطئ ظني فيكم ويصيب

متى تأخذون الثأر ممن تالبوا *** عليكم وشبوا الحرب وهي ضروب

فذلك قد أدمى ابن ملجم شيبه *** فخر على المحراب وهو خضيب

وذاك تولى السم عنه حشاشة *** وأنشبن أظفار بها ونيوب

وهذا توزعن الصوارم جسمه *** فخرّ بارض الطف وهو تريب

قتيل على نهر الفرات على ظما *** تطوف به الاعداء وهو غريب

كأن لم يكن ريحانة لمحمد *** وما هو نجل للوصي حبيب

ولم يك من أهل الكساء الاولى بهم *** يعاقب جبّار السماء ويتوب

اناس علوا أعلى المعالي من العلى *** فليس لهم في العالمين ضريب

اذا انتسبوا جازوا التناهي بجدهم *** فما لهم في الأكرمين نسيب

هم البحر أضحى دره وعبابه *** فليس له من مبتغيه رسوب

تسير به فلك النجاة وماؤه *** لشرّابه عذب المذاق شروب

هم البحر يغدو من غدا في جواره *** وساحله سهل المجال رحيب

يمد بلا جزر علوماً ونائلاً *** إذا جاء منه المرء وهو كسوب

هم سبب بين العباد وربهم *** فراجيهُم في الحشر ليس يخيب

حووا علم ما قد كان أو هو كائن *** وكل رشاد يبتغيه طلوب

هم حسنات العالمين بفضلهم *** وهو للاعادي في المعاد ذنوب

وقد حفظت غيب العلوم صدورهم *** فما الغيب عن تلك الصدور يغيب

فان ظلمت أو قتّلت أو تهضمت *** فما ذاك من شأن الزمان عجيب

وسوف يديل اللّه فيهم بأوبة *** وكل إلى ذاك الزمان يؤب

وفي الأعيان :

قال وحدثني الخالع : قال اجتزت بالناشي يوما وهو جالس في السراجين فقال لي قد عملت قصيدة وقد طلبت وأريد أن تكتبها بخطك حتى اخرجها

ص: 103

فقلت أمضي في حاجة وأعود وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح فقال لي أحب أن تقوم فتكتب قصيدة الناشي البائية فانا قد نحنا بها البارحة بالمشهد ، وكان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة فقمت ورجعت اليه وقلت : هات البائية حتى أكتبها ، فقال من أين علمت أنها بائية وما ذاكرت بها أحدا فحدثته بالمنام فبكى وقال : لا شك ان الوقت قددنا ، فكتبتها فكان أولها :

رجائي بعيد والممات قريب *** ويخطئ ظني والمنون نصيب

ص: 104

الناشي الصغير مولده سنة 271 ومات يوم الأثنين لخمس خلون من صفر سنة 365 هو ابو الحسن علي بن عبد اللّه بن الوصيف الناشي الصغير الاصغر البغدادي :

من باب الطاق ، نزيل مصر ، المعروف بالحلاء كان ابوه يعمل حلية السيوف فسمّي حلاّء. ويقال له : الناشي لأن الناشي يقال لمن نشأ في فن من فنون الشعر كما قال السمعاني في الانساب.

وفي الطليعة : كان من علماء الشيعة ومتكلميها ومحدثيها وفقهائها وشعرائها له كتب في الامامة ومدائحه في أهل البيت صلوات اللّه عليهم لا تحصى كثرة روى الحموي في معجم الادباء قال : حدثني الخالع قال : كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبي في مجلس الكبودي في المسجد الذي بين الوارقين والصاغة وهو غاص بالناس واذا رجل قد وافى وعليه مُرقعة وفي يديه سطيحة وركوة (1) ومع عُكاز ، وهو شِعث فسلّم على الجماعة بصوت يرفعه ، ثم قال أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليها ، فقالوا مرحبا بك وأهلا ورفعوه فقال : أتعرّفون لي أحمد المزوق النائح ، فقالوا : ها هو جالس ، فقال : رأيت مولاتنا علیهاالسلام في النوم فقالت :

امضي الى بغداد واطلبه وقل له : نح على ابني بشعر الناشي الذي يقول فيه :

بني احمد قلبي بكم يتقطع *** بمثل مصابي فيكم ليس يُسمع

ص: 105


1- المرقعة : الثوب المرقع ، والسطيحة ، المزادة ، والركوة : الدلو الصغير.

وكان الثاني حاضرا فلطم على وجهه وتبعه المزوّق والناس كلهم وكان اشد الناس في ذلك الناشي ثم المزوّق ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم الى أن صلى الناس الظهر وتقوض المجلس ، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئا منهم ، فقال واللّه لو أعطيت الدنيا ما أخذتها فانني لا أرى أن أكون رسول مولاتي علیهاالسلام ثم آخذ عن ذلك عوضا ، وانصرف ولم يقبل شيئا قال : ومن هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتا.

عجب لكم تفنون قتلا بسيفكم *** ويسطو عليكم من لكم كان يخضع

كأن رسول اللّه أوصى بقتلكم *** وأجسامكم في كل ارض توزع

وجمع العلامة السماوي شعر الناشي في أهل البيت علیهم السلام وهو يزيد على ثلثمائة بيتا وهو اليوم في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف الأشرف أقول ودفن الناشي في مقابر قريش وقبره هناك معروف. وهو ممن نبش قبره في واقعة سنة 443 وأحرقت تربته.

وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : الناشي الاصغر هو ابو الحسن علي بن عبد اللّه بن وصيف البغدادي الحلاء الفاضل المتكلم الشاعر البارع الإمامي المشهور له كتاب في الإمامة وأشعار كثيرة في أهل البيت (عليهم السلام) لا تحصى حتى عرف بهم ولقب بشاعر أهل البيت (عليهم السلام) ، ولد سنة 271 ويروي عن المبرد وابن المعتز قال ابن خلكان وهو من الشعراء المحسنين وله في أهل البيت (عليهم السلام) قصائد كثيرة وكان متكلما بارعا اخذ علم الكلام عن أبي سهل اسمعيل بن علي بن نوبخت المتكلم وكان من كبار الشيعة وله تصانيف كثيرة وكان جده وصيف مملوكا وابوه عبد اللّه عطارا وقيل له الحلاء لأنه كان يعمل حلية من النحاس ومضى إلى الكوفة سنة 325 وأملى شعره بجامعها وكان المتنبي وهو صبي يحضر مجلسه بها وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة :

كأن سنان ذابله ضمير *** فليس عن القلوب له ذهاب

وصارمه كبيعته بخم *** مقاصدها من الخلق الرقاب

ص: 106

ونظم المتنبي هذا وقال :

كأن الهام في الهيجاعيون *** وقد طبعت سيوفك من رقاد

وقد صغت الاسنة من هموم *** فما يخطرن إلا في فؤادي

وقال النجاشي والشيخ في الفهرست ، له كتاب في علم الكلام. وعده ابن النديم في المتكلمين من الشيعة وقال : كان متكلما بارعا.

قال الحموي : وكان الناشي يعتقد الامامة ويناظر عليها باجود عبارة فاستنفد عمره في مديح أهل البيت حتى عرف بهم ، واشعاره فيهم لا تحصى كثرة ، ومدح مع ذلك الراضي باللّه وله معه اخبار ، وقصد كافور الأخشيدي بمصر فامتدحه وامتدح ابن حِنزابَةَ وكان ينادمه.

وفي الاعيان : وقيل وفد الناشي على عضد الدولة بن بويه وامتدحه فأمر له بجائزة سنيّة وأحاله على الخازن فقال ما في الخزانة شيء فاعتذر اليه عضد الدولة وقال : ربما تأخر حمل المال الينا وسنضاعف لك الجائزة متى حظر فخرج من عنده فوجد على الباب كلابا لعضد الدولة عليها قلائد الذهب وجلال الخز قد ذبح لها السخال والقيت بين يديها فعاد الى عضد الدولة وأنشأ يقول :

رأيت بباب داركم كلابا *** تغذيها وتطعمها السخالا

فهل في الأرض أدبر من أديب *** يكون الكلب أحسن منه حالا

ثم حمل الى عضد الدولة مال على بغال وضاع منها بغل ووقف على باب الناشي فأخذ ما عليه ثم دخل على عضد الدولة وأنشده قصيدته التي يقول فيها :

ومن ظن أن الرزق يأتي بمطلب *** فقد كذبته نفسه وهو آثم

يفوت الغنى من لا ينام عن السرى *** وآخر يأتي رزقه وهو نائم

`فقال له هل وصل المال الذي على البغل فقال نعم قال هو لك بارك اللّه لك فيه

ص: 107

فعجب الحاضرون من فطنته.

وفي الأعيان : قال ياقوت حدث الخالع قال حدثني ابو الحسن الناشي قال كنت بالكوفة سنة 325 وأنا أملى شعري في المسجد الجامع بها والناس يكتبون عني.

قال السيد الأمين في الاعيان : الظاهر أن ذلك الشعر كان في مدح أهل البيت علیهم السلام والا فغيره من الشعر لا يقرأ في المسجد الجامع بالكوفة ، وكان الناس الذين يكتبون عنه هم الشيعة ، لان جل اهل الكوفة كانوا شيعة في ذلك الوقت. انتهى

وللناشي يمدح امير المؤمنين علیه السلام :

ألا يا خليفة خير الورى *** لقد كفر القوم اذ خالفوكا

خلافهم بعد دعواهم *** ونكثهم بعدما بايعوكا

طغوا بالخريبة واستنجدوا *** بصفين والنهر إذ صالتوكا

أناس هم حاصروا نعثلا *** ونالوه بالقتل ما استأذنوكا

فيا عجبا منهم إذ جنوا *** دما وبثاراته طالبوكا

ولو أيقنوا بنبي الهدى *** وباللّه ذي الطول ما كايدوكا

ولو أيقنوا بمعاد لها *** أزالوا النصوص ولا مانعوكا

ولو أنهم آمنوا بالهدى *** لما مانعوك ولا زايلوكا

ولكنهم كتموا الشك في *** اخيك النبي وأبدوه فيكا

فلم لم يثوروا ببدر وقد *** قتلت من القوم من بارزوكا

ولم عردوا إذ ثنيت العدى *** بمهراس أُحد ولم نازلوكا

ولم أحجموا يوم سلعٍ وقد *** ثبّت لعمرو ولم أسلموكا

ولِم يوم خيبر لم يثبتوا *** براية أحمد واستدركوكا

فلاقيت مرحب والعنكبوت *** واسداً يحامون إذ وجهوكا

ص: 108

فدكدكت حصنهم قاهرا *** ولوّحت بالباب اذا حاجزوكا

ولم يحضروا بحنين وقد *** صككت بنفسك جيشا صكوكا

فأنت المقدم في كل ذاك *** فيا ليت شعري لم اخرّوكا

فيا ناصر المصطفى أحمد *** تعلمت نصرته من أبيكا

وناصبت نصابه عنوة *** فلعنة ربي على ناصبيكا

فانت الخليفة دون الأنام *** فما بالهم في الورى خلّفوكا

ولا سيما حين وافيته *** وقد سار بالجيش ببغي تبوكا

فقال أناس قلاه النبي *** فصرت الى الطهر إذ خفضوكا

فقال النبي جوابا لما *** يؤدي الى مسمع الطهر فوكا

ألم ترض أنّا على رغمهم *** كموسى وهارون إذ وافقوكا

ولو كان بعدي نبيّ كما *** جعلت الخليفة كنت الشريكا

ولكنني خاتم المرسلين *** وأنت الخليفة إن طاوعوكا

وأنت الخليفة يوم انتجاك *** على الكور حينا وقدعاينوكا

يراك نجيا له المسلمون *** وكان الإله الذي ينتجيكا

على فم أحمد يوحى اليك *** وأهل الضغائن مستشرفوكا

وأنت الخليفة في دعوة *** العشيرة إذ كان فيهم أبوكا

ويوم الغدير وما يومه *** ليترك عذرا الى غادريكا

فهم خلف نصروا قولهم *** ليبغوا عليك ولم ينصروكا

اذا شاهدوا لنص قالوا لنا *** توانى عن الحق واستضعفوكا

فقلنا لهم نص خير الورى *** يزيل الظنون وينفي الشكوكا

ولو آمنوا بنبيّ الهدى *** وباللّه ذي الطول ما خالفوكا

ص: 109

( الابيات ) توفي ببغداد سنة 366 أو 360 والناشي كما عن أنساب السمعاني يقال لمن نشأ في فن من فنون الشعر واشتهر به والمشهور بهذه النسبة علي بن عبد اللّه ، وقيل انه توفي يوم الأربعاء لخمس خلون من صفر ومولده في سنة إحدى وسبعين ومائتين.

ومن شعره كما روى ابن خلكان :

إني ليهجرني الصديق تجنُّباً *** فأريه أن لهجره اسبابا

وأخاف إن عاتبته أغريته *** فأرى له ترك العتاب عتابا

واذا بليت بجاهل متغافل *** يدعو المحال من الامور صوابا

أوليته مني السكوت وربما *** كان السكوت عن الجواب جوابا

ص: 110

وللناشي في مدح أمير المؤنين علیه السلام :

بآل محمد عُرف الصواب *** وفي أبياتهم نزل الكتاب

هم الكلمات للأسماء لاحت *** لآدم حين عزّ له المتاب

وهم حجج الآله على البرايا *** بهم وبحكمهم لا يستراب

بقيّة ذي العلى وفروع أصل *** لحسن بيانهم وضح الخطاب

وأنوار يرى في كل عصر *** لا رشاد الورى منهم شهاب

ذرارى أحمد وبنو عليّ *** خليفته فهم لبّ لباب

تناهوا في نهاية كل مجد *** فطهّر خلقهم وزكوا وطابوا

إذا ما أعوز الطلاب علم *** ولم يوجد فعندهم يصاب

محبتهم صراط مستقيم *** ولكن في مسالكها عقاب

ولا سيما أبو حسن علي *** له في الحرب مرتبة تهاب

كأن سنان ذابله ضمير *** فليس لها سوى نعم جواب

وصارمه كبيعته بخُمّ *** معاقدها من القوم الرقاب

اذا نادت صوارمه نفوسا *** فليس لها سوى نعم جواب

فبين سنانه والدرع سلم *** وبين البيض والبيض أصطحاب

هو البكاء في المحراب ليلا *** هو الضحّاك إن وصل الضراب

ومَن في خفه طرح الأعادي *** حُبابا كي يُلسبه الحُباب (1)

ص: 111


1- الحباب : الأفعى.

فحين أراد لبس الخف وافى *** يمانعه عن الخف الغراب

وطار به فاكفأه وفيه *** حباب في الصعيد له انسياب

ومَن ناجاه ثعبان عظيم *** بباب الطهر ألقته السحاب

رآه الناس فانجفلوا برعب *** وأغلقت المسالك والرحاب

فلما أن دنا منه عليّ *** تداني الناس واستولى العجاب

فكلّمه علي مستطيلا *** واقبل لا يخاف ولا يهاب

ورنّ لحاجز وانساب فيه *** وقال وقد تغيبه التراب

أنا ملك مسخت وأنت مولى *** دعاؤك إن مننت به يجاب

أتيتك تائبا فاشفع الى مَن *** اليه في مهاجرتي الإياب

فاقبل داعيا واتى اخوه *** يؤمن والعيون لها انسكاب

فلما أن أُجيبا ظل يعلو *** كما يعلو لدى الجو العقاب

وانبت ريش طاوس عليه *** جواهر زانها التبر المذاب

يقول لقد نجوت بأهل بيت *** بهم يصلى لظى وبهم يثاب

هم النبأ العظيم وفلك نوح *** وناب اللّه وانقطع الخطاب

وللناشي يمدحه سلام اللّه عليه :

الا إن خير الخلق بعد محمد *** علي الذي بالشمس ازرت دلائله

وصي النبي المصطفى ونجيّه *** ووارثه علم الغيوب وغاسله

ومَن لم يقل بالنص فيه معاندا *** غدا عقله بالرغم منه يجادله

يعرّفه حق الوصي وفضله *** على الخلق حتى تضمحل بواطله

هو البحر يغنى من غدا في جواره *** ولا سيما إن أظهر الدر ساحله

هو الفخر في اللأوا اذا ما ندبته *** ولا عجب أن يندب الفخر ثاكله

حجاب آله الخلق أحكم رتقه *** وستر على الاسلام ذو الطول سابله

وباب غدا فينا لخير مدينة *** وحبل ينال الفوز في البعث واصله

وعيبة علم اللّه والصادق الذي *** يقول بحر القول إن قال قائله

ص: 112

عليم بما لا يعلم الناس مظهر *** من العلم من كل البرية جاهله

يجيب بحكم اللّه من كل شبهة *** فيبصر طب الغي منه مسائله

اذا قال قولا صدّق الوحي قوله *** وكذّب دعوى كل رجس يناضله

حميد رفيع القول عند مليكه *** شفيع وجيه لا ترد وسائله

وخلصان رب العرش نفس محمد *** وقد كان من خير الورى مَن يباهله

امام علا من ختم الرسل كاهلا *** وليس علي يحمل الطهر كاهله

ولكن رسول اللّه علاه عامدا *** على كتفيه كي تناهى فضائله

أيعجز عنه من دحا باب خيبر *** وتحمله أفراسه ورواحله

فشرّفه خير الانام بحمله *** فبورك محمول وبورك حامله

ولما دحا الأصنام أومى بكفه *** فكادت تنال النجم منه أنامله

وذلك يوم الفتح والبيت قبله *** ومن حوله الاصنام والكفر شامله

وللناشي يمدحه (عليه السلام) :

يا آل ياسين إن مفخركم *** صيّر كل الورى لكم خولا

لو كان بعد النبي يوجد في *** الخلق رسولا لكنتم رسلا

لولا موالاتكم وحبكم *** ما قبل اللّه للورى عملا

يا كلمات لولا تلقّنها *** آدم يوم المتاب ما قبلا

انتم طريق الى الاله بكم *** أوضح رب المعارج السبلا

آمنت فيمن مضى بكم وقضى *** وبالذي غاب خائفا وجلا

وهو بعين اللّه العلي يرى *** ما صنع المختفي وما فعلا

ويؤمن الارض من تزلزلها *** إذ كان طودا لثبتها جبلا

حتى يشاء الباري فيظهره *** للقسط والعدل خير من عدلا

يا غائبا حاظرا بانفسنا *** وباطنا ظاهرا لمن عقلا

يابن البدور الذين نورهم *** يسطع في الخافقين ما أفلا

وابن الهمام الذي بسطوته *** قوّض ظعن الاشراك مرتحلا

ص: 113

اقام دين الاله اذ كسرت *** يداه في فتح مكة هبلا

علا على كاهل النبي ولو *** رام احتمالا لاحمد حملا

ولو أراد النجوم لامسها *** بما له ذو الجلال قد كفلا

مَن يغتل فليكن علاه كذا *** أولا فقد بآء هابطا سفلا

امسكت منكم حبل الولاء فما *** أراه إلا باللّه متصلا

ومن شعره قوله يصف فرسا :

مثل دعاء مستجاب إن علا *** أو كقضاء نازل اذا هبط

وقوله :

لا تعتذر بالشغل عنا إنما *** ترجى لانك دائما مشغول

واذا فرغت ولا فرغت فغيرك *** المرجو والمطلوب والمأمول

وسمي بالناشي الاصغر في مقابلة الناشي الاكبر وهو :

أبو العباس عبد اللّه بن محمد الانباري البغدادي المعروف بابن شرشير الشاعر حكي انه كان في طبقة ابن الرومي والبحتري وكان نحويا عروضيا منطقيا متكلما له قصيدة في فنون من العلم تبلغ أربعة آلاف بيت وله عدة تصانيف وأشعار كثيرة في جوارح الصيد والامة والصيود كأنه كان صاحب صيد وقد أستشهد كشاجم بشعره في كتاب المصايد والمطارد في مواضع توفي بمصر سنة 293 انتهى ما قاله القمي في الكنى والالقاب. وقال السيد الامين في الأعيان :

الناشي الاكبر اسمه عبيد اللّه بن محمد بن شرشر ولا دليل على تشيعه

ص: 114

قصائد من شعر الناشي الصغير كما في ديوانه المخطوط وهذه أوائلها :

1 - ألا يا آل ياسين *** وأهل الكهف والرعد

2 - استمع ما أتى به جبرئيل *** أحمد المصطفى البشير النذيرا

3 - يا آل ياسين مَن يحبكم *** بغير شك لنفسه نصحا

4 - ببغداد وإن ملئت قصورا *** قبور غشّت الآفاق نورا

5 - اتل آي الكتاب للعلم فيه *** وتأمل به بفكر النبيه

6 - زينة الانسان عقل *** بضياه يستدل

7 - ألا لا تلمني في ولاي أبا حسن *** فما تابع حقاً يلام على الزمن

8 - روى لنا انس فيما راى انس *** وكان يروي حديثا في الهدى عجبا

ص: 115

الأمير محمد بن عبد اللّه السوسي

لهفي على السبط وما ناله *** قد مات عطشانا بكرب الظما

لهفي لمن نكّس عن سرجه *** ليس من الناس له من حمى

لهفي على بدر الهدى إذ علا *** في رمحه يحكيه بدر الدجى

لهفي على النسوان إذ أبرزت *** تساق سوقا بالعنا الجفا

لهفي على تلك الوجوه التي *** أبرزت بعد الصون بين الملا

لهفي على ذاك العذار الذي *** علاه بالطف تراب العدا

لهفي على ذاك القوام الذي *** أحناه بالطف سيوف العدى (1)

وله :

كم دموع ممزوجه بدماء *** سكبتها العيون في كربلاء

لست أنساه في الطفوف غريبا *** مفردا بين صحبه بالعراء

وكأني به وقد خرّ في التر *** ب صريعا مخضبا بالدماء

وكأني به وقد لحظ النس- *** وان يهتكن مثل هتك الإماء

ص: 116


1- رواها ابن شهر اشوب في المناقب.
وقوله في الحسين :

فيا بضعة من فؤاد النبي *** بالطف أضحت كثيبا مهيلا

قتلتَ فأبكيت عين الرسول *** وأبكيت من رحمة جبرئيلا

وقوله أيضا :

يا قمرا حين لاحا *** أورثني فقتدك المناحا

يا نوب الدهر لم يدع لي *** صرفك من حادث سلاحا

أبعد يوم الحسين ويحيى *** استعذب اللّهو والمزاحا

يا سادتي يا بني عليّ *** بكى الهدى فقدكم وناحا

أوحشتم الحجر والمساعي *** آنستم القفر والبطاحا

وله وهو وزن غريب :

جودي على الحسين يا عين بانغزار *** جودي على الغريب اذ الجار لا يجار

جودي على النساء مع الصبية الصغار *** جودي على القتيل مطروحا في القفار

ألا يا بني الرسول لقدقل الاصطيار *** الا يا بني الرسول أخلت منكم الديار

الا يا نبي الرسول فلا قرّ لي قرار

وله :

لا عذر للشيعي يرقأ دمعه *** ودم الحسين بكربلاء أريقا

يا يوم عاشروا لقد خلّفتني *** ما عبشت في بحر الهموم غريقا

فيك استبيح حريم آل محمد *** وتمزقت أسبابهم تمزيقا

أأذوق ريّ الماء وابن محمد *** لم يروَ حتى للمنون أذيقا

وله :

وكّل جفني بالسهاد *** مذ غرس الحزن في فؤادي

ص: 117

ناع نعى بالطفوف بدراً *** أكرم به رائحا وغادي

نعى حسينا فدته روحي *** لما أحاطت به الاعادي

في فتية ساعدوا وواسوا *** وجاهدوا أعظم الجهاد

حتى تفانوا وظلّ فردا *** ونكّسوه عن الجواد

وجاء شمر اليه حتى *** جرّعه الموت وهو صادي

وركب الرأس في سنان *** كالبدر يجلو دجى السواد

واحتملوا أهله سبايا *** على مطايا بلا مهاد

وله :

أأنسى حسينا بالطفوف مجدلا *** ومن حوله الاطهار كالأنجم الزهر

أأنسى حسينا يوم سير برأسه *** على الرمح مثل البدر في ليلة البدر

أأنسى السبايا من بنات محمد *** يهتكن من بعد الصيانة والحذر

ص: 118

الأمير محمد السوسي

الأمير ابو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن عبد العزيز بن محمد السوسي توفي في حدود سنة 370 ودفن بحلب. كان فاضلا أديبا كاتبا بحلب وسافر الى فارس ثم عاد الى محله.

ذكره ابن شهر اشوب في معالم العلماء في شعراء اهل البيت المجاهرين ويطلق هذا اللقب على أحمد بن يحيى بن مالك الهمداني ذكره الشيخ القمي في ( الكنى والألقاب ) فقال : كان كوفي الأصل ، سكن سر من رأى وحدّث بها ، أخذ عن جماعة كثيرة من المحدثين وروى عنه جمع منهم أبو حاتم الرازي الذي كتب عنه وسئل عنه فقال : صدوق توفي سنة 263. قال : وهو غير السوسي الذي مدح أهل البيت علیهم السلام ورثى الحسين ابن علي علیه السلام .

والسوسي نسبة الى السوس كورة باهواز فيها قبر دانيال علیه السلام ، معرب شوش ، وبلد بالمغرب ، وبلد آخر بالروم.

انتهى

ص: 119

سعيد بن هاشم الخالدي

اشارة

وحمائم نبهنني *** والليل داجي المشرقين

شبهتهن وقد بكي- *** -ن وما ذرفن دموع عين

بنساء آل محمد *** لما بكين على الحسين (1)

روها الأمين في أعيان الشيعة عن يتيمة الدهر للثعالبي.

ص: 120


1- وفي مقال للدكتور مصطفى جواد كتبه في العدد التاسع من مجلة ( البلاغ ) الكاظمية السنة الأولى. ان هذه الأبيات والتي بعدها لأبي بكر محمد بن أحمد بن حمدان المعروف ب- ( الخباز البلدي ) نسبة الى بلد من بلدان الجزيرة التي فوق الموصل وتسمى ايضا ( بلط ) وتعرف اليوم باسم تركي هو ( أسكي موصل ) اي الموصل العتيقة. كان الخباز البلدي أمّيا إلا أنه حفظ القرآن الكريم ، ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر والعماد الاصفهاني في خريدة القصر وذكره نصر اللّه ابن الأثير في المثل السائر ، وكان من حسنات بلده ، وشعره كله مُلح وتحف وغرر ولا تخلو مقطوعة له من معنى حسن أو مثل سائره ذكره القفطي في كتابه المذكور غير مرة وقال : وكان يتشيع ويتمثل في شعره بما يدل على مذهبه كقوله : وحمائم نبهني الابيات. وقوله جحدت ولاء مولانا الوصي الأبيات. أقول وروى له نتفاً شعرية عذبة . وقال الشيخ القمي في الكني والألقاب : محمد بن احمد بن الحسين البلدي الموصلي شيخ عالم فاضل اديب شاعر امامي كان من شعراء الصاحب بن عباد وقد ذكر شيخنا الحر العاملي رحمه اللّه في أمل الآمل بعض أشعاره .
ابو عثمان سعيد بن هاشم بن وعلة البصري العبدي ابو عثمان الخالدي الاصغر :

توفي سنة 371 الخالدي نسبة الى الخالدية قرية من قرى الموصل ، والعبدي نسبة الى قبيلة عبد القيس المنتهى نسبه اليهم وكأنه ورث التشيع عنهم ، وفي معجم الادباء اسماه سعد. والصحيح سعيد كان هو واخوه ابو بكر (1) اديبي البصرة وشاعريها في وقتهما ، وكان بينهما وبين السري الرفاء الموصلي ما يكون بين المتعاصر من التغاير والتضاغن فكان يدعى عليهما بسرقة شعره وشعر غيره. في اليتيمة : كان يتشيع ويتمثل في شعره بما يدل على مذهبه كقوله :

انظر إلي بعين الصفح عن زللي *** لا تتركنيّ من ذنبي على وجل

موتي وهجرك مقرونان في قرن *** فكيف أهجر مَن في هجره أجلي

وليس لي أمل إلا وصالكم *** فكيف أقطع مَن في وصله أملي

هذا فوادي لم يملكه غيركم *** إلا الوصي أمير المؤمنين علي

ومن شعره :

جحدت ولاء مولانا علي *** وقدّمت الدعي على الوصي

متى ما قلّت إن السيف أمضى *** من اللحظات في قلب الشجي

لقد فعلت جفونك في البرايا *** كفعل يزيد في آل النبي (2)

ص: 121


1- ابو بكر اسمه محمد بن هاشم بن وعلة بن عرام بن يزيد بن عبد اللّه منبّه بن يتربي بن عبد السلام بن خالد بن عبد منبّه من بني عبد القيس ، وتأتي ترجمته في هذا الجزء.
2- اعيان الشيعة عن اليتيمة للتعالبي.

وله :

أنا ان رمت سُلوّاً *** عنك يا قرّة عيني

كنت في الاثم كمن شا *** رك في قتل الحسين

لك صولات على قل- *** -بي بقدٍّ كالرديني

مثل صولات علي *** يوم بدر وحنين (1)

وله :

أنا في قبضة الغرام رهين *** بين سيفين أرهفا ورديني

فكأن الهوى فتى علويّ *** ظن أني وليت قتل الحسين

وكأني يزيد بين يديه *** فهو يختار أوجع القتلتين

وله :

تظن بأنني أهوى حبيبا *** سواك على القطيعة والبعاد

جحدت اذاً موالاتي عليا *** وقلت بأنني مولى زياد

وترجمه السيد الأمين في الأعيان وذكر له شعرا كثيرا وكله من النوع العالي وذكر له النويري في نهاية الأدب قوله :

يا هذه إن رحتُ في *** خَلَق فما في ذاك عار

هذي المَدام هي الحيا *** ة قميصها خَرق وقار

ومن شعره ما رواه الحموي في معجم الادباء :

هتف الصبح بالدجى فاسقنيها *** قهوةً تترك الحليم سفيها

لست تدري لرقةٍ وصفاءٍ *** هي في كاسها أم الكاس فيها

وقال :

أما ترى الغيم يا من قلبه قاسيٍ *** كأنه أنا مقياسا بمقياس

قطرُ كدمعي وبرقُ مثل نار جويً *** في القلب مني وريحُ مثل أنفاسي

ص: 122


1- أعيان الشيعة عن اليتيمة للثعالبي.

الأمير تميم بن الخليفة

الأمير ابو علي تميم بن الخليفة المعز لدين اللّه مسعد بن اسماعيل الفاطمي :

نأت بعد ما بان العزاء سعادُ *** فحشو جفون المقلتين سهادُ

فليت فؤادي للظعائن مربع *** وليت دموعي للخليط مزاد

نأوا بعدما القت مكائدها النوى *** وقرّت بهم دار وصحّ وداد

وقد تؤمن الأحداث من حيث تتقى *** ويبعد نجح الأمر حسين يُراد

أعاذل لي عن فسحة الصبر مذهب *** وللهو غيري مألف ومصاد

ثوت لي أسلاف كرام بكربلا *** همُ لثغور المسلمين سِداد

اصابتهم من عبد شمس عداوة *** وعاجلهم بالناكثين حصاد

فكيف يلذّ العيش عفوا وقد سطا *** وجار على آل النبي زياد (1)

وقتلهم بغيا عُبَيد وكادهم *** يزيد بأنواع الشقاق فبادوا

بثارات بدر قاتلوهم ومكةٍ *** وكادوهم والحق ليس يكاد

فحكمت الأسياف فيهم وسُلّطت *** عليهم رماح للنفاق حداد

فكم كربةٍ في كربلاءَ شديدة *** دهاهم بها للناكثين كياد (2)

ص: 123


1- 1 يريد به زياد بن ابيه والد عبيد اللّه بن زياد الذي ارسل الجيوش لمحاربة الحسين علیه السلام .
2- الكياد : المكايدة مصدر كايد.

تحكّم فيهم كل أنوك جاهل *** ويُغزون غزواً ليس فيه محاد

كأنهم ارتدّوا ارتداد امية *** وحادوا كما حادت ثمود وعاد

ألم تُعظِموا يا قوم رهط نبيكم *** أما لكم يوم النشور معاد

تداس بأقدام العصاة جسومهم *** وتدرسهم جُرد هناك جياد (1)

تضيمهم بالقتل أمة جدهم *** سفاها وعن ماء الفرات تذاد

فماتوا عطاشى صابرين على الوغى *** ولم يجبنوا بل جالدوا فأجادوا

ولم يقبلوا حكم الدعي (2) لأنهم *** تساما وسادوا في المهود وقادوا

ولكنم ماتوا كراما أعزة *** وعاش بهم قبل الممات عباد

وكم بأعالي كربلا من حفائر *** بها جُثتُ الأبرار ليس تعاد

بها من بني الزهراء كل سَميدعٍ *** جواد اذا أعيا الأنام جواد

معفرة في ذلك الترب منهم *** وجوه بها كان النجاح يفاد

فلهفي على قتل الحسين ومسلم *** وخزي لمن عاداهما وبعاد

ولهفي على زيد وبَثّاً مُرددا *** إذا حان من بثّ الكئيب نفاد

الاكبد تفنى عليهم صبابة *** فيقطر حزنا أو يذوب فؤاد

ألا مُقلة تهمي ألا أذن تعي *** أكل قلوب العالمين جماد

تُقاد دماء المارقين ولا أرى *** دماءَ بني بيت النبي تُقاد

أليس هم الهادون والعترة التي *** بها انجاب شرك واضمحل فساد

تساق على الارغام قسراً نساؤهم *** سبايا الى ارض الشام تقاد

يُسقنَ الى دار اللعين صوغرا *** كما سيق في عصف الراح جراد

كأنهم فيء النصارى وإنهم *** لأكرم من قد عزّ منه قياد

يعز على الزهراء ذلّة زينب *** وقتلُ حسين والقلوب شداد

وقرع يزيد بالقضيب لسنّه *** لقد مجسوا (3) أهل الشام وهادوا

ص: 124


1- يعني بذلك رضّ جسد الحسين علیه السلام بحوافر الخيول.
2- يعنى به ابن زياد الذي لا يعرف لابيه أب.
3- مجسوا : دخلوا المجوسية. وهادوا : دخلوا اليهودية.

قتلتم بني الإيمان والوحي والهدى *** متى صح منكم في الإله مراد

ولم تقتلوهم بل قتلتم هداكم *** بهم ونقصتم عند ذاك وزادوا

أمية ما زلتم لأبناء هاشم *** عِدى فاملأوا طرق النفاق وعادوا

إلى كم وقد لاحت براهين فضلهم *** عليكم نِفار منهم وعناد

متى قط أضحى عبد شمس كهاشم *** لقد قل انصاف وطال شِراد (1)

متى وُزنت صمّ الحجار بجوهر *** متى شارفت شم الجبال هاد

متى بعث الرحمن منكم كجدهم *** نبيا علت للحق منه زناد

متى كان يوما صخركم كعليهم *** إذا عدّ إيمان وعدّ جهاد

متى أصبحت هند كفاطمة الرضى *** متى قيس بالصبح المنير سواد

أآل رسول اللّه سؤتم وكدتم *** ستجنى عليكم ذلة وكساد

أليس رسول اللّه فيهم خصيمكم *** إذا اشتد إبعاد وأرمل (2) زاد

بكم أم بهم جاء القرآن مبشرا *** بكم أم بهم دين الإله يشاد

سأبكيكم يا سادتي بمدامع *** غزار وحزن ليس عنه رقاد

وإن لم أعاد عبد شمس عليكم *** فلا اتسعت بي ما حييتُ بلاد

وأطلبهم حتى يروحوا ومالهم *** على الأرض من طول القرار مهاد

سقى حُفرا وارتكم وحوتكم *** من المستهلات العذاب عهاد

ص: 125


1- الشراد : النفور.
2- أرمل : نفد.
الأمير ابو علي تميم بن الخليفة المعز لدين اللّه معد بن اسماعيل الفاطمي :

قال السيد الأمين في الأعيان ج 14 ص 308 :

اديب شاعر من بيت الملك في ابان عزه ومجده ذكره صاحب اليتيمة ولم يذكر من أحواله شيئا سوى أشعار له أوردها وقالت مجلة الرسالة المصرية عدد 331 من السنة السابعة هو كما يعرف الأدباء امير شعراء مصر في العصر الفاطمي ويمكننا القول بان تميما هذا كان مبدأ حياة خصيبة عامرة نشأ في وقت واحد مع القاهرة وكان الشعر في مصر بما تعلمه من الضعف والقلة والندرة أقوى وروى له بعض أشعاره التي نظمها سنة 374 ه- وشعره الذي يمدح به اخاه الخليفة العزيز باللّه الفاطمي اكثره بل جلّه في ديوانه المطبوع بمطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة قال ابن خلكان : وكانت وفاته في ذي القعدة سنة اربع وسبعين وثلثمائة بمصر رحمه اللّه تعالى ودفن بالحجرة التي فيها قبر ابيه المعز.

وقال في الغزل :

لا والمضرّج ثوبُه *** في كربلاء من الدماء

لا والوصي وزوجه *** وبنيه اصحاب الكساء

أولا فإني للعُصا *** ة الغاصبين الادعياء

ما حُلت ياذات اللَمى *** عما عهدتِ من الوفاء

ها فانظريني سابحا *** في الدمع من طول البكاء

ص: 126

وضعي يديك على فؤادٍ *** قد تهيأ للفناء

قالت : تلطف شاعر *** لسنٍ وخدعة ذي ذكاء

امسك عليك فقد تقنّع *** منك وجهي بالحياء

واعبث بما في العقد مني ، *** لا بما تحت الردءا

إن الرجال اذا شكوا *** لعبوا باخلاق النساء

ومن شعره :

اما والذي لا يملك الامر غيره *** ومن هو بالسر المكتم أعلم

لئن كان كتمان المصائب مؤلما *** لأعلانها عندي اشدّ وآلم

وبي كل ما يبكي العيون أفلّه *** وإن كنت منه دائما اتبسم

وقال معارضا قصيدة عبد اللّه بن المعتز التي أولها :

ألا مَن لنفسي وأوصابها *** ومن لدموعي وتسكابها

أقول وقصيدة شاعرنا المترجم له طويلة فمنها :

ألا قل لمن ضل من هاشم *** ورام اللحوق بأربابها

أأوساطها مثل أطرافها *** أأرؤسها مثل أذنابها

أعباسها كأبي حربها *** علي وقاتل نصّابها

وأولها مؤمنا بالإله *** وأول هادم أنصابها

بني هاشم قد تعاميتم *** فخلّوا المعالي لأصحابها

أعباسكم كان سيف النبي *** إذا أبدت الحرب عن نابها

أعباسكم كان في بَدره *** يذود الكتائب عن غابها

أعباسكم قاتل المشركين *** جهارا ومالك أسلابها

أعباسكم كوصيّ النبي *** ومُعطى الرغاب لطلابها

أعباسكم شرح المشكلات *** وفَتّح مُقفَل أبوابها

عجبتُ لمرتكب بغيه *** غوىً المقالة كذّابها

ص: 127

يقول فينظم زور الكلام *** ويحكم تنميقَ إذهابا

( لكم حرمة يا بني بنته *** ولكن بنو العم أولى بها )

وكيف يحوز سهامَ البنين *** بنو العمّ أُفٍّ لغصّابها

بذا أنزل اللّه آي القرآن *** أتعمَون عن نص إسهابها

لقد جار في القول عبد الإله *** وقاس المطايا بركتابها

ونحن لبسنا ثياب النبي *** وأنتم جذَبتم بهدّابها

ونحن بنوه ووُرّاثه *** وأهل الوراثة اولى بها

وفينا الامامة لا فيكم *** ونحن أحقّ بجلبابها

ومن لكم يا بني عمّه *** بمثل البتول وأنجابها

وما لكم كوصيّ النبي *** أبٌ فتراموا بنشّابها

ألسنا لُباب بني هاشم *** وساداتكم عند نُسّابها

ألسنا سبقنا لغاياتها *** ألسنا ذهبنا بأحسابها

بنا صُلتم وبنا طُللتم *** وليس الولاة ككتّابها

ولا تَسفَهوا أنفساً بالكذاب *** فذاك أشد لإتعابها

فأنتم كلحن قوافي الفَخار *** ونحن غدونا كإعرابها

وله قصيدة اخرى يردّ بها على ابن المعتز في تفضيله العباسيين على العلويين أولها :

جادك الغيث من محلّة دارِ *** وثوى فيكِ كل غادٍ وسارِ

ومنها :

يا بني هاشم ولسنا سواء *** في صغار من العلا أو كبار

ان نكن ننتمي لجدٍ فإنا *** قد سبقناكم لكل فخار

ليس عباسكم كمثل علي *** هل تقاس النجوم بالاقمار

مَن له قال انت مني كهارون *** وموسى اكرم به من نجار

ص: 128

ثم يوم الغدير ما قد علمتم *** خصّة دون سائر الحضّار

مَن له قال : لا فتى كعلي *** لا ولا منصل سوى ذي الفقار

وبمن باهل النبي أأنتم *** جُهلاء بواضح الاخبار

يا بني عمنا ظلمتم وطرتم *** عن سبيل الانصاف كل مطار

كيف تحوون بالاكف مكانا *** لم تنالوا رؤياه بالابصار

مَن توطّا الفراش يخلف فيه *** احمداً وهو نحوَ يثرب سار

واسألوا يوم خيبر واسألوا *** مكة عن كرّه على الفجّار

واسألوا يوم بدرَ مَن فارس *** الاسلام فيه وطالبُ الاوتار

اسألوا كل غزوة لرسول *** اللّه عمن أغار كل مُغار

ص: 129

علي بن أحمد الجرجاني الجوهري

اشارة

علي بن أحمد الجرجاني الجوهري (1)

وجدي بكوفان ما وجدي بكوفان *** تهمي عليه ضلوعي قبل أجفاني

أرض اذا نفحت ريح العراق بها *** أتت بشاشتها أقصى خراسان

ومن قتيل بأعلى كربلاء على *** جهل الصدى فتراه غير صديان

وذي صفائح يستسقي البقيع به *** ريّ الجوانح من روحٍ ورضوان

هذا قسيم رسول اللّه من آدم *** قُدّا معاً مثلما قدّ الشرا كان

وذاك سبطا رسول اللّه جدهما *** وجه الهدى وهما في الوجه عينان

وآخجلتا من أبيهم يوم يشهدهم *** مضرجين نشاوى من دم قان

يقول يا أمة حف الضلال بها *** فاستبدلت للعمى كفراً بايمان

ماذا جنيت عليكم إذ أتيتكم *** بخير ما جاء من آي وفرقان

ألم أجركم وأنتم في ضلالتكم *** على شفا حفرة من حر نيران

ألم أؤلف قلوبا منكم فرقا *** مثارة بين أحقاد وأضغان

أما تركت كتاب اللّه بينكم *** وآيه الغر في جمع وقرآن

ألم أكن فيكم غوثا لمضطهد *** ألم أكن فيكم ماء لظمآن

قتلتم ولدي صبرا على ظمأ *** هذا وترجون عند الحوض إحساني

سبيتم ثكلتكم أمهاتكم *** بني البتول وهم لحمي وجثماني

ص: 130


1- ترجمه صاحب ( رياض العلماء ) ووصف فضله وشعره.

يا رب خَذ لي منهم إذ هم ظلموا *** كرام رهطي وراموا هدم بنياني

ماذا تجيبون والزهراء خصمكم *** والحاكم اللّه للمظلوم والراني

أهل الكساء صلاة اللّه نازلة *** عليكم الدهر من مثنى ووحدان

أنتم نجوم بني حواء ما طلعت *** شمس النهار وما لاح السماكان

هذي حقائق لفظ كلما برقت *** ردّت بلألائها أبصار عميان

هي الحُلى لبنى طه وعترتهم *** هي الردى لبنى حرب ومروان

هي الجواهر جاء الجوهري بها *** محبة لكم من أرض جرجان (1)

وقال يرثي الحسين علیه السلام :

يا أهل عاشور يا لهفي على الدين *** خذوا حدادكم يا آل ياسين

اليوم شقق جيب الدين وانتهبت *** بنات أحمد نهب الروم والصين

اليوم قام بأعلى الطف نادبهم *** يقول مَن ليتيم أو لمسكين

اليوم خضّب جيب المصطفى بدم *** أمسى عبير نحور الحور والعين

اليوم خرّ نجوم الفخر من مصر *** وطاح بالخيل ساحات الميادين

اليوم اطفئ نور اللّه متقدا *** وبرقعت عزة الاسلام بالهون

اليوم نال بنو حرب طوائلهم *** مما صلوه ببدر ثم صفين

يا أمة ولي الشيطان رايتها *** ومكَن الغي منها كل تمكين

ما المرتضى وبنوه من معوبة *** ولا الفواطم من هند وميسون

يا عين لا تدعي شيئا لغادية *** تهمي ولا تدعي دمعا لمحزون

قومي على جدث بالطف فانتقضي *** بكل لؤلؤ دمع فيك مكنون

يا آل أحمد إن الجوهري لكم *** سيف يقطّع عنكم كل موصون

ذكرها الخوارزمي في مقتله ، وابن شهر اشوب في مناقبه ، والعلامة المجلسي في العاشر من البحار.

ص: 131


1- عن أعيان الشيعة ج 41 ص 41.
أبو الحسن علي بن احمد الجرجاني المعروف بالجوهري :

توفي في حدود سنة 380. عن رياض العلماء إنه كان شاعراً اديبا مشهورا ، وهو صاحب القصائد الفاخرة الكثيرة في مناقب أهل البيت ومصائب شهدائهم.

كان من صنايع الوزير الصاحب بن عباد وندمائه وشعرائه ، تعاطى صناعة الشعر في ريعان من عمره جزاه اللّه خير جزاء المحسنين.

ص: 132

الصاحب اسماعيل بن عباد

اشارة

عين جودي على الشهيد القتيل *** واتركي الخد كالمحل المحيل

كيف يشفي البكاء في قتل مولا *** ي امام التنزيل والتأويل

ولو انّ البحار صارت دموعي *** ما كفتني لمسلم بن عقيل

قاتلوا اللّه والنبي ومولا *** هم عليا إذ قاتلوا ابن الرسول

صرعوا حوله كواكب دجن *** قتلوا حوله ضراغمَ غيل

اخوة كل واحد منهم لي- *** -ث عرين وحدّ سيفٍ صقيل

أو سمعوهم طعنا وضربا ونحرا *** وانتهابا ياضلًة متن سبيل

والحسين الممنوع شربة ماء *** بين حر الظبى وحر الغليل

مثكل بابنه وقد ضمّه وه- *** -و غريق من الدماء الهمول

فجمعوه من بعده برضيعٍ *** هل سمعتم بمرضعٍ مقتول

ثم لم يشفهم سوى قتل نفس *** هي نفس التكبير والتهليل

هي نفس الحسين نفس رسول ال- *** -له نفس الوصي نفس البتول

ذبحوه ذبحَ الأضاحي فيا قل- *** -ب تصدّع على العزيز الذليل

وطأوا جسمه وقد قطّعوه *** ويلهم من عقاب يوم وبيل

أخذوا رأسه وقد بضّعوه *** إن سميَ الكفار في تضليل

نصبوه على القنا فدمائي *** لا دموعي تسيل كلّ مسيل

ص: 133

واستباحوا بنات فاطمة الزه- *** -راء لمّا صرخن حول القتيل

حملوهن قد كشفن على الاق- *** -تاب سبياً بالعنف والتهويل

يا لكربٍ بكربلاء عظيم *** ولرزء على النبي ثقيل

كم بكى جبرئيل ممّا دهاه *** في بنيه صلّوا على جبرئيل

سوف تأتي الزهراء تلتمس الحك- *** -م اذا حان محشر التعديل

وأبوها وبعلها وبنوها *** حولها والخصام غير قليل

وتنادي يا رب ذبّح أولا *** دي لماذا وأنت خير مديل

فينادى بمالك ألهب النا *** ر وأجّج وخذ بأهل الغلول

( ويجازى كل بما كان منه *** من عقاب التخليد والتنكيل )

يا بني المصطفى بكيت وابكي- *** -ت ونفسي لم تأت بعد بسولي

ليت روحي ذابت دموعا فأبكي *** للذي نالكم من التذليل

فولائي لكم عتادي وزادي *** يوم القاكم على سلسبيل

لي فيكم مدائح ومراث *** حفظت حفظ محكم التنزيل

قد كفاني في الشرق والغرب فخرا *** أن يقولوا : من قيل اسماعيل

ومتى كادني النواصب فيكم *** حسبي اللّه وهو خير وكيل (1)

الصاحب بن عباد :

حدق الحسان (2) رمينني بتململ *** وأخذن قلبي في الرعيل الأول

غادرنني والى التفزع مفزعي *** وتركنني وعلى العوبل معوّلي

لو أن ما ألقاه حمّل يذبلا *** قد كان يذبل منه ركنا يذبل

مازلت أرعى الليل رعي موكل *** حتى رأيت نجمه يبكين لي

فحسبتها زهرات روض ضاحك *** [ مبتسم ] قد القيت في جدول

ص: 134


1- عن ديوان الصاحب بن عباد ص 261.
2- ذكر العلامة المجلسي في المجلد العاشر من ( بحار الأنوار ) بعضها وقال : هي من قصيدة طويلة.

ينقض لامعها فتحسب كاتباً *** قد مد سطراً مذهباً بتعجّل

ويغيب طالعها كدر قد وهى *** من سلك غانية مشت بتدلل

حتى إذا ما الصبح أنفذ رسله *** أبدت شجون تفرّق وترحّل

والفجر من رأد الضياء كأنه *** سعدى وقد برزت لنا بتبذل

ومضى الظلام يجر ذيل عبوسه *** فأتى الضياء بوجهه المتهلل

وبدا لنا ترس من الذهب الذي *** لم ينتزع من معدنٍ بتعمل

مرآة نور لم تُشَن بصياغة *** كلا ولا جليت بكف الصيقل

تسمو الى كبد السماء كأنها *** تبغي هناك دفاع كرب معضل

حتى اذا بلغت الى حيث انتهت *** وقفت كوقفة سائل عن منزلِ

ثم انثنت تبغي الحدورَ كأنها *** طير أسفّ مخافةً من أجدلِ

حتى اذا ما الليل كرّ ببأسه *** في جحفل قد أتبعوه بجحفل

طرب الصديق الى الصديق وأبرزت *** كأس الرحيق ولم يخف من عذّل

فالعود يُصلح والحناجر تجتلى *** والدر يُخرز من صراح المبزل

والعين تومئ والحواجب تنتجي *** والعتب يظهر عطنه في أنمل

والأذن تقضي ماتريد وتشتهي *** من طفلة مع عودها كالمطفل

إن شئت مرّت في طريقة معبدٍ *** أو شئت مرت في طريقة زلزل

تغنيك عن إبداع بدعة حسن ما *** وصلت طرائقه بفنّ الموصلي

فالروض بين مسهّم ومدبّج *** ومفوّفٍ ومجزّعٍ ومهلّل

والطير ألسنة الغصون وقد شدت *** ليطيب لي شرب المدام السلسل

من حُمّرٍ أو عندليب مطربٍ *** أو زُرزرٍ أو تدرجٍ أو بلبل

فأخذتها عاديّةً غيليّةً *** تجلى علَيّ كمثل عين الأشهل

قد كان ذاك وفي الصبا متنفّس *** والدهر أعمى ليس يعرف معقلي

حتى اذا خط المشيب بعارضي *** خط الانابة رمتها بتبتل

وجعلت تكفير الذنوب مدائحي *** في سادة آل النبي المرسل

في سادةٍ حازوا المفاخر قادةٍ *** ورقوا الفخار بمقولٍ وبمنصُل

ص: 135

وتشدّد يوم الوغى وتشرُّرٍ *** وتفضل يوم الندى وتسهل

وتقدّم في العلم غير محلأٍ *** وتحقق بالعلم غير محلحل

وعبادة ما نال عبد مثلها *** لأداءِ - فرضٍ أو أداء تنفّل

هل كالوصيّ مقارع في مجمع *** هل كالوصي منازع في محفل

شَهَرَ الحسامَ لحسم داءٍ معضل *** وحمى الجيوش كمثل ليل أليل

لمّا أتوا بدراً أتاه مبادرا *** يسخو بمهجة محربٍ متأصل

كم باسل قدردّه وعليه من *** دمه رداء أحمر لم يصقل

كم ضربة من كفّه في قرنه *** قد خيل جري دمائها من جدول

كم حملة وآلى على أعدائه *** ترمي الجبال بوقعها بتزلزل

هذا الجهاد وما يطيق بجهده *** خصم دفاع وضوحه بتأوّل

يا مرحبا اذ ظل يردي مرحباً *** والجيش بين مكبّر ومهلّل

واذا انثنيت الى العلوم رأيته *** قرم القروم يفوق كل البزّل

ويقوم بالتنزيل والتأويل لا *** تعدوه نكتة واضح أو مشكل

لولا فتاويه التي نجّتهم *** لتهالكوا بتعسّف وتجهّل

لم يسأل الأقوام عن أمرٍ وكم *** سألوه مدرّعين ثوب تذلّل

كان الرسول مدينةً هو بابها *** لو أثبت النصّاب قول المرسل

[ قد كان كرّارا فسُمّي غيره *** في الوقت فرّارا فهل من معدل ]

هذي صدورهم لبغض المصطفى *** تغلي على الأهلين غلي المرجل

نصبت حقودهم حروبا أدرجت *** آل النبي على الخطوب النزّل

حلّوا وقد عقدوا كما نكثوا وقد *** عهدوا فقل في نكث باغ مبطل

وافوا يخبرنا بضعف عقولهم *** أن المدبر ثَمّ ربةُ محملِ

هل صيّر اللّه النساء أئمة *** يا أمة مثل النّعام المهمل

دبت عقاربهم لصنو نبيهم *** فاغتاله أشقى الورى بتختّل

أجروا دماء أخي النبي محمد *** فلتجرِ غرب دموعها ولتهمِل

ولتصدر اللعنات غير مزالةٍ *** لعداه من ماض ومن مستقبل

ص: 136

لم تشفهم من أحمد أفعالهم *** بوصيّه الطهر الزكي المفضل

فتجرّدوا لبنيه ثم بناته *** بعظائم فاسمع حديث المقتل

منعوا حسينَ الماء وهو مجاهد *** في كربلاء فنح كنوح المعولِ

منعوه أعذب منهل وكذا غداً *** يردون في النيران أوخم منهل

يسقون غسليناً ويحشر جمعهم *** حشراً متيناً في العقاب المجمل

أيحزّ رأس ابن الرسول وفي الورى *** حيّ أمام ركابه لم يقتل

تسبى بنات محمد حتى كأنّ *** محمدا وافى بملّة هرقلِ

وبنوا السفاح تحكموا في أهل حيّ *** على الفلاح بفرصة وتعجّل

نكت الدعيّ ابن البغي ضواحكا *** هي للنبيّ الخير خيرُ مقبّل

تمضي بنو هند سيوف الهند في *** أوداج أولاد النبيّ وتعتلي

ناحت ملائكة السماء عليهم *** وبكوا وقد سقّوا كؤوس الذبّل

فأرى البكاء مدى الزمان محللا *** والضحك بعد السبط غير محلّل

قد قلت للأحزان : دومي هكذا *** وتنزّلي بالقلب لا تترحّلي

يا شيعة الهادينَ لا تتأسّفي *** وثقي بحبل اللّه لا تتعجلي

فعداً ترون الناصبين ودارهم *** قعر الجحيم من الطباق الأسفل

وتنعمون مع النبي وآله *** في جنة الفردوس أكرم موئل

هذي القلائد كالخرائد تجتلى *** في وصف علياء النبي وفي علي

لقريحةٍ عدليّةٍ شيعيةٍ *** أزرت بشعر مزرّد ومهلهل

ما شاقها لما أقمت وزانها *** أن لم تكن للأعشيين وجرول

رام ابن عبادٍ بها قربًي الى *** ساداته فأتت بحسن مكمل

ما ينكر المعنى الذي قصدت له *** إلا الذي وافى لعدة أفحل

وعليك يا مكيّ حسنُ نشيدها *** حتى تحوزَ كمالَ عيش مقبل (1)

ص: 137


1- عن ديوان الصاحب بن عباد ص 85.
وقال رحمه اللّه :

ما بال عَلوى لا ترد جوابي *** هذا وما ودعت شرخ شبابي

أتظن أثواب الشباب بلمتي *** دَورَ الخضابِ فما عرفت خضابي

أوَ لَمّ ترَ الدنيا تطيع أوامري *** والدهر يلزمُ - كيف شئت - جنابي

والعيش غَض والمسارح جمّة *** والهمّ اقسم لا يَطور ببابي

وولاء آل محمد قد خيرَ لي *** والعدل والتوحيد قد سعدا بي

من بعد ما استدّت مطالب طالب *** باب الرشاد الى هدىً وصواب

عاودت عرصة أصبهان وجهلُها *** ثبت القواعد محكمُ الأطناب

والجبر والتشبيه قد جثما بها *** والدين فيها مذهب النصّاب

فكففتهم دهراً وقد فقّهتهم *** الا أراذل من ذوي الأذناب

ورويتُ من فضل النبيّ وآله *** ما لا يبقي شبهة المرتاب

وذكرت ما خصّ النبي بفضله *** من مفخر الاعمال والانساب

وذر الذي كانت تعرف داءه *** انّ الشفاء له استماع خطابي

يا آل احمد انتم حرزي الذي *** أمِنَت به نفسي من الأوصاب

أُسعدت بالدنيا وقد واليتكم *** وكذا يكون مع السعود مأبي

انتم سراج اللّه في ظلم الدجى *** وحسامه في كل يوم ضراب

ونجومه الزهر التي تهدي الورى *** وليوثه إن غابَ ليثُ الغابِ

لا يرتجى دين خلا من حبّكم *** هل يرتجى مَطُر بغير سحاب

أنتم يمين اللّه في أمصاره *** لو يعرف النصّاب رجع جواب

تركوا الشراب وقد شكوا غلل الصدى *** وتعلّلوا جهلا بلمع سراب

لم يعلموا أن الهوى يهوي بمن *** ترك العقيدة ربة الانساب

لم يعلموا أن الوصيّ هو الذي *** غَلَبَ الخضارم كلّ يوم غلاب

لم يعلموا أن الوصيّ هو الذي *** آخى النبي اخوّة الانجاب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** سبق الجميع بسنّةٍ وكتاب

ص: 138

لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي *** لم يرضَ بالاصنام والانصاب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** آتى الزكاة وكان في المحراب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** حَكمَ الغدير له على الأصحاب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** قد سام أهل الشرك سوم عذاب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** أزرى ببدر كل أصيد آبي

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** ترك الضلال مغلّل الأنياب

ما لي أقصّ فضائل البحر الذي *** علياه تسبقُ عدّ كلّ حساب

لكنّني متروّح بيسير ما *** أُبديه أرجو أن يزيدَ ثوابي

وأريد اكمادَ النواصب كلّما *** سمعوا كلامي وهو صوت رباب

يحلو اذا الشيعيّ ردّد ذكره *** لكن على النصّاب مثل الصاب

مدح كأيام الشباب جعلتها *** دأبي وهُنّ عقائد الآداب

حُبّي أمير المؤمنين ديانة *** ظهرت عليه سرائري وثيابي

أدّت اليه بصائر أعملتها *** اعمال مرضيّ اليقين عقابي

لم يعبث التقليد بي ومحبتي *** لعمارة الأسلاف والأحساب

يا كفؤ بنت محمد لولاك ما *** زفّت الى بشرٍ مدى الأحقاب

يا أصل عترة احمدٍ لولاك لم *** يك أحمد المبعوث ذا أعقاب

وأفئت بالحسنين خير ولادة *** قد ضمنت بحقائق الأنجاب

كان النبي مدينة العلم التي *** حوت الكمال وكنت أفضل باب

ردّت عليك الشمس وهي فضيلة *** بَهَرت فلم تستر بلفّ نقاب

لم أحك إلا ما روته نواصب *** عادتك وهي مباحة الأسلاب

عوملتَ يا صنو النبي وتلوه *** بأوابد جاءت بكل عجاب

عوهدتَ ثم نكثت وانفرد الألى *** نكصوا بحربهم على الأعقاب

حوربتَ ثم قتلتَ ثم لعنت يا *** بعداً لأجمعهم وطول تَباب

أيشك في لعني أمية إنها *** نفرت على الاصرار والاضباب (1)

ص: 139


1- وفي نسخة : جارت على الاحرار والاطياب.

قد لقبوكَ يا أبا ترابٍ بعدما *** باعوا شريعتهم بكفّ تراب

قتلوا الحسين فيا لعولي بعده *** ولطول نوحي أو أصير لما بي

وهم الألى منعوه بلّة غُلةٍ *** والحتف يخطبه مع الخطّاب

أودى به وباخوةٍ غُرّ غدت *** أرواحهم شَوراً بكفّ نهاب

وسبوا بنات محمد فكأنهم *** طلبوا دخول الفتح والأحزاب

رفقا ففي يوم القيامة غنية *** والنار باطشة بسوط عقاب

ومحمد ووصيّه وابناه قد *** نهضوا بحكمِ القاهر الغلاب

فهناك عضّ الظالمون أكفّهم *** والنار تلقاهم بغير حجاب

ما كفّ طبعي عن إطالة هذه *** مَلَل ولا عجز عن الاسهاب

كلا ولا لقصور علياكم عن الا *** كثارِ والتطويل والاطناب

لكن خشيت على الرواة سأمةً *** فقصدت ايجازاً على اهذاب

كم سامع هذا سليم عقيدة *** صدق التشيع من ذوي الألباب

يدعو لقائلها بأخلص نيّة *** متخشّعا للواحد الوهّاب

ومناصب فارت مراجل غيظه *** حنقاً عليّ ولا يطيق معابي

ومقابل ليَ بالجميل تصنّعا *** وفؤاده كره على ظَبظاب

انّ ابن عبّادٍ بآل محمد *** يرجو (1) برغم الناصب الكذّاب

فاليك يا كوفيّ أنشِد هذه *** مثلَ الشباب وجودَةِ الأحباب (2)

وقال :

بلغت نفسي مناها *** بالموالي آل طه

برسول اللّه من حا *** ز المعالي وحواها

وأخيه خير نفس *** شرّف اللّه بناها

ص: 140


1- لعله : يزجو او ينجو.
2- عن الديوان.

وببنتِ المصطفى مَن *** أشبهت فضلا أباها

وبحب الحسن البا *** لغِ في العليا مداها

والحسين المرتضى يو *** م المساعي إذ حواها

ليس فيهم غير نجمٍ *** قد تعالى وتناهى

عترة أصبحت الدّن- *** -يا جميعا في ذراها

لا تُغرّوا حين صارت *** باغتصاب لعداها

أيها الحاسد تعسا *** لك إذ رمت قلاها

هل سناً مثل سناها *** هل عُلا مثل علاها

أو ليست صفوة اللّ- *** -ه على الخلق اصطفاها

وبراها إذ براها *** وعلى النجم ثراها

شجرات العلم طوبى *** للذي نال جناها

أيها الناصب سمعا *** أخذ القوس فتاها

استمع غرّ معال *** في قريضي مجتلاها

مَن كمولاي عليٍ *** في الوغى يحمي لظاها

وخُصى الأبطال قد لا *** صقن للخوف كلاها

مَن يصيد الصيد فيها *** بالظبي حين انتضاها

انتضاها ثم أمضا *** ها عليهم فارتضاها

من له في كل يوم *** وقفات لا تضاهى

كم وكم حرب عقام *** قد بالصمصام فاها

يا عذوليّ عليه *** رمتما مني سفاها

اذكرا أفعال بدر *** لست أبغي ما سواها

اذكرا غزوة أحد *** انه شمس ضحاها

[ اذكرا حرب حنينٍ *** انه بدر دجاها ]

اذكرا الأحزاب تعلم *** انه ليث شراها

اذكرا مهجة عمرو *** كيف أفناها تجاها

ص: 141

اذكرا أمر براة (1) *** واصدقاني من تلاها

اذكرا من زوج الزه- *** -راء كيما يتباهى

اذكرا لي بكرة الطي- *** -ر فقد طار سناها

اذكرا لي قلل العل- *** -م ومن حل ذراها

كم امور ذكراها *** وأمور نسياها

حاله حالة هارو *** ن لموسى فافهماها

ذكره في كتب الل- *** -ه دراها من دراها

أمّتا موسى وعيسى *** قد بلته فاسألاها

أعلى حب علي *** لامني القوم سفاها

لم يلج اذ انهم شع- *** -ريَ لا صمّ صداها (2)

أهملوا قرباه جهلا *** وتخطوا مقتضاها

نكثوه بعد أيما *** نٍ أغاروا من قواها

لعنوه لعنات *** لزمتهم بعراها

ومشوا في يوم خمٍ *** لا جلا اللّه عشاها

طلبوا الدنيا وقد أع- *** -رضَ عنها وجفاها

وهو لولا الدين لم يأ *** سف على مَن قد نفاها

واحتمى عنها ولو قد *** قام كلبُ فأدعاها

يا قسيم النار والجن- *** -ة لا تخشى اشتباها

ردّت الشمس عليه *** بعد ما فات سناها

وله كأس رسول ال- *** -له من شاء سقاها

أول الناس صلاة *** جعل التقوى حلاها

عرفَ التأويل لمّا *** أن جهلتم ما « طحاها »

ص: 142


1- براة : اي براءة. ويعني بها سورة براءة ، ولعل الأصوب ( براء ).
2- لعل المقصود : يا صم صداها.

ليس يحصى مأثرات *** قد حماها واعتماها

غير مَن [ قد ] وطأ الأر *** ض و [ من ] أحصى حصاها

ناجزته عصب البغ- *** -ي بأنواع بلاها

قتلته ثم لم تق- *** -نع بما كان شقاها

فتصدّت لبنيه *** بظباها ومداها

أردت الأكبَرَ بالسم *** وما كان كفاها

وانبرت تبغي حسينا *** وغزته وغزاها

وهي دنياً ليس تصفو *** لابن دينٍ مَشرعاها

ناوشته عطّشته *** جرأةً في ملتقاها

منعته شربةً والط- *** -ير قد أروت صداها

وأفاتت نفسه يا *** ليت روحي قد فداها

بنته تدعو أباها *** أخته تبكي أخاها

لو رأى أحمد ما كا *** ن دهاه ودهاها

ورأى زينب ولهى *** ورأى شمرا سباها

لشكا الحال الى الل- *** -ه وقد كان شكاها

والى اللّه سيأتي *** وهو أولى من جزاها

لعن اللّه ابن حربٍ *** لعنةً تكوي الجباها

أيها الشيعة لا أع- *** -ني بقولي مَن عداها

كنت في حالِ شكاةٍ *** أزعجتني بأذاها

كأس حمّاها سقتني *** عن حميّاها حماها

فتشفّيت بهذا ال- *** -مدحِ في الوقت ابتداها

فوحق اللّه انّ اللّه *** لم يثبت أذاها

وكفى نتفسي - لمّا *** تمّ شعري - ما عراها

أحمد اللّه كثيرا *** عزّ ذو العرش آلها

ثم ساداتي فإن ال- *** -قول يُلقى في ذراها

ص: 143

أيها الكوفيّ أنشد *** هذه واحلل حُباها

وابن عبّاد أبوها *** وإليه منتماها

طلب الجنة فيها *** لم يرد مالاً وجاها (1)

الصاحب بن عباد :

ما لعلي أشباه *** لا والذي لا اله الا هو

مبناه مبنى النبي تعرفه *** وأبناه عند التفاخر ابناه

لو طلب النجم ذات أخمصه *** علاه والفرقدان نعلاه

أما عرفتم سموّ منزله *** أما عرفتم عُلوّ مثواه

أما رأيتم محمدا حدبا *** عليه قد حاطه وربّاه

واختصه يافعا وآثره *** وأعتامه مخلصا وآخاه

زوّجه بضعة النبوة إذ *** رآه خير امرئ والقاه

يا بأبي السيد الحسين وقد *** جاهد في الدين يوم بلواه

يا بأبي أهله وقد قتلوا *** من حوله والعيون ترعاه

يا قبّح اللّه أمة خذلت *** سيّدها لا تريد مرضاه

يا لعن اللّه جيفة نجساً *** يقرع من بغضه ثناياه (2)

وقال الصاحب - كما في المناقب :

برئت من الارجاس رهط أمية *** لما صح عندي من قبيح غذائهم

ولعنتهم خير الوصيين جهرة *** لكفرهم المعدود في شر دائهم

وقتلهم السادات من آل هاشم *** وسبيهم عن جرأة لنسائهم

وذبحهم خير الرجال أرومة *** حسين العلى بالكرب في كربلائهم

ص: 144


1- عن الديوان.
2- عن اعيان الشيعة.

وتشتيتهم شمل النبي محمد *** لما ورثوا من بغضهم في فنائهم

وما غضبت إلا لأصنامها التي *** أديلت وهم أنصارها لشقائهم

أيا رب جنبني المكاره وأعف عن *** ذنوبي لما أخلصته من ولائهم

أيا رب أعدائي كثير فردّهم *** بغيظهم لا يظفروا بابتغائهم

أيا رب مَن كان النبي وآله *** وسائله لم يخش من غلوائهم

حسين توسل لي إلى اللّه إنني *** بليت بهم فادفع عظيم بلائهم

فكم قد دعوني رافضيا لحبكم *** فلم يثنني عنكم طويل عوائهم (1)

الصاحب بن عباد :

أبو القاسم كافي الكفاة اسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن حمد بن ادريس الديلمي الاصفهاني القزويني الطالقاني وزير مؤيد الدولة ثم فخر الدولة وأحد كتاب الدنيا الأربعة وقيل فيه والقائل أبو سعيد الرستمي.

ورث الوزارة كابراً عن كابر *** موصولة الأسناد بالاسناد

يروي عن العباس عبّاد وزا *** رته وإسماعيل عن عباد

ولد لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة 326 باصطخر فارس وتوفي ليلة الجمعة 24 من صفر سنة 385 بالري هكذا أرخ مولده ابن خلكان وياقوت في معجم الأدباء وشيّع في موكب مهيب مشى فيه فخر الدولة والقواد وحمل الى اصبهان ودفن هناك.

ولي الوزارة ثماني عشرة سنة وشهرا. عده ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين وله عشرة آلاف بيت في مدح آل رسول اللّه وقد نقش على خاتمه.

ص: 145


1- عن أعيان الشيعة ج 11 ص 465.

شفيع اسماعيل في الآخرة *** محمد والعترة الطاهرة

وقال : انا وجميع مَن فوق التراب *** فداء تراب نعل أبي تراب

وجاء في روضات الجنات أن أمويا وفد على الصاحب ورفع اليه رقعة فيها :

أيا صاحب الدنيا ويا ملك الارض *** أتاك كريم الناس في الطول والعرض

له نسب من آل حرب مؤثل *** مرائره لا تستميل الى النقض

فزوّده بالجدوى ودثّره بالعطا *** لتقضي حق الدين والشرف المحض

فلما تأملها الصاحب كتب في جوابها :

أنا رجل يرمونني الناس بالرفض *** فلا عاش حر بيّ يدب على الأرض

ذروني وآل المصطفى خيره الورى *** فإنّ لهم حبي كما لكم بغضي

ولو أن عضوي مال عن آل أحمد *** لشاهدت بعضي قد تبرأ من بعضي

ومن شعره في الأمام أمير المؤمنين علیه السلام :

أبا حسن لوكان حُبّك مدخلي *** جهنم كان الفوز عندي جحيمها

وكيف يخاف النار مَن هو موقن *** بأنك مولاه وأنت قسيمها

ومن شعره :

مواهب اللّه عندي جاوزت أملي *** وليس يبلغها قولي ولا عملي

لكنّ أشرفها عندي وأفضلها *** ولايتي لأمير المؤمنين علي

وألف الثعالبي ( يتيمة الدهر ) بأسمه لذاك تجد جل ما فيها مدحا له. كانت داره لا تخلو في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس تتناول طعام الافطار على مائدته.

ص: 146

ورثاه السيد الرضي بقصيدة لم يسمع اذن الزمان بمثلها وأولها :

أكذا المنون يقطر الابطالا *** أكذا الزمان يضعضع الاجبالا

قال ياقوت الحموي : مدح الصاحب خمسمائة شاعر من أرباب الدواوين. وقال ابن خلكان :

كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائلة ومكارمه وكرمه وكتب عنه الكتاب وألفوا فيه واخيرا كتب العلامة البحاثة الشيخ محمد حسن ياسين عنه ثم جمع ديوانه ونشر بعض رسائله فأفاد وأجاد. ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الادب من ذكر أحوال الصاحب بن عباد. ورثاه ابو سعيد الرستمى بقوله :

أبعدا بن عباد يهشّ الى السرى *** أخو أمل أو يسمّاح جواد

أبى اللّه إلا أن يموتا بموته *** فما لهما حتى المعاد معاد

ومن شعر الصاحب في ذلك قوله :

وكم شامت بي بعد موتي جاهلا *** يظل يسل السيف بعد وفاتي

ولو علم المسكين ماذا يناله *** من الظلم بعدي مات قبل مماتي

لم يكن للصاحب من الأولاد غير بنت ، زوّجها من الشريف ابي الحسين علي بن الحسين الحسني ، قال الداودي صاحب ( العمدة ) : صاهر الصاحب كافي الكفاة ، ابا الحسن علي بن الحسين الاطرش الرئيس بهمدان - من أهل العلم والفضل والأدب - على ابنته ، ينتهي نسبه الى الحسن السبط علیه السلام ، وكان الصاحب يفتخر بهذه الوصلة ويباهي بها ، ولما ولدت ابنة الصاحب من ابي الحسين ابنه عبادا ووصلت البشارة الى الصاحب قال :

أحمد اللّه لبشر *** جاءنا عند العشيّ

إذ حباني اللّه سبطا *** هو سبط للنبيّ

مرحباً ثَمت أهلا *** بغلام هاشميّ

ص: 147

وقال في ذلك قصيدة أولها :

الحمد لله حمدا دائما أبدا *** قد صار سبط رسول اللّه لي ولدا

وكان الصاحب على تعاظمه وعلوّ مكانه سهل الجانب لأخوانه ، فانه كان يقول لجلسائه : نحن بالنهار سلطان وبالليل اخوان.

وقال ابو منصور البيع : دخلت يوما على الصاحب فطاولته الحديث فلما ادرت القيام قلت : لعلي طوّلت. فقال : لا بل تطوّلت.

وقال العتبي : كتب بعض اصحاب الصاحب رقعة اليه في حاجة ، فوّقع فيها ولما ردت اليهم لم يجد وافيها توقيعا. وقد تواترت الاخبار بوقوع التوقيع فيها ، فعرضوها على ابي العباس الضبي فما زال يتصفحها حتى عثر بالتوقيق ، وهو ألف واحدة. وكان في الرقعة : فان رأى مولانا أن ينعم بكذا. فعل. فأثبت الصاحب أمام كلمة : فعل ( الفاً ) يعني : أفعل.

وفي كتاب خاص الخاص للثعالبي تحت عنوان : فيما يقارب الاعجاز من إيجاز البلغاء ، قول الصاحب بن عباد في وصف الحر : وجدتُ حراً يشبه قلب الصب ويذيب دماغ الضب وجاء في يتيمة الدهر ان الضرابين رفعوا الى الصاحب قصة في ظلامة وقد كتبوا تحتها : الضرابون. فوّقع تحتها : في حديد بارد. ودخل عليه رجل لا يعرفه ، فقال له الصاحب : أبو مَن : فأنشد الرجل :

وتتفق الاسماء في اللفظ والكنى *** كثيراً ولكن لا تلاقي الخلائق

فقال له : اجلس أبا القاسم.

قال جرجي زيدان في تاريخ اداب اللغة العربية :

هو ابو القاسم اسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني كان اديبا منشئاً وعالما في اللغة وغيرها وهو اول من لقب بالصاحب من الوزراء لانه كان

ص: 148

يصحب ابن العميد فقيل له صاحب ابن العميد ، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علما عليه. وقد وزّر اولاً لمؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بعد ابن العميد. فلما توفي مؤيد الدولة تولى مكانه اخوه فخر الدولة فاقرّ الصاحب على وزارته وكان مبجلا عنده نافذ الأمر وكان مجلسه محط الشعراء والأدباء يمدحونه أو يتنافسون أو يتقاضون بين يديه.

وذاعت شهرته في ذلك العصر حتى اصبح موضوع إعجاب القوم يتسابقون الى اطرائه ونظمت القصائد في مدحه :

وله من التصانيف : المحيط باللغة سبع مجلدات رتبه على حروف المعجم والكافي بالرسائل وجمهرة الجمرة وكتاب الاعياد ، وكتاب الامامة ، وكتاب الوزراء وكتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي ، وكتاب الأسماء الحسنى وكان ذا مكتبة لا نظير لها.

وقال ابن خلكان :

ابو القاسم اسماعيل بن ابي الحسن عباد ، بن العباس ، بن عباد بن أحمد ابن ادريس الطالقاني :

كان نادرة الدهر واعجوبة العصر في فضائله ، ومكارمه وكرمه ، اخذ الأدب عن ابي الحسين ، احمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب المجمل في اللغة ، واخذ عن ابي الفضل بن العميد وغيرهما ، وقال ابو منصور الثعالبي في كتابه اليتيمة في حقه : ليست تحضرني عباة ارضاها للافصاح عن علوّ محله في العلم والأدب ، وجلالة شأنه في الجود والكرم وتفرّده بالغايات في المحاسن وجمعه اشتات المفاخر لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه ، وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه ، ثم شرع في شرح بعض محاسنه وطرف من احواله :

وقال ابو بكر الخوارزمي في حقه : الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها.

ص: 149

ودبّ ودرج من وكرها ، ورضع أفاويق درّها وورثها عن آبائه وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب أبا الفضل ابن العميد ، فقيل له : صاحب ابن العميد ، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة ، وبقي علماً عليه.

ومن شعره في رقة الخمر :

رقّ الزجاج وراقت الخمر *** فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنما خمرٌ ولا قدح *** وكأنما قدح ولا خمر

وله يرثي كثير بن أحمد الوزير ، وكنيته ابو علي :

يقولون لي أودى كثير بن أحمد *** وذلك رزء في الأنام جليل

فقلت دعوني والعُلا نبكه معاً *** فمثل كثير في الرجال قليل

وقوله :

وقائلة لِم عرتك الهموم *** وأمرك ممتثل في الأمم

فقلت دعيني على حيرتي *** فإن الهموم بقدر الهمم

والصاحب مجيد في شعره كما هو بارع في نثره ، وقلّما يكون الكاتب جيد الشعر ولكن الصاحب جمع بينهما. ومن قوله في منجم

خوّفني منجم أخو خبل *** تراجع المريخ في برج الحمل

فقلت دعني من أباطيل الحيل *** فالمشتري عندي سواء وزحل

ودفع عني كل آفات الدول *** بخالقي ورازقي عز وجل

وذكر صاحب البغية أنه كان في الصغر إذا أراد المضي الى المسجد ليقرأ تعطيه والدته دينارا في كل يوم ودرهما وتقول له : تصدّق بهذا على أول فقير تلقاه ، فكان هذا دأبه في شبابه الى أن كبر وصار يقول للفرّاش كل ليلة :

ص: 150

اطرح تحت المطرح ديناراً ودرهماً ، لئلا ينساه ، فبقي على هذا مدة. ثم أن الفرّاش نسي ليلة من الليالي ان يطرح له الدرهم والدينار. فانتبه وصلى وقلب المطرح ليأخذ الدرهم والدينار ففقدهما فتطيّر من ذلك ، فقال للفراشين : خذوا كل ما هنا من الفراش وأعطوه لأول فقير تلقونه ، فخرجوا وإذا بهاشمي أعمى تقوده زوجته ، فقالوا هلمّ لتأخذ مطرح ديباج ومخاد ديباج ، فأغمي عليه. فأعلموا الصاحب بأمره ، فأحضره ورشّ عليه الماء ، فلما أفاق سأله عن أمره ، فقال : سلوا هذه المرأة إن لم تصدقوني ، فقالوا له : اشرح فقال : انا رجل شريف لي ابنة من هذه المرأة خطبها رجل فزوجناه ، ولي سنتين آخذ ما يفضل عن قوتنا واشتري جهازا لها فقالت أمها : اشتهيت لها مطرح ديباج ، فقلت لها : من أين لي ذلك. وجرى بيني وبينها نزاع حتى خرجت على وجهي. فلما قال لي هؤلاء هذا الكلام حقّ لي أن يغمى عليّ. فقال الصاحب لا يكون الديباج إلا مع ما يليق به ، ثم اشترى له جهازا ثمينا واحضر الزوج ودفع له بضاعة سنية ليعمل ويربح.

ص: 151

محمد بن هاشم الخالدي

اشارة

أظلم في كربلاء يومهم *** ثم تجلى وهم ذبائحه

لا برح الغيث كل شارقة *** تخمي غواديه أو روائحه

على ثرى حلّه غريب رسول *** اللّه مجروحة جوارحه

ذلّ حماه وقلّ ناصره *** ونال أقصى مناه كاشحه

يا شيع الغي والضلال ومَن *** كلّهم جمة فضائحه

عفرتم بالثرى جبين فتى *** جبريل بعد الرسول ماسحه

يُطّل ما بينكم دم ابن رسول *** اللّه وابن السفاح سافحه

سيان عند الإله كلّكم *** خاذله منكم وذابحه (1)

ص: 152


1- رواها السيد الامين في الاعيان عن يتيمة الدهر للثعالبي ص 170 أقول وقد تقدمت هذه الأبيات في ترجمة كشاجم من جملة قصيدة ، والشاعران في عصر واحد. وربما نظم أحدهما قطعة وجاراه الآخر فنظم على القافية فكانتا قصيدة واحدة.
أبو بكر محمد بن هاشم بن وعلة الخالدي الكبير أحد الخالديين والآخر اخوه ابو عثمان سعيد.

توفي حدود 386 في حلب.

والخالدي نسبة الى الخالدية من قرى الموصل ، له ديوان المراثي وشارك أخاه الخالدي الصغير أبا عثمان سعيد في ديوانه وقيل انه شاركه في كتاب الحماسة.

ومدح الخالديان الشريف أبا الحسن محمد بن عمر العلوي الزبيدي فابطأت عنهما جائزته فأرسلا اليه قصيدة - وكان قد أراد السفر :

قل للشريف المستجار به *** اذا عدم المطر

وابن الأئمة من قريش *** والميامين الغرر

أقسمت بالرحمن و *** النعم المضاعف والوتر

لئن الشريف مضى ولم *** ينعم لعبديه النظر

لنشاركن بني أمية *** في الضلال المشتهر

ونقول لم يغصب أبو *** بكر ولم يظلم عمر

ونرى معاوية إماما *** مَن يخالفه كفر

ونقول إن يزيد ما *** قتل الحسين ولا أمر

ونعد طلحة والزبير *** من الميامين الغرر

ويكون في عنق الشريف *** دخول عبديه سقر

ص: 153

فضحك الشريف لهما وأنجز جائزتهما.

ومن شعره ما رواه النويري في نهاية الأرب :

ان خانك الدهر فكن عائذاً *** بالبيد والظلماء والعيس

ولا تكن عبد المنى فالمُنى *** رؤوس أموال المفاليس

وقال أيضا :

وأخٍ رخصتُ عليه حتى ملّني *** والشيء مملول اذا ما يرخصُ

ما في زمانك ما يعزّ وجوده *** إن رمته إلا صديق مخلص

ص: 154

الحسين بن الحجّاج

اشارة

أبا حوا دم المقتول بالطف بعدما *** سقوه كؤوس الموت بالبيض والاسل

وتاللّه ما أنساه بالطف صائلا *** كما الليث في سرب النعاج اذا حمل

يُنهنه عنه القوم يُمناً ويسرة *** ويصبر للحرب الشنيع اذا اشتعل

فلهفي لمن كان النبي قلوصه *** فيا خير محمول ويا خير مَن حمل

يقبّل فاه مرةً بعد مرّة *** وينكته أهل البدائع والزلل

والقصيدة تربو على الستين بيتا. جاء في أولها :

دع المرهفات البيض والطعن بالاسل *** وسل عن دمي في مذهب الحب لِم يحِل

فما للصفاح المشرفيات والقنا *** فعال كفعل الاعين النجل والمقل

فما البيض إلا البيض يلمعن كالدُما *** ويشرقن كالاقمار في حلل الحلل

فخلّ حديث الطعن والضرب في الوغا *** فما لك فيها ناقة لا ولا جمل (1)

ص: 155


1- عن المجموع الرائق المخطوط للسيد احمد العطار ص 207.
الحسين بن الحجاج المتوفي سنة 391 :

ابو عبد اللّه الحسين بن احمد بن الحجاج النيلي البغدادي الامامي الكاتب الفاضل من شعراء أهل البيت ، كان فرد زمانه في وقته. يقال انه في الشعر في درجة امرئ القيس وانه لم يكن بينهما مثلهما. كان معاصرا للسيدين وله ديوان شعر كبير عدة مجلدات ، وجمع الشريف الرضي رحمه اللّه المختار من شعره سماه ( الحسن من شعر الحسين ) وكان ذلك في حياة ابن الحجاج ، وفي أمل الأمل للحر العاملي قال : كان إمامي المذهب ويظهر من شعره أنه من اولاد الحجاج بن يوسف الثقفي وعدّه ابن خلكان وابو الفداء من كبّار الشيعة ، والحموي في معجم الأدباء يقول : من كبار شعراء الشيعة ، وآخر من فحول الكتّاب ، فالشعر كان أحد فنونه كما أن الكتابة إحدى محاسنه الجمّة وعدّه صاحب رياض العلماء من كبراء العلماء وكان ذا منصب خطير وهو توليه الحسبة ببغداد - والحسبة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس كافّة ولا تكون إلا لوجيه البلد ولا يكون غير الحر العدل والمعروف بالرأي والصراحة الخشونة بذات اللّه ومعروفا بالديانة موصوفا بالصيانة بعيدا عن التهم ، وشاعرنا ابن الحجاج قد تولاها مرة بعد أخرى ، قالوا إنه تولى الحسبة مرتين ببغداد ، مرة على عهد الخليفة العباسي المقتدر باللّه ، واخرى أقامه عليها عز الدولة في وزارة ابن بقيّة الذي استوزره عز الدولة سنة 362 وتوفي سنة 367 والغالب على شعره الهزل والمجون ، وكان ذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك أو هيبة أمير ، كما أن جلّ شعره يعرب عن ولائه الخالص لأهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.

ومن شعره قصيدته الغراء التي أنشدها في حرم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام وأولها :

يا صاحب القبّة البيضا على النجف *** مَن زار قبرك واستشفي لديك شُفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلكم *** تحظون بالأجر والأقبال والزلف

ص: 156

زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن *** يزره بالقبر ملهوفا لديه كُفي

إذا وصلت فأحرم قبل تدخله *** ملبيا واسع سعيا حوله وطُف

حتى إذا طفت سبعا حول قبته *** تأمّل الباب تِلقا وجهه فقف

وقل : سلام من اللّه السلام على *** أهل السلام وأهل العلم والشرف

إني أتيتك يا مولاي من بلدي *** مستمسكا من حبال الحق بالطرف

راج بأنك يا مولاي تشفع لي *** وتسقني من رحيق شافي اللّهف

لأنك العروة الوثقى فمن علقت *** بها يداه فلن يشقى ولم يخَف

وإن أسماءك الحسنى إذا تليت *** على مريض شفي من سقمه الدنف

لأن شأنك شأن غير منتقص *** وإن نورك نور غير منكسف

وإنك الآية الكبرى التي ظهرت *** للعارفين بأنواع من الطرف

هذي ملائكة الرحمن دائمة *** يهبطن نحوك بالألطاف والتحف

كالسطل والجام والمنديل جاء به *** جبريل لا أحد فيه بمختلف

كان النبي إذا استكفاك معضلة *** من الامور وقد أعيت لديه كُفي

وقصّة الطائر المشويّ عن أنسٍ *** تخبر بما نصّه المختار من شرف

والحب والقضب والزيتون حين أتوا *** تكرّماً من إله العرش ذي اللطف

والخيل راكعة في النقع ساجدة *** والمشرفيات قد ضجّت على الحجف

بعثت أغصان بانٍ في جموعهم *** فأصبحوا كرمادٍ غير منتسف

لو شئت مسخهم في دورهم مسخوا *** أو شئت قلت لهم : يا أرض انخسفي

والموت طوعك والأرواح تملكها *** وقد حكمت فلم تظلم ولم تجف

لا قدّس اللّه قوما قال قائلهم : *** بخ بخ لك من فضل ومن شرف

وبايعوك « بخمٍّ » ثم أكّدها *** « محمد » بمقال منه غير خفي

عاقوك واطرّحوا قول النبي ولم *** يمنعهم قوله : هذا أخي خلَفي

هذا وليكم بعدي فمن علقت *** به يداه فلن يخشى ولم يخف

قال الشيخ الأميني سلمه اللّه ان السلطان عضد الدولة بن بويه لما بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة الشريفة وقبّل اعتابها واحسن الأدب فوقف

ص: 157

ابو عبد اللّه الحسين بن الحجاج بين يديه وأنشد هذه القصيدة فلما وصل منها الى الهجاء أغلظ له الشريف سيدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام علیه السلام فقطع عليه فانقطع فلمّا جنّ عليه الليل رأى إبن الحجّاج الإمام عليّا علیه السلام في المنام وهو يقول : لا ينكسر خاطرك فقد بعثتا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه حتى يأتيك ، ثم رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الأعظم صلی اللّه علیه و آله والأئمة صلوات اللّه عليهم حوله جلوس فوقف بين أيديهم وسلم عليهم فحس منهم عدم إقبالهم عليه فعظم ذلك عنده وكبر لديه فقال : يا مواليّ أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبمَ استحققت هذا منكم؟ فقالوا : بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد اللّه إبن الحجاج فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرّفه عنايتنا فيه وشفقتنا عليه ، فقام السيد من ساعته ومضى إلى أبي عبد اللّه فقرع عليه الباب فقال إبن الحجاج : سيدي الذي بعثك إليّ أمرني أن لا أخرج إليك ؛ وقال : إنه سيأتيك ، فقال : نعم سمعاً وطاعة لهم. ودخل عليه واعتذر إليه ومضى به الى السلطا وقصا القصّة عليه كما رأياه فأكرمه وأنعم عليه وخصّه بالرتب الجليلة وأمر بأنشاد قصيدته.

وله من قصيدة ردّ بها على قصيدة ابن سكرة محمد بن عبد اللّه بن محمد الهاشمي البغدادي من ولد علي بن المهدي العباسي وقد تحامل بها على آل رسول اللّه (ص) فقال ابن الحجاج في الرد عليه.

لا أكذب اللّه إن الصدق ينجيني *** يد الامير بحمد اللّه تحييني

الى ان قال :

فما وجدت شفاءً تستفيد به *** إلا ابتغاءك تهجو آل ياسين

كافاك ربك إذ أجرتك قدرته *** بسبّ أهل العلا الغر الميامين

فقر وكفر هميع أنت بينهما *** حتى الممات بلا دنيا ولا دين

ص: 158

فكان قولك في الزهراء فاطمه *** قول امرئ لهج بالنصب مفتون

عيّرتها بالرحا والزاد تطحنه *** لا زال زادك حبّاً غير مطحون

وقلت : إن رسول اللّه زوّجها *** مسكينة بنت مسكين لمسكين

كذبت يابن التي باب إستها سلس الأ *** غلاق بالليل مفكوك الزرافين

ستّ النساء غداً في الحشر يخدمها *** أهل الجنان بحور الخرّد العين

فقلت : إن أمير المؤمنين بغى *** على معاوية في يوم صفين

وإن قتل الحسين السبط قام به *** في اللّه عزمٌ إمام غير موهون

فلا ابن مرجانة فيه بمحتقب *** إثمَ المسيء ولا شمرٌ بملعون

وإن أجر ابن سعدٍ فيه استباحته *** آل النبوة أجر غير ممنون

هذا وعدت الى عثمان تندبه *** بكل شعر ضعيف اللفظ ملحون

فصرت بالطعن من هذا الطريق الى *** ما ليس يخفى على البُله لمجانين

وقلت : أفضل من يوم « الغدير » إذا *** صحّت روايته يوم الشعانين

ويوم عيدك عاشورا تعدّ له *** ما يستعد النصارى للقرابين

تأتي بيوتكم فيه العجوز وهل *** ذكر العجوزو سوى وحي الشياطين

عاندت ربك مغتراً بنقمته *** وبأس ربك بأسٌ غير مأمون

فقال : كن أنت قرداً في استه ذنب *** وأمر ربك بين الكاف والنون

وقال : كن لي فتى تعلو مراتبه *** عند الملوك وفي دور السلاطين

واللّه قد مسخ الأدوار قبلك في *** زمان موسى وفي أيام هارون

بدون ذنبك فالحق عندهم بهم *** ودع لحاقك بي إن كنت تنويني

قلنا سابقا ان السيد الشريف الرضي قد جمع شعر ابن الحجاج ورتبه على الحروف فقال ابن الحجاج يشكر السيد - كما في الجزء الاخير من ديوانه - قوله :

أتعرف شعري الى مَن ضوي *** فأضحى على ملكه يحتوي

إلي البدر حسناً إلى سيدي *** الشريف أبي الحسن الموسوي

ص: 159

الى من أعوذّه كلّما *** تلقيته بالعزيز القوي

فتىً كنتُ مسخاً بشعري السخيف *** وقد ردّني فيه خلقاً سوي

تأملته وهو طوراً يصحّ *** وطوراً بصحّته يلتوي

فميّز معوجه والردي *** فيه من الجيّد المستوي

وصحّح أوزانه بالعروض *** وقرّر فيه حروف الروي

وأرشده لطريق السداد *** فأصلح شيطان شعري الغوي

وبيّن موقع كفّ الصناع *** في نسج ديباجه الخسروي

فأقسم باللّه والشيخ في *** اليمين على الحنث لا ينطوي

لو أن زرادشت أصغى له *** لأزرى على المنطق الفهلوي

وصادف زرع كلامي البليغ *** فيه شديد الظما قد ذوي

فما زال يسقيه ماء الطرا *** وماء البشاشة حتى روي

فلا زال يحيى وقلب الحسود *** بالغيظ من سيدي مكتوي

له كبدٌ فوق جمر الغضا *** على النار مطروحه تشتوي

لم يختلف اثنان في تاريخ وفاته وانها في جمادي الآخرة سنة 391 بالنيل وهي بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة وحمل الى مشهد الامام موسى الكاظم علیه السلام ودفن فيه ، وكان أوصى أن يدفن هناك بحذاء رجلي الامام (عليه السلام) ويُكتب على قبره ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) ورثاه الشريف الرضي بقصيدة توجد في ديوانه ومنها :

نعَوه على حُسن ظني به *** فلله ماذا نعى الناعيان

رضيع ولاءٍ له شعبة *** من القلب مثل رضيع اللبان

وما كنتُ احسب أن الزمان *** يفلّ بضارب ذاك اللسان

ليبكِ الزمان طويلا عليك *** فقد كنتَ خفَة روح الزمان

وبرهن الشيخ الاميني أن الرجل عمّر عمراً طويلا تجاوز المائة سنة رحمه اللّه وأجزل ثوابه.

ص: 160

علي بن حماد العبدي

اشارة

لله ما صنعت فينا يد البينِ *** كم من حشاً أقرحت منا ومن عينِ

مالي وللبين؟ لا أهلاً بطلعته *** كم فرّق البين قدماً بين إلفينِ؟!

كانا كغصنين في أصلٍ غذاؤهما *** ماء النعيم وفي التشبيه شكلين

كأنّ روحيهما من حسن إلفهما *** روح وقد قسّمت ما بين جسمين

لا عذل بينهما في حفظ عهدهما *** ولا يزيلهما لوم العذولين

لا يطمع الدهر في تغيير ودّهما *** ولا يميلان من عهدٍ إلى مَينِ

حتى إذا أبصرت عين النوى بهما *** خِلّين في العيش من هم خليّين

رماهما حسدا منه بداهيةٍ *** فأصبحا بعد جمع الشمل ضدّين

في الشرق هذا وذا في الغرب منتئياً *** مشرّدين على بُعد شجّيين

والدهر أحسد شيء للقريبين *** يرمي وصالهما بالبعد والبين

لا تأمن الدهر إن الدهر ذو غيرٍ *** وذو لسانين في الدنيا ووجهين

أخنى على عترة الهادي فشتّتهم *** فما ترى جامعا منهم بشخصين

كأنّما الدهر آلا أن يبدّدهم *** كعاتب ذي عناد أو كذي دين

بعض بطيبة مدفون وبعضهم *** بكربلاء وبعض بالغريّين

وأرض طوس وسامرّا وقد ضمنت *** بغداد بدرين حلا وسط قبرين

يا سادتي ألمن أبكي أسىً؟! ولمن *** أبكي بحفنين من عيني قريحين؟!

ص: 161

أبكي على الحسن المسموم مضطهدا؟! *** أم الحسين لقى بين الخميسين؟

أبكي عليه خضيب الشيب من دمه *** معفّر الخد محزوز الوريدين

وزينب في بنات الطهر لاطمة *** والدمع في خدّها قد خدّ خدّين

تدعوه : يا واحدا قد كنت أمله *** حتى استبدّت به دوني يد البين

لاعشت بعدك ما إن عشت لانعمت *** روحي ولا طعمت طعم الكرا ، عيني

أنظر إليّ أخي قبل الفراق لقد *** أذكا فراقك في قلبي حريقين

أنظر الى فاطم الصغرى أخي تَرها *** لليُتم والسبي قد خصّت بذلّين

اذا دنت منك ظل الرجس يضربها *** فتلتقي الضرب منها بالذراعين

وتستغيث وتدعو : عمّتا تلفت *** روحي لرزئين في قلبي عظيمين

ضرب على الجسد البالي وفي كبدي *** للثكل ضرب فما اقوى لضربين

أنظر علياً أسيرا لا نصير له *** قد قيّدوه على رغم بقيدين

وارحمتا يا أخي من بعد فقدك بل *** وارحمتا للأسيرين اليتيمين

والسبط في غمرات الموت مُشتغل *** ببسط كفّين أو تقبيض رجلين

لا زلت أبكي دماً ينهلّ منسجماً *** للسيّدين القتيلين الشهيدين

ألسيّدين الشريفين اللذين هما *** خير الورى من أب مجد وجدّين

ألضارعين الى اللّه المنيبين *** ألمسرعين الى الحق الشفيعين

ألعالمين بذي العرش الحكيمين *** ألعادلين ألحليمين الرشيدين

ألصابرين على البلوى الشكورين *** ألمعرضين عن الدنيا المنيبين

ألشاهدين على الخلق الإمامين *** ألصادقين عن اللّه الوفيّين

ألعابدين التقيّين الزكيّين *** ألمؤمنين الشجاعين الجريّين

ألحجّتين على الخلق الأميرين *** ألطيّبين الطهورين الزكيّين

نورين كانا قديما في الظلال كما *** قال النبي لعرش اللّه قرطين

تفّاحتي احمد الهادي وقد جعل *** لفاطم وعليّ الطهر نسلين

صلى الإله على روحيهما وسقا *** قبريهما ابداً نوء السماكين

ص: 162

الى ان يقول فيها :

ما لابن حمّادٍ العبديّ من عمل *** إلا تمسّكه بالميم والعين

فالميم غاية آمالي محمّدها *** والعين أعني عليّا قرة العين

صلى الإله عليهم كلما طلعت *** شمس وما غربت عند العشائين (1)

ولأبن حماد :

حيّ قبرا بكربلا مُستنيرا *** ضمّ كنز التقى وعلما خطيرا

وأقم مأتم الشهيد وأذرف *** منك دمعا في الوجنتين غزيرا

والتثم تربة الحسين بشجوٍ *** وأطل بعد لثمك التعفيرا

ثم قل : يا ضريح مولاي سُقيّ- *** -ت من الغيث هاميا جمهريرا

ته على ساير القبور فقد أص- *** -بحت بالتيه والفخار جديرا

فيك ريحانة النبي ومن حل *** من المصطفى محلا أثيرا

فيك يا قبر كل حلم وعلم *** وحقيق بأن تكون فخورا

فيك مَن هدّ قتله عمد الدين *** وقد كان بالهدى معمورا

فيك من كان جبرئيل يُناغيه *** وميكال بالحباء صغيرا

فيك مَن لاذ فطرس فترقّى *** بجناحي رضى وكان حسيرا

يوم سارت له جيوش ابن هند *** لذحول أمست تحل الصدورا

آه واحسرتي له وهو بالسيف *** نحير أفديت ذاك النحيرا

آه إذ ظل طرفه يرمق الفسطاط *** خوفا على النساء غيورا

آه إذ أقبل الجواد على النسوان *** ينعاه بالصهيل عفيرا

فتبادرون بالعويل وهتّكن *** الأقراط بارزات الشعورا

وتبادرن مسرعات من الحذر *** ومن قبلُ مُسبلات الستورا

ولطمن الخدود من ألم الثكل *** وغادرن بالنياح الخدورا

ص: 163


1- عن شعراء الغدير ج 4 ص 162.

وبدا صوتهنّ بين عداهنّ *** وعفن الحجاب والتخفيرا

بارزات الوجوه من بعدما غودرن *** صون الوجوه والتخفيرا

ثم لمّا رأين رأس حسين *** فوق رمح حكى الهلال المنيرا

صحن بالذل أيها الناس لم نُسبى *** ولم نأت في الأنام نكيرا؟!

ما لنا لا نرى لآل رسول اللّه *** فيكم يا هؤلاء نصيرا؟!

فعلى ظالميهم سخط اللّه *** ولعن يبقى ويفنى الدهورا

قل لمن لام في ودادي بني *** أحمد : لا زلت في لظى مدحورا

أعلى حب معشر أنت قد كنتَ *** عذولاً ولا تكون عذيرا

وأبوهم أقامه اللّه في « خُم » *** إماماً وهادياً وأميرا

حين قد بايعوه أمراً عن *** اللّه فسائل دوحاته والغديرا

وأبوهم أفضى النبي إليه *** علم ما كان أولاً وأخيرا

وأبوهم علا على العرش لمّا *** قد رقى كاهل النبي ظهيرا

وأماط الأصنام كلاً عن الكعبة *** لمّا هوى بها تكسيرا

قال : لو شئت ألمس النجم بالكف *** إذن كنت عند ذاك قديرا

وأبوهم ردّت له الشمس بيضاً *** وهي كادت لوقتها أن تغورا

وقضى فرضه أداءً وعادت *** لغروب وكوّرت تكويرا

وأبوهم يروي على الحوض مَن وا *** لاهم ويردّ عنه الكفورا

وأبوهم يقاسم النار والجنة *** في الحشر عادلا لن يجورا

فإذا اشتاقت الملائك زارته *** فناهيك زايرا ومزورا

وأبوهم قال النبي له قولاً *** بليغاً مكرّرا تكريرا

أنت خدني وصاحبي ووزيري *** بعد موتي أكرم بذاك وزيرا

أنت مني كمثل هرون من موسى *** لم اكن ابتغي سواه ظهيرا

وأبوهم أودى بعمرو بن ودّ *** حين لاقاه في العجاج أسيرا

وأبوهم لبابِ خيبر أضحى *** قالعا ليس عاجزا بل جسورا

حامل الراية التي ردّها بالأمس *** مَن لم يزل جبانا فرورا

ص: 164

خصّه ذو العلا بفاطمة عرساً *** وأعطاه شبرا وشبيرا

وهم باب ذي الجلال على آدم *** فارتد ذنبه مغفورا

وبهم قامت السماء ولولاهم *** لكادت بأهلها أن تمورا

وبهم باهل النبي فقل لي *** ألهم في الورى عرفت نظيرا؟!

فيهم أنزل المهيمن قرآنا *** عظيما وذاك جمّا خطيرا

في الطواسين والحواميم والرحمن *** آيا ما كان في الذكر زورا

وخلقناه نطفة نبتليه *** فجعلناه سامعا وبصيرا

لبيان إذا تأمله العارف *** يبدي له المقام الكبيرا

ثم تفسير هل أتى فيه يا صاح *** قل له إن كنت تفهم التفسيرا

إن الأبرار يشربون بكأس *** كان عندي مزاجها كافورا

فلهم أنشأ المهيمن عيناً *** فجّروها لديهم تفجيرا

وهداهم وقال : يوفون بالنذر *** فمن مثلهم يوفي النذورا؟!

ويخافون بعد ذلك يوماً *** شرّه كان في الورى مستطيرا

فوقاهم إلههم ذلك اليوم *** ويلقون نضرة وسرورا

وجزاهم بأنهم صبروا في السر *** والجهر جنةً وحريرا

فاتكوا من على الأرائك لا *** يلقون فيها شمسا ولا زمهريرا

وأوانٍ وقد أطيفت عليهم *** سلسبيل مقدّر تقديرا

وبأكواب فضّة وقوارير *** قدّروها عليهم تقديرا

وبكأس قد مازجت زنجبيلا *** لذّة الشاربين تشفي الصدورا

وإذا ما رأيت ثم نعيماً *** دائماً عندهم وملكاً كبيرا

وعليهم فيها ثياب من السندس *** خضر في الحشر تلمع نورا

ويحلّون بالأساور فيها *** وسقاهم ربي شراباً طهورا

وروى لي عبد العزيز الجلودي *** وقد كان صادقاً مبرورا

عن ثقاة الحديث أعنى العلائي *** هو أكرم بذا وذا مذكورا

يسندوه عن ابن عباس يوماً *** قال : كنا عند النبيّ حضورا

ص: 165

إذ أتته البتول فاطم تبكي *** وتوالي شهيقها والزفيرا

قال : ما لي أراك تبكين يا فاطم؟! *** قالت وأخفت التعبيرا

إجتمعن النساء نحوي واقبلن *** يطلن التقريع والتعييرا

قلن : إن النبي زوّجك اليوم *** عليّا بعلاً عديماً فقيرا

قال : يا فاطم اسمعي واشكري اللّه *** فقد نلتِ منه فضلاً كبيرا

لم ازوّجك دون إذنٍ من اللّه *** وما زال يحسن التدبيرا

أمر اللّه جبرئيل فنادى *** رافعاً في السماء صوتاً جهيرا

وأتاه الأملاك حتى إذا ما *** وردوا بيت ربّنا المعمورا

قام جبريل قائما يكثر التحميد *** لله جلّ والتكبيرا

ثم نادى : زوّجت فاطم يا رب *** عليّ الطهر الفتى المذكورا

قال رب العلا : جعلت لها المهر *** لها خالصاً يفوق المهورا

خمس أرضي لها ونهري وأو *** جبت على الخلق ودّها المحصورا

وروينا عن النبي حديثاً *** في البرايا مُصحّحاُ مأثورا

انه قال : بينما الناس في الجنّة *** إذ عاينوا ضياءً ونورا

كاد أن يخطف العيون فنادوا : *** أي شيء هذا؟ وأبدوا نكورا

أوَ ليس الإله قال لنا : لا *** شمس فيها ترى ولا زمهريرا

وإذا بالنداء : يا ساكن الجنة *** مهلاً أمنتم التغييرا

ذا عليّ الوليّ قد داعب الزّ *** هراء مولاتكم فأبدت سرورا

فبدا إذ تبسّمت ذلك النور *** فزيدوا إكرامه والحبورا

يا بني أحمد عليكم عمادي *** واتكالي إذا أردت النشورا

وبكم يسعد الموالي ويشقى *** من يعاديكم ويصلي سعيرا

أنتم لي غداً وللشيعة الأبرار *** ذخر أكرم به مذخورا

صاغ أبياتها عليّ بن حمّاد *** فزانت وحُبّرت تحبيرا

ص: 166

ابن حماد العبدي

اشارة

ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد اللّه بن حماد العدوي العبدي البصري يستظهر الشيخ الأميني انه ولد في أوائل القرن الرابع وتوفي في أواخره.

كان حماد والد المترجم له أحد شعراء أهل البيت علیهم السلام كما ذكره ولده بقوله :

وإن العبد عبدكم عليا *** كذا حمّاد عبدكم الأديب

رثاكم والدي بالشعر قبلي *** وأوصاني به أن لا أغيب

والمترجم له علم من أعلام الشيعة وفذّ من علمائها وشعرائها ومن حفظة الحديث المعاصرين للشيخ الصدوق ونظرائه ، وقد أدركه النجاشي وقال في رجاله : قد رأيته.

قال الشيخ الأميني : جمع العلامة السماوي شعره في أهل البيت فكان يربو على 2200 بيتاً. ولم نقف على تاريخ ولادة ابن حماد ووفاته غير أن النجاشي الذي أدركه ورآه ولم يروِ عنه ولد في صفر سنة 372 وشيخه الذي يروي عنه وهو الجلودي البصري توفي 17 ذي الحجة سنة 332 فيستدعي التاريخان أن المترجم ولد في أوائل القرن الرابع وتوفي في أواخره ثم قال :

وقفنا لابن حماد على قصيدة في مجموعة عتيقة مخطوطة في العصور المتقادمة

ص: 167

وقد ذكر ابن شهر اشوب بعض ابياتها نسبة الى العبدي ( سفيان بن مصعب ) وتبعه البياضي في ( الصراط المستقيم ) وغيره. والقصيدة للمترجم له ، وقال القمي في الكنى : ابو الحسن علي بن عبيد اللّه بن حماد العدوي الشاعر البصري من اكابر علماء الشيعة وشعرائهم ومحدثيهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه ومن شعره في مدح امير المؤمنين علیه السلام قوله :

ورُدّت لك الشمس في بابل *** فساميت يوشع لما سَما

ويعقوب ما كان اسباطه *** كنجليك سبطي نبي الهدى

وقال ابن حماد العبدي :

أسايلتي عما ألاقي من الأسى *** سلي الليل عني هل أجن إذا جنّا

ليخبرك إني في فنونٍ من الجوى *** إذا ما انقضا فنّ يوكل لي فنّا

وإن قلت : إن الليل ليس بناطق *** قفي وانظري واستخبري الجسد المضنى

وإن كنت في شكٍ فديتك فاسئلي *** دموعي التي سالت وأقرحت الجفنا

أحبّتنا لو تعلمون بحالنا *** لما كانت اللذات تشغلكم عنّا

تشاغلتموا عنّا بصحبة غيرنا *** وأظهرتم الهجران ما هكذا كنا

وآليتموا أن لا تخونوا عهودنا *** فقد وحياة الحب خنتم وما خنا

غدرتم ولم نغدر وخُنتم ولم نخن *** وحُلتم عن العهد القديم وما حُلنا

وقلتم ولو توفوا بصدق حديثكم *** ونحن على صدق الحديث الذي قلنا

أيهنا لكم طيب الكرى وجفوننا *** على الجمر؟! لا تهنا ولا بعدكم نمنا

أنخنا بمغناكم لتحي نفوسنا *** فما زادنا إلا جوىً ذلك المغنا

سنرحل عنكم إن كرهتم مقامنا *** ونصبر عنكم مثل ما صبركم عنا

ونأخذ مَن نهوى بديلاً سواكم *** ونجعل قطع الوصل منكم ولا منّا

تعالوا الى الانصاف فيما ادّعيتموا *** ولا تفر طوابل صححوا اللفظ والمعنى

أليتكم ناصفتمونا فريضة *** بأنّ لكم نصفاً وأنّ لنا ثُمنا

ص: 168

إذا طلعت شمس النهار ذكرتكم *** وإن غربت جدّدت ذكركم حُزنا

وإني لأرثي للغريب وإنني *** غريب الهوى والقلب والدار والمغنى

لقد كان عيشي بالأحبّة صافياً *** وما كنت أدري أنّ صحبتنا تفنا

زمان نعُمنا فيه حتى إذا مضى *** بكينا على أيامه بدم أقنا

فواللّه ما زال اشتياقي اليكم *** ولا برح التسهيد لي بعدكم حفنا

ولا ذقت طعم الماء عذبا ولا صفت *** موارده حتى نعود كما كنا

ولا بارحتني لوعة الفكر والجوى *** ولا زلت طول الدهر مقترعا سنّا

وما رحلوا حتى استحلّوا نفوسنا *** كأنهم كانوا أحق بها منّا

ترى منجدي في أرض بغداد واهناً *** لزهدكم فينا وبُعدكم عنّا

أيزعم أن أسلوا؟! ويشغل خاطري *** بغيركم مستبدلا؟! بئس ما ظنّا

أيا ساكني نجدٍ سلامي عليكم *** ظننا بكم ظناً فاخلفتموا الظنا

أمثّل مولاي الحسين وصحبه *** كأنجم ليل بينها البدر أو أسنا

فلما راته أخته وبناته *** وشمر عليه بالمهنّد قد أحنى

تعلّقن بالشمر اللعين وقلن : دَع *** حسينا فلا تقتله يا شمر واذبحنا

فحزّ وريديه وركّب رأسه *** على الرمح مثل الشمس فارقت الدجنا

فنادت بطول الويل زينب أخته *** وقد صبغت من نحره الجيب والردنا

: ألا يا رسول اللّه يا جدّنا اقتضت *** أميّة منا بعدك الحقد والضغنا

سُبينا كما تسبى الإماء بذلةٍ *** وطيف بنا عرض البلاد وشُتتنا

ستفنى حياتي بالبكاء عليهم *** وحزني لهم باقٍ مدى الدهر لا يفنى

ألا لعن اللّه الذي سنّ ظلمهم *** وأخزى الذي أملا له وبه استنّا

سأمدحكم يا آل أحمد جاهداً *** وأمنح مَن عاداكم السب واللعنا

ومن منكم بالمدح أولى لأنّكم *** لأكرم من لبّى ومن نحر البُدنا

بجدّكم أسرى البراق فكان من *** إله البرايا قاب قوسين أو أدنا

وشخص أبيكم في السماء تزوره *** ملائك لا تنفكّ صبحا ولا وهنا

أبوكم هو الصدّيق آمن واتّقى *** وأعطى وما أكدى وصدّق بالحسنى

ص: 169

وسمّاه في القرآن ذو العرش جنبه *** وعروته والعين والوجه والأذنا

وشدّ به أزر النبي محمد *** وكان له في كل نائبةٍ ركنا

وأفرده بالعلم والبأس والندى *** فمن قدره يسمو ومن فعله يُكنى

هو البحر يعلو العنبر المحض فوقه *** كما الدر والمرجان من قعره يُجنى

إذا عُدّ أقران الكريهة لم نجد *** لحيدرة في القوم كفواً ولا قَرنا

يخوض المنايا في الحروب شجاعة *** وقد ملأت منه ليوث الشرى جُبنا

يرى الموت من يلقاه في حومه الوغا *** يُناديه من هنّا ويدعوه من هنّا

إذا استعرت نار الوغى وتغشمرت *** فوارسها واستتخلفوا الضرب والطعنا

وأهدت إلى الأحداق كحلاً معصفراً *** وألقت على الأشداق أردية دُكنا

وخلتَ بها زرقَ الأسنّة أنجماً *** ومن فوقها ليلاً من النقع قد جنّا

فحين رأت وجه الوصي تمزقت *** كثلّة ضانٍ أبصرت أسداً شنّا

فتى كفّه اليسرى حمام بحربه *** كذاك حياة السلم في كفّه اليُمنى

فكم بطل أردى وكم مرهب أودى *** وكم مُعدم أغنى وكم سائل أقنى

يجود على العافين عفواً بماله *** ولا يتبع المعروف من منّه مَنّا

ولو فض بين الناس معشار جوده *** لما عرفوا في الناس بخلاَ ولا ضنّا

وكل جواد جاد بالمال إنما *** قصاراه أن يستنّ في الجود ما سنّا

وكل مديح قلت أو قال قائل *** فإن امير المؤمنين به يعنى

سيخسر من لم يعتصم بولائه *** ويَقرع يوم البعث من ندمٍ سنّا

لذلك قد واليته مخلص الولا *** وكنت على الأحوال عبدا له قنا

عليكم سلام اللّه يا آل احمد *** متى سجعت قمرية وعلت غصنا

مودّتكم أجر النبي محمد *** علينا فآمنّا بذاك وصدّقنا

وعهدكم المأخوذ في الذر لم نقل *** : لآخذه كلا ولا كيف أو أنّا

قبلنا وأوفينا به ثمّ خانكم *** أناس وما خُنّا وحالوا وما حُلنا

طهرتم فطُهّرنا بفاضل طهركم *** وطبتم فمن آثار طيبكم طِبنا

فما شئتم ومههما كرهتموا *** كرهنا ، وما قلتم رضينا وصدّقنا

ص: 170

فنحن مواليكم تحنّ قلوبنا *** إليكم إذا إلف إلى إلفه حنّا

نزوركم سعيا وقلّ لحقكم *** لو أنّا على أحداقنا لكم زُرنا

ولو بُضعت أجسادنا في هواكم *** إذن لم نحل عنه بحاٍل ولا زلنا

وآبائنا منهم ورثنا ولاءكم *** ونحن إذا مِتنا نورّثه الأبنا

وأنتم لنا نعم التجارة لم نكن *** لنحذر خسراناً بها لا ولا غبنا

وما لي لا اثني عليكم وربّكم *** عليكم بحسن الذكر في كتُبه أثنى

وإن أباكم يقسم الخلق في غدٍ *** فيسكن ذا ناراً ويُسكن ذا عدنا

وأنتم لنا غوثٌ وأمنٌ ورحمة *** فما منكم بدّ ولا عنكم مغنى

ونعلم أن لو لم ندن بولائكم *** لما قُبلت أعمالنا أبداُ منّا

وأن ، إليكم في المعاد إيابنا *** إذا نحن من أجداثنا سُرعاً قمنا

وأن عليكم بعد ذاك حسابنا *** إذا ما وفدنا يوم ذاك وحوسبنا

وأن موازين الخلايق حبّكم *** فأسعدهم مَن كان أثقلهم وزنا

وموردنا يوم القيامة حوضكم *** فيظما الذي يُقصى ويُروى الذي يُدنى

وأمر صراط اللّه ثم إليكم *** فطوبا لنا إذ نحن عن أمركم جُزنا

وما ذنبنا عند النواصب ويلهم *** سوى أنّنا قوم بما دنتم دُنا

فإن كان هذا ذنبنا فتيقّنوا *** بأنّا عليه لا انثينا ولا نُثنى

ولمّا رفضنا رافضيكم ورهطهم *** رُفضنا وعودينا وبالرفض نُبّزنا

وإنا اعتقدنا العدل في اللّه مذهباً *** ولله نزّهنا وإيّاه وحّدنا

وهم شبّهوا اللّه العليّ بخلقه *** فقالوا : خُلقنا للمعاصي وأُجبرنا

فلو شاء لم نكفر ولو شاء أكفرنا *** ولو شاء لم نؤمن ولو شاء آمنّا

وقالوا : رسول اللّه ما اختار بعده *** إماماً لنا لكن لأنفسنا اخترنا

فقلنا : إذن أنتم إمام إمامكم *** بفضل من الرحمن تهتم وما تهنا

ولكنّنا اخترنا الذي اختار ربّنا *** لنا يوم « خمّ » لا ابتدعنا ولا جُرنا

سيجمعنا يوم القيامة ربّنا *** فتجزون ما قلتم ونُجزى بما قلنا

هدمتم بأيديكم قواعد دينكم *** ودينٌ على غير القواعد لا يُبنى

ص: 171

ونحن على نور من اللّه واضح *** فيا رب زدنا منك نوراً وثبتنا

وظن ابن حمّاد جميل برَبه *** وأحرى به أن لا يخيب له ظنّا

بنى المجد لي شنّ بن أقصى فحزته *** تُراثاً جزى الرحمن خيراً أبي شنّا

وحسبي بعد القيس في المجد والدي *** ولي حسب عبد القيس مرتبةً تبنى

وخالي تميم تمّ مجدي بفخره *** فنلت بذا مجداً ونلت بذا أمنا

ودونك لاما للقلائد هذّبت *** مديحا فلم تترك لذي مطمعن طعنا

ولا ظل أو أضحى ولا راح واغتدى *** تأمل لا عينٌ تراه ولا لحنا

فصاحة شعري مذ بدت لذوي الحجى *** تمثّلت الأشعار عنده لكنا

وخير فنون الشعر ما رقّ لفظه *** وجلّت معانيه فزادت بتها حسنا

وللشعر علم إن خلا منه حرفه *** فذاك هذاء في الرؤوس بلا معنى

إذا ما أديب أنشد الغثّ خلته *** من الكرب والتنغيص قد ادخل السجنا

إذا ما رأوها أحسن الناس منطقاً *** وأثبتهم قولاً وأطيبهم لحنا

تلذّ بها الأسماع حتى كأنها *** ألذّ من أيام الشبيبة أو أهنى

وفي كل بيت لذة مستجدّة *** إذا ما انتشاه قيل يا ليته ثنّى

تقبّلها ربّي ووفّى ثوابها *** وثقّل ميزاني بخيراتها وزنا

وصلّى على الأطهار من آل احمد *** إله السما ما عسعس الليل أو جنّا

وقال أبو الحسن علي بن حماد العبدي البصري يمدح امير المؤمنين عليا صلوات اللّه عليه :

هل في سؤالك رسم المنزل الخربِ *** برء لقلبك من داء الهوى الوصب

أم حره يوم وشك البين يبرده *** ما استحدرته النوى من دمعك السرب

هيهات أن ينفذ الوجد المثير له *** نأي الخليط الذي ولي ولم يؤب

يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت *** له المدامع من ماء ومن عشب

ما خلت من قبل ان حالت نوى قذف *** ان العيون لهم أهمى من السحب

بانوا فكم أطلقوا دمعاً وكم أسروا *** لُبّاً وكم قطعوا للوصل من سبب

ص: 172

من غادرٍ لم أكن يوماً أُسرّ به *** غدرا وما الغدر من شأن الفتى العربي

وحافظ العهد يبدي صفحتي فرح *** للكاشحين ويخفى وجد مكتئب

بانوا قباباً وأحباباً تصونهم *** عن النواظر أطراف القنا السلب

وخلّفوا عاشقاً ملقى رمى خلساً *** بطرفه خدر مَن يهوى فلم يصب

ألقى النحول عليه برده فغدا *** كأنه ما نسوا في الدار من طنب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما *** حجبن من قضبٍ عنا ومن كثب

من كل هيفاء أعطاف هضيم حشى *** لعساء مرتشف غراء منتقب

كأنما ثغرها وهنا وريقتها *** ما ضمت الكاس من راح ومن حبب

وفي الخدور بدور لو برزن لنا *** برّدن كل حشى بالوجد ملتهب

وفي حشاي غليل بات يضرمه *** شوق الى برد ذاك الظلم والشنب

يا راقد اللوعة أهبب من كراك فقد *** بان الخليط ويا مضني الغرام ثِب

أما وعصر هوى دبّ العزاء له *** ريب المنون وغالته يد النوب

لاشرقن بدمعي إن نأت بهم *** دار ولم أقض ما في النفس من أرب

ليس العجيب بأن لم يبق لي جلد *** لكن بقائي وقد بانوا من العجب

شيتُ ابن عشرين عاماً والفراق له *** سهم متى ما يصب شمل الفتى يشب

ما هزّ عطفي من شوق الى وطني *** ولا اعتراني من وجد ومن طرب

مثل اشتياقي من بُعد ومنتزح *** الى الغري وما فهي من الحسب

أزكى ثرى ضمّ أزكى العالمين فذا *** خير الرجال وهذا أشرف الترب

إن كان عن ناظري بالغيب محتجبا *** فإنه عن ضميري غير محتجب

مرّت عليه ضروع المزن رائحة *** من الجنوب فروّته من الحلب

من كل مقربة إقراب مرزمةٍ *** ارزام صادية الازواد والقرب

يذيبها حرّ نيران البروق وما *** لهن تحت سجاليها من اللّهب

بل جاد ما ضم ذاك الترب من شرف *** مزنَ المدامع من جار ومنسكب

تهفو اشتياقا إليه كل جارحة *** مني ولا مثلما تجتاح في رحب

ولو تكون لي الايام مسعدة *** لطاب لي عنده بعدي ومقتربي

ص: 173

يا راكبا جسره تطوي مناسمها *** ملآءة البيد بالتقريب والخب

هو جآء لا يطعم الانضآء غاربها *** مسرى ولا تتشكى مؤلم التعب

تقيّد المغزل الادماء في صعَدٍ *** وتطلح الكاسر الفنخاء في جنب

تثني الرياح اذا مرّت بغايتها *** حسر الطلآئح بالغيطان والخرب

بلّغ سلامي قبرا بالغري حوى *** أوفى البرية من عجم ومن عرب

واجعل شعاري لله الخشوع به *** وناد خير وصي صنو خير نبي

اسمع أبا حسن ان الأولى عدلوا *** عن حكمك انقلبوا عن خير منقلب

ما بالهم نكبوا نهج النجاة وقد *** وضحته واقتفوا نهجاً من العطب

ودافعوك عن الأمر الذي اعتلقت *** زمامه من قريش كف مغتصب

ظلت تجاذبها حتى لقد خرمت *** خشاشها تربت من كف مجتذب

وكان بالأمس منها المستقيل فلِم *** أرادها اليوم لو لم يأتِ بالكذب

وانت توسعه صبراً على مضض *** والحلم أحسن ما يأتي مع الغضب

حتى إذا الموت ناداه فاسمعه *** والموت داع متى يدع امرءاً يجب

حبابها زفرا فاعتاض محتقباً *** منه بافضع محمول ومحتقب

وكان أول من أوصى ببيعته *** لك النبي ولكن حال من كثب

حتى إذا ثالث منهم تقمصّها *** وقد تبدّل منها الجد باللعب

عادت كما بدأت شوهاء جاهلة *** تجرّ فيها ذئاب آكلة الغلب

وكان عنها لهم في خم مزدجر *** لمّا رقى احمد الهادي على قتب

وقال والناس من دان اليه ومن *** ثاوٍ لديه ومن مصغ مرتقب

قم يا علي فاني قد أمرت بأن *** ابلّغ الناس والتبليغ أجدر بي

إني نصبت علياً هادياً علماً *** بعدي وأن علياً خير منتصب

فبايعوك وكل باسط يده *** اليك من فوق قلب عنك منقلب

عافوك لا مانع طولا ولا حصر *** قولا ولا لهج بالغش والريب

وكنت قطب رحى الاسلام دونهم *** ولا تدور رحى إلا على قطب

ولا تماثلهم في الفضل مرتبة *** ولا تشابههم في البيت والنسب

ص: 174

وان هززت قناة ظلت توردها *** وريد ممتنع في الروح مجتنب

ان تلحظ القرن والعسّال في يده *** يظل مضطربا في كف مضطرب

ولا تسلّ حساماً يوم ملحمة *** إلا وتحجبه في رأس محتجب

كيوم خيبر إذ لم يمتنع زفر *** عن اليهود بغير الفر والهرب

فاغضب المصطفى اذ جرّ رايته *** على الثرى ناكصا يهوى على العقب

فقال اني ساعطيها غداً لفتى *** يحبه اللّه والمبعوث منتجب

حتى غدوت بها جذلان مخترقا *** مظنة الموت لا كالخائف النحب

جم الصلادم والبيض الصوارم و *** الزرقُ اللّهادم والماذيّ واليلب

فالأرض من لاحقيات مطهمة *** والمستظل مثار القسطل الهدب

وعارض الجيش من تقع بوارقه *** لمع الأسنة والهندية القضب

اقدمت تضرب صبراً تحته فغدا *** يصوب مزنا ولو أحجمت لم يصب

غادرت فرسانه من هارب فرق *** أو مقعص بدم الأوداج مختضب

لك المناقب يعيى الحاسبون لها *** عدّاً ويعجز عنها كل مكتتب

كرجعة الشمس إذ رمت الصلوة وقد *** راحت توارى عن الابصار بالحجب

ردّت عليك كأن الشهب ما اتضحت *** لناظرٍ وكأن الشمس لم تغب

وفي براءة انباء عجائبها *** لم تطوعن نازح يوماً ومقترب

وليلة الغار لما بتّ ممتلئا *** أمنا وغيرك ملآن من الرعب

ما أنت إلا أخو الهادي وناصره *** ومظهر الحق والمنعوت في الكتب

وزوج بضعته الزهراء يكنفها *** دون الورى وابو ابنائه النجب

من كل مجتهد في اللّه معتضد *** باللّه معتقد لله محتسب

وارين هادين إن ليل الظلام دجا *** كانوا لطارقهم أهدى من الشهب

لقبتُ بالرفض لما أن منحتهم *** ودّي وأحسن ما ادعى به لقبي

صلوة ذي العرش تترى كل آونة *** على ابن فاطمة الكشاف للكرب

وابنيه من هالك بالسم مخترم *** ومن معفّر خدٍ بالثرى ترب

لولا السقيفة ما قاد الذين هم *** أبناء حرب اليهم جحفل الحرب

ص: 175

والعابد الزاهد السجاد يتبعه *** وباقر العلم داني غاية الطلب

وجعفر وابنه موسى ويتبعه *** البر الرضا والجواد العابد الدئب

والعسكريين والمهدي قائمهم *** ذي الأمر لابس أثواب الهدى القشب

مَن يملأ الارض عدلاً بعدما ملئت *** جوراً ويقمع أهل الزيغ والشغب

القائد البُهم الشوس الكماء الى *** حرب الطغاة على قبّ الكلا شزب

أهل الهدى لا أناس باع بائعهم *** دين المهيمن بالدنيا وبالرتب

لو أن أضغانهم في النار كامنة *** لأغنت النار عن مذكٍ ومحتطب

يا صاحب الكوثر الرقراق زاخره *** ذُد النواصب عن سلساله العذب

قارعت منهم كماة في هواك بما *** جرّدت من خاطر أو مقول ذرب

حتى لقد وسمت كلماً جباههم *** خواطري بمضاء الشعر والخطب

إن ترضَ عني فلا أسديت عارفة *** إن سائني سخط أُمّ برّة وأبِ

صحبت حبك والتقوى وقد كثرت *** لي الصحاب فكانا خير مصطحب

فاستجل من خاطر العبدي آنسة *** طابت ولو جاوزت مغناك لم تطب

جاءت تمايل في ثوبي حباً وهدى *** اليك حالية بالفضل والأدب

أتعبت نفسي ونفسي بعد عارفة *** بأن راحتها في ذلك التعب

وقال يمدحه صلوات اللّه عليه ويرثي ولده الحسين علیه السلام :

شجاك نوى الاحبة كيف شاءا *** بداء لا تصيب له دواءا

ابانوا الصبر عنك غداة بانوا *** ورحّل عنك من رحلوا العزاءا

واعشوا بالبكا عينيك لما *** حدا الحادي بفرقتهم عشاءا

لعمر أبيك ليس الموت عندي *** وبينهم كما زعموا سواءا

فإن الموت للمضنى مريح *** ومضنى البين مزداد بلاءا

سل العلماء هل علموا فسموا *** سوى داء الهوى داءا عياءا

وهل ساد البرية غير قوم *** عليهم احمد مدّ العباءا

رقى جبريل إذ جعلوه منهم *** ففاخر كل من سكن السماءا

ص: 176

رآهم آدم أشباح نور *** بساق العرش مشرقة ضياءا

هناك بهم توسل حين أخطأ *** فكفّر ربه عنه الخطاءا

فمنهم ذلك الطهر المرجى *** عليّ اذ نُنيط به الرجاءا

امير المؤمنين أبو تراب *** ومن بترابه نلفي الشفاءا

خليفة ربنا في الأرض حقا *** له فرض الخلافة والولاءا

وعلّمه القضايا والبلايا *** وفهّمه الحكومة والقضاءا

وسمّاه عليا في المثاني *** حكيما كي يتم له العلاءا

وأعطاه أزمة كل شيء *** فليس يخاف من شيء اباءا

فأبدع معجزات ليس تخفى *** وهل للشمس قط ترى خفاءا

وشبهه ابن مريم في مثال *** أراد به امتحانا وابتلاءا

فواضل فضله لو عددوها *** اذن ملأت بكثرتها الفضاءا

إمام ما انحنى للآت يوما *** ولم يعكف على العزى انحناءا

وواخاه النبي فلم يخنه *** كمن قد خان بل حفظ الاخاءا

وعاهده فلم يغدر ولكن *** وفاه ومثله حفظ الوفاءا

وكم عرضت له الدنيا حضورا *** فجاد بها لعافيها سخاءا

شفى بالعلم سائله وأغنى *** ببذل المال سائله عطاءا

هو الصدّيق اول مَن تزكى *** وصدّق احمد الهادي ابتداءا

هو الفاروق إن هم أنصفوه *** به عرفوا السعادة والشقاءا

صلوة اللّه دائمة عليه *** ورحمته صباحا أو مساءا

فقد ابقت مودته بقلبي *** نوازع تستطير بي ارتقاءا

ولي في كربلاء غليل كرب *** يواصل ذلك الكرب البلاءا

غداة غدا ابن سعد مستعداً *** لقتل السبط ظلما واعتداءا

فاصبح ظاميا مع ناصريه *** فكل منهم يشكو الظماءا

ولم يالوا مواساة وبذلا *** بانفسهم لسيدهم فداءا

الى أن جُدّلوا عطشا فنالوا *** من اللّه المثوبة والجزاءا

ص: 177

وامسى السبط منفردا وحيدا *** ولم يبلغ من الماء ارتواءا

فاوغل فيهم كالليث لما *** رأى في غيله نعماً وشاءا

ولما أثخنوه هوى صريعا *** فبزوه العمامة والرداءا

وعلّوا رأسه في رأس رمح *** كبدر التم قد نشر الضياءا

وأبرزن النساء مهتكات *** سبايا لسن يعرفن السباءا

فلما أن بصرن به صريعاً *** وقد جعل التراب له وطاءا

تغطيه نصولهم ولكن *** حوامي الخيل كشّفت الغطاءا

سقطن على الوجوه مولولات *** وأُعدِ من التصبر والعزاءا

تناديه سكينة وهي حسرى *** وليس بسامع منها النداءا

أبي ليت المنية عاجلتني *** وكنت من المنون لك الفداءا

أبي لا عشت بعدك لا هنت لي *** حياتي لا تمتعتُ البقاءا

رجوتك ان تعيش ليوم موتي *** ولكن خيّب الدهر الرجاءا

ابي لو تنفع العدوى لمثلي *** على خصمي لخاصمت القضاءا

لو أن الموت قدّمني وأبقى *** حسيناً كان أحسن ما أساءا

ابي شمتَ العدو بنا وأعطى *** مناه من الشماتة حيث شاءا

هتكنا بعد صون في خبانا *** وهتّكت العدى منا الخباءا

ابي لو تنظر الصغرى بذل *** تساق كما يسوقون الاماءا

اذا سلب القناع الرجس عنها *** تخمّر وجهها بيدٍ حياءا

أبي حان الوداع فدتك نفسي *** فعدني بعد توديعي لقاءا

فيا قمراً تغشّاه خسوفٌ *** كما في التم مطلعه أضاءا

ويا غصناً حنت ريح المنايا *** غضاضته كما اعتدل استواءا

ويا ريحانة لشميم طاها *** أعادتها ذوابلهم ذواءا

بكته الأرض والثاوي عليها *** أسى وبكاء مَن سكن السماءا

وقد بكت السماء عليه شجواً *** وأذرت من مدامعها دماءا

سيفنى بالاسى عمري عليه *** ولست أرى لمرزاتي فناءا

ص: 178

سأبكيه وأُسعد من بكاه *** واجعل ندبه ابدا عزاءا

وامدح آل احمد طول عمري *** وأوسع مَن يعاديهم هجاءا

واحفظ عهدهم سراً وجهراً *** ولا أبغي لغيرهم الوفاءا

واعتقد الولاء لهم حياتي *** وممن خان عهدهم البراءا

وأعلم أنهم خير البرايا *** وأفضلهم رجالا أو نساءا

فمن ناواهم بالفضل يوما *** فليس برابحٍ إلا العناءا

ولم يك بالولاء لهم مقرّاً *** لاصبح برّه ابدا هباءا

فيا مولاي وهو لك انتساب *** أنال به لعمرك كبرياءا

اليك من ابن حماد قريضا *** هو الياقوت أو أبهى صفاءا

وقال يمدحه ويذكر بعض مناقبه ويرثي ولده الحسين صلوات اللّه عليهما :

دعوت الدمع فانسكب انسكابا *** وناديت السلو فما اجابا

وهل لك أن يجيب فتى حزينا *** رأت عيناه بالطف اكتئابا

وكيف يملّ شيعيّ منيب *** الى الطف المجيئ أو الذهابا

يحار اذا رأيت الحَيَر فكري *** لهيبته فلم أملك خطابا

وحق لمن حوى ما قد حواه *** من النور المقدس أن يهابا

سلالة أحمد وفتى علي *** فيالك منسبا عجبا عجابا

فكان محمد هنيّ وعزّي *** به عن ربه دأبا فدابا

ربا في حجر جبريل وناعى *** له ميكال وانتحبا انتحابا

وساد وصنوه الحسن المزكى *** من اهل الجنة الغُرّ الشبابا

هما ريحانتا المختار طيبا *** اذا والاهما الشم استطابا

وقرطا عرش رب العرش تبّت *** يدا من سنّ ظلمهما تُبابا

سقي هذا المنون بكاس سمٍّ *** وذاك بكربلا منع الشرابا

سأخضب وجنتي بدماء عيني *** لشيبته وقد نصلت خضابا

وألبس ثوب أحزاني لذكري *** له عريان قد سلب الثيابا

ص: 179

فوا حزنا عليه وآل حرب *** ترويّ البيض منه والحرابا

وواحزنا ورأس السبط يسري *** كبدر التم قد عُلي شَهابا

وواحزنا ونسوته سبايا *** وقد هتك العرى منها الحجابا

وقد سفرت لدهشتها وجوها *** تعوّدت التخمر والنقابا

وقد جزّت نواصيها وشدّت *** بها الأوساط لم تأل انتدابا

وزينب في النساء لها رنين *** يكاد يفطرّ الصمّ الصلابا

تنادي يا أخي ما لليالي *** تجدد كل يوم لي مصابا

فقدتُ أحبتي ففقدت صبري *** وقد لاقيت أهوالاً صعابا

وكنتَ بقية الماضين عندي *** به أسلو اذا ما الخطب نابا

فبعدك من ترى أرجوه ذخراً *** اذا ما الدهر ينقلب انقلابا

وأعظم حسرتي أني اذا ما *** دعوتك لم تردّ لي الجوابا

فلِم أبعدتني يا سؤل قلبي *** وما عوّدتني إلا اقترابا

لو أنّ عُشير ما ألقاه يُلقى *** على زبر الحديد إذن لذابا

أخي لو أن عينك عاينتني *** لما قرّت بكاء وانتحابا

فكنت ترى الأرامل واليتامى *** يحثّ السائقون بها الركابا

وكنت ترى سكينة وهي تبكي *** وتخفي الصوت خوفاً وارتقابا

وفاطمة الصغيرة قد كساها *** شمول الضيم ذلا واكتئابا

تنادي وهي باكية أباها *** وقد هتك العدى منها الحجابا

حلفتُ برب مكة حلف برّ *** ومن أجرى بقدرته السحابا

فما قتل الحسين سوى أناس *** لقتل محمد دفعوا الدبابا

وراموا قتل والده عليّ *** وحازوا إرث فاطمة اغتصابا

سيعلم ظالم الاطهار ماذا *** يُعدُّ له وينقلب انقلابا

وكيف يجيب سائله وماذا *** يعد له اذا ورد الحسابا

كلاب النار كانوا دون شك *** كما يروون ان لها كلابا

فليس يشم ريح الخلد كلب *** ورب العرش يصليه عذابا

ص: 180

ولكن الجنان لنا مقام *** لأنا قد تتبعنا الصوابا

أئمتنا الهداة بهم هدينا *** وطبنا حين والينا الطيابا

رسول اللّه والمولى عليا *** أجل الخلق فرعاً وانتسابا

فذا ختم النبوة دون شك *** وذا ختم الوصيّة لا ارتيابا

وأخاه النبي بأمر رب *** كما عن أمره آخى الصحابا

فصار لنا مدينة كل علم *** وصار لها علي الطهر بابا

ومثّله بهارون المزكى *** ألم يخلف أخاه حين غابا

يسد مسدّه في كل حال *** ويحسن بعده عنه الغيابا

وفي بدرٍ وفي أُحدٍ وسلع *** أجاد الطعن عنه والضرابا

مشاهد حربه لو ان طفلا *** من الاطفال يشهدها لشابا

لو أن الموت شخّص ثم ألوى *** بلحظته اليه لاسترابا

أو الأبطال تلقاه وجوها *** لأخلى الهام منها والرقابا

امير المؤمنين أبو تراب *** واكرم سيد وطأ الترابا

سأمنح من يواليه وصالا *** وأهجر من يعاديه اجتنابا

فان عاب النواصب ذاك مني *** فلا أُعدمت ذيّاك المعابا

وإن يك حب أهل البيت ذنبي *** فلست بمبتغ عنه متابا

أحبّهم وأمنحهم مديحا *** وأوسع مّن يجانبهم سبابا

ولم أمنحهم قط اكتسابا *** ولكنّي مدحتهم ارتغابا

ولن يرجو ابن حماد علي *** بحسن مديحهم إلا الثوابا

فإنهم كفوني عن معاشي *** فلم أحتج بنيلهم اكتسابا

ونلت مآربي بهوى علي *** ومَن يعلق بغير هواه خابا

رأيت لبعض هذا الخلق شعراً *** جليل اللفظ يمتدح الذبابا

كبابٍ علّقوه على خرابٍ *** وحسن الباب لا يغني الخرابا

وكم غيم رجوت الغيث منه *** فكان وقد غررت به ضُبابا

فلو جعل المدائح في علي *** لوافق في مدايحه الكتابا

ص: 181

وقال يرثي الحسين علیه السلام ويمتدح أهل البيت ويذم اعداءهم اذ كانوا فرحين :

دعني أنوح وأسعد النواحا *** مثلي بكى يوم الحسين وناحا

يوم الحسين بكربلاء لعمره *** أضنى الجسوم وأتلف الأرواحا

وكسا الصباح دحى الظلام فلا ترى *** في يوم عاشورا سَناً وصباحا

يا من يسرّ بيومه من بعده *** لانلت في كل الأمور نجاحا

أنسيت سبط المصطفى في كربلا *** فرداً تنافحه النصول كفاحا

عطشان تروي الكفر من أوداجه *** حنقاً عليه أسنّة وصفاحا

متزملا بدمائه فوق الثرى *** يكسوه سافي الذاريات وشاحا

مستشرفاً في رأس رمح رأسه *** كالشمس يتخذ البروج رماحا

حتى إذا نظرت سكينة رأسه *** في الرمح منتصباً عليها لاحا

والجسم عرياناً طريحاً في الثرى *** قد اثخنته ظبى السيوف جراحا

صرخت وخرّت في التراب وأقبلت *** تبكي وتعلن رنّة وصياحا

يا أخت وايتمي ويتمك بعده *** ساء الصباح لنا الغداة صباحا

يا أخت كيف يكون صبر بعده *** فلقد فقدنا السيد الجحجاحا

يا أخت لو متنا جميعاً قبله *** فلقد يكون لنا الممات صلاحا

لأجدّدن ثياب حزني حسرة *** ولأجعلن لي البكاء سلاحا

ولأشربن كؤوس تنغيصى له *** ولأجعلن لي المدامع راحا

ولأجعلن غذاي تعديدي له *** واشاركن بذلك النواحا

حتى أموت صبابة وتلهفا *** وأرى جفوني بالدموع قراحا

يا آل احمد يا مصابيح الهدى *** تهدون مصباحا به مصباحا

اللّه شرّفكم وعظّم قدركم *** فينا وأوضح أمركم ايضاحا

وهو القديم وأنتم البادون لم *** تزلوا بجبهة عرشه أشباحا

أوحى بفضلكم القرآن وقبله *** التوراة والانجيل والالواحا

ص: 182

وأقام كنز الرزق بين عباده *** بكم وصيّر حبكم مفتاحا

مَن ذا يقدر قدركم وصفاتكم *** تفنى المديح وتعجز المداحا

وأنا ابن حماد غذيت بحبكم *** واللّه أفصحني بكم افصاحا

عاديتُ من عاداكم ووليت مَن *** ولاكم ووصلتُ منه جناحا

صلى الاله عليكم يا سادتي *** ما ساد نجمٌ في السماء ولاحا (1)

وقال يرثي ابا عبد اللّه الحسين عليه صلوات اللّه وعلى أصحابه الميامين :

إبك ما عشت بالدموع الغزارِ *** لذراري محمد المختار

شرّدوا في البلاد شرقاً وغرباً *** وخلت منهم عراص الدار

وغزتهم بالحقد أرجاس هند *** وغليل من الصدور الحرار

فكأني بهم عطاشى يُسقو *** ن كؤوس الردى بحدّ الشفار

وكأني أرى الحسين وقد نكس *** عن سرجه تريب العذارى

فهوى شمرٌ اللعين عليه *** وفرى النحر في شبا البتار

ثم علاه في السنان سنان *** يتلألأ كضوء شمس النهار

وكأني بالطاهرات وقد أبر *** زن للسبي من خبا الأخدار

وكأني بزينب إذ رأته *** وهو ملقى على الجنادل عاري

سقطت دهشة ونادت بصوت *** يترك الصخر شجوه بانفطار

يا اخي لا حييتُ بعدك بل لا *** نعمت مقلتي بطيب الغرار

أبرزت للسباء منا وجوه *** طالما صنتها عن الابصار

يا أخي لو ترى سكينة قد *** ألبسها اليتم ذلّة الانكسار

لو تراها تخمّر الرأس بالكُمّ *** حياءا من بعد سلب الخمار

تستر الوجه باليمين وقد *** تمسك حزنا أحشاءها باليسار

لعن اللّه ظالميهم من الناس *** بطول العشي والأبكار

ص: 183


1- عن الديوان المخطوط جمعه الشيخ السماوي.

فابكهم أيها المحب وناصرهم *** بكثر البكا وكثر المزار

رو درى زائر الحسين بما أو *** جبه ذو الجلال للزوار

فله عفوه ورضوانه عنهم *** وحط الذنوب والاوزار

وتناديهم الملائك قد أُعطيتم *** الأمن من عذاب النار

ويقول الاله جلّ اسمه الاعلى *** لمن يهبطون في الأخبار

بشروهم بأنهم أوليائي *** في أماني وذمتي وجواري

وخطاهم محسوبة حسنات *** وخطاهم عفو من الغفّار

وعليه اخلاف ما أنفقوه *** الضعف من درهم ومن دينار

فاذا زرته فزره بإخباتٍ *** ونسكٍ وخشيةٍ ووقار

وادع من يسمع الدعاء من الزا *** ئر في جهرة وفي اسرار

ويردّ الجواب إذ هو حي *** لم يمت عند ربه القهار

ثم طف حول قبره والتثّم تُر *** بة قبر معظم المقدار

فيه ريحانة النبي حسين *** ذلك الطهر خامس الأطهار

وهو خير الورى أباً ثم أماً *** وأبو السادة الهداة الخيار

جده المصطفى ووالده الهادي *** علي من مثله في الفخار

وأنا الشاعر ابن حماد الناظم *** فيهم قلائد الاشعار

قد تمسكت فيهم بالموالاة *** وهاتيك عصمة الابرار

وتغذيت في هواهم وفي الود *** فكانوا شعائري وشعاري

سيط لحمي بلحمهم ودمي فهو *** محل الشعار ثم الدثار

فاذا قال جاهل بي من ذا *** قيل هذا مولى بني المختار

فعليهم صلى المهيمن ما غرّد *** طيرُ على ذرى الاشجار

وقال يرثيه أيضا صلوات اللّه عليه في أيام عاشورا من المحرم :

أآمرتي بالصبر أسرفت في أمري *** أيؤمر مثلي لا أباً لك بالصبر

أفي يوم عاشورا اُلآم على البكا *** ولو أن عيني من دم دمعها يجري

ص: 184

اذا لم أقم في يوم عاشور مأتما *** ولم أندب الاطهار فيه فما عذري

أأنسى حسينا حين أصبح مفردا *** غريبا بارض الطف في مهمه قفر

وشمر عليه لعنة اللّه راكب *** على صدره أكرم بذلك من صدر

يقطّع أوداج الحسين بسيفه *** على حنق منه وينحر بالنحر

وأنسى نساء السبط بادرن حُسّراً *** على عجل حتى تعلقن بالشمر

وقلن له يا شمر فرّقت بيننا *** والبستنا ثوب الاسى أبد الدهر

أتقتل أولاد النبي محمد *** كأنك لا ترجو الشفاعة في الحشر

وقد مرّ بنعاه إلى الاهل مهره *** سليبا فلما أن نظرن الى المهر

هتكن سجوف الخدرعنهن دهشة *** وهان عليهن الخروج من الخدر

وأسرعن حتى إذ رأين مكانه *** وشيبته مخضوبة من دم النحر

ولما رأين الراس في راس ذايل *** كبدر الدجى قد لاح في ربعة العشر

سقطن على حر الوجوه لرهبة *** وايقنّ بالتهتيك والسبى والاسر

وقد قبضت احشاءها بيمينها *** عقيلة آل المصطفى أحمد الطهر

تضم علياً تارة نحو صدرها *** واخرى صغاراً هجهجتهم يد الذعر

وتدعو حسينا يا بن أمِّ تركتني *** أعاني الأيامى واليتامى من الضر

ففي مقلتي دمع يدافع مقلتي *** وفي كبدي جمر يبَرّد بالجمر

سابكيك عمري يا بن بنت محمد *** واسعد من يبكي عليك مدى عمري

فيا غائبا في خطة القدس حاضرا *** ويا ناظراً من حيث ندري ولا ندري

متى ينجز الوعد الذي قد وعدته *** وتاتي به الأوقات من زاهر العصر

حقيق على الرحمن انجاز وعده *** وتبليغه حتى نرى راية النصر

قيام إمام لا محالة قائم *** يقيم عماد الدين بالبيض والسمر

يقوم بحكم العدل والقسط والهدى *** يوازره عيسى ويشفع بالخضر

لعل ابن حماد يجرّد سيفه *** ويقتص من أعداء ساداته الغر

فان قصرت كفي بيومي فانني *** ساقتلهم باللعن في محكم الشعر

فيا نفس صبراً ثم صبراً على الاذى *** فكم أعقبت لي النجح عاقبة الصبر

ص: 185

ويا عترة الهادي سلام عليكم *** من اللّه والعبدي في مدة الدهر (1)

وقال يرثي الحسين ايضا صلوات اللّه عليه وعلى جده وابيه وامه واخيه :

هل لجسمي من السقام طبيبُ *** أم لعيني من الرقاد نصيبُ

ما عجيب بقاء سقمي ولكنّ *** بقائي على السقام عجيب

ما ذكرت الحسين إلا علتني *** زفرات يعلولهنّ لهيب

يا غريب الديار إن اصطباري *** للذي قد لقيته لغريب

يا سليب الرداء خلّفت قلبي *** وهو من بردة العزاء سليب

يا خضيب الشيب المعظم بالدم *** تركت الأديم وهو خضيب

بابي انت ظامئا تمنع الماء *** وماء الفرات منك قريب

بابي وجهك المضيء المدمى *** بابي جسمك العفير التريب

بابي رأسك القطيع المعلّى *** بابي ثغرك القريع الشنيب

يرشف المصطفى ثناياك حُباً *** ثم يثنى بقرعهن القضيب

بابي أهلك السبايا حيارى *** تعتريهن ذلّة وخطوب

بابي زينب وقد أبرزت تدعو *** بشجوٍ ودمعها مسكوب

يا اخي كنت ارتجيك لكربي *** فتهاوت على فؤادي الكروب

مَن لهذا العليل مَن للمذاعير *** كفيل مَن للنساء رقيب

كم انادي وأنت تسمع صوتي *** وترى موقفي وليس تجيب

أيها الغائب الذي ليس يرجى *** لأياب علامَ هذا المغيب

طاب عيشي ما دمت حياً فلما *** بنتَ عنا فأي شيء يطيب

يا بني أحمد السلام عليكم *** من محب له فؤاد كئيب

ما لكم في الندى شبيه ولا في *** المجد والاصل والفخار ضريب

انتم باب حطة في البرايا *** وبكم يغفر الخطأ والذنوب

ص: 186


1- عن الديوان المخطوط.

وباسمائكم على آدم قد تاب *** رب العلى وفيها يتوب

ولكم ترتضى الشفاعة في الحشر *** اذا تحشر الورى وتؤب

واليكم ايابهم وعليكم *** درجات الحساب والترتيب

وبايديكم الجنان مع النيران *** أعطاكم الاله الوهوب

فلعمر الباري رجاء ابن حماد *** غداً في هواكم لا يخيب (1)

وقال يرثي الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما وسلامه ويمدحهما :

خليلي عج بنا نطل الوقوفا *** على من نوره شمل الطفوفا

ونبكِ لمن بكى جبريل حزناً *** له ونعاه حيرانا أسيفا

إماماً من بني الهادي علي *** وبدراً طالعاً وافى خسوفا

وناد بحرقة وبطول كرب *** اذا شاهدت مشهده الشريفا

وقل يا خيرَ مَن صلى وزكى *** وسيل الجود والعلم المنيفا

قتلتً بكربلا والذين لما *** غدا دين الاله لك الحليفا

على ايّ الرزايا يا لقومي *** أنوح واسكب الدمع الذروفا

أأبكى منه اعضاء عظاما *** تناهبت الأسنة والسيوفا

فاشلاء تقلّبها الحوامي *** وأوداجاً تسيل دماً نزيفا

ورأساً لا تطوف به الدياجي *** به في سائر البلدان طيفا

أأبكي للأرامل واليتامى *** أأبكي مدنفاً حرضاً ضعيفا

أأبكي زينباً تدعو أخاها *** وتندبه ولم تسطع وقوفا

أأبكي إذ سروا أسرى تسوق *** الحداة بظعنهم سوقاً عنيفا

سأبكي ما حييتُ دماً عليهم *** وألعن من أنا لهأم الحتوفا

فلا رحم الإله لهم نفوساً *** ولا سقى الحيا لهم جدوفا

سألعن ظالميهم طول عمري *** وضيعاً كان منهم أو شريفا

ص: 187


1- عن الديوان المخطوط.

فكم من باطل قد أظهروه *** وحق أنكروه فما أحيفا

ألا يآل طاها إن قلبي *** لذكر مصابكم أمسى لهيفا

إذا صادفت في حزن أناساً *** أكون لهم من كم أليفا

أومل عندكم جنات عدنٍ *** تحفّ الصالحات بها حفوفا

ولا أخشى هنالك كل ذنب *** فانكم تجيرون المخوفا

وإن اللّه شفعكم بأهل *** الولا كرما وكان بكم رؤفا

وان عليا العبدي ينشى *** بمدحكم القوافي والحروفا

ويرجو أن تلقّوه الأماني *** الجماح وأن توقّوه الصروفا

صلاة اللّه والالطاف تتلو *** عليكم وهو لم يزل اللطيفا (1)

وقال يرثي الحسين عليه الصلوة والسلام وعلى جده وابيه وامه واخيه وبنيه :

هن بالعيد إن أردت سوائي *** أي عيد لمستاح العزاءِ

ان في مأتمي عن العيد شغلا *** فألهُ عني وخلني بشجائي

فاذا عيّد الورى بسرور *** كان عيدي بزفرة وبكاء

واذا جدّدوا ثيابهم جددت *** ثوبي من لوعتي وضنائي

واذا أدمنوا الشراب فشربي *** من دموع ممزوجة بدماء

وعويلي على الحسين غنائي *** واذا استشعروا الغناء فنوحي

وقليل لو متّ هماً ووجدا *** لمصاب الغريب في كربلاء

أيهنى بعيده مَن مواليه *** أبادتهم يد الاعداء

آه يا كربلاء كم فيك من *** كرب لنفس شجيّة وبلاء

أألذ الحياة بعد قتيل الطف *** ظلما إذن لقلّ حيائي

كيف التذّ شرب ماء وقد جرّ *** ع كأس الردى بكرب الظماء

ص: 188


1- عن ديوان المخطوط.

كيف لا أسلب العزاء اذا *** مثلته عاريا سليب الرداء

كيف لا تسكب الدموع عيوني *** بعد تضريج شيبه بالدماء

تطأ الخيل جسمه في ثرى الطف *** وجسمي يلتذّ لين الوطاء

بابي زينب وقد سبيت بالذ *** ل من خدرها كسبي الاماء

فاذا عاينته ملقى على التر *** ب مُعرّىً مجدلا بالعراء

أقبلت نحوه فيسمعها الشمر *** فتدعو في خيفة وخفاء

أيها الشمر خلني اتزود *** نظرة منه فهي أقصى منائي

ثم تدعو الحسين لِم يا شقيقي *** وابن امي خلفتني بشقائي

يا أخي يومك العظيم برى عظمي *** وأضنى جسمي وأوهى قوائي

يا اخي كنت ارتجيك لموتي *** وحياتي فخاب مني رجائي

يا أخي لو فدى من الموت شخص *** كنتُ أفديك بي وقلّ فدائي

يا أخي لا حييتُ بعدك بل لا *** عشت إلا بمقلة عمياء

آه واحسرتي لفاطمة الصغرى *** وقد أبرزت بذل السباء

كفها فوق رأسها من جوى الثكل *** وكف أخرى على الاحشاء

فاذا ابصرت أباها صريعاً *** فاحصاً باليدين في الرمضاء

لم تُطق نهضة اليه من الضعف *** فنادته في خفي النداء

يا أبي مَن ترى ليتمي وضعفي *** يا ابي أو لمحنتي وابتلائي

يا بني احمد السلام عليكم *** ما أنارت كواكب الجوزاء

انتم صفوة الاله من الخلق *** ومن بعد خاتم الانبياء

ونجوم الهدى بنوركم تُهدى البرايا *** في حندس الظماء

انا مولاكم ابن حماد اعدد *** تكمو في غد ليوم جزائي

ورجائي أن لا أخيب لديكم *** واعتقادي بكم بلوغ الرجائي (1)

ص: 189


1- عن الديوان المخطوط.
وقال ايضا يرثيه صلوات اللّه عليه :

دعا قلبه داعي الوعيد فاسمعا *** وداعي مبادى شيبه فتورعا

وأيقن بالترحال فاعتدّ زاده *** وحاذر من عقبى الذنوب فاقلعا

الى كم وحتام اشتغالك بالمنى *** وقد مرّ منك الاطيبان فودعا

أيقنع بالتفريط في الزاد عاقل *** رأى الرأس منه بالمشيب تقنعا

إذا نزع الانسان ثوب شبابه *** فليس يرى إلا الى الموت مسرعا

وشيبك توقيع المنون مقدما *** لتغدو لموت في غدٍ متوقعا

أتطمع أن تبقى وغيرك ما بقي *** فلست ترى للنفس في العيش مطمعا

تدافع بالآمال عن أخذ إهبة *** ليوم اذا ما حمّ لم تغن مدفعا

وتسأل عند الموت ربّك رجعة *** وهيهات أن تعطى هنالك مرجعا

أما لك اخوان شهدت وفاتهم *** وكنتَ لهم نحو القبور مشيّعا

وانت فعن قرب إلى الموت صائر *** وينعاك للاخوان ناع لهى نعى

وكم من أخ قد كنت واريته الثرى *** واضجعته بين الأحبة مضجعا

جرت عينه النجلا على صحن خده *** فاصبح بين الدود نهبا موزعا

وانت كضيف لا محالة راحل *** ومستودع ما كان عندك موعا

تلاقي الذي فرطت فاستدرك الذي *** مضى باطلا واصنع من الخير مصنعا

ولا تطلب الدنيا الغرور فانما *** هلاكك منها أن تغر وتخدعا

فقد جعلت دار الفجايع والاسى *** فلست ترى الا مُرزاً مفجّعا

كفاك نجير الخلق آل محمد *** أصابهم سهم المصائب أجمعا

تخطّفهم ريب المنون بصرفه *** فأغرب بالارزاء فيهم وأبدعا

وقفت على أبياتهم فرأيتها *** خراباً يبابا قفرة الجو بلقعا

وان لهم في عرصة الطف وقعة *** تكاد لها الأطواد أن تتزعزعا

غزتهم بجيش الحقد امة جدهم *** ولم ترع فيهم مَن لهم كان قد رعى

كأني بمولاي الحسين وصحبه *** وجيش ابن سعد حوله قد تجمعا

ص: 190

وقد قام فيهم خاطباً قائلا لهم *** ولم يك من ريب المنون ليجزعا

ألم تأتني يا قوم بالكتب رسلكم *** تقولون عجّل نحونا السير مسرعا

فانا جميعاً شيعة لك لا نرى *** لغيرك في حق الامامة موضعا

وقد جئت للعهد الذي لي عليكم *** فما عندكم في ذاك قولوا لا سمعا

فقالوا له ما هذه الكتب كتبنا *** فقال لهم خلّوا سبيلي لارجعا

فقالوا له هيهات بل لنسوقكم *** الى ابن زياد كارهين وخُضّعا

فان لم تجيبوا فالأسنة بيننا *** تجرّعكم أطرافها السم منقعا

فقال لهم يا ويلكم فتباعدوا *** عن الماء كي نروى فقالوا له معا

سنوردكم حوض الردى قبل ورده *** ومالوا عليه بالأسنةُ شرّعا

فبادر أصحاب الحسين اليهم *** فرادى ومثنى حاسرين ودرّعا

إذا ما دنوا نحو الشريعة من ظما *** رأوا دونها زرق الأسنة مشرعا

لقد صبروا لا ضيّع اللّه صبرهم *** ولم يك عند اللّه صبر مضيّعا

الى أن ثووا صرعى على الترب حوله *** فلله ذاك المصرع الفذّ مصرعا

فهاجوا على المولى وقد ظل وحده *** فقل حُمرٌ لاقت هزبراً سميدعا

يشدّ عليهم شدةً علوية *** يظل نياط القلب منها مقطعا

كشد أبيه في الهياج وضربه *** وهل تلد الشجعان إلا المشجعا

الى أن هوى عن سرجه متعفراً *** يلاحظ فسطاط النساء مودّعا

وأقبل شمر الرجس فاحتز راسه *** وخلّف منه الجسم شلواً مبضعا

وشال سنان في السنان كريمه *** كبدر الدجى وافى من التمّ مطلعا

ومالوا على رحل الحسين وأهله *** فيا يومهم ما كان أدهى وأفظعا

فلو تنظر النسوان في ذلة السبا *** يسقن على رغم عطاشى وجوّعا

وزينب ما تنفك تدعو باختها *** أيا أخت ركني قد وهى وتضعضعا

أيا اخت من بعد الحسين نعدّهُ *** لحادثة الايام حصنا ممنعا

أيا اخت هذا اليوم آخر عهدنا *** فبعد حسين قط لن نتجمعا

أيا اخت لو أن الذي بي من الاسى *** برضوى إذن لا نهدّ أو لتزعزعا

ص: 191

فيا مؤمنا في دينه متشيّعاً *** ولا مؤمن إلا الذي قد تشيعا

اتذبح في يوم به ذبح العدى *** إمامك فاعثر عفر خديك لالعا

ويألف في عاشور جنبك مضجعا *** وترب الثرى أضحى لمولاك مضجعا

ويضحك منك الثغر من بعد ماغدا *** به ثغر مولاك الحسين مُقرّعا

وينهب فيه رحل آل محمد *** وبيتك فيه لا يزال موسعا

فيا ليت سمعي صم عن ذكر يومه *** ويا ليت لم يخلق لي اللّه مسمعا

سأبكي دما بعد الدموع لفقده *** وإن يك لم يترك لي الحزن مدمعا

برئت الى الرحمن ممن شناهم *** ولا زلت أبكيهم الى أن اشيعا

ومن ذا يلاحيني ومن ذا يلومني *** على بغض من يشنا الشفيع المشفعا

ولائي لهم شفع البرَا من عدوّهم *** لذلك أرجوهم غداً لي شُفعا

أو الي الذي سُمّي لكثرة علمه *** بطينا كما سمي من الشرك أنزعا

اشنا الذي لم يقض حق محمد *** وأجمع أن تلغى الحقوق وتمنعا

ومدح ابن حماد لآل ومحمد *** سيجزي بيوم المرء يجزى بما سعى (1)

وقال يرثيه صلوات اللّه عليه :

خواطر فكري في حشاي تجولُ *** وحزني على آل النبي يطولُ

أراق دموعي ظلم آل محمد *** وذلك رزء لو علمت جليل

تهون الرزايا عند ذكر مصابهم *** وقتلي نفسي في المصاب قليل

فذلك خطب في الزمان جليل *** وأمر عنيف في الانام مهول

مصارع أولاد النبي بكربلا *** يزلزل أطواد الحجى ويزيل

فايّ امرءٍ يرنو قبورهم بها *** وأحشاؤه بالدمع ليس تسيل

قبور عليها النور يزهو وعندها *** صعود لا ملاك السماء ونزول

قبور بها يستدفع الضر والاذى *** ويعطي بها رب العلى وينيل

ص: 192


1- عن الديوان المخطوط.

أتيت اليها زائراً يستشفني *** هوً وولاء ظاهر ودخيل

ولما رأيت الحَير (1) حارت مدامعي *** وكان لها من قبل ذاك همول

ومُثّل لي يوم الحسين ووعظه *** لاعدائه بالطف وهو يقول

أما فيكم يا أيها الناس راحم *** لعترة أولاد النبي وصول

أأقتل مظلوماً وقدماً علمتم *** بأن ليس لي في العالمين عديل

أليس أبي خير الوصيين كلهم *** أما أنا للطهر النبي سليل

أما فاطم الزهراء أمي ويلكم *** وعماي حقاً جعفر وعقيل

دعوني أرد ماء الفرات ودونكم *** لقتلي فعندي بالظماء غليل

فنادوه مهلا يا بن بنت محمد *** فليس الى ما تبتغيه سبيل

ومالوا عليه بالاسنة والظبى *** لها في حشاه رنة وصليل

فديتك روحي يا حسين ومهجتي *** وانت عفير في التراب جديل

تشلّ على جثمانك الخيل شزبا *** ورأسك في راس السنان مشيل

وجسمك عريان طريح على الثرى *** عليه خيول الظالمين تجول

بناتك تسبى كالاماء حواسراً *** ونجلك ما بين العداة قتيل

وزينب تدعو يا حسين وقلبها *** جريح لفقدان الحسين ثكول

أخي يا أخي قد كنت عزي ومنعتي *** فأصبح عزي فيك وهو ذليل

أخي يا أخي لم أعط سؤلي ولم يكن *** لاختك مأمول سواك وسول

أخي لو رأت عيناك ما فعل العدى *** بنا لرأت أمراً هناك يهول

رحلنا سبايا كالاماء حواسراً *** يجدّ بنا نحو الشام رحيل

أخي لا هنت لي بعد فقدك عيشتي *** ولا طاب لي حتى الممات مقيل

اذا كنت أزمعت الرحيل فقل لنا *** أمالك من بعد الرحيل قفول

اقول كما قد قال من قبل والدي *** وادمعه بعد البتول همول

أرى علل الدنيا علي كثيرة *** وصاحبها حتى الممات عليل

ص: 193


1- الحير هو المكان الذي يحير فيه الماء ولذلك سمي موضع مقتل الحسين (عليه السلام)بالحائر.

لكل اجتماع من خليلين فرقة *** وإن بقائي بعدكم لقليل

يري الفتى أن لا يفارق خلّه *** وليس الى ما يبتغيه سبيل

وان افتقادي فاطما بعد أحمد *** دليل على أن لايدوم خليل

عليكم سلام اللّه يا خيرة الورى *** ومَن فضلهم عند الاله جليل

بكم طاب ميلادي فان ودادكم *** على طيب ميلاد الانام دليل

وانكم أعلى الورى عند ربكم *** إذ الطرف في يوم المعاد كليل

وان موازين الخلائق حبكم *** خفيف لمن يأتي به وثقيل

وانكم يوم المعاد وسيلتي *** وما لي سواكم في الأنام وسيل

فاصفيتكم ودي ودنت بحبكم *** مقيماً عليه لست عنه أحول

فسمعا لها بكر الرثاء إذا بدت *** تتيه على أقرانها وتطول

منمقة الألفاظ من قول قادر *** على الشعر إن رام القريض يقول

لساني حسام مرهف الحد قاطع *** ورائي سديد في الأمور جميل

وذلك فضل من إلهي ونعمة *** وفضل إلهي في العباد جزيل

ألا رب مغرور بحلمي ولو درى *** لكان الى خير الأمور يؤل

تشبه لي في الشعر عجزاً وسرقة *** ( وليس سواء عالم وجهول )

ولولا حفاظ العهد بيني وبينه *** لقلت ولكن الحليم حمول

كفى أن مَن يهوى غواة أراذل *** لئام تربّوا في الخنا ونغول

وإنب بحمد اللّه ما بين عصبة *** لهم شيم محمودة وعقول

فقل للذي يبغي عنادي لحينه *** رويداً رويداً فالحديث يطول

سيعطي ابن حماد من الآل سؤله *** ويعلوه ظل في الأنام ظليل

فآمِل آلِ اللّه ينجو وغيره *** يتاه به عن قصده ويميل (1)

ص: 194


1- عن الديوان المخطوط.
وقال يرثي الحسين علیه السلام :

أتشبيبا وقد لاح المشيبُ *** وشيب الرأس منقصة وعيبُ

بياض الشيب عند البيض عار *** وداءٌ ما له أبداً طبيب

وما الانسان قبل الشيب إلا *** سديد قوله سهم مصيبُ

فان نزل المشيب فذاك وعظ *** نذير بعده الحتف القريب

وليس اللّهو يجمل والتصابي *** اذا ولّى الشباب ولا يطيب

فكفي هذه واليك عني *** فما يغترّ بالدنيا لبيب

دعيني من دلالك والتمني *** فلي جدّ تولاه الشحوبُ

ولي بالغاضرية عنك شغل *** باشجان لها كبدي تذوبُ

وذكرى للحسين بها فؤادي *** يشب لظى واجفاني تصوب

لما قد ناله من آل حرب *** وما قامت لهم معه حروبُ

فقد كانوا خداعا كاتبوه *** بكتبٍ شرحها عجب عجيب

بانك انت سيدنا فعجّل *** فقد حنت لرؤيتك القلوب

وليس لنا إمام فيه رشد *** سواك ليهتدي فيه المريب

ولكن أضمروا بغضاً وحقدا *** ضغائن في الصدور لها لهيب

تشبّ سعيرها بدر واحد *** وخيبر والأسارى والقليب

ويذكي النهر وان لها لظاها *** وصفين وهاتيك الخُطوب

فتلك وقائع قتلت رجال *** وضيم بهن شبان وشيب

فلما جاء محتملا اليهم *** وناداهمه عصوه ولم يجيبوا

فقال لهم ألا يا قوم خنتم *** وكان الغدر فيكم والشغوب

أتتنى كتبكم فأجبت لمّا *** دعوتم ضُرّعاً وأنا المجيب

فخلوا إن تخاذلتم سبيلي *** فان الأرض تمنع مَن يجوب

فقالوا لا سبيل لما تراه *** ولستَ تعود عنا أو تؤب

ومالوا بالاسنة مشرعات *** تسدّ سبيله مها الكعوب

ص: 195

فظل محامياً يسطو عليهم *** بذات شبا تواصلها شعوب

الى أن غاله سهم المنايا *** فخر وصدره بدم خضيب

وراح المهر ينعاه حزينا *** يُحمحم والصهيل له نحيبُ

فلما أن رأين السرج ملقى *** بجنبٍ والعنان له جنيب

خرجن وقلن قد قتل المحامي *** بحومتها فشُققت الجيوب

وجئنَ صوارخاً والشمر جاثٍ *** ليذبحه وفي يده القضيب

فصاحت زينب فيه وظنّت *** تدافعه ومدمعها سكوبُ

تقول له يا شمر دع لي *** اخي فهو المؤمل والحبيب

فما أبقى الزمان لنا سواه *** كفيلاً حين ندعوه يجيب

وساروا بالسباء الى يزيد *** لأرض الشام تحملهن نيب

فكم من نادبات يا أبانا *** وكم من صائحات يا غريب

وظل السبط شلواً في الفيافي *** تقلّبه الشمائل والجنوب

وتكسوه من الحلل السوافي *** فمنها برده أبداً قشيب

اذا هبّت عليه الريح طابت *** ودام لها به أوجٌ وطيب

ولم تزل الأنوف تشم منها *** عبيراً كلما حصل الهبوب

فذب يا قلب من حزن عليه *** وهل قلب دراه ولا يذوب

وصُبي الدمع يا عيني صباً *** فما فضل السحابة لا تصوب

ودونك يا بن خير الخلق نظما *** زهى فكأنه الفنن الرطيب

يوازن ما نظمت بكم قديماً *** ذريني من دلالك يا خلوب

فما العبدي عبدكم علي *** ليطرفكم بما لا يستطيب

رثاكم والدي قبلي وأوصى *** بأني لا أغبّ ولا أغيب

فوفوا لي الشفاعة يوم حشري *** فقد كثرت على صحفي الذنوب

ووفوا والدي ما كان يرجو *** فسائلكم لعمري لا يخيب

سقى اجدائكم غيث ملثّ *** يروّيها له سحّ سكوب

ولا زالت صلوة اللّه تترى *** عليكم ما شدا طير طروب

ص: 196

ولا انفكت لعائنه تنوب الا *** ولى سآؤكم فيما ينوب (1)

وقال يرثيه علیه السلام :

أرى الصبر يفنى والهموم تزيد *** وجسمي يبلى والسقام جديد

اذا ما تعمدت السلو لخاطري *** أباه فواد للهموم عتيد

وذكرني بالحزن والنوح والبكا *** غريب باكناف الطفوف فريد

يودع أهليه وداع مفارق *** لهم أبد الايام ليس يعود

كأني بمولاي الحسين وصحبه *** كانهم بين الخميس أسود

عطاشى على شاطى الفرات فما لهم *** سبيل الى شرب المياه ورود

فيا ليتني يوم الطفوف شهدتهم *** وكنتُ بما جادوا هناك أجود

لقد صبروا لا ضيع اللّه أجرهم *** الى أن فنوا من حوله وأبيدوا

وقد خرّ مولاي الحسين مجدلا *** يرى كثرة الاعداء وهو وحيد

وجاء اليه الشمر فاحتز رأسه *** مجيء نحوس وافقته سعود

وساقوا السبايا من بنات محمد *** يسوقهم قاسي الفؤاد عنيد

وفاطمة الصغرى تقول لاختها *** وقد كضّها جهدٌ هناك جهيد

أخي لقد ذابت من السير مهجتي *** سلي سائق الاضعان اين يريد

فقالت وقد أبدت من الثكل ضرّها *** مقالا تكاد الارض منه تميد

ونادت بصوت قد بكى منه حاسد *** فما حال من يبكي عليه حسود

فَنى جَلَدي يابن الوصي وليس لي *** فواد على ما قد لقيتُ جليد

فيا غائباً لا يرتجى منه أوبةٌ *** مزارك من قرب الديار بعيد

ظننت بأن تبقى فآيسني الرجا *** ويأس الرجا أمر عليّ شديد

سيعلم أعداء الحسين ورهطه *** إذا ما هُم يوم المعاد أعيدوا

وأقبلت الزهراء فاطم حولها *** ملائكة الرب الجليل جنود

وفي يدها ثوب الحسين مضمخ *** دماً ودجٌ يجري به ووريد

ص: 197


1- عن الديوان المخطوط.

فتبكي لها الأملاك كلاً وعندها

ينادي منادي الحق أين يزيد

فيؤتى به سحباً ويؤتى بقومه

وأوجههم بين الخلائق سود

فيأمر ذو العرش المجيد بقتلهم

فان قتلوا من بعد ذاك أعيدوا

وتقتلهم أبناء فاطم كلهم

وشيعتهم والعالمون شهود

ويحشرهم ربي الى ناره التي

يكون بها للظالمين خلود

إذا نضجت فيها هناك جلودهم

أعيدت لهم من بعد ذاك جلود

فما فعلت عاد قبيح فعالهم

ولا استحسنت ما استحسنته ثمود

فيا سادتي يا آل بيت محمد

ومَن هم عمادٌ للعلى وعمود

علي بن حماد بمدحكم نشا

فكان له غيش بذاك حميد

حلفت بمن حج الملبّون بيته

ووافت له بعد الوفود وفود

بأن رسول اللّه أكرم من مشى

ومن حملته في المهامه قود

وان علياً أفضل الناس بعده

وسيدها والناس بعد مسود

وان بنيه خير من وطأ الحصا

وطهّر آباء له وجدود

فلولاهم لم يخلق اللّه خلقه

ولم يك وعد فيهم ووعيد

وما خلقوا إلا ليمتحن الورى

فيشقى شقيٌ أو يفوز سعيد

فهم علّة الايجاد دون سواهم

ولولاهم ما كان ثمّ وجود

عليهم سلام اللّه ما ذرّ شارق

وما اخضر يوماً في الاراكة عود

وما حبّر العبدي فيهم مدائحا

فيحسن في تحبيرها ويجيد (1)

ص: 198


1- عن الديوان المخطوط. هذه نماذج من شعر ابن حماد العبدي ولو اردت استقصاء جميع ما قال في أهل البيت لوجب أن أفرد له مجلداً خاصاً به من هذه الموسوعة وقد أشار شيخنا الاميني سلمه اللّه الى أوائل قصائده ومطالعها وقال : هناك قصائد تعزى الى شاعرنا ابن حماد العبدي في بعض المجاميع وهي لابن حماد محمد المتأخر عن المترجم له بقرون ، منها قصيدة مطلعها : لغير مصاب السبط دمعك ضائع *** ولا انت ذا سلو عن الحزن جازعُ وقفنا على تمام هذه القصيدة وفي آخرها : لعلّ ابن حمّاد محمد عبدكم *** له في غد خير البرية شافع

أحمد بن الحسين بديع الزمان الهمداني

اشارة

يا لُمّةً ضرب الزما *** ن على معرسّها خيامه

لله درّك من خزا *** مى روضة عادت ثغامه

لرزيّة قامت بها *** للدين أشراط القيامه

لمضرّجٍ بدم النبو *** ة ضارب بيد الإمامه

متقسّم بظبا السيو *** مجرّع منها حمامه

منع الورود وماؤه *** منه على طرف الثُمامه

نصّب ابن هند رأسه *** فوق الورى نصب العلامه

ومقبّل كان النبي *** بلثمه يشفي غرامه

قرع ابن هند بالقضي- *** -ب عذابه فرط استضامه

وشدا بنغمته علي- *** -ه وصبّ بالفضلات جامه

والدين أبلج ساطع *** والعدل ذوخال وشامه

يا ويح من ولى الكتا *** ب قفاه والدنيا أمامه

ليضرسنّ يد الندا *** مة حين لا تغني الندامه

وليدركنّ على الغرا *** مة سوء عاقبة الغرامه

وحمى أباح بنو أمي- *** -ة عن طوائلهم حرامه

حتى اشتفوا من يوم بد *** ر واستبدوا بالزعامه

ص: 199

لعنوا أمير المؤمني- *** -ن بمثل إعلان الإقامه

لِم لا تخرّي يا سما *** ء ولم تصبّي يا غمامه

لم لا تزولي يا جبا *** ل ولم تشولي يا نعامه

يا لعنة صارت على *** أعناقهم طوق الحمامه

إن العمامة لم تكن *** للئيم ما تحت العمامه

من سبط هند وابنها *** دون البتول ولا كرامه

يا عين جودي للبقي- *** -ع وزرّعي بدم رغامه

جودي بمذخور الدمو *** ع وأرسلي بدداً نظامه

جودي بمشهد كربلا *** ء فوفري مني ذمامه

جودي بمكنون الدمو *** ع أجد بما جاد ابن مامه (1)

ص: 200


1- أعيان الشيعة ج 8 ص 331.
أبو الفضل احمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن يسر الهمذاني الملقب ببديع الزمان.

ولد في 13 جمادى الآخرة 358 وقيل 353 بهمدان وتوفي سنة 398 بهراة (1) وقد أربى على أربعين سنة كما في اليتيمة. والهمذاني نسبة الى همدان بفتح الهاء والميم والذال المعجمة. والمدينة المشهورة ببلاد الجبل. في أمل الآمل : إمامي المذهب ، فاضل جليل ، حافظ أديب منشئ له المقامات العجيبة وله ديوان شعر وكان عجيب البديهة والحفظ. كان شاعراًً وكاتباً ولغوياً وفي تذكرة سبط بن الجوزي قال : ومن شعر بديع الزمان قوله :

يا دار منتجع الرسالة *** بيت مختلف الملائك

يابن الفواطم والعواتك *** والترائك والارائك

أنا حائك إن لم اكن *** مولى ولائك وابن حائك

أقول وجاء في مجمع البحرين للشيخ الطريحي : ذكر حائك عند ابي عبد اللّه علیه السلام وانه ملعون فقال علیه السلام : إنما ذلك الذي يحوك الكذب على اللّه ورسوله. ومثله قول البديع الهمداني ( يا دار منتجع الرسالة ) الابيات وقال النسابة في كتابه ( منتقلة الطالبية ) : قال بديع الزمان الهمداني يمدح ابا جعفر محمد بن موسى محمد بن القاسم بن حمزة بن الكاظم علیه السلام .

ص: 201


1- وهراة بافغانستان.

أنا في اعتقادي للتسنن *** رافضيّ في ولائك

وإن انشغلت بهؤلا *** ء فلست أغفل عن أولئك

يا عقد منتظم النبوة *** بيت مختلف الملائك

يابن الفواطم والعواتك *** والترائك والارائك

انا حائك إن لم أكن *** عبدا لعبدك ، وابن حائك

وجاء في الكنى والالقاب : ابو الفضل احمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني الشاعر المشهور فاضل جليل إمامي أديب منشئ له المقامات وهو مبدعها ونسج الحريري على منواله وزاد في زخرفتها وطبعت المقامات مكرراً وطبع بعضها مع ترجمتها باللغة الانكليزية في مدارس ، وكان بديع الزمان معجزة همدان ومن أعاجيب الزمان ، يحكى انه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي اكثر من خمسين بيتاً فيحفظها كلها ويؤديها من أولها الى آخرها لا يخرم منها حرفاً ، وينظر في أربع أو خمس أوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة ثم يمليها عن ظهر قلبه ، وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيات العربية فيجمع فيها بين الابداع والاسراع ، ومن كلماته البديعة :

الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه وكذلك الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه.

وحكي انه مات بالسكتة وعجل دفنه فأفان في قبره وسمع صوته بالليل وانهم نبشوا قبره فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر. وذكره الثعالبي في يتيمة الدهر من جملة شعراء الصاحب بن عباد وأثنى عليه.

وجاء في روضات الجنات : أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف ببديع الزمان كان من أجلاء شعراء الامامية وكتابهم صاحب المقالات الرائقة والمقامات الفائقة ، وعلى منواله مسج الحريري مقاماته واحتذى

ص: 202

حذوه واقتفى أثره واعترف في خطبته بفضله وانه الذي أرشده الى سلوك ذلك المنهج وعبّر عنه هنالك ببديع الزمان وعلامة همدان وقد صحب الصاحب الكبير اسماعيل بن عباد الوزير الى ان صار من خواصه وندمائه ، وله ديوان شعر مشهور ومن شعره قوله من قصيدة طويلة :

وكان يحكيك صوب الغيث منسكبا *** لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا

والدهر لو لم يخُن والشمس لو نطقت *** والليث لو لم يصُد والبحر لو عذبا

ومن شعره في ذم همدان :

همدان لي بلد أقول بفضله *** لكنه من اقبح البلدان

صبيانه في القبح مثل شيوخه *** وشيوخه في العقل كالصبيان

قال جرجي زيدان في آداب اللغة العربية : وكان سريع الخاطر قوي البديهة يقترح عليه نظم القصيدة أو إنشاء الرسالة فيفرغ منها في الوقت والساعة وربما يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدأ بآخر سطر منه وهلم جر الى الأول وله من المؤلفات ، رسائل مجموعة في كتاب يعرف برسائل بديع الزمان طبعت في الآستانة سنة 1298 ه- وفي بيروت سنة 1890 م وديوان شعر منه نسخة خطية في مكتبة باريس وقد طبع بمصر سنة 1321 ه- ومقامات تعرف باسمه وهي أقدم كتاب وصل الينا في هذا الفن عن فنون اللغة.

وقال في ارجوزة :

يا آل عصم انتم أولوا العِصم *** لم توسموا إلا بنيران الكرم

لا ينزع اللّه سرابيل النعم *** عنكم فلا تخطوا بها دون الامم

طابت مبانيكم وطبتم لا جرم *** يا سادة السيف وأرباب القلم

تهمى سجاياكم بعقيان ودم *** انتم فصاح ما خلا في لا ولم

الجار والعرض لديكم في حرم *** والمال للآمال نهب مقتسم

ص: 203

انتم اسود المجد لا اسد الأجم *** يا سيداً نيط له بيت القدم

بالعمد الأطول والفرع الأشم *** هل لك ان تعقد في بحر الشيم

عارفة تضرم ناراً في علم *** ويقصر الشكر عليها قل نعم

اما وانعامك انه قسم *** وثغر مجد في معاليك ابتسم

انك في الناس كبرء في سقم *** يا فرق ما بين الوجود والعدم

وبُعد ما بين الموالي والخدم *** ما أحد كهاشم وان هشم

ولا امرؤ كحاتم وان حتم *** ليس الحدوث في المعالي كالقدم

ولا شباب النبت فيها كالهرم *** شتان ما بين الذناني والقمم

ومن شعره :

يقولون لي لا تحب الوصي *** فقالت الثرى بفم الكاذب

أحب النبي وأهل النبي *** وأختص آل أبي طالب

واعطي الصحابة حق الولاء *** وأجري على السنن الواجب

فان كان نصبا ولاء الجميع *** فاني كما زعموا ناصبي

وان كان رفضا ولاء الوصي *** فلا يبرح الرفض من جانبي

فلله انتم وبهتانكم *** ولله من عجب عاجب

فلو كنتم من ولاء الوصي *** على العجب كنتُ على الغارب

يرى اللّه سري اذا لم تروه *** فلم تحكمون على غائب

ألا تنظرون لرشد معي *** ألا تهتدون الى اللّه بي

أيرجو الشفاعة من سبّهم *** بل المثل السوء للضارب

أعز النبي وأصحابه *** فما المرء إلا مع الصاحب

حنانيك من طمع بارد *** ولبيك من أمل خائب

تمنّوا على اللّه مأمولكم *** وخطّوه في المجد الذائب

نعم قبح الشتم من مذهب *** وشتامّة القوم من ذاهب

له في المكارم قلب الجبان *** وفي الشبهات يد الحاطب (1)

ص: 204


1- عن ديوانه المطبوع في مصر سنة 1321 ه- 1903 م بمطبعة الموسوعات.

قال طابع ديوانه محمد شكري المكي : هو الاستاذ فخر همذان بديع الزمان ابو الفضل احمد بن الحسين الهمذاني المتوفي سنة 398 وقد اربى على 40 سنة وله ديوان شعر هو ديوان الادب يحق أن تفخر به العجم على العرب يزري بعقود الجمان وقلائد العقيان فمنه قوله في أبي بكر الخوارزمي :

برق الربيع لنا برونق مائه *** فانظر لروعة أرضه وسمائه

فالترب بين ممسّك ومعنبرٍ *** من نوره بل مائهِ وروائه

والماء بين مصندل ومكفر *** من حسن كدرته ولون صفائه

والطير مثل المحسنات صوادحاً *** مثل المغني شادياً بغنائه

والورد ليس بممسك رياه بل *** يهدي لنا نفحاته من مائه

زمن الربيع جلبت أزكى متجر *** وجلوتَ للرائينَ خير جلائه

فكأنه هذا الرئيس اذا بدا *** في خلقِهِ وصفائه وعطائه

يعشو اليه المجتدي والمجتني *** والمحتوي هو هارب بذمائه

ما البحر في تزخاره والغيث في *** أمطاره والجَود في أنوائه

بأجلّ منه مواهباً ورغائباً *** لا زال هذا المجد حول فِنائه

والسادة الباقون سادة عصره *** متمدحين بمدحه وثنائه

ص: 205

الشريف الرضي

للسيد الرضي عليه الرحمة : قالها وهو بالحائر الحسيني يرثي جده سيد الشهداء علیه السلام :

كربلا لا زلت كرباً وبلا *** ما لقي عندك آل المصطفى

كم على تربك لما صُرّعوا *** من دم سال ومن دمع جرى

كم حصان الذيل يروى دمعها *** خدها عند قتيل بالظما

تمسح الترب على أعجالها *** عن طلا نحرٍ زميل بالدما

وضيوف لفلاة قفرة *** نزلوا فيها على غير قرى

لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا *** بحدي السيف على ورد الردى

تكسف الشمس شموساً منهم *** لا تدانيها ضياء وعلا

وتنوش الوحش من أجسادهم *** أرجل السبق وأيمان الندى

ووجوه كالمصابيح فمن *** قمر غاب ومن نجم هوى

غيرتهن الليالي وغدا *** جائر الحكم عليهن البلا

يا رسول اللّه لو عاينتهم *** وهم ما بين قتل وسبا

من رميضٍ يمنع الظل ومن *** عاطش يُسقى أنابيب القنا

ومسوق عاثر يسعى به *** خلف محمول على غير وطا

متعب يشكو أذى السير على *** نقَب المنسم مهزول المطا

ص: 206

لرأت عيناك منهم منظراً *** للحشا شجواً وللعين قذى

ليس هذا لرسول اللّه يا *** امّة الطغيان والغي جزى

غارس لم يأل في الغرس لهم *** فأذاقوا اهله مرّ الجنا

جزروا جزر الاضاحي نسله *** ثم ساقوا أهله سوق الأما

معجلات لا يوارين ضحى *** سَنن الأوجه أو أبيض الطلا

هاتفات برسول اللّه في *** بُهر السير وعثرات الخطا

يوم لا كسر حجاب مانع *** بذلة العين ولا ظل خبا

أدرك الكفر بهم ثاراته *** وأدل الغي منهم فاشتفى

يا قتيلا قوّض الدهر به *** عمد الدين وأعلام الهدى

قتلوه بعد علم منهم *** أنه خامس أصحاب العبا

واصريعا عالج الموت بلا *** شدّ لحيينِ ولا مدّ ردى

غسّلوه بدم الطعن وما *** كفنّوه غير بوغاء الثرى

مرهقاً يدعو ولا غوث له *** بأبٍ برٍ وجدٍّ مصطفى

وبأمٍ رفع اللّه لها *** علماً ما بين نسوان الورى

ايّ جدٍ وأبٍ يدعوهما *** جدّ يا جدّ أغثني يا أبا

يا رسول اللّه يا فاطمة *** يا امير المؤمنين المرتضى

كيف لم يستعجل اللّه لهم *** بانقلاب الأرض أو رجم السما

لو بسبطي قيصر أو هرقل *** فعلوا فعل يزيد ما عدا

كم رقاب لبني فاطمة *** عَرقت بينهم عرق المدى

حملوا رأساً يصلّون على *** جده الأكرم طوعاً وإبا

يتهادى بينهم لم ينقضوا *** عمم الهام ولا حلوا الحبا

ميتٌ تبكي له فاطمة *** وأبوها وعليٌ ذو العلا

لو رسول اللّه يحيى بعده *** قعد اليوم عليه للعزى

معشر فيهم رسول اللّه وال- *** -كاشف الكرب اذا الكرب عرى

صهره الباذل عنه نفسه *** وحسام اللّه في يوم الوغى

ص: 207

أول الناس الى الداعي الذي *** لم يقدّم غيره لما دعا

ثم سبطاه الشهيدان فذا *** بحسى السم وهذا بالضبا

وعلي وابنه الباقر والص- *** -ادق القول وموسى والرضا

وعلي وابوه وابنه *** والذي ينتظر القوم غدا

يا جبال الأرض عزاً وعُلا *** وبدور الأرض نوراً وسنا

جعل الرزء الذي *** نالكم بيننا الوجد طويلا والبكا

لا أرى حزنكم ينسى ولا *** رزؤكم يسلى وان طال المدى

قد مضى الدهر ويمضي بعدكم *** لا الجوى باخ (1) ولا الدمع رقى

أنتم الشافون من داء العمى *** وغدا الساقون من حوض الروى

نزل الذكر عليكم بيتكم *** تخطى الناس طراً وطوى

أين عنكم لمضلّ طالب *** وضَح السبل وأقمار الدجا

أين عنكم للذي يبغي بكم *** ظل عدن دونها حر لظى

أين عنكم للذي يرجو بكم *** مع رسول اللّه فوزاً ونجى

يوم يغدو وجهه عن معشر *** معرضاً ممتنعاً عند اللقا

شاكياً منهم الى اللّه وهل *** يفلح الجيل الذي منهم شكا

رب ما آووا ولا حاموا ولا *** نصروا أهلي ولا إغنوا غنا

بدّلوا ديني ونالوا أُسرتي *** بالعظيمات ولم يرعوا الولا

لو ولي ما قد ولو من عترتي *** قائم الشرك لأبقى ورعى

نقضوا عهدي وقد ابرمته *** وعُرى الدين فما ابقوا عرى

حرمي مسترفدات ونبو *** بنتي الادنون ذبح للعدى

أترى لست لديهم كامرئ *** خلفوه بجميل اذ مضى

رب إني اليوم اليوم خصم لهم *** جئت مظلوماً وذا يوم القضا

ص: 208


1- باخ : سكن.
وقال يرثي الحسين بن علي في يوم عاشوراء سنة 391

هذي المنازل بالغميم فنادها *** واسكب سخيّ العين بعد جمادها

إن كان دين للمعالم فاقضه *** أو مهجة عند الطلول ففادها

ولقد حبست على الديار عصابة *** مضمونة الايدي الى أكبادها

حسرى تجاوب بالبكاء عيونها *** وتعط (1) للزفرات في أبرادها

وقفوا بها حتى كأن مطيهم *** كانت قوائمهن من أوتادها

ثم انثنت والدمع ماء مزادها *** ولواعج الأشجان من أزوادها

هل تطلبون من النواظر بعدكم *** شيئاً سوى عبراتها وسهادها

لم يبق ذخر للمدامع عنكم *** كلا ولا عين جرى لرقادها

شغل الدموع عن الديار بكاؤنا *** لبكاء فاطمة على أولادها

لم يخلفوها في الشهيد وقد رأى *** دفع الفرات تذاد عن ورادها

أترى درت أن الحسين طريدة *** لقنا بني الطرداء عند ولادها

كانت مآتم بالعراق تعدّها *** أموية بالشام من أعيادها

ماراقبت غضب النبي وقد غدا *** زرع النبي مظنّة لحصادها

باعت بصائر دينها بضلالها *** وشرت معاطب غيّها برشادها

جعلت رسول اللّه من خصمائها *** فلبئس ما ذخرت ليوم معادها

نسل النبي على صعاب مطيها *** ودم النبي على رؤوس صعادها

وا لهفتاه لعصبة علوية *** تبعت أمية بعد عز قيادها

جعلت عران الذل في آنافها *** وعلاط وسم الضيم في أجيادها (2)

زعمت بأن الدين سوّغ قتلها *** أوليس هذا الدين عن أجدادها

طلبت ترات الجاهلية عندها *** وشفت قديم الغِل من أحقادها

واستأثرت بالأمر عن غيّابها *** وقضت بما شاءت على أشهادها

ص: 209


1- تعط : تشق.
2- العران عود يجعل في أنف البعير ، والعلاط حبل يجعل في عنقه.

اللّه سابقكم الى أرواحها *** وكسبتم الآثام في أجسادها (1)

إن قوّضت تلك القباب فانما *** خرّت عماد الدين قبل عمادها

إن الخلافة أصبحت مزوية *** عن شعبها ببياضها وسوادها

طمست منابرها علوج امية *** تنزو ذئابهم على أعوادها

هي صفوة اللّه التي أوحى لها *** وقضى أوامره الى أمجادها

أخذت بأطراف الفخار فعاذرٌ *** أن يصبح الثقلان من حُسّادها

عصب تقمّط بالنجاد وليدها *** ومهود صبيتها ظهور جيادها

تروي مناقب فضلها أعداؤها *** أبداً وتسنده الى أضدادها

يا غيرة اللّه اغضبي لنبيه *** وتزحزحي بالبيض عن أغمادها

من عصبة ضاعت دماء محمد *** وبنيه بين يزيدها وزيادها

صفدات مال اللّه ملء أكفها *** وأكف آل اللّه في أصفادها

ضربوا بسيف محمد أبناءه *** ضرب الغرائب عدن بعد ذيادها

قف بي ولو لوث الإزار فإنما *** هي مهجة علق الجوى بفؤادها

بالطف حيث غدا مراق دمائها *** ومناخ اينقها ليوم جلادها

تجري لها حبب الدموع وإنما *** حَبّ القلوب يكنّ من إمدادها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة *** تترقص الأحشاء من إيقادها

ما عدتَ إلا عاد قلبي غلّةً *** حرّى ولو بالغت في إبرادها

مثل السليم مضيضة آناؤه *** خزر العيون تعوده بعدادها

يا جد لا زالت كتائب جسرة *** تغشى الضمير بكرّها وطرادها

أبداً عليك وأدمع مسفوحة *** إن لم يُراوحها البكاء يغادها

أأقول جادكم الربيع وأنتم *** في كل منزلة ربيع بلادها

أم أستزيد لكم علاً بمدائحي *** أين الجبال من الربى ووهادها

ص: 210


1- الاجساد جمع جسد وهو هنا الدم.

كيف الثناء على النجوم إذا سمت *** فوق العيون الى مدى أبعادها

أغنى طلوع الشمس عن أوصافها *** بجلالها وضيائها وبعادها

وقال أيضا يرثيه علیه السلام في يوم عاشوراء سنة 395 :

ورائك عن شاك قليل العوائد *** تقلبه بالرمل أيدي الأباعدِ

توزّع بين النجم والدمع طرفه *** بمطروفة انسانها غير راقد

ذكرتكم ذكر الصبا بعد عهده *** قضى وطراً مني وليس بعائد

اذا جانبوني جانباً من وصالهم *** علقت بأطراف المنى والمواعد

هي الدار لا شوقي القديم بناقص *** اليها ولا دمعي عليها بجامد

ولي كبد مقروحة لو أضاعها *** من السقم غيري ما بغاها بناشد

تأوّبني (1) داءٌ من الهم لم يزل *** بقلبي حتى عادني منه عائدي

تذكرتُ يوم السبط من آل هاشم *** وما يومنا من آل حربٍ بواحد

وظام يريغ الماء قد حيل دونه *** سقوه ذبابات الرقاق البوارد

أتاحوا له مرّ الموارد بالقنا *** على ما أباحوا من عذاب الموارد

بنى لهم الماضون آساس هذه *** فعلّوا على أساس تلك القواعد

رمونا كما يرمى الظماء عن الروى *** يذودوننا عن إرث جدٍ ووالد

ويا رب ساع في الليالي لقاعد *** على ما رأى بل كل ساع لقاعد

أضاعوا نفوساً بالرماح ضياعها *** يعز على الباغين منها النواشد

أألله ما تنفك في صفحاتها *** خموشٌ لكلب من أمية عاقد

لئن رقد النُصّار عما أصابنا *** فما اللّه عما نيل منّا براقد

لقد علقوها بالنبي خصومة *** الى اللّه تغني عن يمين وشاهد

ويا رب أدنى من أمية لحمة *** رمونا عن الشنان (2) رمي الجلامد

ص: 211


1- تأويني : راجعني.
2- الشنأن : البغض.

طبعنا لهم سيفاً فكنا لحدّه *** ضرائب عن أيمانهم والسواعد

الا ليس فعل الأولين وان علا *** على قبح فعل الآخرين بزائد

يريدون أن نرضى وقد منعوا الرضى *** لسير بني أعمامنا غير قاصد

كذبتك إن نازعتني الحق ظالماً *** إذا قلت يوماً أنني غير واجد

وللسيد الرضى رضی اللّه عنه في رثاء جده الحسين علیه السلام في عاشوراء سنة 377 :

صاحت بذودي بغداد فانسني *** تقلّبي في ظهور الخيل والعيرِ

وكلما هجهجت بي عن مباركها *** عارضتها بجنان غير مذعور

أطغى على قاطنيها غير مكترث *** وافعل الفعل فيها غير مأمور

خطب يهددني بالبعد عن وطني *** وما خلقت لغير السرج والكورِ

إني وإن سامني ما لا أقاومه *** فقد نجوت وقد حي غير مقمور

عجلان ألبس وجهي كل داجية *** والبر عَريان من ظبي ويعفور

ورب قائلة والهمّ يتحفني *** بناظر من نطاف الدمع ممطور

خفّض عليك فللا حزان آونة *** وما المقيم على حزن بمعذور

فقلت هيهات فات السمع لائمه *** لا يعرف الحزن إلا يوم عاشور

يوم حدى الظعن فيه لابن فاطمة *** سنان مطرّد الكعبين مطرور

وخرّ للموت لا كفٌ تقلّبه *** إلا بوطيء من الجرد المحاضير

ظمآن سلّى نجيع الطعن غلّته *** عن بارد من عباب الماء مقرور

كأن بيض المواضي وهي تنهبُه *** نار تحكّم في جسم من النورِ

لله ملقى على الرمضاء غصّ به *** فم الردى بعد إقدام وتشمير

تحنو عليه الربى ظلاً وتستره *** عن النواظر أذيال الاعاصير

تهابه الوحش ان تدنو لمصرعه *** وقد أقام ثلاثاً غير مقبورٍ

ومورد غمرات الضرب غرّته *** جرت عليه المنايا بالمصادير

ومستطيل على الأيام يقدرها *** جَنىُ الزمان عليه بالمقادير

ص: 212

أغرى به ابن زياد لؤم عنصره *** وسعيه ليزيد غير مشكور

وودّ أن يتلافى ما جنت يده *** وكان ذلك كسراً غير مجبورِ

تسبى بنات رسول اللّه بينهم *** والدين غض المبادي غير مستور

إن يظفر الموت منه بابن منجبة *** فطالما عاد ريّان الاظافير

يلقى القنا بجبين شان صفحته *** وقع القنا بين تضميخٍ وتعفير

من بعد ما ردّ أطراف الرماح به *** قلب فسيحٌ ورأيٌ غير محصور

والنقع يسحب من اذياله وله *** على الغزالة جيب غير مزرور

في فيلق شرق بالبيض تحسبه *** برق تدلّى على الآكام والقور (1)

بني امية ما الأسياف نائمة *** عن ساهر في أقاصي الارض موتور

والبارقات تلوّى في مغامدها *** والسابقات تمطّى في المضامير

إني لأرقب يوماً لاخفاء له *** عريان يقلق منه كل مغرور

وللصوارم ما شاءت مضاربها *** من الرقاب شرابٌ غير منزور

أكلّ يوم لآل المصطفى قمرٌ *** يهوى بوقع العوالي والمباتير

وكل يوم لهم بيضاء صافية *** يشوبها الدهر من رنق وتكدير

مغوار قوم يروع الموت من يده *** أمسى وأصبح نهباً للمغاوير

وأبيض الوجه مشهور تغطرفه *** مضى بيوم من الأيام مشهور

مالي تعجبت من همي ونفرته *** والحزن جرح بقلبي غير مسبور

باي طرف أرى العلياء ان نُضبت *** عيني ولجلجت عنها بالمعاذير

القى الزمان بكلمٍ غير مندمل *** عمر الزمان وقلب غير مسرور

يا جد لا زال لي همّ يحرّضني *** على الدموع ووجد غير مقهور

والدمع تحفره عينٌ مؤرقة *** خفر الحنيّة عن نزع وتوتير (2)

إن السلو لمحظور على كبدي *** وما السلو على قلبٍ بمحظور

ص: 213


1- القور جمع قارة : الجبيل الصغير.
2- الخفر : الدفع. والحنية القوس.
وقال يرثي جده الشهيد :

راحل أنت والليالي نزول *** ومضرّ بك البقاء الطويل

لا شجاعٌ يبقى فيعتنق *** البيض ولا آملٌ ولا مأمول

غاية الناس في الزمان فَناء *** وكذا غاية الغصون الذبول

إنما المرء للمنيّة مخبوءٌ *** وللطعن تستجمّ الخيول

مَن مقيل بين الضلوع إلى *** طول عناءٍ وفي التراب مقيل

فهو كالغيم ألّفته جنوبٌ *** يوم دجنٍ ومزّقته قبول

عادة للزمان في كل يومٍ *** يتنايء خِلٌ وتبكي طلول

فالليالي عون عليك مع البين *** كما ساعد الذوابل طول

ربما وافق الفتى من زمانٍ *** فرحٌ غيره به متبول

هي دنيا إن واصلت ذا جفت *** هذا ملالاً كأنها عطبول

كل باك يبكى عليه وإن *** طال بقاءُ والثاكل المثكول

والأمانيّ حسرة وعناء *** للذي ظن إنها تعليل

ما يُبالي الحِمام أين ترقّى *** بعدما غالت إبن فاطم غول

أيّ يوم أدمى المدامع فيه *** حادث رائع وخطب جليل

يوم عاشورٍ الذي لا أعان *** الصحب فيه ولا أجار القبيل

يا إبن بنت الرسول ضيّعت *** العهدَ رجالٌ والمحافظون قليل

ما أطاعوا النبي فيك وقد مالت *** بأرماحهم إليك الذحول

وأحالوا على المقادير في حربك *** لو أن عذرهم مقبول

وإستقالوا من بعد ما *** أجلبوا فيها أألآن أيها المستقيل

إنّ أمراً قنّعت من دونه *** السيف لمن حازه لمرعى وبيل

يا حساماً فلّت مضاربه الهام *** وقد فلّه الحسام الصقيل

يا جواداً أدمى الجواد من *** الطعن وولّى ونحره مبلول

حَجّل الخيل من دماء الأعادي *** يوم يبدو طعن وتخفى حجول

يوم طاحت أيدي السوابق في *** النقع وفاض الونى وغاض الصهيل

أتُراني أعير وجهي صوناً *** وعلى وجهه تجول الخيولُ

ص: 214

أتراني ألذّ ماءً ولما *** يُروَ مِن مهجة الامام الغليل

قبلته الرماح وانتضلت *** فيه المنايا وعانقته النصول

والسبايا على النجائب تستاق *** وقد نالت الجيوبَ الذيول

من قلوب يدمى بها ناظر *** الوجد ومن أدمع مرآها الهمول

قد سُلبن القناع عن كلّ وجهٍ ، *** فيه للصون من قناعٍ بديل

وتنقّبن بالأنامل والدمعُ على *** كل ذي نقابٍ دليل

وتشاكين والشكاةُ بكاءٌ *** وتنادين والنداء عويل

لا يغبّ الحادي العنيف *** ولا يفترّ عن رنّة العديل العديل

ياغريب الديار صبري غريبٌ *** وقتيلَ الأعداءِ نومي قتيل

بي نزاع يطغي اليك *** وشوق وغرام وزفرة وعويل

ليت أني ضجيع قبرك أو *** أن ثراه بمدمعي مطلول

لا أغبّ الطفوف في كل يوم *** من طراق الأنواءِ غيث هطول

مطرٌ ناعم وريح شمال *** ونسيم غضّ وظلّ ظليل

يا بني أحمدٍ الى كم سناني *** غائب عن طعانه ممطول

وجيادي مربوطة والمطايا *** ومقامي يروع عنه الدخيل

كم الى كم تعلو الطغاة وكم *** يحكم في كل فاضل مفضول

قد أذاع الغليل قلبي ولكن *** غير بدع أن استطبّ العليل

ليت أني أبقى فامترق الناس *** وفي الكفّ صارم مسلول

وأجرّ القنا لثاراتِ يوم الطف *** يستلحق الرعيل الرعيل

صبغ القلب حبكم صبغة الشيب *** وشيبي لولا الردى لا يحول

انا مولاكم وان كنت منكم *** والدي حيدر وأمي البتول

وإذا الناس أدركوا غاية الفخر *** شأآهم مَن قال جدي الرسول

يفرح الناس بي لأني فضلٌ *** والأنام الذي أراه فضول

فهم بين منشدٍ ما أفقّيه *** سروراً وسامع ما أقول

ليت شعري مَن لائمي في مقال *** ترتضيه خواطر وعقول

ص: 215

الشريف الرضي ذو الحسبين أبو الحسن محمد بن الطاهر ذي المنقبتين ابي احمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن موسى بن جعفر علیه السلام .

ولد سنة 359 ببغداد وتوفي سنة 406 في السادس من المحرم ودفن بداره في بغداد ثم نقل الى مشهد الحسين علیه السلام بكربلا.

نظم الشعر في عهد الطفولة ولم يزد عمره على عشر سنين فأجاد وحلق وحاز قصب السبق بغير منازع ، ولم تكن للرضي سقطات كما لغيره من الشعراء.

أما إباؤه وعزه نفسه فكان لا يرى أحق بالخلافة منه فاسمعه حيث يقول :

ما مقامي على الهوان وعندي *** مقول صارمٌ وأنف حميّ

وإباء محلّق بي عن الضيم *** كما راغ طائر وحشيّ

أحمل الضيم في بلاد الأعادي *** وبمصر الخليفة العلويّ

من أبوه ابي ومولاه مولاي *** اذا ضامني البعيد القصيّ

لفّ عرقي بعرقه سيد *** الناس جميعاً محمد وعليّ

إن ذلي بذلك الجوّ عزٌ *** وأوامي بذلك النقع ريّ

قد يذل العزيز ما لم يشمّر *** لانطلاق وقد يظام الابيّ

إن شراً عليّ إسراع عزمي *** في طلاب العلى وحظي بطيّ

أرتضي بالأذى ولم يقف العز *** م قصوراً ولم تعزّ المطيّ

كالذي يخبط الظلام وقد أقمر *** من خلفه النهار المضيّ (1)

قال ابن أبي الحديد كان الرضي لعلوّ همته تنازعه نفسه الى أمور عظيمة يجيش بها خاطره وينظمها في شعره ولا يجد من الدهر عليها مساعداً فيذوب

ص: 216


1- الذمر : الملامة والحض والتهدد.

كمداً ويفنى وجدا حتى توفي ولم يبلغ عرضا فمن ذلك قوله :

ما أنا لعلياء إن لم يكن *** من ولدي ما كان من والدي

ولا مشت بي الخيل إن لم أطأ *** سرير هذا الاصيد الماجد

وحسبك من جرأته وعلوّ نفسه ما خاطب به القادر باللّه الخليفة العباسي :

عطفا أمير المؤمنين فإننا *** في دوحة العلياء لا نتفرق

ما بيننا يوم الفخار تفاوت *** أبداً كلانا في المعالي مُعرق

إلا الخلافة ميزتك فإنني *** انا عاطل منها وأنت مطوق

فقال له القادر باللّه : على رغم انف الشريف. وروى أنه كان يوماً عند الخليفة الطايع باللّه العباسي وهو يعبث بلحيته ويرفعها الى أنفه فقال له الطائع : أظنك تشم منها رائحة الخلافة ، قال : بل رائحة البنوة. وكان يلقب بذي الحسبين. لقّبه بذلك بهاء الدولة بن بويه ، وكان يخاطبه بالشريف الأجل.

قال صاحب عمدة الطالب : كانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة ، ولي نقابة الطالبيين مراراً وكانت له إمارة الحج والمظالم كان يتولى ذلك نيابة عن أبيه ذي المناقب ثم تولى ذلك بعد أبيه مستقلا ، وحج بالناس مرّات.

وهو اول طالبي جعل عليه السواد. وكان أوحد علماء عصره واتصف الشريف الرضي بإباء النفس وعلوّ الهمة وكان رفيع المنزلة سامي المكانة يطمح الى معالي الامور ، وبلغ من ابائه وعفته انه لم يقبل من احد صلة أو جائزة وتشدد في ذلك فرفض قبول ما يجريه الملوك والأمراء على أبيه من الصلاة والهبات مدة حياته ، وبذل آل بويه كل ما في وسعهم لحمله على قبول صلاتهم فلم يقبل وقال - وقد ساءه أمر صدر من أبيه ومن أخيه -

ص: 217

تهضمني مَن لا يكون لغيره *** من الناس إطراقي على الهون أو أغضي

إذا اضطرمت ما بين جنبيّ غصة *** وكاد فمي يمضي من القول ما يمضي

شفعت الى نفسي لنفسي فكفكفت *** من الغيظ واستعطفت بعضىٍ على بعضي

أما مكانته العلمية فهو أوحد علماء عصره وقد قيل ان الرضي أعلم الشعراء لولا المرتضى ، والمرتضي اشعر العلماء لولا الرضي. وهذه مؤلفاته تعطينا صورة جلية عن براعته فهذا ( حقائق التأويل في متشابه التنزيل ) كما يقول ابن جني - صنّف الرضي كتابا في معاني القرآن الكريم يتعذر وجود مثله. وكتاب ( المجازات النبوية ) و ( تلخيص البيان عن مجازات القرآن ) وغيرها. وهو الذي جمع كلام امير المؤمنين واسماه نهج البلاغة قال السيد الامين في الجزء الاول من الاعيان : والشريف الرضي محمد بن الحسين الذي قيل فيه انه افصح قريش الذين هم أفصح العرب لأنه مكثر مجيد ولأن المجيد من الشعراء ليس بمكثر والمكثر ليس بمجيد ، والرضي جمع بين الاكثار والاجادة وامره في الورع والفضل والعلم والادب وعفة النفس وعلو الهمة والجلالة اشهر من أن يذكر. اقول وكفى بعظمته أن تكون فيه اللياقة والأهلية لأن ينسب الناس اليه نهج البلاغة وهل يليق بأحد كلام سيد البلغاء وإمام الفصحاء وهو فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق وتظهر عظمة السيد من تعليقه على كلام الامام وتقريضه له وشرحه لمفرداته. قالوا عن السيد الرضي رحمه اللّه : ولما تمّ وكمل بدره وبلغ سبع واربعين عمره اختار اللّه له دار بقاءه فناداه ولباه وفارق دنياه وذلك في بكرة يوم الاحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة فقامت عليه نوادب الأدب وانثلم حد القلم وفقدت عين الفضل قرّتها وجبهة الدهر غرّتها وبكاه الأفاضل مع الفضائل ورثاه الأكارم مع المكارم على أنه ما مات من لم يمت ذكره وخلد مع الأيام نظمه وونثره واللّه يتولاه بعفوه وغفرانه ويحييه بروحه وريحانه ، لما قضى نحبه حضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والاشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ومضى

ص: 218

أخوه السيد المرتضى من جزعه عليه الى مشهد جده موسى بن جعفر علیه السلام لأنه لم يستطع أن ينظر الى جنازة أخيه ودفنه ، وصلى عليه فخر الملك أبو غالب ومضى بنفسه آخر النهار الى السيد المرتضى الى المشهد الكاظمي فالزمه بالعود الى داره ورثاه أخوه المرتضى بأبيات منها :

يا للرجال لفجعة جذمت يدي *** ووددت لو ذهبت عليّ برأسي

ما زلت أحذر وردها حتى أتت *** فحسوتها في بعض ما أنا حاسي

ومطلتها زمناً فلما صممت *** لم يثنها مطلي وطول مكاسي

لله عمرك من قصير طاهر *** ولرب عمر طال بالادناس

ورثاه تلميذه مهيار الديلمي بقصيدة منها :

ورثاه تلميذه مهيار الديلمي بقصيدة منها (1) :

بكر النعيّ من الرضى بمالك *** غاياتها متعوداً قدامَها

كلح الصباح بموته عن ليلة *** نفضت على وجه الصباح ظلامها

بالفارس العلوي شق غبارها *** والناطق العربي شقّ كلامها

سلب العشيرة يومه مصباحها *** مصلاحها عمّالها علامها

برهان حجتها التي بهرت به *** أعداءها وتقدمت اعمامها

قال السيد الأجل السيد علي خان رحمه اللّه في أنوار الربيع : وشقت هذه المرثية على جماعة ممن كان يحسد الرضي رضي اللّه تعالى عنه على الفضل في حياته أن يرثى بمثلها بعد وفاته فرثاه بقصيدة أخرى مطلعها في براعة الاستهلال كالاولى وهو :

ص: 219


1- وأولها : من جب غارب هاشم وسنامها *** ولوي لوياً فاستزل مقامَها وغزى قريشاً بالبطاح فلفّها *** بيدٍ وقوض عزها وخيامها ومنها : ابكيك للدنيا التي طلقتها *** وقد اصطفتك شبابها وغرامها ورميت غاربها بفضلة معرض *** زهداً وقد القت اليك زمامها

أقريش لا لفم أراك ولا يد *** فتواكلي غاض الندى وخلا الندي

وما زلت معجباً بقوله منها :

بكر النعي فقال أودى خيرها *** إن كان يصدق فالرضي هو الردي

وما أحسن قوله من جملتها :

يا ناشد الحسنات طوّف فالياً (1) *** عنها وعاد كأنه لم يَنشُدِ

اهبط الى مضرٍ فسل حمراءها *** مَن صاح بالبطحاء يا نار احمدي

فجعت بمعجز آية مشهودة *** ولربّ آياتٍ لها لم تُشهدِ

كانت إذا هي في الامامة نوزعت *** ثم ادعت بك حقها لم تُجحد

تبعتك عاقدة عليك امورَها *** وعُرى تميمك (2) بعدُ لمّا تعقد

ورآك طفلا شيبُها وكهولها *** فتزحزحوا لك عن مكان السيد

ولد الرضي سنة تسع وخمسين وثلثمائة ، وتوفي يوم الأحد سادس المحرم سنة ست واربعمائة ودفن في داره ثم نقل الى مشهد الحسين « ع » فدفن عند ابيه. وابوه الطاهر ذو المناقب الشريف الأوحد نقيب النقباء امير الحجيج السفير بين الملوك ، امه موسوية. ولي القضاء بين الطالبيين وخصومهم من العامة.

وجاء في ص 339 من السنة 3 من مجلة المرشد البغدادية هكذا.

موسى ( الابرش ) ابن محمد ( الاعرج ) ابن موسى ( ابي سبحة ) ابن ابراهيم ( المرتضى ) ابن الامام موسى الكاظم علیه السلام وهو جد المرتضى والرضي.

ص: 220


1- فالياً : باحثاً.
2- التميمة ما يعلّق في عنق الصبي اتقاء من العين.

أقول : والد المرتضى والرضي هو احمد الطاهر الحسين بن موسى الذي يسمى بالابرش.

وقال السيد حسن الصدر قدس سره في كتابه ( نزهة اهل الحرمين ) : لقد تعرضتُ في تكملة امل الامل الى تحقيق قبري السيدين المرتضى والرضي وانهما في كربلاء ، وان المكان المعروف في بلد الكاظمية بقبرهما هو موضع دفنهما فيه أولاً ثم نقلا منه الى كربلاء ، ولا بأس بزيارتهما في هذا الموضع أيضا ، وإنما أبقوه كذلك لعظم شأنهما.

قال رحمه اللّه يفتخر بأهل البيت علیهم السلام ويذكر قبورهم ويتشوقها :

ألا لله بادرة الطلاب *** وعزم لا يروّع بالعتاب

وكل مشمر البردين يهوي *** هوي المصلتات (1) الى الرقاب

أعاتبه على بعد التنائي *** ويعذلني على قرب الاياب

رأيت العجز يخضع لليالي *** ويرضى عن نوائبها الغضاب

ولولا صولة الايام دوني *** هجمت على العلى من كل باب

ومن شيم الفتى العربي فينا *** وصال البيض والخيل العراب

له كذب الوعيد من الاعادي *** ومن عاداته صدق الضراب

سأدرّع الصوارم والعوالي *** وما عرّيت من خلع الشباب

واشتمل الدجى والركب يمضي *** مضاء السيف شذّ عن القراب

وكم ليل عبأت له المطايا *** ونار الحي حائرة الشهاب

لقيت الارض شاحبة المحيا *** تلاعب بالضراغم والذئاب

فزعت الى الشحوب وكنت طلقا *** كما فزع المشيب الى الخضاب

ولم نرَ مثل مبيض النواحي *** تعذبه بمسوّد الإهاب

أبيت مضاجعاً أملي وإني *** أرى الآمال أشقى للركاب

ص: 221


1- المصلتات : السيوف.

إذا ما اليأس خيّبنا رجونا *** فشجعنا الرجاء على الطلاب

أقول اذا استطار من السواري *** زفون القطر رقاص الحباب (1)

كأن الجو غصّ به فأومى *** ليقذفه على قمم الشعاب

جدير أن تصافحه الفيافي *** ويسحب فوقها عذب الرباب

اذا هتم (2) التلاع رأيت منه *** رضاباً في ثنيّات الهضاب

سقى اللّه المدينة من محلٍ *** لباب الماء والنطف العذاب

وجاد على البقيع وساكنيه *** رخيّ الذيل ملآن الوطاب

وأعلام الغري وما استباحت *** معالمها من الحسب اللباب

وقبراً بالطفوف يضم شلواً *** قضى ظمأ الى بَرد الشراب

وسامراً وبغداداً وطوساً *** هطول الودق منخرق العباب

قبور تنطف العبرات فيها *** كما نطف الصبير (3) على الروابي

فلو بخل السحاب على ثراها *** لذابت فوقها قطع السراب

سقاك فكم ظمئت اليك شوقاً *** على عُدواء داري واقترابي

تجافي يا جنوب الريح عني *** وصوني فضل بردك عن جنابي

ولا تسري إليّ مع الليالي *** وما استحقبت من ذاك التراب

قليل أن تقاد له الغوادي *** وتنحر فيه أعناق السحاب

أما شَرق التراب بساكنيه *** فيلفظهم الى النعم الرغاب

فكم غدت الضغائن وهي سكرى *** تدير عليهم كاس المصاب

صلاة اللّه تخفق كل يوم *** على تلك المعالم والقباب

وإني لا أزال اكرّ عزمي *** وإن قلّت مساعدة الصحاب

واخترق الرياح الى نسيم *** تطلع من تراب أبي تراب

بودي ان تطاوعني الليالي *** وينشب في المنى ظفري ونابي

ص: 222


1- السواري : جمع سارية السحاب. زفون القطر : دفاع المطر. الحباب : فقاقيع الماء.
2- الهتم : كسر الثنايا من أصلها.
3- الصبير : السحاب الذي يصير بعضه فوق بعض.

فارمي العيس نحوكم سهاماً *** تغلغل بين أحشاء الروابي

ترامى باللغام على طلاها *** كما انحدر الغثاء عن العُقاب (1)

وأجنَب بينها خرق المذاكي *** فأملي باللغام على اللغاب

لعلي أن ابلّ بكم غليلاً *** تغلغل بين قلبي والحجاب

فما لقياكم إلا دليل *** على كنز الغنيمة والثواب

ولي قبران بالزوراء أشفي *** بقربهما نزاعي واكتئابي

أقود اليهما نفسي واهدي *** سلاماً لا يحيد عن الجواب

لقائهما يطهر من جناني *** ويدرأ عن ردائي كل عاب

قسيم النار جدي يوم يلقى *** به باب النجاة من العذاب

وساقي الخلق والمهجات حرّى *** وفاتحة الصراط الى الحساب

ومن سمحت بخاتمه يمين *** تضن بكل عالية الكعاب

اما في باب خيبر معجزات *** تصدق أو مناجاة الحُباب

ارادت كيده واللّه يأبى *** فجاء النصر من قبل الغراب

أهذا البدر يكسف بالدياجي *** وهذي الشمس تطمس بالضباب

وكان إذا استطال عليه جانٍ *** يرى ترك العقاب من العقاب

أرى شعبان يذكرني اشتياقي *** فمن لي أن يذكركم ثوابي

بكم في الشعر فخري لا بشعري *** وعنكم طال باعي في الخطاب

اجلّ عن القبائح غير أني *** لكم أرمي وأرمى بالسباب

فأجهر بالولاء ولا أورّي *** وأنطق بالبراء ولا أحابي

ومَن أولى بكم مني وليّاً *** وفي أيديكم طرف انتسابي

محبكم ولو بغضت حياتي *** وزائركم ولو عقرت ركابي

تباعد بيننا غِيَرُ الليالي *** ومرجعنا الى النسب القراب (2)

ص: 223


1- اللغام : لعاب الابل والطلى العنق والغثاء البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل والعقاب جمع عقبة مرقى صعب من الجبال.
2- القراب : القريب.
وقال وقد بلغه عن بعض قريش افتخار على ولد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام :

يُفاخرنا قومٌ بمن لم يَلدهم *** بتيم اذا عدّ السوابق أو عدي

وينسون مَن لو قدموه لقدّموا *** عذار جواد في الجياد مقلُد

فتى هاشم بعد النبي وباعها *** لمرمى عُلى أو نيل مجد وسؤدد

ولولا عليٌ ما علوا سرواتها *** ولا جعجعوا منها بمرعى ومورد

أخذنا عليهم بالنبي وفاطم *** طلاع المساعي من مقام ومقعد

وطلنا بسبطي احمد ووصيه *** رقاب الورى من متهمين ومنجد

وحُزناً عتيقاًوهو غاية فخركم *** بمولد بنت القاسم بن محمد

فجدّ نبيٍّ ثم جدّ خليفة *** فما بعد جدّينا عليٍ واحمد

وما افتخرت بعد النبي بغيره *** يد صفقت يوم البياع على يد

وفي ثنايا شعره يتمدح كثيراً بجده الحسين سيد أهل الاباء قال من قصيدة :

وجدى خابط البيداء حتى *** تبدّى الماء من ثَغَب الرعان

قضى وجياده حول المعالى *** ووفد ضيوفه حول الجفان

تكفّنه شَبا بيض المواضي *** ويغسله دم السمر اللدان

ومن روائعه التي سارت مسير الامثال :

الا إن رمحاً لا يصول لنبعة *** وإن حساماً لا يقد قطيعُ

وقوله :

وموت الفتى خير له من حياته *** اذا جاور الايام وهو ذليل

وقوله :

اذا العدو عصاني خاف حدّيدي *** وعرضه آمن من هاجرات فمي

ص: 224

وقوله :

تشفّ خلال المرء لي قبل نطقه *** وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه

وقوله :

يمضي الزمان ولا نحسّ كأنه *** ريح يمرّ ولا يشم نسيمها

وقوله :

فليت كريم قوم نال عرضي *** ولم يدنس بذم من لئيم

وقوله :

ومنظر كان بالسراء يضحكني *** يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني

وقوله :

يا قوم ان طويل الحلم مفسدة *** وربما ضرّ إبقاء وإحسان

وقوله :

وما تنفع المرء الشمال وحيدة *** اذا فارقتها بالمنون يمينُ

وقوله :

لا تجعلن دليل المرء صورته *** كم مخبر سمج عن منظر حسنِ

وقوله :

اذا ما الحُرّ أجدب في زمان *** فعفّته له زاد وماء

وقوله :

أوطأتموه على جمر العقوق ولو *** لم يُحرج الليث لم يخرج من الاجم

ص: 225

وقوله :

قد يقدع المرء وإن كان ابن عم *** ويقطع العضو الكريم للألم

وقال رحمه اللّه :

وكم صاحبٍ كالرمح زاغت كُعوبُه *** أبى بعد طول الغمز أن يتقوّما

تقبّلتُ منه ظاهراً متبلّجاً *** وأدمج دوني باطناً متجهّما

فأبدى كروض الحزن رقت فروعه *** وأضمر كالليل الخداري مُظلما

ولو أنني كشّفته عن ضميره *** أقمتُ على ما بيننا اليوم مأتما

فلا باسطاً بالسوء إن سائني يداً *** ولا فاغراً بالذم إن رابني فما

كعضوٍ رمت فيه الليالي بفادح *** ومن حملَ العضو الأيم تألما

إذا أمر الطب اللبيب بقطعه *** أقول عسى ظناً به ولعلّما

صبرتُ على إيلامه خوفَ نِقصِه *** ومن لام مَن لا يرعوي كان ألوما

هي الكف مُضنِ تركها بعد دائها *** وإن قُطعت شانت ذراعاً ومعصما

أراك على قلبي وإن كنتُ عاصياً *** أعزّ من القلب المطيع وأكرما

حملتك حملَ العين لجّ بها القّذى *** فلا تنجلي يوماً ولا تبلغ العمى

دع المرء مطويّاً على ما ذممتَه *** ولا تنشر الداءَ العضال فتندما

اذا العضوُ لم يؤلمك إلا قطعته *** على مضض لم تبق لحماً ولا دما

ومن لم يوطّن للصغير من الأذى *** تعرّض ان يلقى اجل وأعظما

وقال في الاقبال والادبار :

المرءُ بالإقبال يبلغُ *** وادعاً خطراً جسيما

واذا انقضى إقباله *** رجع الشفيعَ له خصيما

وهو الزمان إذا نبا *** سلب الذي أعطى قديما

كالريح ترجع عاصفاً *** من بعد ما بدأت نسيما

ص: 226

وقال في اخوان الرخاء :

أعددتكم لدفاع كل ملمّة *** عني فكنتم عون كلُ ملمة

وتخذتكم لي جنةً فكأنما *** نظر العدوّ مقاتلي من جنتي

فلأرحلن رحيل لا متلهّف *** لفراقكم أبداً ولا متلفت

ولا نفضن يديّ يأساً منكم *** نفض الأنامل من تراب الميت

تحقيق حول قبر السيدين المرتضى والرضي

ذكر كثير من المؤرخين عند ترجمة الشريف الرضي نقل جثمانه الى كربلاء المقدسة بعد دفنه بداره بالكرخ ، فدفن عند ابيه ابي احمد الحسين بن موسى.

ويظهر من التاريخ ان قبره كان في القرون الوسطى مشهوراً معروفاً في الحائر المقدس. قال صاحب عمدة الطالب : وقبره في كربلاء ظاهر معروف وقال في ترجمة اخيه المرتضى : دفن عند ابيه واخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة. وروي في كتاب مدينة الحسين (عليه السلام) عن السيد محمد مهدي بحر العلوم الكبير قال : ان موضع قبر الشريف الرضي عند قبر جده ابراهيم المجاب ، وهو في آخر الرواق فوق الرأس في الزاوية الغربية من الحرم الحسيني. وروى السيد حسن الصدر في كتابه نزهة الحرمين في عمارة المشهدين ان قبر الشريف الرضي عند قبر والده خلف الضريح الحسيني بستة أذرع ولعل هذا القبر هو الذي لاحظه العلامة السيد حسن اغا مير بنفسه عند التعميرات التي اجريت داخل الروضة المطهرة في سنة 1367 ه- ، وقال : هناك خلف الضريح بستة اذرع ثلاثة قبور شاهدت ذلك بنفسي عند حفر الاسس لدعائم القبه التي جرى بناؤها مؤخراً ب- ( الكونكريت ) المسلّح ، فرجوت المعمار عدم مس تلك القبور الثلاثة. ومن المرجح ان هذه القبور الثلاثة هي لأبي أحمد الحسين بن موسى مع ولديه محمد الملقب بالشريف الرضي ، وعلي الملقب بالمرتضى. اقول :

ص: 227

نقلنا هذا باختصار عن اجوبة المسائل الدينية السنة الثانية ص ت 318 وجاء في مقدمة ديوان السيد المرتضى المطبوع في مصر بقلم الدكتور مصطفى جواد أقوال المؤرخين في نقل الشريف المرتضى من داره بالكرخ الى كربلاء بجوار جده الحسين (عليه السلام) وقال السيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم ممن فاز بحسن الجوار ميتاً الشريف ابو احمد الحسين بن موسى والد الشريفين الرضي والمرتضى سنة 400 ببغداد وقد اناف على التسعين ثم حمل الى الحائر فدفن قريباً من قبر الحسين (عليه السلام) وفي كتاب الدرجات الرفيعة انه مدفون معه ولداه الرضي والمرتضى بعد ان دفنا في دارهم في بلد الكاظمين ثم نقلا الى جوار جدهما الحسين (عليه السلام).

وقال ابن شدقم الحسيني في كتابه زهر الرياض وزلال الحياض ان في سنة (942) نبش قبره بعض قضاة الأروام فرآه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئا ، وحكى من رآه أثر الحِنّاء في يده ولحيته وقد قيل أن الأرض لم تغيّر أجساد الصالحين. انتهى

وقال جدي بحر العلوم بعد نقل ما ذكر : والظاهر أن قبر السيد وقبر أخيه وأبيه في المحل المعروف بابراهيم المجاب. انتهى

وقيل انهم مدفونون مع ابراهيم الاصغر ابن الامام الكاظم وان قبره خلف ظهر الحسين بستة اذرع.

ص: 228

القسم الثاني

اشارة

ص: 229

ص: 230

شعراء القرن الخامس الهجري

اشارة

ابو نصر بن نباتة

المهيار الديلمي

الشريف المرتضي

ابو العلاء المعري

زيد بن سهل الموصلي النحوي

أحمد بن عبد اللّه ( ابن زيدون )

أحمد بن أبي منصور القطان

ابن جبر المصري

الامير عبد اللّه بن محمد بن سنان الخفاجي

ص: 231

ص: 232

أبو نصر بن نباتة
قال ابو نصر بن نباتة المتوفى 405 :

والحسين الذي رأى الموت في العزّ *** حياة والعيش في الذل قتلا (1)

قال الشيخ القمي في الكنى : ابن نباتة بضم النون هو ابو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن احمد بن نباتة الشاعر المشهور الذي طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء ، وله في سيف الدولة ابن حمدان غرر القصائد ونخب المدائح وكان قد أعطاه فرساً أدهم اغر محجلا.

له ديوان شعر كبير ومن شعره :

ومَن لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحدُ

وهو الذي حكي عنه انه ذكر ان رجلاً من المشرق ورجلاً من الغرب وردا عليه وأرادا منه أن يأذنهما لروايته. توفى ببغداد سنة 405.

أقول وهذه الكنية تطلق على جماعة. منهم ابو يحيى عبد الرحيم بن محمد ابن اسماعيل بن نباتة الفارقي صاحب الخطب المعروفة المتوفي 374 وقد يطلق على جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المصري الاديب الشاعر المتوفى سنة 768.

ص: 233


1- رواها السيد الأمين في الأعيان ج 4 القسم الأول.
المهيار الدسليمي
قال يرثي الحسين علیه السلام في شهر المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة :

مَشين لنا بين ميلٍ وهيفِ *** فقل في قناةٍ وقل في نزيف (1)

على كل غصنٍ ثمارُ الشبا *** بِ من مجتنيه دواني القطوفِ

ومن عجب الحسنِ أن الثقي- *** -ل منه يُدلّ بحمل الخفيف

خليليّ ما خُبر ما تبصرا *** ن بين خلاخيلها والشنوف

سلاني به فالجمال اسمه *** ومعناه مفسدةً للعفيف

أمن « عربية » تحت الظلام *** تولّجُ ذاك الخيالِ المطيف؟

سرى عينها أو شبيهاً فكا *** د يفضح نومي بين الضيوف

نعم ودعا ذكرَ عهدِ الصبا *** سيلقاه قلبي بعهدٍ ضعيف

« بآل عليّ » صروف الزمان *** بسطنَ لساني لذمّ الصروف

مصابي على بُعد داري بهم *** مصابُ الأليف بفقد الأليف

وليس صديقي غيرَ الحزين *** ليوم « الحسين » وغير الأسوف

هو الغصن كان كميناً فهبّ *** لدى « كربلاء » بريح عصوفِ

قتيلٌ به ثار غلّ النفوس *** كما نغر الجرح حكّ القروف

بكل يدٍ أمس قد بايعته *** وساقت له اليوم أيدي الحتوف

ص: 234


1- عن ديوان المهيار ، طبع مصر.

نسوا جدّه عند عهد قريبٍ *** وتالَده مع حقّ طريف

فطاروا له حاملين النفاق *** بأجنحة غِشّها في الحفيف

يعزّ عليّ ارتقاء المنون *** الى جبلٍ منك عال منيف

ووجهك ذاك الأعزّ التريب *** يُشهّر وهو على الشمس موفي

على ألعن امره قد سعى *** بذاك الذميل وذاك الوجيفِ

وويل امّ مأمورهم لو أطاع *** لقد باع جنّته بالطفيفِ

وأنت - وإن دافعوك - الإمام *** وكان أبوك برغم الأنوف

لمن آيةُ الباب يومَ اليهود *** ومَن صاحبُ الجنّ يوم الخسيف

ومَن جمع الدينَ في يوم « بدرٍ » *** « وأحدٍ » بتفريق تلك الصفوف

وهدّم في اللّه أصنامهم *** بمرأى عيونٍ عليها عكوف

أغير أبيك إمام الهدى *** ضياء النديّ هزبر العزيف

تفلّل سيفٌ به ضرّجوك *** لسوّدَ خزياً وجوهَ السيوف

أمرّ بفيّ عليك الزلال *** وآلم جلدي وقع الشفوف

أتحملُ فقدَك ذاك العظيم *** جوارح جسمي هذا الضعيف؟

ولهفي عليك مقالُ الخبي- *** -ر : أنك تبردُ حرّ اللّهيف

أنشرك ما حملَ الزائرو *** ن أم المسكُ خالط تُرب الطفوف؟

كان ضريحك زهر الربي- *** -ع هبّت عليه نسيمُ الخريف

أحبّكم ما سعى طائفٌ *** وحنّت مطّوقة في الهتوف

وإن كنت من « فارس » فالشري- *** -فُ معتلقٌ ودّه بالشريف

ركبت - على من يعاديكم *** ويفسد تفضيلكم بالوقوف -

سوابق من مدحكم لم أهَب *** صُعوبة ريّضها والقَطوف (1)

تُقَطّر غيرى أصلابها *** وتزلّق أكفالها بالرديف (2)

ص: 235


1- القطوف : الدابة التي تسيء السير وتبطئ.
2- تقطر : تلقي الانسان على قطره وهو كاثبته وعجزه ، والكاثبة : اعلى الظهر.
المهيار الديلمي
اشارة

المتوفي سنة 428

هو أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي في الرعيل الأول من ناشري لغة الضاد دل على ذلك شعره العالي وأدبه الجزل وديوانه الفخم وكما كان عربياً في أدبه فهو علويُ في مذهبه مسلم في دينه يعتز ويفتخر باسلامه ويتمدح بآبائه الا كاسرة ملوك الشرق وجمع بين فصاحة العرب ومعاني العجم. أسلم على يد السيد الشريف الرضي سنة 394 وتخرج عليه في الأدب والشعر وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادي الثانية سنة 428 وجاهد بلسانه عن أهل البيت ومدح عليا وعدد مناقبه بشعر بديع ودافع عن حقوقه في الخلافة دفاعاً حاراً مؤثرا.

قال بعض العلماء : خيار مهيار خير من خيار الرضي وليس للرضي رديّ أصلا. قال ابن خلكان : كان جزل القول مقدماً على أهل وقته وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات ، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وذكره ابو الحسن الباخرزي في دمية القصر فقال :

هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر وكاتب تجلى كل كلمه من كلماته كاعب وما في قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه يلو وليت فهي مصبوبة بقوالب القلوب وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب ويتوب ، وللسيد جمال

ص: 236

الدين أحمد بن طاوس قدس سره شرح على لامية مهيار أسماه ( كتاب الازهار في شرح لامية مهيار ).

من أشهر الشعراء الذين برزوا في النصف الاخير من القرن الرابع والنصف الاول من القرن الخامس الهجري ولعله كان أشهرهم على الاطلاق بعد استاذه الشريف الرضي ، اشتهر بالكتابة والادب والفلسفة كما اشتهر بالشعر ، كان ثائر النفس عالي الهمة قوي الشخصية معتزاً بأدبه ونسبه وهذا الذي دفعه لأن يقول :

أُعجبت بي بين نادى قومها *** أمّ سعد فمضت تسألُ بي

سرّها ما علمت من خلقي *** فارادت علمها ما حسبي

لا تخالي نسباً يخفضني *** انا من يرضيك عند النسب

قومي استولوا على الدهر فتى *** ومشوا فوق رؤوس الحقب

عمموا بالشمس هاماتهم *** وبنوا أبياتهم بالشهب

وأبي كسرى على أيوانه *** أين في الناس ابٌ مثل أبي

سورة الملك القدامى وعلى *** شرف الاسلام لي والادب

قد قبستُ المجد من خير أبٍ *** وقبست الدين من خير نبي

وضممتُ الفخر من أطرافه *** سودد الفرس ودينَ العرب

فهو كما نراه يعتز بنسبه كما يعتز بدينه وعقيدته وأي انسان لا يعتز بقوميته ولا يفخر بنسبه ، اما ان المهيار يوصم بالشعوبية لانه فخر بآبائه فذلك فما لا يقرّه الوجدان. لقد سئل الامام زين العابدين علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب علیهم السلام عن العصبية فقال : العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شراراً قومه خيراً من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم ، انك لتقرأ في شعر مهيار من الاعتزاز بالاسلام اكثر من اعتزازه بابائه فأسمه يقول في قصيدته بعد أن أنعم اللّه عليه بنعمة الاسلام ثم يعيب على

ص: 237

قومه حيث لم يهتدوا الى رشدهم ويرجعوا عن سفههم ويعيب عبادة النار.

دواعي الهوى لك أن لا تجيبا *** هجرنا تُقى ما وصلنا ذنوبا

قَفَونا غرورك حتى انجلت *** أمورٌ أرينَ العيون العيوبا

نصبنا لهم أو بلغنا بها *** نُهىً لم تدع لك فينا نصيبا

وهبنا الزمان لها مقبلا *** وغصن الشبيبة غضاً قشيبا

فقل لمخوّفنا أن يحول *** صِباً هَرماً وشباب مشيبا

وددنا لعفّتنا أننا *** وُلدنا اذا كُره الشيب شيبا

وبلّغ اخا صحبتي عن اخيك *** عشيرته نائياً أو قريبا

تبدلتُ من ناركم ربّها *** وخبثِ مواقدها الخلدَ طيبا

حبستُ عناني مستبصراً *** بأيّة يستبقون الذنوبا

نصحتكم لو وجدتُ المصيخ (1) *** وناديتكم لو دعوتُ المجيبا

أفيئوا فقد وعد اللّه في *** ضلالة مثلكم أن يتوبا

وإلا هلموا أباهيكم *** فمن قام والفخر ، قام المصيبا

أمثل محمد المصطفى *** اذا الحكمُ ولّيتموه لبيبا

بعدلٍ مكانَ يكون القسيم *** وفصلٍ مكان يكون الخطيبا

أبان لنا اللّه نهج السبيل *** ببعثته وأرانا الغيوبا

لئن كنتُ منكم فان الهجين *** يُخرج في الفلتات النجيبا

وقال يرثي أهل البيت علیهم السلام ويذكر بيان البركة بولائهم فيما صار اليه :

في الظِباء الغادين أمس غزالُ *** قال عنه ما لا يقول الخيال

طارق يزعم الفراقَ عتابا *** ويرينا أن الملالَ دلالُ

لم يزل يخدع البصيرة حتى *** سرّنا ما يقول هو محالُ

لا عدمتُ الأحلامَ كم نوّلتني *** من منيعٍ صعبٍ عليه النوال

ص: 238


1- المصيخ : المصغي.

لم تنغّص وعداً بمطل ولو يو *** جب له مِنّةً عليّ الوصال

فلليلي الطويل شكري ودينُ ال- *** -عشق أن تُكره الليالي الطوال

لمن الظُّعُن غاصبتنا جمالا؟ *** حبذا ما مشت به الأجمالُ!

كانفاتٍ بيضاءَ دلّ عليها *** أنها الشمس أنها لا تنالُ

جمع الشوق بالخليع فأهلاً *** بحليمٍ له السلوّ عقال

كنتُ منه أيامَ مرتعُ لذّا *** تي خصيبٌ وماء عيشي زلال

حيث ضلعي مع الشباب وسمعي *** غَرضٌ لا تصيبه العُذّال

يا نديميّ كنتما فافترقنا *** فاسلواني ، لكل شيء زوال

ليَ في الشيب صارف ومن الحز *** ن على « آل أحمد » إشغال

معشر الرشد والهدى حَكَم البغ- *** -ي عليهم - سفاهةً - والضلال

ودعاة اللّه استجابت رجالُ *** لهم ثم بُدّلوا فاستحالوا

حملوها يوم « السقيفة » أوزا *** را تخفّ الجبال وهي ثقال

ثم جاؤوا من بعدها يستقيلو *** ن وهيهات عثرةٌ لا تُقال

يا لها سوءة إذا « أحمد » قا *** م غداً بينهم فقال وقالوا

ربع هميّ عليهم طلَلٌ با *** ق وتبلى الهموم والأطلال

يا لقومٍ إذ يقتلون « علياً » *** وهو للمحل فيهم قتّال

وتحالُ الأخبار واللّه يدري *** كيف كانت يوم « الغدير » الحال

ولسبطين تابعَيه فمسمو *** مٌ عليه ثرى « البقيع » يُهال

درسوا قبره ليخفى عن الزوّار *** هيهات! كيف يخفى الهلال!

وشهيدٍ « بالطف » أبكى السموا *** تِ وكادت له تزول الجبال

يا غليلي له وقد حُرّم الما *** ء عليه وهو الشراب الحلال

قطعت وصلة « النبي » بأن تق- *** -طع من آل بيته الأوصال

لم تنجّ الكهولَ سنّ ولا *** الشبان زهد ولا نجا الأطفال

لهفَ نفسي يا آل « طه » عليكم *** لهفةً كسبها جوىً وخَبال

وقليل لكم ضلوعي تهت- *** -زّ مع الوجد أو دموعي تذال

ص: 239

كان هذا كذا وودّي لكم حس- *** -ب وما لي في الدين بعدُ اتصال

وطروسي سود فكيف بي الآ *** ن ومنكم بياضها والصّقال

حبكم كان فكّ أسرى من الشر *** ك وفي منكبي له أغلال

كم تزمّلتُ بالمذلة حتى *** قُمت في ثوب عزّكم أختالُ

بركات لكم محت من فؤادي *** ما مَلّ الضلالَ عمّ وخال

ولقد كنت عالماً أن إقبا *** لي بمدحي عليكم إقبال

لكم من ثنايَ ما ساعَدَ العم- *** -رُ فمنه الإبطاء والاعجال

وعليكم في الحشر رجحانُ ميزا *** ني بخيرٍ لو يُحصَر المثقال

ويقيني أن سوف تصدُق آما *** لي بكم يومَ تكذب الآمال (1)

وقال يمدح أهل البيت علیهم السلام :

سلا مَن سلا : مَن بنا استبدلا *** وكيف محا الآخر الأولا

وأي هوىً حادث العهد أم- *** -س أنساه ذاك الهوى المُحولا؟

وأين المواثيق والعاذلات *** يضيق عليهنّ أن تعذلا؟

أكانت أضاليل وعدِ الزما *** ن أم حلم الليل ثم انجلى؟

وممّا جرى الدمع فيه سؤا *** ل مَن تاه بالحسن أن يسألا

أقول « برامة » : يا صاحبي *** مَعاجاً - وإن فعلا - : أجملا

قفا لعليل فإن الوقوف *** وإن هو لم يشفه علّلا

بغربي « وجرةَ » ينشدنه *** وإن زادنا صلةً منزلا

وحسناء لو أنصفت حسنها *** لكان من القبح أن تبخلا

رأت هجرها مرخصا من دمي *** على النأى علقاً قديماً غلا

ورُبّت واشٍ بها منبضٍ (2) *** أسابقه الردّ أن يُنبلا

رأى ودّها طللا ممحلا *** فلفّق ما شاء أن يَمحَلا

ص: 240


1- عن الديوان.
2- المنبض : الذي يشد وتر القوس.

وألسنة كأعالي الرماح *** رددتُ وقد شرعت ذبلا

ويأبى « لحسناءَ » إن أقبلت *** تعرّضها قمراً مقبلا

سقى اللّه « ليلاتنا بالغوي- *** -ر » فيما أعلّ وما أنهلا

حياً كلما أسبلت مقلة *** - حنينا له - عبرة أسبلا

وخصّ وإن لم تعد ليلةً *** خلت فالكرى بعدها ما حلا

وفي الطيف فيها بميعاده *** وكان تعوّد أن يمطلا

فما كان أقصر ليلي به *** وما كان لو لم يزر أطولا

مساحبُ قصّر عني المشي- *** -بُ ما كان منها الصّبا ذيّلا

ستصرفني نزوات الهمو *** م بالأرَب الجِدّ أن أهزلا

وتنحتُ من طرفي زفرة *** مباردها تأكل المنصلا

وأغرى بتأبين آل النب- *** -يّ إن نسّب الشعر أو غزّلا

بنفسي نجومهم المخمَداتِ *** ويأبى الهدى غير أن تشعَلا

وأجسام نور لهم في الصعي- *** -دِ تملؤه فيضيء الملا

ببطن الثرى حملُ ما لم تطق *** على ظهرها الأرض ان تحملا

تفيض فكانت ندىً أبحرا *** وتهوي فكانت عُلاً أجبلا

سل المتحدي بهم في الفخا *** ر ، أين سمت شرفات العلا :

بمن باهل اللّه أعداءه *** فكان الرسول بهم أبهلا؟

وهذا الكتاب وإعجازه *** على مَن؟ وفي بيت مَن؟ نزّلا

« وبدر » و « بدر » به الدين ت- *** -مّ مَن كان فيه جميلَ البلا؟

ومَن نام قوم سواه وقام؟ *** ومَن كان أفقّه أو أعدلا

بمن فصل الحكم يوم « الحنين » *** فطبق في ذلك المفصلا؟

مساعٍ أطيل بتفصيلها *** كفى معجزاً ذكرها مجملا

يمينا لقد سلّط الملحدون *** على الحق أو كاد أن يبطلا

فلولا ضمان لنا في الطهور *** قضى جَدلُ القول أن نخجلا

أألله يا قوم يقضي « النبي » *** مطاعاً فيعصى وما غسّلا!

ص: 241

ويوصي فنخرُص دعوى علي- *** -ه في تركه دينَه مهمَلا!

وتجتمعون على زعمهم *** وينبيك « سعدٌ » بما أشكلا!

فيعقب إجماعهم أن يبي- *** -ت مفضولهم يقدُم الأفضلا

وأن ينزع الأمر من أهله *** لأنّ « علياً » له أُهّلا

وساروا يحطّون في آله *** بظلمهم كلكلا كلكلا

تدّب عقارب من كيدهم *** فتفنيهم أوّلاً أوّلا

أضاليل ساقت صاب ( الحسين ) *** وما قبل ذاك وما قد تلا

« أميّة » لابسة عارَها *** وإن خفى الثأر أو حُصّلا

فيوم « السقيفة » يابن النب- *** -يّ طرّق يومك في « كربلا »

وغصبُ أبيك على حقّه *** وأمّك حَسّنَ أن تُقتَلا

أيا راكباً ظهر مجدولةٍ *** تُخالُ اذا انبسطت أجدلا

شأت أربع الريح في أربعٍ *** اذا ما انتشرن طوين الفلا

اذا وكلت طرفها بالسما *** ء خيل بادراكها وكّلا

فعزّت غزالتها غُرةً *** وطالت غزال الفلا أيطلا (1)

كطيتك في منتهى واحد *** - لتدركَ يثربَ - أو مرقلا

فصل ناجيا وعليّ الأمانُ *** لمن كان في حاجة موصلا

تحمّل رسالة صبٍ حملت *** فنادِ بها « أحمدَ » المرسلا

وحيّ وقل : يا نبي الهدى *** تأشَب نهجُك واستوغلا

قضيتَ فأرمضنا ما قضيت *** وشرعك قد تمّ واستكملا

فرام ابن عمّك فيما سنن- *** -تَ أن يتقبّل أو يَمثُلا

فخانك فيه من الغادري- *** -ن مَن غيّر الحق أو بدّلا

الى أن تحلّت بها « تيمها » *** وأضحت « بنو هاشم » عُطّلا

ولما سرى امرُ « تيمٍ » أطا *** ل بيتُ عديٍّ لها الأحبلا

ص: 242


1- الأيطل : الخاصرة.

ومدّت « أميةُ » أعناقها *** وقد هوّن الخطبُ واستسهلا

فنال « ابن عفّان » ما لم يكن *** يظنّ وما نال بل نُوّلا

فقرّ وأنعم عيش يكو *** ن من قبله خشناً قلقلا

وقلّبها « أرد شيريةً » *** فحرّق فيها بما أشعلا

وساروا فساقوه أو أوردوه *** حياض الردّى منهلاً منهلا

ولما امتطاها « عليّ » أخو *** ك ردّ الى الحق فاستُثقلا

وجاؤا يسومونه القاتلين *** وهم قد ولوا ذلك المقتلا

وكانت هَناةٌ وأنت الخصيم *** غداً والمعاجَلُ من أُمهِلا

لكم آل « ياسين » مدحي صفا *** وودي حلا وفؤادي خلا

وعندي لأعدائكم نافذا *** تُ قولي [ ما ] صاحبَ المقولا

اذا ضاق بالسير ذرع الرفيق *** ملأتُ بهنّ فروجَ الملا

فواقرُ من كل سهمٍ تكون *** له كلّ جارحةٍ مقتلا

وهلا ونهج طريق النجاة *** بكم لاح لي بعد ما أشكلا؟

ركبتُ لكم لقمي فاستننتُ *** وكنتُ أخابطه مجهلا (1)

وفُكّ من الشرك أسري وكا *** ن غلاً على منكبي مقفَلا

أواليكم ما جرت مزنةٌ *** وما اصطخب الرعد أوجلجلا

وأبرأُ ممن يعاديكم *** فإن البراءة اصل الولا

ومولاكم لا يخاف العقاب *** فكونوا له في غدٍ موئلا

وقال يرثي أمير المؤمنين علياً وولده الحسين علیهماالسلام ويذكر مناقبهما في المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة :

يزور عن « حَسناء » زورة خائفِ *** تعرّضُ طيفِ آخرَ الليل طائف (2)

فأشبهها لم تغدُ مسكاً لناشقٍ *** كما عوّدت ولا رحيقاً لراشفِ

ص: 243


1- استننت : ذهبت في واضح الطريق. والمجهل : القفر.
2- عن الديوان.

قصيةُ دارٍ قرّبَ النومُ شخصها *** ومانعة أهدت سلام مساعف

ألينُ وتغري بالإناء كأنما *** تبرّ بهجراني أليه حالفِ

و « بالغور » للناسين عهدي منزل *** حنانيك من شاتِ لديه وصائفِ

أغالط فيه سائلاً لا جهالة *** فأسال عنه وهو بادي المعارف

ويعذلني في الدار صحبي كأنني *** على عَرَصات الحب أولُ واقفِ

خليليّ إن حالت - ولم أرض - بيننا *** طوالُ الفيافي أو عِراض التنائفِ

فلا زرّ ذاك السجفُ إلا لكاشفٍ *** ولا تمّ ذاك البدر إلا لكاسف

فإن خفتما شوقي فقد تأمنانِه *** بخاتلةٍ بين القنا والمخاوف

بصفراء لو حلت قديماً لشارب *** لضنّت فما حلّت فتاةً لقاطف

يطوف بها من آل « كسرى » مقرطق *** يحدّث عنها من ملوك الطوائف

سقى الحسن حمراء السلافة خدّه *** فأنبع نبتاً أخضراً في السوائف

وأحلف أنى شُعشعت لي بكفّه *** سلوتُ سوى همٍّ لقلبي محالفِ

عصيت على الأيام أن ينتزعنه *** بنهي عذولٍ أو خداعِ ملاطفِ

جوى كلما استخفى ليخمد هاجه *** سنا بارقٍ من أرض « كوفان » خاطف

يذكّرني مثوى « عليّ » كأنني *** سمعت بذاك الرزء صيحة هاتف

ركبت القوافي ردف شوقي مطيّةً *** تخبّ بجاري دمعي المترادف

الى غايةٍ من مدحه إن بلغتها *** هزأتُ بأذيال الرياح العواصف

وما أنا من تلك المفازة مدرك *** بنفسي ولو عرّضتها للمتالف

ولكن تؤدّي الشهد إصبع ذائقٍ *** وتعلقُ ريح المسك راحةُ دائف (1)

بنفسي مَن كانت مع اللّه نفسه *** اذا قلّ يوم الحق مَن لم يجازف

إذا ما عزوا ديناً فآخر عابدٍ *** وإن قسموا دنياً فأول عائفِ

كفى « يوم بدر » شاهد « وهوازن » *** لمستأخرين عنها ومزاحف

« وخيبر » ذات الباب وهي ثقيلة ال- *** -مرام على أيدي الخطوب الخفائف

ص: 244


1- الدائف : الخالط الذي يخلط المسك بغيره من الطيب.

أبا « حسنٍ » إن أنكروا الحق [ واضحاً ] *** على أنه واللّه إنكارُ عارف

فإلا سعى للبين أخمص بازلٍ *** وإلا سمت للنعل إصبع خاصف

وإلا كما كنتَ ابنَ عمٍّ ووالياً *** وصهراً وصفوا كان مَن لم يقارف

أخصّك بالتفضيل إلا لعلمه *** بعجزهم عن بعض تلك المواقف

نوى الغدر أقوام فخانوك بعده *** وما آنف في الغدر إلا كسالف

وهبهم سفاها صححوا فيك قوله *** فهل دفعوا ما عنده في المصاحف

سلام على الاسلام بعدك إنهم *** يسومونه بالجور خطة خاسف

وجدّدها « بالطف » بابنك عصبة *** أباحوا لذاك القرف حكّة قارف

يعزّ على « محمد » بابن بنته *** صبيب دمٍ من بين جنبيك واكفِ

أجازَوك حقاً في الخلافة غادروا *** جوامع منه في رقاب الخلائف

أيا عاطشاً في مصرعٍ لو شهدتُه *** سقيتك فيه من دموعي الذوارف

سقى غلّتي بحر بقبرك إنني *** على غير إلمامٍ به غير آسف

وأهدى اليه الزائرون تحيّتي *** لأشرف إن عيني له لم تشارف

وعادوا فذرّوا بين جنبيّ تربةً *** شفائي مما استحقبوا في المخاوف

أُسرّ لمن والاك حب موافق *** وأبدي لمن عاداك سبّ مخالف

دعيّ سعى سعي الأسود وقد مشى *** سواه اليها أمس مشيَ الخوالف (1)

وأغرى بك الحساد أنك لم تكن *** على صنم فيما روَوه بعاكف

وكنت حصان الجيب من يد غامرٍ *** كذاك حصان العرض من فم قاذف

وما نسب ما بين جنبيّ تالدٌ *** بغالب ودٍّ بين جنبيّ طارف

وكم حاسد لي ودّ لو لم يعش ولم *** أنابله (2) في تأبينكم وأسايف

تصرّفت في مدحيكم فتركته *** يعضّ عليّ الكفّ عضّ الصوارف

هواكم هو الدنيا وأعلم أنه *** يبيّضُ يومَ الحشر سودَ الصحائف

ص: 245


1- الخوالف : النساء.
2- انابله : أراميه بالنبل. أسايف : أجالده بالسيف.
وقال يفتخر بابائه ويذكر سبقهم بالملك والسياسة ثم يذكر أهل البيت علیهم السلام وهي أول قوله في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة :

أتعلمين يا بنة الأعاجمِ *** كم لأخيكِ في الهوى من لائمِ

يهبّ يلحاه بوجهٍ طلقٍ *** ينطق عن قلبٍ حسودٍ راغم

وهو مع المجد على سبيله *** ماض مضاء المشرفيّ الصارم

ممتثلا ما سنّه آباؤه *** إن الشبول شبه الضراغم

من أيكةٍ مذ غرستها « فارس » *** ما لان غمزاً فرعها لعاجم

لمن على الارض - وكانت غيضة - *** أبنيةُ لا تُبتغى لهادم؟

مَن فرس الباطل بالحق ومَن *** أرغم للمظلوم أنف الظالم

إلا « بنو ساسان » أو جدودهم *** طِر بخوافيهم وبالقوادم

أيهم أبكى دما فكلّهم *** يجلّ عن دموعي السواجم

كم جذبت ذكراهم من جلدي *** جذب الفريق من فؤاد الهائم

لا غرو والدنيا بهم طابت اذا *** لم تحل يوماً بعدهم لطاعم

[ ما ] اختصمتني فيهم قبيلة *** إلا وكنت غصّة المخاصم

ولا نشرت في يدي فضلهم *** إلا نثرتُ ملء عقد الناظم

إن يجحد الناس علاهم فبما *** أنكر روض نعم الغمائم!!

أو قلّد الصارم غير ربه *** فليس غير كفه للقائم

أحق بالأرض اذا أنصفتم *** عامرها بشرف العزائم

ياناحلى مجدهم أنفسهم *** هُبوا فللأضغاث عينُ الحالم

شتان رأس يفخر التاج به *** وأرؤسُ تفخر بالعمائم

كم قصّرت [ سيوفهم ] عن جارهم *** خطى الزمان قايماً بقائم

ودفعت حماتهم عن نوبٍ *** عظائمٍ تكشف بالعظائم

وخوّلوا من [ نعمةٍ ] واغتنموا *** جُلّ السماح عن يمين غارم

مناقب تفتق ما رقّعتم *** من بأس « عمرو » وسماح « حاتم »

ص: 246

ما برحت مظلمةَ ديناكم *** حتى أضاء كوكب في « هاشم »

بنتم به وكنتم من قبله *** سراً يموت في ضلوع كاتم

حللتم بهديه ويمنه *** بعد الوهاد في ذرى العواصم

وعاد ، هل من مالكٍ مسامحٍ *** تدعون هل من مالكٍ مقاوم؟

تخفق راياتكم منصورة *** إذا ادرعتم باسمه في جاحم (1)

عُمّر منكم في أذى تفضحكم *** أخباره في سير الملاحم

بين قتيل منكم محاربٍ *** يكفُر أو منافقٍ مسالم

ثم قضى مسلّما من ريبةٍ *** فلم يكن من غدركم بسالم

نقضتم عهوده في أهله *** وحلتم عن سنن المراسم

وقد شهدتم مقتل ابن عمّه *** خير مصلٍّ بعده وصائم

وما استحل باغياً إمامكم *** « يزيد » « بالطف » من « ابن قاطم »

وها إلى اليوم الظبا خاضبةُ *** من دمه مناسر القشاعم

« والفرس » لما علقوا بدينه *** لم تنل العُروة كفّ فاصم

فمن إذاً أجدر أن يملكها *** موقوفةً على النعيم الدائم؟

لا بدّ يوماً أن تقال عثرة *** من سابقٍ أو هفوةُ من حازم

لو هبّت الريح نسيما أبدا *** لم يتعوذ من أذى السمائم

أو أمنت حسناء طول عمرها - *** عيناً لما احتاجت الى التمائم

خذ يا حسودي بين جنبيك جوىً *** يرمى الى قلبك بالضرائم

واقنع فقد فتّك غير خاملٍ *** بالصغر أن تقرعَ سنّ نادم

لا زلت منحوس الجزاء قلقاً *** بوادعٍ وسِهراً لنائم

ص: 247


1- الجاحم : الحرب وشدة القتل فيها.
وقال يمدح أهل البيت علیهم السلام :

بكى النار ستراً على الموقد *** وغار يغالط في المُنجد

أحبّ وصان فورّى هوىً *** أضلّ وخاف فلم ينشد؟

بعيد الإصاخة عن عاذلٍ *** غنى التفرّد عن مًسعد

حمول على القلب وهو الضعيف *** صبور عن الماء وهو الصّدي

وقورٌ وما الخرقُ من حازمٍ *** متى ما يَرح شيبه يغتدي

ويا قلب إن قادك الغانيات *** فكم رسنٍ فيك لم ينقد

أفق فكأني بها قد أُمِرّ *** بأفواهها العذب من موردي

وسُوّد ما ابيضّ من ودها *** بما بيّض الدهر من أسودي

وما الشيب أول غدر الزمان *** بلى من عوائده العوّد

لحا اللّه حظي كما لا يجود *** بما استحق وكم أجتدي

وكم أتعلل عيش السقيم *** أذمّم يومي وأرجو غدي

لئن نام دهري دون المنى *** وأصبح عن نَيلها مُقعدي

ولم أك أحمد أفعاله *** فلي أسوة ببني « أحمد »

بخير الورى وبني خيرهم *** اذا وَلَد الخير لم يولد

وأكرم حيّ على الأرض قام *** وميتٍ توسّد في ملحد

وبيتٍ تقاصر عنه البيوت *** وطال عليّاً على الفرقد

تحوم الملائك من حوله *** ويصبح للوحى دار الندي

ألا سَل « قريشاً » ولُم منهم *** مَن استوجب اللوم أو فنّد

وقل : ما لكم بعد طول الضلا *** ل لم تشكروا نعمة المرشد؟

أتاكم على فترةٍ فاستقام *** بكم جائرين عن المقصد

وولّى حميداً الى ربّه *** ومن سَنّ ما سنّه يُحمَد

وقد جعل الأمر من بعده *** « لحيدر » بالخبر المسند

وسمّاه مولىً بإقرار مَن *** لو اتبع الحق لم يجحد

ص: 248

فملتم بها - حسد الفضل - عنه *** ومن يكُ خير الورى يُحسدِ

وقلتم : بذاك قضى الاجتماع *** ألا إنما الحق للمفرد

يعزّ على « هاشم » و « النبي » *** تلاعبُ « تيمٍ » بها أو « عَدي »

وإرثُ « عليِّ » لأولاده *** اذا آيةُ الإرث لم تفسد

فمن قاعدٍ منهم خائف *** ومِن ثائر قام لم يُسعد

تسلّط بغياً أكفُ النفا *** ق منهم على سيّدٍ سيّد

وما صرفوا عن مقام الصلاة *** ولا عُنّفوا في بُنى المسجد

أبوهم وأمهم من علم- *** -تَ فانقص مفاخرهم أو زِد

أرى الدين من بعد يوم « الحسين » *** عليلاً له الموتُ بالمرصد

وما الشرك لله من قبله *** اذا انت قستَ بمستبعد

وما آل « حربٍ » جنوا إنما *** أعادوا الضلال على من بُدي

سيعلم مَن « فاطم » خصمُه *** بأيّ نكالٍ غداً يرتدي

ومَن ساء « أحمد » يا سبطه *** فباء بقتلك ماذا يدي؟

فداؤك نفسي ومَن لي بدا *** ك لو أن مولىً بعبدٍ فُدي

وليتَ دمي ما سقى الأرض منك *** يقوت الرّدى وأكون الرّدي

وليت سبقتُ فكنتُ الشهيد *** أمامك يا صاحب المشهد

عسى الدهر يشفى غداً من عِدا *** ك قلب مغيظٍ بهم مكمد

عسى سطوة الحق تعلو المحال *** عسى يغلبُ النقص بالسؤدد

وقد فعل اللّه لكنني *** أرى كبدي بعدُ لم تبرد

بسمعي لقائمكم دعوة *** يلبي لها كل مستنجد

أنا العبد وآلاكم عُقده *** اذا القول بالقلب لم يعقد

وفيكم ودادي وديني معاً *** وإن كان في « فارس » مولدي

خصمت ضلالي بكم فاهتديت *** ولولاكم لم أكن اهتدي

وجردتموني وقد كنت في *** يد الشرك كالصارم المغمد

ولا زال شعري من نائحٍ *** ينقّل فيكم الى منشد

ص: 249

وما فاتني نصركم باللسان *** اذا فاتني نصركم باليد (1)

وقال يذكر مناقب امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات اللّه عليه وسلامه ، وما مني به من أعدائه :

إن كنتَ ممن يلجُ « الوادي » فسل *** بين البيوت عن فؤادي : ما فعل

وهل رأيت - والغريب ما ترى - *** واجد جسمٍ قلبه منه يضل؟

وقل لغزلان « النقا » : مات الهوى *** وطلقت بعدكم بنت الغزل

وعاد عنكنّ يخيبُ قانصٌ *** مَدّ الحبالات لكنّ فاحتبل

يا من يرى قتلى السيوف حظرت *** دماؤهم ، اللّه في قتلى المقل

ما عند سكان « مِنىً » في رجلِ *** سباه ظبيٌ وهو في ألف رجل

دافع عن صفحته شوك القنا *** وجرحته أعين السرب النُجل

دمٌ حرام للأخ المسلم في *** أرض حرامٍ ، يال « نعم » كيف حلّ؟!

قلت : شكا ، فأين دعوى صبره *** كُرّي اللحاظ واسئلى عن الخبَل

عنّ هواك فأذل جلدي *** والحب ما رقّ له الجلد وذل

مَن دلّ مسراكِ عليّ في الدجي *** هيهات في وجهك بدرٌ لا يدلّ

رُمتِ الجمال فملكت عنوةً *** أعناق ما دقّ من الحسن وجل

لواحظاً علّمت الضرب الظبا *** على قوامٍ علّم الطعن الأسل

يا من رأى « بحاجر » مجاليا *** من حيث ما استقبلها فهي قِبل

اذا مررت بالقباب من « قبا » *** مرفوعةً وقد هوت شمس الأصل (2)

فقل لأقمار السماء : اختمري *** فحلبة الحسن لأقمار الكِلل

أين ليالينا على « الخيف » وهل *** يردّ عيشاً بالحمى قولك : هَل؟

ما كنّ إلا حُلًماً روّعه *** الصبحُ وظِلاً كالشباب فانتقل

ما جمعت قط الشباب والغنى *** يدُ امرئٍ ولا المشيبَ والجذل

ص: 250


1- عن الديوان.
2- الاصل جمع اصيل وهو وقت ما بعد العصر الى المغرب.

يا ليت ما سوّد أيام الصبا *** أعدى بياضاً في العذارين نزل

ما خلتُ سوداء بياضي نصَلت *** حتى ذوى أسود رأسي فنصل (1)

طارقة من الزمان أخذت *** أواخر العيش بفرطات الأول

قد أنذرت مبيضة ان حذّرت *** ونطقَ الشيب بنصحٍ لو قُبِل

ودلّ ما حط عليك من سنى *** عمرك أن الحظ فيما قد رحل

كم عِبرةٍ وأنت من عظاتها *** ملتفتٌ تتبع شيطان الامل

ما بين يمناك وبين أختها *** إلا كما بين مناك والأجل

فاعمل من اليوم لما تلقى غدا *** أو لا فقل خيراً توفّق للعمل

ورِد خفيف الظهر حول اسرةٍ *** إن ثقّلوا الميزان في الخير ثَقل

اشدد يداً بحب آل « أحمد » *** فإنه عقدة فوزٍ لا تُحل

وابعث لهم مراثياً ومدحاً *** صفوة ما راض الضمير ونخل

عقائلا تصان بابتذالها *** وشاردات وهي للسارى عُقُل

تحمل من فضلهم ما نهضت *** بحمله أقوى المصاعيب الذّلل

موسومةً في جبهات الخيل أو *** معلّقات فوق أعجاز الإبل

تنثو (2) العلاء سيّدا فسيداً *** عنهم وتنعى بطلا بعد بطل

الطيبون أزراً تحت الدجى *** الكائنون وَزرا (3) يوم الوجل

والمنعمون والثرى مقطّب *** [ من جدبه ] والعام غضبان أزِل

خير مصلّ ملكا وبشرا *** وحافيا داس الثرى ومنتعِل

هم وأبوهم شرفاً وأمهم *** أكرم مَن تحوي السماء وتُظِل

لا طلقاء منَعمٌ عليهم *** ولا يجارون اذا الناصر قل (4)

ص: 251


1- نصل : خرج من خضابه.
2- تنثو تذيع.
3- الوزر الملجأ.
4- يشير الى فتح مكة لما منّ رسول اللّه على أهل مكة وقال اذهبوا فانتم الطلقاء.

يستشعرون « اللّه أعلى في الورى » *** وغيرهم شعاره « أعلُ هُبل » (1)

لم يتزخرف وثنُ لعابدٍ *** منهم يُزيغ قلبه ولا يضل

ولا سرى عرق الإماء فيهم *** خبائث ليست مريئات الأكل

يا راكباً تحمله « عيدية » *** مهوية الظهر بعضّات الرحل

ليس لها من الوجا (2) منتصر *** إذا شكا غاربها حيف الإطل (3)

تشرب خمسا وتجر رعيها *** والماء عدّ (4) والبنات مكتهل

اذا اقتضت راكبها تعريسة (5) *** سوّفها الفجر ومنّاها الطفل (6)

عرّج بروضات « الغرى » سائفا (7) *** أزكى ثرى وواطئا أعلى محل

وأدّ عني مُبلغا تحيتي *** خير « الوصيين » أخا خير الرسل

سمعا « امير المؤمنين » إنها *** كناية لم تك فيها منتحل

ما « لقريش » ما ذقتك عهدها *** ودا مجتك ودها على دخل (8)

وطالبتك عن قديم غِلّها *** بعد أخيك بالترات والذحل

وكيف ضموا أمرهم واجتمعوا *** فاستوزروا الرأي وانت منعزل

وليس فيهم قادح بريبة *** فيك ولا قاضٍ عليك بوهل

ولا تُعدّ بينهم منقبة *** إلا لك التفصيل منها والجُمل

وما لقومٍ نافقوا « محمدا » *** عمر الحياة وبغوا فيه الغيل!

وتابعوه بقلوبٍ نزل « ال- *** -فرقان » فيها ناطقاً بما نزل

ص: 252


1- هبل صنم كان في الكعبة ، ويشير بذلك الى قول أبي سفيان في يوم أحد أعل هبل. فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أجيبوه وقولوا : اللّه أعلى وأجل.
2- الوجا : الحفا.
3- الاطل : الخاصرة.
4- العد : الغزير الذي لا ينقطع.
5- التعريسية : نزول القوم آخر الليل للاستراحة.
6- الطفل : قبيل غروب الشمس.
7- سائفا : ساماً.
8- الدخل : الخداع والغش.

مات فلم تنعق على صاحبه *** ناعقة منهم ولم يرغِ جمل

ولا شكا القائم في مكانه *** منهم ولا عنفهم ولا عذل

فهل ترى مات النفاق معه *** أم خلصت أديانهم لما نُقل

لا والذي أيّده بوحيه *** وشده منك بركن لم يزل

ما ذاك إلا ان نياتُهُم *** في الكفر كانت تلتوى وتعتدل

وأن وَدّاً بينهم دل على *** صفائه رضاهم بما فعل

وهبهم تخرصا قد ادعوا *** أن النفاق كان فيهم وبطل

فما لهم عادوا وقد وليتهم *** فذكروا تلك الحزازات الأول!

وبايعوك عن خداع ، كلهم *** باسط كفٍ تحتها قلبٌ نغِل

ضرورة ذاك كما عاهد مَن *** عاهد منهم « أحمدا » ثم نكل

وصاحب الشورى لما ذاك ترى *** عنك - وقد ضايقه الموت - عدل

« والأمويُ » ما له أخرّكم *** وخص قوماً بالعطاء والنفل

وردها عجماء « كسرويّةً » *** يضاع فيها الدين حفظا للدول

كذاك حتى أنكروا مكانه *** وهم عليك قدّموه فقبل

ثم قسمتَ بالسواء بينهم *** فعظم الخطب عليهم وثقل

فشحذت تلك الظبا وحفرت *** تلك الزبى وأضرمت تلك الشعل

مواقف في الغدر يكفي سُبةً *** منها وعاراً لهم « يوم الجمل »

( وإن تكن ذات الغبيط أقلعت *** بزعم من اكدّ ذاك ونقل )

( فما لها تمنع من دفن ابنه *** لولا هناة جرحها لم يندمل )

يا ليت شعري عن أكف أرهفت *** لك المواضي وانتحتك بالذبُل

واحتطبت تبغيك بالشر ، على *** أي اعتذار في المعاد تتكل؟!

أنسيت صفقتها أمسِ على *** يديك ألا غيرٌ ولا بدل؟

وعن حصان أبرزت يكشف باس- *** -تخراجها ستر النبي المنسدل

تطلب امراً لم يكن ينصره *** بمثلها في الحرب إلا من خذل

ص: 253

يا للرجال و « لتيم » تدّعي *** ثأر « بني امية » وتنتحل

وللقتيل يلزمون دمه *** - وفيهم القاتل - غير مَن قتل

حتى اذا دارت رحى بغيهم *** عليهم وسبق السيف العذل

وانجز النكث العذاب (1) فيهم *** بعد اعتزال منهم بما مطل

عاذوا بعفو ماجدٍ معوّدٍ *** للصبر حمالٍ لهم على العلل

فنحت البقيا عليهم مَن نجا *** وأكل الحديد منهم مَن أكل

فاحتجّ قومٌ بعد ذاك لهم *** بفاضحات ربها يوم الجدَل

فقلّ منهم من لوى ندامة *** عنانه عن المصاع فاعتزل

وانتزع العامل (2) من قناته *** فردّ بالكره فشد فحمل

والحال تُنبي أن ذاك لم يكن *** عن توبةٍ وإنما كان فشل

ومنهم مَن تاب بعد موته *** وليس بعد الموت للمرء عمل

وما الخبيثين « ابن هندٍ » وابنه *** وإن طغى خطبهما بعد وجل

بمبدعين في الذي جاءا به *** وإنما تقفيا تلك السبل

إن يحسدوك فلفرط عجزهم *** في المشكلات ولما فيك كمل

الصنو أنت والوصي دونهم *** ووارث العلم وصاحب الرسل

وآكل الطائر والطارد *** للصلّ ومن كلّمه قبلك صِلّ؟!

وخاصف النعل وذو الخاتم وال- *** -منهل في يوم القليب والمُعِل

وفاصل القضية العسراء في *** « يوم الحنين » وهو حكم ما فَصَل

ورجعة الشمس عليك نبأ *** تشعب الالباب فيه وتضل

فما ألوم حاسداً عنك انزوى *** غيظا ولاذا قَدَمٍ فيك تزل

ياصاحب الحوض غداً لا حُلّئت *** نفس تواليك عن العذب النهل

ولا تسلّط قبضة النار على *** عنقٍ اليك بالوداد ينفتل

عاديت فيك الناس لم احفل بهم *** حتى رموني عن يدٍ إلا الأقل

ص: 254


1- وفي الاصل « العِدات ».
2- العامل : صدر الرمح وهو ما يلي السنان.

تفرّغوا يعترقون (1) غيبةً *** لحمي وفي مدحك عنهم لي شغل

عدلتُ أن ترضى بأن يسخط مَن *** تقلّه الارضُ عليّ فاعتدل

ولو يشقّ البحر ثم يلتقي *** فلقاه فوقي في هواك لم أبَل

علاقة بي لكم سابقة *** لمجد « سلمان » اليكم تتصل

ضاربة في حبكم عروقها *** ضرب فحول الشول في النوق البزل

تضمني من طرفي في حبلكم *** مودّةٌ شاخت ودينٌ مقتبل

فضلت آبائي الملوك بكم *** فضيلة الاسلام أسلافَ الملل

لذاكم أرسلها نوافذاً *** لأمّ مَن لا يتقيهن الهبل

يمرقن زُرقاً من يهدي حدائدا *** تنحى أعاديكم بها وتنتبل (2)

صوائبا إما رميت عنكم *** وربما أخطأ رامٍ من « ثعل » (3)

ص: 255


1- يعترقون : ينزعون ما على العظم من لحم.
2- تنتبل ترمى بالنبل.
3- ثعل : اسم قبيلة مشهورة بالرمي.
الشريف المرتضى
قال يذكر مصرع جده الحسين علیه السلام :

أأُسقى نميرّ الماء ثم يلذّ لي *** ودوركم آل الرسول خَلاء؟

وأنتم كما شاء الشتات ولستم *** كما شئتم في عيشةٍ وأشاء

تذادون عن ماء الفرات وكارع *** به إبلٌ للغادرين وشاء

تنشرّ منكم في القَواءِ معاشر *** كأنهم للمبصرين مُلاء

ألا إن يوم الطف أدمى محاجراً *** وأدوى قلوباً ما لهنّ دواء

وإن مصيبات الزمان كثيرة *** ورب مصابٍ ليس فيه عزاء

أرى طخيةً فينا فأين صباحها *** وداء على داءِ فأين شفاء؟

وبين تراقينا قلوب صديئة *** يراد لها لو أعطيته جلاءُ

فيما لائماً في دمعتي أو « مفنداً » *** علي لوعتي واللوم منه عناء؟

وهل لي سلوان وآل محمد *** شريدهم ما حان منه ثواء

تصدّ عن الروحات أيدي مطيهم *** ويزوى عطاء دونهم وحُباء

كأنهم نسل لغير محمدٍ *** ومن شعبه أو حزبه بعداءُ

فيا أنجماً يهدى الى اللّه نورها *** وإن حال عنها بالغبي غباءُ

فإن يك قوم وصلة لجهنم *** فأنتم الى خُلد الجنان رشاءُ

ص: 256

دعوا قلبي المحزون فيكم يهيجه *** صباح على أُخراكم ومساء

فليس دموعي من جفوني وإنما *** تقاطرن من قلبي فهنّ دماء

اذا لم تكونوا فالحياة منية *** ولا خير فيها والبقاء فناء

وإما شقيتم في الزمان فإنما *** نعيمي اذا لم تلبسوه شقاء

لحا اللّه قوماً لم يجازوا جميلكم *** لأنكم أحسنتم وأساؤا

ولا انتاشهم عند المكاره منهض *** ولا مسهم يوم البلاء جزاء

سقى اللّه أجداثاً طوين عليكم *** ولا زال منهلاً بهن رواء

يسير إليهن الغمام وخلفه *** رماجر من قعقاعِه وحُداء

كأن بواديه العشار تروحت *** لهنّ حنينٌ دائمٌ ورغاء

ومَن كان يسقى في الجنان كرامة *** فلا مسّه من [ ذي ] السحائب ماء (1)

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام ويستنهض المهدي علیه السلام لثاره في الأنام :

قف بالديار المقفرات *** لعبت بها أدي الشتات

فكأنهن هشائم *** بمرور هوج العاصفات

فإذا سألت فليس تس- *** -أل غير صمٍ صامتات

خرسٍ يخلن من السكو *** تِ بهن هام المصغيات

عج بالمطايا الناحلا *** تِ على الرسوم الماحلات

الدارسات الفانيا *** ت شبيهة بالباقيات

واسأل عن القتلى الألى *** طرحوا على شطّ الفرات

شُعثٌ لهم جُممٌ عصي- *** -ن على أكف الماشطات

وعهودهن بعيدة *** بدهان ايدٍ داهنات

ص: 257


1- عن الديوان.

نسج الزمان بهم سرا *** بيلاً بحوك الرامسات (1)

تطوى وتُمحى عنهم *** محواً بهطل المعصرات

فهم لأيدٍ كاسيا *** ت تارة أو معريات

ولهم أكفّ ناضرا *** تٌ بين صمٍ يابسات

ما كن إلا بالعطا *** يا والمنايا جاريات

كم ثَمّ من مهجٍ سقي- *** -ن الحتف للقوم السرات

والى عصائب ساريا *** ت في الدآدي عاشيات (2)

غرثان إلا من جوّى *** عريانَ إلا من أذاةِ

وإذا استمد فمن *** أكف بالعطايا باخلات

واذا استعان على خطو *** بٍ أو كروب كارثات

فبكلّ مغلولِ اليدي- *** -ن هناكَ مفلول الشّباة

قل للألى حادوا وقد *** ضلوا الطريق عن الهداة

وسروا على شعب الركا *** ئب في الفلاة بلا حداة

نامت عيونكم ول- *** -كن عن عيون ساهرات

وظننتم طول المدى *** يمحو القلوب من التِرات

هيهات إن الضغن *** توقده الليالي بالغداة

لا تأمنوا غض النوا *** ظر من قلوب مرصدات

إن السيوف المُعريا *** ت من السيوف المغمدات

والمثقلات المعييا *** ت من الأمور الهيّنات

والمصميات من المقا *** تل هنّ نفس المخطئات

وكأنني بالكمت تردى *** في البسيطة بالكماة (3)

وبكل مقدام على الأ *** هوال مرهوب الشذاة

ص: 258


1- الرامسات : الرياح الدوافن للآثار الطامسة لرسوم الديار.
2- الدآدي : جمع الدأدأة وهي آخر ليالي الشهر المظلمة.
3- الكمت جمع الكميت وهو من الخيل أو الابل بين الاشقر والأدهم.

ومثقفٍ مثل القنا *** ة أتى المنية بالقناة

أو مرهف ساقت إلي- *** -ه ردىً « شفارُ » المرهفات

كرهوا الفرار وهم على *** « أقتادِ نُجبٍ » ناجيات

يطوينَ طيّ الأتحميّ *** لهنّ أجواز الفلات

وتيقّنوا أن الحيا *** ة مع المذلّة كالممات

ورزية للدين لي- *** -ست كالرزايا الماضيات

تركت لنا منها الشوى *** ومضت بما تحت الشواة

يا آل أحمد والذي- *** -نَ غدا بحبّهم نجاتي

ومنيتي في نصرهم *** أشهى غليّ من الحياة

حتى متى أنتم على *** صهوات حُدبٍ شامصات؟ (1)

وحقوقكم دون البري- *** -ة في أكفٍّ عاصيات

وسروبكم مذعورة *** وأديمكم للفاريات (2)

ووليّكم يضحى ويم- *** -سي في أمور معضلات

يلوى وقد خبط الظلا *** مَ على الليالي المقمرات

فإذا اشتكى فالى قلو *** بٍ لاهيات ساهيات

قرمٍ فلا شبِعٌ له *** إلا بأرواح العداةِ

وكأنه متنمراً *** صقرٌ تشرف من عَلاة

والرمح يفتق كلّ نجلاء *** كأردان الفتاة

تهمي نجيعاً كاللغا *** مِ على شدوق اليعملات (3)

تؤسى ولكن كلها *** أبداً يبرّح بالأساةِ

حتى يعود الحقّ يق- *** -ظاناً لنا بعد السِنات

ولكم أتى من فرجةٍ *** قد كان يحسب غير آتٍ

ص: 259


1- الشامصات : النافرات.
2- الأديم : الجلد ، الفاريات : الشاقات ، من فرى الاديم أي شقه.
3- اللغام : زبد افواه الابل ، والشدوق : الأفواه.

يا صاحبي في يوم عا *** شوراء والحِدب المواتي

لا تسقِني باللّه فيه *** سوى دموعِ الباكيات

ما ذاك يوماً صيّباً *** فأسمح لنا بالصيبات

وإذا ثكلت فلا تزر *** إلا ديار الثاكلات

وتنحّ في يوم المصيبة *** عن قلوبٍ ساليات

ومتى سمعت فمن عويل *** للنساء المعولات

وتداوَ من حزنٍ بقلبك *** بالمراثي المحزنات

لا عطلت تلك الحفائر *** من سلامٍ أو صلاةٍ

وسقين من وكفِ التحية *** عن وكيف السارياتِ

ونفحن من عبق الجنا *** أريجه بالذاكيات

فلقد طوَين شموسنا *** وبدرونا في المشكلات (1)

وقال يرثي الحسين علیه السلام في عاشوراء سنة 429 ه- :

من عذيرى من سَقامٍ *** لم أجد منه طبيبا

وهمومٍ كأوار *** النّار يسكنّ القلوبا

وكروبٍ ليتهنّ *** اليوم أشبهن الكروبا

وخطوبٍ معضلاتٍ *** بتن ينسين الخطوبا

شيبت مني فود *** ى ولم آتِ المشيبا

ورمت في غصني *** إليبس وقد كان رطيبا

بان عني وتناءى *** كل مَن كان قريبا

وتعرّيتُ من *** الاحباب في الدنيا عزوبا

وسقاني الدهر من فر *** قة من أهوى ذَنوبا (2)

إن يوم الطف يوم *** كان للدين عصيبا

ص: 260


1- عن الديوان.
2- الذنوب بالفتح الدار الكبير.

لم يدع في القلب مني *** للمسرّات نصيبا

إنه يوم نحيبٍ *** فالتزم فيه النحيبا

عطّ تامورك واترك *** معشراً عطّوا الجيوبا (1)

واهجر الطيب فلم يترك *** لنا عاشور طيبا

لعن اللّه رجالاً *** أترعوا الدنيا غُصوبا (2)

سالموا عجزاً فلما *** قدروا شنّوا الحروبا

في المعرّات يهبون *** شمالاً وجنوبا

كلما ليموا على عيبهم *** ازدادوا عيوبا

ركبوا أعوادنا ظلما *** وما زلنا ركوبا

ودعونا فرأوا منا *** على البعد مجيبا

يقطع الحزن ويطوى *** في الدياجير السهوبا

بمطىٍ لا يبالين *** على الأين الدّءوبا

لا ولا ذقن على البعد *** كلالاً ولغوبا

وخيولٍ كرِئال الدوّ *** -دوّ يهززن السبيبا (3)

فأتتونا بجموعٍ *** خالها الراءون روبا (4)

بوجوه بعد إسفا *** رٍ تبرقعن العطوبا

فنشبنا فيهم كر *** هاً وما نهوى النشوبا

بقلوبٍ ليس يعرفن *** خفوقاً ووجيبا

ولقد كان طويل الباع *** طعّاناً ضروبا

بالضبا ثم القنا يفري *** وريداً وتريبا

لا يرى والحربُ تُغلى *** قدرُها منها هيوبا

ص: 261


1- عط : شق ، والتامور : غشاء القلب.
2- اترعوا : ملأوا ، والغصوب الظلم.
3- الرئال : فرخ النعام ، والدو : المفازة. والسبيب : شعر عرف الفرس أو اذنيه.
4- الروب : القطع من الليل.

فجرى منّا ومنهم *** عندم الطّعن صبيبا

وصلينا من حريق *** الطعن والضرب لهيبا

كان مرعانا خصيباً *** فبهم عادَ جديبا

لم نكن نألذف لولا *** جورهم فينا خطوبا

لا ولا تبصر عين *** في ضواحينا ندوبا (1)

طلبوا أوتار « بَدر » *** عندنا ظلماً وحوبا

ورأوا في ساحة ال- *** الطف وقد فات القليبا

قد رأيتم فأرونا *** منكم فرداً نجيبا

أو تقياً لا يرائى *** بتقاه أو لبيبا

كلما كنّا رؤوساً *** للورى كنتم عجوبا (2)

ما رأينا منكم بالحق *** إلا مستريبا

وصدوقاً فإذا فتّشته *** كان كذوبا

وخليعاً خالياً عن *** مطمع الخير عزوبا

وبعيداً بمخازي- *** -هِ وإن كان نسيبا

ليت عوداً من غَشومٍ *** حقّنا كان صليبا

وبودّى أن أنّ مَن يأ *** صلنا كان ضريبا

في غدٍ ينضب تيّا *** رُ لكم فينا نضوبا

ويقئ الباردَ السلال *** مَن كان عبوبا

ويعود الخَلقُ الرّث *** من الأمر قشيبا

والذي أضحى وأمسى *** ناكباً يضحى نكيبا

آل ياسين ومَن فضلهم *** أعيا اللبيبا

أنتم أمني لدى الحشر *** إذا كنت نخيبا (3)

ص: 262


1- الندوب هو اثر الجرح.
2- العجوب : جمع العجب وهو العقب أو العجز.
3- النخيب : الخائف.

انتم كشّفتم لي *** بالتباشير الغيوبا

كم رددتم مخلباً *** عني حديداً ونيوباً

وبكم « أنجو » إذاعو *** جلتُ موتاً أن أنوبا

واليكم جَمحاني *** ما حدا الحادون نيبا (1)

وعليكم صلواتي *** مشهداً لي ومغيبا

يا سقى اللّه قبوراً *** لكم زِنّ الكثيبا

حُزنَ خير الناس جدّاً *** وأباً ضخماً حسيبا

لقي اللّه وظنّ *** الناس أن لاقى شعوبا

وهو في الفردوس لمّا *** قيل قد حلّ الجبوبا (2)

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام في يوم عاشوراء سنة 413 :

لك الليل بعد الذاهبين طويلا *** ووفد همومٍ لم يردن رحيلا

ودمعٍ إذا حبسته عن سبيله *** يعود هتوناً في الجفون هَطولا

فياليت أسرابَ الدموع التي جرت *** أسون كليماً أو شفين غليلا

أُخال صحيحاً كل يومٍ وليلةٍ *** ويأبى الجوى ألا أكون عليلا

كأني وما أحببت أهوى ممنّعاً *** وأرجو ضنينا بالوصال بخيلا

فقل للذي يبكي نُؤياً ودِمنة *** ويندب رسماً بالعراء محميلا

عداني دمٌ لي طلّ بالطف إن أُرى *** شجيّاً أُبكّي أربعاً وطلولا

مصابٌ إذا قابلت بالصبر غر به *** وجدت كثيري في العزاء قليلا

ورُزءٌ حملت الثقل منه كأنني *** مدى الدهر لم أحمل سواه ثقيلا

وجدتم عُداة الدين بعد محمد *** الى كلمه في الأقربين سبيلا

كأنكم لم تنزعوا بمكانه *** خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا

وأيّكم ما عزّ فينا بدينه؟ *** وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا

ص: 263


1- الجمحان : القصد.
2- الجبوب : جمع جب وهو الحفرة.

فقل لبني حربٍ وآل أميّةٍ *** إذا كنتَ ترضى ان تكون قؤولا

سللتم على آل النبي سيوفه *** مُلئن ثُلوماً في الطلى وفلولا

وقُدتم الى مَن قادكم من ضلالكم *** فأخرجكم من وادييه خيولا

ولم تغدروا إلا بمن كان جده *** اليكم لتحظوا بالنجاة رسولا

وترضون ضد الحزم إن كان ملككم *** [ بديناً ] وديناً دنتموه هزيلا

نساء رسول اللّه عُقر دياركم *** يرجّعن منكم لوعة وعويلا

فهنّ ببوغاء الطفوف أعزةٌ *** سقوا الموت صرفاً صبيةً وكهولا

كأنهم نوار روضٍ هَوَت به *** رياحٌ جنوباً تارةً وقبولا

وأنجمُ ليلٍ ما علون طوالعاً *** لأعيننا حتى هبطن أفولا

فأي بدورٍ ما محين بكاسفٍ *** واي غصون ما لقين ذبولا

أمن بعد أن اعطيتموه عهودكم *** خفافاً الى تلك العهود عجولا

رجعتم عن القصد المبين تناكصاً *** وحُلتم عن الحق المنير حؤولا

وقعقعتم أبوابَه تختلونه *** ومَن لم يرد ختلاً أصاب ختولا

فما زلتم حتى أجاب نداءكم *** وأيّ كريم لا يجيب سَؤولا؟

فلما دنا ألفاكم في كتائب *** تطاولن أقطار السباسب طولا

متى تك منها حجزةٌ أو كحجزة *** سمعت زُغاءً « مضعفاً » وصهيلا

فلم يُرَ إلا ناكثاً أو منكبّاً *** وإلا قطوعاً للذمام حلولا

وغلا قعوداً عن لمام بنصره *** وإلا جَبوهاً بالردى وخذولا

وضغن شغافٍ هبّ بعد رقاده *** وأفئدةً ملأى يفضنَ ذُحولا

وبيضاً رقيقات الشفار صقيلةً *** وسمراً طويلات المتون عُسولا

ولا انتم أفرجتم عن طريقه *** إليكم ولا لما أراد قُفولا

عزيزٌ على الثاوي بطيبة أعظم *** أنبذن على أرض الطفوف شُكولا

وكل كريم لا يلم بريبة *** فإن سيم قول الفحش قال جميلا

يذادون عن ماء الفرات وقد سُقوا ال- *** -شهادة من ماء الفرات بديلاً

رُموا بالردى من حيث لا يحذرونه *** وغرّوا وكم غر الغفول غفولا

ص: 264

أيا يوم عاشوراء كم من فجيعة *** على الغُر آل اللّه كنت نزولا!

دخلت على بياتهم بمصابهم *** ألا بئسما ذاك الدخول دُخولا

نزعت شهيد اللّه ما وإنما *** نزعت يميناً أو قطعت قليلا

قتيلا وجدنا بعده دين احمد *** فقيداً وعز المسلمين قتيلا

فلا تبخسوا بالجور مَن كان ربّه *** برجعِ الذي نازعتموه كفيلا

أُحبكم آسل النبي ولا أرى *** وإن عذلوني عن هواي عديلا

وقلت لمن يُلحي على شغفي بكم *** وكم غير ذي نصحٍ يكون عذولا

روَيدكم لا تنحلوني ضلالكم *** فلن تُرحلوا مني الغداةَ ذلولا

عليكم سلام اللّه عيشاً وميتةً *** وسَفراً تطيعون النوى وحلولا

فما زاغ قلبي عن هواكم ، وأخمَصى *** فلا زلّ عما ترتضون زليلا

ص: 265

السيد مرتضى علم الهدى المولود سنة 355 والمتوفى سنة 436.

هو ذو المجد بن ابو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الامام موسى الكاظم علیه السلام مفخرة العصور ومعجزة الدهور ، نواحي فضله زاخرة بالعظمة ، فهو إمام الفقه ومؤسس أصوله ، واستاذ الكلام ونابغة الشعر وراوية الحديث وبطل المناظرة والقدوة في اللغة وبه الاسوة في العلوم العربية كلها وهو المرجع في كتاب اللّه العزيز ، وجماع القول انك لا تجد فضيلة الا وهو ابن بجدتها أضف الى ذلك نسبه الوضاح وأواصره النبوية الشذية ومآثره العلوية وحسبك شاهداً مؤلفاته السائرة مسير الأمثال.

يلقب بالمرتضى ، والأجل الطاهر ، وذي المجدين ، ولقّب بعلم الهدى سنة 420 وذلك ان الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه امير المؤمنين علیه السلام يقول له :

قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ. فقال : يا أمير المؤمنين ومَن علم الهدى ، فقال علي بن الحسين الموسوي : فكتب اليه فقال رضی اللّه عنه : اللّه اللّه في أمرى فإن قبولي لهذا اللقب شناعة عليّ فقال الوزير : واللّه ما كتبت اليك إلا ما أمرني به أمير المؤمنين علیه السلام (1).

وكان يلقب بالثمانين لما كان له من الكتب ثمانون الف مجلد ، ومن القرى ثمانين قرية تجبى اليه ، وكذلك من غيرهما حتى أن مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر ، وصنف كتاباً يقال له الثمانون. ومن تصانيفه المشهورة منها الشافي في الامامة لم يصنف مثله في الإمامة وكتاب الشيب والشباب وكتاب

ص: 266


1- ذكره الشهيد في أربعينه.

الغرر والدرر وله ديوان شعر يزيد على عشرين الف بيت وقد طبع اخيراً في بغداد وقد قيل : لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس ، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس. قال آية اللّه العلامة : وبكتبه استفادت الإمامية منذ زمنه رحمه اللّه الى زماننا هذا وهو سنة 693 وهو ركنهم ومعلّمهم قدس اللّه روحه وجزاه عن أجداده خيراً. انتهى.

وذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وقال : كتبت عنه وعن جامع الأصول انه عده ابن الأثير من مجددي مذهب الإمامية في رأس المائة الرابعة.

قال ابن خلكان في وصف علم الهدى : كان نقيب الطالبيين وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر وهو أخو الشريف الرضي وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله الكتاب الذي سماه ( الغرر والدرر ) وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم وذكره ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة فقال :

كان هذا الشريف إمام أئمة العراق اليه فزع علماؤها ومنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها وجماع شاردها وأنسها ، ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وتصانيفه في أحكام المسلمين ممن يشهد انه فرع تلك الأصول ومن ذلك البيت الجليل ، وأورد له عدة مقاطيع. اقول وأمه هي فاطمة بنت الحسين ابن احمد بن الحسن بن الناصر الاصم وهو ابو محمد الحسن بن علي بن عمر الأشرف ابن علي بن أبي طالب وهي ام اخيه ابي الحسن الرضي.

حكي عن القاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى انه قال : إن مولد السيد سنة 355 وخلف بعد وفاته ثمانين الف مجلد من مقررآته ومصنفاته ومحفوظاته ومن الأموال والأملاك ما يتجاوز عن الوصف ، وصنف كتاباً

ص: 267

يقال له الثمانين وخلّف من كل شيء ثمانين وعمّر احدى وثمانين سنة من أجل ذلك سمي الثمانيني وبلغ في العلم وغيره مرتبة عظيمة قُلّد نقابة الشرفاء شرقاً وغرباً وإمارة الحاج والحرمين والنظر في المظالم وقضاء القضاء وبلغ على ذلك ثلاثين سنة. انتهى.

وفي أمل الآمل مولده في رجب وتوفي في شهر ربيع الأول ، وفي روضات الجنات لخمس بقين منه وذكر قسماً من مؤلفاته ومنها : التنزيه في عصمة الأنبياء ، الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة ، إنقاد البشر من القضاء والقدر وقال :

وذكره الشيخ في الفهرست واثنى عليه وذكر من مؤلفاته ثمانياً وثلاثين وكذلك النجاشي والعلامة.

وقال صاحب روضات الجنات : كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلا وعلما وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابة وجاها وكرماً الى غير ذلك. قرأ هو وأخوه الرضى على ابن نباتة صاحب الخطب وهما طفلان ، ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان قدس سره وكان المفيد رأى في منامه أن فاطمة الزهراء علیهاالسلام دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولدها الحسن والحسين علیهماالسلام وهما صغيران فسلّمتهما اليه وقالت : علّمهما الفقه ، فانتبه الشيخ وتعجب من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي المرتضى ومحمد الرضي صغيرين فقام اليهما وسلّم عليهما فقالت له : ايها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما اليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقصّ عليه المنام وتولى تعليمهما وأنعم اللّه عليهما وفتح اللّه لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر.

وكان رحمه اللّه نحيف الجسم حسن الصورة كما في روضات الجنات وقال :

ص: 268

كانت وفاته رحمه اللّه لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة وصلى عليه ابنه ابو جعفر محمد ، وتولى غسله أبو الحسين أحمد بن الحسين النجاشي ومعه الشريف ابو يعلى محمد بن جعفر الجعفري وسلار بن عبد العزيز الديلمي ودفن أولا في داره ثم نقل الى جوار جده الحسين ودفن في مشهده المقدس مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة.

وقال سيدنا العلامة الطباطبائي في كتابه ( الفوائد الرجالية ) عند ذكره للسيد المرتضي بعد التعظيم له. وفي زهر الرياض للحسين بن علي بن شدقم الحسيني المدني صاحب مسائل شيخنا البهائي قال : وبلغني ان بعض قضاة الاروام وأظنه سنة 942 نبش قبره فرأه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئاً وحكى مَن رأه أن أثر الحِنّاء في يديه ولحيته وقد قيل ان الارض لا تغيّر أجساد الصالحين.

قلت والظاهر أن قبر السيد وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بإبراهيم المجاب وكان ابراهيم هذا هو جد المرتضى وحفيد الإمام موسى علیه السلام ، وصاحب أبي السرايا الذي ملك اليمن واللّه أعلم. أنتهى.

قال يذكر جده الحسين علیه السلام ومن قتل معه :

يا دارُ دارَ الصَوم القُوّم *** كيف خلا أفقك من أنجم

عهدي بها يرتع سكّانُها *** في ظلّ عيشٍ بينها أنعَم

لم يُصبحوا فيها ولم يغبُقوا *** إلا بكأسى خمرَة الأنعَم

بكيتها من أدمُعٍ لو أبَت *** بكيتها واقعة من دم

وعُجت فيها راثياً أهلها *** سَواهم الأوصال والمَطلم

نَحَلن حتّى حالهنّ السُرى *** بعض بقايا شَطَنٍ مُبرَم

لم يدعِ الإسآدُ هاماتها *** إلا سقيطاتٍ على المَنسٍم

يا صاحبي يوم أزالَ الجَوى *** لحمى بخّدى عن الأعظم

ص: 269

« داويت » ما أنت به عالمٌ *** ودائي المعضل لم تعلم

ولستُ فيما أنا صَبّ به ، *** مَن قَرَن الساليَ بالمُغرَم؟

وَجدى بغير الظن سيّارةً *** من مَخرِم ناء إلى مَخرم

ولا بلفّاء هضيم الحشا *** ولا بذات الجيد والمعصَم

فاسمع زفيرى عند ذكر الأُلى *** بالطفّ بين الذئب والقشعم

طَرحى فإمّا مقعَص بالقنا *** أو سائل النفس على مخذَم

نَثرٌ كدُرٍ بَدَدٍ مُهمَلٌ *** لغفلة السلك فلم يُنظَم

كأنّما الغَبراء مَرميّة *** من قبل الخضراء بالأنجُم

دُعوا فجاءوا كَرَماً منهم *** كم غرّ قوماً قَسَم المُقسم

حتى رأوها أخريات الدجى *** طوالعاً من رَهَجٍ أقتَم

كأنهم بالصّم مطرورة *** لمنجد الأرض على مُتهِم

وفوقها كلّ مغَيظ الحشا *** مُكتَحل الطرف بلون الدم

كأنه من حَنَقٍ أجدَلٌ *** أرشده الحرص إلى مَطعم

فاستقبلوا الطعنَ إلى فتيَةٍ *** خوّاض بحرالحذر المفعَم

من كلّ نهّاضٍ بثقل الأذى *** موكّل الكاهل بالمُعظَم

ماضٍ لِما أمّ فلو جاد في ال- *** -هيجاء بالحوباء لم يَندم

وكالفٍ بالحرب لو أنه *** أُطعم يوم السّلم لم يطعمِ

مثلّم السيف ومن دونه *** عرض صحيح الحد لم يثلم

فلم يزالوا يُكرعون الظبا *** بين تراقي الفارس المُعلم

فمثخَنٌ يحملُ شهّاقة *** تحكى لراءِ فُغرةَ الاعلم

كأنما الوَرس بها سائل *** أو أنبتت من قُضُبِ العَندَم

ومستزلّ بالقنا عن قَرا *** عبل الشوى أو عن مَطا أدهم

لو لم يكيدوهم بها كيدة *** لانقلبوا بالخزى والمرغم

فاقتضبت بالبيض أرواحهم *** في ظل ذاك العارض الأسحم

مصيبةٌ سيقت إلى أحمدٍ *** ورَهطِهِ في الملأ الاعظم

ص: 270

رزءٌ ولا كالرُزء من قبله *** ومؤلمٌ ناهيك من مؤلم

ورميةٌ أصمت ولكنها *** مصميةٌ من ساعدٍ أجذم

قل لبني حربِ ومن جمعوا *** من جائرٍ عن رشده أوعم

وكلّ عان في إسارى الهوى *** يُحسب يَقظان من النوم

لا تحسبوها حُلوةً إنها *** أمرّ في الحلق من العلقم

صرّعهم أنهم أقدموا *** كم فُدي المحجم بالمقدم

هل فيكم إلا أخو سَوءَةٍ *** مُجرّحُ الجلد من اللُوّم

إن خاف فقراً لم يجُد بالندى *** أو هاب وشكَ الموت لم يُقدم

يا آل ياسين ومَن حُبهم *** منهجُ ذاك السنن الأقوم

مهابطُ الأملاكِ أبياتهم *** ومُستقر المنزل المُحكم

فأنتم حُجة رب الورى *** على فصيح النطق أو أعجم

وأين؟ إلا فيكم قُربةٌ *** الى الاله الخالق المنعم

واللّه لا أخليتُ من ذكركم *** نَظمي ونثري ومرامي فمي

كلا ولا أغبَبتُ أعداءكم *** من كّلمي طوراً ومن أسهمي

ولا رُئي يوم مصاب لكم *** منكشفاً في مشهدٍ مَبسمي

فإن أرغب عن نصركم برهة *** بمرهفات لم أغب بالفم

صلى عليكم ربّكم وارتوت *** قبوركم من مسبل مُثجم

مقعقع تُخجل اصواته *** أصوات ليث الغابة المرزم

وكيف أستسقي لكم رحمة *** وأنتم رحمة للمجرم؟

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام ويذكر آل حرب :

خذوا من جفوني ماءها فهي ذُرّف *** فما « لكم » إلا الجوى والتلهُّف

وإن أنتما استوقفتما عن مَسيلها *** غُروب مآقينا فما هنّ وقف

كأن عيوناً كن زوراً عن البكا *** غصون مَطيرات الذُرى فهي وكفّ

دعا العذل والتعنيف في الحزن والأسى *** فما هجر الأحزان إلا المعنّف

ص: 271

تقولون لي صبرا جميلاً وليس لي *** على الصبر إلا حسرة وتلهف

وكيف أطيق الصبر والحزن كلما *** عنفتُ به يقوى عليّ وأضعف

ذكرت بيوم الطف أوتاد أرضه *** تهبّ بهم للموت نكباء حرجف

كرامٌ سُقوا ماء الخديعة وارتووا *** وسيقوا الى الموت الزُؤام فأوجفوا

فكم مُرهَفٍ فيهم ألم بحدّه *** هنالك مسنونُ الغرارين مُرهفُ

ومعتدل مثل القناة مثقفٍ *** لواه الى الموت الطويل المثقّف

قَضَوا بعد أن قضّوا منىً من عدوّهم *** ولم ينكلوا يوم الطعان ويضعفوا

وراحوا كما شاء لهم أريحيّهٌ *** ودَوحَةُ عزٍّ فرعُها متعطّف

فإن ترهم في القاع نَثراً فشملهم *** بجنّات عدنٍ جامعٌ متألّف

إذا ما ثنوا تلك الوسائد مُيّلاً *** أديرَت عليهم في الزجاجة قرقف

وأحواضهم مورودة فغدّوهم *** يُحَلا واصحاب الولاية ترشُف

فلو أنّني شاهدتهم أو شَهِدتهم *** هناك وأنياب المنيّةِ تَصرف

لدافعت عنهم واهباً دونهم دمي *** ومَن وهب النفس كريمة منصف

ولم يك يخلو من ضرابي وطعنتي *** حسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مقصّفٌ

فيا حاسديهم فضلَهم وهو باهر *** وكم حسد الأقوام فضلاً وأسرفوا!

دعوا حلباتِ السبق تمرح خيلُها *** وتغدو على مضمارها تتغطرف

ولا تزحفوا زحف الكسير إلى العلا *** فلن تلحقوا وللصّلال « التزحف »

وخلوا التكاليف التي لا تفيدكم *** فما يستوي طبعٌ نبا وتكلّف

فقد دام إلطاطٌ بهم في حقوقهم *** وأعوز إنصاف وطال تحيف

تناسيتم ما قال فيهم نبيّكم *** كأن مقالاً قال فيهم محرّف

فكم لرسول اللّه في الطف من دمٍ *** يراق ومن نفس تمات وتتلف

ومن ولدٍ كالعين منه كرامةً *** يقاد بأيدي الناكثين ويعسف

عزيزٌ عليه أن تُباع نساؤه *** كما بيع قطع في عكاظ وقرطف

يُذَدن عن الماء الرواءِ وترتوى *** من الماء أجمالٌ لهم لا تكفكف

فيا لعيونٍ جائرات عن الهدى *** ويا لقلوبٍ ضغنها متضعّف

ص: 272

لكم أم لهم بيتٌ بناه على التبقى *** وبيتٌ له ذاك الستار المسجّف

به كل يوم من قريشٍ وغيرها *** جهيرٌ ملبٍّ أو سريع مطوّف

إذا زارَه يوماً دلوحٌ بذنبهِ *** مضى وهو عريانُ الفرا متكشّف

وزمزم والركُب الذي يمسحونه *** وأيمانهم من رحمة اللّه تنطف

ووادي منى تهدى إليه نحائرٌ *** تكبّ على الأذقان قسراً فتحتف (1)

وجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تُربه *** ومن قبله يوم الوقوف المعرّف

وأنتم نصرتم أم هم يوم خيبرٍ *** نبيّكم حيث الأسنة ترعف؟

فررتم وما فرّوا وحدتم عن الردى *** وما عنه منهم حائد متحرّف

فحصنٌ مشيدٌ بالسيوف مهدّم *** وبابٌ منيع بالأنامل يُقذَف

توقفتم خوف الردى عن مواقف *** وما فيهم من خيفةٍ يتوقّف

لهم دونكم في يوم بَدرٍ وبعدها *** بيوم حنين كلّما لا يزحلف

فقل لبني حرب وإن كان بيننا *** من النسب الداني مرائر تحصف

أفي الحقّ أنّا مخرجوكم إلى الهدى *** وأنتم بلا نهجٍ إلى الحق يعرف؟

وإنّا شَببنا في عِراص دياركم *** ضياءً وليل الكفر فيهنّ مُسدف

وإنّا رفعناكم فأشرف منكم *** بنا فوق هامات الأعزّة مِشرف

وها أنتم ترموننا بجنادل *** لها سُحُبُ ظلماؤها لا تُكشّف

لنا منكم في كلّ يومٍ وليلة *** قتيل صريع أو شريد مخوّف

فخرتم بما ملّكتموه وإنكم *** سِمان من الأموال إذ نحن شُسّف (2)

وما الفخر - يا مَن يجهل الفخر للفتى - *** قميص موشّى أو رداءٌ مفوّف

وما فخرنا إلا الذي هبطت به ال- *** -ملائك أو ما قد حوى منه مُصحف

يقرّ به مَن لا يطيق دفاعَه *** ويعرفه في القوم مَن يتعرّف

ولمّا ركبنا ما ركبنا من الذُرا *** وليس لكم في موضع الردف مردف

تيقنتم أنّا بما قد حويتم *** أحقّ وأولى في الأنام وأعرف

ص: 273


1- تحتف : تهلك.
2- الشسف : جمع الشاسف وهو الضامر الهزيل.

ولكن أمراً حاد عنه محصّل *** وأهوى إليه خابط متعسف

وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينه *** حسامُ وكم قطّ الضريبة مقرف (1)

فلا تركبوا أعوادَنا فركوبها *** لمن يركب اليوم العبوس فيوجف

ولا تسكنوا أوطاننا فعراصنا *** تميل بكم شوقاً إلينا وترجف

ولا تكشفوا ما بيننا من حقائد *** طواها الرجال الحازمون ولفّفوا

وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجملاً *** وإما صديقاً دهره يتلطف

فللخير إن آثرتم الخير موضعٌ *** وللشرّ إن أحببتم الشر موقف

عكفنا على ما تعلمون من التقى *** وأنتم على ما يعلم اللّه عكّف

لكم كل موقوذ بكظّة بطنه *** وليس لنا إلا الهضيم المخفف

الى كم أداري مَن أُداري من العِدا *** وأهدن قوماً بالجميل وألطف؟

تلاعب بي ايدي الرجال وليس لي *** من الجور مُنجٍ لا ولا الظلم منصف

وحشو ضلوعي كل نجلاءَ ثرّةٍ *** متى ألّفوها اقسمت لا تألف

فظاهرها بادي السريرة فاغرٌ *** وباطنها خاوي الدخيلةِ أجوف

إذا قلتُ يوماً قد تلاءم جرحها *** تحكك بالأيدي عليّ وتقرف

فكم ذا ألاقي منهم كل رابح *** وما أنا إلا أعزل الكف أكتف

وكم أنا فيهم خاضعٌ ذو استكانة *** كأني ما بين الأصحّاء مُدنف

اقاد كأني بالزمام مُجلّب *** بطيء الخطا عاري الأضالع أعجف

وأرسِف في قيد من الحزم عنوةً *** ومن ذيدَ عن بسط الخطا فهو يرسف

ويلصق بي من ليس يدري كلالة *** وأحسَبُ مضعوفاً وغيري المضعّف

وعدنا بما منّا عيون كثيرة *** شخوص الى إدراكه ليس تطرف

وقيل لنا حان المدا فتوكفوا *** فيا حججاً لله طال التوكف

فحاشا لنا من ريبةٍ بمقالكم *** وحاشا لكم من أن تقولوا فتخلفوا

ولم أخشَ إلا من معاجلة الردى *** فأصرف عن ذاك الزمان وأُصدف

ص: 274


1- المقرف. المتهم والمعيب.
وقال رضی اللّه عنه يرثي الحسين علیه السلام في يوم عاشوراء « سنة 427 »

أما ترى الربع الذي اقفرا *** عراهُ من ريب البلى ما عَرا؟

لو لم أكن صبّا لسكانه *** لم يجر من دمعي له ما جرى

رأيته بعد تمامٍ له *** مقلباً أبطنه أظهرا

كأنني شكا وعلماً به *** أقرأ من أطلاله أسطرا

وقفت فيه أينقاً ضمّراً *** شذّب من أوصالهن السُرى

لي بأناس شُغلٌ عن هوى *** ومعشري أبكى لهم معشرا

أجل بأرض الطف عينيك ما *** بين أناس سربلوا العثيرا

حكّم فيهم بغيُ أعدائهم *** عليهم الذًُؤبان والأنسرا

تخال من لألاء أنوارهم *** ليل الفيافي لهم مقمرا

صرعى ولكن بعد أن صَرّعوا *** وقطّروا كلّ فتىً قطّرا

لم يرتضوا درعاً ولم يلبسوا *** بالطعن إلا العَلَق الأحمرا

من كلّ طيّان الحشا ضامرٍ *** يركب في يوم الوغى ضمّرا

قل لبني حربٍ وكم قولةٍ *** سطّرها في القوم من سطرا

تهتم عن الحق كأن الذي *** أنذركم في اللّه ما أنذرا

كانّه لم يقركم ضُلّلا *** عن الهدى القصد بأمّ القرى (1)

ولا تدرّعتم بأثوابه *** من بعد أن أصبحتم حُسرا

ولا فريتم أدماً « مرّةً » *** ولم تكونوا قط ممن فرى

وقلتم : عنصرنا واحدٌ ؛ *** هيهات لا قربى ولا عنصرا!

ما قدم الأصل أمرءاً في الورى *** أخرّه في الفرع ما أخّرا

وغرّكم بالجهل إمهالكم *** وإنما اغترّ الذي غُرّرا

حلأتم بالطف قوماً عن ال- *** -ماء فحلّئتم به الكوثرا

ص: 275


1- يقركم : يرشدوكم ويهدكم. والقصد. الهدى والرشاد ، وام القرى. مكة المكرمة.

فإن لقوا ثَمّ بكم منكراً *** فسوف تلقون بهم منكرا

في ساعة يحكم في أمرها *** جدُهم العدل كما أُمّرا

وكيف بعتم دينكم بالذي أس- *** تنزره الحازم وأستحقرا

لولا الذي قدّر من أمركم *** وجدتم شأنكم احقرا

كانت من الدهر بكم عثرةٌ *** لا بد للسابق أن يعثرا

لا تفخروا قطّ بشيء فما *** تركتم فينا لكم مفخرا

ونلتموها بيعةً فلتةً *** حتى ترى العين الذي قدّرا

كأنني بالخيل مثل الدبى *** هبّت به نكباؤه صرصرا

وفوقها كل شديد القوى *** تخاله من حنق قسورا

لا يمطر السُمر غداة الوغى *** الا برشّ الدم إن أمطرا

فيرجع الحق الى أهله *** ويقبل الأمر الذي أدبرا

يا حجج اللّه على خلقه *** ومَن بهم أبصر من أبصرا

أنتم على اللّه إليكم كما *** علمتم المبعثَ والمحشرا

فإن يكن ذنبٌ فقولوا لمن *** شفعكم في العفو أن يغفرا

إذا توليتكم صادقاً *** فليس مني منكر منكرا

نصرتكم قولاً على أنني *** لآملٌ بالسيف أن أنصرا

وبين أضلاعي سرّ لكم *** حوشي أن يبدو وأن يظهرا

أنظر وقتاً قيل لي بُح به *** وحق للموعود أن ينظرا

وقد تبصرتُ ولكنني *** قد ضقتُ أن أكظم أو أصبرا

وأيُ قلبٍ حملت حزنكم *** جوانح « منه » وما فُطّرا

لا عاش من بعدكم عائش *** فينا ولا عُمّر من عمّرا

ولا استقرت قدمٌ بعدكم *** قرارة مبدي ولا محضَرا (1)

ولا سقى اللّه لنا ظامئاً *** من بعد أن جنّبتم الأبحرا

ص: 276


1- المبدي هو البدو ، والمحضر هو محل احضر.

ولا علَت رجل وقد زحزحت *** أرجلكم عن متنه مِنبرا (1)

وقال رثاء جده الحسين علیه السلام :

حلفت بمن لاذت قريش ببيته *** وطافوا به يوم الطواف وكبّروا

وبالحصيات اللات يقذفن في منى *** وقد أم نحو الجمرة المتجمّر

وواد تذوق البزل فيه حمامها *** فليس به إلا الهديّ المعفّر

وجمعٍ وقد حطّت إليه كلا كل *** طلائح أضنتها التنائف ضمّر

يخلن عليهنّ الهوادج في الضحى *** سفائن في بحر من الآل يزخر

ويوم وقوف المحرمين على ثرىً *** تطاح به الزلات منهم وتغفر

أتوه أسارى الموبقات وودّعوا *** وما فيهم إلا الطليق المحرّر

لقد كُسرت للدين في يوم كربلا *** كسائر لا توسى ولا هي تجبر

فإمّا سبيّ بالرماح مسوّق *** وإمّا قتيل في التراب معفّر

وجرحى كما اختارت رماح وأنصل *** وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر

لهم والدجى بالقاع مرخٍ سدوله *** وجوه كأمثال المصابيح تزهر

تراح بريحانٍ وروحٍ ورحمةٍ *** وتوبّل من وبل الجنان وتمطر

فقل لبني حربٍ وفي القلب منهم *** دفائن تبدو عن قليلٍ وتظهر

ظننتم وبعض الظن عجز وغفلة *** بأن الذي أسلفتم ليس يذكر

وهيهات تأبى الخيل والبيض والقنا *** مجاري دمٍ للفاطميين يُهدر

ولستم سواءً والذين غلبتم *** ولكنها الاقدار في القوم تُقدر

وإن نلتموها دولةً عجرفيّة *** فقد نال ما قد نال كسرى وقيصر

وليس لكم من بعد أن قد غدرتم *** بمن لم يكن يوماً من الدهر يغدر

سوى لائماتٍ آكلاتٍ لحومكم *** وإلا هجاء في البلاد مُسيّر

تقطَع وصل كان منّا ومنكم *** ودانٍ من الأرحام يثنى ويسطر

ص: 277


1- عن الديوان.

وهل نافع أن فرّقتنا أصولكم *** أصول لنا نأوى إليها وعنصر

وعضو الفتى إن شلّ ليس بعضوه *** وليس لربّ السرّب سرب مُنَفّر

ولا بد من يومٍ به الجو أغبر *** وفيه الثرى من كثرة القتل أحمر

وأنتم بمجتاز السيول كأنكم *** هشيم بأيدي العاصفات مطير

فتهبط منكم أرؤوس كنّ في الذُرا *** ويخبو لكم ذاك اللّهيب المسعّر

ويثأر منكم ثائرٌ طال مطله *** وقد تظفر الأيام من ليس يَظفر (1)

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام ومن قتل من أصحابه :

هل أنت راث لصب القلب معمود *** دَوي الفؤاد بغير الخرّد الخود؟

ما شفّه هجر أحبابٍ وإن هجروا *** من غير جرمٍ ولا خُلف المواعيد

وفي الجفون قذاة غير زائلةٍ *** وفي الضلوع غرامٌ غير مفقود

يا عاذلي - ليس وجدٌ بتّ أكتمه *** بين الحشى - وجد تعنيف وتفنيد

شربي دموعى على الخدين سائلة *** إن كان شربك من ماء العناقيد

ونم فإن جفوناً لي مسهدة *** عمر الليالي ولكن أي تسهيد؟

وقد قضيتُ بذاك العذل « مأربة » *** لو كان سمعي عنه غير مسدود

تلومني لم تصبك اليوم قاذفتي *** ولم يعدك كما يعتادني عيدي

فالظلم عذل خليّ القلب ذا شجن *** وهجنةٌ لومُ موفور لمجهود

كم ليلة بتّ فيها غير مرتفق *** والهمّ ما بين محلول ومعقود

ما إن أحنّ اليها وهي ماضية *** ولا أقول لها مستدعياً : عودي

جاءت فكانت كعوّار على بصر *** وزايلت كزيال المائد المودي (2)

فإن يود أناس صبح ليلهم *** فإن صبحي صبح غير « مودود »

عشيةٌ هجمت منها مصائبها *** على قلوب عن البلوى محاييد

يا يوم عاشور كم طأطأت من بصر *** بعد السمو وكم أذللت من جيد

ص: 278


1- عن الديوان.
2- العوار : ما يصيب العين من رمد. والمائد : المتحرك. وللمودي : المهلك.

يا يوم عاشورا كم أطردت لي أملاً *** قد كان قبلك عندي غير مطرود

أنت المرنق عيشي بعد صفوته *** ومولج البيض من شيبي على السود

جُز بالطفوف فكم فيهن من جبل *** خر القضاء به بين الجلاميد

وكم جريح بلا آسٍ تمزقه *** إما النسور وإما أضبع البيد (1)

وكم سليب رماح غير مستتر *** وكم صريع حمام غير ملحود

كأن أوجههم بيضاً « ملألئة » *** كواكب في عراص القفرة السود

لم يطعموا الموتَ إلا بعد أن حطموا *** بالضرب والطعن أعناق الصناديد

ولم يدعُ فيهم خوف الجزاء غداً *** دماً لترب ولا لحماً إلى سيد (2)

من كل أبلج كالدينار تشهده *** وسط النديّ بفضل غير مجحود

يغشى الهياج بكف غير منقبض *** عن الضراب وقلب غير مزءود

لم يعرفوا غير بثّ العرف بينهم *** عفواً ولا طبعوا إلا على الجود

يا آل أحمد كم تلوى حقوقكم *** لي الغرائب عن نبت القراديد (3)

وكم أراكم بأجواز الفلا جزراً *** مبددين ولكن أي تبديد؟

لو كان ينصفكم من ليس ينصفكم *** ألقى إليكم مطيعاً بالمقاليد

حُسدتم الفضل لم يحرزه غيركم *** والناس « ما » بين محروم ومحسود

جاءوا إليكم وقد أعطوا عهودهم *** في فيلق كزهاء الليل ممدود

مستمرحين بأيديهم وأرجلهم *** كما يشاءون الركض الضمّر القود (4)

تهوي بهم كل جرداء مطهمةٍ *** هويّ سجل من الأوذام مجدود (5)

مستشعرين لأطراف الرماح ومن *** حدّ الظبا أدرعاً من نسج داود

ص: 279


1- الاسي : الطبيب.
2- السيد. الذئب والاسد.
3- القراديد. هو ما ارتفع وغلظ من الأرض.
4- القود : من الخيل ما طال ظهره وعنقه.
5- السجل. الدلو العظيمة والأوذام جمع الوذمة وهي السير بين آذان الدلو والخشبة المعترضة عليها.

كأن أصوات ضرب الهام بينهم *** أصوات دوحٍ بأيدي الريح مبرود

حمائم الأيكِ تبكيهم على فَنَن *** مرنح بنسيم الريح أُملود

نوحي فذاك هدير منك محتسب *** على حسين فتعديد كتغريد

أُحبكم والذي طاف الحجيج به *** بمبتنى بإزاء العرش مقصود

وزمزمٍ كلما قسنا مواردها *** أوفى وأربى على كل المواريد

والموقفين وما ضحوا على عجلٍ *** عند الجمار من الكوم « المقاحيد » (1)

وكل نسك تلقاه القبول فما *** أمسى وأصبح إلا غير مردود

وارتضى أنني قد متّ قبلكم *** في موقف بالردينيات مشهود

جمّ القتيل فهامات الرجال به *** في القاع ما بين متروك ومحصود

فقل لآل زياد أيّ معضلة *** ركبتموها بتخبيب وتخويد

كيف استلبتم من الشجعان أمرهم *** والحربُ تغلي بأوغاد عراديد؟

فرقتم الشمل ممن لف شملكم *** وأنتم بين تطريد وتشريد

ومَن أعزكم بعد الخمول ومن *** أدناكم مِن أمان بعد تبعيد؟

لولاهم كنتم لحماً لمزدرد *** أو خُلسة لقصير الباع معضود

أو كالسقاء يبيساً غير ذي بلل *** أو كالجناء سقيطاً غير معمود

أعطاكم الدهر ما لا بد « يرفعه » *** فسالب العود فيها مورق العود

ولا شربتم بصفو لا ولا علقت *** لكم بنان بأزمان أراغيد

ولا ظفرتم وقد جنّت بكم نوب *** مقلقلات بتمهيد وتوطيد

وحوّل الدهر رياناً الى ظمأ *** منكم وبدّل محدوداً بمجدود

قد قلت للقوم حطوا من عمائمهم *** تحققاً بمصاب السادة الصيد

نوحوا عليه فهذا يوم مصرعه *** وعددوا إنها أيام تعديد

فلي دموعٌ تُباري القطر واكفةٌ *** جادت وإن لم أقل يا أدمعي جودي (2)

ص: 280


1- المقاحيد : جمع المقحاد وهي الناقة عظيمة السنام.
2- عن الديوان.
وقال يرثي الحسين علیه السلام في يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربعمائة :

يا ديار الأحباب كيف تحوّل- *** -تِ قفاراً ولم تكوني قفارا؟

ومحت منك حادثات الليالي *** رغم أنفي الشموس والأقمارا

واسترد الزمان منك « وماسا *** ور » في ذاك كلّه ما أعارا

ورأتكِ العيون ليلاً بهيماً *** بعد أن كنت للعيون نهارا

كم لياليّ فيك همّا طوال *** ولقد كنّ قبل ذاك قصارا

لِمَ أصبحت لي ثماداً وقد كن- *** -تِ لمن يبتغي نداكِ بحارا؟

ولقد كنتِ برهةً لي يميناً *** ما توقعتُ أن تكوني يَسارا

إن قوماً حلوك دهراً وولَّوا *** أوحشوا بالنوى علينا الديارا

زوّدونا ما يمنع الغمضَ للعين *** -ن وينبي عن الجنوب القرار

يا خليلي كن طائعاً لي مادمت *** -ت خليلاً وإن ركبتَ الخطارا

ما أبالي فيك الحذار فلا تخشن *** إذا ما رضيت عنك حذارا

عُج بأرض الطفوف عيسك وأعقلهن *** -هن فيها ولا تجزهن دارا

وابكِ لي مُسعداً لحزني وأمنحني *** -ني دموعاً إن كن فيك غزارا

فلنا بالطفوف قتلى ولا ذنبَ *** سوى البغى من عدى وأُسارى

لم يذوقوا الردى جُزافاً ولكن *** بعد أن أكرهوا القنا والشّفارا

وأطاروا فَراشَ كلّ رؤوس *** وأماروا ذاك النجيع المسمارا

إن يوم الطفوف رنّحنى حُز *** ناً عليكم وما شربتُ عقارا

وإذا [ ما ] ذكرتُ منه الذي ما *** كنتُ أنساه ضيق الأقطارا

ورمى بي على الهموم وألقى *** حَيَداً عن تنعمي وأزورارا

كدتُ لما رأيت إقدامهم فيه *** عليكم أن أهتك الأستارا

وأقول الذي كتمتُ زماناً *** وتوارى عن الحشا ما توارى

ص: 281

قل لقوم بنوا بغير أساس *** في ديارٍ ما يملكون مَنارا

واستعاروا من الزمان وما زا *** لت لياليه تستردّ المعارا :

ليس أمرٌ غصبتموه لزاماً *** لا ولا منزل سكنتم قرارا

أيّ شيء نفعاً وضراً على ما *** عوّد الدهر لم يكن أطوارا؟

قد غدرتم كما علمتم بقومٍ *** لم يكن فيهم فتى غرارا

ودعوتم منهم إليكم مجيباً *** كرماً منهم وعوداً نضارا

أمنوكم فما وفيتم وكم ذا *** آمن من وفائنا الغدارا

ولكم عنهم نجاءٌ بعيد *** لو رضوا بالنجاء منكم فرارا

وأتوكم كما أردتم فلما *** عاينوا عسكراً لكم جرارا

وسيوفاً طووا عليها أكفّا *** وقناً في أيمانكم خطارا

علموا أنكم خدعتم وقد يُخد *** عُ مكراً مَن لم يكنَ مكارا

كان من قبل ذاك ستر رقيق *** بيننا فاستلبتم الأستارا

وتناسيتم وما قدمَ العه- *** -د عهوداً معقودة وذمارا

ومقالاً ما قيل رجماً محالاً *** وكلاماً ما قيل فينا سرارا

قد سبرناكم فكنتم سراباً *** وخبرناكم فكنتم خَبارا (1)

وهديناكم إلى طرق الحق *** فكنتم عنا غفولاً حيارى

وأردتم عزاً عزيزاً فما أزدد *** تم بذاك الصنيع إلا صغارا

وطلبتم ربحاً وكم عادت الأربا *** ح ما بيننا فعدن خسارا

كان ما تضمرون فينا من الشر *** ضماراً ، فالآن عاد جهارا

في غدٍ تبصر العيون إذا ما *** حُلن فيكم إقبالكم إدبارا

وتودّون لو يفيد تمنٍّ *** أنكم ما ملكتم دينارا

لا ولا حزتم بأيديكم في *** الناس ذاك الإيراد والإصدارا

عدّ عن معشر تناءوا عن *** الحق وعن شعبه العزيز مزارا

ص: 282


1- الخبار : بالفتح مالان من الارض واسترخى.

لم يكونوا زيناً لقومهم الغُرّ *** ولكن شيناً طويلاً وعارا

وكأنّي أثنيكم عن قبيح *** بمقالي أزيدكم إصرارا

قد سمعتم ما قال فينا رسول *** -له يتلوه مرة ومرارا

وهو الجاعل الذين تراخوا *** عن هوانا من قومه كفارا

وإذا ما عصيتم في ذويه *** حال منكم إقراركم إنكارا

ليس عذر لكم فيقبله ال- *** اللّه غداً يوم يقبل الأعذارا

وغررتم بالحلم عنكم وما زي- *** -دَ جهول بالحلم إلا اغترارا

وأخذتم عما جرى يوم بدر *** وحنين فيما تخالون ثارا

حاشَ لله ما قطعتم فتيلاً *** لا ولا صرتم بذاك مصارا

إن نور الاسلام ثاوٍ وما اسطا *** عَ رجال أن يكسفوا الأنوارا

قد ثللنا عروشكم وطمسنا *** بيد الحق تلكم الآثارا

وطردناكم عن الكفر *** باللّه مقاماً ومنطقاً وديارا

ثم قدناكم إلينا كما قا *** دت رعاة الأنعام فينا العشارا

كم أطعتم أمراً لنا واطرحنا *** ماتقولون ذلة واحتقارا

وفضلناكم وما كنتم قطّ عن *** الطائلين إلا قصارا

كم لنا منكم جروح رغاب *** وجروح لما يكنّ جبارا

وضِرارٌ لولا الوصية بالسل- *** -م وبالحلم خاب ذاك ضرارا

وادعيتم الى نزارٍ وأنى *** صدقكم بعد أن فضحتم نزارا

واذا ما الفروع حدنَ عن الأص- *** -ل بعيدا فما قربن نجارا

إن قوماً دنوا إلينا وشبوا *** ضَرماً بيننا لهم وأوارا

ما أرادوا إلا البوار ولكن *** كم حَمى اللّه مَن أراد البوارا

فإلى كم والتجرباتُ شعاري *** ودثاري الابس الاغمار (1)

وبطيئين عن جميل فإن عنّ *** قبيحٌ سعوا له إحضارا

ص: 283


1- الشعار : الثوب الذي يلي البدن ، والدثار فوقه ، والاغمار : الحمقى والجهلاء.

قسماً بالذي تساق له البد *** ن ويكسى فوق الستار ستارا

وبقوم أتوا منى لا لشيء *** غير أن يقذفوا بها الأحجارا

وبأيد يُرفعن في عرفات *** داعيات مخوّلاً غفارا

كم أتاها مخيّب ما يرجى *** فانثنى بالغاً بها الأوطارا

والمصلين عند جمع يُرجّو *** ن الذي ما استجير إلا أجارا

فوق خوص كللن من بعد أن *** بلّغنَ تلك الآماد والأسفارا

وأعاد الهجير والقر والروحا *** تُ منها تحت الهجار هجارا

يا بني الوحي والرسالة والتط- *** -هير من ربهم لهم إكبارا

إنكم خير من تكون له الخض- *** -راء سقفاً والعاصفات إزارا

وإذا ما شفعتم من ذنوب ال- *** -خلق طراً كانت هباء مطارا

ولقد كنتم لدين رسول *** اللّه فينا الأسماعَ والأبصارا

كم أداري العدا فهل في غيوب *** اللّه يوم أخشى به وأدارى؟

وأصادي اللئامَ دهري فهل يق- *** يقضى بأن بتّ للأكارم جارا؟

وأقاسي الشدات بُعداً وقرباً *** وأخوض النغمار ثم الغمارا

وأموراً يعيين للخلق لولا *** أنني كنتُ في الاذى صبارا

أنا ظام وليس أنقع أن أب- *** -صر في الناس ديمة مدرارا

وطموح الى الخيار فما تب- *** صر عيني في الخلق الا الشرارا

ليت أني طِوال هذي الليالي *** نلتُ فيهن ساعة إيثارا

وإذا لم أذق من الدهر إحلا *** ءً مدى العمر لم أذق إمراراً

مِيّ أنى ليَ أن أقصر اليوم عن كل *** الأماني إن أملك الإقصارا؟ (1)

سالياً عن غروس أيدي الليالي *** كيف شاءت وقد رأيت الثمارا

أيُ نفعٍ في أن أراها دياراً *** خاليات ولا أرى دَيّارا

وسُكارى الزمان بالطمع الكا *** ذب فيه أعيوا عليّ السكارى

ص: 284


1- مي : ترخيم مية ، منادى محذوف حرف النداء الياء.

فسقى اللّه ما نزلتم من الأر *** ض عليه الأنواءَ والأمطارا

وإذا ما اغتدى اليها قطار *** فثنى اللّه للرواح قطارا

ما حدا راكب بركب وما *** دبّ مطيّ الفلاة فيها وسارا

لست أرضى في نصركم وقد *** احتجتم الى النصر مني الأشعارا

غير أني متى نصرتم بطعن *** أو بضربٍ أسابق النصارا

والى أن يزول عن كفي المن- *** -ع خذوا اليوم من لساني انتصارا

واسمعوا ناظرين نصر يميني *** بشبا البيض فحليَ الهدّار

فلساني يحكي حسامي طويلاً *** بطويل وما الغِرار غِرارا

وأمرنا بالصبر كي يأتي الأم- *** -ر وما كلنا يطيق اصطبارا

وإذا لم نكن صبرنا اختياراً *** عن مراد فقد صبرنا اضطرارا

أنا مهما جريت في مدحكم شأ *** واً بعيداً فلن أخاف العثارا

وإذا ما رثيتكم بقوافيّ *** سراعاً فمُرجَل الحي سارا

عاضني اللّه في فضائلكم عل- *** -ماً بشكٍّ وزادني استبصارا

وأراني منكم وفيكم سريعاً *** كل يوم ما يُعجب الأبصارا (1)

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام في عاشوراء :

يا يوم أيُ شجىً بمثلك ذاقه *** عصب الرسول وصفوة الرحمن؟

جرعتهم غصص الردى حتى أرتووا *** ولذعتهم بلواذع النيران

وطرحتهم بدداً بأجواز الفلا *** للذئب آونةً وللعقبان

عافوا القرارَ وليس غير قرارهم *** أو بردهم موتاً بحدّ طعان

منعوا الفرات وصرّعوا من حوله *** من تائق للوردِ أو ظمآن

أوَ ما رأيت قراعهم ودفاعهم؟ *** قدماً وقد أُعروا من الأعوان

متزاحمين على الردى في موقف *** حشي الظبا وأسنّة المران

ص: 285


1- عن الديوان.

ما إن به إلا الشجاع وطائرٌ *** عنه حذار الموت كل جبان

يوم أذلّ جماجماً من هاشمٍ *** وسرى الى عدنان أو قحطان

أرعى جميم الحق في أوطانهم *** رعي الهشيم سوائم العدوان

وأنار ناراً لا تبوخ وربما *** قد كان للنيران لون دخان

وهو الذي لم يبق من دين لنا *** بالغدر قائمة من البنيان

يا صاحبيّ على المصيبة فيهم *** ومشاركيّ اليوم في احزاني

قوماً خذا نار الصلا من أضلعي *** إن شئتما « والماء » من أجفاني

وتعلّما أن الذي كتّمته *** حذر العدا يابى على الكتمان

فلو أنني شاهدتهم بين العدا *** والكفر مُعلولٍ على الإيمان

لخضبتُ سيفي من نجيع عدوهم *** ومحوت من دمهم حجول حصاني

وشفيت بالطعن المبرح بالقنا *** داءَ الحقود ووعكة الأضغان

ولبعتهم نفسي على ضننٍّ بها *** يوم الطفوف بأرخص الأثمان

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام :

عرّج على الدارسة القَفر *** ومُر دموع العين أن تجري

فلو نهيت الدمع عن سَحّه *** والدار وحش لم تطع أمري

منزلة أسلمها للبلى *** « عَبرُ » هبوب الريح والقطر

فجِعتُ في ظلمائها عنوةً *** بطلعة الشمس أو البدر

لهفان لا من حرّ جمرِ الجوى *** سكران لا من نشوَة الخمر

كأنني في جاحمٍ من شجىً *** ومن دموع العين في بحر

عُجتُ بها أُنفقُ في آيها *** ما كان مذخوراً من الصبر

في فتيةٍ طارت بأوطارهم *** « في ذيلهم » أجنحةُ الدهر

ضيموا وسُقّوا في عِراض الأذى *** ما شاءت الأعداء من مُرّ

كلّ خميص البطن بادي الطوى *** ممتلئ الجلد من الضر

يَبري لِحا صَعدته عامداً *** بَريَ العَصا من كان لا يبري

ص: 286

كأنّه من طول أحزانه *** يُساق من امنٍ إلى حِذر

أو مفرد أبعده أهله *** عن حَيّه من شفق العُر (1)

يا صاحبي في قعر مطويةٍ *** لو كان يرضى لي بالقعر

أما تراني بين أيدي العدا *** ملآن من غيظ ومن وتر

تسرى إلى جلدي رقش لهم *** والشر في ظلمائها يسري

مردّد في كل مكروهةٍ *** أنقلٌ من نابٍ إلى ظفر

كأنني نصل بلا مقبض *** أو طائر ظل بلا وكر

بالدار ظلماً غير سكانها *** وقد قرى من لم يكن يَقري

والسرح يرعى في حميم الحمى *** ما شاء من أوراقه الخضر

وقد خبالي الجمرَ في طيّه *** لوامعٌ ينذرن بالجمر

لا تبك إن أنت بكيت الهدى *** إلا على قاصمة الظهر

وأبكِ حسيناً والأولى صرّعوا *** أمامَه سطراً إلى سطر

ذاقوا الردى من بعد ما ذوقوا *** أمثاله بالبيض والسُمر

قتل وأسر بأبي منكم *** مَن نيل بالقتل وبالأسر

فقل لقومٍ جئتهم دارهم *** على مواعيدٍ من النصر

قروكم لمّا حللتم بها *** ولا قرى أوعيةَ الغدر

وأطرحوا النهج ولم يَحلفوا *** بما لكم في محكم الذكر

واستلبوا إرثكم منكم *** من غير حقٍ بيد القسر

كسرتم الدين ولم تعلموا *** وكسرة الدين بلا جبر

فيالها مظلمةً أو لجت *** على رسول اللّه في القبر

كانه ما فك أعناقكم *** بكفه من ربقِ الكفر!

ولا كساكم بعد أن كنتم *** بلا رياشٍ حِبرَ الفخر

فهو الذي شاد بأركانكم *** من بعد أن كنتم بلا ذكر

ص: 287


1- العرّ : الجرب.

وهو الذي أطلع في ليلكم *** من بعد يأس غرّة الفجر

يا عُصب اللّه ومَن حبهم *** مخيّم ما عشت في صدري

ومن أرى « ودهم » وحدَه *** « زادي » إذا وُسّدتُ في قبري

وهو الذي أعددته جُنتي *** وعصمتي في ساعة الحشر

حتى إذا لم أكُ في نصرةٍ *** من أحدٍ كان بكم نصري

بموقف ليس به سلعة *** لتاجر أنفق من بِرّ

في كل يوم لكم سيدٌ *** يُهدى مع النيب الى النحر

كم لكم من بعد « شمرٍ » مرى *** دمائكم في الترب من شمر

ويح « ابن سعدٍ عمرٍ » إنه *** باع رسول اللّه بالنزر

بغي عليه في بني بنته *** واستلّ فيهم أنصل المكر

فهو وإن فاز بها عاجلاً *** من حطب النار ولا يدري

متى أرى حقّكم عائداً *** إليكم في السر والجهر؟

حتى متى أُلوى بموعودكم *** أمطل من عام الى شهر؟

لولا هَناتٌ هنّ يلوينني *** لبُحتُ بالمكتوم من سرّي

ولم أكن أقنع في نصركم *** بنظم أبياتٍ من الشعر

فإن تجلت غمم ركّدٌ *** تركنني وعراً على وعَر

رأيتموني والقنا شرّعٌ *** أبذل فيهنّ لكم نحري

على مطا طِرفٍ خفيف الشوى *** كأنه القِدح من الضُمرِ (1)

تخاله قد قدّ من صخرةٍ *** اوجيب اذ حبيب من الحضر (2)

أعطيكم نفسي ولا أرتضي *** في نصركم بالبذل للوفر

وإن يدم ما نحن في أسره *** فاللّه أولى فيه بالعذر

ص: 288


1- المطا : الظهر ، والطرف « بكسر الطاء » : الجواد من الخيل ، والشوى : الاطراف والقدح : السهم ، والضمر : الهزال.
2- جيب وقدّ بمعنى واحد أي : قطع ، ومنه قوله تعالى « وثمود الذين جابوا الصخر بالواد » والحضر : الحجارة.
وقال في يوم عاشرواء من « سنة 430 ».

يا خليلي ومعيني *** كلما رمت النُهوضا

داوِ دائي أو فعدني *** مع عوّادي مريضا

فقبيح بك أن تَر *** فضَ من ليس رفوضا

قد أتى من يوم عاشو *** راء ما كان بغيضا

دَع نشيجي فيه يعلو *** ودموعي أن تفيضا

وبناني قد خضبن ال- *** -دم من سني عضيضا

وكن الناهض للحر *** بِ متى كنت نهوضا

وأجعل الجيب لدمع *** من مآقيك مغيصا

إنه يوم سقينا *** من نواحيه مضيضا

هزل الدين ومن في- *** -ه وقد كان نحيضا

ورمت مجهضة من *** كان في البطن جهيضا

ودع الأطراب وأسمع *** من مراثيه « القريضا »

لا ترد فيه وقد أد *** نسنا ثوباً رحيضا

قل لقوم لم يزالوا *** في الجهالات ربوضا

غرّهم أنهم سا *** دوا وما شادوا بعوضا

في غدٍ بالرغم منكم *** ستردّون القروضا

سوف تلقون بناءً *** لكم طال نقيضا

والذي يحلو بأفوا *** هكم اليوم حميضا

وقباباً أنتم في- *** -ها وهاداً وحضيضا

واراها عن قريبٍ *** كالدبى سوداً وبيضا

وترى للبيض والبي- *** -ض عليهن وميضا

وعلى أكتادها كل *** فتىً يلفى جريضا (1)

ص: 289


1- الاكتاد : الظهور ، والجريض : المغموم.

فبهم يطمع طرف *** كان بالامس غضيضا

وبهم يبرأ من كا *** ن - وقد ضيموا - المريضا

وبهم يرقد طرف *** لم يكن وجداً غموضا

لأباةٍ دمهم سا *** لَ على الأرض غريضا

رفع الرأس على عا *** لي القنا يحكي الوميضا

وأنثنى الجسم الجرد ال- *** -خيل بالعَدوِ رضيضا

حاش لي أن أن أتخلى *** منهم أو أستعيضا

فسقى اللّه قبوراً *** لهم العذب الغضيضا

وأبت إلا ثرى الأخ- *** -ضر والروض الأريضا

وإليهنّ يشدّ ال- *** -قوم هاتيك الغروضا

مانحوهنّ لندب *** إنما قضوا فروضا

وحَيوهنّ استلاماً *** يترك الأفواه فوضى

وقال يذكر بني أمية ويرثي جده الحسين علیه السلام ( وقد سقط أولها ) :

كأنّ معقري مهجٍ كرامٍ *** هنالك يعقرون بها العباطا

فقل لنبي زياد وآل حرب *** ومَن خلطوا بغدرهم خلاطا :

دماؤكم لكم ولهم دماء *** ترويها سيوفكم البَلاطا

كلوها بعد غصبكم عليها ان- *** -تهاباً وازدراداً واستراطا

فما قدّمتم إلا سَفاهاً *** ولا أُمرتم إلا غلاطا

ولا كانت من الزمن المُلحّى *** مراتبكم به إلا سفاطا

أنحو بني رسول اللّه فيكم *** تقودون المسوّمة السلاطا؟

تثار كما أثرتَ الى معينٍ *** لتكرع من جوانبه الغَطاطا

وما أبقَت بها الروحات إلا *** ظهوراً أو ضلوعاً او ملاطا

وفوق ظهورها عُصَبٌ غضابٌ *** إذا أرضيتم زادوا اختلاطا

ص: 290

وكل مرفّع في الجو طاطٍ *** ترى أبداً على كنفيه طاطا (1)

إذا شهد الكريهة لا يبالي *** أشاط على الصوارم أم أشاطا

وما مد القنا إلا وخيلت *** على آذان خيلهم قِراطا

وكم نِعَم لجدّهم عليكم *** لقينَ بكم جحوداً أو غماطا

هُم أتكوا مرافقكم وأعطوا *** جنوبكم النمارقَ والنماطا

وهم نشطوكم من كل ذُل *** حَللتم وسط عَقوتِه انتشاطا

وهم سدوا مخارمكم ومدوا *** على شجرات دوحكم اللياطا

ولولا أنهم حدبوا عليكم *** لما طُلتم ولا حزتم ضغاطا (2)

فما جازيتم لهم جميلاً *** ولا أمضيتم لهم اشتراطا

وكيف جحدتم لهم حقوقاً *** تبين على رقابكم اختطاطا؟

وبين ضلوعكم منهم تراتٌ *** كمرخِ القيظِ أُضرم فاستشاطا

ووتر كلما عمدت يمين *** لرقعِ خروقِه زدن انعطاطا

فلا نسبٌ لكم أبداً اليهم *** وهل قربى لمن قطع المناطا؟

فكم أجرى لنا عاشور دمعاً *** وقطّع من جوانحنا النياطا

وكم بتنا به والليل داج *** نُميط من الجوى ما لن يُماطا

يُسقّينا تذكره سماماً *** ويولجنا توجّعه الوراطا

فلا حديت بكم أبداً ركابٌ *** ولا رُفعت لكم أبدا سياطا

ولا رفع الزمان لكم أديماً *** ولا ازددتم به إلا نحطاطا

ولا عرفت رؤوسكم ارتفاعاً *** ولا ألِفت قلوبكم اغتباطا

ولا غفر الإله لكم ذنوباً *** ولا جُزتم هنالِكم الصراطا

ص: 291


1- الطاط : الشجاع ، والباشق من الطيور.
2- الضغاط : جمع الضغيطة وهي النبتة الضعيفة.
وقال يذكر مناقب أهل البيت علیهم السلام :

يا آل خير عباد اللّه كلّهم *** « ومَن لهم فوق » أعناق الورى مننُ

كم تُثلمون بأيدي الناس كلهم *** وكم تُعرّس فيكم دهرها المحن (1)

وكم يذودُكم عن حقّكم حنقاً *** مُمَلأ الصدر بالأحقاد مُضطغن

إن الذين نضوا عنكم تراثكم *** لم يغبنوكم ولكن دينهم غَبَنوا

باعوا الجنان بدارٍ لا بقاء لها *** وليس لله فيما باعه ثمن

احبّكم والذي صلى الجميع له *** عند البناء الذي تُهدى له البُدن

وأرتجيكم لما بعد الممات إذا *** وارى عن الناس جَمعاً أعظم جبن

وإن يضلّ أناسٌ عن سبيلهم *** فليس لي غير ما أنتم به سَنَن

وما أبالي اذا ما كنتم وضحاً *** لناظريّ ، أضاء الخلق ام دجنوا

وأنتم يوم أرمي ساعدي ويدي *** وأنتم يوم يرميني العِدا الجَنن

وقال في التوسل الى اللّه تعالى بأهل البيت صلوات اللّه عليهم :

أقلني ربي بالذين أصطفيتهم *** وقلتَ « لنا » : هم خيرُ من أنا خالقُ

وإن كنت قد قصرتُ سعياً إلى التقى *** فإني بهم « إن » شئتَ عندك لاحق

هم أنقذوا لمّا « فزعتُ » إليهم *** وقد صمّمت نحوى « النيوب » العوارق

وهم « جذبوا » ضبعى » إليهم من الأذى *** وقد طرقت « بابي » الخطوب الطوارق

ولولاهم « مانلتُ » في الدين « حُظوةً » *** ولا اتّسَعَت فيه عليّ المضائق

ولا سيّرت فضلي إليها مغاربٌ *** ولا طيّرته بينهنّ مشارق

ولا صيّرت قلبي من الناس كلهم *** لها وطناً تأوي إليه الحقائق

ص: 292


1- تعرس : تقيم من التعريس وهو نزول المسافر للاستراحة.
وقال يفتخر بابائه علیهم السلام :

لو لم يعاجله النوى لتحيرا *** وقصاره وقد انتأوا أن يقصرا

أفكلما راع الخليط تصوبت *** عبرات عين لم تقلّ فتكثرا؟

قد أوقدت حرق « الفراق » صبابة *** لم تستعر ومرين دمعاً ما جرى

« شعفٌ » يكتمه الحياء ولوعة *** خفيت وحق لمثلها أن يظهرا

« وأبى » الركائب لم يكن « ماعلنه » *** صبراً ولكن كان ذاك تصبّرا

لبين داعية النوى فاريننا *** بين القباب البيض موتاً أحمرا

وبعدن بالبين المشتت ساعة *** « فكأنهن » بعدن عنا أشهرا

عاجوا على ثمد البطاح وحبهم *** أجرى العيون غداة بانوا أبحرا

وتنكبوا وعرَ الطريق وخلفوا *** ما في الجوانح من هواهم أوعرا

أما السلو فإنه لا يهتدى *** قصد القلوب وقد حشين تذكرا

قد رمت ذاك فلم أجده وحق من *** فقد السبيل إلى الهدى أن يعذرا

أهلاً بطيف خيال مانعة « الحبا » *** يقظى ومفضلة علينا في الكرى

ما كان أنعمنا بها من زورة *** لو باعدت وقت الورود المصدرا!

جزعت لوخطات المشيب وإنما *** بلغ الشباب مدى الكمال فنوّرا

والشيب إن « فكرت » فيه موردٌ *** لا بدّ يورده الفتى إن عمّرا

يبيضّ بعد سواده الشعر الذي *** لو لم يزره الشيب واراه الثرى

زمن الشبيبة لاعدتك تحيةٌ *** وسقاك منهمر الحيا ما استغزرا

فلطالما اضحى ردائي ساحباً *** في ظلك الوافي وعودي اخضرا

أيام يرمقني الغزال إذا رنا *** شعفاً ويطرقني الخيال إذا سرى

ومرنّحٍ في الكور يحسب أنه اصطبح *** العقار وإنما اغتبق السُرى

بطل صفاه للخداع مزلّةٌ *** فإذا مشى فيه الزماع تغشمرا (1)

« إما » سألت به فلا تسأل به *** « ناياً » يناغي في البطالة مزمرا

ص: 293


1- تغشمر : تنمر.

وأسأل به الجرد العتاق مغيرةً *** يخطبن هاماً أو يطأن سنّورا

يحملن كل مدججٍ يقرى الظبا *** علقاً وأنفاس السوافي عثيرا

قومي الذين وقد دجت سبُل الهدى *** تركوا طريق الدين فينا مقمرا

غلبوا على الشرف التليد وجاوزوا *** ذاك التليد تطرفاً وتخيرا

كم فيهم من قسورٍ متخمطٍ *** يردى إذا شاء الهزبر القسورا

متنمرٍّ والحرب إن هتفت به *** أدّته بسام المحيّا مسفرا

وملوّم في بذله ولطالما *** أضحى جديراً في العلا أن يشكرا

ومرفع فوق الرجال تخاله *** يوم الخطابة قد تسنم منبرا

جمعوا الجميل إلى الجمال وإنما *** ختموا إلى المرأى الممدّح مخبرا

سائل بهم بدراً وأحداً والتي *** ردّت جبين بني الضلال معفّرا

لله درّ فوارسٍ في خيبر *** حملوا عن الاسلام يوماً منكرا

عصفوا بسلطان اليهود وأولجوا *** تلك الجوانح لوعة وتحسرا

واستلحموا أبطالهم واستخرجوا *** الأزلام من أيديهم والميسرا

وبمرحبٍ ألوى فتىً ذو جمرة *** لا تصطلي وبسالةٍ « لا تُعترى »

إن حزّ حزّ مطبقاً أو قال قا *** ل مصدّقاً أو رام رام « مطهّرا »

فثناه مصفرّ البنان كأنما *** لطخ الحمامُ عليه صبغاً أصفرا

« تهفوا » العقاب بشلوه ولقد هفت *** زمناً به شم الذوائب والذرا

أما الرسولُ فقد أبان ولاءَه *** لو كان ينفع « جائراً » أن ينذرا

أمضى مقالاً لم يقله معرّضاً *** وأشاد ذكراً لم يشده « مُغرّرا »

وثنى اليه رقابهم وأقامه *** علماً على باب النجاة مشهرا

ولقد شفى « يوم الغدير » معاشراً *** ثلجت نفوسهم « وأدوى » معشرا

« قلقت » بهم أحقادهم فمرّجعٌ *** نفسأً ومانع أنةٍ أن تجهرا

يا راكباً رقصت به مهريةٌ *** أشبت بساحته الهموم فاصحرا

عج « بالغريّ » فإن فيه ثاوياً *** جبلاً تطأطأ فاطمأن به « الثرى »

ص: 294

واقرا السلام عليه من كلفٍ به *** كشفت له حجاب الصباح فأبصرا

فلو استطعت جعلت دار إقامتي *** تلك القبور الزُهر حتى أقبرا

ومن روائعه قوله :

ومن السعادة أن تموت وقد مضى *** من قبلك الحُساد والأعداء

فبقاءُ مَن حُرِمَ المراد فناؤه *** وفناء من بلغ المراد بقاء

والناس مختلفون في أحوالهم *** وهم إذا جاء الردّى أكفاء

وطلاب ما تفنى وتتركه على *** من ليس يشكر ما صنعت عناء

وقوله :

أحب ثرى نجد ونجد بعيدة *** ألا حبذا نجد وإن لم تفد قربا

يقولون نجد لست من شعب أهلها *** وقد صدقوا لكنني منهم حُبّا

كأني وقد فارقت نجداً شقاوة *** فتى ضل عنه قلبه ينشد القلبا

وقوله في اخرى :

ولقد زادني عشية جمع *** منكم زائر على الآكام

بات أشهى الى الجفون وأحلى *** في منامي غبّ السرى من منامي

كدتُ لما حللتُ بين تراقيه *** حراماً أحل من إحرامي

وسقاني من ريقه فسقاني *** من زلال مصفق بمدام

صدّ عني بالنزر إذ أنا يقظان *** وأعطى كثيره في المنام

والتقينا كما اشتهينا ولا عيب *** سوى أن ذاك في الأحلام

واذا كانت الملاقاة ليلاً *** فالليالي خيرٌ من الأيام

ومن قوله في قصيدة طويلة :

أترى يؤب لنا الأبيرق *** والمنى للمرء شغل

طلل لَعزة لا يزال *** على ثراه دم يُطلّ

ص: 295

فتلوا وما قتلوا وعند *** هم لنا قَودٌ وعقل

قل للذين على مواعدهم *** لنا خُلفٌ ومطل

كم ضامني من لا أضيم *** وملّني مَن لا أمَلّ

يا عاذلاً لعتابه *** كَلّ على سمعي وثِقل

ان كنت تأمر بالسلو *** فقل لقلبي كيف يسلو

قلبي رهين في الهوى *** ان كان قلبك منه يخلو

ولقد علمتُ على الهوى *** أنّ الهوى سقمٌ وذلٌ

وتعجبتُ جَملٌ لشيب *** مفارقي وتشيبُ جمل

ورأت بياضاً في سواد *** ما رأته هناك قَبل

كذُبالة رفعت على *** الهضبات السارين ضلّوا

لا تنكريه - ويب غيرك *** فهو للجُهلاء غُلّ (1)

وله قدس اللّه سره :

مولاي يا بدر كل داجية *** خذ بيدي قد وقعت في اللجج

حسنك ما تنقضي عجائبه *** كالبحر حدّث عنه بلا حرج

بحق من خط عارضيك ومَن *** سلّط سلطانها على المهج

مدّ يديك الكريمتين معاً *** ثم ادع لي من هواك بالفرج

وقوله :

ولما تفرقنا كما شاءت النوى *** تبيّن ودّ خالصٌ وتوددُ

كأني وقد سار الخليط عشيةً *** أخو جنّةٍ مما أقوم وأقعد

وله من قصيدة :

الا يا نسيم الريح من أرض بابل *** تحمّل الى أهل الخيام سلامي

وقل لحبيب فيك بعض نسيمه *** أما آن تسطيع رجع كلامي

ص: 296


1- ويب : كلمة ويل زنة ومعنى. والغل بالضم : طوق من حديد يجعل في اليد.

رضيت ولولا ما علمتم من الجوى *** لما كنتُ أرضى منكم بلمام

واني لأرضى أن اكون بأرضكم *** على أنني منها استفدت سقامي

وقوله :

بيني وبين عواذلي *** في الحب أطراز الرماح

أنا خارجي في الهوى *** لا حكم إلا للملاح

وقوله :

قل لمن خده من اللحظ دامٍ *** رقّ لي من جوانح فيك تُدمى

يا سقيم الجفون من غير سقم *** لا تلمني إن مُتّ منهن سقما

أنا خاطرت في هواك بقلب *** ركب البحر فيك إما وإما

وقوله من قصيدة :

قل لمعزٍّ بالصبر وهو خليٌ *** وجميل العذول ليس جميلا

ما جهلنا أن السلو مريح *** لو وجدنا الى السلو سبيلا

وقوله من مقطوع في الشيب :

يقولون لا تجزع من الشيبب ضِلّة *** وأسهمه إياي دونهم تُصمي

وقالوا أتاه الشيب بالحلم والحجى *** فقلتُ بما يَبرى ويعرق من لحمي

وما سرني حلم يفيء الى الردى *** كفاني ما قبل المشيب من الحلم

اذا كان يعطيني من الحزم سالباً *** حياتي فقل لي كيف ينفعني حزمي

وقد جرّبت نفسي الغداة وقاره *** فما شدّ من وهنى ولا سدّ من ثلمي

وإني مذ أضحى عذاري قرارُه *** أُعادُ بلا سُقم وأُجفى بلا جُرم

وسيّان بعد الشيب عند حبائبي *** وقفن عليه أم وقفن على رسمي

ص: 297

أبو العلاء المعرّي

وعلى الدهر من دماء الشهيدين *** -دين علي ونجله شاهدانِ

فهما في أواخر الليل فجرا *** ن وفي أولياته شفقان

ثبتا في قميصه ليجيء ال- *** -حشر مستعدياً الى الرحمن

وجمال الأوان عقب جدود *** كلُ جدٍ منهم جمال اوان

يا ابن مستعرض الصفوف ببدر *** ومبيد الجموع من غطفان

أحد الخمسة الذين هم الاع- *** -راض في كل منطق والمعاني

والشخوص التي خُلقن ضياء *** قبل خلق المريخ والميزان

قبل أن تخلق السماوات أوتؤ *** مر أفلاكهن بالدوران

لو تاتى لنطحها حمل الشه- *** -ب تروى عن رأسه الشرطان

أو أراد السماك طعناً لها عا *** د كسير القناة قبل الطعان

أو رمتها قوس السماء لزال ال- *** -عجر منها وخانها الأبرهان

أو عصاها حوت النجوم سقاه *** حتفه صائد من الحدثان

وبهم فضل المليك بني حوا *** ء حتى سموا على الحيوان

شرفوا بالشراف والسمر عيدا *** ن اذا لم يزنّ بالخرصان

يشير ابو العلاء الى الحديث الشريف القائل بأن اللّه عز وجل خلق أنوار الخمسة : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الخلق.

ص: 298

وقوله كما أورد سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص :

أرى الأيام تفعل كل نكرٍ *** فما أنا في العجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسيناً *** وكان على خلافتكم يزيد (1)

أبو العلاء المعري (2) التنوخي : أحمد بن عبد اللّه :

ولد بمعرة النعمان سنة 363 وتوفي بها يوم الجمعة ثاني ربيع الأول سنة 449 عن 86 سنة. ولما مات أنشد على قبره أربعة وثمانون شاعراًً مراثي من جملتها أبيات لعلي بن الهمام من قصيدة طويلة :

إن كنت لم ترقِ الدماء زهادةً *** فلقد أرقت اليوم من جفني دما

سيّرتَ ذكراً في البلاد كأنه *** مسك مسامعها يضمّخُ أو فما

ونرى الحجيج اذا أرادوا ليلة *** ذكراك أوجب فدية مَن أحرما

ويقول أن ذكراك طيب والطيب لا يحل لمحرم فيجب عليه فدية ، والحق ان ابا العلاء فلتة من فلتات الزمن ونابغة من نوابغ العالم. اختلف الناس فيه فمن قائل ، هو مسلم موحّد ، وبين مَن يرميه بالالحاد واذكر حديثاً للمرحوم المصلح الشيخ محمد حسين كاشف العَطاء برهن فيه على ايمانه وتشيعه ، وذكر صاحب نسخة السحر انه من شعراء الشيعة.

ص: 299


1- جاء في الحديث الشريف : لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتى يكون أول مَن يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد. رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ج5 ص 241 عن مسند أبي يعلی والبزاز وفي الصواعق المحرقة ص 132 عن مسند الرواياتي عن أبي الدرداء عنه صلی اللّه عليه وآله وسلم : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد.
2- المعري : نسبة الى معرة النعمان من بلاد الشام.
ومن شعره تتنسم عبير التشيع فاسمعه يقول في قصيدته :

أدنياي اذهبي وسواي إمّي *** فقد ألممت ليتك لم تلّمي

وكان الدهر ظرفاً لا لحمدٍ *** تؤهله العقول ولا لذِمّ

وأحسب سانح الأزميم نادى *** ببين الحيّ في صحراء ذَمّ (1)

اذا بكرُ جنى فتوّق عمراً *** فإن كليهما لأب وأمِّ

وخف حيوان هذي الأرض واحذر *** مجيء النطح من رَوق وجُمّ (2)

وفي كل الطباع طباع نكز *** وليس جميعهنّ ذوات سُمّ

وما ذنب الضراغم حين صيغت *** وصيّر قوتها مما تُدّمي

فقد جُبلت على فرس وضرس *** كما جبل الوفود على التنمي

ضياء لم يبن لعيون كمهٍ *** وقولٌ ضاع في آذان صُمّ

لعمرك ما أسرّ بيوم فطر *** ولا أضحى ولا بغدير خُم

وكم أبدى تشيّعه غويُّ *** لأجل تنسّبٍ ببلاد قمّ

ومن شعره :

لقد عجبوا لآل البيت لما *** أتاهم علمهم في جلدِ جفر

ومرآة المنجّم وهي صغرى *** تريه كل عامرةٍ وقفر

وقوله كما في نسمة السحر :

أمر الواحد فافعل ما أمر *** واشكر اللّه ان العقل أمر

أضمر الخيفة واضمر قلّ ما *** ادرك الطرف المدى حتى ضمر

أيها الملحد لا تعصى النهى *** فلقد صحّ قياسٌ واشتهر

إن يعد في الجسم يوما روحه *** فهو كالربع خلا ثم عمر

ص: 300


1- ازميم : ليلة من ليالي المحاق. والهلا اذا دق في آخر الشهر واستقو�1. ذم : الهلاك.
2- الروق : القرن ، جم جمع الاجم : الكبش لا قرن له.

وهي الدنيا أذاها ابداً *** زمر واردة إثر زمر

يا أبا السبطين لا تحفل بها *** أعتيقٌ ساد فيها أم عمر

قال السيد الأمين في الأعيان :

هو ابو العلاء احمد بن عبد اللّه بن سليمان المعري التنوخي الشاعر المتفنن كان عربيّ النسب من قبيلة تنوخ بطن من قضاعة من بيت علم وقضاء ولد بمعرة النعمان سنة 363 وجدر في الثالثة من عمره وكف بصره وتعلم على أبيه وغيره من ائمة زمانه فكان يحفظ ما يسمعه من مرة واحدة ، وقال الشعر وهو ابن احدى عشرة سنة ، ونسك في آخر عمره ولم يبرح منزله وسمى نفسه رهين المحبسين : العمى والمنزل : وبقي مكبّاً على التدريس والتأليف ونظم الشعر مقتنعاً بالقليل من الدنانير يستغلها من عقار له مجتنباً أكل الحيوان وما يخرج منه مكتفياً بالنبات والفاكهة والدبس متعللا بأنه فقير وانه يرحم الحيوان ، وعاش عزباً الى أن مات سنة 449 بالمعرة وأمر أن يكتب على قبره :

هذا جناه أبي عليَّ *** وما جنيتُ على أحد

أقول الحق انه فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة ولا يسمح الدهر بامثاله إلا في السنين المطاولة والازمان المتباعدة وهذه اراؤه تتجدد وأشعاره بمعانيها تزداد حلاوة وعذوبة وان هذه الاختلافات في هذا الرجل دلالة على عمقه وعظمته واليك قوله في إثبات البعث والمعاد.

قال المنجم والطبيب كلاهما *** لا تحشر الاجساد قلت : اليكما

إن صحّ قولكما فلستُ بخاسرٍ *** أو صحّ قولي فالخسار عليكما

وفي معجم الأدباء : ولد بمعرة النعمان (363) واعتلّ علّة الجُدَري التي ذهب فيها بصره (367) وقال الشعر وهو ابن 11 سنة ورحل الى بغداد سنة 398 فاقام بها سنة وسبعة أشهر ثم رجع الى بلده فأقام بها ولزم منزله الى أن مات بالتاريخ المتقدم. قال : ونقلت من بعض الكتب أن أبا العلاء

ص: 301

لما ورد الى بغداد قصد ابا الحسن علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال علي بن عيسى ليصعد الاصطبل فخرج مغضباً ولم يعد اليه ، والاصطبل في لغة أهل الشام الأعمى ولعلها معرّبة. ودخل على المرتضى ابي القاسم فعثر برجلٍ فقال : من هذا الكلب ، فقال المعري : الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً ، وسمعه المرتضى فاستدناه واختبره فوجده عالما مشبعا بالفطنة والذكاء فأقبل عليه إقبالاً كثيرا ، وكان أبو العلاء يتعصب للمتنبي ويزعم انه أشعر المحدثين ويفضله على بشار ومن بعده مثل أبي نواس وأبي تمام ، وكان المرتضى يبغض المتنبي ويتعصب عليه فجرى يوما بحضرته ذكر المتنبي فتنقصه المرتضى وجعل يتتبع عيوبه ، فقال المعري : لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله : - لك يا منازل في القلوب منازل - لكفاه فضلاً فغضب المرتضى وأمر فسحب برجله واخرج من مجلسه ، وقال لمن بحضرته أتدرون أي شيء أراد بذكر هذه القصيدة فإن للمتنبي ما هو أجود منها - اراد قوله في هذه القصيدة :

وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ *** فهي الشهادة لي بأني كامل

وقال السيد الامين إن هذه القصة موضوعة ولا يصح قول من قال أن المرتضى كان يبغض المتنبي فانه لا موجب لبغضه إياه وليس معاصراً له فمولد المرتضى قريب من وفاة المتنبي ، ولا لتعصبه عليه ، فالمرتضى في علمه وفضله ومعرفته لم يكن يتعصب على ذي فضل كالمتنبي ولا يجهل مكانته في الشعر ، والمعري مع علمه بجلالة قدر المرتضى وعلوّ مكانه لم يكن ليواجهه بهذا الكلام وللمعري بيتان يمدح الرضي والمرتضى في القصيدة التي رثى بها والد السيدين المرتضى والرضي وهما :

ساوى الرضي المرتضى وتقاسما *** خطط العلا بتناصفٍ وتصافى

خلا ندى سبقا وصلى الاطهر *** المرضي فيا لثلاثة أحلاف

والاطهر المرضي هو ابن للشريف المرتضى.

ص: 302

قال السيد الامين في الاعيان :

اختلف الناس فيه فبين ناسب له الى الالحاد والتعطيل وبين قائل انه مسلم موحد. في معجم الادباء : كان متهماً في دينه يرى رأي البراهمة لا يرى أفساد الصورة ولا يأكل لحماً ولا يؤمن بالرسل والبعث والنشور وعاش ستاً وثمانين سنة لم يأكل اللحم منها خمساً وأربعين سنة ، وحُدثت أنه مرض مرة فوصف الطبيب له الفروج فلما جيء به لمسه بيده وقال : استضعفوك فوصفوك هلا وصفو شبل الأسد. وحدث غرس النعمة أبو الحسن الصابي انه بقي خمسا واربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ويحرّم إيلام الحيوان ويقتصر على ما تنبت الارض ويلبس خشن الثياب ويظهر دوام الصوم. قال : ولقيه رجل فقال : لم لا تأكل اللحم قال ارحم الحيوان قال فما تقول في السباع التي لا طعام لها الا لحوم الحيوان فان كان لذلك خالق فما أنت بأرأف منه ، وان كانت الطبائع المحدثة لذلك فما أنت بأحذق منها ولا أتقن عملاً ، فسكت - قال ابن الجوزي : وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة وأما ما ذبحه غيره فأيّ رحمة بقيت. قال : وقد حدثنا عن ابي زكريا أنه قال : قال لي المعري ما الذي تعتقده؟ فقلت في نفسي اليوم أقف على اعتقاده ، فقلت له ما أنا إلا شاك ، فقال وهكذا شيخك قال القاضي أبو يوسف عبد السلام القزويني : قال لي المعري لم أهج أحداً قط ، فقلت له صدقت ، إلا الانبياء علیهم السلام فتغيّر وجهه.

( قال المؤلف ) : اما عدم ذبحه الحيوان وعدم أكله اللحوم فكاد يكون متواتراً عنه ومرّ في مرثية علي بن الهمام له قوله :

ان كنت لم ترق الدماء زهادة *** فلقد أرقت اليوم من جفني دما

مما دل على أن ذلك كان معروفاً مشهوراً عنه.

ص: 303

لماذا لم يأكل اللحم؟
اشارة

وقد علل امتناعه عن أكل اللحوم وغيرها في أحد اجوبته في المراسلة التي دارت بين وبين داعي الدعاة. قال جواب إحدى تلك الرسائل :

قد بدأ المعترف بجهله المقر بحيرته وعجب أن مثله يطلب الرشد ممن لا رشد عنده وقد ذكر ايد اللّه بحياته بيتا من أبيات على قافية الحاء ذكرها وليه ليعلم غيره ما هو عليه من الاجتهاد في التدين وما حيلته في قوله تعالى ( مَن يهد اللّه فهو المهتد ) وأولها :

غدوتَ مريضَ العقل والدين فالقني *** لتعلم أنباء الامور الصحائح

فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما *** ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح (1)

والحيوان البحري لا يخرج من الماء إلا وهو كاره والعقل لا يقبح ترك أكله وإن كان حلالاً لأن المتدينين لم يزالوا يتركون ما هو لهم حلال مطلق :

وأبيض أُمّاتٍ أرادت صريحه *** لأطفالها دون الغواني الصرائح (2)

والمراد بالابيض اللبن والأم اذا ذبح ولدها وجدت عليه وجداً عظيماً وسهرت لذلك ليالي فأيّ ذنب لمن تحرج عن ذبح السليل ولم يرغب في استعمال اللبن ولم يزعم أنه محرم وإنما تركه اجتهاداً في التعبّد ورحمة للمذبوح رغبة أن يجازى عن ذلك بغفران خالق السموات والأرض واذا قيل ان اللّه سبحانه يساوي بين عباده في الاقسام فأي شيء اسلفته الذبائح من الخطأ حتى تمنع حظها من الرأفة والرفق :

فلا تفجعنّ الطير وهي غوافل *** بما وضعت فالظلم شرّ القبائح

ص: 304


1- الغريض : اللحم النيء.
2- أُمات : جمع أُم والصريح في كل شيء الخالص منه.

وقد نهى النبي صلی اللّه علیه و آله عن صيد الليل وذلك أحد القولين في قوله علیه السلام اقرّوا الطير في وكناتها ، وفي الكتاب العزيز « يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم ومَن قتله متعمداً فجزاء مثلُ ما قتل من النَعم » فاذا سمع من له أدنى حسّ هذا القول فلا لوم عليه اذا طلب التقريب الى رب السماوات والارضين بأن يجعل صيد الحل كصيد الحرم وإن كان ذلك ليس بمحظور :

ودع ضَربَ (1) النحل الذي بكرّت له *** كواسب من أزهارِ نبتٍ فوائح

لما كانت النحل تحارب الشائر (2) عن العسل بما تقدر عليه فلا غرو إن أعرض عن استعماله رغبة في أن تجعل النحل كغيرها مما يكره من ذبح الأكيل واخذ ما كان يعيش به لتشربه النساء كي يُبدّن وغيرها من بني آدم ، وروي عن علي علیه السلام حكاية معناها انه كان له دقيق شعير في وعاء يختم عليه فاذا كان صائماً لم يختم على شيء منه وقد كان علیه السلام يصل اليه غلّة كثيرة ولكنه كان يتصدق بهاويقتنع أشد اقتناع. وروي عن بعض أهل العلم انه قال في بعض خطبه ان غلّته تبلغ خمسين الف دينار وهذا يدل على ان الانبياء والمجتهدين من الأئمة يقصرون نفوسهم ويؤثرون بما يفضل عنهم أهل الحاجة. وقد أوما سيدنا الرئيس الى أن من ترك أكل اللحم ذميم ولو أخذ بهذا المذهب لوجب على الانسان أن لا يصلي الا ما افترض عليه ومن له مال كثير اذا اخرج زكاته لا يحسن به أن يزيد على ذلك. وأما ما ذكره من المكاتبة في توسيع الرزق علي فالعبد الضعيف العاجز ما له رغبة في التوسع ومعاودة الا طعمة وتركها صار له طبعا ثانيا وانه ما أكل شيئاً من حيوان خمسا وأربعين سنة.

ومما يعجب له من أمر أبي العلاء فبينا البعض يستظهر من اشعاره تشكيكه

ص: 305


1- الضرب يفتحين : العسل.
2- الشائر من شار العسل واشتاره أي جناه.

والحاده واذا به يصوم الدهر ويحافظ على الصلوات ويصلى جالساً بعد سقوط قوّته ولا يترك الصلاة بحال ويقول في اثبات الخالق عز وجل.

متى ينزل الأمر السماوي لم يفد *** سوى شبح رمي الكميّ المناجد

وإن لحق الإسلام خطبٌ يغضّه *** فما وجدت مثلاً له نفس واجد

اذا عظّموا كيوان عظّمتُ واحداً *** يكون له كيوان أول ساجد

ويقول :

واللّه حق وابن آدم جاهل *** من شأنه التفريط والتكذيبُ

قال الشيخ القمي في الكنى والألقاب :

أحمد بن عبد اللّه بن سليمان المعروف بأبي العلاء المعرّي الشاعر الأديب الشهير كان نسيج وحده بالعربية ضربت آباط الإبل اليه ، وله كتب كثيرة وكان أعمى ذا فطانة ، وله حكايات من ذكائه وفطانته ، حكي انه لما سمع فضال الشريف السيد المرتضى اشتاق الى زيارته فحضر مجلس السيد ، وكان سيد المجالس فجعل يخطو ويدنو الى السيد فعثر على رجل فقال الرجل : مَن هذا الكلب؟ فقال المعري الكلب مَن لا يعرف للكلب سبعين اسماً فلما سمع الشريف ذلك منه قرّبه وأدناه فامتحنه فوجده وحيد عصره وأُعجوبة دهره ، فكان ابو العلاء يحضر مجلس السيد وعدّه من شعراء مجلسه ، وجرى بينهما مذاكرات من الرموز ما هو مشهور وفي كتب الاحتجاج مسطور. قيل ان المعري لما خرج من العراق سُئل عن السيد المرتضى رضي اللّه تعالى عنه فقال :

يا سائلي عنه لما جئت اسأله *** ألا هو الرجل العاري من العار

لو جئته لرأيت الناس في رجل *** والدهر في ساعة والأرض في دار

ص: 306

ومن شعره :

لو اختصرتم من الاحسان زرتكم *** والعذب يهجر للافراط في الخصر

( الخصر البرد ) ومن شعر المعري قصيدة يرثي بها بعض أقاربه : *** غير مجدٍ في ملتي واعتقادي

نوحُ باكٍ ولا ترنم شاد *** أبكت تلكم الحمامة أم غنّت

على فرع غصنها المياد *** صاح هذي قبورنا تملأ الأر

ض فأين القبور من عهد عاد *** خفف الوطئ ما أظن أديم الا

رض إلا من هذه الاجساد *** وقبيح بنا وإن قدم العهد

هوان الآباء والأجداد *** رب لحدٍ قد صار لحداً مراراً

ضاحكٍ من تزاحم الأضداد *** ودفينٍ على بقايا دفين

في طويل الأزمان والآباد *** فاسأل الفرقدين عمن أحسّا

من قبيل وآنسا من بلاد *** كم أقاما على زوال النهار

وانارا لمدلج في سواد *** تعبٌ كلّها الحياة فما أعجب

إلا من راغبٍ في ازدياد *** إن حزناً في ساعة الموت

أضعاف سرور في ساعة الميلاد *** خُلق الناس للبقاء فضلّت

أمةٌ يحسبونهم للفناد *** إنما ينقلون من دار أعمال

إلى دار شقوة أو رشاد

حكي عنه انه كان يقول أتمنى أن أرى الماء الجاري وكواكب السماء ، حيث كان أعمى وفي عماه يقول بعض الشعراء :

أبا العلاء بن سليمانا *** ان العمى أولاك إحسانا

لو أبصرت عيناك هذا الورى *** لم ير انسانُك إنسانا

قال جرجي زيدان في ( تاريخ آداب اللغة العربية ) :

ابو العلاء المعري هو خاتمة شعراء العصر العباسي الثالث كما كان شبيهه أبو الطيب المتنبي فاتحته - ونعم الفاتحة والخاتمة. وهو الشاعر الحكيم الفيلسوف

ص: 307

احمد بن عبد اللّه بن سليمان بن محمد التنوخي. ولد في المعرة سنة 363 ه- وكان أبوه من أهل الأدب وتولى جدّه القضاء فيها. وكانت أمه ايضاً من أسرة وجيهة يعرفون بآل سبيكة ، اشتهر منهم غير واحد بالوجاهة والأدب وكانت المعرة تحت سيطرة الدولة الحمدانية بحلب وأميرها يومئذ سعد الدولة أبو المعالي.

ولم يتم أبو العلاء الثالثة من عمره حتى أصابه الجدري فذهب بيسرى عينيه وغشي يمناها بياض. فكفّ بصره وهو طفل وكان يقول : « لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني البست في الجدري ثوباً مصبوغاً بالعصفر ». لقنه أبوه النحو واللغة في حداثته ثم قرأ على جماعة من أهل بلده - ولما أدرك العشرين من عمره عمد الى سائر علوم اللغة وآدابها فاكتسبها بالمطالعة والاجتهاد - وكان يقيم أناساً يقرأون له كتبها وأشعار العرب وأخبارهم. وهو قوي الحافظة الى ما يفوق التصديق.

وكان مطبوعاً على الشعر نظمه قبل أن يتم الحادية عشرة من عمره. ولم يمنعه العمى من مباراة بأرباب القرائح في ما اشتغلوا به حتى في العابهم فقد كان يلعب الشطرنج والنرد ويجيد لعبهما لا يرى في العمى نقصاً. بل هو كان يقول « احمد اللّه على العمى كما يحمده غيري على البصر » وكان يرتزق من وقف يحصل له منه ثلاثون ديناراً في العام ينفق نصفها على مَن يخدمه.

ورحل في طلب العلم على عاداتهم في ذلك العهد فأتى طرابلس واللاذقية وسواهما من بلاد الشام وأخذ فلسفة اليونان عن الرهبان - ثم رحل الى بغداد سنة 398 وشهرته قد سبقته اليها فاستقبله علماؤها بالحفاوة. واطلع في أثناء اقامته هناك على فلسفة الهنود والفرس فضلاً عن سائر العلوم. حتى اذا نضج عقله وأمعن النظر في الوجود رأى الدنيا كما هي فزهد فيها وعزم على الاعتزال ليتسنى له التأمل والتفكير. فغادر بغداد سنة 400 ه- وأتى المعرة ولزم بيته وسمى نفسه « رهين المحبسين » وأخذ بالتأليف والنظم وتدوين أفكاره وآرائه

ص: 308

ومحفوظه في الكتب. وانقطع عن أكل اللحم من ذلك الحين واقتصر على النبات كما يفعل النباتيون اليوم - اقتبس ذلك من آراء البراهمة الهنود فذهب مذهبهم فيه رفقاً بالحيوان وتجافياً عن إيلامه. ولزم الصوم الدائم.

قضى ابو العلاء في هذه العزلة بضعاً وأربعون سنة وأكله العدس وحلاوته التين وهو يؤلف وينظم والناس يتوافدون اليه ليسمعوا أقواله وأخباره أو يكاتبوه في استفهام واستفتاء ويأخذوا عنه العلم مجاناً حتى توفاه اللّه سنة 449.

وكان معدوداً من أقطاب العلم والأدب والشعر ويمتاز بأنه لم يتكسب بشعره.

مؤلفاته :

خلف مؤلفات في الشعر وفي الادب - أما اشعاره فاشهرها :

1 - اللزوميات : وهو ديوان كبير طبع في بمباي سنة 1303 ه. ثم في مصر سنة 1895 في نحو 900 صفحة. في صدرها مقدمة في الشعر وشروطه وقوافيه على اسلوب انتقادي يدل على رسوخ قدمه في اللغة والشعر. وذكر ما التزمه في نظم هذا الديوان من الشروط اهمها التزام حرفين في القافية وقد نظمه في اثناء عزلته وضمنه كثيراً من آرائه في الوجود والخليقة والنفس والدين. فكان له وقع عند أصحاب الفلسفة فقالوا : « ان أبا العلاء أتى قبل عصره باجيال » وتمتاز اشعاره في عزلته بصبغه سوداوية تشف عن سوء ظنه في الحياة ويأسه من أسباب السعادة لعل سببها اختلال عمل الهضم بتوالي الصوم والاقتصار على نوع او نوعين من الأطعمة. على ان اكثر اشعاره في الفلسفة والزهد والحكم والوصف ويندر فيها المدح او التشبيب. وقد نقل امين افندي ريحاني بعض رباعياته الى الانكليزية نشرت في اميركا منذ بضع سنين وترجم بعض اشعاره ايضاً جورج سلمون الى اللغة الفرنسية ونشرها في باريس سنة 1904.

ص: 309

2 - سقط الزند : وهو ديوان آخر نظمه قبل العزلة. طبع مراراً.

3 - ضوء السقط : يقتصر على ما نظمه في الدرع طبع في بيروت سنة 1894.

اما الادب فله مؤلفات عديدة ربما زادت على خمسين كتاباً أكثرها في اللغة والقوافي والنقد والفلسفة والمراسلات ضاع معظمها واليك ما بلغ الينا خبره منها :

4 - رسائل أبي العلاء : هي كثيرة لو جمعت كلها لبلغت ثمانمائة كراس وقد توخي فيها التسجيع والعبارة العالية والكلام الغريب نحو ما يفعلون في إنشاء المقامات فلا تفهم بلا تفسير وهي من قبيل الشعر المنثور في وصف الخلائق كالنمل والجراد والنسر والفيل والنحل والضفدع والفرس والضبع والحية ونحوها من الحيوانات. غير وصف الاماكن والمواقف والثياب والمآكل وغيرها مما يحسن تحديه لولا ما فيه من اللفظ الغريب. ولكن معظمها ضاع وقد جمع أكثر ما بقي منها في كتاب طبع في بيروت سنة 1894 مضبوطاً بالحركات. وطبع ايضاً في اكسفورد سنة 1898 بعناية الاستاذ مرجليوت المستشرق الانكليزي مع ترجمة انكليزية وتعاليق وشروح تاريخية وادبية مفيدة. وقد صدرها بمقدمة في ترجمة المؤلف بالانكليزية وذيلها بما ذكره الذهبي من ترجمته وختمها بفهرس للاعلام.

5 - رسالة الغفران : هي جملة رسائله ولكننا أفردناها بالكلام لانها طبعت على حدة ولها شأن خاص من حيث موضوعها. وهي فلسفية خيالية كتبها في عزلته وضمنها انتقاد شعراء الجاهلية والاسلام وادبائهم والرواة والنحاة على اسلوب روائي خيالي لم يسبقه اليه احد. فتخيّل رجلا صعد الى السماء ووصف ما شاهده هناك كما فعل دانتي شاعر الايطاليان في « الرواية الالهية » وما فعل ملتن الانكليزي في « ضياع الفردوس » لكن أبا العلاء سبقهما ببضعة قرون.

ص: 310

لأن دانتي توفي سنة 720 ه- وملتن نحو سنة 1084 ه- وتوفي ابو العلاء سنة 449 ه- فلا بدع اذا قلنا باقتباس هذا الفكر عنه. واقدمها ( دانتي ) لم يظهر الا بعد احتكاك الافرنج بالمسلمين. والايطاليان أسبق الافرنج الى ذلك. ونقسم مواضيع رسالة الغفران الى قسمين ادبي لغوي ونوادر خيالية عن بعض الزنادقة ومستقلي الافكار والمتنبئين ونحوهم ممن توالى ظهورهم في اثناء التمدن الاسلامي. ويتخلل ذلك محاورات مع الشعراء الجاهليين يسألون فيها عما غفر لهم به فيذكر كل منهم شعراً قاله أو عملا عمله فغفر له به. ومنها تسمية هذه الرسالة برسالة الغفران - كأنه يعرض بما يرجوه من المغفرة لنفسه عما فرط منه أحياناً من الابيات التي يعدها الناس كفرية. وقد طبعت هذه الرسالة بمصر سنة 1906 ولخصناها في السنة 15 من الهلال من صفحة 279.

6 - ملقى السبيل : هي رسالة فلسفية نشرتها مجلة المقتبس سنة 7 ج 1 عن أصل خطي قديم وجد في الاسكوريال بعناية ح. ح. عبد الوهاب التونسي. وهي على نسق رسائله الأخرى لكن أكثرها منظوم. وقد قابل الناشر بين آراء المعري فيها واراء شوبنهور الفيلسوف الالماني من حيث الحياة ومصيرها وطبعها على حدة سنة 1912.

7 - كتاب الايك والغصون ويعرف باسم الهمزة والردف : يبحث في الادب واخبار العرب يقارب مئة جزء ضاع منذ بضعة قرون وإنما ذكرناه لعل أحداً يعثر على شيء منه إذ يظهر أنه عظيم الاهمية فقد قال فيه الذهبي « حكى مَن وقف على المجلد الاول بعد المئة من كتاب الهمزة والردف فقال : لا أعلم ما كان يعوزه بعد هذا المجلد » وعنى أبو العلاء بشرح كتب هامة أو اختصارها مرّ ذكر بعضها. منها شرح الحماسة منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية في 442 صفحة وهو شرح لغوي وكان مشاركا في كثير من علوم الاقدمين كالفلسفة والكيمياء والنجوم والمنطق ويظهر أثر ذلك في أشعاره وأقواله. ولو أردنا الاتيان بامثلة منها لضاق بنا المقام ودواونيه شائعة فميزناه

ص: 311

نجلو ترجمته من الامثلة الشعرية كما ميزنا المتنبي قبله. وقد تقدم ذكر شيء من شعره في كلامنا عن مزايا الشعر في هذا العصر وغيره. وسنأتي بأمثلة اخرى في أمكنة أخرى.

منزلته :

ويقال بالاجمال ان الشعر العربي دخل بعد المعري في طور جديد من حيث النظر في الطبيعة والتفكير في الخلق والحكمة الاجتماعية. فانتقل الشعر على يده من الخيال الى الحقيقة. واختلف الناس في مناقب أبي العلاء واخلاقه واعتقاده. وله فلسفة خاصة في الدين والطبيعة والخليقة. وهو أقرب من هذا القبيل الى مذهب اللا أدريين ويعتقد التقمص وخلود المادة وان الفضاء لا نهاية له. وكان يقبح الزواج ويعد تخليف الا ولاد جناية. وكان يرى المرأة لا ينبغي لها أن تتعلم غير الغزل والنسج وخدمة المنزل. وكان من القائلين بالرفق بالحيوان فقضى النصف الأخير من عمره لم يذق لحماً. وله أقوال في هذا الموضوع سبق بها أصحاب الرفق بالحيوان اليوم عدة قرون. وعثر له الاستاذ مرجليوث على رسالة في هذا الموضوع جزيلة الفائدة نشرها في المجلة الاسيوية الانكليزية ولخصناها في الهلال سنة 15 ج 4.

وقد اتهمه بعضهم بالكفر وكانوا يتهمون به كل حُر الضمير مستقل الفكر في تلك الايام. مع أن اعترافه بالخالق ووحدانيته ظاهرة في كثير من أشعاره لكنه لم يكن يرى الاعتقاد بالتسليم بل التفكير. وكان حقيقة الدين عنده أن يعمل الانسان خيراً لا أن يكثر من الصلوة والصوم. ولذلك كان شديد الوطأة على الفقهاء الذين يتظاهرون بالدين للارتزاق. وقد فصلنا ذلك وايدناه بالامثلة من أشعاره واقواله في السنة الخامسة عشرة من الهلال من صفحة 195.

ص: 312

فمن شعره في الزهد :

ضحكنا وكان الضحك منا سفاهةً *** وَحُقّ لسُكّان البسيطة أن يبكوا

يحطّمُنا صرف الزمان كأننا *** زُجاجٌ ولكن لا يُعاد لَنا سَبك

ومن شعره في الزهد :

فلا تشرّف (1) بدنيا عنك معرضةً *** فما التشرّف بالدنيا هو الشرف

واصرف فؤادك عنها مثلما انصرفت *** فكلنا عن مغانيها (2) سينصرف

يا أم (3) دفرٍ لحاكِ اللّه والدةً *** فيك الخناء وفيكِ البؤس والسرف

لو أنّك العُرس أوقعتُ الطلاق بها *** لكنك الأمّ مالي عنكِ مُنصرف

وكتب الحموي في معجم الادباء ترجمة وافية لابي العلاء وأورد طائفة كبيرة من اشعاره وذكر جملة من مؤلفاته قال : ومنها كتاب بعض فضائل امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم اللّه وجهه ثم أورد جملة من رسائله وفي سوء اعتقاده وقال : فمنها قوله :

ص: 313


1- اصلها تتشرف فحذف أحد التائين تخفيفا.
2- جمع مغنى وهو المحل المأهول بأهله.
3- كنية الدنيا.

تناقضُ ما لنا إلا السكوت له *** وان نعوذ بمولانا من النار

يدٌ بخمس مئين عسجد (1) فُديت *** ما بالُها قُطعت في ربع دينار (2)

أقول وهناك من رد عليه وابان له الحكمة فقال :

عزُ الأمانة اغلاها وارخصها

ذُل الخيانة فافهم حكمة الباري

وقال آخر : لما كانت امنية ثمينة ولما خانت هانت.

ص: 314


1- العسجد : الذهب ، مقدار دية اليد على من اتلفها.
2- استفهام انكاري متضمن معنى التعجب.
زيد بن سهل الموصلي النحوي
اشارة

زيد بن سهل الموصلي النحوي - مرزكة - يرثي الحسين علیه السلام :

فلولا بكاء المزن حزناً لفقده *** لما جاءنا بعد الحسين غمامُ

ولو لم يشق الليل جلبابه اسىً *** لما انجاب من بعد الحسين ظلام (1)

ص: 315


1- اعيان الشيعة ج 33 ص 40.
زيد بن سهل الموصلي النحوي يعرف ب- مرزكة :

توفي بالموصل حدود 450 كما في الطليعة وفي بغية الوعاة ( مرزكة ) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الزاي وتشديد الكاف وفي معالم العلماء : زيد بن سهل النحوي المرزكي الموصلي ، ووصفه ابن شهر اشوب في المناقب في بعض المواضع بالواسطي وهو تحريف الموصلي.

قال الصفدي كان نحويا شاعراً اديباً رافضياً وقال في ترجمة علي بن دبيس النحوي الموصلي قال ياقوت اخذ عنه زيد مرزكة الموصلي. وفي معالم العلماء زيد بن سهل النحوي المرزكي الموصلي له شرح الصدور. وهو من شعراء أهل البيت ذكره ابن النديم في شعراء الشيعة ومتكلميهم.

أورد له صاحب المناقب من الشعر قوله :

مدينة العلم عليٌ بابها *** وكل من حاد عن الباب جهل

أم هل علمتم قيلة من قائلٍ *** قال سلوني قبل ادراك الاجل

وله :

حفر بطيبة والغري وكربلا *** وبطوس والزورا وسامراء

ما جئتهم في كربة إلا انجلت *** وتبدّل السراء بالضراء

قومٌ بهم غُفرت خطيئة آدمٍ *** وجرت سفينة نوح فوق الماء

ص: 316

وله في الإمام موسى بن جعفر علیهماالسلام :

قصدتك يا موسى بن جعفر راجياً *** بقصدك تمحيص الذنوب الكبائر

ذخرتك لي يوم القيامة شافعاً *** وأنت لعمر اللّه خير الذخائر

وله كما في المناقب لابن شهر اشوب :

أيا لائمي في حب أولاد فاطم *** فهل لرسول اللّه غيرهم عقبُ

هم أهل ميراث النبوة والهدى *** وقاعدة الدين الحنيفي والقطب

أبوهم وصيّ المصطفى وابن عمه *** ووارث علم اللّه والبطل الندب

وله كما في المناقب :

رُدّت له الشمس ضحى بعدما *** هوت هويّ الكوكب الغاير

وله كما في أعيان الشيعة :

ونام على الفراش له فداء *** وأنتم في مضاجعكم رقود

ويوم حنين إذ ولوا هزيما *** وقد نشرت من الشرك البنود

فغادرهم لدى الفلوات صرعى *** ولم تغن المغافر والحديد

فكم من غادر ألقاه شلواً *** عفير الترب يلثمه الصعيد

هُم بخلوا بانفسهم وولّوا *** وحيدرة بمهجته يجود

وفي الاحزاب جاءتهم جيوِشٌ *** تكاد الشامخات لها تميد

فنادى المصطفى فيهم علياً *** وقد كادوا بيثرب أن يكيدوا

فأنت لهذه ولكل يوم *** تذلّ لك الجبابر والاسود

فسقى العامريّ كؤوس حتف *** فهزمت الجحافل والجنود

ص: 317

وأورد له صاحب المناقب قوله في أهل البيت علیهم السلام :

قومٌ رسول اللّه جدّهم *** وعليّ الأب فانتهى الشرف

غفر الاله لآدم بهم *** ونجا بنوح فلكه القذف

امناء قد شهدت بفضلهم الت- *** -ورات والانجيل والصحف

منهم رسول اللّه اكرم مَن *** وطئ الحصى وأجلّ من أصف

وعليّ البطل الامام ومَن *** وارى غرائب فضله النجف

وغداً على الحسنين متّكلي *** في الحشر يوم تنشّر الصحف

وشفاعة السجاد تشملني *** وبها من الآثام اكتنف

وبباقر العلم الذي علقت *** كفي بحبل ولائه الزلف

وبحب جعفرٍ اقتوى أملي *** ولشقوتي في ظلّه كنف

ووسيلتي موسى وعترته *** اكرم بهم من معشر سلَفوا

منهم عليٌ وابنه وع- *** -لي وابنه ومحمد الخلف

صلى الاله عليهم وسقى *** مثواهم الهطالة الوكف

ص: 318

احمد بن عبد اللّه ( بن زيدون )
ابن زيدون المولود 394 والمتوفي 463 ه-

الدهر يفجع بعد العين بالاثر *** فما البكاء على الاشباح والصور

انهاك انهاك لاالوك موعظة *** عن نومة بين ناب الليث والظفر

فالدهر حرب وان ابدى مسالمة *** والبيض والسود مثل البيض والسمر

ولا هوادة بين الراس تاخذه *** يد الضراب وبين الصارم الذكر

فلا تغرنك من دنياك نومتها *** فما صناعة عينيها سوى السهر

وما الليالي اقال اللّه عثرتنا *** من الليالي وخانتنا يد الغير

في كل حين لنا في كل جارحة *** منا جراح وان زاغت عن البصر

تسر بالشيء لكن كي تعز به *** كالايم ثار الى الجاني من الزهر

كم دولة مضت والنصر يخدمها *** لم تبق منها وسل ذكراك من خبر

وروعت كل مامون ومؤتمن *** واسلمت كل منصور ومنتصر

ومزقت جعفرا بالبيض واختلست *** من غيله حمزة الظلام للجزر

واجزرت سيف اشقاها ابا حسن *** وامكنت من حسين راحتي شمر

وليتها اذ فدت عمروا بخارجة *** فدت عليا بمن شاءت من البشر

وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن *** اتت بمعضلة الالباب والفكر

واردت ابن زياد بالحسين فلم *** يبوء بشسع له قد طاح او ظفر

واحرقت شلو زيد بعدما احترقت *** عليه وجدا قلوب الآي والسور

واسبلت دمعة الروح الامين على *** دم بفخ لآل المصطفى هدر

ص: 319

ابن زيدون. احمد بن عبد اللّه بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي الاندلسي القرطبي الشاعر المشهور كان من خواص المعتضد عباد صاحب اشبيلية وكان معه في صورة وزير. له اشعار كثيرة ومن بديع قلائده هذه القصيدة :

اضحى التنائي بديلا من تدانينا *** وناب عن طيب لقيانا تجافينا

تكاد حين تناجيكم ضمائرنا *** يقضي علينا الاسى لولا تاسينا

حالت لبعدكم ايامنا فغدت *** سودا وكانت بكم بيضا ليالينا

من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم *** ثوبا من الحزن لا يبلى ويبلينا

ان الزمان الذي قد كان يضحكنا *** انسا بقربكم قد عاد يبكينا

فانحل ما كان معقودا بانفسنا *** وانبت ما كان موصولا بايدينا

بالامس كنا وما يخشى تفرقنا *** واليوم نحن ولا يرجى تلاقينا

لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا *** اذ طالما غير النأي المحبينا

واللّه ما طلبت ارواحنا بدلا *** عنكم ولا انصرفت فيكم امانينا

توفي باشبيلية سنة 463 وكان له ولد يقال له ابو بكر تولى وزارة المعتمد بن عباد قتل يوم اخذ يوسف بن تاشفين قرطبة من ابن عباد وذلك في 2 صفر سنة 484.

قال الشيخ ابن نما الحلي في كتابه مقتل الحسين المسمى ب- ( مثير الاحزان ) :

وقد ختمت كتابي هذا بهذه الابيات وهي لابن زيدون المغربي تنفذ في كبد المحزون نفوذ السمهري.

ص: 320

بنتم وبنّا فما ابتلّت جوانحنا *** شوقاً اليكم وما جفّت مأقينا

تكاد حين تناجيكم ضمائرنا *** يقضي علينا الاسى لولا تأسينا

حالت لبعدكم أيامنا فغدت *** سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا

ليبق عهدكم عهد السرور فما *** كنتم لارواحنا إلا رياحينا

مَن مبلغ الملبسينا بانتزاحهم *** ثوباً من الحزن لا يبلى ويبلينا

إن الزمان الذي قد كان يضحكنا *** أنساً بقربكم قد عاد يبكينا

غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا *** بان نغصّ فقال الدهر آمينا

فانحل ما كان معقوداً بانفسنا *** وأنبتّ ما كان موصولاً بايدينا

بالامس كنا وما يخضى تفرّقنا *** واليوم نحن ولا يرجى تلاقينا

لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا *** إذ طالما غيّر النأي المحبينا

واللّه ما طلبت أرواحنا بدلاً *** عنكم ولا انصرفت فيكم أمانينا

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم *** رأياً ولم نتقلّد غيره دينا

يا روضة طال ما اجنت لواحظنا *** ورداً جلاه الصبا غضّاً ونسرينا

ويا نسيم الصبا بلّغ تحيّتنا *** مَن لو على البعد حياً كان يحيينا

لسنا نسمّيك إجلالاً وتكرمة *** وقدرك المعتلي في ذاك يكفينا

اذا انفردت وما شوركت في صفة *** فحسبنا الوصف ايضاحا وتبيينا

لم نجف أفق كمال أنت كوكبه *** سالين عنه ولم نهجره قالينا

عليك منا سلام اللّه ما بقيت *** صبابة بك تخفيها فتخفينا

ص: 321

الأمير عبد اللّه بن محمد بن سنان الخفاجي
اشارة

يا أمةً كفرت وفي أفواهها *** القرآن فيه ضلالها ورشادُها

أعلى المنابر تُعلنون بسبّه *** وبسيفه نُصبت لكم أعوادها

تلك الخلائق بينكم بدرية *** قتل الحسين وما خبت أحقادها

ومنها في علي أمير المؤمنين علیه السلام :

ما لي أراك على عُلاك تناكرت *** أحقادها وتسالمت أضدادها

ص: 322

قال السمعاني في الانساب ج 5 ص 170 :

الخفاجي ، بفتح الحاء المنقوطة والفاء وفي آخرها الجيم ، هذه النسبة إلى خفاجة ، وهي اسم امرأة ، هكذا ذكر لي أبو أزيَد الخفاجي في بريّة السماوة ، وولد لها أولاد وكثروا وهم يسكنون بنواحي الكوفة ، وكان أبو أزيد يقول : يَركب منا على الخيل أكثر من ثلاثين ألف فارس سوى الركبان والمشاة. ولقيت منهم جماعة كثيرة وصحبتهم ؛ والمشهور بالانتساب اليهم الشاعر المفلق أبو [ محمد عبد اللّه بن محمد بن ] سعيد بن [ سنان ] الخفاجي كان يسكن حلب وشعره مما يدخل الأذن بغير إذن.

توفي سنة 466 وله شعر في امير المؤمنين علي علیه السلام كذا قال الأمين في الجزء الأول من الأعيان ص 392.

الأمير أبو محمد بن عبد اللّه بن محمد بن سنان الشاعر الشيعي المعروف بابن سنان صاحب سر الفصاحة في اللغة.

توفي سنة 466 حكي انه كان قد تحصن بقرية ( اعزاز ) من أعمال حلب ثم أطعموه خشكنانجه مسمة فمات الخفاجي في اعزاز وحمل الى حلب ودفن فيها كذا جاء في الكنى والألقاب.

ص: 323

وقال السيد الأمين في الأعيان :

الأمير ابو محمد عبد اللّه بن محمد بن سعيد بن يحيى بن الحسين بن محمود بن الربيع المعروف بابن سنان الخفاجي الحلبي.

له ديوان شعر مطبوع ، وكان والياً على قلعة اعزاز ، ولاه عليها محمود ابن صالح فاستبد بها ، وكانت ولايته بواسطة ابي نصر محمد بن محمد ابن النحاس.

وذكره السيد الامين ايضاً في الجزء السادس من الأعيان ص 479 فقال : اسمه عبد اللّه بن سعيد بن محمد بن سنان.

ص: 324

أحمد بن أبي منصور القطان
اشارة

يا أيها المنزل المحيل *** غاثك مستحفز هطول

أزرى عليك الزمان لما *** شجاك من أهل الرحيل

لا تغترر بالزمان واعلم *** أنّ يد الدهر تستطيل

فإن آجالنا قصارٌ *** فيه وآمالنا تطول

تفنى الليالي وليس يفنى *** شوقي ولا حسرتي تزول

لا صاحبٌ منصفٌ فاسلو *** به ولا حافظٌ وصول

وكيف أبقى بلا صديق *** باطنه باطنٌ جميل

يكون في البعد والتداني *** يقول مثل الذي أقول

هيهات قلّ الوفاء فيهم *** فلا حميمٌ ولا وصول

يا قوم ما بالنا جفينا *** فلا كتاب ولا رسول

لو وجدوا بعض ما وجدنا *** لكاتبونا ولم يحولوا

حالوا وخانوا ولم يجودوا *** لنا بوصل ولم يُذيلوا

قلبي قريحٌ به كلومٌ *** أفتنَه طرفك البخيل

أنحَلَ جسمي هواك حتى *** كأنه خصرك النحيل

يا قاتلي بالصدود رفقاً *** بمهجة شفّها غليل

غصنٌ من البان حيث مالت *** ريح الخزامى به يميل

ص: 325

يسطو علينا بغنج لحظ *** كأنه مرهف صقيل

كما سطت بالحسين قومٌ *** أراذل ما لهم أُصول

يا أهل كوفان لم غدرتم *** به وأنتم له نكول

أنتم كتبتم اليه كتباً *** وفي طويّاتها دخول

قتلتموه بها فريداً *** يا بأبي المفرد القتيل

ما عذركم في غد إذا ما *** قامت لدى جدّه الذحول

أين الذي حين أرضعوه *** ناغاه في المهد جبرئيل

أين الذي حين غمدوه *** قبّله أحمد الرسول

أين الذي جدّه النبي *** وأمه فاطم البتول

أنا ابن منصور لي لسان *** على ذوي النصب يستطيل

ما الرفض ديني ولا اعتقادي *** ولست عن مذهبي أحول (1)

ص: 326


1- الأعيان ج 6 ص 119.
أبو أحمد بن أبي منصور بن علي القطيفي المعروف بالقطان ، قال السيد الأمين في الأعيان جزء 6 ص 119 :

في البحار عن بعض كتب المناقب القديمة أخبرني أبو منصور الديلمي عن احمد بن علي بن عامر الفقيه أنشدني ابو احمد بن أبي منصور بن علي القطيفي المعروف بالقطان ببغداد لنفسه ( يا أيها المنزل المحيل ).

وجاء ذكره في الجزء الثالث من الكنى والألقاب ص 55 وروى له بعض هذه الأبيات.

أقول وكرر السيد الترجمة في الجزء 10 ص 226 وذكر القصيدة بزيادة بيتين ، وزاد في الترجمة بأن ذكر سنة وفاته فقال : توفي حدود سنة 480 ببغداد ودفن بمقابر قريش ، ولكن أسماه هنا : أحمد بن منصور بن علي القطيفي القطان البغدادي ولعله أصوب.

وجاء في شعراء القطيف للعلامة المعاصر الشيخ علي منصور المرهون قال :

احمد بن منصور المتوفي سنة 480 هو أحمد بن منصور بن علي القطان القطيفي البغدادي الأديب الشاعر ، ترحّل من بلاده القطيف الى بغداد وسكن بها ومدح أمراءها كما مدح ورثى أهل البيت علیهم السلام وما زال في بغداد مقيما حتى مات بها ودفن في مقابر قريش.

ص: 327

ابن جبر المصري

يا دار غادرني جديد بلاك *** رثّ الجديد فهل رثيت لذاك؟!

أم أنت عما اشتكيه من الهوى *** عجماء منذ عَجَم البِلى مغناك؟!

ضفناك نستقري الرسوم فلم نجد *** إلا تباريح الهموم قِراك

ورسيس شوقٍ تمتري زفراته *** عبراتنا حتى تَبُلّ ثراك

ما بال ربعكِ لا يبلّ؟ كأنما *** يشكو الذي انا من نحولي شاك

طلّت طلولك دمع عيني مثلما *** سفكت دمي يوم الرحيل دماك

وارى قتيلك لا يَديه قاتلٌ *** وفتور ألحاظ الظباء ظُباك

هيّجتِ لي إذ عجتُ ساكن لوعةٍ *** بالساكنيك تَشُبّها ذكراك

لمّا وقفت مسلماً وكأنما *** ريّا الأحبّة سقتُ من ريّاك

وكفت عليكِ سماء عيني صيّباً *** لو كفّ صوب المزن عنك كفاك

سقياً لعهدي والهوى مقضيّة *** أو طاره قبل احتكام نواك

والعيش غضّ والشباب مطيّة *** للهو غير بطيئة الادراك

أيام لا واشٍ يطاع ولا هوى *** يُعصى فنقصى عنك إذ زرناك

وشفيعنا شرخ الشبيبة كلما *** رُمنا القصص من اقتصاص مهاك

ولئن أصارتك الخطوب الى بلىً *** ولحاك ريبُ صروفها فمحاك

فلطالما قضّيت فيك مآربي *** وأبحتُ ريعان الشباب حماك

ص: 328

ما بين حورٍ كالنجوم تزينت *** منها القلائد ، للبدور حواكي

هيف الخصور من القصور بدت لنا *** منها الأهلة لا من الأفلاك

يجمعن من مرح الشبيبة خفّة ال- *** -متغزّلين وعفّة النساك

ويصدن صادية القلوب بأعينٍ *** نُجلٍ كصيد الطير بالإشراك

من كل مخطفة الحشا تحكي الرشا *** جيداً وغصن البان لين حراك

هيفاء ناطقة النطاق تشكياً *** من ظلم صامتة البُرين ضناك (1)

وكأنّما من ثغرها من نحرها *** در تباكره بعود أراك

عذبُ الرُضاب كأنّ حشو لئاتها *** مسكاً يعلّ به ذرى المسواك

تلك التي ملكت عليّ بدلّها *** قلبي فكانت أعنف الملاك

إن الصبى يا نفس عزّ طلابه *** ونهتك عنه واعظات نُهاك

والشيب ضيف لا محالة مؤذنٌ *** برداك فاتبعي سبيل هداك

وتزوّدي من حبّ آل محمّد *** زاداً متى أخلصته نجّاك

فلنعم زاداً للمعاد وعدّةٌ *** للحشر إن علقت يداك بذاك

وإلى الوصيّ مهمُ أمرك فوّضي *** تَصِلي بذاك إلى قصيّ مناك

وبه ادرئي في نحر كل ملمة *** وإليه فيها فاجعلي شكواك

وبحبّه فتمسكي أن تسلكي *** بالزيغ عنه مسالك الهلاك

لا تجهلي وهواه دأبك فاجعلي *** أبداً وهجر عداه هجر قلاك

فسواء انحرف امرؤ عن حبّه *** أو بات منطوياً على الإشراك

وخذي البرائة من لظى ببراءة *** من شانئيه وأمحضيه هواك

وتجنّبي إن شئت أن لا تعطبي *** رأي ابن سلمى فيه وابن صهاكِ

واذا تشابهت الأمور فعوّلي *** في كشف مشكلها على مولاك

خير الرجال وخير بعل نساءها *** والأصل والفرع التقي الزاكي

وتعوّذي بالزهر من أولاده *** من شرّ كل مضلّل أفّاك

ص: 329


1- البرين : بالضم جمع بره : الخلخال.

لا تعدلي عنهم ولا تستبدلي *** بهم فتحظي بالخسار هناك

فهم مصابيح الدُجى لذوي الحجى *** والعروة الوثقى لذي استمساك

وهُم الأدلة كالأهلّة نورها *** يجلو عمى المتحيّر الشكّاك

وهم الصراط المستقيم فأرغمي *** بهواهم أنف الذي يلحاك

وهم الأئمة لا إمام سواهم *** فدعي لتيم وغيرها دعواك

يا أمّة ضلّت سبيل رشادها *** إن الذي استرشدته أغواك

لئن أئتمنت على البريّة خائناً *** للنفس ضيّعها غداة رعاك

أعطاك إذ وطّاك عشوة رأيه *** خدعاً بحبل غرورها دلاك

فتبعته وسخيف دينك بعته *** مغترّة بالنزر من دنياك

لقد اشتريت به الضلالة بالهدى *** لمّا دعاك بمكره فدهاك

وأطعته وعصيت قول محمّد *** فيما بأمر وصيّه وصّاك

خلّفتِ واستخلفتِ من لم يرضه *** للدين تابعة هوى هوّاك

خلتِ اجتهادك للصواب مؤدّياً *** هيهات ما أدّاك بل أرداك

ولقد شققت عصا النبي محمد *** وعققتِ من بعد النبي أباك

وغدرتِ بالعهد المؤكد عقده *** يوم « الغدير » له فما عذراك

فلتعلمنّ وقد رجعت به على الا *** عقاب ناكصةً على عقباكِ

اعن الوصيّ عدلتِ عادلةً به *** من لا يساوي منه شسع شراك؟!

ولتسألنّ عن الولاء لحيدر *** وهو النعيم شقاك عنه ثناكٍ

قستِ المحيط بكل علمٍ مشكلٍ *** وعرٍ مسالكه على السلاك

بالمعتريه - كما حكى - شيطانه *** وكفاه عنه بنفسه من حاكي

والضارب الهامات في يوم الوغى *** ضرباً يقدّ به إلى الأوراك

إذ صاح جبريل به متعجّباً *** من بأسه وحسامه البتّاك

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتىً *** إلا عليّ فاتَك الفتّاك

بالهارب الفرّار من أقرانه *** والحرب يذكيها قناً ومذاكي

والقاطع الليل البهيم تهجّداً *** بفؤاد ذي روع وطرفٍ باكي

ص: 330

بالتارك الصلوات كفراناً بها *** لولا الرياء لطال ما راباك

ابعد بهذا من قياس فاسدٍ *** لم تأت فيه امّة مأتاكِ

أوَ ما شهدتِ له مواقف أذهبت *** عنك اعتراك الشك حين عراك؟!

من معجزات لا يقوم بمثلها *** إلا نبي أو وصي زاكي

كالشمس إذ ردّت عليه ببابل *** لقضاء فرض فائت الإدراك

والريح إذ مرّت فقال لها : احملي *** طوعاً وليّ اللّه فوق قواك

فجرت رخساءً بالبساط مطيعة *** أمر الإله حثيثة الايشاك

حتى إذا وافى الرقيم بصحبه *** ليزيل عنه مرية الشكاكِ

قال : السلام عليكم فتبادروا *** بالرد بعد الصمت والإمساك

عن غيره فبدت ضغاين صدر ذي *** حنقٍ لستر نفاقه هتّاك

والميت حين دعا به من صرصر *** فأجابه وأبيت حين دعاك

لا تدّعى ما ليس فيك فتندمي *** عند امتحان الصدق من دعواك

والخفّ والثعبان فيه آية *** فتيقظي ياويك من عمياك

والسطل والمنديل حين أتى به *** جبريل حسبك خدمة الأملاك

ودفاع أعظم ما عراك بسيفه *** في يوم كلّ كريهة وعراك

ومقامه - ثبت الجنان - بخيبر *** والخوف إذ وليت حشو حشاك

والباب حين دحى به عن حصنهم *** سبعين باعاً في فضا دكداك

والطائر المشويّ نصرٌ ظاهرٌ *** لولا جحودك ما رأت عيناك

والصخرة الصما وقد شفّ الظما *** منها النفوس دحى بها فسقاك

والماء حين طغى الفرات فأقبلوا *** ما بين باكيةٍ إليه وباكي

قالوا : أغثنا يابن عمّ محمد *** فالماء يؤذننا بوشك هلاك

فأتى الفرات فقال : يا أرض ابلعي *** طوعاً بأمر اللّه طاغي ماك

فأغاصه حتى بدت حصباؤه *** من فوق راسخة من الأسماك

ثمّ استعادوه فعاد بأمره *** يجري على قدر ففيم مراك!؟

مولاك راضيةً وغضبى فاعلمي *** سيّان سخطك عنده ورضاك

ص: 331

يا تيم تيّمك الهوى فأطعته *** وعن البصيرة يا عديّ عداك

ومنعت إرث المصطفى وتراثه *** ووليته ظلماً فمن ولاكٍ؟!

وبسطت أيدي عبد شمس فاغتدت *** بالظلم جاديةً على مغناك

لا تحسبيكِ بريئة مما جرى *** واللّه ما قتل الحسين سواكِ

يا آل أحمد كم يكابد فيكم *** كبدي خطوباً للقلوب نواكي

كبدي بكم مقروحة ومدامعي *** مسفوحة وجوى فؤادى ذاكي

وإذا ذكرت مصابكم قال الأسى *** لجفوني : اجتنبي لذيذ كراكِ

وابكي قتيلاً بالطفوف لأجله *** بكت السماء دماً فحقّ بكاك

إن تبكهم في اليوم تلقاهم غداً *** عيني بوجهٍ مسفرٍ ضحّاك

يا ربّ فاجعل حبهم لي جنةً *** من موبقات الظلم والاشراك

واجبر بها الجبرى ربّ وبَرّهِ *** من ظالمٍ لدمائهم سفاك

وبهم - إذا أعداء آل محمد *** غلقت رهونهم - فجدُ بفكاكِ (1)

ص: 332


1- شعراء الغدير ج 4 ص 313.
ابن جبر

ابن جبر المصري أحد شعراء مصر على عهد الخليفة الفاطمي المستنصر باللّه ، المولود سنة 420 والمتوفى سنة 487 كذا ذكر الشيخ الأميني في ( الغدير ).

وقال السيد الأمين في الاعيان ج 15 ص 262 :

جبر الجبري شاعر آل محمد صلی اللّه علیه و آله ، شاعر مجيد له قصيدة في مدح أهل البيت من جيد الشعر يستشهد ابن شهر اشوب في المناقب بأبيات منها.

ص: 333

ص: 334

الفهرس

لشعراء القرن الرابع

الموضوع / صفحة

منصور بن سلمة الهروي ... 9

أبو بكر بن دريد

شعره ، ترجمته ، تشيّعه ، مقصورته في الحكم والآداب ... 10

أحمد بن محمد بن الحسن الصنوبري

طائفة من شعره في أهل البيت (عليهم السلام) ترجمته ن منتخبات من أشعاره... 19

علي بن أصدق الحائري

بعض الشعراء الكوفيين ... 34

أبو الحسن السري بن أحمد الرفاء الموصلي

شعره في الحسين (عليه السلام) ترجمته ، شعره في الصناعة ... 36

ص: 335

الموضوع / صفحة

محمود بن الحسين بن السندي شاهك

شعره في الحسين ترجمته... 40 - 45

طلحة بن عبيد اللّه العَوني المصري

شعره في الحسين - ترجمته... 47

أبو القاسم الزاهي الشاعر

شعره ، ترجمته... 51

الأمير أبو فراس الحمداني

ترجمته ، نماذج من شعره ، قصيدته الشافية ، روائع من نظمه في الوفاء والاخوان... 61

ترجمته عقيل بن ابي طالب والدفاع عن كرامته... 70

لون من غزل ابي فراس وأحاسيسه... 71

محمد بن هاني الأندلسي

روائع من منظومه وقصائده... 74

ترجمته ونماذج من روائعه ، قصائده في مدح المعزّ لدين اللّه الفاطمي يصف انتصاره على الروم 78

الناشي الصغير

قصائده في الحسين علیه السلام ، ترجمته ، ... 102

قصائده في مدح أمير المؤمنين علیه السلام وتعداد المناقب ... 108

ص: 336

الموضوع / صفحة

ايضاح عن الناشي الكبير وشيء من أحواله ... 114

الأمير محمد بن عبد اللّه السوسي

طائفة من شعره في الحسين ، ترجمته ... 116

سعيد بن هاشم الخالدي

شعره ، ترجمته ، اشارة للخباز البلدي ... 120

الأمير تميم بن الخليفة الفاطمي

شعره ، رده على عبداللّه بن المعتز ... 123

علي بن أحمد الجرجاني الجوهري

شعره في الحسين ، ترجمته ، نظمه في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 130

الصاحب بن عباد

رثاؤه للحسين ومدحه للامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 133

أحواله ، مكارمه ، أريحيته ، فتوته ، سخاؤه ، أدبه... 145

طائفة من أشعاره ، أخباره ، نوادره... 147

محمد بن هاشم الخالدي

شعره ، أحواله... 152

الحسين بن الحجّاج

شعره وطرائفه ، شعره في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 155

ص: 337

الموضوع

صفحة

قصيدته التي أنشدها في حرم امير المؤمنين بالنجف الأشرف وإكرام الامام له... 157

قصيدته في الرّد على ابن سكرة ، السيد الرضي يرثيه ... 159

علي بن حماد العبدي

قصائده في الحسين (عليه السلام) ترجمته وعدد من قصائده من ص 162 - 198 ... 161

أحمد بن الحسين بديع الزمان الهمداني

الرثاء في الحسين (عليه السلام) ... 199

ترجمته ، ألوان من شعره ، عقيدته ومذهبه... 201

الشريف الرضي

قصيدته في الحائر الحسيني بكربلاء المقدسة... 206

غرر الشعر في يوم كربلاء وما نظمه في يوم عاشوراء... 209

نسب الشريف وكبر النفس ، اقوال في آبائه وعزة نفسه... 216

اشعاره في الفخر والحماسة ، روائعه التي سارت مسير الامثال... 221

تحقيق حول قبر السيدين المرتضى والرضي... 227

ص: 338

الموضوع / صفحة

شعراء القرن الخامس الهجري...231

أبو نصر بن نباتة

ترجمته ، من أشتهر بابن نباتة غيره... 222

المهيار الديامي

رثاؤه للحسين ، ترجمته واعتزازه بنسبه ، اتهامه بالشعوبية والدفاع عنه ... 234

روائعه في اهل البيت علیهم السلام ... 238

الشريف المرتضى

ألوان من رثائه لجدّه الشهيد ... 256

حياته ، مواهبه ، مؤلفاته تعداد مآثره ومفاخره ... 266

النفس الثائرة ، قطع من أدبه ونتف من روائعه... 270

أبو العلاء المعري

شعره في الحسين ، تشيّعه وأدبه... 298

اخبار وآثاره ، آراؤه وأفكاره ، اقوال المؤرخين فيه ... 301

اقوال الفلاسفة واراؤهم فيه ، نموذج من أشعاره ... 306

مؤلفاته ودواوينه ، شعره العقائدي ... 310

زيد بن سهل الموصلي النحوي

شعره في الحسين (عليه السلام) ... 315

ص: 339

الموضوع / صفحة

ترجمته ، طائفة من أشعاره بأهل البيت (عليهم السلام) ... 317

احمد بن عبد اللّه ( بن زيدون )

شعره ، ترجمته قطعه من شعره في العتاب ... 319

الأمير عبد اللّه بن محمد بن سنان الخفاجي

شعره وترجمته... 322

أحمد بن أبي منصور القطان

شعره ، ونبذة من ترجمته... 325

ابن جبر المصري

رائعته في الحسين (عليه السلام) ... 328

نبذة من سيرته... 332

ص: 340

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 341

المجلد 3

هوية الکتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 317

الکتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء الثالث

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

المقدمة

بِسمِ الله الرَحمنِ الرَحيمِ

هذا هو الجزء الثالث من موسوعة شعراء الحسين علیه السلام أو أدب الطف ، وكنت على موعد مع القراء أن أوافيهم بالجزء الثالث وهو يحمل بين دفتيه شعراء القرون الثلاثة : السادس - السابع - الثامن ، ولكن العلم لا نهاية له ، وافق البحث والتنقيب كأفق الكون يتمدد ويتسع ( والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون ) ، ومن حيث اريد ولا اريد اتسع البحث حول القرن السادس واذا به يحتلّ المكان ولا يترك مكاناً لتالييه.

والحق اني كتبت الجزئين السابقين ولم اهيء نفسي كما يجب وانما تنبهت بعد لخطورة البحث وعظم المسؤولية ، ولا أبالغ اذا قلت اني نخلت اكثر من خمسين ديواناً من دواوين الشعراء في القرون المتقدمة وقرأت كل بيت من أبياتها عسى أن يكون هناك بيت يخصّ الموضوع ، وسبرت كثيراً من الدواوين ، وتركتها والنفس غير طيبة بفراقها ، تركتها والامل لم يزل متصل بها والحسرة تتبعها ذلك أني لا أُؤمن أن أمثال اولئك الشعراء الفطاحل لم ينظموا في يوم الحسين مع ما عرفوا به من الموالاة والمفاداة لأهل البيت صلوات الله عليهم ، فهل تعتقد أن أمثال أبي تمام والفرزدق وابن الرومي والبحتري

ص: 5

والحسين الطغرائي وصفي الدين الحلي والمتني واضرابهم لم يقولوا في الحسين ولم يذكروا يومه ويتأثروا بموقفه البطولي مع أن يوم الحسين هزّ العالم هزاً عنيفاً لا زال صداه يملأ الافاق.

ان الكثير من تراثنا الادبي ضاع وأهمل وغطت عليه يد العصبية في الاعصر الاموية وتوابعها في عصور الجهل والعقلية المتحجرة ، يدلك على ذلك ما تقرأه من نصوص الادب ودواوين الشعراء أمثال ديوان كعب بن زهير الذي نشرته دار القومية للطباعة والنشر في الجمهورية العربية المتحدة وعندما جاء على قصيدة كعب التي أولها :

هل حبل رملة قبل البين مبتور *** أم أنت بالحلم بعد الجهل معذور

روى لنا الشارح عن كتاب ( منتهى الطلب من أشعار العرب ) المجلد الاول ص 10 من مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 53 ما نصه : وقال كعب يمدح أمير المؤمنين علياً علیه السلام . وكانت بنو امية تنهى عن روايتها وإضافتها الى شعره. انتهى.

وعندما تقف على قصيدة عوف بن عبدالله - من شعراء القرن الاول الهجري والتي يستنهض بها التوابين لأخذ ثار الحسين علیه السلام وأولها.

صحوت وقد صحّ الصبا والعواديا - وقلت لاصحابي أجيبوا المناديا.

يقول المرزباني في معجم الشعراء ما نصه : وكانت هذه المرثية تخبّأ ايام بني أميّة ، وانما خرجت بعد ذلك.

وحسبك إذ تسأل التاريخ لم ضاع اكثر شعر ابراهيم بن العباس الصولي في أوائل العهد العباسي ولَم جمع كل شعر له يتضمن الثناء على أهل البيت فاحرقه بالنار ، ولم ضاعت قصيدته التي تزيد على مائتي بيتاً والتي أنشدها

ص: 6

بين يدي علي بن موسى الرضا علیه السلام فلم يحفظ الناس منها الا مطلعها وهو :

أزال عزاء القلب بعد التجلّدِ *** مصارع أبناء النبي محمد

واسأل التاريخ لماذا يُنبش قبر منصور النمري في عهد هارون الرشيد ألأنه قال :

آل النبي ومن يحبهمُ *** يتطامنون مخافة القتل

أمنوا النصارى واليهود وهم *** من أُمّة التوحيد في أزلِ

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

المؤلف

ص: 7

ص: 8

الأبيُوردي الأموي

اشارة

محمد بن احمد الابيوردي الاموي القائل في رثاء الحسين علیه السلام من قصيدة :

وجدّي وهو عنبسة بن صخرٍ *** بريء من يزيد ومن زياد (1)

وفي معجم الادباء ج 6 ص 342 قال : ورثى الحسين علیه السلام بقصيدة قال فيها ومن خطه نقلت :

فجدي - وهو عنبسة بن صخرٍ - *** بريء من يزيد ومن زياد

أقول وجدّه الذي يفخر به هو عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن ابي سفيان وهو صخر بن حرب بن امية.

ص: 9


1- الاعيان ج 1 القسم الثاني ص 194.

ابو المظفر محمد بن احمد بن محمد بن احمد الاموي المعاوي الشاعر الابيوردي (1) مات باصبهان 20 ربيع الاول سنة 507.

قال ابو الفتح البستي يرثيه :

اذا ما سقى الله البلاد وأهلها *** فخصّ بسقياها بلاد أبيورد

فقد أخرجت شهما خطيراً بأسعد *** مُبرَّاً على الاقران كالأسد الوردي

فتى قد سرت في سرّ أخلاقه العُلى *** كما قد سرت في الورد رائحة الورد

و ( الابيوردي ) نسبة الى أبيورد بفتح أوله وكسر ثانية وياء ساكنة وفتح الواو وسكون الراء ودال مهملة ، مدينة بخراسان وأصله من كوفن قرية من قرى ابيورد بين ( نسا ) وأبيورد.

قال ياقوت كان إماماً في كل فّنٍ من العلوم عارفا بالنحو واللغة والنسب والاخبار ، ويده باسطة في البلاغة والانشاء وله تصانيف في جميع ذلك وشعره سائر مشهور.

أقول : نقلنا هذا عن الاعيان ج 43 ص 261 وترجمه الشيخ القمي في الكني والالقاب فقال :

كان راوية نسابة وكان يكتب في نسبه : المعاوي ينسب الى معاوية الاصغر في عمود نسبه ، له ديوان ومقطعات.

وكانت وفاته مسموما بأصبهان.

ص: 10


1- ينتهى نسبه الى عثمان بن عنبسه بن ابي سفيان صخر بن حرب الأموي.

وقال صاحب اعلام العرب : جاء الى بغداد وتولى فيها الاشراف على خزانة دار الكتب بالنظامية بعد القاضي أبي يوسف بن سليمان الاسفرائني المتوفى سنة 498 ه- وخاف أخيراً من سعي أعدائه عند الخليفة المستظهر العباسي احمد بن المقتدى المتوفى سنة 512 ه- لاتهامه بهجو الخليفة ومدح صاحب مصر ففرّ الى همذان ، ثم سكن أصفهان حتى توفي فجأة أو مسموماً سنة 507 ه.

وأخذ الابيوردي عن جماعة ، وذكروا أنه كان من أخبر الناس بعلم الانساب ، متصرفاً في فنون جمّة من العلوم ، وافر العقل ، كامل الفضل وكان فيه تيه وكبرياء ، وعلو همة ، وكان يدعو « اللهم ملّكني مشارق الارض ومغاربها »!! وقد حصل من انتجاعه بالشعر من ملوك خراسان ووزرائهم ، ومن خلفاء العراق وأمرائهم ، ما لم يحصل لغيره! ومع هذا فهو يشكو كثيراً في شعره. وممن مدحهم سيف الدولة صدقة في الحلة الذي أغدق عليه الصلات والهبات.

له ديوان مطبوع مشهور قسمه الى : « العراقيات والنجديات والوجديات » وله تصانيف كثيرة منها كتاب ما اختلف ائتلف في أنساب العرب ، تاريخ أبيورد ونسا ، قبسة العجلان في نسب آل أبي سفيان ، الطبقات في كل فن ، تعلَّة المشتاق الى ساكني العراق. كتاب المجتنى من المجتبى في الرجال ، نهزة الحافظ ، كوكب المتأمل - يصف فيه الخيل ، تعلَّة المقرور يصف فيه البرد والنيران ، الدرة الثمينة ، صهلة القارح يرد فيه على المعري ، زاد الرفاق.

1 - ديوانه ، طبع بالمطبعة العثمانية بلبنان سنة 1317 ه- مرتب على الحروف.

2 - زاد الرفاق في المحاضرات ، يقع في 319 ورقة ، مصور عن نسخة دار الكتب المصرية وهو يشبه محاضرات الراغب الاصبهاني.

ص: 11

ملاحظة :

جاء في الديوان وفي وفيات الاعيان ان وفاته كانت سنة 557 ولكن الاكثر على أنها سنة 507 كما في معجمي الادباء والبلدان وأبي الفداء ومرآة الزمان.

ومن شعره كما في الكنى والالقاب :

تنكّر لي دهري ولم يدر أنني *** أعزّ وأحوال الزمان تهون

وظلّ يريني الخطب كيف اعتداؤه *** وبتُّ أُريه الصبر كيف يكون

كان فيه تيه وكبر وعزّة نفس ، كتب مرة رقعة الى المستظهر بالله العباسي ، ختمها بكلمة : الخادم المعاوي.

فكره الخليفة النسبة الى معاوية واستبشعها ، فكشط الميم من المعاوي فصارت : الخادم العاوي ، وردّ الرقعة اليه.

وجاء في روضان الجنات : محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن محمد بن اسحاق الحربي الاموي المعروف بالابيوردي الشاعر اللغوي ، كان كما نقل عن السمعاني او حد عصره وفريد دهره في معرفة اللغة والانساب وغير ذلك وكان قويّ النفس ، ومن شعره :

يا من يساجلني وليس بمدركٍ *** شأوي وأين له جلالة منصبي

لا تتعبنَ فدون ما أملته *** خرط القتادة وامتطاء الكوكب

المجد يعلم أينا خيرٌ أباً *** فأسأله تعلم ايّ ذي حسب أبي

جدي معاوية الاغرٌّ سمت به *** جرثومة من طينها بغض النبي

وورثته شرفا رفعت مناره *** فبنو أميّة يفخرون به وبي

ومن شعره ما رواه ابن خلكان

ملكنا أقاليم البلاد فاذعنت *** لنا رغبة أو رهبة عظماؤها

ص: 12

فلما انتهت أيامنا علقت بنا *** شدائد أيام قليل رخاؤها

وكان الينا في السرور ابتسامها *** فصارت علينا بالهموم بكاؤها

وصرنا نلاقي النائبات بأوجه *** رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها

لمحة عن معاوية الثاني

أقول انه يفتخر بجده معاوية الاصغر وكان كما قال الخوارزمي : باراً فاضلاً. وهو ولي عهد ابيه ، خطب الناس فقال : ايها الناس ، ما انا بالراغب في التأمير عليكم ولا بالامن من شركم. وإن جدي معاوية نازع من كان أولى به في قرابته وقدمه ، أعظم المهاجرين قدراً ، ابن عم نبيكم وزوج ابنته ومنها بقية النبيين وسلالة خاتم النبيين. فركب منه جدي ما تعلمون وركبتم معه ما لا تجهلون حتى نزلت به منيّته فتجاوز الله عنه ، ثم تقلّد أمره أبي وكان غير خليق للخلافة فقلّت مدَّته وانقطعت آثاره وصار حليف حفرته وأعماله ، ولقد أنسانا الحزنُ له الحزنَ عليه. فيا ليت شعري هل اقيلت عثراته وهل اعطي أمنيته ، أم عوقب باسائته فانا لله وانا اليه راجعون ، ثم صرت انا ثالث القوم والساخط فيما أرى اكثر من الراضي ، وما كنت لاحتمل اثامكم والقى الله بتبعاتكم فشأنكم بأمركم.

فقال مروان : يا ابا ليلي سنة عمرية ، فقال يا مروان تخدعني عن ديني ، أئتني برجال كرجال عمر اجعل الأمر بينهم شورى ، والله لئن كانت الخلافة مغنما فلقد أصابنا منها حظ ، وإن كانت شراً فحسب آل ابي سفيان ما أصابوا منها ، ثم نزل. فقالت له امه : يا بني ليتك كنت حيظة في خرقة ، فقال : وانا وددت ذلك يا اماه ، أما علمت ان لله تعالى ناراً يعذّب بها من عصاه وأخذ غير حقه ، فعاش اربعين يوماً ومات. وقيل له : اعهد الى من أحببتَ فإنا له سامعون مطيعون ، فقال : اتزوّد مرارتها واترك لبني امية حلاوتها. وكان له مؤدب يميل الى علي فظن به آل ابي سفيان انه دعاه الى

ص: 13

هذه الخطبة ، فاخذوه بعد موته ( أي بعد معاوية ) فدفنوه حياً. يقول الدميري في حياة الحيوان :

ان بني امية قالوا لمؤدبه عمر المقصوص : انت علّمته هذا ولقّنته اياه وصددته عن الخلافة وزّينت له حبَ علي وأولاده وحملته على ما وسمنا به من الظلم وحسّنتَ له البدع حتى نطق بما نطق وقال ما قال فقال : والله ما فعلت ولكنه مجبول ومطبوع على حبّ علي ، فلم يقبلوا منه ذلك واخذوه ودفنوه حياً حتى مات.

ألوان من شعر الأبيوردي

قال وقد أورده ياقوت الحموي في معجم الادباء

وعليلة الالحاظ ترقد عن *** صبٍّ يصافح جفنه الأرقُ

وفؤاده كسوارها حرج (1) *** ووساده كوشاحها قلق

عانقتها والشهب ناعسة *** والافق بالظلماء منتطق (2)

ولثمتها والليل من قصرٍ *** قد كاد يلثم فجره الشفق

بمعانق ألِفَ العَفافَ : به *** كرمٌ باذيال التقى علِق

ثم افترقنا حين فاجأنا *** صبح تقاسم ضوءه الحدق

وبنحرها من أدمعي بلل *** وبراحتي من نشرها عبَق

ومن روائعه قوله :

وهيفاء لا أصغي الى من يلومني *** عليها ويغريني بها أن أعيبها

أميل باحدى مقلتي إذا بدت *** اليها وبالأخرى أراعي رقيبها

وقد غفل الواشي ولم يدر أنني *** أخذت لعيني من سليمي نصيبها

ص: 14


1- أي ضيق.
2- أي محاط.

وللأبيوردي كما كان في الأعيان :

يلقى الزمان الى كف معوّدة *** في ندوة الحي تقبيلا وإرفادا

محسد الجد لم تطلع ثنيته *** إن المكارم لا يعد من حسادا

يا خير من وخدت إيدي المطيّ به *** من فرع خندف آباء وأجدادا

رحلت فالمجد لا ترقى مدامعه *** ولم ترقّ علينا المزن أكبادا

وضاع شعر يضيق الحاسدون به *** ذرعاً وتوسعه الايام انشادا

فلم أهب بالقوافي بعد بينكم *** ولا حمدت وقد جرّبتُ أجوادا

لا يخضعون لخطب إن ألم بهم *** وهل تهزَّ الرياح الهوج أطوادا

وله وقد رواه الحموي :

ومتّشح باللؤم جاذبني العلا *** فقدّمه يسرٌ وأخّرني عسرُ

وطوّقت أعناق المقادير ما أتى *** من الدهر حتى ذلّ للعجز الصدر

ولو نيلت الارزاق بالفضل والحجى *** لما كان يرجو أن يثوب له وفر

فيا نفس صبراً إن للهم فرجة *** فما لك إلا العز عندي أو القبر

ولي حسب يستوعب الأرض ذكره *** على العدم والاحساب يدفنها الفقر

وقوله كما رواه الحموي :

خطوب للقلوب بها وجِيبُ *** تكاد لها مفارقنا تشيبُ

نرى الأقدار جارية بأمر *** يريب ذوي العقول بما يَريب

فتنجح في مطالبها كلاب *** وأسد الغاب ضارية تخيب

وتُقسم هذه الأرزاق فينا *** فمأ ندري أتخطي أم تصيب

ونخضع راغمين لها اضطراراً *** وكيف يلاطم الإشفى (1)لبيب

وأنشد السمعاني له كما في معجم الأدباء :

كُفَّي أميمة غرب اللوم والعذل *** فليس عرضي على حالٍ بمبتذلِ

ص: 15


1- الاشفى ، المثقب.

إن مسَّني العُدْمُ فاستبقي الحياء ولا *** تكلفيني سؤال العُصبة السفل

فشعر مثلي وخير القول أصدقه *** ما كان يفتر عن فخر وعن غزل

أما الهجاء فلا أرضى به خلقاً *** والمدح إِن قلته فالمجد يغضب لي

وله كما في معجم الأدباء :

علاقة بفؤادي أعقبت كمداً *** لنظرة بِمنى أرسلتها عرضا

وللحجيج ضجيج في جوانبه *** يقضون ما أوجب الرحمن وافترضا

فأيقظ القلب رعباً ما جنى نظري *** كالصقر ندّاه ظلُّ الليل فانتفضا

وقد رمتني غداة الخيف غانية *** بناظرٍ إن رمى لم يُخطىء الغرضا

لما رأى صاحبي ما بي بكى جزعاً *** ولم يجد بمنىً عن ُخلَّتي عوضا

وقال دع يا فتى فهرٍ فقلتُ له *** يا سعدُ أودعَ قلبي طرفُها مرضا

فبتُّ أشكو هواها وهو مرتفقٌ *** يشوقه البرق نجدياً إذا ومضا

تبدو لوامعه كالسيف مختضباً *** شباه بالدم أو كالعرق إن نبضا

ولم يُطق ما أعانيه فغادرني *** - بين النقا والمصلّى عندها - ومضى

ومن مفرداته :

لم يعرف الدهر قدري حين ضيعني *** وكيف يعرف قدر اللؤلؤ الصدف

وفي خريدة القصر للعماد الاصبهاني : الابيوردي هو محمد بن احمد بن محمد القرشي الاموي ابو المظفر شاعر في طليعة شعراء العربية وإن لم ينل حظّه من الدراسة والبحث ، وهو مؤرخ وعالم بالانساب ، وله ديوان شعر مطبوع وقد اختار البارودي طائفة كبيرة من شعره في مختاراته ، وكان طموحاً ولعل هذا هو سبب قتله.

ص: 16

وقال الابيوردي مفتخراً بنفسه :

تقول ابنة السعدي وهي تلومني *** أما لك عن دار الهوان رحيلٌ (1)

فإن عناء المستنيم (2) الى الأذى *** بحيث يذلُّ الاكرمون طويل

فثب وثبةً فيها المنايا أو المنى *** فكل محبٍّ للحياة ذليل

وإن لم تطقها فاعتصم بابن حرةٍ *** لهمّته فوق السماك مقيل

يعين على الجُلّى ويستمطر الندى *** على ساعةٍ فيها النوال قليل

فَللموتُ خيرٌ للفتى من ضَراعةٍ *** تردُّ إليه الطرف وهو كليل

وما علمت أن العَفاف سجيّتي *** وصبري على ريب الزمان جميل

أبى لي أن أغشى المطامع منصبي (3) *** وربي بأرزاق العباد كفيل

وقال أيضاً مفتخراً :

وإني اذا أنكرتني البلاد *** وشِيب رضى أهلها بالغضب

لكا لضيغم الوَرد كاد الهوان *** يدبَّ إلى غابه فاغترب

فشيدتُ مجداً رسا أصله *** أمُتُّ إليه بأمٍّ وأب

ولم أنظم الشعر عجباً به *** ولم أمتدح أحداً من أرب

ولا هزني طمعٌ للقريض *** ولكنه ترجمان الأدب (4)

ورأيت في مجموعة خطية للمرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء في مكتبة كاشف الغطاء العامة برقم 872 أبيات الابيوردي الاموي والتخميس للشيخ محمد رضا النحوي من شعراء القرن الثالث عشر الهجري.

سلا عنكُم مَن ضلَّ عنكم وما اهتدى *** عشيَة آنسنا على ناركم هدى

ص: 17


1- عن جواهر الادب جمع سليم صادر ج 4 ص 190.
2- استنام الى الاذى سكن إليه واطمأن.
3- أصلى.
4- عن جواهر الادب سليم صادر. ج 4 ص 190.

ومذ عادنا الشوق القديم كما بدا *** نزلنا بنعمان الأراك وللندى

سقيط به ابتلَّت علينا المطارفُ

عكفنا به والركب للاين جُثَّمُ *** كأنهمُ طيرٌ على الماء حوَّم

قضوا للكرى حقاً ونومي محرَّم *** فبتُّ أُقاسي الوجد والركب نوَّم

وقد أخذت منا السرى والتنائف

صحا كل ذي شوق من الشوق وارعوى *** وبتُّ أُعاني ما أُعاني من الجوى

أُعلل نفسي بارعواء عن الهوى *** واذكر خوداً ، ان دعاني على النوى

هواها أجابته الدموع الذوارف

تنكّر ربع بعد ميثاء ممحلُ *** عفى رسمه العافي جنوب وشمأل

تعرَّض عنه العين والقلب مقبل *** لها في محاني ذلك الشعب منزل

اذا أنكرته العين فالقلب عارف

وعهدي به والعيش برد منمنم *** به وهو للذات واللهو موسم

ومذ هاجني شوق له متقدم *** وقفت به والدمع أكثره دم

كأنّي من عيني بنعمان راعف

أقول ومن المناسب أن أذكر ما يخطر ببالي ممن مدح أهل البيت من الأمويين ، فمنهم مروان بن محمد السروجي. قال المرزباني في معجم الشعراء ص 321 هو من بني أمية من أهل سروج بديار مضر ، كان شيعياً ، وهو القائل :

يا بني هاشم بن عبد مناف *** إنني مَعكم بكل مكان

أنتم صفوة الإله ومنكم *** جعفر ذو الجناح والطيرانِ

وعليٌ وحمزةٌ أسدُ الله *** وبنتُ النبيّ والحسنان

فلئن كنتُ من أميّة إني *** لبريء منها إلى الرحمنِ

ص: 18

وفي أعيان الشيعة ج 1 القسم الثاني ص 193

مروان بن محمد السروجي المرواني وفاته سنة 460

وفي مطالع البدور ومجمع البحور (1) للقاضي صفي الدين احمد بن صالح اليماني قال : قال بعض الموالين للعترة الطاهرة وهو من بني أمية ( الابيات )

وقال أبو الفرج الأصفهاني : ابو عديّ الأموي شاعر بني أمية وهو عبدالله ابن عمرو بن عدي بن ربيعة بن عبدالعزّى بن عبد شمس كان يكره ما يجري عليه بنو أمية من ذكر علي بن ابي طالب صلوات الله عليه وسبّه على المنابر ويظهر الانكار لذلك فشهد عليه قوم من بني أمية ذلك وانكروا عليه ونهوه عنه فلم ينتهي فنفوه من مكة الى المدينة فقال في ذلك.

شردوا بي عند امتداحي علياً *** ورأوا ذاك فيَّ داءً دوّياً

فور بي لا أبرح الدهر حتى *** تمتلي مهجتي بحبي عليا

وبنيه لحب احمد إني *** كنت أحببتهم لحبي النبيّا

حبَّ دين لا حبّ دنيا وشرّ *** الحب حباً يكون دنياوياً

صاغني الله في الذوابة منهم *** لا زنيماً ولا سنيداً دعياً

عدّوياً خالي صريحا وجدي *** عبد شمس وهاشم أبويا

فسواء عليَّ لست أبالي *** عبشمياً دعيت أم هاشميا (2)

وجاء في كتاب « أدب الشيعة » تأليف عبدالحسيب طه قال : فمن المفاضلة والمدح قول أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي ، وكان شديد التشيع لعلي علیه السلام :

نهاركُم مكابدة وصومُ *** وليلكم صلاةٌ واقتراء

ص: 19


1- الكتاب في مكتبة كاشف الغطاء العامة.
2- 2 - عن مجموعة المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، مكتبة كاشف الغطاء العامة وهي بخطه

بُليتم بالقرآن وبالتزكَّي *** فأسرع فيكُم ذاك البلاء

بكى نجدٌ غداة غد عليكم *** ومكة والمدينة والجواء (1)

وحُق لكل ارض فارقوها *** عليهم - لا أبالكم - البكاء

أأجمعكم وأقواماً سواء *** وبينكُم وبينهم الهواء

وهم أرض لأرجلكم وانتم *** لأرؤسهم وأعينهم سماء!!

ورواها صاحب ديوان المعاني ، واعجام الأعلام ، والأغاني.

وأمر هشام بن عبد الملك عامله على المدينة أن يأخذ الناس بسب اميرالمؤمنين - علي بن ابي طالب - والحسين ، فيقول كثير بن كثير بن عبدالمطلب من كعب بن لؤي بن غالب :

لعن الله مَن يسُبّ علياً *** وحسيناً من سوقة وإمام

أتسبّ المطيّبينَ جدوداً *** والكرام الأخوال والأعمام

طبتَ نفساً وطاب بيتك بيتاً *** أهل بيت النبيّ والإسلام

رحمة الله والسلام عليكم *** كلما قام قائم بسلام

يأمن الطير والظباء ولا يأ *** من رهط النبي عند المقام!!

ص: 20


1- الجواء ، الواسع.

ابن الهباريَّة

أحسين والمبعوث جدك بالهدى *** قسماً يكون الحق عنه مسائلي

لو كنتُ شاهد كربلا لبذلتُ في *** تنفيس كربك جهد بذل الباذل

وسقيتُ حدَّ السيف من أعدائكم *** عَللا وحدّ السمهرىّ البازل

لكنني أُخّرتُ عنك لشقوتي *** فبلابلي بين الغري وبابل

هبني حرمتُ النصر من أعدائكم *** فاقلّ من حزن ودمع سائل

ص: 21

الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي العباسي البغدادي الشاعر المشهور الملقب نظام الدين ، كان شاعراً مجيداً وله اتصال بنظام الملك ، له ديوان شعر كبير في اربع مجلدات ومن غرائب نظمه كتاب ( الصادح والباغم ) وهو على أسلوب ( كليلة ودمنة ) نظمه للامير سيف الدولة صدقة بن دبيس صاحب الحلة. نقل سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ان ابن الهبارية (1) الشاعر اجتاز بكربلا فجعل يبكي على الحسين وأهله وقال يديهأ : - أحسين والمبعوث جدك بالهدى الابيات.

ثم نام في مكانه فرأى رسول الله صلی الله علیه و آله في المنام فقال له يا فلان جزاك الله عني خيراً ، ابشر فان الله تعالى قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين علیه السلام .

توفى بكرمان سنة 504 وعن انساب السمعاني انه توفي سنة 504 والصحيح 509 وقال : له في رثاء الحسين ومدح آل الرسول اشعار كثيرة.

وذكره السيد في الاعيان فقال : ابو يعلى نظام الدين محمد بن محمد بن صالح ابن حمزة بن عيسى المعروف بابن الهبارية الهاشمي العباسي البغدادي قال : وقد طبع كتابه ( الصادح والباغم ) في الهند ومصر وبيروت (2) وقال غيره : هو أحد شعراء بغداد المفُلقين ، لازم خدمة نظام الملك صاحب المدرسة النظامية وأحد وزراء الدولة السلجوقية واتصل بغيره من الرؤساء وشعره في غاية الرقة ولكنه يغلب عليه الهزل والهجاء إلا أنه اذا نظم في الجدّ والحكمة اتى بالعجب كما في كتابه ( الصادح والباغم ) وله كتاب ( الفطنة في نظم كليلة ودمنة ).

ص: 22


1- الهبارية بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة نسبة الى هبار جده لأمه.
2- وهو في نحو 2000 بيتاً نظمها في عشر سنين. وطبع في باريس سنة 1886 م وفي مصر سنة 1292 وفي بيروت سنة 1886 م.

وترجم له العماد الاصفهاني في ( خريدة القصر ) فقال :

الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح ابن الهبّارية العباسي الشاعر وديوان شعره اربعة اجزاء.

وترجم له صاحب دائرة المعارف الاسلامية فقال : ولد في بغداد حوالي منتصف القرن الخامس الهجري ( العاشر الميلادي ) وتعلم في المدارس التي انشئت في ذلك العهد وخاصة في النظامية التي اسسها نظام الملك عام 459 ه- (1067) م ولم يكن يهتم بما كان يجري فيها من المناظرات الكلامية.

قال في خريدة القصر قسم العراق ، وأنشدت له بأصفهان من قصيدة :

أثار جارُ داركَ وهيَ في شرع العلى *** ربعٌ حرامٌ آمنٌ جيرانُهُ

لا يزهدنّك منظري في مَخبَري *** فالبحرُ مِلحُ مياههِ عقيانهُ

ليس القُدودُ ، ولا البرود ، فضيلة *** ما المرء إلا قلبُه ولسانُهُ

وأنشدت له في الباقلاء الأخضر :

فصوصُ زمرُّدٍ في كيس دُرٍّ *** حكَت أقماعها تقليم ظُفرِ

وقد خاط الربيع لها ثياباً *** لها لونان من بِيض وخُضر

وأنشدت له في نظام الملك :

نظام العلى ، ما بالُ قلبك قد غدا *** على عبدك المسكين دون الورى فظا؟

أنا أكثر الورّاد حقاً وحرمة *** عليك ، فما بالي أقلَّهم حظّا؟

وأنشدت له ايضاً :

وإذا سخطتُ على القوافي صغتها *** في غيره ، لأذلها وأهينها

وإذا رضيتُ نظمتها لجلاله *** كيما أشرفها به وأزينها

وقوله من قصيدة :

إنما المال منتهى أمل ألخا *** مِلِ ، والرُدُّ مطلب الأشراف

ص: 23

لا أُحِبّ الفِجَّ الثقيلَ ولو جا *** دَ ببذلِ المِئينَ والآلافِ

وأُحبُّ الفتى يهشُّ الى الضيُّ- *** -ف بأخلاقه العِذاب اللّطاف

أريحياً طَلِقَ المحَيّا حييّاً *** ماءُ أخلاقِهِ من الكبرِ صافِ

ولو اني لو أحظَ منه بغير ال- *** -شمّ شيئاً ، لكان فوق الكافي

ومن قوله :

ومُدلل دقت محاسنُ *** وجهه عن أن تكيَّف

ترك التصنَّعَ للجمَا *** ل ، فكان أظرف للتظرف

لو أن وجه البدر يُش- *** -بهُ وجههُ ما كان يُكسف

الصُّدغ مسكٌ والثنا *** يا لؤلؤ ، والريق قَرقف (1)

والوردُ من وَجَناته *** بأنامِلِ الألحاظ يُقطَف

وله في نوح الحمامة

بي مثلُ ما بك يا حمامَ البانِ *** أنا بالقدود وأنت بالإغصانِ

أعد السَّترم كيفَ شئت ، فإننا *** فيما نجُنُّ من الهوى سياّنِ

لي ما رويت من النَّسيب ، وإنما *** لك فيه حقَّ الشَّدو والألحانِ

قال : وحكي لي : ان ابا الغنائم ابن دارست حمل ابن الهبارية على هجو نظام الملك فأبى ، وقال : هو منعم في حقي فكيف أهجوه؟ فحمله على أن سأل ( نظام الملك ) شيئاً ، صعبت عليه أجابته الى ذلك ، فقال ابن الهبارية :

لا غَروَ إن مَلكَ ( إبنُ إس- *** -حاق ، وساعدَهُ القَدَرَ

وصفت له الدُّنيا ، وخُصَّ *** ( أبو الغنائم ) بالكدَر

فالدّهر كالدّولاب لي- *** -س يدورُ إلا بالبَقَر

فلما سمع ( نظام الملك ) هذه الأبيات ، قال : هذه إشارة الى أنني من

ص: 24


1- 1 - القرقف : الخمر

( طُوس ) فإنّه يقالُ لأهل ( طوس ) « البقر » واستدعاه ، وخلع عليه وأعطاه خمسمائة دينار فقال ابن الهبَّارية ل- ( تاج الملك ) : ألم أقل لك؟ كيف أهجوه ، وإنعامه بلغ هذا الحد الذي رأيته؟

وقال :

يا أيها الصاحبُ الأجلُّ *** إن لم يكن وابلٌ فطل (1)

المالُ فانٍ ، والذَّكرُ باقٍ *** والوَفر فرعٌ ، والعِرض أصلُ

فاجعلهُ دونَ العِيال ستراً *** فالصَّونُ في أن يكون بَذلُ

لا تَحقَرن شاعراً تراهُ *** فَعُقدَة الشًّعرِ لا تُحَلُّ

ومن معانيه الغريبة قوله في الرد على من يقول : ان السفر به يبلغ الوطر :

قالوا أقمتَ وما رزقتَ وإنما *** بالسير يكتسب اللبيب ويُرزقُ

فاجبتهم ما كل سير نافعاً *** الحظ ينفع لا الرحيل المقلق

كم سفرة نفعت وأخرى مثلها *** ضرَّت ويكتسب الحريص ويخفق

كالبدر يكتسب الكمال بسيره *** وبه اذا حرم السعادة يمحِق

وله :

ما صغتُ فيك المدح لكنني *** من غرَّ أوصافك أستملي

تملي سجاياك على خاطري *** فها أنا أكتبُ ما تُملي

وله في ابن جهير لما استوزر ثانية بسبب مصاهرة نظام الملك :

قل للوزير ، ولا تُفزعكَ هيبتهُ *** وإن تعاظمَ واستولى لمنصبه :

لولا ابنة الشيخ ما استوزرتَ ثانية *** فاشكر حراً ، صرت مولانا الوزير به

وقوله :

ما مُنح الانسان من دهره *** موهبةً أسنى من العقل

ص: 25


1- الوابل ، المطر الشديد الضخم القطر ، والطل ، المطر الخفيف يكون له اثر قليل ، وفي التنزيل قوله تعالى ( فان لم يصبها وابل فطل ).

يؤنسُهُ إن مَلَّهُ صاحبُ *** فهو على الوحدة في أهلِ

ما ضرَّهُ عندي ولا عابَهُ *** إن غَلبَته دولةُ الجهلِ

أقول وذكر له العماد في الخريدة كثيراً من الشعر في الهزل والخمر والمجون ورتبّه على الحروف وقد اكتفينا بهذه الباقة من الوان شعره ، قال ابن خلكان : ومحاسن شعره كثيرة وله كتاب نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة ، وديوان شعره كبير يدخل في اربع مجلدات ، ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب كليلة ودمنة ، وهو أراجيز وعدد بيوته الفا بيت ، نظمها في عشر سنين ، ولقد أجاد فيه كل الاجادة ، وسير الكتاب على يد ولده الى الامير ابي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الاسدي صاحب الحلة وختمه بهذه الابيات.

هذا كتابٌ حسنُ *** تحار فيه الفطنُ

أنفقتُ فيه مدّه *** عشر سنين عدّه

منذ سمعتُ باسمكا *** وضعته برسمكا

بيوته ألفانِ *** جميعها معان

لو ظلّ كل شاعر *** وناظم وناثر

كعمر نوح التالد *** في نظم بيت واحد

من مثله لما قدر *** ما كل مَن قال شعر

أنفذته مع ولدي *** بل مهجتي وكبدي

وأنت عند ظني *** أهل لكل مَن

وقد طوى اليكا *** توكلاً عليكا

مشقة شديدة *** وشقة بعيدة

ولو تركت جيت *** سعياً وما ونيت

إن الفخار والعلا *** إرثك من دون الملا

قال : فاجزل عطيته وأسنى جائزته.

ص: 26

الحسين الطغرائي

الحسين الطغرائي (1)

ومبسم ابن رسول الله قد عبثت *** بنو زياد بثغر منه منكوتِ

ص: 27


1- قال ابن خلكان ، والطغرائي بضم الطاء المهملة ، وسكون الغين المعجمة وفتح الراء بعدها ألف مقصورة - هذه النسبة الى من يكتب الطغرى ، وهي الطرّة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه ، وهي لفظة أعجمية.

مؤيد الدين الحسين بن علي الاصفهاني المنشىء المعروف بالطغرائي.

قال الحر العاملي في أمل الأمل : فاضل عالم صحيح المذهب ، شاعر أديب ، قتل ظلماً وقد جاوز ستين سنة ، وشعره في غاية الحسن ، ومن جملته لأمية العجم المشتملة على الآداب والحكم ، وهي أشهر من أن تذكر ، وله ديوان شعر جيد. ثم ذكر بعض اشعاره وذكره ابن خلكان وأثنى عليه وقال : انه كان غزير الفضل لطيف الطبع فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر ، وقال السيد الامين في الاعيان : مؤيد الدين ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الاصبهاني الوزير المنشىء المعروف بالطغرائي من ذرية ابي الاسود الدؤلي. ولد سنة 453 وقتل سنة 514 بأربل عن عمر تجاوز الستين وفي شعره ما يدل على أنه بلغ 57 سنة لأنه قال وقد جاءه مولود.

هذا الصغير الذي وافى على كبر *** أقرَّ عيني ولكن زاد في فكري

سبعٌ وخمسون لو مرَّت على حجرٍ *** لبان تأثيرها في ذلك الحجر

وهو شاعر مجيد وله ديوان شعر مطبوع بمطبعة الجوائب يشتمل على روائع ومبتكرات في المعاني وهو يحتوي على مائتين وسبعة وخمسين قصيدة ومقطوعة تتكون من ألفين وثمانمائة وخمسة وسبعين بيتاً ، وفيها الشيء الكثير من الحكم والوصف والمديح والعتاب والشكوى والحماسة ، ومن ذلك مقطوعتان في ذكر ولائه لأهل البيت علیهم السلام ونقمته على ظالميهم بقوله :

حُبُّ اليهود لآل موسى ظاهر *** وولاؤهم لبني أخيه بادي

ص: 28

وإمامهم من نسل هارون الأولى *** بهم اهتدوا ، ولكل قوم هادي

وأرى النصارى يكرمون محبة *** لنبيهم نجراً من الأعواد

وإذا توالى آل أحمد مسلمٌ *** قتلوه أو وسموه بالإلحاد

هذا هو الداء العياء بمثله *** ضلّت حلوم حواضر وبوادي

لم يحفظوا حق النبيّ محمد *** في آله ، والله بالمرصاد

وكأن هذه القطعة كانت لسان حاله ، فقد رمي بالإلحاد في آخر حياته وقتل بهذه التهمة ومضى شهيداً محتسباً.

وأما القطعة الثانية فهي :

توعدني في حبَّ آل محمد *** وحب ابن فضل الله قوم فأكثروا

فقلت لهم لا تكثروا ودعوا دمي *** يراق على حبي لهم وهو يهدر

فهذا نجاح حاضر لمعيشتي *** وهذا نجاة ارتجي يوم أحشر

وأورد له ابن شهراشوب في المناقب قوله في أهل البيت :

نجوم العلى فيكم تطلعُ *** وغائبها نحوكم يرجعُ

على يستقلُّ فلا يستقرُّ *** به لهما دونكم مضجع

ومن مشهور شعره قصيدته المعروفة بلامية العجم لأن ناظمها عجمي أصبهاني ، نظمها ببغداد سنة 505 واولها :

أصالة الرأي صانتني عن الخطلِ *** وحلية الفضل زانتني لدى العطلِ

وذلك في مقابلة لامية العرب للشنفري العربي التي أولها :

أقيموا بني أمي صدور مطيكم *** فإني إلى قوم سواكم لأميلُ

وقد شرح لامية العجم صلاح الدين بن أيبك الصفدي بشرح مطول يشتمل على جزئين ضخمين ، وقد أوردها ياقوت الحموي في معجم الأدباء بتمامها إعجاباً بها

ص: 29

وكذلك ابن خلكان أوردها بتمامها ، وترجمها بعض المستشرفين الى اللاتينية (1) وشطًّرها وخمَّسها كثيرون ، وأعجبني من ذلك تخميس جرجي افندي نخلة سعد ، من أدباء لبنان ، نشرته مجلة العرفان اللبنانية وأوله :

تركتُ صحبي بين الكأس والغزلِ *** يداعبون ذوات الأعين النُجُلِ

أما أنا ولسان الحق يشهد لي *** أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

وكل التخميس جاء مجارياً لمتانة القصيدة منسجماً معها ، واذا كنا لم نذكره هنا فلا تفوتنا القصيدة فهي حاوية لجملة من الحكم والنصائح وها هي :

أصالة الرأي صانتني عن الخطلِ *** وحلية الفضل زانتني لدى العطل

مجدي أخيراً ومجدي أولاً شَرعٌ *** والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل

فيمَ الإقامة بالزوراء لا سكني *** بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

ناء عن الأهل صِفرَ الكفِ منفرد *** كالسيف عُرّي متناه من الخلل

فلا صديقٌ إليه مُشتكى حزني *** ولا أنيس إليه منتهى جَذَلي

طالِ اغترابي حتى حنًّ راحلتي *** ورحلها وقرى العسالة الذُبُل

وضجَّ من لغَبٍ نضوي وعجّ لما *** يلقى ركابي ولَّج الركب في عذلي

أريد بسطة كفٍ أستعين بها *** على قضاء حقوق للعلى قِبَلي

والدهر يعكس آمالي ويُقنعني *** من الغنيمة بعد الكد بالقَفَل

حُبُّ السلامة يَثني همَّ صاحبه *** عن المعالي ويُغري المرء بالكسل

فإن جنحتَ إليه فاتخذ نَفَقاً *** في الارض أو سُلَّماً في الجوّ فاعتزل

ودعُ غِمار العلى للمقدمين على *** ركوبها واقتنع منهنَّ بالبلل

يرضى الذليل بخفض العيش يخفضه *** والعزّ بين رسيم الأينق الذُلُل

فادرأ بها في نحور البيد حافلةَ *** معارضاتٍ مثاني اللجم بالجُدُل

ص: 30


1- خريدة القصر.

إن العلى حدثتني وهي صادقة *** فيما تُحدّث أن العزّ في النُقل

لو أن في شرف المأوى بلوغَ مُنى *** لم تبرح الشمس يوماً دارةَ الحمَل

أهبتُ بالحظ لو ناديت مستمعاً *** والحظُّ عنيَّ بالجهّال في شُغل

لعله إن بدا فضلي ونقصهُم *** لعينه نام عنهم أو تنبه لي

أعلل النفس بالآمال أرقبها *** ما أضيق العيش لو لا فسحةُ الأمل

لم أرتض العيش والأيام مقبلة *** فكيف أرضى وقد ولّت على عَجَل

غالى بنفسي عرفاني بقيمتها *** فصُنتها عن رخيص القدر مبتذل

وعادة النصل أن يزهو بجوهره *** وليس يعمل إلا في يَدَي بطل

ما كنت أؤثر أن يمتدَّ بي زمني *** حتى أرى دولة الأوغاد والسَفل

تقدمتني أناسٌ كان شوطهم *** وراء خطوي إذا أمشي على مَهَل

هذا جزاءُ أمرىءٍ أقرانه درجوا *** من قبله فتمنّى فُسحةَ الأجل

وإن عَلانيَ مَن دوني فلا عجبٌ *** لي أسوةٌ بانحطاط الشمس عن زُجل

فاصبر لها غير محتالٍ ولا ضجرٍ *** في حادثِ الدهر ما يُغني عن الحيل

أعدى عدوّك أدنى مَن وثقتَ به *** فحاذر الناس واصحبهم على دَخَل

وإنما رجلُ الدنيا وواحدُها *** من لا يُعوّلُ في الدنيا على رجل

غاض الوفاءُ وفاض الغدر وانفرجت *** مسافة الخُلف بين القول والعمل

وحُسنُ ظنك بالأيام معجزةٌ *** فظُنّ شراً وكن منها على وَجَل

وشانَ صدقِك عند الناس كذُبهم *** وهل يطابق معوّجٌ بمعتدل

إن كان ينجع شيء في ثباتهم *** على العهود فسبقُ السيف للعذل

يا وارداً سُؤر عيش كله كدرٌ *** أنفقتَ عمرك في أيامك الأول

فيمَ اعتراضك لجَّ البحر تركبه *** وأنت يكفيك منه مصّة الوشل

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا *** تحتاج فيه إلى الأنصار والخول

ترجو البقاء بدارٍ لا ثَباتَ لها *** فهل سمعتَ بظلٍّ غير منتقل

ويا خبيراً على الأسرار مطلعاً *** أنصت ففي الصمت منجاةٌ من الزلل

قد رشحوّك لأمرِ إن فطِنتَ له *** فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهُمَل

ص: 31

كان وزيراً للسلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل.

وفي معجم الادباء : كان آية في الكتابة والشعر خبيراً بصناعة الكيمياء له فيها تصانيف أضاع الناس بمزاولتها أموالاً لا تحصى وخدم السلطان ملكشاه بن ألب ارسلان وكان منشىء السلطان محمد مده ملكه متولي ديوان الطغراء وصاحب ديوان الانشاء تشرفت به الدولة السلجوقية وتشوفت اليه المملكة الايوبية وتنقَّل في المناصب والمراتب وتولى الاستيفاء وترشح للوزارة ولم يكن في الدولتين السلجوقية والايوبية من يماثله في الانشاء سوى أمين الملك ابي نصر العتبي وله في العربية والعلوم قدم راسخ وله في البلاغة المعجزة في النظم والنثر قال الامام محمد بن الهيثم الاصفهاني : كشف الاستاذ أبو اسماعيل بذكائه سر الكيمياء وفك رموزها واستخرج كنوزها وله فيها تصانيف وذكرها وقوله كان خبيراً بصناعة الكيميا لم يظهر المراد من أهو العلم بصناعتها فقط أم أنه كان يعلم كيفية صنعها وصحت معه فحول المعادن الى ذهب وفضة ربما ظهر من قوله : أضاع الناس بمزاولتها أموالاً لا تحصى الاول ولا صحت معه لاشتهر ذلك وكان ذا ثروة عظيمة وقال ابن خلكان في تاريخه : الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الاصبهاني الطغرئي غزير الفضل لطيف الطبع فاق بصنعة النظم والنثر ، توفي سنة 515 وفي انساب السمعاني.

في المنشي ، هذه النسبة الى انشاء الكتب الديوانية والرسائل والمشهور بهذه النسبة الاستاذ ابو اسماعيل الحسين بن علي بن عبد الصمد المنشي الاصبهاني صدر العراق وشهرة الآفاق وذكر معه رجلا آخر. وفي مرآة الجنان في حوادث سنة 514 فيها توفي الوزير مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني كاتب ديوان الانشاء للسلطان محمد بن ملكشاه كان من أفراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر وهو صاحب لأمية العجم ، وفي أمل الآمل : مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني المنشي المعروف بالطغرائي فاضل عالم صحيح المذهب

ص: 32

شاعر أديب ، قتل ظلماً وقد جاوز ستين سنة وشعره ، في غاية الحسن ومن جملته لامية العجم المشتملة على الآداب والحكم وهي أشهر من أن تذكر وله ديوان شعر جيد اه- وفي الرياض : الشيخ العميد الوزير مؤيد الدين فخر الكتاب ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الاصبهاني المنشي المعروف بالطغرائي الامامي الشهيد المقتول ظلماً الشاعر الفاضل الجليل المشهور صاحب لامية العجم التي شرحها الصفدي بشرح كبير معروف وكان مشهوراً بمعرفة علم الكيمياء ويعتقد صحة ذلك وله فيه تأليف اه- ولاشتهاره بعلم الكيمياء قيل عن لاميته المعروفة بلامية العجم انها رمز الى علم الكيمياء وهو خيال فاسد كما قيل عن كتاب كليلة ودمنة مثل ذلك. وفي تاريخ السلجوقية لعماد الدين محمد بن محمد الاصفهاني بعد ما ذكر مرض السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي ما لفظه : وأما الاستاذ ابواسماعيل الطغرائي فانهم لما لم يروا في فضله مطعنا ولا على علمه من القدح مكمناً أشاعوا بينهم انه ساحر وانه في السحر عن ساعد الحذق وحاسر وأن مرض السلطان ربما كان بسحره وأنه ان لم يصرف عن تصرفه فلا أمن من أمره فبطلوه وعطلوه واعتزلوه وعزلوه اه.

وقال الصفدي في شرح لامية العجم : أخبرني العلامة شمس الدين محمد ابن ابراهيم بن مساعد الانصاري بالقاهرة المحروسة ان الطغرائي لما عزم أخو مخدومه على قتله أمر أن يشد إلى شجرة وأن يوقف تجاه جماعة ليرموه بالسهام ، ففعل ذلك به وأوقف إنساناً خلف الشجرة من غير أن يشعر به الطغرائي وأمره أن يسمع ما يقول : وقال لأرباب السهام : لا ترموه بالسهام إلا إذا أشرت إليكم. فوقفوا والسهام في أيديهم مفوقة لرميه. فأنشد الطغرائي في تلك الحال هذه الابيات :

ولقد أقول لمن يسدّد سهمهُ *** نحوي وأطراف المنيَّة شُرَّعُ

والموت في لحظات أحور طرفه *** دوني وقلبي دونه يتقطَّع

ص: 33

بالله فتّش في فؤادي هل يرى *** فيه لغير هوى الأحبَّة موضع

أهون به لو لم يكن في طيّه *** عهد الحبيب وسرّه المستودع

فلما سمع ذلك رقَّ له وأمر بإطلاقه ذلك الوقت ، ثم أن الوزير عمل على قتله فيما بعد وقتل اه.

فمن شعره ما أورده الحر العاملي في أمل الأمل قوله :

إذا ما لم تكن ملكاً مطاعاً *** فكن عبداً لخالقه مطيعا

وإن لم تملك الدنيا جميعاً *** كان تهواه فاتركها جميعا

هما نهجان من نسكٍ وفتك *** يحلّان الفتى الشرف الرفيعا

وقوله :

يا قلب مالك والهوى من بعد ما *** طاب السلوَّ وأقصر العشاق

أو ما بدا لك في الافاقة والأولى *** نازعتهم كأس الندام أفاقوا

مرض النسيم وصحَّ والداء الذي *** أشكوه لا يرجى له إفراق

وهدا خفوق النجم والقلب الذي *** ضمَّت عليه جوانحي خفَّاق

وفي خريدة القصر للعماد الكاتب انه كتب اليه أبو شجاع ابن أبي الوفاء وكان من معاصريه بأصفهان وهو تائب من شرب الخمر يستهديه شراباً :

يا من سما بجلاله *** فخراً على كل الأنامِ

وغدت مكارم كفه *** تغني العفاة عن الغمام

إن كنت قد نزهت نف- *** -سك عن مساورة المدام

فأسير جودك نحو ما *** نزَّهت نفسك عنه ظام

فامنن عليه بالشرا *** ب وعش سعيداً ألف عام

فالعمر يركض كالسحا *** ب وكل عيش كالمنام

واجلّ ما أدَّخر الفتى *** شكر يبوح على الدوام

ص: 34

فأجابه الاستاذ الطغرائي بقوله :

من تاب من شرب المدام *** ومن مقارفة الحرام

وسمت به النفس العزوب *** عن التورط في الاثام

فاستحي ان تلقاه من- *** -تجعاً لأهداء المدام

وابني أحق بما سال- *** -ت لديه من بلل الأوام

فاستسقه فلديه ما *** يغنيك عن سقي الغمام

واسرق من الأيام حظ- *** -ك من حلال أو حرام

فالدهر ليس ينام عن- *** -ك وأنت عنه في منام

ومن شعره قوله :

جامل عدوك ما استطعت فانه *** بالرفق يطمع في صلاح الفاسد

واحذر حسودك ما استطعت فانه *** إن نمت عنه فليس عنك براقد

ان الحسود وان أراد تودداً *** منه أضر من العدوّ الحاقد

ولربما رضي العدو اذا رأى *** منك الجميل فصار غير معاند

ورضا الحسود زوال نعمتك التي *** أوتيتها من طارفٍ أو تالد

فاصبر على غيظ الحسود فناره *** ترمي حشاه بالعذاب الخالد

أو ما رأيت النار تأكل نفسها *** حتى تعود الى الرماد الهامد

تضفو على المحسود نعمة ربه *** ويذوب من كمد فؤاد الحاسد

وقوله في مدح العلم

من قاس بالعلم الثراء فانه *** في حكمه أعمى البصيرة كاذب

العلم تخدمه بنفسك دائماً *** والمال يخدم عنك فيه نائب

والمال يسلب أو مبيد لحادث *** والعلم لا يخشى عليه سالب

والعلم نقش في فؤادك راسخ *** والمال ظل عن فِنائك ذاهب

هذا على الانفاق يغزر فيضه *** أبداً وذلك حين تنفق ناضب

ص: 35

ومن شعره قوله :

أما العلوم فقد ظفرت ببغيتي *** منها فما احتاج ان أتعلما

وعرفت أسرار الحقيقه كلها *** علماً أنار لي البهيم المظلما

وورثت هرمس سر حكمته الذي *** ما زال ظناً في الغيوب مرجّما

وملكت مفتاح الكنوز بحكمة *** كشفت لي السرَّ الخفيَّ المبهما

لولا التقية كنت أظهر معجزاً *** من حكمتي تشفي القلوب من العمى

أهوى التكرّم والتظاهر بالذي *** علّمته والعقل ينهى عنهما

وأريد لا ألقى غبياً مؤسراً *** في العالمين ولا لبيباً معدما

والناس إما جاهل أو ظالم *** فمتى أطيق تكرّما وتكلّما

وقوله يصف طلوع الشمس وغروب البدر :

وكأنما الشمس المنيرة أذ بدت *** والبدر يجنح للغروب وما غرب

متحاربان لذا مجن صاغه *** من فضة ولذا مجن من ذهب

وقوله :

أيكيّة صدحت شجواً على فنن *** فاشعلت ما خبا من نار أشجاني

فاحت وما فقدت إلفا ولا فجعت *** فذكرتني أوطاري وأوطاني

طليقة من أسار الهمّ ناعمة *** أضحت تجدد وجد الموثق العاني

تشبهت بي في وجد وفي طرب *** هيهات ما نحن في الحالين سيآن

ما في حشاها ولا في جفنها أثر *** من نار قلبي ولا من ماء أجفاني

يا ربّة البانة الغناء تحضنها *** خضراء تلتف أغصانا باغصان

ان كان نوحك إسعاداً لمغتربٍ *** ناء عن الاهل ممني بهجران

فقارضيني اذا ما اعتادني طرب *** وجداً بوجد وسلواناً بسلوان

ما أنت مني ولا يعنيك ما أخذت *** مني الليالي ولا تدرين ما شاني

ص: 36

وقوله :

اقول لنضوي وهي من شجني خلو *** حنانيك قد أدميت كلمي يا نضو

تعالى اقاسمك الهموم لتعلمي *** بأنك مما تشتكي كبدي خلو

تريدين مرعى الريف والبدو ابتغي *** وما يستوي الريف العراقي والبدو

هوى ليس يسلي القرب عنه ولا النوى *** وشجو قديم ليس يشبهه شجو

فاسرٌ ولا فكٌ ووجدٌ ولا أسى *** وسقم ولا برء وسكرٌ ولا صحو

عناء معنّ وهو عندي راحة *** وسمٌ ذعافٌ طعمه في فمي حلو

وقوله :

انظر ترى الجنة في وجهه *** لا ريب في ذاك ولا شك

أما ترى في الرحيق الذي *** ختامه من خاله مسك

وقال يعزى معين الملك عن نكبته :

تَصبّر معين الملك إن عنَّ حادثٌ *** فعاقبة الصبر الجميل جميلُ

ولا تيأسن من صُنع ربك إنني *** ضمين بأن الله سوف يديل

فإن الليالي إذ يزول نعيمها *** تُبشرُ أن النائبات تزول

ألم تر أن الليل بعد ظلامه *** عليه لإسفار الصباح دليل

وأن الهلال النضو يقمر بعدما *** بدا وهو شخت الجانبين ضئيل (1)

فلا تحسبنَّ الدوح يُقلع كلما *** يمرُّ به نفح الصبا فيميل

ولا تحسبنَّ السيف يقصف كلما *** تعاوده بعد المضاء كُلول

فقد يعطف الدهر الأبيُّ عنانه *** فيشفى عليل أو يُبلُّ غليل

ويرتاش مقصوص الجناحين بعد ما *** تساقط ريش واستطار نسيل (2)

ويستأنف الغصن السليب نضارةً *** فيورق ما لم يعتوره ذبول

ص: 37


1- النضو : المهزول ، والشخت الضامر عن غير هزال.
2- النسيل : ما يسقط من الريش.

وللنجم من يعد الذبول استقامة *** وللحظّ من بعد الذهاب قفول

وبعض الرزايا يوجب الشكر وقعها *** عليك وأحداث الزمان شكول

ولا غرو أن أخنت عليك فإنمّا *** يُصادمَ بالخطب الجليل جليل

وأي قناةٍ لم تُرنّح كعوبها *** وأي حسام لم تصبه فلول

أسأت إلى الأيام حتى وترتها *** فعندك أضغان لها وتبول (1)

وما أنت إلا السيف يسكن غمده *** ليشقى به يوم النزال قتيل

أما لك بالصدّيق يوسف أُسوة *** فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل

وما غضّ منك الحبس والذكر سائرٌ *** طليق له في الخافقين ذميل (2)

فلا تذعنن للخطب آدك (3) ثقله *** فمثلك للأمر العظيم حمول

ولا تجزعن للكبل مسك وقعه *** فإن خلاخيل الرّجال كبول

وإن امرءً تعدو الحوادث عرضه *** ويأسى لما يأخذنه لبخيل

ومن شعر الطغرائي في الفخر ما ذكره الزيات في تاريخ الادب العربي

أبى الله أن اسمو بغير فضائلي *** إذا ما سما بالمال كلُّ مسوَّد

وإن كرمت قبلي أوائل أسرتي *** فإني بحمد الله مبدأ سؤددي

وما المال إلا عارة مستردة *** فهلا بفضلي كاثروني ومحتدى

إذا لم يكن لي في الولاية بسطة *** يطول بها باعي وتسطو بها يدي

ولا كان لي حكم مطاع أجيزه *** فأرغم اعدائي وأكبت حسّدي

فاعذر إن قصَّرت في حق مُجتدٍ *** وآمن أن يعتادني كيد معتد

أَأُكفى ولا أكفي؟ وتلك غضاضة *** أرى دونها وقع الحسام المهند

من الحزم ألا يضجرالمرءُ بالذي *** يعانيه من مكروهةٍ فكأن قدِ

إذا جلدي في الأمر خان ولم يُعن *** مريرة عزمي ناب عنه تجلدي

ومن يستعن بالصبر نال مراده *** ولو بعد حين إنه خير مسعد

ص: 38


1- التبول جمع التبل : هو الثأر.
2- الذميل : السير اللين.
3- آدك : اثقلك وأجهدك.

ابو منصور الجواليقي

اشارة

ابو منصور الجواليقي

قال ابن شهراشوب في المناقب : قال الجواليقي في ذم يزيد حين ضرب ثنايا الحسين علیه السلام بالقضيب الخيزران.

واختال بالكبر على ربه *** يقرع بالعود ثناياه

بحيث قد كان نبيٌ الهدى *** يلثم في قبلته فاه

ص: 39

جاء في أعيان الشيعة ج 49 ص 52 :

أبو منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسين الجواليقي البغدادي.

ولد سنة 466 وتوفي يوم الأحد منتصف المحرم سنة 539 ببغداد ودفن بباب حرب وصلى عليه قاضي القضاة الزينبي بجامع القصر.

و ( الجواليقي ) نسبه الى عمل الجوالق أو بيعها. والجواليق جمع جوالق وهو وعاء معروف. وهو معرب جوال بالجيم الفارسية ، لأن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة عربية البتة. قال ابن خلكان : وهي نسبة شاذة لأن الجموع لا ينسب اليها بل إلى آحادها ، إلا في كلمات شاذة محفوظة كأنصاري في النسبة الى الأنصار. والجواليق في جمع جوالق شاذ أيضاً لأن الياء لم تكن في المفرد والمسموع فيه جوالق بضم الجيم وجمعه جوالق بفتحها وهو باب مطرد كرجل حلاحل بضم الحاء أي وقور جمعه حلاحل بفتح الحاء ، وشجر عدامل أي قديم ، جمعه عدامل ، ورجل عراعر أي سيد ، جمعه عراعر ، ورجل علاكد أي شديد ، جمعة علاكد ، وله نظائر كثيرة اه.

( أقوال العلماء فيه )

ذكره ابن الانباري في نزهة الألباء في طبقات الأدباء فقال :

وأما أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي اللغوي فإنه كان من كبار أهل اللغة ، وكان ثقة صدوقاً ، وأخذ عن الشيخ ابي زكريا

ص: 40

يحيى الخطيب التبريزي ، وألف كتباً حسنة وقرأت عليه ، وكان منتفعاً به لديانته وحسن سيرته اه.

وذكره ابن خلكان فقال : أبو منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد ابن الجواليقي البغدادي الأديب اللغوي كان إماماً في فنون الأدب وهو من مفاخر بغداد ، قرأ الأدب على الخطيب ابي زكريا التبريزي يحيى بن علي ولازمه وتلمذ له حتى برع في فنه ، وهو متدين ثقة غزير الفضل وافر العقل مليح الخط كثير الضبط صنَّف التصانيف المفيدة وانتشرت منه مثل شرح أدب الكاتب والمعرّب ، ولم يعمل في جنسه اكثر منه ، وتتمة درة الغواص للحريري سماء التكملة فيما يلحن فيه العامة الى غير ذلك ، وكان يختار في مسائل النحو مذاهب غريبة ، وكان في اللغة أمثل منه في النحو ، وخطه مرغوب فيه يتنافس الناس في تحصيله والمغالاة فيه ، وسمع ابن الجواليقي من شيوخ زمانه واكثر ، وأخذ الناس عنه علماً جماً ، وينسب اليه من الشعر شيء قليل « اه ». وذكره وأباه أحمد السمعاني في الانساب فقال : الجواليقي ابو طاهر احمد بن محمد بن الخضر بن الحسين الجواليقي والد شيخاً ابي منصور كان شيخنا صالحا سديداً ًوابنه الامام ابو منصور موهوب بن ابي طاهر الجواليقي من اهل بغداد كان من مفاخر بغداد بل العراق وكان متديناً ًثقة غزير الفضل وافر العقل مليح الخط كثير الضبط قرأ الادب على ابي زكريا التبريزي والقاضي وابي الفرج البصري وتلمذ لهما وبرع في الفقه وصنف التصانيف وانتشر ذكره وشاع في الآفاق وقرأ عليه اكثر فضلاء بغداد وسمع ابا القاسم علي بن احمد ابن التستري وابا طاهر محمد بن احمد بن ابي الصقر الانباري وابا الفوارس طراد بن محمد الزينبي ومن بعدهم ، سمعت منه الكثير وقرأت عليه الكتب مثل غريب الحديث لابي عبد وامالي الصولي وغيرها من الأخبار المشهورة « اه- ».

وذكره السيوطي في بغية الوعاة فقال : موهوب بن احمد بن محمد ابن

ص: 41

الحسن بن الخضر ابو منصور الجواليقي النحوي اللغوي كان اماماً في فنون الادب صحب الخطيب التبريزي وسمع الحديث من ابي القاسم ابن التستري ( البستري ) وابي طاهر بن ابي الصقر وروى عنه الكندي وابن الجوزي وكان ثقة ديناً غزير الفضل وافر العقل مليح الخطّ والضبط درس الادب في النظامية بعد التبريزي واختص بامامة المقتفي وكان في اللغة أمثل منه في النحو وكان متواضعاً طويل الصمت من أهل السنة لا يقول الشيء الا بعد التحقيق يكثر من قول لا ادري « اه- ».

( اخباره )

قال ابن خلكان : جرت له مع الطبيب هبة الله بن صاعد المعروف بابن التلميذ واقعة عنده وهي انه لما حضر اليه للصلاة به ودخل عليه اول دخله فما زاده على ان قال السلام على اميرالمؤمنين ورحمة الله تعالى فقال له ابن التلميذ وكان حاضراً قائماً بين يدي المقتفي وله ادلال الخاصة والصحية : ما هكذا يسلم على اميرالمؤمنين يا شيخ فلم يلتفت ابن الجواليقي اليه وقال للمقتفي يا اميرالمؤمنين سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية وروى له خبراً في صورة السلام ثم قال : يا اميرالمؤمنين لو حلف حالف ان كافراً لم يصل الى قلبه نوع من انواع العلم على الوجه المرضي لما حنث لأن الله تعالى ختم على قلوبهم ولن يفك ختم الله إلا بالايمان فقال له صدقت وأحسنت فيما فعلت وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع فضله وغزارة ادبه وحكى ولده ابو محمد اسماعيل وكان أنجب اولاده قال كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر والناس يقرؤن عليه فوقف عليه شاب وقال يا سيدي قد سمعت بيتين من الشعر ولم افهم معناهما واريد ان تعرفني معناهما فقال قل فانشده :

وصل الحبيب جنان الخلد اسكنها *** وهجره النار يصليني به النارا

ص: 42

فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة *** ان لم يزرني وبالجوزاء إن زارا

فقال له والدي يا بني هذا شيء من علم النجوم وسيرها لا من صنعة أهل الادب فانصرف الشاب من غير حصول فائدة واستحيا والدي من أن يسأل ما ليس عنده منه علم وقام وآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر فنظر في ذلك وحصل معرفته ثم جلس. ومعنى البيت المسؤول عنه : ان الشمس اذا كانت في آخر القوس كان الليل في غاية الطول لأنه يكون آخر فصل الخريف ، واذا كانت في آخر الجوزاء كان الليل في غاية القصر لانه آخر فصل الربيع : ولبعض شعراء عصره وهو الحيص بيص كما في مختصر الحزيدة للحافظ :

كل الذنوب ببلدتي مغفورة *** إلا اللذين تعاظما ان يغفرا

كون الجواليقي فيها ملقيا *** أدبا وكون المغربي معبرا

فاسير لكنته تمل فصاحة *** وغفول فطنته تعبّر عن كرى

وقال ابن الانباري في النزهة : كان يختار في بعض مسائل النحو مذاهب غريبة وكان يذهب الى ان الاسم بعد لولا يرتفع بها على ما يذهب اليه الكوفيون وكان يذهب الى أن الألف واللام في نعم الرجل ، للعهد على خلاف ما ذهب اليه الجماعة من انها للجنس لا للعهد ، وحضرت حلقته يوماً وهو يقرأ عليه كتاب الجمهرة لابن دريد وقد حكى عن بعض النحويين انه قال اصل ليس ( لا ايس ) فقلت هذا الكلام كأنه من كلام الصوفية فكأن الشيخ أنكر علي ذلك ولم يقل في تلك الحال شيئاً فلما كان بعد ذلك بإيام وقد حضرنا على العادة قال اين ذلك الذي انكر ان يكون اصل ليس لا ايس ، اليس ( لا ) تكون بمعنى ليس فقلت للشيخ ولم اذا كان لا بمعنى ليس يكون اصل ليس لا آيس فلم يذكر شيئاً وكان الشيخ رحمه الله في اللغة أمثل منه في النحو وقال ابن الانباري في ترجمة الحريري القاسم بن علي :

ص: 43

يحكى انه لما قدم بغداد شيخنا ابو منصور موهوب بن احمد الجواليقي والحريري يقرأ عليه كتاب المقامات فلما بلغ في المقامة 21 الى قوله :

وليحشرن اذل من فقع الفلا *** ويحاسبن على النقيصة والشغا

قال الشيخ ابو منصور ما الشغا قال الزيادة ، فقال له الشيخ ابو منصور إنما الشغا اختلاف منابت الأسنان ولا معنى له ها هنا وقال ابن الانصاري أيضاً حكى شيخنا أبو منصور عن الشيخ ابي زكريا يحيى بن علي التبريزي عن ابي الجوائز الحسين بن علي الكاتب الواسطي قال رأيت سنة 414 وأنا جالس في مسجد قبا من نواحي المدينة امرأة عربية حسنة الشارة رائقة الاشارة ساحبة من أذيالها رامية القلوب بسهام جمالها فصلت هناك ركعتين احسنتهما ثم رفعت يديها ودعت بدعاء جمعت فيه بين الفصاحة والخشوع وسمحت عيناها بدمع غير مستدعى ولا ممنوع وأنشأت تقول وهي متمثلة :

يا منزل القطر بعدما قنطوا *** ويا وليَّ النعماء والمنن

يكون ما شئت ان يكون وما *** قدرت أن لا يكون لم يكن

وسألتني عن البئر التي حفرها النبي صلی الله علیه و آله بيده وكان أمير المؤمنين بتناول ترابها منه بيده فأريتها اياها وذكرت لها شيئاً من فضلها ثم قلت لها لمن هذا الشعر الذي انشدتيه منذ الساعة فقالت بصوت شج ولسان منكسر انشدناه حضري لاحق لبدوي سابق وصلت له منا علايق ثم رحلته الخطوب وقد رقت عليه القلوب وان الزمان ليشح بما يشح ويسلس ثم يشرس ولو لا ان المعدوم لا يحسن لقلت ما اسعد من لم يُخلق فتركت مفاوضتها وقد صبت الى الحديث نفسها خوفاً ان يغلبني النظر في ذلك المكان وان يظهر من صبوتي ما لا يخفى على من كان في صحبتي ومضت والنوازع تتبعها وهواجس النفس تشيعها ( اه- ).

ص: 44

تشيعه :

عن صاحب رياض العلماء انه قال فيه : ابن الجواليقي من الامامية واليه اسند الشهيد الثاني رحمه الله في اجازته للحسين بن عبد الصمد والد البهائي واليه ينسب بعض نسخ دعاء السماء ، وقد يطلق على بعض العامة وهو - اي ابن الجواليقي الامامي - الشيخ موهوب بن احمد بن محمد بن الخضر الجواليقي انتهى.

ولعل المراد بالجواليقي هو هذا فيستأنس به لكونه من شرط كتابنا وأما ما قاله صاحب الرياض من أن الشهيد الثاني اسند إليه في اجازته للشيخ حسين بن عبدالصمد : فهو اشارة الى قوله في الاجازة المذكورة : واروي كتاب الجمهرة مع باقي مصنفات محمد بن دريد ورواياته واجازاته بالاسناد المقدم الى السيد فخار الموسوي عن ابي الفتح محمد بن الميداني عن ابن الجواليقي عن الخطيب ابي زكريا التبريزي عن ابي محمد الحسن بن علي الجوهري عن ابي بكر بن الجراح عن ابن دريد المصنف الى أن قال وعن السيد فخار جميع مصنفات الهروي صاحب كتاب الغريين عن ابي الفرج بن الجوزي عن ابن الجواليقي عن ابي زكريا الخطيب التبريزي عن الوزير ابي القاسم المغربي عن الهروي المصنف. وعن ابن الجواليقي عن ابي الصقر الواسطي عن الجسثي عن التنيسي عن الانطاكي عن ابي تمام حبيب بن اوس الطائي صاحب الحماسة لها ولجميع تصانيفه ورواياته بالاسناد الى السيد فخار عن ابي الفتح الميداني عن ابن الجواليقي جميع كتبه ( اه- ) وينبغي أن يكون مستند صاحب الرياض في كونه إمامياً غير اسناد الشهيد الثاني في اجازته له كرواية بعض نسخ دعاء السمات أو غير ذلك فإن اسانيدة الى كتب اللغة والادب قد اشتملت على غير الامامية وروايته في تلك الاجازة عن الخطيب التبريزي تعين ان مراد صاحب الرياض به هو المترجم لا غيره من العامة ممن يطلق عليه ابن الجواليقي فان الخطيب التبريزي شيخه وقد مر عن السيوطي انه من أهل

ص: 45

السنة ولعله لم يطلع على حاله ، وصاحب الرياض لا يشك في سعة اطلاعه والله اعلم.

( مشايخه )

قد علم مما مر انه أخذ عن جماعة كثيرين دراسة ورواية (1) الخطيب التبريزي يحيي بن علي (2) القاضي ابو الفرج البصري (3) علي بن احمد بن التستري (4) محمد بن احمد بن ابي الصقر الانباري (5) طراد بن محمد الزينبى (6) ابو الصقر الواسطي.

( تلاميذه )

(1) ابن الانباري عبدالرحمن بن محمد. (2) السمعاني عبد الكريم بن محمد صاحب الانساب. (3) الكندي. (4) ابو الفرج ابن الجوزي. (5) ولده اسماعيل. (6) ابو الفتح محمد بن الميداني.

( مؤلفاته )

(1) شرح ادب الكاتب (2) ما تلحن فيه العامة (3) المقرب وهو ما عرب من كلام المعجم ومر عن ابن خلكان انه لم يعمل في جنسه اكثر منه (4) تتمة درة الغواص سماه التكملة فيما يلحن فيه العامة وذلك ان درة الغواص في أوهام الخواص فهو قد جعل لها تتمة في اوهام العوام فيكون ما تلحن فيه العامة وتتمة درة الغواص واحداً وقد عد السيوطي في مؤلفاته ما تلحن فيه العامة وتتمة درة الغواص فجعلها اثنين فيكون درة الغواص في اوهام الخواص وما تلحن فيه العامة في اوهام العوام (5) كتاب في علم العروض. انتهى.

ص: 46

وفي روضات الجنات ترجم له وذكر له من الشعر قوله - كما رواه الدميري في حياة الحيوان :

ورد الورى سلسال جودك فارتووا *** ووقفت حول الورد وقفة حائم

حيران أطلب غفلة من وارد *** والورد لا يزداد غير تزاحم

وترجم لولده اسماعيل بن موهوب.

وفي التاج المكلل للسيد صديق حسن خان : موهوب بن احمد شيخ اهل اللغة في عصره ، سمع الحديث الكثير وقرأ الادب ودرس. قال ابن الجوزي : كان غزير العقل طويل الصمت لا يقول الشيء الا بعد التحقيق والفكر الطويل وكان كثيراً ما يقول : لا ادري.

ص: 47

ابو الغمر الإسناوي

قال أبو الغمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي المتوفى سنة 547 ه- في غلام لبس في يوم عاشوراء ثوب صوف

أيا شادنا قد لاح في زي ناسك *** فباح بمكنون الهوى كل ماسك

رويدك قد أعجزت ما يعجز الضبا *** واضرمت نيران الجوى المتدارك

أنحن فتكنا بابن بنت محمد *** فتثأر منا بالحفون الفواتك (1)

ص: 48


1- عن خريدة القصر للعماد الاصبهاني.

قال العماد الاصفهاني في ( خريدة القصر ) ج 2 ص 158 - قسم شعراء مصر أبو الغمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي.

كان أشعر أهل زمانه وأفضل أقرانه. ذكره لي بعض الكتبيين من مصر وأثنى عليه ، وقال : توفي سنة سبع وأربعون ؛ وانشدني من شعره قوله :

ألحاظكم تجرحنا في الحشا *** ولحظنا يجرحكم في الخدود

جرح بجرح فاجلعوا ذا بذا *** فما الذي أوجب جرح الصدود

وله :

يا أهل قوص غزالكم *** قد صاد قلبي واقتنص

نض الحديث فشفني *** يا ويح قلبي وقت نص

وأورده ابن الزبير في كتاب الجنان ، وذكر من شعره قوله :

طرقتني تلوم لما رأت في *** طلب الرزق للتذلل زهدي

هبك أني أرضى لنفسي بالكد *** ية يا هذه فممن أكدي

وقوله في الخمر :

عذراء تفترُّ عن دّرٍ على ذهب *** إذا صببت بها ماء على لهب

وافى اليها سنان الماء يطعنها *** فاستلأمت زرداً من فضة الحبب

وقوله :

أيا ليلة زار فيها الحبيب *** ولم يك ذا موعد ينتظر

ص: 49

وخاض الي سواد الدجى *** فيا ليت كان سواد البصر

وطابت ولكن ذممنا بها *** على طيب ريّاه نشر الشجر

وبتنا من الوصل في حُلّةٍ *** مطرّزة بالتقى والخفر

وعقلي بها نهب سكر المدام *** وسكر الرضاب وسكر الحورَ

وقد أخجل البدر بدر الجبين *** وتاه على الليل ليل الشعر

وأعدى نحولي جسم الهواء *** واعداه منه نسيم عطر

فمنّي معتبر العاشقين *** ومن حسن معناه إحدى العبر

ومن سقمي وسنا وجهه *** اريه السها ويريني القمر

وقوله :

ايها اللائم في الح- *** -بِّ لحاك الله حسبي

لست أعصى ابداً في *** طاعةِ العذّال قلبي

وقوله في العذرا :

وغزال خلعت قلبي عليه *** فهو بادٍ لأعين النظَّار

قد ارانا بنفسج الثغر بدرا *** طالعاً من منابتٍ الجلنار

وقدت نار خده فسواد الشعر *** فيه دخان تلك النار

وله :

يفترُّ ذاك الثغر عن ريقه *** در حبابٍ فوق جريال

ونون مسكِ الصدغ قد أعجمت *** بنقطةٍ من عنبر الخالِ

ص: 50

الشروطي البغدادي

سعى طرفي بلا سببٍ لقتلى *** كما لدم الحسين سعى زيادُ

يريد ابنه عبيد الله بن زياد

ص: 51

محمود بن محمد بن مسلم الشرُوطيّ البغدادي.

كان شاباً رائق الشعر ، بديع النظم والنثر ، قال العماد الاصفهاني في خريدة القصر وجريدة العصر : كان ينشدني من شعره كثيراً ، ولم أثبته ، وآخر عهدي به سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة ، وتوفي بعد ذلك ، وانا بواسط ، وله ديوان ، وكان معظم مدحه في نقيب النقباء ابن الاتقى الزينبي قال من قصيدة في مدحه ، أولها :

في حدّ رأيك ما يغني عن القضب *** وفي سخائك ما يربي على السحب

وفي اعتزامك ما لو شئت تنفذه *** أباد بالخوف أهل الدهر والرعب

دانت لهيبتك الأيام خاضعةً *** وفلَّ عزمك حدّ الموكب اللجب

وقال عنك لسان الدهر ما نطقت *** به على كل عودٍ ألسن الخُطَب

يا ( طلحة بن علي ) ما لرائدنا *** الى الغنى غير ما توليه من سبب

جابت بنا البيد عيسٌ طالما غنيت *** براحتيك عن الأمواه والعشب

حتى وصلنا الى ملكٍ ، مواهبة *** مقسومة بالندى في العجم والعرب

محجّبٌ برواق من مهابته *** يلقى الوفود بمالٍ غير محتجب

ومنها :

فجدّه في صعودٍ لم يزل أبداً *** وماله بالندى المنهل في صبب

ردّت مكارمه الانواء جامدة *** وقال نائله للعسجدِ : انسكب

يا منفذ الرأي في أجساد حُسدّه *** ولو غدا الدهر منها موضع اليلب

ومن يغار الضحى من نور طلعته *** وإن يقل وجهه للبدر « غِب » يغب

ص: 52

أبن لنا عنك ، قد حارت خواطرنا *** في كنه وصفك بين العُجب والعَجب

ذا الزهد في ملك نلقاه او مَلَك *** وذا عفاف نقيبٍ او عَفافُ نبي

وذا الذكاء الذي لم يؤته بشر *** في واحد المجد أم في السبعة الشهب

وذا الندى الجم من كفيك منسكب *** أم من سحابٍ بوبل الغيث منسكب

وذا الكمال لبدر التمّ ، ام لكما *** ل الدولة الماجد ابن السادة النجب

وهذه خلع بالفخر مشرقة *** ام ضوء نورٍ بنورٍ منك ملتهب

حاكت عليك يد التوفيق حُلّتها *** وطرّزتها يد الآراء والأرب

يستنّ بالذهب الابريز رونقها *** وربما بك تستغني عن الذهب

كأنها لقب يسمو علاك به *** وفي جلالك ما يسمو على اللقب

حتى لو انك لا تنمى الى نسب *** لدلّنا بشرك البادي على النسب

فافخر ، فمن ( هاشم ) حُزت الفخار ومن *** نجار ( زينب ) يا ابن المجد والحسب

جلال قدر أبٍ تسمو ومنقبة *** للأمِّ فافخر بأمٍّ للعلى وأب

هذي المناقب قد وافتك باسمة *** تهزُّ عندك عطفيها من الطرب

وقد سعى نحوها قوم فما ظفروا *** مما رجوه بغير الجهد والتعب

ومنها :

[ إن ساجلوك وجاؤوا بانتسابهم *** ففي السماء مقر الرأس والذنب ]

أو شابهوا عاطفات منك طيبة *** فالعود والعود معدودان في الخشب

وكله خشب في الأرض منبته *** لكن شتان بين النبع والغرب

أو كان أصلك يا ابن المجد أصلهم *** فالنخل - لاشك - أصل الليف والرطب

لبيك من منعم قال الزمان له *** أنت المعد لصرف الدهر والنوب

ومنها :

وكيف لا ترتضي الآمال رأي فتى *** مذ كان في المهد أعطي الحكم وهو صبي

ص: 53

وأجدر الناس بالعلياء من شهدت *** له العلى وعلى حبّ الامام

يا من علت درجات الفضل بي وبه *** شعري وجودك رأس المجد والأدب

لما غدوت من الأجواد منتخباً *** أتاك شعري بمدح فيك منتخب

فلا مددت يداً إلا إلى ظفر *** ولا وطئت ثرى إلا على أرب

وله من قصيدة في مدحه :

جربت أبناء هذا الدهر كلهم *** ولم أجد صاحباً يصفو به الرَّنق

إن حدَّثوا عن جميل من خلائقهم *** مانوا ، ( وان حدَّثوا ) عن مينهم صدقوا (1)

هم العدو فكن منهم على حذر *** لا يخدعنك لهم خَلق ولا خُلق

تغيّر الدهر ، والاخوان كلهم *** مالوا علي فلا أدري بمن أثق

وله من قصيدة :

أعن ( العقيق ) سألت برقاً أو مضا *** أأقام حاد بالركائب أو مضى

إن جاوز العلمين من ( سقط اللوى ) *** بالعيس لا أفضى إلى ذاك الفضا

وله :

حيَّ جيراناً لنا رحلوا *** فعلوا بالقلب ما فعلوا

رحلوا عنا ، فكم أسروا *** بالنوى صبّا وكم قتلوا

مَن لصب ذاب من كمدٍ *** طرفه بالدمع منهمل

فهو من شدو النوى طرب *** وهو من خمر الهوى ثمل

واقف بالدار يسألها *** سفهاً لو ينطق الطلل

لو تجيب الدار مخبرة *** أين حلَّ القوم وارتحلوا

لتشاكينا على مضض *** نحن والاوطان والإبل

ص: 54


1- مان يمين ميناً كذب.

يا صَبا نجد أثرتِ لنا *** حُرقاً في القلب تشتعل

غرّد الجادي ببينهم *** فله - يوم النوى - زجل

يا شموساً في القباب ضحىً *** حجبتها دوننا الكلل

عُجن بالصبِّ المشوق فقد *** شفّه - يوم النوى - المللُ

وله من قصيدة :

أسيرُ هوى المحّبة ليس يُفدى *** ومقتولُ التجنّي لايقاد

ومَن قد أمرضته وأتلفته ال- *** -عيون فلا يفاد ولا يعاد

فقدت الصبر حين وجدت وجدي *** وجاد الدمع إذ بخلت ( سعاد )

فكنت أخاف بعدي يوم قربي *** فكيف أكون إن قرب البعاد

ديارهُم كساكِ الزهر ثوباً *** وجاد على معاهدك العهاد

ألا هل لي إلى ( نجد ) سبيل *** وأيامي ب- ( رامة ) هل تعاد

أقول - وقد تطاول عمر ليلي - : *** أما لليل - ويحكمُ - نفاد

كأن الليل دهرٌ ليس يُقضى *** وضوء الصبح موعده المعاد

أعيدوا لي الرّقاد عسى خيالٌ *** يزور الصبَّ إن عاد الرقاد

وبيعوني بوصلٍ من حبيبي *** وفي سوق الهوان علي نادوا

فلو أن الذي بي من غرامٍ *** يلاقي الصخر لا نفطر الجماد

وثقت الى التصبر ثم بانوا *** فخان الصبر وانعكس المراد

وكان القلب يسكن في فؤادي *** فضاع القلب واختلس الفؤاد

وقالوا : قد ضللت بحبّ ( سعدى ) *** ألا ، هذا الضلال هو الرشاد

وهل يسلو ودادهم محبٌ *** له في كل جارحةٍ وداد

وآنف من صلاحي في بعادي *** ويعجبني مع القرب الفساد

وبين الرمل والأثلات ظبيٌ *** يصيد العاشقين ولا يصاد

ص: 55

أحمُّ المقلتين غضيض جفن *** تكلُّ لطرفه البيض الحداد

أراك بمقلتي وبعين قلبي *** لأنك من جمعيها السواد

لمن وأنا الملوم ألوم فيما *** على نفسي جنيت أنا المفاد

سعى طرفي بلا سبب لقتلي *** كما لدم ( الحسين ) سعى ( زياد )

وله :

عتابٌ منك مقبول *** على العينين محمولُ

ترفّق أيها الجاني *** فعقلي فيك معقول

ويكفيني من الهجرا *** ن تعريض وتهويل

ألا يا عاذل المشتا *** ق ، إني عنك مشغول

وفي العشاق معذور *** وفي العشاق معذول

أسلوان ولي قلب *** له في الحب تأويل

بمن في خدّه ورد *** وفي عينيه تكحيل

وجيش الوجد منصور *** وجيش الصبر مخذول

وله :

جفنُ عيني شفّه الارقُ *** وفؤادي حشوة الحُرَقُ

من لمشتاق حليف ضنىً *** دمعه في الكرب منطلق

أنا في ضدّين نار هوىً *** ودموع سحبها دفق

لي حريق في الفؤاد ولي *** مقلة انسانها غَرِق

وحبيب غاب عن نظري *** فدموعي فيه تستبق

غاب عن عيني فأرقني *** فجفوني ليس تنطبق

قلت إذ لام العواذل وا *** صطلحوا في اللوم واتفقوأ

من نأت عنّي منازلة *** ليس لي خلقٌ به أثق

ص: 56

يحيى الحصكفي

أفوت مغانيهم فأقوى الجلَدُ *** ربعانِ بعد الساكنين فدفدُ (1)

صاح الغراب فكما تحمَّلوا *** مشى بها كأنه مقيَّد

تقاسموا يوم الوداع كبدي *** فليس لي منذ تولوا كبد

ليت المطايا للنوى ما ضلعت *** ولا حدا من الحداة أحد

على الجفون رحلوا وفي الحشى *** تقيّلوا وماء عيني وردوا

وأدمعي مسفوحة وكبدي *** مقروحة وغُلّتي ما تبرد

وصبوتي دائمة ومقلتي *** دامية ونومها مشرد

تيمني منهم غزال أغيد *** يا حبذا ذاك الغزال الأغيد

حسامه مجرَّد وصرحه *** ممرّدٌ وخدّه مورّد

كأنما نكهته وريقه *** مسك وخمر والثنايا بَرَد

يقعده عن القيام ردفه *** وفي الحشى منه المقيم المقعد

أيقنت لما أن حدا الحادي بهم *** ولم أمت أن فؤادي جامد

كنتُ على القرب كئيباً مغرماً *** صباً فما ظنك بي إذ بعدوا

هم الحياة أعرقوا أم أشأموا *** أم أيمنوا أم أتهموا أم أنجدوا

ليهنهم طيب الكرى فانه *** من حظّهم وحظ عيني السهد

ص: 57


1- ذكرها ابن الجوزي في المنتظم ج 3 ص 183 ، والعماد الاصفهاني في خريدة القصر.

هم تولوا بالفؤاد والكرى *** فأين صبري بعدهم والجلد

لولا الضنا جحدت وجدي بهم *** لكن نحولي بالغرام يشهد

لله ما أجور أحكام الهوى *** ليس لمن يُظلم فيه مسعد

ليس على المتلف غرمٌ عندهم *** ولا على القاتل عمداً قَود

هل انصفوا اذ حكموا أم اسعفوا *** من تيموا أم عطفوا فاقتصدوا

بل اسرفوا وظلموا وأتلفوا *** مَن هيموا وأخلفوا ما وعدوا

* * *

وسائل عن حبّ أهل البيت هل *** أقرُّ إعلاناً به أم أجحد

هيهات ممزوج بلحمي ودمي *** حبّهم وهو الهدى والرشد

حيدرة والحسنان بعده *** ثم علي وابنه محمد

وجعفر الصادق وابن جعفر *** موسى ويتلوه علي السيد

أعني الرضا ثم ابنه محمد *** ثم علي وابنه المسدد

والحسن التالي ويتلو تلوه *** محمد بن الحسن المفتقد

فانهم ائمتي وسادتي *** وان لحاني معشر وفندّوا

ائمة اكرم بهم ائمة *** اسماؤهم مسرودة تُطرّدُ

هم حجج الله على عباده *** بهم اليه منهج ومقصد

هم النهار صوَّم لربهم *** وفي الدياجي ركّعٌ وسُجّد

قوم أتى في هل أتى مدحهم *** وهل يشك فيه إلا ملحد

قوم لهم فضلٌ ومجد باذخ *** يعرفه المشرك والموحّد

قوم لهم في كل أرض مشهد *** لا بل لهم في كل قلب مشهد

قوم منى والمشعران لهم *** والمروتان لهم والمسجد

قوم لهم مكة والابطح وال- *** -خيف وجمعٌ والبقيع الغرقد

ما صدق الناس ولا تصدقوا *** ونسكوا وأفطروا وعيّدوا

ولا غزوا وأوجبوا حجاً ولا *** صلوا ولا صاموا ولا تعبّدوا

ص: 58

لو لا رسول الله وهو جدّهم *** يا حبذا الوالد ثم الولد

ومصرع الطف فلا اذكره *** ففي الحشى منه لهيب يقد

يرى الفرات ابن الرسول ظامياً *** يلقى الردى وابن الدعي يرد

حسبك يا هذا وحسب مَن بغى *** عليهمُ يوم المعاد الصمد

يا أهل بيت المصطفى وعدّتي *** ومن على حبّهمُ اعتمد

انتم الى الله غدا وسيلتي *** وكيف أخشى وبكم اعتضد

وليكم في الخلد حيٌ خالد *** والضدُّ في نار لظى مخلد

ولست أهواكم لبغض غيركم *** اني اذاً أشقى بكم لا أسعد

فلا يظن رافضي أنني *** وافقته أو خارجي مفسد

محمد والخلفاء بعده *** أفضل خلق الله فيما أجد

هم أسسوا قواعد الدين لنا *** وهم بنوا أركانه وشيدوا

ومن يخن أحمد في أصحابه *** فخصمه يوم المعاد احمد

هذا اعتقادي فالزموه تفلحوا *** هذا طريقي فاسلكوه تهتدوا

والشافعي مذهبي مذهبه *** لأنه في قوله مؤيّد

وله :

انظر الى البدر الذي قد اقبلا *** وأراك فوق الصبح ليلاً مسبلا

ما بلبل الاصداغ في وجناته *** إلا ليترك من رآه مبلبلا

يا أيها الريان من ماء الصبا *** بي في الهوى عطش الحسين بكربلا

ص: 59

ابوالفضل أو ابو الوفاء معين الدين يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الخطيب الحصكفي الكاتب الاديب.

ولد في حدود سنة 460 بطنزه (1) وتوفي سنة 553 وقبل سنة 551 بميافارقين بعد ان نشأ بحصن كيفا.

والحصكفي بحاء مهملة مفتوحة وصاد مهملة وكاف مفتوحة وفاء وياء نسبة الى حصن كيفا. قال ابن خلكان هي قلعة حصينة شاهقة بين جزيرة ابن عمرو وميافارقين من مدائن ديار بكر وفي انساب السمعاني : ابو الفضل يحيى ابن سلامة بن الحسين بن محمد الحصكفي الخطيب بميافارقين أحد أفاضل الدنيا ، وكان اماماً بارعاً اشتهر ذكره في الافاق بالنظم والنثر والخطب. وكان يتشيع كما يقول ابن الاثير في الكامل.

اقول ورأيت في كتاب ( ينابيع المودة ) للشيخ سليمان الحنفي القندوزي بعض هذه الابيات وينسبها لبعض الشافعية وأظنه يقصد الشاعر نفسه.

وعن ابن كثير الشامي في تاريخه ان الخطيب الحصكفي هذا كان إمام زمانه في كثير من العلوم كالفقه والادب والنظم والنثر ولكن كان غالياً في التشيع.

قال ابن الخلكان : هو صاحب الديوان الشعر والخطب والرسائل ، قدم بغداد واشتغل بالادب على الخطيب ابي زكريا التبريزي المقدم ذكره وأتقنه حتى مهر فيه وقرأ الفقه على مذهب الشافعي واجاد فيه ثم رحل عن بغداد راجعاً الى بلاده ونزل ( ميافارقين ) واستوطنها وتولى بها الخطابة وكان اليه

ص: 60


1- 1 - هي بلدة من الجزيرة من ديار بكر

أمر الفتوى بها وذكره العماد الاصفهاني في كتاب الخريدة. اقول ثم ذكر له قطعاً شعرية مستملحة.

قال الشيخ القمي في الكنى : وقد يطلق الحصكفي على علاء الدين محمد بن علي بن محمد الحصكفي الدمشقي العالم المحدث النحوي كان يدرس ويفتي بدمشق وله شرح على المنار للنسفي وشرح على ملتقى الابحر في الفروع الخفية لابراهيم الحلبي المتوفي سنة 956 وغير ذلك توفي سنة 1088 انتهى.

وقال ابن الجوزي في المنتظم : هو إمام فاضل في علوم شتى وكان يفتى ويقول الشعر اللطيف والرسائل المعجبة المليحة الصناعة وكان ينسب الى الغلو في التشيّع ومن لطيف قوله :

جدّ ففي جدّك الكمال *** والهزل مثل اسمه هزال

فما تنال المراد حتى *** يكون معكوس ما تنال

وقوله : أي لا تنام

اذا قلّ ما لي لم تجدني ضارعا *** كثير الاسى مغرىً بعضِّ الانامل

ولا بطراً إن جدد الله نعمة *** ولو أنّ ما آوى جميع الانام لي

قال السمعاني في الانساب ص 184 :

الحَصكفي بفتح الحاء المهملة وسكون الصاد المهملة وفتح الكاف وفي آخرها الفاء ، هذه النسبة إلى ( حصن كيفا ) وهي مدينة من ديار بكر ويقال لها بالعجمية حصن كيبا ، والمشهور بالنسبة إليها أبوالفضل يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الحصكفي الخطيب بميافارقين أحد أفاضل الدنيا ، وكان إماماً بارعاً في قول الشعر جواد الطبع رقيق القول ، اشتهر ذكره في الآفاق بالنظم والنثر والخطب ، وعمرّ العمر الطويل ، وكان غالياً في التشيع ويظهر ذلك في شعره ، كتب إليّ الإجازة بجميع مسموعاته بخطه في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، وروى لى عنه أبو عبدالرحمن عسكر بن أسامة النصيبي ببغداد وأبو الحسن علي بن مسعود الإسعردي بالرقة ، وأبو الخير سلامة بن قيصر الضرير بقلعة جعبر ، والخضر بن ثروان الضرير الأديب ببلخ ، وساعد بن

ص: 61

فضائل المنبجي بنيسابور وغيرهم ، وكانت ولادته في حدود الستين والاربعمائة وتوفي بعد سنة 551 بميافارقين.

فمن شعره ، كما في المنتظم لابن الجوزي ج 10 ص 187 وفي خريدة القصر ص 490.

حنت فاذكت لوعتي حنينا *** أشكو من البين وتشكو البينا

قد عاث في أشخاصها طول السرى *** بقدر ما عاث الفراق فينا

فخلَّها تمشي الهُوينا طالما *** أضحت تبارى الريح في البرينا

وكيف لا نأوي لها وهي التي *** بها قطعنا السهل والحزونا

ها قد وجدنا البرَّ بحراً زاخراً *** فهل وجدنا غيرها سفينا

إن كنَّ لا يُفصحن بالشكوى لنا *** فهنَّ بالإرزام يشتكينا

قد عذبت لها دموعي لم تبت *** هيماً عطاشا وترى المعينا

وقد تياسرتَ بهنَّ جائرا *** عن الحمى فاعدل بها يمينا

تحن اطلالا عفا آياتها *** تعاقب الايام والسنينا

يقول صحبي أترى آثارهم *** نعم ولكن لا ترى القطينا

لو لم تجد ربوعهم كو جدنا *** للبين لم تبل كما بَلينا

ما قدر الحي على سفك دمي *** لو لم تكن أسيافهم عيونا

أكلما لاح لعيني بارق *** بكت فابدت سرّي المصونا

لا تأخذوا قلبي بذنب مقلتي *** وعاقبوا الخائن لا الأمينا

ما استترت بالورق الورقاء كي *** تصدق لما علت الغصونا

قد وكلت بكل باك شجوه *** تعينه إذ عدم المعينا

هذا بكاها والقرين حاضرٌ *** فكيف من قد فارق القرينا

أقسمت ما الروض اذا ما بعثت *** أرجاؤه الخيري والنسرينا

وأدركت ثماره وعذبت *** أنهاره وأبدت المكنونا

وقابلته الشمس لما أشرقت *** وانقطعت أفنانه فنونا

أذكى ولا أحلى ولا أشهى ولا *** أبهى ولا أوفى بعيني لينا

ص: 62

من نشرها وثغرها ووجهها *** وقدّها فاستمع اليقينا

يا خائفا علي أسباب العدى *** أما عرفتَ حِصني الحصينا

إني جعلتُ في الخطوب موئلي *** محمداً والانزع البطينا

أحببتُ ياسين وطاسين ومن *** يلوم في ياسين أوطاسينا

سر النجاة والمناجاة لمن *** أوى الى الفلك وطور سينا

وظن بي الاعداء إذ مدحتهم *** ما لم أكن بمثله قمينا

يا ويحهم وما الذي يريبهم *** مني حتى رجموا الظنونا

رفد مديح قدر وافى رافد *** فلم يجنوا ذلك الجنونا

وإنما أطلب رفداً باقياً *** يوم يكون غيري المغبونا

يا تائهين في أضاليل الهوى *** وعن سبيل الرشد ناكبينا

تجاهكم دار السلام فابتغوا *** في نهجها جبريلها الأمينا

لجوامعي الباب وقولوا حطة *** تغفر لنا الذنوب أجمعينا

ذروا العنا فان أصحاب العبا *** هم النبا إن شئتم التبيينا

ديني الولاء لست أبغى غيره *** ديناً وحسبي بالولاء دينا

هما طريقان فاما شأمة *** أو فاليمين ( فاسلكوا ) اليمينا

سجنكم سجّين إن لم تتبعوا *** عَلينا دليل عِليينا

قال العماد الاصفهاني في الخريدة : وأنشدني الفقيه عبدالوهاب الدمشقي الحنفي ببغداد سنة خمسين وخمسمائة قال : أنشدني الخطيب يحيى بن سلامة بميافارقين لنفسه من قصيدة شيعية شائعة ، رائقة رائعة ، أولها :

حنّت فأذكت لوعتي حنينا *** أشكو من البَين وتشكو البَينا

ومنها في مدح أهل البيت علیهم السلام . أقول وذكر أربعة أبيات ثم أورد أكثرها في آخر الترجمة وذكر له من الشعر والنثر شيئاً كثيراً.

وكتب الى ابي محمد الحسن بن سلامة يعزيه عن أبيه أبي نصر :

لما نعى الناعي أبا نصر *** سدَّت عليَّ مطالع الصبرِ

وجرت دموع العين ساجمة *** منهلة كتتابع القطر

ص: 63

ولزمت قلباً كاد يلفظه *** صدري لفرقة ذلك الصدر

ولّى فأضحى العصر في عطل *** منه وكان قلادة العصر

حفروا له قبراً وما علموا *** ما خلّفوا في ذلك القبر

ما أفردوا في الترب وانصرفوا *** إلا فريد الناس والدهر

تطويه حفرته فينشره *** في كل وقت طيب النشر

يبديه لي حُّباً تذكره *** حتى أخطاه وما أدري

تبَّاً لدار كلها غصص *** تأتي الوصال بنية الهجر

تنسي مرارتها حلاوتها *** وتكرُّ بعد العرف بالنكر

وللخطيب المذكور الخطب المليحة والرسائل المنتفاة ولم يزل على رياسته وجلالته وإفادته إلى أن توفي سنة احدى وقيل ثلاث وخمسين وخمسمائة ، وكانت ولادته في حدود سنة ستين واربعمائة رحمه الله تعالى.

قال العماد الاصبهاني في حقه : كان علامة الزمان في علمه ، ومعرّي العصر في نثره ونظمه ، له الترصيع البديع ، والتجنيس النفيس ، والتطبيق والتحقيق ، واللفظ الجزل الرقيق ، والمعنى السهل العميق ، والتقسيم المستقيم ، والفضل السائر المقيم.

ثم قال العماد بعد كثرة الثناء عليه وتعداد محاسنه : وكنت أحبّ لقاءه وأحدث نفسي عند وصولي إلى الموصل بالاتصال به ، وأنا شغف بالاستفادة كلف بمجالسة الفضلاء للاستزادة ، فعاق دون لقائه بعد الشقة وضعفي عن تحمل المشقة. ثم ذكر له عدة مقاطيع منها.

والله لو كانت الدنيا بأجمعها *** تُبقي علينا ويأتي رزقها رغدا

ما كان من حق حرٍّ أن يذلَّ لها *** فكيف وهي متاع يضمحلُّ غدا

ثم قال العماد الاصبهاني وانشدني له بعض الفضلاء ببغداد خمسة أبيات كالخمسة السيارات مستحسنات مطبوعات مصنوعات وهي :

ص: 64

اشكو الى الله من نارين : واحدة *** في وجنتيه ، وأخرى منه في كبدي

ومن سقامين : سقم قد أحلّ دمي *** من الجفون وسقم حلَّ في جسدي

ومن نمومين : دمعي حين أذكره *** يذيع سري ، وواشٍ منه بالرصد

ومن ضعيفين : صبري حين أذكره *** ووده ويراه الناس طوع يدي

مهفهف رق حتى قلت من عجب *** أخصره خنصري أم جلده جلدي

ومن مليح شعره أبيات في هجو مغن رديء وهي :

ومسمع غناؤه *** يبدل بالفقر الغنى

شهدته في عصبة *** رضيتهم لي قرنا

أبصرته فلم تخب *** فراستي لما دنا

وقلت : مَن ذا وجهه *** كيف يكون محسنا

ورمتُ أن أروح لل- *** -ظن به ممتحنا

فقلت من بينهم *** هات أخى غَنَّ لنا

ويوم سلع لم يكن *** يومي بسلع هينا

فانشال منه حاجب *** وحاجب منه انحنى

وامتلأ المجلس من *** فيه نسيما منتنا

أوقع إذ وقّع في الأ *** نفس اسباب العنا

وقال لما قال من *** يسمع في ظل الغنا

وما اكتفى باللحن والت- *** -خليط حتى لحنا

هذا وكم تكشخنَ الو *** غد وكم تقرننا

يوهم زمراً انه *** قطعه ودندنا

وصاح صوتاً نافراً *** يخرج من حدِّ البنا

وما درى محضره *** ماذا على القوم جنى

فذا يسدّ أنفه *** وذا يسد الاذنا

ومنهمو جماعة *** تستر عنه الاعينا

ص: 65

فاغتظت حتى كدت من *** غيظي أبث الشجنا

وقلت يا قوم اسمعوا *** إما المغني أو أنا

أقسمت لا أجلس أو *** يخرج هذا من هنا

جرُوا برجل الكلب إن *** السقم هذا والضنا

قالوا لقد رحمتنا *** وزلت عنا المحنا

فحزت في اخراجه *** راحة نفسي والثنا

وحين ولى شخصه *** قرأتُ فيهم معلنا

الحمد لله الذي *** أذهب عنا الحزنا

ولم اسمع مع كثرة ما قيل في هذا الباب مثل هذا المقطوع في هذا المعنى وللخطيب المذكور ايضاً في هذا المعنى وهو :

ومسمع قوله بالكره مسموعُ *** محجّب عن بيوت الناس ممنوعُ

غنَّى فبرَّق عينيه وحرك لحييه *** فقلنا الفتى لا شك مصروع

وقطَّع الشعر حتى ودّ اكثرنا *** أن اللسان الذي في فيه مقطوع

لم يأتِ دعوة أقوام بأمرهم *** ولا مضى قَطُّ إلا وهو مصفوع

قال العماد الاصبهاني : وله بيتان كأنهما درَّتان او كوكبان دريان وهما :

ما لطرفي وما لذا السهر الدا *** ثم فيه وما لليلي ولَيلي

هجرتني وفاز بالوصل أقوا *** مٌ فطوبى لواصليها وويلي

قال : وأنشدني بعض الاصدقاء له من أول كلمة.

هل من سبيل إلى ريق المريق دمي *** فليس يشفي سوى ذاك السّلمي ألمي

وله من قصيدة :

جلَّ مَن صوَّر من ماءٍ مَهين *** صوراً تسبي قلوب العالمين

وأرانا قُضُباًُ في كثبٍ *** تخجلُ الاغصان في قدٍّ ولين

ص: 66

وله :

مَن كان مرتدياً بالعقل متزراً *** بالعلم ملتفعاً بالفضل والأدب

فقد حوى شرف الدنيا وإن صَفِرت *** كفَّاه من فضة فيها ومن ذهب

هو الغنيّ وِإن لم يمس ذا نشبٍ *** وهو النسيب وإن لم يمس ذا نسب

وله :

غريق الذنوب أسير الخطايا *** تنبَّه فدنياك أمُّ امدنايا

تَغرُّ وتعطي ولكنها *** مكدِّرة تستردُّ العطايا

وفي كل يوم تُسرِّي اليك *** داءً فجسمك نهب الرزايا

أما وعظتك بأحدثها *** وما فعلت بجميع البرايا

ترى المرء في أسر آفاتها *** حبيساً على الهمَّ نصب الرزايا

وإطلاقه حين ترثي له *** وحسبك ذا أن تلاقي المنايا

ويا راحلاً وهو ينوي المقام *** تزوَّد فان الليالي مطايا

ومن شعره ما كتبه الى كمال الدين الشهرزوري بالموصل مشتملة على معاني أهل التصوف - كما في الخريدة :

أداروا الهوى صِرفاً فغادرهم صرعى *** فلما صحوا من سكرهم شربوا الدمعا

وما علموا أن ألهوى لو تكلّفوا *** محبة أهليه لصار لهم طبعا

ولما استلذوا موتهم بعذابه *** وعيشهم في عدمه سألوا الرُجعى

إذا فقدوا بعض الغرام تولّهوا *** كأنّ الهوى سنَّ الغرام لهم شرعا

وقد دفعوا عن وجدهم كل سلوةٍ *** ولو وجدته ما أطاقت له دفعا

وطاب لهم وقع السهام فما جلواً *** لصائبها بيضاً ولا نسَجوا درعا

فكيف يعدّ اللوم نصحاً لديهم *** إذ كان ضُرُّ الحبَّ عندهم نفعا

ص: 67

ومنها :

خلا الربع من أحبابهم وقلوبهم *** ملاءٌ بهم فالربع من سأل الربعا

سل الورق عن يوم الفراق فإنه *** بأيسر خطب منه علّمها السجعا

إذا صدحت فاعلم بأن كبُودها *** مؤرثّة غماً تكابده صدعى

وذاك بأن البين بان بإلفها *** وكيف ينال الوصل من وجد القطعا

وأهل الهوى إن صافحتهم يد النوى *** رأوا نهيها أمراً وتفريقها جمعا

رعى وسقى الله القلوب التي رعت *** فأسقت بما ألقت وأخرجت المرعى

وحيَّاً وأحيا أنفساً أحيت النهى *** وحيت فاحيتنا مناقبها سمعاً

سحائب إن شيمت عن الموصل التي *** بها حلَّت الانواء أحسنت الصنعا

أوائلها من شهرزور إذا اعتزت *** جزى الله بالخير الأراكة والفرعا

وجدت الحيا عنها بنجعة غيره *** فأعقبنا ريّا وأحسبنا شبعا

ونلنا به وتر العطاء وشفعه *** كأنا أقمنا نحوه الوتر والشفعا

وللحصكفي من قصيدة :

أترى علموا لما رحلوا *** ماذا فعلوا أم من قتلوا

خدعوا بالمين قتيل الب- *** -ين فدمع العين لهم ذللُ

وبسمعي ثوّرَ حاديهم *** وبعيني قربت البزل

فمتى وصلوا حتى قطعوا *** ومتى سمحوا حتى بخلوا

قد زاد جنون النفس بمن *** للعقل محاسنه عقل

إن قام أقام قيامتها *** أو جال فجولته الأجل

كقضيب البان وفي الاجفا *** ن من الغزلان له مثل

أشكوا زمناً أولى محناً *** وجنى حزناً فعفت سُبُل

العلم يهان وليس يصا *** ن فاي لسانٍ يرتجلُ

وفي سير النبلاء قال : العلامة الامام الخطيب ذو الفنون معين الدين ابوالفضل

ص: 68

يحيى بن سلامه بن حسين بن أبي محمد عبدالله الديار بكري قال العماد الاصبهاني وله من قصيدة قصد فيها التجنيس الظريف :

ألبَّ داعي الهوى وهناً فلبّاها *** قلب أتاها ولولا ذكرها تاها

تلت علينا ثناياها سطور هوىً *** لم ننسها مذ وعيناها وعيناها

وعرفتنا معانيها التي بهرت *** سبل الغرام فهمنا إذ فهمناها

عفتُ الأثام وما تحت اللثام لها *** وما استبحتُ حماهابل ِحميّاها

يا طالبَ الحب مهلا إن مطلبه *** ينسي بأكثره اللاهي به الله

ولا تمنَّ أموراً غبَّها عطبٌ *** فربّ نفسٍ مناها في مناياها

فأنفع العدد التقوى وأرفعها *** لأنفس إن وضعناها أضعناها

وفي اعيان الشيعة قال :

وكان بمدينة آمد شابان بينهما مودة أكيدة ومعاشرة كثيرة ، فركب أحدهما ظاهر البلد وطرد فرسه فتقنطر فمات وقعد الآخر يستعمل الشراب فشرق فمات في ذلك النهار فعمل فيهما بعض الادباء :

تقاسما العيش صفوا والردى كدراً *** وما عهدنا المنايا قط تقتسم

وحافظا الود حتى في حمامها *** وقلما في المنايا تحفظ الذمم

فقال المترجم له :

بنفسي أخيّان من آمدٍ *** أصيبا بيوم شديد الاذاة

فهذا كميتٌ من الصافنات *** وهاذا كميت من الصافيات

ومما نسب اليه ويقال انها للمرزوقي قال ابن شهراشوب في المناقب : المرزوقي ويقال للحصكفي :

يا ربِّ القدم التي أوطأتها *** من قاب قوسين المحلَّ الاعظما

ص: 69

وبحرمة القدم التي جعلت لها *** كتفُ المؤيّد بالرسالة سُلما

اجعلهما ربي اليك وسيلتي *** في يوم حشر أن ازور جهنما

اقول وانا أروي هذا الشعر وبعد البيتين الأولين :

ثبّت على متن الصراط تكرماً *** قدمي وكن لي محسنا ومكرِّما

واجعلهما ذخري فمن كانا له *** أمِنَ العذاب ولا يخاف جهنما

وقوله ملغزاً في نعش :

أتعرف شيئاً في السماء نظيره *** اذا سار صاح الناس حيث يسير

فتلقاه مركوباً وتلقاه راكباً *** وكل أمير يعتليه أسير

يحض على التقوى ويكره قربه *** وتنفر منه النفس وهو نذير

ولم يستزر عن رغبة في زيارة *** ولكن على رغم المزور يزور

وله :

يا بن ياسين وطاسين *** وحاميم ونونا

يا بن من أنزل فيه *** السابقون السابقونا

ص: 70

الحسن بن علي الزبير

أبو محمد الحسن بن علي بن الزبير يرثي الحسين علیه السلام ويمدح الملك الصالح بن رزِّيك سنة 553.

أعلمتَ حين تجاور الحيانِ *** أنَّ القلوب مواقدُ النيران

وعرفتَ أن صدور ناقد أصبحت *** في القوم وهي مرابض الغزلان

وعيوننا عوض العيون أمدَّها *** ما غادروا فيها من الغدران

ما الوخدُ هزَّ قبابهم بل هزَّها *** قلبي لما فيه من الخفقان

وتراه يكره أن يرى أضعانهم *** فكأنما أضحت من الاضغان

وبمهجتي قمر إذا ما لاح لل- *** -ساري تضاءَلَ دونه القمران

قد ابان للعشاق أن قوامه *** سرقت شمائِلهُ غصون البان

وأراك غصناً في النعيم يميل إذ *** غصن الأراك يميل في نعمان (1)

للرمح نَصلٌ واحدٌ ولقدَّه *** من ناظريه إذا رنا نصلان

والسيف ليس له سوى جفنٍ وقد *** اضحى لصارم طرفه جفنان

والسهم تكفي القوسُ فيه وقد غدا *** من حاجبيه للحظه قوسان

ولرُبَّ ليل خلتُ خاطفَ برقه *** ناراً تلفّعُ للدجى بدخان

كالمايل الوسنان من طول السرى *** جوزاؤه والراقصِ السكران

ص: 71


1- نعمان : واد وراء عرفة.

ما بان فيه من ثرياه سوى *** إعجامها والدال في الدبران (1)

وترى المجرَّة في النجوم كأنما *** تسقي الرياض بجدول ملآن

لو لم تكن نهراً لما عامت به *** أبداً نجوم الحوت والسرطان

نادمت فيه الفرقدين كأنني *** - دون الورى - وجذيمة أخوان (2)

وترفَّعت هِممي فما أرضى سوى *** شهبِ الدجى عِوضاً من الخلان

وأنفتُ حين فجعتُ بالأحباب أن *** ألهو عن الإخوان بالخوَّان

وهجرت قُوماً ما استجاز سواهم *** قدماً قرى الضيفان بالذيفان

إلا الأولى نزل الحسينُ بدارهم *** واختار أرضهم على البلدان

فجنوا على الإسلام والإيمان إذ *** أجنوه مرَّ جناً من المران

جعلوا الجفان المترعات لغيره *** وقروه ما سلِّوا من الاجفان

وسقوه إذ منعوا الشريعة بعدما *** رفضوا الشريعة ماء كان يمان

حتى لقد ورد الحمام على الظما *** أكرم به من وارد ظمآن

لا الدين راعوه ولا فعلوا به *** ما يفعل الجيران بالجيران

تالله ما نقضوا هناك بقتله *** الايمان بل نقضوا عرى الإيمان

فثوى وآل المصطفى من حوله *** يكبون للجبهات والأذقان

نزلوا على حكم السيوف وقد أبوا *** في الله حكم بني أبي سفيان

وتخيروا عز الممات وفارقوا *** فيه حياة مذلة وهوان

يا لهفتي لمصرعّين قبورهم *** - في كربلاء - حواصل العقبان

بزّت سوابغ عنهم وتمزقت *** أشلاؤهم بسواغب الذؤبان

وأنيخ في تلك القفار حمامهم *** فأتيح لحم الليث للسرحان

إن لم تجن جسومهم في تربها *** فلأنها اعتاضت بخير جنان

كم روح ثاوٍ منهم قد أصبحت *** تختال في روح وفي ريحان

ص: 72


1- الدبران : منزل للقمر.
2- كان جذيمة الابرش ملك الحيرة لا ينادم الا الفرقدين تكبراً عن منادمة الناس.

ما ضرّهم والخلد من أوطانهم *** أذ أزعجوا كرهاً عن الاوطان

ولقد دنا بهم التقى من ربهم *** ونأت رؤسهم عن الابدان

وأتى اليهم قومهم ما لم يكن *** يأتيه اهل الكفر والطغيان

لم يتركوا لهم قتيلاً واحداً *** إلا له رأس برأس سنان

حتى غدت لمسامع الاطفال فو *** ق السمر اخراصٌ من الخرصان

عجباً لهم نقلوا رؤسهم وقد *** نقلوا فضائلهم عن القرآن

وتفرقوا في بغضهم فرقاً وهم *** يروون معجزهم عن الفرقان

الجاهلية قبلهم لم يغدروا *** بهم وكانوا عابدي أوثان

أيخاف آل محمد في أمة *** شهدت له بالصدق والبرهان

ومحمد في قومه مع كفرهم *** لما يزل في منعة وأمان

فالمشركون أخف جرماً منهم *** وأشف يوم الحشر في الميزان

ومن العجائب انهم عدّوا الذي *** فعلوه قرباناً من القربان

ورجوا به الزلفى كما زعموا ونَ- *** -يل ألمن عند الواحد المنان

واحق من خابت مطامع جهله *** من يرتجي الغفران بالكفران

أبني أمية خاب مؤتم بكم *** فيما مضى من سالف الازمان

سقطت غداة وليتموها جهزة *** بالغصب هاء خلافة الرحمان

وغدت أمارتكم دماراً يستعاذ *** الله إن ذكرت من الشيطان

لو كان في عصر ملكتم أمره *** وقضيتم بالجور والعدوان

الصالح المردى الجبابرة الأولى *** قدماً عشوا في البغى والعصيان

ومبيد أحزاب النفاق بصارم *** هو في الحروب وعزمه سيان

لأذال أهل الحق من طلقائكم *** بشبا سنان قاطع ولسان

ولأصبح المختار معدودا له *** في جملة الاتباع والاعوان

ما مالك النخعى في أفعاله *** أبداً كذا الملك العظيم الشان

كلا ولا قيس يقاس به إذا *** ما عد في الحلماء والشجعان

ص: 73

ان فاته بالطف يومٌ أوَّلُ *** فله بنصر القصر يوم ثان

لولاه اذ بسط العدى أيديهم *** لم يثنها عن أهله يد ثان

والخيل تعلم في الكريهة أنه *** إن شاء أثكلها على الفرسان

عجباً لجود يديه إذ يبني العُلى *** والسيل يهدم شامخ البنيان

وَلَنار فطنته تريك لشعره *** عذباً يروي غُلَّةَ العطشان

وعقود دُرٍ لو تجسّم لفظها *** ما رُصعت إلا على التيجان

وتنزهت عن أن ترى أفرادُها *** بمواضع الاقراط في الآذان

من كل رائقة الجمال زهت بها *** بين القصائد غُرَّة السلطان

سيارة في الأرض لا تعتاقها *** في سيرها قَيدٌ من الاوزان

يا منعماً ما للثناء ولو غلا *** يوماً بما تولي يداه يدان

قلَّدت أعناق البرية كلَّها *** مننا تحمل ثقلها الثقلان

حق تساوى الناس فيك واصبح *** القاصي بمنزلة القريب الداني

ورحمت أهل العجز منهم مثلما *** أصبحت تغفر للمسيء الجاني

ومنها يحثه على قصد شام الفرنج

يا كاسر الأصنام قم فانهض بنا *** حتى تصير مكسِّر الصُلبان

فالشام ملكك قد ورثت تراثه *** عن قومك الماضين من غسان

فإذا شككت بأنها أوطانهم *** قدماً فسل عن حادث الجولان (1)

أورمت أن تتلو محاسن ذكرهم *** فاسند روايتها إلى حسّان

ومنها في وصف الزلزلة

ما زلزلت ارض العدا بل ذاك ما *** بقلوب أهليها من الخفقان

وأقول إن حصونهم سجدت لما *** أوتيت من ملكٍ ومن سلطان

ص: 74


1- اسم اقليم في شمال شرقي الاردن.

والناس أجدر بالسجود إذا غدا *** لعلاك يسجد شامخ البنيان

ولقد بعثت الى الفرنج كتائباً *** كالاسد حين تصول في خفان

لبسوا الدروع ولم نخل من قبلهم *** أن البحار تحل في غدران

وتيمموا أرض العدو بقفرة *** جرداء خالية من السكان

عشرين يوماً في المغار وليلة *** يسيرون تحت كواكب الخرصان

حتى إذا قطعوا الجفار بجحفل *** هو في العديد ورمله سيان

أغريتهم بحمى العدا فجعلته *** بسطاك بعد العز دار هوان

عجلت في تلك العجول قراهم *** - وهم لك الضيفان - بالذيفان

لما أبوا ما في الجفان قريتهم *** بصوارم سلت من الأجفان

وثللت في يوم العريش عروشهم *** بشبا ضراب صادق وطعان

ألجأتهم للبحر لما أن جرى *** منه ومن دمهم معاً بحران

مدح الورى بالبأس إذ خضبوا الظبا *** في يوم حربهم من الأقران

ولأنت تخضب كل بحر زاخر *** ممن تحارب بالنجيع القاني

حتى ترى دمهم وخضرة مائة *** كشقائق نثرت على الريحان

ومنها في وصف الإسطول ونصرته في البحر على الروم :

وكأن بحر الروم حلّقَ وجهه *** وطفت عليه منابت المرجان

ولقد أتى الأسطول حين غزابما *** لم يأتِ في حينٍ من الأحيان

أحبب إليَّ بها شواني أصبحت *** من فتكها ولها العداة شواني

شُبَّهنَ بالغربان في ألوانها *** وفعلنَ فعل كواسر العقبان

أوقرتها عدد القتال فقد غدت *** فيها القنا عوضاً من الأشطان

فأتتك موقرة بسبيٍ بينه *** أسراهم مغلولة الأذقان

حرب عوان حكمتك من العدا *** في كل بكر عندهم وعوان

وأعدت رسل ابن القسيم اليه في *** شعبان كي يتلاءم الشعبان

والفال يشهد باسمه أن سوف يغ- *** -دو الشام وهو عليكما قسمان

ص: 75

منها في مدح نور الدين :

وأراك من بعد الشهيد أباً له *** وجعلته من أقرب الإخوان

وهو الذي ما زال يفعل في العدا *** ما لم يكن ليعدّ في الإمكان

ومنها في وصف قتله البرنس ويصف رأسه على الرمح بمعنى بديع :

قتل البرنس ومَن عساه أعانه *** لما عتا في البغي والعدوان

وأرى البرية حين عاد برأسه *** مرَّ الجنَى يبدو على المرَّان

وتعجبوا من زرقة في طرفه *** وكأنَّ فوق الرمح نصلاً ثاني

فليهنه أن فاز منك بسيدٍ *** أوفى برتبته على كيوان

قد صاغ من أرماحه لمسامع ال- *** أملاك أقراطاً من الخرصان

ص: 76

الحسن بن علي بن ابراهيم بن الزبير.

جاء في معجم الادباء : ابو محمد المصري اخو الرشيد احمد بن علي ، من أهل اسوان من غسان. وكان يلقب بالقاضي المهذب ، مات في ربيع الآخر سنة احدى وستين وخمسمائة بمصر ، وكان كاتباً مليح الخط فصيحاً جيد العبارة ، وكان أشعر من أخيه الرشيد ، وكان قد اختص بالصالح بن رزيك (1) وزير المصريين وحصل له من الصالح مال جم.

وصنف المهذّب كتاب الانساب وهو كتاب كبير اكثر من عشرين مجلداً كل مجلد عشرون كراساً ، رأيت بعضه فوجدته مع تحققي هذا العلم وبحثي عن كتبه غاية في معناه لا مزيد عليه ، يدل على جودة قريحة مؤلفه وكثرة اطلاعه.

وقال العماد الاصبهاني ،

المهذب ابو محمد الحسن بن علي بن الزبير.

هو أخو الرشيد محكم الشعر كالبناء المشيد ، وهو أشعر من أخيه وأعرف بصناعته وإحكام معانيه. توفي قبل أخيه بسنة ، لم يكن في زمانه أشعر منه أحد وله شعر كثير ، ومحل في الفضل أثير. انشدني له نجم الدين

ص: 77


1- تأتي ترجمة الصالح وزير مصر في ايام الفائز الفاطمي والعاضد من بعده والذي استقل في مصر بالامور وتدبير أحوال الدولة ، وكانت ولايته سنة 49 ه.

ابن مصال ببعلبك في رمضان سنة سبعين من قصيدة في الصالح بن رزَّيك يعرض بشاعره المعروف بالمفيد (1) :

لقد شك طرفي والركائب جنح *** أأنت أم الشمس المنيرة أملح

ومنها في الغزل :

يظلُّ جنى العناب في صحن خده *** عن الورد ماء النرجس الغض يمسح

ومنها :

فيا شاعراً قد قال ألف قصيدة *** ولكنها من بيته ليس تبرح

ليهنك - لاهنئت - أن قصائدي *** مع النجم تسرى أو مع الريح تسرح

أنشدني زين الحاج أبو القاسم قال : أرسلني نور الدين إلى مصر في زمان الصالح بن رزيك فلقيت المهذب بن الزبير فانشدني لنفسه :

وشادن ما مثله في الجنان *** قد فاق في الحسن جميع الحسان

لم أرَ إلا عينه جعبة *** للسيف والنصل وحد السنان

ووجدت في بعض الكتب له من قصيدة في مدح الصالح طلائع ابن رزيك بمصر :

وتلقى الدهَر منه بليث غابٍ *** غدت سمرُ الرماح له عرينا

تخال سيوفه إمَّا انتضاها *** جداولَ والرماحَ لها غصونا

وتحسبُ خيلَهُ عقبان دجنٍ *** يرحن من الظلام ويغتدينا

إذا قدحت بجنح الليل أورت *** سناً يُعشى عيونَ الناظرينا

وإن جنحت مع الإصباح عدواً *** أثارت للعجاج به دجونا

كأن الشمس حين تثير نقعاً *** تحاذر من سطاه أن تبينا

ص: 78


1- المفيد هو ابن الصياد احد شعراء طلايع.

وماكسف بدور الأفق إلا *** أسىً إذ أبصرت منه الجبينا

وما اضطربت رماح الخطَّ إلا *** مخافة أن يحطمها مُبينا

وما تندقُّ يوم الروع حتى *** يدُقَّ بها الكواهل والمتونا

عجبتُ لها تصافح من يديه *** - وتوصف بالظما - بحراً مَعينا

ويوردها ولا يحظى برأي *** نطافاً من دروع الدار عينا

وهل يشفى لها أبداً غليل *** وقد شربت دماء الكافرينا

إذ لقيت عيون الروم زرقاً *** حسبت نصالها تلك العيونا

وقائع في العداة له تبارى *** صنائع في العفاة المجتدينا

وإرغامٌ به أبكى عيوناً *** وإنعامٌ أقرَّ به عيونا

وله فيه قصيدة :

أقصر - فديتك - عن لومي وعن عَذَلى *** أو لا فخذ لي أماناً من يد (1) المقل

من كل طرفٍ مريض الجفن تنشدنا *** ألحاظه « ربَّ رامٍ من بني ثُعل »

إن كان فيه لنا وهو السقيم شفاً *** فربما صحّت الأجسام بالعلل

إن الذي في جفون البيض إذ نظرت *** نظير ما في جفون البيض والخلل (2)

كذاك لم يشتبه في القول لفظهما *** إلا كما اشتبها في الفعل والعمل

وقد وقفت على الأطلال أحسبها *** جسمي الذي بعدَ بُعدِ الظاعنين بُلى

أبكي على الرسم في رسم الديار فهل *** عجبت من طلل يبكي على طلل

وكل بيضاء لو مسّت أناملها *** قميص يوسف يوماً قدَّ من قُبُل

يغني عن الدر والياقوت مبسمها *** لحسنها فلها حَلىٌ من العطل

بالخد مِنيّ آثار الدموع كما *** لها على الخدّ آثارٌ من القُبُل

ص: 79


1- في الفوات والطالع السعيد : ظبا.
2- لخلل جمع خلة وهي جفن السيف ، أو بطانة مطرزة بالذهب.

كأن في سيف سيف الدين من خجل *** من عزمه ما به من حمرة الخجل

هو الحسام الذي يسمو بحامله *** زهواًً فيفتك بالأسياف والدول

إذا بدا عارياً من غمده خلعت *** غمدَ الدماء عليه هامةُ البطل

وإن تقلد بحراً من أنامله *** رأيت كيف اقتران الرزق بالأجل

من السيوف التي لاحت بوارقها *** في أنملٍ هي سحب العارض الهطل

فجاءنا لبني رُزّيك مُعجزُها *** بآية لم تكن في الأعصر الأول

تبدو شموساً هُم أقمارُها وترى *** شهبَ القنا في سماء النقع لم تفل (1)

قد غايرت فيهم السمرَ الرقاق رقا *** قُ البيض خلف سجوف النقع في الكلل

إن عانقوا هذه في يوم معركةٍ *** لاحت لهم بتلظي تلك كالشعل

وقد لقوا كلَّ من غاروا بمشبهه *** حتى لقوا النُجلَ عند العرض بالنُجُل (2)

وضارب الروم رومٌ من سيوفهم *** وطاعن العربَ أعرابٌ من الأسل

وهزَّهم لصهيل الخيل تحت صهيل *** البيض ما هزَّ أعطاف القنا الخطل (3)

فالدمُ خمرٌ وأصوات الجياد لهم *** أصوات معبد في الأهزاج والرمل

والخيل قد أطربتها - مثلما طربوا - *** أفعالهم فهي تمشي مشية الثمل

من كل أجرد مختالٍ بفارسه *** إلى الطعان جريح الصدر والكفل

وكل سلهبة (4) للريح نسبتها *** لكنها لو بغتها الريح لم تُنَل

أفارس المسلمين أسمع فلا سميت *** عداك غير صليل البيض في القلل

مقال ناءٍ غريب الدار قد عدم *** الأنصار لولاك لم ينطق ولم يقل

يشكوا مصائب أيام قد اتسعت *** فضاق منها عليه أوسع السبل

يرجوك في دفعها بعد الإله وقد *** يرجى الجليل لدفع الحادث الجلل

وكيف ألقى من الأيام مرزئةً *** جلَّت ولي من بني رزيك كلُّ ولى

ص: 80


1- تفل : تأفل.
2- النجل الاولى : العيون. والثانية ، الطعنات.
3- الخطل : من الخطل ، وهو الاضطراب والتحرك.
4- السلهبة من الخيل ، ما عظم وطال عظامه.

لولاهم كنت أفري الحادثات اذا

نابت بنهضة ماضي العزم مرتجل؟

وكيف أخلع ثوب الذل حيث كفيل

-يل الحرّ بالعزَّ وخد الأنيق الذلل

فما تخاف الردى نفسي وكم رضيتٍ

بالعجز خوف الردى نفس فلم تبل

إني امرؤ قد قتلت الدهر معرفةً

فما أبيت على يأسٍ ولا أمل

إن يُروِ ماءُ الصبا عودي فقد عجمت

منى طروقُ الليالي عود مكتهل

تجاوزت بي مدى الأشياخ تجربتي

قدماً وما جاوزت بي سنَّ مقتبل

وأول العمر خيرٌ من أواخره

وأين ضوءُ الضحى من ظلمة الأصل

دوني الذي ظن اني دونه فله

تعاظمٌ لينال المجد بالحيل

والبدر تعظم في الابصار صورته

ظناً ويصغر في الأفهام عن زحل

ما ضرَّ شعري أني ما سبقتُ الى

( أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل (1) )

فإن مدحي لسيف الدين تاه به

زهواً على مدح سيف الدولة البطل

وله ايضاً :

لا ترج ذا نقص ولو أصبحت *** من دونه في الرتبة الشمسُ

كيوانُ (2) أعلى كوكب موضعاً *** وهو إذا أنصفته نحسُ

وترجمه السيد الامين في الأعيان فقال : أورد له صاحب الطليعة أشعاراً

ص: 81


1- هذ الشطر للمتنبي يقول ما ضر شعره انه لم ينظم ما نظمه المتنبي كناية عن أنه لا يقلّ عنه.
2- كيوان اسم يطلقونه على زحل وهو أشهر الكواكب على الاطلاق ، وقد كان المعتقد الى اوائل القرن التاسع عشر الميلادي انه نهاية المجموعة الشمسية لبعده السحيق وطول فلكه الذي يقطعه في نحو من سنة ، وكان عند العرب مثلاً في العلو والبعد كما قال الطغرائي : وإن علاني من دوني فلا عجب *** لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل كما أنهم ظلموه فجعلوه كوكب النحس.

في أمير المؤمنين علیه السلام وفي أهل البيت علیه السلام لكنه لم يذكر من أين نقلها قال ومن شعره في أمير المؤمنين علیه السلام قوله :

أمير المؤمنين وخير ملجأ *** يسار الى حماه وخير حامي

كأني إن جعلتُ اليك قصدي *** قصدتُ الركن بالبيت الحرام

وخيل لي بأني في مقامي *** لديه بين زمزم والمقام

أيا مولاي ذكرك في قعودي *** ويا مولاي ذكرك في قيامي

وأنت اذا انتبهت سمير فكري *** كذلك أنت أنسي في منامي

وحبّك ان يكن قد حلّ قلبي *** وفي لحمي استكنّ وفي عظامي

فلولا أنت لم تُقبَل صلاتي *** ولولا أنت لم يُقبَل صيامي

عسى أسقى بكاسك يوم حشري *** ويروي حين أشربها أوامي

وأُنعَمُ بالجنان بخير عيش *** بفضل ولاك والنعم الجسام

صلاة الله لا تعدوك يوماً *** وتتبعها التحية بالسلام

وقوله من أخرى في أهل البيت علیهم السلام :

خيرة الله في العباد ومن يع- *** -ضد ياسين فيهم طاسين

والأولى لا تقر منهم جنوب *** في الدياجي ولا تنام عيون

ولهم في القرآن في غسق اللي- *** -ل اذا طرب السفيه حنين

وبكاء ملء العيون غزير *** فتكاد الصخور منه تلين

ومما قاله في الوزير ابي شجاع شاور بن مجير السعدي وزير الخليفة العاضد الفاطمي - كما رواه الحموي في معجم الادباء.

اذا أحرقت في القلب موضع سكناها *** فمن ذا الذي من بعد يكرم مثواها

وإن نزفت ماء العيون بهجرها *** فمن أيِّ عين تأمل العين سقياها

وما الدمع يوم البين إلا لآلىء *** على الرسم في رسم الديار نثرناها

وما أطلع الزهر الربيع وإنما *** رأى الدمع أجياد الغصون فحلاها

ص: 82

ولما أبان البين سر صدورنا *** وأمكن فيها الأعين النجل مرماها

عددنا دموع العين لما تحدّرت *** دروعاً من الصبر الجميل نزعناها

ولما وقفنا للوداع وترجمت *** لعيني عما في الضمائر عيناها

بدت صورة في هيكل فلو أننا *** ندين بأديان النصارى عبدناها

وما طرباً صغنا القريض وانما *** جلا اليوم مرآة القرائح مرآها

ليالي كانت في ظلام شبيبتي *** سراي وفي ليلي الذوائب مسراها

تأرج أرواح الصبا كلما سرى *** بأنفاس ريا آخر الليل رياها

ومهما أدرنا الكأس باتت جفونها *** من الراح تسقينا الذي قد سقيناها

ومنها :

ولو لم يجد يوم الندى في يمينه *** لسائله غير الشبيبة أعطاها

فيا ملك الدنيا وسائس أهلها *** سياسة من قاس الأمور وقاساها

ومن كلَّف الأيام ضد طباعها *** فعاين أهوال الخطوب فعاناها

عسى نظرة تجلو بقلبي وناظري *** صداه فاني دائماً أتصداها

قال العماد في الخريدة : وانشدني الشريف ادريس الحسني للمهذب بن الزبير من قصيدة في مدح ابن رزيك ايضاً أولها :

أمجلسٌ في محلّ العزَّ أم فلك *** هذا؟ وهل مَلِكٌ في الدست أم مَلِكُ

ومنها في المدح :

أغنى عيان معانيه النواظر عن *** قول يُلفق في قوم ويؤتفك

يا واحد الدهر لا رد على إذا *** ما قلتُ ذلك في قولى ولا دَرَك (1)

ما كان بعد أمير المؤمنين فتىً *** فيه الشجاعة - إلا أنت - والنسك

فالفعل منه ومنك اليوم متفق *** والنعت منه ومنك اليوم مشترك

ص: 83


1- 1 - الدرك : التبعة

يدعى بصالح أهل الدين كلهم *** وأنت صالح من بالدين يمتسك

لم ترض أسماء قوم أصبحوا رمما *** كأن القا بهم من بعدهم تُرُك

ومنها :

وافى فأردى رجالاً بعدما نعموا *** دهراً وأحيا رجالاً بعدما هلكوا

قال العماد :

ليس في هذا البيت مدح ولا ذم ، ولا له في الثناء والإطراء سهم ، أحسن بالإحياء ، أساء بالإرداء ، فكفّر بهلاك أولك حياة هؤلاء ولو قال : أردى لئاماً بعدماً نعموا ، وأحيا كراماً بعد ما هلكوا ، لوفىّ الصنعة حق التحقيق ، وأهدى ثمرة المعنى على طبق التطبيق.

طلعتَ والبدرَ نصف الشهر في قرن *** فأشرقت بكما الأرضون والفلك

وأسفر الجوُّ حتى ظنَّ مبصره *** بأن لمع السنا في افقه ضحك

يقود كل مجن ضغن ذي ترةٍ *** يكاد من حره الماذىُّ ينسبك

حتى أعاد بحد السيف ملك بني *** الزهراء واسترجع الحق الذي تركوا

فلو يكون لهم أمثاله عضداً *** فيما مضى ما غدت مغصوبةً فدك

وأنشدني الأمير مرهف بن أسامة بن منقذ للمهذب بن الزبير من أبيات :

بالله يا ريح الشما *** ل إذا اشتملت الليل بردا

وحملتِ من نشر الخزا *** مى ما اغتدى للندِّ ندَّا

ونسجت في الأشجار *** بين غصونهنَّ هوىً وودَّا

هُبّي على بردى عساه *** يزيد من مسراك بردا

أحبابنا ما بالكم *** فينا من الأعداء أعدى

وحياة ودّكُم وتر *** بة وصلكم ما خنتُ عهدا

ص: 84

وأنشدني له من قصيدة أولها :

رِبعَ الفؤادُ خلال تلك الأربع *** فكأنها أَولى بها من أضلعي

منها في المديح في ابن رزيك الصالح وكان يغري الشعراء بعضهم بالبعض :

يا أيها الملك الذي أوصافه *** غُرَرٌ تجلّت للزمان الأسفع

لا تطمع الشعراء فيّ فإنني *** لو شئتُ لم أجبن ولم أتخشَّع

إن لم أكن ملء العيون فإنني *** في القول يا ابن الصِّيد ملء المسمع

فليمسكوا عني فلولا أنني *** أُبقي على عرضي إذن لم أجزع

وأهمُّ من هجوي لهم مدحُ الذي *** رفع القريض إلى المحل الأرفع

ولو أنه ناجى ضميري في الكرى *** طيف الخيال بريبة لم أهجع

وإذا بدا لي الهجر لم أر شخصه *** وإذا يقال لي الخنا لم أسمع

والناس قد علموا بأني ليس لي *** مذ كنت في أعراضهم من مطمع

ومنها في صفة الشعر : *** فلأكسونَّ علاك كلَّ غريبةٍ

ولجت بلطفٍ سَمعَ مَن لم يسمع *** خُتمت بما ابتدئت به فتقابلت

أطرافها بموشح ومرصَّع *** والشعر ما إن جاء فيه مطلع

حسن أُضيف إليه حسنُ المقطع *** كالورد : أوَّله بزهرٍ مونقٍ

يأتي ، وآخره بماءٍ مُمتع

وأنشدني له القاضي الأشرف أبو القاسم حمزة بن القاضي السعيد بن عثمان قال أنشدني والدي علي بن عثمان المخزومي ، قال أنشدني المهذب بن الزبير لنفسه في ابن شاور المعروف بالكامل :

وخاصمني بدر السما فخصمته *** بقولي فاسمع ما الذي أنا قائل

أتى في انتصاف الشهر يحكيك في البها *** وفي النور لكن أين منك الشمائل

فقلت له يا بدر إنك ناقص *** سوى ليلةٍ والكامل الدهر كامل

ص: 85

وأنشدني بعض المصريين له من قصيدة أولها :

أغارت علينا باللحاظ عيون *** لها الحسن من خلف النقاب كمين

وسلت علينا من غمود جفونها *** كذلك أسماءُ الغمود جفون

ومنها :

أعر نظم شعري منك عيناً بصيرةً *** ففي طيّهِ للكيمياءِ كمينُ

فقد شاركتنا فيه كفك إذ غدت *** عليه لنا عند العَطاء تعين

وأنشدني له أيضاً :

لقد جرَّد الإسلام منك مهنّداً *** حديداً شباه لا يداوي له جُرح

إقامة حدّ الله في الخلق حدَّهُ *** إذا سلَّهُ والصفح عنهم له صفح

وله :

وذى هَيَفٍ يدعى بموسى بطرفه *** بقيّةُ سحرٍ تأخذ العين والسمعا

وحياته أصداغه وعذاره *** يُخيَّلُ لي في وجهه أنها تسعى

وله في غلام له خال بين عينيه :

ومهفهف أسياف مقلته *** أبداً تريق من الجفون دما

عيناه في قلبي تنازعتا *** فسواده قد ظلَّ بينهما

وله في غلام تغرغرت عيناه عند الوداع :

ومرنّح الأعطاف تحسب أنَّه *** رمح ولكن قدَّ قلبي قدُّه

إن قلت إنّ الوجه منه جنَّة *** أضحى يكذبني هنا لك خدُّه

ولئن ترقرق دمعه يوم النوى *** في الطرف منه وما تناثر عقدُه

فالسيف أقطع ما يكون إذا غدا *** متحيرّاً في صفحتيه فرنده (1)

ص: 86


1- فرند السيف : جوهره.

وله :

هم نصب عيني : أنجدوا أو غاروا *** ومنى فؤادي : أنضفوا أو جاروا

وهم مكان السر من قلبي وإن *** بعدت نوى بهمُ وشطَّ مزار

فارقتهم وكأنهم في ناظري *** مما تُمثّلهم لي الأفكار

تركوا المنازل والديار فما لهم *** إلا القلوب منازلٌ وديار

واستوطنوا البيد القفار فأصبحت *** منهم ديار الإنس وهي قفار

فلئن غدت مصر فلاة بعدهم *** فلهم بأجواز الفلا أمصار

أو جاوروا نجداً فلي من بعدهم *** جاران : فيض الدمع والتذكار

ألفوا مواصلة الفلا والبيد مذ *** هجرتهم الأوطان والأوطار

بقلائص مثل الأهلة عندما *** تبدو ولكن فوقها أقمار

وكانما الآفاق طراً أقسمت *** ألا يقر لهم عليه قرار

والدهر ليل مذ تناءت دارهم *** عني وهل بعد النهار نهار

لي فيهم جار يمت بحرمتي *** إن كان يحفظ للقلوب جوار

لا بل أسير في وثاق وفائه *** لهم فقد قتل الوفاء إسار

ومنها :

أمنازل الأحباب غيّرك البلى *** فلنا اعتبار فيك واستعبار

سقياً لدهر كان منك تشابهت *** أوقاته فجميعه أسحار

قصرت لي الأعوام فيه فمذ نأوا *** طالت بي الأيام وهي قصار

يا دهر لا يغررك ضعف تجلدي *** إني على غير الهوى صبَّار

وله :

كأن قدودهم أنبتت *** على كثب الرمل قضبانها

حججنا بها كعبة للسرور *** ترانا نمسِّح أركانها

فطوراً أعانق أغضانها *** وطوراً أنادم غزلانها

ص: 87

على عاتق إن خبت شمسنا *** فضضنا عن الشمس أدنانها

وإن ظهرت لك محجوبة *** قرأت بأنفك عنوانها

كميت من الراح لكنما *** جعلنا من الروح فرسانها

إذا وجدت حلبة للسرور *** وكان مدى السكر ميدانها

يطوف بها بابلي الجفون *** تفضح خداه ألوانها

إذا ما ادعت سقماً مقلتاه *** أقمت بجسمي برهانها

بكأس إذا ما علاها المزاج *** أحال الى التبر مرجانها

كأن الحبّاب وقد قلد *** ته درٌ يفصل عقيانها

ومسمعة (1) مثل شمس الضحى *** أضافت إلى الحسن إحسانها

وراقصة رقصها للحون *** عروض تقيد أوزانها

ولما طوى الليل ثوب النهار *** وجرّت دياجيه أردانها

جلونا عرائس مثل اللجين *** ضنعنا من النار تيجانها

وصاغت مدامعها حلية *** عليها توشح جثمانها

رماحاً من الشمع تفري الدجى *** إذا صقل الليل خرصانها

بها ما بأفئدة العاشقين *** فليست تفارق نيرانها

وقد أشبهت رقباء الحبيب *** فما يدخل الغمض أجفانها

وفيها دليل بأن النفو *** س تبقى وتذهب أبدانها

ومن شعره ما أورده أخوه في ( الجنان ) وهو قوله :

لم تنل بالسيوف في الحرب إلا *** مثلما نلت باللواحظ منا

وعيون الظبا ظبا وبهذا *** سُمي الجفن للتشابه جفنا

وقوله :

وقد أنكروا قتلي بسيف لحاظه *** ولو أنصفوني ما استطاعوا له جحدا

وقالوا دع الدعوى فما صَحَّ شاهدٌ *** عليها ولسنا نقبل الكفَّ والخدا

ص: 88


1- المسمعلة ، المغنية.

ولو كان حقاً ما تقول وتدَّعي *** على مقلتيه عاد نرجسها وردا

وما علموا أن الحسام بسفكِهِ *** دمَ القِرِن يوماً عُدَّ أمضى الظُبَا حدَّا

وقوله :

لقد طال الليل بعد فراقه *** وعهدي به لولا الفراق قصير

وكيف أرجَّي الصبح بعدهم وقد *** توَّلت شموسٌ منهمُ وبدور

وقوله :

ليت شعري كيف أنتم بعدنا *** أترى عندكم ما عندنا

بنتم والشوق عنا لم يبن *** وظعنتم والأسى ما ظعنا

ومنها :

قل لمسرورين بالبين - وقد *** شفَّنا من أجلهم ما شفَّنا -

لم يهن قط علينا بعدكم *** مثلما هان عليكم بعدنا

ولقد كنَّا نعزِّي النفس لو *** كنتم قبلَ التنائي مثلنا

لم تبالوا إذ رحلتم غدوةً *** أيُّ شيء صنع الدهر بنا

سهرت أجفاننا بعدكم *** فكأنا ما عرفنا الوسنا

لا رأت عين رأت من بعدكم *** غير فيض الدمع شيئاً حَسَنا

ومنها :

واخدعوا العين بطيف مثلما *** تخدع القلب أحاديث المنى

وقوله :

ويا عجباً متى النسيم يخونني *** ويضرم نيران الأسى بهبوبه

تحمّله سلمى إلينا سلامها *** فيكتمه ألا يضوع بطيبه

ص: 89

وقوله من قصيدة :

أترى بأي وسيلة أتوسل *** لم تجملوا بي في الهوى فتجملوا (1)

أشكو وجوركم يزيد وما الذي *** يغنى المتيم أن يقول وتفعلوا

إن أصبحت عيني لدمعي منهلاً *** فالعين في كل اللغات المنهل

وقوله في المديح من قصيدة :

عضدت الندى بالبأس تقضي على العدا *** سيوفك أو نقضي عليك المكارم

سحائب جود في يديك تضمنت *** صواعقَ ظنوا أنهنَّ صوارم

إذا ما عصت أمراً لهنَّ قلوبهم *** ضلالاً أطاعت أمرهنَّ الجماجم

ومنها :

وغر على غر جياد كأنما *** قوائمها يوم الطراد قوادم

إذا ابتدروا في مأقط (2) فرحت بهم *** صدور المذاكي والقنا والصوارم

ومنها في صفة السيوف :

تريك بروقاً في الأكف تدلنا *** على ان هاتيك الأكف غمائم

وقوله في الوزير رضوان بن ولخشى :

إذا قابلته ملوك البلا *** دخَّرت على الأرض تيجانها

ولله في أرضه جنَّة *** بمصر ورضوان رضوانها

وقوله من قصيدة في المدح :

وقبلَ كفّك - لا زالت مقبّلةً - *** ما إن رأينا سحاباً قطره بِدَرٌ

ص: 90


1- تجمل بتشديد اللام تكلف الجميل ، ولم تجملوا : أي لم تصنعوا الجميل.
2- المأقط ، ميدان القتال.

حيت وأردت فمن أنوائها أبداً *** صوبُ الندى والردى في الناس منهمر

أعيت صفاتك فكري وهي واضحة *** فالشمس يعجر عن إدراكها البصر

وقوله من قصيدة :

جمعَ الفضائل كلها فكأنما *** أضحى لشخص المكرمات مثالا

ما كان يبقي عدلُه متظلماً *** لو كان ينصف جوده الأموالاً

لا يرتضي في الجود سبقَ سؤال من *** يرجوه حتى يسبق الآمالا

وقوله من المراثي في كبير ، عقب موته نزول مطر كثير :

بنفسي من أبكى السموات موته *** بغيث ظنَّناه نوال يمينه

فما استعبرت إلا أسىً وتأسفاً *** وإلا فماذا القطر في غير حينه؟

وقوله :

فإن تكُ قد غاضت بجود أكفِّكم *** عيون وفاضت بالدموع عيون

وخانتكُم - والدهر يرجى ويتَّقى *** حوادث أيام تفي وتخون

فلا تيأسوا إن الزمان صروفه *** وأحداثه مثل الحديث شجون

وقوله من قصيدة :

هو الدهر ، فانظر أي قون تحاربه *** وقد دهمتنا دهمه وأشاهبُه (1)

ليال وأيامٌ يُغَرُّ بها الورى *** وما هي إلا جنده وكتائبه

ومنها :

وما سُمُّه غير الكرام كأنما *** مناقبهم - عند الفخار - مثالبه

ومنها :

لقد غاب عن أفق العلا كل ماجدٍ *** له حاضر المجد التليد وغائبه

ص: 91


1- يريد الليالي والأيام على التشبيه بالخيل.

إذا ذكرته النفس بتُّ كأنني *** أسيرُ عداً سدت عليه مذاهبه

وكم ليلة ساهرت أنجم أفقها *** إذا غاب عني كوكب لاح صاحبه

يطول عليَّ الليل حتى كأنما *** مشارقه للناظرين مغاربه

وقد أسلم البدر الكواكب للدجى *** وفاءً لبدرٍٍ أسلمته كواكبه

يخيل لي أن الظلام عجاجة *** وأن النجوم الساريات مواكبه

وأن البروق اللامعات سيوفه *** وأن الغيوث الهامعات مواهبه

ومنها :

فقل لليالي بعد ما صنعت بنا *** ألا هكذا فليسلب المجد سالبه

وقوله في العتاب والهجاء من قصيدة :

خليلي إن ضاقت بلاد برحبها *** ورائي فما ضاق الفضاء أماميا

يظن رجال أنني جئتُ سائلا *** فاسخطني أن خاب فيهم رجائيا

وما أنا ممن يستفز بمطمع *** فيخلفه منه الذي كان راجيا

ولكنني أصفيت قوماً مدائحي *** فأصبح لي تقصيرهم بي هاجيا

فإن كنتُ لا أُلفي على المنح ساخطاً *** كذلك لا أُلفي على البذل راضيا

محاسن لي فيهم كثيرٌ عديدها *** ولكنها كانت لديهم مساويا

تُقلّدهم من درّ نحري قلائداً *** ولو شئتُ عادت عن قليلٍٍ أفاعيا

ومنها :

ولو كنتُ أنصفتُ المدائح فيهمُ *** لصيّرتُها للأكرمين مراثيا

وقوله في ذم الزمان :

كم كنت أسمع أن الدهر ذو غيرٍ *** فاليوم بالخُبر أستغني عن الخَبَرِ

ص: 92

ومنها :

تشابه الناس في خلق وفي ( خُلُق ) *** تشابه الناس في الأصنام في الصور

ولم أبت قط من خلقٍ على ثقةٍ *** إلا وأصبحت من عقلي على غرر

لا تخدعني بمرئي ومستمع *** فما أصدّقُ لا سمعي ولا بصري

وكيف آمن غيري عند نائبة *** يوماً إذا كنتُ من نفسي على حذر

تأبى المكارم والمجد المؤثل لي *** من أن أقيم وآمالى على سفر

إني لأشهرُ في أهل الفصاحة من *** شمسٍ وأسير في الآفاق من قمر

وسوف أرمي بنفسي كل مهلكة *** تسرى بها الشهب إن سارت على خطر

إما العُلا وإليها منتهى أملي *** أو الردّى وإليه منتهى البشر

وقوله :

لا تنكرنَّ من الأنام تفاوتاً *** إذ كان ذا عبداً وذلك سيّدا

فالناس مثل الأرض منها بقعة *** تلقى بها خبثاً وأخرى مسجدا

وقوله :

ومن نكد الأيام أني كما ترى *** أكابد عيشاً مثل دهري أنكدا

أمنت عداتي ثم خفت أحبتي *** لقد صدقوا إن الثقات همُ العدا

ومن شعره في عدة فنون قوله :

لا تطمعن في أرض أن أقيم بها *** فليس بيني وبين الأرض من نسب

حيث اغتربت فلي من عفتي وطنٌ *** آوى إليه وأهل من ذوي الأدب

لولا التنقل أعيا أن يبين على *** باقي الكواكب فضل السبعة الشهب

ص: 93

وقوله في شمعة :

ومصفرَّة لا عن هوى غير أنها *** تحوز صفات المستهام المعذَّب

شجوناً وسقماً واصطباراً وادمعاً *** وخفقاً وتسهيداً وفرط تلهب

إذا جمشتها (1) الريح كانت كمعصم *** يردُّ سلاماً بالبنان المخضَّب

وقوله :

لئن زادني قرب المزار تشوقاً *** للقياك ، آدى فعله عدم الحسِّ

فما أنا إلا مثل ساهر ليلة *** بدا الفجر فازداد اشتياقاً إلى الشمس

ص: 94


1- التجميش ، الملاعبة والمغازلة.

طلايع بن رُزَّيك

يا تربة بالطف جادت *** فوقك الديم الهموعه

وغدا الربيع مقيدا *** في ربعك العافي ربيعه

حتى يرى الدمن المروعة *** منك مخصبة ضريعه

ولئن أخيف حيا السحائب *** فيك أن يذري دموعه

وحمتك بارقة العدى *** عن كل بارقة لموعه

فلقد سقيت من الروابي *** الطهر عن ظمأ نجيعه

اذ ضيع القوم الشريعة *** فيه لحفظهم الشريعه

منعت لذيذ الماء منه *** كتائب منهم منيعه

قد أشرعت صم القنا *** فحمته من ورد شروعه

غدرت هناك وما وفت *** مضر العراق ولا ربيعه

لما دعته أجابها *** ودعا فما كانت سميعه

شاع النفاق بكربلا *** فيهم وقالوا : نحن شيعه

هيهات ساء صنيعهم *** فيها وما عرفوا الصنيعه

يا فعلة جاؤا بها *** في الغدر فاضحة شنيعه

خاب الذي أضحى الحسين *** لطول شقوته صريعه

أفذاك يرجو ان يكون *** محمد أبداً شفيعه

عجباً لمغرورين ضيّع *** قومهم بهم الوديعة

ص: 95

ولأمة كانت الى *** ما شاء خالقها سريعه

وغدت بحق نبيها *** في حفظ عترته مضيعه

جار الظلال بها و *** نور الحق قد أبدى سطوعه

عصت النبي وأصبحت *** لسواه سامعة مطيعه

باعت هناك الدين *** بالدنيا وخسران كبيعه

ما كان فيما قد مضى *** اسلامها إلا خديعه

تحت السقيفة أضمرت *** ما بالطفوف غدت مذيعه

فلذاك طاوعت الدعي *** وكثرت منه جموعه

بجيوش كفر قد غدا *** ذاك النفاق لها طليعه

أبني أمية ان فعلكم *** بهم بئس الذريعة

وأبو بنيه وصهره *** وأخوه ذو الحكم البديعه

ووصيه وأمينه *** بعد الوفاة على الشريعه

ما حل مسجده ولا *** بيت البتول ولا بقيعه

صبراً أمير المؤمنين فأ *** نت ذو الدرج الرفيعه

صلة البني اليك كانت *** منهم سبب القطيعه

ص: 96

الملك الصالح فارس المسلمين طلايع بن رُزّيك المولود سنة خمس وتسعين وأربعمائة بأرمينية ، مدينة بأذربيجان ونشأ وتربى على الفضل والأدب والكمال وكبر النفس وسمو الغاية وبُعد المقصد وقوَّة العقيدة ، قال المقريزي في خططه : وكان محافظاً على الصلاة ، فرائضها ونوافلها شديد المغالاة في التشيع. قال ابن العماد : وكان يجمع الفقهاء ، ويناظرهم على الإمامة وعلى القدر.

تولى الوزارة للخليفة الفائز سنة 549 ويسمى : الملك الصالح ولم يلقب أحد من الوزراء قبله بالملك. وعلا نجمه وارتفع شأنه وعظمت هيبته لما أبداه من بطولة وسياسة وحنكة وفراسة مضافاً إلى سماحة كفه وفيض نائلة وبره بالعلماء والأدباء وإكرامه وتقديره للشعراء والفضلاء ، وكان كما قيل فيه :

حاز الملك الصالح طلايع من العلوم والاداب ما لم يدانه فيه احد من الامراء والملوك في زمانه وسمع من الشعرفاكثر ، وكان متكلماً شاعراً أديباً عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا مع مسؤوليته السياسية والتفكير في شؤون الجيش وإعداده وتأميم حياتهم الفردية والاجتماعية وما يفتقرون اليه من العتاد والأسلحة والذخائر الحربية ، كيف لا وفي نفسيته الكبيرة ذلك الأمل والطموح في غزو الصليبيين وقتلهم وشن الحملات والغارات عليهم. وقد أجمع المؤرخون على فضله وعلمه وعظيم مواهبه.

قال علي بن أحمد السخاوي الحنفي : جمع له بين السلطنة والوزارة وكان

ص: 97

مجاهداً في سبيل الله ، وهو الذي أنشأ الجامع تجاه باب زويلة المعروف الآن يجامع الصالح. وهو بظاهر القاهرة.

وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : الملك الصالح فارس المسلمين كان وزير مصر للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز ، وتزوج العاضد بابنته ، وكان فاضلاً سمحاً في العطاء محباً لأهل الأدب.

ويقول المقريزي : كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب جيِّد الشعر ، رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مهاباً في شكله ، عظيماً في سطوته ، ولم يترك مدة أيامه غزو الفرنج وتسيير الجيوش لقتالهم في البر والبحر ، وكان يخرج البعوث في كل سنة مراراً ، وكان يحمل في كل عام الى اهل الحرمين بمكة والمدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون اليه من الكسوة وغيرها حتى يحمل إليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها ، والأقلام والمداد.

وفي سنة 559 كانت المؤامرة على اغتياله وقتله ، وبكاه الناس وندبته المحافل ورثته الشعراء منهم الفقيه عمارة اليمني رثاه بقصائدة كثيرة منها قوله :

أفي اهل ذا النادي عليهم أسائله *** فإني لما بي ذاهب اللب ذاهله

سمعت حديثاً أحسد الصم عنده *** ويذهل داعيه ويخرس قائله

فهل من جواب يستغيث به المنى *** ويعلو على حق المصيبة باطله

وقد رابني من شاهد الحال أنني *** أرى الدست منصوبا وما فيه كافله

ورثاه أبو الندى حسان بن نمير بقصيدة مستهلها :

جلّ ما أحدثت صروف الليالي *** عند مستقطم العلى والجلال

ملك بعد قبضه بسط الخط- *** -ب يديه إلى بني الآمال

ص: 98

جادت العين بعد بخل عليه *** بيواقيت دمعها واللآلي

وغدا كل ناطق بلسان *** موجعاً في قائلاً : ما احتيالي

والذي كف كفُّه أيديَ الفقر *** بما بث من جزيل النوال

حلَّ في الترب منه من كان *** يرجوه ويخشاه كل حي حلال

دفن بالقاهرة ثم نقل ولده العادل سنة 557 رفات أبيه من القاهرة الى مشهد بني له في القرافة.

وقال الشيخ القمي في الكني : الملك الصالح ابو الغارات طلايع بن رزيك بضم الراء وتشديد الزاي المكسورة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها كاف ، فارس المسلمين كان وزير مصر للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز ، وتزوج العاضد بأبنته ، وكان فاضلاً سمحا في العطاء محبا لأهل الأدب ، حكي انه ارسلت له عمة العاضد الخليفة من قتله بالسكاكين ولم يمت من ساعته وحمل الى بيته وارسل يعتب على العاضد فاعتذر وحلف وارسل عمته اليه فقتلها ، ثم مات وكان ذلك في 19 شهر رمضان سنة 556 واستقر ابنه رزيك في الوزارة ولقب الملك العادل ، وكان لطلايع المذكور شعر حسن فمنه قوله :

ابى الله إلا أن يدين لنا الدهر *** ويخدمنا في ملكنا العز والنصر

علمنا بأن المال تفنى ألوفه *** ويبقى لنا من بعده الذكر والاجر

خلطنا الندى بالبأس حتى كأننا *** سحاب لديه الرعد والبرق والقطر

وله رحمه الله :

بحب علي أرتقي منكب العلى *** وأسحب ذيلي فوق هام السحائب

إمامي الذي لما تلفظت باسه *** غلبت به من كان بالكثر غالبي

وله :

وفي الطائر المشوي أوفى دلالة *** لو استيقظوا من غفلة وسبات

وفي نسمة السحر طلايع بن رزيك وزير مصر الملك الصالح فارس المسلمين

ص: 99

الذي قتل في 19 رمضان سنة 559 كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب شديد المغالات في التشيع له كتاب الاعتماد في الرد على اهل العناد وناظرهم عليه وهو يتضمن امامة اميرالمؤمنين «ع» وهو ممن أظهر مذهب الامامية ومن شعره :

يا امّةً سلكت ضلالا بيّناً *** حتى استوى اقرارها وجحودها

قلتم الا إن المعاصي لم تكن *** إلا بتقدير الاله وجودها

لو صح ذا كان الاله بزعمكم *** منع الشريعة أن تقام حدودها

حاشا وكلا ان يكون إلهنا *** ينهى عن الفحشاء ثم يريدها

قال المقريزي في الخطط ج 4 ص 8 زار الملك الصالح مشهد الامام علي بن ابي طالب رضی الله عنه في جماعة من الفقراء وإمام مشهد علي رضی الله عنه يومئذ السيد إبن معصوم (1) فزار طلايع وأصحابه وباتوا هناك فرأى السيد في منامه الإمام صلوات الله عليه يقول له : قد ورد عليك الليلة أربعون فقيراً من جملتهم رجل يقال له : طلايع من رزيك بن اكبر محبينا فقل له : إذهب فإنا قد وليناك مصر. فلما أصبح أمر من ينادي : من فيكم اسمه طلايع بن رزيك؟ فليقم الى السيد ابن معصوم فجاء طلايع الى السيد وسلم عليه فقص عليه رؤياه ، فرحل الى مصر وأخذ امره في الرقي ، فلما قتل نصر بن عباس الخليفة الظافر إسماعيل إستثارت نساء القصر لأخذ ثاراته بكتاب في طيه شعورهن ، فحشد طلايع الناس يريد النكبة بالوزير القاتل ، فلما قرب من القاهرة فر الرجل ودخل طلايع المدينة بطمأنينة وسلام ،

ص: 100


1- 1 - قال السيد ابن شدقم في ( تحفة الازهار ) كان ابو الحسن ابن معصوم ابن ابي الطيب احمد سيداً شريفاً جليلاً عظيم الشأن رفيع المنزلة ، كان في المشهد المغروي كبيراً عظيماً ذا جاه وحشمة ورفعة وعز واحترام عليه سكينة ووقار انتهى قال الشيخ الاميني رحمه الله في (الغدير) وهو جد الامرة الکريمة النجفية المعروفة اليوم ببيت الخرسان.

فخلعت عليه خلايع الوزارة ولقب بالملك الصالح ، فارس المسلمين نصير الدين فنشر الأمن وأحسن السيرة ( ثم ذكر حديث قتله ) وقال : كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب جيد الشعر رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مهاباً في شكله عظيماً في سطوته ، وجمع أموالاً عظيمة ، وكان محافظاً على الصلوات فرايضها ونوافلها شديد المغالاة في التشيع صنف كتاباً سماه ( الاعتماد في الرد على أهل العناد ) جمع له الفقهاء وناظرهم عليه وهو يتضمن إمامة علي بن ابي طالب « ع » وله شعر كثير يشتمل على مجلدين في كل فن فمنه في إعتقاده ومنه قوله :

( يا امة سلكت ضلالاً بيناً ) الأبيات :

وله قصيدة سمّاها [ الجوهريَّة في الرد على القدريَّة ]. ثمَّ قال :

ويروى : أنه لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قال : هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام أمير المؤمنين علیه السلام وأمر بقراءة مقتله واغتسل وصلى مائة وعشرين ركعة أحيى بها ليله وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته واضطرب لذلك وجلس في دهليز دار الوزارة فأحضر ابن الصيف - وكان معروفاً بلف عمايم الخلفاء والوزراء وله على ذلك الجاري الثقيل - ليصلح عمامته ، فقال له رجل : إنَّ هذا الذي جرى يتطيَّر منه فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل. فقال : ألطيرة من الشيطان وليس الى التأخير سبيل. ثم ركب فكان من أمره ما كان. وقال في ج 2 ص 284 : قال إبن عبد الظاهر : في مشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه قد ذكرنا أن طلايع ابن رزيَّك المنعوت بالصالح كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخار فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا : لا يكون ذلك إلا عندنا فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرخام إليه وذلك في خلافه الفائز

ص: 101

على يد طلايع في سنة تسع وأربعين وخمسمائه ، وسمعت من يحكي حكاية يستدل بها على بعض شرفه هذا الرأس الكريم المبارك وهي : أنَّ السلطان الملك الناصر رحمه الله لما أخذ هذا القصر وشي إليه بخادم له قدر في الدولة المصرية وكان بيده زمام القصر وقيل له : إنه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن فأخذ وسئل فلم يجب بشيء وتجاهل فأمر صلاح الدين نوَّابه بتعذيبه فأخذه متولي العقوبة وجعل على رأسه خنافس وشدَّ عليها قرمزية ، وقيل ، إن هذه أشدَّ العقوبات وان الانسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلَّا تنقب دماغه وتقتله ففعل ذلك به مراراً وهو لا يتأوَّه وتوجد الخنافس ميتة فعجب من ذلك وأحضره وقال له :

هذا سرَّ فيك ولا بد أن تعرفني به. فقال : والله ما سبب هذا إلا أني لما وصلت رأس الإمام الحسين حملتها. قال : وأي سر أعظم من هذا. وراجع في شأنه فعفا عنه.

ص: 102

تحقيق عَن موضع رَأس الحسَيْن

وهنا يجدر بنا أن نذكر تحقيقاً عن رأس الحسين علیه السلام فقد اختلفت الروايات فيه حتى ذكر السيد الأمين في أعيان الشيعة سبعة أقوال في الرأس الشريف (1).

وقال الشبلنجي في نور الأبصار : اختلفوا في رأس الحسين رضی الله عنه بعد مسيره الى الشام الى اين سار وفي أي موضع استقر ، فذهبت طائفة الى أن يزيد أمر ان يطاف به في البلاد ، فطيف به حتى انتهي به إلى عسقلان فدفنه أميرها بها ، فلما غلب الفرنج على عسقلان افتداء منهم الصالح طلايع وزير الفاطميين بمال جزيل ومشى إلى لقائه من عدة مراحل ووضعه في كيس حرير أخضر على كرسي من الابنوس وفرش تحته المسك والطيب وبنى عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة قريباً من خان الخليلي (2).

القول الثاني انه في النجف عند أبيه أمير المؤمنين علیه السلام ، ذهب اليه بعض علماء الشيعة استناداً الى أخبار وردت بذلك في الكافي والتهذيب وغيرهما من طرق الشيعة عن الأئمة علیهم السلام .

ص: 103


1- ج 4 القسم الاول ص 390 من الأعيان.
2- نور الابصار ص 192.

وفي بعضها ان الصادق سلام الله عليه قال لولده اسماعيل : انه لما حمل الى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين ، وهذا القول مختص بالشيعة (1) وفي جملة من الأخبار أن الرأس الشريف مدفون في النجف عند أمير المؤمنين ، وعقد له في الوسائل باباً مستقلاً عنوانه ( باب استحباب زيارة رأس الحسين عند قبر أمير المؤمنين ) واستحباب صلاة ركعتين لزيارة كل منهما (2).

وفي الكافي عن ابان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبدالله علیه السلام فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين ، ثم تقدم قليلاً فصلى ركعتين ، ثم سار قليلاً فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال : هذا موضع قبر أميرالمؤمنين.

قلت جعلت فداك والموضعين الذين صليت فيهما ، فقال : موضع رأس الحسين ، وموضع منزل القائم ، قال السيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم : ولعل موضع القائم المائل هو مسجد الحنانة قرب النجف ، نقل هذا عن الشهيد رحمه الله . اقول ومن هذا نعرف ان هذا المكان من المساجد القديمة المشهورة وانه فيه مقام للامام الصادق علیه السلام .

قال المحدث الشيخ عباس القمي في سفينة البحار : ان في ظهر الكوفة عند قائم الغري مسجد يسمى بالحنانة فيه يستحب زيارة الحسين لأن رأسه وضع هناك ، قال المفيد والسيد ابن طاووس والشهيد رضوان الله عليهم في باب زيارة اميرالمؤمنين :

فاذا بلغت العلم (3) وهي الحنانة فصل هناك ركعتين فقد روى محمد بن ابي عميرة عن المفضل بن عمر قال : جاز الصادق بالقائم المائل في طريق الغري

ص: 104


1- أعيان الشيعة للسيد الأمين.
2- تحفة العالم في شرح خطبة المعالم للسيد جعفر بحر العلوم.
3- اسم للمكان بفتح اللام.

فصلى ركعتين ، فقيل له ما هذه الصلاة فقال : هذا موضع رأس جدي الحسين « وضعوه هنا لما توجهوا من كربلا ثم حملوه الى عبيد الله بن زياد ، فقل هناك : اللهم انك ترى مكاني وتسمع كلامي ولا يخفى عليك شيء من امري - الدعاء.

وجاء في موسوعة العتبات المقدسة للاستاذ جعفر الخليلي - قسم النجف - قال : وعن الكامل في التاريخ ج 9 ص 411 : القائم هو بناء من آجر وكلس قيل انه كان علماً تهتدي به السفن لما كان البحر يجىء الى النجف. انتهى. اقول وفي ايامنا هذه اجريت تعميرات واصلاحات واسعة في الحنانة وقامت القصور بجنبها بعد ما كانت بناية بسيطة منفردة في البرّ تتألف من جدران قديمة وأثر خاوي فامتدت اليها ايدي اهل الخير فاتسعت وازدانت وتأثثت وتنورت بالكهرباء وذلك من كثرة ما تحدثنا للناس في محافلنا ومنابرنا عن قدسية هذا المكان وحرمة هذا المسجد المعظم وما يجب من حقه على مجاوريه بالدرجة الاولى وقد كتب على بابه من نظم زميلنا الخطيب المرحوم السيد مهدي الاعرجي.

مسجد الحنانة السامي عُلا *** كاد بالفضل يضاهي المسجدين

جهلوه الناس قدراً وهو في *** قدره ضاهى السهى والفرقدين

رفع الله تعالى شأنه *** فتعالى شأنه في النشأتين

كيف لا يرفعه الله علا *** وبه قد وضعوا رأس الحسين

القول الثالث ان الرأس الشريف دفن بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة الزهراء وان يزيد ارسله عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند أمه الزهراء. (1)

ص: 105


1- الفراديس بلغة الروم البساتين.

القول الرابع انه في الشام حكاه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات انه بدمشق ، حكى ابن ابي الدنيا قال : وجد رأس الحسين في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس (1) عند البرج الثالث مما يلي المشرق ، وكأنه هو المعروف الآن بمشهد رأس الحسين بجانب المسجد الأموي وهو مشهد مشيّد معظم.

القول الخامس انه بالمشهد القاهري قال الشعراني في ( المنن ) ان رأس الحسين حقيقة في المشهد الحسيني قريباً من خان الخليلي وان طلايع بن رزيك نائب مصر نقله ومشى هو وعسكره حفاة من ناحية قطية الى مصر ، في قصة طويلة ، قال الشبلنجي : وفي كتاب الخطط للمقريزي - بعد كلام على مشهد الحسين ما نصه : وكان حمل الرأس الشريف الى القاهرة من عسقلان ووصوله اليها في يوم الاحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان واربعين وخمسمائة ، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الامير سيف المملكة تميم والقاضي المؤتمن بن مسكين وحصل في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكورة ، ويذكر ان هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف وله ريح كريح المسك فقدم به الاستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة وانزل به الى الكافوري ثم حمل في السرداب الى قصر الزمرد ثم دفن عند قبة الديلم.

السادس انه أعيد الى الجسد الشريف بكربلاء ، قال السيد ابن طاووس في اللهوف : وكان عمل الطائفة على هذا المعنى. وقال المجلسي : المشهور بين علمائنا - الامامية - انه أعيد الى الجسد ، وعن المرتضى في بعض مسائله انه رد الى كربلاء مع الجسد وقال الطوسي ومنه زيارة الأربعين.

وفي الجملة ففي أي مكان كان رأسه فهو ساكن في القلوب والضمائر قاطن

ص: 106


1- الفراديس بلغة الروم : البساتين.

في الاسرار والخواطر ، قال علي جلال الحسيني المصري : عن تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي قال : وأنشدنا بعض أشياخنا :

لا تطلبوا المولى الحسين *** بارض شرق أو بغرب

ودعوا الجميع وعرّجوا *** نحوي فمشهده بقلبي

وقال الآخر :

لا تطلبوا رأس الحسين فانه *** لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدّلكم *** في انه المقبور وسط فؤادي

ص: 107

وهذه طائفة من شعر المترجم له قال :

لولا ثغور كالاقاحي *** ما جاز عندي شرب راح

لله كأس من عقيق *** خمرها ، ريق الملاح

ريق له فعل المدام *** ولذة الماء القراح

دعني له ياصاح أن أصبح- *** -ت منه اليوم صاحي

لا تكثرن عذلي فبعض *** اللوم يذهب في الرياح

ما لاح بارق مبسم *** وأطعت فيه قول لاح

آتيِه في ظلم الملاح *** مجانباً طرق الصلاح

هيهات قد طلع الصبا *** ح علي - من غرر الصباح

وعلمت أن اللغو ليس *** علي فيه من جناح

وخرجت من ضيق الوقار *** به الى سعة المزاح

ما لم تكن لحدود دين *** الله فيه ذا إطراح

ورعيت حرمة معشر *** طبعوا على دين السماح

آل النبي ومن دعا *** لهم ب- « حي على الفلاح »

قوم لجدهم امتداحي *** وبنور زندهم اقتداحي

وبحبهم أسموا الى ال- *** -علياء موفور الجناح

وأنال آمالي البعيدة *** في الغدوَّ وفي الرواح

وبذكرهم جهراً أصول *** على العدى يوم الكفاح

وغداً بهم في الحشر *** آمن روعه الهول المتاح

وإذا اعترى غيري ارتيا *** ع منه زاد به ارتياحي

ص: 108

ثقة بأني سوف ألقى *** الله فايزة قداحي

ويعدَّني منهم موالاتي *** ونصري وامتداحي

وسواي يطرد عنهم *** إن جاء من كل النواحي

متضاعف الحسرات مملوّ *** الجوارح بالجراح

تعسا لجبارين أصلوا *** بالوغى أهل الصلاح

حملوا رؤوسهم الكريمة *** فوق أطراف الرماح

وحموا عليهم من جهالتهم *** حمى الماء المباح

والخمر يكرع بينهم *** فيها الدعيّ من السفاح

يا أمة غدرت ونور *** الحق أبلج ذو اتضاح

وتعقبت سنن النبي *** الطهر بالبدع القباح

وتأولت في محكم القرآن *** بالكذب الصراح

لا تقربوا منا فجرب *** الابل حتفٌ للصاح

وقال في أهل البيت علیهم السلام :

عسى لي إلى وصل الحبيب وصولُ *** ففي مهجتي مثل النصول نصولُ

إذا ما خليُّ قصر النوم ليله *** فليلي برعيٍ للنجوم طويل

غرام له عندي غريم ملازم *** فليس له بعد الحلول رحيل

تحمَّلتُ من عبء الصبابة ضعف ما *** تحمَّل قيس في الهوى وجميل

فلو قيل لي عن نقله تسترح لما *** رضيت سوى إني اليه أميل

يقلّ لعيني فيه كثر دموعها *** فلو بدمٍ أبكي لقيل قليل

عجبت لقلبي كيف تشعل ناره *** على أن دمعي فاض منه سيول

فهل لي مقيل من عثار صبابتي *** وهل من هجير الهجر ويك مقيل

فيا قلب دع عنك التصابي فإن من *** تحبّ بما تهوى عليك بخيل

ولذ بالكرام السالكين من الهدى *** مسالك فيها للنجاة سبيل

غنوا عن دليل في الهدى لهم وهل *** يقام على ضوء النهار ، دليل

ص: 109

تمسكتُ بالحق الصريح فليس لي *** مجال عن الحق الصريح عدول

وفزتُ بسبحي في بحار ولائهم *** اذا ما لغيري في الضلال وحول

فقد نلتُ آمالي بميلي اليهم *** وحقق بي بين البرية سؤل

أناس علا فوق الملائك قدرهم *** فأضحى له عند الإله مثول

ركبتُ بهم سفن النجاة فلي على *** يقين على شاطي المفاز حصول

شموس هدى يهدي الى الحق ضوئها *** فليس لها حتى النشور أفول

وربّ عذول لي عدوٌ مباينٌ *** يرى انه لي ناصح وخليل

له لي عذلٌ خفَّ لا شك عنده *** ولكن أتاني منه وهو ثقيل

ومالي على آل الرسول كأنما *** سوى جدهم للعالمين رسول

يقول : اجتنب تقديم آل محمد *** وقلبي لو حاولت ليس يحول

تعاليت عنه اذ أسَّف ولم أزل *** تجرر لي فوق السماء ذيول

يروم نزولي عن ذرى المجد والعلى *** ومالي عن المجد الاثيل نزول

ولو حدت عنهم ما عسى لمؤنبي *** عليهم اذا رام الجواب أقول :

يظن بأني جاهل عن حقوقهم *** وما أنا للصبح المنير جهول

هم سر وحي الله والدوحة التي *** نمت فزكى فرع لها وأصول

وما يستوي فيهم محب ومبغض *** وما يتساوى ناصر وخذول

نصرتهم اذ كنت سيفا لدينهم *** حساماً صقيلاً ليس فيه فلول

أأتبع المفضول مجتنباً لمن *** له الفضل مالي في السفاه عدول

بعينهم جلّى دجى الشك مثل ما *** نمى في تضاعيف الخضاب نصول

فغيري الذي دب الضلال بقلبه *** كما دبَّ في الغصن الرطيب ذبول

فهم بهجة الدنيا التي افتخرت بهم *** وهم غرةٌ في دهرهم وحجول

اذا شئت ان تحصي مناقب فضلهم *** يروعك ما يعيى به ويهول

فمنهم أميرالمؤمنين الذي له *** فضائل تحصى القطر وهي تعول

هو النور نور الله والنور مشرق *** علينا ونور الله ليس يزول

سما بين أملاك السموات ذكره *** نبيهٌ فما أن يعتريه خمول

ص: 110

طوال رماح الخط عنه قصيرة *** وأمضى سيوف الهند عنه كليل

هو الحبر كشّاف الشكوك بعلمه *** وشرّاب أبطال الحروب أكول

هو السابق الهادي على رغم أنف من *** خلاف الذي قد قلت فيه يقول

ولما التقى الجمعان كان لسيفه *** بضرب رقاب القاسطين صليل

وسالك أجواز المناقب كلها *** له سفرة في ضمنها وقفول

أبوه بلا شك أباد جدودهم *** فثارت عليهم من أبيه ذحول

فلا يطمع الاعداء في فانني *** لي الله بالنصر المبين كفيل

أقول : لهم ميلي الى آل احمد *** وما انا ميال الوداد ملول

لأنَّ لهم في كل فضل وسؤدد *** فصولا عليها العالمون فضول

علام قتلتم بضعة من نبيكم *** وتدرون ان الرزء فيه جليل

ضحكتم واظهرتم سروراً وبهجة *** بيوم من نجل البتول قتيل

قتيل شجى الاملاك ما فعلوا به *** واظهر اسحان (1) الجياد صهيل

ومن حقهم أن تخسف الارض الذي *** أتوه ولكن ما الحكيم عجول

على أهل بيت المصطفى من الاههم *** صلاة لها غيث يسح هطول

فخذها لهم من ( نجل رزيك ) مدحة *** تسير كما سارت صباً وقبول

وقال يرثي الإمام علیه السلام :

يا راكباً قطع القرينا *** بالعيس إذ تشكو البرينا

متوجهاً لمحلة بالشا *** مِ يلتمس القطينا

بلَّغ رسالةَ مؤمنٍ *** تُسعد بها دنيا ودينا

في كربلاء ثوى ابن بنت *** رسول رب العالمينا

قف بالضريح ونادِهِ *** يا غاية المتوسلينا

يا عروة الدين المتين *** وبحر علم العارفينا

ص: 111


1- 1 - الفرس المسحن ، الجيد

يا قبلةً للأولياء *** وكعبة للطائفينا

مولاي جسمك ضر جته *** دماً سيوف القاسطيناً

لهفي عليك وحسرتي *** تبقى على مر السنينا

يا من مكان جلاله *** عند الآله يرى مكينا

يا من أقر بفضله أهل *** العداوة مذ عنينا

من أهل بيت لم يزالوا *** في البرية محسنينا

وبودهم ننجو على *** متن الصراط اذا وطينا

أو ما بجدك سيد *** الثقلين قاطبة هدينا

من بعد موردنا شريعة *** ورده ما ان ظمينا

هل غيره قد كان يدعى *** الصادق البر الامينا

وهو السعادة ، إن بعدنا *** عن منازلها شقينا

ما ان توسلنا به في *** الجدب نلقاه سقينا

وإذاً ذكرناه على *** ألمٍ ألَمَّ بنا شفينا

أو كان غير أبيك يدعى *** الانزع الهادي البطينا

ما الروضة الغناء أضحت *** مثل علم أبيك فينا

أنا فيك قد كحل السهاد *** فلم تنم مني الجفونا

ولقد أكاد أذوب من *** أسفٍ يؤوَّبني فنونا

وأردد الترجيع في *** فكري وأردفه أنينا

ويكاد مني الصخر من *** حزني عليكم أن يلينا

إن الذي يرضيه قتلك *** حائزاً طرفاً سخينا

يقتادني لك زفرة *** يُمسى بها قلبي رهينا

يا أهل بيت ( المصطفى ) *** أصبحتُم النور المبينا

والله ليس يحبكم مث- *** -لي يميناً لن تمينا

كم ليلة سمع العدى *** مني بمدحكم رنينا

فنأوا كما ينأى الغريم *** غداة يبتقصي ديونا

ص: 112

ولقد جعلتُ عليَّ من *** نفسي بحبكم ضمينا

إن الإله أعزَّني *** بكم وأقسم لن أهونا

وإذا طما بحر *** المخاوف كان ودكُّم سفينا

وأرى يقيني فيكُم *** مستنقذي حقاً يقينا

أسخنتُ من أعدائكم *** ومن استمال لهم عيونا

وكسبت من ثقتي بكم *** يا سادتي عزاً مصونا

وتواترت نعم الاله *** عليَّ أبكاراً وعونا

لما وردت بهديكم *** بين الورى الورد المعينا

ويسرُّ قلبي أن وجد *** ت على عدوكم معينا

ما كنت في بغض لمن *** يشنأكم يوماً ظنينا

وعلى وليكم بمالي *** لم أكن ألفى ضنينا

ولقد غذيت ولائكم *** مذ كنت مستترا جنينا

ولقد نظمت لكم *** بحور مدامعي عقداً ثمينا

واذا نصرتكُم فان الله *** خيرُ الناصرينا

ما حدثُ عن حبي لكم *** حاشا وكلا لن أخونا

يغمى عليَّ اذا ذكرت *** مصابكم حينا فحينا

ما علَّم النوح الحمام *** سواي والقلب الحنينا

ما كنت أرضى أن أكون *** لمن يضاددكم معينا

قد ملت من فرط الوداد *** الى العبيد المخلصينا

أأكون في الحزب الش- *** -مال واترك الحزب اليمينا

التائبين العابدين *** الصائمين القائمينا

العالينا الحافظين *** الراكعين الساجديناً

ولقد عرفت حقوقكم *** وعرفت قوماً غاصبينا

وجعلت دأبي ثلبهم *** حتى أرى ميتاً دفينا

يا من اذا نام الورى *** باتوا قياماً ساهرينا

ص: 113

ان الذي أعيى - طلا *** ئع - فيكم أعيى القرونا

الموت يلقى الاخرين *** كما يلقَّى الاولينا

ولقد صبرت لعلني *** ألقى جزاء الصابرينا

وشكرت ربي في الولاء *** فلي ثواب الشاكرينا

ص: 114

وقال في رثائه علیه السلام وقد جارى بها قصيدة دعبل الخزاعي

الأيم دع لومي على صبواتي *** فما فات يمحوه الذي هو آتِ

وما جزعي من سيئات تقدمت *** ذهاباً اذا اتبعتها حسناتي

ألا انني أقلعت عن كل شبهة *** وجانبت غرقى أبحر الشبهات

شغلت عن الدنيا يحبي لمعشر *** بهم يصفح الرحمن عن هفواتي

اليك فلا اخشى الضلال لكونهم *** هداتي وهم في الحشر سفن نجاتي

أئمة حق لا ازال بذكرهم *** أواصل ذكر الله في صلواتي

تجليت بين العالمين بحبهم *** وناجيتهم بالود في خلواتي

وبالسبب الأقوى اعتلقت مؤملا *** به الفوز في الدنيا وبعد وفاتي

تواليت مختصاً بحمل براءة *** ويممت قوماً غيره ببراتي

أرى حبه في السلم ديني ومذهبي *** وفي غزواتي مرهفي وقناتي

ولم يك أحشاء الطغاة لبغضهم *** على الغل والاضغان منطويات

فمالوا على اولاده ونسائه *** وصحب كرام سادة وسرات

غريب يبكي من نساء حواسر *** طواهر من كل الاذى خفرات

كبيرة ذنب ليس ينفع عندها *** دوام صلاة او خروج زكاة

لعمري ما يلقون في الحشر جدهم *** بغير وجوه كلّح خجلات

اذا قال : لم ضيعتموا حتى عترتي *** وكيف انتهكتم جرأة حرماتي

اسأتم صنيعاً بعد موتي فغاصب *** لذريتي حقاً وآخر عات

ومَن خصمه يوم القيامة أحمد *** لقد حلَّ في واد من النقمات

فوا حزني لو انني في زمانهم *** وواحرَّ أحشائي وواحسراتي

ص: 115

لأطعن فيهم بالأسنة كلما *** مضت حملة جاءت بمؤتنفات

أقضّي زماني زفرة بعد زفرة *** فقلبي لا يخلو من الزفرات

وصدري فيه حرقة بعد حرقة *** فليس بمنفك عن الحرقات

فإن أقل النصّاب يوما عثارهم *** فان إقالاتي من العثرات

لأنهم هدَّوا اعتداء بفعلهم *** وظلما منار الصوم والصلوات

لقد شبت لا عن كبرةٍ غير أنني *** لكثرة همي - شبت قبل لداتي

واني لعبد المصطفى سيف دينه *** - طلايع - موسوم بهدي هداتي

وليُّهم - إن خاف في الحشر غيره *** لظى - فهو منها آمن الجَنَبات

أيا نفس من بعد الحسين وقتله *** على الطف هل أرضى بطول حياتي

واني لأخزي ظالميه بلعنة *** عليهم لدى الآصال والغدوات

وقلت : وقد عانيت أهواء دينهم *** مفرقة معدومة البركات

اذا لم يكن فيكنَّ ظل ولا جنا *** فباعد كن الله من شجرات

عرضت رياضاً حاكها صوب خاطري *** لكي يرتع الاسماع في نغماتي

اذا أنشدت في كل ناد بدت لها *** قلوب ذوي الآداب في نشواتي

فلا تعجبوا من سرعتي في بديهتي *** على وثباتي في الوغى وثباتي

فان موالاتي لآل محمد *** وحبَّي مرقات الى القربات

واني لأرجو أن يكون ثوابها *** وقوفي يوم الجمع في عرفات

أعارض من قول الخزاعي دعبل *** وإن كنت قد قصرت في مدحاتي

( مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات )

ص: 116

وقال يرثي الحسين علیه السلام يوم عاشوراء عام اثنين وخمسين وخمسمائة :

ما للمنازل لا تبينُ *** حتى ولا أضحت تبين

جف الثرى اذ خف من *** عرصاتها ذاك القطين

وأنا الحزين عليهم *** أفربعهم أيضاً حزين ..؟

أم هذه الاشجان فينا *** كالحديث لها شجون

ولأن بكت تلك الربى *** فمن العيون لها عيون

نعم المعين على تتابع *** دمعها الماء المعين

لو لم تحن أسى لما اش- *** -تقت من الحزن الحزون

وبكت حمائم لا تكاد هنا *** ك تحملها الغصون

ورق مفجّة لها بالنو *** ح بعدهم لحون

وتكاد أصلاد الصخور *** لفرط رقّتها تلين

وترى الرياح لها اذا *** مرت بأيكتها أنين

ما الشأن الا أن بعد *** فراقهم حدثت شئون

كانت أمور فيهم *** ما خلتها أبداً تكون

فكأنهم آل النبي وقد *** أبادهم اللعين

في يوم عاشوراء لما *** خانهم دهرٌ خؤون

وغدت مناهم حين *** عزّوا أن تصيبهم المنون

لم يقبلوا عهداً لجيش *** للنفاق به كمين

ورأوا جميعاً أن اعطاء *** اليمين لهم يمين

وتيقنوا ، أن الحياة *** الظن ، والموت اليقين

ص: 117

لهفي على قتلى أبيح بهم *** حمى الدين المصون

ما فيهم إلا صريعٌ *** بالصوارم أو طعين

غدر الخؤون بهم هناك *** ولم يف الثقة الامين

وخلت ديارهم ، كما يخلو *** من الاسد العرين

فعفا الصفا من بعدهم *** وبكاد لفقدهم الحزون

والركن صدّعه لعظم *** مصابهم داءٌ دفين

والقبر منذ الفتك فيهم *** ما لساكنه سكون

يا عاذلي رفقا فانك *** فيهم عندي ظنين

كم ذا تهوّن من جليل *** مصابهم ما لا يهون

فارفض عداهم ان غدوت *** بدين جدهم تدين

ان البراء من الا عادي *** للولاء لهم قرين

يا بقعة ( بالطف ) حشو *** ترابها دنيا ودين

* * *

أضحت كأصداف يصادف *** ضمنها الدرّ الثمين

مني السلام عليك ما *** غطّت على الشمس الدجون

ولي الحنين اليك مهما *** اختصّ بالابل الحنين

ص: 118

وقال يذكر مناقب أهل البيت علیهم السلام :

دعني قبيل اللهو غير قبيلي *** وسبيل أهل اللوم غير سبيلي

لم أشتغل عن جمع أشتات العلى *** بمليح وجهٍ أو بكأس شمول

لا تعذلني إنني لا أقتفي *** سبل الضلال لقول كل عذول

قولي : لمن قد سامني الرجعي الى *** ما لا يجوز أتيت غير جميل

ان الخليل ، اذا تجنّب مذهبي *** قلت : ابتعد ما أنت لي بخليل

أتحمَّل الاثقال إلا انني *** لمبايني في الدين غير حمول

آليت لا ألقى عُداة أئمتي *** إلا بعضب الشفرتين صقيل

وأئمتي قوم ، إذا ظُلموا فهم *** لا يظلمون الناس وزن فتيل

كان الزمان لحسنه بوجوههم *** يختال بالأوضاح والتحجيل

ومسجَّل لهم الفخار على الذي *** ناداهم إذ صحّ لي تسجيلي

وهم الأئمة ما عدمت فضيلة *** فيهم فما ميلي الى المفضول

فأنا إذا مثلت غيرهُم بهم *** في فضلهم أخطأت في تمثيلي

آل النبي بهم عرفنا مشكل *** القرآن ، والتوراة ، والانجيل

هم أوضحوا الآيات حتى بينوا *** الغايات في التحريم والتحليل

عند التباهل ما علمنا سادسا *** تحت الكسا معهم سوى جبريل

إن الكثير من المدائح فيهم *** قل ، ومدح الله غير قليل

قال النبي : صلوا بهم حبلي فلم *** يكُ منهم أحد لهم بوصول

ماذا يكون جواب قوم أخلدوا *** إذ مات للتغيير والتبديل

إن قال : في الحشر ابنتي لِمَ فيكُم *** لم تخل من حزن ، وطول عويل

هي بضعة مني ففي إضرارها *** ضُرَّي كما تبجيلها تبجيلي

والله يحكم لا مردَّ لحكمه *** ومقيل أهل الظلم شر مقيل

اخترت لو كنت الفداء لسادتي *** في النائبات وأسرتي وقبيلي

اني - ابن رزيك - الذي بولائهم *** أسخنت عين معاند وجهول

إن طال وجدي فيهم فأنا الذي *** نومي بطول الليل غير طويل

ص: 119

وقال يمدح العترة الطاهرة ويعدد مناقب الامام اميرالمؤمنين علیه السلام :

خلصت من خدعات الاعين النجل *** ونبت من تبعات اللهو والغزل

وقام عندي لوم الخائنين اذا *** خانوا الوداد مقام اللوم والعذل

فما بكيت لناس استريح به *** من العناء ولم أضحك الى أمل

ولو سوى هذه الدنيا غدا وطني *** لقلت أني لم أربع على طلل

اذا تناكر أفعال الرجال بها *** فحومة الحرب والمحراب تشهد لي

أنفت في خلواتي أن يرى لفمي *** من غيرتي لهباً إلا على القتل

وعفت ما في قدود السمر إن خطرت *** من اعتدال لما في السمر من خطل

وزرقة النصل في طرف القناة أبت *** ان يستبين بما بالطرف من كحل

حتى كأن أسيلات الخدود وقد *** أعرضت عنها أحالتني على الاسل

وان جوهر سيفي لو قرنت به *** جواهر الحلي صار الحلي كالعطل

ترفعت همتي حتى وطيت على *** كواكب الجو بالمهرية الذلل

فما المجرّة في افق السماء سوى *** محجة دستها بالخيل والابل

ولا الأهلة مع مر الشهور سوى *** آثار خيلي من حاف ومنتعل

ما ثار إلا وراء ( الثور ) عثيرها *** قدما ولا حملت إلا على ( الحمل )

وأخلف الشهب في ليل العجاج اذا *** غابت بشهب على الارماح لم تفل

فليس تبقي غداة الحرب ان فتكت *** أعمال فتك لمريخ ولا زحل

وبعد هذا فإن الموت مدركنا *** وليس يسبق في ريث ولا عجل

لا الحول ينفع فيه حين يحضرنا *** داعي المنايا ولا يرتدُّ بالحيل

وليس يصحبنا مما نسر به *** في هذه الدار إلا صالح العمل

ص: 120

ولا يؤمننا في الحشر من وجل *** إلا ولاء أمير المؤمنين علي

شرعت طرفي الى حوض النبي به *** ولم أعرّج على طرق ولا وشل

ومال ودي الى القربى التي ظهرت *** أعراقها لا الى ودّ ولا هبل

آل النبي الألى آوي الى سبب *** منهم وحبل بحبل الله متصل

وما قصدت وقد صيرتهم درجاً *** الى نجاتي إلا اقرب السبل

بانت طريقهم المثلى لسالكها *** فلست عنها بذي زيغ ولا ميل

ما كنت أبغي اعتصاماً بالنزول الى *** خفض الوهاد عن الانجاد والقلل

بالله لو لم تحد عن نهج مسلكهم *** عمى القلوب بقوم لا عمى المقل

ما كان يشكل عن ذي اللب فضلهم *** في واضح الصبح مايغني عن الطفل

من كالامام الذي ، الزهراء ثاوية *** في بيته وأخوه خاتم الرسل

الباذل النفس من دون النبي وقد *** فر الجبانان من عجز ومن فشل

في يوم خيبر والاجناد شاهدة *** بنص ذلك منذ الاعصر الأول

ومطعم السائل البادي بخاتمه *** عند الركوع أو آن الفرض والنفل

والخاشع المتجري في تواضعه *** كأنه لم يصل يوماً ولم يصل

وقابض الكف عما لا يحل له *** كانها لم تطل يوماً ولم تطل

ومن يرد عن الدنيا بنان يد *** كانها لم تنل يوماً ولم تنل

سائل به ( ليلة الاحزاب ) اذ دلفت *** خيل العدى وهي ملء السهل والجبل

وجاء أعداء دين الله في رهج *** تزلزل الارض من علو ومن سفل

وساء ظن الأولى صارت قلوبهم *** الى الحناجر من خوف ومن وجل

وجاء عمرو بن ود في أوائلهم *** من شدة التيه لا يلوي على بطل

حتى توغل صف المسلمين على *** نهد اذا زالت الاجبال لم يزل

هل كان غير امير المؤمنين له *** قرناً فرواه من مهل ومن وهَل

ويوم بدر وقد مار القليب دماً *** يغص واراده في العلّ والنهل

وكم وليد سواه في حروبهم *** قد ظل يسبق منه الشيب بالاجل

ص: 121

وكل من لعبت أيدي الضلال به *** هناك يأوي الى الاكتاف والطلل

ويوم احد غداة البأس حين ثوى *** أهل اللواء بسيف الفارس البطل

ما كان في السهل من بعض النعام وفي *** الاوعاد لما التقى الجمعان كالوعل

وفي ( حنين ) وللبيض الرقاق به *** حنين بيض تنادت فيه بالثكل

من قال قد بطل اليوم الذي عقدوا *** فينا من السحر إن الدهر ذو دول

وبعد مثوى رسول الله اذ نصبوا *** له العداوة من أنثى ومن رجل

ما سدَّ رأي التي كانت صلاتهم *** برأيها خوف ذاك العارض الجلل

وبالعراق أراق البغي من دم مَن *** أحانها مثل صوب العارض الهطل

بني أمية اني لست ذاكركم *** اذ لي بذكر سواكم اكبر الشغل

كفى الذي دخل الاسلام اذ فتكت *** أيمانكم ببني الزهراء من خلل

منعتم من لذيذ الماء شاربهم *** ظلما ، وكم فيكم من شارب ثمل

أبكيهم بدموع لو بها شربوا *** في كربلاء كفتهم سورة الغلل

أنا ( ابن رزيك ) يزري ما أقول وان *** طال الزمان بما قد قال كل ولي

ما ارتعت مذ كنت للأواء إن طرقت *** رجلي ولا ارتحت للسراء والجذل

القلب ينجدني ، والعزم يصحبني *** دون المصاحب في حِلٍّ ومرتحل

والصبر ينشدني ، والخطب محتفل *** لا تلق دهرك الا غير محتفل

ص: 122

وقال هذه القصيدة عندما أمر في وزارته أن يستعمل في طراز خاص كسوة المشهدين الشريفين العلوي والحسيني من الستور الديبقي لأبواب الحرمين وعرضها هناك وقد أرصد من أمواله مبالغ طائلة لهذا الغرض وتحرى فيها أن تكون الستور في غاية الحياكة والابداع مع تطريز آيات قرآنية حولها ، فلما تّم عملها أرسلها مع نفر من خدمه وعبيده ، وجعل فيها قصيدة ذكر فيها عمله الذي تفرّد بشرفه وفخره وفاز دون ملوك الاسلام بجزيل ذخره وجميل ذكره :

هل الوجد إلا زفرة وأنينُ *** أم الشوق إلا صبوةٌ وحنينُ

وجيش دموع كلما شنّ غارة *** أقام له بين الضلوع كمين

إذا ما التظى شوق معين بثاره *** تحدّر ماء العين عين معين

وما خلت أن القلب يصبح للبكا *** قليباً ولا أن العيون عيون

وأن عقود الدر من بعد ألفها *** نحور الغواني في الحذود تكون

خليلي ما الدمع الذي تريانه *** على السر إن حان الفراق أمين

بلام إذا خان الأنام جميعهم *** وليس يلام الدمع حين يخون

وبي لوعة لا يستقر نزاعها *** لها كلما جنَّ الظلام ، جنون

إذا عن لي تذكار سكان كربلا *** فما لفؤادي في الضلوع سكون

فان أنام لم أحزن على إثر ذاهب *** فاني على آل الرسول حزين

ألم ترهم خلوا حماهم كما خلا *** بحقان من أسد العرين عرين

وساروا وقد غروا بأيمان معشر *** وما علموا أن اليمين يمين

ورب أماني معشر وأمانهم *** بغدرهم قد عاد وهو منون

ص: 123

وما أخلفتهم في الإله ظنونهم *** اذا أخلفتهم في الرجال ظنون

فان يخل في الدنيا مكانهم أما *** مكانهم يوم المعاد مكين

هوت ، وزوت منهم عشية قتلوا *** أصول زكت أعراقها وغصون

وأظلم مبيّض النهار عليهم *** وحقَّهم مثل النهار مبين

تصَّرف حكم البيض ، والسمر فيهم *** فمنهم صريع بالظبى وطعين

ولو أن صمّ الصخر تقرب منهم *** لا بصرتَ صمَّ الصخر كيف تلين

* * *

قبورهم قبلي وأموات نكبة *** بطون سباع مرّة وسجون

جرت من بني حرب شئون عليهم *** جرت بعدها منّا الغداة شئون

وريضت عليهم خيلهم وركابهم *** فرّضت ظهور منهم وبطون

ألا كل رزء بعد يومٍ بكربلا *** وبعد مصاب ابن النبي يهون

ثوى حوله من آله خير عصبة *** يطالب فيهم للطغاة ديون

يذادون عن ماء الفرات وغيرهم *** يبيت بصرف الخمر وهو بطين

اسادتنا لو كنت حاضر يومكم *** لشابت بسيفي للطغاة قرون

أسادتنا ان لم يعنكم لدى الوغى *** سناني فاني باللسان أعين

أسادتنا أهديت جهدي إليكم *** لتطهر نفسي فالظنين ظنين

سطور بأبيات من الذكر طَرّزت *** تُبرهنُ عن أوصافكم وتبين

أوقي بها مثواكُم حاد ربعه *** حيا المزن عن لحظ العدى وأصون

وأرجو بها ستراً من النار عندما *** يقيني غدا كيد الشكوك يقين

فجودوا عليها بالتقبِّل منكُم *** فودَّي وإخلاصي بذاك ضمين

وجدكُم سنَّ الهدايا وإنني *** لما سن قدماً في بنيه أدين (1)

ص: 124


1- عن الديوان ص 159.

وفي الديوان المطبوع قصائد كثيرة تخص أهل البيت علیهم السلام وإليك مطلع كل قصيدة منها :

1 - من الأحباب قرَّبني ولائي *** ومن اعداي برأني برائي

2 - لذاذة سمعي في قراع الكتائب *** ألذُّ وأشهى من عتاب الحبايب

3 - ايها المغرور لو فكرِّت *** لم يخف الصواب

4 - يا للرجال لمدنف مجهود *** لم يؤت من هجر وطول صدود

5 - اسفي على ايام دهري قد مضى *** منع الجفون بذي الغضا ان يغمضا

6 - ما حاد عن حب البطين الا نزع *** متجنِّباً لولائه إلا دعى

7 - يا نفس دنياك هذه خُدعُ *** والعيش ان دام فهو منقطع

8 - يا صاحبي بجر عاء الغوير قفا *** نجُد لمن بان بالدمع الذي وكفا

9 - اذا كنت في الحب لا اقبل *** فقل للعذول لمن تعذل

10 - يا نفس كم تخدعين بالأمل *** وكم تحبيِّن فسحة الاجل

11 - ما كان اول تائه بجماله *** بدر منال البدر دون مناله

12 - لا تبك للجيرة السارين في الظعن *** ولا تعرّج على الاطلال والدمن

13 - هل منصف باللطف يسليني *** عن روضتي ورد ونسرين

14 - القلب موقوف على الخفقان *** والدمع لا ينفك من هملان

ص: 125

ابن العودي النيلي

متى يشتفى من لاعج الشوق مغرمُ *** وقد لجّ بالهجران مَن ليس يرحمُ

اذا همَّ أن يسلو أبى عن سلوه *** فؤاد بنيران الأسى يتضرم

ويثنيه عن سلوانه لخريدة *** عهود التصابي والهوى المتقدم

رمته بلحظ لا يكاد سليمه *** من الخبل والوجد المبرِّح يسلم

اذا ما تلظت في الحشا منه لوعة *** طفتها دموع من أماقيه سُجّم

مقيم على أسر الهوى وفؤاده *** تغور به ايدي الهموم وتتهم

يجّن الهوى عن عاذليه تجلدا *** فيبدي جواه ما يجن ويكتم

يعلل نفسا بالأماني سقيمة *** وحسبك من داء يصحّ ويسقم

رعى الله ذياك الزمان وأعصراً *** لهونا بها والرأس أسود أسحم

وقد غفلت عنا الليالي وأصبحت *** عيون العدى عن وصلنا وهي نوم

فكم من ثديّ قد ضمت غصونها *** اليَّ وأفواه لها كنت ألثم

أجيل ذراعي لاهيا فوق منكب *** وخصر غدا من ثقله يتظلم

وامتاح راحا من شنيبٍ كأنه *** من الدرِّ والياقوت في السلك ينظم

فلما علاني الشيب وابيض مفرقي *** وبان الصبا واعوّج مني المقدم

وأضحى مشيبي للغذار ملثماً *** به ولرأسي بالبياض يُعمّم

وأمسيت من وصل الغواني مخيّبا *** كأني من شيبي لديهنّ مجرم

بكيتُ على ما فات مني ندامة *** كأني خنساء به أو متمم

ص: 126

وأصفيت مدحي للنبي وصنوه *** وللنفر البيض الذين هم هم

هم التين والزيتون آل محمد *** هم شجر الطوبى لمن يتفهم

هم جنّة المأوى هم الحوض في غد *** هم اللوح والسقف الرفيع المعظم

هم آل عمران هم الحج والنسا *** هم سبأ والذاريات ومريم

هم آل ياسين وطاها وهل أتى *** هم النحل والانفال لو كنت تعلم

هم الآية الكبرى هم الركن والصفا *** هم الحج والبيت العتيق وزمزم

هم في غد سفن النجاة لمن وعى *** هم العروة الوثقى التي ليس تفصم

هم الجنب جنب الله واليد في الورى *** هم العين لو قد كنت تدري وتفهم

هم السر فينا والمعاني هم الأولى *** تيمم في منهاجهم حيث يمموا

هم الغاية القصوى هم منتهى المنى *** سل النص في القرآن ينبئك عنهم

هم في غد للقادمين سقاتهم *** اذا وردوا والحوض بالماء مفعم

هم شفعاء الناس في يوم عرضهم *** الى الله فيما أسرفوا وتجرّموا

هم منقذونا من لظى النار في غد *** اذا ما غدت في وقدها تتضرم

ولولاهم لم يخلق الله خلقه *** ولا هبطا للنسل حوا وآدم

هم باهلوا نجران من داخل العبا *** فعاد المناوي عنهم وهو مفحم

وأقبل جبريل يقول مفاخراً *** لميكال من مثلي وقد صرت منهم

فمن مثلهم في العالمين وقد غدا *** لهم سيد الأملاك جبريل يخدم

ومن ذا يساميهم بفخر فضيلة *** من الناس والقرآن يؤخذ عنهم

ابوهم امير المؤمنين وجدهم *** أبو القاسم الهادي النبي المكرم

فهذا اذا عد المناسب في الورى *** هو الصهر والطهر النبي له حم

هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى *** وقاموا بحكم الله من حيث يحكم

وخالهم المشهور والأم فاطم *** وعمهم الطيار في الخلد ينعم

وأين كزوج الطهر فاطمة ابي الشهي- *** -يدين أبناء الرسول وهم هم

الى الله أبرأ من رجال تبايعوا *** على قتلهم أهل التقى كيف اقدموا

حموهم لذيذ الماء والماء مفعم *** وأسقوهم كأس الردى وهو علقم

ص: 127

وعاثوا بآل المصطفى بعد موته *** بما قتل المختار بالأمس منهم

وثاروا عليه ثورة جاهلية *** على أنه ما كان في القوم مسلم

وألقوهم في الغاضرية حسَّراً *** كأنهم قف على الأرض جُثَّم

تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم *** بأجنحة طير الفلا وهي حُوَّم

بأسيافهم أردوهم وبدينهم *** أريق بأطراف القنا منهم الدم

وما أقدمت يوم الطفوف أمية *** على السبط إلا بالذين تقدَّموا

وأنِّى لهم ان يبرءوا من دمائهم *** وقد أسرجوها للخصام وألجموا

وقد علموا ان الولاء لحيدر *** ولكنه ما زال يؤذى ويُظلَمُ

فنازعه في الأمر من ليس مثله *** وآخر وهو اللوذعيُّ المقدَّم

وأفضوا الى الشورى بها بين ستة *** وكان ابن عوف فيهم المتوسم

متى قيس ليث الغاب يوماً بغيره *** وأين من الشمس المنيرة أنجم

ولكن امور قدِّرت من مقدَّر *** ولله صنع في الارادة محكم

وكم فئة في آل أحمد أهلكت *** كما أهلكت من قبل عاد وجرهم

فما عذرهم للمصطفى في معادهم *** إذا قال لِم خنتم بآلي وجُرتم

وما عذرهم إن قال ماذا صنعتُّم *** بآلي من بعدي وماذا فعلتم

نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم *** وخالفتموه بئس ما قد صنعتم

وخلَّفتُ فيكم عترتي لهداكُم *** فلم قمتُم في ظلمهم وقعدتم

قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم *** عليهم وإحساني اليكم أضعتم

وما زلتم بالقتل تطغون فيهم *** إلى أن بلغتم فيهم ما أردتم

كأنهم كانوا من الروم فالتقت *** سراياكم راياتهم فظفرتم

ولكن أخذتم من بني بثأركم *** فحسبكُم جرماً على ما اجترأتم

منعتم تراثي إبنتي وسليلتي *** فلم أنتم آباءكم قد ورثتم

وقلتم نبيّ لا تراث لولده *** أللأجنبيّ الإرث فيما زعمتم

وهذا سليمان لداود وارث *** ويحيى أباه ، كيف أنتم منعتم

وقلتم حرام متعة الحج والنسا *** اعن ربكم أم انتم قد شرعتم

ص: 128

ألم يأت « ما استمتعتم من حليلة *** فآتوا لها من أجرها ما فرضتم

فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى *** بتحليله أم انتُم قد نسختم

وكل نبي جاء قبلي وصيه *** مطاع وانتم للوصي عصيتم

ففعلكم في الدين أضحى منافيا *** لفعلى وأمري غير ما قد أمرتم

وقلتم مضى عنا بغير وصية *** ألم أوص لو طاوعتم وعقلتم

وقد قلت من لم يوصِ من قبل موته *** يمر جاهلاً بل أنتم قد جهلتم

نصبتُ لكم بعدي إماماً يدلكم *** على الله فاستكبرتم وظلمتم

وقد قلت في تقديمه وولائه *** عليكم بما شاهدتم وسمعتم

عليٌ غدا مني محلاً وقربة *** كهرون من موسى فلم عنه حلتم

شقيتم به شقوى ثمود بصالح *** وكل امرىء يبقى له ما يقدّم

وملتم الى الدنيا فتأهت عقولكم *** الا كل مغرور بدنياه يندم

لحا الله قوماً جلّبوا وتعاونوا *** على حيدر ماذا أساؤا وآجرموا

وقد نصها يوم الغدير محمد *** وقال لهم يا أيها الناس فاعلموا

عليٌ وصيي فاتبعوه فانه *** إمامكم بعدي اذا غبت عنكم

فقالوا رضيناه إماما وحاكما *** علينا ومولى وهو فينا المحكم

رأوا رشدهم في ذلك اليوم وحده *** ولكنهم عن رشدهم في غدٍ عملوا

ونازعه فيها رجال ولم يكن *** لهم قدم فيها ولا متقدم

يقيم حدود الله في غير حقها *** وبفتي اذا استفتي بما ليس يعلم

ويبطل هذا رأي هذا بقوله *** وينقض هذا ما له ذاك يبرم

وقالوا اختلاف الناس في الدين رحمة *** فلم يك من هذا يحل ويحرم

أقد كان هذا الدين قبل اختلافهم *** على النقص من دون الكمال فتمموا

أما قال أني : اليوم أكملت دينكم *** وتممت بالنعماء مني عليكم

وقال اطيعوا الله ثم رسوله *** تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم

وما مات حتى أكمل الله دينه *** ولم يبق أمر بعد ذلك مبهم

يقرَّب مفضول ويبعد فاضل *** ويسكت منطيق وينطق أبكم

ص: 129

وهل عظمت في الدهر قط مصيبة *** على الناس الا وهي في الدين أعظم

ولو انه كان المولَّى عليهم *** اذا لهداهم وهو بالامر أقوم

هو العالم الحبر الذي ليس مثله *** هو البطل القرم الهزبر الغشمشم

وما زال في بدر واحد وخيبر *** يفلّ جيوش المشركين ويحطم

يكرّ ويعلوهم بقائم سيفه *** الى أن اطاعوا مكرهين وأسلموا

وقالوا دماء المسلمين أراقها *** وقد كان في القتلى بريء ومجرم

فقلت لهم مهلا عدمتم صوابكم *** وصي النبي المصطفى كيف يظلم

أما قال أقضاكم علي - محمد *** كذا قد رواه الناقل المتقدم

فان جار ظلما في القضاء بزعمكم *** علي فمن زكاه لا شك أظلم

فمن كعلي عند كل ملمة *** اذا ما التقى الجمعان والنقع مقتم

ومن ذا يجاريه بمجد ولم يزل *** يقول سلوني ما يحل ويحرم

سلوني ففي جنبي علم ورثته *** عن المصطفى ما فاه مني به الفم

سلوني عن طرق السماوات انني *** بها من سلوك الطرق في الأرض أعلم

ولو كشف الله الغطا لم أزد به *** يقينا على ما كنت أدري وأفهم

وكائن له من آية وفضيلة *** ومن مكرمات ما تغم وتكتم

فمن ختمت اعماله عند موته *** بخير فأعمالي بحبيه تختم

فيا رب بالأشباح آل محمد *** نجوم الهدى للناس والشرق مظلم

وبالقائم المهدي من آل احمد *** وآبائه الهادين والحق معصم

تفضل على العودي منك برحمة *** فأنت اذا استرحمت تعفو وترحم

تجاوز بحسن العفو عن سيئاته *** اذا ما تلظت في المعاد جهنم

ومن عليه من لدنك برأفة *** فانك أنت المنعم المتكرم

فان كان لي ذنب عظيم جنيته *** فعفوك والغفران لي منه أعظم

ص: 130

ابن العودي النيلي المتولد سنة 478 والمتوفي عام 558 قال السيد في الجزء 17 ص 325 من الاعيان عثرنا على هذه القصيدة بتمامها في بعض المجاميع القديمة من خبايا الزوايا منسوبة الى العودي وقد رسم العودي ، وفوق العين ضمة ولسنا نعلم الى أي شيء هذه النسبة. وفي الرياض أورد اجازة الشهيد الاول للشيخ علي بن الحسن بن محمد الخازن بالحائر الحسيني عن خط الامير محمد امين الشريف عن خط المولى محمود بن محمد بن علي الجيلاني عن خط الشيخ بهاء الدين محمد بن علي الشهير بابن بهاء الدين العودي عن خط ناصر بن ابراهيم البويهي عن خط الشهيد ، انتهى. فلعله صاحب القصيدة فاوردناها هنا مع ما مرَّ منها في الجزء 13 لئلا تكون متقطعة في الكتاب. ويقرأها القارىء على نسق واحد ومع ذلك فقد تركنا جملة منها (1).

اقول وقد كرر السيد نشر القصيدة سهواً في جزء 53 ص 24 من الاعيان وقال : ابن العودي النيلي لم نعرف اسمه.

اما الشيخ الاميني رحمه الله فقد عده من شعراء القرن السادس وان ميلاده سنة 478 ووفاته في حدود 558.

وقال : ابو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي التغلبي النيلي نسبة الى بلدة النيل على نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحوالشرق الجنوبي.

ص: 131


1- اقول سبق ان روى السيد في الجزء 13 ص 205 أكثرها ، جمعها من كتاب المناقب لابن شهراشوب.

وجاء في مجلة ( الغرى ) النجفية عدد 22 ، 23 من السنة السابعة بقلم الدكتور مصطفى جواد قال : كان ابو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت اخبار سيرهم فهو كوكب من كواكب الادب. واورد نماذج من شعره والوانا من أدبه.

قال الاميني : ولم اقف على سنة وفاة ابن العودي الا ان سنة ولادته ، اعني سنة 478 ورواية عماد الدين الاصفهاني له سنة 554 بالهمامية قرب واسط لا تتركان للظن ان يغالى في بقائه طويلا بعد سنة454 المذكورة بل لااراه قد جاوز سنة 558 فانها تجعل عمره ثمانين سنة وذلك من نوادر الاعمار في هذه الديار انتهى.

ص: 132

القاضي الجليس

دعاه لوشك البينس داعٍ فاسمعا *** وأودع جسمي سقمه حين ودَّعا

ولم يبق في قلبي لصبري موضعاً *** وقد سار طوع النأي والبعد موضعا

أجنُ إذا ما الليل جنَّ كآبة *** وأبدي إذا ما الصبح أزمع أدمعا

وما انقدتُ طوعاً للهوى قبل هذه *** وقد كنت ألوي عنه ليناً وأخدعا

إلى أن يقول :

تصاممت عن داعي الصبابة والصبى *** ولبيّت داعي آل احمد إذ دعا

عشوت بأفكاري الى ضوء علمهم *** فصادفت منه منهج الحق مهيعاً

علقت بهم فليلح في ذاك من لحى *** تولَّيتهم فلينع ذلك مَن نعا

تسرَّعت في مدحي لهم متبرَّعاً *** وأقلعت عن تركي له متورًّعاً

هم الصّائمون القائمون لربِّهم *** هم الخايفوه خشيةً وتخشعاً

هم القاطعوا الليل البهيم تهجّداً *** هم العامروه سُجّداً فيه ركعاً

هم الطيبوا الأخيار والخير في الورى *** يروقون مرئى أو يشوقون مسمعا

بهم تقبل الأعمال من كلّ عاملٍ *** بهم ترفع الطاعات ممن تطوعا

بأسمائهم يُسقى الأنام ويهطل الغم- *** -ام وكم كربٍ بهم قد تقشّعا

هم القائلون الفاعلون تبرُّعاً *** هم العالمون العاملون تورُّعاً

ابوهم وصيُّ المصطفى حاز علمه *** وأودعه من قبل ما كان اودعا

ص: 133

أقام عمود الشرع بعد اعوجاجه *** وساند ركن الدين أن يتصدعا

وواساه بالنفس النفيسة دونهم *** ولم يخشَ أن يلقى عداه فيجزعا

وسمّاه مولاهم وقد قام معلناً *** ليتلَوُهُ في كلّ فضل ويشفعا

فمن كشف الغمَّاء عن وجه أحمد *** وقد كربت أقرانه ان يقطّعاً؟!

ومن هزَّ باب الحصن في يوم خيبر *** فزلزل ارض المشركين وزعزعا؟!

وفي يوم بدر من أحنَّ قليبها *** جسوماً بها تدمي وهاماً مقطعاً؟!

وكم حاسد أغراه بالحقد فضله *** وذلك فضل مثله ليس يُدّعا

لوى غدره يوم « الغدير » بحقَّه *** واعقبه يوم « البعير » واتبعا

وحاربه القرآن عنه فما ارعوى *** وعاتبه الإسلام فيه فما وعى

إذا رام ان يخفي مناقبه جلت *** وإن رام ان يطفي سناه تشعشعا

متى همَّ ان يطوي شذى المسك كاتم *** أبى عرفه المعروف إلا تضوعا

ومنها :

أيا امّةً لم ترعَ للدين حرمةً *** ولم تبق في قوس الضلالة منزعا

بأي كتاب ام بأيَّة حجّة *** نقضتم به ما سنّة الله اجمعا؟!

غضبتم ولي الحق مهجة نفسه *** وكان لكم غصب الإمامة مقنعا

وألجمتم آل النبي سيوفكم *** تفرّي من السادات سوفاً واذرعا

وحلّلتم في كربلاء دماءهم *** فأضحت بها هيم الأسنّة شرعاً

وحرَّمتم ماء الفرات عليهم *** فأصبح محظوراً لديهم ممنّعاً

ص: 134

وقال :

ان خانها الدمع الغزير *** فمن الدماء لها نصير

دعها تسحُّ ولا تشحَّ *** فرزؤها رزءٌ كبير

ما غصب فاطمة تراث *** ( محمد ) خطبٌ يسير

كلا ولا ظلم الوصيِّ و *** حقه الحق الشهير

نطق النبي بفضله وهو *** المبشر والنذير

جحدوه عقد ولاية قد *** غرَّ جاحده الغرور

غدروا به حسداً له وب- *** -نصّه شهد « الغدير »

حظروا عليه ما حباه *** بفخره وهم حضور

يا أمة رعت السها *** وإمامها القمر المنير

إن ضلّ بالعجل الي- *** -هود فقد أضلكم البعير

لهفي لقتلى الطفِّ إذ *** خذل المصاحب والعشير

وافاهم في كربلا *** يوم عبوس قمطرير

دلفت لهم عصب ال- *** -ضلال كانما دعي النفير

عجباً لهم لم يلقهم *** من دونهم قَدر مبير

أيما فوق الأرض فيض *** دم الحسين ولا تمور؟!

أترى الجبال درت ولم *** تقذفهم منها صخور؟!

أم كيف إذ منعوه ورد *** الماء لم تغر البحور؟!

حرم الزلال عليه لما *** حللت لهم الخمور

ص: 135

أبو المعالي بعد العزيز بن الحسين بن الحبّاب الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس ، قال الشيخ الاميني في ( الغدير ) هو من مقدمي شعراء مصر وكتابهم ومن ندماء الملك الصالح طلايع بن رزيك ترجمه ابن شاكر في ( فوات الوفيات ) ج 1 ص 278 فقال : تولى ديوان الانشاء للفائز مع الموفق ابن الخلال ومن شعره :

ومن عجبي ان الصوارم والقنا *** تحيض بأيدي القوم وهي ذكور

وأعجب من ذا انها في اكفهم *** تأجج ناراً والأكفُ بحور

كان القاضي الجليس كبير الانف. قال الشيخ وهو ممن اغرق نزعا في موالاة العترة الطاهرة وقال : ذكر سيدنا العلامة السيد احمد العطار البغدادي في الجزء الاول من كتابه ( الرائق ) جملة من شعر شاعرنا الجليس منها قصيدة يرثي بها آل البيت ويمدح الملك الصالح بن رزّيك ويذكر مواقفه المشكورة في خدمة آل الله أولها :

لولا مجانبة الملوك الشاني *** ما تمِّ شاني في الغرام بشاني

وقصيدة في رثاء العترة الطاهرة تناهز 66 بيتاً مطلعها :

ارأيت جرأة طيف هذا الزائر *** ما هاب عادية الغيور الزاير

وقصيدة 62 بيتاً في إمامة امير المؤمنين علیه السلام ويرثي السبط الحسين علیه السلام ، أولها :

الأهل لدمعي في الغمام رسولُ *** وهل لي الى برد الغليل سبيل

ص: 136

وفي خريدة القصر :

القاضي الجليس : أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين

ابن الحبّاب الأغلي : السعدي التميمي

جليس صاحب مصر ، فضله مشهور ، وشعره مأثور ، وقد كان أوحد عصره في مصره نظما ونثراً ، وترسلا وشعراً ، ومات بها في سنة إحدى وستين وخمسمائة ، وقد أناف على السبعين. ومن شعره :

لا تعجبي من صدّه ونفاره *** لولا المشيبُ لكنتُ من زوّاره

لم تترك الستون إذ نزلت به *** من عهد صبوته سوى تذكاره

وله :

حيَّى بتفاحةٍ مخضّبة *** من شفني حبُّه وتيّمني

فقلت ما إن رأيت مشبهها *** فاحمرَّ من خجلة فكذَّبني

ومن شعره :

وسما يكفُّ الحافظُ المنصور *** عنا المحل كفّا

آواهم كرماً وصا *** ن حريمهم فعنا وعفَّا

وأنشدني له الشريف ادريس الادريسي قصيدة سيَّرها إلى الصالح بن رزيك قبل وزارنه يحرضه على ادراك ثأر الظافر وكان عباس وزيرهم قتله وقتل أخويه يوسف وجبريل يقول فيها :

فأين بنو رزّيك عنها ونصرهم *** وما لهم من منعة وذياد

فلو عاينت عيناك بالقصر يومهم *** ومصرعهم لم تكتحل برقاد

ص: 137

تدارك من الايمان قبل دثوره *** حشاشة نفس آذنت بنفاد

فمزق جموع المارقين فإنها *** بقايا زروع آذنت بحصاد

وله فيه من أخرى في هذه الحادثة :

ولما ترامي البربريُّ بجهله *** إلى فتكة ما رامها قط رائم

ركبت إليه متن عزمتك التي *** بأمثالها تلقى الخطوب العظائم

وقُدَت له الجرد الخفاف كأنما *** قوائمها عند الطرد قوادم

تجافت عن الماء القراح فريها *** دماء العدا فهي الصوادي الصوادم

وقمت بحق الطالبيين طالبا *** وغيرك يغضى دونه ويسالم

أعدت اليهم ملكهم بعدما لوى *** به غاصب حق الامانة ظالم

فما غالب إلا بنصرك غالب *** وما هاشمِ إلا بسيفك هاشم

فأدرك بثأر الدين منه ولم تزل *** عن الحق بالبيض الرقاق تخاصم

وانشدني الأمير العضد مرهف للجليس يخاطب الرشيد بن الزبير في معنى نكبة خاله الموفق :

تسمع مقالي يا ابن الرشيد *** فأنت حقيق بأن تسمعه

بلينا بذي نشب سائل *** قليل الجدا في أوان الدعه

إذا ناله الخير لم نرجه *** وإن صفعوه صفعنا معه

وأنشدني بعض فضلاء مصر لأبن الحبّاب :

سيوفك لا يفلُّ لها غرار (1) *** فنوم المارقين بها غرار (2)

ص: 138


1- 1 - الغرار : حد السيف
2- الغرار ، النوم القليل.

يُجرّدها إذا أُحرجتَ سخطٌ *** على قومٍ ويغمدها اغتفار

طريدك لا يفوتك منه ثأر *** وخصمك لا يقال له عثار

وفيما نلته من كل باغ *** لمن ناواك - لو عقل - اعتبار

فمرُ يا صالح الأملاك فينا *** بما تختاره فلك الخيار

فقد شفعت إلى ما تبتغيه *** لك الأقدار والفلك المدار

ولو نوت النجوم له خلافاً *** هوت في الجو [ يذروها ] انتثار

ومنها :

عدلت وقد قسمت وكم ملوك *** أرادوا العدل في قَسمٍ فجاروا

ففي يد جاحد الإحسان غلُّ *** وفي يد حامد النعمى سوار

لقد طمحت بطرخان (1) أمانٍ *** له ولمثله فيها بوار

وحاول خطةً فيها شماس *** على أمثاله وبها نفار

هل الحسب الفتيُّ بمستقلٍ *** إذا ما عزَّه الحسب النضار

أتتك بحائن قدماه سعياً *** كما يَسعى إلى الأسد الحمار

وشان قرينه لما أتاه *** كما قد شان أسرته قُدار (2)

وأنشدني بمصر ولده القاضي الأشرف أبو البركات عبد القوي لوالده الجليس من قطعة كتبها إلى ابن رزيك في مرضه يشكو طبيباً يقال له ابن السديد على سبيل المداعبة :

وأصل بليتي مَن قد غزاني *** من السقم الملح بعسكرين

طبيب طبه كغراب بين *** يفرق بين عافيتي وبيني

وأتى الحمى وقد شاخت وباخت *** فردَّ لسها الشباب بنسختين

ص: 139


1- هو طرخان بن سليط والي الاسكندرية ثار على طلايع فجرد له جيشاً فقضى عليه.
2- قدار بن سالف عاقر نافة صالح.

ودبّرها بتدبير لطيف *** حكاه عن سنان أو حنين (1)

وكانت نوبةً في كل يومٍ *** فصيرَّها بحذق نوبتين

وأنشدني أيضاً لوالده في مدح طبيب :

يا وراثاً عن أب وجدٍ *** فضيلة الطبّ والسداد

وكاملاً رد كل نفسٍ *** همَّت عن الجسم بالبعاد

اقسم ان لو طببت دهراً *** لعاد كوناً بلا فساد

ورأيت من كلامه في ديوان الصالح بن رزيك : هو الوزير الكافي والوزير الكافل ، والملك الذي تلقى بذكره الكتائب وتهزم باسمه الجحافل ، ومن جدد رسوم المملكة ، وقد كان يخفيها دثورها ، وعاد به اليها ضياؤها ونورها :

وقد خفيت من قبله معجزاتها *** فأظهرها حتى أقر كفورها

أعدتَ إلى جسم الوزارة روحه *** وما كان يرجى بعثها ونشورها

أقامت زماناً عند غيرك طامثاً *** وهذا أوان قرؤها وطهورها

من العدل ان يحيا بها مستحقها *** ويخلعها مردودة مستعيرها

إذا خطب الحسناء من ليس أهلها *** أشار عليه بالطلاق مشيرها (2)

فقد نشرت أيامه مطوى الهم ، وأنشرت رفات الجود والكرم ، ونفقت بدولته سوق الأداب بعدما كسدت ، وهبت ريح الفضل بعد ما ركدت إذا لها الملوك بالقيان والمعازف ، كان لهوه بالعلوم والمعارف وإن عمروا أوقاتهم بالخمر والقمر ، كانت أوقاته معمورة بالنهي والأمر :

مليك إذا ألهى الملوك عن اللها *** خمار ، وخمر ، هاجر الدل والدنا

ص: 140


1- حنين : ابن اسحاق ، معروف.
2- من قصيدة للشاعر صردر.

ولم تنسه الأوتاد أوتار قينةٍ *** إذا ما دعاه السيف لم يثنه المثنى

ولو جار بالدنيا وعاد بضعفها *** لظن من استصغاره أنه ضنّاً

ولا عيب في إنعامه غير أنه *** إذا من لم يتبع مواهبه مَنّا

ولا طعن في إقدامه غير أنه *** لبوس إلى حاجاته الضرب والطعنا

لا شك أن هذه الأبيات لغيره.

ومن أبياته في الغزل :

رب بيض سللن باللحظ بيضاً *** مرهفاتٍ جفونهنَّ الجفونُ

وخدود للدمع فيها خدودٍ *** وعيون قد فاض منها عيون

وله :

تُرى أخلست فيه الفلا بعض ريّاها *** ففات فتيتَ المسك نشر خُزاماها

ألمّت بنما والليل يزهي بلمة *** دجوجيةٍ لم يكتمل بعد فوداها

فأشرق ضوء الصبح وهو جبينها *** وفاحت أزاهير الربا وهي ريّاها

إذا ما اجتنب من وجهها العين روضةً *** سفحتُ خلال الروض بالدمع أمواها

وإني لأستسقي السحاب لربعها *** وإن لم تكن إلا ضلوعي مأواها

إذا استعرت نار الأسى بين أضلعي *** نضحت على حرّ الحشا برد ذكراها

وما بي أن يصلى الفؤاد بحرَّها *** ويضرم لولا أن في القلب مأواها

وله في غلام تركي :

ظبيٌ من الأتراكِ أجفانه *** تسطو على الرامح والنابلِ

سيان منه إن رما أو رنا *** ليس من السهمين من وائل

يفرَّ منه القرن خوفاً كما *** يفرُّ ظبي القاع من حابل

ص: 141

يا ويح أعدائك ما ها لهم *** من غصن فوق نقاً هائل

لا تفرقوا صولة نُشّابه *** فربَّ سهمٍ ليس بالقاتل

وحاذروا أسهم أجفانه *** فسحر ذا النابل من بابل

وله في النرجس :

وقد الربيع على العيون بنرجسٍ *** يحكي العيون فقد حباها نفسها

علقت على استحسانه أبصارنا *** شغفاً إذ الأشياء تعشق جنسها

يُلهى ويؤنس من جفاه خليله *** كم منَّةٍ في أُنسه لم أنسها

فارضَ الرياض بزورةٍ تلهو بها *** وأحثُث على حدقِ الحدائق عكسها

وله :

زار وجنح الليل محلولكٌ *** داج فحيَّاهُ محيَّاهُ

ملتثماً يبديه لألآؤه *** والبدر لا يكتم مسراه

نمَّ عليه طيبُ أنفاسه *** كما وشى بالمسك ريَّاهُ

وله :

قد طرَّزت وجناتُهُ بعذاره *** فكساه روض الحسن من أزهارهِ

وتألقت أضداده فالماء في *** خدَّيه لا يطفي تلهّب نارهِ

وحكيته فمدامعي تهمي على *** نار الحشا وتزيد في استسعارهِ

ومنها :

واذا بدا فالقلب مشغول به *** وإذا انثنى فالطرف في آثاره

فمتى أعانُ على هواه بنصرَةٍ *** وجوانحي للحين من أنصاره

ص: 142

وله من قصيدة :

وكم طامح الآمال همَّ فقصرت *** خطاه به إن العلا صعبةُ المرقى

وظن بأن البخل أبقى لوفره *** ولو أنه يدري لكان الندى أبقى

ظهرتَ فكنتَ الشمس جلّى ضياؤها *** حنادسَ شركٍ كان قد طبق الافقا

علوت كما تعلو ، وأشرقت مثلما *** تضيء ونرجو أن ستبقى كما تبقى

وهنئت الأعياد منك بما جدٍ *** تباهت به العليا وهامت به عشقا

مواسم قد جاءت تباعاً كأنما *** تروم لفرط الشوق أن تحرز السبقا

وكان لها الأضحى إماماً أمامها *** فأرهقه النوروز يمنعه الرفقا

وكم همَّ أن يعدو مراراً فرغته *** فأبقى ولولا فرق بأسك ما أبقى

أبى الله في عصرٍ تكون عميده *** وسائه أن يسبق الباطل الحقا

فجاءك هذا سابق جال بعده *** مصلٍّ وكانا للذي تبتغي وفقا

وأعقبه عيد الغدير (1) فلم نخل *** لقرب التداني أنَّ بينهما فرقا

اقول (1) ان شراح خريدة القصر يعلقون على هذا البيت ( بأن الغدير من أعياد القبط المهمة ، وكان الفاطميون يحتفلون به احتفالاً مشهوداً ) أصحيح انه من أعياد القبط ولم يك من أعياد المسلمين ، اليس هو اليوم الذي أكمل الله في الدين وأتم فيه النعمة ورضي بالاسلام ديناً ، أليس هو يوم الخلافة الكبرى التي نص بها على إمامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام ، يوم غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في أواخر السنة العاشرة من الهجرة النبوية.

ألم يكن يوم الغدير محل عناية من الله عزوجل إذ اوحاه تبارك وتعالى الى نبيه وانزل فيه قرآناً يرتله المسلمون اناء الليل وأطراف النهار ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ).

ص: 143

هل خفي أمر ذلك اليوم وأمر ذلك التبليغ وقد جمع النبي صلی الله علیه و آله الناس تحت سماء غدير خم عندما رجع من الحج ونزلت عليه الآلية السابقة فجمع الناس وأمرهم ان يأتوه باحداج دوابهم وان يضعوا بعضها فوق بعض وصعد حتى صار في ذروتها ، وأقام علياً الى جنبه ثم خطب خطبة طويلة وقال : أيها الناس ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين ، وإني أولى بهم من أنفسهم. ثم أخذ بيد علي فرفعها اليه حتى بان بياض إبطيه وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وآل من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله.

حديث الغدير رواه الصحابة والتابعون وحتى رواه النواصب والخوارج وقد صنف ابن جرير الطبري كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ، ونقل عن ابن المعالي الجويني انه كان يتعجب ويقول :

شاهدت مجلداً ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوب عليه : المجلدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه ، ويتلوه المجلد التاسع والعشرون.

وقد جمع اميرالمؤمنين علي علیه السلام الناس في الرحبة بالكوفة كما جاء في - تاريخ الخلفاء ، وتذكرة الخواص - وذلك أيام خلافته فقال : انشد الله كل امرىء مسلم سمع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فشهد بما سمع ، ولا يقوم إلا من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه ، فقام ثلاثون صحابياً فيهم اثنا عشر بدرياً ، فشهدوا أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) أخذه بيده فقال للناس : أتعلمون أني اولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم ، قال (صلی الله عليه وآله وسلم) : من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه.

لقد كان الأئمة من أهل البيت علیهم السلام يتخذون اليوم الثامن عشر

ص: 144

من ذي الحجة عيداً في كل عام ، يجلسون فيه للتهنئة والسرور بكل بهجة وحبور ، ويتقربون فيه الى الله بالصوم والصلاة والابتهال والادعية ، ويبالغون فيه بالبر والاحسان ، شكراً لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين بالخلافة والعهد اليه بالامامة ، وكانوا يصلون فيه أرحامهم ويوسعون على عيالهم ويزورون إخوانهم ويحفظون جيرانهم ويأمرون أولياءهم بهذا كله.

وكان معزّ الدولة البويهي يأمر باظهار الزينة في بغداد وفتح الأسواق بالليل كما يفعل ليالي الأعياد ويتصافحون شكراً لله تعالى على إكمال الدين وإتمام النعمة ، هكذا كان يفعل البويهيون في العراق وإيران ، والحمدانيون في حلب وما والاها ، والفاطميون في مصر والمغرب والاقصى.

لقد كان عيد الغدير في تلك الدول والحكومات عيداً رسمياً ، تحتفل به الامة الاسلامية ويُجلّه الجميع. واذا كان الواجب يقضي علينا أن نحتفل بالأيام التي احتفل بها أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فان الامام الخامس من الأئمة وهو محمد باقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين الشهيد ابن علي بن ابي طالب علیهم السلام قد احتفل بهذا اليوم وقام الكميت الاسدي ينشده قصيدته الشهيرة التي يقول فيها :

نفى عن عينك الأرقُ الهجوعاً *** وهمّ يمتري منها الدموعا

الى قوله :

لدى الرحمن يشفع بالمثاني *** فكان له أبو حسن شفيعا

ويوم الدوح دوح غدير خمٍّ *** أبان له الولاية لو أطيعا

ص: 145

ولكن الرجال تدافعوها *** فلم أر مثلها خطراً منيعاً (1)

واحتفل فيه الامام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام وأنشده السيد الحميري قصائده المعروفة ، ومنها :

يا بائع الدين بدنياه *** ليس بهذا أمر الله

من أين ابغضت علي الرضا *** وأحمد قد كان يرضاه

مَن الذي أحمد من بينهم *** يوم غديرٍ خمّ وصاه

أقامه من بين أصحابه *** وهم حواليه فسمّاه

هذا عليُ بن ابي طالب *** مولى لمن قد كنتُ مولاه

فوالِ مَن والاه ياذا العلى *** وعادِ مَن قد كان عاداه (2)

واحتفل فيه الإمام علي بن موسى الرضا يوم كان ينشده دعبل بن علي الخزاعي قصيدته الشهيرة التي تناقلتها المئات من الكتب ومنها :

ولو قلدوا الموصى اليه أمورهم *** لزُمَّت بمأمون من العثرات

اخي خاتم الرسل المصفّى من القذا *** ومفترس الابطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهيده *** وبدر ُوأُحد شامخ الهضبات

واحتفل بعيد الغدير في عهد الإمامين محمد الجواد ونجله علي الهادي علیهماالسلام يوم أنشد الشاعر الفحل أبو تمام الطائي قصيدته التي يقول فيها :

ويوم الغدير استوضح الحق أهله *** بفيحاء ما فيهم حجاب ولا سترُ

أقام رسول الله يدعوهم بها *** ليقربهم عرفٌ وينأهمُ نكر

يمدّ بضبعيه ويُعلم أنه *** وليٌ ومولاكم فهل لكم خبر

ص: 146


1- الهاشميات.
2- تذكرة سبط ابن الجوزي.

ومنها :

فعلتم بأبناء النبي ورهطه *** أفاعيل أدناها الخيانة والغدر

ومن قبله أخلفتموا لوصيّه *** بداهية دهياء ليس لها قدر

أخوه إذا عدّ الفخار وصهره *** فلا مثله أخٌ ولا مثله صهر

وشدِّ به أزر النبيّ محمد *** كما شدَّ من موسى بهارونه أزر

وما زال كشافاً دياجير غمرة *** يمزَّقها عن وجهه الفتح والنصر

واحتفل فيه بعهد الإمام العسكري سلام الله عليه يوم ينشد الشاعر ابن الرومي - شاعر الإمام العسكري - إحدى روائعه :

يا هندُ لم أعشق ومثلي لا يُرى *** عشق النساء ديانة وتحرّجا

لكنَّ حُبّي للوصي محتّمٌ *** في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا

فهو السراج المستنير ومن به *** سبب النجاة من العذاب لمن نجا

وإذا تركتُ له المحبة لم أجد *** يوم القيامة من ذنوبي مخرجا

قل لي أأترك مستقيم طريقة *** جهلاً وأتَّبع الطريق الأعوجا

وأراه كالتبر المصفّى جوهراً *** وأرى سواه لناقديه مهرَّجاً

ومحلّه من كل فضل بيّن *** عالٍ محلّ الشمس او بدر الدجى

قال النبيُّ له مقالاً لم يكن *** ( يوم الغدير ) لسامعيه مجمّجا

من كنتُ مولاه فذا مولى له *** مثلي ، وأصبح بالفخار متوَّجا

وكذاك إذ منع البتول جماعة *** خطبوا وأكرمه بها إذ زوَّجا

ص: 147

وعوداً على شعر القاضي الجليس ، قال :

خذها إليك بماء الطبع قد شرقت *** لو مازج البحر منها لفظه عذبا

جوّالةٌ بنواحي الأرض ممعنة *** في السير لا تشتكي أيناً ولا نصبا

ألفاظها الدّر تحقيقاً ومن عجبٍ *** تُملى على البحر درَّ البحر مجتلبا

وقوله في قصيدة أولها :

دع البين تحدونا حثاث ركابه *** فغيري مَن يشجوه صوت غرابه

سأركب ظهر العزم أو أرجع المنى *** برجعة موفور الرجاءِ مثابه

فإما حياةٌ يسحب المرء فوقها *** ذيول الغنى والغزّ بين صحابه

وإما ممات في العلا يترك الفتى *** يقال ألا لله درُّ مصابه

ومنها :

وأروع يشكو الجود طول ثوائه *** لديه ، ويشكوا المال طول اغترابه

تصدّ الملوك الصيد عن قصد أرضه *** فيرجعها محروبة بحرابه

ويعطفها ميل الرقاب مهابةً *** ولم تكتحل أجفانهُ بترابه

وأغزو بأبكار القصائدِ وفره *** فأرجعُ قد فازت يدي بنهابه

وقوله :

أما وجيادك الجرد العوادي *** لقد شقيت بعزمتك الأعادي

ص: 148

رأوا أن الصعيد لهم ملاذ *** فلم يُحمَ الصعيد من الصّعاد

وراموا من يديك قرىً عتيداً *** فأهديت الحتوف على الهوادي

وقوله وقد جمع ثمان تشبيهات في بيت واحد :

بدا وأرانا منظراً جامعاً لنا *** تفرّق من حسن على الخلق مونقا

أقاحاً وراحاً تحت وردٍ ونرجسٍ *** وليلاً وصبحاً فوق غصنٍ على نقا

وقوله يصف الخمر :

معتقةٌ قد طال في الدنّ حبسها *** ولم يدُعها شرابها بنت عامها

وقد أشبهت نار الخليل لأنها *** حكتها لنا في بردها وسلامها

وذكر ابن الزبير في كتابه أنه كتب اليه مع طيب أهداه :

بعثت عشاء الى سيدي *** بما هو من خلقه مقتبس

هدية كل صحيح الإخاء *** جرى منه ودّك مجرى النفس

فجد بالقبول وأيقن بأن *** لفرط الحياء أتت في الغلس

وله يصف خليلاً :

جنائب : إن قيِدَت فأسدٌ ، وإن عدت *** بأبطالها فهي الصبا والجنائب

أثارت باكناف المصلى عجاجةً *** دجت وبدت للبيض منها كواكب

ص: 149

وله يهجو :

وكم في زبيدٍ من فقيه مصدّر *** وفي صدره بحر من الجهل مزبد

إذا ذاب جسمي من حرور بلادكم *** علقت على أشعاركم ابتردّ

وله يصف معركة :

تكاد من النقع المثار كماتها *** تناكر أحيانا وإن قرب النحر

عجاج يظل الملتقى منه في دجىً *** وإن لمعت أسيافه طلع الفجر

وخيل يلف النشر بالترب عدوها *** وقتلى يعاف الأكل من هامها النسر

ومن شعره يرثى بعض أهله :

ما كان مثلك من تغتاله الغير *** لو كان ينفع من ضرب الردى الحذر

ومنها :

قد أعلن الدهر ، لكن غالنا صمم *** عنه ، وأنذرنا ، لو أغنت النذر

يغرّنا أمل الدنيا ويخدعنا *** إن الغرور بأطماع المنى غرر

ومنها :

قد كان أنفس ما ضنت يداه به *** لو كان يعلم ما يأتي وما يذر

أغالب القوم مجهوداً وأيسر ما *** لقيته من أذاه العيُّ والحصر

وقال يرثي اباه ، وقد مات غريقا في البحر بريح عصفت.

وكنت أهدي مع الريح السلام له *** ما هبت الريح في صبح وإمساء

ص: 150

إحدى ثقاتي عليه كنت أحسبُها *** ولم أخل أنها من بعض أعدائي

ومن شعره في العتاب والاستبطاء والشكوى قوله :

كم من غريبة حكمة زارتك من *** فكري فما أحسنت قط ثوابها

جاءتك ما طرقت وفود جمالها *** الأسماع إلا فتّحت أبوابها

فتنتك إعجاباً فحين هممت أن *** تحبو سويداء الفؤاد صوابها

وافتك من حسد وساوس حكمة *** جعلت لعينك كالمشيب شبابها

فثنيت طرفك خاشياً لا زاهداً *** ورددتها تشكو إليَّ مآبها

وأراك كالعنين همَّ بكاعبٍ *** بكر وأعجزه النكاح فعابها

وله في الغزل :

أشجّع النفس على حربكم *** تقاضياً والسلم يزويها

أسومها الصبر وألحاظكم *** قد جعلتها من مراميها

وكيف بالصبر على أسهم *** نصّلها بالجمر راميها

انتهى عن خريدة القصر للعماد الاصفهاني الجزء الاول - قسم شعراء مصر ص 189.

وفي فوات الوفيات ان القاضي الجليس كان كبير الانف ، وكان الخطيب ابو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصياد مولعاً بأنفه وهجائه وذكر أنفه في اكثر من ألف مقطوع ، فانتصر له ابو الفتح بن قادوس الشاعر فقال :

يا من يعيب أنوفنا ال- *** -شم التي ليست تعاب

الأنف خلقة ربنا *** وقرونك الشم اكتساب

ص: 151

وجاء في المجموع الرائق مخطوط للسيد احمد العطار رحمه الله قال :

أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحبّاب الاغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس المتوفي سنة 561 هجرية :

قال في مدح الملك الصالح ورثاء أهل البيت علیهم السلام .

لولا مجانبة الملول الشاني *** ما تمَّ شاني في الغرام بشاني

ولما دعاني للهوى فأجبته *** طرفي وقلت لعاذليَّ دعاني

أغرى الملام بي الغرام وانما *** الجاني عليّ هو الذي الحاني

وجفى الكرى الاجفان فهي لدى الدجى *** ترعى السها مذ بان غصن البان

وزعمت أن الحسن ليس بموقف *** يغتال فيه شجاعة الشجعان

هذي الحداق السود جردت الظباة *** البيض والاجفان كالاجفان

إن قلت من القاك في لجج الهوى *** فخضابك القاني الذي القاني

هذا الفؤاد أسير حبك يرتجي *** فرجاً فهل عان بهذا العاني

إني على ما قد عناني في الهوى *** لأغصّ عن شأو المزاح عناني

وتعودنى لمصاب آل محمد *** فكر تعرج بي على الاشجان

أأكفّ حربي عن بني حرب وقد *** أودى بقبح صنيعها الحسنان

طلبت امية ثار بدر فاغتدى *** يسقي دعاف سمامها السبطان

جسد بأعلى الطف ظل درية *** لسهام كل حنيّة مرنان

ها انّ قاتلهم وتارك نصرهم *** في سوء فعلهما معاً سيان

أُسَرٌ همُ سرُ النفاق ودوحة *** مخصوصةٌ باللعن في القرآن

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم *** وتتابعوا في طاعة الشيطان

وهفوا الى داعي الضلال وانما *** عكفوا على وثن من الأوثان

ص: 152

لو كان كاشف كرب آل محمد *** في الطف عاجلهم بحتف آن

الصالح الملك الذي لجلاله *** خرّت ملوك الأرض للاذقان

إلا تكن في كربلاء نصرتهم *** بيد فكم لك نصرة بلسان

هذا وكم أعملت في يوم الوغى *** رأياً صليباً في ذوي الصلبان

عّودت بيض الهند ألا تنثني *** مركوزة بمكامن الأضغان

وجمعت اشلاء الحسين وقد غدت *** بدداً فاضحت في أعز مكان

وعرفت للعضو الشريف محله *** وجليل موضعه من الرحمن

أكرمت مثواه لديك وقبل في *** آل الطريد غدا بدار هوان

نقلته أيدي الظالمين تطيفه *** أعوانها في نازح البلدان (1)

وقضيتُ حقَّ المصطفى في حمله *** وحظيت من ذي العرش بالرضوان

ونصبته للمؤمنين تزوره *** مهج اليه شديدة الهيجان

أسكنته في خير مأوىً خطه *** أبناؤه في سالف الأزمان

حَرَمٌ يلوذ به الجناة فتنثنى *** محبَّوةً بالعفو والغفران

قد كان مغترباً زماناً قبل ذا *** فالآن عدت به الى الأوطان

ولو استطعت جعلت قلبك لحده *** في موضع التوحيد والايمان

* * *

فاق الملوك بهمةٍ لورامها *** كيوان لا ستعلت على كيوان

ومناقب تحصى الحصا وعديدها *** موفٍ على التعداد والحسبان

ومجالس تزهى بها أيامه *** معمورة بالعرف والعرفان

ص: 153


1- يشير الى رأس الحسين علیه السلام حينما نقله الملك الصالح بن رزيك.

هو سابقٌ لهمُ فهل من لاحق *** هو أوّلٌ فيهم فهل من ثان

فأبت مدى علياك شأو بلاغتي *** سبقاً وقصّر عنك طول لساني

مع أنني قد صغتُ فيك مدائحاً *** ما صاغها حسَّانُ في غَسّانِ

وخرج أمر الملك الصالح بأن يعمل كل من يقرظ الشعر بحضرته على وزن القصيدة النونية ورويها التي تقدَّم ذكرها فيما ورد منسوباً الى ما قاله وهي :

لو لا قوامك يا قضيب البان *** لم يحسن القضبان في الكثبان

فقال شاعرنا :

أغرى الغري الطرف بالهملان *** وأطاف يومُ الطف بي أحزاني

يا دمع ما وفيت حقَّ مصابهم *** إن أنت لم تمزج بأحمر قان

تبكي المحبين الصبابة والهوى *** وسوى الصبابة والهوى أبكاني

هيهات فيما قد عاني شاغلُ *** عن أن أجرَّ الحبّ فضل عناني

لم يبق دمع العين فيها مطمحاً *** لعيون عين الرمل والغزلان

لمصاب أبناء النبي وآله *** ولرزئهم فلتذرف العينان

إيهاً قريش لقد ركبتم جهرةً *** في آل طه غارب الطغيان

بشعارهم وفخارهم خضعت لكم *** مُضَرٌ ودان لكم بنو قحطان

بهم أطاع عصيّها وقصيّها *** وانقاد جامحها بلا أرسان

إن اسكتت عن أن يفوه بحقهم *** أممٌ لخوف مهندٍ وسنان

فغداً تجادل خصمهم وتجيبه *** في الحشر عنهم السُنُ النيران

أما الوصي فحقه عالي السنا *** وضح الصباح لمن له عينان

فاسأل به الفرقان تعلم فضله *** إن كنت تفهم معجز الفرقان

ص: 154

مَن كرَّ في أصحاب بدر مبادراً *** وثنى بخيبر عابدي الأوثان

وأقرّ دين الله في أوطانه *** وأقرّ منهم ناظر الايمان

هل كان في أحد وقد دلف الردى *** أحدٌ سواه مجدّل الشجعان

واسئل بخيبر عنه تخبر إنه *** إذ ذاك كان مزلزل الأركان

وقال :

من جفن غضَّ الدمع أو وآله *** ما الدمع كفوء بجوى الواله

لا لوم للصب وقد أزمعوا *** أن يظهر المكتوم من حاله

شجاه حاديهم باعجاله *** وطائر البان بإعواله

آه على ريق فم جاد لي *** بالدر من حصباء سلساله

وليت صوب الدمع لما جرى *** خفف عنه بعض أثقاله

وحبذا منه حباب طفا *** أسكرني من قبل جرياله

صيّر جسمي في الهوى بالياً *** مبلبل الصدغ ببلباله

مستوطن قلبي بلا مزعج *** ولا أرى أخطر في باله

وود لو أغفى ليحظى به *** فلم يسامحه باغفاله

ما ضر من يظلم أحبابه *** لو نقل الظلم لعذّاله

لو لا الهوى ما كان ريم النقا *** مع ضعفه يسطو بريباله

ولم يكن ما أكد المصطفى *** يسعى المراؤون لابطاله

أجل ولا احتالوا لكي ينقضوا *** ديناً قضى الله بأكماله

أحين أوصى لأخيه بما *** أوصى تراضيتم بادغاله

أولى لكم قد كان أولى لكم *** إسعاده في كل أحواله

واستفرضوها فلتة خلسة *** بماكر للدين ختّاله

أهوى لها من لم يكن موقناً *** بموقف الحشر وأهواله

وقاطعوا الرحمن واستنجدوا *** بعُصبِ الشرك وضُّلاله

فان يكن غروا بامهاله *** فما تغرّون باهماله

ص: 155

أعياهم كيد نبي الهدى *** فانتهزوا الفرصة في آله

اودى الحسين بن الوصي الرضا *** بفاتك بالدين مغتاله

دم النبي الطهر من سبطه *** سال على أسياف أقتاله

أفتى أعاديه باحلاله *** ولم يلاقوه بإجلاله

يرتع عانى الطير في جسمه *** وتلعب الريح باوصاله

يا يوم عاشوراء أنت الذي *** صيرت دمعي طوع إسباله

فاعجب لذاك الجو لم يتخسف *** ولم تصدّع صم أجباله

ومن كلاب الكفر إذ مكنت *** من اسد الدين وأشباله

فقتلوا بالسيف أولاده *** وأوقعوا الأسر باطفاله

أنى ارتقت همة كف الردى *** لأفضل الخلق ومفضاله

لقائل للحق فعاله *** وعالم بالدين عماله

إن شئت ان تصلى لظى عاده *** أو شئت قربى جده وآله

وكل عبد عابد مؤمن *** ولا كم سيّد أعماله

فليت ان الصالح المرتجى *** يبلغ فيكم كنه آماله

اذاً فدا كم من جميع الأذى *** بنفسه الطهر وأمواله

سيَّر فيكم مدحاً أصبحت *** أنجع من جيش بابطاله

كم شائم سحب ندى كفه *** قد اذهب الا محال من حاله

ملك عدا كل ملوك الورى *** يفوقهم أصغر آماله

لا زال والنصر له خادم *** مؤيداً في كل افعاله

ص: 156

القاضي الرشيد

القاضي الرشيد أحمد بن علي الغساني

ما للغصون تميل سكرا *** هل سُقيت بالمزن خمرا

ومنها في المدح :

جارى الملوكَ إلى العلى *** لكنهم ناموا وأسرى

سائل بها عصب النفا *** ق غداة كان الأمر إمرا (1)

أيامً أضحى النكر معرو *** فاً وأمسى العرف نكرا

الى ان وصل الى قوله :

أفكربلاءٌ بالعرا *** ق وكربلاء بمصر أخرى؟! (2)

ص: 157


1- إمرا ، شديداً او عصيباً ، وفي القرآن الكريم « لقد جئت شيئاً إمرا ».
2- خريدة القصر 201 شعراء مصر ، ومعجم الأدباء للحموي.

قال صاحب الخريدة - قسم شعراء مصر - كان ذا علم غزير وفضل كثير ، لم يعمل بشعره ولم يرحل من ضرّه ، وأنشدني ابن اخته القاضي محمد بن القاضي محمد بن ابراهيم المعروف بابن الداعي من أسوان ، وقد وفدت إلى دمشق سنة إحدى وسبعين قال : أنشدني خالي الرشيد بن الزبير لنفسه من قصيدة :

تواصى على ظلمي الأنام بأسرهم *** وأظلمُ من لاقيتُ أهلي وجيراني

لكل امرىءٍ شيطان جنّ يكيده *** بسوء ولي دون الورى الف شيطان

قال السيد الامين في الاعيان : ذكره صاحب ( نسمة السحر فيمن تشيّع وشعر ) ، وقال : كان من الإسماعيلية ، وله من المؤلفات :

1 - الرسالة الحصيبية.

2 - جنان الجنان ورياض الاذهان في شعراء مصر ومن طرأ عليهم ، في اربع مجلدات ذيل به على اليتيمة.

3 - منية الألمعي وبلغة المدعى في علوم كثيرة.

4 - المقامات.

5 - الهدايا والطرف.

6 - شفاء الغلَّة في سمت القبلة.

7 - ديوان شعره ، نحو مائة ورقة.

ص: 158

وقال ياقوت في معجم الادباء : أحمد بن علي بن الزبير الغساني الاسواني المصري ، يلقب بالرشيد ، وكنيته ابو الحسين ، مات سنة اثنتين وستين وخمسمائة ، على ما نذكره ، وكان كاتباً شاعراً فقيها نحوياً لغوياً ، ناشئاً ، عروضياً ، مؤرخاً منطقياً ، مهندساً عارفاً بالطب والموسيقى والنجوم ، متفنناً.

وقال السلفي : أنشدني القاضي ابو الحسن ، أحمد بن علي بن ابراهيم الغساني الاسواني لنفسه بالثغر :

سمحنا لدنيانا بما بخلت به *** علينا ولم نحفل بجلِّ امروها

فيا ليتنا لما حرمنا سرورها *** وقينا أذى آفاتها وشرورها

قال : وكان ابن الزبير هذا ، من أفراد الدهر فضلاً في فنون كثيرة من العلوم ، وهو من بيت كبير بالصعيد من الممولين ، وولي النظر بثغر الاسكندرية والدواوين السلطانية ، بغير اختياره ، وله تآليف ونظم ونثر التحق فيها بالأوائل المجيدين ، قتل ظلماً وعدواناً في محرم سنة اثنتين وستين وخمسمائة ، وله تصانيف معروفة لغير اهل مصر ، منها : كتاب منية الألمعي وبلغة المدعي ، يشتمل على علوم كثيرة كتاب المقامات. كتاب جنان الجنان وروضة الأذهان ، في أربع مجلدات ، يشتمل على شعر شعراء مصر ، ومن طرأ عليهم. كتاب الهدايا والطرف. كتاب شفاء الغلة في سمت القبلة كتاب رسائله نحو خمسين ورقة. كتاب ديوان شعره ، نحو مائة ورقة.

ومولده بأسوان ، وهي بلدة من صعيد مصر ، وهاجر منها الى مصر فأقام بها واتصل بملوكها ومدح وزراءها ، وتقدم عندهم وأنفذ الى اليمن في رسالةٍ ، ثم قلد قضاءها وأحكامها ، ولقب بقاضي قضاة اليمن ، وداعي دعاة الزمن ، ولما استقرت بها داره ، سمت نفسه إلى رتبة الخلافة فسعى

ص: 159

فيها ، وأجابه قوم ، وسلّم عليه بها ، وضربت له السكة ، وكان نقش السكة على الوجه الواحد : « قل هو الله أحد ، الله الصمد » وعلى الوجه الآخر ( الامام الامجد أبو الحسين احمد ) ثم قبض عليه وأنفذ مكبّلا الى قوصٍ فحكى من حضر دخوله إليها : انه رأى رجلاً ينادي بين يديه هذا عدو السلطان احمد بن الزبير وهو مغطى الوجه حتى وصل الى دار الامارة والأمير بها يومئذ طرخان سليط وكان بينهما ذحول (1) قديمة فقال : أحبسوه في المطبخ الذي كان يتولاه قديماً وكان ابن الزبير قد تولى المطبخ وفي ذلك يقول الشريف الأخفش من أبياتٍ يخاطب الصالح بن رُزيك :

يُولّى على الشيء اشكاله *** فيصبح هذا لهذا أخا

أُقام على المطبخ ابن الزبير *** فولى على المطبخ المطبخا

فقال بعض الحاضرين لطرخان : ينبغي ان تحسن الى الرجل فإن أخاه - يعني - المهذب حسن بن الزبير قريب من قلب الصالح ولا أستبعد ان يستعطفه عليه فتقع في خجلٍ.

قال : فلم يمض على ذلك غير ليلة أو ليلتين ، حتى ورد ساعٍ من الصالح ابن رزيك ، إلى طرخان بكتاب يأمره فيه باطلاقه والإحسان إليه فأحضره طرخان من سجنه مكرماً.

قال الحاكي : فلقد رأيته وهو يزاحمه في رتبته ومجلسه وكان السبب في تقدمه في الدولة المصرية في أول أمره ما حدثني به الشريف ابو عبدالله محمد ابن ابي محمد العزيز الادريسي الحسني الصعيدي قال : حدثني زهر الدولة ، حدثنا : ان احمد بن الزبير دخل الى مصر بعد مقتل الظاهر وجلوس الفائز ،

ص: 160


1- الذحول ، جمع الذحل ، الثأر والعداوة والحقد.

وعليه اطمار رثة وطيلسان صوف فحضر المأتم وقد حضر شعراء الدولة فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم فقام في آخرهم ، وأنشد قصيدته التي أولها :

ما للرياض تميل سكرا *** هل سقيت بالمزن خمرا

الى أن وصل إلى قوله :

أفكر بلاء بالعرا *** ق وكربلاءُ بمصر اخرى

فذرفت العيون وعج القصر بالبكا والعويل وانثالت عليه العطايا من كل جانب وعاد الى منزله بمال وافرٍ حصل له من الامراء والخدم وحظايا القصر وحمل إليه من قبل الوزير جملة من المال.

وقيل له : لو لا انه العزاء والمأتم ، لجاءتك الخلع.

قال : وكان على جلالته وفضله ومنزلته من العلم والنسب قبيح المنظر أسود الجلدة جهم الوجه سمج الخلقة ذا شفة غليظة وانف مبسوط ، كخلقة الزنوج ، قصيراً.

حدثني الشريف المذكور عن ابيه قال كنت أنا والرشيد بن الزبير والفقيه سليمان الديلمي ، نجتمع بالقاهرة في منزل واحد فغاب عنا الرشيد وطال انتظارنا له وكان ذلك في عنفوان شبابه وإبان صباه فجاءنا ، وقد مضى معظم النهار ، فقلنا له : ما أبطأ بك عنا؟ فتبسم وقال لا تسألوا عما جرى علىَّ اليوم فقلنا : لا بد من ذلك ، فتمنّع ، وألححنا عليه ، فقال : مررت اليوم بالموضع الفلاني ، واذا امرأة شابة صبيحة الوجه وضيئة المنظر حسانة الخلق ظريفة الشمائل فلما رأتني نظرت إلي نظر مطمع لي في نفسه فتوهمت أنني وقعت منها بموقع ونسيت نفسي وأشارت إلي بطرفها ، فتبعتها

ص: 161

وهي تدخل في سكة وتخرج من اخرى حتى دخلت داراً وأشارت إليَّ فدخلت ، ورفعت النقاب عن وجه كالقمر في ليلة تمامه ثم صفقت بيديها منادية : يا ست الدار فنزلت إليها طفلة ، كأنها فلقة قمر وقالت : إن رجعت تبولين في الفراش تركت سيدنا القاضي يأكلك ، ثم التفتت وقالت : - لا أعدمني الله إحسانه بفضل سيدنا القاضي أدام الله عزه - فخرجت وانا خزيان خجلاً ، لا أهتدي إلى الطريق.

وحدثني قال : إجتمع ليلة عند الصالح بن رزيك هو وجماعة من الفضلاء فألقى عليهم مسألة في اللغة فلم يجب عنها بالصواب سواه ، فاعجب به الصالح فقال الرشيد : ما سئلت قط عن مسألة إلا وجدتني أتوقد فهماً فقال ابن قادوس ، وكان حاضراً.

إن قلت : من نار خلق- *** -ت وفقت كل الناس فهما

قلنا : صدقت ، فما الذي *** أطفاك حتى صرت فحما

واما سبب مقتله : فلميله الى أسد الدين شير كوه عند دخوله الى البلاد ومكانبته له ، واتصل ذلك بشاور وزير العاضد ، فطلبه ، فاختفى بالاسكندرية واتفق التجاء الملك صلاح الدين يوسف بن ايوب الى الاسكندرية ومحاصرته بها فخرج ابن الزبير راكباً متقلداً سيفاً وقاتل بين يديه ولم يزل معه مدة مقامه بالاسكندرية إلى ان خرج منها فتزايد وجد شاور عليه واشتد طلبه له ، واتفق ان ظفر به على صفة لم تتحقق لنا ، فأمر باشهاره على جمل ، وعلى رأسه طرطور ووراءه جلواز ينال منه.

وأخبرني الشريف الإدريسي عن الفضل بن أبي الفضل انه رآه على تلك الحال الشنيعة وهو ينشد :

إن كان عندك يا زمان بقية *** مما تهين به الكرام فهاتها

ص: 162

ثم جعل يهمهم شفتيه بالقرآن ، وأمر به بعد إشهاره بمصر والقاهرة ان يصلب شنقاً ، فلما وصل به الى الشناقة جعل يقول للمتولي : لك منه : عجَّل عجِّل فلا رغبة للكريم في الحياة بعد هذه الحال. ثم صلب.

حدثني الشريف المذكور قال : حدثني الثقة حجاج بن المسيح الأسواني : أن ابن الزبير دفن في موضع صلبه ، فما مضت الايام والليالي حتى قتل شاور وسحب ، فاتفق أن حفر له ليدفن فوجد الرشيد بن الزبير في الحفرة مدفوناً فدفنا معاً في موضع واحد ، ثم نقل كل واحد منهما بعد ذلك الى تربة له بقرافة مصر القاهرة.

ومن شعر الرشيد ، قوله يجيب أخاه المهذب عن قصيدته التي أولها :

يا ربع اين ترى الأحبَّة يمَّموا *** رحلوا فلا خلت المنازل منهم

ويروي : ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم

وسروا وقد كتموا الغداة مسيرهم *** وضياء نور الشمس ما لا يكتم

وتبدَّلوا ارض العقيق عن الحمى *** روَّت جفوني أي ارض يَّمموا

نزلوا العذيب ، وإنما في مهجتي *** نزلوا وفي قلب المتيَّم خيَّموا

ما ضرّهم لو ودَّعوا من اودعوا *** نار الغرام وسلَّموا من أسلموا

هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا *** أو أيمنوا أو أنجدوا أو أتهموا

وهم مجال الفكر من قلبي وإن *** بعد المزار فصفو عيشي معهم

أحبابنا ما كان اعظم هجركم *** عندي ولكنَّ التفرُّق اعظم

غبتم ، فلا والله ما طرق الكرى *** جفني ولكن سحَّ بعدكم الدم

وزعمتم إني صبور بعدكم *** هيهات لا لُقَّيتم ما قلتم

وإذا سئلت بمن أهيم صبابةً *** قلتُ الذين هم الذين هم هم

النازلين بمهجتي وبمقلتي *** وسط السويدا والسواد الاكرم

ص: 163

لا ذنب لي في البعد أعرفه سوى *** أني حفظتُ العهد لما خُنتم

فأقمت حين ظغنتُم وعدلتُ لم- *** -ا جُرتُم ، وسهدت لما نمتم

يا محرقاً قلبي بنار صدودهم *** رفقاً ففيه نار شوق تضرم

اسعرتم فيه لهيب صبابة *** لا تنطفي إلا بقرب منكم

يا ساكني أرض العذيب سقيتم *** دمعي إذا ضن الغمام المرزم

بعدت منازلكم وشطّ مزاركم *** وعهودكم محفوظة مذ غبتم

لا لوم للأحباب فيما قد جنوا *** حكمتهم في مهجتي فتحكموا

أحباب قلبي أعمروه بذكركم *** فلطالما حفظ الوداد المسلم

واستخبروا ريح الصبا تخبركم *** عن بعض ما يلقى الفؤاد المغرم

كم تظلمونا قادرين ومالنا *** جرم ولاسبب لمن نتظلم

ورحلتم وبعدتم وظلمتم *** ونأيتم وقطعتُم وهجرتم

هيهات لا أسلوكم أبداً وهل *** يسلو عن البيت الحرام المحرم

وانا الذي واصلت حين قطعتم *** وحفظت أسباب الهوى اذ خنتم

جار الزمان علي ، لما جرتم *** ظلماً ومال الدهر لما ملتم

وغدوت بعد فارقكم وكأنني *** هدف يمر بجانبيه الأسهم

ونزلت مقهور الفؤاد ببلدة *** قل الصديق بها وقلَّ الدرهم

في معشر خلقوا شخوص بهائم *** يصدا بها فكر اللبيب ويبهم

إن كورموا لم يكرموا أو عَلّموا *** لم يعلموا أو خوطبوا لم يفهموا

لا تنفق الآداب عندهم ولا *** الاحسان يعرف في كثير منهم

صمٌ عن المعروف حتى يسمعوا *** هجر الكلام فيقدموا ويقدموا

فالله يغني عنهم ويزيد في *** زهدي لهم ويفك أسري منهم

ص: 164

قال الأمين في أعيان الشيعة : ومن شعره قوله في أهل البيت علیهم السلام وهو مسك الختام.

خذوا بيدي يا آل بيت محمد *** اذا زلت الإقدام في غدوة الغد

أبى القلب إلا حبكم وولاءكم *** وما ذاك الا من طهارة مولدي

وقال ابن خلكان في الوفيات : كان من أهل الفضل والنباهة والرياسة ، صنف كتاب الجنان ورياض الاذهان وذكر فيه جماعة من مشاهير الفضلاء وله ديوان شعر ولأخيه القاضي المهذب ابي محمد الحسن ديوان شعر أيضاً ، وكانا مجيدين في نظمهما ونثرهما ، ومن شعر القاضي المهذب ، وهو لطيف غريب من جملة مفيدة بديعة :

وترى المجرة والنجوم كأنما *** تسقي الرياض بجدول ملآن

لو لم تكن نهراً لما عامت بها *** أبداً نجوم الحوت والسرطان

وله ايضاً من جملة قصيدة :

ومالى إلى ماء سوى النيل غلة *** ولو أنه - استغفر الله - زمزم

وله كل معنى حسن وأول شمر قاله ، سنة ست وعشرين وخمسمائة ، وذكره العماد الكاتب في كتاب السيل والذيل ، وهو اشعر من الرشيد ، والرشيد أعلم منه في سائر العلوم ، وتوفي بالقاهرة ، سنة احدى وستين وخمسمائة في رجب رحمه الله واما القاضي الرشيد فقد ذكره الحافظ أبو

ص: 165

الطاهر السلفي ، في بعض تعاليقه ، وقال : ولي النظر بثغر الاسكندرية في الدواوين السلطانية بغير اختياره ، في سنة تسع وخمسين وخمسمائة ، ثم قتل ظلماً وعدواناً في المحرم ، سنة ثلاث وستين وخمسمائة رحمه الله وذكره العماد أيضاً في كتاب السيل والذيل ، الذي ذيل به على الخريدة فقال : الخضم الزاخر والبحر العباب ، ذكرته في الخريدة وأخاه المهذب ، قتله شاور ظلماً لميله الى اسد الدين شير كوه في سنة ثلاث وستين وخمسمائة. كان اسود الجلدة ، وسيد البلدة ، أوحد عصره في علم الهندسة والرياضيات والعلوم الشرعيات والاداب الشعريات ، ومما انشدني له الامير عضد الدين ، ابو الفوارس مرهف بن اسامة بن منقذ ، وذكر انه سمعها منه :

جلت لديّ الرزايا بل جلت هممي *** وهل يضرّ جلاء الصارم الذكر

غيري يغيرّه عن حسن شيمته *** صرف الزمان وما يأتي من الغير

لو كانت النار للياقوت محرقة *** لكان يشتبه الياقوت بالحجر

لا تغرين بأطماري وقيمتها *** فأنما هي أصداف على درر

ولا تظن خفاء النجم من صفر *** فالذنب في ذاك محمول على البصر

قلت : وهذا البيت مأخوذ من قول أبي العلاء المعري ، في قصيدته الطويلة المشهورة فإنه القائل فيها :

والنجم تستصغر الأبصار رؤيته *** والذنب للطرف لا للنجم في الصغر

وأورد له العماد الكاتب في الخريدة أيضاً ، قوله في الكامل بن شاور :

إذا ما نبت بالحرّ دار يودّها *** ولم يرتحل عنها فليس بذي حزم

وهبه بها صَبّاً ألم يدر أنه *** سيزعجه منها الحمام على رغم

وقال العماد : أنشدني محمد بن عيسى اليمني ببغداد ، سنة إحدى وخمسين قال : أنشدني الرشيد باليمن لنفسه في رجل :

ص: 166

لئن خاب ظني في رجائك بعدما *** ظننت بأني قد ظفرت بمنصف

فانك قد قلدتني كل منة *** ملكت بها شكري لدى كل موقف

لأنك قد حذرتني كل صاحب *** وأعلمتني أن ليس في الأرض من يفي

وكان الرشيد أسود اللون وفيه يقول أبو الفتح محمود بن قادوس ، الكاتب الشاعر يهجوه :

يا شبه لقمان بلا حكمة *** وخاسراً في العلم لا راسخا

سلخت أشعار الورى كلها *** فصرت تدعى الاسود السالخا

وكان الرشيد سافر الى اليمن رسولاً ، ومدح جماعة من ملوكها ، وممن مدحه منهم ، علي بن حاتم الهمذاني قال فيه :

لقد أجدبت أرض الصعيد وأقحطوا *** فلست أنال القحط في أرض قحطان

وقد كفلت لي مأرب بمآربي *** فلست على أسوان يوماً بأسوان

وإن جهلت حقي زعانف خندف *** فقد عرفت فضلي غطارف همدان

فحسده الداعي في عدن على ذلك ، فكتب بالابيات الى صاحب مصر فكانت سبب الغضب عليه ، فأمسكه وأنفذه اليه مقيداً مجرداً ، وأخذ جميع موجوده ، فأقام باليمن مدة ، ثم رجع الى مصر ، فقتله شاور كما ذكرناه ، وكتب إليه الجليس بن الحباب.

ثروة المكرمات بعدك فقر *** ومحلّ العلا ببعدك قفر

بل تجلى إذا حللت الدياجي *** وتمر الأيام حيث تمر

أذنب الدهر في مسيرك ذنبا *** ليس منه سوى إيابك عذر

ص: 167

والغساني : بفتح الغين المعجمة ، والسين المهملة ، وبعد الالف نون ، هذه النسبة الى غسان ، وهي قبيلة كبيرة من الأزد ، شربوا من ماء غسان ، وهو باليمن فسمُّوا به ، والأسواني : بضم الهمزة ، وسكون السين المهملة ، وفتح الواو ، وبعد الالف نون ، هذه النسبة الى أسوان ، وهي بصعيد مصر. قال السمعاني : هي بفتح الهمزة والصحيح الضم ، هكذا قال لي الشيخ الحافظ ، ذكي الدين ابو محمد عبدالعظيم المنذري حافظ مصر.

ص: 168

سعيد بن مكي النيّلي

لا تنكري إن ألفتُ الهم والأرقا *** وبتٌ من بعدهم حلف الأسى قلقا

قد كنت آمل روحي أن تفارقني *** ولا أرى شملنا الملتام مفترقا

ليت الركائب لازمّت لبينهم *** وليت ناعق يوم البين لا نعقا

كم هدّ ركني وكم أوهى قوى جلدي *** وكم دم بمواضي جوره هرقا

لا تطلبوا أبداً مني البقاء فهل *** يرجى مع البين من أهل الغرام بقا

يحقّ لي إن بكت عيني دماً لهم *** وإن غدوت بنار الحزن محترقا

يا منزلاً لعبت أيدي الشتات به *** وكان يشرق للوفاد مؤتلقا

مالي على ربعك البالي غدوت به *** وظلت أسأل عن أهليه ما نطقا

أبكي عليه ولو أن البكاء على *** سوى بني احمد المختار ما خلقا

تحكّمت فيهم الأعداء - ويلهموا *** ومن نجيع الدما اسقوهم العلقا

تالله كم قصموا ظهراً لحيدرة *** وكم بروا للرسول المصطفى عنقا

والله ما قابلوا بالطف يومهم *** إلا بما يوم بدر فيهم سبقا

الى أن يقول في آخرها :

فهاكموها من النيليِّ رائقة *** تحكي الحيا رقة لفظاً ومتسّقا

إذا تلى نائح يوم محاسنها *** أزرت على كل من بالشعر قد نطقا

من شاعر في محاق الشعر خاطره *** الى طريق العلى والمجد قد سبقا (1)

ص: 169


1- عن كتاب معدن البكاء في مصيبة خامس آل العبا مخطوط المرحوم محمد صالح البرغاني قال هي للنيلي ولما كان المترجم قد اكثر من النظم في أهل البيت ترجح عندي أن تكون له.

(1) قال الدكتور مصطفى جواد : هو سعيد بن احمد بن مكي النيلي كان أديباً وشاعراً ونحوياً فاضلاً ومؤدباً بارعاً من ادباء الشيعة المشهورين ، أقام بعد النيل ببغداد لقيام سوق الأدب فيها في أواسط القرن السادس وهو من أهله.

ووصفه العماد الاصفهاني بأنه كان مغالياً في التشيع حالياً بالتورع غالياً في المذهب عالياً في الأدب معلِّماً في المكتب مقدماً في التعصب ثم أسنَّ حتى جاوز حدّ الهرم وذهب بصره وعاد وجوده شبيه العدم وأناف على التسعين وآخر عهدي به في درب صالح ببغداد سنة اثنتين وستين [ وخمسمائة ]. قال : ثم سمعت انه لحق بالأولين ».

وذكره ياقوت الحموي في معجم الأدباء مع أنه لم يذكر له مؤلفاً ولا رسالة والذي بعثه على ذكره كونه أديباً نحوياً وقال فيه « له شعر جيد أكثرة في مدح أهل البيت وله غزل رقيق مات سنة 565 ه- ، وقد ناهز المائة ». وكل من ذكره بعد عماد الدين الاصفهاني إنما هو عيال عليه وطالب إليه. ودرب صالح الذي رآه فيه سنة 562 ه- آخر رؤية هو من دروب الجانب الشرقي ببغداد ولا نعلم موضعه من بغداد الحالية مع كثرة تفتيشنا عنه إلا أنه كان مباءة للسروات والكبراء على ما يستفاد من بعض الاخبار - وقد روى عن ابن مكي النيلي بعض شعره ابن اخته عمر الواسطي الصفار. هذا جميع ما وقع الينا حتى اليوم من أخباره وسيرته وهو بالاضافة الى المائة

ص: 170


1- مجلة الغرى النجفية السنة الئامنة ص 39.

السنة التي ناهزها شيء قليل جداً يجعل سيرته رمزاً من رموز التراجم في تاريخ الأدباء العراقيين في هذا القرن ، ومن شعره قصيدة يذكر فيها أهل البيت (عليهم السلام) ويفترعها بالغزل على عادتهم في المدح ويقول.

قمر أقام قيامتي بقوله *** لم لا يجود لمهجتي بذمامه؟

ملكته كبدي فأتلف مهجتي *** بجمال بهجته وحسن كلامه

وبمبسم عذب كأن رضابه *** شهد مذاب في عبير مدامه

وبناظر غنج وطرف أحور *** يصمي القلوب اذا رنا بسهامه

وكأن خط غداره في حسنه *** شمس تجلت وهي تحت لثامه

فالصبح يسفر من ضياء جبينه *** والليل يقبل من أثيث ظلامه

والظبي ليس لحاظه كلحاظه *** والغصن ليس قوامه كقوامه

قمر كأن الحسن يعشق بعضه *** بعضاً فساعده على قسَّامه

فالحسن عن تلقائه وورائه *** ويمينه وشماله وأمامه

ويكاد من ترف لدقَّة خصره *** ينقدُّ بالأرداف عند قيامه

قال الصفدي ( قلت شعر متوسط ) وهو مصيب في قوله إلا أنه يعلم أن هذه مقدمة صناعية للموضوع فلا ينبغي له الحكم بها في قضية الشعر ومنها في مدح أهل البيت (عليهم السلام).

دع يا سعيد هواك واستمسك بمن *** تسعد بهم وتزاح من آثامه

بمحمد وبحيدر وبفاطم *** وبولدهم عقد الولا بتمامه

قوم يسر وليهم في بعثه *** ويعض ظالمهم على ابهامه

وترى ولي وليهم وكتابه *** بيمينه والنور من قدامه

يسقيه من حوض النبي محمد *** كأساً بها يشفي غليل أوامه

بيدي أمير المؤمنين وحسب من *** يسقى به كأساً بكف إمامه

ذاك الذي لولاه ما اتضحت لنا *** سبل الهدى في غوره وشآمه

ص: 171

عبد الآله وغيره من جهله *** ما زال منعكفاً على أصنامه

ما آصف يوماً وشمعون الصفا *** مع يوشع في العلم مثل غلامه

قال عماد الدين الاصفهاني ( من ههنا دخل في المغالاة وخرج عن المضافاة فقبضنا اليد عن كتابة الباقي ورددنا القدح على الساقي وما أحسن التوالي وأقبح التغالي ).

وقال العماد ايضاً انشدني له ابن اخته عمر الواسطي الصفار ببغداد قال انشدني خالي سعيد بن مكى من كلمة له ، وقال محب الدين ابو عبدالله محمد بن الوليد بن الحسن الواسطي الصفار من تاريخه ( نزيل بغداد روى عن خاله شيئاً من شعره كتب الى ابو عبدالله محمد بن محمد بن حامد الاصفهاني الكاتب ونقلته من خطه قال انشدني عمر الواسطي الصفار ببغداد انشدنا خالي سعيد ابن النيلي لنفسه من كلمة له.

ما بال مغاني بشخصك اطلال *** قد طال وقوفي بها وبثي قد طال

الربع دثور متناه قفار *** والربع محيل بعد الاوانس بطال

عنقه دبور وشمال وجنوب *** مع ملث مرخي العزالي محلال

يا صاح قفاً باللوى فسائل رسماً *** قد خال لعل الرسوم تُنبي عن حال

ما شف فؤادي الا لغيب غراب *** بالبين ينادي قد طار يضرب بالغال

مذ طار شجا بالفراق قلباً حزيناً *** بالبين واقصى بالبعد صاحبة الخال

تمشي تتهادى وقد ثناها دل *** من فرط حياها تخفي رنين الخلخال

وهذه ابيات الغاية منها اظهار البراعة النظمية حسب فاني لا أجد بحرها رهواً ولا أحسب نظمها إلا زهواً ، وله في مدح النبي والأئمة - عليهم السلام -

ومحمد يوم القيامة شافع *** للمؤمنين وكل عبد مقنت

وعلي والحسنان ابنا فاطم *** للمؤمنين الفائزين الشيعة

ص: 172

وعلي زين العابدين وباقر *** علم التقى وجعفر هو منيتي

والكاظم الميمون موسى والرضا *** علم الهدى عند النوائب عدتي

ومحمد الهادي الى سبل الهدى *** وعلى المهدي جعلت ذخيرتي

والعسكريين الذين بحبهم *** أرجو إذا أبصرت وجه الحجة

وقال في مدع الأمام علي (عليه السلام) :

فان يكن آدم من قبل الورى *** بنى وفي جنّة عدن داره

فان مولاي علياً ذا العلى *** من قبله ساطعة أنواره

تاب على آدم من ذنوبه *** بخمسة وهو بهم أجاره

وان يكن نوح بنى سفينة *** تنجيه من سيل طمى تيّاره

فان مولاي علياً ذا العلى *** سفينة ينجو بها أنصاره

وان يكون ذو النون ناجى حوته *** في اليمِّ لما كظه حصاره

ففي جلنرى للأنام عبرة *** يعرفها من دلَّه اختياره

ردت له الشمس بأرض بابل *** والليل قد تجللت أستاره

وان يكن موسى رعى مجتهداً *** عشراً الى أن شفّه انتظاره

وسار بعد ضرّه بأهله *** حتى علت بالواديين ناره

فان مولاي علياً ذا العلى *** زوّجه واختار مَن يختاره

وان يكن عيسى له فضيلة *** تدهش من أدهشه انبهاره

من حملته أمه ما سجدت *** للات بل شغلها استغفاره

وقال يذكر فتحه لحصن خيبر :

فهزّها فاهتز من حولهم *** حصناً بنوه حجراً جلمدا

ثم دحا الباب على نبذة *** تمسح خمسين ذراعاً عددا

وعَبَّر الجيش على راحته *** حيدره الطاهر لما وردا

ص: 173

وقال في ذكر خارقة له :

ألم تبصروا الثعبان مستشفعاً به *** الى الله والمعصوم يلحسه لحسا

فعاد كطاووس يطير كأنه *** تعثّر في الأملاك فاستوجب الحبسا

أما ردَّ كفَّ العبد بعد انقطاعها *** أما ردَّ عيناً بعدما طمست طمسا

ألم تعلموا أن النبي محمداً *** بجيدرة أوصى ولم يسكن الرما

وقال لهم والقوم في خُمّ حضّر *** ويتلوا الذي فيه وقد همسوا همسوا

وقال يمدحه (عليه السلام) :

خصه الله بالعلوم فأضحى *** وهو ينبىء بسر كل ضمير

حافظ العلم عن أخيه عن الله *** خبير عن اللطيف الخبير

والضعف ظاهر على شعره لأنه اشتغل بالتأديب ، ونظم المناقب وهي شعر قصصي ديني خال من الروعة وان كان مبعثه الحب واللوعة ثم أن التأديب كان يتعب ذلك الأديب ويكد ذهنه ويشتت باله والشعر فن من الفنون التي تحتاج الى المواظبة والمعاناة والتفرغ وفراغ البال في غالب الأحوال ، وكان سعيد بن مكي بعيداً عن ذلك فلا جرم أن شعره جاء تارات جامداً وتارات بارداً ،. انتهى.

وفي الجزء السادس من الاعيان ص 407 : ابو سعيد النيلي (1) منسوب الى النيل ، بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة ، كان الحجاج حفر لها نهراً اسماه النيل باسم نيل مصر. وفي مجالس المؤمنين : ابو سعيد النيلي رحمه الله من فضلاء شعراء الامامية ، وهذه الابيات من بعض قصائده المشهورة : قمر أقام قيامتي بقوامه الى آخر ما مر.

ص: 174


1- الصحيح سعيد بن مكي النيلي.

وقال يوسف اسطي معرّضاً :

اذا اجتمع الناس في واحد *** وخالفهم في الرضا واحد

فقد دل اجاعهم كلهم *** على أنه عقله فاسد

فاجابه ابو سعيد بقوله :

ألا قل لمن قال في غيّه *** وربي على قوله شاهد

اذا اجتمع الناس في واحد *** وخالفهم في الرضا واحد

كذبت وقولك غيرالصحيح *** وزغلك ينقده الناقد

فقد أجمعت قوم موسى جميعاً *** على العجل يا رجس يا مارد

وداموا عكوفاً على عجلهم *** وهارون منفرد فارد

فكان الكثيرهم المخطئون *** وكان المصيب هو الواحد

وفي كتاب ( احقاق الحق ) ج 3 ص 75.

ابو سعيد سعد بن احمد المكي النيلي من مشاهير الادباء والشعراء واكثر منظوماته في مديح اهل البيت علیهم السلام توفي سنة 562 وقيل 592. والنيلي نسبة الى النيل بالحلة. راجع الريحانة ج 4 ص 264.

وفي اعيان الشيعة ج 1 ص 197.

سعد بن احمد بن مكي النيلي المؤدب المعروف بابن مكي.

قال العماد الكاتب : كان غالياً في التشيع وعده ابن شهراشوب من شعراء أهل البيت المتقين (595) (565) معجم الادباء.

أقول وممن اشتهر بهذا اللقب :

1 - في أعيان الشيعة ج 1 ص 198.

علي بن محمد بن السكون الحلي النيلي. كان شاعراً توفي سنة 606.

2 - وفي ص 200 من الأعيان جزء أول قال :

الشيخ علي بن عبد الحميد النيلي وفاته حدود 800.

ص: 175

الشَّاعر صَرَّدُر

ابو منصور علي بن الحسن بن الفضل المعروف ب- ( صردر ).

تسائل عن ثمامات بجزوى *** ووادي الرمل يعلم من عنينا

وقد كشف الغطاء فما نبالي *** أصرحنا بحبك أم كنينا

ألا لله طيف منك يسري *** يجوب مهامها بيناً فبينا

مطيته طوال الليل جفني *** فكيف شكا اليك وجا ، وأينا

فأمسينا كأنا ما افترقنا *** وأصبحنا كأنا ما التقينا

لقد خدع الخيال فؤاد صب *** رآه على هوى الاحباب هينا

كما فعلت بنو كوفان لما *** الى كوفانهم طلبوا الحسينا

فبينا عاهدوه على التوافي *** اذا هم نابذوه عدى وبينا

واسمعهم مواعظه فقالوا *** سمعنا يا حسين وقد عصينا

فالفوا قوله حقاً وصدقاً *** وألفى قولهم كذبا ومينا

هم منعوه من ماء مباح *** وسقَّوه فضول السم حينا

يقلّ الرمح بدراً من محيّا *** له والارض من جسد حنينا « كذا »

وتسبى المحصنات الى يزيد *** كأن له على المختار دينا (1)

ص: 176


1- عن الاعيان ج 41 ص 111.

ابو منصور علي بن الحسن بن الفضل المعروف ب- صرَّدُر. توفي في طريق خراسان ، تردى في حفرة سنة 565 ، له ديوان شعر طبع بمطبعة دارالكتب المصرية بالقاهرة سنة 1253 ه- وكتب عليه : نظر الرئيس ابي منصور علي ابن الحسن بن علي بن الفضل الشهير ب- صردر. وقال ابن خلكان في وفيات الاعيان : هو الكاتب المعروف والشاعر المشهور ، أحد نجباء عصره جمع بين جوده السبك وحسن المعنى ، وعلى شعره طلاوة رائعة وبهجة فائقة.

وإنما قيل له صردر لأن أباه كان يلقب بصربعر لشحه فلما نبغ ولده المذكور وأجاد في الشعر قيل له صردر ، وقد هجاه بعض شعراء وقته وهو الشريف ابو جعفر مسعود المعروف بالبياضي الشاعر فقال :

لئن لقب الناس قدماً أباك *** وسموه من شحه صربعرا

فانك تنثر ما صره *** عقوقاً له وتسميه شعراً

قال ابن خلكان : ولعمري ما انصفه هذا الهاجي فان شعره نادر وإنما العدو لا يبالي ما يقول. وكانت وفاة صردر في سنة خمس وستين واربعمائة وكان سبب موته انه تردى في حفرة حفرت للاسد في قرية بطريق خرسان. وكانت ولادته قبل الاربعمائة.

ومن لطيف قوله في الشيب كما جاء في الوفيات لابن خلكان :

لم أبك إن رحل الشباب وإنما *** أبكي لأن يتقارب الميعاد

شعر الفتى أوراقه فاذا ذوى *** جفت على آثاره الاعواد

ص: 177

وله في جارية سوداء وهو معنى حسن :

علقتها سوداء مصقولة *** سواد قلبي صفة فيها

ما انكسف البدر على تمّهِ *** ونوره إلا ليحكيها

لأجلها الأزمان أوقاتها *** مؤرّخات بلياليها

وقال يمدح أبا القاسم بن رضوان :

انا منكم اذا انتهينا الى العر *** ق التففنا التفاف بانٍ برندٍ

نسبٌ ليس بيننا فيه فرقٌ *** غير عيشي حضارةٍ وتبدّ (1)

لكم الرمح والسنان وعندي *** ما تحبّون من بيانٍ ومجدِ

خلّصوني من ظبيكم أو أنادي *** بالذي ينقذ الأسارى ويفدى

في يديه غمامتان لظلٍّ *** ولقطر من غير برقٍ ورعد

فرق ما بينه وبين سواه *** فرق ما بين لُجِّ بحرٍ وثمد (2)

كم عدو أماته بوعيدٍ *** وولي أحياه منه بوعد

لست تدري أمن زخارف روض *** صاغه الله أم لآلىء عقد

مطلع في دحى الخطوب إذا *** أظلمن من رأيه كواكب سعد

زادك الله ما تشاء مزيداً *** سيله غير واقف عند حدَّ

في ربيع نظير جنات عدن *** وديارٍ جميعها دار خُلدِ (3)

ص: 178


1- التبدي : الاقامة بالبادية وهو ضد الحضارة.
2- لج البحر معظمه ، والثمد : الماء القليل.
3- عن جواهر الادب ، جمع سليم صادر ج 4 ص 97.

وقال يمدح ابن فضلان ويهنئه بخلاصه من السجن :

إن الشدائد مذ عُنين به *** قارعن جلموداً من الصخر

حمل النوائب فوق عاتقه *** حتى رجعن إليه بالعذر

لا تنكروا حبساً ألَّم به *** إن الحسان تصان بالخدر

أو ليس يوسف بعد محنته *** نقلوه من سجن الى قصر

أنا من يغالي في محبته *** وولائه في السر والجهر

ما ذاق طعم النوم ناظره *** حتى البشير أتاه بالبشر

وقال يرثي أبا منصور بن يوسف ويعزي عنه صهره أبا القاسم بن رضوان :

لا قبلنا في ذي المصاب عزاء *** أحسن الدهر بعده أو الساء

حسرات يا نفس تفتك بالص- *** -بر وحزن يقلقل الأحشاء

كيف يسلو من فارق المجد والسؤ *** دد والحزم والندى والعلاء

والسجايا التي إذا افتخر الدُّ *** رُّ ادعاها ملاسة وصفاء

خرست ألسن النعاة ووَّدت *** كل أذن لو غودرت صماء

جهلوا أنهم نعوا مهجة المجد *** المصفَّى والعزة القعساء

لو أرادت عرس المكارم بعلا *** عدمت بعد فقده الأكفاء

ما درى حاملوه أنهم عنهم *** أزالوا الأظلال والأفياء

يودعون الثرى كما حكم الله *** بكره غمامة غراء

ولو أن الخيار أضحى اليهم *** ما أحلو الغمام إلا السماء

يا لها من مصيبة عمت العا *** لم طراً وخصّت العظماء

ص: 179

أنت من معشر أبى طيب ال- *** ذكر عليهم أن يشمت الأعداء

فهم كالأنام يبلون أجسا *** ماً ولكن يخلّدوّن ثناء

وإذا كانت الحياة هي الدا *** ء المعنّى فقد عدمنا الشفاء

إنما هذه الأماني في النف- *** س سرابٌ ما ينقع الأظماء

جلداً أيها الأجل أبو القا *** سم والعود (1) يحمل الأعباء

خلق فيك أن تنجّي من الكر *** ب نفوساً وتكشف الغماء

ما كرهت الأقدار قط ولو جا *** ءت ببؤسي ولا ذممت القضاء

ولك العزمة التي دونها ال- *** -سيف نفاذاً وجرأة ومضاء (2)

وقال يرثي ابا نصر بن جميلة صاحب الديوان :

هذه الأرض أمنا وأبونا *** حملتنا بالكره ظهراً وبطنا

لو رجعنا إلى اليقين علمنا *** أننا في الدني نشيد سجنا

إنما العيش منزل فيه بابا *** ن دخلنا من ذا ومن ذا خرجنا

وضروب الأطيار لو طرن ما طر *** ن فلا بد أن يراجعن وكنا

يحسب الهِمُّ عمره كل حول *** فاذا استكثر الحساب تمنى (3)

خدعات من الزمان إذا أب- *** -كين عيناً منهنَّ أضحكن سنّا

لو درت هذه الحمائم ما ند *** ري لما رجّعت على الغصن لحنا

موردٌ غصَّ بالزحام فلولا *** سبق من جاء قبلنا لوردنا

وأرى الدهر مفرداً وهو في حا *** لٍ يشنُّ الغارات هنَّا وهنا

ما عليهن لو أنه كان أبقى *** من أبي نصرٍ المهذّب ركنا

والداً للصغير براً وللتر *** ب أخاً مشفقاً وللأكبر ابنا

ص: 180


1- العود في الأصل المسن من الابل ويريد به هنا الشيخ الكامل.
2- عن جواهر الادب ، جمع سليم صادر ج 4 ص 172.
3- الهم : الشيخ الفاني.

من ذيول السحاب أطهر ذيلاً *** وقميص النسيم اطيب ردنا

ما مشت في فؤاده قدم الغ- *** -ش ولا أسكن لجوانح ضغنا

إن يكن للحياء ماءٌ فما كا *** ن له غير ذلك الوجه مزنا

لهف نفسي على حسامٍ صقيل *** كيف أضحت له الجنادل جفنا

وعتيقٍ أثار بالسبق نقعاً *** فغدا فوقه يهالُ ويبنى (1)

ونفيسٍ من الذخائر لم يؤ *** مَن عليه فأستودع الارض خزنا

أغمض العين بعده فغريب *** أن ترى مثله وأين وأنى

فالقصور المشيدات تعزى *** والقبور المبعثرات تهنى

ومن رائع نظمه قوله في الوزير فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير الموصلي ، انفذها اليه من واسط عندما تقلد الوزارة :

لجاجة قلب ما يفيق غرورها *** وحاجة نفس ليس يقضى يسيرها

وقفنا صفوفاً في الديار كأنها *** صحائف ملقاة ونحن سطورها

يقول خليلي والظباء سوانح *** أهذا الذي تهوى فقلت نظيرها

لئن شابهت أجيادها وعيونها *** لقد خالفت أعجازها وصدورها

فيا عجباً منها يصيد أنيسها *** ويدنو على ذعر الينا نفورها

وما ذاك إلا أن غزلان عامر *** تيقن أن الزائرين صقورها

ألم يكفها ما قد جنته شموسها *** على القلب حتى ساعدتها بدورها

نكصنا على الاعقاب خوف اناثها *** فما بالها تدعو نزال ذكورها

ووالله ما أدري غداة نظرتها *** أتلك سهام أم كؤوس تديرها

فإن كن من نبلٍ فأين حفيفها *** وإن كنَّ من خمر فأين سرورها

أيا صاحبيَّ استأذنا لي خمارها *** فقد أذنت لي في الوصول خدورها

ص: 181


1- الفرس العتيق الرائع الذي يعجب الناس بحسنه. جواهر الأدب جمع سليم صادر، ج4 ص 174.

هباها تجافت عن خليل يروعها *** فهل أنا إلا كالخيال يزورها

وقد قلتما لي ليس في الارض جنة *** أما هذه فوق الركائب حوره-

فلا تحسبا قلبي طليقاً فإنما *** لها الصدر سجن وهو فيه أسيرها

يعزُّ على الهيم الخوائض وردها *** إذا كان ما بين الشفاه غديرها

أراك الحمى قل لي بأي وسيلة *** توسَّلت حتى قبّلتك ثغورها

ومن مديحها :

أعدت الى جسم الوزارة روحها *** وما كان يرجى بعثها ونشورها

أقامت زماناً عند غيرك طامثاً *** وهذا زمان قرؤها وطهورها

من الحق أن تحيى بها مستحقها *** ويسترعها مردودة مستعيرها

إذا ملك الحسناء من ليس كفؤها *** أشار عليها بالطلاق مشيرها

ص: 182

وأنشده ايضاً لما عاد الى الوزارة في صفر سنة احدى وستين وأربعمائة بعد العزل ، وكان المقتدي بالله قد أعاده إلى الوزارة بعد العزل وقبل الخروج الى السلطان ملكشاه فعمل فيه صرُ درَّ هذه القصيدة :

قد رجع الحق إلى نصابه *** وأنت من كل الورى أولى به

ما كنت إلا السيف سلَّته يدٌ *** ثم أعادته الى قرابه

هزته حتى أبصرته صارماً *** رونقه يغنيه عن ضرابه

أكرم بها وزارة ما سلمت *** ما استودعت إلا إلى أصحابه

مشوقة اليك مذ فارقتها *** شوق أخي الشيب الى شبابه

مثلك محسود ولكن معجز *** أن يدرك البارق في سحابه

حاولها قوم ومن هذا الذي *** يخرج ليثاً خادراً من غابه

يدمي أبو الأشبال من زاحمه *** في جيشه بظفره ونابه

وهل رأيت او سمعت لابساً *** ما خلع الأرقم من إهابه

تيقنوا لما رأوها ضيعة *** أن ليس للجو سوى عقابه

إن الهلال يرتجى طلوعه *** بعد السرار ليلة احتجابه

والشمس لا يؤنس من طلوعها *** وان طواها الليل في جنابه

ما أطيب الاوطان الا أنها *** للمرء أحلى أثر اغترابه

كم عودة دَلّت على مآبها *** والخلد للانسان في مآبه

لو قرب الدرّ على جالبه *** ما نجح الغائص في طلابه

ولو أقام لازماً أصدافه *** لم تكن التيجان في حسابه

ما لؤلؤ البحر ولا من صانه *** إلا وراء الهول من عبابه

وهي قصيدة طويلة وقد اقتصرنا منها على هذا القدر.

ص: 183

وله :

جلسة في الجحيم أحرى وأولى *** من نعيم يفضي الى تدنيس

ففرارا من المذلة في آ *** دم كان العصيان من إبليس

وله :

قد زان مخبره باجمل منظر *** وأعن منظره بأحسن مخبر

ما من يتوج أو يمنطق عسجدا *** كمطوق بالمكرمات مسور

لا تبعدن همم له لو أودعت *** عند الكواكب لادعاها المشتري

وله :

لك المثل الأعلى بكل فضيلة *** اذا ملأ الراوي بها الغور أتهما

لئالىء من بحر الفضائل إن بدت *** لغائصها صلى عليها وسلما

وما المدح مستوف علاك وإنما *** حقيق على المنطيق أن يتكلما

وله :

ما افتخار الفتى بثوب جديد *** وهو من تحته بعرض لبيس

وله :

غدرانه بالفضل مملوءة *** متى يردها هائم ينقع

يكشف منه الفرع عن قارح *** قد أحرز السبق ولم يجذع

يشير إيماء اليه الورى *** إن قيل من يعرف بالاروع

يريك ما ضمت جلابيبه *** أحاسن للعلم في موضع

ليس جمال المرء في برده *** جماله في الحسب الارفع

ص: 184

اخطب خوارزم

ألاهل من فتى كأبي تراب *** إمام طاهر فوق التراب؟!

إذا ما مقلتي رمدت فكحلي *** ترابٌ مسَّ نعل أبي تراب

محمدٌ النبيُّ كمصر علمٍ *** أمير المؤمنين له كباب

هو البكاء في المحراب لكن *** هو الضحاك في يوم الحراب

وعن حمراء بيت المال أمسى *** وعتن صفرائه صفر الوطاب

شياطين الوغى دحروا دحوراً *** به إذ سلَّ سيفاً كالشهاب

عليُّ بالهداية قد تجلى *** ولمَّا يدرَّع برد الشباب

علي كاسر الأصنام لما *** علا كتف النبيِّ بلا احتجاب

حديث براءة وغدير خم *** وراية خيبر فصل الخطاب

هما مثلاً كهارون وموسى *** بتمثيل النبي بلا ارتياب

بنى في المسجد المخصوص باباً *** له إذ سدَّ أبواب الصحاب

كأنِّ الناس كلهم قشور *** ومولانا عليُّ كاللباب

ولايته بلا ريب كطوق *** على رغم المعاطس في الرقاب

إذا عمر تخبَّط في جواب *** ينبهه عليُّ بالصواب

يقول بعدله : لولا عليُّ *** هلكتُ هلكتُ في ذاك الجواب

ص: 185

ففاطمة ومولانا عليُّ *** ونجلاه سروري في الكتاب

ومن يك دأبه تشييد بيت *** فها أنا مدح أهل البيت دابي

وإن يك حبهم هيهات عاباً *** فها أنا مذ عقلت قرين عاب

لقد قتلوا علياً مذ تجّلى *** لأهل الحقِّ فحلاً في الضراب

لقد قتلوا الرضا الحسن المرجَّى *** جواد العرب بالسمِّ المذاب

وقد منعوا الحسين الماء ظلماً *** وجدل بالطعان وبالضّراب

وقد صلبوا إمام الحقِّ زيداً *** فيا لله من ظلم عجاب

بنات محمد في الشمس عطشى *** وآل يزيد في ظلِّ القباب

لآل يزيد من ادمٍ خيامٌ *** واصحاب الكساء بلا ثياب

ص: 186

الحافظ ابو المؤيد موفق بن احمد بن ابي سعيد اسحاق بن المؤيد المكي الحنفي المعروف بأخطب خوارزم كان فقيهاً غزير العلم ، حافظاً طايل الشهرة خطيباً طاير الصيت ، خبيراً على السيرة والتاريخ ، أديباً شاعراً ، له خطب وشعر مدون وهو صاحب ( المقتل ) ذكره القمي في الكنى والالقاب وقال : له كتاب في مناقب أهل البيت علیهم السلام قال في آخره :

هل أبصرت عيناك في المحراب *** كأبي تراب من فتى محراب

لله درّ أبي تراب إنه *** أسد الحراب وزينة المحراب

هو ضاربٌ وسيوفه كثواقب *** هو مطعم وجفانه كجواب

هو قاصم الاصلاب غير مدافع *** يوم الهياج وقاسم الاسلاب

ان النبي مدينة لعلومه *** وعلي الهادي لها كالباب

لولا علي ما اهتدى في مشكل *** عمر الاصابة والهدى لصواب

كتب المرحوم الشيخ محمد السماوي له ترجمة في مقدمة كتابه ( مقتل الحسين ) جاء فيها قوله : وله من المصنفات كتاب الاربعين في أحوال سيد المرسلين وغيره من الكتب ثم ذكر نموذجاً من شعره ومنه قوله من قصيدة طويلة :

لقد تجمَّع في الهادي أبي حسن *** ما قد تفرق في الاصحاب من حسن

ولم يكن في جميع الناس من حسن *** ما كان في المرتضى الهادي ابي الحسن

هل سابق مثله في السابقين لقد *** جلّى إماماً وما صلى إلى وثن

وذكر له الشيخ الأميني قدس سره ترجمة وافية وعدد فيها مشائخه ثم

ص: 187

الرواة عنه كما عدد مؤلفاته وقال : ان تضلع الرجل في الفقه والحديث والتأريخ والادب الى علوم متنوعة أخرى وكثرة شهرته في عصره ومكاتبته مع اساتذة الفنون تستدعي له تآليف كثيرة وأحسب أن الأمر كان كذلك لكن ما اشتهر منها إلا كتبه السبعة التي قضت على اكثرها الايام. اقول ثم ذكرها الشيخ ومنها :

1 - كتاب رد الشمس لاميرالمؤمنين علي علیه السلام ، ذكره له معاصره والراوي عنه ابو جعفر ابن شهراشوب في المناقب ج 1 ص 484

2 - كتاب الاربعين في مناقب النبي الامين ووصيه اميرالمؤمنين ، كما في مقتله يرويه عنه ابو جعفر بن شهراشوب وقال : كانبني به مؤلفه الخوارزمي.

3 - كتاب قضايااميرالمؤمنين ذكره له ابن شهراشوب في مناقبه ج 1 ص 484.

4 - ديوان شعره ، قال الحلبي في كشف الظنون ج 1 ص 524 : ديوانه جيد وكان في الشعر في طبقة معاصريه.

5 - كتاب فضائل اميرالمؤمنين المعروف بالمناقب المطبوع سنة 1224.

ص: 188

الفقيه عمارة اليماني

قال الفقيه عمارة اليماني يرثي اهل البيت -

شأن الغرام اجل ان يلحاني *** فيه وان كنت الشفيق الحاني

انا ذلك الصبُّ الذي قطفت به *** صلة الغرام مطامع السلوان

ملئت زجاجة صدره بضميره *** فبدت خفية شأنه للشاني

غدرت بموثقها الدموع فغادرت *** سري أسيراً في يد الأعلان

عنفتُ اجفاني فقام بعذرها *** وجدٌ يبيح ودائع الأجفان

يا صاحبيَّ وفي بجانبة الهوى *** رأي الرشاد فما الذي تريان

بي ما يذود عن التشبب اوله *** ويزيل ايسره جنون جناني

قبضت على كف الصبابة سلوة *** تنهى النهى عن طاعة العصيان

امسي وقلبي بين صبر خاذل *** وتجلد قاص وهمٍّ دان

قد سهلت حزن الكلام لنادب *** آل الرسول نواعب الأحزان

فابذل مشايعة اللسان ونصره *** ان فات نصر مهند وسنان

واجعل حديث بني الوصي وظلمهم *** تشبيب شكوى الدهر والخذلان

غصبت امية ارث آل محمد *** سفهاً وشنت غارة الشنان

وغدت تخالف في الخلافة اهلها *** وتقابل البرهان بالبهتان

لم تقتنع احلامها بركوبها *** ظهر النفاق وغارب العدوان

ص: 189

وقعودهم في رتبة نبوية *** لم يبنها لهم ابو سفيان

حتى أضافوا بعد ذلك انهم *** اخذوا بثأر الكفر في الأيمان

( فاتى زيادٌ في القبيح زيادة *** تركت يزيد يزيد في النقصان )

حرب بنو حرب اقاموا سوقها *** وتشبهت بهم بنو مروان

لهفي على النفر الذين اكفهم *** غيث الورى ومعونة اللهفان

اشلاؤهم مزق بكل ثنية *** وجسومهم صرعى بكل مكان

مالت عليهم بالتمالىء امة *** باعت جزيل الربح بالخسران

دفعوا عن الحق الذي شهدت لهم *** بالنص فيه شواهد القرآن (1)

وله في ذكر الخمسة صلوات الله عليهم :

حاسب ضميرك لا تأمن بوائقه *** وازجره من خطرات العين والأذن

وقم اذا رنقت في مقلة سنة *** قيام منتبه من غفلة الوسن

مستشفعاً برسول الله وابنته *** وبعلها والحسين الطهر والحسن

ص: 190


1- وهي في الجزء الاول من ديوانه المطبوع في مدينة شالون على شهر سون بمطبعة ( مرسو ) سنة 1897 م.

نجم الدين ابو محمد عمارة بن ابي الحسن علي بن زيدان بن احمد الحكمي اليمني ، من فقهاء الشيعة الإمامية ومدرسيهم ومؤلفيهم ومن شهداء أعلامهم على التشيُّع ، وقد زان علمه الكامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألق ، وإنك لا تدري إذا نظم شعراً هل هو ينضد دراً ، أو يفرغ في بوتقة القريض تبراً ، فقد ضم شعره إلى الجزالة قوة ، وإلى السلوك رونقاً ، وفوق كل ذلك مودته المتواصلة لعترة الوحي وقوله بإمامتهم علیهم السلام ، حتى لفظ نفسه الأخير ضحية ذلك المذهب الفاضل ؛ وقد أبقت تآليفه القيمة وآثاره العلمية والأدبية له ذكراً خالداً مع الأبد ، منها : النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية. وتاريخ اليمن ، وكتاب في الفرايض. وديوان شعره. وقصيدة كتبها إلى صلاح الدين سماها : [ شكاية المتكلِّم ونكاية المتألم ] (1)

قال في النكت العصرية (2) : خرجت الى مكة سنة تسع واربعين وخمسمائة وفي موسم هذه السنة مات أميرالحرمين هاشم بن فليته وولي الحرمين ولده قاسم بن هاشم فالزمني السفارة عنه والرسالة المصرية ، فقدمتها في شهر ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذ الإمام الفائز بن الظافر ، والوزير له الملك الصالح طلايع بن رزيك ، فلما أحضرت للسلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة أنشدتها قصيدة أولها :

الحمد للعيس بعد العزم والهمم *** حمداً يقوم بما أولت من النعم

ص: 191


1- كتاب « الغدير » للشيخ الأميني.
2- طبع مع مختار ديوانه ب- 377 صفحة في شالون من نهر « سون ».

لا أجحد الحق عندي للركاب يد *** تمنّت اللجم فيها رتبة الخطم

قربن بعد مزار العزَّ من نظري *** حتى رأيت إمام العصر من أمم

ورحن من كعبة البطحاء والحرم *** وفداً الى كعبة المعروف والكرم

فهل درى البيت إني بعد فرقته *** ما سرت من حرم إلا إلى حرم

حيث الخلافة مضروب سرادقها *** بين النقيضين من عفو ومن نقم

وللإمامة أنوار مقدسة *** تجلو البغيضين من ظلم ومن ظلم

وللنبِّوة أبيات ينص لنا *** على الحفييين من حكم ومن حكم

وللمكارم أعلام تعلّمنا *** مدح الجزيلين من بأس ومن كرم

وللعلى ألسن تثنى محامدها *** على الحميدين من فعل ومن شيم

وراية الشرف البذاخ ترفعها *** يد الرفيعين من مجد ومن همم

أقسمت بالفائز المعصوم معتقداً *** فوز النجاة وأجر البرّ في القسم

لقد حمى الدين والدنيا وأهلهما *** وزيره الصالح الفارج للغمم

أللابس الفخر لم تنسج غلائله *** إلا يداً لصنيع السيف والقلم

وجوده أوجد الأيام ما اقترحت *** وجوده أعدم الشاكين للعدم

قد ملكته العوالي رق مملكة *** تعير أنف الثريا عزة الشمم

أرى مقاماً عظيم الشأن أو همني *** في يقظتي انها من جملة الحلم

يوم من العمر لم يخطر على أملي *** ولا ترقت إليه رغبة الهمم

ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها *** عقود مدح فما أرضى لكم كلمي

ترى الوزارة فيه وهي باذلة *** عند الخلافة نصحاً غير متهم

عواطف علَّمتنا أن بينهما *** قرابة من جميل الرأي لا الرحم

خليفة ووزير مدَّ عدلهما *** ظلاً على مفرق الإسلام والامم

زيادة النيل نقص عند فيضهما *** فما عسى يتعاطى مُنَّة الديم

ص: 192

وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مراراً والاستاذون وأعيان الامراء والكبراء يذهبون في الاستحسان كل مذهب ، ثم أفيضت عليَّ خلع من ثياب الخلافة المذهبة ودفع لي الصالح خمسمائة دينار وإذا بعض الاستاذين قد أخرج لي من عند السيدة الشريفة بنت الامام الحافظ خمسمائة دينار أخرى وحمل المال معي الى منزلي ، واطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لاحد من قبلي وتهادتني امراء الدولة الى منازلهم للولائم واستحضرني الصالح للمجالسة ونظمني في سلك أهل المؤانسة ، وانثالت عليَّ صلاته وغمرني بّره ووجدت بحضرته من أعيان أهل الأدب الشيخ الجليس أبا المعالي ابن الحبّاب والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الانشاء وأباً الفتح محمود بن قادوس والمهذب أبا محمد الحسن بن الزبير ، وما من هذه الحلبة أحد إلا ويضرب في الفضائل النفسانية والرئاسة الانسانية بأوفر نصيب ويرمي شاكلة الأشكال فيصيب.

قال الشيخ الاميني : وله مواقف مشكورة تنم عن انه ذو حفاظ وذو محافظة ، حضر يوماً هو والرضي ابو سالم يحيى الاحدب بن ابي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العاضد عند نجم الدين ايوب بن شادي فأنشد ابن أبي حصيبة نجم الدين فقال :

يا مالك الأرض لا أرضى له طرفا *** منها وما كان منها لم يكن طرفا

قد عجل الله هذي الدار تسكنها *** وقد أعدَّ لك الجنّات والغرفا

تشرفت بك عمن كان يسكنها *** فالبس بها العز ولتلبس بك الشرفا

كانوا بها صدفاً والدار لؤلؤة *** وأنت لؤلؤة صارت لها صدفا

فقال الفقيه عمارة يرد عليه :

أئمت يا من هجا السادات والخلفا *** وقلت ما قلته في ثلبهم سخفا

جعلتهم صدفاً حلّوا بلؤلؤة *** والعرف ما زال سكنى اللؤلؤ الصدفا

وانما هي دار حلَّ جوهرهم *** فيها وشف فأسناها الذي وصفا

ص: 193

فقال : لؤلؤة عجباً ببهجتها *** وكونها حوت الأشراف والشرفا

فهم بسكناهم الآيات اذ سكنوا *** فيها ومن قبلها قد اسكنوا الصحفا

والجوهر الفرد نور ليس يعرفه *** من البرية إلا كلّ من عرفا

لولا تجسمهم فيه لكان على *** ضعف البصائر للابصار مختطفا

فالكلب - يا كلب - أسنى منك مكرمة *** لأن فيه حفاظاً دائماً ووفا

كان للمترجم له مكانة عالية عند بني رزيك وله فيهم شعر كثير يوجد في ديوانه وكتابه [ النكت العصرية ] وفي الثاني : ان الملك الصالح طلايع بعث اليه بثلاثة آلاف دينار في ثلاثة أكياس وكتب فيها بخطه :

قل للفقيه عمارة : يا خير من *** قد حاز فهماً ثاقباً وخطابا

اقبل نصيحة من دعاك إلى الهدى *** قل : حطّة وادخل إلينا البابا

تجد الأئمَّة شافعين ولا تجد *** إلا لدينا سنّة وكتابا

وعلي أن أعلي محلك في الورى *** وإذا شفعت إلي كنت مجابا

وتعجل الآلاف وهي ثلاثة *** ذهباً وقلَّ لك النضار مذابا

فراجعه عمارة بقوله :

حاشاك من هذا الخطاب خطابا *** يا خير أملاك الزمان نصابا

لكن إذا ما أفسدت علماؤكم *** معمور معتقدي وصار خرابا

ودعوتم فكري إلى أقوالكم *** من بعد ذاك أطاعكم وأجابا

فاشدد يديك على صفاء محبتي *** وامنن عليَّ وسدّ هذا البابا

وقال يمدح الخليفة الفائز بن الظافر :

ولاؤك مفروض على كل مسلم *** وحبّك مفروط وأفضل مغنم

إذا المرء لم يكرم بحبك نفسه *** غدا وهو عند الله غير مكرم

ورثت الهدى عن نص عيسى بن حيدر *** وفاطمةٍ لا نصَّ عيسى بن مريم

ص: 194

وقال : أطيعوا لإبن عمي فإنَّه *** أميني على سرّ الإله المكتم

كذلك وصيُّ المصطفى وابن عمه *** إلى منجد يوم « الغدير » ومتهم

على مستوى فيه قديم وحادثٌ *** وان كان فضل السبق للمتقدم

ملكت قلوب المسلمين ببيعة *** أمدت بعقدٍ من ولائك مبرم

وأوتيت ميراث البسيطة عن اب *** وجد مضى عنها ولم يتقسم

لك الحق فيها دون كل منازع *** ولو انه نال السماك بسلَّم

ولو حفظوا فيك الوصية لم يكن *** لغيرك في أقطارها دون درهم

وله قصائد يرثي الملوك الفاطميين بعد انقراض دولتهم منها قصيدته :

رميت يا دهر كف المجد بالشلل *** وجيده بعد حسن الحلي بالعطل

سعيت في منهج الرأي العثور فإن *** قدرت من عثرات الدهر فاستقل

جدعت مارنك الأقنى فأنفك لا *** ينفك ما بين قرع السنّ والخجل

هدمت قاعدة المعروف عن عجلٍ *** سعيت مهلاً أما تمشي على مهل؟!

لهفي ولهف بني الآمال قاطبة *** على فجيعتها في أكرم الدّول

قدمت مصر فأولتني خلائفها *** من المكارم ما أربى على الأمل

قوم عرفت بهم كسب الالوف ومن *** كمالها أنها جاءت ولم أسل

وكنت من وزراء الدست حين سما *** رأس الحصان يهاديه على الكفل

ونلت من عظماء الجيش مكرمة *** وخلّة حرست من عارض الخلل

يا عاذلي في هوى أبناء فاطمةٍ *** لك الملامة إن قصّرت في عذلي

بالله دُرْ ساحة القصرين وابك معي *** عليهما لا على صفين والجمل

وقل لأهليهما والله ما التحمت *** فيكم جراحي ولا قرحي بمندمل

ماذا عسى كانت الإفرنج فاعلة *** في نسل آل أمير المؤمنين علي؟!

هل كان في الأمر شيء غير قسمة ما *** ملكتم بين حكم السبي والنقل

وقد حصلتم عليها واسم جدكم *** محمد وأبوكم غير منتقل

مررت بالقصر والأركان خالية *** من الوفود وكانت قبلة القبل

ص: 195

فملت عنها بوجهي خوف منتقد *** من الأعادي ووجه الودّ لم يمل

أسلت من أسفي دمعي غداة خلت *** رحابكم وغدت مهجورة السبل

أبكي على ما تراءت من مكارمكم *** حال الزمان عليها وهي لم تحلِ

دار الضيافة كانت أنس وافدكم *** واليوم اوحش من رسم ومن طلل

وفطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم *** تشكو من الدهر حيفاً غير محتمل

وكسوة الناس في الفصلين قد درست *** ورثَّ منها جديد عندهم وبلي

وموسم كان في يوم الخليج لكم *** يأتي تجمِّلكم فيه على الجمل

وأول العام والعيدين كم لكم *** فيهن من وبل جود ليس بالوشل

والارض تهتز في يوم «الغدير» كما *** يهتزّ ما بين قصريكم من الأسل

والخيل تعرض في وشي وفي شية *** مثل العرائس في حُلي وفي حُلل

ولا حملتم قرى الأضياف من سعة *** الأطباق إلا على الأكتاف والعجل

وما خصصتم ببرٍّ أهل ملَّتكم *** حتى عممتم به الأقصى من الملل

كانت رواتبكم للذمتين ولل- *** -ضيف المقيم وللطاري من الرسل

ثم الطراز بتنَّيس الذي عظمت *** منه الصلات لأهل الارض والدول

وللجوامع من إحسانكم نعم *** لمن تصدَّر في علم وفي عمل

وربما عادت الدنيا فمعقلها *** منكم واضحت بكم محلولة العقل

والله لا فاز يوم الحشر مبغضكم *** ولا نجا من عذاب الله غير ولي

ولا سقى الماء من حرّ ومن ظمأ *** من كف خير البرايا خاتم الرسل

ولا رأى جنة الله التي خلقت *** من خان عهد الإمام العاضد بن علي

أئمتي وهداتي والذخيرة لي *** إذا ارتهنت بما قدَّمت من عملي

فالله لم أوفهم في المدح حقهم *** لأن فضلهم كالوابل الهطل

ولو تضاعفت الأقوال واتسعت *** ما كنت فيهم بحمد الله بالخجل

باب النجاة هم دنيا وآخرة *** وحبهم فهو أصل الدين والعمل

نور الهدى ومصابيح الدجى و *** محلُّّ الغيث إن ربت الأنواء في المحل

أئمة خلقوا نوراً فنورهم *** من محض خالص نور الله لم يفل

والله ما زلت عن حبي لهم أبداً *** ما أخَّر الله لي في مدة الأجل

ص: 196

قتل المترجم بسبب هذه القصيدة مع جماعة نسب اليهم التدبير على صلاح الدين ومكاتبة الفرنج واستدعاؤهم اليه حتى يجلسوا ولداً للعاضد وكانوا ادخلوا معهم رجلاً من الأجناد ليس من اهل مصر ، فحضر عند صلاح الدين وأخبره بما جرى ، فأحضرهم فلم ينكروا الأمر ولم يروه منكراً ، فأمر بصلبهم ، وصلبوا يوم السبت في شهر رمضان سنة تسع وستين وخمسمائة بالقاهرة ، وقد قبض عليهم يوم الأحد الثالث والعشرين من شعبان ، وصلب مع الفقيه عمارة قاضي القضاة ابو القاسم هبة الله بن عبدالله بن الكامل : وابن عبد القوي داعي الدعاة كان يعلم بدفائن القصر فعوقب ليدلَّ عليها فأمتنع من ذلك فمات واندرست ، والعويرس ناظر الديوان ، وشبريا كاتب السر ، وعبدالصمد الكاتب احد أمراء مصر ، ونجاح الحمامي ، ومنجم نصراني كان بشرهم بأن هذا الامر يتم لهم.

قال الصفدي في ( الغيث المنسجم ) : انه لا يبعد ان يكون القاضي الفاضل سعى في هلاكه وحرض عليه لأن صلاح الدين لما استشاره في أمره قال : ينفى. قال : يرجى رجوعه. قال : يؤدب. قال : الكلب يسكت ثم ينبح. قال : يقتل. قال : الملوك إذا أرادوا فعلوا. وقام من فوره ، فأمر بصلبه مع القاضي العويرس ، وجماعة معه من شيعتهم. ولما أخذ ليشنق قال : مروا بي على باب القاضي الفاضل. لحسن ظنه فيه. فلما رآه قام واغلق بابه ، فقال عمارة :

عبد العزيز قد احتجب *** إن الخلاص من العجب

ص: 197

محمد بن عبدالله قاضي القضاة

كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبدالله ، قال يخاطب الحسين علیه السلام : ويعرض بنقيب العلويين رواها العماد في الخريدة :

يا راكبا يطوي الفلا *** بشملة حرف وخود

عّرج بمشهد كربلا *** وأنخ وعفر في الصعيد

واقر التحية وادع يا *** ذا المجد والبيت المشيد

اولادك الانجاب في *** أرض الجزيرة كالعبيد

أوقافهم وقفٌ على *** دف ومزمار وعود

ومدامة خُضبت بها *** أيدي السقاة الى الزنود

ودعيُّ بيتك لا يف- *** -كر في الجحيم ولا الخلود

يحتثها ورديةّ *** تصبي النفوس الى الخدود

هو وابن عصرون الطويل *** ويوسف النذل اليهودي

إن كان هذا ينتمى *** حقاً الى البيت المشيد

فالى يزيد الى يزيد *** الى يزيد الى يزيد

ص: 198

قاضي القضاة بالشام كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبدالله

قال العماد في الخريدة - قسم الشام - الجزء الثاني ص 323

هو ابن القاسم الشهر زوري ، سبق ذكر والده وشعره ، وجلَّ امر هذا وكبر قدره ، وأقام في آخر عمره بدمشق قاضياً ووالياً ، ومتحكماً ومتصرفاً وهو ذو فضائل كثيرة ، وفواضل خطيرة وله نوادر مطبوعة ، ومآثر مجموعة ومفاخر مأثورة ، ومقامات مشكورة مشهورة ، وله نظم قليل على سبيل التظرف والتطرف فمها أنشدني لنفسه في المعلم الشاتاني وقد وصل الى دمشق في البرد :

ولما رأيت البرد ألقى جرانه *** وخيّم في أرض الشآم وطنبا

تبينت منه قفلةً علميّة *** تردّ شباب الدهر بالبرد أشيبا

وقوله :

وجاءوا عِشاءً يهرعون وقد بدا *** بجسمي من داء الصبابة ألوان

فقالوا وكل معظم بعض ما أرى *** أصابتك عين؟ قلت : عين واجفان

وقوله وانشدنيه لنفسه بدمشق في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وخمسمائة :

قلت له إذ رآه حياً *** ولامه واعتدى جدالا

ص: 199

خفي نحولاً عن المنايا *** اعرض عن حجتي وقالا

الطيف كيف اهتدى اليه *** قلت : خيال أتى خيالا

ولي في كمال الدين قصائد ، فانني لما وصلت الى دمشق في سنة اثنتين وستين سعى لي بكل نجح وفتح علي باب كل منح ، وهو ينشدني كثيراً من منظوماته ومقطوعاته فمما اثبتُّه من شعره قوله :

قد كنت عدتي التي أسطو بها *** يوماً إذا ضاقت علي مذاهبي

والآن قد لوّيت عني معرضاً *** هذا الصدود نقيض صد العاتب

وأرى الليالي قد عبثن بصعدتي *** فحنينها وألنَّ مني جانبي

وتركت شلوي لليدين فريسة *** لا يستطيع يردّ كفَّ الكاسب

وقوله :

ولي كتائب أنفاس أجهزها *** الى جنابك الا انها كتب

ولي أحاديث من نفسي أسرُّ بها *** إذا ذكرتك إلا أنها كذب

ولكمال الدين الشهر زوري أيضاً :

أنيخا جمالي بابوابها *** وحُطّابها بين خطابها

وقولاً لخَّمارها لا تبع *** سواي فاني أولى بها

وساوم وخذ فوق ما تشتهي *** وبادر إليَّ بأكوابها

فإنا أناس نسوم المدا *** م بأموالها وبألبابها

وقوله :

ولو سلمت ليلى غداة لقيتها *** بسفح اللوى كادت لها النفس تخشع

ولكن حزمي ما علمت ولوثة *** البداوة تأبى أن ألين وتمنع

ص: 200

ولست أمرءاً يشكو اليك صبابة *** ولا مقلة إنسانها الدهر يدمع

ولكنني أطوي الضلوع على الجوى *** ولو أنها مما بها تتقطع

وقوله :

سننا الجاشرية للبرايا *** وعلمناهم الرطل الكبيرا

وأكببنا نَعبُّ على البواطي *** وعطلنا الإدارة والمديرا

وقوله :

رأى الصمصمام منصلتاً فطاشا *** فلما أن فرى ودجيه عاشا

وآنس من جناب الطور ناراً *** فلابسها وصار لها فراشا

وانشدني كمال الدين لنفسه بدمشق في ثالث ربيع الاول سنة إحدى وسبعين :

ولقد اتيتك والنجوم رواصد *** والفجر وهمٌ في ضمير المشرق

وركبت للأهوال كل عظيمة *** شوقاً إليك لعلنا أن نلتقي

قوله : والفجر وهم في ضمير المشرق في غاية الحسن مما سمح به الخاطر اتفاقاً ، وفاق الكمال إشرافاً وإشراقاً ، وتذكرت قول أبي يعلى بن الهبارية الشريف في معنى الصبح وابطائه :

كم ليلة بتُّ مطوياً على حرقٍ *** أشكو الى النجم حتى كاد يشكوني

والصبح قد مطل الشرقُ العيونَ به *** كأنه حاجة في كفّ مسكين

يقع لي أنه لو قال : كأنه حاجة تقضى لمسكين ، لكان أحسن فإنها تمطل بقضائها. وشبهه كمال الدين بالوهم في ضمير المشرق وكلاهما أحسن وأجاد.

ص: 201

وترجم له ابن خلكان في الوفيات ج 1 ص 597 ترجمة وافية وقال في آخرها : وكانت ولادته سنة اثنتين وتسعين واربعمائة بالموصل ، وتوفي يوم الخميس سادس المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بدمشق ودفن في الغد بجبل قاسيون ، وكان عمره حين توفي ثمانين سنة وأشهراً ، ورثاه ولده محي الدين محمد.

وأورد الصفدي في الوافي ج 3 ص 331 له ترجمة وطائفة من الاشعار ، وترجمه ابن الجوزي في المنتظم ج 10 ص 268 ترجمة مختصرة.

ص: 202

قطب الدين الراوندي

لآل المصطفى شرف محيط *** تضايق عن مراميه البسيطُ

إذا كثر في البرايا *** فكلُّ منهمُ جاشٌ ربيط

إذا ما قام قائمهم بوعظ *** فإنَّ كلامه درّ لقيطُ

أو امتلأت بعدلهم ديار *** تقاعس دونه الدهر القسوط

هم العلماء إن جهل البرايا *** هم الموفون إن خان الخليط

بنو أعمامهم جاروا عليهم *** ومال الدهر إذ مال الغبيط

لهم في كل يوم مستجد *** لدى أعدائهم دم عبيط

تناسوا ما مضى بغدير خمّ *** فأدركهم لشقوتهم هبوط

ألا لعنت أميّة قد أضاعوا *** ( الحسين ) كأنه فرخ سميط

على آل الرَّسول صلاة ربّي *** طوال الدهر ما طلع الشميطُ (1)

عن مستدرك الوسائل ج 3 ص 489.

ص: 203


1- 1 - الشميط : الصبح

قطب الدين الراوندي المتوفي سنة 573

ابو الحسين سعد بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي. امام من ائمة المذهب وعين من عيون الطائفة وعبقري من رجالات العلم والادب ، له مصنفات جليلة في مختلف العلوم الاسلامية ، لا يلحق شأوه في مآثره الجمة ولا يشق له غبار. توفي ضحوة يوم الاربعاء الرابع عشر من شوال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة كما في إجازات البحار نقلا عن خط شيخنا الشهيد الأول قدس الله سره. وقبره في الصحن الجديد من الحضرة الفاطمية بقم المشرفة مزار معروف ترجمه شيخنا الاميني في ( الغدير ) وذكر مشائخه وعدد الراوين عنه وذكر له من المؤلفات :

1 - سلوة الحزين.

2 - المغنى في شرح النهاية ، عشر مجلدات.

3 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.

4 - رسالة في الناسخ والمنسوخ من القرآن.

5 - جنا الجنتين في ذكر ولد العسكريين.

6 - شرح الذريعة للشريف المرتضى 3 مجلدات.

7 - الخرائج والجرائح.

8 - الايات المشكلة.

ص: 204

اقول ذكر له الشيخ رحمه الله 49 مؤلفاً وعدد اولاده وما كانوا عليه من المكانة العلمية والمواهب العرفانية.

وقال الشيخ القمي في الكنى والالقاب : قطب الدين الراوندي ابو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن ، العالم المتبحر الفقيه المحدث المفسّر المحقق الثقة الجليل صاحب الخرائج والجرائح ، وقصص الانبياء ولب اللباب وشرح النهج وغيره ، كان من أعاظم محدثي الشيعة ، قال شيخنا في المستدرك : فضائل القطب ومناقبه وترويجه للمذهب بانواع المؤلفات المتعلقة به أظهر وأشهر من أن يذكر ، وكان له أيضاً طبع لطيف ، ولكن أغفل عن ذكر بعض أشعاره المترجمون له انتهى.

وهو أحد مشايخ ابن شهراشوب ، يروي عن جماعة كثيرة من المشائخ كأمين الاسلام والسيد المرتضى والرازي واخيه السيد مجتبى وعماد الدين الطبري وابن الشجري والآمدي ووالد المحقق الطوسي وغيرهم رضوان الله عليهم.

ولا يخفى انه غير سعيد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الفاضل المشتهر في العلوم الحكمية فانه كان من الاطباء المتميزين في صناعة الطب ، خدم المقتدى بأمر الله والمستظهر بالله بصناعة الطب ، وكان يتولى مداواة المرضى في البيمارستان العضدي ، له كتاب المغنى في الطب ، صنفه للمقتدي وكتاب خلق الانسان ، توفي سنة 495.

ومن شعره كما روى السيد الامين في الاعيان قال : وللقطب الراوندي قوله :

بنو الزهراء آباء اليتامى *** إذا ما خوطبوا قالوا : سلاما

هم حجج الإله على البرايا *** فمن ناواهم يلق الأثاما

فكان نهارهم أبداً صياما *** وليلهم كما تدري قياما

ص: 205

ألم يجعل رسول الله يوم ال- *** -غدير علياً الأعلى إماما؟

ألم يك حيدر قرماً هماماً *** ألم يك حيدر خيراً مقاما؟

هم الراعون في الدنيا الذماما *** هم الحفاظ في الاخرى الاناما

وله :

محمد وعلي ثم فاطمة *** مع الشهيدين زين العابدين علي

والصادقان وقد فاضت علومهما *** والكاظم الغيظ والراضى الرضاء علي

ثم التقى النقيّ الاصل طاهره *** محمد ثم مولانا النقي علي

ثم الزكي ومن يرضى بنهضته *** أن يظهر العدل بين السهل والجبل

إني بحبهم يا رب معتصم *** فاغفر بحرمتهم يوم القيامة لي

قال السيد في الاعيان : وفي مجموعة الجبعي عن الكفعمي انه قال : ومن شعر المترجم له في أهل البيت :

إمامي علي كالهزبر لدى العشا *** وكالبدر وهاجاً اذا الليل اغطشا

إمامي عليٌ خيرة الله لا الذي *** تخيرتم والله يختار من يشا

أخو المصطفى زوج البتول هو الذي *** الى كل حسن في البرية قد عشا

بمولده البيت العتيق لما روى *** رواه وفي حجر النبوة قد نشا

موالوه قوامون بالقسط في الورى *** معادوه أكالون للسحت والرشا

له أوصياء قائمون مقامه *** أرى حبهم في حبة القلب والحشا

هم حجج الرحمن عترة احمد *** ائمة حقٍ لا كمن جار وارتشى

مودتهم تهدي الى جنة العلى *** ولكنما سبابهم يورث العشا

وإني بريء من فعيل فإنه *** لا كفر من فوق البسيطه قد مشى

فلولاه ما تمت لفعل إمارة *** ولا شاع في الدنيا الضلال ولا فشا

ص: 206

ومن شعره :

قسيم النار ذو خير وخير *** يخلصني الغداة من السعير

فكان محمد في الناس شمساً *** وحيدر كان كالبدر المنير

هما فرعان من عليا قريش *** مصاص الخلق بالنصّ الشهير

وقال له للنبي لأنت مني *** كهرونٍ وأنتَ معي وزيري

ومن بعدي الخليفة في البرايا *** وفي دار السرور على سريري

وأنت غياثهم والغوث فيهم *** لدى الظلماء والصبح السفور

مصيري آل احمد يوم حشري *** ويوم النصر قائمهم مصيري

ص: 207

إبن الصيفي

ملكنا فكان العفو منا سجية *** فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ

وحللتم قتل الاسارى وطالما *** غدونا عن الأسرى نعفُّ ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا *** وكل إناء بالذي فيه ينضح

قال ابن خلكان قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن وكان من ثقاة أهل السنة :

رأيت في المنام علي بن ابي طالب فقلت له يا اميرالمؤمنين تفتحون مكة فتقولون : من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ، ثمَّ يتم على ولدك الحسين في يوم الطف ما تم ، فقال : أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا ، فقلت لا فقال اسمعها منه ثم استيقظت فبادرت الى دار ( حيص بيص ) فخرج الي فذكرت لها لرؤيا فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله بان كانت خرجت من فمي أو خطى الى أحد وإن كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه ثم انشدني الأبيات :

قال الشيخ عبدالحسين الحلي المتوفي سنة 1375 ه- مطشراً هذه الأبيات :

ملكنا فكان العفو منا سجيَّةٍ *** بيوم به بطحاء مكة تفتح

فسالت بفيض العفو منا بطاحكم *** ولما ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الأسارى وطالما *** فككنا أسيراً منكم كاد يذبح

وفي يوم بدر مذ أسرنا رجالكم *** غدونا عن الاسرى نعف ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا *** فأيّ قبيل فقيه أربى وأربح

ولا غرو اذ كنا صفحنا وجُرتُم *** فكلّ إناءٍ بالذي فيه ينضح

ص: 208

شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي ويقال له ( حيص بيص (1) ) أيضاً ، كان فقيهاً شاعراً أديباً له رسائل فصيحة بليغة ، وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، وهو من ولد اكثم بن الصيفي.

كانت وفاته 6 شعبان سنة 574 ببغداد ودفن في مقابر قريش ، وكان لا يخاطب أحداً إلا بكلام معرب ولم يترك عقباً.

وقال ابن خلكان : كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان وتكلم في مسائل الخلاف إلا أنه غلب عليه الادب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً.

وقال اليافعي في مرآة الجنان وعبرة اليقظان في حوادث سنة اربع وسبعين وخمس مائة توفي حيص بيص أبوالفوارس سعد بن محمد التميمي الشاعر وله ديوان معروف ، وكان وافر الأدب متضلعاً في اللغة بصيراً بالفقه والمناظرة ، وقال الشيخ نصر الله بن علي قال ابن خلكان وكان من ثقات أهل السنة رأيت في المنام علي بن ابي طالب ( القصة ) وذكره الحافظ ابو سعيد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه وحدث بشيء من مسموعاته

ص: 209


1- انما قيل له حيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد ، فقال : ما للناس في حيص بيص ، فبقي عليه هذا اللقب ، ومعنى هاتين الكلمتين : الشدة والاختلاط.

وقرأ عليه ديوانه ومسائله. وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، ويقال انه كان فيه تعاظم وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي وكان يلبس زيَّ العرب ويتقلّد سيفاً فعمل فيه ابو القاسم بن الفضل.

كم تباري وكم تطوّل طرطورك *** ما فيك شعرة من تميم

فكُل الضبَّ واقرظ الحنظل اليابس *** واشرب ما شئت بول الظليم

ليس ذا وجه من يضيف ولا يقري *** ولا يدفع الاذى عن حريم

فلما بلغت الابيات ابا الفوارس قال :

لا تضع من عظيم قدر وإن *** كنتَ مشاراً إليه بالتعظيم

فالشريف الكريم ينقص قدراً *** بالتعدّي على الشريف الكريم

ولع الخمر بالعقول رمى *** الخمر بتنجيسها وبالتحريم

قال السيد الامين في الاعيان ج 45 ص 232 : وللسيد محمد بن السيد صادق الفحام النجفي تخميس لابيات الحيص بيص وهي :

نعم جدنا المختار ليس أُميةً *** وجدتنا الزهراء ليستُ سميّةً

ونحن ولاة الأمر لسنا رعية *** ملكنا فكان العفو منا سجيّة

ولما ملكتم سال بالدم أبطح

أما نحن يا اهل الضلالة والعمى *** عفونا بيوم الفتح عنكم تكرّما

علام أبحتم بالطفوف لنا دما *** وحللتم قتل الاسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نَمنُّ ونصفح

ونحن أُناس لم يك الغدر شأننا *** ولا الاخذ بالثأر الذي كان ديننا

ولكنما نعفو ونكظم غيضنا *** فحسبكُم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

ص: 210

وقوله في مدح أمير المؤمنين علي علیه السلام . (1)

صنو النبي رأيت قافيتي *** أوصاف ما أوتيت لا تسع (2)

فجعلت مدحي الصمت عن شرف *** كل المدائح دونه يقع

ماذا أقول وكل مقستم *** بين الأفاضل فيك مجتمع

ومن شعره قوله في الافتخار :

خذوا من ذمامي عدة للعواقب *** فيا قرب ما بيني وبين المطالب

لواني زمامي بالمرام ، وربَّما *** نقاضيته بالمرهفات لقواضب

على حين ما ددت الصبا عن صبابة *** ذياد المطايا عن عذاب المشارب

ورضت بأخلاق المشيب شبيبةً *** معاصية لا تستكين لجاذب

عقائل عزم لا تباح لضارع *** وأسرار حزم لاتذاع للاعب

ولله مقذوف بكلّ تَنُوفةٍ *** رأى العز أحلى من وصال الكواعب

أغرَّ الأعادى انني بتّ مُقتراً *** وربَّ خلوٍّ كان عوناً لوائب

رويدكم إني من المجد موسرٌ *** وإن صفرت عما أفدتم حقائبي

هل لنال إلا خادم شهوة الفتى *** وهل شهوة إلا لجلب المعاطب

فلا تطلبن منه سوى سَدَّ خلة *** فإن زاد شيئاً فليكم للمواهب

سرهت (3) بادماني سرى كل حادث *** ولا كحل إلا من غبار المواكب

فلا تصطلوها ، انها دار مية *** مواقدها هام الملوك الأغالبٍ

ص: 211


1- رواها العماد الاصفهاني في كتابه خريدة القصر وجريدة العصر ) مطبعة المجمع العلمي العراقي.
2- الصنو : الأخ الشقيق.
3- مرهت عينه. خلت من الكحل.

سأضرمها حمراء ينزو شرارها *** على جنبات القاع نزو الجنادب (1)

بكل تميمي كأنّ قميصه *** يلاثُ بغصن البانة المتعاقب (2)

ومنها :

إذا كذب البرق اللموع لشائم *** فبرق ظباها صادق غير كاذب

فوارس باتوا مجمعين فأصبحوا *** وآثار عقد الرأي عقد السبائب (3)

إذا شرعوا الأرماح للطعن خلتهم *** بدوراً تجارى في طلاب كواكب

أسود إذا شب الخميس ضرامه *** أسالوا نفوس الأسد فوق الثعالب (4)

ومنها :

وركب كأنَّ العيس ايان ثوَّروا *** تساوق أعناق الصبا والجنائب (5)

خفاف على أكوارها ، فكأنهم *** من الوبر المأنوس عند الغوارب (6)

[ هذه مبالغة في خفة الرجال على الرحال ] *** كأنهم بعض أوبار الاباعر

إذا أضمرتهم ليلة أظهرتهم *** صبيحتها بين المنى والمآرب

ومنها :

وبي ظمأ لم أرضَ ناقع حرَّه *** سواك فهل في الكأس فضل لشارب؟

ص: 212


1- الجنادب. جمع جندب ، حيوان صغير يشبه الجراد كثير القفز والوثوب.
2- يلاث. يدار ويعصب.
3- السبائب : جمع سبيبة ، وهي الخصلة من الشعر.
4- 4 - الخميس : الجيش الجراو ، والضرام : لهب النار ، والثعالب : جمع ثعلب ، وهو طرف الرمح الداخل في جبة السنان
5- الجنائب. جمع جنوب ، وهي ريح تخالف الشمال.
6- الغوارب ، جمع غار ، وهو من البعير بين السنام والعنق.

وقوله في الافتخار :

يا رواة الشعر ، لا ترووه لي *** فبغير الشعر شيدت رُتَبي

[ ودعوه لضعاف عُيُّهم *** مانعٌ عنهم ( زُهَير ) المكسب (1)

وردوا الفضل ، وما بلوا به *** مسمعاً والشّرب غير المشرب

ومنها :

لست بالقاعد عن مكرُمةٍ *** وأبو رغوان (2) ذو المجد أبي

عفّروا للسلم من أوجهكم *** إنها خيلُ حكيم العرب

قبل يومٍ هامه في صعد *** حيث ما أبدانه في صبب

يعسل الذئب الى معركة *** شائم الأرزاق عند الثعلب (3)

وقوله :

اذا شوركت في أمر بدونٍ *** فلا يغشاك عارُ او نفور

تشارك في الحياة بغير خلف *** أرسطاليس والكلب العقور

وقوله :

وجوه لا يحمرها عتابٌ *** جدير أن تصفر بالصغار

فما دان اللئام لغير بأس *** ولا لان الحديد لغير نار

ص: 213


1- وزهير ، يريد به زهير بن ابي سلمى احد اصحاب المعلقات من شعراء الجاهلية.
2- رغوان ، لقب مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، لقب به لفصاحته وجهارة صوته.
3- عسل الذئب. اضطرم في عدوه فخفق برأسه ، شائم الأرزاق ، ناظرها وفعل شام خاص بالبرق ، يقال ، شام البرق اذا نظر الى سحابته اين تمطر.

وقوله :

يلين في القول ويحنو على *** سامعه وهو له يقصم

كشوكة العقرب في شكلها *** لها حنو وهي لا ترحم

وقوله :

لا تلطفن بذي لؤم فتطغيه *** واغلظ له يأت مطواعا ومذعا

إن الحديد نلين النار شدته *** ولو صببت عليه الماء ما لانا

ومن قوله :

هنا رجب الشهور وما يليه *** بقاؤك انت يا رجب الرجال

له البركات لكن كل حول *** وانت مبارك في كل حال

وله من قصيدة في مدح الوزير محمود بن أبي توبة المروزي ، قلده السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي الوزارة سنة 521.

كُفّي مقالك عن لومي وتفنيدي *** صبابتي بالعلى لا الخرد الغيد

أطلت حتى حسبت المجد منقصةً *** كلا ولو أنه حتف المماجيد

لما رأيت غراماً جل عن عذلٍ *** حسبته بهوى الحسانة الرود

لا والرواقص في الأنساع يبعثها *** رجر الحداة بإنشادٍ وتغريدِ (1)

إذا ونين من الإرقال ، واضطرمت *** من اللُّغوب خلطن البيد بالبيد (2)

أزمَّةَ العيس من همّ وتسهيد *** يحملن شعثاً على الأكوار تحسبهم

ما حن قلبي الى الحسناء من علقٍ *** لكنني بالمعالي جدُّ معمود (3)

ص: 214


1- العواسل ، الرماح التي تهتز لينا ، وولغها ، مجاز في دخولها في الاجسام.
2- مذال : مبتذل بالانفاق. واللغاديد : جمع لغدود : لحمة في الحلق او كالزوائد من اللحم في باطن الاذن.
3- المعمود ، هو الذي هده العشق.

صبابتي دون عقد زانه عنقٌ *** الى لواءٍ أمام الجيش معقود

أميس تيهاً على الأحياء كلّهمُ *** علماً بأن نظيري غيرُ موجود

كيف الاجادةُ في نظمٍ وقافيةٍ *** عن خاطر بصروف الدهر مكدود؟

كم قد قَريتُ هنيّ العزم نازلةً *** والخطب يجلب في ساحات رعديد

تبصَّروَّها مراحاً في أعنتَّها *** بجفن ما بين مقتولٍ مطرود (1)

تكرُّ في ليلةٍ ليلاء من رَهَجٍ *** على نجيع لخيل الله مورود (2)

تنزو بحُمس هفت أضغانهم بهم *** فحطَّموا في التراقي كلَّ أُملود (3)

كان فرط توالي الطعن بينهم *** ولغ العواسل أو معروف محمود (4)

الواهب الحتف والعيش الخصيب معاً *** فالموت بالبأس ، والإحياء بالجود

ومنها :

إن أمسك الغيث لم يحبس مكارمه *** طول المطال ولا خلف المواعيد

مال مذال وعرضٌ دون بذلته *** خوض الأسنة في ماء اللغاديد (5)

أرق من خلق الصهباء شيمته *** فإن يهج فهو كاس خلق جلمود

وقوله :

إلى م أمني النفس كل عظيمة *** ودهري عنها دافع لي وذائد

ص: 215


1- الرواقصى ، الابل المسرعة في سيرها. والانساع حبال من ادم عريض تشدّ به الرحال ، واحدها نسع بكسر النون.
2- الارقال ، الاسراع ، والاضطمار ، الضمور ، وهو الهزال. وللغوب ، التعب والاعياء الشديد.
3- وجف البعير والفرس بجف ، عدواً وسار العنق.
4- الهج ، ما اثير من الغبار. والنجيع دم الجوف خاصة.
5- تنزو ، تثب. والحمس الشجعا - والاضغان ، الاحقاد الشديدة. والتراقي جمع ترقوة وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. والاملود ، هنا وصف للرمح المهتز.

وأستوكف المعروف أيدي معشرٍ *** تموت الأماني عندهم والمحامد

ذا أنا بالغر القوافي مدحتهم *** لغذرٍ ، هجتني بالمديح القصائد!

وله في الحكمة :

لا تلبس الدهر على غرة *** فما لموت الحي من بد

ولا يخادعك طويل البقا *** فتحسب الطول من الخلد

ينفد ما كان له آخر *** ما أقرب المهد من اللحد!

وله من قصيدة :

بني دارمٍ إن لم تُغيروا فبدّلوا *** عمائمكم يوم الكريهة بالخُمر (1)

فإن القُرى والمدنَ حيزت لأعبُدٍ *** وما سلمت أفحوصةٌ لفتى حرَّ (2)

ربطتم بأطناب البيوت جياد كُم *** وخيل العدى في كلِّ ملحمةٍ تجري

اذا ما شببتم نار حربٍ وقودها *** صدور المواضي البيض والأسل السُمرِ

ضمنت لكم أن ترجمعوها حميدةً *** تواجفُ غبِّ الرَّوع بالنَّعَمِ الحمرِ (3)

أنا المرء لا أوفي المنى عن ضراعة *** ولا أستفيد الأمن إلا من الدُعر

ولا أطرقُ الحيَّ اللئام بمدحة ولو *** عرقتني شِدَّةُ الأزم الغُبر (4)

تغانيت عن مال البخيل لأنّني *** رأيت الغنى بالُّذلِّ ضرباً من الفقر

ص: 216


1- الخمر ، جمع خمار - بكسر الخاء - وهو ما تغطي به المرأة رأسها.
2- الافحوص ، مجثم القطاة.
3- تواجف تتواجف ، أي تعدو وتسير العنق ، وغب كل شيء عاقبته.
4- الطروق. المجيء ليلاً ، وعرق العظم ، اذا أخذ عنه معظم اللحم وهبره وبقي عليه لحوم رقيقة والازم الغبر ، سنوات القحط الشداد.

وله في المدح :

مُسمهّرُ الباس من مضر *** يقشعرُّ الموت من حذره (1)

تطرَبُ الألباب مصغية *** لحديث المجد من سيره

كلما أوسعت مبتلياً *** خبره أربى على خُبره

تُهزم الأحداث كالحة *** بارتجال الرأي لا فكره

واذا ما أجدبت سنةٌ *** كان سقيا الحي من مطره

هو بحرٌ من فضائله *** ومديحي فيه من درره

شرفُ الدين الذي وضحت *** ظُلم الأحداث من غرره (2)

وله من قصيدة نظمها بمرو :

اقول لقلب هاجه لاعج الهوى (3) *** بصحراء مرو واستشاطت بلابله

وضاقت خراسان على معرق الهوى *** كما أحرزت صيد الفلاة حبائله

أعنِّي على فعل التصبر ، إنني *** رأيت جميل الصبر يحمد فاعله

فلما أبى إلا غراماً وصبوة *** أطعت هواكم ، واستمرت شواغله

وأجريت دمعاً لو أصاب بسحه *** ربا المحل يوماً أنبت العشب هاطله

هبوني أمرت القلب كتمان حبكم *** فكيف بجسم باح بالوجد ناحله؟

وكنت أمرت العزم أن يخذل الهوى *** وكيف اعتزام المرء والقلب خاذله؟

فكيف التسلي بعد عشر وأربع؟ *** أبي لي وفاء لا تذب جحافله

وقوله :

أداري المرء ذا خلق نكير *** وأعرض صافحاً عن ذنب خلي

ص: 217


1- اسمهر الرجل في القتال فهو مسمهر ، اشتد.
2- الغرر. جمع الغرة ، وهي من كل شيء اوله واكرمه.
3- هوى لاعج ، أي محرق والبلابل ، الهموم والوساوس.

وأجعل خوص أفكاري حلياً *** فأغبطه ، وكم طوقٍ كغُلَّ

وأغدو - من غنى نفسي - غنياً *** عن الدنيا ، ولي حال المقلّ

ولا أرضى اللئيم لكشف ضُرٍ *** ولو أسلمت للموت المذلِّ

وكم ضحكٍ كتمت به دموعاً *** ليسلم عنده سري وعقلي

وقوله :

علمي بسابقة المقسوم الزمني *** صبري وصمتي ، فلم أحرص ولم أسل

لو نيل بالقول مطلوب ، لما حرم ال- *** -كليم موسى ، وكان الحظ للجبل

وحكمة العقل إن عزّت وان شرفت *** جهالة عند حكم الرزق والأجل

وقوله :

إن شارك الادوانُ أهلَ العلى *** والمجد في تسمية باللِّسان

فما على أهل العلى سُبّةٌ *** إن بخور العود بعضُ الدُّخان

صاحب أخا الشرَّ لتسطو به *** يوماً على بعض شرار الزَّمان

والرّمحُ لا يُرهَبُ أنبوبه *** إلا إذا رُكِّب فيه السَّنان

إصبر على الشدّة نحو العلى *** فكلُّ قاصٍ عند ذي الصّبر دان

ما لقي الضّامِرُ من جوعه *** حوى له السَّبقَ بيوم الرِّهان

أُشجُع وجُدِّ تحظ بفخريهما *** فكلُّ ما قد قدِّر الله كان

لو نفع البخل وذُلُّ الفتى *** ما افتقر الكزُّ (1) ومات الجبان

ص: 218


1- الكز ، اليابس المنقبض وقرأها بعضهم الكنز.

ابن العودي

بفنا الغريِّ وفي عراص العلقمي *** تمحى الذنوب عن المسيء المجرمِ

قبران : قبرٌ للوصيّ وآخر *** فيه الحسين فعج عليه وسلّم

هذا قتيل بالطفوف على ظماً *** وأبوه في كوفان ضرِّج بالدم

وإذا دعا داعي الحجيج بمكة *** فإليهما قصد التقيّ المسلم

فاقصدهما وقل السلام عليكما *** وعلى الأئمة والنبيّ الأكرم

أنتم بنو طه وقافٍ والضحى *** وبنو تبارك والكتاب المحكم

وبنو الأباطح والمحصّب والصفا *** والركن والبيت العتيق وزمزم

بكم النجاة من الجحيم وأنتم *** خير البرية من سلالة آدم

أنتم مصابيح الدجى لمن اهتدى *** والعروة الوثقى التي لم تفصم

وإليكم قصد الوليّ وأنتم *** أنصاره في كل خطب مؤلم

بكم يفوز غداً إذا ما أضرمت *** في الحشر للعاصين نار جهنم

من مثلكم في العالمين وعندكم *** علم الكتاب وعلم ما لم يعلم

جبريل خادمكم وخادم جدكم *** ولغيركم فيما مضى لم يخدم

أبني رسول الله إن أباكم *** من دوحة فيها النبوة ينتمي

آخاه من دون البرية أحمد *** واختصه بالأمر لو لم يظلم

نص الولاية والخلافة بعده *** يوم الغدير له برغم اللوم

ودعا له الهادي وقال ملبياً *** يا رب قد بلغت فاشهد واعلم

ص: 219

حتى اذا مرّ الزمان وأصبحوا *** مثل الذباب يلوب حول المطعم

طلبوا ثؤرهم ببدر فاقتضوا *** بالطف ثارهم بحدِّ المخذم

غصبوا علياً حقه وتحكموا *** ظلما بدين الله أيَّ تحكم

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم *** ثم استحلوا منه كل محرم

واتوا على آل النبي باكبد *** حرّى وحقد بعد لم يتصرّم

بئس الجزاء جزوه في أولاده *** تالله ما هذي فعائل مسلم

* * *

يا لائمي في حب آل محمد *** أقصر هبلت عن الملأمة أو لم

كيف النجاة لمن علي خصمه *** يوم القيامة بين أهل الموسم

وهو الدليل الى الحقايق عارضت *** فيها الشكوك من الضلال المظلم

واختاره المختار دون صحابه *** صنواً وزوجّه الآله بفاطم

سل عنه في بدر وسل في خيبر *** والخيل تعثر بالقنا المتحطم

يا من يجادل في علي عاندا *** هذي المناقب فاستمع وتقدم

هم آل ياسين الذين بحبهم *** نرجو النجاة من السعير المضرم

لولاهم ما كان يعرف عاندا *** لله بالدين الحنيف القيم

لهم الشفاعة في غدٍ واليهم *** في الحشر كشف ظلامة المتظلم

مولاكم العودي يرجو في غد *** بكم الثواب من الآله المنعم

ص: 220

ابن العودي اسماعيل بن الحسين العودي العاملي المعروف بشهاب الدين ابن شرف الدين.

قال الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) كان فاضلاً متضلعاً في العلم والفضل الجم ، وكان أديباً شاعراً. دخل العراق وزار المشاهد وحضر على علماء الحلة ثم رجع الى بلدة جزّين من بلاد عاملة وله نظم الياقوت ، ارجوزة نظم بها الياقوت لابن نوبخت في علم الكلام وله شعر كثير أورده معاصره ابن شهراشوب في مناقبه. توفّي في بلده سنة 580 ثمانين بعد الخمسمائة وله ذرية بها. وقد أورد هذه القصيدة بتمامها السيد العالم الكامل المحدّذث العابد السيد هبة الله ابن ابي محمد الحسن الموسوي رحمه الله في كتابه ( المجموع الرائق ) الذي ألّفه سنة 703 (1).

أما السيد الأمين رحمه الله فقد نسب هذه القصيدة الى الشيخ بها الدين فقال : الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسن العودي العاملي الجزيني. كان حياً سنة 975.

قرأ على الشهيد الثاني من عاشر ربيع الأول سنة 945 الى أن سافر الى خراسان عاشر ذي القعدة سنة 962.

والمعروف أنه هو المدفون فوق قرية ( كفر كلا ) في جبل عامل وعليه قبة في مكان نزه مشرف عال والناس يسمونه ( العويذي ) والصحيح العودي. له شعر في رثاء استاذه الشهيد الثاني.

ص: 221


1- عن الشذور الذهبية مخطوط السيد صادق بحر العلوم ص 225.

ابن التعاويدي

أرقتُ للمع برقٍ حاجريِّ *** تألق كاليماني المشرفيّ (1)

أضاء لنا الاجارع مسبطراً *** سناه وعاد كالنبض الخفيَّ

كأن وميضه لمع الثنايا *** اذا ابتسمت ورقراق الحليّ

فاذكرني وجوه الغيد بيضاً *** سوالفها ولم أكُ بالنسي

أتيه صبابة وتتيه حسنا *** فويل للشجيّ من الخلي

وعصر خلاعة أحمدت فيه *** شبابي صحبة العيش الرخي

وليلى بعدما مطلت ديوني *** وقد حالت عن العهد الوفي

منعَّمة شقيت بها ولولا ال- *** -هوى ما كنتُ ذا بال شقي

تزيد القلب بلبالا ووجداً *** اذا نظرت بطرف بابلي

إذا استشفيتها وجدي رمتني *** بداء من لواحظها دوي

ولولا حبَّها لم يصب قلبي *** سنا برق تألق في دجي

أجاب وقد دعاني الشوق دمعي *** وقدماً كنتُ ذا دمع عصي

وقفتُ على الديار فما اصاخت *** معالمها لمحزون بكي

أروي تربها الصادي كأني *** نزحت الدمع فيها من ركي

ولو أكرمت دمعك يا شؤوني *** بكيت على الامام الفاطميَّ

ص: 222


1- عن الديوان المطبوع بمطبعة المقتطف بمصر سنة 1903 م وذكرها صاحب نسمة السحر.

على المقتول ظمآناً فجودي *** على الظمآن بالدمع الرويّ

على نجم الهدى السناري وبحر ال- *** -علوم وذروة الشرف العليّ

على الحامي بأطراف العوالي *** حمى الاسلام والبطل الكميّ

على الباع الرحيب اذا ألمّت *** يد الازمات والكف السخي

على أندى الانام يداً ووجهاً *** وأرجحهم وقاراً في النديّ

وخير العالمين أباً واماً *** وأطهرهم ثرى عرق زكيّ

فما دفعوه عن حسب كريم *** ولا ذادوه عن خلق رضي

لئن دفعوه ظلماً عن حقوق ال- *** -خلافة بالوشيج السمهري

فما دفعوه عن حسب كريم *** ولا ذادوه عن خلق رضي

لقد فصموا عرى الاسلام عودا *** وبدأ في الحسين وفي علي

ويوم الطف قام ليوم بدر *** بأخذ الثأر من آل النبي

فثنوا بالامام أما كفاهم *** ضلالاً ما جنوه على الوصي

رموه عن قلوب قاسيات *** بأطراف الاسنة والقسيّ

وأسرى مقدماً عمر بن سعد *** اليه بكل شيطان غوي

سفوك للدماء على انتهاك ال- *** -محارم جد مقدام جريّ

أتاه بمحنقين تجيش غيظاً *** صدورهم بجيش كالآتي

أطافوا محدقين به وعاجوا *** عليه بكل طرف أعوجي

وكل مثقف لدن وعضب *** سريجيّ ودرع سابري

فأنحوا بالصوارم مشرعات *** على البرّ التقي ابن التقي

وجوه النار مظلمة أكبَّت *** على الوجه الهلاليَّ الوضي

فيا لك من إمام ضرَّ جوه الد *** مَ القاني بخرصان القُني

بكته الارض إجلالاً وحزناً *** لمصرعه وأملاك السميِّ

وغودرت الخيام بغير حام *** يناضل دونهن ولا ولي

فما عطف البغاة على الفتاة ال- *** -حصان ولا على الطفل الصبيَّ

ولا بذلوا لخائفةٍ أماناً *** ولا سمحوا لظمآن بري

ص: 223

ولا سفروا لثاماً عن حياء *** ولا كرم ولا أنف حمي

وساقوا ذود أهل الحق ظلماً *** وعدواناً إلى الورد الوبي

تذودهم الرماح كما تذاد الر *** كاب عن الموارد بالعصي

وساروا بالكرائم من قريش *** سبايا فوق أكوار المطي

فيا لله يوم نعوه ماذا *** وعى سمع الرسول من النعي

ولو رام الحياة سعى اليها *** بعزمته نجاء المضرحي (1)

ولكنم المنية تحت ظلّ الر *** قاق البيض أجدر بالأبي

فيا عصب الضلالة كيف جرتم *** عناداً عن صراطكم السوي

وكيف عدلتم مولود حجر الن- *** -بوة بالغوي ابن الغويّ

فألقيتم - وعهدكم قريب - *** وراء ظهوركم عهد النبي

وأخفيتم نفاقكم إلى أن *** وثبتم وثبة الليث الضري

وأبديتم حقودكم وعدتم *** الى الدين القديم الجاهلي

ولولا الضغن ما ملتم على ذي ال- *** -قرابة للبعيد الأجنبّي

كفى حرباً ضمانكم لقتل ال- *** -حسين جوائز الرفد السني

وبيعكم لاخراكم سفاها *** بمنزور من الدنيا بليّ

وحسبكم غداً بأبيه خصماً *** اذا عرف السقيم من البري

صليتم حربه بغياً فانتم *** لنار الله أولى بالصلي

وحرمتم عليه الماء لؤما *** وإقبالا على الخلق الدني

وأوردتم جيادكم واظمأ *** تموه شربتم غير الهني

وفي صفين عاندتم أباه *** وأعرضتم عن الحق الجلي

وخادعتم إمامكم خداعاً *** أتيتم فيه بالأمر الفري

إماما كان ينصف في القضايا *** ويأخذ للضعيف من القوي

فأنكرتم حديث الشمس ردت *** له وطويتم خبر الطويِّ

ص: 224


1- الضرحي ، النسر الطويل الجناح.

فجوزيتم لبغضكم علياً *** عذاب الخلد في الدرك القصي

سأهدي للأئمة من سلامي *** وغرّ مدئحي أزكى هدي

سلاماً اتبع الوسميَّ منه *** على تلك المشاهد بالولي

واكسو عاتق الأيام منها *** حبائر كالرداء العبقري

حسانا لا اريد بهنَّ إلا *** مساءة كل باغٍ خارجي

يضوع لها اذا نشرت أريج *** كنشر لطائم المسك الذكي

كأنفاس النسيم سرى بليلا *** بهن ذوائب الورد الجني

لطيبة والبقيع وكربلاء *** وسامراء تغدو والغري

وزوراء العراق وأرض طوس *** سقاها الغيث من بلد قصي

فحيا الله من وارته تلك ال- *** -قباب البيض من حبر نقي

وأسبل صوب رحمته دراكا *** عليها بالغدوِّ وبالعشي

فذخري للمعاد ولاء قوم *** بهم عرف السعيد من الشقي

كفاني علمهم أني معاد *** عدوهم موالٍ للولي

ص: 225

ابن التعاويذي (1).

ابو الفتح محمد بن عبيد الله بن عبدالله الكاتب الشاعر المشهور.

قال الشيخ القمي في الكنى : أورده بعض علمائنا في رجال الشيعة ، ونقل عن نسمة السحر قال : انه من كبار الشيعة وذكر قصيدته في رثاء الحسين وأبياته المرسلة الى ابن المختار نقيب مشهد الكوفة التي فيها التصريح بتشيعه ، كان كاتباً بديوان المقاطعات ببغداد. توفي في بغداد سنة 584. انتهى

وكذا ذكر الشيخ الأميني في ( الغدير ) وفي أعيان الشيعة قال : هو المعروف بسبط ابن التعاويذي. ولد عشر رجب 519 وتوفي ثاني شوال عام 553 ببغداد ودفن بباب ابرز وكان قد جمع ديوانه بنفسه قبل أن يعمى بصره ومن شعره الذي رواه صاحب نسمة السحر قصيدته التي أولها : ارقت للمع برق حاجري. وفي تذكرة شرف الدين موسى : سبط ابن التعاويذي كان شاعر وقته لم يكن فيه مثله ، جمع شعره جزالة الالفاظ وعذوبتها ودقة المعاني ورقتها ، وقال جرجي زيدان في آداب اللغة ج 3 ص 24.

ابن التعاويذي هو أبو الفتح محمد بن عبدالله ويعرف ايضاً بسبط التعاويذي لأنه سبط تعاويذي آخر من أجداده اسمه المبارك نسب اليه لأنه كفله صغيراً فنشأ في حجره. وكان شاعر وقته ويعتقد ابن خلكان انه لم يكن قبله بمئتي سنة من يضاهيه. عمي في آخر عمره وله في عماه أشعار يرثي

ص: 226


1- التعاويذي نسبة الى كتبة التعاويذ وهي الحروز ، ولعل أباه كان يرقي ويكتب التعاويذ.

بها عينيه ويندب شبابه. جمع ديوانه بنفسه قبل العمى وصدره بخطبة ورتّبة على أربعة فصول وكل ما جدّ بعد ذلك سماه الزيادات. طبع هذا الديوان بمصر سنة 1904 مضبوطاً بالشكل الكامل بعناية الاستاذ مرجليوث وقد ذيّله بفهرس أبجدي مفيد وصدره باسماء الكتب التي جاء فيها شيء من شعر ابن التعاويذي. وهو كثير الشكوى في أشعاره.

ولما عمي كان باسمه راتب في الديوان ، فالتمس أن ينقل باسم أولاده فلما نقل كتب الى الامام الناصر لدين الله هذه الابيات يسأله أن يجدد له راتباً مدة حياته وهي :

خليفة الله انت بالدين *** والدنيا وأمر الاسلام مضطلع

انت لما سَنَّة الأئمة *** أعلام الهدى مقتفٍ ومتبع

قد عُدم العُدم في زمانك *** والجور معاً والخلاف والبدع

فالناس في الشرع والسياسة *** والاحسان والعدل كلهم شرع

يا ملكا يردع الحوادث *** والايام عن ظلمها فترتدع

وَمَن له أنعمٌ مكررةٌ *** لنا مصيفٌ منها ومرتبع

أرضيَ قد أجدبت وليس لمن *** أجدب يوماً سواك منتجع

ولي عيال لا درِّ درُّهُم *** قد أكلوا دهرهم وما شبعوا

لو وسموني وسم العبيد وبا *** عوني بسوق الاعراب ما قنعوا

اذا رأوني ذا ثروة جلسوا *** حولي ومالوا الَّي واجتمعوا

وطالما قطّعوا حبالي إعراضاً *** اذا لم تكن معي قطع

يمشون حولي شتى كأنهم *** عقارب كلما سعوا لسعوا

فمنهم الطفل والمراهق وال- *** -رضيع يحبو والكهل واليفع

لا قارحٌ منهم أؤمل أن *** ينالني خيره ولا جذع

لهم حلوق تفضي الى معدٍ *** تحمل في الاكل فوق ما تسع

ص: 227

من كل رحب المعاء أجوفه *** خاوي الحشا لا يمسه الشبع

لا يحسن المضع فهو يترك في *** فيه بلا كلفة ويبتلع

ولي حديث يلهو ويعجب من *** يوسع لي خلقه فيستمع

نقلت رسمي جهلاً الى ولد *** لست بهم ما حييت أنتفع

نظرت في نفعهم وما أنا *** في اجتلاب نفع الاولاد مبتدع

وقلت هذا بعدي يكون لكم *** فما أطاعوا أمري ولا سمعوا

واختلسوه مني فما تركوا *** عيني عليه ولا يدي تقع

فبئس والله ما صنعت فاضررت *** بنفسي وبئس ما صنعوا

فان أردتم أمراً يزول به الخصام *** من بيننا ويرتفع

فاستانفوا لي رسماً أعود على *** ضنك معاشي به فيتسع

وإن زعمتم أني أتيت بها *** خديعة فالكريم ينخدع

حاشا لرسم الكريم ينسخ من *** نسخ دواوينكم فينقطع

فوقعوا لي بما سألت فقد *** أطمعت نفسي واستحكم الطمع

ولا تطيلوا معي فلست ولو *** دفعتموني بالراح أندفع

وحلفوني ان لا تعود يدي *** ترفع في نقله ولا تضع

فما ألطف ما توصل به الى بلوغ مقصوده بهذه الابيات التي لو مرّت بالجماد لاستمالته وعطفته فانعم عليه أمير المؤمنين بالراتب.

وسمع منشداً ينشد قول الصابي :

والعمر مثل الكأس ير *** سب في أواخره القذا

فقال :

فمن شبَّه العمر كأساً يقرُّ *** قذاه ويرسب في أسفله

فإني رأيتُ القذا طائفاً *** على صفحة الكأس في أوله

ص: 228

وقال من قصيدة يندب فيها بصره وأولها :

أترى تعود لنا كما *** سلفت ليالي الابرقين

ومنها :

حالان مسَّتني الحوا *** دث منهما بفجيعتين

إظلام عين في ضيا *** ء مشيب رأس سر مدين

صبحٌ وإمساء معاً *** لا خلفة فاعجب لذين

قد رحتُ في الدنيا *** من السرَّاء صفر الراحتين

أسوان لا حيٌّ ولا *** ميت كهمزة بين بين

ويقول فيها :

فأناخ في آل الرسول *** مجاهراً برزيتين

بدأ برزءٍ في أبي *** حسنٍ وعوداً في الحسين

الطيبين الطاهرين *** الخيِّرين الفاضلين

المدليين إلى النبيِّ *** محمد بقرابتين

وقال يهجو حمامياً :

وجه يحيى بن بختيار إذا *** فكَّرتَ فيه من سائر الأنحاء

مثل حمَّامه المشوم سواءً *** مظلم بارد قليل الماء

وقال :

لميمون وجه يسوء العيون *** منظره الأسود الحالك

وحمّامه مظلم باردٌ *** يضلُّ بأرجائه السالك

وهب أن حمَّامه جنَّة *** أليس على بابه مالك

ص: 229

وقال ابن التعاويذي من قصيدة يعاتب فخر الدين محمد بن المختار نقيب مشهد الكوفة :

يا سميَّ النبي يابن علي *** قامع الشرك والبتول الطهور

أنت تسمو على البرَّية طراً *** بمحلَّ عالٍ وبيت كبير

وعنكم يؤخذ الوفاء ومنكم *** يجتدي الناس كل خير وخير

كيف أخلفتني؟ وما الخلف لل- *** -ميعاد من عادة الموالي الصدور

أنت يا بن المختار أكرم أن تن- *** -ظر في أمر مستفادٍ حقير

أنت أوليتنيه منك ابتداءً *** غير ما مكره ولا مجبور

وأخو الفضل من يساعد في ال- *** -شدة لا في الرخاء والميسور

أي عذر ينوب عنك؟ وماتا *** ركُ وجه الصواب بالمعذور

ومتى ما استمر خلفك للوعد *** ولم تعتذر عن التأخير

صرت من جملة النواصب لا *** آكل غير الجريِّ والجرجير

وتغسلتُ واكتحلتُ ثلاثاً *** وطبخت الحبوب في عاشور

وطويت الأحزان فيه ولم *** أبد سروراً في يوم عيد الغدير

وتبدّلتُ من مبيتي في مشه- *** -د موسى (1) بجامع المنصور

وتطهرت من إناء يهو *** دي وفضلته على الخنزير

ورآني أهل التشيع في ال- *** -كرخ بتاسومة وذيل قصير

ص: 230


1- يقصد به مشهد الامام موسى بن جعفر علیه السلام بالكاظمية وهو مزار فخم تقصده الشيعة.

زايراً قبر مصعب بعد ما كن- *** -ت أوالي دفين قبر النذور

وتخيرت ان يكون الزبيدي (1) *** رفيقي في العرض يوم النشور

وتراني في الحشر فاطمة الطهر *** وكفي في كفه المبتور

وتكون المسئول عن مؤمن أل- *** -قيته أنت في سواء السّعير

أقول قبر النذور هو قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب كان عليه مشهد فخم البناء تتوارد عليه الزوار من وقت لآخر حتى سنة 646 ه- التي غرقت بغداد فيها وغرقت محلة الرصافة وتهدم اكثر دورها وسورها وغشى قبور الخلفاء وهدم مشهد عبيدالله. وحسب ما يقوله المؤرخون يقع مشهد عبيد الله في منطقة ( باب المعظم ) وقريب من جامع الرصافة. وفي سنة 650 ه- أمرت أم الخليفة الناصر بتجديد رباط الاصحاب المجاور لمشهد عبيد الله وربما نسب هذا الرباط الى المشهد وأجريت بعض الاصلاحات عليه. اما اليوم فليس له أثر ، حاولت الوصول اليه ومعي بعض ذوي العلم من رجال البحث فقطعنا شوطاً في السير في الجانب الشرقي وعلى بعد منتصف ميل من ثكنة الخيالة خارج باب المعظم انتهى. اقول وقبل ايام قليلة صحبت اخاً من اخواني المعنيين بالبحث والتنقيب ببغداد ومضينا الى شارع الكفاح فوجدنا قبراً كتب عليه ( قبر النذور ) بصخرة على الباب بحروف بارزة قديمة ويقع مقابل جامع ( الفضل ) والفضل هذا على ما أعلم هو محمد بن اسماعيل بن الامام جعفر الصادق علیه السلام .

قال الخطيب البغدادي في تاريخه ج 1 ص 123 باب البردان فيها أيضاً جماعة من أهل الفضل عند المصلى المرسوم بصلاة العيد قبر كان يعرف بقبر النذور ويقال ان المدفون فيه رجل من ولد علي بن ابي طالب رضی الله عنه

ص: 231


1- الزبيدي هو اللعين عبدالرحمن بن ملجم المرادي قاتل الامام أمير المؤمنين علي علیه السلام .

يتبرك الناس بزيارته ، ويقصده ذوو الحاجة منهم لقضاء حاجته حدثني لقاضي ابو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال حدثني ابي قال كنت جالساً بحضرة عضد الدولة ونحن مجتمعون بالقرب من مصلى الاعياد في الجانب الشرقي من مدينة السلام نريد الخروج معه الى همدان في اول يوم نزل المعسكر فوقع طرفه على البناء الذي على قبر النذور فقال لي ما هذا البناء. فقلت هذا مشهد النذور ، ولم أقل : قبره لعلمي بطيرته من دون هذا ، واستحسن اللفظة وقال : قد علمت انه قبر النذور وإنما أردت شرح أمره فقلت : هذا يقال انه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب. ويقال انه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب. وان بعض الخلفاء أراد قتله خفياً فجعلت له هناك ربيّة وسُيّر عليها وهو لا يعلم فوقع فيها وهيل عليه التراب حياً وانما شهر بقبر النذور لانه ما يكاد ينذر له نذر الا صحّ وبلغ الناذر ما يريد ، ولزمه الوفاء بالنذر وانا أحد من نذر له مراراً لا أحصيها كثرة ما يريد ، ولزمه الوفاء بالنذر وانا أحد من نذر له مراراً لا أحصيها كثرة نذوراً على أمور متعذرة فبلغتها ولزمني النذر فوفيت به ، فلم يتقبل هذا القول وتكلم بما دل على أن هذا إنما يقع منه اليسير اتفاقاً فيتسوق العوام باضعافه ويسيّرون الاحاديث فيه فأمسكت فلما كان بعد أيام يسيرة ونحن معسكرون في موضعنا استدعاني في غدوة يوم وقال : اركب معي الى مشهد النذور فركبت وركب في نفر من حاشيته الى أن جئت به الى الموضع فدخله وزار القبر وصلى عنده ركعتين سجد بعدهما سجدة أطال فيها المناجات بما لم يسمعه أحد ثم ركبنا معه الى خيمته وأقمنا أياماً ثم رحل ورحلنا معه يريد همدان فبلغناها وأقمنا فيها معه شهوراً فلما كان بعد ذلك استدعاني وقال لي : الست تذكر ما حدثني به في أمر مشهد النذور ببغداد ، فقلت : بلى. قال إني خاطبتك في معناه بدون ما كان في نفسي اعتماداً لاحسان عشرتك ، والذي كان في نفسي في الحقيقة أن جميع ما يقال فيه كذب ، فلما كان بعد ذلك بمديدة طرقني أمر خشيت أن يقع ويتم وأعملت فكري في الاحتيال لزواله ولو بجميع ما في بيوت أموالي وسائر عساكري

ص: 232

فلم أجد لذلك فيه مذهباً فذكرت ما أخبرتني به في النذور لمقبرة النذور فقلت : لم لا أجرب ذلك فنذرت إن كفاني الله تعالى ذلك الامر أن أحمل لصندوق هذا المشهد عشرة آلاف درهم صحاحاً ، فلما كان اليوم جائتني الاخبار بكفايتي ذلك الامر ، فتقدمت الى أبي القاسم عبدالعزيز بن يوسف - يعني كاتبه - أن يكتب الى أبي الريان - وكان خليفته في بغداد يحملها الى المشهد ، ثم التفت الى عبدالعزيز - وكان حاضراً - فقال له عبدالعزيز : قد كتبت بذلك ونفذ الكتاب.

أقول وكتب عبد الحميد عبادة في مجلة المرشد البغدادية السنة 3 ص 399 عن آثار بغداد وجاء على ذكر مدرسة العصمتية ورباط الاصحاب ومشهد عبيد الله بن محمد. وانه قريب من جامع الرصافة قرب ثكنة الخيالة خلفها بقليل او عن يمينها او شمالها والمشهورة الآن ب- ( القرانتينة ) في باب المعظم.

بقي هذا القبر زمناً طويلاً وعليه مشهد ضخم البناء تتوارد عليه الزوار من وقت لآخر حتى سنة 646 ه- وفيها غرقت بغداد وغرقت محلة الرصافة وتهدم اكثر دورها وسورها وغشى قبور الخلفاء وهدم مشهد عبيد الله ورباط الأصحاب المجاور له.

وفي كتاب ( مساجد الاعظمية ) للشيخ هاشم الاعظمي من العلماء المعاصرين ان قبر النذور اصبح اليوم يسمى بأبي رابعة ، ويقع في الاعظمية في محلة ( النصة ) حيث دفنت عنده رابعة بنت ولي العهد أبي العباس أحمد بن المعتصم بالله ، والتي تزوجها شرف الدين هارون بن شمس الدين محمد الجويني. وكان وفاة رابعة سنة 685 ه- في جمادى الآخر.

وقد جدد بناؤه قبل مائة وخمسين سنة تقريباً وهو لا يزال قائماً وله سادن.

ص: 233

وقال ابن التعاويذي يمدح الناصر لدين الله عند جلوسه في الخلافة في اواخر سنة 575 :

طاف يسعى بها على الجلاس *** كقضيب الاراكة المياس

بدرتم غازلت من لحظه ليلة *** نادمته غزال كناس

ذللته لي المدام فأضحى *** ليَّن العطف بعد طول شماس

بات يجلو علي روضة حسن *** بتُّ فيها ما بين ورد وآس

أمزج الكاس من جناه وكم ليلة *** صّدٍ مزجتُ بالدمع كاسي

من تناسى عهد الشباب فاني *** لحميدٍ من عهده غيرُ ناس

ورآى الغانيات شيبي فأعرضن *** وقلت الشباب خير لباس

كيف لا يفضل السواد وقد أضحى *** شعاراً على بني العباس

ولقد زينت الخلافة منهم *** بإمام الهدى أبي العباس

ملك جلَّ قدسه عن مثال *** وتعالت آلاؤه عن قياس

جمع الامن في إيالته ما *** بين ذئب الفضا وظبي الكناس

وعنا خاضعاً لعزته كل *** أبيِّ القياد صعب المراس

بثَّ في الارض رأفةً بدّلت *** وحشة ساري الظلام بالايناس

بيد الناصر الامام استجابت *** بعد مطل منها وطول مكاس

ردّ تدبيرها اليها فأحضى *** ملكها وهو ثابت في الاساس

يا لها بيعةً أجدّت من الاسلام *** بالي رسومه الادراس

وإلى الله أمرها فله المنةُ *** فيها عليه لا للناس

جمعتنا على خليفة حقٍ *** نبويّ الاعراق والأغراس

فابق للدين ناصراً وارم بالإر *** غام جَدَّ الاعداء والاتعاس

واستمعها عذراء شرط التهاني *** واقتراح الندمان والجلاس

حملت من أريج مدحك نشراً *** هي منه مسكيّة الأنفاس

ص: 234

ترجمة الناصر لدين الله

قال الشيخ القمي في الكنى والألقاب ابو العباس احمد بن المستضيء ، ولد 10 رجب سنة 553 بويع له عند وفاة أبيه سنة 575 وهو ابن 23 سنة ومدة خلافته 46 سنة و 10 اشهر و 28 يوماً ولم يل الخلافة من أهل بيته أطول مدة منه ، وكان في آبائه أربعة عشر خليفة ، ونقش خاتمه رجائي من الله عفوه وكان يتشيع ويميل الى مذهب الإمامية قال ابن الطقطقي : كان الناصر من أفاضل الخلفاء وأعيانهم بصيراً بالأمور مجرّباً سائساً مهيباً مقداماً عارفاً شجاعاً وكا يرى رأى الإمامية طالت مدته وصفا له الملك وأحب مباشرة أحوال الرعية بنفسه حتى كان يتمشى في الليل في دروب بغداد ليعرف أخبار الرعية وما يدور بينهم ، وصنّف كتباً وسمع الحديث النبوي صلوات الله على صاحبه وأسمعه ولبس لباس الفتوة وألبسه وكان بارعة زمانه ورجل عصره في أيامه انقرضت دوله آل سلجوق بالكلية ، وللناصر من المبار والوقوف ما يفوت الحصر وبنى من دور الضيافات والمساجد والربط ما يتجاوز حدّ الكثرة انتهى ملخصاً. وفي أعيان الشيعة ما ملخصه وكان الناصر عالماً مؤلفاً شجاعاً شاعراً راوياً للحديث ويعد في المحدثين قال الذهبي أجاز الناصر لجماعة من الاعيان فحدثوا عنه منهم ابن سكينة وابن الأخضر وابن النجار وابن الدامغاني وآخرون ( انتهى ). وله كتاب في فضائل امير المؤمنين (عليه السلام) رواه السيد ابن طاوس في كتابه اليقين عن السيد فخار بن معد الموسوي عن الناصر ، حكي انه ذهبت احدى عيني الناصر في آخر عمره وبقي يبصر بالأخرى أبصاراً ضعيفاً ولا يشعر بذلك أحد وكان له جارية قد علمها الخط بنفسه فكانت تكتب مثل خطه فتكتب على التواقيع ، وعن تاريخ مختصر الخلفاء لابن الساعي قال لم يل الخلافة أحد أطول خلافة من الناصر فأقام فيها 47 سنة ولم يزل في عزٍّ وجلالة وقمع للأعداء واستظهار على الملوك والسلاطين في أقطار الأرض مدة حياته فما خرج عليه خارجي إلا قمعه ولا

ص: 235

مخالف إلا دفعه ولا آوى اليه مظلوم مشتت الشمل إلا جمعه وكان إذا أطعم أشبع وإذا ضرب أوجع ، وقد ملأ القلوب هيبة وخيفة فكان يرهبه أهل الهند ومصر كما يرهبه أهل بغداد ، وكان الملوك والأكابر بمصر والشام اذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالاً وملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من الخلفاء والملوك ، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين وكان أسد بني العباس تصدع لهيبته الجبال - إلى أن قال - وكان يتشيع وجعل مشهد الامام موسى الكاظم (عليه السلام) أمنا لمن لاذبه فكان الناس يلتجئون إليه في حاجاتهم ومهماتهم وجرائمهم فيقضي الناصر لهم حوائجهم ويعفو عن جرائمهم انتهى ، ومما ينسب اليه قوله :

قسماً بمكة والحطيم وزمزم *** والراقصات ومشيهنَّ إلى منى

بغض الوصي علامة مكتوبة *** تبدو على جبهات أولاد الزنا

من لم يُوال في البرية حيدراً *** سيّان عند الله صلَّى أم زنى

وحكي أن عبيد الله نقيب الطالبيين بالموصل كتب الى الناصر بلغنا انك عدلت عن مذهب التشيع الى التسنن فإن كان ذلك صحيحاً فمروا بإعلامي عن السبب فأجابه الناصر بهذه الأبيات :

يميناً بقوم أوضحوا منهج الهدى *** وصاموا وصلَّوا والانام نيام

أصاب بهم عيسى ونوح بهم نجا *** وناجى بهم موسى وأعقب سام

لقد كذب الواشون فيما تخرّصوا *** وحاشا الضحى أن يعتريه ظلام

والناصر هو الذي كتب اليه الملك الأفضل علي بن صلاح الدين يوسف أبي أيوب وكان أبوه أوصى اليه بالسلطنة وجعله وليّ عهده وهو أكبر ولده وأخذ له البيعة على أخيه نجم الدين أبي بكر بن أيوب وعلى ابنه عثمان بن صلاح الدين

ص: 236

ولما مات صلاح الدين وثبا عليه واغتصبا منه الملك فكتب الى الامام الناصر بهذه الأبيات وهي مشهورة رواها عامة المؤرخين مع جوابها.

مولاي إن أبا بكر وصاحبه *** عثمان قد غصبا بالسيف حقَّ علي

وهو الذي كان قد ولّاه والده *** عليهما فاستقام الأمر حين ولي

فخالفاه وحلّا عقد بيعته *** والأمر بينهما والنصُّ فيه جلي

فانظر الى حظّ هذا الاسم كيف لقي *** من الأواخر ما لاقى من الاول

فأجابه الناصر يقول :

وافى كتابك يا ابن يوسف ناطقاً *** بالصدق يخبر أن أصلك طاهر

غصبوا علياً حقه إذ لم يكن *** بعد النبي له بيثرب ناصر

فاصبر فإن غداً عليه حسابهم *** وابشر فناصرك الإمام الناصر

وفي أعيان الشيعة أيضاً : والإمام الناصر هو الذي بنى سرداب الغيبة في سامراء وجعل فيه شباكاً من الآبنوس الفاخر أو الساج كتب على دائره اسمه وتاريخ عمله وهو باق لهذا الوقت وكأنما فرغ منه الصناع الآن وهذا صورة ما كتب عليه « بسم الله الرحمن الرحيم قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حُسنا إن الله غفور شكور » هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض طاعته على جميع الانام ( أبو العباس ) أحمد الناصر لدين الله ) الخ ونقش في خشب الساج داخل الصفة في ظهر الحائط ما صورته ( بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله ، أمير المؤمنين علي ولي الله ، فاطمة ، الحسن بن علي ، الحسن بن علي ، علي بن الحسين ، محمد بن علي ، جعفر بن محمد ، موسى بن جعفر ، علي بن موسى ، محمد بن علي ، علي بن محمد ، الحسن بن علي ، القائم بالحق : هذا عمل علي ابن محمد ولي آل محمد رحمه الله ، انتهى. وهذا السرداب هو سرداب الدار

ص: 237

التي سكنها ثلاثة من أئمة أهل البيت الطاهر وهم : الامام علي بن محمد الهادي ، وولده الامام الحسن بن علي العسكري ، وولده الامام المهدي (عليه السلام) كما سكنوا أيضاً في ذلك السرداب وتشرف بسكناهم فيه وجرت لهم في الكرامات والمعجزات وغاب المهدي (عليه السلام) بعد ما سكنه ولذلك تتبرك الشيعة وغيرها به وتصلي لربها فيه وتدعوه وتطلب منه حوائجها طلباً لبركته بسكنى آل رسول الله صلی الله علیه و آله فيه وتشريفهم له وليس في الشيعة من يعتقد أن المهدي موجود في السرداب أو غائب فيه كما يرميهم به من يريد التشنيع وينسب اليهم في ذلك أموراً لا حقيقة لها مثل انهم يجتمعون كل جمعة على باب السرداب بالسيوف والخيول وينادون : أخرج الينا يا مولانا .. فإن هذا كذب وافتراء حتى أن بعض من ذكر ذلك قال أنه بالحلة مع أن السرداب في سامراء لا في الحلة.

وبالجملة فليس للسرداب مزية عند الشيعة إلا تشرفه بسكنى ثلاثة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فيه وهذا الامر لا يختص بالشيعة في تبرّكهم بالامكنة الشريفة فليتق الله المرجفون انتهى.

توفي الناصر أول شوال سنة 622

ص: 238

ابن المعلم الواسطي

هذي المنازل يا بثينة بلقع *** قفرى تنازعها الرياح الأربع

طمست معالمها وبان انيسها *** واحتل عرصتها الغراب الأبقع

لم يبق الا خط ناي دارس *** فيها وأشعث مائل يتضعضع (1)

وثلاثة (2) لم تضمحل كانها *** برسوم عرصتها حمام وُقّع

في رسم دار يستهل بجوها *** جونٌ هتون مرجحنٌ يهمع

واذا تضاحك في الدجى إيماضه *** فعيونه في كل قطر تدمع

عهدي بها : يا بين وهي أنيقة *** للخرد البيض العذارى مربع

وعلى غصون الدوح في جنباتها *** ورق الحمائم خاطبات تسجع

وتقول عاذلتي حملت مآثما *** صمّ الجبال لهوها تتضعضع

دع ذكر رسم دارس بجديده *** كف البلا بعد البشاشة تولع

واذخر لنفسك عدة تنجو بها *** من هول يوم فيه نار تلذع

فاجبتها كفي فلست إذا أتى *** يوم المعاد أخاف منه وأجزع

قالت فمن ينجيك من أهواله *** وعذابه ، قلت البطين الأنزع

صنو النبي أبو الأئمة والذي *** لوليه يوم القيامة يشفع

قوم بهم غفرت خطيئة آدم *** وهم الوسيلة والنجوم الطلع

أما أمير المؤمنين فذكره *** في محكم التنزيل ذكر أرفع

ص: 239


1- 1 - الوتد الذي يتحرك
2- 2 - هي الاثافي

سل عنه مريم في الكتاب وهل أتى *** إن كنت بالذكر المنزَّل تقنع

من قال فيه محمد أقضاكم *** بعدي وأعلمكم علي الأروع

حفظوا عهود الغدر فيما بينهم *** وعهود أحمد يوم خُمٍ ضيّعوا

قتلوا بعرصة كربلا أولاده *** ولهم بغفران المهيمن مطمع

منعوا ورود الماء آل محمد *** وغدت ذئاب البر منه تكرع

آل الضلال بنو أمية شرّع *** فيه وسبط الطهر أحمد يمنع

لو لا رجال بعد فقد محمد *** مرقوا وفي يوم النعيلة بويعوا

ما جردت بالطف أسياف ولا *** كانت رماح بني أمية شرّعُ

لهفي له والخيل تعلو صدره *** والراس منه على الاسنة يرفع

يا زائر المقتول بغياً قف على *** جدث يقابله هنالك مصرع

وقل السلام عليك يا مولى به *** يرجو الشفاعة عبدك المتشيع

يا يوم عاشوراء أنت تركتني *** حلف الهموم بمقلة لا تهجع

عن ديوان ابن المعلم الواسطي بخط وجمع الشيخ محمد هادي الاميني رأيته عنده بخطه وقد ألفه من ثلاث نسخ مخطوطة للديوان ، الاولى نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق الشام برقم 6711 الثانية نسخة مكتبة معهد الدراسات الاسلامية ، الثالثة مخطوطة مكتبة الامام الحكيم العامة - قسم المخطوطات برقم 893 بخط جامع الديوان المرحوم الشيخ محمد الشيخ طاهر السماوي كتبها سنة اربع وثلاثين وثلثمائة بعد الالف من الهجرة ويحتوي الديوان على 101 من الصفحات.

وهذه القصيدة ذكرها السيد الامين في اعيان الشيعة ج 7 ص 243 وقال : وجدنا هذه القصيدة في مجموعة نفسية ولم يذكر اسم ناظمها لكنه صرح في آخرها انه واسطي. وظنها السيد انها لأبي نصر بن طوطي الواسطي.

ص: 240

أبوالغنائم نجم الدين محمد بن علي بن فارس الواسطي الشاعر المشهور ، أحد من سار شعره وانتشر ذكره ، وبينه وبين ابن التعاويذي تنافس ، حكي عنه قال : كنت ببغداد فاجتزت يوماً بموضع رأيت الخلق مزدحمين ، فسألت بعضهم عن سبب الزحام فقال هذا ابن الجوزي الواعظ جالس ، فزاحمت وتقدمت حتى شاهدته وسمعت كلامه وهو يعظ حتى قال مستشهداً على بعض إشاراته : ولقد أحسن ابن المعلم حيث يقول :

يزداد في مسمعي تكرار ذكركم *** طيباً ويحسن في عيني تكرره

فعجبت من اتفاق حضوري واستشهاده بشعري ولم يعلم بحضوري لا هو ولا غيره من الحاضرين. توفي بالهرث سنة 592. والهرث - بضم الهاء وسكون الراء - قرية بينها وبين واسط نحو عشرة فراسخ وكانت وطنه ومسكنه الى ان توفي بها. انتهى عن الكنى للشيخ القمي.

وقال ابن خلكان ج 2 ص 29 :

أبو الغنائم محمد بن علي بن فارس بن علي بن عبدالله بن الحسين بن القاسم المعروف بابن المعلم والواسطي الهرثي الملقب نجم الدين الشاعر المشهور ، وكان شاعراً رقيق الشعر لطيف حاشية الطبع يكاد شعره يذوب من رقته ، وهو أحد من سار شعره ، واشتهر ذكر ونبه بالشعر قدره ، وحسن به حاله وأمره ، وطال في نظم القريض عمره ، وساعده على قوله زمانه ودهره ، وأكثر القول في الغزل والمدح وفنون المقاصد ، وكان سهل الألفاظ صحيح المعاني يغلب على شعره وصف الشوق والحب وذكر الصبابة والغرام ، فعلق بالقلوب

ص: 241

ولطف مكانه عند اكثر الناس ومالوا اليه وحفظوه وتداولوه بينهم واستشهد به الوعاظ واستحلاه السامعون. سمعت من جماعة من مشايخ البطائح يقولون ما سبب لطافة شعر ابن المعلم إلا أنه كان اذا نظم قصيدة حفظها الفقراء المنتسبون الى الشيخ أحمد بن الرفاعي وغنوا بها في سماعهم وطابوا عليها فعادت عليه بركة أنفاسهم ورأيتهم يعتقدون ذلك اعتقاداً لا شك عندهم فيه. وبالجملة فشعره يشبه النوح ولا يسمعه من عنده أدنى هوى إلا افتتن وهاج غرامه ، وكان بين ابن المعلم المذكور وبين ابن التعاويذي المذكور قبله تنافس ، وهجاه ابن التعاويذي بأبيات جيمية لا حاجة الى ذكرها ، ولابن المعلم قصيدة طويلة أولها :

ردّوا عليَّ شوارد الاظعان *** ما الدار إن لم تغن من أوطاني

ولكم بذاك الجذع من متمنع *** هزأت معاطفه بغصن البان

أبدى تلوَّنه باول موعد *** فمن الوفي لنا بوعد ثاني

فمتى اللقاء ودونه من قومه *** أبناء معركة وأسد طعان

نقلوا الرماح وما أظن أكفهم *** خلقت لغير ذوابل المرّان

وتقلدوا بيض السيوف فما ترى *** في الحي غير مهند وسنان

ولئن صددت فمن مراقبة العدا *** ما الصد عن ملل ولا سلوان

يا ساكني نعمان أين زماننا *** بطويلع ، يا ساكني نعمان

وله من أخرى :

أجيراننا إن الدموع التي جرت *** رخاصا على أيدي النوى لغوالى

اقيموا على الوادي ولو عمر ساعة *** كلوث أزار أو كحل عقّال

فكم ثمَّ لي من وقفة لو شريتها *** بنفسي لم أغبن فكيف بمالي

ص: 242

وله من أخرى :

قسما بما ضمت عليه شفاههم *** من قرقف في لؤلؤ مكنون

ان شارف الحادي العذيب لأقضين *** نحبي ومن لى أن تبرّ يميني

لو لم يكن آثار ليلى والهوى *** بتلاعه ما رحت كالمجنون

قال : وكان سبب عمل هذه القصيدة ان ابن المعلم المذكور والابله وابن التعاويذي المذكورين قبله لما وقفوا على قصيدة صر در المقدم ذكره في حرف العين التي اولها :

اكذا يجازى ودُّ كل قرين *** أم هذه شيم الظباء العين

وهي من نخب القصائد أعجبتهم فعمل ابن المعلم من وزنها هذه القصيدة وعمل ابن التعاويذي من وزنها قصيدة أبدع منها وأرسلها الى السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى وهو بالشام يمدحه بها وأولها :

ان كان دينك في الصبابة ديني *** فقف المطيَّ برملتي يبرين

وعمل الابله قصيدة اخرى ، وأحسن الكل قصيدة ابن التعاويذي. وفي وقعة الجمل على البصرة قبل مباشرة الحرب ارسل علي بن ابي طالب رضی الله عنه ابن عمه عبدالله بن العباس رضى الله عنهما الى طلحة والزبير برسالة يكفهما عن الشروع في القتال ، ثم قال له : لا تلقين طلحة فانك إن تلقه تجده كالثور عاقصا أنفه يركب الصعب ويقول هو الذلول ولكن القى الزبير فانه ألين عريكة منه وقل له يقول لك ابن خالك : عرفتني بالحجاز وانكرتني بالعراق فما عدا مما بدأ. وعلي رضی الله عنه أول من نطق بهذه الكلمة فأخذ ابن المعلم المذكور هذا الكلام وقال :

منحوه بالجذع السلام وأعرضوا *** بالغور عنه فما عدا مما بدا

ص: 243

وهذا البيت من جملة قصيدة طويلة ورسالة نقلها في كتاب نهج البلاغة ولابن المعلم في أثناء قصيدة أيضاً.

يوهي قوى جلدي من لا ابوح به *** ويستبيح دمي من لا اسميّه

قسما فما في لساني ما يعاتبه *** ضعفا بلى في فؤادي ما يقاسيه

ولا حاجة الى الاطالة بذكر فرائده مع شهرة ديوانه وكثرة وجوده بايدي الناس ، وكانت ولادته في ليلة سابع عشر جمادي الاخرة سنة احدى وخمسمائة وتوفي رابع رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة بالهرث رحمه الله تعالى والهرث بضم الهاء وسكون الراء بعدها ثاء مثلثة وهي قرية من أعمال نهر جعفر بينهما وبين واسط نحو عشرة فراسخ وكانت وطنه ومسكنه الى ان توفي بها رحمه الله .

ص: 244

أحمد بن عيسى الهاشمي

اشارة

قال أحمد بن عيسى الهاشمي - والد الواثق - يعتذر من الكحل في يوم عاشوراء.

لم أكتحل في صباح يوم *** أريق فيه دمُ الحسين

إلا لحزني وذاك أني *** سوّدت حى بياض عيني

ص: 245

عن كتاب :

تراجم رجال القرنين السادس والسابع والمعروف بالذيل على الروضتين للحافظ المؤرّخ شهاب الدين أبي محمد عبد الرحمن بن اسماعيل المعروف بأبي شامة المقدسي الدمشقي. المطبوع بالقاهرة - ص 11.

قال : وفي سنة 593 ه- توفي أحمد بن عيسى الهاشمي والد الواثق بالله ويعرف بابن الغريق من أهل الحريم الظاهري ، وكان شاعراً فاضلاً فمن شعره ما اعتذر به عن الاكتحال يوم عاشوراء.

لم أكتحل في صباح يوم *** أُريق فيه دم الحسين

إلا لحزني وذاك أني *** سوّدت حتى بياض عيني

وكانت وفاته في ذي القعدة عن ثمانين سنة ودفن بباب حرب.

قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ، وأنشدنا ابو عبدالله النحوي بمصر قال : كحّل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء فعوتب على ذلك فقال :

وقائل لم كحلَّتَ عينا *** يوم استباحوا دم الحسين

فقلت كفّوا أحقُّ شيء *** تلبس فيه السواد عيني

ولقد نظم الشعراء بهذا المعنى كثيراً من بكاء السماء والأرض والأحجار

ص: 246

والأشجار على شهيد كربلاء علیه السلام ، ومما تقدم تستشعر أن العناية بيوم مقتل الحسين والحزن يوم عاشوراء كان ولم يزل منذ أكثر من ألف عام بل من يوم مقتل الحسين وحتى يومنا هذا ، هكذا حدثنا أبو الفداء في تاريخه والمقريزي في خططه قال :

وفي يوم عاشوراء من سنة ست وتسعين وثلثمائة جرى الامر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الاسواق وخروج المنشدين الى جامع القاهرة ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد ثم جمع بعد هذا اليوم قاضي القضاة عبد العزيز بن النعمان سائر المنشدين الذين يتكسَّبون بالنوح والنشيد ، وقال لهم لا تلزموا الناس أخذ شيء منهم اذا وقفتم على حوانيتهم ولا تتكسبوا بالنوح والنشيد ومن أراد ذلك فعليه بالصحراء.

وقال المقريزي في الخطط : كانوا - يعني الفاطميين - ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر ، الابل والغنم والبقر ويكثرون النوح والبكاء ويسبّون من قتل الحسين ولم يزالوا على ذلك حتى آخر دولتهم وحتى زالت.

عاشوراء في دولة بني بويه

وفي تاريخ المؤيد أبي الفداء في حوادث سنة 352 في عاشر المحرم أمر معز الدولة الناس أن يغلقو دكاكينهم وأن يظهروا النياحة وأن يخرج النساء منشرات الشعور مسوَّدات الوجوه قد شققن ثيابهن ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي ففعل الناس ذلك ولم يقدر السنّية على منع ذلك لكثرة الشيعة والسلطان معهم.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية كان في عصر آل بويه في حدود الاربعمائة وما حولها تضرب الدرادل ببغداد ونحوها من البلاد ، في يوم

ص: 247

عاشوراء ويذرى الرماد والتبن في الطرقات وتعلق المسوح على الدكاكين ويظهر الناس البكاء والحزن ، وكثير منهم من لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين علیه السلام حيث قتل عطشانا ، حتى قال السوسي محمد بن عبد العزيز (1).

أأذوقُ طعم الماء وابنُ محمد *** لم يرو حتى للمنون أذيقا

لا عذر للشيعيِّ يرقى دمعه *** ودم الحسين بكربلاء أريقا

ويقول السيد حيدر الحلي (2) من قصيدة طويلة :

أللهاشميِّ الماء يحلو ودونه *** ثوت آله حرىَّ القلوب على الثرى

وتهدأ عين الطالبي وحوله *** جفون بني مروان ريَّا من الكرى

اقول ويذكر المؤرخان الشهيران ياقوت الحموي في معجمه وابن خلكان في وفياته قضية الناشي الاصغر علي الشاعر المشهور.

ص: 248


1- هو من شعراء القرن الرابع وقد تقدمت ترجمته.
2- من شعراء القرن الرابع عشر ، وتأتي ترجمته بعون الله.

صفوان بن ادريس المرسي

أمرنة سجعت بعود أراكِ *** قولي مولّهة علام بكاك

أجفاكِ إلفك أم بليت بفرقة *** أم لاح برق بالحمى فشجاك

لو كان حقاً ما ادَّعيت من الجوى *** يوماً لما طرق الجفون كراك

أو كان روّعك الفراق اذاً لما *** صنّت بماء جفونها عيناك

ولما ألفت الروض يأرج عرفه *** وجعلت بين فروعه مغناك

ولما اتخذت من الغصون منصة *** ولما بدت مخضوبة كفاك

ولما ارتديت الريش برداً معلماً *** ونظمت من قزح سلوك طلاك

لو كنت مثلي ما أنفت من البكا *** لا تحسبي شكواي من شكواك

إيه حمامة خبريني ، إنني *** أبكي الحسين ، وأنت ما أبكاك

أبكي قتيل الطف فرع نبينا *** أكرم بفرغ للنبوّة زاكي

ويل لقوم غادروه مضرّجاً *** بدمائه نضواً صريع شكاك

متعفّراً قد مزَّقت أشلاءه *** فرياً بكل مهنَّد فتاك

أيزيد لو راعيت حرمة جده *** لم تقتنص ليث العرين الشاكي

إذ كنت تصغي إذ نقرت بثغره *** قرعت صماخك أنّه المسواك

أتروم ويك شفاعة من جَّده *** هيهات ، لا ومدّبر الأفلاك

ولسوف تنبذ في جهنم خالداً *** ما الله شاء ولات حين فكاك

ص: 249

وقوله معارضاً قول الحريري ( خلِّ ادكار الاربع )

أومض ببرق الاضلع *** واسكب غمام الادمع

واحزن طويلا واجزع *** فهو مكان الجزع

وانثر دماء المقلتين *** تألمأ على الحسين

وابك بدمع دون عين *** إن قلَّ فيض الادمع

قضى لهيفا فقضى *** من بعده فصل القضا

ريحانة الهادي الرضا *** وابن الوصي الانزع

ص: 250

أبو بحر صفوان بن ادريس بن عبدالرحمن بن عيسى بن ادريس التجيبي المرسي.

ولد سنة 560 وتوفي سنة 598

كان كاتباً بليغاً وشاعراً بارعاً من أعيان أهل المغرب كما في الطليعة.

قال لسان الدين بن الخطيب انفرد برثاء الحسين وقال ابن الأبار له قصائد جليلة خصوصاً في الحسين. رحل الى مراكش فقصد دار الخلافة مادحاً فما تيسر له شيء فقال : لو مدحت آل البيت لبلغت أملي فمدح ، وبينما هو عازم على الرجوع طلبه فقضى الخليفة مأربه فعكف على مدح آل البيت علیهم السلام ورثائهم.

ومن شعره :

قلنا وقد شام الحسام مخوّفاً *** رشاً بعادية الضراغم عابث

هل سيفه من طرفه أم طرفه *** من سيفه أم ذاك طرف ثالث

وقوله :

يا قمراً مطلعه أضلعي *** له سواد القلب فيها غسق

وربما استوقد نار الهوى *** فناب فيها لونها عن شفق

عندي من حبك ما لو سرت *** في البحر منه شعلة لاحترق

ص: 251

وفي فوات الوفيات ج 1 ص 392.

صفوان بن ادريس ، ابو بحر ، الكاتب البليغ :

كان من جلَّه الادباء ، وأعيان الرؤساء ، فصيحاً جليل القدر ، له رسائل بليغة ، وكان من الفضل والدين بمكان ، توفي وله سبع وثلاثون سنة.

ومن شعره :

يا حسنه والحسن بعض صفاته *** والسحر مقصور على حركاته

بدر لو أن البدر قيل له اقترح *** أملاً لقال أكون من هالاته

والخال ينقط في صحيفة خدّه *** ما خط حبر الصدغ من نوناته

وإذا هلال الافق قابل وجهه *** أبصرته كالشكل في مرآته

عبثت بقلب محبّه لحظاته *** يارب لا تعبث على لحظاته

ركب المآثم في انتهاب نفوسنا *** فالله يجعلهنَّ من حسناته

ما زلت أخطب للزمان وصاله *** حتى دنا والبعد من عاداته

فغفرت ذنب الدهر منه بليلة *** غطت على ما كان من زلاته

غفل الرقيب فنلت منه نظرة *** يا ليته لو دام في غفلاته

ضاجعته والليل يذكى تحته *** نارين من نفسي ومن جناته

بتنا نشعشع والعفاف نديمنا *** خمرين : من غزلي ومن كلماته

حتى إذا ولع الكرى يجفونه *** وامتدّ في عُضديّ طوع سناته

أوثقته في ساعدى لأنه *** ظبي خشيت عليه من فلتاته

فضممته ضمَّ البخيل لماله *** يحنو عليه من جميع جهاته

عزم الغرام عليَّ في تقبيله *** فنقضت أيدي الطوع من عزماته

وأبى عفافي أن أقبل ثغره *** والقلب مطوّيٌ على جمراته

فاعجب لملتهب الجوانح غلة *** يشكو الظما والماء في لهواته

ص: 252

وقال رحمه الله من قصيدة :

حكمتم زمناً لولا اعتدالكم *** في حكمكم لم يكن للحكم يعتدل

فإنما أنتم في أنفه شمم *** وإنما أنتم في طرفه كحل

يرى اعتناق العوالي في الوغى غزلا *** لانّ خرصانها من فوقها مقل

وقال أيضاً رحمه الله تعالى :

أحمى الهوى خدَّه وأوقد *** فهو على أن يموتُ أوقد

وقال عنه العذول سالٍ *** قلده الله ما تقلَّد

وباللوى شادن عليه *** جيد غزال ووجه فرقد

علله ريقه بخمر *** حتى انثنى طرفه وعربد

لا تعجبوا لانهزام صبري *** فجيش أجفانه مؤيد

أناله كالذي تمنىَّ *** عبد ، نعم عبده وأزيد

له عليَّ امتثال أمر *** ولي عليه الجفاء والصدَّ

إن سلمت عينه لقتلي *** صلَّى فؤادي على محمد

وعارضها شيخ الشيوخ شرف الدين عبدالعزيز الأنصاري بقصيدة بديعة ، وهي :

ويلاه من غمضي المشرَّد *** فيك ومن دمعى المردّد

يا كامل الحسن ليس يطفي *** ناري سوى ريقك المبرَّد

يا بدر تمٍّ ، إذا تجلى *** لم يبق عذرا لمن تجلد

أبديت من حالي المورَّى *** لما بدا خدك المورد

رفقا بولهان مستهام *** أقامه وجده وأقعد

ص: 253

مجتهداً في رضاك عنه *** وأنت في إثمه المقلد

ليس له منزل بأرض *** عنك ولا في السماء مصعد

قيدته في الهوى فتمم *** واكتب على قيده مخلد

بان الصبا عنه فالتصابي *** أنشأ أطرابه فأنشد

من لي بطفل حديث سحر *** بابل عن ناظريه مسند

شتت عني نظام عقلي *** تشتيت ثغر له منصد

لو اهتدى لاثمي عليه *** ناح على نفسه وعدد

ألبسني نشوة بطرف *** سكرت من خمره فعربد

لا سهم لي في سديد رأي *** يحرس من سهمه المسدد

غصن نقاحلَّ عقد صبري *** بلين خصر يكاد يعقد

فمن رأى ذلك الوشاح ال- *** -صائم صلى على محمد

خير نبي نبيهُ قدرٍ *** عودي إلى المدح فيه أحمد

ومن ههنا خلص إلى مدح رسول الله صلی الله علیه و آله :

ومن شعر صفوان :

والسرحة الغناء قد قبضت بها *** كف النسيم على لواء أخضر

وكأن شكل الغيم منجل فضة *** يرمي على الأفاق رطب الجوهر

وقال أيضاً رحمه الله تعالى :

وكأنما أغصانها أجيادها *** قد قلّدت بلآلىء الأنوار

ما جاءها نفس الصبا مستجدياً *** إلا رمت بدراهم الأزهار

ص: 254

وقال في مليح يرمى نارنجا في بركة :

وشادن ذي غنج دلّه *** يروقنا طوراً وطوراً يروع

يقذف بالنارنج في بركة *** كلاطخ بالدم سرد الدروع

كأنها اكباد عشاقه *** يقذفها في لجِّ بحر الدموع

وقال أيضاً رحمه الله :

أولع من طرفه بحتفى *** هل يعجب السيف للقتيل

تهيبوا بالحسام قتلى *** فاخترعوا دعوة الرحيل

وقال ابن سعيد في كتابه ( المغرب ) : هو أنبه الاندلس في عصره ، له كتاب زاد المسافر. قصر إمداحه على أهل البيت علیهم السلام واكثر من تأبين الحسين (عليه السلام).

وفي معجم الأدباء : صفوان بن ادريس بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عيسى التجيبي أبو بحر ، كان أديباً كاتباً شاعراً سريع الخاطر ، أخذ عن أبيه والقاضي ابن ادريس وابن غلبون وأبي الوليد ، وهو أحد أفاضل الأدباء المعاصرين بالاندلس. ولد سنة ستين وخمسمائة ، وتوفي بمرسية سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ولم يبلغ الاربعين. وله تصانيف منها : كتاب زاد المسافر وراحلته وكتاب العجالة ، مجلدان يتضمنان طرفاً من نثره ونظمه ، وديوان شعر ، ومن شعره :

قد كان لي قلباً فلما فارقوا *** سوَّى جناحاً للغرام وطارا

وجرت سحاب للدموع فأوقدت *** بين الجوانج لوعة وأوارا

ومن العجائب ان فيض مدامعي *** ماءً يمرُّ وفي ضلوعي نارا

ص: 255

وقال في مدح النبي صلی الله علیه و آله :

تحية الله وطيب السلام *** على رسول الله خير الأنام

على الذي فتح باب الهدى *** وقال للناس ادخلوها بسلام

بدر الهدى سحب الندو الجدا *** وما عسى أن يتناهى الكلام

تحية تهزأ أنفاسها *** بالمسك لا أرضى بمسك الختام

تخصَّه مني ولا تنثني *** عن آله الصِّيد السراة الكرام

وقدرهم أرفع لكنني *** لم ألف أعلى لفظة من كرام

وقوله - رواه الحموي في معجم الأدباء :

يقولون لي لما ركبتُ بطالتي *** ركوب فتى جمّ الغواية معتدي

أعندك ما ترجو الخلاص به غداً *** فقلت نعم عندي شفاعة أحمد

ص: 256

استدراك

اشارة

على الجزئين : الاول والثاني

ص: 257

ص: 258

مسعود بن عبدالله القايني

لا بدّ ان ترد القيامة فاطم *** وقميصها بدم الحسين ملطّخُ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه *** والصور في يوم القيامة ينفخُ (1)

قال الشيخ الطريحي في المنتخب : ذكر أهل التاريخ أن سبط ابن الجوزي كان يعظ على الكرسي بجامع دمشق فطلب منه أهل المجلس أن يذكر شيئاً في مصرع الحسين بن علي عليه السالم فانشد يقول : لا بد ان ترد القيامة فاطم. ثم انه وضع المنديل على رأسه واستعبر طويلاً ونزل عن الكرسي وبذلك ختم مجلسه.

اقول ويظهر أن هذا الشعر قد قيل في القرون المتقدمة الثاني أو الثالث ، إذ أن أبا فراس الحمداني المتوفي سنة 357 ه- يستشهد به متضمناً فيقول :

أهوى الذي يهوى النبي وآله *** أبداً وأشنأ كل من يشناه

مذ قال قبلي في قريض قائل *** ( ويل لمن شفعاؤه خصماه )

أما قائلهما مسعود كما يقول ابن شهراشوب فلا تعرف عنه شيئاً.

ص: 259


1- قال السيد المقرم في ( مقتل الحسين ) ص 132 نقلا عن مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 91 انهما لمسعود بن عبدالله القايني.

وفي كتاب ( سيرتنا وسنتنا ) للشيخ الاميني نقلا عن كتاب الصراط السوي للسيد محمود الشيخاني المدني ان سليمان بن يسار الهلالي (1) يقول : وجد حجر مكتوب عليه :

لا بد أن ترد القيامة فاطم *** وقميصها بدم الحسين ملطخُ

ويلٌ لمن شفعاؤه خصماؤه *** والصور في يوم القيامة ينفخ

اخرج الفقيه ابن المغازلي في المناقب ، والحافظ الجنابذي الحنبلي ابن الاخضر المتوفي سنة 611 في كتابه ( معالم العترة ) مرفوعاً من طريق اميرالمؤمنين علي علیه السلام : تحشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدم ، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش ، وتقول : يا جبار أحكم بيني وبين قاتل ولدي ، فيحكم لابنتي ورب الكعبة.

وروى الشيخ المجلسي في بحار الانوار ج 43 من الطبعة الجديدة ص 220 عن عيون أخبار الرضا عن احمد بن ابي جعفر البيهقي ، عن احمد بن علي الجرجاني عن اسماعيل بن ابي عبدالله القطان ، عن احمد بن عبدالله بن عامر الطائي عن ابي احمد بن سليمان الطائي عن علي بن موسى الرضا عن ابائه علیهم السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء ، تتعلق بقائمة من قوائم العرش وتقول : يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي.

قال رسول الله : فيحكم الله لأبنتي ورب الكعبة. وان الله عز وجل يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.

ص: 260


1- سليمان بن يسار المدني تابعي عظيم من رجال الصحاح الست ، متفق على ثقته وعلمه وفقهه وامانته توفي سنة 107 عن (73) سنة. راجع تاريخ البخاري الكبير ج 2 ص 42 وطبقات ابن سعد ج 5 ص 130.

أبوطالب الجعفري

قال ابو طالب محمد بن عبدالله الجعفري من شعراء القرن الثالث :

لي نفس تحب في الله - والله - حسينا ولا تحب يزيدا

يا بن اكالة الكبود لقد أنضجت من لا بسي الكئيب الكبودا

أيّ هول ركبت عذبك الرحمن في ناره عذاباً شديداً

لهف نفسي على يزيد واشياع يزيد ضلوا ضلالاً بعيداً

يا أبا عبدالله يا بن رسول الله يا أكرم البرية عودا

ليتني كنت يوم كنت فأمسي فيك في كربلا قتيلاً شهيدا (1)

ص: 261


1- عن الحدائق الوردية في مناقب ائمة الزيدية للإمام حميد الشهيد ص 137 والكتاب مخطوط في مكتبة كاشف الغطاء العامة 713.

محمد بن عبدالله بن الحسين بن عبدالله بن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب علیه السلام كان هو وابوه وحده كل منهم شاعر كما في معجم شعراء الطالبية ، وفي معجم الشعراء للمرزباني. ابو طالب الجعفري شاعر مقل يسكن الكوفة. فلما جرى بين الطالبيين والعباسيين بالكوفة ما جرى وطلب الطالبيون قال ابو طالب :(1)

بني عمنا لا تذممونا سفاهة *** فينهض في عصيانكم من تأخرا

وان ترفعوا عنايد الظلم تجتنوا *** لطاعتكم منا نصيبا موفرا

وان تركبونا بالمذلة تبعثوا *** ليوثاً ترى ورد المنية أعذرا

وله :

قد ساسنا الاهل عسفا *** وسامنا الدهر خسفا

وصار عدل أناس *** جوراً علينا وحيفا (2)

ص: 262


1- اقول وجاء في عمدة الطالب في انساب الى ابي طالب اسم محمد هذا وعمود نسبه وقال : له ولد اسمه محمد. هذا ما رأيته في طبعه بمبى اما الطبعة الجديدة في النجف فتقول : له ولد اسمه الحسين.
2- عن اعيان الشيعة ج 45 ص 286.

والله لولا انتظاري *** برأ لدائي أشفى

ورقبتي وعدُ وقتٍ *** تكون بالنجح أوفى

لسقت جيشاً اليهم *** ألفا وألفا وألفا

حتى تدور عليهم *** رحى البلية عطفا

وجاء في معجم شعراء الطالبية ان اباه عبدالله - كان ببغداد - وقد امتنع من لبس السواد وخرقة لما طولب بلبسه ، فحبس بسر من رأى فمات في حبسه أيام المعتصم.

اقول ويظهر من ذلك انه من شعراء القرن الثالث

ص: 263

داعي الدعاة

لقد زرتُ مثوى الطهر في أرض كربلا *** فدتْ نفسيَ المقتول عطشان صاديا

ففى عشر ما نال الحسين ابن فاطم *** لمثلي مسلاة لئن كنت ساليا

البيتان من قصيدة نذكر بعضها في الصفحة الآتية :

ص: 264

نسيم الصبا ألمم بفارس غاديا *** وأبلغ سلامي أهل ودي الازاكيا

وقل كيف أنتم بعد عهدي فانني *** بُليت بأهوال تشيب النواصيا

سيبكي عليَّ الفضل والعلم إن رمت *** بمثلي يد الدهر العسوف المراميا

وعُطَّل مني مسجد أسَّه التقى *** لآل رسول الله بي كان حاليا

أإخواننا صبراً جميلا فانني *** غدوت بهذا في رضى الله راضيا

وفي آل طه إن نفيت فإنني *** لاعدائهم ما زلت والله نافيا

فما كنت بدعاً في الاولى فيهم نفوا *** ألافخر أن أغدو ( لجندب ) (1) ثانيا

لئن مسَّنى بالنفي قرحٌ فانني *** بلغت به في بعض همي الامانيا

فقد زُرت في كوفان للمجد قبّة *** هي الدين والدنيا بحقٍ كما هيا

هي القبة البيضاء قبة حيدر *** وصي الذي قد أرسل الله هاديا

وصيَّ النبي المصطفى وابن عمه *** ومن قام مولى في الغدير وواليا

ومن قال قومٌ فيه قولاً مناسباً *** لقول النصارى في المسيح مضاهيا

فوا حبذا التطواف حول ضريحه *** أصلي عليه في خشوع تواليا

وواحبذا تعفير خديَّ فوقه *** ويا طيب إكبابي عليه مناجيا

أناجي وأشكو ظالمي بتحرَّق *** يثير دموعاً فوق خدي جواريا

الشاعر هبة الله بن موسى السلماني نسبة الى سلمان الفارسي فمن المؤرخين

ص: 265


1- يريد جندب بن جنادة اباذر الغفاري الصحابي الجليل الذي نفي الى الربذة وبقي فيها يعاني ألم الوحدة وكبر السن الى أن مات في منفاه.

من يقول أن المؤيد في الدين هو من نسل سلمان من ذلك ما قاله صاحب عيون المعارف : هبة الله بن موسى من ولد سلمان الفارسي وجاء في شعر المؤيد قوله موضحاً أن رتبته هي رتبة سلمان وانه قائم بما قام به إذ يقول :

لو كنت عاصرت النبي محمداً *** ما كنت أقصر عن مدى سلمانه

ولقال أنت من أهل بيتي معلناً (1) *** قولاً يكشّف عن وضوح بيانه

كان مولده بشيراز ونشأ بها ، ويرجّح شارح ديوانه أن يكون مولده سنة تسعين وثلثمائة من الهجرة ، يتضح من شعره انه مرّت عليه أيام بؤس وشقاء قاسى فيها ألوان الذلّة والمسكنة ، واضطر أن يسافر مراراً كما حدثنا بشعره انه كان مضطهداً اكثر ايام حياته بسبب مذهبه الذي كان يخالف مذهب أهل بلدته ، وتقرأ ذلك في قصيدته السابقة المنشورة في ديوانه المطبوع بالقاهرة :

قال صاحب عيون المعارف : وكان للمؤيد تصانيف جمة في الحجج والسير والاخبار ، وله أدعية ومناجات في الاوراد مشهورة.

وقال الاستاذ ايفانوف ما ترجمته : كان المؤيد مؤلفاً بارعاً ، كتب بالعربية والفارسية ولا تزال كتبه من أمهات كتب الاسماعيلية ، ثم سرد مؤلفات المؤيد. ومنها :

المجالس المؤيدية.

المجالس المستنصرية.

ص: 266


1- يشير المؤيد الى الحديث النبوي - سلمان منا أهل البيت - ونظمه غيره فقال : أيا سلمان يا من حاز فخراً *** وعمّ الناس إحساناً ومنّا ونال بخدمة المختار طه *** وعترته الاكارم ما تمنىّ لقد فقت الورى شرفاً وفخراً *** بقول المصطفى سلمان منّا

ديوان المؤيد.

شرح المعاد.

الايضاح والتبصير في فضل يوم الغدير.

الابتداء والانتهاء.

وللمؤيد آثار علمية وتراث ضخم ومجالس للمناظرة دلت على سعة اطلاعه على حقائق الدين ، من ذلك مناظراته مع أبي العلاء المعري في رسائله التي دارت بينهما حول أكل لحم الحيوان ، ومع علماء شيراز ، وحسبك ما كتبه الاستاذ محمد كامل حسين المصري استاذ كلية الآداب في مقدمة ديوان المؤيد.

وإنما سمي بالداعي لما كان يتحلى به من صفات العلم والتقوى والسياسة ونشر الدعوة وبث المعارف ، وعمل داعي الدعاة هو الاشراف على كل شيء يختص بالدعوة وعقد مجالسها بالقصر أو دار العلم.

ص: 267

ابو عبدالله الطوبي

ابو عبدالله محمد بن الحسن الطوبي ، من شعراء القرن الخامس ، قال في فص أسود غروي :

أنا غرويُّ شديد السواد *** وقد كنت ابيض مثل اللجين

وما كنت أسود لكنني *** صبغت سواداً لقتل الحسين

وقال في فص أحمر :

حمرتي من دم قلبي *** أين من يندب ، أينا؟

أنا من احجار ارض *** قتلوا فيها الحسينا

قال العماد الأصفهاني : (1)

وهو من قول الشاعر في فص أخضر :

لا تعجبوا من خضرتي *** فإنها مرارتي

تقطَّرت لما رأت *** ما صنعوا بسادتي

ص: 268


1- ذکرها العماد الاصفهاني في خريدة القصر. قسم شعراء صقلية ص 60 - 61.

ابو عبدالله محمد بن الحسن بن الطوبي (1). قال العماد في الخريدة قسم شعراء صقلية : ذكر أنه كان صاحب ديوان الرسائل والإنشاء ومن ذوي الفضائل البلغاء ، طبيباً مترسلاً شاعراً ، وأورد من نظمه كل مليح الحوك صحيح السبك ، فمن ذلك قوله في الغزل :

يا قاسي القلب ألا رحمة *** تنالني من قلبك القاسي

جسمك من ماء فمالي أرى *** قلبك جلموداً على الناس؟

أخاف من لين ومن نعمة *** عليك من ترديد أنفاسي

سبحان من صاغك دون الورى *** بدراً على غصن من الآس

وقوله :

أيُّ ورد يلوح من وجنتيه *** طار مني الفؤاد شوقاً إليه

فإذا رمت اجتنيه ثناني *** عنه وقع السيوف من مقلتيه

وقوله في العذار :

انظر الى ( حسن ) وحُسن عذاره *** لترى محاسن تسحر الأبصارا

فاذا رأيت عذاره في خده *** ابصرت ذا ليلاً وذاك نهارا

وقوله في العذار ايضاً :

قام عذري بعذاري- *** -ه فما أعظم كربي

ص: 269


1- نسبة الى قصر الطوب وهو موضع بافريقية.

قلت لما ان تبدّى *** نبتُه سبحان ربي

احرقت فضة خديك *** لكي تحرق قلبي!

وقوله في غلام ناوله حصر ما :

اتعبت قلبي بالصدود *** ولست أيأس من وصالك

فخذ الدليل فقد زجر *** ت لما أؤمل من نوالك

ناولتني من حصرمٍ *** فرجوت نقلك عن فعالك

إذ كان يحمض أولا *** وتراه حلواً بعد ذلك

وقوله :

يا سميّ وحبيبي *** نحن في أمر عجيب

اتفاق في الأسامى *** واختلاف في القلوب

وقوله :

قُسِّمَ الحسن على الخل- *** -ق ولكن ما أقله

فهو في الأمة تفصي- *** -ل وفي وجهك جمله

وقوله :

بخدك آس وتفاحة *** وعينك نرجسة ذابله

وريقك من طببه قهوةٌ *** فوجهك لي دعوة كامله

ص: 270

وقوله في ذم مغن :

ومغن لو تغنىِّ *** لك صوتين لمتا

سمج الخلقة غثٌ *** ينحت الآذان نحتا

ويغني ما اشتهاه *** لا يغني ما اردتا

كلما قال اقترح قل- *** -ت اقتراحي لو سكتا

وقوله في مثله :

غنّى كمن قد صاح في خابيه *** لا وهب الله له العافيه

ما أحدٌ يسمعه مرة *** فيشتهي يسمعه ثانيه

وقوله في مثله :

ومغن قد لقينا *** منه كرباً وبلاء

هو من برد غناء *** يجعل الصيف شتاء

وقوله في مثله :

يغني فنهوى انسداد الصماخ *** ونبصره فنحبُّ العمى

دعاه رجال الى عرسهم *** فصيّر عرسهم مأتما

وقوله في اعتزاله عن الناس :

يا لائمي في انتزاحى *** عن الورى وانقطاعي

لا أستطيع على أن *** أكون بين الافاعي

ص: 271

وقوله في الخضاب :

يا خاضب الشيب دعه *** فليس يخفى المشيب

حصلت منه على أن *** يُقال شيخ خضيب

وفي انباه الرواة للقفطي ج 3 ص 107 ما يلي : محمد بن الحسن الطوبي الصقلي مقيم بصقلية يتولى الانشاء نحوي اربى في النحو على نفطويه. وفي الطب على [ ابن ] ماسويه. جامع للفضائل. عالم بالرسائل ، وكلامه في نهاية الفصاحة وشعره في غاية الملاحة. وله « مقامات » تزرى « بمقامات البديع » وإخوانيات كأنها زهر الربيع مع خط كالطرز المعلمة ، والبرود المئمنة. وكان الشعر طوع عنانه ، وخديم جنانه. ومدحه ابن القطاع الصقلي بقوله :

أيها الاستاذ في ال- *** -طب وإعراب الكلام

لك في النحو قياس *** لا يساميه مسام

ثم في الطب علاج *** دافع الداء العقام

أنت في النثر البديه- *** -ي وفي النظم السلامي

فاضل الآباء والنف- *** -س عظامي عصامي

ومن شعر محمد بن الحسن قوله :

أخشى عليك الحسن يا من به *** أصبح كل الناس في كرب

ألا ترى يوسف لما انتهى *** في حسنة ألقي في الجبّ

وقال في صبي نصراني من نصارى الفرنج واسمه نسطاس :

اقول وقد مر نسطاس بي *** وقلبي فيه عذاب اليم

ص: 272

وقد ماس كالبان فوق الكثيب *** وأقبل يرنو بالحاظ ريم

لئن كان في النار هذا غداً *** فاني أحب دخول الجحيم

كان هذا الفاضل موجودا في سنة خمسين واربعمائة بصقلية ، واظنه عاش بعد ذلك مدة ، انتهى.

وفي الخريدة في حاشية ص 56 قال : وأورد له السلفي البيتين الآتيين :

يا ولداً حلَّ داخل الكبد *** خالفت أمري فزدت في كمدي

والله يا قوم ما عققت أبي *** فليت شعري لم عقَّني ولدي

ص: 273

عبدالله بن ابي طالب الفتى

بلغ أمير المؤمنين تحيتي *** واذكر له حبي وصدق توددي

وزر الحسين بكربلاء وقل له *** يا بن الوصي ويا سلالة أحمد

صاموك وانتهكوا حريمك عنوة *** ورموك بالامر الفظيع الانكد

ولو أنني شاهدت نصرك أولاً *** روّيت منهم ذابلي ومهندي

مني السلام عليك يا بن المصطفى *** أبداً يروح مع الزمان ويغتدي (1)

ص: 274


1- دمية القصر للباخرزي ص 385.

قال الباخرزي في ( دمية القصر ) أنشدني ابنه الاديب سلمان له قال : وانما قاله على لسان الامير حسام الدولة فارس بن عنَّان وكان ينقش في فص خاتمه : أعدَّ للبعث أبوطالب حبَّ علي بن ابي طالب.

بمحمد وبحب آل محمد *** علقت وسائل فارس بن محمد

يا آل أحمد يا مصابيح الدجى *** ومنار منهاج السبيل الأقصد

لكم الحطيم وزمزم ولكم منى *** وبكم الى سبل الهداية نهتدي

اني بكم متوسل وبحبكم *** متمسك لا تنثني عنه يدي

وعليكم نزل الكتاب مفصلاً *** من ذي المعارج بالمنير المرشد

إن ابن عنان بكم كبت العدى *** وعلا بحبكم رقاب الحُسّد

ولئن تأخر جسمه لضرورة *** فالقلب منه مخيم بالمشهد

يا زائراً أرض الغرى مسدداً *** سلم سلمت على الامام السيد

وزر الحسين بكربلاء وقل له *** يا ابن الوصي ويا سلالة أحمد

بلغ أميرالمؤمنين تحيتي *** واذكر له حبي وصدق توددي

صاموك وانتهكوا حريمك عنوة *** ورموك بالأمر الفظيع الأنكد

ولو انني شاهدت نصرك أولا *** رويت منهم ذابلي ومهندي

مني السلام عليك يا ابن المصطفى *** أبداً يروح مع الزمان ويغتدى

وعلى أبيك وجدك المختار والث- *** -اوين منهم في بقيع الغرقد

وبأرض بغداد على موسى وفي *** طوس على ذاك الرضى المتفرد

وبسر من را فالسلام على الهدى *** وعلى التقى وعلى الندى والسؤدد

بالعسكريين اعتصامي من لظى *** وبقائم بالحق يصدع في غد

يجلو الظلام بنوره ويعيدها *** علوية فينا بأمر مرصد

اني سعدت بحبكم أبداً ومن *** يحببكم يا آل أحمد يسعد

مستبصراً والله عون بصيرتي *** ما ذاك إلا من طهارة مولدي

ص: 275

وانشدني الشيخ ابو محمد الحمداني له : (1).

ما شك في فضل آل فاطمة *** إلا امرء ما لأمِّة بعل

نغل اذا الحر طاب مولده *** وكيف يهوى ذوي الهدى نغل

خدي لاقدام آل فاطمة *** إذا تخطوا على الثرى نعل (2)

ص: 276


1- الابيات في تلخيص مجمع الاداب الجزء الرابع ، القسم الثالث ص 47 ولما كان الباخرزي صاحب الدمية قد سمع من ابن الشاعر فهو والشاعر من عصر واحد فحق لنا ان نعده من شعراء القرن الخامس.
2- الدمية ص 155.

ابو الحسن الباخرزي

صنو الرسول وزوج فاطمة التي *** ملئت ملاءتها من العلياء

وابو الذين تجردوا ما بين مسمو *** م ومذبوح - عن الحوباء

وأراك تنقص يا يزيد ، اذا علت *** يوم القيامة رنة الزهراء

تغشى التظلّم من مريق دم ابنها *** سحّابة للخرقة الحمراء

ما بال اولاد النبي تركتهم *** نهباً لقتل شايع وسباء

لو كنت ترعى جانب الأب لم تكن *** لتضيَّع الحرمات في الابناء

ظمئوا وما أوردتهم ، ودماؤهم *** عمّت ظماء السمر بالارواء

وأخس من سؤر الاناء عصابة *** حجروا على الظمأن سؤر إناء

بمجنّحات شُرّد يسلكن من *** لهواتهم طرقاً الى الاقفاء

والله املاهم ليزدادوا به *** إثماً فقل في حكمة الاملاء

خجلا لهم من قوم صالح الاولى *** لم يفتكوا إلا بذات رغاء

فتعاودتها رجفة جثمت بها *** فكأنها لم تغن في الاحياء

* * *

وأرى المسيحيين بعد مسيحهم *** ما قصروا في طاعة ووفاء

ص: 277

ظفروا بأرض حماره فاستبشروا *** فكأنهم ظفروا بنجم سماء

وقتال سبط الهاشمي وقاحة *** لم تند قط صفاتها بحياء

أرداه مصرع كربلا فكأنها *** مشتقة من كربة وبلاء

لا عشت إن لم أرثه بقصائد *** يطوي الرواة بهن ذكر ( الطائي )

مدحي لاصحاب النبي ومذهبي *** للشافعي وكلهم شفعائي

واذا جزى الممدوح بالاموال شا *** عره فمغفرة الآله جزائي (1)

ص: 278


1- عن مخطوط الرائق الجزء الثاني ص 141 والقصيدة مطلعها حتى م أنشر في الغرام لوائي *** وأعير بعض الغانيات ولائي

علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي

ترجم له في طبقات الشافعية ج 3 ص 298 فقال :

هو أبو الحسن الباخرزي الاديب ، مصنف دمية القصر ، وباخرز ناحية من نواحي نيسابور ، والدمية ذيل على يتيمة الثعالبي. تفقه على الشيخ أبي محمد الجويني ، ثم أخذ في الادب وتنقلت به الاحوال الى ان قتل بباخرز في ذي القعدة سنة سبع وستين واربعمائة.

وقال ياقوت في معجم الادباء : كان واحد دهره في فنه وساحر زمانه في قريحته وذهنه ، صاحب الشعر البديع والمعنى الرفيع. وأثنى عليه. وورد الى بغداد مع الوزير الكندي. واقام بالبصرة برهة ثم شرع في الكتابة معه مدة ، واختلف الى ديوان الرسائل وتنقلت به الاحوال في المراتب والمنازل ، وله ديوان كبير فمن شعره :

يا فالق الصبح في لألاء غرته *** وجاعل الليل من أصداغه سكنا

لاغرو إن أحرقت نار الهوى كبدي *** فالنار حقٌ على من يعبد الوثنا

وقال أيضاً :

عجبت من دمعتي وعيني *** من قبل بينٍ وبعد بين

قد كان عيني بغير دمع *** فصار دمعي بغير عين

ص: 279

وقال أيضاً :

أصبحت عبداً لشمس *** ولست من عبد شمس

اني لأعشق شيء *** وحق من شق خمسي

يريد اني لأعشق انسان.

اقول وذكر ياقوت له شعراً كثيراً في الجزء 13 ص 33.

ص: 280

عبدالله البرقي

اذا جاء عاشورا تضاعف حسرتي *** لآل رسول الله وانهلّ دمعتي

بيوم به اغبرت به الارض كلها *** شجونا عليهم والسماء اقشعرت

مصائب ساءت كل من كان مسلما *** ولكن عيون الفاجرين أقرت

اذا ذكرت نفسي مصيبة كربلا *** وأشلاء سادات بها قد تفرّت

أضاقت فؤادي واستباحت تجلدي *** وزادت على كربي ، وعيشي أمرت

بنفسي خدود في التراب تعفرت *** بنفسي جسوم بالعراء تعرّت

بنفسي رؤس مشرقات على القنا *** الى الشام تهدى بارقات الاسرة (1)

بنفسي شفاه ذابلات على الظما *** ولم ترو من ماء الفرات بقطرة

بنفسي عيون غائرات شواخص *** الى الماء منها نظرة بعد نظرة

* * *

كأني ببنت المصطفى قد تعلَّقت *** يداها بساق العرش والدمع أذرت

ص: 281


1- الاسرة : غصون الجبهة.

وفي حجرها ثوب الحسين مضرّجاً *** وعنها جميع العالمين بحسرة

* * *

لأل رسول الله وديّ خالصاً *** كما لمواليهم ولائي ونصرتي

وها أنا قد أدركتُ حدَّ بلاغتي *** أصلي عليهم في عشيٍّ وبكرة

وقول النبي : المرء مع من أحبّه *** يقويّ رجائي في إقالة عثرتي (1)

ص: 282


1- عن مقتل الخوارزمي ج 2 ص 137. والقصيدة طويلة انتخبنا منها هذه الابيات.

ابو محمد عبدالله بن عمار البرقي :

قتل سنة 245 ه- وذلك أنه وشي به الى المتوكل العباسي وقرأت له قصيدته النونية الشهيرة التي قالها في أهل البيت علیهم السلام والتي اولها :

ليس الوقوف على الاطلال من شاني.

الى ان يقول :

فهو الذي امتحن الله القلوب به *** عما يجمجمن من كفر وإيمان

وهو الذي قد قضى الله العليُّ له *** أن لا يكون له في فضله ثاني

وإن قوماً رجوا إبطال حقكم *** أمسوا من الله في سخط وعصيان

لن يدفعوا حقكم إلا بدفعهم *** ما أنزل الله من آي وقرآن

فقلدوها لاهل البيت إنهم *** صنو النبي وانتم غير صنوان

فأمر المتوكل بقطع لسانه وإحراق ديوانه. ففعل به ذلك ، فمات بعد ايام.

ذكر الخوارزمي وابن شهراشوب وغيرهما ، وفي الطليعة : سماه في المعالم : علي بن محمد ، وكناه ابا عبدالله وليس به ، كما ذكره الخوارزمي في رسالته لاهل نيشابور والثعالبي والحموي كان شاعراً اديباً ظريفاً مدح بعض الامراء في زمن الرشيد الى أيام المتوكل ، وأكثر في مدح الائمة الاطهار حتى جمع له ديواناً أكثره فيهم وحرق.

حدث حماد بن اسحاق عن أبيه قال قلت في معنى عرض لي : ( وُصف الصدُّ لمن أهوى فصد ) ثم أجبلت فمكثت عدة أيام مفكراً في الاجازة فلم يتهياً لي شيء ، فدخل علي عبدالله بن عمار فاخبرته فقال مرتجلا ( وبدا يمزح في الهجر فجد ) انتهى عن الاعيان ج 39 ص 24.

ص: 283

مرت في الجزء الثاني ترجمة السري الرفاء الموصلي مقتضبة مختصرة وإتماماً للفائدة نضيف اليها ما يلي :

قال الثعالبي في اليتيمة ج 2 ص 117 :

السريُّ وما ادراك من السري لله دره ما أعذب بحره وأصفى قطره وأعجب أمره وقد اخرجت من شعره ما يُكتب على جبهة الدهر فكتبت منه محاسن كأنها أطواق الحمام.

ولما جدّ السري في خدمة الادب وانتقل عن تطريز الثياب الى تطريز الكتاب ، شعر بجودة شعره ونابذ الخالديين الموصليين وناصبهما العداوة وادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره ، وجعل يورق وينسخ ديوان شعر أبي الفتح كشاجم ، وهو إذ ذاك ريحان أهل الأدب بتلك البلاد ، والسري في طريقة يذهب وعلى قالبه يضرب ، وكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعر الخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه ، وينفق سوقه ، ويغلي سمره ، ويشنع بذلك على الخالديين ، ويغض منهما ، ويظهر مصداق قوله في سرقتهما ، فمن هذه الجهة وقعت في بعض النسخ من ديوان كشاجم زيادات ليست في الاصول المشهورة منها ، وقد وجدتها كلها للخالديين بخطّ أحدهما وهو أبو عثمان سعيد بن هاشم في مجلدة أتحف بها الوراق المعروف بالطرسوسي ببغداد أبا نصر سهل بن المرزبان وأنفذها إلى نيسابور في جملة ما حصل عليه من طرائف الكتب باسمه ، ومنها وجدت الضالة المنشودة من شعر الخالدي المذكور وأخيه أبي بكر محمد بن هاشم ، ورأيت فيها أبياتاً كتبها أبوعثمان لنفسه ، وأخرى كتبها لأخيه ، وهي بأعيانها

ص: 284

للسري بخطه في المجلدة المذكورة لأبي نصر ، فمنها أبيات في وصف الثلج واستهداء النبيذ :

يا من أنامله كالعارض الساري *** وفعله أبداً عار من العار

أما ترى الثلج قد خاطت أنامله *** ثوباً يزر على الدنيا بأزرار

نار ولكنها ليست بمبدية *** نوراً وماء ولكن ليس بالجاري

والراح قد أعوزتنا في صبيحتنا *** بيعاً ولو وزن دينار بدينار

فامنن بما شئت من راح يكون لنا *** ناراً فانا بلا راح ولا نار

ومن قوله أيضاً :

ألذّ العيش إتيان الصبيح *** وعصيان النصيحة والنصيح

وإصغاء إلى وترٍ وناي *** إذا ناحا على زق جريح

غداة دجنة وطفاء تبكي *** إلى ضحك من الزهر المليح

وقد حديت قلائصها الحيارى *** بحادٍ من رواعدها فصيح

وبرق مثل حاشيتي رداء *** جديد مُذهبَ في يوم ريح

وقال من قصيدة هجا بها أبا العباس النامي ، ويحكى انه كان جزاراً بالمدينة :

أرى الجزَّار هيَّجني وولّى *** فكاشفني وأسرع في انكشافي

ورقّع شعره بعيون شعري *** فشاب الشهد بالسمِّ الذعاف

لقد شقيت بمديتك الأضاحي *** كما شقيت بغارتك القوافي

توعّر نهجها بك وهو سهل *** وكدَّر وردها بك وهو صافي

فتكت بها مثقفة النواحي *** على فكر أشد من الثقاف

لها أرج السوالف حين تجلى *** على الأسماع أو أرج السلاف

ص: 285

جمعن الحسنيين فمن رياح *** معنبرة وأروح خفاف

وما عدمت مغيراً منك يرمي *** رقيق طباعها بطباع جافي

معانٍ تستعار من الدياجي *** وألفاظ تقدُّ من الأثافي (1)

كأنك قاطف منها ثماراً *** سبقت اليه إبّان القطاف

وشر الشعر ما أداه فكر *** تعثّر بين كدّ واعتساف

سأشفي الشعر منك بنظم شعر *** تبيت له على مثل الاشافي (2)

وأبعد بالمودة عنك جهدي *** فقف لي بالمودة خلف قاف

قال الثعالبي : وما أراني أروى أحسن ولا اشرف ولا أعذب ولا ألطف من قوله :

قسمت قلبي بين الهم والكمد *** ومقلتي بين فيض الدمع والسهد

ورحت في الحسن أشكالا مقسمة *** بين الهلال وبين الغصن والعقد

أريتني مطراً ينهل ساكبه *** من الجفون وبرقاً لأح من برد

ووجنة لا يروي ماؤها ظميء *** بخلاً وقد لذعت نيرانها كبدي

فكيف أبقي على ماء الشئون وما *** أبقى الغرام على صبري ولا جلدي؟

وقال ولا توجد في الديوان المطبوع

لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج *** لأرتك سالفتي غزال أدعج

أرعى النجوم كأنها في افقها *** زهر الاقاحي في رياض بنفسج

والمشتري وسط السماء تخاله *** وسناء مثل الزيبق المترجرج

مسمار تبر أصفر ركبته *** في فص خاتم فضة فيروزج

ص: 286


1- 1 - الاثافي : حجارة توضع عليها القدور ، واحدها أثفية بضم الهمزة وياؤها مشددة ،
2- الاشافي : جمع إشفي ، وهو المثقب يخرز به النعال.

وتمايل الجوزاء يحكي في الدجى *** ميلان شارب قهوة لم تمزج

وتنقبت بخفيف غيم أبيض *** هي فيه بين تخفّر وتبرّج

كتنفس الحسناء في المرآة اذ *** كملت محاسنها ولم تتزوج

ومما يأخذ بمجامع القلوب قوله :

بلاني الحب منك بما بلاني *** فشأني أن تفيض غروب شأني

أبيت الليل مرتفقاً أناجي *** بصدق الوجه كاذبة الأماني

فتشهد لي على الأرق الثريا *** ويعلم ما أجن الفرقدان

إذا دنت الخيام به فأهلاً *** بذاك الخيم والخيم الدواني

فبين سجوفها أقمار تمٍ *** وبين عمادها أغصان بان

ومذهبة الخدود بجلنار *** مفضضة الثغور بأقحوان

سقانا الله من رياك رياً *** وحيّانا بأوجهك الحسان

ستصرف طاعي عمن نهاني *** دموع فيك تلحى من لحاني

ولم أجهل نصيحته ، ولكن *** جنون الحب أحلى في جناني

فيا ولع العواذل خلِّ عني *** ويا كف الغرام خذي عناني

وقال :

قامت وخوط البانة *** الميَّاس في أثوابها

ويهزها سكران : سك- *** -ر شرابها وشبابها

تسعى بصهباوين من *** الحاظها وشرابها

فكأن كأس مدامها *** لما ارتدت بحبابها

توريد وجنتها إذا *** ما لاح تحت نقابها

ص: 287

وقوله في العتاب :

لسانك السيف لا يخفى له أثر *** وأنت كالصلّ لا تبقي ولا تذر

سرّي لديك كأسرار الزجاجة لا *** يخفى على العين منها الصفو والكدر

فاحذر من الشعر كسراً لا انجبار له *** فللزجاجة كسر ليس ينجبر

وقال في مثل ذلك :

أروم منك ثماراً لست اجنيها *** وأرتجي الحال قد حلت أواخيها

استودع الله خلاً منك أوسعه *** وداً ويوسعني غشاً وتمويها

كأن سرَّي في أحشائه لهب *** فما تطيق له طيّاً حواشيها

قد كان صدرك للأسرار جندلة *** ضنينة بالذي تخفي نواحيها

فصار من بعد ما استودعت جوهرة *** رقيقة تستشف العين ما فيها

وقال من قصيدة :

لا تأنفنّ من العتاب وقرصه *** فالمسك يسحق كي يزيد فضائلا

ما أحرق العود الذي أشممته *** خطأ ولا غمَّ البنفسج باطلاً

وقال يذكر ليلة بقُطربّل ويصف الشمع :

كستك الشبيبة ريعانها *** وأهدت لك الراح ريحانها

فدم للنديم على عهده *** وغاد المدام وندمانها

فقد خلع الأفق ثوب الدجى *** كما نضت البيض أجفانها

وساقٍ يواجهني وجهه *** فتجعله العين بستانها

يتوّجُ بالكأس كفَّ النديم *** إذا نظم الماء تيجانها

فطوراً يوشح ياقوتها *** وطوراً يرصّع عقيانها

ص: 288

رميت بأفراسها حلبة *** من اللهو ترهج ميدانها

وديراً شغفت بغزلانه *** فكدتُ أقبِّل صلبانها

فلما دجى الليل فرّجته *** بروح تحيِّف جثمانها

بشمع أعير قدود الرماح *** وسرج ذراها وألوانها

غصون من التبر قد أزهرت *** لهيباً يزيّن أفنانها

فيا حسن أرواحها في الدجى *** وقد أكلت فيه أبدانها

سكرت بقُطربَّل ليلة *** لهوت فغازلت غزلانها

وأي ليالي الهوى أحسنت *** إليَّ فأنكرت إحسانها

وقال يصف طبيباً بارعاً :

برز ابراهيم في علمه *** فراح يدعى وارث العلم

أوضح نهج الطب في معشر *** ما زال فيهم دارس الرسم

كأنه من لطف أفكاره *** يجول بين الدم واللحم

إن غضبت روحٌ على جسمها *** أصلح بين الروح والجسم

وقال :

هل للعليل سوى ابن قرّة شافي *** بعد الإله؟ وهل له من كافي؟

أحيا لنا رسم الفلاسفة الذي *** أودى وأوضح رسم طب عافي

فكأنه عيسى بن مريم ناطقا *** يهب الحياة بأيسر الأوصاف

مثلت له قارورتي فرأى بها *** ما اكتنَّ بين جوانحي وشغافي

يبدو له الداء الخفي كما بدا *** للعين رضراض الغدير الصافي

قال السيد الامين في الاعيان ج 34 ص 35.

العلم والادب يرفعان الوضيع في نفسه وصنعته ومكسبه ونسبه وفقره

ص: 289

وخصاصته والجهل يضع الرفيع في نسبه وعشيرته ومنصبه وغناه وثروته عند أهل العقل وان رفعه ذلك عند اهل الجهل مثله ، فأبو تمام الذي كان اول أمره غلام حائك بدمشق ويسقي الماء من الجرة في جامع مصر رقى به علمه وأدبه الى معاشرة الملوك والامراء ومدحهم وأخذ جوائزهم الوفيرة حتى صار يستقل الف دينار يجيزه بها عبدالله بن طاهر فيفرقها على من ببابه ويحتمل له ابن طاهر ذلك ويجيزه بضعفها ويؤلف ديوان الحماسة فيعطي من الحظ ما لم يعطه كتاب ، والسري الرفا ينتقل من صنعة الرفو والتطريز عند أحد الرفائين باجر زهيدة وعيش ضنك الى مدح الملوك والوزراء والامراء فيأخذ جوائزهم النفيسة ويؤلف في الأدب كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب ولا شك ان للزمان والبيئة التأثير العظيم في ذلك فأبو تمام وجد في عصر راجت فيه بضاعة الشعر والادب أعظم رواج وكثر رائده وانتشر طالبوه وزهت رياضة وتفتحت اكمام زهره بما أغدقه عليها الملوك والأمراء من عطاياهم الفياضة ، والسري الرفا وجد في دولة بني حمدان وعلى رأسهم سيف الدولة الذي اجتمع ببابه من الشعراء والادباء ما لم يتفق لغيره ويتلوه امراء بني حمدان الكثيري العدد الذين مدحهم السري وأخذ جوائزهم النفيسة وفيهم يقول من قصيدة :

والحمد حلي بني حمدان نعرفه *** والحق أبلج لا يلقى بانكار

قوم اذا نزل الزوار ساحتهم *** تفيؤا ظلّ جنّات وأنهار

مؤمرون اذا ثارت قدومهم *** أفضت الى الغاية القصوى من الثار

فكل أيامهم يوم الكلاب اذا *** عُدّت وقائعهم أو يوم ذي قار

وقال في اعيان الشيعة ج 34 ص 98 عن ملحق فهرست ابن النديم ص 6 كان السري الرفاء جاراً لابي الحسن علي بن عيسي الرماني بسوق العطش وكان كثيراً ما يجتاز بالرماني وهو جالس على باب داره فيستجلسه ويحادثه يستدعيه الى أن يقول بالاعتزال وكان السري يتشيع فلما طال ذلك عليه أنشد ( وليست في الديوان المطبوع ).

ص: 290

أقارع أعداء النبي وآله *** قراعاً يَفُلّ البيض عند قراعه

وأعلم كل العلم أن وليهم *** سيجزى غداة البعث صاعاً بصاعه

فلا زال من والاهم في علوّه *** ولا زال من عاداهم في اتضاعه

ومعتزليّ رام عزل ولايتي *** عن الشرف العالي بهم وارتفاعه

فما طاوعتني النفس في أن أطيعه *** ولا أذن القرآن لي في اتباعه

طبعت على حبّ الوصي ولم يكن *** لينقل مطبوع الهوى عن طباعه

وقال من قصيدة في الغزل :

أجانبها حذاراً لا اجتنابا *** واعتب كي تنازعني العتابا

وأبعد خيفة الواشين عنها *** لكي ازداد في الحب اقترابا

وتأبى عبرتي الا انسكابا *** وتأبى لوعتي إلا التهابا

مررنا بالعقيق فكم عقيق *** ترقرق في محاجرنا فذابا

ومن مغنى جهنا الشوق فيه *** سؤالا والدموع له جوابا

وفي الكلل التي غابت شموس *** إذا شهدت ظلام الليل غابا

حملت لهنّ أعباء التصابي *** ولم أحمل من السلوان عابا

ولو بعدت قبابك قاب قوس *** من الواشين حيينا القبابا

نصدّ عن العذيب وقد رأينا *** على ظمأ ثناياك العذابا

تثني البرق يذكرني الثنايا *** على أثناء دجلة والشعابا

وأياماً عهدت بها التصابي *** وأوطاناً صحبت بها الشبابا

قال السيد المدني في انوار الربيع ، ومن طريف ما قاله السري الرفاء

أسلاسل البرق الذي لحظ الثرى *** وهنا فوشّح روضه بسلاسل

أذكرتنا النشوات في ظلّ الصبا *** والعيش في سنة الزمان الغافل

أيام استر صبوتي من كاشح *** عمداً وأسرق لذتي من عاذل

ص: 291

وقوله :

وصاحب يقدح لي *** نار السرور بالقدح

في روضة قد لبست *** من لؤلؤ الطل سبح

يألفني حمامها *** مغتبقا ومصطبح

أوقظه بالعزف أو *** يوقظني اذا صدح

والجو في ممسك *** طرازه قوس قزح

يبكي بلا حزن كما *** يضحك من غير فرح

وقوله :

يوم خلعت به عذاري *** فعريت من حلل الوقار

وضحكت فيه الى الصبا *** والشيب يضحك في عذاري

متلوِّن يبدي لنا *** طرفاً باطراف النهار

فهواؤه سكب الرداء *** وغيمه جافي الازار

يبكي فيجمد دمعه *** والبرق يكحله بنار

ص: 292

كانت ترجمة الخالديين في الجزء السابق غير وافية بحقهما ، ونستدرك هنا ما فات :

سعيد بن هاشم هو وأخوه شاعران لهما شهرتهما في عالم الادب ، كانا ينظمان الشعر مشتركين ومنفردين ، ومدحا الملوك والامراء والكبراء ، غير أن السري الرفاء الموصلي هجاهما بأهاج كثيرة وزعم انهما سرقا شعره. ويقول الثعالبي في اليتيمة ان السري كان يدعي عليهما سرقة شعره وشعر غيره ويدس من شعرهما في ديوان كشاجم ليثبت مدعاه. وقال صاحب اليتيمة : كانا يشتركان في قرض الشعر وينفردان ولا يكادان في الحضر والسفر يفترقان ، وكانا في التساوي والتشابك والتشاكل والتشارك كما قال البحتري :

كالفرقدين اذا تأمّل ناظر *** لم يعل موضع فرقد عن فرقد

بل كما قال ابو اسحاق الصابي فيهما :

أرى الشاعرين الخالدين سيِّراً *** قصائد يفنى الدهر وهي تخلَّد

جواهر من أبكار لفظ وعونه *** يُقصّر عنها راجز ومقصد

تنازع قوم فيهما وتناقضوا *** ومرَّ جدال بينهم يتردد

فطائفة قالت : سعيد مقدم *** وطائفة قالت لهم : بل محمد

وصاروا الى حكمي فأصلح بينهم *** وما قلت إلا بالتي هي أرشد

هما في اجتماع الفضل زوج مؤلف *** ومعناهما من حيث يثبت مفرد

ص: 293

كذا فرقدا الظلماء لما تشاكلا *** علا أشكلا ، هل ذاك أم ذاك أمجد

فزوجهما ما مثله في اتفاقه *** وفردهما بين الكواكب أوحد

فقاموا على صلح وقال جميعهم *** رضينا وساوى فرقد الارض فرقد

وقال يصف غلامه ( رشا ) :

ما هو عبد لكنه ولد *** خولنيه المهيمن الصمد

وشد أزري بحسن خدمته *** فهو يدي والذراع والعضد

صغير سن كبير منفعة *** نماذج الضعف فيه والجلد

في سن بدر الدجى وصورته *** فمثله يصطفى ويعتمد

معشق الطرف كله كحل *** مغزل الجيد حليه الجيد

وورد خديه والشقائق *** والتفاح والجلنار منتضد

رياض حسن زواهر أبداً *** فيهن ماء النعيم يطرد

وغصن بان اذا بدا واذا *** شدا فقمري بانة غرد

أنسي ولهوي وكل مأدبتي *** مجتمع فيه وهو منفرد

ظريف مزح مليح نادرة *** جوهر حسن شرارة تقد

ومنفق اذا أنا أسرف- *** -ت وبذرت فهو مقتصد

مبارك الوجه مذحظيت به *** حالي رخي وعيشتي رغد

مسامري ان دجا الظلام فلي *** منه حديث كأنه الشهد

خازن ما في يدي وحافظه *** فليس شيء لدي يفتقد

يصون كتبي فكلها حسن *** يطوي ثيابي فكلها جدد

وأبصر الناس بالطبيخ فكالمس- *** -ك القلايا والعنبر الثرد

وهو يدير المدام ان جليت *** عروس دني نقابها الزبد

ص: 294

تمنح كأسي يدٌ أناملها *** تنحلُّ من لينها وتنعقد

مثقف كيسٌ فلا عوج *** في بعض أخلاقه ولا أود

وصير في القريض وزّانُ دينا *** ر المعاني الجياد منتقد

ويعرف الشعر مثل معرفتي *** وهو على أن يزيد مجتهد

وكاتب توجد البلاغة في *** ألفاظه والصواب والرشد

وواجد بي من المحبة والرأ *** فة أضعاف ما به أجد

اذا تبسمت فهو مبتهج *** وإن تنمرت فهو مرتعد

ذا بعض أوصافه وقد بقيت *** له صفات لم يحوها أحد

وقال ، وهو مما ينسب الى الوزير المهلبي - كما روى الثعالبي

فديتك ما شبت من كبرةٍ *** وهذي سني وهذا الحساب

ولكن هجرت فحل المشيب *** ولو قد وصلت لعاد الشباب

وقوله :

ظالم لي وليته الدهر يبقى ويظلم *** وصله جنة ولكن جفاه جهنم

ومن شعره - كما في اليتيمة :

أما ترى الطل كيف يلمع في *** عيون نور تدعو الى الطرب

في كل عين للطل لؤلؤة *** كدمعة في جفون منتحب

والصبح قد جردت صوارمه *** والليل قد همَّ منه بالهرب

والجو في حلّة ممسكة *** قد كتبتها البروق بالذهب

ص: 295

وقال :

يا حسن دير سعيد إذ حللتُ به *** والارض والروض في وشي وديباج

فما ترى غصنا إلا وزهرته *** تجلوه في جبّة منها ودوّاج

وللحمائم ألحان تذكرّنا *** أحبابنا بين أرمال وأهزاج

وللنسيم على الغدران رفرفةُ *** يزورها فتلقّاه بامواج

وكلنا من أكاليل البهار على *** رؤوسنا كأنو في التاج

ونحن في فلك المحيط بنا *** كأننا في سماء ذات أبراج

ولست أنسى ندامى وسط هيكله *** حتى الصباح غزالا طرفه ساجي

أهزّ عطفي قضيب البان معتنقاً *** منه والثم عيني لعبة العاج

وقولتي والتفاتي عند منصرفي *** والشوق يزعج قلبي أي إزعاج

يا دير ياليت داري في فنائك أو *** يا ليت لي في درب درَّاج

وقال :

بنفسي حبيب بان صبري لبينه *** وأودعني الاشجان ساعة ودّعا

وانحلني بالهجر حتى لو أنني *** قذى بين جفني أرمدٍ ما توجّعا

وقال :

وليلة ليلاء في *** اللون كلون المفرق

كأنما نجومها *** في مغرب ومشرق

دراهم منثورة *** على بساط أزرق

ص: 296

وقال :

صغير صرفت اليه الهوى *** وهل خاتم في سوى خنصر

فإن شئت فاعذر ولا تلحني *** وإن شئت فالح ولا تعذر

وقال :

ريقته خمرّ وأنفاسه *** مسك وذاك الثغر كافور

أخرجه رضوان من داره *** مخافة تفتتن الحور

يلومه الناس على تيهه *** والبدر إن تاه فمعذور

وقال :

قل لمن يشتهي المديح ولكن *** دون معروفه مطال ولُّي

سوف اهجرك بعد مد *** ح وتحريك وعتب وآخر الداء كي

وقال :

شعر عبدالسلام فيه رديُ *** ومحال وساقط وبديع

فهو مثل الزمان فيه مصيف *** وخريف وشتوة وربيع

وقال كما في أعيان الشيعة :

قمر بدير الموصل الأعلى *** أنا عبده وهواه لي مولى

لثم الصليب فقلت من حسد *** قبل الحبيب فمي بها أولى

جد لي باحداهن تحيي بها *** قلبي فحبَّته على المقلى

فاحمر من خجل وكم قطفت *** عيني شقائق وجنة خجلي

وثكلت صبري عند فرقته *** فعرفت كيف مصيبة الثكلى

ص: 297

قال السيد الامين وفي معجم البلدان : دير الاعلى بالموصل يضرب به المثل في رقة الهواء وحسن المستشرف ، والى جانبه مشهد عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي ، أنتهى. اقول والحمق بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة والقاف : كان خفيف اللحية ، وبه سمي الرجل. وهو من حواري أمير المؤمنين عليّ وأصفيائه. ذكر المجلسي في البحار باسناده قال : قال عمرو بن الحمق لأمير المؤمنين : والله ما جئتك لمال من الدنيا تعطنيها ، ولا لالتماس سلطان يرفع به ذكري إلا لأنك ابن عم رسول الله وأولى الناس بالناس وزوج فاطمة علیهاالسلام سيدة نساء العالمين ، وابوالذرية التي هي بقية رسول الله ، وأعظم سهماً للاسلام من المهاجرين والانصار ، والله لو كلفتني نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي (1) أبداً حتى يأتي علي يومي وفي يدي سيفي أهرُّ به عدوّك وأقوِّي به وليك ، ويعلي به الله كعبك ، ما ظننت اني أديت من حقك كل الحق الذي يجب لك عليَّ. فقال اميرالمؤمنين علیه السلام : اللهم نوِّر قلبه واهده الصراط المستقيم. ليت أن في شيعتي مائة مثلك.

وجاء في اسد الغابة ان عمرو بن الحمق الخزاعي سقى النبي (ع) فقال صلی الله علیه و آله : اللهم أمتعه بشبابه : فمرّت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء.

وقال عمرو بن الحمق يوم صفين :

تقول عرسي لما أن رأت أرقى *** ماذا يهيجك من اصحاب صفينا

ألست في عصبة يهدي الآله بهم *** أهل الكتاب ولا بغياً يريدونا

ص: 298


1- هي الممتلئة ، يقال طمى البحر اذا امتلأ ماء.

فقلت إني على ما كان من رشدٍ *** أخشى عواقب أمر سوف يأتينا

إدالة القوم في أمر يراد بنا *** فاقني حياءً وكُفّي ما يقولونا

ولما رفعت المصاحف يوم صفين قال عمرو بن الحمق : يا اميرالمؤمنين انا والله ما اخترناك ولا نصرناك عصبيّةً على الباطل ولا أحببنا إلا الله عزَّوجل ولا طلبنا إلا الحقَّ ولو دعانا غيرك الى ما دعوت إليه لكان فيه اللجاج وطالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي ( اه- ) ولما قتل علي بن ابي طالب بعث معاوية في طلب أنصاره فكان فيمن طلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراغ منه فارسل الى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم أن عبدالرحمان بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه الى معاوية ، فكان اول رأس حمل في الاسلام واهدي من بلد الى بلد ، فلما أتى معاوية الرسول بالرأس بعث به الى آمنة في السجن وقال للحرسيَّ إحفظ ما تتكلم به حتى تؤديه الي واطرح الرأس في حجرها ، ففعل فارتاعت له ساعة ثم وضعت يدها على رأسها وقالت : نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه اليّ قتيلا فاهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية وانا له اليوم غير ناسية. الى آخر القصّة التي ذكرت مفصلا في ترجمة آمنة. وبعد قتل عمرو كتب الحسين بن علي الى معاوية : اولست القاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله العبد الصالح بعد ما أمنته واعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو اعطيته طائراً نزل اليك من رأس جبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد.

قال ابن الاثير في اسد الغابة قبر عمرو بن الحمق الخزاعي مشهور بظاهر الموصل يزار وعليه مشهد كبير ، ابتدأ بعمارته أبوعبدالله سعيد بن حمدان وهو ابن عم سيف الدولة وناصر الدولة ابن حمدان في شعبان سنة ست وثلاثين وثملثمائة.

ص: 299

وجاء في اليتيمة من شعر ابي بكر محمد بن هاشم الخالدي ، قال : وهو في نهاية الحسن.

لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج *** لأرتك سالفتي غزال أدعج

اقول وقد مرت عليك هذه القطعة في ترجمة السري الرفاء وعلمت ما كان بينهما من المنافسة والله اعلم انها لهذا او لذاك.

وقال :

قلت لما بدا الهلال لعين *** منعتها من الكرى عينا كا

يا هلال السماء لولا هلال الا *** رض ما بتُّّ ساهراً أرعا كا

وقال وقد أمر الامير بجمع المتكلمين ليتناظروا بحضرته في يوم دجن :

هو يوم كما ترا *** ه مليح الشمائل

هاج نوح الحمام *** فيه غناء البلابل

ولركب السحاب في *** الجو حقٌ كباطل

مثلما فاه في ال- *** -مهند بعض الصياقل

جليت شمسه ل- *** -رقته في غلائل

وعمود الزمان *** معتدل غير مائل

حين ساوى حر الهوا *** جر برد الأصائل

وغدا الروض في قلا *** ئده والخلاخل

ص: 300

فمن العجز ان ترى *** فيه طوع العواذل

يا لهذا ابي الهذيل *** وتوصيل واصل

وملاحاة عاقل *** ومقاساة جاهل

وخصوم يكابرو *** ن وضوح الدلائل

انف كيد الجدال عنك *** بصيد الأجادل (1)

كل صلب العظام *** واللحم رطب المفاصل

وهو أهدى من الردى *** في طريق المقاتل

كم غدونا به *** لطير التلاع السوابل

فانبرى أخرس الجنا *** ح صخوب الجلاجل

وتعامى عن الشَوى *** واهتدى للشواكل

بسكاكينه التي *** ثبتت في الانامل

عقفت ثم أرهفت *** فهي مثل المناجل (2)

صاعد خلف صاعد *** نازل خلف نازل

فتردّى رداء لهو *** إلى الليل شامل

ثم انثنى جذلان *** بين القنا والقنابل

نحو ربع من المكا *** رم والمجد آهل

فنرى الأنس في *** عبيدك عذب المناهل

من عقول قد *** بلبلتهن صفراء بابل

فإذا الليل كف كلَّ *** رقيب وعاذل

صرّت الفرش تحت قو *** م صرير المحامل

ص: 301


1- 1 - الاجادل جمع اجدل وهو الصقر
2- عقف السكين ، لواها.

وقال :

راحٌ كضوء الشهاب *** سلافة الاعناب

والمزج ماء غدير *** صاف كماء الشباب

لو لم يكن ماء مزن *** لكان لمع سراب

كأنه جسم درّ *** عليه درع حباب

يجري خلال حصى *** أبيض كقطر السحاب

كأنه الريق يجري *** على الثنايا العذاب

وقال :

وكم من عدو صار بعد عداوة *** صديقاً مجلا في المجالس معظما

ولا غرو فالعنقود في عود كرمه *** يرى عنبا من بعد ما كان حصر ما

وقال في هجاء شاعر :

لو أن في فمه جمراً وانشدنا *** شعراً لما ضره من برد إنشاده

ص: 302

استدراك واعتذار

جاء في الجزء الثاني من أدب الطف ص 319 ذكر القصيدة الرائية المعروفة بالبسامة وأولها :

الدهر يفجع بعد العين بالاثر *** فما البكاء على الاشباح والصور

ونسبناها الى ابن زيدون ، والحقيقة أنها لابن عبدون ، وأوقعنا بهذا الخطأ زميلنا المعاصر الخطيب السيد علي الهاشمي إذ نسبها لابن زيدون كما جاء في كتابه ( المطالب المهمة ) ص 344 والمطبوع في النجف الاشرف 1388 ه.

وزيادة في الايضاح تذكر ترجمة للشاعرين : اما ابن زيدون فهو : ذو الوزارتين احمد بن عبدالله بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي الاندلسي. ولد بقرطبة سنة 394 ، شاعر مقدم وكاتب بليغ ، علق بحب ولاَّدة بنت المستكفي بالله ، فألهمه حبها أروع ما صاغه في حياته من نظم ونثر ، حتى كتب على لسانها رسالة شرحها ابن نباتة المصري وسماها ( سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ). قال السيد صدر الدين المعدني في ( أنوار الربيع في انواع البديع ) : وما أحسن قول ابو زيدون يحكي اول اجتماعه بمعشوقته ولاَّدة ، قال :

كنت في ايام الشباب هائماً بغادة أرى الحياة متعلقة بقربها ، ولا يزيدني

ص: 303

امتناعها إلا اغتباطاً ، فلما ساعد القضاء وآن اللقاء كتبت إليَّ :

ترقب اذا جن الظلام زيارتي *** فاني رأيت الليل أكتم للسر

وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح *** وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر

ثم لما طوى النهار كافوره ، ونشر الليل عبيره ، أقبلت بقد كالقضيب في ردف كالكثيب ، وقد أطبقت نرجس المقل على ورد الخجل ، فملنا الى روض مدبَّج ، وظلٍّ سجسج ، قد قامت رايات أشجاره ، وامتدت سلاسل أنهاره ، ودّر الطل منثور ، وجيب الراح مزرور ، فلما شببنا نارها ، وأدركت منا ثارها ، باح كل منا بحبه ، وشكا ما بقلبه ، وبتنا بليلة نجتني أقحوان الثغور ، ونقطف رمان الصدور فلما نثر الصباح لواءه ، وطوى الليل ظلماءه ، وادعتها وأنشأت :

وادع الصبر محب ودَّعك *** ذائع من سره ما أودعك

يقرع السن على ان لم يكن *** زاد في تلك الخُطا اذ شيَّعك

يا أخا البدر سناء وسناً *** حفظ الله زماناً أطلعك

ان يطل بعدك ليلي فلكم *** بتُّ أشكو قصر الليل معك

ومن بديع النثر في هذا النوع قول أبي القاسم عبدالصمد بن علي الطبري يصف متنزهاً : لله متنزهنا والسماء زرقاء اللباس ، والشمال ندية الانفاس ، والروض مخضل الازار ، والغيم منحل الازرار.

وكأن السماء تجلو عروساً *** وكأنا من قطره في نثار

والربى رابية الارجاء ، شاكرة صنيع الانواء

ذهبٌ حيثما ذهبنا ودرٌ *** حيث درنا وفضة بالفضاء

ص: 304

والجبال قد تركت نواصيها الثلوج شيباً ، والصحارى قد لبست من نسج الربيع برداً قشيبا. ولا ربع إلا وفيه للانس مربع ، ولا جزع إلا وفيه للعاشق مجزع. والكؤوس تدور بيننا بالرحيق ، والاباريق تنهل مثل ذوب العقيق وتفتر عن فار المسك وخدّ الشقيق. والجيوب تستغيث من أكف العشاق وسقيط الطل يعبث بالاغصان عبث الدل بالغصون الرشاق ، والدن يجرح بالمبزال فتل الصائغ طرف الخلخال.

اذا فض عنه الختم فاح بنفسجا *** وأشرق مصباحاً ونوّر عصفرا

ومن شعره ما قاله من قصيدة يخاطب بها ابن جهور أيام سجنه :

ما جال بعدك لحظي في سنا القمر *** إلا ذكرتك ذكر العين بالاثر

ولا استطلت زمام الليل من أسف *** إلا على ليلة مرت مع القصر

يا ليت ذاك السواد الجون متصل *** قد استعار سواد القلب والبصر

جمعت معنى الهوى في لحظ طرفك لي *** ان الحوار لمفهوم من الحور

لأيهنأ الشامت المرتاح ناظره *** أني معنى الاماني ضائع الخطر

هل الرياح بتخم الارض عاصفة *** أم الكسوف لغير الشمس والقمر

ان طال في السجن ايداعي فلا عجب *** قد يودع الجفن حدّ الصارم الذكر

وان يثبط أبا الحزم الرضا قدر *** عن كشف ضُرّي فلا عتب على القدر

من لم أزل من تدانيه على ثقة *** ولم أبت من تجنيّه على حذر (1)

اما ابن عبدون صاحب القصيدة فهو الوزير ابو محمد عبد المجيد بن عبدون والقصيدة هي المعروفة بالبسامة ، جاء في فوات الوفيات : عبدالمجيد بن عبدون بن محمد الفهري توفي سنة خمسمائة وعشرين ، كان أديباً شاعراً له مصنف

ص: 305


1- عن رسالة ابن زيدون.

في الانتصار لابي عبيد علي بن قتيبة ، ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى فيها ملوك بني الافطس وذكر فيها من أباده الحدثان من ملوك كل زمان وهي :

الدهر يفجع بعد العين بالاثر

فما البكاء على الاشباح والصور

وقد شرحها جماعة من ارباب الذوق والكمال ومنهم العلامة ابو القاسم عبدالملك بن عبدالله بن بدرون الحضرمي البستي ،. وفي آخر الشرح روى عن ابن الأثير انه قال : وقد اشتملت هذه القصيدة على نيف وخمسين بيتا.

وقال الشيخ القمي في الكنى. ابن عبدون من علماء العامة. ابو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري ، وزير بني الافطس ، كان أديباً شاعراً فاضلاً ، أخذ الناس عنه ، واستوزره المتوكل ابو محمد عمر بن الافطس وشهد ابن عبدون نكبته سنة 487 فرثاه بقصيدته الرائية وهي من أمهات القصائد وأولها :

الدهر يفجع بعد العين بالاثر *** فما البكاء على الاشباح والصور

* * *

هذ آخر ما توصلنا اليه من الالمام بشعراء القرن السادس الهجري الذين نظموا في الامام أبي عبدالله الحسين بن علي سيد الشهداء علیه السلام ، والى شعراء القرن السابع في الجزء الرابع ان شاء الله.

ص: 306

المصادر

أعيان الشيعة للسيد محسن الامين

الكنى والالقاب للشيخ عباس القمي

سفينة البحار للشيخ عباس القمي

الغدير للشيخ عبدالحسين الاميني

روضات الجنات للخنساري

أمل الامل للحر العاملي

ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي

معجم الادباء ياقوت الحموي

معجم الشعراء للمرزباني

المنتظم لابن الجوزي

يتيمة الدهر للثعالبي

خريدة القصر للعماد الاصفهاني

دمية القصر للباخرزي

وفيات الاعيان لابن خلكان

فوات الوفيات لابن شاكر

ريحانة الالباء للخفاجي

مرآة الجنان لليافعي

آداب اللغة العربية جرجي زيدان

حياة الحيوان للدميري

أنوار الربيع في علم البديع للسيد عليخان

ص: 307

الانساب للسمعاني

موسوعة العتبات المقدسة جعفر الخليلي

الغيث المنسجم في شرح لامية العجم للصفدي

مجلة الغرى شيخ العراقين

أعلام العرب عبدالصاحب الدجيلي

شرح رسالة ابن زيدون ابن نبانة المصري

ادب الشيعة حسيب طه

ديوان كعب بن زهير

ديوان الابيوردي الاموي

ديوان طلايع بن رزيك

ديوان الفقيه عمارة اليماني

ديوان الحسين الطغرائي

ديوان صردر

ديوان الحميري

جواهر الادب جمع سليم صادر

الذيل على الروضتين لأبي شامة المقدسي

الشعر والشعراء لابن قتيبة

الاعلام للزركلي

إنباه الرواة للقفطي

ديوان السري الرفاء

طبقات الشعراء لابن المعتز

الكامل لابن الأثير

الحسين علي جلال الحسيني

مقتل الحسين للسيد عبدالرزاق المقرم

تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي

ص: 308

المصادر المخطوطة

مخطوط كاشف الغطاء مكتبة كاشف الغطاء

مطالع البدور ومجمع البحور للقاضي صفي الدين أحمد

مجموعة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مكتبة كاشف الغطاء

الحدائق الوردية للامام حميد الشهيد مكتبة كاشف الغطاء

نسمة السحر لليماني مكتبة كاشف الغطاء

المجموع الرائق للسيد احمد العطار

معدن البكاء محمد صالح البرغاني

الشذور الذهبية للسيد صادق بحر العلوم

ديوان ابن المعلم الواسطي جمع الشيخ محمد هادي الاميني

الضرائح والمزارات جواد شبر

سوائح الافكار ومنتخب الاشعار جواد شبر

معجم شعراء الطالبية للسيد مهدي الخرسان

تحفة الزائر للسيد عبدالله شُبَّر

ص: 309

ص: 310

فهرس

شعراء القرن السادس

الصفحة / الوفاة

9 / 507 محمد بن أحمد الابيوردي ، نسبه وفضله وأدبه ، نماذج من شعره ، افتخاره يحسبه وجده معاوية الاصغر ، إقرار معاوية الاصغر بفضل أهل البيت وأحقَّتهم بالخلافة موران السروجي الأموي يمدح علياً علیه السلام

ابو عدي الأموي - شاعر بني أمية - يمدح علياً ع أيمن بن غريم الأسدي وشعره في أهل البيت الشاعر كثير بن كثير يندد يمين يسب علياً عليه السلام

21 / 509 ابن الهبارية وشاعريته ، براعته في النظم والنثر ، هو ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي ، مؤلفاته السائرة

ص: 311

الصفحة / الوفاء

27 / 514 مؤيد الدين الطغرائي الحسين بن علي الاصفهاني ، مستانة شعره ، قصيدته المعروفة بلامية العجم ، تفوقه في الصناعة ، جزالة شعره ، فخره وحماسته ، الطغرائي وعلم الكيمياء ، سبب مقتله ، شعره في أهل البيت

39 / 539 او منصور موهوب الحواليقي ، فضله وعلمه وأقوال العلماء فيه ، ما صدر منه من جوابات شافية ، استاتذته وتلامذته ، تشيعه ، تعداد مؤلفاته ، أخباره

48 / 547 أبو الغُمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي ، نماذج من شعره وغزله

52 بعدسنة 552 محمود بن محمد بن مسلم الشروطي البغدادي ، متانة شعره وألوان من غزله ومدائحه ووصفياته

57 / 553 يحيى بن سلامة الحصكفي ، شهرته في الخطابة ، أقوال العلماء فيه ، روائع من شعره ونوادر من أدبه ومستملحاته عرفانياته وتصوف.

71 / 553 الحسن بنعلي بن الزبير ، مدائحه للملك الصالح بن رزيك ، سيرته وحياته ، مقاطع من شعره في المدح والغزل والفخر

94 / 556 الملك الصلاح طلايع بن رزيك ، بشارة الامام امير المؤمنين له بتولي الملك ، ولايته على مصر ، وزارته للفائز الفاطمي

ص: 312

الصفحة / الوفاء

سياسته وآراؤه ، شعره واخلاقه ، نقله لرأس الحسين الى القاهرة ، تحقيق عن موضع رأس الحسين ، قصائده في اهل البيت ، شعراؤه ومداحه

126 / 558 ابن العودي النيلي ابو المعالي سالم بن علي ، رائعته في أهل البيت ، حياته وسيرته

133 / 561 القاضي الجليس ، شعره في أهل البيت ومدحه لملك بن رزيك ، فصل عن يوم الغدير الأغر ، احتفال أئمة أهل البيت بيوم الغدير وما قاله الشعراء في التهنيئة به

157 / 562 القاضي الرشيد ، أدبه وفضله ، امتيازه على معاصريه بالعلوم والفنون ، مؤلفاته ، سيرته وما جرى عليه ورواية مقتله

169 / 565 سعيد بن مكي النيلي ، اقوال العلماء فيه ، شعره في أهل البيت وألوان أُخر من شعره في امير المؤمنين علي بن أب طالب علیه السلام ، من اشتهر بالنيلي من العلماء والادباء

176 / 565 ابو منصور علي بن الحسين المعروف ب- ( صرَّدُر ) ، حياته ولوائح من منظومه واشعاره في ألوان متعددة من رثاء وحكمة وإباء

ص: 313

الصفحة / الوفاء

186 / 568 الخطيب الخوارزمي أخطب خوارزم ، شهرته ومؤلفاته ، نتف من أشعاره

189 / 569 الفقيه عمارة اليماني ، مكانته العلمية تآليفه ومصنفاته ، مدائحه للملك الصالح ابن رزيك ، طائفة من اشعاره ، المؤامرة على قتله وكيفية صلبه ، بعض ما رثي به ، قصائده في رثاء الملوك الفاطميين

198 / 572 كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبد الله قاضي القضاة بدمشق ترجمته ، شعره وغزله ، هجاؤه والوان من شعره

203 / 573 قطب الدين الراوندي ، مكانته في الأدب ومؤلفاته اقوال العلماء فيه ، شعره في مدح أهل البيت

208 / 574 ابن الصيفي شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد المعروف بالحيص بيص ، تاريخ حياته أشعاره في الوصفوالغزل والتشبيه والحماسة ، جزالة شعره ومتانته

219 / 580 ابن العودي قصيدته في أهل البيت ، حياته ، تحقيق في سنة الوفاة ، من تسمّى باسمه

222 / 584 سبط ابن التعاويذي ابو الفتح محمد بن عبد الله الكاتب قصائده في مدح الناصر لدين الله ، تحقيق حوال قبر عبيد الله ابن محمد بنعمر بن علي نب الحسين بن علي بن ابي طالب المعروف بمشهد النذور ، ترجمة الخليفة الناصر لدين الله

ص: 314

الصفحة / الوفاء

239 / 592 ابن المعلم الواسطي ابو الفنائم ، شهرته الادبية ، اقوال العلماء فيه ، ماجلاته

245 / 593 أحمد بن عيسى الهاشمي وتاريخ حياته ، عاشوراء أيام الفاطميين وفي الدولة البويهية

249 / 598 صفوان بن ادريس المرسي ، سيرته وحياته شعره وغزله ، بدائعه وروائعه

مستدركات

على الجزئين : الاول والثاني

259 مسعود بن عبد الله القايني من شعراء الفرنين الاولين

261 ابو طالب الجعفري هو محمد بن عبد الله من شعراء القرن الثالث ، ترجمته وشعره

264 / 470 المؤيد في الدين داعي الدعاة من شعراء القرن الخامس حياته ومهمته في الدعاية نسبه ، آثاره ، مؤلفاته ، سبب تلقيبه بداعي الدعاء

268 ابو عبد الله محمد بن الخحسن الطوبي ، شعره وبراعته ، أهدافه.

274 عبد الله بن أبي طالب الفتى وشعره في أهل البيت (عليهم السلام)

ص: 315

الصفحة / الوفاء

277 / 467 ابو الحسن الباخرزي من شعراء القرن الخامس ، شعره

281 / 245 عبد الله بن عمار البرقي من شعراء القرن الثالث

284 / 344 استدراك على ترجمة السريّ الرفاء الموصلي ، التنافس بينه وبين الشاعرين الخالديين ، ألوان من شعره ، رقة الغزل والوصف والشكوى والعتاب ، دفاعه عن أهل البيت علیهم السلام

استدراك على ترجمة الشاعرين الخالديين

293 / 371 سعيد بن هاشم الخالدي يصف غلاماً له ، روائع من نظمه وبدائع من غزله ، ترجمة عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي الجليل

301 / 386 محمد بن هاشم الخالدي ، مستملحات من اشعاره

استدراك واعتذار لابن عبدون من ابن زيدون

303 والاشارة الى ترجمة كل منهما

تراجم في ثنايا الكتاب

60 / 1088 محمد بن علي الحصكفي الدمشقي

ص: 316

الصفحة / الوفاء

606 / 606 علي بن محمد بن السكون الحلي النيلي

175 / 800 علي بن عبد الحميد النيلي

205 / 495 سعيد بن هبة الله بن محمد المشتهر بالطب

221 / 975 الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسين العودي الجزيني

231 عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بالحسين (عليه السلام) المعروف بقبر النذور

233 / 685 رابعة بنت أحمد بن المعتصم بالله

253 شرف الدين عبد العزيز الأنصاري

235 / 622 الناصر العباسي احمد بن المستضيء

253 شرف الدين عبد العزيز الانصاري

260 / 107 سليمان بن يسار المدني

298 عمرو بن الحمق الخزاعي

ص: 317

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 318

المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 347

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء الرابع

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وهذا هو الجزء الرابع يتضمن أدباء القرن السابع والثامن والتاسع من شعراء الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهناك طائفة منهم بعد لم يتسن لنا الوقوف على شعرهم حيث غطت على آثارهم يد العصبية المقيتة وأخفتها النفوس المريضة.

لقد كان من الأولى أن اسجل في هذه الموسوعة كل من نظم وقال الشعر في يوم الحسين ، سواءً وجدت أشعاره أم فقدت ، لكني قد نويت يوم شرعت بتأليف هذا الكتاب أن أجمع الرائق من الشعر الذي جاء في سيد الشهداء لذا أطلقت عليها اسم ( أدب الطف ). وإليك انموذجاً من الشعراء الذين عدوا من هذه الحلبة وإن لم يكتب لهم الجري في الميدان.

1 - ابراهيم بن هرمة من أهل المائة الثانية ، كان حياً سنة 146 ه.

قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : هو شاعر مفلق ، فصيح مسهب ، مجيد محسن القول ، سائر الشعر.

ادرك الدولتين : الاموية والعباسية ، وكان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطالبيين.

ص: 5

قال السيد الامين في الجزء 5 من اعيانه : ويكفي دليلاً واضحاً على تشيعه أن يكون مشهوراً بالانقطاع إلى الطالبيين في العصر الاموي والعباسي عصر الملك العضوض واكثاره من مدائح الطالبيين ورثائهم منها قصائد كثيرة في عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وزيد بن الحسن بن علي ، ومراث في الحسين علیه السلام . وله قصائد تعرف بالهاشميات يرويها الرواة.

ومن شعره ما رواه ابن عساكر في تاريخه.

مومهما الام على حبهم *** فإني أحبُّ بني فاطمه

بني بنت من جاء بالمحكمات *** وبالدين والسنن القائمة

ولست أبالي بحبي لهم *** سواهم من النعم السائمة

2 - محمد بن وهيب الحميري البصري البغدادي ، من شعراء القرن الثالث. قال الصفدي في الوافي بالوفيات ج 5 ص 179 : وكان يتشيع وله مراث في آل البيت ولد بالبصرة ، وتوفي سنة مائتين ونيف وعشرين ببغداد.

قال أبو الفرج في الاغاني : حدثني علي بن الحسين الوراق حدثنا ابو هفان قال : كان محمد بن وهيب يتردد إلى مجلس يزيد بن هارون فلزمه عدة مجالس يملي فيها فضائل الخلفاء الثلاثة ، ولم يذكر شيئاً من فضائل علي علیه السلام فقال فيه ابن وهيب.

آتي يزيد بن هارون أدالجه *** في كل يوم ومالي وابن هرون

فليت لي بيزيد حين أشهده *** راحاً وقصفاً وندماناً يسليني

أغدو إلى عصبة صمت مسامعهم *** عن الهدى بين زنديق ومأفون

لا يذكرون علياً في مشاهدهم *** ولا بنيه بني البيض الميامين

إني لأعلم اني لا احبهم *** كما هموا بيقين لا يحبوني

لو يستطيعون من ذكرى أبا حسن *** وفضله ، قطعوني بالسكاكين

ص: 6

وفيه : اخبرني محمد بن خلف بن المرزبان حدثني اسحق بن محمد بن القاسم ابو يوسف قال : كان محمد بن وهيب يأتي أبي ، فقال له أبي يوماً انك تأتينا وقد عرفت مذاهبنا فنحب أن تعرفنا مذهبك فنوافقك أو نخالفك ، فقال له في غد أبين لك أمري ، فلما كان من غد كتب إليه.

أيها السائل قد بينت *** إن كنت ذكيا

أحمد اللّه كثيراً *** بأياديه عليا

شاهد أن لا إلهاً *** غيره ما دمت حيا

وعلى أحمد بالصد *** ق رسولاً ونبيا

ومنحت الود قربا *** ه وواليت الوصيا

3 - شاعر يحدثنا عنه الثعالبي وقد نظم في أهل البيت علیهم السلام خمسين قصيدة ، ولم نعثر على واحدة من الخمسين ، وإليك القصة كما رواها في ( اليتيمة ) ج 1 ص 422.

في ترجمة أبي القاسم علي بن بشر الكاتب قال.. قال لي الزاهر : أخبرني ابن بشر أنه كان له جد لأم يعرف بكولان ، وكان هو من أهل الأدب والكتابة ، وحسن الشعر والخطابة ، قال لي : حججت سنة من السنين ، وجاورت بمكة حرسها اللّه فاعتللت علة تطاولت بي وضاق معها خلقي ثم صلحت منها بعض الصلاح ففكرت في أنني عملت في أهل البيت تسعاً وأربعين قصيدة مدحاً فقلت : أكملها خمسين ثم ابتدأت فقلت :

بني أحمد يا بني أحمد

ثم أرتج على ، فلم أقدر على زيادة فعظم ذلك علي واجتهدت في أن أكمل البيت فلم أقدر فحدث لي من الغم بهذة الحالة ما زاد على همي بإضاقتي وعلتي

ص: 7

فنمت اهتماماً بالحال فرأيت النبي صلی اللّه علیه و آله فجئت إليه فشكوت إليه ما أنا فيه من الأضافة وما أجده من العلة وأخرى من القلة فقال لي : تصدق يوسع عليك وصم يصح جسمك فقلت له : يا رسول اللّه وأعظم ما شكوته إليك أنني رجل شاعر أتشيع وأخص بالمحبة ولدك الحسين وتداخلني له رحمة لما جرى عليه من القتل وكنت قد عملت في أهل بيتك تسعاً وأربعين قصيدة فلما خلوت بنفسي في هذا الموضع حاولت أن أكملها خمسين فبدأت قصيدة قلت فيها مصراعاً وارتج على إجازته ونفر عني كل ما كنت أعرفه فما أقدر على قول حرف قال : فقال لي قولاً نحا فيه إلى أنه ليس هذا إلي ؛ لقول اللّه تعالى : ( وما عملناه الشعر وما ينبغي له ) ثم قال لي : اذهب إلى صاحبك وأومأ بيده الشريفة إلى ناحية من نواحي المسجد وأمر رسولاً أن يمضي بي إلى حيث أومأ فمضى بي الرسول على ناس معهم علي بن أبي طالب رضی اللّه عنه فقال له الرسول : أخوك وجه اليك بهذا الرجل ، فاسمع ما يقوله قال : فسلمت عليه : وقصصت عليه قصتي كما قصصت على النبي صلی اللّه علیه و آله فقال لي : فما المصراع؟ قلت :

بني احمد يا بني احمد

فقال للوقت : قل :

بني أحمد يا بني أحمد *** بكت لكم عمد المسجد

بيثرب واهتز قبر النبي *** أبي القاسم السيد الأصيد

وأظلمت الأفق أفق البلاد *** وذرَّ على الأرض كالأثمد

ومكة مادت ببطحائها *** لإعظام فعل بني الاعبد

ومل الحطيم بأركانه *** وما بالبنية من جلمد

وكان وليكم خاذلا *** ولو شاء كان طويل اليد

ص: 8

قال : ورددها علي ثلاث مرات ، فانتبهت وقد حفظتها.

* * *

أما مازال به القلم ، والإنسان معرض للخطأ والنسيان. فهو ما يلي :

1 - جاء في الجزء الأول من أدب الطف في ترجمة مصعب بن الزبير هذا البيت :

وإن الأولى بالطف من آل هاشم *** تأسوا فسنوا للكرام التأسيا

وقد تحقق لدينا أنه لسليمان بن قتة كما ذكره أبو الفرج في الأغاني وليس لمصعب كما روى ذلك الطبرسي في مجمع البيان ج 1 ص 507 طبع صيدالبنان.

2 - وجاء في الجزء الأول أيضاً عند ذكر النجاشي وأبياته في الحسين وأخيراً وقفت على تاريخ ابن كثير ج 8 ص 44 والمسعودي في مروج الذهب ج 2 ص 427 ان الأبيات في الإمام الحسن السبط علیه السلام وهي أنسب بالمقام لأن النجاشي مات قبل مقتل الحسين على الأكثر ولم يدرك وقعة الطف ولا يوم الحسين (عليه السلام) ولا أدري كيف رواها مصعب الزبيري في الحسين وهو مؤرخ قديم توفي سنة 236 ه.

على أن الدكتور عمر فروخ في تاريخ الأدب العربي ج 1 ص 313 يقول أنه أدرك مقتل الحسين.

3 - ذكرنا في الجزء الثالث لشعراء القرن السادس الشاعر ( صردر ) المتوفي سنة 465 كما ذكر ابن خلكان فكان من الواجب عده في شعراء القرن الخامس ، وقد أوقعنا في ذلك السيد الأمين رحمه لله إذ عده من شعراء القرن السادس حيث ذكر وفاته سنة 565.

4 - ترجمنا في الجزء الثالث للشاعر صفوان المرسي ، وليس لدينا من

ص: 9

شعره غير قصيدة واحدة ، أما وقد عثرنا على محاضرة الأديب المغربي عبد اللطيف السعداني من مدينة ( فاس ) وقد نشرها في مجلة العرفان م 59 فكان في ثنايا محاضرته القيمة قصيدة لشاعرنا المرسي ، وقد اقتطفنا جزءً من المحاضرة مع القصيدة.

وكان عنوان المحاضرة : حركات التشيع في المغرب ومظاهره.

وبعد أن أتى على ما يقوم به المغربيون من مظاهر شعائر الحسين علیه السلام في شهر المحرم والرواسب القديمة منذ العصور المتقدمة قال :

ان أحد أعلام الفكر والمفكرين في القرن الثامن الهجري هو لسان الدين ابن الخطيب أتحفنا باشارة ذات أهمية كبرى. والفضل في ذلك يعود إلى إحدى النسخ الخطية الفريدة من مؤلفه التأريخي ( إعلام الأعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام ).

التي حفظتها لنا خزانة ( جامعة القرويين ) بمدينة فاس من عاديات الزمن (1) وبهذه الإشارة تنحل العقدة المستعصية وينكشف لنا ما كان غامضاً من قبل مما أغفل الحديث عنه المؤرخون مما كان يجري في الأندلس من أثر التشيع. ذلك ان ابن الخطيب عند حديثه عن دولة يزيد بن معاوية انتقل به الحديث إلى ذكر عادات الأندلسيين وأهل المغرب خاصة في ذكرى مقتل سيدنا الحسين من التمثيل بإقامة الجنائز وانشاد المراثي.

وقد أفادنا عظيم الفائدة حيث وصف إحدى هذه المواسيم وانشاد المراثي وصفاً حياً شيقاً حتى ليخيل اننا نرى أحياء هذه الذكرى في بلد شيعي. وذكر

ص: 10


1- يعود الفضل في اكتشاف هذه النسخة من هذا الكتاب واطلاعنا عليه الی العلامة السيد العابد الفاسي مدير خزانة جامعة القرويين.

أن هذه المراثي كانت تسمى الحسينية وإن المحافظة عليها بقيت مما قبل تاريخ عهد ابن الخطيب إلى أيامه. ونبادر الآن إلى نقل هذا الوصف على لسان صاحبه :

« ولم يزل الحزن متصلا على الحسين والمآتم قائمة في البلاد يجتمع لها الناس ويختلفون لذلك ليلة يوم قتل منه بعد الأمان من نكير دول قتلته ولا سيما بشرق الأندلس فكانوا على ما حدثنا به شيوخنا من أهل المشرق ( يعني مشرق الأندلس ) يقيمون رسم الجنازة حتى في شكل من الثياب يستخبى خلف سترة في بعض البيت وتحتفل الأطعمة والشموع ويجلب القراء المحسنون ويوقد البخور ويتغنى بالمراثي الحسنة ».

وفي عهد ابن الخطيب كان ما يزال لهذه المراثي شأن ايضا فانه في سياق حديثه السابق زادنا تفصيلا وبيانا عن الحسينية وطقوسها فقال :

« والحسينية التي يستعطها الي اليوم المستمعون فيلوون لها العمائم الملونه ويبدلون الاثواب في الرقص كانهم يشقون الاعلي عن الاسفل بقية من هذا لم تنقطع بعد وان ضعفت ومهما قيل الحسينية او الصفة لم يدر اليوم اصلها. وفي المغرب اليوم ما يزال اولئك المسمعون الذين اشار اليهم ابن الخطيب يعرفون بهذا الاسم وينشدون وكثرت في انشادهم على الاخص الامداح النبوية. كما ان الموسيقي الاندلسيه الشائعه اليوم في بلاد المغرب تشتمل في اكثرها علي الامداح النبوية ايضا.

كما أفادنا ابن الخطيب بنقله نموذجاً لهذه المراثي مدى عناية الشعراء بهذا الموضوع وعرفنا باحد شعراء الشيعة في الأندلس الذي اشتهر برثاء سيدنا الحسين وهو أبو البحر صفوان بن ادريس التجيبي المرسي ( 561 - 598 ). وهذه القصيدة كانت مشهورة ينشدها المسمعون وهي كما يلي :

ص: 11

سلام كأزهار الربى يتنسم *** على منزل منه الهدى يتعلم

على مصرع للفاطميين غيبت *** لأوجههم فيه بدور وأنجم

على مشهد لو كنت حاضر أهله *** لعاينت أعضاء النبي تقسم

على كربلا لا أخلف الغيث كربلا *** وإلا فان الدمع أندى وأكرم

مصارع ضجت يثرب لمصابها *** وناح عليهن الحطيم وزمزم

ومكة والاستار والركن والصفا *** وموقف جمع والمقام المعظّم

وبالحجر الملثوم عنوان حسرة *** ألست تراه وهو أسود أسحم

وروضة مولانا النبي محمد *** تبدّى عليه الشكل يوم تخرّم

ومنبره العلوي للجذع أعولا *** عليهم عويلا بالضمائر يفهم

ولو قدّرت تلك الجمادات قدرهم *** لدكَّ حراء واستطير يلملم

وما قدر ما تبكي البلاد وأهلها *** لآل رسول اللّه والرزؤ أعظم

لو أن رسول اللّه يحيى بعيدهم *** رأى ابن زياد أمّه كيف تعقم

وأقبلت الزهراء قدّس تربها *** تنادي أباها والمدامع تسجم

تقول أبي هم غادروا ابني نهبه *** كما صاغه قيس وما مجَّ أرقم

سقوا حسناً للسم كأساً رويّة *** ولم يقرعوا سنّاً ولم يتندموا

وهم قطعوا رأس الحسين بكربلا *** كأنهم قد أحسنوا حين أجرموا

فخذ منهم ثاري وسكّن جوانحاً *** وأجفان عين تستطير وتسجم

أبي وانتصر للسبط وأذكر مصابه *** وغلّته والنهر ريان مفعم

وأسر بنيه بعده واحتمالهم *** كأنهم من نسل كسرى تغنّموا

ونقر يزيد في الثنايا التي اغتدت *** ثناياك فيها أيها النور تلثم

إذا صدق الصديق حملة مقدم *** وما فارق الفاروق ماض ولهذم

وعاث بهم عثمان عيث ابن مرة *** وأعلى عليٌ كعب من كان يهضم

وجبَّ لهم جبريل أتعك غارب *** من الغي لا يعلى ولا يتسنم

ص: 12

ولكنها أقدار رب بها قضى *** فلا يتخطى النقض ما هو يبرم

قضى اللّه أن يقضى عليهم عبيدهم *** لتشقى بهم تلك العبيد وتنقم

هم القوم اما سعيهم فمخيب *** مضاع وأما دارهم فجهنم

فيا أيها المغرور واللّه غاضب *** لبنت رسول اللّه ابن تيمم

ألا طرب يقلى ألا حزن يصطفى *** ألا أدمع تجري ألا قلب يضرم

قفوا ساعدونا بالدموع فإنها *** لتصغر في حق الحسين ويعظم

ومهما سمعتم في الحسين مراثياً *** تعبر عن محض الأسى وتترجم

فمدوا أكفاً مسعدين بدعوة *** وصلوا على جد الحسين وسلموا (1)

ص: 13


1- أعلام الأعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام ، ابن الخطيب نسخة خطية ص 38 - 37.

ص: 14

شعراء القرن السابع

اشارة

سنة الوفاة

ابن سناء الملك القاضي السعيد هبة اللّه بن جعفر 608

الشيخ ابراهيم بن نصر 610

أبو الحسن المنصور باللّه عبداللّه بن حمزة بن سليمان 614

علي بن المقرب الاحسائي 629

عبد الرحمن الكتاني 635

كمال الدين الشافعي محمد بن طلحة 652

عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي 655

محمد بن عبد اللّه القضاعي الشهير بابن الابار 658

احمد بن صالح السنبلي 664

أبو الحسين الجزار يحى بن عبد العظيم 672

شمس الدين محمد بن عبيد اللّه الكوفي الواعظ 675

عبد اللّه بن عمر بن نصر الوزان 677

نجم الدين الربعي جعفر بن نجيب الدين محمد 680

علي بن عيسى الاربلي 693

البوصيري محمد بن سعيد الصنهاجي 694

سراج الدين الوراق 695

ص: 15

ص: 16

ابن سناء الملك

قال ابن سناء الملك المتوفي 608 من قصيدة :

ونظمتُها في يوم عا *** شوراءَ من همّي وحزني

يومٌ يناسب غَبن مَن *** قتلوه ظلماً مثل غبني

يوم يساءُ به وفي- *** -ه كلُ شيعيّ وسُنّي

إن لم أعزِّ المسلمي- *** -ن به فإني لا أهنّى

أو كنتُ ممن لا ينو *** ح به فأني لا أغني

قُتِلَ الحسين بكل ضر *** بٍ للبغاة وكلّ طعن

شَنّوا عليه وما سقو *** ه قطرةً من ماءِ شَنّ

أنتَ الوليُّ له تصرّ *** حُ بالولاء ولستَ تكنى

ولأنتَ أولى مَن يبا *** كر قاتليه بكل لعن

وهو الشفيعُ لحاجتي *** ليزيدني مَن لم يُردنى

وقصيدتي أطلقتها *** بالبثّ من صدرِ كسجن

ص: 17

القاضي السعيد هبة اللّه بن جعفر بن المعتمد سناء الملك محمد السعدي المعروف بابن سناء الملك ، ولد سنة 550 ه- كثير النعم وافر الثروة اشتهر بالنظم والنثر الجيّدين وسنّه دون العشرين ، جرت بينه وبين القاضي الفاضل مراسلات كثيرة.

من آثاره : روح الحيوان ، فُصوص الفصول ، ديوان رسائل ، ديوان شعره المطبوع بالقاهرة سنة 1388 ه.

وكان ملماً ببعض اللغات الاجنبية ، فهو يجيد الفارسية ويتقنها ويشير الى ذلك في احدى قصائده التي وجهها إلى القاضي الفاضل :

وعزّ على العرب اني حفظ- *** -ت برغمى بعضِ لغات العجم

قال ابن سعيد في كتابه ( الاغتباط في حلي مدينة الفسطاط ) ج 2 ص 293 انه كان مغالياً في التشيع ، أما شارح الديوان فينفي عنه ذلك ، ومن قوله في مدح القاضي الفاضل :

أصبحت في مدح الاجل موحّداً *** ولكم أتتني من أياديه ثنى

وغدوتُ من حُبّي له متشيّعاً *** يا من رأى متشيعاً متسنناً

أبوه القاضي الرشيد كان يشغل منصباً هاماً ويعتني بتربية ولده هذا.

كانت وفاة الشاعر في العشر الأول من شهر رمضان سنة 608 ه.

ودفن بالقاهرة كما ذكر ابن خلكان في الوفيات.

ولما كان قد حرم عطف أبويه بوفاتهما وهو في ريعان الشباب أكثر من رئائهما فيقول في رثاء امه.

ص: 18

ما لي أُنهنه عنك آمالي *** وأصدّ عنك كأنني قالي

ويرثي أباه في لهفة عارمة كما رثى أمه.

أيا دار في جنات عدن له دار *** ويا جار إن اللّه فيها له جار

وهي قصيدة بلغ فيها الذروة لأنها عصارة نفس.

سأبكي أبي بل ألبس الدمع بعده *** وإني لذيل الدمع فيه لجرّار

وإن فنيت من ناظري فيه أدمع *** لما فنيت من مقولي فيه أشعار

لعلي بعد الموت ألقاه شافعاً *** اذا أثقلتني في القيامة أوزار

وقد بلغت هذه القصيدة تسعة وستين بيتاً وكثير من أبياتها فرائد نفيسة ، وقال في رثاء امه في قصيدته التي مطلعها :

صح من دهرنا وفاة الحياء *** فليطل منكما بكاء الوفاء

والقصيدة طويلة تبلغ تسعة وستين بيتاً ، وفي هذه القصيدة يضيق صدره ولا ينطلق لسانه فيقول :

أنتِ عندي أجل من كل تأبين *** ولو صغت بالثريا رثائى

في ضميري ما ليس يبرز شعري *** لا ولو كنت أشعر الشعراء

ثم يخاطب القبر ويناجيه فيقول :

وإذا ما دعوتُ قبركِ شوقاً *** فبحقى ألا تجيبي ندائي

هل درى القبر ما حواه وما أخ- *** -فاه من ذلك السنى والسناء

فلكم شفّ باهر النور منه *** فرأيت الإغضاء في إغضائي

ص: 19

فاحتفظ أيها الضريح ببدر *** صرت من أجله كمثل السماء

وترفّق به فإنك تسدي *** منّة جمّة إلى العلياء

أنت عندي لما حويت من الط- *** -هر يُحاكيك مسجدٌ بقُباء

لك حجّي وهجرتي ولمن في- *** -ك ثنائي ومدحتي ودعائي

الجنة تحت أقدام الامهات :

اذكريني يوم القيامة يا أمّ *** لئلا أعدُّ في الأشقياء

واشفعى لي فجنّتي تحت أقدا *** مك من غير شبهة وامتراء

فقريب لا شك يأتيك عنى *** بقدومى عليك وفد الهناء

عجّل اللّه راحتي من حياتي *** إنها في الزمان أعظم دائي

وإذا ما الحياة كانت كمثل الدا *** كان الممات مثل الدواء

وقوله في الفخر :

سوايَ يهاب الموت أو يرهبُ الردى *** وغيري يَهوى أن يعيش مخلّدا

ولكنني لا أرهبُ الدهر إن سطا *** ولا أحذر الموت الزؤام إذا عدا

ولو مدّ نحوي حادثُ الدهر كفّه *** لحدثتُ نفسي أن أمُدّ له يدا

توقُّد عزمى يترك الماءَ جمرةً *** وحيلةُ حِلمي تترك السيفَ مُبردا

وأظمأ إن أبدى لي الماء مِنّةً *** ولو كان لي نهرُ المجرّة مَوردا (1)

ولو كان إدراك الهدى بتذللٍ *** رأيتُ الهدى ألا أميل الى الهُدى

وإنك عبدي يا زمانُ وانني *** على الرغم مني أن أُرى لك سيّدا

وما أنا راضٍ أنني واطئ الثرى *** ولي همّة لا ترتضي الأفق مَقعدا

ص: 20


1- المجرة : قطعة من السماء واسعة تشبه المكان المتسع من النهر.

ولي قلمٌ في أنملي إن هززته *** فما ضرّني ألا أهزّ المهندا

إذا صال فوق الطرس وقعُ صريره *** فإن صليل المشرفيّ له صدى

وقال في رثاء صديق له :

بكيتُ فما أجدى حزنتُ فما أغنى *** ولا بد لي أن أجهد الدمع والحُزنا

قبيحٌ قبيحٌ أن أرى الدمع لا يفى *** وأقبح منه أن أرى القلب لا يَغنى

مضى الجوهر الأعلى وأي مروءة *** إذا ما أدخرنا بعده العَرَضَ الأدنى

ثكِلتُ خليلاً صرتُ من بعد ثُكله *** فُرادى وجاء الهمّ من بعده مثنى

وقد كان مثوى القلب معنى سروره *** فقد خَرِب المثوى وقد أقفز المغنى (1)

وقال يرثي امرأة كان يحبّها ويعشقها :

بكيتكِ بالعين التي انتِ أختُها *** وشمس الضحى تبكيك إذ انتِ بنتُها

وتضحك غزلان الفلاة لأنني *** بعينيك لما أن نظرتُ فضَحتُها

ويا منية يا ليتني لم أفز بها *** وأمنيةً يا ليتني ما بلغتُها

شهدتُ بأنّي فيك ألأمُ ثاكل *** لليلة بينٍ متِّ فيها وعشتها

أفاديتي يا ليت أني فديتها *** وسابقتي يا ليت أنّي سبقتها

وقد كنتِ عندي نعمةً وكأنني *** وقد عشت يوماً بعدها قد كفرتها

وما بال نفسي فيك ما كان بختُها *** مماتي لمّا لم يَعش منك بختُها

نعم كبدي لا وجنتي قد لطمتها *** عليك وعيشي لا ثيابي شققتها

أيا دهر قد أوجدتني مذ وجدتها *** فما لك لا أعدمتني إذ عدمتها

تطلبتها من ناظري بعد فقدها *** فضاعت ولكن في فؤادي وجدتها

ص: 21


1- عن الديوان.

ثكلتك بدراً في فؤادي شروقه *** وفاكهة في جنّة الخلد نبتها

على رغمها خانت عهودي وإنه *** جزاء ٌلأني كم وفت لي وخنتها

وأنفقتُ من تبر المدامع للأسى *** كنوزاً لهذا اليوم كنتُ ذخرتها

وسالت على خَديّ من لوعة الجوى *** سيول دموع خضتها ثم عُمتُها

لآلئ دمعي من لآلئ ثغرها *** ففي وقت لثمي كنتُ منه سرقتها

قد اعتذرت نفسي بأن بقاءها *** لتندبَها لكنني ما عذرتها

وجُهدي إما زفرة قد حبستها *** عليها وإما دمعة قد سكبتها

أصارت حصاة القلب مني حقيقة *** حصاةٍ لأنّي بعدها قد نَبذتها

ومعشوقة لي لست أعشق بعدها *** نعم لي أخرى بعدها قد عشقتها

عشقتُ على رغم الحياة منيّتي *** تراني لما أن عشقت أغرتها

أزور فؤادي كلما اشتقت قبرها *** غراماً لأني في فؤادي دفنتها

وأشرق بالماء الذي قد شربته *** وما شرقي إلا لأني ذكرتها

وأمنحها نفسي وروحي وأدمعي *** ولو طلبت مني الزيادة زدتها

محاسنها تحت الثري ما تغيّبت *** كذا بجناني لا بعقلي خِلتها

ولو بليت تلك الحُلى وتنكرت *** وأبصرتها بعد البلى لعرفتها

يُريني خيالي شخصَها وبهاءَها *** ونضرَتها حتى كأنّي نظرتها

غدت في ثراها عاطلاً ويجيدها *** عقود لآلٍ من دموعي نظمتها

فيا لحدها يا ليت أني سكنته *** وأكفانَها يا ليت أني لبستها

فلا تجحدي إن قلتُ قبرُك جنّةٌ *** فرائحة الفردوس منه شممتها (1)

ص: 22


1- عن الديوان.

قاضي السلامية

الشيخ ابراهيم بن نصر قاضي السلامية بالموصل وفاته سنة 610 ه-

يا شهر عاشوراء أذكرتني *** مصارع الاشراف من هاشمِ

أبكي ولا لوم على مَن بكى *** وإنما اللوم على اللائم

ما من بكى فيك أشدّ البكا *** وناحَ بالعاصي ولا الآثم

رزية ما قام في مثلها *** نائحة تندب في مأتم

آل رسول اللّه خير الورى *** وصفوة اللّه على العالم

مثل مصابيح الدجى عفرّت *** وجوههم في الرهج القاتم

رؤوسهم تحمل فوق القنا *** مظلومة شُلّت يد الظالم

ساروا بها يا قبحها فعلة *** مثل مسير الظافر الغانم

كنما الزهراء ليست لهم *** أمّاً ولا الجد أبو القاسم

قل لابن مرجانة لا بد أن *** تَعَضّ كفّ الخاسر النادم

محمد خير بني آدم *** خصمك يا شر بني آدمِ

يطلب منك الثأر في موقف *** ما فيه للظالم من عاصم

وفيه يقتصّ من المعتدي *** بالنار لا بالسيف والصارم (1)

ص: 23


1- عن مجلة البلاغ الكاظمية السنة الأولی العدد الثاني ص 7 بقلم الدكتور مصطفی جواد.

الشيخ إبراهيم بن نصر قاضي السلامية بالموصل تلقى دراسته في المدرسة النظامية ببغداد وسمع بها الحديث على الوزير عون الدين يحيى بن محمد الحنبلي. وكانت وفاته في السنة العاشرة بعد الستمائة للهجرة. وقد جاء ذكره في كتاب ( الطبقات ) للشافعي وكتاب ( وفيات الأعيان ) لابن خلكان ج 1 ص 8 ما نصه : أبو إسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر الملقب ظهير الدين قاضي السلامية ، الفقيه الشافعي الموصلي.

ذكره ابن الدبيثي في تاريخه فقال : أبو إسحق من أهل الموصل تفقه على القاضي أبي عبد اللّه الحسين بن نصر بن خميس الموصلي بالموصل وسمع منه ، قدم بغداد وسمع بها من جماعة وعاد الى بلده وتولى قضاء السلامية - إحدى قرى الموصل - وروى باربل عن أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الانباري النحوي شيئاً من مصنفاته سمع منه ببغداد وسمع منه جماعة من أهلها انتهى كلامه. وكان فقيهاَ فاضلاً أصله من العراق من السندية تفقه بالمدرسة النظامية ببغداد وسمع الحديث ورواه وتولى القضاء بالسلامية وهي بلدة بأعمال الموصل مدّته بها وغلب عليه النظم ونظمه رائق فمن شعره :

لا تنسبوني يا ثقاتي إلى *** غدر فليس الغدر من شيمتي

أقسمت بالذاهب من عيشنا *** وبالمسرات التي ولّت

إني على عهدكم لم أحل *** وعقدة الميثاق ما حلّت

ومن شعره أيضا :

جود الكريم إذا ما كان عن عدة *** وقد تأخّر لم يسلم من الكدر

ان السحائب لا تجدي بوارقها *** نفعاً إذا هي لم تمطر على الأثر

ص: 24

وما طل الوعد مذموم وان سمحت *** يداه من بعد طول المطل بالبُدر

يا دوحة الجود لا عتب على رجل *** يهزها وهو محتاج الى الثمر

وكان بالبوازيج وهي بليدة بالقرب من السلامية زاوية لجماعة من الفقراء إسم شيخهم مكي فعمل فيهم :

الا قل لمكي قول النصوح *** فحق النصيحة أن تستمع

متى سمع الناس في دينهم *** بأن الغِنا سُنّةٌ تتبع

وأن يأكل المرء أكل البعير *** ويرقص في الجمع حتى يقع

ولو كان طاوي الحشا جائعاً *** لما دار من طرب واستمع

وقالوا سكرنا بحب الاله *** وما أسكر القوم إلا القصع

كذاك الحمير إذا أخصبت *** ينقزّها ريّها والشبع

ذكره ابو البركات بن المستوفى في تاريخ إربل وأثنى عليه وأورد له مقاطيع عديدة ماتبات جرت بينهما وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال شابٌ فاضل ومن شعره قوله :

أقول له صلني فيصرف وجهه *** كأني أدعوه لفعل محرّم

فان كان خوف الأثم يكره وصلتي *** فمن أعظم الآثام قتلة مسلم

توفي يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر سنة عشر وستمائة بالسلامية رحمه اللّه تعالى ، وكان له ولد اجتمعتُ به في حلب وأنشدني من شعره وشعر أبيه كثيراً وكان شعره جيّداً ويقع له المعاني الحسنة ، والسلامية بفتح السين المهملة وتشديد اللام وبعد الميم ياء مثناة من تحتها ثم هاء وهي بليدة على شط الموصل من الجانب الشرقي أسف الموصل بينهما مسافة يوم فالموصل في الجانب الغربي وقد خربت السلامية القديمة التي كان الظهير قاضيها وأنشئت بالقرب منها بليدة أخرى وسموها السلامية أيضا.

ص: 25

أبو الحسن المنصور باللّه

المتوفي سنة 614

بني عمّنا إن يوم الغدير *** يشهد للفارس المعلم

أبونا عليّ وصيّ الرسول *** ومن خصّه باللوا الأعظم

لكم حرمة بانتساب إليه *** وها نحن من لحمه والدم

لإن كان يجمعنا هاشم *** فأين السنام من المنسم؟

وإن كنتم كنجوم السماء *** فنحن الأهلّة الأنجم

ونحن بنو بنته دونم *** ونحن بنو عمّه المسلم

حماه أبونا أبو طالب *** وأسلم والناس لم تسلم

وقد كان يكتم إيمانه *** فأما الولاء فلا يكتم

واي الفضايل لم نحوها *** ببذل النوال وضرب الكمى؟

قَفونا محمد في فعله *** وأنتم قفوتم أبا مجرم (1)

هدى لكم الملك هدي العروس *** فكافيتموه بسفك الدم

ورثنا الكتاب وأحكامه *** على مفصح الناس والأعجم

فإن تفزعوا نحو أوتاركم *** فزعنا إلى آية المحكم

أشرب الخمور وفعل الفجور *** من شيم النفر الأكرم (2)

ص: 26


1- يعني أبا مسلم الخراساني عبد الرحمن القائم بالدعوة العباسية سنة 129.
2- عن الحدائق الوردية.

قتلتم هداة الورى الطاهرين *** كفعل يزيد الشقيّ العمى

فخرتم بملك لكم زايلٍ *** يقصّر عن ملكنا الأدوم

ولا بدّ للملك من رجعةٍ *** إلى مسلك المنهج الأقوم

إلى النفر الشم أهل الكسا *** ومن طلب الحق لم يظلم

هذه الأبيات نظمها المترجم له في جمادي الاولى سنة 602 يعارض بها قصيدة ابن المعتز الميميّة التي أوّلها : (1)

بني عمّنا! ارجعوا ودّنا *** وسيروا على السنن الأقوم

لنا مفخر ولكم مفخر *** ومن يؤثر الحق لم يندم

فأنتم بنوا بنته دوننا *** ونحن بنوا عمّه المسلم

وقوله :

عجبت فهل عجبت لفيض دمع *** لموحشة على طلل ورسم

وما يغنيك من طلل محيلٍ *** لهندٍ أو لجمل أو لنعم

فعدن عن المنازل والتّصابي *** وهات لنا حديث غدير خم

فيا لك موقفاً ما كان أسنى *** ولكن مرّ في آذان صمّ

لقد مال الكنام معاً علينا *** كأنّ خروجنا من خلف ردم

هدينا الناس كلّهم جميعاً *** وكم بين المبيّن والمعمّى؟

فكان جزاؤنا منهم قراعاً *** ببيض الهند في الرهج الأجمّ

ثم قتلوا أبا حسن عليّاً *** وغالوا سبطه حسناً بسمّ

وهم حَضروا الفرات على حسين *** وما صابوه من نصل وسهم

ص: 27


1- في الحدائق الوردية.

أبو الحسن المنصور باللّه ولد سنة 561 وتوفي سنة 614.

هو الامام المنصور باللّه عبد اللّه بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة ابن هاشم بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن ابى محمد عبد اللّه بن الحسين بن ترجمان الدين القاسم بن اسماعيل بن ابراهيم طباطبا بن الحسن بن الحسن بن الامام علي بن ابي طالب علیه السلام .

أحد أئمة الزيدية في ديار اليمن ، ألّف كتباً ممتعة في شتى المواضيع من الفقه وأصوله والكلام والحديث والمذهب والادب. ذكر الشيخ الاميني جملة منها وقال : انه قرن بين شرف النسب والمجد المكتسب وضمّ الى شرفه الوضاح علما جماً والى نسبه العلوي الشريف فضائل كثيرة جمع بين السيف والقلم فرفّ عليه العلم والعَلم ، فأصبح إمام اليمن في المذهب ، وفي الجبهة والسنام من فقهائنا ، كما أنه عدّ من أفذاذ مؤلفيها وأشعر الدعاة من أئمتها بل أشعر أئمة الزيدية على الاطلاق كما قال صاحب الحدائق ونسمة السحر.

وكان آية في الحفظ. قرأ في الأصولين على حسام الدين أبي محمد الحسن بن محمد الرصاص وألّف كتباً ممتعة في شتى المواضيع من الفقه واصوله والكلام والحديث والمذهب والادب منها :

1 - صفوة الاختيار في اصول الفقه.

2 - الشافي في اصول الدين. اربعة اجزاء.

3 - الاجوبة الكافية بالادلة الوافية.

ص: 28

4 - الاختيارات المنصورية في المسائل الفقهية.

5 - كتاب الفتاوي ، مرتب على كتب الفقه.

6 - الرسالة الحاكمة بالادلة العالمة.

7 - العقيدة النبوية في الاصول الدينية.

8 - الرسالة النافعة بالادلة القاطعة.

9 - الرسالة الناصحة بالادلة الواضحة ، في جزئين ، الاول في اصول الدين والثاني في فضائل العترة الطاهرة.

10 - حديقة الحكم النبوية شرح الاربعين السلفية.

11 - الرسالة الفارقة بين الزيدية والمارقة.

12 - الرسالة الكافية الى أهل العقول الوافية.

13 - الرسالة القاهرة بالادلة الباهرة في الفقه.

14 - الجوهرة الشفافة في جواب الرسالة الطوافة (1).

وغير ذلك من المؤلفات التي جاء ذكرها في كتب السيرة.

كان المترجم يجاهد ويجادل دون دعايته في الامامة ، وله في ذلك مواقف ومجاهدات ، وكان بدء دعوته سنة 593 في شهر ذي القعدة ، وبايعه الناس في ربيع الأول سنة 594 وأرسل دعاته الى خوارزم شاه المتوفي 622 وتلقاهم السلطان بالقبول والاكرام ، واشغل ردحا من الزمن منصة الزعامة في الديار

ص: 29


1- والطوافة رسالة أنشأها رجل متفلسف أشعري مصري تحتوي على نيف وأربعين مسألة في أصول الدين.

اليمنيّة الى أن توفي سنة 614 وكانت ولادته سنة 561 ومن مختار ما رثي به قصيدة ولده الناصر لدين اللّه أبي القاسم محمد بن عبد اللّه.

وفي الحدائق الوردية ترجمة ضافية للمترجم له في ستين صحيفة تحتوي على جملة من كتاباته وخطاباته في دعاياته وجهاده وشطراً وافياً من شعره في مواضيع متنوعة.

ص: 30

علي بن المقرب

المولود سنة 572 والمتوفي 629

قال يرثي الحسين

يا واقفا بدمنة ومربع *** إبكِ على آل النبي أودع

يكفيك ما عانيتَ من مصابهم *** من أن تُبكّى طللاً بلعلع

تُحبّهم قلتَ وتبكي غيرَهم *** إنك فيما قُلتَه لمدّع

أما علمت أن إفراط الأسى *** عليهم علامة التشيع

أقوت مغانيهم فهنّ بالبُكا *** أحقّ من وادي الغضا والأجرع

يا ليت شعري من أنوح منهم *** ومَن له يَنهل فيضُ أدمعي

أللوصي حينَ في محرابه *** عُمّمَ بالسيف ولمّا يَركع (1)

أم للبتول فاطمٍ إذ مُنعت *** عن إرثها الحق بأمرٍ فجُمع

وقولُ مَن قال لها يا هذه *** لقد طلبتِ باطلا فارتدعي

أبوكِ قد قال بأعلى صوته *** مصرّحاً في مجمع فمجمع

ص: 31


1- عن ديوانه المطبوع بمصر سنة 1383 ه- 1963 م.

نحن جميع الأنبياء لا نرى *** أبناءنا لإرثنا من موضع

وما تركناه يكون مغنماً *** فارضي بما قال أبوك واسمع

قالت فهاتوا نحلتي من والدي *** خيرِ الانام الشافع المشفّع

قالوا فهل عندك من بيّنةٍ *** نسمع معناها جميعاً ونعي

فقالت إبنايَ وبعلي حيدر *** أبوهما أبصر به وأسمِع

فأبطلوا إشهادهم ولم يكن *** نص الكتاب عندهم بمقنع

ولم تزل مهضومة مظلومة *** بردِ دعواها ورضّ الاضلع

وأُلحِدت في ليلها لغيضها *** عليهم سرّاً بأخفى موضع (1)

ومنها :

أم للذي أودت به جُعدتهم *** يومئذٍ بكأسٍ سُمٍّ منقع

وإنّ حُزني لقتيل كربلا *** ليس على طول البلى بمقلع

اذا ذكرتُ يومه تحدّرت *** مدامعي لأربع في أربع

يا راكباً نحو العراق جرشعاً *** يُنمى لعبديّ النجار جرشع (2)

إذا بلغتَ نينوى فقف بها *** وقوفَ محزون الفؤاد موجع

والبس إذا اسطعتَ بها ثوب الأسى *** وكلّ ثوبٍ للعزاء المُفجع

فإن فيها للهدى مصارعاً *** رائعةً بمثلها لم يُسمع

فاسفح بها دمعك لا مستبقياً *** في غربه وبح غراماً واجزع

فكلّ دمعٍ ضائع منك على *** غيرِ غريب المصطفى المضيّع

ص: 32


1- هذه القطعة من القصيدة التي تخص الزهراء فاطمة علیهاالسلام رواها صاحب كتاب ( إثباة الهداة ).
2- الجرشع : العظيم من الابل والخيل.

لله يوماً بالطفوف لم يدع *** لمسلم في العيش من مستمتع

يومٌ به اعتلت مصابيح الدجى *** بِعارضٍ من الضلال مُفزع

يومٌ به لم يبق من دعامةٍ *** تشدّ ركن الدين لم تُضعضع

يومٌ به لم يبق من داعية *** تدعو إلى الشيطان لم تُبتدع

يومٌ به لم يبق من غمامة *** تحيى ثرى الاسلام لم تُشيّع

يومٌ به لم تبق قطٌ رايةً *** تهدي إلى ضلالةٍ لم تُرفع

يوم به لم يبق قطّ مارنٌ (1) *** ومعطسٌ للحق لم يَنجدع

يوم به لم تبق من وسيلة *** حقاً لآل المصطفى لم تُقطع

يوم به الكلب الدريع يَعتدي *** على هزبر الغابة المُدرّع

يوم به غودرَ سبطُ المصطفى *** للعاسلات والسباع الخُمّع

لهفى له يدعو الطعان مُعلناً *** دعاءَ مأمون الفرار أروع

يقول يا شر الأنام أنتم *** أكفر من عاد وقوم تُُبّع

كاتبتموني بالمسير نحوكم *** وقلتم خُذ في المسير أودع

فنحن طوعٌ لك لم ننس الذي *** لكم من العهد ولم نُضيّع

حتى إذا جئت لما يُصلحكم *** من إرث جدي وذراريه معي

لقيتموني بسيوفٍ في الوغى *** منتضياتٍ ورماحٍ شُرّع

هل كان هذا في سجلاتكم *** يا شر مرأى للورى ومسمع

هل لكم في أن تفوا ببيعتي *** أن تسمحوا لي عنكم بمرجع

قالوا له هيهات ذاك إنه *** مالك في سلامةٍ من مطمع

بايع يزيداً أو ترى سيوفنا *** هامكم يقعنَ كل موقع

فعندها جرّد سيفاً لم يضع *** نجاده منه بأيّ موضع

ص: 33


1- المارن : الانف أو طرفه أو ما لان منه. والمعطس : الانف أيضاً ، وجدع الانف قطعه وهو كناية عن القهر والارغام.

وعاث في أبطالهم حتى اتّقى *** من بأسه الحاسر بالمقنّع

وحوله من صحبه كل فتى *** حامي الذمار بطلٍ سَميدع

كم غادرٍ غادره مجدّلاً *** والخيل تردى والكماة تَدّعي

حتى رماه الرجس شُلت يدُه *** عن بارع الرمية صُلبِ المنزع

فخرّ والهفا له كأنما *** عليه ردع أو خَلوقٌ أودع (1)

من بعد أن لم يبق من أنصاره *** غيرُ طعام أنسُرٍ وأضبعِ

ثَمَتّ مالوا للخيام مَيلةً *** قالت لركن الدين إيهاً فقع

ضرباً ونهباً وانتهاك حرمةٍ *** وذبحُ أطفالٍ وسلب أذرعِ

لقد رأوا في الفكر تعساً لهم *** راي قُدارٍ (2) رأيهم فيصدع

وأين عَقر ناقة مما جَنوا *** يا للرجال للفعال الأشنع

ما مثلها في الدهر من عظيمة *** لقد تعدّت كل أمر مفظع

تسبى ذراري المصطفى محمد *** رضاً لشانيه الزنيم الأوكع

يا لهف نفسي للحسين بالعرا *** وقد أقيم أهله بجعجع

لهفي لمولاي الشهيد ظامئاً *** يذاد عن ماء الفرات المترع

لم تسمح القوم له بشربةٍ *** حتى قضى بغلّةٍ لم تنقع

لهفي له والشمر فوق صدره *** لحَيَنِ أوداج وهشم أضلع

لهفي له ورأسه في ذابل *** كالبدر يَزهى في أتمّ مطلع

لهفي لثغر السبط إذ يقرعه *** مَن سيودُ أنه لم يَقرع

يا لهف نفسي لبنات أحمدٍ *** بين عطاش في الفلا وجُوّع

يُسقن في ذل السبا حواسراً *** إلى الشام فوق حسرى ضُلّع

ص: 34


1- الردع : الزعفران أو لطخ من الدم. والخلوق ضرب من الطيب.
2- قدار اسم امرأة سعت في عقر ناقة النبي صالح.

يقدمهنّ الرأس في قناته *** هديّةً إلى الدعي ابن الدعي

يندبن يا جداه لو رأيتنا *** نُسلَبُ كل مِعجرٍ وبُرقع

نُهدى الى الطاغي يزيدَ لُعَناً *** شعثاً بأسوا حالةٍ وأبدع

يَحدي بنا حادٍ عنيفٌ سيره *** لو قيل إربع ساعةً لم يَربع

يتعبنا السير فيستحثّنا *** إذا تخلّفنا بضربٍ موجع

ولو ترى السجاد في كبوله *** يضرب ضرب النعم المسلّع

يعزز عليك جدّنا مقامنا *** ومصرعٌ في الطف أيُ مصرع

استأصلوا رجالنا وما اكتفوا *** بسبي نسوانٍ وذبحُ رضع

ثم يَصحن يا حسيناه أما *** بعد فراق اليوم من تجمّع

خلفتنا بعدك وقفاً مُحجَراً *** على الحنين والنوى والجزع

واعجباً للأرض كيف لم تسخ *** وللسماء كيف لم تُزعزع

فلعنة الرحمن تغشى عصبةً *** غزتهم وعصبة لم تَدفع

يا آل طه أنتم وسيلتي *** عند الإله وإليكم مفزعي

واليتكم كيما أكون عندكم *** تحت لواء الأمن يوم الفزع

وإن منعتم مَن يوالي غيركم *** إن يرد الحوض غداً لم أُمنَع

إليكم نفثة مصدور أتت *** من مصقعٍ ندب وأيّ مصقع

مقربيّ عربيٌ طبعه *** ونجره ، وليس بالمدرّع

يُنمى الى البيت العيونيّ إلى *** أجل بيتٍ في العلى وأرفع

عليكم صلى الإله وسقى *** أجداثكم بكل غيث مُمرع

أقول وهذه القصيدة ذكر قسماً من أبياتها السيد الامين في الجزء 41 من أعيان الشيعة ورواها عن كتاب ( مطلع البدور ومجمع البحور ) لصفي الدين احمد بن صالح بن أبي الرجال.

ص: 35

علي بن المقرب الاحسائي

توفي سنة 629 وله ديوان شعر مطبوع. ذكره صاحب أنوار البدرين قال : ومن أدبائها البلغاء وامرائها النبلاء الامير علي بن مقرب الاحسائي ينتهي نسبه الى عبد اللّه بن علي بن ابراهيم العيوني الذي ازال دولة القرامطة لذلك قال في بعض قصائده

سل القرامط من شطى جماجمهم *** طراً وغادرهم بعد العلا خدما

وما بنوا مسجداً لله نعلمه *** بل كلما وجدوه قائما هدما

له شعر كثير في أهل البيت علیهم السلام وفي الحسين علیه السلام خاصة منها المرثية في نظم مقتل الحسين (عليه السلام) ومنها القصيدة المشهورة التي أولها

من أي خطب فادح نتألم *** ولأيّ مرزية ننوح ونلطم

وقال الحر العاملي في ( أمل الامل ) : الامير الكبير علي بن مقرب ، عالم فاضل جليل القدر شاعر أديب ، له ديوان شعر كبير حسن ، فمن شعره قوله يا واقفا بدمنة ومربع. القصيدة

اقول : ذكره السيد الأمين في الأعيان في ثلاثة مواضع

ص: 36

1 - الجزء 41 ص 327 وقال : هو من آل عيون أمراء الاحساء ، توفي في حدود سنة 651 ومن شعره قوله

خذوا عن يمين المنحنى أيها الركبُ *** لنسأل ذاك الحي ما فعل السرب

2 - الجزء 42 ص 164 وقال : كان المترجم أديبا فاضلا ذكيّا أبيّاً شاعراً مصقعاً من شعراء أهل البيت ومادحيهم المتجاهرين ، اذا النفس الأبيّة والأخلاق المرضية والشيم الرضية ، وقد كشف جامع ديوانه وشارحه كثيراً من أحواله بتفصيله وإجماله ثم ذكر أبياتاً من قصيدته التي أولها

من أيّ خطب فادح نتألّم *** ولأي مرزية ننوح ونلطم

وفي نظمه الحماسة والأمثال الجيدة مع البلاغة المستحسنة ، وقد أصابته من بني عمه نكبات أوجبت له تجشم الغربات.

3 - الجزء 56 ص 3 وقال : نشرتُ له ترجمة موجزة في الجزء الواحد والاربعين ثم نشرت له ترجمة أكثر تفصيلا في الجزء الثاني والاربعين ولكن وقع خطأ في تاريخ وفاته ، ونضيف هنا الى ما في الجزء الثاني والاربعين ما جاء في كتاب : ( ساحل الذهب الاسود ) وقد جعل تاريخ وفاته سنة 629 نظم الشعر في سنّ مبكرة وهو لا يتجاوز العاشرة من العمر وقضى أيام شبابه بالاحساء ، وكان طموحاً للملك وقد شاهد بأم عينه مدى التناحر والانشقاق في الأسرة العيونية وطمع كل امير في الاستئثار بالملك حتى تجزأت بلاد البحرين الى امارات بين أسرته وظلّ كل امير يثب على ابن عمه او اخيه فيقاتله او يقتله. وقد اصاب الشاعر شيء من هذه المحنة فصادر ابو المنصور املاكه وسجنه ، ولما اطلق سراحه غادر الاحساء الى بغداد ، وحين تولّى محمد بن ماجد عاد الى مسقط رأسه فمدحه أملاً منه في استرجاع أملاكه فماطل في وعده ووشى به بعض الحساد من جلساء الأمير فخاف الشاعر على نفسه

ص: 37

فغادرها الى القطيف ولبث فيها فترة مدح اميرها الفضل بن محمد دون جدوى ، ثم عاد اخيراً الى الاحساء أملاً منه في اصلاح الوضع فلما يئس غادرها الى الموصل حيث مدح اميرها بدر الدين بقصائد كما هجاه اخيراً إذ لم يصل منه الى غاياته - وكان هذا الأمير مملوكا أرمنيّا ، فمما قال فيه

تسلّط بالحدباء عبد للؤمه *** اذا ايقظته لفظة عربيّة بصير

إذا ايقظته لفظة عربيّة *** الى المجد قالت ارمنيّته نَم

أقول وكتب عنه الدكتور مصطفى جواد في مجلة البلاغ الكاظمية العدد الثاني من السنة الاولى ص 15 تحت عنوان : شعراء منسيون من محبي آل البيت علیهم السلام فقال :

كمال الدين علي بن مقرب العيوني من قرية العيون بالبحرين وبها ولد سنة 572 ولكنه طوّف في بلاد العرب ووزع شعره بينها ومدح الخلفاء والملوك والامراء والكبراء والعلماء بشعره العربي الناصع العروبة البدوي اللّهجة المفعم كياسة وحماسة.

قدم ابن المقرب بغداد وأقام بها سنة 610 وسنة 614 وسمع الرواة والادباء عليه شعره أو كثيراً منه ، وكانت ولادته بالاحساء من البحرين وتوفي بالبحرين في المحرم سنة 631 وكان لبداوته يعقد القاف كافا فيقول ( الكلب ) بدلا من القلب

أقول وذكر قسما من قصيدته التي أولها

يا باكيا لدمنة في مربع *** ابكِ على آل النبي أودع

واللّه ما تكذيبهم لفاطم *** والحسنين والإمام الانزع

بل للنبي والكتاب والذي *** أنزله لوحيه الممتنع

ص: 38

وقال ، وهي مما قاله بالاحساء.

إلى مَ انتضاري أنجمَ النحس والسعد *** وحتى م صمتي لا أُعيد ولا أُبدي

لقد ملّ جنبي مضجعي من إقامتي *** وملّ حسامي من مجهاورة الغمد

ولَجّ نجيبي في الحسين تشوّقاً *** إلى الرحل والأنساع والبيد والوخد

واقبل بالتصهال مهري يقول لي *** أأبقى كذا لا في طراد ولا طرد

لقد طال إغضائي جفوني على القذى *** وطال امترائي الدر من بُحُر جُدّ

عذوليّ جوزا بي فليس عليكما *** غواي الذي أغوى ولا لكما رشدي

أجدّكما لا أبرح الدهر تابعاً *** وعندي من الغرم الهماميّ ما عندي

أمثلي مَن يعطى مقاليد أمره *** ويرضى بأن يُجدى عليه ولا يُجدي

إذا لم تلدني حاصنٌ وائليّة *** مقابلة الآباء منجبة الولد

خئولتها للحوفزان وتنتمي *** إلى الملك الوهّاب مسلمة الجعد

يظن نحولي ذو السفاهة والغبا *** غراماً بهندٍ واشتياقاً الى دعد

ص: 39

ولم يدر أني ماجدٌ شفّ جسمه *** لقاءُ همومٍ خيلها أبداً تردي

قليل الكرى ماض على الهول مقدم *** على الليل والبيداء والحرّ والبردِ

عدمتُ فؤاداً لا يبيتُ وهمّه *** كرام المساعي وارتقاءٌ الى المجد

لعمري ما دعدٌ بهمى وإن دنت *** ولا لي بهندٍ من غرام ولا وجد

ولكنّ وجدي بالعلا وصبابتي *** لعارفةٍ اسدى ومكرمةٍ أجدي

إلى كم تقاضاني العلا ما وعدتها *** وغير رضاً إنجازك الوعد بالوعد

وكم أندب الموتى واسترشح الصفا *** وأستنهض الزمنى وأعتان بالرمد

وأمنح سعي والمودة معشراً *** أحقّ بمقتٍ من سواعٍ ومن وَدّ (1)

الى اللّه أشكو عثرةً لو تدوركت *** بتمزيق جلدي ما أسفت على جلدي

مديحى رجالاً بعضهم أتقى به *** أذاه وبعضاً للمراعاة والودّ

فلا الودّ كافي ذا ولا ذا كفى الاذى *** ولا نظروا في باب ذم ولا حمد

ص: 40


1- اسمان لصنمين من اصنام الجاهلية.

فكيف بهم لو جئتهم متشكياً *** خصاصة أيامي وسمتهُم رفدي

فكنت وإهدائي المديح إليهم *** كغابط أذناب المهلّبة العقد

وقائله هوّن عليك فإنها *** متاع قليل والسلامة في الزهد

فإن علت الروس الذنابى لسكرةٍ *** من الدهر فاصبر فهو سكرٌ الى حدّ

فقد تملك الانثى وقد يلثم الحصى *** ويتّبع الاغوى ويُسجد للقرد

ويعلو على البحر الغثاء ويلتقى *** على الدر أمواج تزيد على العد

وكم سيدٍ أمسى يُكفّر طاعةً *** لأسود لا يزجى لشكمٍ ولا شكد

ولا بد هذا الدهر من صحو ساعةٍ *** يبين لنا فيها الضلال من القصد

فقلت لها : عني إليك فقلّما *** يعيش الفتى حتى يوسدّ في اللحد

أبى اللّه لي والسوددان بأن أرى *** بأرضٍ بها تعدو الكلاب على الاسد

ألم تعلمى أن العتوّ نباهةٌ *** وأن الرضا بالذل من شيمة الوغد

وأن مداراة العدو مهانة *** إذا لم يكن من سكرة الموت من بُد

أأرضى بما يرضى الدنيّ وصارمى *** حسامٌ وعزمي عزم ذي لُبدة ورد

سأمضي : على الأيام عزم ابن حرةٍ *** يُفدّى بآباء الرجال ولا يُفدى

فإن أدرك الامر الذي أنا طالب *** فياجد مستجدٍ ويا سعد مستعد

وإن اخترم من دون ما أنا آمل *** فيا خيبة الراجي ويا ضيعة الوفد

ص: 41

وإني من قوم يبين بطفلهم *** لذى الحدس عنوان السيادة في المهد

فإن لم يكن لي ناصر من بني أبي *** فحزمى وعزمى يغنيان عن الحشد

وإن يدرك العليا همامٌ بقومه *** فنفسي تناجيني بادراكها وحدي

وإني لبدر ريع بالنقص فاستوى *** كمالاً وبحر يعقب الجزر بالمد

إذا رجفت دار العدو مخافتي *** فلا تسألاني عن سعيدٍ ولا سعد

فآه لقومي يوم أصبح ثاوياً *** على ماجد يحيى مكارمهم بعدي

وإني في قومي كعمرو بن عامر *** ليالي يعصى في قبائله الازد

أراهم أمارات الخراب وما بدا *** من الجرذِ العيّاث في صخرها الصلد

فلم يرعووا مع ما لقوا فتمزقوا *** أيادي سبا في الغور منها وفي النجد

وكم جرذٍ في أرضنا تقلع الصفا *** وتقذف بالشم الرعان على الصمد

خليليّ ما دار المذلة فاعلما *** بداري ولا من ماء أعدادها وردي

ولا لي في أن أصحب النذل حاجة *** لصحة علمي أنه جربٌ يعدي

أيذهب عمري ضلّة في معاشر *** مشائيم لا تُهدى لخير ولا تَهدي

سهادهم فيما يسوء صديقهم *** وأنوَمَ عن غمّ العدو من الفهد

اذا وعدوا الأعداء خيراً وفوا به *** وفاء طغام الهند بالنذر للبد

وشرهم حق الصديق فإن هذوا *** بخير له فلينتظر فتحة السد

ستعلم هند أنني خير قومها *** وأني الفتى المرجو للحل والعقد

وأني إذا ما جلّ خطب وردته *** بعزمة ذي جد وإقدام ذي جد

وأن أيادي القوم أبسطها يدي *** وإن زناد الحي أثقبها زندي

ص: 42

وأني متى يدعى إلى البأس والندى *** فأحضرها نصري وأجزلها وردي

وأن كرام القوم لا نُهز العدى *** ليوجعها عتبى ويؤلمها فقدي (1)

وقال :

غداً نغتدي للبين أو نتروّح *** وعند النوى يبدو الغرامُ المبرّح

غداً تقفز الأطلل ممن نودّه *** ويمسي غراب البين فيها ويصبح

غداً تذهب الأظعان يمنى ويسرةً *** ويحدو تواليها نجاح ومنجح

فيا باكياً قبل النوى خشية النوى *** رويداً بعين خفنها سوف يقرح

ولا تعجلن واستبق دمعك إنني *** رأيت السحاب الجون بالقطر ينزح

إذا كنت تبكي والأحبة لم يرد *** ببينهم إلا حديثٌ مطوّح

فكيف إذا ما أصبحت عين مالك *** وحبل الغضا من دونهم والم سيّح

فكف شئون الدمع حتى تحثّها *** غداً ثم تهمي كيف شاءت وتسفح

خليليّ هُبّا من كرى النوم وانظرا *** مخائل هذا البرق من حيث يلمح

لقد كدتُ مما كاد أن يستفزني *** أبوح بسري في الهوى وأصرّح

ذكرت به ثغر الحبيب وحسنه *** إذا ما تجلى ضاحكاً وهو يمرح

ويا حبذا ذاك الجبين الذي غدا *** يلوح عليه الزعفران المذرّح

[ فكم ليلةٍ قد كاد يخطف ناظري *** ونحن بميدان الدعابة نمرح (2)

ص: 43


1- عن الديوان المطبوع.
2- عن الديوان ص 130.

عبد الرحمن الكتاني

وفاته 635

بدر الدين عبد الرحمن الكتاني العسقلاني كان في بغداد فجاء مطر كثير يوم عاشوراء - وكان فصل الصيف فقال :

مطرت بعاشورا وتلك فضيلة *** ظهرت فما للناصبي المعتدي

واللّه ما جاد الغمام وإنما *** بكت السماء لرزء آل محمد (1)

ص: 44


1- رواها ابن شاكر في فوات الوفيات وفريد وجدي في دائرة معارف قرن العشرين.

عبد الرحمن بن ابي القاسم بن غنائم بن يوسف ، الاديب ، بدر الدين الكتاني العقلاني ، بن المسجف ، الشاعر.

قال ابن شاكر في فوات الوفيات ج 1 ص 537.

ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، وتوفي سنة خمس وثلاثين وستمائة. وكان اديباً ظريفاً خليعاً ، وتوفي فجأة وكان بدر الدين يتجر ، وله رسوم على الملوك واكثر شعره في الهجو فمن شعره قوله :

يا رب كيف بلوتني بعصابة *** ما فيهم فضل ولا إفضال

تمنافري الاوصاف يصدق فيهم *** الهاجي وتكذب فيهم الآمال

غطّى الثراء على عيوبهم وكم *** من سوء غطّى عليها المال

جُبَنا اذا استنجدتهم لملمّة *** لؤما اذا استرفدتهم بُخّال

فوجوههم غرف على أموالهم *** وأكفّهم من دونها أقفال

هم في الرخاء اذا ظفرت بنعمة *** آل وهم عند الشدائد آل (1)

وفي دائرة معارف فريد وجدي مادة ( سجف ) هو عبد الرحمن بن القاسم ابن غنائم بن يوسف قال : القوصى في معجمه :

كان الشريف شهاب الدين بن الشريف فخر الدولة ابن ابي الحسن الحسيني رحمه اللّه تعالى لما ولاه السلطان الناصر الكتابة على الطالبيين من الأشراف

ص: 45


1- آل الأول أصله اهل ، وآل الثاني هو السراب الذي تراه وسط النهار فتحسبه ماء وليس بماء.

اجتمع في داره ليهنئه جماعة الولاة والقضاة والصدور وسألني الجماعة إنشاء خطبة تقرأ أمام قراءة المنشور فذكرت خطبة على البديهة جمعت فيها بين أهل البيت علیهم السلام وبين شكر السلطان على توليته وما أولاه من الاحسان ، فحضر بدر الدين بن المسجف رحمه اللّه تعالى المجلس وأنشد هذه الأبيات لنفسه :

دار النقيب حوت بمن قد حلّها *** شرفاً يقصّر عن مداه المطنب

أضحت كسوق عكاض في تفضيلها *** وبها شهاب الدين قسّ يخطب

الفاضل القوصي أفصح مَن غدا *** عن فضله في العصر يعرب معرب

ومن شعره يمدح ابا الوفاء راجح الاسدي :

يقولون لي ما بال حظك ناقصاً *** ردى راجح رب الشهامة والفضل

فقلت لهم إني سمي ابن ملجم *** وذلك اسم لا يقوله به ( حِلي ) (1)

وقال يمدح الكمال القانوني :

لو كنتَ عاينتَ السرور وجسّه *** أوتار قانون له في المجلس

لرأيت مفتاح السرور بكفّه *** اليسرى وفي اليمنى حياة الانفس

وقال :

ولد مدحتهم على جهل بهم *** وظننت فيهم للصنيعة موضعا

ورجعت بعد الاختبار أذمّهم *** فأضعتُ في الحالين عمري أجمعا

ص: 46


1- نسبة الى الحلة السيفيّة وهو يشير الى أن أهل الحلة شيعة فهم لا يسمون عبد الرحمن.

وذكر له جملة من الأهاجي أعرضنا عنها.

تعليق على البيتين الاولين في بكاء السماء.

تواتر النقل ببكاء المخلوقات لمقتل الحسين بن علي علیه السلام قال ابن عساكر في تاريخه : لم تبك السماء على احد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي ، وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة كثيرا في هذا الباب ، منها ما رواه باسناده عن امير المؤمنين علي علیه السلام وقد مرّ بكربلا. فقال : ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وها هنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض.

واخرج الحافظ ابو نعيم في كتابه ( دلائل النبوة ) وأورده ابن حجر في صواعقه باسناده ، قالت نصرة الازدية لما قتل الحسين ابن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملؤة دما.

وقال ابن حجر في الصواعق : ومما ظهر يوم قتله من الآيات أيضاً أن السماء اسودت اسوداداً عظيما حتى رؤيت النجوم نهاراً.

قال ولم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط.

وعن الثعلبي ان السماء بكت وبكاؤها حمرتها. وعن ابن سعد ان هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله. والى ذلك يشير ابو العلاء المعري بقوله

وعلى الدهر من دماء الشهيدين *** علي ونجله شاهدانِ

ثبتا في قميصه ليجيء الشر *** مستعدياً الى الرحمن

فهما في أواخر الليل فجران *** وفي أوليائه شفقان

وقال عبد الباقي العمري في ملحمته

ص: 47

قضى الحسين نحبه وما سوى اللّه *** عليه قد بكى وانتحبا

وقال الحاج جواد بدكت من قصيدة

بكت السماء دماً ولم تبرد به *** كبدٌ ولو أن النجوم عيون

وذكر الشيخ يوسف البحراني في الكشكول عن كتاب ( زهر الربيع ) قال : ذكر بهاء الملة والدين نوّر اللّه مرقده ان أباه الحسين بن عبد الصمد رحمه اللّه وجد في مسجد الكوفة فص عقيق مكتوب عليه

انا درٌ من السما نثروني *** يوم تزويج والد السبطين

كنت أصفى من اللجين بياضا *** صبغتني دماء نحر الحسين

ووجد حجر آخر مكتوب فيه

حمرتي ذي من دماء قد *** أُريقت نصب عين

انا من أحجار أرضٍ *** ذبحوا فيها الحسين

قال علي أحمد الشهيدي في كتابه ( أبو الدنيا )

ان السماء مطرت دماً أحمراً أدهش سكانها إدهاشا عظيماً بل ادهش ( ايطاليا ) باسرها عندما شاع الخبر بأن السماء أمطرتهم مياهاً دموية وذلك في بلدة ايطاليا اسمها ( سينيادي ) بتاريخ 15 مايو سنة 1900.

اقول وعند رجوعي الى كتاب التوفيقات الالهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الافرنكيّة والقبطية لمؤلفة اللواء المصري محمد مختار باشا مأمور الخاصة الخديوية الجليلة ، والمطبوع بالمطبعة الميرية ببولاق مصر سنة 1311 هجرية.

اقول عند رجوعي للكتاب المذكور وجدت ان هذه السنة التي مطرت

ص: 48

المساء فيها دماً تتفق في محرم الحرام الذي استشهد فيه سيد الشهداء أبو عبد اللّه الحسين بن علي علیه السلام .

وفي كتاب ( أبو الدنيا ) : ان الاستاذ ( بالاتسو ) العالم الايطالي الشهير اهتم كثيراً بفحص ذلك المطر فحصاً كيمياوياً فاتضح له ان الدم الذي سقط مع المطر هو من دماء الطيور ، ناسباً حصول ذلك لاحتمال وجود أسراب كثيرة من الطيوركانت محلّقة في الجو فصدمتها بعض الزوابع الشديدة فهصرت بعضها حتى تقطر دمها فسقط مع المطر على الأرض فأوجد ما أوجده من ذلك الاندهاش.

أقول : هذا تعليل بارد لا يؤيده العلم ولا يقبله الذوق ولم يرو التأريخ ما يشابهه وانما الصحيح أنها آية سماوية تنبئ بعظم الفاجعة الكبرى التي حلّت بعترة الرسول والحادثة الدامية التي قلّ ما شهد التاريخ لها نظيراً في فظايعها وفجايعها.

فحقيق بأن يظهر اللّه تعالى من المخاوف والقوارع ما فيه عظة وعبرة للخلق ليعتبر بها المعتبرون يقول السيد الشريف الرضي في مقصورته

كيف لا يستعجل اللّه لهم *** بانقلاب الارض أو رجم السما

لو بسبطى قيصر أو هرقل *** فعلوا فعلَ يزيد ما عدا

ص: 49

محمد بن طلحة الشافعي

المتوفي 652

الا أيها العادون إن أمامكم *** مقام سؤال والرسول سؤلُ

وموقف حكم والخصوم محمد *** وفاطمة الزهراء وهي ثكول

وإن علياً في الخصام مؤيّدٌ *** له الحق فيما يدّعي ويقول

فماذا تردّون الجواب عليهم *** وليس إلى ترك الجواب سبيل

وقد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم *** ووزر الذي أحدثتموه ثقيل

ولا يرتجي في ذلك اليوم شافع *** سوى خصمكم والشرح فيه يطول

ومن كان في الحشر الرسول خصيمه *** فإن له نار الجحيم مقيل

وكان عليكم واجباً في اعتمادكم *** رعايتهم أن تحسنوا وتنيلوا

فإنهم آل النبي وأهله *** ونهج هداهم بالنجاة كفيل

مناقبهم بين الورى مستنيرةٌ *** لها غرر مجلوّةٌ وحُجول

مناقب جلّت أن تحاط بحصرها *** فمنها فروع قد زكت وأصول

مناقب من خلق النبي وخُلقا *** ظهرن فما يغتالهنّ أفول

ص: 50

كمال الدين الشافعي المتوفي سنة 652

ابو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النصيبيني الشافعي المفتي الرحّال ، كان اماماً في الفقه الشافعي بارعاً في الحديث والاصول ، مقدماً في القضاء والخطابة ، له تاليف منها كتاب ( مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ) قال الشيخ الأميني في الجزء الخامس من الغدير : ولد المترجم سنة 582 كما في طبقات السبكي وشذرات الذهب وتوفي بحلب في 17 رجب سنة 652.

سمع الحديث بنيسابور عن ابي الحسن المؤيد بن علي الطوسي ، وحدّث بحلب ودمشق وبلاد كثيرة ، وروى عنه الحافظ الدمياطي ، ومجد الدين بن العديم قاضي القضاة ، وفقيه الحرمين الكنجي.

أقام بدمشق في المدرسة الامينية ، وفي سنة 648 كتب الملك الناصر المتوفي 655 صاحب دمشق تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصلّ فلم يقبل منه ، فتولاها بدمشق يومين كما في طبقات السبكي ، وتركها وانسلّ خفية وترك الأموال الموجودة وخرج عما يملك من ملبوس ومملوك وغيره ، ولبس ثوباً قطنيّاً وذهب فلم يُعرف موضعه.

وتولّى في ابتداء أمره القضاء بنصيبين ، ثم قضاء مدينة حلب ، ثم ولي خطابة دمشق ، ثم لما زهد حجّ فلما رجع أقام بدمشق قليلاً ثم سار الى حلب فتوفى بها.

بعض تآليفه :

ص: 51

1 - الدر المنظم في اسم اللّه الاعظم.

2 - مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصلاح.

3 - كتاب دائرة الحروف.

4 - مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ، طبع اكثر من مرّة ، قال معاصره الاربلي في كشف الغمة ص 17 : مطالب السؤل في مناقب آل الرسول تصنيف الشيخ العالم كمال الدين محمد بن طلحة وكان شيخاً مشهوراً وفاضلاً مذكوراً ، أظنه مات سنة أربع وخمسين وستمائة ، وحاله في ترفعه وزهده وتركه وزارة الشام وانقطاعه ورفضه الدنيا حال معلومة قرب العهد بها ، وفي انقطاعه عمل هذا الكتاب وكتاب الدائرة ، وكان شافعي المذهب من اعيانهم ورؤسائهم.

وفي كتاب ( أعلام العرب ) : هو أحد الصدور الرؤساء والعلماء الأدباء ولد سنة 582 ه- بالعمرية من قرى نصيبين وطلب العلم ورحل من أجله وبلغ نيسابور وتفقه فبرع في علم الفقه والاصول والخلاف فكان إماماً في القضاء والخطابة متضلعاً في الأدب والكتابة اقول وذكره الصفدي في الوافي بالوفيات وعدد سجاياه وحسن سيرته.

ومن شعره في الامام امير المؤمنين كما جاء في مؤلفه مطالب السؤل في مناقب آل الرسول.

أصخ واستمع آيات وحيٍ تنزّلت *** بمدح إمام بالهدى خصّه اللّه

ففي آل عمران المباهلة التي *** بانزالها أولاه بعض مزاياه

وأحزاب حاميم وتحريم هل أتى *** شهود بها أثنى عليه فزكّاه

وإحسانه لما تصدّق راكعاً *** بخاتمه يكفيه في نيل حسناه

ص: 52

وفي آية النجوى التي لم يفز بها *** سواه سنا رشد به تَمّ معناه

وأزلفه حتى تبوأ منزلاً *** من الشرف الأعلى وآتاه تقواه

وأكنفه لطفاً به من رسوله *** بوارق أشفاق عليه فربّاه

وأرضعه اخلاف اخلاقة التي *** هداه بها نهج الهدى فتوخّاه

وانكحه الطهر البتول وزاده *** بأنك منّي يا عليّ وآخاه

وشرّفه يوم « الغدير » فخصه *** بأنك مولى كل مَن كنتُ مولاه

ولو لم يكن إلا قضية خيبر *** كفت شرفاً في ما ثرات سجاياه

ومن شعره الذي ذكره في مطالب السؤل قوله :

رويدك إن أحببت نيل المطالب *** فلا تعدُ عن ترتيل أي المناقب

مناقب آل المصطفى المهتدى بهم *** إلى نعم التقوى ورُغى الرغائب

مناقب آل المصطفى قدوة الورى *** بهم يبتغي مطلوبه كل طالب

مناقب تجلى سافرات وجوهها *** ويجلو سناها مدلهمّ الغياهب

عليك بها سراً وجهراً فإنها *** يحلّك عند اللّه أعلى المراتب

وخذ عند ما يتلو لسانك آيها *** بدعوة قلبٍ حاضرٍ غير غائب

لمن قام في تأليفها واعتنى به *** ليقضي من مفروضها كل واجب

عسى دعوة يزكو بها حسناته *** فيحظى من الحسنى بأسنى المواهب

فَمن سأل اللّه الكريم أجابه *** وجاوره الإقبال من كل جانبِ

وقوله :

هم العروة الوثقى لمعتصم بها *** مناقبهم جاءت بوحيِ وإنزال

مناقب في الشورى وسورة هل اتى *** وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

ص: 53

وهم اهل بيت المصطفى فودادهم *** على الناس مفروض بحكم وإسجال

فضايلهم تعلو طريقة متنها *** رواةٌ عَلوا فيها بشدِّ وترحال

ومن شعره في العترة الطاهرة قوله :

يا رب بالخمسة أهل العبا *** ذوي الهدى والعمل الصالح

ومَن هم سفن نجاة ومَن *** واليهم ذو متجرٍ رابح

ومَن لهم مقعد صدقٍ إذا *** قام الورى في الموقف الفاضح

لا تخزني واغفر ذنوبي عسى *** اسلم من حرّ لظى اللافح

فانني ارجو بحبي لهم *** تجاوزاً عن ذنبي الفادح

فهم لمن والاهم جُنّة *** تنجيه من طائره البارح

وقد توسّلت بهم راجيا *** نُجح سؤال المذنب الطالح

لعله يحظى بتوفيقه *** فيهتدي بالمنهج الواضح

ص: 54

ابن ابي الحديد المعتزلي

المتوفي 655

ولقد بكيتُ لقتل آل محمد *** بالطف حتى كل عضو مدمع

عقرت بنات الأعوجية هل درت *** ما يستباح به وماذا يصنع

وحريم آل محمد بين العدى *** نهبٌ تقاسمه اللئام الوضّع

تلك الظعائن كالإماء متى تسق *** يعنف بهنّ وبالسياط تقنّع

فمصفّد في قيده لا يفتدى *** وكريمة تسبى وقرط يُنزع

تاللّه لا أنسى الحسين وشلوه *** تحت السنابك بالعراء موزّع

متلفعا حمر الثياب وفي غد *** بالخضر من فردوسه يتلفّع

تطأ السنابك جوفه وجبينه *** والأرض ترجف خيفة وتضعضع

والشمس ناشرة ذوائب ثاكل *** والدهر مشقوق الرداء مقنّع

لهفي على تلك الدماء تراق في *** أيدي طغاة أمية وتضيّع

ص: 55

وفي روضات الجنات للسيد الخونساري

الشيخ الكامل الاديب المؤرخ عز الدين عبد الحميد بن أبي الحسين محمد بن محمد ابن الحسين بن ابي الحديد المدايني الحكيم الاصولي المعتزلي المعروف بابن ابي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، وهو من أكابر الفضلاء المتتبعين وأعاظم النبلاء المتبحرين مواليا لأهل بيت العصمة والطهارة وإن كان في زي أهل السنة والجماعة ، منصفا غاية الإنصاف في المحاكمة بين الفريقين ومعترفاً في ذلك المصاف بأن الحق يدور مع والد الحسنين ، وهو بين علماء العامة بمنزلة عمر بن عبد العزيز الأموي بين خلفائهم فكما ورد في حديث الشيعة انه يحشر يوم القيمة أمة واحدة فكذلك يبعث هذا الرجل انشاء اللّه بهيئته على حده ، وحسب الدلالة على علوّ منزلته في الدين وعلوّه في ولاية أمير المؤمنين شرحه الشريف الجامع لكل نفسية وغريب والحاوي لكل نافحة ذات طيب ، من الأحاديث النادرة والاقاصيص الفاخرة والمعارف الحقانية والعوارف الايمانية وكذلك الكلمات الالف التي جمعها من أحاديث أمير المؤمنين (عليه السلام) وألحقها بشرحه المذكور المتين والقصائد السبع التي أنشدها في فضائله ومدائحه وأشير فيما سبق الى ذكر بعض من شرحها من العلماء الاعلام وذكر بعض متأخري علمائنا الاماجد أن شرح ابن أبي الحديد على مذاق المتكلمين مع ضغث من التصوف وضغث من الحكمة ، وشرح الميثم على مذاق الحكماء وأهل العرفان ، وشرح الميرزا علاء الدين الحسيني الاصفهاني الملقب بكلستانة على مذاق الاخباريين ، وقال أيضا أن ابن ابي الحديد متكلم كتب على طرز الكلام وابن ميثم حكيم كتب على قانون الحكمة وكثير ما يسلط يد التأويل

ص: 56

على الظواهر حتى فيما لا مجال للتأويل فيه وابن أبي الحديد مع تسننه قد يتوهم من شرحه تشيعه وابن ميثم ، بالعكس انتهى ، وظاهر كثير من أهل السنة أيضاً انكار تسنن الرجل رأساً بعد تشبث الشيعة في اسكاتهم والالزام عليهم بكلماته المقيدة واضافاته المجيدة واعترافاته المكررة الحميدة ، هذا وقد ذكره الشيخ ابو الفضل عبد الرزاق بن احمد ابن محمد بن ابي المعالي الشيباني الغوطي الاديب المؤرخ المشهور بنسبه الذي تصدر به العنوان الى قولنا الاصولي ثم قال بعد ذلك : كان من اعيان العلماء الافاضل وأكابر الصدور والاماثل حكيماً فاضلاً وكاتباً كاملاً عارفاً باصول الكلام يذهب مذهب المعتزلة وخدم في الولايات الديوانية والخدم السلطانية وكان مولده في غرة ذي الحجة سنة ست وثمانين وخسمائة واشتغل وحصّل وصنف والف فمن تصانيفه شرح نهج البلاغة عشرين مجلداً وقد احتوى هذا الشرح على ما لم يحتوِ عليه كتاب من جنسه ، صنفه لخزانه كتب الوزير مؤيد الدين بن محمد بن العلقمي رضی اللّه عنه ولما فرغ من تصنيفه انفذه على يد اخيه موفق الدين ابي المعالي فبعث له بمائة الف دينار وحلعة سنيّة وفرش ، فكتب الى الوزير هذه الابيات :

ايا رب العباد رفعتَ ضبغى *** وطلت بمنكبي وبللتَ ريقي

وزيغ الاشعري كشفتَ عني *** فلم اسلك بمعوج الطريق

أُحبّ الاعتزال وناصريه *** ذوي الالباب والنظر الدقيق

واهل العدل والتوحيد اهلي *** نعم وفريقهم ابداً فريقي

وشرح النهج لم ادركه إلا *** بعونك بعد مجهدة وضيق

تمثل ان بدأت به لعيني *** أشمّ كذروة الطود السحيق

فثم تحسّ عينك وهو أنأى *** من العيّوق أو بيض الغسوق

بآل العلقمي وردت زنادي *** وقامت بين أهل الفضل سوقي

ص: 57

فكم ثوب انيق نلت منهم *** ونلت بهم وكم طرف عتيق

أدام اللّه دولتهم وأنحى *** على أعدائهم بالحنقنيق

ومن تصانيفه ايضاً كتاب العبقري الحسان وهو كتاب غريب الوضع وقد اختار فيه قطعة وافرة من الكلام والتواريخ والاشعار وأودعه شيئاً من انشائه وترسلاته ومنظوماته ، ومن تصانيفه كتاب الاعتبار على كتاب الذريعة في اصول الشريعة للسيد المرتضى قدس اللّه روحه وهو ثلاث مجلدات ، منها كتاب الفلك الدائر على المثل السائر لابن الاثير الجرزي ومنها كتاب شرح المحصّل للامام فخر الدين الرازي وهو يجري مجرى النقض له ، ومنها كتاب نقض المحصول في علم الاصول له أيضاً ، ومنها شرح مشكلات الغرر لأبي الحسن البصري في اصول الكلام ، ومنها شرح الياقوت لابن نوبخت وغير ذلك انتهى. وقال صاحب مجمع البحرين : وابن ابي الحديد في الاصل معتزلي يستند الى المعتزلة مدعيا انهم يستندون الى شيخهم امير المؤمنين (عليه السلام) في العدل والتوحيد ، ومن كلامه في اول الشرح للنهج : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الافضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، قال بعض الافاضل كان ذلك قبل رجوعه الى الحق لأنا نشهد من كلامه الاقرار له (عليه السلام) والتبري من غيره ممن تقدم عليه وذلك قرينة واضحة على ما قلناه انتهى. وقال بعض آخر وهذا الذي ذكره الرجل وجماعة من المعتزلة كلام غير مقبول ووجهه انه يقبح من اللطيف الخبير ان يقدم المفضول المحتاج الى التكميل على الكامل الفاضل عقلا ونقلا سواء جعلناه منوطا باختيار اللّه تعالى او باختيار الامة لأنه يقبح في العقول تقديم المفضول على الفاضل كما اشرنا إليه في النبوة ولكن الرجل إنما اراد الاول لأنه نسب هذا التقديم الى اللّه عز وجل وهذا القول في غاية ما يكون من السخف لأنه نسب ما هو قبيح عقلا الى اللّه عز وجل

ص: 58

مع انه عدلي المذهب فقد خالف مذهبه فلهذا حمل الشكايات الواردة عن علي (عليه السلام) من الصحابة والتظلم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقية على ذلك.

في فوات الوفيات ج 1 ص 519 : عبد الحميد بن هبة اللّه بن محمد بن محمد بن أبي الحديد ، عز الدين المدائني المعتزلي ، الفقيه الشاعر ، أخو موفق الدين.

ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة ، وتوفي سنة خمس وخمسين وستمائة وهو معدود في أعيان الشعراء ، وله ديوان شعر مشهور ، روى عنه الدمياطي ومن تصانيفه « الفلك الدائر ، على المثل السائر » صنفه في ثلاثة عشر يوماً ، وكتب إليه أخوه موفق الدين.

المثل السائر يا سيدي *** صنّفت فيه الفلك الدائرا

لكنّ هذا فلك دائر *** أصبحت فيه المثل السائرا

ونَظَم فصيح ثعلب في يوم وليلة ، وشرح نهج البلاغة في عشرين مجلداً وله تعليقات على كتاب المحصل والمحصول للامام فخر الدين :

ومن شعره :

وحقك لو أدخلتني النار قلتُ *** للذين بها قد كنتُ ممن يحبّه

وأفنيت عمري في دقيق علومه *** وما بغيتي إلا رضاه وقربه

هبوني مسيئاً أوضع العلم جهله *** وأوبقه (1) دون البرية ذنبه

أما يقتضي شرع التكرّم عفوه *** أيحسن أن ينسى هواه وحبه

ص: 59


1- اوبقه : اهلكه.

أما ردّ زيغ ابن الخطيب وشكه *** وتمويهه في الدين إذ عزّ خطبه

أما كان ينوي الحق فيما يقوله *** ألم تنصر التوحيد والعدل كتبه

وغاية صدق الصب أن يعذبُ الأسى *** إذا كان من يهوى عليه يصبّه

فرد عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه اللّه تعالى بقوله :

علمنا بهذا القول أنك آخذ *** بقول اعتزال جلّ في الدين خطبه

فتزعم أن اللّه في الحشر ما يرى *** وذاك اعتقاد سوف يرديك غبّه

وتنفي صفات اللّه وهي قديمة *** وقد أثبتتها عن إلاهك كتبه

وتعتقد القرآن خلقاً ومحدثاً *** وذلك داء عزّ في الناس طبّه

وتثبت للعبد الضعيف مشيئة *** يكون بها ما لم يُقدّره ربّه

واشياء من هذه الفضائح جمّة *** فأيكما داعي الضلال وحزبُه

ومَن ذا الذي أضحى قريباً إلى الهدى *** وجاء عن الدين الحنيفي ذبّه

وما ضرّ فخر الدين قول نظمته *** وفيه شناعٌ مفرط إذ تسبّه

وقد كان ذا نور يقود إلى الهدى *** إذا طلعت في حندس الشك شُهبه

ولو كنت تعطي قدر نفسك حقه *** لاخمدت جمراً بالمحال تَشُبّه

وما أنت من اقرانه يوم معرك *** ولا لك يوماً بالإمام تَشَبّه

ومن شعره أيضا رحمه اللّه تعالى :

لولا ثلاث لم أخف صرعتي *** ليست كما قال فتى العبد

أن أبصر التوحيد والعدل في *** كل مكان باذلاً جهدي

وأن اناجي اللّه مستمتعاً *** بخلوةٍ احلى من الشهد

ص: 60

وأن اتيه الدهر كبراً على *** كل لئيم اصعر الخدّ

كذاك لا اهوى فتاة ولا *** خمراً ولا ذا ميعة نهد

قوله « كما قال فتى العبد » هو طرفة بن العبد حيث يقول وقد سئل عن لذات الدنيا ، فقال : مركب وطىّ ، وثوب بهىّ ، ومطعم شهّى ، وسئل امرؤ القيس فقال : بيضاء رعبوبة ، بالشحم مكروبة ، بالمسك مشبوبة ، وسئل الأعشى فقال : صهباء صافية ، تمزجها ساقية ، من صَوب غادية قال العَكوك : فحدثت بذلك أبا دلف فقال :

أطيب الطيبات قتل الأعادي *** واختيال على متون الجياد

ورسول يأتي بوعد حبيب *** وحبيب يأتي بلا ميعاد

وحُدّث بذلك حميد الطوسي فقال :

ولولا ثلاثٌ هنّ من لذّة الفتى *** وحقك لم أحفل متى قام عُوّدي

فمنهن سقى الغانيات بشربة *** كُميَتٍ متى ما تُعلَ بالماء تزبد (1)

وكرّى إذا نادى المضاف محنّبا *** كسيد الغضا نبّهته المتورد

وتقصير يوم الدجن والدجن معجب *** ببهكنَةٍ تحت الخباء المعمّد

رجعنا إلى ابن ابي الحديد.

وقال :

عن ريقها يتحدّث المسواك *** أرجاً فهل شجر الأراك اراك

ص: 61


1- في معلقة طرفة.

ولطرفها خُنِث الجبان فان رئت *** باللحظ فهو الضيغم الفتاك

شرك القلوب ولم أُخل من قبلها *** ان القلوب تصيدها الاشراك

يا وجهها المصقول ماء شبابه *** ما الحتف لولا طرفك الفتاك

أم هل أتاك حديث وقفتنا ضحىً *** وقلوبنا بشبا الفراق تشاك

لا شيء أفظع من نوى الاحباب أو *** سيف الوصيّ كلاهما سفاك

وقال الصفدي يعارض ابن أبي الحديد :

لولا ثلاث هنّ أقصى المنى *** لم أهب الموت الذي يُردي

تكميل ذاتي بالعلوم التي *** تنفعني إن صرت في لحدي

والسعي في رد الحقوق التي *** لصاحب نلتُ به قصدي

وأن أرى الأعداء في صرعة *** لقيتها من جمعهم وحدي

فبعدها اليوم الذي حُمّ لي *** قد استوت في القرب والبعد

وجاء في الكنى والالقاب للشيخ القمي :

عز الدين عبد الحميد بن محمد بن الحسين بن ابي الحديد المدائني الفاضل الأديب المؤرخ الحكيم الشاعر شارح نهج البلاغة وصاحب القصائد السبع المشهورة ، كان مذهبه الاعتزال كما شهد لنفسه في إحدى قصائده في مدح امير المؤمنين (عليه السلام) بقوله :

ورأيت دين الاعتزال وإنني *** اهوى لأجلك كل من يتشيع

كان مولده غرة ذي الحجة سنة 586 وتوفي ببغداد سنة 655 يروي آية اللّه العلامة الحلي عن أبيه عنه. والمدائني نسبة الى المدائن.

وقال جرجى زيدان في آداب اللغة العربية : ابن ابي الحديد توفي سنة

ص: 62

655 ه. هو عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني الفقيه الشاعر الملقب عز الدين. ولد في المدائن قرب بغداد توفي ببغداد ، واشتهر باللغة والنحو والشعر واشهر مؤلفاته.

1 - شرح نهج البلاغة ، وفي هذا الشرح فوائد تاريخية ودينية وشرعية كثيرة.

2 - الفلك الدائر على المثل السائر.

3 - العلويات السبع.

واليك قصيدته العينية التي عدد فيها مزايا امير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام وتخلّص الى مصيبة الحسين (عليه السلام) وقد كتبت هذه القصيدة على قبة الإمام ثم كتبت بالميناء على ضريح الإمام.

والقصيدة احدى علوياته السبع

يارسم لارسمتك ريحٌ زعزعُ *** وسرت بليل في عراصك خروعُ

لم الف صدري من فؤادي بلقعا *** الا وأنت من الأحبّة بلقع

جارى الغمام مدامعي بك فانثنت *** جون السحائب وهي حسرى ضلّع

لا يمحك الهتن الملثّ فقذ محا *** صبري دثورك مذمحتك الأدمع

لله درك والضلال يقودني *** بيد الهوى وانا الحرون فأتبع

يقتادني سكر الصبابة والصبا *** ويصيح بي داعي الغرام فاسمع

دهر تقوض راحلاً ما عيب مَن *** عقباه الا أنه لا يرجع

يا ايها الوادي أُجلّكُ وادياً *** وأعزّ إلا في حماك فاخضع

ص: 63

وأسوف تربك صاغراً وأذل في *** تلك الربى وانا الجليد فأخنع

اسفي على مغناك اذ هو غابة *** وعلى سبيلك وهو لحب مهيع

والبيض تورد في الوريد فترتوي *** والسمر تشرع في الوتين فتشرع

والسابقات اللاحقات كأنها ال- *** -عقبان تردى في الشكيم وتمرع

والربع أنور بالنسيم مضمخٌ *** والجوّ أزهر بالعبير مروع

ذاك الزمان هو الزمان كأنما *** قيض الخطوب به ربيع ممرع

وكأنما هو روضة ممطورة *** أو مزنة في عارض لا تقلع

قد قلت للبرق الذي شق الدجى *** فكأن زنجيّاً هناك يجُدّع

يا برق إن جئتَ الغريّ فقل له *** أتراك تعلم مَن بأرضك مودع

فيك ابن عمران الكليم وبعده *** عيسى يقفيّه وأحمد يتبع

بل فيك جبريل وميكال واس- *** -رافيل والملأ المقدّس أجمع

بل فيك نور اللّه جل جلاله *** لذوي البصائر يستشف ويلمع

فيك الإمام المرتضى فيك الوصي *** المجتبى فيك البطين الانزع

الضارب الهام المقنّع في الوغى *** بالخوف للبهم الكماة يقنِع

والسمهرية تستقيم وتنحني *** فكأنها بين الأضالع أضلع

والمترع الحوض المدعدع حيث لا *** واد يفيض ولا قليب يترع

ومبدد الأبطال حيث تألّبوا *** ومفرّق الأحزاب حيث تجمعوا

والحَبر يصدع بالمواعظ خاشعاً *** حتى تكاد له القلوب تصدّع

حتى اذا استعهر الوغى متلظياً *** شرب الدماء بغلّة لا تنقع

متجلبباً ثوباً من الدم قانيا *** يعلوه من نقع الملاحم برقع

زهد المسيح وفتكة الدهر التي *** أودى بها كسرى وفوّز تبع

هذا ضمير العالم الموجود عن *** عدم وسرّ وجوده المستودع

هذي الأمانة لا يقوم بحملها *** خلقاء هابطة وأطلس ارفع

هذا هو النور الذي عذباته *** كانت بجبهة آدم تتطلع

ص: 64

وشهاب موسى حيث أظلم ليله *** رفعت له لألاؤه تتشعشع

يا من له ردّت ذكاء ولم يفز *** بنظيرها من قبل إلا يوشع

يا هازم الاحزاب لا يثنيه عن *** خوض الحمام مدجج ومدرع

يا قالع الباب الذي عن هزه *** عجزت اكفٌ اربعون واربع

لولا حدوثك قلت انك جاعل الأ *** رواح في الأشباح والمستنزع

لولا مماتك قلت انك باسط الأ *** رزاق تقدر في العطاء وتوسع

ما العالم العلوي إلا تربة *** فيه لجثتك الشريفة مضجع

ما الدهر إلا عبدك القنّ الذي *** بنفوذ أمرك في البرية مولع

انا في مديحك ألكنٌ لا أهتدي *** وأنا الخطيب الهزبري المصقع

أأقول فيك سميدع كلا ولا *** حاشا لمثلك ان يقال سميدع

بل انت في يوم القيامة حاكم *** في العالمين وشافع ومشفع

ولقد جهلتُ وكنتُ احذق عالمٍ *** أغرار عزمك ام حسامك أقطع

وفقدت معرفتي فلستُ بعارف *** هل فضل علمك ام جنابك أوسع

لي فيك معتقد سأكشف سره *** فليصغ أرباب النهى وليسمعوا

هي نفثة المصدور يطفئ بردها *** حر الصبابة فاعذلوني اودعوا

واللّه لولا حيدرٌ ما كانت الدنيا *** ولا جمع البرية مجمع

من اجله خلق الزمان وضوئت *** شهب كنسنَ وجنّ ليلٌ أدرع

علم الغيوب لديه غير مدافع *** والصبح أبيض مسفر لا يدفع

وإليه في يوم المعاد حسابنا *** وهو الملاذ لنا غداً والمفزع

هذا اعتقادي قد كشفت غطاءه *** سيضرّ معتقداً له أو ينفع

يا من له في أرض قلبي منزل *** نعم المراد الرحب والمستربع

اهواك حتى في حشاشة مهجتي *** نار تشبّ على هواك وتلذع

وتكاد نفسي ان تذوب صبابة *** خلقا وطبعاً لا كمن يتطبع

ص: 65

ورأيت دين الاعتزال وانني *** اهوى لأجلك كل من يتشيع

ولقد علمت بأنه لا بد من *** مهديكم وليومه اتوقع

تحميه من جند الاله كتائب *** كاليمّ أقبل زاخراً يتدفع

فيهالآل أبي الحديد صوارمٌ *** مشهورة ورماح خط شرّع

ورجال موت مقدمون كأنهم *** اسد العرين الربد لا تتكعكع

تلك المنى اما أغب عنها فلي *** نفس تنازعني وشوق ينزع

تم تخلّص الى مصيبة الحسين علیه السلام بالابيات التي هي في صدر الترجمة.

وقال في احدى علوياته الشهيرة بعد أن عدد مناقب الامام امير المؤمنين علیه السلام ذكر الحسين (عليه السلام) :

لقد فاز عبد للوليّ ولاؤه *** وإن شابَهُ بالموبقات الكبائر

وخاب معاديه ولو حلّقت به *** قوادم فتخاء الجناحين كاسر

هو النبأ المكنون والجوهر الذي *** تجسد من نور من القدس زاهر

ووارث علم المصطفى وشقيقه *** أخاً ونظيراً في العلى والأواصر

تعاليت عن مدح فابلغ خاطب *** بمدحك بين الناس أقصر قاصر

فليت ترابا حال دونك لم يحل *** وساتر وجه منك ليس بساتر

لتنظر ما لاقى الحسين وما جنت *** عليه العدى من مفظعات الجرائر

فيالك مقتولاً تهدمت العلى *** وثُلّت به أركان عرش المفاخر

ويا حسرتى إذ لم أكن في اوائل *** من الناس يتلى فضلهم في الأواخر

فانصر قواماً إن يكن فات نصرهم *** لدى الروع خطارى فمامات خاطري

عجبت لاطواد الاخاشب لم تمد *** ولا أصبحت غوراً مياه الكوافر (1)

ص: 66


1- جمع كافر : هو البحر أو النهر العظيم.

وللشمس لم تكسف وللبدر لم يحل *** وللشهب لم تقذف بأشأم طائر

أما كان في رزء ابن فاطم مقتضٍ *** هبوط رؤس أو كسوف زواهر

ولكنما قدر النفوس سجية *** لها وعزيز صاحب غير غادر

بنى الوحى هل ابقى الكتاب لناظم *** مقالة مدح فيكم أو لناشر

اذا كان مولى الشاعرين وربهم *** لكم بانياً مجداً فما قدر شاعر

فاقسم لولا أنكم سبل الهدى *** لضلّ الورى عن لا حب النهج ظاهر

ولو لم تكونوا في البسيطة زلزلت *** وأخرب من أرجائها كل عامر

سأمنحكم مني مودة وامق *** يغض قِلاً عن غيركم طرف هاجر

ومن احدى علوياته :

حنانيك فاز العرب منك بسؤدد *** تقاصر عنه الفرس والروم والنوب

فما ماس موسى في رداء من العلى *** ولا آب ذكراً بعد ذكرك ايوب

أرى لك مجداً ليس يجلب حمده *** بمدح وكل الحمد بالمدح مجلوب

وفضلاً جليلاً إن وفى فضل فاضل *** تعاقب إدلاج عليه وتأويب

لذاتك تقديس لرمسك طهرة *** لوجهك تعظيم لمجدك ترحيب

وقد قيل في عيسى نظيرك مثله *** فخسرٌ لمن عادى علاك وتتبيب

عليك سلام اللّه يا خير من مشى *** به بازل عبر المهامة خرعوب

وقوله يمدحه في ذكر فتح مكة :

طلعت على البيت العتيق بعارض *** يمجّ نجيعا من ظبى الهند أحمرا

فألقى اليك السلم من بعد ما عصى *** جُلندى (1) وأعيا تُبّعاً ثم قيصرا

ص: 67


1- جُلندى بضم الجيم مقصورا اسم ملك لعمان ، وتبع واحد التابعة وهم ملوك اليمن.

واظهرت نور اللّه بين قبائل *** من الناس لم يبرح بها الشرك نيرا

وكسرت اصناما طعنت حماتها *** بسمر الوشيج اللدن حتى تكسرا

رقيتَ بأسمى غاربٍ أحدقت به *** ملائكُ يتلون الكتاب المسطرا

يغارب خير المرسلين وأشرف ال- *** -أنام وأزكى ناعل وطأ الثرى

فسبّح جبريل وقدّس هيبة *** وهلل إسرافيل رعباً وكبّرا

فيا رتبة لو شئت أن تلمس السها *** بها لم يكن ما رمته متعذرا

ويا قدميه أي قدس وطأتما *** وايّ مقامٍ قمتما فيه أنورا

بحيث أفاءت سدرةُ العرش ظلها *** بضوجيه (1) فاعتدّت بذلك مفخرا

وحيث الوميض الشعشعاني فايض *** من المصدر الاعلى تبارك مصدرا

فليس سواع بعدها بمعظم *** ولا اللات مسجوداً لها ومعفّرا

ص: 68


1- الضوج : الجانب.

ابن الابّار

القضاعي المتوفي 658

أتنتهب الايام أفلاذ أحمد *** وأفلاذ من عاداهم تتودد

ويضحى ويضما أحمد وبناته *** وبنت زياد وردها لا يصرّد

أفي دينه في امنه في بلاده *** تضيق عليهم فسحة تتورد

وما الدين إلا دين جدهم الذي *** به أصدروا في العالمين وأوردوا

رواها صاحب كتاب ( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ) في الجزء الثاني ص 604 وقال :

انتهى ما سنح لي ذكره من ( درر السمط ) وهو كتاب غاية في بابه ، ولم أورد منه غير ما ذكرته لان في الباقي ما تشم منه رائحة التشيع ، واللّه سبحانه يسامحه بمنه وكرمه ولطفه.

ص: 69

جاء في محاضرة للدكتور عبد اللطيف السعداني من اهل المغرب ( فاس ) وعنوان المحاضرة : حركات التشيع في المغرب ومظاهره.

وبعد أن استطرد في بيانه روى لنا قصيدة صفوان بن ادريس التجيبي من شعراء القرن السادس الهجري والتي رددها ابناء المغرب في شهر المحرم قال :

ونتلمس هذه الحركة فيما بعد عصر مبدع هذه القصيدة الحسينية فنعثر على اثر آخر للفكر الشيعي حيث نلتقي بأحد أدباء الاندلس في النصف الاول من القرن السابع الهجري هو القاضي ابو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه القضاعي البلنسي ( المقتول في 20 محرم سنة 658 ه- ) ونقف على اسم كتابين من مؤلفاته العديدة موضوعهما هو رثاء سيدنا الحسين. اولهما : ( اللجين في رثاء الحسين ) ولا يعرف اليوم اثر لهذا الكتاب غير اسمه وثانيهما : « درر السمط في اخبار الطيب من غصن الاندلس الرطيب. وقد اعترف المقري بأنه اغفل نقل بعض الفقرات من الكتاب مما « يشمّ منه رائحة التشيع » ثم انه اكتفى بنقل جزء من الباقي فقط. ونضيف هذا القول الواضح والشهادة الصريحة الى ما اشرنا اليه سابقا عن علّة سكوت كتب التاريخ وغيرهما من الاشارة الى آثار التشيع في المغرب والاندلس. ولم يحل عم المقري مع ذلك من اعطائه حكما موضوعيا عن هذا الكتاب فقط : « وهو كتاب غاية في بابه » وقد اكتشف هذا الكتاب برمته واستطعنا ان ندرك عن كثب اهميته البالغة في هذا الباب.

ومهما اطلنا في التنويه بهذا الكتاب واسلوبه الجميل وبيانه الرائع وتأثيره البالغ في سامعيه بوصفه لتلك الحوادث المؤلمة في تاريخ الاسلام فانه لا يكفي

ص: 70

لبيان منزلته في الادب الشيعي وهو على كل حال يقدم لنا الدليل القاطع على رواج حركة التشيع في الاندلس في هذا العصر. ولكي نأخذ فكرة واضحة عن ذلك انقل بعض الفقرات من هذا الكتاب مما لا يبقى معه شك بتشيع صاحبه. بدأ بتحية آل البيت والشهادة بحبهم :

« اولئك السادة احيى وافدّي والشهادة بحبهم أوفّي وأؤدّي ومن يكتمها فانه آثم قلبه. ثم خاطبهم وذكر نقاء حقيقتهم النبوية وعاقبة أمرهم :

« يا لك أنجم هداية لا تصلح الشمس عن آية ، كفلتم في حجرها النبوة فلله تلك النبوة ذرية بعضها من بعض. سرعان ما بلي منهم الجديد وغري بهم الحديد نسفت أجبلهم الشامخة وشدخت غررهم الشادخة ، فطارت بطررهم الارواح وراحت عن جسومهم الأرواح ، بعد ان فعلوا الافاعيل وعيل صبر اقتالهم وصبرهم ما عيل ».

ويتحسر عليهم ويعرض باعدائهم فيقول :

« اشكو الى اللّه ضعف الامين وخيانة القوى قعد بالحسين حقه وقام بيزيد باطله واخلاقه حضر موقد القضاء الخصمان وعنت الوجوه للرحمن جاء الحق وزهق الباطل ان الامامة لم تكن للئيم ما تحت العمامة من سبط هند وابنها دون البتول ولا كرامة ، يسر ابن فاطمة للدين بتسمّيه وابن ميسون للدنيا تستهويه اعملوا فكل ميسّر لما خلق له ، فأما هذا فتحرّج وتأثم واما ذاك فتلجلج وتلعثم ، مشى الواحد الى نور يسعى بين يديه وعشى الثاني الى ضوء نار لا يغرو ما لديه ، يا ويح من وازى الكتاب فقال والدنيا أمامه : كانت بنو حرب فراعنة فذهب ابن بنت رسول اللّه ليخرجهم من العراق فانعكس الروم وحورب ولا فارس والروم. وعندما يصف الحادث المفجع لقتل سبط الرسول نحُسّ ان قلبه يكاد ينفطر من الأسى فيقول :

ص: 71

« عاشر محرم ابيحت الحرمات وافيضت على النور الظلمات ، فتفاقم الحادث وحمل على الطيبين الاخابث وضرب السبط على عاتقه ويسراه وما أجرأ من أسال دمه وأجراه ، ثم قتل بعقب كلكم ذبحا وغودر حتى العاديات ضبحا » ويضيف مشيرا في الاخير الى ان هذه الداهية كانت السبب في ادبار عز المسلمين « أيّة فتنة عمياء وداهية دهياء لا تقوم بها النوادب ولا تبلغ معشارها النوائب ، طاشت لها النهى وطارت واقبلت شهب الدجى وغارت ، لولاها ما دخل ذل على العرب ولا الف صيد الصقر بالحزب نسف النبع بالغرب فانظر الى ذوي الاستبصار خضع الرقاب نواكس الابصار.

وإن قتيل الطف من آل هاشم *** أذلّ رقاب المسلمين فذلّتِ »

وفي الأخير يعود الى تأكيد الايمان بهم والتعلق بحبهم وتفضيلهم على أعدائهم يقول :

ما عذر لأمية وأبنائها في قتل العلوية وإفنائها أهم يقسمون رحمة ربك؟ كم دليل في غاية الوضوح على انهم كسفينة نوح من ركب فيها نجى ومن تخلّف عنها غرق ، ثم يحسبهم آل الطليق ويطاردهم آل الطريق. وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد. نساؤهم أيا من امية وسماؤهم أرض بني سمية.

من عصبة ضاعت دماء محمد وبنيه بين يزيدها وزيادها كان الحسين يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا ويزيد يتلف العمر تبريحا وعدوانا عمرك اللّه كيف يلتقيان (1).

وقد بقي لهذا الكتاب ونزعته الشيعية صدى انتقل الى المغرب وظل بها

ص: 72


1- اعتمدنا فيما نقلناه مخطوطة كتاب ( درر السمط في أخبار السبط ) التي تهيأ للطبع بتحقيق الدكتور عبد السلام البهراس والاستاذ سعيد اعراب.

زمنا طويلا فبعد ثلاثة قرون من تأليفه نعثر على شرح له لأحد المغاربة هو الفقيه الأديب سعيد الماغومي الملقب بوجمعة المولود سنة 950 ه- ويعتبر هذا الشرح اليوم من المفقودات. غير أن ابن القاضي يخبرنا في كتابه درة الحجال انه كان موجوداً في خزانة المنصور السعدي بمدينة مراكش. وتظهر عناية ملوك المغرب بمثل هذه التآليف فيما قيل من أن شارح هذا الكتاب أخذ مكافأة على تأليفه وزنه ذهبا.

جاء في فوات الوفيات في ترجمة ابن الابار ما يلي :

محمد بن عبد اللّه القضاعي البلنسي الكاتب الاديب المعروف بابن الادبار ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة عني الحديث وجال في الاندلس وكتب العالي والنازل وكان بصيرا بالرجال عالما بالتاريخ إما ما في العربية فقيها مفننا أخبارياً فصيحا له يد في البلاغة والانشاء كامل الرياسة اذا رياسة وافية وأبهة وتجمل وافر.

وله من المصنفات « تكملة الصلة » لابن بشكوال كتاب « تحفة القادم » وكتاب « ايماض البرق ».

قتل مظلوما بتونس على يد صاحبها لأنه تخيل منه الخروج وشق العصا وقيل : ان بعض اعدائه ذكره عند صاحب تونس انه الف تاريخا وأنه تكلم فيه في جماعة فلما طلب وأحس بالهلاك قال لغلامه : خذ البغلة وامض بها حيث شئت فهي لك وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة.

ومن شعره :

منظوم الخدّ مورده *** يكسوني السقم مجرده

شفاف الدر له جسد *** يأبى ما اودع مجسده

ص: 73

في وجنته من نعمته *** جمر بفؤادي موقده

ريم يرمى عن اكحله *** زرقا تُصمى من يصمده

متداني الخطوة من ترف *** اترى الأحجال تقعده

ولاه الحسن وامره *** وأتاه السحر يؤيده

وقال ايضاً رحمه اللّه تعالى :

ونهر كما ذابت سبائك فضة *** حكى بمحانيه انعطاف الاراقم

إذا الشفق استولى عليه احمراره *** تراءى قضيباً مثل دامي الصوارم

وقال ايضا رحمه اللّه تعالى :

لم تدر ما خلّدت عيناك في خلدي *** من الغرام ولا ما كابدت كبدي

افديك من رائد رام الدنو فلم *** يسطعه من فرق في القلب متقد

خاف العيون فوافاني على عجل *** معطلا جيده إلا من الجيد

عاطيته الكأس فاستحيت مدامتها *** من ذلك الشنب المعسول والبرد

حتى إذا غازلت اجفانه سِنَة *** وصيّرته يد الصهباء طوع يدي

اردت توسيده خدي وقلت له *** فقال كفك عندي أفضل الوسد

فبات في حرم لا غدر يذعره *** وبتّ ظمآن لم اصدر ولم أرد

بدر ألمّ وبدر الأفق ممتحق *** والجو مُحلو لك الأرجاء من جسدي

تحيّر الليل فيه أين مطلعه *** أما درى الليل أن البدر طوع يدي

وترجم له الصفدي في الوافي بالوفيات فذكر جملة من مؤلفاته وروائع من اشعاره. كما ترجم له السيد الأمين في الأعيان.

ص: 74

احمد بن صالح السنبلي

المتوفي 664

قال في فوات الوفيات : فمن قوله - وقد وقع مطر كثير يوم عاشوراء :

يوم عاشوراء جادت بالحيا *** سُحُبٌ تهطل بالدمع الهمول

عجباً حتى السماوات بكت *** رُزء مولاي الحسين ابن البتول (1)

اقول وبهذه المناسبة ذكر العماد الاصفهاني الكاتب في ( خريدة القصر ) (2) قول المهذب بن الزبير يرثي أحد الكبراء ، وقد نزل المطر عقب موته.

بنفسي مَن أبكى السماوات فقده *** بغيث ظنناه نوال يمينه

فما استعبرت إلا أسى وتأسفاً *** وإلا فماذا القطر في غير حينِه

ص: 75


1- فوات الوفيات ج 1 ص 83.
2- خريدة القصر ص 222.

احمد بن صالح السنبلي

قال ابن شاكر في فوات الوفيات ص 83 من شعره في مكاري

هويتُه مكارياً *** شرّد عن عيني الكرى

كأنه البدر ، فما *** يَمّلُ من طول اسرى

وله في سيف الدين عامِل الجامع :

ربعُ المصالح دارس *** لم يبق منه طائل

هيهات تعمر بقعة *** والسيف فيها عامل

وله في زهر اللوز :

للوز زهر حسنه *** يُصبى الى زمن التصابي

شكت الغصون من الشتا *** فأعارها بيضَ الثياب

وكأنه عشق الربيع *** فشاب من قبل الشباب

وشعره جيد وان كان من المقطعات ويدل مع قلّته على ذوق أصيل.

ص: 76

ابو الحسين الجزار

المتوفي 672

ويعود عاشورا ، يذكرني *** رزء الحسين فليت لم يعُد

يا لبت عيناً فيه قد كحلت *** بمسرّة لم تخل عن رمد

ويداً به لشماتة خضبت *** مقطوعة من زندها بيدي

يوم سبيلي حين اذكره *** ان لا يدور الصبر في خلدي

أما وقد قتل الحسين به *** فابوا الحسين أحقّ بالكمد (1)

ص: 77


1- عن نسمة السحر فيمن تشيع وشعر - مخطوط مكتبة كاشف الغطاء العامة.

جمال الدين ابو الحسين يحى بن عبد العظيم الجزار المصري.

ولد سنة 601 وتوفي سنة 672 وفي شذرات الذهب توفي في شوال سنة 679 وله ست وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة.

وفي شذارت الذهب : الاديب الفاضل كان جزاراً ثم استرزق بالمدح وشاع شعره في البلاد وتناقلته الرواة.

جمع له الشيخ المعاصر الشيخ محمد السماوي رحمه اللّه من الشعر ديواناً يربو على الف ومائتين وخمسين بيتاً ، وله ارجوزة في ذكر من تولى مصر من الملوك والخلفاء وعما لها ذكرها له صاحب نسمة السحر.

قال ابن حجة في خزانة الادب : تعاهد هو والسراج الورّاق والحمامي وتطارحوا كثيراً وساعدتهم صنائعهم وألقابهم في نظم التورية حتى انه قيل للسراج الوراق : لولا لقبك وصناعتك لذهب نصف شعرك.

قال صاحب نسمة السحر : وكان من اهل مصر وله الشعر الجيد والنكت الدالة على خفة روحه ، وله مع سراج الدين عمر الوراق لطايف شعرية وكانا كنفس واحدة وشعرهما متشابه الا انه محكم.

قال السيد الأمين في الأعيان هذه قصيدة وجدها صاحب الطليعة في مجموعة حليّة.

حكم العيون على القلوب يجوز *** ودواؤها من دائهن عزيز

كم نظرة نالت بطرف فاتر *** ما لم ينَله الذابل المحزوز

ص: 78

فحذار من تلك اللواحظ غرّة *** فالسحر بين جفونها مركوز

يا ليت شعري والأماني ضلّة *** والدهر يدرك طرفه ويجوز

هل لي روض تصرّم عمره *** سبب فيرجع ما مضى فأفوز

وأزور من ألِفَ البعاد وحبّه *** بين الجوانح والحشا مرزوز

ظبيٌ تناسب في الملاحة شخصه *** فالوصف حين يطول فيه وجيز

والبدر والشمس المنيرة دونه *** في الوصف حين يحرّر لتمييز

لولا تثنى خصره في ردفه *** ما خلت إلا أنّه مغروز

تجفو غلالته عليه لطافة *** فبحسنها من جسمه تطريز

مَن لي بدهرٍ كان لي بوصاله *** سمحاً ووعدي عنده منجوز

والعيش مخضّر الجناب أنيقه *** ولأوجه اللذات فيه بروز

والروض في حلل النبات كأنه *** فرشت عليه دبابج وخزوز

والماء يبدو في الخليج كأنه *** ظل لسرعة سيره محفوز

والزهر يوهم ناظريه إنما *** ظهرت به فوق الرياض كنوز

فأقاحه ورق ومنثور الندى *** درّ ونور بهاره ابريز

والغصن فيه تغازل وتمايل *** وتشاغل وتراسل ورموز

وكأنما القمري ينشد مصرعاً *** من كل بيت والحمام يجيز

وكأنما الدولاب زمر كلّما *** غنّت وأصواب الدوالب شيز

وكأنما الماء المصفّق ضاحك *** مستبشر ممّا أتى فيروز

يهنيك يا صهر النبي محمّد *** يوم به للطيبين هزيز

أنت المقدّم في الخلافة مالها *** عن نحو ما بك في الورى تبريز

صبّ الغدير على الألى جحدوا لظى *** يوعى لها قبل القيام أزيز

إن يهمزوا في قول أحمد أنت مو *** لى للورى؟ فالهامز المهموز

لم يخش مولاك الجحيم فانّها *** عنه إلى غير الوليّ تجوز

ص: 79

أترى تمرّ به وحبّك دونه *** عوذٌ ممانعة له وحروز

أنت القسيم غداً فلهذا يلتظي *** فيها وهذا في الجنان يفوز

وذكر له ابن حجة قوله مؤرياً في صناعته :

الا قل للذي يسأ *** ل عن قومي وعن أهلي

لقد تسأل عن قومٍ *** كرام الفرع والأصل

تُرجّيهم بنو كلبٍ *** وتخشاهم بنو عجل

ومثله قوله :

إني لمن معشر سفك الدماء لهم *** داب وسل عنهم ان رمت تصديقي

تضيء بالدم إشراقاً عراصهم *** فكلّ أيامهم أيام تشريق

ومثله قوله :

أصبحت لحاماً وفي البيت لا *** اعرف ما رائحة اللحم

واعتضت من فقري ومن فاقتي *** عن التذاذ الطعمِ بالشم

جهلته فقراً فكنتُ الذي *** اضلّه اللّه على علم

وظريف قوله :

كيف لا اشكر الجزارة ما عش- *** -تُ حفاظاً وارفض الآدابا

وبها صارت الكلاب ترجيّ- *** -ني وبالشعر كنت أرجو الكلابا

ومثله قوله :

معشر ما جاءهم مسترفدُ *** راح إلا وهو منهم معسر

أنا جزّار وهم من بقرٍ *** ما رأوني قط إلا نفروا

ص: 80

كتب إليه الشيخ نصير الدين الحمامي مورياً عن صنعته :

ومذ لزمته الحمام صرت بها *** خلا يداري مَن لا يداريه

أعرف حرّ الاشيا وباردها *** وآخذ الماء من مجاريه

فأجابه أبو الحسين الجزّار بقوله :

حسن التأني مما يعين على *** رزق الفنى والحظوظ تختلف

والعبد مذ صار في جزارته *** يعرف من أين تؤكل الكتف

وله في التورية قوله :

أنت طوقتني صنيعاً واسمع- *** -تك شكراً كلاهما ما يضيع

فإذا ما شجاك سجعي فإني *** أنا ذاك المطوّق المسموع

ومن طائفة ما كتب به إلى بعض الرؤساء وقد منع من الدخول إلى بيته

أمولاي ما من طباعي الخروج *** ولكن تعلّمته من خمول

أتيت لبابك أرجو الغنى *** فأخرجني الضرب عند الدخول

ومن مجونه في التورية قوله عند زواج والده :

تزوّج الشيخ أبي ، شيخة *** ليس لها عقلٌ ولا ذهن

لو برزت صورتها في الدجا *** ما جسرت تبصرها الجنّ

كأنها في فرشها رمّة *** وشعرها من حولها قطن

وقائل لي قال : ما سنّها *** فقلتُ : ما في فمها سنّ

وله قوله في داره :

ودار خراب بها قد نزل- *** -ت ولكن نزلت إلى السابعه

ص: 81

طريق من الطرق مسلوكة *** محجتها للورى شاسعه

فلا فرق ما بين أني اكون *** بها أو أكون على القارعة

تساورها هفوات النسيم *** فتصغي بلا أُذن سامعه

وأخشى بها أن أُقيم الصلاة *** فتسجد حيطانها الراكعة

إذا ما قرأت إذا زلزلت *** خشيتُ بأن تقرأ الواقعه

وله في بعض ادباء مصر وكان شيخاً كبيراً ظهر عليه جرب فالتطخ بالكبريت ، قوله ذكره له ابن خلكان في تاريخه 1 ص 67 :

أيها السيد الأديب دعاءاً *** من محبّ خال من التنكيت

أنت شيخ وقد قربتَ من النار *** فكيف أدهنت بالكبريت

وله قوله :

مَن منصفي من معشر *** كثروا عليّ وأكثروا

صادقتهم وأرى الخرو *** ج من الصداقة يعسر

كالخط يسهل في الطرو *** س ومحوه يتعذّر

وإذا أردت كشطته *** لكنّ ذاك يؤثّر

ومن قوله في الغزل :

بذاك الفتور وهذا الهيف *** يهون على عاشقيك التلف

أطرت القلوب بهذا الجمال *** واوقعتها في الأسى والأسف

تكلّف بدر الدجى إذ حكى *** محياك لو لم يشنه الكلف

وقام بعذري فيك العذار *** واجرى دموعيَ لمّا وقف

وكم عاذل أنكر الوجد فيك *** عليّ فلما رءاك اعترف

ص: 82

وقالوا : به صلف زائدٌ *** فقلت : رضيت بذاك الصلَف

لئن ضاع عمري في مَن سواك *** غراماً فإن عليك الخلف

فهاك يدي إنني تائب *** فقل لي : عفى اللّه عما سلف

بجوهر ثغرك ماء الحياة *** فماذا يضرّك لو يُرتشف

ولم أرَ من قبله جوهراً *** من البهرمان (1) عليه صدف

أكاتم وجديَ حتى أراك *** فيعرف بالحال لا مَن عرف

وهيهات يخفى غرامي عليك *** بطرف همى وبقلب رجف

ومن قوله :

حمت خدّها والثغر عن حائم شجٍ *** له أمل في مورد ومورّد

وكم هام قلبي لارتشاف رضابها *** فأعرف عن تفصيل نحو المبرّد

ومن بديع غزله قوله :

وما بي سوى عين نظرت لحسنها *** وذاك لجهلي بالعيون وغرتي

وقالوا : به في الحب عين ونظرة *** لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي

وله قوله يرثي حماره :

ما كل حين تنجح الأسفار *** نَفقَ الحمار وبارت الأشعار

خرجي على كتفي وها أنا دائر *** بين البيوت كأنني عطّار

ماذا عليّ جرى لاجل فراقه *** وجرت دموع العين وهي غزار

ص: 83


1- البهرمان : الياقوت الاحمر.

لم أنس حدة نفسه وكأنه *** من ان تسابقه الرياح يغار

وتخاله في القفر جِنّاً طائراً *** ما كل جنّ مثله طيار

وإذا أتى للحوض لم يخلع له *** في الماء من قبل الورود عذار

وتراه يحرس رجله من زلّة *** برشاشها يتنجّس الحضار

ويلين في وقت المضيق فيلتوي *** فكأنما بيديك منه سوار

ويشير في وقت الزحام برأسه *** حتى يحيد أمامه النظار

لم أدر عيباً فيه إلا انه *** مع ذا الذكاء يقال عنه حمار

ولقد تحامته الكلاب وأحجمت *** عنه وفيه كل ما تختار

راعت لصاحبه عهوداً قد مضت *** لما علمن بأنه جزّار

وقال في موت حمار صديق له :

مات حمار الاديب قلت لهم *** مضى وقد فات منه ما فاتا

مَن مات في عزه استراح ومَن *** خلّف مثل الأديب ما ماتا

وله قوله :

لا تعبني بصنعة القصّاب *** فهي أذكى من عنبر الآداب

كان فضلي على الكلاب فمذ صر *** ت أديباً رجوتُ فضل الكلاب

ومن ظريف التضمين قوله على روي قصيدة امرئ القيس.

قفا نبك من ذكرى قميص وسروال *** ودراعة لي قد عفا رسمها البالي

وما انا مَن يبكي لاسماء إن نأت *** ولكنني أبكي على فقد اسمالي

ص: 84

لو انّ امرء القيس ابن حجر رأى الذي *** أكابده من فرط همّ وبلبال

لما مال نحو الخدر خدر عنيزة *** ولا بات الا وهو عن حبّها سالي

ولا سيما والبرد وافي بريده *** وحالي بما اغتدت من عسره حالي (1)

ومن شعره كما في شذرات الذهب.

عاقبتني بالصد من غير جرم *** ومحا هجرها بقية رسمي

وشكوت الجوى الى ريقها العذب *** فجارت ظلماً بمنع الظلم

انا حكّمتها فجارت وشرع الحب *** يقضي أني احكّم خصمي

وله :

أكلّف نفسي كل يوم وليلة *** هموماً على مَن لا افوز بخيره

كما سوّد القصار في الشمس وجهه *** حريصاً على تبييض أثواب غيره

وكانت بينه وبين السراج الوراق مداعبة فحصل للسراج رمد فاهدى الجزار له تفاحاً وكمثرى وكتب مع ذلك.

أكافيك عن بعض الذي قد فعلته *** لأنّ لمولانا عليّ حقوقا

بعثت خدوداً مع نهود وأعينا *** ولا غرو ان يجزي الصديق صديقا

وان حال منك البعض عما عهدته *** فما حال يوم عن ولاك وثوقا

ص: 85


1- عن المجموعة الادبية المخطوطة للشيخ كاشف الغطاء في المكتبة العامة برقم 872.

بنفسج تلك العين صار شقائقاً *** ولؤلؤ ذاك الدمع عاد عقيقا

وكم عاشق يشكو انقطاعك عندما *** قطعت على اللذات منه طريقا

فلا عدمتك العاشقون فطالما *** اقمت لأوقات المسرّة سوقا

وله :

يمضي الزمان وأنت هاجر *** أفما لهذا الهجر آخر

يا من تحكّم في القلوب *** بحاجبٍ منه وناظر

مولاي لا تنس المحبّ *** فانه لهواك ذاكر

واذا رقدت منعماً *** فاذكر شقياً فيك ساهر

شتان ما بيني وبينك *** في الهوى ان كنت عاذر

النار في كبدي وظلمك *** باردٌ والجفن فاتر

ومن أخباره مع السراج الوراق أنهما اتفقا ببعض ديارات النصارى وفيه راهب مليح وجاء زامر مليح أيضا ثم اتفق مجيء بعض مشايخ الرهبان فضرب الراهب وهرب الزامر فقال أبو الحسين :

في فخّنا لم يقع الطائر. فقال السراج : لا راهب الدير ولا الزامر.

فقال أبو الحسين : فسعدنا ليس له أول. فقال السراج :

ونحسنا ليس له آخر.

وذكر الصفدي أن أبا الحسين الجزار جاء الى باب الصاحب زين الدين ابن الزبير فأذن لجماعة كانوا معه وتأخر اذنه ، فكتب إلى الصاحب

الناس قد دخلوا كالاير كلهم *** والعبد مثل الخصى ملقى على الباب

ص: 86

فلما قرأها قال لبعض الغلمان مر فنادي ادخل يا خصى فدخل الجزار وهو يقول : هذا دليل على السعة

وقال يتهكم بالمتنبي ويعارضه :

فإن يكن أحمد الكندي متهما *** بالعجز يوماً فاني لست أتهم

فاللحم والعظم والسكين تعرفني *** والخلع والقطع والساطور والوضم

قال صاحب نسمة السحر : ومن المنسوب لابي الحسين ويشبهه في الظرف

أترى القاضي أعمى *** أم تراه يتعامى

سرق العيد كأن العيد *** اموال اليتامى

ص: 87

شمس الدين الكوفي

المتوفي 675

قال شمس الدين محمد بن عبيد اللّه الكوفي الواعظ يرثي النقيب محي الدين محمد بن حيدر وقد غرق في الدجلة

يا ماء ما أنصفت آل محمد *** وعلى كمال الدين كنت المجتري

في الطف لم تسعد أباه بقطرة *** واليوم قد أغرقته في أبحر (1)

ص: 88


1- الحوادث الجامعة لابن الفوطي.

جاء في الحوادث الجامعة لابن الغوطي ص 386

سقط ركن الدين النقيب محي الدين محمد بن حيدر نقيب الموصل بفرسه الى دجلة ، وكان مجتازا على الجسر. فاصعد الى مشهد علي علیه السلام فدفن هناك. وكان شابا حسن الخلقة ، عمره سبع عشرة سنة ، فرثاه شمس الدين محمد بن عبيد اللّه الكوفي الواعظ.

وفي ص 390 قال : سنة 675 ه- فيها توفي شمس الدين محمد ابن عبيد اللّه الهاشمي الكوفي الواعظ ببغداد. وكان أديباً فاضلاً ، عالماً شاعراً ، ولي التدريس بالمدرسة التتشيه ، وخطب في جامع السلطان ، ووعظ بباب بدر. وكان عمره اثنين وخمسين سنة. وكان له شعر حسن ، ومما قاله في رثاء النقيب محي الدين حيدر نقيب الموصل بقصيدة طويلة قرأت في العزاء وذكر منها في صحيفة 386

ألقاه في الماء الجواد كأنه *** بدر هوى في جندل متموّر

أمواج دجلة أغرقته إذ طغت *** وكذا الطغاة على الأكارم تحتري

ولقد تكدّر صفوها من بعده *** ومتى صفت لهم ولم تتكدّر

باللّه هل أغرقته شغفاً به *** يا ماء أو حسد لماء الكوثر

هلا رحمت شبابه وتركته *** من أجل ولهى فيه ذات تحيّر

أو ما علمت بأنه رحب الفِنا *** والصدر عذب اللفظ حلو المنظر

ومنها

غاصوا عليه واخرجوه معظماً *** ومكرماً وكذا نفيس الجوهر

ص: 89

واللّه ما نزعت ملابس جسمه *** حتى تبختر في الحرير الأخضر

فالشوق يظمئني اليه وكلما *** حاولتُ شرب الماء زاد تكدري

يا نفس ذوبي حسرة وكآبة *** وتأسّفي وتلهّفي وتحسّري

ماذا يكون أغير ما هو كائن *** نزل القضاء صبرتِ أو لم تصبر

جاء في الوافي بالوفيات للصفدي ج 2 ص 97

شمس الدين الكوفي الواعظ محمد بن أحمد ابن أبي علي عبيد اللّه بن داود الزاهد بن محمد بن علي الابزاري شمس الدين الكوفي الواعظ الهاشمي خطيب جامع السلطان ببغداد ، توفي في الكهولة سنة ست وسبعين وست مائة ، وشعره متوسط وله موشحات نازلة ، ومن شعره

حنّت النفس إلى أوطانها *** وإلى مَن بان من خُلانها

بديار حيّها من منزل *** سلم اللّه على سُكّانها

تلك دار كان فيها منشأي *** من غَريّيها الى كوفانها

وبها نوقُ الصبى أرسلتُها *** هَمَلا تمرح في أرسانها

فلكم حاورتُ فيها أحوراً *** ولكم غازلتُ من غزلانها

لا يُلام الصبّ في ذكر رُباً *** بان من غير رضيً عن بانها

ولكم قضّيتُ فيها أرباً *** آه واشواقا إلى كثبانها

ليس بي شوقاً إلى أطلالها *** انما شوقي الى جيرانها

كلما رمتُ سلّواً عنهم *** لا تديمُ النفس عن أشجانها

شقيت نفسي بالحزن فمن *** يُسعد النفس على أحزانها

أقول ثم ذكر له موشحاً من شعره

ص: 90

وجاء ذكره في موارد الاتحاف في نقباء الأشراف ج- 2 ص 183 وذكر حفيده ركن الدين الحسن بن محي الدين أبى طاهر محمد بن كمال الدين حيدرة بن أبى منصور محمد الحسينى الموصل وانه مات في المحرم سنة 670 ه- فرثاه بهاء الدين على الأربينى بقوله

لله ما فعل المحرم بالحسين وبالحسن *** ذهبا فما صبري لذلك بالجميل وبالحسن

ص: 91

عبد اللّه بن نصر الوزان

قال عبد اللّه بن عمر بن نصر الوزان مخمساً مقصورة ابن دريد المتوفي 677

لما ابيح للحسين صونه *** وخانه يوم الطعان عونه

نادى بصوت قد تلاشى كونه *** أما ترى رأسي حاكى لونه

طرّة صبحٍ تحت أذيال الدجى؟

معفراً على الثرى بخدّه *** لم ترع فيه حرمة لجدّه!

والسيف من مفرقه في غمده *** واشتعل المبيّض في مسودّه

مثل اشتعال النار في جمر الغضا

هتك وفتك وأسارٌ وجلا *** ونسوة تسبى على رأس الملا

لو انني في الجاهلين الاولا *** ما خلت ان الدهر يثنيني على

ضراء ، لا يرضى بها ضبّ الكدى

انا الذي قارعت القوارع *** وشيبت عذاره الوقائع

فلم يرعني بعد ذاك رائع *** لا تحسبن يا دهر اني ضارع

لنكبة تعرقني عرق المدى (1)

ص: 92


1- عن كتاب ( اعلام العرب ).

قال الاديب المعاصر عبد الصاحب الدجيلي في كتابه ( اعلام العرب ).

ممن خمس مقصورة ابن دريد : ابو محمد موفق الدين عبد اللّه ابن عمر بن نصر اللّه الانصاري ، المعروف بالوزان ، ورثى بها الامام السبط أبا عبد اللّه - الحسين بن علي علیه السلام لرؤيا رآها.. وكان موفق الدين فاضلاً حكيماً وعالماً اديباً شاعراً شارك في علوم كثيرة منها الطب والكحل والفقه والنحو والادب.. اقام بالديار المصرية ثم بالشام مدة اكثرها ببعلبك ثم عاد الى مصر ، وبها ادركته منيته فتوفي ليلة الجمعة مستهل صفر بالقاهرة سنة 677 ه- عرض له ما يسمى ب- ( القولنج ) فقضى عليه. وله ترجمة في ذيل مرآة الزمان 3 / 321 وفوات الوفيات 1 / 481 والنجوم الزاهرة 7 / 282 وشذرات الذهب 5 / 358. اما تخميس المقصورة فمنه نسخة بالفوتوستات في معهد دار الكتب ( فهرست المخطوطات ق 1 ص 145 ) وقد اثبت التخميس اليونيني قطب الدين موسى بن محمد المتوفي 726 في ذيل مرآة الزمان 3 / 341 - 483.

قال : رأى صاحب الترجمة الحسين بن علي علیهماالسلام في المنام يقول له :

مد المقصورة فوقع في خاطره انه يشير الى مقصورة ابن دريد ، فخمّسها ورثى بها الحسين فبلغت مائتين وثلاثين دوراً.

وفي فوات الوفيات ج 1 ص 481 : عبد اللّه بن عمر بن نصر اللّه الفاضل الحكيم موفق الدين الانصاري المعروف بالوزان كان قادراً على النظم ، وله مشاركة في الطب والوعظ والفقه ، وكان حلو النادرة ، لا تمل مجالسته اقام

ص: 93

ببعلبك مدة ، وخمّس مقصورة ابن دريد ومرثية في الحسين بن علي علیه السلام ، وتوفي سنة سبع وسبعين وستمائة.

ومن شعره رحمه اللّه تعالى :

انا أهوى حلو الشمائل ألمى *** مشهد الحسن جامع الأهواء

آية النمل قد بدت فوق خدّيه *** فهيموا يا معشر الشعراء

وكتب أيضا الى بعض الكتاب :

أنا ابن السابقين الى المعالي *** وما في مدحه قال وقيل

لقد وصل انقطاعي منك وعَدٌ *** فمن قطع الطريق على الوصول (1)

وقال أيضا رحمه اللّه تعالى :

من لي بأسمر في سواد جفونه *** بيض وحمر للمنايا تُنتضى

كيف التخلّص من لواحظه التي *** بسهامها في القلب قد نفذ القضا

أو كيف أجحد صبوة عذريّة *** ثبتت بشاهد قدّه العدل الرضا

وقال :

تجور بجفن ثم تشكو انكساره *** فواعجباً تَعدو عليّ وتستعدي

أحمل أنفاس القبول سلامها *** وحسبي قبولاً حين تسعف بالرد

تثنّت فمال الغصن شوقاً مقبلاً *** من الترب ما جرت به فاضل البرد

وقال :

يا سعد إن لاحت هضاب المنحنى *** ربدت أثيلات هناك تبين

ص: 94


1- في البيتين اقواء.

عرّج على الوادي فإن ظباءه *** للحسن في حركاتهن سكون

وقال ايضاً :

لله أيامنا والشمل منتظم *** نظم به خاطر التفريق ما شعرا

والهفَ نفسي على عيش ظفرت به *** قطعت مجموعه المختار مختصرا

وقال :

أرى غدير الروض يهوى الصبا *** وقد أبت منه سكوناً يدوم

فؤاده مرتجف للنوى *** وطرفه مختلج للقدوم

وقال :

حار في لطفه النسيم فأضحى *** رائحاً نحوه اشتياقاً وغادي

من رأى الظبي منه طرفاً وجيداً *** هام وجداً عليه في كل وادي

وقال :

يذكرني نشر الحمى بهبوبه *** زماناً عرفنا كل طيب بطيبه

ليال سرقناها من الدهر خلسة *** وقد أمنت عيناي عين رقيبه

فمن لي بذاك العيش لو عاد وانقضى *** وسكن قلبي ساعة من وجيبه

الا إن لي شوقاً إلى ساكن الغضا *** أعيذ الغضا من حرّه ولهيبه

أحن إلى ذاك الجناب ومن به *** ويسكرني ذاك الشذا من جنوبه

أخا الوجد إن جاوزت رملَ محجر *** وجزتَ بمأهول الجناب رحيبه

دع العيس تقضي وقفة بربا الحمى *** ودع محرما ً يجري بسفح كتيبه

وقل لغريب الحسن ما فيك رحمة *** لمفرد وجد في هواك غريبه

ص: 95

متى غرّد الحادي سحيراً على النقا *** أمال الهوى العذرى عطف طروبه

وإن ذكرت للصب أيام حاجر *** هناك يُقضّى نحبه بنحيبه

وقال :

رقّ النسيم لطافة فكأنما *** في طيّه للعاشقين عتاب

وسرى يفوحُ تعطراً وأظنه *** لرسائل الأحباب فهو جواب

وقال :

يا ليالي الحمى بعهد الكثيب *** إن تناءيت فارجعي من قريب

أي عيش يكن أطيب من عي- *** -ش محبّ يخلو بوجه الحبيب

يقطع العمر بالوصال سروراً *** في أمان من حاسد ورقيب

يتجلّى الساقي عليه بكأس *** هو منها ما بين نور وطيب

كلما أشرقت ولاح سناها *** آذنت من عقولنا بغروب

خلت ساقي المدام يوشَعَ لما *** ردّ شمساً بالكأس بعد المغيب

نغمات الراووق يفقهها الكأ *** س ويوحي بسرّها للقلوب

فلهذا يميل من نشوة الكأ *** س طروباً من لم يكن بطروب

يا نديمى أشمأل أم شمول *** رقّ منها وراق لي مشروبي

أم قدود السقاة مالت فملنا *** طرباً بين واجد وسليب

أم نسيم من حاجرٍ هب وهناً *** فسكرنا بطيب ذاك الهبوب

أم سرى في الأرجاء من عنبر الج- *** -و أريج بالبارق المشبوب

ما ترى الركب قد تمايل سكراً *** وأمالوا مناكباً لجنوب

لست أبكي على فوات نصيب *** من عطايا دهري وأنت نصيبي

وصديقي إن عاد فيك عدوّى *** لا أبالي ما دمت لي يا حبيبي

ص: 96

وقال :

لا غرو إن سُلبت بك الألباب *** وبديع حسنك ما عليه حجاب

يا من يلذّ على هواه تهتكي *** شغفاً ويعذب لي عليه عذاب

حسبي افتخاراً في هواك بأنّ لي *** نسباً له تسمو به الأنساب

أحبابنا وكفى عبيد هواكم *** شرفاً بانكم له أحباب

يا سعد مل بالعيس حلّة منزل *** أضحى لعزة ساكنيه يهاب

ربع تودّ به الخدود إذا مشت *** فيه سليمى أنها أعتاب

كم في الخيام أهلة هالاتها *** تبدو لعينك برقع ونقاب

وشموس حسن أشرقت أنوارها *** افلاكهنّ مضارب وقباب

شنّوا على العشّاق غارات الهوى *** فإذا القلوب لديهم أسلاب

من كل هيفاء القوام إذا أنثنت *** هزّ الغصون بقدّها الإعجاب

تَهب الغرام لمهجتي في أسرها *** فجمالها الوهاب والنهاب

وغدت تجرّ على الكثيب برودها *** فإذا العبير لدى ثراه تراب

وقال :

طرفي على سِنة الكرى لا يطرف *** وبخيلة بخيالها لا تُسعف

وأضالعي ما تنطفي زفراتها *** إلا وتذكيها الدموع الذرّف

شَمِتَ الحسود لأن ضَنيتُ ، ومادرى *** أني بأثواب الضنى أتشرّف

يا غائبين وما ألذ نداهم *** وحياتكم قسمى وعز المصحف

إن بشر الحادي بيوم قدومكم *** ووهبته روحي فما أنا منصف

قد ضاع في الآفاق نشر خيامكم *** وأرى النسيم بعرفها يتعرّف

ص: 97

ابن نما الربعي

وفاته سنة 680 تقريباً

أضحت منازل آل السبط مقوية *** من الأنيس فما فيهن سكانُ

باؤا بمقتله ظلما فقد هدمت *** لفقده من ذرى الاسلام أركان

رزية عمّت الدنيا وساكنَها *** فالدمع من أعين الباكين هتّان

لم يبق من مرسل فيها ولا ملك *** إلا عرته رزيات وأشجان

واسخطوا المصطفى الهادي بمقتله *** فقلبه من رسيس الوجد ملآن

وله

وقفت على دار النبي محمد *** فالفيتها قد أقفرت عرصاتها

وأمست خلاء من تلاوة قارئ *** وعطل فيها صومها وصلاتها

فأقوت من السادات من آل هاشم *** ولم يجتمع بعد الحسين شتاتها

فعيني لقتل السبط عبرى ولوعتى *** على فقدهم ما تنقضى زفراتها

وقوله :

يصلي الاله على المرسل *** وينعت في المحكم المنزل

ويغزى الحسين وأبناؤه *** وهم منه بالمنزل الأفضل

ألم يك هذا إذا ما نظرت *** اليه من المعجب المعضل

ص: 98

نجم الدين بن نما الربعي

هو الشيخ الفقيه نجم الملة والدين جعفر بن نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة اللّه بن نما الحلي الربعي.

كان من أعاظم الفقهاء أحد مشايخ آية اللّه العلامة الحلي وهو صاحب مقتل الحسين الموسوم ب- ( مثير الأحزان ) وكتاب ( أخذ الثار ) في أحوال المختار.

وكان أبوه وجده وجد جده جميعاً من العلماء العظام كانت وفاته رحمه اللّه سنة ستمائة وثمانين تقريباً ، وفي الحلة قبر مشهور يعرف بقبر بن نما على مقربة من مرقد أبي الفضائل بن طاووس في الشارع الذي يبتدأ من المهدية وينتهى بباب كربلاء المعروف بباب الحسين : قال الشيخ اليعقوبي في كتابه « البابليات » ولا أعلم هل هو قبر المترجم خاصة أم هو مدفن أفراد هذه الأسرة الطيبة. وقد أثبت شيئا كثيراً من شواهد اشعاره في كتابه ( مثير الأحزان ).

وقد أورد الشيخ السماوي في كتابه ( الكواكب السماوية ) بيتين في التجنيس من قول الشيخ ابن نما في مدح أمير المؤمنين علیه السلام وهما :

جاد بالقرص والطوى ملا جنبيه *** وعاف الطعام وهو سغوب

فأعاد القرص المنير عليه القرص *** والمقرض الكرام كسوب

ومن شعره قوله

إن كنت في آل الرسول مشككا *** فاقرأ هداك اللّه في القرآن

فهو الدليل على علوّ محلّهم *** وعظيم فضلهم وعظم الشأن

وهم الودائع للرسول محمد *** بوصية نزلت من الرحمن

ص: 99

وقوله في أصحاب الحسين عليه وعليهم السلام

إذا اعتقلوا سمر الرماح ويمموا *** أسود الشرى فرّت من الخوف والذعر

كماة رحى الحرب العوان فان سطوا *** فاقرانهم يوم الكريهة في خسر

وان أثبتوا في مأزق الحرب أرجلاً *** فوعدهم منه الى ملتقى الحشر

قلوبهم فوق الدروع وهمهم *** ذهاب النفوس السائلات على البتر

وعن إجازات البحار عن خط الشيخ الشهيد محمد بن مكي قال كتب ابن نما الحلي الى بعض الحاسدين له

انا ابن نما إما نطقتُ فمنطقي *** فصيح إذا ما مصقع القوم أعجما

وإن قبضت كف امرئ عن فضيلة *** بسطت لها كفاً طويلاً ومعصما

بنى والدي نهجاً الى ذلك العلى *** وأفعاله كانت الى المجد سُلّما

كبنيان جدي جعفر خير ماجدٍ *** وقد كان بالاحسان والفضل مغرما

وجدّ أبي الحَبر الفقيه أبي البقا *** فما زال في نقل العلوم مقدّما

يودّ أُناس هدم ما شيّد العلى *** وهيهات للمعروف أن يتهدما

يروم حسودي نيل شأوي سفاهة *** وهل يقدر الانسان يرقى الى السما

منالي بعيد ويح نفسك فاتئد *** فمن أين في الاحداد مثل التقى نما

أقول وترجمه الشيخ القمي في الكنى فقال : هو الشيخ الفقيه نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة بن نما الحلي ، كان رحمه اللّه من الفضلاء الأجلّة ومن كبراء الدين والملة عظيم الشان جليل القدر أحد مشايخ آية اللّه العلامة وصاحب المقتل الموسوم بمثير الأحزان.

يظهر أن أباه وجده وجد جدّه جميعاً كانوا من العلماء رضوان اللّه عليهم أجمعين.

ص: 100

أقول ووالد المترجم له هو : نجيب الدين ابو ابراهيم محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة اللّه ابن نما بن علي بن حمدون الحلي ، شيخ الفقهاء في عصره ، احد مشايخ المحقق الحلي ، والشيخ سديد الدين والد العلامة ، والسيد احمد ورضي الدين ابني طاووس ، قال المحقق الكركي رحمه اللّه وأعلم مشايخه بفقه أهل البيت الشيخ الفقية السعيد الأوحد محمد بن نما الحلي وأجل أشياخه الإمام المحقق قدوة المتأخرين فخر الدين محمد بن ادريس الحلي العجلي برّد اللّه مضجعه انتهى يروي عن الشيخ محمد بن المشهدي وعن والده جعفر بن نما عن ابن ادريس وعن أبيه هبة الدين بن نما وغير ذلك. توفي بالنجف الأشرف سنة 645.

وقد يطلق ابن نما على ابنه الشيخ الفقيه نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة اللّه بن نما الحلي.

ص: 101

علي بن عيسى الأربلي

المتوفي 693

يا بن بنت النبي دعوة عبد *** مخلص في ولائه لا يحول

لكم محض ودّه وعلى اعدا *** كم سيف نطقه مسلول

انتم عونه وعروته الوثقى *** اذا أنكر الخليل الخليل

واليكم ينضي ركاب الاماني *** فلها موخدُ لكم وذميل

كرمت منكم وطابت فروع *** وزكت منكم وطابت أصول

فليوث إذا دعوا لنزال *** وغيوث إذا أتاهم نزيل

المجيرون من صروف الليالي *** والمنيلون حين عزّ المنيل

شرف شايع وفضل شهير *** وعلاء سام ومجد اثيل

وحلوم عن الجناة وعفو *** وندى فائض ورأي أصيل

لي فيكم عقيدة وولاء *** لاح لي فيهما وقام الدليل

لم اقلد فيكم فكيف وقد شا *** ركني في ولائكم جبرئيل

جزتم رتبة المديح ارتفاعاً *** وكفاكم عن مدحي التنزيل

غير انا نقول وداً وحبّاً *** لا على قدركم فذاك جليل

ص: 102

للامام الحسين أهديت مدحاً *** زان حتى كأنه سلسبيل

وبودي لو كنت بين يديه *** باذلاً مهجتي وذاك قليل

ضاربا دونه مجيبا دعاه *** مستميتاً على عداه أصول

قاضياً حق جدّه وأبيه *** فهما غاية المُنى والسؤل

ص: 103

علي بن عيسى الاربلي صاحب كشف الغمة :

قال الحر العاملي في ( أمل الآمل ) : الشيخ بهاء الدين أبو الحسن علي بن عيسى بن ابي الفتح الاربلي (1).

كان عالماً فاضلاً محدثاً ثقة شاعراً أديباً منشئاً جامعاً للفضائل والمحاسن له كتب منها : كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة جامع حسن فرغ من تأليفه سنة 687 وله رسالة الطيف ، وديوان شعر ، وعدة رسائل.

وله شعر كثير في مدائح الأئمة علیهم السلام ، ذكر جملة منها في كشف الغمة منها قوله من قصيدة :

وإلى امير المؤمنين بعثتها *** مثل السفاين عمن في تيّار

تحكي السهام إذا قطعن مفازة *** وكأنها في دقة الأوتار

تنحو بمقصدها أغر شأى الورى *** بزكاء أعراق وطيب نجار

حمّال اثقال ومسعف طالب *** وملاذ ملهوف وموئل جار

شرف أقرّ به الحسود وسؤدد *** شاد العلاء ليعرب ونزار

ومآثر شهد العدو بفضلها *** والحق أبلج والسيوف عواري

يا راكباً يفلي الفلاة بجسرة *** زيّافة كالكوكب السيار

عرّج على أرض الغري وقف به *** والثم ثراه وزره خير مزار

وقل السلام عليك يا مولى الورى *** وأبا الهداة السادة الأبرار

ص: 104


1- نسبة الى اربل : بلد بقرب الموصل.

وقوله في أخرى :

سل عن علي مقامات عرفن به *** شدّت عرى الدين في حلّ ومرتحل

مآثر صافحت شهب النجوم علاً *** مشيدة قد سمت قدراً على زحل

كم من يد لك فينا يا أبا الحسن *** يفوق نائلها صوب الحيا الهطل

وقوله من قصيدة في مدح الحسن علیه السلام :

إلى الحسن بن فاطمة أثيرت *** بحق أنيق المدح الجيادِ

أقرّ الحاسدون له بفضل *** عوارفه قلائد في الهواد

وقوله من قصيدة في مدح علي بن الحسين علیه السلام :

مديح علي بن الحسين فريضة *** عليّ لأني من أخص عبيده

إمام هدىً فاق البرية كلها *** بآبائه خير الورى وجدوده

وقوله من قصيدة في مدح الباقر علیه السلام :

كم لي مديح فيهم شائع *** وهذه تختصّ بالباقر

امام حقّ فاق في فضله *** العالم من باد ومن حاضر

وقوله من قصيدة في مدح الصادق علیه السلام :

مناقب الصادق مشهورة *** ينقلها عن صادق صادقُ

جرى إلى المجد كآبائه *** كما جرى في الحلبة السابق

وقوله من قصيدة في مدح الكاظم علیه السلام :

ص: 105

مدائحي وقف على الكاظم *** فما على العاذل واللائم

ومن كموسى أو كآبائه *** أو كعلي وإلى القائم

وقوله من قصيدة في مدح الرضا علیه السلام :

والثم الأرض إن مررت على *** مشهد خير الورى علي بن موسى

وأبلغنه تحية وسلاماً *** كشذى المسك من علي بن عيسى

وقوله من قصيدة في مدح الجواد علیه السلام :

حماد حماد للمثني حمّاد *** على آلاء مولانا الجواد

إمام هدىً له شرف ومجد *** أقرّ به الموالي والمعادي

وقوله من قصيدة في مدح الهادي علیه السلام :

يا أيهذا الرائح الغادي *** عرّج على سيدنا الهادي

وقل سلام اللّه وقفٌ على *** مستخرج من صلب أجواد

وقوله من قصيدة في مدح العسكري علیه السلام :

عرّج بسامراء والثم ثرى *** أرض الإمام الحسن العسكري

على وليّ اللّه في عصره *** وابن خيار اللّه في الأعصر

وقوله من قصيدة في مدح المهدي علیه السلام :

عداني عن التشبيب بالرشأ الأحوى *** وعن بانتي سلعٍ وعن عَلَمي حزوى

غرامي بناء عن عناني وفكرتي *** تمثله للقلب في السر والنجوى

ص: 106

من النفر الغرّ الذين تملّكوا *** من الشرف العاديّ غايته القصوى

هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصاً *** تمسّك في أخراه بالسبب الأقوى

هم القوم فاقوا العالمين مآثراً *** محاسنها تجلى وآياتها تروى

قال الشيخ القمي في الكنى والالقاب : بهاء الدين ابو الحسن علي بن عيسى بن ابي الفتح الاربلي من كبار العلماء الامامية ، العالم الفاضل الشاعر الاديب المنشئ النحرير والمحدث الخبير ، الثقة الجليل ، ابو الفضائل والمحاسن الجمة صاحب كتاب كشف الغمة في معرفة الائمة ، فرغ من تصنيفه سنة 687 وله ديوان شعر وعدة رسائل.

ملاحظة :

لا يخفى انه غير الوزير الكبير أبي الحسن علي بن عيسى بن داود البغدادي الكاتب وزير المقتدر والقاهر ، قال في ضافي ترجمته كان غنياً شاكراً صدوقاً ديناً خيراً صالحاً عالماً من خيار الوزراء وهو كثير البرّ والمعروف والصلاة والصيام ومجالس العلماء توفي سنة 334.

وقال الشيخ الاميني : بهاء الدين ابو الحسن علي بن فخر الدين عيسى بن ابي الفتح الاربلي نزيل بغداد ودفينها. فذّ من أفذاذ الأمّة ، وأوحدي من نياقد علمائها بعلمه الناجع وأدبه الناصع يتبلج القرن السابع ، وهو في أعاظم العلماء قبلة في أئمة الأدب ، وان كان به ينضّد جمان الكتابة ، وتنظّم عقود القريض ، وبعد ذلك كلّه هو أحد ساسة عصره الزاهي ، ترنحت به اعطاف الوزارة وأضاء دستها ، كما ابتسم به ثغر الفقه والحديث ، وحميت به ثغور المذهب ،

ص: 107

وسفره القيّم - كشف الغمّة - خير كتاب اخرج للناس في تاريخ أئمة الدين ، وسرد فضايلهم ، والدفاع عنهم ، والدعوة اليهم. وهو حجّةٌ قاطعة على علمه الغزير ، وتضلعه في الحديث ، وثباته في المذهب ونبوغه في الأدب ، وتبريزه في الشعر ، حشره اللّه مع العترة الطاهرة صلوات اللّه عليهم ، قال الشيخ جمال الدين احمد بن منيع الحلّي مقرّظاً الكتاب :

ألا قل لجامع هذا الكتاب *** يميناً لقد نلتَ اقصى المراد

وأظهرت من فضل آل الرسول *** بتأليفه ما يسوء الأعادي

مشايخ روايته والرواة عنه :

يروي بهاء الدين عن جمع من أعلام الفريقين منهم :

1 - سيدنا رضيّ الدين جمال الملة السيد علي بن طاوس المتوفي 664.

2 - سيدنا جلال الدين علي بن عبد الحميد بن فخار الموسوي أجاز له سنة 676.

3 - الشيخ تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان الشهير بابن الساعي البغدادي السلامي المتوفي 674. يروي عنه كتاب - معالم العترة النبويّة العليّة - تأليف الحافظ أبي محمد عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي المتوفي 611 كما في كشف الغمّة ص 135.

4 - الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي المتوفي سنة 658 ، قرأ عليه كتابيه : كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب والبيان في أخبار صاحب الزمان. وذلك باربل سنة 648 وله منه إجازة

ص: 108

بخطّه وينقل عن كتابه « الكفاية » كثيراً في كشف الغمّة.

5 - كمال الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن وضاح نزيل بغداد الفقيه الحنبلي المتوفي 672 ، يروي عنه بالإجازة وممّا يروي عنه كتاب - الذريّة الطاهرة تأليف ابي بشر محمد بن أحمد الأنصاري الدولابي المتوفي سنة 320 ، وكان مخطوطاً بخطّ شيخه إبن وضاح المذكور ، كشف الغمّة 109.

6 - الشيخ رشيد الدين أبو عبد اللّه محمد بن أبي القاسم بن عمر بن أبي القاسم قرأ كتاب - المستغيثين - « في كشف الظنون المستعين باللّه » تأليف أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال الأنصاري القرطبي المتوفي 578 ، والشيخ رشيد الدين قرأ - المستغيثين - على محيي الدين أبي محمد يوسف بن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي وهو يرويه عن مؤلفه إجازة قال المترجم له في « كشف الغمّة » ص 224 : كانت قراءتي عليه في شعبان من سنة ست وثمانين وستمائة بداري المطلة على دجلة ببغداد.

وينتقل كثيراً عن عدّة من تآليف معاصره منها : تفسير الحافظ أبي محمد عبد الرزاق عز الدين الرسعني الحنبلي المتوفي 661 ، كانت بينه وبين المترجم له صداقة وصلة ، راجع الجزء الأول من كتابنا هذا ص 220.

ومنها : مطالب السؤول تأليف أبي سالم كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي كما أسلفناه في ترجمته ص 415 من هذا الجزء.

ومنها تآليف شيخنا الأوحد قطب الدين الراوندي ويروي عنه جمعٌ من أعلام الفريقين منهم :

1 - جمال الدين العلامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر كما في إجازة شيخنا الحر العاملي صاحب « الوسائل ».

ص: 109

2 - الشيخ رضي الدين علي بن المطهّر كما في إجازة السيد محمد بن القاسم ابن معيّة الحسيني للسيد شمس الدين.

3 - السيد شمس الدين محمد بن فضل العلوي الحسني.

4 - ولده الشيخ تاج الدين محمد بن علي.

5 - الشيخ تقي الدين بن إبراهيم بن محمد بن سالم.

6 - الشيخ محمود بن علي بن أبي القاسم.

7 - حفيده الشيخ شرف الدين أحمد بن الصدر تاج الدين محمد بن علي.

8 - حفيده الآخر الشيخ عيسى بن محمد بن علي أخو الشرف المذكور.

9 - الشيخ شرف الدين أحمد بن عثمان النصيبي الفقيه المدرّس المالكي.

10 - مجد الدين أبو الفضل يحي بن علي بن المظفر الطيبي الكاتب بواسط العراق قرأ على المترجم شطراً من كتابه « كشف الغمّة » وأجاز له ولجمع من الأعلام المذكورين سنة 691.

وممن قرأ عليه.

11 - عماد الدين عبد اللّه بن محمد بن مكي.

12 - الصدر الكبير عز الدين أبو علي الحسن بن ابي الهيجا الاربلي.

13 - تاج الدين أبو الفتح بن الحسين بن أبي بكر الاربلي.

ص: 110

14 - المولى امين الدين عبد الرحمن بن علي بن ابي الحسن الجزري الموصلي.

15 - الشيخ حسن بن إسحق بن ابراهيم بن عباس الموصلي.

له ذكره الجميل في أمل الآمل. ورياض العلماء. ورياض الجنة في الروضة الرابعة. وروضات الجنات. والأعلام للزركلي. وتتميم الأمل لابن ابي شبانة. والكنى والألقاب. والطليعة في شعراء الشيعة.

قال إبن الفوطي في « الحوادث الجامعة » ص 341 : وفي سنة 657 وصل بهاء الدين علي بن الفخر عيسى الاربلي الى بغداد ، ورتب كاتب الإنشاء بالديوان وأقام بها الى ان مات وقال في ص 480 : انه توفي ببغداد سنة 693. وقال في ص 278 : انه تولى تعمير مسجد معروف سنة 678. وذكر له ص 38 من قصيدته التي يرثي بها معلم الأمة شيخنا خواجه نصير الدين الطوسي والملك عز الدين عبد العزيز :

ولما قضى عبد العزيز بن جعفر *** وأردفه رزء النصير محمد

جزعت لفقدان الأخلاء وانبرت *** شؤوني كمرفض الجمان المبدّد

وجاشت اليّ النفس حزناً ولوعةً *** فقلت : تعزّي واصبري فكأن قدِ

وقال في صحيفة 366 : وفي خامس عشر من جمادى الآخرة ركب علاء الدين صاحب الديوان لصلاة الجمعة فلما وصل المسجد الذي عند عقد مشرعة الأبريين ، نهض عليه رجلٌ وضربه بسكين عدّة ضربات فانهزم كل من كان بين يديه من السرهنكيّة وهرب الرجل أيضاً فعرض له رجل حمال كان قاعداً بباب غلة ابن تومة وألقى عليه كساءه ولحقه السرهنكيّة فضربوه بالدبابيس وقبضوه ، واما الصاحب فأنه ادخل دار بهاء الدين - المترجم له - ابن الفخر

ص: 111

عيسى وكان يومئذ يسكن في الدار المعروفة بديوان الشرابي لما عرف بذلك خرج حافياً وتلقاه ودخل بين يديه وأحضر الطبيب فسبر الجرح ومصّه فوجده سليماً من السم.

وذكر في ص 369 من إنشاءه كتاب صداق كتبه في تزويج الخواجة شرف الدين هارون بن شمس الدين الجويني بابنة أبي العباس أحمد بن الخليفة المستعصم في جمادي الآخرة سنة 670.

وترجمه الكتبي في - فوات الوفيات - 2 ص 83 وقال : له شعرٌ وترسل وكان رئيسا كتب لمتولّي أربل من صلايا ؛ ثم خدم ببغداد في ديوان الإنشاء أيام علاء الدين صاحب الديوان ؛ ثم إنّه فتر سوقه في دولة اليهود ، ثم تراجع بعدهم وسلم ولم ينكب إلى أن مات سنة 692 ، وكان صاحب تجمّل وحشمة ومكارم أخلاق وفيه تشيّع ، وكان أبوه والياً باربل ، ولبهاء الدين مصنّفات أدبيّة مثل : المقالات الأربع. ورسالة الطيف : المشهورة وغير ذلك ، وخلف لمّا مات تركةً عظيمةً ألفي ألف درهم تسلّمها ابنه أبو الفتح ومحقها ومات صعلوكاً ومن شعر بهاء الدين رحمه اللّه

أي عذر وقد تبدّى العذار *** إن ثناني تجلّدٌ واصطبار

فأقلا إن شئتما أو فزيدا *** ليس لي عن هوى الملاح قرارُ

هل مجيرٌ من الغرام؟ وهيها *** ت أسير الغرام ليس يجارُ

يا بديع الجمال قد كثرت فيك *** اللواحي وقلّت الأنصار

وترجمه صاحب « شذرات الذهب » ج 5 : 383 بعنوان بهاء الدين ابن الفخر عيسى الأربلي وعدّه من المتوفّين في سنة 683 وأحسبه تصحيف 693. وجعلوه في فهرست الكتاب : عيسى بن الفخر الأربلي. زعماً منهم بأن عيسى

ص: 112

في كلام المصنّف بدل من قوله بهاء الدين.

وذكره سيدنا صاحب « رياض الجنّة » وقال : إنه كان وزيراً لبعض الملوك وكان ذا ثروة وشوكة عظيمة فترك الوزارة واشتغل بالتأليف والتصنيف والعبادة والرياضة في آخر أمره ، وقد نظم بسبب تركه المولى عبد الرحمن الجامي في بعض قصائده بقوله. ثم ذكر خمسة عشر بيتاً باللغة الفارسية ضربنا عنها صفحاً. والقصيدة على انّها خاليةٌ من اسم المترجم ومن الايعاز إليه بشيء يعرفه تعرب عن أن الممدوح بها غادر بيئة وزارته إلى الحرم الأقدس وأقام هناك إلى أن مات. ومرّ عن ابن الفوطي : أن المترجم كان كاتباً إلى أن مات ، وكون وفاته في بغداد ودفنه بداره المطلّة على دجلة في قرب الجسر الحديث من المتسالم عليه ولم يختلف فيه اثنان ، وكان قبره معروفاً يزار إلى أن ملك تلك الدار في هذه الآونة الأخيرة من قطع سبيل الوصول إليه وإلى زيارته ، والناس مجزيّون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شرّاً فشر (1). توجد جملةٌ كبيرةٌ من شعره في العترة الطاهرة صلوات اللّه عليهم في كتابه « كشف الغمّة » منها في ص 79 من قصيدة مدح بها أمير المؤمنين علیه السلام وأنشدها في حضرته قوله :

سل عن عليّ مقامات عرفن به *** شدّت عرى الدين في حلّ ومرتحل

بدراً واحداً وسل عنه هوازن في *** أوطاس واسئل به في وقعة الجمل

واسئل به إذ أتى الأحزاب يقدمهم *** عمرو وصفّين سل إن كنت لم تسل

ص: 113


1- اقول كنا عندما نذهب الى بغداد وننزل في الدار التي يشير اليها الشيخ وهي اليوم فندق للمسافرين : يسمى ب- ( فندق الوحيد ) نقرأ الفاتحة للوزير الاربلي إذ أن قبره يقع في غرفة من غرف الفندق وعلامته قطعة من الكاشي الابيض يتميّز عن كاشي الغرفة.

مآثر صافحت شهب النجوم علاً *** مشيدة قد سمت قدراً على زحل

وسنّة شرعت سبل الهدى وندى *** أقام للطالب الجدوى على السبل

كم من يد لك فينا أبا حسن! *** يفوق نائلها صوب الحيا الهطل؟

وكم كشفت عن الاسلام فادحة *** أبدت لتغرس عن أنيابها العضل؟

وكم نصرتَ رسول اللّه منصلتاً *** كالسيف عُرّي متناه من الخلل

ورُبّ يوم كظل الرمح ما سكنت *** نفس الشجاع به من شدة الوهل

ومأزق الحرب ضنكٌ لا مجال به *** ومنهل الموت لا يُغني عن النهل

والنقع قد ملأ الأرجاء عثيره *** فصار كالجبل الموفي على الجبل

جلوته بشبا البيض القواضب و *** الجرد السلاهب والعسالة الذبل

بذلت نفسك في نصر النبي ولم *** تبخل وما كنت في حال أخا بخل

وقمت منفرداً كالرمح منتصباً *** لنصره غير هيّاب ولا وكل

تروي الجيوش بعزم لو صدمت به *** صمّ الصفا لهوى من شامخ القلل

يا أشرف الناس من عرب ومن عجم *** وأفضل الناس في قول وفي عمل

يا مَن به! عرف الناس الهدى وبه *** ترجى السلامة عند الحادث الجلل

يا فارس الخيل! والأبطال خاضعة *** يا من! له كلُ خلق اللّه كالخول

يا سيد الناس! يا من لا مثيل له! *** يا من! مناقبه تسري سُرى المثل

خذ من مديحي ما أسطيعه كرماً *** فإن عجزت فإن العجز من قبلي

وسوف أهدي لكم مدحاً أُحبّره *** إن كنت ذا قدرةٍ أو مدّ في أجلي

وقال في الأئمة المعصومين علیهم السلام أجمعين :

أيها السادة الأئمة أنتم *** خيرة اللّه اولا وأخيرا

قد سموتم الى العلى فافترعتم *** بمزاياكم المحل الخطيرا

ص: 114

أنزل اللّه فيكم هل أتى نصّا *** جليا في فضلكم مسطورا

مَن يجاربكم وقد طهر اللّه تعا *** لى أخلاقكم تطهيرا

لكم سؤدد يقرره القرآن *** في نفس سامع تقريرا

ان جرى البرق في مداكم كبا من *** دون غاياتكم كليلا حسيرا

واذا أزمة عرت واستمرت *** فترى للعضاة فيها صريرا

بسطوا للندى أكفّا سباطا *** ووجوها تحكي الصباح المنيرا

وأفاضوا على البرايا عطايا *** خلفت فيهم السحاب المطيرا

فتراهم عند الأعادي ليوثا *** وتراهم عند العفاة بحورا

يمنحون الولي جنة عدن *** والعدوّ الشقي يصلى سعيرا

يطعمون الطعام في العسر واليسر *** يتيما وبائسا وفقيرا

لا يريدون بالعطاء جزاءا *** محبطا أجر برّهم أو شكورا

فكفاهم يوما عبوسا واعطا *** هم على البر نضرة وسرورا

وجزاهم بصبرهم وهو أولى *** من جزى الخير جنة وحريرا

واذا ما ابتدوا لفصل خطاب *** شرفوا منبرا وزانوا سريرا

بخلوا الغيث نائلا وعطاءا *** واستخفوا يلملما وثبيرا

يخلفون الشموس نورا واشرا *** قا وفي الليل يخجلون البدورا

أنا عبد لكم أدين بحبي *** لكم اللّه ذا الجلال الكبيرا

عالم انني اصبت وان اللّه *** يولي لطفا وطرفا قريرا

مال قلبي اليكم في الصبى الغض *** واحببتكم وكنت صغيرا

وتوليتكم وما كان في اهلي *** وليٌ مثلي فجئت شهيرا

أظهر اللّه نوركم فاضاء الأفق *** لما بدا وكنت بصيرا

فهداني اليكم اللّه لطفا *** بي وما زال لي وليا نصيرا

ص: 115

كم أياد أولي وكم نعمة أسدى *** فلي أن أكون عبدا شكورا

امطرتني منه سحائب جود *** عاد عودي بهن غصنا نضيرا

وحماني من حادثات الليالي *** فعدتني مؤيدا منصورا

لو قطعت الزمان في شكر أدنى *** ما حباني به لكنت جديرا

فله الحمد دائما مستمرا *** وله الشكر أولا وأخيرا

وعليكم أعلى الصلاة وأغلى *** المدح فيكم ولم أجده كثيرا

ومن شعره كما في مخطوط سمير الحاظر ومتاع المسافر للمرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء.

كيف خلاصي من هوى شادن *** حكّمه الحسن على مهجتي

بعاده ناري التي تتقى *** وقربه لو زارني جنتي

ما اتسعت طرق الهوى فيه لي *** إلا وضاقت في الجفا حيلتي

وله :

وجهه والقوام والشعر *** الأسود في بهجة الجبين النضير

بدرتم على قضيب عليه *** ليل دجن من فوق صبح منير

وله :

تهددني الدهر الخؤن بما دهى *** وينقض من بعد الوثوق عهودي

إذا رمتُ من يَشفي الفؤاد بطبّه *** فيوميّ سبتٌ ، والطبيب يهودي (1)

ص: 116


1- الجزء الأول ص 90.

ومن شعره

غزال النقا لولا ثناياك واللمى *** لما بتُّ صبّاً مستهاماً متيّما

ولولا معان فيك أو جبن صبوتي *** لما كنتُ من بعد الثمانين مغرما

أيا جنّة الحسن الذي غادر الحشا *** بفرط التجافي والصدود جهنما

جريت على رسم من الجور واضح *** أما آن يوما أن ترقّ وترحما

أمالك رقى كيف حللتَ جفوتي *** وعدت لقتلي بالبعاد متمما

وحرمت من حلو الوصال محللا *** وحللت من مر الجفاء محرّما

بحسن التثني رقّ لي من صبابة *** اسلتَ بها دمعي على وجنتي دما

ورفقا بمن غادرته غرض الردى *** إذا زار عن شحط بلادك سلما

كلفت بساجي الطرف أحوى مهفهف *** يميس فينسيك القضيب المنعما

يفوق الظبا والغصن حسنا وقامة *** وبدر الدجى والبرق وجما ومبسما

فناظره في قصتي ليس ناظراً *** وحاجبه في قتلتي قد تحكما

ومشرف صدغ ظل في الحكم جائراً *** وعامل قدٍّ بان أعدى وأظلما

وعارضه لم يرثِ لي من شكاية *** فنمّت دموعي حين لاح منمنما (1)

وقال يرثيه علیه السلام .

إن في الرزء بالحسين الشهيد *** لعناءٌ يودي بقلب الجليد

إن رزء الحسين أضرم ناراً *** لا تني في القلوب ذات وقود

إن رزء الحسين نجل عليّ *** هدّ ركنا ما كان بالمهدود

ص: 117


1- عن الوافي بالوفيات ج 2 ص 137.

حادث احزن الولي وأضناه *** وخطب اقرّ عين الحسود

يا لها نكبة اباحت حمى الصبر *** وأجرت مدامعا في الخدود

ومصابا عمّ البريّة بالحزن *** واغرى العيون بالتسهيد

يا قتيلاً ثوى بقتلته الدين *** وأمسى الاسلام واهى العمود

ووحيداً في معشر من عدوٍّ *** لهف نفسي على الفريد الوحيد

ونزيفاً يسقى المنية صرفاً *** ظامياً يرتوي بماء الوريد

وصريعا تبكي السماء عليه *** فتروي بالدمع ظامى الصعيد

وغريباً بين الاعادي يعاني *** منهم ما يشيب راس الوليد

قتلوه مع علمهم انه خير *** البرايا من سيد ومسود

واستباحوا دم النبي رسول *** اللّه اذ اظهروا قديم الحقود

واضاعوا حق الرسول التزاما *** بطليق ورغبة بطريد

واتوها صماء شوهاء شنعاء *** اكانت قلوبهم من حديد

وجروا في العمى الى غاية القصوى *** اما كان فيهم من رشيد

اسخطوا اللّه في رضي ابن زياد *** وعصوه اطاعة ليزيد

وارى الحر كان حراً ولكن *** ابن سعد في الخزي كابن سعيد (1)

وقال يذكر الحسين بن علي علیهماالسلام .

الا ايها العادون ان امامكم *** مقام سؤال والرسول سؤول

وموقف حكم والخصوم محمد *** وفاطمة الزهراء وهي ثكول

وان عليا في الخصام مؤيد *** له الحق فيما يدعي ويقول

فماذا تردّون الجواب عليهم *** وليس الى ترك الجواب سبيل

ص: 118


1- عن كشف الغمة في معرفة الائمة لعلي بن عيسى الاربلي.

وقد سؤتموهم في بنيهم تقلهم *** ووزر الذي أحدثتموه ثقيل

ولا يرتجى في ذلك اليوم شافع *** سوى خصمكم والشرح فيه يطول

ومن كان في الحشر الرسول خصيمه *** فان له نار الجحيم مقيل

وكان عليكم واجبا في اعتقادكم *** رعايتهم ان تحسنوا وتنيلوا

فانهم آل النبي وأهله *** ونهج هداهم بالنجاة كفيل

مناقبهم بين الورى مستنيرة *** لها غرر مجلوّة وحجول

مناقب جلت ان يحاط بحصرها *** نمتها فروعٌ قد زكت واصول

مناقب وحي اللّه اثبتها لهم *** بما قام منهم شاهد ودليل

مناقب من خلق النبي وخلقه *** ظهرن فما يغتالهن أفول

وقال يرثيه علیه السلام من بعد مدح ابيه علیه السلام .

واذا ما الشباب ولّى فما أنت *** على فعل اهله معذور

فاتباع الهوى وقد وخط الشيب *** وأودى غضّ الشباب غرور

فاله عن حاجرَ وسلع ودع وصل *** الغواني فوصلهنّ قصير

وتعرض الى ولاء اناسٍ *** حبل معروفهم قوي مرير

خيرة اللّه في الانام ومَن وجه *** مواليهم بهيّ منير

امناء اللّه الكرام وارباب *** المعالي ففضلهم مشهور

المفيدون حين يخفق سعي *** والمجيرون إذ يعز المجير

كرموا مولدا وطابوا اصولا *** فبطون زكيةٌ وظهور

عترة المصطفى وحسبك فخرا *** ايها السائلى البشير النذير

بعلي شيدت معالم دين اللّه *** والارض بالعناد تمور

ص: 119

وبه ايّد الاله رسول اللّه *** اذ ليس في الانام نصير

وباسيافه اقيمت خدود *** صعرت برهة وجزت نحور

وباولاده الهداة الى الحق *** اضاء المستبهم الديجور

سل حنينا عنه وبدرا فما *** يخبر عما سالت الا الخبير

اذ جلا هبوة الخطوب وللحر *** ب زناد يشب منها سعير

اسد ما له اذا استفحل البا *** س سوى رنة السلاح زئير

ثابت الجاش لا يروعه الخطب *** ولا يعتريه فيه فتور

أعرب السيف منه اذ اعجم الرمح *** لان العدى اليه سطور

عزمات امضى من القدر المحتوم *** يجري بحكمه المقدور

ومزايا مفاخر عطّر الافق *** شذاها وقيل فيها عبير

واحاديث سؤدد هي في الدنيا *** على رغم حاسديه تسير

وتَرَ المشركين يبغي رضي اللّه *** تعالى وانه موتور

حسدوه على مآثر شتى *** وكفاهم حقداً عليه الغدير

كتموا داء دخلهم وطووا كشحا *** وقالوا صرف الليالي يدور

ورموا نجله الحسين باحقاد *** تبوخ النيران وهي تفور

لهف نفسي طول الزمان وينمى *** الحزن عندي اذا أتى عاشور

لهف نفسي عليه لهف حزين *** ظل صرف الردى عليه يجور

اسفا غير بالغ كنه ما القى *** وحزنا تضيق منه الصدور

يا لها وقعة قد شمل الاسلام *** منها رزؤ جليل خطير

ليث غاب تعيث فيه كلاب *** وعظيم سطا عليه حقير

يا بني احمد نداء وليٍّ *** مخلص جهره لكم والضمير

لكم صدق ودّه وعلى أعدا *** كم سيف نطقه مشهور

ص: 120

وهواكم طوق له وسواء *** وعليه من المخاوف سور

انتم ذخره اذا اخفق السعي *** واضحى في فعله تقصير

انتم عونه اذا دهمته *** حادثات وفاجئته امور

انتم غوثه وعروته الوثقى *** اذا ما تضمنته القبور

واليكم يهدى المديح اعتقاداً *** وبكم في معاده يستجير

بعلي يرجو عليّ امانا *** من سعير شرارها مستطير

ص: 121

البوصيري

المتوفي 694

البوصيري صاحب البردة من جملة قصيدته الهمزية في مدح خير البرية

يا أبا القاسم الذي ضمن أقسا *** مي عليه مدحٌ له وثناءُ

بالعلوم التي لديك من الل- *** -ه بلا كاتب لها إملاء

وبريحانتين طيّبها من- *** -ك الذي أودعتهما الزهراء

كنت تؤويهما اليك كما آ *** وت من الخط نقطتيها الياء

من شهيدين ليس تنسيني الطف *** مصابيهما ولا كربلاء

ما رعى فيهما ذمامَك مرؤو *** سٌ وقد خان عهدك الرؤساء

أبدلوا الودّ والحفيظة في القر *** بى وأبدت ضبابها النافقاء

وقست منهم قلوبٌ على مَن *** بكت الأرض فقدهم والسماء

فابكهم ما استطعت إنّ قليلا *** في عظيم من المصاب البكاء

كل يوم وكل أرض لكربي *** فيهمُ كربلا وعاشوراء

آل بيت النبي إن فؤادي *** ليس يسليه عنكم التأساء

آل بيت النبي طبتم فطاب ال- *** -مدح لي فيكم وطاب الرثاء

انا حسان مدحكم فإذا نُح- *** -تُ عليكم فانني الخنساء

سدتم الناس بالتقى وسواكم *** سوّدته الصفراء والبيضاء

ص: 122

أبو عبد اللّه محمد بن سعيد الصنهاجي البوصيري ، ولد سنة 608 وكان من أعلام الأدب وفحول الشعراء ، ذا حظوة عند حكام مصر. عين رئيسا على مباشري الجبايات بالشرقية ، ولكنه رأى في الوظيفة والموظفين ما لا يتفق مع عفته وأمانته فاستعفى ورحل الى الاسكندرية وبها نهج في شعره نهجا عرفانياً. أشهر قصائده في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله قصيدته المسماة بالبردة التي مطلعها.

أمن تذكّر جيران بذي سَلَمِ *** مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم

وهي 162 بيتا : عشرة منها في المطلع و 16 في النفس وهواها و 30 في مدح النبي و 19 في مولده و 10 في دعائه و 10 في مدح القرآن ، وشرحها كثيرون

وقال الشيخ القمي في الكنى والالقاب

البوصيري شرف الدين أبو عبد اللّه محمد بن سعيد صاحب القصيدة الموسومة بالكواكب الدرية في مدح خير البرية وسميت بالبردة لما حكي انه نظمها في مرض اعتراه تبركا ، فرأى النبي صلی اللّه علیه و آله قد حضر وغطاه ببردته فشفى. فمنها

محمد سيد الكونين والثقلين *** من عرب ومن عجم

فاق النبيين في خلق وفي خُلق *** ولم يدانوه في علم ولا كرم

وكلّهم من رسول اللّه ملتمس *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم

فهو الذي تمّ معناه وصورته *** ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم

منزّه عن شريك في محاسنه *** فجوهر الحسن فيه غير منقسم

ص: 123

فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ *** وأنه خير خلق اللّه كلهم

يا أكرم الخلق مالي مَن ألوذ به *** سواك عند حلول الحادث العمم

فإن من جودك الدنيا وضرّتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم

يا نفس لا تقنطي من زلّة عظمت *** إن الكبائر في الغفران كاللمم

ومنها قوله عن معراج الرسول صلی اللّه علیه و آله

سريتَ من حرم ليلا إلى حرم *** كما سرى البرق في داج من الظلم

فظلت ترقى إلى أن نلتَ مرتبة *** من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم

وقدمتك جميع الأنبياء بها *** والرسل تقديم مخدوم على خدم

وأنت تخترق السبع الطباق بهم *** في موكب كنتَ فيه صاحب العلم

حتى اذا لم تدع شأواً لمستبق *** من الدنو ولا مرقى لمستنم

خفضت كل مقام بالإضافة إذ *** نوديت بالرفع مثل المفرد العلم

قال صاحب فوات الوفيات : وله تلك القصيدة المشهورة التي نظمها في مُباشري الشرقية التي أولها :

نقدتُ طوائف المستخدمينا *** فلم أر فيهم رجلا أمينا

فقد عاشرتهم ولبثت فيهم *** مع التجريب من عمر سنينا

فكتّاب الشمال هم جميعاً *** فلا صحبت شمالهم اليمينا

فكم سرقوا الغلال وما عرفنا *** بهم فكأنما سرقوا العيونا

ولولا ذاك ما لبسوا حريراً *** ولا شربوا خمور الاندرينا (1)

ص: 124


1- اخذ هذا من قول عمرو بن كلثوم في معلقته : ألا هبي بصحنك فاصبحينا *** ولا تبقى خمور الاندرينا

ولا رَبّوا من المردات مُرداً *** كأغصان يملن وينحنينا

وقد طلعت لبعضهم ذقون *** ولكن بعد ما حلقوا الذقونا

وأقلام الجماعة جائلات *** كأسيافٍ بأيدي لاعبينا

الى ان يقول

تفقّهت القضاة فخان كلٌ *** أمانته وسمّوه الامينا

قال : وهي طويلة الى الغاية ، وقد اختصرت من أبياتها كثيراً ، وله فيهم غير ذلك ، وشعره في غاية الحسن واللطافة ، عذب الالفاظ منسجم التركيب ، وقال من قصيدة أولها :

أهوىً والمشيب قد حال دونه *** والتصابي بعد المشيب رعونه

أبت النفس أن تطيع وقالت *** إن حُبّي لا يدخل القنينة (1)

كيف أعصى الهوى وطينة قلبي *** بالهوى قبل آدم معجونه

سلبته الرقاد بيضةُ خدرٍ *** ذات حسن كالدرة المكنونه

سمتها قبله تسر بها النفس *** فقالت كذا أكون حزينه

قلت لا بد أن تسيري إلى الدا *** ر فقالت عسى أنا مجنونه

قلت سيري فإنني لك خير *** من أب راحم وأمّ حنونه

أنا نعم القرين إن كنت *** تبغين حلالا وأنت نعم القرينه

قالت اضرب عن وصل مثلي صفحا *** واضرب الخل أو تصير طحينه

لا أرى أن تمسني يد شيخٍ *** كيف أرضى به لطشتي مشينه

قلت ان كثير مال فقالت *** هبك أنت المبارز القارونه

ص: 125


1- القنينة : الزجاجة.

سيدي لا تخف عليّ خروجاً *** في عروضي ففطنتي موزونه

كل بحر إن شئت فيه اختبرني *** لا تكذب فإنني يقطينه

قال الشيخ تقي الدين بن سيد الناس : كانت له حمارة استعارها منه ناظر الشرقية ، فأعجبته ، فأخذها وجهز له ثمنها مائتي درهم ، فكتب على لسانها الى الناظر ، المملوكة حمارة البوصيري :

يا أيها السيد الذي شهدت *** أخلاقُه لي بأنه فاضل

ما كان ظني يبيعُني أحد *** قطّ ولكنّ صاحبي جاهل

لو جرسوه عليّ من سفه *** لقلت غيظاً عليه يستاهل

أقصى مرادي لو كنت في بلدي *** أرعى بها في جوانب الساحل

وبعد هذا فما يحل لكم *** أخذي لأني من سيدي حامل

فردها الناظر إليه ، ولم يأخذ الدراهم منه.

قال البوصيري : كنت قد نظمت قصائدا في مدح رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله منها : ما كان اقترحه على الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني فالج أبطل نصفي ، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة ، فعملتها واستشفعت به إلى اللّه تعالى في أن يعافيني ، وكررت إنشادها ، وبكيت ، ودعوت ، وتوسلت ، ونمت فرأيت النبي صلی اللّه علیه و آله ، فمسح على وجهي بيده المباركة ، وألقى على بُردة ، فانتبهت ووجدت فيّ نهضةً ، فقمت وخرجت من بيتي ، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً فلقيني بعض الفقراء ، فقال لي : أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقلت : أيها؟ فقال : التي أنشأتها في مرضك ، وذكر اولها ، وقال : لقد سمعتها البارحة. وهي

ص: 126

تنشد بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فرأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يتمايل ، وأعجبته ، وألقى على مَن أنشدها بردةً ، فأعطيته إياها ، وذكر الفقير ذلك ، وشاع المنام إلى أن اتصل بالصاحب بهاء الدين بن حنا فبعث إليّ وأخذها ، وحلف أن لا يسمعها إلا قائماً حافياً مكشوف الرأس ، وكان يحب سماعها هو وأهل بيته ، ثم إنه بعد ذلك أدرك سعد الدين الفارقي الموقّع رمدٌ أشرف منه على العمى ، فرأى في المنام قائلا يقول له : إذهب إلى الصاحب وخذ البردة واجعلها على عينيك فتعافى بإذن اللّه عز وجل ، فأتى إلى الصاحب وذكر منامه ، فقال : ما أعرف عندي من أثر النبي صلی اللّه علیه و آله بردة ، ثم فكّر ساعة وقال : لعل المراد قصيدة البردة التي للبوصيري يا ياقوت إفتح الصندوق الذي فيه الآثار وأخرج القصيدة للبوصيري وأت بها ، فأتى بها ، فأخذها سعد الدين ووضعها على عينيه ، فعوفى ومن ثم سميت البردة ، واللّه أعلم.

ومن أشهر مدائح لأهل البيت علیهم السلام قصيدته التي يقول فيها :

فقل لبني الزهراء والقول قربة *** بكل لسان فيهم أو حصائد

أحبّكم قلبي فأصبح منطقي *** يجادل عنكم حسبةً ويجالد

وهل حبكم للناس إلا عقيدة *** على اسّهافي اللّه تبنى القواعد

وان اعتقاداً خالياً من محبّة *** وودّ لكم آل النبي لفاسد

توفي بالاسكندرية سنة 694 وقيل 695 ه- من آثاره ديوان شعره المطبوع بمصر سنة 1955 م.

كان أحد أبويه من بوصير والآخر من دلاص.

ص: 127

ومن مدائحه في النبي صلی اللّه علیه و آله قصيدته الشهيرة التي أولها :

كيف ترقى رقيّك الأنبياء *** يا سماءً ما طاولتها سماءُ

وقصيدة على وزن ( بانت سعاد ) وأولها :

الى متى أنت باللذات مشغول *** وأنت عن كل ما قدمت مسؤل

ص: 128

سراج الدين الوراق

المتوفى سنة 695

قال فية نسمة السحر : وللسراج مراث في الحسين علیه السلام منها تعجيز مرثية أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي لما قتله بابك الخرمي في ايام المعتصم فنقلها السراج بشعاع قريحته الى رثاء الإمام وأجاد ، وله غير ذلك.

اقول مقتل بابك سنة 214.

ص: 129

قال الصفدي في فوات الوفيات.

عمر بن محمد بن حسن سراج الدين الوراق الشاعر المشهور والأديب المذكور ملكت ديوان شعره وهو في سبعة أجزاء كبار صخمة إلى الغاية وهذا الذي اختاره لنفسه وأثبته فلعل الأصل كان من حساب خمسة عشر مجلداً وكل مجلد يكون مجلدين فهذا الرجل أقل ما يكون ديوانه لو ترك جيده ورديّه في ثلاثين مجلداً ، وخطه في غاية الحسن والقوة والاصالة وكان حسن التخيل جيد المقاصد صحيح المعاني عذب التركيب قاعد التورية والاستخدام عارفاً بالبديع وأنواعه وكان أشقر أزرق وفي ذلك يقول :

ومن رآني والحمار مركبي *** وزرقتي للروم عرقٌ قد ضرَب

قال وقد أبصر وجهي مقبلاً : *** لا فارس الخيل ولا وجه العرب

وكان يكتب الدرج للامير يوسف سيف الدين أبي بكر بن أسبا سلار والى مصر وتوفي في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة رحمه اللّه تعالى : وقد قارب التسعين أو جاوزها بقليل ، وأكثر شعره في اسمه فمن ذلك :

وكنت حبيباً إلى الغانيات *** فألبسني الشيب بغض الحبيب

وكنت سراجاً بليل الشباب *** فأطفأ نورى نهار المشيب

وقال أيضا :

بُني اقتدي بالكتاب العزيز *** وراح لِبرّى سعياً وراجا

فما قال لي أف مذ كان لي *** لكوني أباً ولكوني سراجا

ص: 130

وقال أيضا :

وقالت : يا سراج علاك شيب *** فدع لجديده خلع العذار

فقلت لها : نهار بعد ليل *** فما يدعوك أنت إلى النفار

فقالت : قد صدقت وما علمنا *** بأضيع من سراج في نهار

وقال أيضاً :

إلهي قد جاوزت ستين حجة *** فشكراً لنعماك التي ليس تكفر

وعُمّرت في الاسلام فازددتُ بهجة *** ونوراً كذا يبدو السراج المعمر

وعمّم نور الشيب رأسي فسرني *** وما ساءني إن السراج منور

وقال أيضا :

طوت الزيادة إذ رأت *** عصر المشيب طوى الزياره

ثم انثنت لما انثنت *** بعد الصلابة كالحجارة

وبقيت أهرب وهي تسأل *** جارة من بعد جاره

وتقول : يا ست استرحنا *** لا سراج ولا مناره

وقال أيضا :

كم قطّع الجود من لسان *** قلد من نظمه النحورا

فها أنا شاعر سراج *** فاقطع لساني أزدك نورا

وقال أيضا :

أثنى عليّ الأنام إني *** لم أهج خلقاً ولو هجاني

ص: 131

فقلت لا خير في سراج *** إن لم يكن دافى اللسان

وقال أيضا وقد داعب بهما انا الحسين الجزار :

ربّ سامح ابا الحسين وسامحني *** فشأني وشأنه الإسلام

فذنوب الوراق كل جريح *** وذنوب الجزار كل عظام

وقال أيضا :

واخجلتي وصحائفي قد سوّدت *** وصحائف الأبرار في إشراق

وفضيحتي لمعنّف لي قائل : *** أكذا تكون صحائف الوراق

وقال أيضا :

وباخل يشنأ الأضياف حلّ به *** ضيف من الصبغ نزّال على القمم

سألته ما الذي يشكو فأنشدني *** ضيفٌ ألمّ برأسي غير محتشم )

وقال أيضا :

وضاع خصر لها ما زلت أنشده *** إذ رقّ لي ورثى للسقم من بدني

وقال لي بلسان من مناطقه : *** ( لولا مخاطبتي إياك لم ترني )

وقال أيضا :

دع الهوينا وانتصب للتقى *** واكدح فنفس المرء كدّاحه

وكن عن الراحة في معزل *** فالصفع موجود مع الراحه

وقال أيضا :

ص: 132

سألتهم وقد حثّوا المطايا *** قفوا نفساً فداروا حيث شاؤوا

وما عطفوا عليّ وهم غصونٌ *** وما التفتوا إلي وهم ظباء

وقال أيضا :

شمتُ برقاً من ثغرها الوضح *** والدجى سيره مَهيضُ الجناح

فتبارى شكّي به ويقيني *** هل تجلّى الصباح قبل الصباح

فأجابت متى تبسّم صبح *** عن حباب أو لؤلؤ أو أقاح

ومتى كان للصباح شميم المسك *** أو نكهة كصرف الراح

سل رحيقي المسكوب تسأل خبيراً *** باغتباق من خمرة واصطباح

قلت مالي وللسكارى فقالت *** أنت أيضاً من الهوى غير صاح

حجة من مليحة قطعتني *** هكذا كل حجة للملاح

لا ولحظ كفترة النرجس الغض *** وخّد كحمرة التفاح

ما تيقنت بل ظننت وما في الظن *** يا هذه كبير جناح

وكثيراً شبهت بالبدر والشمس *** وسامحت فارجعي للسماح

وافعلي ذامن ذاك واطّرحي القول *** اطراحي عليك قول اللاحي

وقال أيضا :

أحسن ما تنظر في صفحة *** عذار من أهوى على خدّه

يا قلم الريحان سبحان من *** خطك بالآس على ورده

وقال أيضا :

جاء عذار الذي أهيم به *** فجرد الوجد اي تجريد

وظنه آخر الغرام به *** مقيد جاهل بمقصودي

ص: 133

وما درى أن لام عارضه *** لام ابتداء ولام توكيد

وقال ايضا :

يا نازح الطيف من نومي يعاودني *** لقد بكيت لفقد النازحين دما

أوجبتَ غسلاً على عيني بأدمعها *** فكيف وهي التي لم تبلغ الحلما

وقال ايضا :

أقول وكفّيَ في خصرها *** يدور وقد كان يخفى على

أخذت عليك عهود الهوى *** وما في يدي منك يا خصرُشى

وفي نسمة السحر قوله ، وهو صادق :

وكان الناس أن مُدحوا أثابوا *** وللكرماء بالمدح افتخار

وكان العذر في وقت ووقت *** فصرنا لاعطاء ولا اعتذار

وترجم له ابن تغري في النجوم الزاهرة فقال : الامام الأديب البارع سراج الدين عمر بن محمد بن الحسين المصري المعروف بالسراج الوراق الشاعر المشهور مولده في العشر الأخير من شوال سنة خمس عشرة وستمائة ، ومات في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة ودفن بالقرافة وكان إماماً فاضلاً أديباً مكثراً متصرفاً في فنون البلاغة ومن شعره :

في خدّه ضلّ علم الناس واختلفوا *** أللشقائق أم للورد نسبته

فذاك بالخال يقضي للشقيق وذا *** دليله أنّ ماء الورد ريقته

وقال سراج الدين عمر بن محمد الوراق في الوحدة :

ص: 134

أفردتني الأيام عن كل خدن *** وأنيسٍ وصاحب وصديق

فلو أني مشيت في شهر آب *** لأبى الظل أن يكون رفيقي

إنما خصص آب من بين الشهور الرومية لأنه يكون قصير الظل في وسط النهار بخلاف الخريف وأوائل الشتاء فإنه يمتد الى أقدام كثيرة وقت الزوال أو لأنه يكون شامساً ضاحياً في غير الهند واليمن وبلاد السودان لعلّة ذكرت في علم الجغرافيا (1).

قصيدة أبي تمام المشهورة يرثي بها محمد بن حميد الطوسي لما قتل في حرب بينه وبين بابك الخرمي الخارج بخراسان أيام المعتصم باللّه محمد بن هارون الرشيد. ومطلع قصيدة أبي تمام :

كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر *** فليس لعين لم تفض ماءها عذر

ص: 135


1- عن نسمة السحر المخطوط في مكتبة كاشف الغطاء العامة.

ص: 136

شعراء القرن الثامن

اشارة

الوفاة

علاء الدين علي بن مظفر الكندي الاسكندراني 716

علاء الدين الشفهيني تقريباً 730

ابن الوردي صاحب التاريخ 749

أبو الحسن علي بن عبد العزيز الخلعي حدود 750

السيد علي بن عبد الحميد بن فخار المعروف بالمرتضى 760

حسن المخزومي كان حياً 772

ص: 137

ص: 138

علاء الدين الوداعي

قال علاء الدين علي بن المظفر الكندي الاسكندراني المعروف بالوداعي المتوفي سنة 716.

عجباً لمن قتل الحسين وأهله *** حرّى الجوانح يوم عاشوراء

أعطاهم الدنيا أبوه وجده *** وعليه قد بخلوا بشربة ماء

وقال :

سمعت بأن الكحل للعين قوّة *** فكحلت في عاشور مقلة ناظري

لتقوى على سحّ الدموع على الذي *** أذاقوه دون الماء حرّ البواتر (1)

ص: 139


1- ذيل تاريخ ابن خلكان للصفدي رواها صاحب روضات الجنات.

قال السيد الأمين في الأعيان ج 42 ص 160.

علاء الدين علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمرو بن زيد الكندي :

كاتب ابن وداعة المعروف بالوادعي صاحب التذكرة الكندية في خمسين مجلداً. ولد بحلب سنة 640 وسافر الى دمشق فتوفي سنة 716.

كان فاضلاً أديباً شاعراً حاملاً لواء البديع في التورية وغيرها وكان ابن نباته عيالاً عليه وسارقاً منه وعقد ابن حجة له في الخزانة فصلاً لسرقاته منه وكان قد درس بالشام وشاركه الذهبي في السماع ، وكتب بديوان الانشاء. ومن شعره :

ترى يا جيرة الرمل *** يعود بقربكم شملي

وهل تقتص أيدينا *** من الهجران للوصل

وهل ينسخ لقياكم *** حديث الكتب والرسل

بروحي ليلة مرّت *** لنا معكم بذي الأثل

وساقينا وما يَملي *** وشادينا وما يُملي

وظبي من بني الأتراك *** حلو التيه والدل

له قدّ كغصن البان *** ميّال الى العدل

وطرف ضيق ويلاه *** من طعناته النُجل

أقول لعاذ لي فيه *** رويدك يا أبا جهل

فقلبي من بني تيم *** وعقلي من بني ذهل

ص: 140

وقوله :

سمعت بان الكحل للعين قوة

وقوله :

يا مالكاً صدق مواعيده *** خلى لنا في جوده مطمعا

لم نعد في السبت فما بالنا *** لم تأتنا حيتاننا شُرّعا

وقال على لسان صديق يهوى مليحا في أذنه لؤلؤة.

قد قلت لما مر بي *** مقرطقٌ يحكي القمر

هذا أبو لؤلؤة *** منه خذوا ثار عمر

وفي الدرر الكامنة : هو منسوب الى ابن وداعة عز الدين عبد العزيز بن منصور ابن وداعة الحلبي كان الناصر بن العزيز ولاه شد الدواوين بدمشق ثم ولاه الظاهر بيبرس وزارة الشام فكان علاء الدين الوداعي كاتبه فاشتهر بالنسبة اليه لطول ملازمته له. تلا السبع على علم الدين اللورقي وابن ابي الفتح وطلب الحديث من مَن سمع من ابن ابي طالب ابن السروي ومن عبداللّه بن الخشوعي وعبد العزيز الكفر طابي والصدر البكري وعثمن بن خطيب القرافة وابراهيم ابن الخليل قرأ عليه بنفسه المعجم الصغير للطبراني وابن عبد الدائم ومن بعدهم ، قال البرزالي جمعت شيوخه بالسماع من سنة اربعين فما بعدها فبلغوا نحو المائتين واشتغل في الآداب فمهر في العربية وقال الشعر فأجاد وكتب الدرج بالحصون مدة ثم دخل ديوان الانشاء في آخر عمره بعد سعي شديد وكان لسانه هجاء فكان الناس ينفرون عنه لذلك كان شديداً في مذهب

ص: 141

التشيع من غير سب ولا رفض ، وزعموا انه كان يخل بالصلاة وولي الشهادة بديوان الجامع ومشيخة الحديث النفيسية وجمع تذكرة في عدة مجلدات تقرب من الخمسين وقفها بالسميساطيه وهي كثيرة الفوائد. قال الذهبي لم يكن عنده ضوء في دينه وكان يخل بالصلاة ويرمى بعظائم وكانت الحماسة من محفوظاته ، حملني الشره على السماع من مثله ، قال ابن رافع سمع منه الحافظ المزي وغيره وكان قد سمع الكثير وقرأ بنفسه وحصل الاصول ومهر في الادب وكتب الخط المنسوب ، سألت الكمال الزملكاني عنه فقال اشتغل في شبيبته كثيراً بانواع من العلوم وقرأ بالسبع وقرأ الحديث وسمعه وحصل طرفاً من اللغة وكان له شعر في غاية الجودة فيه المعاني المستكثرة الحسان التي لم يسبق الى مثلها وكان يكتب للوزير ابن وداعه ويلازمه ثم نقصت حاله بعده ولم يحصل له انصاف من جهة الوصلة ولم يزل يباشر في الديوان السلطاني ، وقال البرزالي باشر مشيخة دار الحيث النفيسية عشرين سنة الى ان مات ( قال المؤلف ) نسبته الى الاخلال بالصلاة ناشئ عن عدم صَلاته أحياناً خلف مَن لا يعتقد عدالته فيظنون به ذلك والذهبي لم ير عليه ضوءاً في دينه لانه شيعي وكذلك الخفاش لا يرى الضوء ورميه بعظائم ليس إلا للتشيع. وكانت له ذؤابة بيضاء الى أن مات وفيها يقول :

يا عائبا مني بقاء ذؤابتي *** مهلا فقد أفرطتُ في تعييبها

قد واصلتني في زمان شبيبتي *** فعلام أقطعها أوان مشيبها

ومن لطائفه قوله :

ويوم لنا بالنيريين رقيقة *** حواشيه خال من رقيب يشينه

وقفنا فسلّمنا على الدوح غدوة *** فردّت علينا بالرؤوس غصونه

ص: 142

وله :

ولا تسألوني عن ليال سهرتها *** أراعي نجوم الأفق فيها الى الفجر

حديثي عال في السماء لأنني *** أخذت الأحاديث الطوال عن الزهر

وله وكتبهما عنه الرشيد الفارقي وكان يستجيدهما :

ولو كنت أنسى ذكره لنسيته *** وقد نشأت بين المحصب والحمى

سحابة لوم أرعدت ثم أبرقت *** بسمرٍ وبيض أمطرت عنهما دما

وله :

فتنت بمن محاسنه *** الى عرب النقى تنمي

عذار من بني لام *** وطرف من بني سهمِ

وعذالي بنو ذهل *** وحسّادي بنو فهمِ

وله :

خليلي لا تسقني *** سوى الصرف فهو الهني

ودع كأسها اطلسا *** ولا تسقني مع دني

وله :

قسماً بمرآك الجميل فانه *** عربيُّ حسنٍ من بني زهران

لا حلت عنك ولو رأيتك من بني *** لحيان لابل من بني شيبان

أخبرني أبو الحسن ابن أبي المجد بقراءتي أنشدنا الوداعي لنفسه اجازة وهو آخر من حدث عنه :

ص: 143

قال لي العاذل المفند فيها *** حين وافت وسلّمت مختاله

قم بنا ندعي النبوة في العش- *** -ق فقد سلّمت علينا الغزاله

وله :

إذا رأيت عارضا مسلسلاً *** في وجنة كجنة يا عاذلي

فاعلم يقينا أنني من أُمّة *** تقاد للجنة بالسلاسل

ونص على تشيعه في نسمة السحر وفوات الوفيات وتذكرة الحفاظ للذهبي ، والصفدي في تاريخه. له التذكرة الكندية ، قال ابن كثير الشامي في تاريخه إنه جمع كتاباً في خمسين مجلّداً فيه علوم جمّة أكثرها أدبيات سماه التذكرة الكندية وقفها بالسميساطية ( ا ه- ) ذكرها في كشف الظنون بثلاثة عناوين : تذكرة الوداعي والتذكرة العلائية والتذكرة الكندية.

وفي روضات الجنات نقلاً عن ذيل تاريخ ابن خلكان لصلاح الدين الصفدي قال : كان هذا الرجل شيعيّاً ودخل ديوان الانشاء بدمشق سنة إحدى عشر : وسبعمائة تقريباً أقول واستطرد في ترجمته وذكر له من الشعر قوله :

ذكرتُ شوقاً وعندي ما يصدقه *** قلب تقلّبه الذكرى وتقلقه

هذا على قرب دارينا ولا عجب *** فالطرف للطرف جارٌ ليس ترمقه

وفي النجوم الزاهرة قال : مات ببستانه في دمشق 17 رجب ودفن بالمزّة ( مزّة كلب ) قرية كبيرة غناء في وسط بساتين دمشق بينها وبين دمشق نصف فرسخ.

وفي الدرر الكامنة ، عرف بالوداعى لاختصاصه بابن وداعة وهو عز الدين عبد العزيز بن منصور ابن وداعة الحلبي ، كان الناصر بن عبد العزيز ولاه شد الدواوين ثم ولاه بيبرس وزارة الشام.

ص: 144

علاء الدين الشفهيني

قال من قصيدة :

وعليك خزي يا أميّة دائماً *** يبقى كما في النار دام بقاكِ

هلا صفحت عن الحسين ورهطه *** صفح الوصيّ أبيه عن آباك

وعففت يوم الطف عفّة جدّه المبعوث *** يوم الفتح عن طلقاك

أفهل يدٌ سلبت إماءَك مثلما *** سلبت كريماتِ الحسين يداك

أم هل برزن بفتح مكة حسراً *** كنسائه يوم الطفوف نساك

ص: 145

ابو الحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين الحلي الشفهيني. عالم فاضل وأديب كامل وهو من المعاصرين للشهيد الأول المقتول سنة 786.

جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع بفكر نابغ ونظر صائب ونبوغ ظاهر وفضل باهر. قال في الطليعة هو من شعراء أهل البيت علیهم السلام وقصائده الرنانة السائرة بمعانيها العالية وحلّتها الفضفاضة. ترجمه كثير من العلماء الأعلام.

وقصائده السبع الطوال التي رآها صاحب رياض العلماء بخط العلامة الشيخ محمد بن علي بن الحسن الجباعي العاملي تلميذ ابن فهد الحلي المتوفي سنة 841.

وقال المرحوم الخطيب الشيخ اليعقوبي في الجزء الأول من ( البابليات ) : أبو الحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين المعروف ب- الشفهيني. المتوفي في حدود الربع الاول من القرن الثامن والمدفون في الحلة حيث يعرف قبره الآن في محلة ( المهدية ) (1).

وكم تحرّيت قبره منقباً في الزوايا التي تحت قبّته لعلي أجد صخرة أو لوحة عليها تاريخ وفاته فلم أجد شيئا.

تحقيق نسبته :

يوجد في كثير من النسخ المخطوط منها والمطبوع اختلاف كثير في نسبته

ص: 146


1- وهو في الشارع العام الذي ينتهي قديماً الى باب كربلاء ( الحسين ) عن يسار الخارج من البلد تجاه مسجد صغير يحتمل أن يكون مسجده في القديم أو داره.

هذه ففي ال- ج 1 من كشكول الشيخ يوسف البحراني عند ذكر قصيدته الكافية « يا عين ما سفحت غروب دماك » بعنوان « الشهفيني » وكذلك في ( ج 2 ) منه عند ذكر قصيدته الرائية « أبرقٌ تراءى عن يمين ثغورها » بتقديم الهاء على الفاء وقرأت في آخر مجموعة للكفعمي بخطه ذكر فيها فهرس مصادر مجموعته ومنها « ديوان ابي الحسن الشهفيني » بتقديم الهاء على الفاء أيضا وذكره القاضي المرعشي في مجالس المؤمنين وأثنى عليه كثيراً وأثبت قسماً من قصيدته اللامية « نمّ العذار بعارضيه وسلسلا » بعنوان علي بن الحسين ( الشهيفيه ) وفي الرياض : وقيل في نسبته ابن الشفهينه وهو اسم امه وزعم بعضهم انه منسوب الى شفهين « قرية في جبل عامل أو البحرين » وليس في كلا القطرين قرية تعرف بهذا الاسم.

وذكره الشيخ داود الانطاكي صاحب التذكرة « من رجال القرن العاشر » في كتاب « تزيين الاسواق » ص 186 وقال عنه : - الأديب الحاذق علاء الدين ( الشاهيني ) وأثبت له بضعة أبيات من لاميته - نم العذار بعارضيه وسلسلا - أوردها شاهداً لما فيها من محاسن التشبيه.

وفي الذريعة في مادة ( ش ر ح ) شرح قصيدة الشيخ علي بن الحسين الشفهيني وفي بعض النسخ الشهفيني العاملي وهي مندرجة في ديوانه الكبير للشيخ السعيد الشهير أبي عبد اللّه محمد بن مكي الشهير سنة ست وثمانين وسبعمائة ذكره في الرياض بوصف الشفهيني وأشهر قصائده في مدح الأمير (عليه السلام) الكافية التي مطلعها :

ياعين ما سفحت غروب دماك *** إلا بما ألهمتُ حبّ دُماك

والثانية اللامية التي مطلعها : « نم العذار بعارضيه وسلسلا ».

ص: 147

قال شيخنا في الذريعة : واظن الشرح للثانية اللامية فانها أجمع من الأولى في فضائل الامام علیه السلام وحروبه ومواقفه.

قلت : - ليس الشرح للامية وإنما هو للدالية ما سيأتي.

وفي روضات الجنات في ترجمة الشهيد الأول محمد بن مكي عند ذكر مؤلفاته ومصنفاته قال ومنها شرحه على قصيدة الشيخ ابي الحسن علي بن الحسين المشتهر بالشهفيني « بتقديم الهاء على الفاء » العاملي في مدح سيدنا امير المؤمنين (عليه السلام) ، « المجنسة » وهي من جملة ديوانه الكبير ثم قال والعجب ان صاحب أمل الآمل مع حرصه على جمع فضلاء جبل عامل كيف غفل عن ذكر هذا الرجل الجليل الفاضل الكامل ثم كيف جهل بحال هذا الشرح حيث لم يذكره في جملة مؤلفات الشهيد. قلت : والعجب من صاحب الروضات كيف غفل عما ورد في القسم الثاني من أمل الآمل ففيه يقول الشيخ علي الشفهيني الحلي فاضل شاعر أديب له مدائح كثيرة في أمير المؤمنين وسائر الأئمة (عليهم السلام) فمنها قوله :

يا روح انس من اللّه البدئ بدا *** وروح قدس على العرش العليّ بدا

يا علة الخلق يا من لا يقارب خير *** المرسلين سواه مشبهٌ أبدا

يا من به كمل الدين الحنيف وللايمان *** من بعد وهنٍ ميله عضدا

يا صاحب النص في خمّ ومَن رفع *** النبي منه على رغم العدى عضدا

أنت الذي اختارك الهادي البشير أخاً *** وما سواك ارتضى من بينهم أحدا

أنت الذي عجبت منك الملائك في *** بدر ومن بعدها قد شاهدوا أحدا

مولاي دونكها بكرا منقحة *** ما جاورت غير مغنى ( حلّة ) بلدا

رقّت فراقت لذي علم وينكرُ *** معناها البليد ولا عتبٌ على البُلدا

أقول هذه القصيدة هي التي شرحها الشهيد بشرح دقيق اشتمل على فوائد

ص: 148

كثيرة ولما وقف المترجم على الشرح مدح الشارح بقطعة شعرية وإنما سميت ب- « المجنّسة » لماورد من الجناس اللفظي في كل مزدوج من أبياتها. وفي كتاب المزار من ( فلك النجاة ) للعلامة الشهير السيد مهدي القزويني الحلي في بيان قبور علماء الحلة كالمحقق والشيخ ورام وآل نما وآل طاووس وعدّ منها قبر « الشافيني » من غير هاء - ومن هنا يغلب على ظني بل يترجح لديّ أنه منسوب الى ( شيفيا ) أو ( شافيا ) وهي قرية على سبعة فراسخ من واسط ذكرها ياقوت في معجمه وذكر أسماء جماعة من أهلها والنسبة اليها « الشيفياني » أو الشافياني وانما حرفت من الرواة والنساخ الى شافيني وشفهيني وما شاكل ذلك. فلا يبعد أن يكون أصل المترجم منها.

وبعد ابتداء الخراب في واسط وما جاورها من القرى والضواحي على أثر سقوط الدولة العباسية وغارات التتار على البلاد هاجر المترجم الى الحلة لكونها في ذلك العهد دار الهجرة ومحط رِحال العلماء والأدباء :

حنينه الى وطنه :

ويؤكد ما رجحناه من عدم كونه ( حليا ) بالاصل حنينه في شعره الى بلد كان قد نشأ فيه واستوطنه قبل الحلة فتراه دائماً يتذمر من غربته في قصائده التي قالها في الحلة ويبكي لنأي أحبابه ويندب فيها عصر شبابه ومن ذلك قوله :

أبكي اشتياقاً كلما ذُكروا *** وأخو الغرام يهيجه الذكر

ورجوتهم في منتهى أجلي *** خلفاً فاخلف ظني الدهر

وأنا الغريب الدار في وطني *** وعلى اغترابي ينقضي العمر

وقوله أيضا من قصيدة ( حسينية )

وقد كنتُ أبكي والديار أنيسةٌ *** وما ظعنت للظاعنين قفولُ

ص: 149

فكيف وقد شطّ المزار وروّعت *** فريق التداني فرقة ورحيل

إذا غبتم عن ربع حلّة بابل *** فلا سحبت للسحب فيه ذيول

وما النفع فيها وهى غير أو اهل *** ومعهدها ممن عهدت محيل

تنكر منها عرفها فاهيلها *** غريب وفيها الأجنبي أهيل

وقوله في أخرى :

أقسمت يا وطني لم يهننى وطري *** مذ بان عني فيك البان والأثل

لي بالربوع فؤاد منك مرتبع *** وفي الرواحل جسمٌ عنك مرتحل

لا كنت إن قادني عن قاطنيك هوى *** أو مال بي مللٌ أو حال بي حول

نظرة في شعره ونماذج منه :

اتفق المترجمون له على أنه كان عالماً أديباً وشاعراً طويل النفس للغاية

يغلب على شعره الجناس والطباق وغيرهما من المحسنات البديعية وقد نشأ في العصر الذي فسدت فيه معاني الشعر العربي والفاظه ، أما المعاني فتكاد تكون مقصورة على المدح والرثاء والاستجداء وتأليه الكبراء من ذوي المال والسلطان وفي ذلك ما فيه من الكذب والافراط في الغلو. وأما الالفاظ وقد أصبحت وكأن الغاية منها التنميق والمجانسات البديعية وتنسيق الكلمات المعجمة والمهملة وكيف يقابل الشاعر بعضها ببعض في الصدور والاعجاز بعيداً عن أساليب العربية. ولغتها الفصحى كما تجد ذلك في شعر ابن نباتة وابن حجة والصفي والصفدي وأضرابهم من شعراء ذلك العصر بيد ان شيخنا علاء الدين تتجلى لك براعته وعبقريته في امتياز شعره الذي قاله في اهل البيت (عليهم السلام) - وليس بين ايدينا غيره - بقوّة المعاني وسلاسة المباني ومتانة الاسلوب مع ما فيه من المحسنات البديعية التي كأنها تأتيه عفواً بلا تكلّف وتطاوعه من

ص: 150

غير قصد. وله ديوان شعر كبير اكثره في مدح اهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم ، لا تكاد تخلو معظم المجاميع المخطوطة عن شيء منه واشهر قصائده السبع الطوال التي رآها صاحب « رياض العلماء » بخط العلامة محمد بن علي الجبعي تلميذ ابن فهد الحلي المتوفي سنة 841 وهي عندي ايضاً بخط جميل على ورق صقيل ضمن مجموعة كبيرة كتبها الأديب الشيخ لطف اللّه الجد حفصي البحراني سنة 1201 ولو تصدى ( مؤرخ أديب ) لشرحها وسرد ما تضمنته من القضايا التأريخية والفضائل العلوية والمواقف الحيدرية لكانت خيرة كتب الأدب والتاريخ.

اقول وهذه السبع الطوال نذكرها بالتسلسل.

القصيدة الاولى.

يا عين ما سفحت غروب دماكِ *** إلا بما أُلهمت حُبّ دماك

ولطول إلفك بالطلول أراك *** أقماراً بزغنَ على غصون أراكِ

ما ريق دمعك حين راق لك الهوى *** إلا لأمر في عناك عناكِ

لك ناظرٌ في كل عضو ناضرٍ *** منّاك تسويفاً بلوغ مناك

كم نظرة أسلفت نحو سوالف *** سامت أساك بها علاج أساك

فجنيتِ دون الورد ورداً متلفاً *** وانهار دون شفاك فيه شفاك

يا بانة السعدي ما سَلت ظُباك *** عليّ الا من جفون ظِباك

شعبت فؤادي في شعابك ظبية *** تصمي القلوب بناظر فتاك

تبدو هلال دجى وتلحظ جؤذراً *** وتميس دلاً في منيع حماك

شمس تبوّءت القلوب منازلاً *** مأنوسة عوضاً عن الأفلاك

سكنت بها فسكونها متحرك *** وجسومها ضعفت بغير حراكِ

أسديّة الآباء الا أن منتسب *** الخؤولة من بني الاتراك

ص: 151

أشقيقه الحسبين هل من زورة *** فيها يُبلّ من الضنا مضناكِ؟

ماذا يضرّك يا ظبيّه بابل *** لو أنّ حسنك مثله حسناكِ؟

أنكرت قتل متيم شهدت له *** خدّاك ما صنعت به عيناك؟

وخضبت من دمه بناتك عنوة *** وكفاك ما شهدت به كفاكِ؟

حجبتك عن أسد اسود عرينها *** وحماك لحظك عن اسود حماكِ

حجبوك عن نظري فيا لله ما *** أدناك من قلبي وما أقصاك

ضنّ الكرى با لطيف منك فلم يكن *** إسراك بل هجر الكرى أُسراكِ

ليت الخيال يجود منك بنظرة *** ان كان عزّ على المحب لقاكِ

فأرقت أرض الجامعين فلا الصبا *** عذب ولا طرف السحائب باكي

كلا ولا برد الكلابيد الحيا *** فيها يحاك ولا الحمام يحاكي

ودّعت راحلة فكم من فاقد *** باكٍ وكم من مسعف متباكي

أبكى فراقكم الفريق فأعين *** المشكوّ تبكي رحمة للشاكي

كنّا وكنت عن الفراق بمعزل *** حتّى رمانا عامداً ورماكِ

وكذا الأولى من قبلنا بزمانهم *** وثقوا فصيّرهم حكاية حاكي

يا نفس لو أدركتِ حظا وافراً *** لنهاكِ عن فعل القبيح نهاك

وعرفت من أنشاكِ من عدم إلى *** هذا الوجود وصانعاً سوّاك

وشكرتِ منّته عليك وحسن ما *** أولاك من نعمائه مولاك

أولاك حبّ محمد ووصيّه *** خير الأنام فنعم ما أولاكِ

فهما لعمرك علّماك الدين في *** الأولى وفي الأخرى هما عَلماك

وهما أمانك يوم بعثك في غدٍ *** وهما إذا انقطع الرجاء رجاك

وإذا وقفتِ على الصراط تبادرا *** فتقدّماك فلم تزل قدماك

وإذا انتهيت إلى الجنان تلقّيا *** ك وبشّراكِ بها فيا بشراك

ص: 152

هذا رسول اللّه حسبك في غدٍ *** يوم الحساب إذا الخليل جفاك

ووصيّه الهادي أبو حسنٍ إذا *** أقبلت ظامية إليه سقاك

فهو المشفّع في المعاد وخير من *** عاقت به بعد النبي يداك

وهو الذي للدين بعد خموله *** حقاً أراك فهذّبت آراكِ

لولاه ما عرف الهدى ونجوتِ من *** متضايق الأشراك والإشراك

هو فلك نوح بين ممتسك به *** ناجٍ ، ومطّرح مع الهُلاكِ

كم مارقٍ من مازقٍ قد غادرت *** مزقاً حدود حسامه الفتاك

سل عنه بدراً حين بادر قاصم *** الأملاك قائد موكب الأملاك

مَن صبّ صوب دم الوليد ومن ترى *** أخلا من الدهم الحماة حماك؟

واسئل فوارسها بأحد مَن ترى *** ألقاك وجه الحتف عند لقاكِ؟

وأطاح طلحة عند مشتبك القنا *** ولواك قسرا عند نكسِ لواك؟

واسئل بخيبر خابريها مَن ترى *** عفّي فناك ومن أباح فناك؟

وأذاق مرحبك الردى وأحلّه *** ضيق الشباك وفل حد شباكِ؟

واستخبري الأحزاب لماجرّدت *** بيض المذاكي فوق جرد مذاكي

واستشعرت فرقاً جموعك إذ غدت *** فرقاً وأدبر إذ قفاك قفاك

قد قلتُ حين تقدّمته عصابة *** جهلوا حقوق حقيقة الادراك

لا تفرحي فبكثر ما ستعذبتِ في *** أولاك قد عذّبت في أخراك

يا أمّة نقضت عهود نبيّها *** أفمن إلى نقض العهود دعاك

وصاك خيراً بالوصي كأنّما *** متعمداً في بغضه وصّاك

أو لم يقل فيه النبي مبلّغاً *** هذا عليّك في العلى أعلاك

وأمين وحي اللّه بعدي وهو في *** إدراك كل قضية أدراكِ

والمؤثر المتصدق الوهاب إذ *** الهاك في دنياك جمع لهاك

إياك ان تتقدّميه فإنه *** في حكم كلّ قضيّة أقضاك

ص: 153

فأطعت لكن باللسان مخافةً *** من بأسه والغدر حشو حشاكِ

حتى إذا قبض النبي ولم يطل *** يوماً مداك له سننت مداكِ

وعدلت عنه إلى سواه ضلالةً *** ومددت جهلاً في خطاك خطاك

وزويت بضعة أحمد عن إرثها *** ولبعلها إذ ذاك طال أذاك

يا بضعة الهادي النبي وحق من *** أسماك حين تقدّست أسماك

لا فاز من نار الجحيم معاندٌ *** عن إرث والدك النبي زواك

يا يتم لا تمت عليك سعادة *** وعداك متمسكا بحبل عداك

لولاك ما ظفرت علوج أُمية *** لكن دعاك الي الشقاء شقاذ

تاللّه ما نلت السعادة إنما *** أهواكِ في نار الجحيم هواك

أنّى استقلت وقد عقدت لآخر *** حُكماً فكيف صدقت في دعواك

ولأنت اكبر يا عديّ عداوة *** واللّه ما عضد النفاق سواك

لا كان يوم كنت فيه وساعة *** فض النفيل بها ختام صهاك

وعليك خزي يا امية دائما *** يبقى كما في النار دام بقاك

هلا صفحت عن الحسين ورهطه *** صفح الوصي أبيه عن آباك؟

وعففت يوم الطف عفّة جدّه *** المبعوث يوم الفتح عن طلقاك؟

أفهل يدٌ سلبت إماءك مثل ما *** سلبت كريمات الحسين يداك؟

أم هل برزن بفتح مكّة حسّرا *** كنسائه يوم الطفوف نساك؟

يا أمة باءت بقتل هداتها *** أفمن إلى قتل الهداة هداك؟

أم اي شيطان رماك بغيّه؟ *** حتى عراك وحلّ عقد عُراك

بئس الجزاء لأحمد في آله *** وبنيه يوم الطف كان جزاك

فلئن سررت بخدعة أسررت في *** قتل الحسين فقد دهاك دُهاكِ

ما كان في سلب ابن فاطم ملكه *** ما عنه يوماً لو كفاك كفاك

ص: 154

لهفي على الجسد المغادر بالعرا *** شلواً تقلبّه حدود ظُباك

لهفي على الخد التريب تخدّه *** سفهاً بأطراف القنا سُفهاك

لهفي لآلك يا رسول اللّه في *** أيدي الطغاة نوائحاً وبواكي

ما بين نادبة وبين مروعة *** في أسر كل معاندٍ أفّاك

تاللّه لا أنساك زينب والعدا *** قسراً تجاذب عنكِ فضل رداك

لم أنس لا واللّه وجهك إذ هوت *** بالردن ساترةً له يمناك

حتى إذا همّوا بسلبك صحت باسم *** أبيك واستصرخت ثمّ أخاك

لهفي لندبك باسم ندبك وهو *** مجروح الجوارح بالسياق يراك

تستصرخيه أسى وعز عليه أن *** تستصرخيه ولا يُجيب نداك

واللّه لو أن النبي وصنوه *** يوماً بعرصة كربلا شهداك

لم يمس منهتكا حماكِ ولم تمط *** يوماً اميّة عنك سجف خباك

يا عين إن سفحت دموعك فليكن *** أسفاً على سبط الرسول بكاكِ

وابكي القتيل المستضام ومَن بكت *** لمصابه الأملاك في الأفلاك

اقسمت يا نفس الحسين أليّة *** بجميل حسن بلاكِ عند بلاك

لو ان جدك في الطفوف مشاهد *** وعلى التراب تريبة خدّاك

ما كان يؤثر أن يرى حر الصفا *** يوماً وطاك ولا الخيول تطاك

أو أن والدك الوصيّ بكربلا *** يوماً على تلك الرمول يراك

لفداك مجتهداً وودّ بأنّه *** بالنفس من ضيق الشراك شراك

قد كنت شمساً يستضاء بنورها *** يعلو على هام السماك سماك

وحمىً يلوذ به المخوف ومنهلاً *** عذباً يصوب نداك قبل نداك

ما ضرّ جسمك حرّ جندلها وقد *** أضحى سحيق المسك ترب ثراك

فلئن حرمت من الفرات وورده *** فمن الرحيق العذب ريّ صداك

ولئن حرمت نعيمها الفاني؟ فمن *** دار البقاء تضاعفت نعماك

ص: 155

ولئن بكتك الطاهرات لوحشة *** فالجور تبسم فرحةً بلقاك

ما بتّ في حمر الملابس غدوةً *** إلا انثنت خضراً قبيل مساك

اني ليقلقني التلهف والأسى *** إذ لم أكن بالطف من شهداك

لأقيك من حر السيوف بمهجتي *** وأكون إذ عز الفداء فداك

ولئن تطاول بعد حينك بيننا *** حينٌ ولم أك مسعداً سعداك؟

فلا بكينك ما استطعت بخاطرٍ *** تحكي غرائبه غروب مداك

وبمقول ذرب اللسان أشد من *** جند مجنّدة على أعداك

ولقد علمت حقيقة وتوكلاً *** أنّي سأسعد في غدٍ بولاك

وولاء جدّك والبتول وحيدرٍ *** والتسعة النجباء من أبناكِ

قوم عليهم في المعاد توكّلي *** وبهم من الأسر الوثيق فكاكي

فليهن عبدكم « عليّاً » فوزه *** بجنان خلد في حنان علاك

صلّى عليك اللّه ما أملاكه *** طافت مقدّسة بقدس حماك

القصيدة الثانية :

أبرق تراءى عن يمين ثغورها *** أم ابتسمت عن لؤلؤ من ثغورها

ومرّت بليل في بَليل عراصها *** بنا نسمةٌ أم نفحة من عبيرها

وطلعة بدرٍ أم تراءت عن اللوى *** لعينيك ليلى من خلال ستورها

نعم هذه ليلى وهاتيك دارها *** بسقط اللوى يغشاك لئلاء نورها

سلام على الدار التي طالما غدت *** جلاءاً لعيني درّة من درورها

وما عطفت بالصب ميلاً إلى الصبا *** بها شغفاً إلا بدور بدورها

قضيت بها عصر الشباب بريئة *** من الريب ذاتى مع ذوات خدورها

أتم جمالاً من جميل وسودداً *** وأكثر كسباً للعلى من كثيرها

ص: 156

وبتُّ بريئاً من دنوّ دناءة *** أعاتب من محظورها وخطيرها

لعلمي بأنّي في المعاد مناقش *** حساباً على قطميرها ونقيرها

وما كنت من يسخو بنفس نفيسة *** فأرخص بذلاً سعرها بسعيرها

وأجمل ما يعزى الى المجد عزوة *** غداً سفراً بالبشر وجه بشيرها

أعذرٌ لمبيض العذار إذا صبا؟ *** وأكبر مقتاً صبوة من كبيرها

كفى بنذير الشيب نهياً لذي النهى *** وتبصرةً فيها هدى لبصيرها

وما شبت إلا من وقوع شوائب *** لأصغرها يبيض رأس صغيرها

ولولا مصاب السبط بالطف ما بدا *** بليل عذاري السبط وخط قتيرها

رمته بحرب آل حرب وأقبلت *** إليه نفورا في عداد نفورها

تقود اليه القود في كل جحفل *** إلى غارة معتدَّة من مغيرها

وما عدلت في الحكم بل عدلت به *** وقايع صفين وليل هريرها

وعاضدها في غيّها شرّ أمّة *** على الكفر لم تسعد برأي مشيرها

خلاف سطور في طروس تطلّعت *** طلايع غدرٍ في خلال سطورها

فحين أتاها واثق القلب أصبحت *** نواظرها مزوِّرة غبّ زورها

فما أوسعت في الدين خرقاً ولا سعت *** إلى جورها إلا لترك ُأجورها

بنفسي إذ وافى عصاة عصابة *** غرار الضبا مشحوذة من غرورها

قؤولاً لأنصارٍ لديه وأسرةٍ *** لذي العرش سِرّ مودع في صدورها

أعيذكم أن تطعموا الموت فاذهبوا *** بمغفرةٍ مرضيّة من غفورها

فاجمل في رد الندا كلّ ذي ندى *** ينافس عن نفس بما في ضميرها

أعن فرق نبغي الفراق وتصطلي *** وحيداً بلا عون شرار شرورها؟

وما العذر في اليوم العصيب لعصبة *** وقد خفرت يوماً ذمام خفيرها؟

وهل سكنت روح الى روح جنّة *** وقد خالفت في الدين أمر أميرها؟

أبى اللّه إلا أن تراق دماؤنا *** وتصبح نهباً في أكف نسورها

ص: 157

وثابوا الى كسب الثواب كأنهم *** أسود الشَّرى في كرّها ورئيرها

تهشّ إلى الاقدام علماً بأنها *** تحلُّ محلَّ القدس عند مصيرها

قضت فقضت في جنة الخلد سؤلها *** وسادت على أحبارها بحبورها

وهان عليها الصعب حين تأملت *** إلى قاصرات الطرف بين قصورها

وما أنس لا أنسى ( الحسين ) مجاهداً *** بنفسٍ خلت من خلّها وعشيرها

يصول إذا زرق النصول تأوّهت *** لنزع قني أعجمت من صريرها

ترى الخيل في أقدامها منه ما ترى *** محاذرة إن أمّها من هصورها

فتصرف عن بأس مخافة بأسه *** كما جفلت كدر القطا من صقورها

يفلّق هاماة الكماة حسامه *** له بدلاً من جفنها وجفيرها

فلا فرقه إلا وأوسع سيفه *** بها فرقاً أو فرقة من نفورها

أجدّك هل سمر العواسل تجتنى *** لكم عسلاً مستعذباً من مريرها؟

أم استنكرت انس الحياة نفاسة *** نفوسكُم فاستبدلت أنس حورها؟

بنفسي مجروح الجوارح آيساً *** من النصر خلواً ظهره من ظهيرها

بنفسي محزوز الوريد معفّراً *** على ظمأ من فوق حرّ صخورها

يتوق إلى ماء الفرات ودونه *** حدود شفار أحدقت بشفيرها

قضى ظامياً والماء يلمع طامياً *** وغودر مقتولاً دوين غديرها

هلال دُجاً أمسى بحدّ غروبها *** غروباً على قيعانها ووعورها

فيا لك مقتولاً علت بهجة العلى *** به ظلمة من بعد ضوء سفورها

وقارن قرن الشمس كسف ولم تعد *** نظارتها حزناً لفقد نظيرها

وأعلنت الأملاك نوحاً وأعولت *** له الجنّ في غيطانها وحفيرها

وكادت تمور الأرض من فرط حسرة *** على السبط لولا رحمة من مُميرها

ومرت عليهم زعزع لتذيقهم *** مرير عذاب مهلك بمريرها

أسفت وقد آبو نجيّاً ولم ترح *** لهم دابر مقطوعة بدبورها

ص: 158

واعجب إذ شالت كريم كريمها *** لتكبيرها في قتلها لكبيرها

فيا لك عيناً لا تجفُّ دموعها *** وناراً يذيب القلب حرُّ زفيرها

على مثل هذا الرزؤ يستحسن البكا *** وتقلع منَّا أنفس عن سرورها

أيقتل خير الخلق أمّاً ووالداً *** وأكرم خلق اللّه وابن نذيرها؟

ويمنع من ماء الفرات وتغتدي *** وحوش الفلا ريّانةً من نميرها؟

أجلّ ( حسيناً ) أن يمثل شخصه *** بمثلة قتل كان غير جديرها

يدير على رأس السنان برأسه *** سنان ألا شلّت يمين مديرها

ويؤتى بزين العابدين مكبلاً *** أسيراً ألا روحي الفدا لأسيرها

يقاد ذليلاً في القيود ممثّلا *** لأكفر خلق اللّه وابن كفورها

ويمسى يزيد رافلاً في حريره *** ويمسي حسينُ عارياً في حرورها

ودار بنى صخر بن حرب أنيسة *** بنشد أغانيها وسكب خمورها

تظلُّ على صوت البغايا بغاتها *** بها زمر تلهو بلحن زمورها

ودار عليّ والبتول واحمد *** وشبّرها مولى الورى وشبيرها

معالمها تبكي على علمائها *** وزائرها يبكي لفقد مزورها

منازل وحي أقفرت فصدورها *** بوحشتها تبكي لفقد صدورها

تظل صياماً أهلها ففطورها *** التلاوة والتسبيح فضل سحورها

إذا جنّ ليل زان فيه صلاتهم *** صلات فلا يحصى عداد يسيرها

وطول على طول الصلاة ومن غدا *** مقيماً على تقصيره في قصيرها

قفا نسأل الدار التي درس البلى *** معالمها من بعد درس زبورها

متى أفلت عنها شموس نهارها *** وأظلم ظلماً أفقها من بدورها

بدور بأرض الطف طاف بها الردى *** فأهبطها من جوّها في قبورها

كواسر عقبان عليها تعاقبت *** بغاث بغات إذ نأت عن وكورها

قضت عطشاً والماء طام فلم تجد *** لها منهلاً إلا دماء نحورها

ص: 159

عراة عراها وحشة فأذاقها *** وقد رميت بالهجر حرّ هجيرها

ينوح عليها الوحش من طول وحشة *** وتندبها الأصداء عند بكورها

سيسأل تيم عنهُم وعدّيها *** أوائلها ما أكَّدت لأخيرها

ويسأل عن ظلم الوصي وآله *** مشير غواة القوم من مستشيرها

وما جرَّ يوم الطف جور أمية *** على السبط إلا جرأة ابن أجيرها

تقمصها ظلماً فأعقب ظلمه *** تعقب ظلم في قلوب حميرها

فيا يوم عاشوراء حسبك إنك *** المشوم وإن طال المدى من دهورها

لأنت وإن عظمت أعظم فجعة *** وأشهر عندي بدعة من شهورها

فما محن الدنيا وإن جلَّ خطبها *** تشاكل من بلواك عشر عشيرها

بني الوحي هل من بعد خبرة ذي العلى *** بمدحكم من مدحةٍ لخبيرها

كفى ما أتى في ( هل أتى ) من مديحكم *** وأعرافها للعارفين وطورها )

إذا رمت أن أجلو جمال جميلكم *** وهل حصر ينهى صفات حصورها

تضيق بكم ذرعاً بحور عروضها *** ويحسدكم شحّاً عريض بحورها

منحتكم شكراً وليس بضايع *** بضائع مدحٍ منحة من شكورها

أقيلوا عثاري يوم لا فيه عثرة *** تقال إذا لم تشفعوا لعثورها

فلي سيئات بتُّ من خوف نشرها *** على وجل أخشى عقاب نشورها

فما مالك يوم المعاد بمالكي *** إذا كنتم لي جنّة من سعيرها

وإني لمشتاق إلى نور بهجة *** سنا فجرها يجلو ظلام فجورها

ظهور أخي عدل له الشمس آية *** من الغرب تبدو معجزاً في ظهورها

متى يجمع اللّه الشتات وتجبر *** القلوب التي لا جابر لكسيرها؟

متى يظهر المهديُّ من آل هاشم *** على سيرة لم يبق غير يسيرها؟

متى تقدم الرايات من أرض مكّة *** ويضحكني بشراً قدوم بشيرها؟

وتنظر عيني بهجةً علوية *** ويسعد يوماً ناظري من نضيرها

ص: 160

وتهبط أملاك السماء كتائباً *** لنصرته عن قدرة من قديرها

وفتيان صدقٍ من لوي بن غالب *** تسير المنايا رهبة لمسيرها

تخا لهم فوق الخيول أهلّةً *** ظهرن من الأفلاك أعلا ظهورها

هنالك تعلو همّة طال همها *** لإدراك ثارٍ سالفٍ من مثيرها

وإن حان حيني قبل ذاك ولم يكن *** لنفس ( عليّ ) نصرة من نصيرها

قضى صابراً حتّى انقضاء مراده *** وليس يضيع اللّه أجر صورها

القصيدة الثالثة

ذهب الصبا وتصرّم العمرُ *** ودنا الرحيل وقوّض السفرُ

ووهت قواعد قوّتي وذوى *** غصن الشبيبة وانحنى الظهرُ

وبكت حمايم دوحتي أسفاً *** لمّا ذوت عذباتها الخضرُ

وخلت من الينع الجنيّ فلا *** قطف بها يجنى ولا زهرُ

وتبدَّلت لذهاب سندسها *** ذهبيّة أوراقها الصفرُ

وتغيبت شمس الضحى فخلى *** للبيض عن أوطاني النفرُ

وجفونني بعد الوصال فلا *** هدي يقرّبني ولا نحرُ

وهجرن بيتي أن يطفن به *** ولهنّ في هجرانه عذرُ

ذهبت نضارة منظري وبدا *** في جنح ليل عذاري الفجرُ

وإذا الفتى ذهبت شبيبته *** فيما يضرَّ فربحه خسرُ

وعليه ما اكتسبت يداه إذا *** سكن الضريح وضمَّه القبرُ

وإذا انقضى عمر الفتى فرطاً *** في كسب معصية فلا عمرُ

ما العمر إلا ما به كثرت *** حسناته وتضاعف الأجرُ

ولقد وقفت على منازل من *** أهوى وفيض مدامعى غمرُ

ص: 161

وسألتها لو أنها نطقت *** أم كيف ينطق منزل قفرُ

يا دار هل لك بالأولى لحلوا *** خَبر؟ وهل لمعالم خُبرُ؟

أين البدور بدور سعدك يا *** مغنى؟ وأين الأنجم الزهرُ؟

أين الكفاة ومن أكفّهم *** في النايبات لمعسر يسرُ؟

أين الربوع المخصبات إذا *** عفت السنون وأعوز البشرُ

أين الغيوث الهاطلات إذا *** بخل السّحاب وأنجم القطرُ؟

ذهبوا فما وابيك بعدهُمُ *** للنّاس نيسان ولا غمرُ

تلك المحاسن في القبور على *** مر الدهور هوامدٌ دثرُ

أبكي اشتياقاً كلما ذكروا *** وآخو الغرام يهيجه الذكرُ

ورجوتهم في منتهى أجلي *** خلفاً فاخلف ظنّي الدهرُ

فأنا الغريب الدار في وطني *** وعلى اغترابي ينقضي العمرُ

يا واقفاً في الدار مفتكراً *** مهلاً فقد أدوى بك الفكرُ

إن تمس مكتئباً لبينهمُ *** فعقيب كلِّ كآبة وزرُ

هلا صبرت على المصاب بهم *** وعلى المصيبة يحمد الصبرُ

وجعلت رزءك في الحسين ففي *** رزء ابن فاطمة لك الأجر

مكروا به أهل النفاق وهل *** لمنافق يستبعد المكرُ؟

بصحايف كوجوههم وردت *** سوداً وفحو كلامهم هجرُ

حتّى أناخ بعقر ساحتهم *** ثقةً تأكّد منهم الغدرُ

وتسارعوا لقتاله زمراً *** ما لا يحيط بعدّه حصرُ

طافوا بأروع في عرينته *** يحمى النزيل ويأمن الثغرُ

جيش لهام يوم معركة *** وليوم سلمٍ واحد وترُ

فكأنَّهم سرب قد اجتمعت *** إلفاً فبدّد شملها صقرُ

أو حاذر ذو لبدة وجمت *** لهجومه في مرتع عفرُ

ص: 162

يا قلبه وعداه من فرق *** فرق وملؤ قلوبهم ذعرُ

أمن الصّلاب الصّلب أم زبر *** طبعت وصبَّ خلالها قطرُ

وكأنه فوق الجواد وفي متن *** الحسام دماؤهم هدرُ

أسد على فلكٍ وفي يده *** المرّيخ قاني اللون محمرُ

حتى إذا قرب المدى وبه *** طاف العدى وتقاصر العمرُ

أردوه منعفراً تمجُّ دماً *** منه الظبى والذبّل السمرُ

تطأ الخيول إهابه وعلى ال- *** -خدّ التريب لوطيها أثرُ

ظامٍ يبلّ أوام غلًته *** ريّاً يفيضُ نجيعه النحرُ

تأباه إجلالا فتزجرها *** فئة يقود عصاتها شمرُ

فتجول في صدر أحاط على *** علم النبوّة ذلك الصدرُ

بأبي القتيل ومن بمصرعه *** ضعف الهدى وتضاعف الكفرُ

بأبي الذي أكفانه نُسجت *** من عثيرٍ وحنوطه عفرُ

ومغسّلاً بدم الوريد فلا *** ماءُ أُعدّ له ولا سدرُ

بدر هوى من سعده فبكا *** لخمود نور ضيائه البدرُ

هوت النسور عليه عاكفةً *** وبكاه عند طلوعه النسرُ

سلبت يد الطلقاء مغفره *** فبكى لسلب المغفر الغفرُ

وبكت ملائكة السّماء له *** حزناً ووجه الأرض مغبرُّ

والدَّهر مشقوق الرداء ولا *** عجبٌ يشق رداءه الدهرُ

والشمس ناشرة ذوائبها *** وعليه لا يستقبح النشرُ

برزت له في زيّ ثاكلة *** أثيابها دمويَّة حمرُ

وبكت عليه المعصرات دماً *** فأديم خد الأرض محمرُ

لا عذر عندي للسّماء وقد *** بخلت وليس لباخل عذرُ

وكريمة المقتول يوجد من *** دمه على أثوابها أثرُ

ص: 163

بأبي كريمات « الحسين » وما *** من دونهن لناظر سترُ

لا ظلُّ سجف يكتنفن به *** عن كلِّ أفّاك ولا خدرُ

ما بين حاسرة وناشرة *** برزت يواري شعرها العشرُ

يندبن أكرم سيّد ظفرت *** لأقلِّ أعبده به ظفرُ

ويقلن جهراً للجواد وقد *** أمّ الخيام : عُقرت يا مهرُ

ما بال سرجك يا جواد من الن- *** -دب الجواد أخي العلا صفرُ؟

آهاً لها نار تأجج في *** صدري فلا يطفى لها حرُّ

أيموت ظمآنا « حسين » وفي *** كلتا يديه من الندى بحرُ؟

وبنوه في ضيق القيود ومن *** ثقل الحديد عليهم وقرُ

حملوا على الأقتاب عارية *** شعثاً وليس لكسرهم جبرُ

تسري بهم خوص الركاب *** وللطلقاء في أعقابها زجرُ

لا راحم لهم يرقُّ ولا *** فيما أصابهمُ له نكرُ

ويزيد في أعلا القصور له *** تشدو القيان وتسكب الخمرُ

ويقول جهلاً والقضيب به *** تدمي شفاة ( حسين ) والثغرُ

يا ليت أشياخي الأولى شهدوا *** لسراة هاشم فيهم بدرُ

شهدوا الحسين وشطر أسرته *** أسرى ومنهم هالك شطرُ

إذ لا ستهلوا فيهم فرحاً *** كأبي غداة غزاهم بسرُ (1)

ويقول وزراً إذ بطشت بهم *** لا خفّ عنه ذلك الوزرُ

زعموا بأن سنعود ثانية *** وأبيك لا بعث ولا نشرُ

ص: 164


1- اشارة ليوم صفين وما فعله بسر بن ارطاة من القسوة وسفك الدماء وإخافة الأبرياء.

يا بن الهداة الأكرمين ومن *** شرف الفخار بهم ولا فخرُ

قسماً بمثواك الشريف وما *** ضمت منى والركن والحجرُ

فهم سواء في الجلالة إذ *** بهم التمام يحلّ والقصرُ

تعنو له الألباب تلبية *** ويطوف ظاهر حجره الحجرُ

ما طائر فقد الفراخ فلا *** يؤويه بعد فراخه وكرُ

بأشدّ من حزني عليك ولا *** الخنساء جدّد حزنها صخرُ

ولقد وددت بأن أراك وقد *** قلّ النصير وفاتك النصرُ

حتّى أكون لك الفداء كما *** كرماً فداك بنفسه الحرُ

ولئن تفاوت بيننا زمن *** عن نصركم وتقادم العصرُ

فلا بكيّنك ما حييت أسى *** حتّى يواري أعظمي القبرُ

ولا منحنّك كل نادبةٍ *** يعنو لنظم قريضها الشعرُ

أبكار فكري في محاسنها *** نظم وفيض مدامعي نثرُ

ومصاب يومك يابن فاطمة *** ميعادنا وسلوّنا الحشرُ

أو فرحة بظهور قائمكم *** فيها لنا الإقبال والبشرُ

يوماً تردّ الشمس ضاحيةً *** في الغرب ليس لعرفها نكرُ

وتكبّر الأملاك مسمعة *** إلا لمن في أذنه وقرُ

ظهر الإمام العالم العلم *** البر التقي الطاهر الطهرُ

من ركن بيت اللّه حاجبه *** عيسى المسيح وأحمد الخضرُ

في جحفل لجبٍ يكاد بهم *** من كثرة يتضايق القطرُ

فهم النجوم الزاهرات بدا *** في تمّهِ من بينها البدرُ

عجّل قدومك يابن فاطمة *** قد مسّ شيعة جدك الضرُ

علماؤهم تحت الخمول فلا *** نفع لأنفسهم ولا ضرُ

يتظاهرون بغير ما اعتقدوا *** لا قوة لهم ولا ظهرُ

ص: 165

استعذبوا مرّ الأذى فحلا *** لهم ويحلو فيكم المرّ

فهم الأقل الاكثرون ومن *** رب العباد نصيبهم وفر

أعلام دين رسّخ لهم *** في نشر كل فضيلة صدر

فكفاهم فخراً إذا افتخروا *** ما دام حياً فيهم الفخر

وصلوا نهارهم بليلهم *** نظراً ومالو صالهم هجر

وطووا على مضض سرائرهم *** صبراً وليس لطيّها نشر

حتّى يفض ختامها وبكم *** يطفى بُعيد شرارها الشر

يا غائبين متى بقربكم *** من بعدوهنٍ يجبر الكسر

ألفيء مقتسم لغيركم *** وأكفّكم من فيئكم صفر

والمال حلّ للعصاة ويحر *** مه الكرام السادة الغرّ

فنصيبم منه الأعمّ على *** عصيانهم ونصيبكم نزر

يمسون في أمنٍ وليس لهم *** من طارق يغتالهم حذر

ويكاد من خوف ومن جزع *** بكم يضيق البر والبحر

ومنها :

وإذا ذكرتم في محافلهم *** فوجوههم مربدّة صفر

يتميزون لذكركم حنقاً *** وعيونهم مزورّة خزر

وعلى المنابر في بيوتكم *** لاولي الضلالة العمى ذكر

حالٌ يسوء ذوي النهي وبه *** يستبشر المتجاهل الغمر

ويصفقون على أكفّهم *** فرحاً إذا ما أقبل العشر

جعلوه من أهنى مواسمهم *** لا مرحباً بك أيها الشهر

تلك الأنامل من دمائكم *** يوم الطفوف خضيبة حمر

فتوارث الهمج الخضاب فمن *** كفر تولّد ذلك الكفر

نبكي فيضحكهم مصابكم *** وسرورهم بمصابكم نكر

تاللّه ما سرّوا النبي ولا *** لوصيّه بسرورهم سرّوا

ص: 166

فإلى مَ هذا الانتظار وفي *** لهواتنا من صبرنا صبر

لكنّه لا بدّ من فرج *** والأمر يحدث بعده الأمر

أبني المفاخر والذين علا *** لهم على هام السها قدر

أسماؤكم في الذكر معلنة *** يجلو محاسنها لنا الذكر

شهدت بها الأعراف معرفة *** والنحل والأنفال والحجر

وبراءة شهدت بفضلكم *** والنور والفرقان والحشر

وتعظم التوراة قدركم *** فإذا انتهى سفر حكى سفر

ولكم مناقب قد أحاط بها ال- *** -انجيل حار لوصفها الفكر

ولكم علوم الغايبات فمن- *** -ها الجامع المخزون والجفر

هذا ولو شجر البسيطة أقلا *** م وسبعة أبحر حبر

وفسيح هذي الأرض مجملة *** طرس فمنها السهل والوعر

والإنس والأملاك كاتبة *** والجن حتّى ينقضي العمر

ليعدّدوا ما فيه خصّكم *** ذو العرش حتّى ينفذ الدهر

لم يذكروا عشر العشير وهل *** يحصى الحصا أو يحصر الدرّ

فأنا المقصّر في مديحكم *** حصراً فما لمقصّر عذر

ولقد بلوت من الزمان ولي *** في كل تجربة بهم خبر

فوجدت ربّ الفقر محتقراً *** وأخو الغنى يزهو به الكبر

فقطعت عمّا خوّلوا أملي *** ولذي الجلال الحمد والشكر

وثنيت نحوكم الركاب فلا *** زيد نؤمله ولا عمرو

حتّى إذا أمت جنابكم *** ومن القريض حمولها دُرّ

آيت من الحسنات مثقلةً *** فأنا الغني بكم ولا فقر

سمعاً بني الزهراء سائغةً *** ألفاظها من رقّة سحر

عبقت مناقبكم بها فذكى *** في كل ناحية لها عطر

ص: 167

يرجو « عليّ » بها النجاة أذا *** مدّ الصراط وأعوز العبر

أعددتها يوم القيامة لي *** ذخراً ونعم لديكم الذخر

فتقبلوها من وليّكم *** بكراً فنعم الغادة البكر

فقبولكم نعم القرين لها *** وهي العروس فبورك الصهر

لكم عليّ كمال زينتها *** وليّ الجنان عليكم مهر

أنا عبدكم والمستجير بكم *** وعليّ من مرح الصبا أصر

فتعطّفوا كرماً عليّ وقد *** يتفضّل المتعطف البر

وتفقدوني في الحساب كما *** فقد العبيد المالك الحر

صلّى الإله عليكم أبدا *** ما جنّ ليل أو بدا فجر

وعليكم مني التحية ما *** سحّ الحيا وتبسّم الزهر

القصيدة الرابعة

نمّ العذار بعارضيه وسلسلا *** وتضمنت تلك المراشف سلسلا

قمر أباح دمي الحرام محلّلا *** إذا مرّ يخطر في قباه محلّلا

رشأ تردّى بالجمال فلم يدع *** لأخي الصبابة في هواء تجمّلا

كتب الجمال على صحيفة خدّه *** بيراع معناه البهيج ومثّلا

فبدا بنوني حاجبيه معرّقاً *** من فوق صادي مقلتيه وأقفلا

ثمّ استمدّ فمدّ أسفل صدغه *** ألفاً ألفت به العذاب الأطولا

فاعجب له إذ همّ ينقط نقطةً *** من فوق حاجبه فجاءت أسفلا

فتحقّقت في حاء حمرة خدّه *** خالاً فعمّ هواه قلبي المبتلى

ولقد أرى قمر السماء إذا بدا *** في عقرب المرّيخ حلّ مؤمّلا

وإذا بدا قمري وقارن عقربي *** صدغيه حلّ به السعود فأكملا

ص: 168

أنابين طُرّته وسحر جفونه *** رهن المنيّة إذ عليه توكلا

دبت لتحرس نور وجنة خدّه *** عيني فقابلت العيون الغزلا

جاءت لتلقف سحرها فتلقفت *** منّا القلوب وسحرها لن يبطلا

فاعجب لمشتركين في دم عاشق *** حرم المنى ومحرّم ما حلّلا

جاءت وحين سعت لقلبي أو سعت *** لسعاً وتلك نضت لقتلي منصلا

قابلته شاكي السلاح قد امتطى *** في غرّة الأضحى أغرّ محجّلا

متردّياً خضر الملابس إذلها *** باللؤلؤ الرطب المنضّد مجتلى

فنظرت بدراً فوق غصنٍ مائسٍ *** خضر تعاوده الحيا فتكلّلا

وكأنّ صلت جبينه في شعره *** كلئالي صفّت على بند الكلا

صبح على الجوزاء لاح لناظر *** متبلّج فأزاح ليلاً أليلا

حتى إذا قصد الرميّة وانثنى *** بسهامه خاطبته متمثّلا

لك ما ينوب عن السلاح بمثلها *** يا من أصاب من المحب المقتلا

يكفيك طرقك نابلاً ، والقدّ *** خطّاراً ، وحاجبك المعرّق عيطلا

عاتبته فشكوت مجمل صدّه *** لفظاً أتى لطفاً فكان مفصّلا

وأبان تبيان الوسيلة مدمعي *** فأعجب لذي نطقٍ تحمّل مهملا

فتضرّجت وجناته مستعذباً *** عتبي ويعذب للمعاتب ما حلا

وافترّ عن ورد وأصبح عن ضحى *** من لي بلثم المجتنى والمجتلى؟

مَن لي بغصن نقاً تبدّى فوقه *** قمرٌ تغشى جنح ليل فانجلى؟

حلو الشمائل لا يزيد على الرضا *** إلا عليّ قساوة وتدلّلا

بخلت به صيد الملوك فأصبحت *** شرفاً له هام المجرّة منزلا

فالحكم منسوب إلى آبائه *** عدلاً وبي في حكمه لن يعدلا

أدنو فيصرف معرضاً متدلّلاً *** عني فاخضع طائعاً متذلّلاً

أبكي فيبسم ضاحكاً ويقول لي : *** لا غرو إن شاهدت وجهي مقبلا

ص: 169

أنا روضةٌ والروض يبسم نوره *** بشرا إذا دمع السحاب تهلّلا

وكذاك لا عجب خضوعك طالما *** أسد العرين تقاد في أسر الطلا (1)

قسماً بفاء فتور جيم جفونه *** لا خالفن على هواه العذّلا

ولأوقفن على الهوى نفساً علت *** فغلت ويرخص في المحبة ما غلا

ولأحسنن وإن أسا ، وألين طو *** عاً إن قسا ، وأزيد حباً إن قلا

لا نلت ممّا أرتجيه مآربي *** إن كان قلبي من محبّته سلا

إن كنت أهواه لفاحشة فلا *** بوّءت في دار المقامة منزلا

يا حبّذا متحاببين تواصلا *** دهراً وما اعتلقا بفحش أذيلا

لا شيء أجمل من عفاف زانه *** ورع ، ومن لبس العفاف تجمّلا

طبعت سرائرنا على التقوى ومن *** طبعت سريرته على التقوى علا

أهواه لا لخيانة حاشى لمن *** أنهى الكتاب تلاوة أن يجهلا

لي فيه مزدجر بما أخلصته *** في المصطفى وأخيه من عقد الولا

فهما لعمرك علّة الأشياء في *** العلل الحقيقة إن عرفت الأمثلا

ألأوّلان الآخران الباطنان *** الظاهر ان الشاكران لذي العلا

الزاهدان العابدان الراكعان *** الساجدان الشاهدان على الملا

خلقاً وما خلق الوجود كلاهما *** نوران من نور العليّ تفصلا

في علمه المخزون مجتمعان لن *** يتفرّقا أبداً ولن يتحوّلا

فاسأل عن النور الذي تجدّنه *** في النور مسطوراً وسائل من تلا

واسأل عن الكلمات لمّا أنها *** حقاً تلقى آدم فتقبلا

ثمّ اجتباه فأودعا في صلبه *** شرفاً له وتكرّماً وتبجّلا

وتقلّباً في الساجدين وأودعا *** في أطهر الأرحام ثم تنقلا

ص: 170


1- الطلا ولد الظبي.

حتى استقرّ النور نوراً واحدا *** في شيبة الحمد بن هاشم يُجتلى

قسماً لحكم إرتضاه فكان ذا *** نعم الوصي وذاك أشرف مرسلا

فعليّ نفس محمد ووصيّه *** وأمينه وسواه مأمون فلا

وشقيق نبعته وخير من اقتفى *** منهاجه وبه اقتدى وله تلا

مولى به قبل المهيمن آدماً *** لمّا دعا وبه توسّل أوّلا

وبه استقرّ الفلك في طوفانه *** لمّا دعا نوح به وتوسلا

وبه خبت نار الخليل وأصبحت *** برداً وقد أذكت حريقاً مشعلا

وبه دعا يعقوب حين أصابه *** من فقد يوسف ما شجاه وأثقلا

وبه دعا الصديق يوسف إذ هوى *** في جُبّه وأقام أسفل أسفلا

وبه أماط اللّه ضرّ نبيّه *** أيّوب وهو المستكين المبتلا

وبه دعا عيسى فاحيى ميّتاً *** من قبره وأهال عنه الجندلا

وبه دعا موسى فأوضحت العصا *** طرقاً ولجّة بحرها طام ملا

وبه دعا داود حين غشاهم *** جالوت مقتحماً يقود الجحفلا

ألقاه دامغه فأردى شلوه *** ملقى وولّى جمعه متجفّلا

وبه دعا لمّا عليه تسوّر *** الخصمان محراب الصلاة وأدخلا

فقضى على إحديهما بالظلم في *** حكم النعاج وكان حكماً فيصلا

فتجاوز الرحمن عنه تكرّماً *** وبه ألان له الحديد وسهّلا

وبه سليمان دعا فتسخرت *** ريح الرخاء لأجله ولها علا

وله استقرّ الملك حين دعا به *** عمر الحياة فعاش فيه مخوّلا

وبه توسّل آصف لمّا دعا *** بسرير بلقيس فجاء معجّلا

ألعالم العلم الرضي المرتضى *** نور الهدى سيف العلاء أخ العلا

مَن عنده علم الكتاب وحكمه *** وله تأوّل متقناً ومحصّلا

وإذا علت شرفاً ومجداً هاشم *** كان الوصي بها المعّم المخولا

ص: 171

لا جده يتم بن مرة لا ولا *** أبواه من نسل النفيل تنقّلا

ومكسّر الأصنام لم يسجد لها *** متعفراً فوق الثرى متذلّلا

لكن له سجدت مخافة بأسه *** لمّا على كتف النبي عُلاً على

تلك الفضيلة لم يفز شرفاً بها *** إلا الخليل أبوه في عصر خلا

إذ كسّر الأصنام حين خلا بها *** سراً وولى خائفاً مستعجلا

فتميّز الفعلين بينهما وقس *** تجد الوصيّ بها الشجاع الأفضلا

وانظر ترى أزكى البريّة مولداً *** في الفعل متبعاً أباه الأوّلا

وهو القؤل وقوله الصدق الذي *** لا ريب فيه لمن دعى وتأملا

واللّه لو أن الوسادة ثنّيت *** لي في الذي حظر العليّ وحلّلا

لحكمت في قوم الكليم بمقتضى *** توراتهم حكماً بليغاً فيصلا

وحكمت في قوم المسيح بمقتضى *** إنجيلهم وأقمت منه الأميلا

وحكمت بين المسلمين بمقتضى *** فرقانهم حكماً بليغاً فيصلا

حتى تقر الكتب ناطقةً لقد *** صدق الأمين ( عليّ ) فيما علّلا

فاستخبروني عن قرون قد خلت *** من قبل آدم في زمان قد خلا

فلقد أحطت بعلمها الماضي وما *** منها تأخّر آتياً مستقبلا

وانظر الى نهج البلاغة هل ترى *** لأولي البلاغة منه أبلغ مقولا

حِكمٌ تأخرت الأواخر دونها *** خرساً وأفحمت البليغ المقولا

خسأت ذوو الآراء عنه فلن ترى *** من فوقه إلا الكتاب المنزلا

وله القضايا والحكومات التي *** وضحت لديه فحلّ منها المشكلا

وبيوم بعث الطائر المشويّ إذ *** وافى النبي فكان أطيب مأكلا

إذ قال أحمد : آتني بأحبّ مَن *** تهوى ومَن أهواه يا رب العلى

هذا روى أنس بن مالك لم يكن *** ما قد رواه مصحفّاً ومبدّلا

وشهادة الخصم الألدّ فضيلة *** للخصم فاتبع الطريق الأسهلا

ص: 172

وكسدّ أبواب الصحابة غيره *** لمميّز عرف الهدى متوصّلا

إذ قال قائلهم : نبيّكم غوى *** في زوج ابنته ويعذر أن غلا

تاللّه ما أوحى إليه وإنما *** شرفاً حباه على الانام وفضّلا

حتّى هوى النجم المبين مكذّباً *** من كان في حق النبي تقولا

أبداره حتى الصباح أقام؟ أم *** في دار حيدرة هوى وتنزلا؟

هذي المناقب ما أحاط بمثلها *** أحد سواه فترتضيه مفضّلا

يا ليت شعري ما فضيلة مدّع *** حكم الخلافة ما تقدم أولا

أبعزله عند الصلاة مؤخّرا؟ *** ولو ارتضاه نبيّه لن يعزلا

أم ردّه في يوم بعث براءةٍ *** من بعد قطع مسافة متعجّلا؟

إن كان أوحى اللّه جلّ جلاله *** لنبيه وحياً أتاه منزّلا

أن لا يؤدّيها سواك فترتضي *** رجلاً كريماً منك خيراً مفضلا

أفهل مضى قصداً بهامتوجّهاً *** إلا عليّ؟ يا خليلي اسألا

أم يوم خيبر إذ براية أحمد *** ولّى لعمرك خائفاً متوجّلا؟

ومضى بها الثاني فآب يجرّها *** حذر المنية هارباً ومهرولا

من كان أوردها الحتوف سوى أبي *** حسن وقام بها المقام المهولا؟

وأباد مرحبهم ومدّ يمينه *** قلع الرتاج وحصن خيبر زلزلا

يا علّة الأشياء والسبب الذي *** معنى دقيق صفاته لم يعقلا

إلا لمن كشف الغطاء له ومن *** شق الحجاب مجرّداً وتوصلا

يكفيك فخراً أن دين محمد *** لولا كمالك نقصه لن يكملا

وفرايض الصلوات لولا أنّها *** قرنت بذكرك فرضها لن يقبلا

يا من إذا عدّت مناقب غيره *** رجحت مناقبه وكان الأفضلا

إني لأعذر حاسديك على الذي *** أولاك ربّك ذو الجلال وفضّلا

ص: 173

إن يحدوك على علاك فإنما *** متسافل الدرجات يحسد من علا

إحياؤك الموتى ونطقك مخبراً *** بالغائبات عذرتُ فيك لمن غلا

وبردّك الشمس المنيرة بعدما *** أفلت وقد شهدت برجعتها الملا

ونفوذ أمرك في الفرات وقد طما *** مدّاً فأصبح ماؤه متسلسلا

وبليلة نحو المداين قاصداً *** فيها لسلمان بعثت مغسّلا

وقضيّة الثعبان حين أتاك في *** ايضاح كشف قضيّة لمن تعقلا

فحللت مشكلها فآب لعلمه *** فرحاً وقد فصّلت فيها المجملا

والليث يوم أتاك حين دعوتَ في *** عسر المخاض لعرسه فتسهلا

وعلوت من فوق البساط مخاطباً *** أهل الرقيم فخاطبوك معجّلا

أمخاطب الأذياب في فلواتها *** ومكلم الأموات في رمس البلى

ياليت في الأحياء شخصك حاضرٌ *** وحسين مطروح بعرصة كربلا

عريان يكسوه الصعيد ملابساً *** أفديه مسلوب اللباس مسربلا

متوسداً حر الصخور معفّراً *** بدمائه ترب الجبين مرمّلا

ظمآن مجروح الجوارح لم يجد *** مما سوى دمه المبدّد منهلا

ولصدره تطأ الخيول وطالما *** بسريره جبريل كان موكّلا

عقرت أما علمت لأيّ معظّم *** وطأت وصدرٍ غادرته مفصّلا؟

ولثغره يعلو القضيب وطالما *** شرفاً له كان النبي مقبّلا

وبنوه في أسر الطغاة صوارخ *** ولهاء معولة تجاوب معولا

ونساؤه من حوله يندبنه *** بأبي النساء النادبات الثكّلا

يندبن أكرم سيد من سادة *** هجروا القصور وآنسوا وحش الفلا

بأبي بدوراً في المدينة طلّعاً *** أمست بأرض الغاضرية افّلا

آساد حرب لا يمسّ عفاتها *** ضُرّ الطوى ونزيلها لن يخذلا

من تلق منهم تلق غيثاً مسبلاً *** كرماً وأن قابلت ليثاً مشبلا

ص: 174

نزحت بهم عن عقرهم أيدي العدا *** بأبي الغريق الظاعن المترحّلا

ساروا حثيثاً والمنايا حولهم *** تسري فلن يجدون عنها معزلا

ضاقت بهم أوطانهم فتبيّنوا *** شاطي الفرات عن المواطن مُوئلا

ظفرت بهم أيدي البغاة فلم أخل *** وأبيك تقتنص البغاث الأجدلا

منعوهم ماء الفرات ودونه *** بسيوفهم دمهم يراق مُحلّلا

هجرت روسهم الجسوم فواصلت *** زرق الأسنة والوشيج الذبّلا

يبكي أسيرهم لفقد قتيلهم *** أسفاً وكل في الحقيقة مبتلى

هذا يميل على اليمين معفّراً *** بدم الوريد وذا يساق مغللا

ومن العجائب أن تقاد اسودها *** أسراً وتفترس الكلاب الأشبلا

لهفي لزين العابدين يقاد في *** ثقل الحديد مقيّداً ومكبّلا

متقلقلاً في قيده متثقّلا *** متوجعاً لمصابه متوجّلا

أفدي الأسر وليت خدي موطناً *** كانت له بين المحامل محملا

أقسمت بالرحمن حلفة صادق *** لولا الفراعنة الطواغيت الاولى

ما بات قلب محمد في سبطه *** قلقاً ولا قلب الوصي مقلقلا

خانوا مواثيق النبي وأجبّجوا *** نيران حرب حرّها لن يصطلى

يا صاحبا لأعراف يعرض كل مخ- *** -لوق عليه محقّقاً أو مبطلا

يا صاحب الحوض المباح لحزبه *** حلّ ويمنعه العصاة الضلّلا

يا خير منلبّى وطاف ومن سعى *** ودعا وصلّى راكعاً وتنفّلا

ظفرت يدي منكم بقسمٍ وافرٍ *** سبحان من وهب العطاء وأجزلا

شغلت بنو الدنيا بمدح ملوكهم *** وأنا الذي بسواكم لن اشغلا

وتردّدوا لوفادة لكنهم *** ردّوا وقد كسبوا على القيل القلا

ومنحتكم مدحي فرحب خزانتي *** بنفايس الحسنات مفعمة ملا

وأنا الغني بكم ولا فقر ومن *** ملك الغنا لسواكم لي يسألا

ص: 175

مولاي دونك من « علي » مدحة *** عربية الألفاظ صادقة الولا

ليس النضار نظيرها لكنّها *** درّ تكامل نظمه فتفصّلا

فاستجلها منّي عروساً غادةً *** بكراً لغيرك حسنها لن يجتلى

فصداقها منك القبول فكن لها *** يا بن المكارم سامعاً متقبّلاً

وعليكم مني التحيّة ما دعا *** داعي الفلاح إلى الصلاة مهلّلا

صلى عليك اللّه ماسحّ الحيا *** وتبسّمت لبكائه ثغر الكلا

القصيدة الخامسة

عسى موعدٌ ان صحّ منك قبول *** تؤديه ان عزّ الرسول قبول

فربّ صباً تهدي اليّ رسالةً *** لها منك إن عزّ الوصول وَصول

تطاول عمر العتب يا عتب بيننا *** وليس إلى ما نرتجيه سبيل

أفي كل يوم للعتاب رسائل *** مجدّدةٌ ما بيننا ورسول

رسائل عتب لا يُردّ جوابها *** ونفث صدور في السطور يطول

يدلّ عليها من وسائل سائل *** خضوعٌ ومن شكوى الفصال فصول

عسى مسمع يصغي الى قول مسمع *** فيعطف قاس أو يرقّ ملول

وأعجب شيء أن أراك غريّةً *** بهجري وللواشي عليّ قبول

سجيّة نفسي بالوعود مع القلا *** وكل سخيٍّ بالوعود بخيل

عذرتك إن ميّلت أو ملت أنني *** أخالك غصنا والغصون تميل

وما لظباء السرب خلقك إنّما *** لخلقك منها في العدول عدول

وقد كنت أبكي والديار أنيسة *** وما ظعنت للظاعنين قفول

فكيف وقد شطّ المزار وروّعت *** فريق التداني فرقة ورحيل

إذا غبتم عن ربع حلّة بابل *** فلا سحبت للحسب فيه ذيول

ص: 176

ولا ابتسمت للثغر فيه مباسمٌ *** ولا ابتهجت للطل فيه طلول

ولا هبّ معتلّ النسيم ولا سرت *** بليلٍ على تلك الربوع بليل

ولا صدرت عنها السوام ولا غدا *** بها راتعاً بين الفصول فصيل

ولا برزت في حُلّة سندسيّة *** لذات هدير في الغصون هديل

وما النفع فيها وهي غير أواهلٍ *** ومعهدها ممن عهدت مَحيل

تنّكر منها عرفا فأهيلها *** غريب وفيها الأجنبيّ أهيل

رعى اللّه أياماً بظلّ جنابها *** ونحن بشرقيّ الأثيل نزول

ليالي لا عود الربيع يجفّه *** ذبول ولا عود الربوع هزيل

بها كنت أصبو والصبا لي مسعدٌ *** وصعب الهوى سهلٌ لديّ ذلول

وإذ نحن لا طَرف الوعود عن اللقا *** بطيّ ولا طرف السعود كليل

نبيتُ ولا غير العفاف شعارنا *** وللأمن من واش عليّ شمول

كروحين في جسم أقاما على الوفا *** عفافاً وأبناء العفاف قليل

إلى أن تداعى بالفراق فريقكم *** ولمّ بكم حادٍ وأمّ دليل

تقاضى الهوى منيّ فما لضلالة *** مَقيلٌ ولا ممّا جناه مقيل

فحسبي إذا شطّت بكم غربة النوى *** علاج نحولٍ لا يكاد يحول

أروم بمعتلّ الصبا برء علّتي *** وأعجب ما يشفي العليل عليل

لعلّ الصبا إن شطت الدار أودنا *** مثالكم أو عزّ منك مَثيل

أحيّ الحيا إن شطّ من صوب أرضكم *** بناديه من لمع البروق زميل

تمرّ بنا بالليل وهناً بريّها *** يُبلّ غليل أو يَبلّ عليل

سرى وبريق الثغر وهناً كأنّها *** لديّ بريق الثغر منك بديل

وأنشأ شمال الغور لي منك نشوةً *** عساه لمعتلّ الشمال شَمول

أمّتهم قلبي من البين سلوةً *** ومتهمة في الركب ليس تؤل

أغرك إني ساتر عنك لوعةً *** لها ألم بين الضلوع دخيل

ص: 177

فلا تحسبي إنّي تناسيت عهدكم *** ولكنّ صيري يا أميم جميل

ثقي بخليلٍ لا يغادر خله *** بغدر ولا يثنيه عنك عذول

جميل خلالٍ لا يراع خليله *** إذا ربع في جنب الخليل خليل

خليق بأفعال الجميل خلاقه *** وكلّ خليق بالجميل جميل

يزين مقال الصدق منه فعاله *** وما كل قوّالٍ لديك فعول

غضيض إذا البيض الحسان تأوّدت *** لهنّ قدود في الغلائل ميل

ففي الطرف دون القاصرات تقاصر *** وفي الكفّ من طول المكارم طول

أما وعفاف لا يدنّشه الخنا *** وسرّ عتاب لم يزله مزيل

لأنت لقلبي حيث كنت مسرّة *** وأكرم مسؤول لديّ وسؤل

يقصر آمالي صدودك والقلى *** وينشرها منك الرجا فتطول

وتعلق آمالي غروراً بقربكم *** كما غرّ يوماً بالطفوف قتيل

قتيلٌ بكتك حزناً عليه سماؤها *** وصبّ لها دمع عليه همول

وزلزلت الأرض البسيط لفقده *** وريع له حزن بها وسهول

أأنسى حسيناً للسهام رميّةً *** وخيل العدى بغياً عليه تجول؟

أأنساه إذ ضاقت به الأرض مذهباً؟ *** يشير إلى أنصاره ويقول

أعيذكم باللّه أن تردوا الردى *** ويطمع في نفس العزيز ذليل

ألا فأذهبوا فالليل قد مدّ سجفه *** وقد وضحت للسالكين سبيل

فثاب إليه قائلاً كل أقيلٍ *** نمته إلى أزكى الفروع أصول

يقولون والسمر اللدان شوارع *** وللبيض من وقع الصفاح صليل

أنُسلم مولانا وحيداً إلى العدى *** وتسلم فتيان لنا وكهول؟

ونعدل خوف الموت عن منهج الهدى *** وأين عن العدل الكريم عدول؟

نودّ بأن نبلى وننشر للبلى *** مراراً ولسنا عن علاك نحول

وثاروا لأخذ الثأر قدماً كأنهم *** أسود لها بين العرين شبول

ص: 178

مغوير عرس عرسها يوم غارة *** لها الخطّ في يوم الكريهة غيل

حماة إذا ما خيف للثغر جانب *** كماة على قبّ الفحول فحول

ليوث لها في الدار عين وقايع *** غيوث لها للسائلين سيول

أدلّتها في الليل أضواء نورها *** وفي النقع أضواء السيوف دليل

يؤمّ بها قصد المغالب أغلب *** فروسٌ لأشلاء الكماة أكول؟

له الخط كوب والجماجم أكؤس *** لديه وآذيّ الدماء شمول

يرى الموت لا يخشاه والنبل واقع *** ولا يختشي وقع النبال نبيل

صؤول إذا كرّ الكميّ مناجز *** بليغ إذا فاه البليغ قؤول

له من عليّ في الخطوب شجاعة *** ومن أحمد عند الخطابة قيل

إذا شمخت في ذروة المجد هاشم *** فعمّاه منها جعفر وعقيل

كفاه علوّاً في البرية أنّه *** لأحمد والطهر البتول سليل

فما كل جدّ في الرجال محمد *** ولا كل أمّ في النساء بتول

حسينٌ أخو المجد المنيف ومَن له *** فخارُ إذا عد الفخار أثيل

أرى الموت عذباً في لهاك وصابه *** لغيرك مكروه المذاق وبيل

فما مرّ ذو باس إلى مرّ باسه *** على مهل إلا وأنت عجول

كأن الأعادي حين صلت مبارزاً *** كثيب ذرته الريح وهو مهيل

وما نهل الخطيّ منك ولا الظبا *** ولا علّ إلا وهو منك عليل

بنفسي وأهلي عافر الخط حوله *** لدى الطف من آل الرسول قبيل

كأنّ حسيناً فيهم بدر هالة *** كواكبها حول السماك حلول

قضى ظامياً والماء طامٍ تصدّه *** شرار الورى عن ورده ونغول

وحزّ وريد السبط دون وروده *** وغالته من أيدي الحوادث غول

وآب جواد السبط يهتف ناعياً *** وقد ملأ البيداء منه صهيل

فلما سمعن الطاهرات نعيّه *** لراكبه والسرج منه يميل

ص: 179

برزن سليبات الحليّ نوادياً *** لهنّ على الندب الكريم عويل

بنفسي أخت السبط تعلن ندبها *** على ندبها محزونةً وتقول

أخي يا هلالاً غاب بعد طلوعه *** وحاق به عند الكمال أفول

أخي كنت شمساً يكسف الشمس نورها *** ويخسأ عنها الطرف وهو كليل

وغصناً يروق الناظرين نضارةً *** تغشّاه بعد الإخضرار ذبول

وربعاً يمير الوافدين ربيعه *** تعاهده غبّ العهاد محول

وغصناً رماه الدهر في دار غربة *** وفي غربه للمرهفات فلول

وضرغام غيلِ غيل من دون عرسه *** ومخلبه ماضي الغرار صقيل

فلم أردون الخدر قبلك خادراً *** له بين أشراك الضباع حصول

أصبت فلا ثوب المآثر صيّب *** ولا فيظلال المكرمات مقيل

ولا الجود موجود ولا ذو حميّة *** سواك فيحمي في حماه نزيل

ولا صافحت منك الصفاح محاسناً *** ولا كاد حسن الحال منك يحول

ولا تربت منك الترائب في البلا *** ولا غالها في القبر منك مغيل

لتنظرنا من بعد عزٍ ومنعة *** تلوح علينا ذلّة وخمول

تعالج سلب الحلي عنّا علوجها *** وتحكم فينا أعبدٌ ونغول

وتبتزّ أهل اللبس عنّا لباسنا *** وتنزع أقراط لنا وحجول

ترى أوجهاً قد غاب عنها وجيهها *** وأعوزها بعد الكفاة كفيل

سوافر بين السفر في مهمه الفلا *** لنا كل يوم رحةٌ ونزول

تزيد خفوفاً يا بن امّ قلوبنا *** إذا خفقت للظالمين طبول

فيا لك عيناً لا تجفّ دموعها *** وناراً لها بين الضلوع دخيل

أيقتل ظمآنا حسين وجدّه *** إلى الناس من رب العباد رسول

ويمنع شرب الماء والسرب آمن *** على الشرب منها صادر ونهول

ص: 180

وآل رسول اللّه في دار غربة *** واّل زياد في القصور نزول

وآل عليّ في القيود شواحب *** إذا أنّ مأسور بكته ثكول

وآل أبي سفيان في عزّ دولة *** تسير بهم تحت البنود خيول

مصاب أصيب الدين منه بفادح *** تكاد له شمّ الجبال تزول

عليك ابن خير المرسلين تأسفى *** وحزني وإن طال الزمان طويل

جللت فجلّ الرزؤ فيك على الورى *** كذا كلّ رزء للجليل جليل

فليس بمجد فيك وجدي ولا البكا *** مفيد ولا الصبر الجميل جميل

إذا خفّ حزن الثاكلات لسلوةٍ *** فحزني على مرّ الدهور ثقيل

وان سأم الباكون فيك بكاءهم *** ملالاً فإنّى للبكاء مّطيل

فما خفّ من حزني عليك تأسفى *** ولا جفّ من دمعي عليك مسيل

وينكر دمعي فيك من بات قلبه *** خلياً وما دمع الخليّ هطول

وما هي إلا فيك نفس نفيسة *** يحللها حرّ الأسى فتسيل

تباين فيك القائلون فمعجب *** كثيرٌ وذو حزن عليك قليل

فأجرُ بني الدنيا عليك لشأنهم *** دنيّ وأجر المخلصين جزيل

فإن فاتني إدراك يومك سيدي *** وأخرني عن نصر جيلك جيل

فلي فيك أبكار لوفق جناسها *** أصول بها للشامتين نصول

لها رقّة المحزون فيك وخطبها *** جسيم على أهل النفاق مهول

يهيم بها سر الوليّ مسرّة *** وينصب منها ناصبٌ وجهول

لها في قلوب الملحدين عواسل *** ووقع نصول ما لهنّ نصول

بها من « عليّ » في علاك مناقبٌ *** يقوم عليها في الكتاب دليل

ينمّ عن الأعراف طيّب عرفها *** فتعلقها للعاقلين عقول

ص: 181

إذا نطقت آي الكتاب بفضلكم *** فماذا عسى فيما أقول أقول؟

لساني على التقصير في شرح وصفكم *** قصير وشرح الإعتذار طويل

عليكم سلام اللّه ما اتّضح الضحى *** وما عاقبت شمس الأصيل أفول

القصيدة السادسة

حلّت عليك عقود المزن يا حلل *** وصافحتك أكفّ الطل يا طلل

وحاكت الورق في أعلا غصونك إذ *** حاكت بك الودق جلباباً له مثل

يزهو على الربع من أنواره لمعٌ *** ويشمل الربع من نوّاره حلل

وافترّ في ثغرك المأنوس مبتسماً *** ثغر الأقاح وحيّاك الحيا الهطل

ولا انثنت فيك بانات اللوى طرباً *** إلا وللورق في أوراقها زَجَل

وقارن السعد يا سعدى وما حجبت *** عن الجآ ذر فيك الحجب والكلل

يروق طرفي بروق منك لامعة *** تحت السحاب وجنح الليل منسدل

يذكى من الشوق في قلبي لهيب جوىً *** كأنما لمعها في ناظري شعل

فإن تضوّع من أعلى رباك لنا *** ريّاك والروض مطلول به خضل

فهو الدواء لا دواء مبرّحة *** نعلّ منها إذا أودت بنا العلل

أقسمت يا وطني لم يهنني وطري *** مذ بان عنّي منك البان والأثل

لي بالربوع فؤاد منك مرتبع *** وفي الرواحل جسمٌ عنك مرتحل

لا تحسبنّ الليالي حدّثت خلدي *** بحادث فهو عن ذكراك متشغل

لا كنت إن قادني عن قاطنيك هوى *** أو مال بي كلل أو حال بي حول

أني ولي فيك بين السرب جارية *** مقيدي في هواها الشكل والشكل

غراء ساحرة الألحاظ مانعة *** الألفاظ مائسة في مشيها مَيَل

ص: 182

في قدّها هيفٌ في خصرها نحف *** في خدها صلف في ردفها ثقل

يرنّح الدل عطفيها إذا خطرت *** كما ترنّح سكراً شاربٌ ثَمل

تريك حول بياض حمرةً ذهبت *** بنضرتي في الهوى خدّ لها صقل

ما خلت من قبل فتك من لواحظها *** أن تقتل الأسد في غاباتها المقل

عهدي بها حين ريعان الشبيبة لم *** يرعه شيب وعيشي ناعم خضل

وليل فودي ما لاح الصباح به *** والدار جامعة والشمل مشتمل

وربع لهوي مأنوس جوانبه *** تروق فيه لي الغزلان والغزل

حتى إذا خالط السليل الصباح و *** أضحى الرأس وهو بشهب الشيب مشتعل

وخطّ وخطُ مشيبي في صحيفته *** لي أحرفاً ليس معنى شكلها شكل

مالت الى الهجر من بعد الوصال و *** عهد الغانيات كفيء الظل منتقل

من معشرٍ عدلوا عن عهد حيدرة *** وقابلوه بعدوانٍ وما قبلوا

وبدّلوا قولهم يوم « الغدير » له *** غدراً وما عدلوا في الحب بل عدلوا

حتّى إذا فيهم الهادي البشير قضى *** وما تهيّا له لحدُ ولا غسل

مالوا إليه سراعاً والوصيّ برزء *** المصطفى عنهم لاهٍ ومشتغل

وقلّدوها عتيقاً لا أباً لهم *** أنّى تسود أسود الغابة الهمل

وخاطبوه أمير المؤمنين وقد *** تيقّنوا أنّه في ذاك منتحل

وأجمعوا الأمر فيما بينهم وغوت *** لهم أمانيهم والجهل والأمل

أن يحرقوا منزل الزهراء فاطمة *** فيا له حادث مستصعب جلل

بيت به خمسةٌ جبريل سادسهم *** من غير ما سبب بالنار يُشتعل

واخرج المرتضى من عقر منزله *** بين الأراذل محتفّ بهم وكل

يا للرجال لدين قلّ ناصره *** ودولة ملكت أملاكها السفل

أضحى أجير ابن جدعان له خلفا *** برتبة الوحي مقرون ومتّصل

ص: 183

فأين أخلاف تيم والخلافة والحكم *** الربوبي لولا معشر جهلوا؟

ولا فخار ولا زهد ولا روع *** ولا وقار ولا علم ولا عمل

وقال : منها أقيلوني فلست إذاً *** بخيركم وهو مسرور بها جذل

وفضّها وهو منها المستقيل على *** الثاني ففي أي قول يصدق الرجل؟

ثمّ اقتفتها عديّ من عداوتها *** وافتضّ من فضلها العدوان والجدل

أضحى يسير بها عن قصد سيرتها *** فلم يسدّ لها من حادث خلل

وأجمع الشور في الشورى فقلّدها *** أمية وكذا الأحقاد تنتقل

تداولوها على ظلم وأرّثها *** بعضٌ لبعض فبئس الحكم والدول

وصاحب الأمر والمنصوص فيه بإذ *** ن اللّه عن حكمه ناءٍ ومعتزل

أخو الرسول وخير الأوصياء ومن *** بزهده في البرايا يضرب المثل

وأقدم القوم في الإسلام سابقةً *** والناس باللات والعزى لهم شغل

ورافع الحق بعد الخفض حين قنا *** ة الدين واهية في نصبها مَيل

ألأروع الماجد المقدام إذ نكصوا *** والليث ليث الشرى والفارس البطل

مَن لم يعش في غواة الجاهلين ذوي *** غيّ ولا مقتدى آرائه هَبل

عافوه وهو أعف الناس دونهم *** طفلاً وأعلى محلاً وهو مكتهل

وإنه لم يزل حلماً ومكرمةً *** يقابل الذنب بالحسنى ويحتمل

حتّى قضى وهو مظلوم وقد ظلم *** الحسين من بعده والظلم متصل

من بعد ما وعدوه النصر واختلفت *** إليه بالكتب تسعى منهم الرسل

فليته كفّ كفّاً عن رعايتهم *** يوماً ولا قرّبته منهم الابل

قوم بهم نافقٌ سوق النفاق ومن *** طباعهم يستمد الغدر والدخل

تاللّه ما وصلوا يوماً قرابته *** لكن إليه بما قد ساءه وصلوا

وحرّموا دونه ماء الفرات ولل- *** -كلاب من سعةٍ في وردها علل

وبيتوه وقد ضاق الفسيح به *** منهم على موعد من دونه العطل

ص: 184

حتى إذا الحرب فيهم من غد كشفت *** عن ساقها وذكى من وقدها شعل

تبادرت فتية من دونه غرر *** شمّ العرانين ما مالوا ولا نكلوا

كأنّما يجتنى حلواً لأنفسهم *** دون المنون من العسّالة العسل

تسربلوا في متون السابقات دلا *** ص السابغات وللخطيّة اعتقلوا

وطلّقوا دونه الدنيا الدنيّة و *** ارتاحوا الى جنة الفردوس وارتحلوا

تراءت الحور في اعلا الجنان لهم *** كشفاً فهان عليهم فيه ما بذلوا

سالت على البيض منهم أنفس طهرت *** نفيسة فعلوا قدراً بما فعلوا

إن يقتلوا طالما في كلّ معركة *** قد قاتلوا ولكم من مارق قتلوا؟

لهفي لسبط رسول اللّه منفرداً *** بين الطغاة وقد ضاقت به السبل

يلقى العداة بقلب لا يخامره *** رهب ولا راعه جبن ولا فشل

كأنه كلما مرّ الجواد به *** سيل تمكّن في أمواجه جبل

ألقى الحسام عليهم راكعاً فهوت *** بالترب ساجدةً من وقعه التلل

قدّت نعالاته هاماتهم فبها *** أخدى الجواد فأمسى وهو منتعل

وقد رواه حميد نجل مسلم ذو *** القول الصدوق وصدق القول ممتثل

إذ قال : لم أر مكثوراً عشيرته *** صرعى فمنعفرٌ منهم ومنجدل

يوماً بأربط جاشاً من حسين وقد *** حفت به البيض واحتاطت به الاسل

كأنما قسورٌ ألقى على حُمرٍ *** عطفاً فخامرها من بأسه ذَهل

أو أجدل مرّ في سرب فغادره *** شطراً خموداً وشطرٌ خيفة وجل

حتّى إذا آن ما إن لا مردّ له *** وحان عند انقضاء المدّة الأجل

أردوه كالطود عن ظهر الجواد *** حميد الذكر ما راعه ذلّ ولا فشل

لهفي وقد راح ينعاه الجواد إلى *** خبائه وبه من أسهم قَزل (1)

ص: 185


1- هو العَرج.

لهفي لزينب تسعى نحوه ولها *** قلب تزايد فيه الوجد والوجل

فمذ رأته سليباً للشمال على *** معنى شمائله من نسجها سمل

هوت مقبّلة منه المحاسن وال- *** -حسين عنها بكرب الموت مشتغل

تدافع الشمر عنه باليمين وبا *** لشمال تستر وجهاً شأنه الخجل

تقول : يا شمر لا تعجل عليه ففي *** قتل ابن فاطمة لا يُحمد العجل

أليس ذا ابن عليّ والبتول ومَن *** بجدّه ختمت في الأمّة الرسل؟

هذا الامام الذي ينمى إلى شرف *** ذريّة لا يُداني مجدها زحل

إيّاك من زلّة تصلى بها أبدا *** نار الجحيم وقد يردي الفتى الزلل

أبى الشقيّ لها إلا الخلاف وهل *** يجدي عتاب لأهل الكفر إن عُذلوا؟

ومرّ يحتز رأساً طال لرسول *** اللّه مرتشفاً في ثغره قبل

حتى إذا عاينت منه الكريم على *** لدن يميل به طوراً ويعتدل

ألقت لفرط الأسى منها البنانَ على *** قلب تقلّب فيه الحزن والثكل

تقول : يا واحداً كنّا نؤمّله *** دهراً فخاب رجانا فيه والأمل

ويا هلالاً علا في سعده شرفاً *** وغاب في الترب عنّا وهو مكتمل

أخي لقد كنت شمساً يستضاء بها *** فحلّ في وجهها من دوننا الطفل

وركن مجد تداعى من قواعده *** والمجد منهدم البنيان منتقل

وطرف سبق يفوت الطرف سرعته *** مذ أدرك المجد أمسى وهو معتقل

ما خلت من قبل ما أمسيت مرتهناً *** بينُ اللئام وسدّت دونك السبل

ص: 186

أن يوغل البوم في البازي أن ظفرت *** ظفراً ولا أسداً يغتاله حمل

كلا ولا خلت بحراً مات من ظمأ *** ومنه ريّ إلى العافين متمتّصل

فليت عينك بعد الحجب تنظرنا *** أسرى تجاذبنا الأشرار والسفل

يسيّرونا على الأقتاب عاريةً *** وزاجر العيس لا رفق ولا مَهل

فليت لم تر كوفاناً ولا وخدت *** بنا إلى ابن زياد الأنيق الذلل

إيهاً على حسرة في كلّ جانحة *** ما عشت جايحة تعلولها شعل

أيقتل السبط ظمآناً ومن دمه *** تروى الصوارم والخطيّه الذبل

ويسكن الترب لا غسل ولا كفنٌ *** لكن له من نجيع النحر مغتسل

وتستباح بأرض الطف نسوته *** ودون نسوة حرب تُضرب الكلل

باللّه أقسم والهادي البشير وبيت *** اللّه طاف به حافٍ ومنتعل

لولا الأولى نقضوا عهد الوصيّ وما *** جاءت به قدماً في ظلمها الأول

لم يُغلِ قوماً على أبناء حيدرة *** من الموارد ما تروى به الغلل

يا صاح طف بي إذا جئت الطفوف على *** تلك المعالم والآثار يا رجل

وابك البدور التي في الترب آفلة *** بعد الكمال تغشّى نورها الظلل

يا آل أحمد يا سفن النجاة ومن *** عليهم بعد رب العرش أتكل

وحقكم ما بدا شهر المحرم لي *** إلا ولي ناظر بالسهد مكتحل

ولا استهلّ بنا إلا استهل من *** الأجفان لي مدمع في الخدّ منهمل

حزناً لكم ومواساة وليس لمملو *** ك بدمع على ملاكة بُخل

فإن يكن فاتكم نصري فلي مدح *** بمجدكم أبداً ما عشت تتّصل

ص: 187

عرائس حدت الحادون من طرب *** بها تُعرس أحياناً وترتحل

فدونكم من ( عليّ ) عبد عبدكم *** فريدة طاب منها المدح والغزل

رقّت فراقت معانيها الحسان فلا *** يماثل الطول منها السبعة الطول

أعددتها جُنّة من حر نار لظى *** أرجو بها جنة أنهارها عسل

صلى الإله عليكم ما شدت طرباً *** ورقٌ على ورقٍ والليل منسدل

القصيدة السابعة :

اجآ ذرُ منعت عيونك ترقد *** بعراص بابل أم حسان خرّدُ؟

ومعاطف عطفت فؤادك أم غصون *** نقى على هضباتها تتأوّد؟

وبروق غادية شجاك وميضها *** أم تلك درّ في الثغور تنضّد؟

وعيون غزلان الصريم بسحرها *** فتنتك أم بيض عليك تجرّد؟

يا ساهر الليل الطويل بمدّه *** عوناً على طول السهاد الفرقد

ومُهاجراً طيب الرقاد وقلبه *** أسفاً على جمر الغضا يتوقّد

ألا كففت الطرف إذ سفرت بدور *** السعد بالسعدى عليك وتسعد

أسلمت نفسك للهوى متعرّضا *** وكذا الهوى فيه الهوان السرمد

وبعثتَ طرفك رائداً ولرُبّما *** صَرع الفتى دون الورود المورد

فغدوت في شرك الظباء مقيّداً *** وكذا الظباء يصدن من يتصيّد

فلعبن أحياناً بلّبك لاهياً *** بجمالهنّ فكاد منك الحسّد

حتّى إذا علقت بهن بعدت مَن *** كثبٍ فهل لك بعد نجد منجد؟

رحلوا فما أبقوا لجسمك بعدهم *** رمقاً ولا جلداً به تتجلّد

واهاً لنفسك حيثُ جسمك بالحمى *** يبلى وقلبك بالركائب منجد

ألفت عيادتك الصبابه والأسى *** وجفاك من طول السقام العوّد

وتظنّ أن البعد يعقب سلوة *** وكذا السلوّ مع التباعد يبعد

ص: 188

يا نائماً عن ليل صبّ جفنه *** أرقٌ إذا غفت العيون الهجّد

ليس المنام لراقدٍ جهل الهوى *** عجباً بلى عجبٌ لمن لا يرقد

نام الخليّ من الغرام وطرف من *** ألف الصبابة والهيام مسهّد

أترى تقرّ عيون صب قلبه *** في أسر مائسة القوام مقيّد؟

شمس على غصن يكاد مهابةً *** لجمالها تعنو البدور وتسجد

تفترّ عن شنب كأنّ جمانه *** بردُ به عذب الزلال مبرّد

ويصدّني عن لثمه نار غدت *** زفرات أنفاسي بها تتصعّد

من لي بقرب غزالة في وجهها *** صبحٌ تجلّى عنه ليل أسود؟

أعنو لها ذلاً فتعرض في الهوى *** دَلاً وأمنحها الدنو وتبعد

تحمي بناظرها مخافة ناظرٍ *** خدّاً لها حسن الصقال مورّد

يا خال وجنتها المخلّد في لظى *** ما خلت قبلك في الجحيم يخلّد

إلا الذي جحد الوصيّ وما حكى *** في فضله يوم « الغدير » محمّد

إذ قام يصدع خاطباً ويمينه *** بيمينه فوق الحدائج تعقد

ويقول والأملاك محدقة به *** واللّه مطّلع بذلك يشهد

من كنت مولاه فهذا حيدرٌ *** مولاه من دون الأنام وسيّد

يا ربّ وال وليّه وأكبت معا *** ديه وعاند مَن لحيدر يعندُ

واللّه ما يهواه إلا مؤمن *** برّ ولا يقلوه إلا ملحد

كونوا له عوناً ولا تتخاذلوا *** عن نصره واسترشدوه تُرشدوا

قالوا : سمعنا ما تقول ما أتى *** الروح الأمين به عليك يؤكّد

هذا « عليّ » إمامنا ووليّنا *** وبه إلى نهج الهدى مسترشد

حتى إذا قبض النبي ولم يكن *** في لحده من بعد غسلٍ يلحد

خانوا مواثيق النبي وخالفوا *** ما قاله خير البريّة أحمد

واستبدلوا بالرشد غيّاً بعدما *** عرفوا الصواب وفي الضلال تردّدوا

ص: 189

وغدا سليل أبي قحافة سيداً *** لهم ولم يك قبل ذلك سيّد

يا للرجال لأمّةٍ مفتونة *** سادت على السادات فيها الأعبد

أضحى بها الأقصى البعيد مقرّباً *** والأقرب الأدنى يذاد ويُبعد

هلا تقدّمه غداة براءة *** إذ ردّ وهو بفرط غيظ مكمد؟

ويقول معتذراً : أقيلوني وفي *** إدراكها قد كان قدماً يجهد

أيكون منها المستقيل وقد غدا *** في آخر يوصي بها ويؤكّد؟

ثمّ اقتفى :

فقضى بها خشناء يغلظ كلمها *** ذلّ الوليّ بها وعز المفسد

واشار بالشورى فقرّب نعثلاً *** منها فبئس......................

فغدا لمال اللّه في قربائه *** عمداً يفرّق جمعه ويبدّد

ونفى أباذرّ وقرّب فاسقاً *** كان النبي له يصدّ ويطرد

لعبوا بها حيناص وكل منهم *** متحيّر في حكمها متردّد

ولو اقتدوا بامامهم ووليّهم *** سعدوا به وهو الوليّ الأوكد

لكن شقوا بخلافه أبداً وما *** سعدوا به وهو الوصيّ الأسعد

صنو النبيّ ونفسه وأمينه *** ووليّه المتعطّف المتودّد

كُتباعلى العرش المجيد ولم يكن *** في سالف الأيّام آدم يوجد

نوران قدسيّان ضمّ علاهما *** من شيبة الحمد ابن هاشم محتد

مَن لم يقم وجهاً إلى صنم ولا *** للّات والعزى قديماً يسجد

والدين والإشراك لولا سيفه *** ما قام ذا شرفاً وهذا يقعد

سَل عنه بدراً حين وافى شيبةً *** شلواً عليه النائحات تعدّد

وثوى الوليد بسيفه متعفّراً *** وعليه ثوب بالدماء مجسّد

وبيوم أحد والرماح شوارع *** والبيض تصدر في النحور وتورد

مَن كان قاتل طلحة لما أتى *** كالليث يرعد للقتال ويزبد

ص: 190

وأباد أصحاب اللواء وأصبحوا *** مثلاً بهم يروى الحديث ويُسند

هذا يجرّ وذاك يرفع رأسه *** في رأس منتصب وذاك مقيّد

وبيوم خيبر إذ براية « أحمد » *** ولّى عتيق والبريّة تشهد

ومضى بها الثاني فآب يجرّها *** ذلاً يوبّخ نفسه ويفنّد

حتى إذا رجعا تميز « أحمد » *** حرداً وحقّ له بذلك يحرد

وغدا يحدّث مُسمعاً مَن حوله *** والقول منه موفّق ومؤيّد

إني لاعطي رايتي رجلاً وفي *** بطل بمختلس النفوس معوّد

رجل يحب اللّه ثم رسوله *** ويحبّه اللّه العليّ واحمدُ

حتّى إذا جنح الظلام مضى على *** عجل وأسفر عن صبيحته غد

قال : إئت يا سلمان لي بأخي فقا *** ل الطهر سلمانٌ : علي أرمد

ومضى وعاد به يُقاد ألا لقد *** شرف المقود عُلا وعز القيّد

فجلا قذاهُ بتفلة وكساه سا *** بغةً بها الزرد الحديد منضّد

فيد تناوله اللواء وكفه *** الاخرى تُزرّد درعه وتُبنّد

ومضى بها قدماً وآب مظفّرا *** مستبشراً بالنصر وهو مؤيّد

وهوى بحدّ السيف هامة مرحب *** فبراه وهو الكافر المتمرّد

ودنا من الحصن الحصين وبابه *** مستغلق حذر المنية موصد

فدحاه مقتلعاً له فغدا له *** حسّان ثابت (1) في المحافل ينشد

إن امرءاً حمل الرتاج بخيبر *** يوم اليهود لقدره لمؤبّد

حمل الرتاج وماج باب قموصها *** والمسلمون وأهل خيبر تشهد

وأسأل حنيناً حين بادر جرول *** شاكي السلاح لفرصة يترصّد

حتّى إذا ما أمكنته غشاهم *** في فيلق يحكيه بحرٌ مزبد

ص: 191


1- حسان بن ثابت شاعر النبي نظم في هذه المأثرة الكريمة شعراً ترويه كتب السيرة.

وثوى قتيلاً أيمن (1) وتبادرت *** عصب الضلال لحتف أحمد تقصد

وتفرّقت أنصاره من حوله *** جزعاً كأنّهمه النعام الشرّد

ها ذاك منحدر إلى وهدٍ وذا *** حذر المنيّة فوق تلع يصعد

هلا سألت غداة ولّى جمعهم *** خوف الردى إن كنت مَن يسترشد؟

مَن كان قاتل جرول ومذلّ جيش *** هوازن إلا الولي المرشد؟

كلّ له فقد النبي سوى أبي *** حسن عليّ حاضر لا يفقد

ومبيته فوق الفراش مجاهداً *** بمهاد خير المرسلين يُمهّد

وسواه محزون خلال الغار من *** حذر المنيّة نفسه تتصعّد

وتعدّ منقبة لديه وإنها *** إحدى الكبائر عند من يتفقّد

ومسيره فوق البساط مخاطباً *** أهل الرقيم فضيلةٌ لا تجحد

وعليه ثانية بساحة بابل *** رجعت كذا ورد الحديث المسند

ووليّ عهد محمّد أفهل ترى *** أحداً إليه سواه أحمد يعهد؟

إذ قال : إنك وارثي وخليفتي *** ومغسّل لي دونهم وملحّد

أم هل ترى في العالمين بأسرهم *** بشراً سواه يبيت مكّة يولد؟

في ليلة جبريل جاء بها مع *** الملأ المقدّس حوله يتعبّد

فلقد سما مجداً « عليّ » كما علا *** شرفاً به دون البقاع المسجد

أم هل سواه فتى تصدق راكعاً *** لمّا أتاه السائل المسترفد؟

ألمؤثر المتصدق المتفضل *** المتمسّك المتنسّك المتزهّد

ألشّاكر المتطوّع المتضرّع *** المتخضّع المتخشّع المتهجّد

ص: 192


1- ايمن بن أم ايمن بن عبيد. من المستشهدين في غزوة حنين.

ألصابر المتوكل المتوسّل *** المتذلل المتململ المتعبّد

رجل يتيه به الفخار مفاخراً *** ويسود إذ يُعزى إليه السودد

إن يحسدوه على عُلاه فانما *** أعلا البريّة رتبةً من يُحسد

وتتّبعت أبناؤهم أبناؤه *** كلّ لكلٍّ بالأذى يتقصّد

حسدوه إذ لا رتبة وفضيلة *** إلا بما هو دونهم متفرّد

باللّه أقسم والنبي وآله *** قسماً يفوز به الوليّ ويسعد

لولا الأولى نقضوا عهود محمّد *** من بعده وعلى الوصيّ تمرّدوا

لم تستطع مدّاً لآل أُميّةٍ *** يوم الطفوف على ابن فاطمة يدُ

بأبي القتيل المستضام ومَن له *** نار بقلبي حرّها لا يبرد

بأبي غريب الدار منتهك الخبا *** عن عُقر منزله بعيدٌ مفرد

بأبي الذي كادت لفرط مصابه *** شمّ الرواسي حسرةً تتبدّد

كتبت إليه على غرور أُميّة *** سفهاً وليس لهم كريمٌ يحمد

بصحائف كوجوهم مسودّة *** جاءت بها ركبانهم تتردّد

حتّى توجّه واثقاً بعهودهم *** وله عيونهم انتظاراً ترصد

أضحى الذين أعدّهم لعدوّهم *** إلباً جنودهم عليه تجنّد

وتبادروا يتسارعون لحربه *** جيشاً يُقاد له وآخر يُحشد

حتّى تراءى منهم الجمعان في *** خرق وضمّهم هنالك فدفد

ألفوه لا وَكلاً ولا مستشعراً *** ذلاً ولا في عزمه يتردّد

ماض على عزم يفلّ بحدّه *** الماضي حدود البيض حين تجرّد

مستبشراً بالحرب علماً أنّه *** يتبوّأ الفردوس إذ يستشهد

في أُسرة من هاشم علويّةٍ *** عزّت أرومتها وطاب المولد

وسُراة أنصارٍ ضراغمة لهم *** أهوال أيّام الوقايع تشهد

يتسارعون إلى القتال ، يسابق *** الكهل المسنّ على القتال الأمرد

ص: 193

فكأنّما تلك القلوب تقلّبت *** زيراً عليهنّ الصفيح يضمّد

وتخال في إقدامهم أقدامهم *** عُمداً على صمّ الجلامد توقد

جادوا بأنفسهم أمام إمامهم *** والجود بالنفس النفيسة أجود

نصحوا غنوا غرسوا جنوا شادوا بنوا *** قربوا دنوا سكنوا النعيم فخلّدوا

حتّى إذا انتهبت نفوسهم الضبا *** من دون سيّدهم وقلّ المسعد

طافوا به فرداً وطوع يمينه *** متذلّق ماضي الغرار مهنّد

عضبٌ بغير جفون هامات العدى *** يوم الكريهة حدّه لا يغمد

يسطو به ثبت الجنان ممنّع *** ماضي العزيمة دارعٌ ومُزرّد

ندبٌ متى ندبوه كرّ معاوداً *** والأسد في طلب الفرايس عوّد

فيروعهم من حدّ غرب حسامه *** ضرب يقدّ به الجماجم أهود

يا قلبه يوم الطفوف أزبرة *** مطبوعة أم أنت صخر جلمد؟

فكأنه وجواده وسنانه *** وحسامه والنقع داجٍ أسود

فلك به قمر وراه مذنّب *** وأمامه في جنح ليل فرقد

في ضيق معترك تقاعس دونه *** جرداء مائلة وشيظم أجرد

فكأنّما فيه مسيل دمائهم *** بحرٌ تهيّجه الرياح فيزبد

فكأنّ جَرد الصافنات سفاين *** طوراً تقوم به وطوراً تركد

حتّى شفى بالسيف غلّة صدره *** ومن الزلال العذب ليس تبرّد

لهفي له يرد الحتوف ودونه *** ماء الفرات محرّم لا يورد

شزراً يلاحظه ودون وروده *** نار بأطراف الأسنّة توقد

ولقد غشوه فضارب ومفوّق *** سهماً إليه وطاعن متقصّد

حتى هوى كالطود غير مذمّم *** بالنفس من أسف بجود ويجهد

لهفي عليه مرمّلاً بدمائه *** ترب الترائب بالصعيد يوسّد

تطأ السنابك منه صدراً طالما *** للدرس فيه وللعلوم تردّد

ص: 194

ألفت عليه السافيات ملابساً *** فكسته وهو من اللباس مجرّد

خضبت عوارضه دماه فخيّلت *** شفقاً له فوق الصباح تورّد

لهفي لفتيته خموداً في الثرى *** ودماؤهم فوق الصعيد تبدّد

فكأنما سيل الدماء على عوار *** ضهم عقيق ثمّ منه زبرجد

لهفي لنسوته برزن حواسراً *** وخدودهنّ من الدموع تخدّد

هاتيك حاسرة القناع وهذه *** عنها يماط رداً وينزع مرود

ويقلن جهراً للجواد لقد هوى *** من فوق صهوتك الجواد الأجود

يا يوم عاشوراء حسبك إنّك *** اليوم المشوم بل العبوس الأنكد

فيك الحسين ثوى قتيلا بالعرى *** إذ عزّ ناصره وقل المسعد

والتائبون الحامدون العابدون *** السائحون الراكعون السجّد

أضحت رؤوسهم أمام نسائهم *** قدماً تميل بها الرماح وتأود

والسيد السجاد يحمل صاغراً *** ويقاد في الأغلال وهو مقيّد

لا راحماً يشكو اليه مصابه *** في دار غربته ولا متودّد

يهدى به وبرأس والده الى *** لكعٍ زنيمٍ كافرٍ يتمرّد

لا خير في سفهاء قوم عبدهم *** ملك يطاع وحرّهم مستعبد

يا عين إن نفدت دموعك فاسمحي *** بدم ولست أخال دمعك ينفد

أسفاً على آل الرسول ومن بهم *** ركن الهدى شرفاً يشاد ويعضد

منهم قتيلٌ لا يجار ومن سقي *** سمّاً وآخر عن حماه يشرّد

ضاقت بلاد اللّه وهي فسيحة *** بهم وليس لهم بأرض مقعد

متباعدون لهم بكلّ تنوفة *** مستشهد وبكلّ أرض مشهد

أبني المشاعر والحطيم ومَن هم *** حججٌ بهم تشقى الأنام وتسعد

أقسمت لا ينفك حزني دائماً *** بكم ونار حشاشتي لا تخمد

بكم يميناً لا جرى في ناظري *** حزناً عليكم غير دمعي مرود

ص: 195

يفنى الزمان وتنقضي أيامه *** وعليّ كم بكم الحزين المكمد

فلجسمه حلل السقام ملابس *** ولطرفه حر المدامع أثمد

ولو أنّني استمددت من عيني دماً *** ويقلّ من عيني دماً يستمدد

لم أقض حقكم علي وكيف أن *** تقضي حقوق المالكين الاعبد

يا صفوة الجبّار يا مستودعي *** الأسرار يا من ظلًهم لي مقصد

عاهدتكم في الذر معرفة بكم *** ووفيت أيماناً بما أتعهّد

ووعدتموني في المعاد شفاعة *** وعلى الصراط غداً يصح الموعد

فتفقدوني في الحساب فإنّني *** ثقة بكم لوجوهكم أتقصّد

كم مدحة لي فيكم في طيها *** حكم تفوز به الركاب وتنجد

وبنات أفكار تفوق صفات *** أبكار يقوم لها القريض ويقعد

ليس النضار لها نظيراً بل هي *** الدرّ المفصّل لا الخلاص العسجد

هذا ولو أن العباد بأسرهم *** تحكي مناقب مجدكم وتعدّد

لم يدركوا إلا اليسير وأنتم *** أعلا علاً ممّا حكوه وأزيد

لكن في أم الكتاب كفاية *** عمّا تُنظّمه الورى وتُنضّد

صلّى الإله عليكم ما باكرت *** ورق على ورق الغصون تُغرّد

ص: 196

ابن الوردي الشافعي

المتوفي 749

قال ابن الوردي :

أرأس السبط ينقل والسبايا *** يطاف بها وفوق الأرض رأس

وما لي غير هذا السبي ذخرٌ *** وما لي غير هذا الرأس رأس (1)

وقال :

فرّق الحب بين عقلي وبيني *** فاستهلت دموع عيني كعين

طال في أنسه القصير غرامي *** وهو بدر وينجلي في حنين

بي نار من جنّتي وجنتيه *** لهف قلبي على جنى الجنّتين

حسن قدره عليّ فيا مَن *** في ملامي يزيد موتي حسيني (2)

وقوله :

ص: 197


1- تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 232.
2- ديوان ابن الوردي ص 329.

دنيا تضام كرامها بلئامها *** ودليل ذاك حسينها ويزيدها

يا خاطب الدنيا الدنيّة إنها *** طبعت على كدر وأنت تريدها

إشارة إلى بيت أبي الحسن التهامي المتوفي سنة 416 حيث يقول من قصيدة :

طُبعت على كدر وأنت تريدها *** صفواً من الأقذاء والاكدار

ص: 198

ابن الوردي زين الدين عمر بن مظفر بن عمر البكري الحلبي المعري الشافعي الفقيه النحوي الشاعر الأديب صاحب التأريخ المعروف ، وشرح الفية ابن مالك وأرجوزة في تعبير المنام ، ومن شعره لاميته المعروفة مطلعها :

اعتزل ذكر الأغاني والغزل *** وقل الفصل وجانب مَن هزل

وله حكاية لطيفة حاصلها انه : دخل الشام وكان ضيق المعيشة رث الهيئة رديء المنظر ، فحضر الى مجلس القاضي نجم الدين بن صصري من جملة الشهود فاستخفت به الشهود وأجلسوه في طرف المجلس فحضر في ذلك اليوم مبايعة مشترى ملك فقال بعض الشهود أعطوا المعري يكتب هذه المبايعة على سبيل الاستهزاء به فقال ابن الوردي أكتبه لكم نظماً أو نثراً فتزايد إستهزاؤهم به فقالوا له بل أكتب لنا نظماً فأخذ ورقة وقلماً وكتب فيها نظماً لطيفاً أوله :

باسم إله الخلق هذا ما اشترى *** محمد بن يونس بن شنفرى

من مالك بن أحمد بن الأزرق *** كلاهما قد عرفا من جُلّق

فباعه قطعة أرض واقعة *** بكورة الغوطة وهي جامعه

يشجر مختلف الاجناس *** والأرض في البيع مع الغِراس

وذرع هذي الأرض بالذراع *** عشرون في الطول بلا نزاع

وحدّها من قبلة ملك التقي *** وحائز الرومي حد المشرق

ومن شمال ملك أولاد علي *** والغرب ملك عامر بي جهبل

وهذه تعرف من قديم *** بأنها قطعة بيت الرومي

بيعاً صحيحاً ماضياً شرعياً *** ثم شراءاً قاطعاً مرعيا

بثمنٍ مبلغه من فضه *** وزانة جيّدة مبيضة

ص: 199

جارية للناس في المعامله *** ألفان مها النصف ألف كامله

قبضها البايع منه وافيه *** فعادت الذمة منه خاليه

وسلّم الأرض إلى مَن اشترى *** فقبض القطعة منه وجرى

بينهما بالبدن التفرّق *** طوعاً فما لأحدٍ تعلّق

ثم ضمان الدرك المشهور *** فيه على بائعه المذكور

وأشهدا عليهما بذاك في *** رابع عشر رمضان الأشرف

من عام سبعمائة وعشرة *** من بعد خمسة تليها الهجرة

والحمد لله وصلى ربي *** على النبي وآله والصحب

يشهد بالمضمون من هنا عمر *** ابن المظفر المعري إذ حضر

فلما فرغ من نظمه ووضع الورقة بين يدي الشهود ، تأملوا النظم مع سرعة الارتجال ، فقبلوا يده واعتذروا له من التقصير في حقه واعترفوا بفضيلته عليهم ، ثم أنه قال لبعض الشهود : سدّ في هذه الورقة بخطك ، فقال له : يا سيدي أنا ما أحسن النظم ، فقال له : ما إسمك؟ فقال له : أحمد بن رسول ، فكتب عنه وهو يقول :

قد حضر العقد الصحيح أحمد *** ابن رسول وبذاك يشهد

ومن شعره قوله فيمن أخذ ديوانه :

أغضبتنى وغصبتَ ديواني الذي *** أنفقتُ فيه شبيبتي وزماني

لو كنتَ يوماً بالمودة عاملا *** ما كنتَ تغضب صاحب الديوان

ص: 200

وقوله في ص 240 :

لا تحرصن على فضل ولا أدب *** فقد يضرّ الفتى علم وتحقيق

ولا تعد من العقّال بينهم *** فان كل قليل العقل مرزوق

والحظ أنفع من خط تزوقه *** فما يفيد قليل الحظ تزويق

والعلم يحسب من رزق الفتى وله *** بكل متّسع في الفضل تضييق

أهل الفضائل والآداب قد كسدوا *** والجاهلون فقد قامت لهم سوق

والناس أعداء من سارت فضائله *** وان تعمق قالوا عنه زنديق

وقوله في ص 260 :

فيا سائلي عن مذهبي إن مذهبي *** ولاء به حب الصحابة يمزج

فمن رام تقويمي فإني مقوّم *** ومَن رام تعويجي فإني معوّج

وقوله في ص 271 :

يا آل بيت النبي مَن بذلت *** في حبكم روحه فما غبنا

مَن جاء عن بيته يسائلكم *** قولوا له البيت والحديث لنا

وقوله في ص 302 وقد سمع مَن ينشد :

كم عالم عالم أعيت مذاهبه *** وجاهل جاهل تلقاه مرزقا

هذا الذي ترك الألباب حائرة *** وصيّر العالم النحرير زنديقا

فقال :

كم عالم عالم يشكو طوى وظماً *** وجاهل جاهل شبعان ريّانا

ص: 201

هذا الذي زاد أهل الكفر لاسلموا *** كفراً وزاد أولي الايمان إيمانا

وقوله في ص 306 في جارية له اسمها لؤلؤة وقد ماتت :

أيا موت رفقاً على حسنها *** فقد بلغت روحها الترقوة

تركت جواهر عند اللئا *** م وتحسد مثلي على لؤلؤه

وقال فيها أيضا :

فريدة من لئالئٍ *** تتثنّى من المرض

ثم ماتت فجسمها *** جوهر زال بالعرض

وقوله في ص 307

إن لحسادي عندي يداً *** يحق أن يعرفها مثلي

أبدوا عيوبي فتجنبتها *** ونبهوا الناس على فضلي

وقوله في ص 308

إذا أحببت نظم الشعر فاقصد *** لنظمك كل سهل ذي امتناع

ولا تكثر مجانسةً ومكّن *** قوافيه وكِله الى الطباع

وقوله في ص 311 :

دنيا تضام كرامها بلئامها *** ودليل ذاك حسينهما ويزيدها

يا خاطب الدنيا الدنية أنها *** طبعت على كدر وأنت تريدها

وقوله في ص 313 :

ص: 202

ابني زماني ما أنا *** منكم وقول الحق يثبت

وإذا نشأت خلالكم *** فالورد بين الشوك ينبت

وقوله في ص 323 :

قالت إذا كنت ترجو *** انسي وتخشى نفوري

صف ورد خدي وإلا *** أجور ناديتُ جوري

وقوله في ص 326 :

وما لي إلا حبّ آل محمد *** فكم جمعوا فضلاوكم فضلوا جمعا

محبتهم ترياق زلاتي التي *** تخيّل لي من سحرها أنها تسعى

وقوله في ص 327

قلتُ لدنياي لِم ظلمتِ بني *** عليّ المرتضى أبي حسن

قالت أما تنصفوا لطائفة *** أبوهم بالثلاث طلقني

وينتسب الى الخليفة ابي بكر وله في ذلك كما في ديوانه :

جدي هو الصديق وإسمي عمر *** وابني أبو بكر وبنتي عائشه

لكن يزيد ناقص عندي ففي *** ظلم الحسين ألف ألف فاحشه

وهو من أهل معرة النعمان وكان يكثر الحنين إليها والاعتزاز بها لأنها مسقط رأسه من ذلك قوله في قصيدته التي أوّلها :

قف وقفة المتألم المتأمل *** بمعرّة النعمان وأنظر بي ولي

إلى أن يقول في آخرها - كما في ديوانه ص 262.

أقسمت لو نطقت لأبدت شوقها *** نحوي كشوقي نحوها وترقّ لي

ص: 203

لم لا ترقّ لدمع عين ما رقا *** وجوارح جرحى وبالٍ قد بلي

موتي حسيني بها، وملامكم *** فيها يزيد ، وقدرها عندي ( علي )

أقول وجاء في مقدمة تاريخه أن مولده سنة 691 ه.

وكانت وفاته بحلب 17 ذي الحجة سنة 749 في طاعون حلب وعمره 58 سنة.

أما المقامة المشهدية التي ألحقها بقصيدة طويلة فهي سجل حافل بأوضاع زمانه وظلمه دون أقرانه ، نقتطف من القصيدة أبياته التالية ، فهي في تصوير حالته كافية - قال يخاطب ابن الزملكاني ويستقيل فيها من منصبه إن لم ترع حقوقه :

يا كامل الفضل جمّ البذل وافره *** جوداً مديدَ القوافي غير مقتضب

إني أحبّ مقامي في حماك ومَن *** يكن ببابك يا ذا الفضل لم يخب

فليتني مثل بعض الخاملين ولا *** تكون تولية الأحكام من سببي

فالحكم متعبة للقلب ، مغضبة *** للرب ، مجلبة للذنب فاجتنب

وإن تكن رتبتي في البر عالية *** فالكون عندك لي أعلا من الرتب

فانظر إليّ وجد عطفاً عليّ عسى *** رزق يعين على سكناي في حلب

والبرّ أوسع رزقاً غير أنّي في *** قلبي من العلم والتحصيل والطلب

وفي المدارس لي حق فما بنيت *** إلا لمثلي في حجر العلوم ربي

أهل الاعادة والفتوى أنا ومعي *** خط الشيوخ بهذا وامتحن كتبي

فإنّ في عمر عدلاً ومعرفة *** فكيف يصرف عن هذا بلا سبب

قالوا فلم تطلب العزل الذي هربت *** منه القضاة قديماً غاية الهرب

ص: 204

فقلت نحن قضاة البر مهملة *** أقدارنا فهي كالاوقاص في النصب

مَن كان منا جريّاً أكرموه وولّو *** ه المناصب بالخطبات والخطب

ومتقي اللّه منا مهمل حرج *** مروّع القلب محمول على الكرب

لا يعرفون له قدراً وعفّته *** يخشون إعداءها للناس كالجرب

إن دام هذا وحاشاه يدوم بنا *** فارقت زييّ الى ما ليس يجمل بي

يا سيدي يا كمال الدين خذ بيدي *** من القضاء فمالي فيه من إرب

البر يصلح للشيخ الكبير ومن *** رمى سهاماً الى العليا فلم يصب

أما الذي عرفت بالفهم فطرته *** فإنه في مقام البرّ لم يطب

أقول وكتب الأخ المعاصر العلامه السيد محمد مهدي الخرسان رسالة وافية عن حياة ابن الوردي وجعلها مقدمة لتاريخ ابن الوردي المطبوع في النجف الأشرف الطبعة الثانية سنة 1389 وقد ألم بجميع نواحي حياة ابن الوردي وعدد مؤلفاته واجازاته وأقوال المؤرخين فيه

ومن الجميل أن نذكر لامية ابن الوردي في النصائح والأمثال والحكم فإنها على غرار لامية اسماعيل بن أبي بكر المقري الزبيدي ، ولامية صلاح الدين الصفدي ، ولامية الحسين بن علي الطغرائي المشهورة بلامية العجم. وهذه القصائد المشهورة قد شُرحت ومُدحت وذيلت.

أعتزل ذكر الغواني والغزل *** وقل الفصل وجانب مَن هزل

ودع الذكر لأيام الصبا *** فلأيام الصبا نجم أفل

ان أحلى عيشة قضيتها *** ذهبت لذاتها والأثم حل

واترك الغادة لا تحفظ بها *** تمس في عز وترفع وتُجل

واله عن آلة لهوٍ أطربت *** وعن الأمرد مرفيّ الكفل

ص: 205

ان تبدّى تنكشف شمس الضحى *** وإذا ما ماس يزرى بالأسل

فاق إذ قسناه بالبدر سناً *** وعدلناه برمح فاعتدل

واهجر الخمرة إن كنت فتى *** كيف يسعى في جنون مَن عقل

واتق اللّه فتقوى اللّه ما *** جاورت قلب امرءٍ إلا وصل

ليس مَن يقطع طرفا بطلا *** إنما مَن يتق اللّه البطل

صدّق الشرع ولا تركن الى *** رجل يرصد في الليل زحل

حارت الأفكار في قدرة مَن *** قد هدانا سبلنا عز وجل

كتب الموت على الخلق فكم *** فل من جيش وأفنى من دول

أين نمرود وكنعان ومَن *** ملك الأرض وولّى وعزل

أين مَن سادوا وشادوا وبنوا *** هلك الكل فلم تغن القُلل

أين عاد أين فرعون ومَن *** رفع الاهرام مَن يسمع يخل

أين أرباب الحجى أهل التقى *** أين أهل العلم والقوم الأول

سيعيد اللّه كلا منهم *** وسيجزي فاعلاً ما قد فعل

يا بُنيّ اسمع وصايا جمعت *** حكماً خصّت بها خير الملل

اطلب العلم ولا تكسل فما *** أبعد الخير على أهل الكسل

واحتفل للفقه في الدين ولا *** تشتغل عنه بمالٍ وخول

واهجر النوم وحصّله فمن *** يعرف المطلوب يحقر ما بذل

لا تقل قد ذهبت أربابه *** كلّ من سار على الدرب وصل

في ازدياد العلم ارغام العدا *** وجمال العلم إصلاح العمل

جمّل المنطق بالنحو فمن *** يحرم الاعراب في النطق احتمل

انظم الشعر ولازم مذهبي *** فاطراح الرفد في الدنيا أقل

فهو عنوان على افضل وما *** أحسن الشعر إذا لم يبتذل

مات أهل الجود لم يبق سوى *** مقرف أو مَن على الأصل اتكل

ص: 206

أنا لا أختار تقبيل يد *** قطعها أجمل من تلك القبل

ان جزتني عن مديحي صرت في *** رقّها لولا فيكفيني الخجل

ملك كسرى عنه تغنى كسرة *** وعن البحر اكتفاء بالوشل

اعتبر ( نحن قسمنا ) بينهم *** تلقه حقاً وبالحق ، نزل

ليس ما يحوي الفتى عن عزمه *** لا ولا ما فات يوماً بالكسل

قاطع الدنيا فمن عاداتها *** عيشة الجاهل بل هذا أزل

كم شجاع لم ينل منها المنى *** وجبان نال غايات الامل

فاترك الحيلة فيها واتئد *** إنما الحيلة في ترك الحيل

لا تقل أصلي وفصلي أبداً *** إنما أصل الفتى ما قد حصل

قيمة الإنسان ما يُحسنه *** أكثر الانسان منه أو أقل

أكتم الأمرين فقراً وغنى *** واكسب الفلس وحاسب من بطل

وادّرع جداً وكدا واجتنب *** صحبة الحمقا وأرباب الدول

بين تبذير وبُخلٍ رتبة *** وكلا هذين ان زاد قتل

لا تخض في حق سادات مضوا *** انهم ليسوا بأهل للزلل

وتغافل عن أمور انه *** لم يفز بالحمد إلا من غفل

ليس يخلو المرء من ضدٍ وان *** حاول العزلة في رأس جبل

غب عن النمام وأهجره فما *** بلغ المكروه إلا مَن نقل

دار جار الدار إن جار وان *** لم تجد صبرا فما احلى النقل

جانب السلطان واحذر بطشه *** لا تخاصم مَن إذا قال فعل

لا تلى الحكم وأن هم سألوا *** رغبة فيك وخالف من عذل

إن نصف الناس اعداءٌ لمن *** ولى الاحكام هذا إن عدل

فهو كالمحبوس عن لذاته *** وكلا كفيّه في الحشر تُغل

ان للنقص والاستثقال في *** لفظة القاضي لوعظٌ ومثل

ص: 207

لا توازي لذة الحكم بما *** ذاقه الشخص اذا الشخص انعزل

فالولايات وان طابت لمن *** ذاقها ، فالسم في ذاك العسل

نصب المنصب أو هي جَلَدي *** وعنائي من مداراة السفل

قصّر الآمال في الدنيا تفز *** فدليل العقل تقصير الامل

إن مَن يطلبه الموت على *** غرة منه جدير بالوجل

غب وزر غبّاً تجد حُبّاً فمَن *** أكثرَ الترداد اصماه الملل

خذ بنصل السيف واترك غمده *** واعتبر فضل الفتى دون الحلل

لا يضر الفضل إقلال كما *** لا يضر الشمس إطباق الطفل

حبك الاوطان عجز ظاهر *** فاغترب تلق عن الأهل بدل

فبمكث الماء يبقى آسناً *** وسرى البدر به البدر أكتمل

لا يغرنك لينٌ من فتى *** إن للحيات ليناً يعتزل

انا مثل الماء سهل سائغ *** ومتى سخّن آذى وقتل

أنا كالخيزور صعبٌ كسره *** وهو لدن كيفما شئت انفتل

غير أني في زمان مَن يكن *** فيه ذو مال هو المولى الاجل

واجبٌ عند الورى إكرامه *** وقليل المال فيهم يسقل

كل أهل العصر غمر وأنا *** منهم فاترك تفاصيل الجُمل

وصلاة اللّه ربي كلما *** طلع الشمس نهاراً أو أفل

للذي حاز العلا من هاشم *** أحمد المختار مَن ساد الاول (1)

ص: 208


1- عن كتاب نفحة اليمن الشيرواني ص 158.

ابو الحسن الخليعي

جمال الدين

سجعت فوق الغصون *** فاقدات للقرين

فاستهلت سحبُ أجفا *** ني وهزتني شجوني

غردت لاشجوها شجو *** ي ولا حنّت حنين

لا ولا قلت لها *** يا ورق بالنوح اسعديني

ما شجى الباكي طروبا *** كشجى الباكي الحزين

حق لي أبكي دماءً *** عوض الدمع الهتون

لغريب نازح الدار *** خليٍّ من معين

لتريب الخد دامي *** الوجه مرضوض الجبين

يا بني ( طه ) و ( حاميم ) *** و ( ياسين ) و ( نون )

بكم استعصمت من *** شر خطوب تعتريني

فاذا خفت فأنتم *** لنجاتي كالسفين

يا حجاب اللّه والمحمي *** عن رجم الظنون

فيك داريت اناسا *** عزموا أن يقتلوني

وتحصّنت بقول ( الصا *** دق ) الحبر الأمين

اتقوا ان التقى من *** دين آبائي وديني

وكفاني علمك الشا *** هد للسر المصون

ومعاذ اللّه ان ألو *** ي عن الحبل المتين

ص: 209

ابو الحسن علي بن عبد العزيز بن ابي محمد الخليعي الموصلي الحلي توفي في حدود سنة 750 بالحلة وله قبر بها يزار.

كان فاضلا مشاركاً في الفنون ، أديبا شاعراَ. له ديوان ليس فيه إلا مدح الأئمة علیهم السلام . أصله من الموصل وسكن الحلة ومات بها ودفن في إحدى بساتين ( الجامعين ).

قال السيد الامين في الاعيان : والذي يظهر لي ان الخليعي لقب لثلاثة أشخاص لا لاثنين. أحدهم مادح الحمدانيين. والثاني صاحب المراثي في الحسين علیه السلام وهو حلّي أصله موصلي وصاحب الطليعة يقول اسمه علي بن عبد العزيز والظاهر انه من نسل مادح الحمدانيين وهو غيره يقيناً لان المادح كان في المائة الرابعة ، وصاحب المراثي المذكور في الطليعة كان في المائة الثامنة.

أما صاحب المراثي الآخر المسمى بالحسن - إن تحقق وجوده - فهو متأخر أيضا ، ويمكن كونه ولد علي بن عبد العزيز ، ويمكن كونه ابا الحسن الخليعي ويسمى الحسن اشتباهاً بل هو غير بعيد ، فلا يكون الخليعي سوى اثنين واللّه أعلم ويرى الشيخ الاميني أن الحسن محرف وإنما كنيته ابو الحسن.

وذكره الشيخ الاميني في ( الغدير ) وقال : انه ولد من ابوين ناصبيين وأن أمه نذرت انها ان رزقت ولداً تبعثه لقطع طريق السابلة من زوار الحسين علیه السلام وقتلهم ، فلما ولدت المترجم له وبلغ أشده ابتعثته كما نذرت فلما بلغ الى نواحي ( المسيب ) بمقربة من كربلاء المقدسة طفق ينتظر قدوم الزائرين فاستولى عليه النوم واجتازت عليه القوافل فاصابه الغبار فرأى فيما يراه النائم أن القيامة قد قامت وقد أمر به الى النار ولكنها لم تمسه لما

ص: 210

عليه من ذلك العثير فانتبه تائباً واعتنق ولاء أهل البيت ، وقصد الحائر الشريف ويقال أنه نظم عندئذ بيتين :

اذا شئت النجاة فزر حسينا *** لكي تلقى الاله قرير عين

فان النار ليس تمس جسماً *** عليه غبار زوار الحسين

ونقل عن دار السلام للعلامة النوري ان المترجم له لما دخل الحرم الحسيني المقدس انشأ قصيدة في الحسين علیه السلام وتلاها عليه وفي اثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمي بالخليعي أو الخلعي.

أقول وذكر الشيخ الاميني له شعرا كثيراً وقال : له 39 قصيدة في أهل البيت وجاء بمطلع كل واحدة من هذه القصائد.

أما الشيخ عباس القمي قدس اللّه نفسه الزكية فقد ذكره في الكنى والالقاب وقال انه موصلي الاصل مصري الدار وانه اعترض الزوار في طريق الموصل إذ أن القادمين للزيارة من جبل عامل يجيئون من طريق الموصل سابقا. ثم ذكر تاريخ الوفاة على غير ما ذكر ، فراجع.

أما الخطيب اليعقوبي فقد دلّه تتبعه على أن الشاعر قد مات في حدود سنة 850 أو قرب ذلك واستند الى كتاب ( الحصون المنيعة ) وقال في آخر الترجمة : ودفن في أحد بساتين ( الجامعين ) بين مقام الامام الصادق علیه السلام (1) وقبر رضي الدين بن طاووس على مقربة من باب النجف الذي يسميه الحليون ( باب المشهد ) وعلى قبره قبة بيضاء وبالقرب منه قبر ابن حماد الآتي

ص: 211


1- هذا المقام قديم البناء على ضفة فرات الحلة الغربية وذكره ابن شهر اشوب المتوفي سنة 588 في آخر أحوال الامام الصادق وعبّر عنه بالمسجد.

ذكره. وقد ذكره سيدنا المهدي معز الدين القزويني المتوفي سنة 1300 في فلك النجاة في عداد مراقد علماء الحلة.

وديوان الخلعي في مكتبة الامام الحكيم العامة - قسم المخطوطات - بخط الشيخ محمد السماوي وله الفضل في جمع هذا الشعر حتى تألف منه ديوان يضم أكثر من ثلاثين قصيدة.

منها

هجرت مقلتي لذيذ كراها *** لمصاب الشهيد من آل طاها

وقليل لمصرع السيط مجراها *** ولو أن دمعها من دماها

لقتيل ساءت رزيّته الأملاك *** واستعبرت عليه سَماها

بأبي ركبه المجد يجوب البيد *** وَخداً وهادَها ورُباها

بأبي الفتية الميامين تسري *** حوله والردى أمام سُراها

قُبحت أنفسٌ أطاعت هواها *** وعصت مَن بلطفه سَوّاها

الهمت رشدها وعلّمها اللّه *** أجور النفوس من تقواها

يا ابن بنت النبي يومك أذكى *** في الحشا جمرةً يشبّ لظاها

كم لمملوكك الخليعي فيكم *** مدحا يهتدى بنور سناها

تتجلّى بهاعقول ذوي اللب *** وتجلو عن القلوب صداها

ومراثٍ قد أكمن الطيبُ فيها *** كل ما أنشدت يَطيبُ شذاها

راجياً منكم الأمان اذا عدّ *** ذنوباً يخاف من عقباها

ومنها قوله من قصيدة

العينُ عبرى دمعها مسفوح *** والقلب من ألم الأسى مقروح

ما عذر مثلي يوم عاشورا اذا *** لم أبك آل محمد وأنوح

ص: 212

أم كيف لا أبكى الحسين وقد غدا *** شلوا بأرض الطف وهو ذبيح

والطاهرات حواسر من حوله *** كل تنوح ودمعها مسفوح

هذي تقول أخي وهذي والدي *** ومن الرزايا قلبها مقروح

أسفي لذاك الشيب وهو مضمخ *** بدمائه والطبيب منه يفوح

أسفي لذاك الوجه من فوق القنا *** كالشمس في أفق السماء يلوح

أسفي لذاك الجسم وهو مبضعٌ *** وبكل جارحة لديه جروح

ولفاطم تبكي عليه بحرقة *** وتقبل الأشلاء وهي تصيح

ظلّت تولول حاسراً مسبية *** وسكينة ولهى عليه تنوح

يا والدي لا كان يومك انه *** باب ليوم مصائبي مفتوح

أترى نسير الى الشام مع العدى *** أسرى وأنت بكربلاء طريح

اليوم مات محمد فبكى له *** ذو العزم موسى والمسيح ونوح

ومنها قوله من قصيدة

طال حزني واكتئابي *** فجعلت النوح دابي

ما شجاني زاجر العيس *** ولا حادي الركاب

لا ولا شاقتني الدار *** على طول اغتراب

بل شجاني ذكر مقت- *** -ولٍ عفير في التراب

نازح الأوطان ملقى *** في ثرى قفر يباب

حرّ قلبي وهو عاري *** الجسم مسلوب الثياب

حرّ قلبي والسبايا *** في بكاء وانتحاب

يتصارخن سليبات *** رداءٍ ونقاب

وبدور التمّ صرعى *** من مشيب وشباب

لست أنسى زينبا *** ذات عويل وانتحاب

ص: 213

تلطم الخد وتبكي *** للرزايات الصعاب

وتنادي يا أخي ليت *** الردى كان بدابي

يا أخي يا واحدي ما *** كان هذا في حسابي

يا أخي من يسعد الأيتا *** م في عظم المصاب

يا أخي ضاقت علينا *** بعدكم سبل الرحاب

وهو مشغول بكرب *** الموت عن ردّ الجواب

ينظر السجاد في الأسر *** بضرٍّ واضطراب

كلما أنّ أجابوه *** بشتم وسباب

أو وَنى بالسير ألقو *** ه على الرمضاء كاب

وقوله :

أضرمت نار قلبي المحزون *** صادحات الحمام فوق الغصون

غرّدت لا دموعها تقرح الجفن *** كدمعي ولا تحنّ حنيني

ما بكاء الحزين من ألم الثكل *** وباك يشكو فراق القرين

حق لي أندب الغريب فيدمي *** فيض دمعي عليه غرب جفوني

بابي النازح البعيد عن الأوطا *** ن فرداً وما له من معين

يوم قال احفظوا مقالي ولا *** ترموه جهلاً منكم برجم الظنون

إنني قد تركت فيكم كتاب *** اللّه فاستمسكوا به واسمعوني

فهو نور وعترتي أهل بيتي *** فانظروا كيف فيهما تخلفوني

ولقد كان فوق منبره ينثر *** دراً من علمه المكنون

فأتاه الحسين يسعى كبدر *** التم تجلى به دياجي الدجون

فكبا بين صحبه فهوى المختار *** يبكي بدمع عين هتون

قائلاً يا بني روحي تفدّيك *** وإني بذاك غير ضنين

ص: 214

ثم قال اشهدوا عليّ ومن *** أرسلني بالهدى وحق مبين

خلتُ لما كبا بأنّ فؤادي *** واقع من تحرقي وشجوني

كيف لو أنّ عينه عاينته *** كابياً في التراب دامي الجبين

قائلاً ليس في الأنام ابن بيت *** لنبي غيري ألا فاعرفوني

لهف قلبي له ينادي الى القوم *** على أي بدعةٍ تقتلوني

يا ذوي البغي والفسوق أما *** أخرجتموني كرهاً وكاتبتموني

واشتكيتم جور الطغاة وأقسمتم *** إذا قمتُ أنكم تنصروني

ومضى يقصد الخيام ودمع العين *** منه كاللؤلؤ المكنون

فاسترابت لذاك زينب فارتا *** عت وقالت له بخفض ولين

سيدي ما الذي دهاك أبن لي *** يا بن أمي وناصري ومعيني

قال يا أخت إن قومي وأهلي *** قد تفانوا قتلاً وقد أوحدوني

وسأمضي وآخذ الثار ممن *** عرفوا موضعي وقد أنكروني

فاسمعي ما أقول يا خيرة النسوان *** فيما أوصى به وأحفظيني

لا تشقي جيباً ولا تلطمي خدا *** وان عزك العزا فاندبيني

وأخلفيني على بناتي وأوصيك *** بزين العباد فهو أميني

وهو العالم المشار إليه *** صاحب المعجزات والتبيين

وإذا قمتِ عند وِردكِ من نا *** فلة الليل دائماً فاذكريني

واعلمي أن جدك المصطفى والمر *** تضى والبتول ينتظروني

وغدا للقتال يسطو على الأبطا *** ل في حربه كليث العرين

فرمته الطغاة عن أسهم الأحقا *** د كفراً منهم بأيدي الضغون

فبرزن الكرائم الفاطميات *** حيارى بزفرة ورنين

وغدت زينب تنادي الى أين *** رجالي وأين منى حصوني

ثم تدعو بامها البضعة الزهراء *** يا خيرة النساء أدركيني

ص: 215

وأخرجي من ثرى القبور ونوحي *** وأندبي واحدى عسى تسعديني

وانظري ذلك المفدى على الر *** مضاء دامي الأوداج خافي الأنين

أمّ يا أمُ لم عزمتي على أخذي *** كفيلي منى وأوحدتموني

وله في يوم الغدير قوله :

فاح أريج الرياض والشجرِ *** ونبّه الورق راقد السحرِ

واقتدح الصبح زند بهجته *** فأشعلت في محاجر الزهر

وافتر ثغر النوار مبتسماً *** لما بكته مدامع المطر

واختالت الأرض في غلائلها *** فعطرتنا بنشرها العطر

وقامت الورق في الغصون فلم *** يبق لنا حاجة الى الوتر

ونبهتنا الى مساحب أذيا *** ل الصبا بالأصيل والبكر

يا طيب أوقاتنا ونحن على *** مستشرف شاهق نَدٍ نضِر

تطل منه على بقاع انيقا *** ت كساها الربيع بالحبر

في فتية ينشر البليغ لهم *** وتراً فيهدي تمراً الى هجر

من كل من يشرف الجليس له *** معطر الذكر طيب الخبر

يورد ما جاء في « الغدير » وما *** حدّث فيه عن خاتم النذر

مما روته الثقات في صحة *** النقل وما أسندوا الى عمر

لقد رقى المصطفى بخمّ على *** الاقتاب لا بالوني والحصر

أن عاد من حجة الوداع الى *** منزله وهي آخر السفر

وقال يا قوم إن ربي قد *** عاودني وحيه على خطر

إن لم أبلّغ ما قد أُمرتُ به *** وكنت من خلقكم على حذر

وقال ان لم تفعل محوتك من *** حكم النبيين فأخش واعتبر

ص: 216

إن خفت من كيدهم عصمتك فا *** ستبشر فإني لخير منتصرِ

أقم علياً عليهم علماً *** فقد تخيّرته من البشر

ثم تلى آية البلاغ لهم *** والسمع ينعو لها مع البصر

وقال قد آن أن أجيب إلى *** داعي المنايا وقد مضى عمري

ألست أولى منكم بأنفسكم *** قلنا : بلى فاقض حاكماً ومُرِ

فقال والناس محدقون به *** ما بين مصغ وبين منتظر

من كنتُ مولاه فحيدرة *** مولاه يقفو به على أثري

يا رب فانصر من كان ناصره *** واخذل عداه كخذل مقتدر

فقمت لما عرفت موضعه *** من ربه وهو خيرة الخير

فقلت يا خيرة الأنام بخٍ *** جاءتك منقادة على قدر

أصبحتَ مولى لنا وكنت أخاً *** فافخر فقد حزت خير مفتخر

ومنها يقول :

تا لله ما ذنب من يقيس إلى *** نعلك مَن قدّموا بمغتفرِ

أنكر قوم عيد الغدير وما *** فيه على المؤمنين من نكر

حكّمك اللّه في العباد به *** وسرت فيهم بأحسن السير

وأكمل اللّه فيه دينُهم *** كما أتانا في محكم السور

نعتُك في محكم الكتاب وفي *** التوراة باد والسفر والزبر

عليك عرض العباد تقض على *** مَن شئت منهم بالنفع والضرر

تظمئ قوما عند الورود كما *** تروي اناساً بالورد والصدر

يا ملجأ الخائف اللّهيف ويا *** كنز الموالي وخير مدخر

لقبت بالرفض وهو أشرف لي *** من ناصبي بالكفر مشتهر

ص: 217

نعم رفضت الطاغوت والجبت *** واستخلصتُ ودّي للأنجم الزهرِ

وقوله من قصيدة

سارت بأنوار علمك السير *** وحدثت عن جلا لك السور

والمادحون المجزؤن غلوا *** وبالغوا في ثناك واعتذروا

وعظمتك التورات والصحف الأو *** لى واستبشرت بك العصر

والأنبياء المكرمون وفوا *** فيك بما عاهدوا وما نذروا

وذكر المصطفى فأسمع من *** ألقى له السمع وهو مدّكر

وجد في نصحهم فما قبلوا *** ولا استقاموا له كما أمروا

ومنها يقول :

أسماؤك المشرقات في أوجه *** القرآن في كل سورة غرر

سماك رب العباد قسورة *** من حيث فروا كأنهم حمر

والعين والجنب والوجه أنت *** والهادي وليل الظلام معتكر

يا صاحب الأمر في الغدير وقد *** بخبخ لما وليته عمر

لو شئت ما مد..... يده *** لها ولا نال حكمها زفر

لكن تأنيت في الامور ولم *** تعجل عليهم وأنت مقتدر

وقوله :

جعلتُ النوح إدمانا *** لما نال ابن مولانا

وأجرى أدمعاً ذكرى *** غريباً مات عطشانا

ص: 218

عفير الجسم مسلوب *** الردا في الترب عريانا

وتمثيلى بأرض الطف *** أطفالاً ونسوانا

وقتلى من بني الزهرا *** ء أشياخاً وشبانا

تهاب الوحش أجسادا *** لهم زهراً وأبدانا

أفاضوا دمهم غسلا *** وترب النقع أكفانا

بنفسي السبط اذ ينشد *** في الأعداء حيرانا

أما فيكم فتى يرحم *** هذا الطفل ضمآنا

بنفسي ذلك الطفل *** غدا بالسهم ريانا

رمته وهو في كفّ *** أبيه القوس مرنانا

بنفسي زينب تندب *** أحزانا وأشجانا

وتدعو جدها يا جد *** لو عاينت مرآنا

ولو شاهدت قتلانا *** وأسرانا ومسرانا

بصفّحنا عيون الخلق *** في الامصار ركبانا

ألا يا جد مَن أوليته *** فضلاً واحسانا

وأكّدت عليه حفظنا *** بعدك خلانا

ولم يرع لك العهد *** ولا رق ولا لانا

فيا وهنا عر الدين *** أيقضي السبط ضمئانا

وتضحي بالسبا آل *** رسول اللّه أعلانا

الا يا ساة كانوا *** لدين اللّه أركانا

ويا من نلت في مدحي *** لهم عفوا وغفرانا

على من شرع الغدر *** بكم ظلما وعدوانا

اليم اللعن والخزي *** وذا أهون ما كانا

لقد زادكم الرحمن *** تسليما ورضوانا

ص: 219

واعظاما واكراما *** واقدارا وامكانا

فكونوا للخليعي *** غداة البعث أعوانا

فكم لاقى من النصاب *** أحقادا وأضغانا

ولن يزداد الارغبة *** فيكم وإيمانا

وكم بات يجلي مد *** حكم سرا واعلانا

بألفاظ حكت درا *** وياقوتا ومرجانا

واحسان معان طرزها *** يعجز حسّانا

سحبت بمدحكم ذيلا *** على هامة سحبانا

ولولا مدحكم ما كنت *** أعلى منهما شانا

صلوة اللّه تفشاكم *** فما تقطعكم آنا

وقوله في آل البيت « ع » :

يا سادتي يا بني النبي ومن *** مديحهم في المعاد ينقذني

عرفتهم بالدليل والنظر المبصر *** لاكا المقلد اللكن

ديني هو اللّه والنبي ومو *** لاي إمام الهدى ابو الحسن

والقول عندي بالعدل معتقدي *** من غير شك فيه يخامرني

لست أرى ان خالقي أبداً *** يفعل بي ما به يعاقبني

ولا على طاعة ومعصية *** يجبرني كارهاً ويلزمني

وكيف يعزى الى القبيح من الفع- *** -ل وحاشاه وهو عنه غني

لكن افعالنا تناط بنا *** ما كان من سيء ومن حسن

ص: 220

وكل من يدعي الامامة بالبا *** طل عندي كعابد الوثن

يا محنة اللّه في العباد ومن *** رميت فيه بسائر المحن

يا نافذ الأمر في السماء وفي *** الأرض ويا من اليه مرتكني

وردك الشمس بعدما غربت *** يدهش غيري وليس يدهشني

أوردت قلبي ماء الحياة ولم *** تزل بكأس اليقين تنهلني

وكلما ازددت فيك معرفه *** ينكرني حاسدي ويجحدني

ولست آسي بالقرب منك على *** مُقصّرٍ في هواك يبعدني

بك الخليعي يستجير فكن *** عوناً له من طوارق الفتن

وله من قصيدة في آل البيت « ع » قوله :

يا سادتي يا بني الهادي النبي ومن *** أخلصت ودي لهم في السر والعلن

عرفتكم بدليل العقل والنظر ال- *** -مهدي ولم أخش كيد الجاهل اللكن

ولست آسى على من ظل يبعدني *** بالقرب منكم ومن بالغيب يرحمني

ظفرت بالكنز من علم اليقين ولم *** اخش اعتراض اخي شك ينازعني

فاز « الخليعي » كل الفوز واتضحت *** فيكم له سبل الارشاد والسنن

ص: 221

علي بن عبد الحميد بن فخار

غز صبري وعزّ يوم التلافي *** آه واحسرتاه مما ألاقي

وفؤادي أضحى غريم غرام *** واصطباري ناء ووجدي باقي

يا عذولي إني لسيع فراق *** ما له بعد لسعه من راقِ

حقّ أن أسكب الدما لا دموعي *** وأشق الفؤاد لا أخلاقي

وأزيد الحزن الشديد لرزء السبط *** سبط الراقي بظهر البراق

قتلوه ظلماً ولم يرقبوا فيه *** لعمري وصيّه الخلاقِ

يا بن بنت الرسول يا غاية المأ *** مول يا عدتي غداة التلاقي

ابن عبد الحميد عبدك ما زا *** ل محباً لكم بغير نفاق

حبكم عدّتي وأنتم ملاذي *** يوم حشري ومنكموا أعراقي

وصلاة الرب الرحيم عليكم *** ما تغنى الحداة خلف النياق (1)

ص: 222


1- عن أعيان الشيعة ج 41 ص 293.

جاء في أعيان الشيعة ج 41 ص 292.

السيد علي بن عبد الحميد بن فخار بن معد الموسوي الحلي المعروف بالمرتضى استاذ ابن معيّة (1). توفي حدود سنة 760 كان فقيهاً نسابة يروي عن والده عن أبيه عن جده فخار عن شيخه النسابة جلال الدين أبي علي عبد الحميد بن التقي الحسيني عن السيد ضياء الدين فضل اللّه بن علي الحسني الراوندي عن أبي الصمصام ذي الفقار ابن محمد بن سعيد الحسيني المروزي عن الشيخ أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الكوفي بطرقه المعلومة ، ويروي عنه ابن معيّة.

له كتاب الأنوار المضيئة في أحوال المهدي. ومن ذرية المترجم بنو نزار ينتهون الى نزار بن السيد هذا وآل أبي محمد وهم ينتهون الى الحسين ابن صاحب الترجمة ، وللمترجم كتاب في مرائي الشهيد ، وله في علم الكلام وغيره تصانيف.

ص: 223


1- يرجع نسبه الى ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم علیه السلام ، وكان أبوه عبد الحميد نقيب المشهد والكوفة.

حسن المخزومي

فروع قريضي في البديع أصول *** لها في المعاني والبيان أصول

وصارم فكري لا يفلّ غراره *** ومن دونه العضب الصقيل كليل

سجية نفسي انها لي سجيّة *** تميل الى العلياء حيث أميل

فلا تعدلي يا نفس عن طلب العلا *** ويا قلب لا يثنيك عنه عذول

ففي ذروة العلياء فخر وسؤددٌ *** وعزٌ ومجدٌ في الأنام وسول

خليلي ظهر المجد صعب ركوبه *** ولكنه للعارفين ذلول

جميل صفات المرء زهد وعفة *** وأجمل منها أن يقال فضيل

فلا رتبة إلا وللفضل فوقها *** مقام منيف في الفخار أثيل

فلله عمرٌ ينقضي وقرينه *** علوم وذكرٌ في الزمان جميل

تزول بنو الدنيا وان طال مكثها *** وحسن ثناء الذكر ليس يزول

فلا تتركنّ النفس تتّبع الهوى *** تميل وعن سبل الرشاد تميل

ويقول فيها في مدح الني والوصي ورثاء الحسين صلوات اللّه عليهم :

فيا خير مبعوث بأعظم منّة *** وأكرم منعوت نمته أصول

تقاصر عنك المدح من كل مادح *** فماذا عسى فيما أقول أقول

ص: 224

لقد قال فيك اللّه جل جلاله *** من المدح مدحا لم ينله رسول

لأنت على خلق عظيم كفى بها *** فماذا عسى بعد الاله نقول

مدينة علم بابها الصنوِ حيدر *** ومن غير ذاك الباب ليس دخول

امام برى زند الضلال وقد وَرى *** زناد الهدى والمشركون خمول

ومولى له من فوق غارب أحمد *** صعود به للحاسدين نزول

فكسّر اصنام الطغاة بصارم *** بدت للمنايا في شباه نحول

تصدّق بالقرص الشعير لسائل *** وردّ عليه القرص وهو أفول

وقائعه في يوم أحد وخيبر *** لها في حدود الحادثات فلول

وبيعة خمٍ والنبي خطيبها *** لها في قلوب المبغضين نصول

فيا رافع الاسلام من بعد خفضه *** وناصب دين اللّه حيث يميل

أعزيك بالسبط الشهيد فرزؤه *** ثقيل على أهل السماء جليل

دعته الى كوفان شرّ عصابة *** عصاة وعن نهج الصواب عدول

فلمّا أتاهم واثقاً بعهودهم *** أمالوا وطبع الغادرين يميل

الى أن قال في الحسين علیه السلام :

له النسب الوضاح كالشمس في الضحى *** ومجد على هام السماء يطول

لقد صدق الشيخ السعيد أبو العلا *** علي ونال الفخر حيث يقول

( فما كل جد في الرجال محمد *** ولا كل أمٍّ في النساء بتول )

يعني الشفهيني فإن هذا البيت له من قصيدة سبق ذكرها.

ثم قال المترجم له :

فيا آل طه الطاهرين رجوتكم *** ليوم به فصل الخطاب طويل

ص: 225

مدحتكم أرجو النجاة بمدحكم *** لعلمي بكم أن الجزاء جزيل

فدونكم من عبدكم ووليكم *** عروساً ولكن في الزمان نكول

أتت فوق أعواد المنابر نادباً *** لها رنّة محزونة وعويل

لسبع مئين بعد سبعين حجة *** وثنتين إيضاح لها ودليل

لها حسن المخزوم عبدكم أب *** لآل أبي عبد الكريم سليل (1)

ص: 226


1- والقصيدة بمجموعها 177 بيتاً اكتفينا بهذا المقدار منها.

الحسن من آل عبد الكريم المخزومي :

قال السيد الأمين ج 22 ص 89.

كان حياً سنة 772 ولا يبعد كونه حلياً لمعارضته قصيدة الشفهيني الحلي من قصيدة له يمدح بها النبي والوصي ويرثي الحسين صلوات اللّه عليهم. وظن صاحب الطليعة إنها للحسن بن راشد الحلي فأوردها في ترجمته وقال : إنه عارض بها الشفهيني والذي رأيناه في مجموعة الفاضل الشيخ محمد رضا الشبيبي أنها للحسن المخزومي من آل عبد الكريم وأنه نظمها سنة 772.

قال الشيخ الأميني : الشيخ حسن آل أبي عبد الكريم المخزومي أحد شعراء الشيعة في القرن الثامن جارى قصيدته المذكورة معاصره العلامة الشيخ علي الشفهيني.

وقد رأى الشيخ السماوي في الطليعة إنه هو الشيخ الحسن بن راشد الحلي العلامة المتضلع من العلوم صاحب التآليف القيمة والأراجيز الممتعة وحسب سيدنا الأمين العاملي في الأعيان انه غيره وله هناك نظرات لا يخلو بعضها عن النظر فعلى الباحث الوقوف على الجزء الحادي والعشرين من الأعيان والجزء الثاني والعشرين.

وعمدة ما يستأنس منه الاتحاد أن اللامية هذه مذكورة في غير واحد من المجاميع في خلال قصائد الشيخ حسن بن راشد الحلي منسوبة إليه مع بعد شاسع في خطة النظم وتفاوت في النفس بحيث يكاد بمفرده أن يميزها عن شعر ابن راشد الحلي الفحل فإنه عالي الطبقة بادي السلاسة ظاهر الإنسجام متحد بالقوة ، واللامية دونه في كل ذلك.

ص: 227

وعلى أيّ فناظمها من شعراء القرن الثامن نظمها في سنة 772 كما نصّ عليه في أخريات القصيدة ولما لم يُعلم تاريخ وفاته واحتملنا الإتحاد بينه وبين ابن راشد المتوفى في القرن التاسع بعد سنة 830 أرجأنا ترجمته الى القرن التاسع واللّه العالم.

ص: 228

شعراء القرن التاسع

اشارة

1 - رجب البرسي كان حياً سنة 813

2 - محمد بن الحسن العليف المتوفي 815

3 - ابن المتوج البحراني المتوفي 820

4 - الحسن بن راشد كان حياً سنة 830

5 - ابن العرندس توفي حدود 900

6 - الشيخ مغامس بن داغر توفي حدود 850

7 - محمد بن حماد الحلي أواخر القرن التاسع

8 - عبد اللّه بن داود الدرمكي حدود 900

9 - الشيخ إبراهيم الكفعمي العاملي حدود 900

10 - محمد بن عمر النصيبي الشافعي القرن التاسع

ص: 229

ص: 230

الشيخ رجب البرسي

قال من قصيدة في رثاء الحسين علیه السلام

فيا لك مقتولا بكته السما دما *** وثلّ سرير العز وانهدم المجد

شهيداً غريباً نازح الدار ظامياً *** ذبيحا ومن سافي الوريد له ورد

بروحي قتيلا غسله من دمائه *** سليبا ومن سافي الرياح له برد

وزينب حسرى تندب الندب عندها *** من الحزن أو صاب يضيق بها العدّ

تجاذبنا أيدي العدى بعد فضلنا *** كأن لم يكن خير الأنام لنا جد

وتمسي كريمات الحسين حواسراً *** يلاحظها في سيرها الحر والعبد

ص: 231

الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ كان حياً سنة 813 وتوفي قريباً من هذا التاريخ.

والبرسي نسبة الى برس ، في الرياض بضم الباء وسكون الراء ثم السين المهملة ، قرية بين الكوفة والحلة فأصبحت اليوم خرابا ولعل اشتهاره بالحافظ لكثرة حفظه فقد كان فقيهاً حافظاً محدثاً أديباً شاعراً مصنفاً في الاخبار وغيرها له كتاب ( مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين ) وله رسائل في التوحيد وكان ماهراً في أكثر العلوم وله يد طولى في اسرار علم الحروف والاعداد ونحوها كما يظهر من تتبع مصنفاته.

أقول ذكر السيد الأمين في الاعيان 13 مؤلفا كلها آية في الابداع. قال :

ولم يعرف له شعر إلا في أهل البيت.

وفي البابليات :

الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب المعروف بالحافظ « لكثرة حفظه » والبرسي نسبة الى قرية « برس » (1) ومنها أصل المترجم وفيها مولده

ص: 232


1- هو على ما ضبطه ياقوت في معجمه بالضم - وقال غيره بالكسر - موضع بأرض بابل به آثار لبخت نصر وتل مفرط العلو يسمى صرح البرس - قلت ولا يزال هذا التل يرى للناظرين من مسافة أميال. وفي القاموس : برس قرية بين الكوفة والحلة. ويقع تلّها اليوم على يمين الذاهب من النجف إلى كربلاء وبينه وبين طريقيهما فرات الهندية. وعلى يسار الذاهب من الكوفة وذي الكفل الى الحة.

ثم سكن الحلة وهو من أشهر علمائها في أواخر القرن الثامن طويل الباع واسع الاطلاع في الحديث والتفسير والأدب وعلم الحروف. قال صاحب الروضات عند ذكره : كان معاصراً لأمثال صاحب المطول والسيد الشريف والشيخ مقداد السيوري وابن المتوج البحراني.

وهو يروي في بعض مصنفاته عن شاذان بن جبرئيل بن اسماعيل القمي وقال عنه صاحب رياض العلماء : انه البرسي مولداً والحلي محتداً ، الفقيه المحدث الصوفي صاحب كتاب مشارق الانوار المشهور وغيره ، كان من متأخري علماء الامامية لكنه متقدم على الكفعمي صاحب المصباح وكان ماهراً بأكثر العلوم وله يدٌ طولى في علم اسرار الحروف والاعداد ونحوها كما يظهر من تتبع مصنفاته ثم عدّ له أكثر من أحد عشر مصنفاً.

في مقدمة كتاب « البحار » في تعداد كتب الاخبار التي نقل منها :

وكتاب مشارق الانوار وكتاب الالفين للحافظ رجب البرسي ولا أعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط وانما اخرجنا منهما ما يوافق الاخبار المأخوذة من الاصول المعتبرة ، وروى أيضا عن كتابي المترجم في ال- ج 8 من البحار ص 762 خبرين فيما يختص بوفاة امير المؤمنين (عليه السلام) ومدفنه فقال بعد نقله لهما : ولم ار هذين الخبرين إلا عن طريق البرسي ولا اعتمد على ما يتفرد بنقله ولا أردهما لورود الاخبار الكثيرة. الخ.

وقال صاحب « الأمل » في ترجمته : كان فاضلاً محدثاً شاعراً منشئاً اديباً له كتاب مشارق انوار اليقين في حقائق اسرار امير المؤمنين وله رسائل في التوحيد وغيره وفي كتابه افراط وربما نسب الى الغلو واورد فيه لنفسه اشعاراً جيدة. ا ه.

ص: 233

فمن شعره في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله قوله :

أضاء بك الأفق المشرق *** ودان لمنطقك المنطق

وكنت ولا آدم كائناً *** لأنك من كونه أسبق

ولولاك لم تخلق الكائنات *** ولا بان غرب ولا مشرق

تجليت يا خاتم المرسلين *** بشأوٍ من الفضل لا يلحق

فأنت لنا أول آخر *** وباطن ظاهرك الأسبق

تعاليت عن صفة المادحين *** وان اطنبوا فيك أو أعمقوا

فمعناك حول الورى دارة *** على غيب أسرارها تحدق

وروحك من ملكوت السماء *** تنزل بالأمر ما يخلق

ونشرك يسري على الكائنات *** فكلٌ على قدره يعبق

اليك قلوب جميع الانام *** تحنّ واعناقها تعنق

وفيض أياديك في العالمين *** بأنهار أسرارها يدفق

وآثار آياتك البينات *** على جبهات الورى تشرق

فموسى الكليم وتوراته *** يدلان عنك اذا استنطقوا

وعيسى وانجيله بشّرا *** بأنك احمد من يخلق

فيا رحمة اللّه في العالمين *** ومن كان لولاه لم يخلقوا

لأنك وجه الجلال المنير *** ووجه الجمال الذي يشرق

وانت الأمين وانت الأمان *** وانت ترتّقُ ما يفتق

اتى رجبٌ لك في عاتق *** ثقيل الذنوب فهل يعتق

ولم يعرف له شعر إلا في أهل البيت ومن شعره الذي أورده في مشارق الأنوار قوله في أهل البيت (عليهم السلام)كما في أمل الآمل :

ص: 234

فرضي ونفلي وحديثي انتم *** وكل كُلّي منكم وعنكم

وأنتم عند الصلاة قبلتي *** اذا وقفت نحوكم أُيمّم

خيالكم نصبٌ لعيني ابداً *** وحبكم في خاطري مخيم

يا سادتي وقادتي اعتابكم *** بجفن عيني لثراها الثم

وقفاً على حديثكم ومدحكم *** جعلت عمري فاقبلوه وارحموا

منوا على ( الحافظ ) من فضلكم *** واستنقذوه في غد وأنعموا

وقوله :

أيها اللائم دعني *** واستمع من وصف حالي

أنا عبد لعلي *** المرتضى مولى الموالي

كلما ازددت مديحاً *** فيه قالوا لا تغال

واذا أبصرت في *** الحق يقيناً لا أبالي

آية اللّه التي في *** وصفها القول حلالي

كم الى كم أيها *** العاذل أكثرت جدالي

يا عذولي في غرامي *** خلّني عنك وحالي

رح إذا ما كنت ناج *** واطرّحني وضلالي

إن حُبّي لعلي *** المرتضى عين الكمال

وهو زادي في معادي *** ومعاذي في مآلي

وبه اكملت ديني *** وبه ختم مقالي

وله من أبيات في مدح امير المؤمنين (عليه السلام) :

ابا حسن لو كان حبّك مدخلي *** جهنم كان الفوز عندي جحيمها

ص: 235

وكيف يخاف النار من كان موقناً *** بأنك مولاه وانت قسيمها

فوا عجباً من أمّة كيف ترتجي *** من اللّه غفراناً وانت خصيمها

وواعجباً اذ اخرتك وقدّمت *** سواك بلا جرم وانت زعيمها

وله في معنى قول من قال في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : ما أقول في رجل اخفت أولياؤه فضائله خوفاً ، وأخفت أعداؤه فضائله حسداً وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين :

روى فضله الحساد من عظم شأنه *** وأعظم فضل راح يرويه حاسد

محبوه أخفوا فضله خيفة العدى *** وأخفاه بغضاً حاسد ومعاند

وشاع له من بين ذين مناقب *** تجلّ بأن تحصى وان عدّ قاصد

إمام له في جبهة المجد أنجم *** تعالت فلا يدنو إليهن راصد

فضائله تسمو على هامة السما *** وفي عنق الجوزاء منها قلائد

وأفعاله الغر المحجّلة التي *** تضوّع مسكاً من شذاها المشاهد

ومما اورده له السيد نعمة اللّه الجزائري قوله في أمير المؤمنين (عليه السلام) :

العقل نور وأنت معناه *** والكون سر وأنت مبداه

والخلق في جمعهم إذا جمعوا *** الكل عبد وأنت مولاه

انت الولي الذي مناقبه *** ما لعلاها في الخلق اشباه

يا آية اللّه في العباد ويا *** سرّ الذي لا إله إلا هو

تناقض العالمون فيك وقد *** حاروا عن المهتدى وقد تاهوا

فقال قوم بأنه بشرٌ *** وقال قوم لا بل هو اللّه

يا صاحب الحشر والمعاد ومَن *** مولاه حكم العباد ولاه

ص: 236

يا قاسم النار والجنان غداً *** أنت ملاذ الراجي وملجاه

كيف يخاف ( البرسي ) حرّ لظى *** وأنت عند الحساب منجاه

لا يختشي النار عبد حيدرة *** إذ ليس في النار مَن تولاه

وله :

هو الشمس أم نور الضريح يلوح *** هو المسك أم طيب الوصي يفوحُ

له النص في يوم الغدير ومدحه *** من اللّه في الذكر المبين صريح

امام اذا ما المرء جاء بحبّه *** فميزانه يوم المعاد رجيح

ونكتفي بما أوردناه من الشواهد الوجيزة من شعره عن الاسهاب وفي ال- ج 7 من الغدير من اشعاره اضعاف ما ذكر ما في ال- ج 31 من اعيان الشيعة وجلها مستخرجة من كتاب المترجم « مشارق الانوار ».

قلت ولا يخفى على القارئ البصير ان هذا الشعر وما أشبهه من مدح النبي وآله الطاهرين (عليهم السلام) والتوسل بهم الى اللّه تعالى لا يجوز التسرع في الحكم على صاحبه بالغلو مهما كان فيه من المبالغة في المدح والثناء فإن من تصفح دواوين الشعراء الاقدمين وجد فيها ما هو أعظم في حق الملوك والخلفاء والعظماء الذين يتشرفون بالانتماء الى آل الرسول صلی اللّه علیه و آله نسبا او سببا ألا ترى قول البرسي في مقطوعته المتقدمة في مدح امير المؤمنين (عليه السلام)

والخلق في جمعهم اذا جمعوا *** فالكل عبدٌ وانت مولاه

سبقه الى معناه ابو الطيب المتنبي بمدح عضد الدولة بن بويه الديلمي فقال

وقد رأيت الملوك قاطبة *** وسرت حتى رأيت مولاها

ص: 237

ومن مناياهم براحته *** يأمرها فيهم وينهاها

وما اكثر هذا النوع في شعر متنبي الغرب محمد بن هاني الاندلسي في مدح الفاطميين « خلفاء مصر » كقوله في المعز :

ما شئت لا ماشاءت الاقدار *** فاحكم فأنت الواحد القهار

وقوله من قصيدة

قد قال فيك اللّه ما أنا قائل *** فكأن كل قصيدة تضمين

وكقول الشريف الرضي في الطايع العباسي :

لله ثمّ لك المحل الاعظم *** واليك ينتسب العلاء الاقدم

الى كثير من امثال ذلك ونظائره مما كان الاحرى بالشاعر العدول عنها فأن في ميادين المدح متسعاً بما دون ذلك.

ومن شعره في الحسين علیه السلام .

يميناً بنا حادى السرى إن بدت نجدُ *** يميناً فللعاني العليل بها نجدُ

وعج فعَسى من لاعج الشوق يشتفي *** غريم غرام حشو أحشائه وقد

وسربي بسرب فيه سرب جآذر *** لسربي من جهد العهاد بهم عهد

ومر بي بليل في بليل عراصه *** لأ روى بريّا تربة تربها ندّ

وقف بي أنادي وادي الايك علني *** بذاك أرى ذاك المساعد يا سعد

فبالربع لي من عهد جيرون جيرة *** يجيرون ان جار الزمان إذا عدّوا

عزيزون ربع العمر في ربع عزهم *** تقضى ولا روع عراني ولا جهد

وربعي مخضرٌ وعيشي مخضل *** ووجهي مبيضٌ وفودي مسود

ص: 238

وشملي مشمول وبرد شبيبتي *** قشيبٌ وبرد العيش ما شابه نكد

معالم كالاعلام معلمة الربى *** فأنهارها تزهو وأطيارها تشدو

طوت حادثات الدهر منشور حسنها *** كما رسمت في رسمها شمأل تغدو

واضحت تجّر الحادثات ذيولها *** عليه ولا دعدٌ هناك ولا هند

وقد غدرت قدما بآل محمد *** وطاف عليهم بالطفوف لها جند

فيا أمة قد ادبرت حين أقبلت *** فوافقها نحس وفارقها سعد

ابت إذ اتت تنأى وتنهى عن النهى *** وولّت وألوت حين مال بها الجد

كأني بمولاي الحسين ورهطه *** حيارى ولا عون هناك ولا عضد

وما عذر ليث يرهب الموت باسه *** يذلُ ويضحى السيد يرهبه الاسد

وتأبى نفوس طاهرات وسادة *** مواضيهم هام الكماة لها غمد

ليوث وفي ظل الرماح مقيلها *** مغاوير طعم الموت عندهم شهد

لها الدم وردٌ والنفوس قنائص *** لها القَدم قِدمٌ والنفوس لها جند

حماة عن الاشبال يوم كريهة *** بدور دجى سادوا الكهول وهم مرد

أيادي عطاهم لا تطاول في الندى *** وأيدي علاهم لا يطاق لها رد

مطاعيم للعافي مطاعين في الوغى *** مطاعين إن قالوا لهم حجج لدّ

مفاتيح للداعي مساميح للندى *** مصابيح للساري بها يهتدي النجد

زكوا في الورى أماً وجداً ووالداً *** وطابوا فطاب الام والاب والجد

باسمائهم يستجلب البر والرضا *** بذكرهم يستدفع الضر والجهد

اذا طلبوا راموا وان طلبوا رموا *** وان ضوربوا جدوا وان ضربوا قدّوا

وجوههم بيض وخضر ربوعهم *** وبيضهم حمر إذ النقع مسود

كأنهم نبت الربى في سروجهم *** لشدة حزم لا بحزم لها شدوا

يخوضون تيار الحمام ضوامياً *** وبحر المنايا بالمنايا لهم مد

تخال بريق البيض برقاً سحاله ال- *** -دماء وأصوات الكماة لها رعد

ص: 239

أحلّوا جسوماً للمواضي وأحرموا *** فحلوا جنان الخلد فيها لهم خلد

أمام الامامِ السبطِ جادوا بأنفسٍ *** بها دونه جادوا وفي نصره جدوا

فلما رآى المولى الحسين رجاله *** وفتيانه صرعى وشادي الردى يشدو

فيحمل فيهم حملة علوية *** بها للعوالي في أعالي العدى قصد

كفعل أبيه حيدر يوم خيبر *** كذلك في بدر ومن بعدها أحد

تزلزلت السبع الطباق لفقده *** وكادت له شمّ الشماريخ تنهد

وناحت عليه الطير والوحش وحشة *** وللجن إذ جن الظلام به وجد

وشمس الضحى اضحت عليه عليلة *** علاها اصفرار إذ تروح وإذ تغدو

فيالك مقتولاً بكته السما دما *** وثلّ سرير العز وانهدم المجد

شهيداً غريباً نازح الدار ظاميا *** ذبيحا ومن سافي الوريد له ورد

بروحي قتيلاً غسله من دمائه *** سليباً ومن سافي الرياح له برد

ترض خيول الشرك بالحقد صدره *** وترضخ منه الجسم في ركضها الجرد

وزينب حسرى تندب الندب عندها *** من الحزن أو صاب يضيق بها العد

تجاذبنا أيدي العدى بعد فضلنا *** كأن لم يكن خير الانام لنا جدّ

وتضحى كريمات الحسين حواسرا *** يلاحظها في سيرها الحر والعبد

وليس لأخذ الثأر إلا خليفة *** هو الخلف المأمول والعلم الفرد

هو القائم المهدي والسيد الذي *** إذا سار أملاك السماء له جند

لعل العيون الرمد تحضى بنظرة *** إليه فتجلى عندها الاعين الرمد

اليك انتهى سرّ النبيين كلهم *** وانت ختام الأوصياء إذا عدوا

إليكم عروس زفها الحسن ثاكلا *** تنوح إذا الصب الحزين بها يشدو

رجا رجب رحب اليقين بها غدا *** إذا ما اتى والحشر ضاق به الحشد

ولي فيكم نظم ونثر غذاؤه *** نقير وهذا جهد مَن لا له جهد

لتذكرني يا ابن النبي غداً إذا *** غدا كل مولى يستجير به العبد

ص: 240

فان مال عنكم يا بني الفضل راغب *** يظل ويضحى عند من لا له عند

فيا عدتي في شدتي يوم بعثتي *** بكم خلتي من علتي حرها برد

عبيدكم البرسي مولى علائكم *** كفاه فخاراً أنه لكم عبد

وللحافظ رجب البرسي

دمع يبدده مقيم نازح *** ودم يبدده مقيم نازح

والعين إن أمست بدمع فجّرت *** فجرت ينابيع هناك موانحُ

أظهرت مكنون الشجون فكلما *** شجّ الأمون سجا الحرون الجامحُ (1)

وعليّ قد جعل الأسى تجديده *** وقفاً يضاف الى الرحيب الفاسح

وشهود ذلي مع غريم صبابتي *** كتبوا غرامي والسقام الشارح

أوهى اصطباري مطلقٌ ومقيّدٌ *** غربٌ وقلبٌ بالكآبة بائحُ

فالجفن منسجمٌ غريق سائح *** والقلب مضطرم حريٌق قادح

والخدّ خدّده طليق فاتر *** والوجد جدّده مجدّ مازح

أصبحت تخفضني الهموم بنصبها *** والجسم معتلّ مثالٌ لائح

حلّت له حلل النحول فبرده *** برد الذبول تحلّ فيه صفائح

وخطيب وجدي فوق منبر وحشتي *** لفراقهم لهو البليغ الفاصح

ومحّرمٌ حزني وشوّال العنا *** والعيد عندي لاعجٌ ونوايحُ

ومديد صبري في بسيط تفكّري *** هزجٌ ودمعي وافر ومسارحُ

ساروا فمعناهم ومغناهم عفا *** واليوم فيه نوايحٌ وصوايحُ

درس الجديد جديدها فتنكّرت *** ورنا بها للخَطب طرفٌ طامح

ص: 241


1- شج المفازة : قطعها. الامون : الناقة.

نسج البلى محقّق حسنه *** ففناءه ماحي الرسوم الماسح

فطفقتُ أندبه رهين صبابة *** عدم الرفيق وغاب عنه الناصح

وأقول والزفرات تذكي جذوةً *** بين الضلوع لها لهيبٌ لافح

: لا غرو إن غَدر الزمان بأهله *** وجفا وحانَ وخانَ طرفٌ لامح

فلقد غوى في ظلم آل محمّد *** وعوى عليهم منه كلبٌ نابح

وسطى على البازي غرابٌ أسحمٌ *** وشبا على الأشبال زنجٌ ضابح

وتطاول الكلب العقور فصاول *** الليث الهصور وذاك أمرٌ فادح

وتواثبت عرج الضباع وروّعت *** والسيد أضحى للأسود يكافح

آل النبيّ بنو الوصيّ ومنبع *** الشرف العليّ وللعلوم مفاتح

خزّان علم اللّه مهبط وحيه *** وبحار علم والأنام ضحاضح

التائبون العابدون الحامدون *** الذاكرون وجنح ليل جانح

الصائمون القائمون المطعمون *** المؤثرون لهم يد ومنايح

عند الجدى سحب وفي وقت الهدى *** سمتٌ وفي يوم النزال جحاجح

هم قبلة للساجدين وكعبة *** للطائفين ومشعرٌ وبطايح

طرق الهدى سُفن النجاة محبّهم *** ميزانه يوم القيامة راجح

ما تبلغ الشعراء منهم في الثنا *** واللّه في السبع المثاني مادح

نسبٌ كمنبلج الصباح ومنتمىً *** زاكٍ له يعنو السماك الرامح

الجد خير المرسلين محمّد ال- *** -هادي الأمين أخو الختام الفاتح

هو خاتم بل فاتحٌ بل حاكمٌ *** بل شاهدٌ بل شافعٌ بل صافح

هو أول الأنوار بل هو صفوة ال- *** -جبّار والنشر الأريج الفايح

هو سيّد الكونين بل هو أشرف *** الثقلين حقّاً والنذير الناصح

لولاك ما خلق الزمان ولا بدت *** للعالمين مَساجدٌ ومصابح

والأم فاطمة البتول وبضعة *** الهادي الرسول لها المهيمن مانح

ص: 242

حوريّة إنسيّة لجلالها *** وجمالها الوحي المنزّل شارحُ

والوالد الطهر الوصي المرتضى *** عَلم الهداية والمنارُ الواضحُ

مولىً له النبأ العظيم وحبّه *** النهج القويم به المتاجر رابح

مولىً له بغدير خمٍّ بيعةٌ *** خضعت لها الاعناق وهي طوامح

القسور البتّاك والفتّاك والسفّاك *** في يوم العراك الذابح

أسد الإله وسيفه ووليّه *** وشقيق أحمد والوصيّ الناصح

وبعضده وبعضبه وبعزمه *** حقّاً على الكفّار ناح النايح

يا ناصر الاسلام يا باب الهدى *** يا كاسر الأصنام فهي طوامح

يا ليت عينك والحسين بكربلا *** بين الطغاة عن الحريم يكافح

والعاديات صواهل وجوائل *** بالشوس في بحر النجيع سوابح

والبيض والسمر اللدان بوارق *** وطوارقٌ ولوامع ولوائح

يلقى الردى بحر الندى بين العدى *** حتى غَدا مُلقىً وليس مُنافح

أفديه محزوز الوريد مرمّلا *** ملقىً عليه الترب سافٍ سافح

والماء طامٍ وهو ظامٍ بالعرا *** فردٌ غريبٌ مستظامٌ نازح

والطاهرات حواسرٌ وثواكل *** بين العدا ونوادب ونوائح

في الطف يَسحبن الذُيول بذلة *** والدهر سهم الغدر رامٍ رامح

يسترنَ بالاردان نور محاسن *** صوناً وللأعداء طَرف طامح

لهفي لزينبَ وهي تندب نَدبها *** في نَدبها والدمع سارٍ سارح

تدعو : أخي يا واحدي ومؤمّلي *** مَن لي إذا ما ناب دهرٌ كالح؟

مَن لليتامى راحمٌ؟ من للأيامى *** كافلٌ؟ من للجافة مناصح؟

حزني لفاطم تلطم الخدّين من *** عظم المصاب لها جوىً وتبارح

أجفانها مقروحة ودموعها *** مسفوحة والصبر منها جامح

تهوي لتقبيل القتيل تضمّه *** بفتيل معجرها الدماء نَواضح

ص: 243

تحنو على النحرِ الخضيب وتلثم *** الثغر التريب لها فؤاد قادحُ

أسفي على حرم النبوة جئن مط- *** -روحاً هنالك بالعتاب تطارح

يندبن بدراً غاب في فلك الثرى *** وهزبر غابٍ غيّبته ضرائح

هذي أخي تدعو وهذي يا أبي *** تشكو وليس لها وليّ ناصح

والطهر مشغول بكرب الموت من *** ردّ الجواب وللمنيّة شابح

ولفاطم الصغرى نحيبٌ مقرحٌ *** يذكي الجوانح للجوارحِ جارح

علجٌ يعالجها لسلب حليّها *** فتظلّ في جهد العفاف تطارح

بالردن تستر وجهها وتمانع ال- *** -ملعون عن نهب الردا وتكافح

تستصرخ المولى الامام وجدّها *** وفؤادها بعد المسرّة نازح

يا جدّ قد بلغ العدا ما أمّلوا *** فينا وقد شمتَ العدوّ الكاشح

يا جدّ غاب وليّنا وحميّنا *** وكفيلنا ونصيرنا والناصح

ضيّعتمونا والوصايا ضيّعت *** فينا وسهم الجور سارٍ سارح

يا فاطم الزهراء قومي وانظري *** وجهَ الحسين له الصعيد مصافح

أكفانه نسجُ الغبار وغسله *** بدم الوريد ولم تنحه نوائح

وشبوله نهب السيوف تزورها *** بين الطفوف فراعلٌ وجوارح

وعلى السنانَ سنان رافع رأسه *** ولجسمه خيل العداة روامح

والوحش يندب وحشةً لفراقه *** والجنّ إن جنّ الظلام نوايح

والأرض ترجف والسماء لأجله *** تبكي معاً والطير غادٍ رايح

والدهر من عظم الشجى شق الردا *** أسفاً عليه وفاض جفنٌ دالح (1)

يا للرجال لظلم آل محمّد *** ولأجل ثارهم وأين الكادح؟

ص: 244


1- الدالح : كثير الماء.

يُضحى الحسين بكربلاء مرملا *** عريان تكسوه التراب صحاصحُ

وعياله فيها حيارى حسّرٌ *** للذل في أشخاصهنّ ملامح

يُسرى بهم أسرى إلى شرّ الورى *** من فوق أقتاب الجمال مضابح

ويُقاد زين العابدين مغلّلاً *** بالقيد لم يشفق عليه مسامح

ما يكشف الغمّاء إلا نفحةٌ *** يحيى بها الموتى نسيم نافح

نبويّةٌ علويّةٌ مهديّةٌ *** يشفى بريّاها العليل البارح

يضحى مناديها ينادي : يا لثا *** رات الحسين وذاك يومٌ فارح

والجنّ والأملاك حول لوائه *** والرعب يقدم والحتوف تُناوح

ووفي جذعيهما *** خفضاً ونصب الصلب رفع فاتح

وووالإثم وال- *** -عدوان في ذلّ الهوان شوائح

لعنوا بما اقترفوا وكلّ جريمة *** شبّت لها منهم زنادٌ قادح

يا بن النبي صبابتي لا تنقضي *** كمداً وحزني في الجوانح جانح

أبكيكم بمدامع تترى إذا *** بخل السحاب لها انصبابٌ سافح

فاستجلِ مع مولاك عبد ولاك مَن *** لولاك ما جادت عليه قرايح

برسيّة كملت عقود نظامها *** حليّة ولها البديع وشايح

مدّت إليك يداً وأنت منيلها *** يا بن النبيّ وعن خطاها صافح

يرجو بها ( رجب ) القبول إذا أتى *** وهو الذي بك واثق لك مادح

أنت المعاذ لدى المعاد وأنت لي *** إن ضاق بي رحب البلاد الفاسح

صلّى عليك اللّه ما سكب الحيا *** دمعاً وما هبّ النسيم الفائح

وللحافظ البرسي :

ما هاجني ذكر ذات البان والعلم *** ولا السلام على سلمي بذي سلمِ

ص: 245

ولا صبوت لصبّ صاب مدمعه *** من الصبابة صبّ الوابل الرزمِ

ولا على طلل يوماً أطلت بهِ *** مخاطباً لأهيل الحيّ والخيمِ

ولاتمسّكت بالحادي وقلت له : *** إن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلم

لكن تذكرت مولاي الحسين وقد *** أضحى بكرب البلا في كربلاء ظمي

ففاض صبري وفاض الدمع وابت- *** -عد الرقاد واقترب السهاد بالسقم

وهامَ إذ همت العبرات من عدم *** قلبي ولم استطع مع ذاك منعَ دمي

لم أنسه وجيوش الكفر جائشة *** والجيش في أمل والدين في ألم

تطوف بالطف فرسان الضلال به *** والحق يسمع والأسماع في صمم

وللمنايا بفرسان المنى عجلٌ *** والموت يسعى على ساقٍ بلا قدم

مُسائلاً ودموع العين سائلة *** وهو العليم بعلم اللوح والقلم

ما إسم هذا الثرى يا قوم! فابتدروا *** بقولهم يوصلون الكلم بالكلم :

بكربلا هذه تدعى فقال : أجل *** آجالنا بين تلك الهضب والاكم

حطو الرحال فحال الموت حلّ بنا *** دون البقاء وغير اللّه لَم يدم

يا للرجال لخطب حلّ مخترم الآ *** جال معتدياً في الأشهر الحرم

فها هنا تصبح الاكباد من ظمأٍ *** حرّى وأجسادها تروى بفيض دم

وها هنا تصبح الأقمار آفلة *** والشمس في طفل والبدر في ظلم

وها هنا تملك السادات أعبدها *** ظلماً ومخدومها في قبضة الخدم

وها هنا تصبح الأجساد ثاويةً *** على الثرى مطعماً للبوم والرخم

وها هنا بَعد بُعد الدار مدفننا *** وموعد الخصم عند الواحد الحكم

وصاح بالصحب هذا الموت فابتدروا *** أُسداً فرائسها الآساد في الأجم

من كل أبيض وضّاح الجبين فتىً *** يغشى صلى الحرب لا يخشى من الضرم

من كلّ منتدبٍ لله محتسبٍ *** في اللّه منتجب باللّه معتصم

وكلّ مصطلم الأبطال مصطلم *** الآجال ملتمس الآمال مستلم

ص: 246

وراح ثمّ جواد السبط يندبه *** عالي الصهيل خليّاً طالب الخيم

فمذ رأته النساء الطاهرات بدا *** يكادم الأرض في خدّ له وفم

برزن نادبةً حسرى وثاكلةً *** عبرى ومعلولة بالمدمع السجم

فجئن والسبط ملقىً بالنصال أبت *** مِن كفّ مستلمٍ أو ثغرِ ملتثمِ

والشمر ينحر منه النحر من حنقٍ *** والأرض ترجف خوفاً مِن فعالهم

فتستر الوجهَ في كمّ عقيلته *** وتنحني فوق قلبٍ واله كلم

تدعو أخاها الغريب المستظام أخي *** ياليت طرف المنايا عن عُلاك عَم

من اتكلت عليه في النساء ومَن *** أوصيت فينا ومن يحنو على الحرم؟

هذي سكينة قد عزّت سكينتها *** وهذه فاطمٌ تبكي بفيض دم

تهوي لتقبيله والدمع منهمرٌ *** والسبط عنها بكرب الموت في غمم

فيمنع الدم والنصل الكسير به *** عنها فتنصلّ لم تبرح ولم ترم

تضمّه نحوها شوقاً وتلثمه *** ويخضب النحر منه صدرها بدم

تقول من عظم شكواها ولوعتها *** وحزنها غير منقضٍّ ومنفصم

: أخي لقد كنت نوراً يستضاء به *** فما لنور الهدى والدين في ظلم

أخي لقد كنت غوثاً للأرامل يا *** غوث اليتامى وبحر الجود والكرم

يا كافلي هل ترى الأيتام بعدك في *** أسر المذلّة والاوصاب والالم

يا واحدي يابن أمّي يا حسين لقد *** نال العدى ما تمنّوا من طلابهم

وبرّدوا غلل الأحقاد من ضغنٍ *** وأظهروا ما تخفّى في صدورهم

أين الشفيق وقد بان الشقيق وقد *** جار الرفيق ولجّ الدهر في الازم

مات الكفيل وغاب الليث فابتدرت *** عرج الضباع على الأشبال في نهم

وتستغيث رسول اللّه صارخةً : *** يا جدّ أين الوصايا في ذوي الرحم؟

يا جدّ لو نظرت عيناك من حزن *** للعترة الغرّ بعد الصون والحشم

مُشرّدين عن الأوطان قد قهروا *** ثكلى أسارى حيارى ضرّجوا بدم

ص: 247

يسرى بهنّ سبايا بعد عزّهم *** فوق المطايا كسبي الروم والخدم

هذا بقيّة آل اللّه سيّد أهل *** الارض زينُ عباد اللّه كلّهم

نجل الحسين الفتى الباقي ووارثه *** والسيد العابد السجاد في الظلم

يساق في الأسر نحو الشام مهتظماً *** بين الأعادي فمن باكٍ ومبتسم

أين النبيّ وثغر السبط يقرعه *** يزيد بغضاً لخير الخلق كلّهم؟

أينكث الرجس ثغراً كان قبّله *** من حبّه الطهر خير العرب والعجم؟

ويدّعي بعدها الإسلام من سفه *** وكان أكفر من عاد ومن إرم؟

يا ويله حين تأتي الطُهر فاطمة *** في الحشر صارحةً في موقف الأمم

تأتي فيطرق أهل الجمع أجمعهم *** منها حياءً ووجه الأرض في قتم

وتشتكي عن يمين العرش صارخة *** وتستغيث إلى الجبّار ذي النقم

هناك يظهر حكم اللّه في ملأ *** عضّوا وخانوا فيا سحقاً لفعلهم

وفي يديها قميصٌ للحسين غدا *** مضمّخاً بدم قرناً إلى قَدم

أيا بني الوحي والذكر الحكيم ومَن *** ولاهم أملي والبرء من ألمي

حزني لكم أبداً لا ينقضي كمداً *** حتى الممات وردّ الروح في رمم

حتّى تعود إليكم دولةُ وعدت *** مهديّة تملأ الأقطار بالنعم

فليس للدين من حامٍ ومُنتصر *** إلا الإمام الفتى الكشاف للظلم

القائم الخلف المهدي سيّدنا *** الطاهر العلم ابن الطاهر العلم

بدر الغياهب تيّار المواهب من- *** -صور الكتائب حامي الحلّ والحرم

يابن الامام الزكيّ العسكريّ فتى *** الهادي التقيّ عليّ الطاهر الشيم

يابن الجواد ويا نجل الرضاء ويا *** سليل كاظم غيظ مَنبع الكرم

خليفة الصادق المولى الذي ظهرت *** علومه فأنارت غيهب الظلم

خليفة الباقر المولى خليفة زين *** العابدين عليّ طيّب الخيم

نجل الحسين شهيد الطف سيّدنا *** وحبّذا مفخر يعلو على الأمم

ص: 248

نجل الحسين سليل الطهر فاطمة *** وابن الوصيّ عليّ كاسر الصنمِ

يا بن النبي ويا بن الطهر حيدرة *** يابن البتول ويابن الحلّ والحرم

أنت الفخار ومعناه وصورته *** ونقطة الحكم لا بل خطّة الحكم

أيّامك البيض خضرٌ فهي خاتمة *** الدنيا وختم سعود الدين والامم

متى نراك فلا ظُلمٌ ولا ظلم *** والدين في رَغد والكفر في رغم؟

أقبل فسيل الهدى والدين قد طمست *** ومسّها نصب والحق في عدم

يا آل طاها ومَن حبّي لهم شرفٌ *** أعدّه في الورى من أعظم النعم

إليكم مدحةٌ جاءت منظّمة *** ميمونة صغتها من جوهر الكلم

بسيطة إن شذت أو انشدت عطرت *** بمدحكم كبساط الزهر منخرم

بكراً عروساً ثكولاً زفّها حزنٌ *** على المنابر غير الدمع لم تسم

يرجو بها ( رجب ) رَحب المقام غداً *** بعد العناء غناء غير منهدم

يا سادة الحق مالي غيركم أملٌ *** وحبّكم عدّتي والمدح معتصمي

ما قدر مدحي والرحمن مادحكم *** في هل أتى قد أتى مع نون والقلم

حاشاكم تحرموا الراجي مكارمكم *** ويرجع الجارُ عنكم غيرَ محترم

أو يختشي الزلّة ( البرسيّ ) وهو يرى *** ولاكم فوق ذي القربى وذي الرحم

إليكم تحف التسليم واصلةٌ *** ومنكم وبكم أنجو من النقم

صلّى الإله عليكم ما بدا نسمٌ (1) *** وما أتت نسمات الصبح في الحرم

وللشاعر رائية غراء يمدح بها أميرالمؤمنين علیه السلام خمّسها ابن السبعي :

أعيت صفاتك أهل الرأي والنظر *** وأوردتهم حياض العجز والخطر

ص: 249


1- النسم جمع نسمة : الانسان أو كل ذي روح.

أنت الذي دق معناه لمعتبر *** يا آية اللّه بل يا فتنة البشر

وحجة اللّه بل يا منتهى القدر

عن كشف معناه ذو الفكر الدقيق وهن *** وفيك رب العلا أهل العقول فتن

أنى بحدّك يا نور الإله فطن *** يا من اليه اشارات العقول ومن

فيه الألبّاء تحت العجز والخطر

ففي حدوثك قوم في هواك غووا *** إن أبصروا منك أمراً معجزاً فغلوا

حيرت أذهانهم يا ذا العلا فعلوا *** هيمت أفكار ذي الافكار حين رأوا

آيات شأنك في الأيام والعصر

أوضحت للناس أحكاماً محرفة *** كما أتيت أحاديث مصحفة

انت المقدم اسلافاً وسالفة *** يا أولا آخراً نوراً ومعرفة

يا ظاهراً باطناً في العين والأثر

يا مطعم القرص للعافي الاسير وما *** ذاق الطعام وأمسى صائماً كرما

ومرجع القرص إذ بحر الظلام طما *** لك العبارة بالنطق البليغ كما

لك الإشارة في الآيات والسور

أنوار فضلك لا تطفى لهن عدا *** مما يكتمه أهل الضلال بدا

تخالفت فيك أفكار الورى أبدا *** كم خاض فيك أناس وانتهى فغدا

معناك محتجباً عن كل مقتدر

لولاك ما اتسقت للطهر ملته *** كلا ولا اتضحت للناس شرعته

ص: 250

ولا انتفت عن اسير الشك شبهته *** أنت الدليل لمن حارث بصيرته

في طيّ مشتبكات القول والعبر

أدركت مرتبة ما الوهم يدركها *** وخضت من غمرات الحرب مهلكها

مولاي يا مالك الدنيا وتاركها *** أنت السفينة مَن صدقاً تمسّكها

نجا ومن حاد عنها خاض في الشرر

من نور فضلك ذو الأفكار مقتبس *** ومن معالم ربّ العلم مختلس

لولا بيانك أمر الكل ملتبس *** فليس قبلك للافكار ملتمس

وليس بعدك تحقيق لمعتبر

جاءت بتأميرك الآيات والصحف *** فالبعض قد آمنوا والبعض قد وقفوا

لولاك ما اتفقوا يوماً ولا اختلفوا *** تفرق الناس إلا فيك وائتلفوا

فالبعض في جنّة والبعض في سقر

خير الخليقة قوم نهجك اتبعت *** وشرّها مَن على تنقيصك اجتمعت

وفرقة أولت جهلاً لما سمعت *** فالناس فيك ثلاث فرقة رفعت

وفرقة وقعت بالجهل والقذر

يا ويحها فرقة ما كان يمنعها *** لو أنها اتبعت ما كان ينفعها

يا فرقة غيّها بالشوم موقعها *** وفرقة وقعت لا النور يرفعها

ولا بصائرها فيها بذي عور

بعظم شأنك كل الصحف تعترف *** ومن علومك رب العلم يغترف

ص: 251

لولاك ما اصطلحوا يوماً وما اختلفوا *** تصالح الناس إلا فيك واختلفوا

إلا عليك وهذا موضع الخطر

جائت بتعظيمك الآيات والسور *** فالبعض قد آمنوا والبعض قد كفروا

والبعض قد وقفوا جهلا وما اختبروا *** وكم أشاروا؟ وكم أبدوا؟ وكم ستروا؟

والحق يظهر من بادٍ ومستتر

أقسمت باللّه باري خلقنا قسما *** لولاك ما سمّك اللّه العلي سما

يا من له اسم بأعلى العرش قد رسما *** أسماؤك الغر مثل النيرات كما

صفاتك السبع كالأفلاك ذي الأكر

انت العليم اذا رب العلوم جهل *** إذ كل علم فشا في الناس عنك نقل

وانت نجم الهدى تهدي لكل مضل *** وولدك الغر كالابراج في فلك ال

معنى وانت مثال الشمس والقمر

أئمة سور القرآن قد نطقت *** بفضلهم وبهم طرق الهدى اتسقت

طوبى لنفس بهم لا غيرهم وثقت *** قومٌ هم الآل آل اللّه من علقت

بهم يداه نجى من زلة الخطر

عليهم محكم القرآن قد نزلا *** مفصلاً من معاني فضلهم جملا

هم الهداة فلا تبغي لهم بدلا *** شطر الامانة معراج النجاة إلى

أوج العلوم وكم في الشطر من غير؟

بلطف سرك موسى فجّر الحجرا *** وأنت صاحبه إذ صاحب الخضر

ص: 252

وفيك نوح نجا والفلك فيه جرا *** يا سرّ كل نبي جاء مشتهرا

وسر كل نبي غير مشتهر

يلومني فيك ذو جهل أخو سفه *** ولا يضر محقّاً قول ذي شبه

ومن تنزه عن ندٍّ وعن شبه *** اجلّ وصفك عن قدر لمشتبه

وانت في العين مثل العين في الصور

وقوله في أهل البيت علیهم السلام خمّسها الشاعر المفلق الشيخ احمد بن الشيخ حسن النحوي

ولائي لآل المصطفى وبنيهم *** وعترتهم أزكى الورى وذويهمُ

بهم سمة من جدهم وأبيهم *** هم القوم انوار النبوة فيهم

تلوح وآثار الإمامة تلمع

نجوم سماء المجد اقمار تمّه *** معالم دين اللّه أطواد حلمه

منازل ذكر اللّه حكام حكمه *** مهابط وحي اللّه خزان علمه

وعندهم سر المهيمن مودع

مديحهم في محكم الذكر محكم *** وعندهم ما قد تلقاه آدم

فدع حكم باقي الناس فهو تحكّم *** إذا جلسوا للحكم فالكل أبكم

وإن نطقوا فالدهر اذن ومسمع

بحبهم طاعاتنا تتقبل *** وفي فضلهم جاء الكتاب المنزّل

ص: 253

يعمّ نداهم كل أرض ويشمل *** وإن ذكروا فالكون ندّ ومندل

لهم أرج من طيبهم يتضوع

دعا بهم موسى ففرج كربه *** وكلمه من جانب الطور ربه

إذا حاولوا أمراً تسهل صعبه *** وإن برزوا فالدهر يخفق قلبه

لسطوتهم والاسد في الغاب تفزغ

فلولاهم ما سار فلك ولا جرى *** ولا ذرء اللّه الأنام ولا برى

كرام متى ما زرتهم عجلوا القرى *** وإن ذكر المعروف والجود في الورى

فبحر نداهم زاخر يتدفع

أبوهم أخو المختار طه ونفسه *** وهم فرع دوحٍ في الجلالة غرسه

وأمهم الزهراء فاطم عرسه *** أبوهم سماء المجد والام شمسه

نجوم لها برج الجلالة مطلع

لهم نسب أضحى بأحمد معرقا *** رقا منه للعلياء أبعد مرتقى

وزادهم من رونق القدس رونقا *** فيا نسباً كالشمس أبيض مشرقاً

ويا شرفاً من هامة النجم أرفع

كرامٌ نماهم طاهر متطهر *** وبثّ بهم من احمد الطهر عنصر

وأمهم الزهراء والأب حيدر *** فمن مثلهم في الناس إن عدّ مفخر

أعد نظراً يا صاح إن كنت تسمع

على امير المؤمنين أميرهم *** وشبّرهم أصل التقى وشبيرهم

ص: 254

بهاليل صوامون فاح عبيرهم *** ميامين قوامون عزّ نظيرهم

هداة ولاة للرسالة منبع

مناجيب ظل اللّه في الارض ظلهم *** وهم معدن للعلم والفضل كلهم

وفضلهم أحيى البرايا وبذلهم *** فلا فضل إلا حين يذكر فضلهم

ولاعلم إلا علمهم حين يرفع

إليهم يفر الخاطئون بذنبهم *** وهم شفعاء المذنبين لربهم

فلا طاعة ترضي لغير محبّهم *** ولا عمل نيجي غداً غير حبّهم

إذا قام يوم البعث للخلق مجمع

حلفت بمن قد أمّ مكة وافدا *** لقد خاب مَن قد كان للآل جاحدا

ولو أنه قد قطع العمر ساجدا *** ولو أن عبداً جاء لله عابداً

بغير ولى أهل العبا ليس ينفع

بني احمد مالي سواكم أرى غدا *** إذا جئت في قيد الذنوب مقيدا

أناديكم يا خير من سمع الندا *** ايا عترة المختار يا راية الهدى

إليكم غداً في موقفي أتطلع

فو اللّه لا أخشى من النار في غدٍ *** وأنتم ولاة الأمر يا آل أحمد

وها أنا قد أدعوكم رافعاً يدي *** خذوا بيدي يا آل بيت محمّد

فمن غيركم يوم القيامة يشفع

وله في اهل البيت علیهم السلام

ص: 255

سرّكم لا تناله الفكر *** وأمركم في الورى له خطر

مستصعب فكّ رمزه خطر *** ووصفكم لا يطيقه البشر

ومدحكم شرّفت به السور

وجودكم للوجود علّته *** ونوركم للظهور آيته

وأنتم للوجود قبلته *** وحبكم للمحب كعبته

يسعى بها طائفاً ويعتمر

لولاكم ما استدارت الاكر *** ولا استنارت شمس ولا قمر

ولا تدلّى غصنٌ ولا ثمر *** ولا تندّى ورقٌ ولا خضر

ولا سرى بارق ولا مطر

عندكم في الاياب مجمعنا *** وأنتم في الحساب مفزعنا

وقولكم في الصراط مرجعنا *** وحبكم في النشور ينفعنا

به ذنوب المحب تغتفر

يا سادة قد زكت معارفهم *** وطاب اصلا وساد عارفهم

وخاف في بعثه مخالفهم *** إن يختبر للورى صيارفهم

فأصلهم بالولاء يُختبر

أنتم رجائي وحبكم أملي *** عليه يوم المعاد متكلي

فكيف يخشى حر السعير ولي *** وشافعاه محمد وعلي

أو يعتريه من شرها شرر

ص: 256

عبدكم الحافظ الفقير على *** أعتاب أبوابكم يروم فلا

تخيبوه يا سادتي أملا *** وأقسموه يوم المعاد الى

ظل ظليل نسيمه عطرا

صلى عليكم رب السماء كما *** أصفاكم واصطفاكم كرما

وزاد عبدا والاكم نعما *** ما غرّد الطير في الغصون وما

ناح حمام وأورق الشجر

وله في العترة الطاهرة

إذا رمتَ يوم البعث تنجو من اللظى *** ويقبل منك الدين والفرض والسنن

فوال علياً والأئمة بعده *** نجوم الهدى تنجو من الضيق والمحن

فهم عترة قد فوض اللّه أمره *** إليهم لما قد خصهم منه بالمنن

أئمة حق أوجب اللّه حقهم *** وطاعتهم فرص بها الخلق تمتحن

نصحتك أن ترتاب فيهم فتنثني *** الى غيرهم من غيرهم في الانام من؟

فحب علي عدة لوليه *** يلاقيه عند الموت والقبر والكفن

كذلك يوم البعث لم ينج قادم *** من النار إلا من تولى أبا الحسن

وقال يمدح الامام أمير المؤمنين

يا منبع الاسرار يا *** سرّ المهيمن في الممالك

يا قطب دائرة الوجود *** وعين منبعه كذلك

والعين والسر الذي *** منه تلقنت الملائك

ص: 257

ما لاح صبح في الدجى *** إلا واسفر عن جمالك

يا بن الأطايب والطواهر *** والفواطم والعواتك

أنت الامان من الردى *** أنت النجاة من المهالك

أنت الصراط المستقيم *** قسيم جنات الأرائك

والنار مفزعها إليك *** وأنت مالك أمر مالك

يا من تجلّى بالجمال *** فشق بردة كل حالك

صلى الاله عليك من *** هادٍ الى خير المسالك

والحافظ البرسي لا *** يخشى وأنت له هنالك

ص: 258

محمد بن الحسن العليف

لمحمد بن الحسن العليف قصائد في اهل البيت كثيرة ، وهو

المتوفي 815

أقول قول صادق *** لا كاذب ومدّعي

سمت علت بي همتي *** الى المحلّ الأرفع

بالمصطفى محمد *** وبالبطين الانزع

بخمسة ما بعدهم *** لطامع من مطمع

مَن طهروا وشرفوا *** على الورى بالاجمع

فاحكم بفضلهم على *** سواهم واقطع

الماء هم وغيرهم *** سراب قاع بلقع

خير ملاذ للورى *** وعصمة ومفزع

في المحل والقحط لنا *** مثل الغيوث الهمع (1)

أبرّ بالأمة من *** امٍ بطفل مرضع

ص: 259


1- مطالع البدور ومجمع البحور للقاضي صفي الدين احمد بن صالح اليماني - مخطوط - مكتبة كاشف الغطاء العامة.

عروتي الوثقى هم *** وعصمتي ومنجعي

وان سألت خالقي *** شيئاً بهم لم أمنع

وإن ذكرت فضلهم *** دمعت كل مدمع

آمنني اللّه بهم *** من خوف يوم المفزع

وأحسن اللّه بهم *** منقلبي ومرجعي

وبرد اللّه بهم *** في وسط قبري مضجعي

ورفع اللّه بهم *** منزلتي وموضعي

فليت أهلي كلهم *** وليت اخواني معي

لكن مَن منحته *** نصحي له لم يسمع

اذا ذكرت طفّهم *** فاضت عليه أدمعي

كم طلّ فيه لهم *** من مقتل ومصرع

رؤوسهم على القنا *** مثل النجوم الطُلّع

بدرهم أمامهم *** رأس الامام الارفع

رؤوس خير سجّد *** لربهم وركّع

كم فيهم من قائِمٍ *** لربه لم يهجع

لم تغرب الشمس على *** مثلهم وتطلع

وزينبٌ بينهم *** على قعود جدّع

قد جردوها - لعنوا - *** من الردى والمقنع

تصيح يا أمّ انظري *** حالي ويا أم اسمعي

وليس منهم أحد *** يسمعها ولا يعي

يا قلب ذُب عليهم *** يا كبدي تقطعي

العن يزيداً كلما *** ذكرته وابن الدعي

بعبرة سايلةٍ *** مني وقلب موجع

ص: 260

محمد بن الحسن العليف

وليّ آل محمد بليغ البطحاء محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن احمد بن مسلم بن محيى ( بضم الميم كمعلى ) المعروف بالعُليف ( تصغير علف ) الشراحيلي الحكمي العكي العدناني الحلوي ( نسبة الى مدينة حلّى ) مولده سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بحُلي بلاد بني يعقوب وتردد بمكة غير مرة وسمع في بعض مقدماته على الغر بن جماعة وقرض الشعر وفاق اقرانه ونظم كثيراً وكان يستحسن شعر نفسه ويعظمها على المتنبي وابي تمام ونحوهما.

وانقطع الى الشريف حسن بن عجلان نحو اثنتي عشرة سنة فوصله بصلات سنيّة وله فيه قصائد كثيرة حسنة ومدح اشراف مكة ورؤساء ينبع والامام الناصر لدين اللّه صلاح الدين محمد بن علي بن محمد وقدم اليه الى صنعاء ، وكان بينه وبين النوبختي شاعر مكة مهاجاة اقذع النشوشا عليه وذكر أنه رأى في النوم وهو صبي قائلاً يقول : انا نجي البحتري وأنا نجيك فقال له العليف :

الحمد لله الذي ارتجلك جذعاً وارتجلتك بازلاً ومما يستحسن من شعره قوله في الامام صلاح بن علي.

يا وجه آل محمد في وقته *** لم يبق بعدك منهم إلا قفا

لو كانت الابرار آل محمد *** كتب العلوم لكنت انت المصحفا

أو كانت الاسباط آل محمد *** يا بن الرسول لكنت فيهم يوسفا

قال بعض الادباء المكيين وهو صاحب اللامية التي أولها.

ص: 261

جادك الغيث من طلول بوالي

كبروج من النجوم خوالي

قال هي لمحمد هذا لا كما زعمه بعضهم لعلي بن محمد. قلت وقد ذكرها السخاوي في الضوء اللامع عند اسم محمد هذا.

قال ويحكى انه لما فرغ من انشادها قال الامام احسنت لا كما قال الفاسق ابو نواس.

صدح الديك الصدوح *** فاسقني طاب الصبوح

فقال ما ينفعني من الامام هذا إنما أريد منك حكمك بتفضيلي المتنبي فقال الامام ليس هذا اليّ ، هذا الى السيد المطهر صاحب حسن القصر فانه هو المشار إليه في علم الادب فقام اليه وعرض عليه ذلك باشارة الامام وانشده للمتنبي ابياتاً منها.

افي كل يوم تحت ضبعي شويعر *** ضعيف يقاويني قصير يطاول

والمنشد العليف فضحك السيد لان ابن العليف كان قصيرا.

وفي هدية العارفين ج 2 ص 180.

محمد بن احمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن احمد المكي الشافعي الشهير بابن العليف المتوفي سنة 815.

اديب شاعر توفي بمكة.

وجاء في العقد الثمين في تاريخ البلد الامين - الجزء الأول ص 471.

ص: 262

محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن احمد بن مسلّم - بتشديد اللام - العدناني الحلوي.

يلقب بالجمال. ويعرف بابن العليف الشاعر. نزيل مكة وكان كثير الشعر يقع له فيه اشياء مستحسنة ، وكان يغلو في استحسانها ، بحيث يفضل نفسه فيها على المتنبي وابي تمام. وعيب عليه ذلك مع اشعار له تدل على غلوه في التشيع ، وله مدائح كثيرة في جماعة من الاعيان منهم : الاشرف صاحب اليمن ، والامام صلاح بن علي الزيدي صاحب صنعاء ، وامراء مكة : الشريف عجلان بن رميثة ، وأولاده الامراء شهاب الدين أحمد ، وعلاء الدين علي ، وبدر الدين حسن ، وابن عمهم عنان بن مغامس.

واجازه عنان على بعض قصائده فيه. وهي التي أولها.

بروج زاهرات أو مغاني

بثمانية وعشرين ألف درهم على ما بلغني.

ونال أيضا من الشريف حسن : صلات جيدة وله فيه مدائح كثيرة حسنة. وانقطع اليه في آخر عمره نحو اثنتي عشرة سنة حتى مات بمكة في ليلة الجمعة سابع رجب سنة خمس عشرة وثمانمائة. ودفن في صبيحتها بالمعلاة.

ومولده سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بحُلى.

أقول وروى شعره في الامام صلاح بن على كما مرّ.

وفي نظم العقيان في اعيان الاعيان للسيوطي ص 106 ترجمة لولد الشاعر قال فيها :

ص: 263

ابن العليف المكي ، الشاعر حسين بن محمد.

حسين بن محمد حسن بن عيسى بن محمد أحمد بن مسلّم ، بدر الدين الحلوى ، الشافعي ، المعروف بابن العليف ، شاعر البطحاء.

ولد سنة أربع وتسعين وسبعمائة وسمع على المراغي وغيره وكان عالماً فاضلاً أديباً مفتيا مات في محرم سنة ست وخمسين وثمانمائة ومن نظمه.

سل العلماء بالبلد الحرام *** وأهل العلم في يمن وشام

أقول وهذا هو ولد المترجم له.

ص: 264

ابن المتوج البحراني

المتوفي سنة 820

ألا نوحوا وضجوا بالبكاء *** على السبط الشهيد بكربلاء

الا نوحوا بسكب الدمع حزناً *** عليه وامزجوه بالدماء

الا نوحوا على مَن قد بكاه *** رسول اللّه خير الأنبياء

ألا نوحوا على مَن قد بكاه *** عليُ الطهر خير الأوصياء

الا نوحوا على مَن قد بكته *** حبيبة احمد خير النساء

ألا نوحوا على مَن قد بكاه *** لعظم الشجو أملاك السماء

ألا نوحوا على قمر منير *** عراه الخسف من بعد الضياء

ألا نوحوا لخامس آل طه *** ويسين وأصحاب العباء

ألا نوحوا على غصن رطيب *** ذوي بعد النضارة والبهاء

ألا نوحوا على شرف القوافي *** ومفتخر القوافي والثناء

ألا يا آل ياسين فؤادي *** لذكر مصابكم حلف العناء

ص: 265

فأنتم عدة لي في معادي *** إذا حضر الخلائق للجزاء

فما أرجو لآخرتي سواكم *** وحاشا أن يخيب بكم رجائي

أنا ابن متوج توجتموني *** بتاج الفخر طراً والبهاء

صلاة اللّه ذي الألطاف تترى *** عليكم بالصباح وبالمساء

ولعنته على قوم أباحوا *** دماءكم بظلم وافتراء

ص: 266

جمال الدين ابن المتوج

الشيخ أبو الناصر جمال الدين أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن علي بن الحسن ابن المتوج البحراني المعروف بابن المتوج.

توفي سنة 820 وقبره بجزيرة ( أكل ) بضم الهمزة والكاف ، وهي المشهورة الآن بجزيرة النبي صالح من بلاد البحرين في المشهد المعروف بمشهد النبي صالح علیه السلام . وكان عالماً فاضلاً أديباً ماهراً ، له شعر كثير ومؤلفات قيمة في علوم القرآن وفي العقائد ، نظم مقتل الحسين علیه السلام شعراَ ، أقول ربما وقع سهواً من بعض المترجمين الاشتباه بين صاحب الترجمة وبين معاصره الشيخ فخر الدين احمد بن عبد اللّه بن سعيد بن المتوج البحراني فقد صرح شيخنا صاحب الذريعة انهما اثنان : أحدهما جمال الدين احمد بن عبد اللّه ابن محمد بن علي بن الحسن بن المتوج البحراني. والثاني فخر الدين احمد بن عبد اللّه بن سعيد بن المتوج ، ولكل منهما مؤلفات.

وقد ذكر السيد الأمين في الاعيان لكل منهما ترجمة على حدة في الجزء التاسع.

وجاء في الكنى : هو الشيخ فخر الدين احمد بن عبد اللّه بن سعيد المتوج البحراني ، من علماء الامامية ، عالم بالعلوم العربية والأدبية ، فاضل فقيه مفسر أديب شاعر معروف بالعلم والتقوى صاحب المؤلفات الكثيرة ، كان من أجلاء تلامذة الشهيد وفخر المحققين ومن مشايخ ابن فهد الحلي ، وله

ص: 267

أشعار في رثاء الأئمة علیهم السلام ، اورد بعضها الشيخ الطريحي في المنتخب وينسب اليه القول باشتراط علم الفصاحة والبلاغة في الاجتهاد ونقل من غابة حفظه انه ما فطن شيئا فنسيه ، ووالده الشيخ عبد اللّه أيضا من الفضلاء الفقهاء الادباء الشعراء ، وكذا ولده ناصر بن احمد رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين.

ص: 268

الحسن بن راشد الحلي

كان حياً 830

قال من قصيدة

لم أنسه في فيافي كربلاء وقد *** حام الحِمام وسُدّت أوجه الحيل

في فتية من قريش طاب محتدها *** تغشى القراع ولا تخشى من الاجل

من كل مكتهل في عزم مقتبل *** وكل مقتبل في حزم مكتهل

قرم اذا الموت أبدى عن نواجذه *** ثنى له عطف مسرور به جذل

ص: 269

الشيخ تاج الدين الحسن بن راشد الحلي

كان حياً سنة 830 قال السيد الامين : والحسن بن محمد بن راشد هو واحد فلا يظن احد أنهما اثنان قال عنه هو من اكابر العلماء ، له مؤلفات وتحقيقات عدّدها السيد الامين.

وقال الشيخ الحر العاملي في ( امل الآمل ) : الحسن بن راشد ، فاضل فقيه ، شاعر اديب ، له شعر كثير في مدح المهدي وسائر الأئمة علیهم السلام ، ومرثية الحسين (عليه السلام) ، وارجوزة في تاريخ الملوك والخلفاء ، وارجوزة في تاريخ القاهرة ، وارجوزة في نظم ألفية الشهيد ، وغير ذلك.

قال الشيخ اليعقوبي : قلت وله ارجوزة في الصلاة ذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة مع ما تقدم من أراجيزه كما ذكر في الجزء الخامس من الذريعة ارجوزته المسماة بالجمانة البهية في نظم الالفيّة الشهيدية ، وتكلم بالتحقيق عنها وعن ناظمها كثيراً.

وذكره صاحب رياض العلماء في موضعين من كتابه ، فالأول بقوله : الشيخ تاج الدين الحسن بن راشد الحلي الفاضل العالم الشاعر من أكابر الفقهاء وهو من المتأخرين عن الشهيد بمرتبتين والظاهر انه معاصر لابن فهد ورأيت بعض أشعاره في مدح الأئمة في بلدة أردبيل ورأيت أيضا قصيدة له في الرد على من ذكر في تاريخ له مدح معاوية وملوك بني امية وكانت بخط الشيخ محمد الجباعي جد البهائي ، وفي مجموعة اخرى بخط الشيخ عبد الصمد ولد الشيخ

ص: 270

محمد المذكور وظني انه بعينه الشيخ حسن بن محمد بن راشد صاحب كتاب مصباح المهتدين في أصول الدين وقد رأيت صورة لخط الشيخ حسن بن راشد هذا في آخر كتاب المصباح الكبير للشيخ الطوسي بهذه العبارة : بلغت المقابلة بنسخة مصصحة وقد بذلنا الجهد في تصحيحه واصلاح ما وجد فيه من الغلط إلا ما زاغ عنه البصر وحسر منه النظر وفي المقابل بها بلغت مقابلة بنسخة صحيحة بخط الشيخ علي بن احمد الرميلي وذكر انه نقل نسخته تلك من خط علي بن محمد السكوني وقابلها بها بالمشهد الحائري الحسيني. وكان ذلك في 17 شعبان من سنة 830 كتبه الفقير الى اللّه الحسن بن راشد -.

وذكره ثانياً بقوله : الحسن بن محمد بن راشد المتكلم الفاضل الجليل الفقيه الشاعر المعروف بابن راشد الحلي كان من أكابر العلماء وهو متأخر الطبقة عن الشهيد ورأيت في أستراباد من مؤلفاته مصباح المهتدين في أصول الدين جيد حسن المطالب وتاريخ كتابة النسخة سنة 883 ( والمراد أنها ليست بخط المؤلف ) قال : والحق عندي اتحاده مع الشيخ تاج الدين حسن بن راشد الحلي السابق إذ عصرهما متقارب والنسبة إلى الجد شائعة.

أما ارجوزته الجمانة المتقدم ذكرها والتي قرضها استاذة المقداد السيوري فأولها كما في الاعيان :

قال الفقير الحسن بن راشد *** مبتدئاً باسم الإله الماجد

وفي الفوائد الرضوية أن تاريخ نظم الجمانة سنة 825 وعدد أبياتها 653 كما يدل عليه قوله.

وهذه الرسالة الألفية *** نظمتها بالحلة السيفية

ص: 271

في عام خمس بعد عشرين مضت *** ثم ثمان من مئات انقضت

ست مئات وثلاث ضبطا *** وبعدها خمسون تحكي سمطا

وأسأل الافاضل الائمة *** أئمة الدين هداة الأمة

أن يستروا منها بذيل العفو *** ما وجدوا من خلل أو هفو

فانه من شيمة الانسان *** بل كل منسوب الى الامكان

ويسألوا اللّه بفضل منهم *** العفو لي فاللّه يعفو عنهم

وله نفس طويل في الشعر كما تدل على ذلك قصائده ونسب اليه الجباعي في مجموعته هذين البيتين :

نعم يا سيدي أذنبت ذنباً *** حملت بفعله عبئاً ثقيلا

وها أنا تائب منه مقرٌ *** به لك فاصفح الصفح الجميلا

وهذه إحدى قصائده الحسينية رواها السيد الأمين في الاعيان :

لم يشجني رسم دار دارس الطَللِ *** ولا جرى مدمعي في اثر مرتحل

ولا تكلّف لي صحبي الوقوف على *** ربع الحبيب أرجّي البرء من عللي

ولا سألت الحيا سقيا الربوع ولا *** حللت عقد دموع العين في الحلل

ولا تعرضت للحادي اسائله *** عن هذه الخفرات البيض في الكلل

ولا أسفت على دهر لهوتُ به *** مع كل طفل كعود البانة الخضل

وافي الروادف معسول المراشف مص- *** -قول السوالف يمشي مشية الثمل

يتيه حسناً ويثني جيد جازية *** دلاً ويمزج صرف الود بالملل

ترمي لواحظه عن قوس حاجبه *** بأسهمٍ من نبال الغنج والكحل

ان قلت جسمي يبلى في هواك اسى *** من الجفا وممض الصد قال بلي

ص: 272

أو قلت برء سقامي منك في قبل *** أجاب لا ترج هذا البرء من قبلي

كأن غرته من تحت طرته *** صبح تغشاه ليل الفاحم الرجل

أو طفلة غادة خود خدّ لجةٍ *** كالشمس لكنها جلت عن الطفل

في طرفها دعج في ثغرها فلج *** في خدها ضرج من غير ما خجل

اذا انثنت بين أزهار الخمائل في *** خضر الغلائل أو حمر من الحلل

تخال غصناً وريقاً ماس منعطفا *** او ذابلاً قد تروى من دم البطل

ولا صبوت إلى صرف مصفقة *** صهباء صافية من خمر قرطبل (1)

ولم يهج حزني برق تألق من *** نجد ولا ناظر يعزى الى ثعل

ولا النسيم سرى في طي بردته *** نشر الخزامى وعرف الشيخ والنفل

مالي وللغيد والخل البعيد ولل- *** -عيش الرغيد الذي ولّى ولم يؤل

وللغواني التي بانت ونسأل عن- *** -هن المغاني وللغزلان والغزل

لي شاغل عن هوى الغيد الحسان أو ال- *** بيض الملاح بذكر الحادث الجلل

مصاب خير الورى السبط الحسين شهي- *** -د الطف نجل امير المؤمنين علي

الفارس البطل ابن الفارس البطل اب- *** -ن الفارس البطل ابن الفارس البطل

سليل حيدرٍ الهادي وفاطمة الز *** هراء أفضل سبطي خاتم الرسل

نور تكون من نورين ذاتهما *** من جوهر بمحل القدس متصل

سر الاله الذي ما زال يظهر بال- *** آيات مع انبياء الاعصر الأول

شمس الهدى علة الدنيا التي صدر ال- *** -وجود من أجلها عن علة العلل

الجوهر النبوي الاحمدي أبو ال- *** أئمة السادة الهادين للسبل

سبط النبي حبيب اللّه أشرف مَن *** يمشي على الأرض من حافٍ ومنتعل

ص: 273


1- كذا في الأصل والصواب - قطربل - بالتشديد وخففت للضرورة ، وهي قرية ينسب إليها الخمر.

به يجاب دعا الداعي وتقبل أع- *** -مال العباد ويستشفى من العلل

لله وقعة عاشوراء إن لها *** في جبهة الدهر جرحاً غير مندمل

طافوا بسبط رسول اللّه منفرداً *** في الطف خال من الخلال والخول

ابدوا خفايا حقود كان يسترها *** من قبل خوف غرار الصارم الصقل

فقاتلوه ببدر إن ذا عجب *** إذ يطلبون رسول اللّه بالذحل

لم انسه في فيافي كربلاء وقد *** حام الحِمام وسُدّت أوجه الحيل

في فتية من قريش طاب محتدها *** تغشى القراع ولا تخشى من الاجل

من كل مكتهل في عزم مقتبل *** وكل مقتبل في حزم مكتهل

قرم إذا الموت أبدى عن نواجذه *** ثنى له عطف مسرور به جذل

خواض ملحمة فياض مكرمة *** فضاض معظمة خال من الخلل

أبت له نفسه يوم الوغى شرفاً *** أن لا تسيل على الخرصان والاسل

ان طال أو صال في يومي عطا وسطا *** فالغيث في خجل والليث في وجل

قوم إذا الليل أرخى ستره انتصبوا *** في طاعة اللّه من داع ومبتهل

حتى إذا استعرت نار الوغى قذفوا *** نفوسهم في مهاوي تلكُم الشعل

جبال حلم إذا خف الوقور رست *** اسناخها وبحور العلم والجدل

في عثير كالدجى تبدو كواكبه *** من القواضب والعسالة الذبل

غمام نقع زماجير الرجال له *** رعد وصوب الدما كالعارض الهطل

حتى إذا آن حين السبط وانفصمت *** عرى الحياة ودالت دولة السفل

رموا بأسهم بغي عن قسيّ ردى *** من كفّ كفر رماها اللّه بالشلل

فغودروا في عراص الطف قاطبة *** صرعى بحدّ حسام البغي والدخل

سقوا بكاس القنا خمر الفنا فغدا الحمام *** يشدو ببيتٍ جاء كالمثل

( لله كم قمر حاق المحاق به *** وخادر دون باب الخدر منجدل )

نجوم سعد بأرض الطف آفلة *** واسد غيل دهاها حادث الغيل

ص: 274

واصبح السبط فرداً لا نصير له *** يلقى الحمام بقلب غير منذهل

يشكو الظما ونمير الماء مبتذل *** تعلّ منه وحوش السهل والجبل

صاد يصدّ عن الماء المباح ومن *** وريده مورد الخطّية الخطل

كأن صولته فيهم اذا حملوا *** عليه صولة ضرغام على همل

فلا ترى غير مقتول ومنهزم *** من فوق سابقة مكلومة الكفل

مصيبة بكت السبع الشداد لها *** دماً ورزءٌ عظيم غير محتمل

وفادح هدّ أركانَ العلى ودهى *** غرار صارم دين اللّه بالفلل

مترب الخد دامي النحر منعفر ال- *** -جبين بحر قضى ضام الى الوشل

والطاهرات بنات الطهر أحمد قد *** خرجن من خلل الاستار والكلل

لم أنس فاطمة الصغرى وقد برزت *** والسبط عنها بكرب الموت في شغل

أبي أبي كنت ظل اللائذين ومل- *** -جا العائذين وأمن الخائف الوجل

أبي أبي كنت نوراً يستضاء به *** الى الطريق الذي ينجي من الزلل

ابي ابي اظلمت من بعدكم طرق ال- *** -هدى وربع المعالي عاد وهو خلي

ابي ابي مَن لدفع الضيم نأمله *** اذا حواك الثرى واخيبة الامل

واقبلت زينب الكبرى ومقلتها *** عبرى بدمع على الخدين منهمل

يا جد هذا اخي عار تكفّنه الر *** ياح من نسجها في مطرف سمل

يا جد هذا اخي ظام وقد صدرت *** عن نحره البيض بعد العل والنهل

اخي اخي مَن يردّ الضيم عن حرم ال- *** -هادي النبي فقد امست بغير ولي

اخي بمن اتقي كيد العدى وعلى *** من اعتمادي وتعويلي ومتكلي

اخي اخي قد كساني الدهر ثوب اسى *** يحول صبغ الليالي وهو لم يحل

اخي اخي هذه نفسي لكم بدل *** لو كان يقنع صرف الدهر بالبدل

يا قوم هذا ابن خير الخلق كلهم *** وافضل الناس في علم وفي عمل

هذا لعمري هو الحق المبين ومن *** بحبه منهج الحق المبين جلي

ص: 275

هذا ابن فاطمة هذا ابن حيدرة *** له مقام كما قد تعلمون علي

باعوا بدار الفنا دار البقا وشروا *** نار اللظى بنعيم غير منتقل

يا حسرة في فؤادي لا انقضاء لها *** يزول أُحد ورضوى وهي لم تزل

بنات احمد بعد الصون في كلل *** اسرى حواسر فوق الانيق الذلل

والرأس أمسى سنان وهو يحمله *** على سنان أصم الكعب معتدل

اقسمت بالمشرفيات الرقاق وبال- *** -جرد العتاق وبالوخادة الذلل

وكل ابلج طعم الموت في فمه *** يوم الكريهة أحلى من جنى العسل

لقد نجا من لظى نار الجحيم غدا *** في الحشر كل موال للامام علي

مولى تعالى مقاما أن يحيط به *** وصف وجلّ عن الاشباه والمثل

لولا حدود مواضيه لما انتصبت *** ولا استقامت قناة الدين من ميل

سل يوم بدر وأحد والنضير وصف- *** -ين وخيبر والاحزاب والجمل

وسل به العلماء الراسخين ترى *** له فضائل ما جُمّعن في رجل

قل فيه واسمع به وانظر اليه تجد *** ملأ المسامع والافواه والمقل

زوج البتول اخي الهادي الرسول مزي- *** -ل الازل مختار رب العرش في الازل

يا من يرى انه يحصي مناقب أه- *** -ل البيت طراً على التفصيل والجمل

( لقد وجدت مكان القول ذا سعة *** فان وجدت لساناً قائلاً فقل ) (1)

اولا فسل عنهم الذكر الحكيم تجد *** ( في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل )

اليكم يا بني الزهراء قافية *** فاقت على كل ذي فكر ومرتجل

حلّية حلوة الألفاظ رائقة *** أحلى من الامن عند الخائف الوجل

بكرا مهذبة يزهى البسيط بها *** على طويل عروض الشعر والرمل

ص: 276


1- تضمين لقول المتنبي.

حسناء من حسن طالت وقصّر عن *** احسانها شعراء السبعة الطول

يرجو فتى راشد طرق الرشاد بها *** يوم المعاد ولا يخشى من الزلل

صلى عليكم إله العرش ما انتظم الن- *** -وار عند انتشار الطل في الطلل

وهذه القصيدة الثانية

اسمر رماح أم قدود موائسُ *** وبيض صفاح أم لحاظ نواعس

وسرب جوار عنّ عن أيمن الحمى *** لنا أم جوار نافرات شوامس

شوامس في حب القلوب سواكن *** وأمثالها بين الشعاب كوانس

اوانس إلا انهنّ جآذر *** جآذر الا أنهنّ اوانس

كواعب اتراب نواعم نهدٍ *** عقائل أبكار غوانٍ موائس

حسان يخالسن الحليم وقاره *** عفائف راجي الوصل منهن آيس

وتلك التي من بينهن جلت لنا *** محيّا تجلت من سناه الحنادس

كشمس تعالت عن أكف لوامسٍ *** واين من الشمس الأكف اللوامس

غزيرة سربٍ أم عَزيزة معشر *** غريزة حسن للقلوب تخالس

عليها رقيب من ضياء جبينها *** ومن عرفها والحلي واش وحارس

إذا سفرت والليل داج وداجن *** بدا الكون من لألائها وهو شامس

وان جردت بيض الظبا من جفونها *** لفتك يخشّاها الكمي المغامس

قلوب الاسود الصيد صيد لحاظها *** وها خدها مما تفيّض وارس

منعمة لم تلبس الوشي زينة *** ولكن أحبّت أن تزان الملابس

ولا قلدت درا يقاس بثغرها *** لحسن ولكن كي يذم المقايس

على مثل ما زرت عليه جيوبها *** يناقش قلب طرفه وينافس

ومن مثل ما لائت عليه خمارها *** تخامر ألباب الرجال الوساوس

ص: 277

ومن مثل ما يرتج تحت برودها *** يروح ويغدو ذو الحجى وهو بالس

غرست بلحظي الورد في وجناتها *** ولم اجن إن أجن الذي أنا غارس

نعمت بها والراح يجلو شموسها *** على أنجم الجلاس بدر مؤانس

شهي اللمى عذب المراشف فاحم *** السوالف مرتجّ الروادف مائس

طويل مناط العقد طَفل (1) ازاره *** وزناره ضدان مثر وبائس

له من اخي الخنساء قلب يضمه *** شمائل تنميها إلى اللطف فارس

دموعي واهوائي لجامع حسنه *** طلائق في شرع الهوى وحبائس

يطوف بصرف يصرف الهم كأسها *** مصفقة قد عتقتها الشمامس

على كل عصر قد تقدم عصرها *** لها فوق راحات السمات مقابس

عروس تحلى حين تجلى بجوهر ال- *** -حباب وتهوى وهي شمطاء عانس

على روضة فيحاء فياحة الشذا *** حمائمها بعض لبعض يدارس

ترف عليها السحب حتى كأنها *** بزاة قنيص والرياض طواوس

فمن فاختيّات الغمام خيامنا *** ومن سندسيات الرياض الطنافس

إذ الدهر سمع والشبيبة غضة *** وميدان لهوي افيح الظل آنس

فمذ ريع ريعان الشباب وآن أن *** يوافي النذير المستحث المخالس

وقد كاد دوح العمر تذوي غصونه *** وولى مع العشرين خمس وسادس

واسفر ليل الجهل عن فلق الهدى *** وبانت لعينيّ الأمور اللوابس

نضوت رداء اللّهو عن منكب الصبا *** قشيبا كما تنضى الثياب اللبائس

وروضت مهر الغي بعد جماحه *** بسائس حلم حبذا الحلم سائس

واعددت ذخرا للمعاد قصائدا *** تعطر منها في النشيد المجالس

ص: 278


1- بفتح الطاء أي ناعم.

بمدح الامام القائم الخلف الذي *** بمظهره تحيا الرسوم الدوارس

صراط الهدى المهدي من خوف باسه *** تذل عزاز المشركين الغطارس

امام له مما جهلنا حقيقة *** وليس له فيما علمنا مجانس

وروح علاً في جسم قدس يمدها *** شعاع من الاعلى الالهي قابس

ومعنى دقيق جل عن ان تناله *** يد الفكر أو تدنو اليه الهواجس

تساوى يقين الناس فيه ووهمهم *** فاعظمهم علماً كمن هو حارس

إذا العقل لم يأخذ عن الوحي وصفه *** يظل ويضحي تعتريه الوساوس

وسر سماوى ونور مجسد *** وجوهر مجد ذاته لا تقايس

له صفوة المجد الرفيع وصفوة *** ومحض المعالي والفخار القدامس

فخار لو أن الشمس تكسى سناءه *** لما غيبتها المظلمات الدوامس

تولد بين المصطفى ووصيه *** ولا غرو ان تزكو هناك الغرائس

سيجلو دجى الدين الحنيف بعزمة *** هي السيف لا ما اخلصته المداعس

ويدركنا لطف الاله بدولة *** تزول بها البلوى وتشفى النسائس

أمامية مهدية أحمدية *** إذا نطقت لم يبق للكفر نابس

وميزان قسط يمحق الجور عدلها *** إذا نصبت لم يبق للحق باخس

يشاد بها الاسلام بعد دثوره *** ويضحي ثناها في حلى العز رائس

ويجبر مكسور وييأس طامع *** ويكسر جبار ويطمع آئس

إذا ما تجلى في بروج سعوده *** علينا انجلت عنا النجوم الاناحس

كأني بأفواج الملائك حوله *** مسومة يوم الصياح مداعس

كأني بميكائيل تحت ركابه *** يناجيه اجلالاً له وهو ناكس

كأني باسرافيل قد قام خلفه *** وجبريل من قدامه وهو جالس

كأني به في كعبة اللّه قانتا *** يواهسه رب العلى ويواهس

كأني بعيسى في الصلاة وراءه *** تبارك مرؤوس كريم ورائس

ص: 279

كأني به من فوق منبر جده *** لبردته عند الخطابة لابس

كأني بطير النصر فوق لوائه *** ومن تحته جيش لهام عكامس

خضم من الفتح المبين رعيله *** تضيق به الفتح القفار الامالس (1)

له زجل كاليم عبّ عبابه *** يصك صماخ الرعد منه الهساهس

هدير فروم يرهب الموت بأسها *** وزأر ليوث افلتتها الفرائس

تظللها عند المسير نسورها *** ويقدمها عند الرحيل الهقالس

تؤم وصي الأوصياء ودونه *** ملائكة غر وشوس احامس

غطاريف طلاعون كل ثنية *** فليس لهم عن ذروة المجد خالس

مغاوير بسّامون في كل مازق *** وجوه المنايا فيه سود عوابس

كرام أهانوا دون دين محمد *** نفوسهم وهي النفوس النفائس

فوارس في يوم القراع قوارع *** أسود لأشلاء الأسود فوارس

وموضونة زغف وجرد سلاهب *** وبيض مصاليت وسمر مداعس

وضرب كما تهوى الظبا متدارك *** وطعن كما تهوى القنا متكاوس

شعارهم يا ثأر آل محمد *** اذا اسعرت نار الوطيس الفوارس

يجدلهم ذكر الطفوف صواهل *** سوابح في بحر الوغى تتقامس

كما جدد الاحزان شهر محرم *** فناح لرزء السبط رطب ويابس

الى القائم المهدي اشكو مصيبة *** لها لهب بين الجوانح حابس

أبثّك يا مولاي بلواي فاشفها *** فأنت دواء الداء والداء ناخس

تلاف عليل الدين قبل تلافه *** فقد غاله من علة الكفر ناكس

فخذ بيد الاسلام وانعش عثاره *** فحاشاك أن ترضى له وهو تاعس

ص: 280


1- الامالس جمع أمليس : الفلاة ليس بها نبات.

أمولاي لولا وقعة الطف ما غدت *** معالم دين اللّه وهي طوامس

ولولا وصايا الأولين لما اجترت *** على السبط في الشهر الحرام العنابس

أحاطوا به يا حجة اللّه ظاميا *** وما فيهم إلا الكفور الموالس

وأبدت حقوداً قبل كانت تكنها *** حذار الردى منهم نفوس خسائس

وطاف به بين الطفوف طوائف *** بهم أطفئت شهب الهدى والنبارس

بغوا وبغوا ثارات بدر وبادروا *** وفي قتل اولاد النبي تجاسسوا

فقام بنصر السبط كل سميدع *** وثيق العرى عن دينه لا يدالس

مصابيح للساري مجاديح للحجى *** مساميح في اللأواء والأفق تارس

صناديد اقيال مناجيد سادة *** مذاويد أبطال كماة أشاوس

بهاليل ان سيموا الردى لم يسامحوا *** وان سئلوا بذل الندى لم يماكسوا

اذا غضبوا دون العلا فسياطهم *** شفار المواضي واللحود المحابس

لبيض مواضيهم وسمر رماحهم *** مغامد من هام العدى وقلانس

وصالوا وقد صامت صوافن خيلهم *** وصلّت لوقع المرهفات القوانس

وقد جرّ فوق الارض فضل ردائه *** غمام الردى والنقع كالليل دامس

سحائب حتف وبلها الدم والظبا *** بوارق فيها والقسي رواجس

فلما دعاهم ربهم للقائه *** اجابوا وفي بذل النفوس تنافسوا

وقد فوقت ايدي الحوادث نحوهم *** سهام ردى لم ينج منهن تارس

فاضحوا بارض الطف صرعى لحومهم *** تمزقها طلس الذئاب اللغاوس

واكفانهم نسج الرياح وغسلهم *** من الدم ما مجت نحور قوالس

وقد ضاق بالسبط الفضا ودنا القضا *** وظل وحيداً للمنون يغامس

وعترته قتلى لديه وولده *** ظمايا وريب الدهر بالعهد خائس

نضا عزمة علوية علوية *** وقد ملئت بالمارقين البسابس

وكر ففروا مجفلين كأنه *** هزبر هصور والاعادي عمارس

ص: 281

وأذكرهم بأس الوصي وفتكه *** فردوا على أعقابهم وتناكسوا

فالقوه مهشوم الجبين على الثرى *** وفي كل قلب هيبة منه واجس

واعظم ما بي شجو زينب اذ رأت *** اخاها طريحاً للمنايا يمارس

تقول اخي يا واحدي شمت العدى *** بنا واشتفى فينا العدو المنافس

اخي اليوم مات المصطفى ووصيه *** ولم يبق للاسلام بعدك حارس

اخي مَن لاطفال النبوة يا اخي *** ومَن لليتامى ان مضيت يؤانس

وتستعطف القوم اللئام وكلهم *** له خلق عن قولها متشاكس

تقول لهم بقيا عليه فأنه *** كما قد علمتم للميامين خامس

ولا تعجلوا في قتله فهو الذي *** لدارس وحي اللّه محي ودارس

أيا جد لو شاهدته غرض الردى *** سليب الردا تسفي عليه الروامس

وقد كربت في كربلا كرب البلا *** وقد غلبت غلب الاسود الهمارس

يصد عن الورد المباح مع الصدى *** ومن دمه تروى الرماح النوادس

واسرته صرعى تنوح لفقدهم *** منازل وحي عطلت ومدارس

ونسوته اسرى الى كل فاجر *** بغير وطا تحدى بهن العرامس

ألا يا ولي الثار قد مسّنا الاذى *** وعاندنا دهر خؤون مدالس

وارهقنا جور الليالي وكلنا *** فقير الى ايام عدلك بائس

متى ظلم الظلم الكثيفة تنجلي *** ويبسم دهري بعد اذ هو عابس

ويصبح سلطان الهدى وهو قاهر *** عزيز وشيطان الضلالة خانس

لا بذل في ادراك ثارك مهجتي *** فما انا بالنفس النفيسة نافس

فدونكها يا صاحب الامر مدحة *** منقحة ما سامها العيب لاقس

مهذبة حلية راشدية *** اذا اغرق الراوي بها قيل خالس

لآلئ في جيد الليالي قلائد *** جواهر الا انهن نفائس

عرائس في وقت الزفاف نوائح *** نوائح في وقت العزاء عرائس

ص: 282

قرعت بمدحيكم بني الوحي ذروة *** رقاب بني حواء عنها نواكس

واحرزت غايات الفخار وارغمت *** خدود رجال دونها ومعاطس

وادركت من قبل الثلاثين رتبة *** مؤملها بعد الثمانين يائس

يجدّ وجِدٍّ لا بجَدٍّ ووالد *** وان كرمت من والديّ المغارس

عليكم من اللّه السلام صلاته *** وتسليمه ما اهتز اخضر مائس

ص: 283

ابن العرندس

توفي حدود 900

طوايا نظامي في الزمان لها نشرُ *** يعطرها من طيب ذكركم نشرُ

قصائد ما خابت لهن مقاصد *** بواطنها حمدٌ ظواهرها شكر

حسان لا حسان بالفضل شاهد *** على وجهها بشر يدين له بشر

أُنظّمها نظم اللآلي وأسهر *** الليالي ليحيا لي بها وبكم ذكر

فيا ساكني أرض الطفوف عليكم *** سلام محب ما له عنكم صبر

نشرت دواوين الثنا بعد طيّها *** ففي كل طرس من مديحي لكم سطر

فطابق شعري فيكم دمع ناظري *** فمبيّض ذا نظم ومحمر ذا نثر

فلا تتهموني بالسلو فانما *** مواعيد سلواني وحقكم الحشر

فذلّي بكم عزٌ وفقري بكم غنىً *** وعسري بكم يسر وكسري بكم جبر

فعيناي كالخنساء تجري دموعها *** وقلبي شديد في محبتكم ( صخر )

وقفت على الدار التي كنتم بها *** فمغناكم من بعد معناكم قفر

وقد درست منها العلوم وطالما *** بها دُرّس العلم الالهي والذكر

وسالت عليها من دموعي سحائب *** الى أن تروى البان بالدمع والسدر

وقد أقلعت عنها السحائب لم تجُد *** فلا درّ من بعد الحسين لها در

ص: 284

إمام الهدى سبط النبوة والد الأئمة *** رب النهي مولى له الأمر

امام أبوه المرتضى علم الهدى *** وصي رسول اللّه والصنو والصهر

امام بكته الجن والأنس والسما *** ووحش الفلا والطير والبر والبحر

له القبة البيضاء بالطف لم تزل *** تطوف بها طوعاً ملائكة غر

وفيه رسول اللّه قال وقوله *** صحيح صريح ليس في ذلكم نكر

حُبي بثلاثٍ ما أحاط بمثلها *** وليٌ فمن زيدٌ هناك ومن عمرو

له تربةٌ فيها الشفاء وقبّةٌ *** يُجاب بها لاداعي إذا مسّه الضر

وذرية دريةٌ منه تسعة *** أئمة حق لاثمانٍ ولا عشر

هم النور نور اللّه جل جلاله *** هم التين والزيتون والشفع والوتر

مهابط وحي اللّه خزان علمه *** ميامين في ابياتهم نزل الذكر

واسماؤهم مكتوبة فوق عرشه *** ومكنونة من قبل أن يُخلق الذر

ولولاهم لم يخلق اللّه آدما *** ولا كان زيد في الوجود ولا بكر

ولا سطحت أرض ولا رفعت سما *** ولا طلعت شمس ولا أشرق البدر

سرى سرهم في الكائنات وفضلهم *** فكل نبي فيه من سرهم سر

ونوح به في الفلك لما دعا نجا *** وغيض به طوفانه وقُضي الامر

ولولاهم نار الخليل لما غدت *** سلاماً وبرداً وانطفا ذلك الجمر

ولولاهم يعقوب ما زال حزنه *** ولا كان عن أيوب ينكشف الضر

وهم سرّ موسى والعصا عندما عصى *** أوامره فرعون والتقف السحر

ولولاهم ما كان عيسى بن مريم *** لعازر من طيّ اللحود له نشر

إلى ان قال في الرثاء.

أيقتل ظمآنا حسين بكربلا *** وفي كل عضو من أنامله بحر

ص: 285

ووالده الساقي على الحوض في غد *** وفاطمة ماء الفرات لها مهر

فيا لهف نفسي للحسين وما جنى *** عليه غداة الطف في حربه الشمر

تجرّ عليه العاصفات ذيولها *** ومن نسج أيدي الصافنات له طمر

فرّجت له السبع الشداد وزلزلت *** روامي جبال الأرض والتطم البحر

فيا لك مقتولاً بكته السما دماً *** فمغبّر وجه الأرض بالدم محمر

ملابسه في الحرب حمرٌ من الدما *** ومن غداة الحشر من سندس خضر

ولهفي لزين العابدين وقد سرى *** أسيراً عليلاً لا يفكّ له أسر

وآل رسول اللّه تسبى نساؤهم *** ومن حولهن الستر يهتك والخدر

سباياً باكوار المطايا حواسراً *** يلاحظهن العبد في الناس والحر

ويقول في ختامها :

مصابكم يا آل طه مصيبة *** ورزء على الاسلام أحدثه الكفر

سأندبكم يا عدتي عند شدتي *** وأندبكم حزناً إذا أقبل العشر

وأبكيكم مادمت حياً فان أمت *** ستبكيكم بعدى مراثيّ والشعر

وكيف يحيط الواصفون بفضلكم *** وفي مدح آيات الكتاب لكم ذكر

ومولدكم بطحاء مكة والصفا *** وزمزم والبيت المحرم والحجر

جعلتكم يوم المعاد ذخيرتي *** فطوبى لمن أمسى وأنتم له ذخر

عرائس فكر الصالح بن عرندس *** قبولكم يا آل طه لها مهر

عليكم سلام اللّه ما لاح بارق *** وحلّت عقود المزن وانتثر القطر

ص: 286

ابن العرندس وفاته في حدود 900 كما ذكر اليعقوبي ، الشيخ صالح بن عبد الوهاب المعروف بابن العرندس.

عالماً ناسكاً أديباً بارعاً متظلعاً في علمي الفقه والأصول وغيرهما مصنفاً فيها ، له كتاب كشف اللآلي وكان ممن نظم فأجاد وقصر شعره على رثاء أهل البيت. قال الشيخ اليعقوبي رحمه اللّه : وكانت وفاته في حدود التسعمائة هجرية. وعن الطليعة أنه توفي في سنة 840 وقبره في الحلة مشيد عليه قبة بيضاء في محلة ( جبران ) إحدى محلات الحلة في شارع يعرف ب- ( شارع المفتي ) الى جنب دار الأديب الشيخ محمد الملا. ويقول السيد الأمين في الاعيان : توفي في حدود سنة 840 في الحلة.

وقال من قصيدة يرثي الحسين علیه السلام .

بات العذول على الحبيب مسهداً *** فأقام عذري في الغرام وأقعدا

ورأى العذار بسالفيه مسلسلا *** فأقام في سجن الغرام مقيدا

هذا الذي أمسى عذولي عاذري *** فيه وراقد مقلتيه تسهدا

ريم رمى قلبي بسهم لحاظه *** عن قوس حاجبه أصاب المقصدا

قمرٌ هلال الشمس فوق جبينه *** عال تغار الشمس منه اذا بدا

وقوامه كالغصن رنّحه الصبا *** فيه حَمام الحيّ بات مغرّدا

فاذا أراد الفتك كان قوامه *** لدنا وجرّدت اللحاظ مهندا

تلقاه منعطفاً قضيباً أميدا *** وتراه ملتفتاً غزالاً أغيدا

في طاء طرّته وجيم جبينه *** ضدّان شأنهما الضلالة والهدى

ليلٌ وصبحٌ أسودٌ في أبيض *** هذا أضلّ العاشقين وذا هدى

ص: 287

لا تحسبوا داود قدّر سرده *** في سين سالفه فبات مسرّدا

لكنما ياقوت خاء خدوده *** نمّ العذار به فصار زبرجدا

يا قاتل العشاق يا من طرفه *** الرشّاق يرشقنا سهاماً من ردى

قسماً بثاء الثغر منك لأنه *** ثغرٌ به جيم الجمان تنضّدا

وبراء ريق كالمدام مزاجه *** شهدٌ به تروى القلوب من الصدى

إني لقد أصبحت عبدك في الهوى *** وغدوت في شرح المحبة سيّدا

فاعدل بعبدك لا تجر واسمح ولا *** تبخل بقربٍ من وفاك الأبعدا

وابدِ الوفا ودع الجفا وذرِ العفا *** فلقد غدوت أخا غرام مكمدا

وفجعت قلبي بالتفرق مثلما *** فجعت أمية بالحسين محمدا

سبط النبي المصطفى الهادي الذي *** أهدى الانام من الضلال وأشردا

وهو ابن مولانا علي المرتضى *** بحر الندى مروي الصدا مردي العدا

أسما الورى نسباً وأشرفهم أباً *** وأجلّهم حسباً وأكرم محتدا

بحرٌ طما. ليث حمى. غيثٌ هما *** صبح أضا. نجم هدى. بدر بدا

السيد السند الحسين أعم أه- *** -ل الخافقين ندى وأسمحهم يدا

لم أنسه في كربلا متلظيا *** في الكرب لا يلقى لماءٍ موردا

والمقنب الأموي حول خبائه *** النبوي قد ملأ الفدافد فدفدا

عصبٌ عصت غصّت بخيلهم الفضا *** غصبت حقوق بني الوصي وأحمدا

حمّت كتائبه وثار عجاجه *** فحكى الخضّم المدلهمّ المزبدا

للنصب فيه زماجر مرفوعة *** جزمت بها الأسماء من حرف الندا

صامت صوافنه وبيض صفاحه *** صلّت فصيرت الجماجم سجدا

نسج الغبار على الاسود مدارعاً *** فيه فجسّدت النجيع وعسجدا

والخيل عابسة الوجوه كأنها *** العقبان تخترق العجاج الأربدا

حتى اذا لمعت بروق صفاحها *** وغدا الجبان من الرواعد مرعدا

ص: 288

صال الحسين على الطغاة بعزمه *** لا يختشي من شرب كاسات الردا

وغدا بلام اللدن يطعن أنجلا *** وبغين غرب العضب يضرب أهودا

فأعاد بالضرب الحسام مفللا *** وثنى السنان من الطعان مقصّدا

فكأنما فتكاته في جيشهم *** فتكات ( حيدر ) يوم أحد في العدى

جيشٌ يريد رضى يزيد عصابة *** غصبت فاغضبت العليّ وأحمدا

جحدوا العلي مع النبي وخالفوا *** الهادي الوصي ولم يخافوا الموعدا

وغواهم شيطانهم فأضلّهم *** عمداً فلم يجدوا ولياً مرشدا

ومن العجائب أن عذب فراتها *** تسري مسلسلةً ولن تتقيدا

طام وقلب السبط ظام نحوه *** وأبوه يسقي الناس سلسله غدا

وكأنه والطرف والبتار والخر *** صان في ظلل العجاج وقد بدا

شمس على فلك وطوع يمينه *** قمرٌ يقابل في الظلام الفرقدا

والسيد العباس قد سلب العدا *** عنه اللباس وصيروه مجرّدا

وابن الحسين السبط ظمآن الحشا *** والماء تنهله الذئاب مبرّدا

كالبدر مقطوع الوريد له دم *** أمسى على ترب الصعيد مبددا

والسادة الشهداء صرعى في الفلا *** كل لأحقاف الرمال توسدا

فأولئك القوم الذين على هدى *** من ربهم فمن اقتدى بهم اهتدى

والسبط حران الحشا لمصابهم *** حيران لا يلقى نصيراً مسعدا

حتى اذا اقتربت أباعيد الردى *** وحياته منها القريب تبعّدا

دارت عليه علوج آل اميّة *** من كل ذي نقص يزيد تمردا

فرموه عن صفر القسيّ بأسهمٍ *** من غير ما جرم جناه ولا اعتدا

فهوى الجواد عن الجواد فرجّت *** السبع الشداد وكان يوماً أنكدا

واحتزّ منه الشمر رأساً طالما *** أمسى له حجر النبوة مرقدا

فبكته أملاك السماوات العلى *** والدهر بات عليه مشقوق الردا

ص: 289

وارتد كفّ الجود مكفوفاً وطر *** ف العلم مطروفاً عليه أرمدا

والوحش صاح لما عراه من الاسى *** والطير ناح على عزاه وعددا

وسروا بزين العابدين الساجد *** الباكي الحزين مقيداً ومصفدا

وسكينة سكن الأسى في قلبها *** فغدا بضامرها مقيماً مقعدا

وأسال قتل الطف مدمع زينب *** فجرى ووسط الخد منها خددا

ورأيت ساجعةً تنوح بأيكة *** سجعت فأخرست الفصيح المنشدا

بيضاء كالصبح المضيء أكفها *** حمرٌ تطوقت الظلام الأسودا

ناشدتها يا ورق ما هذا البكا *** ردّي الجواب فجعت قلبي المكمدا

والطوق فوق بياض عنقك أسود *** وأكفك حمرٌ تحاكي العسجدا

لما رأت ولهي وتسآلي لها *** ولهيب قلبي ناره لن تخمدا

رفعت بمنصوب الغصون لها يداً *** جزمت به نوح النوائح سرمدا

قتل الحسين بكربلا يا ليته *** لاقى النجاة بها وكنت له الفدا

فاذا تطوق ذاك دمعي أحمر *** قانٍ مسحت به يديّ توردا

ولبست فوق بياض عنقي من أسى *** طوقاً بسين سواد قلبي أسودا

فالآن هاذي قصتي يا سائلي *** ونجيع دمعي سائل لن يجمدا

فاندب معي بتقرّحٍ وتحرّق *** وابكي وكن لي في بكائي مسعدا

فلألعنن بني أمية ما حدا *** حادٍ وما غار الحجيج وأنجدا

ولأبكينّ عليك يابن محمد *** حتى أوسد في التراب ملحّدا

ولأحلينّ على علاك مدائحاً *** من ردّ ألفاظي حساناً خرّدا

عرباً فصاحاً في الفصاحة جاوزت *** قَسّاً وبات لها لبيد مبلّدا

قلّدتها بقلائد من جودكم *** أضحى بها جيد الزمان مقلّدا

يرجو بها نجل العرندس صالح *** في الخلد مع حور الجنان تخلّدا

وسقى الطفوف الهامرات من الحيا *** سحباً تسحّ عيونها دمع الندى

ص: 290

ثم السلام عليك يابن المرتضى *** ما ناح طير في الغصون وغردا

وفي مجموعة الشيخ محمد رضا الحساني رأيت قصيدة للشيخ ابن العرندس مطلعها :

عين سحي سحائب الأجفان *** واسعديني بمدمع هتان

ومن شعره في أهل البيت علیهم السلام .

أيا بني الوحي والتنزيل يا أملي *** يا من ولاكم غدا في القبر يؤنسني

حزني عليكم جديد دائم أبداً *** ما دمت حياً إلى أن ينقضي زمني

وما تذكرت يوم الطف رزأكم *** إلا تجدد لي حزن على حزن

وأصبح القلب مني وهو مكتئب *** والدمع منسكب كالعارض الهتن

لكم لكم يا بني خير الورى اسفي *** لا للتنائي عن الاهلين والوطن

يا عدتي واعتمادي والرجاء ومن *** هم أنيسي إذا أُدرجت في كفني

إني محبكم ارجو النجاة غدا *** اذا اتيت وذنبي قد تكأدني

وعاينت مقلتي ما قدّمته يدي *** من الخطيئات في سرٍ وفي علن

صلى عليكم إله العرش ما سجعت *** حمامة أو شدا ورق على غصن

واول هذه القصيدة كما ذكرها السيد احمد العطار في مخطوطه ( المجمو الرائق ) :

نوحوا أيا شيعة المولى أبا حسن *** على الحسين غريب الدار والوطن

ص: 291

وقال :

أضحى يميس كغصن بان في حُلا *** قمرٌ اذا ما مرّ في قلبي حَلا

سلب العقول بناظر في فترة *** فيها حرام السحر بان محللا

وانحل شد عزائمي لما غدا *** عن خصره بند القباء محللا

وزها بها كافور سالف خده *** لما بريحان العذار تسلسلا

وتسلسلت عبثاً سلاسل صدغه *** فلذاك بتّ مقيداً ومسلسلا

وجناته جوريةٌ ، وعيونه *** حورية ، شبه الغزال الاكحلا

جارت وما صفحت على عشاقه *** فتكاً وعادل قدّه ما أعدلا

ملكت محاسنه ملوكا طالما *** أضحى لها الملك العزيز مذللا

كسرى بعينيه الصحاح ، وخده *** النعمان ، بالخال النجاشي خوّلا

كتب الجمال على صحيفة خده *** نوني قسيّ الحاجبين ومثّلا

فرمى بها من عين غنج عيونه *** سبق السهام أصاب مني المقتلا

فاعجب لعين عبير عنبر خاله *** في جيم جمرة خده لن تشعلا

وسلى الفؤاد بحر نيران الجوى *** مني فذاب وعن هواه ما سلا

ومنها في الرثاء :

حامت عليه للحمام كواسر *** ظمئت فاشربها الحمام دم الطلا

امست بهم سمر الرماح وزرقها *** حمراً وشهب الخيل دهما جفّلا

عقدت سنابك صافنات خيوله *** من فوق هامات الفوارس قسطلا

ودجت عجاجته ومدّ سواده *** حتى أعاد الصبح ليلا أليلا

وكأنما لمع الصوارم تحته *** برق تألق في غمام فانجلى

ومنها :

فرس حوافره بغير جماجم الفرسان *** في يوم الوغى لن تنعلا

ص: 292

اضحى بمبيّض الصباح محجلا *** وغدا بمسوّد الظلام مسربلا

ومنها :

فكأنه وجواده وحسامه *** يوم الكفاح لمن اراد تمثلا

شمس على الفلك المدار بكفه *** قمر منازله الجماجم منزلا

ص: 293

الشيخ مغامس بن داغر

المتوفي حدود 850

لعمرك يا دنيا ثنيت عناني *** وذاك لأمر من عَناك عَناني

ومن كان بالايام مثلي عارفا *** لواه الذي عن حبهن لواني

نعيت الى نفسي زمان شبيبتي *** وشيبي الى هذا الزمان نعاني

لقد ستر الستار حتى كأنه *** بعفو من اسم المذنبين محاني

ولو أنني في ذاك أديت شكره *** لكنت رعيت الحق حين رعاني

ولكنني بارزته بجرائم *** كأن لم يكن عن مثلهن نهاني

اقول لنفسي إن اردت سلامة *** فديني فمالي بالعذاب يدان

فاني لأخشى أن يقول امرته *** بامري وقد أمهلته فعصاني

ولي عنده يوم النشور وسيلة *** بها انا راج محو ما أنا جاني

بنو المصطفى الغر الذين اصطفاهم *** وميّزهم من خلقه بمعاني

أناف بهم في الفخر عبد منافهم *** فما لهم عبد المدان مداني

أبرّ وأحمى مَن يُرجّى ويُتّقى *** ليوم طعام أو ليوم طعان

وان لهم في سالف الدهر وقعة *** لدى الطف تغري الدمع بالهملان

غداة ابن سعد يستعد لحربهم *** بكل معديٍّ وكل يماني

ص: 294

ومنها :

بني صفوة الجبار ، عيناي كلما *** ذكرتم لها بالدمع تبتدران

واني من حزني على فوت نصركم *** لأقرع سني حسرةً ببناني

ولكنه ان أخر النصر عنكم *** ففات سناني لا يفوت لساني

وانتم موالي الأولى اقتدى بهم *** فما بفلان يقتدى وفلان

ولي موبقات من ذنوب أخافها *** اذا ما إلهي للحساب دعاني

وما انا من عفو الاله بقانط *** ولكنه ذو رحمة وحنان

فكيف وقد ابدعت إذ قمت خاطيا *** لكم في مغاني حسنكم بمغاني

ولم يخش يوما من عذاب مغامس *** اذا كنتم مما أخاف اماني

عليكم سلام اللّه ما ذرّ شارق *** وما قام داعي فرضه لأذان

ص: 295

الشيخ مغامس بن داغر المتوفي حوالي سنة 850 ه-

شاعر طويل النفس بديع النظام حلو الانسجام ، أصله - كما في الحصون المنيعة - من احدى العشائر العربية القاطنة ضواحي الحلة ، استوطن الحلة حتى توفي فيها. قال الشيخ الخطيب اليعقوبي في ( البابليات ) وقفتُ أخيراً على قصائد للمترجم في أهل البيت علیهم السلام ذكرها الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ محمد علي الطريحي - أخو فخر الدين صاحب المجمع والمنتخب - في مؤلف له كتبه بالحلة سنة 1076 وكله في مراثي آل الرسول صلی اللّه علیه و آله ومديحهم وهو من بقايا مخطوطات كتب آل طريح ولكنه طالما عبّر فيه عن المترجم ب- البحراني فيمكن أن يكون أصله من البحرين وهبط العراق وسكن الحلة للحصول على الغاية التي أشرنا إليها. وقد استظهر العلامة الاميني في ج 7 من الغدير بأنه خطيب أديب وابن خطيب أديب. من قوله في إحدى قصائده النبوية

فتارة انظم الاشعار ممتدحاً *** وتارة انثر الاقوال في الخطب

أعملت في مدحكم فكري وعلمني *** نظم المديح وأوصاني بذاك أبي

ويوجد في المجاميع القديمة المخطوطة وبعض المطبوعات كالمنتخب والتحفة الناصرية شيء كثير مما قاله في الأئمة وقد جمع منها العلامة الشيخ محمد السماوي ديواناً باسم المترجم يربو على 1350 بيتا عدا الذي عاثت به أيدي الشتات.

ص: 296

ومما قاله ابن داغر الحلي

حيّا الاله كتيبة مرتادها *** يطوي له سهل الفلا ووهادها

قصدت أمير المؤمنين بقبّة *** يبني على هام السماك عمادها

وفدت على خير الأنام بحضرةٍ *** عند الإله مكرّم وفادها

فيها الفتى وابن الفتى وأخو الفتى *** أهل الفتوة ربها مقتادها

فله الفخار قديمه وحديثه *** والفاضلات طريفها وتلادها

مولى البرية بعد فقد نبيها *** وإمامها وهمامها وجوادها

وإذا القروم تصادمت في معرك *** والخيل قد نسج القتام طرادها

وترى القبائل عند مختلف القنا *** منه يحذّر جمعها آحادها

والشوس تعثر في المجال وتحتها *** جرد تجذ الى القتال جيادها

فكأن منتشر الرعال لدى الوغى *** زجل تنشّر في البلاد جرادها

ورماحهم قد شظّيت عيدانها *** وسيوفهم قد كسّرت أغمادها

والشهب تغمد في الرؤس نصولها *** والسمرتصعد في النفوس صعادها

فترى هناك أخا النبي محمّد *** وعليه من جهد البلاء جلادها

متردياً عند اللقا بحسامه *** متصدياً لكماتها يصطادها

عضد النبي الهاشمي بسيفه *** حتى تقطّع في الوغا أعضادها

واخاه دونهم وسدّ دوينه *** أبوابهم فتّاحها سدادها

وحباه في ( يوم الغدير ) ولايةً *** عام الوداع وكلهم أشهادها

فغدا به ( يوم الغدير ) مفصّلا *** بركاته ما تنتهي أعدادها

قبلت وصية أحمد وبصدرها *** تخفى لآل محمد أحقادها

حتى إذا مات النبي فأظهرت *** أضغانها في ظلمها أجنادها

منعوا خلافة ربها ووليها *** ببصائر عميت وضل رشادها

ص: 297

واعصو صبوا في منع فاطم حقها *** فقضت وقد شاب الحياة نكادها

وتوفّيت غصصاً وبعد وفاتها *** قتل الحسين وذبّحت أولادها

وغدا يسب على المنابر بعلها *** في أمّة ضلّت وطال فسادها

ولقد وقفت على مقالة حاذقٍ *** في السالفين فراق لي إنشادها

( أعلى المنابر تعلنون بسبه *** وبسيفه نصبت لكم أعوادها )

يا آل بيت محمد يا سادة *** ساد البرية فضلها وسدادها

أنتم مصابيح الظلام وأنتم *** خير الانام وأنتم أمجادها

فضلاءها علماءها حلماءها *** حكماءها عبّادها زهّادها

أما العباد فأنتم ساداتها *** أما الحروب فأنتم آسادها

تلك المساعي للبرية أوضحت *** نهج الهدى وشمت به عبّادها

واليكم من شاردات ( مغامس ) *** بكراً يقرّ بفضلها حسّادها

كملت بوزن كمالكم وتزينت *** بمحاسن من حسنكم تزدادها

ناديتها صوتاً فمذ أسمعتها *** لبّت ولم يصلد عليّ زنادها

نفقت لديّ لأنها في مدحكم *** فلذاك لا يخشى عليّ كسادها

رحم الاله ممدّها أقلامه *** ورجاؤه أن لا يخيب مدادها

فتشفّعوا لكبائر أسلفتها *** قلقت لها نفسي وقلّ رقادها

جرماً لو انّ الراسيات حملنه *** دكّت وذاب صخورها وصلادها

هيهات تمنع عن شفاعة جدكم *** نفس وحب أبي تراب زادها

صلّى الاله عليكم ما أرعدت *** سحبٌ وأسبل ممطراً أرعادها

وقوله من قصيدة تناهز الاثنين والتسعين بيتا :

كيف السلامة والخطوب تنوب *** ومصائب الدنيا الغرور تصوبُ

ص: 298

إن البقاء على اختلاف طبائع *** ورجاء أن ينجو الفتى لعصيب

العيش أهونه وما هو كائن *** حتمٌ وما هو واصل فقريب

والدهر أطوار وليس لأهله *** إن فكّروا في حالتيه نصيب

ليس اللبيب من استغر بعيشه *** إن المفكر في الأمور لبيب

يا غافلاً والموت ليس بغافلٍ *** عش ما تشاء فانك المطلوب

أبديت لهوك إذ زمانك مقبل *** زاهٍ واذ غضّ الشباب رطيب

فمن النصير على الخطوب اذا أتت *** وعلا على شرخ الشباب مشيب

علل الفتى من علمه مكفوفة *** حتى الممات وعمره مكتوب

وتراه يكدح في المعاش ورزقه *** في الكائنات مقدّر محسوب

إن الليالي لا تزال مجدّة *** في الخلق أحداث لها وخطوب

من سر فيها ساءهُ من صرفها *** ريبٌ له طول الزمان مريب

عصفت بخير الخلق آل محمد *** نكباء إعصار لها وهبوب

أما النبي فخانه من قومه *** في أقربيه مجانب وصحيب

من بعد ما ردوا عليه وصاته *** حتى كأن مقاله مكذوب

ونسوا رعاية حقه في حيدر *** في « خم » وهو وزيره المصحوب

فأقام فيهم برهة حتى قضى *** في الغيظ وهو بغيظهم مغضوب

ومنها قوله في رثاء الامام السبط علیه السلام :

بأبي الامام المستظام بكربلا *** يدعو وليس لما يقول مجيب

بأبي الوحيد وما له من راحم *** يشكو الظما والماء منه قريب

بأبي الحبيب إلى النبي محمد *** ومحمد عند الاله حبيب

يا كربلاء أفيك يقتل جهرة *** سبط المطهر إن ذا لعجيب

ص: 299

ما أنت إلا كربة وبليّة *** كل الأنام بهولها مكروب

لهفي عليه وقد هوى متعفراً *** وبه أوام فادح ولغوب

لهفي عليه بالطفوف مجدلا *** تسفي عليه شمال وجنوب

لهفي عليه والخيول ترضه *** فلهنّ ركض حوله وخبيب

لهفي له والرأس منه مميز *** والشيب من دمه الشريف خضيب

لهفي عليه ودرعه مسلوبة *** لهفي عليه ورحله منهوب

لهفي على حرم الحسين حواسراً *** شعثاً وقد ريعت لهنّ قلوب

حتى إذا قطع الكريم بسيفه *** لم يثنه خوف ولا ترعيب

لله كم لطمت خدود عنده *** جزعاً وكطم شقت عليه جيوب

ما أنس إن أنس الزكية زينباً *** تبكي له وقناعها مسلوب

تدعو وتندب والمصاب يكظها *** بين الطفوف ودمعها مسكوب

ءاخي بعدك لاحييت بغبطةٍ *** واغتالني حتف إليّ قريب

حزني تذوب له الجبال وعنده *** يسلو وينسى يوسفاً يعقوب

وقال في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله :

عرّج على المصطفى يا سائق النجبِ *** عرّج على خير مبعوث وخير نبي

عرج على السيد المبعوث من مضر *** عرّج على الصادق المنعوت في الكتب

عرّج على رحمة الباري ونعمته *** عرّج على الابطحي الطاهر النسب

رآه آدم نوراً بين أربعة *** لألاؤها فوق ساق العرش من كثب

فقال : يا رب من هذا؟ فقيل له *** قول المحب وما في القول من ريب

هم أوليائي وهم ذرّيةٌ لكما *** فقرّ عيناً ونفساً فيهم وطب

أما وحقهم لولا مكانهم *** مني لما دارت الأفلاك بالقطب

ص: 300

كلا ولا كان من شمس ولا قمر *** ولا شهابٍ ولا أفق ولا حجب

ولا سماءٍ ولا أرض ولا شجرٍ *** للناس يهمي عليه واكف السحب

ولا جنان ولا نارٍ مؤججة *** جعلت أعداءهم فيها من الحطب

وقال للملأ الأعلى : ألا أحد *** ينبي بأسمائهم صدقاً بلا كذب

فلم يجيبوا فأنبا آدم بهم *** لها بعلمٍ من الجبار مكتسب

فقال للملأ الأعلى : اسجدوا كملاً *** لآدم واطيعوا واتقوا غضبي

وصيّر اللّه ذاك النور ملتمعاً *** في الوجه منه بوعد منه مرتقب

وخاف نوح فناجى ربه فنجا *** بهم على دسر الألواح والخشب

وفي الجحيم دعا اللّه الخليل بهم *** فأخمدت بعد ذاك الحر واللّهب

وقد دعا اللّه موسى إذ هوى صعقاً *** بحقهم فنجا من شدة الكرب

فظل منتقلا واللّه حافظه *** على تنقّله من حادث النوب

حتى تقسم في عبد الاله معاً *** وفي أبي طالب عن عبد مطلب

فأودع اللّه ذاك القسم آمنةً *** يوماً إلى أجلٍ بالحمل مقترب

حتى اذا وضعته انهدّ من فزع *** ركن الضلال ونادى الشرك بالحرب

وانشق أيوان كسرى وانطفت حذراً *** نيرانهم وأقرّ الكفر بالغلب

تساقطت أنجم الأملاك مؤذنةً *** بالرجم فاحترق الأصنام باللّهب

حتى اذا حاز سن الأربعين دعا *** ربي به في لسان الوحي بالكتب

فقال : لبيك من داعٍ وارسله *** الى البرية من عجم ومن عرب

فأظهر المعجزات الواضحات لهم *** بالبينات ولم يحذر ولم يهب

اراهم الآية الكبرى فوا عجبا *** ما بالهم خالفوا من أعجب العجب

رامت بنو عمّه تبييته سحراً *** فعاذ منهم رسول اللّه بالهرب

وبات يفديه خير الخلق حيدرة *** على الفراش وفي يمناه ذو شطب

فادبروا إذ رأوا غير الذي طلبوا *** وأوغلوا لرسول اللّه في الطلب

ص: 301

فرابهم عنكب في الغار إذ جعلت *** تسدي وتلحم في أبرادها القشب

حتى إذا ردهم عنه الإله مضى *** ذاك النجيب على المهرية النجب

فحلّ دار رجال بايعوه على *** اعدائه فدماء القوم في صبب

في كل يوم لمولى الخلق واقعة *** منه على عابدي الاوثان والصلب

يمشي الى حربهم واللّه ناصره *** مشي العفرناة في غاب القنا السلب

في فتية كالاسود المخدرات لها *** براثن من رماح الخط والقضب

عافوا المعاقل للبيض الحسان فما *** معاقل القوم غير البيض واليلب

فالحق في فرح الدين في مرحٍ *** والشرك في ترح والكفر في نصب

حتى استراح نبي اللّه قاضيةً *** بهم وراحتهم في ذلك التعب

يا من به انبياء اللّه قد ختموا *** فليس من بعده في العالمين نبي

إن كنت في درجات الوحي خاتمهم *** فأنت أولهم في أول الرتب

قد بشرت بك رسل اللّه في اممٍ *** خلت فما كنت فيما بينهم بغبي

شهدت انك أحسنت البلاغ فما *** تكون في باطل يوماً بمنجذب

حتى دعاك إلهي فاستجبت له *** حبّاً ومن يدعه المحبوب يستجب

وقد نصبت لهم في دينهم خلفاً *** وكان بعدك فيهم خير منتصب

لكنّهم خالفوه وابتغوا بدلاً *** تخيروه وليس النبع كالغرب

ويقول فيها :

يا راكب الهوجل المحبوك تحمله *** إلى زيارة خير العجم والعرب

إذا قضيت فروض الحج مكتملا *** ونلت إدراك ما في النفس من إرب

وزرت قبر رسول اللّه سيدنا *** وسيد الخلق من ناءٍ ومقترب

قف موقفي ثم سلم لي عليه معاً *** حتى كأني ذاك اليوم لم أغب

ص: 302

واثن السلام إلى أهل البقيع فلي *** بها أحبة صبٍّ دائم الوصب

وبثّهم صبوتي طول الزمان لهم *** وقل بدمع على الخدين منسكب

يا قدوة الخلق في علم وفي عمل *** واطهر الخلق في أصل وفي نسب

وصلت حبل رجائي في حبائلكم *** كما تعلق في اسبابكم سببي

دنوت في الدين منكم والوداد فلو *** لا دان لم يدن من احسابكم حسبي

مديحكم مكسبي والدين مكتسبي *** ما عشت والظن في معروفكم نشبي

فإن عدتني الليالي عن زيارتكم *** فان قلبي عنكم غير منقلب

قد سيط لحمي وعظمي في محبتكم *** وحبكم قد جرى في المخ والعصب

هجري وبغضي لم عاداكم ولكم *** صدقي وحبي وفي مدحي لكم طربي

فتارة انظم الاشعار ممتدحاً *** وتارة أنثر الأقوال في الخطب

حتى جعلت مقال الصد من شبه *** إذ صغت فيكم قريض القول من ذهب

أعملت في مدحكم فكري فعلمني *** نظم المديح وأوصاني بذاك أبي

فهل انال مفازاً في شفاعتكم *** مما احتقبت له في سائر الحقب

وللشيخ مغامس بن داغر.

أتطلب دنيا بعد شيب قذالِ *** وتذكر أياماً مضت وليالِ

أما كان في شيب القذال هداية *** فيهديك نور الشيب بعد ضلال

أتامل في دار الغرور إقامة *** لأنت حريص في طلاب محال

تمسكّت منها بالاماني كمثل من *** تمسك من نوم بطيف خيال

فياسؤتا ان حال حيني وهذه *** سبيلي ولم أحذر قبيح فعالي

وكان جديراً أن يموت صبابة *** فتى حاله في المذنبين كحالي

ص: 303

أتخدعني الدنيا وقد شاب مفرقي *** وأصبحت معقولاً لها بعقالي

ولي اسوة فيها بآل محمد *** بني خير مبعوث وأكرم آل

تقسّمهم ريب المنون فاصبحوا *** عباديد اشتاتا بكل مجال

وهي طويلة مشهورة ، يقول في ختامها.

بني المصطفى يا صفوة اللّه أن لي *** فؤداً من التبريح ليس بخالي

حنيني اليكم لا يقاس بمثله *** حنين حمام أو حنين فصال

وهل أملك السلوان في جنب سادة *** اليهم إذا حلّ الحساب مآلي

وان فاتني في عرصة الطف نصركم *** فاحرى به أن لا يفوت مقالي

ودونكم مني عروساً زففتها *** اليكم كما زفت عروس حجال

وما كملت إلا لأن كلامها *** حوى من معانيكم صفات كمال

ولابن داغر من قصيدة في الرثاء.

قطع الزمان عرى هواي وكلما *** قطع الزمان فماله من واصل

لا غرو من جدّ الزمان وهزله *** عز النصير على الزمان الهازل

اين الالى كانوا ونحن بقربهم *** في طيبات مشارب ومآكل

دارت رحاه عليهم فتمزقوا *** فالقوم تحت صفائح وجنادل

لا يخدعنك ما ترى من صفوة *** ان الخديعة مصرع للجاهل

ويقول في الرثاء منها :

في الرزية بالنبي وآله *** جلّت فما رزء لها بمماثل

ص: 304

لم تفعل الامم الأوائل مثلها *** هيهات ما أحد لذاك بفاعل

فاحبس دموعك عن تذكر دمنة *** درست معالمها بشعبي ( بابل )

واسمح بها في رزء آل محمد *** فعساك تحظى بالنعيم الآجل

ويختمها بقوله :

يا آل بيت محمد يا سادة *** سادوا الورى بفواضل وفضائل

انتم رعاة المسلمين فمن يزغ *** عنكم فليس له الاله بقابل

واليكم مني قصيدة شاعر *** لهج بمدحكم اليكم مائل

منظومة جاءت تزفّ اليكم *** بكمالها من لجّ بحر الكامل

قول ابن داغر المحب مغامس *** والقول برهان لعقل القائل

فتقبلوه وعجلوا بكرامتي *** فالنفس مولعة بحب العاجل

ص: 305

محمد بن حماد الحلي

أواخر القرن التاسع

قال من قصيدة :

لغير مصاب السبط دمعك ضائعُ *** ولا أنت ذا سلو عن الحزن جازعُ

فكل مصاب دوزن رزء ابن فاطم *** حقير ورزء السبط واللّه فازع

فدعني عذولي والبكاء فانني *** أراك خليّاً لم ترعك الفواجع

لأيّ مصاب أم لأيّ رزية *** تصان لها دون الحسين المدامع

لحى اللّه طرفاً لم تسح دموعه *** بقان فما دمع على السبط ضايع

فأين ادعاك الود والعهد والولا *** وقولك إني تابع ومتابع

يبيتُ حسين ساهر الطرف خائف *** وطرفك ريّان من النوم هاجع

ص: 306

محمد بن حماد

الشيخ الجليل الأديب ابو الحسن محمد المعروف ب- ( ابن حماد ) بالتشديد وزان شدّاد ، من أفاضل الفيحاء ومشاهير شعرائها وقد تقدّمت الاشارة لذكره في ترجمة معاصره الخلعي وقد ساجله ووزان كثيراً من قصائده في اهل البيت ولكنه انحط عنه ولم يبلغ شأوه ومداه وقصر عنه في مديحه ورثاه ، فكان الخلعي أطول منه نَفَساً وباعاً وأرقّ اسلوباً وإبداعاً ولو جمع شعره لكان لكثرته ديواناً مستقلاً. وتوفي في أواخر القرن التاسع وقد عمّر طويلاً ودفن قريباً من قبر الخلعي وقبره مشهور ذكره العلامة القزويني أيضا في فلك النجاة انتهى ما ذكره الخطيب اليعقوبي في البابليات. وقال الاستاذ علي الخاقاني في شعراء الحلة ج 4 ص 386 : هو ابو الحسن محمد بن حماد الحلي المعروف ب- ابن حماد. شاعر أديب فاضل ذكره صاحب الحصون المنيعة ج 9 ص 236 فقال :

كان فاضلاً أديباً معاصراً للخليعي مطارحاً له ، مبارياً اياه ، ينحط عنه ، ونظمه أغلبه في اهل البيت علیهم السلام ، وله ما يقارب من مائتي قصيدة في المديح والرثاء للحسين علیه السلام توفي في الحلة حدود 900 ه- ودفن فيها وقبره يزار.

قال : وقد مرّ أن ذكرنا ان قبره الى جنب قبر الشاعر المعاصر له جمال الدين الخليعي.

اقول ان جماعة من الادباء والعلماء يعرف كل منهم بابن حماد.

1 - ابو الحسن علي بن حماد الشاعر البصري من أكابر علماء الشيعة ومحدثيهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه وقد ترجمناه وذكرنا طائفة كبيرة

ص: 307

من شعره في الجزء الثاني من ادب الطف ص 167 وترجمه صاحب الحصون المنيعة ج 2 ص 560 وفي مناقب ابن شهر اشوب كثير من شعره.

2 - الشيخ كمال الدين بن حماد الواسطي أحد مشاهير العلماء في اواخر القرن السابع الهجري.

3 - علي بن حماد البصري الشاعر المشهور من المتأخرين ، قال الشيخ القمي في الكنى. وقد أورد القاضي نو اللّه قصيدتين : بائية وتائية لعلي بن حماد في مدح امير المؤمنين علیه السلام ولم يبيّن من أيهما كانتا فلنتبرّك بذكر بعض قصيدته التائية : وأولها : بقاع في البقيع مقدساتُ (1).

ص: 308


1- بقاعٌ في البقيع مقدساتُ *** وأكنافٌ بطفٍّ طيبات وفي كوفان آيات عظامٌ *** تضمّنها العُرى المتوثّقات وفي غربيّ بغداد وطوسٍ *** وسامرا نجومٌ زاهرات مشاهد تشهد البركات فيها *** وفيها الباقيات الصالحات ظواهرها قبور دارسات *** بواطنها بدورٌ لامعات جبال العلم فيها راسياتٌ *** بحار الجود فيها زاخرات معارج تعرج الاملاك فيها *** وهنّ بكل أمر هابطات أناس تقبل الحسنات منا *** بحبّهم وتُمحى السيئات ولا تتقبّل الصلوات إلا *** بحبهم ولا نزكو الزكاة فإن المرتضى الهادي علياً *** ليقصر عن مناقبه الصفات وزير محمد حياً وميتاً *** شواهده بذلك واضحات أخوه كاشف الكربات عنه *** وقد همّت اليه الداهيات ترى أسيافه يضحكن ضحكا *** بها هام الفوارس باكيات صوارمه يزوّجها نفوساً *** وللأبدان هنّ مطلقات له كفان واحدة حياة *** اذا جاءت وواحدة ممات

4 - محمد بن حماد الحلي ، وفي الحلة بيت يعرف اهله بآل حماد يزعمون أنهم من سلالة المترجم وذريته.

وقال ابن حماد :

ويك يا عين سحِّ دمعاً سكوبا *** ويك يا قلب كن حزيناً كثيبا

ساعداني سعدتما فعسى أشف- *** -ي غليلي من لوعة وكروبا

إن يوم الطفوف لم يبق لي من *** لذّة العيش والرقاد نصيبا

يوم سارت إلى الحسين بنو حرب *** بجيش فنازلوه الحروبا

وحموه من الفرات فما ذا *** ق سوى الموت دونه مشروبا

في رجال باعوا النفوس على اللّه *** فنالوا ببيعها المرغوبا

لست أنساه حين أيقن بالمو *** ت دعاهم فقام فيهم خطيبا

ثم قال ألحقو بأهليكم إذ *** ليس غيري أنا لهم مطلوبا

شكر اللّه سعيكم إذ نصحتم *** ثم أحسنتم لي المصحوبا

فأجابوه ما وفيناك إن نحن *** تركناك بالطفوف غريبا

أي عذر لنا إذاً يوم نلقى اللّه *** والطهر جدّك المندوبا

حاش لله بل نواسيك أو يأ *** خذ كلٌ من المنون نصيبا

فبكى ثم قال جوزيتم الخير *** فما كان سعيكم أن يخيبا

ثم قال اجمعوا الرحال وشبوا الن- *** -ار فيها حتى تصير لهيبا

وغداً للقتال في يوم عاشورا *** فأبدى طعناً وضرباً مصيبا

فكأني بصحبه حوله صر *** عى لدى كربلا شباباً وشيبا

فكأني أراه فرداً وحيداً *** ظامياً بينهم يلاقي الكروبا

وكأني أراه إذ خرّ مطعو *** ناً على حُرّ وجهه مكبوبا

ص: 309

وكأني بمهره قاصد الفس- *** -طاط يُبدي تحمحما ونحيبا

وبرزن النساء حتى إذا أب- *** -صرن ظهر الجواد منه سليبا

صحن بالويل والعويل ويندب- *** -ن حيارى وقد شققن الجيوبا

وسبلن الدموع لما تأمّلن حس- *** -ينا من الثياب سليبا

فكأني بزينب إذ رأته *** عارياً دامي الجبين تريبا

أقبلت نحو أختها ثم قالت *** ودّعيه وداع مَن لا يؤوبا

أخت يا أخت كيف صبرك عنه *** وهو كان المؤمل المحبوبا

ثم خرّت عليه تلثم خدّيه *** وقد صار دمعها مسكوبا

وتناديه يا أخي لو رأت عين- *** -ناك حالي رأيت أمراً عجيبا

يا أخي لا حييت بعدك هيهات *** حياتي من بعدكم لن تطيبا

كنتَ حصني من الزمان اذا ما *** خفتُ خطبا دفعتَ عني الخطوبا

ضاقت الأرض بي وكانت علينا *** بك يا سيدي فناها رحيبا

( يا هلالا لما استتم كمالا *** غاله خسفه فاهوى غروبا )

( ما توهمت يا شقيق فؤادي *** كان هذا مقدّراً مكتوبا )

عُد يتاماك إن أردت مغيبا *** يا أخي بالرجوع وعداً قريبا

( يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها *** فقد كاد قلبها أن يذوبا )

ما أذلّ اليتيم حين ينادي *** بأبيه ولا يراه مجيبا

وقال محمد بن حماد الحلي في أهل البيت في قصيدة مطلعها :

أهجرت يا ذات الجمال دلالا *** وجعلت جسمي بالصدود خيالا

وسقيتني كأس الفراق مريرة *** ومنعت عذب رضابك السلسالا

قال السيد الأمين تحت عنوان : ابن حماد.

ص: 310

يطلق على ابن حماد الشاعر ، واسمه علي بن حماد بن عبيد بن حماد البصري العبدي أو العدوي وربما يطلق على علي بن الحسين بن حماد الليثي الواسطي ، وعلى الحسين بن علي بن الحسين بن حماد الليثي الواسطي ، ويوجد في بعض القيود نسبة بعض الأشعار الى محمد بن حماد ولعله ممن يطلق عليه ابن حماد ايضا. انتهى عن الاعيان ج 6 ص 64.

وقال في ج 41 ص 225 أبو الحسن علي بن حماد بن عبيد أو ابن عبيد اللّه ابن حماد العدوي أو العبدي الاخباري البصري شاعر آل محمد علیهم السلام ، توفي حدود 400 بالبصرة كما في الطليعة. وفي رحال أبي علي رأيت بخط بعض الأذكياء هكذا : علي بن حماد الشاعر المعروف : بابن حماد البصري كان من أكابر علماء الشيعة وشعرائهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه وأشعاره في شان اهل البيت وقصائده في مدائح الائمة علیهم السلام ومراثيهم ولا سيما في مراثي الحسين علیه السلام مشهورة ، وفي كتب الأصحاب وخاصة في مناقب ابن شهر اشوب ، وفي كتاب المنتخب في المراثي والخطب للشيخ فخر الدين الرماحي المعاصر مذكورة ، انتهى.

وفي رياض العلماء : الشيخ ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد اللّه العبدي ( العدوي ) الاخباري البصري الشاعر المعروف بابن حماد الشاعر كان من قدماء الشعراء والعلماء وهو مذكور في كتب الرجال ، انتهى.

وقال ايضا : يظهر من كتاب المجدي في النسب للسيد أبي الحسن علي بن محمد الصوفي الفاضل المعاصر للسيد المرتضى انه يروى عن ابن حماد الشاعر هذا ( يعني المترجم ) بواسطة واحدة بعض أشعارة في الامامة ، فعلى هذا فابن حماد هذا في درجة الصدوق ، انتهى.

ص: 311

اقول وذكر السيد أقوال العلماء فيه ومشائخه وتلاميذه وأشعاره ومنها القصيدتان الآتيتان :

ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد أو ابن عبيد اللّه بن حماد العبدي البصري :

ما ضرّ عهد الصبا لو أنه عادا *** يوماً فزوّدني من طيبه زادا

سقيا ورَعيا لأيام لنا سلفت *** كأنما كنّ اعراساً وأعيادا

ايام تنعم لي نعم وتجمل بي *** جمل وأسعد من سعداي اسعادا

ظباء انس لقيد الاسد هل نظرت *** عيناك ظبيا لصيد الاسد صيّادا

ان لم تكنّ ظباء في براقعها *** فقد حكتهن ألحاظاً وأجيادا

من كل سحّارة العينين لو لقيت *** سحراً لهاروت أو ما روت لانقادا

تميد بالارض عشقاً كلما خطرت *** تهتزّ غصناً من الريحان ميّادا

بانت بروحي غداة البين عن جسدي *** والبين يتلف أرواحاً وأجسادا

والدهر ليس بموف عهد صاحبه *** هيهات بل يجعل الميعاد ايعادا

أفنى القرون ويفنيهم معاّ فاذا *** أباد كل الورى من بعدهم بادا

أفنى التبايع والاقيال من يمنٍ *** طراً واتبعهم عادا وشدادا

وليس يبقى سوى الحي الذي جعل *** الموت الوحيّ لكل الخلق مرصادا

سبحانه واصطفى من خلقه حججاً *** مطهرين من الادناس أمجادا

مثل النجوم التي زان السماء بها *** كذاك ميزهم للارض أوتادا

أعطاهم اللّه ما لم يعطه أحداً *** فاصبحوا في ظلال العزّ أوحادا

محمد وعليٌ ، خير مبتعثٍ *** وخير هاد لمن قد رام ارشادا

والصادقون أولو الامر الذين لهم *** حكم الخليقة اصدارا وايرادا

آل الرسول وأولاد البتول هُم *** خيرُ البرية آباء وأولادا

ص: 312

أعلى الخليفة همّاتٍ وأطهر أُمّاتٍ *** واكرم آباءً وأجدادا

سرج الظلام اذا ما الليل جهنم *** قاموا قياما لوجه اللّه عبّادا

لما تعرضت الدنيا لهم أنفوا *** منها فالفتهمُ للعيش زهادا

جادوا وسادوا ففي الامثال ذكرهم *** اما يقال : اذا جاد امرء سادا

ان كفكفت بالندى يوماً اكفّهم *** فلا تبالى اكفّ الغيثُ أم جادا

ان كورموا فبحور الجود تحسبهم *** أو حوكموا خلتهم في الحكم أطوادا

كل الانام له ندّ يُقاسُ به *** ولن ترى لهم في الناس أندادا

اللّه والى الذي والاهم فاذا *** عاداهم أحد فاللّه قد عادى

في السلم تحسبهم أقمار داجيةٍ *** حسنا ، وتحسبهم في الحرب آسادا

اما عليٌ فنور اللّه جلّ فهل *** يسطيع خلق لنور اللّه اخمادا

وآخا النبي وواساه بمهجته *** وما ونى عنه اسعافا واسعادا

هو الجواد أبو الاجواد وابنهم *** وهكذا تلد الاجواد أجوادا

ما قال لاقط للعاني نداه ولا *** لكل من جاءه للعلم مرتادا

يجدي ويسدي ويغني كف سائله *** يداً فان عاد في استيجاده زادا

بعد ميعاده بخلا فلست ترى *** دون العطاء له الجود ميعادا

يلتذّ بالجود حتى انّ سائله *** لو سامه نفسه جوداً بها جادا

يعد ميعاده بخلا فلست ترى *** دون العطاء له بالجود ميعادا

يلتذّ بالجود حتى انّ سائله *** لو سامه نفسه جوداً بها جادا

مَن كان بادر في بدر سواه وما *** ان حاد في يوم احدٍ كالذي حادا

مَن قدّ عمرو بن ودّ في النزال ومَن *** اضحى لعمرو بن عبد القيل مقتادا

ان جرّد السيف في الهيجاء عوّضه *** من الغمود رؤوس الصيد اغمادا

سيف أقام عمود الدين قائمه *** ضربا وقوّم ما قد كان ميّادا

ترى المنايا له يوم الوغى خدماً *** بعون ربك الاملاك أجنادا

واليته مخلصاً لا أبتغي بدلا *** منه ولست ابالي كيد مَن كادا

يا سيدي يا امير المؤمنين ومَن *** بحبه طبت اعراقا وميلادا

ص: 313

يا خير مَن قام يوما فوق منبره *** وخير مَن مسكت كفّاه أعوادا

مَن كان اكثر اهل الارض منقبة *** يكون اكثر اهل الارض حسّادا

كسرت أصنامهم بالأمس فاعتقدت *** منها لك الدهر اضغاناً واحقادا

فصار حبّك ايماناً وتبصرة *** وصار بغضك كفرانا والحادا

وطاف لي بفناء الطف طيف اسى *** خلّى فؤادي لطول الحزن معتادا

ذكرت فيه الحسين السبط حين ثوى *** فرداً وحيداً حوى للنوح افرادا

في عصبة بذلت لله أنفسها *** فاحمدت بذلها لله احمادا

يذاد عن ريّه حتى قضى عطشا *** فلا سقى اللّه رياً مَن له ذادا

لهفي على غرباء بالطفوف ثووا *** لا يعرفون سوى العقبان ورّادا

كأنني ببنات المصطفى ذللاً *** في السبي يندبنه نوحا وتعدادا

انا ابن حمّادٍ العبدي أحسن لي *** ربي فلا زلت للاحسان حمّادا

أمدّني منه بالنعمى فاشكره *** شكراً لنعمائه عندي وامدادا

وتلك عادتُه عندي مجددة *** وكان سبحانه بالفضل عوادا

فهاكها كعقود الدر قد قرنت *** الى يواقيتها توماً وافرادا

لو جسّم الشعر جسماً كان يعبدها *** حتى يراه لها الراؤون سجادا

وازنت ما قال اسمعيل مبتدئاً *** ( طاف الخيال علينا منك عبادا )

والشعر كالفلس والدينار تصرفه *** حتى يميزه مَن كان نقادا

وقال أيضا :

النوم بعدكم عليّ حرامُ *** مَن فارق الأحباب كيف ينامُ

واللّه ما اخترت الفراق وانما *** حكمت عليّ بذلك الأيام

لو أنها استامت عليّ بقربكم *** اعطيتها فوق الذي تستام

وحياتكم قسماً أبر بحلفة *** ولربما تتأثّم الأقسام

ص: 314

اشتاقكم حتى اذا نهض الهوى *** بي نحوكم قعدت بي الآلام

لم أنسكم فاقول اني ذاكر *** نسيان ذكركم عليّ حرام

واللّه لو اني شرحت ودادكم *** فَنيَ المداد وكلّت الاقلام

اني اميل لوصلكم وحديثكم *** ويزيدني في الذكر منه هيام

واذا بدا إلفان ألفتني بكم *** حسر كما يتحسّر الايتام

وتألف الأرواح حظ لم يكن *** ليتمّ أو تتألف الأجسام

لله ايام اذا مثلتها *** فكأنها من طيبها احلام

والدهر ليس بسالم من ريبه *** أحدٌ وليس لنفسه استسلام

أخنى على آل النبي بصرفه *** فتحكّمت فيهم له أحكام

فعراصهم بعد دراسة والهدى *** دُرُسٌ تجاوب في ثراها الهام

وهُم عماد الدين والدنيا وهم *** للحق ركن ثابت وقوام

منهم أمير النحل والمولى الذي *** هو للشريعة معقل ونظام

وهو الامام لكل من وطأ الحصا *** بعد النبي وما عليه امام

يغني العفاة عن السؤال تكرّما *** فينيلهم أضعاف ما قد راموا

أمواله للسائلين غنيمة *** وله بأخذهم لها استغنام

واذا تحزّم للبراز تقطعت *** ايدي الحروب فما يشدّ حزام

واذا انتضى اسيافه في مأزق *** فغمودهن من الكماة الهام

واذا رنا نحو الشجاع بطرفه *** فلحاظه في لُبّتّيهِ سهام

واذا الحروب توقّدت نيرانها *** ولها بآفاق السماء ظلام

فالبيض شمس والأسنة أنجم *** والنقع ليل فوقهن ركام

حتى اذا ما قيل حيدرة أتى *** خفتوا فلم يسمع هناك كلام

لا يملكون تزيّلا عنه كأن القوم *** لم تخلق لها اقدام

وكأن هيبته قيود عداته *** لا خلف ينجيهم ولا قدّام

ص: 315

رجل يحبّ اللّه وهو يحبه *** فعليه منه تحية وسلام

كانت هدايا اللّه تأتيه بها *** منه ملائكة عليه كرام

تفنى الصفات وليس يدرك فضله *** وتضلّ دون بلوغه الأوهام

واليته وبرئت من أعدائه *** أفهل عليّ بما فعلت ملام

واليكها تجلى القلوب بحسنها *** وتبلّج الاذهان والافهام

فيها ابن حماد يعارض اختها *** ( كم قد طوتك الكوم والاكام )

وفي يتيمة الدهر روى الابيات التالية وانها لابن حماد البصري.

ان كان لا بد من أهل ومن وطن *** فحيث آمنُ من ألقى ويأمننى

يا ليتني منكر مَن كنت اعرفه *** فلست اخشى إذاً من ليس يعرفني

لا اشتكي زمني هذا فاظلمه *** وانما اشتكي من اهل ذا الزمن

قد كان لي كنز صبر فافتقرت الى *** إنفاقه في مزاراتي لهم وَفَني

وقد سمعت أفانين الحديث فهل *** سمعت قط بحرٍّ غير ممتحن

ص: 316

عبد اللّه بن داود الدرمكي

حدود 900

اسهر طرفي وأنحل البدنا *** واجتاح صبري وزادني حزنا

ذكرى غريب الطفوف يوم سرى *** بالأهل والمال يعنف البدنا

ويقول فيها :

يا آل طه وهل اتى وسبا *** ومَن الى قصدهم توجهنا

عبدكم الدرمكيّ باعكم *** مهجته إذ نقدتم الثمنا

في قولكم لا يخاف من مسكت *** كفاه في حشره ولايتنا

وقال ايضا :

قلب المتيم بالاحزان موغور *** وطرفه عن لذيذ النوم محجور

ودمعه فوق صحن الخد منحدرٌ *** وجسمه بقيود السقم مقهور

ومنزل الصبر فيه مقفر خرب *** وعمره بالبكاء والنوح معمور

قد عاهد اللّه ايمانا مغلظة *** لا يترك الحزن حتى ينفخ الصور

* * *

ص: 317

ويقول فيها :

لله درهم ما كان اصبرهم *** كأنهم في الوغى اسد مغاوير

من كل محتزم بالصبر مدرع *** بالفضل متشح بالخير مذكور

كانوا كاصحاب بدر في الوغى لهم *** شأن ومجد وتعظيم وتوقير

ص: 318

عبد اللّه بن داود الدرمكي

توفي في حدود سنة 900 في عمان ودرمك قرية منها.

كان فاضلاً اديباً شاعراً فمن شعره في رثاء الحسين (عليه السلام) قوله :

أسهر طرفي وأنحل البدنا *** واجتاح صبري وزادني حزنا

ذكرى غريب الطفوف يوم سرى *** بالاهل والمال يعنف البدنا

ص: 319

الشيخ ابراهيم الكفعمي

حدود 900

سألتكم باللّه هل تدفنوني

اذا متّ في قبر بأرض عقير (1)

فاني به جار الشهيد بكربلا *** سليل رسول اللّه خير مجير

فاني به في حفرتي غير خائف *** بلا مرية ، من منكر ونكير

أمنتُ به في موقفي وقيامتي *** اذا الناس خافوا من لظى وسعير

فإني رأيتُ العرب تحمي نزيلها *** وتمنعه من أن يصاب بضير

فكيف بسبط المصطفى أن يردّ مَن *** بحائره ثاوٍ بغير نصير

وعار على حامي الحمى وفي الحمى *** اذا ضلّ في البيدا عقال بعير

وللشيخ ابراهيم الكفعمي ،

لما قدم الى كربلاء ووقف أمام الحائر الحسيني وهزّه الشوق ارتجل قصيدة

ص: 320


1- ذكر المترجم له في بعض حواشيه على المصباح انه حفر له أزج في كربلاء لدفنه فيه بأرض تسمى ( عقيراً ) فقال في ذلك وهو وصية منه الى أهله واخوانه بدفنه فيه ، انتهى عن أعيان الشيعة ج 5 ص 350.

تربو على مائة وثلاثين بيتاً منها :

أتيتُ الامام الحسين الشهيد *** بقلب حزين ودمع غزير

اتيت ضريحاً شريفاً به *** يعود الضرير كمثل البصير

أتيتُ إمام الهدى سيدي *** بشوق هو الكهف للمستجير

ص: 321

تقي الدين الكفعمي المتوفي سنة 900 قال صاحب كتات ( أعلام العرب )

تقي الدين ابراهيم بن زين الدين علي بن بدر الدين حسن بن محمد بن صالح ابن اسماعيل.. الحارثي الهمداني (1) ، الكفعمي اللويزي الجبعي (2) ، العلامة الفقيه الحافظ الزاهد الأديب.

ولد بقريه كفر عيما أوائل القرن التاسع ونشأ فيها ، وروى العلم اجازة عن جماعة منهم والده زين الدين علي والسيد الحسين بن مساعدالحسيني الحائري والسيد علي بن عبد الحسين بن سلطان الموسوي والشيخ زين الدين النباطي العاملي ، وكان تقي الدين محدثاً ثقة عالماً فقيهاً زاهداً مشهوراً بالاصلاح واسع الاطلاع متضلعاً في اللغة والأدب ، شاعراً بارعاً ، قال المقري : « ما رأيت مثله في سعة الحفظ والجمع » ، ووجد بخط المجلسي انه من مشاهير الفضلاء والمحدثين والصلحاء المتورعين. وكانت له مكتبة كبيرة ضمت كثيراً من الكتب الغريبة المعتبرة. ويقال انه قدم النجف وطالع في كتب الخزانة الغروية ، ومن تلك الكتب ألف تصانيفه الكثيرة في أنواع العلوم وغرائب الأخبار ، وكان حسن الحظ وقد وجد بخطه كتاب ( الدروس ) للشهيد فرغ منه سنة 850 ه.

سكن تقي الدين كربلاء مدة من الزمن وأوصى أن يدفن فيها في مكان أعده

ص: 322


1- نسبة الى الحارث الهمداني صاحب اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام .
2- لويزه وجبع من قرى لبنان كذالك كفعم.

لنفسه اسمه ( عقير ) ويظهر ان السيد الأمين يرى انه دفن في جبل عامل وذكر انه سكن كربلاء مدة وعمل لنفسه أزجاً بها بأرض تسمى عقيراً وأوصى أن يدفن فيه ثم عاد الى جبل عامل وتوفي فيها في قريته وانه عثر على قبره بعد زمن بعيد بما كتب على صخرة فوق قبره فعمر وصار مزورا يتبرك به.

ومما يؤسف له ان تقي الدين وهو من الاعلام المشاهير لم يضبط تاريخ ولادته ولاتاريخ وفاته ، والمظنون انه توفي سنة 900 ه- أو حوالي هذا التأريخ.

وله تصانيف كثيرة ومهمة ، عني بها الناس كثيراً ، منها : الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة - صحيفة الامام السجاد. القصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى ، نهاية الأرب في أمثال العرب ، قراضة النضير في التفسير فروق اللغة ، المنتقى في العوذ والرقى ، الحديقة الناضرة ، نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع في شرح بعض قصائد العرب. النحلة ، فرج الكرب وفرح القلب ، الرسالة الواضحة في شرح سورة الفاتحة ، الكواكب الدرية ، زهر الربيع في شواهد البديع ، حياة الأرواح في اللطائف والأخبار والآثار فرغ منه سنة 843 ، أرجوزة في مقتل الحسين وأصحابه ، مقاليد الكنوز في اقفال اللغوز ، رسالة في وفيات العلماء ، ملحقات الدروع الواقية ، اللفظ الوجيز في قراءة الكتاب العزيز ، حديقة أنوار الجنان الفاخرة وحدقة أنوار الجنان الناضرة ، مشكاة الانوار ، التلخيص في مسائل العويص. وغيرها.. وله فصول كثيرة مسجعة ذكر بعضها المقري في نفح الطيب ، والأمين في الأعيان. وله شعر كثير جداً.

ومن مؤلفاته عدا ما ذكرناه :

1 - البلد الامين والدرع الحصين ، وهو في السنن والآداب والادعية

ص: 323

المأثورة وغيرها ، عنيت بنشره مكتبة الصدوق في طهران للمرة الثانية بالاوفست سنة 1382 ه- ص 613 حجر ، بالقطع الكبير ، وفي صدره مقدمة قيمة مع شجرة نسب الكفعمي.

2 - جنة الامان الواقية وجنة الايمان الباقية ، المعروف ب- « مصباح الكفعمي » وهو كتاب ضخم كبير طبع مرتين في بمبئ ، وطبع في طهران بالمط الفخرية سنة 1320 على الحجر بقطع كبير ص 774 وهو يضم طوائف من المعارف ، والاخبار وما يؤثر من الاعمال ، وفي ص 466 - 472 أرجوزة في مستحبات الصوم ، وفي ص 701 - 711 قصيدة رائية رائعة للمؤلف في مدح الامام علي علیه السلام يذكر فيها مواقفه ومناقبه ومبايعته يوم غدير خم ، وفي الكتاب أنواع اخرى من شعره ، ونماذج من بيانه وأساليبه في البديع ، ومن هذا الكتاب نسخ مخطوطة بخطوط رائعة تدل على العناية به ومنها نسخة كتبت سنة 1057 بخط الحاج مؤمن بن محمد المشهدي مجدولة بخطين : ذهبي عريض وآخر أزرق ، والصفحة الاولى والثانية في منتهى الروعة والجمال مزخرفة بالذهب واللون الازرق ، وهي في ( مكتبة آية اللّه الحكيم ) في النجف.

3 - محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة ، رسالة طبعت في العجم وترجمت إلى الفارسية ، ونشرت ضمن كتابه ( البلد الامين ).

4 - مجموع الغرائب وموضوع الرغائب ، بمنزلة الكشكول منه نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية وهي من وقف ابن خاتون العاملي وقفها سنة 1067 ( الاعيان 5 / 343 ).

5 - صفط الصفات في شرح دعاء السمات ، ذكر في حواشي المصباح فرغ

ص: 324

منه في شعبان 875 ه- ومنه نسخة في طهران في مكتبة الشيخ ضياء الدين النوري ، ونسخة في مكتبة ( آية اللّه الحكيم ) بخط السماوي سنة 1355.

6 - مجموعة كبيرة كثيرة الفوائد ، ضمت مؤلفات عديدة ، قال صاحب الرياض : رأيتها بخطه في بلدة ايروان من بلاد آذربيجان وكان الفراغ من كتابه بعضها سنة 848 وبعضها 849 وبعضها سنة 852 فيها : كتاب الغريبين للهروي. ومغرب اللغة للمطرزي ، وغريب القرآن لمحمد بن عزيز السجستاني وجوامع الجامع للطبرسي ، وتفسير علي بن ابراهيم وعلل الشرائع للصدوق ، وقواعد الشهيد ، والمجازات النبوية للرضي ، والحدود والحقائق في تفسير الالفاظ المتداولة في الشرع وتعريفها ، ونزهة الالباء في طبقات الادباء للانباري ، ولسان الحاضر والنديم.. وكل هذه قد اختصرها ووجدت له!

قال : وقد عرف تقي الدين بنفسه في آخر ( المصباح ) بقوله : الكفعمي مولداً اللويزي محتداً ، الجبعي ابا الحارثي نسباً ، التقي لقبا ، الامامي مذهبا.

وقال الشيخ الاميني :

الشيخ تقي الدين ابراهيم ابن الشيخ زين الدين علي ابن الشيخ بدر الدين حسن ابن الشيخ محمد ابن الشيخ صالح ابن الشيخ اسماعيل الحارثي الهمداني العاملي الكفعمي اللويزي الجبعي.

أحد أعيان القرن التاسع الجامعين بين العلم والادب تشهد له تآليفه القيمة منها : المصباح الّفه سنة 895 - ثم البلد الامين وشرح الصحيفة إلى 49 مؤلفاً. توفي بكربلاء المقدسة وكان يوصي أهله بدفنه في الحائر الحسيني.

ص: 325

قال السيد الامين في الاعيان ج 5 ص 351 : وله قصيدة في مدح أمير المؤمنين علیه السلام ووصف يوم الغدير تبلغ مائة وتسعين بيتاً ويظهر من آخرها انه عملها في الحائر الحسيني على مشرفه السلام وأوردها في المصباح أيضاً ، أولها.

هينئاً هينئاً ليوم الغدير *** ويوم الحبور ويوم السرور

ويوم الكمال لدين الاله *** وإتمام نعمة رب غفور

ويوم العقود ويوم الشهود *** ويوم المدود لصنو البشير

ويوم الفلاح ويوم النجاح *** ويوم الصلاح لكل الأمور

ويوم الامارة للمرتضى *** ابي الحسنين الامام الامير

واين الضباب واين السحاب *** وليس الكواكب مثل البدور

علي الوصي وصي النبي *** وغوث الولي وحتف الكفور

وغيث المحول وزوج البتول *** وصنو الرسول السراج المنير

أمان البلاد وساقي العباد *** بيوم المعاد بعذب نمير

همام الصفوف ومقرى الضيوف *** وعند الزحوف كليث هصور

ومن قد هوى النجم في داره *** ومَن قاتل الجن في قعر بير

وسل عنه بدراً واحداً ترى *** له سطوات شجاع جسور

وسل عنه عمراً وسل مرحباً *** وفي يوم صفين ليل الهرير

وكم نصر الدين في معرك *** بسيف صقيل وعزم مرير

وستاً وعشرين حربا رأى *** مع الهاشمى البشير النذير

أمير السرايا بأمر النبي *** وليس عليه بها من أمير

وردّت له الشمس في بابل *** واثر بالقرص قبل الفطور

ترى الف عبد له معتقاً *** ويختار في القوت قرص الشعير

ص: 326

وفي مدحه نزلت هل أتى *** وفي ابنيه والام ذات الطهور

جزاهم بما صبروا جنة *** وملكاً كبيراً ولبس الحرير

وحلّوا أساور من فضة *** ويسقيهم من شراب طهور

واي التباهل دلّت على *** مقام عظيم ومجد كبير

وأولاده الغرّ سفن النجاة *** هداة الانام إلى كل نور

ومَن كتب اللّه أسماءهم *** على عرشه قبل خلق الدهور

هم الطيبون هم الطاهرون *** هم الاكرمون ورفد الفقير

هم العالمون هم العاملون *** هم الصائمون نهار الهجير

هم الحافظون حدود الاله *** وكهف الارامل والمستجير

لهم رتب علت النيرين *** وفضلهم كسحاب مطير

مناقبهم كنجوم السماء *** فكيف يترجم عنها ظهير

ترى البحر يقصر عن جودهم *** وليس لهم في الورى من نظير

فدونكها يا إمام الورى *** من الكفعمي العبيد الفقير

ومنها :

وشيخ كبير له لمة *** كساها التعمّر ثوب القتير (1)

أتاه النذير فأضحى يقول *** اعيذ نذيري بسبط النذير

أتيت الامام الحسين الشهيد *** بقلب حزين ودمع غزير

أتيت ضريحاً شريفا به *** يعود الضرير كمثل البصير

أتيت امام الهدى سيدي *** الى الحاير الجار للمستجير

ص: 327


1- القتير : الشيب.

أرجّي الممات ودفن العظام *** بأرض الطفوف بتلك القبور

لعلي أفوز بسكنى الجنان *** وحور محجّلةٍ في القصور

أتيت الى صاحب المعجزات *** قتيل الطغاة ودامي النحور

ويروي الصديق الأديب المعاصر سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) عن مجموعة خطية للعلامة السيد عبد الحسين آل طعمة بيتين الكفعمي ان قرءآ طرداً كانا مدحا ، وان قرءا عكسا كانا ذماً ، وهما :

شكروا وما نكثت لهم ذمم *** سروا وما هتكت لهم حرم

صبروا وما كملت لهم قمم *** نصروا وما وهنت لهم همم

ص: 328

محمد بن عمر النصيبي الشافعي

قال محمد بن عمر النصيبي الشافعي ،

حسين ان هجرت فلست أقوى *** على الهجران من فرح الحسود

ودمعي قد جرى نهراً ولكن *** عذولي في محبته يزيد (1)

ص: 329


1- عن الضوء اللامع في شعراء القرن التاسع للسخاوي ج 8 ص 260.

جاء في ( الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ) للسخاوي جزء 8 ص 259.

محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن احمد بن عبد القاهر بن هبة اللّه الجلال ابو بكر بن الزين ابي حفص بن الضياء بن النصيبي الشافعي سبط المحب بن الشحنة الحنفي ، ولد في ربيع الأول سنة احدى وخمسين وثمانمائة بحلب وقدم القاهرة وهو صغير مع أبيه.

ص: 330

استدراكات

اشارة

ص: 331

ص: 332

القاضي محمد بن عبد الجبار السمعاني

قال فخر القضاة ، وأنشدني القاضي الامام محمد بن عبد الجبار السمعاني من قيله.

سلّوا سيوف محمد لمحمد *** ففروا بها هامات آل محمد

فكأن عترة أحمد أعداؤه *** وكأنما الاعداء عترة احمد (1)

ص: 333


1- عن بحار الانوار للشيخ المجلسي ج 45 ص 291 الطبعة الجديدة والمنتخب للطريحي.

قال صلاح الدين الصفدي في الوافي بالوفيات ج 3 ص 214 السمعاني المروزي الفقيه ، محمد بن عبد الجبار بن احمد القاضي ابو منصور السمعاني المروزي الفقيه الحنفي وسمعان بطن من تميم ، كان إماماً ورعاً نحوياً لغوياً له مصنفات وهو والد العلامة أبي المظفر منصور السمعاني مصنف الصطلام ومصنّف الخلاف الذي انتقل من مذهب أبيه الى مذهب الشافعي ، توفي سنة خمسين واربعمائة أو فيما دونها ، وقد ذكره الباخرزي في ( الدمية ) وقال : أنشدتُ بحضرته قصيدة في مدح السيد ذي المجدين أبي القاسم على ابن موسى الموسوي ، وذكر الباخرزي جانبا جيداً من القصيدة وقال : فقال ابو منصور السمعاني فيّ بديهة.

حسنُ شعر وعُلاً قد جُمعا *** لك جمعاً يا علي بن الحسن

أنت في عين العُلى كحلٌ ومَن *** ردّ قولي فَهو في عين الوسن

قال وأنشدني له :

الحمد لله على أنه *** لم يَبلني بالماء والضيعة

فالماء يُفني ماء وجه الفتى *** وصاحب الضيعة في ضيعه

وذكره الزركلي في ( الاعلام ) ج 7.

محمد بن عبد الجبار بن احمد السمعاني التميمي المروزي : عالم بالعربية. وهو والد جد عبد الكريم السمعاني صاحب الانساب. له تصانيف في اللغة والنحو. وفاته سنة 450 ه- 1058 م.

ص: 334

وترجم له الشيخ عباس القمي في الكنى والالقاب وذكر له من المؤلفات ايضا كتاب فضائل الصحابة وتذييل تاريخ بغداد وغير ذلك ، قيل أنه سافر في طلب العلم والحديث الى شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها وسافر الى ما وراء النهر وسائر بلاد خراسان والى قومس والري واصبهان وهمذان وبلاد الجبال والعراق والحجاز والموصل والجزيرة والشام وغيرها من البلاد ولقي العلماء وأخذ منهم وجالسهم وروى عنهم وكان عدد شيوخه يزيد على الاربعة آلاف شيخ وكان ابوه وجده من العلماء والمحدثين. (1)

ص: 335


1- والسمعاني بفتح السين وقد يكسر نسبة الى سمعان : بطنٌ من تميم.

الشيخ محمد بن الحسين الطوسي

قال صاحب نسمة السحر ، ومن شعره الذي تكتبه الشيعة على فصّ أسود :

أنا غرويّ شديد السواد *** وقد كنتُ أبيض مثل اللجين

وما كنت أسود لكنني *** صبغتُ سواداً لقتل الحسين

قال : وله مما تكتبه الشيعة على فصّ أحمر :

حمرتي من دم قلبي *** أين مَن يندب أينا

أنا من أحجار أرض *** قتلوا فيها ( حسينا )

ص: 336

الشيخ محمد بن الحسين الطوسي.

قال اليماني في نسمة السحر

هو أحد شعراء الخريدة ، نفث روح القدس في روعه بكلمات حلّت ذوقاً ، فجاء بما أفحم ساجعات البان وما ترك لها طوقاً ، من كلمات رشيقة هي عيون سالت بالانسجام في حديقة ، وعادة العماد الكاتب أن لا يبالي بنسب من يذكره بالمناقب ، بل ذكر هذا الشاعر في بطن تلك الخريدة وأورد له مقطعات هي بنجابته شهيدة (1).

أقول ، كانت وفاة عماد الدين محمد القرشي الأصبهاني الكاتب صاحب الخريدة بدمشق يوم الاثنين مستهل شهر رمضان سنة 597 ه- فكان من حق الشاعر المتقدم أن يذكر في الأجزاء المتقدمة.

ص: 337


1- عن الجزء الثاني ص 371 من نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر ، تأليف ضياء الدين يوسف بن يحيى ، مخطوط مكتبة كاشف الغطاء العامة رقم 748.

ص: 338

الفهرس

الصفحة

5 المقدمة وفيها أسماء جماعة من شعراء أهل البيت الذين نظموا في الحسين خاصة وأهل البيت عامة ولكن لم نعثر على شعرهم

9 استدراك على الاجزاء المتقدمة من الكتاب ،

11 لمحة عن رواسب التشيع في المغرب كما جاء في محاضرة الدكتور عيد اللطيف السعداني عن حركات التشيع في المغرب ومظاهره ، مقتطفات من الحاضرة والعثور على كتب مخطوطة في مكتبات المغرب ومنها خزانة جامعة القرويين.

شعراء القرن السابع

الصفحة / سمة الوفاة

17 608 ابن سناء الملك ، شعرو وأدبه ، رثاؤه لأبيه وامه ، فخره العالي في رثاء محبوبته

ص: 339

الصفحة / سمة الوفاة

23 610 ابراهيم بن نصر قاضي السلامية ، ترجمته ، ألوان من شعره

26 614 أبو الحسن المنصور باللّه أحد أئمة الزيدية باليمن ، علمه وادبه مؤلفاته

31 629 علي بن المقرب الاحسائي ، أدوار حياته ، قصائده في الفخر

44 635 عبد الرحمن الكناني العسقلاني ، ترجمته وأدبه ، تعليق على شعره بكاء السماء ونوح الجن على الحسين علیه السلام

50 652 كمال الدين الشافعي محمد بن طلحة ، مكانته العلمية ومؤلفاته ، شعره في أهل البيت

55 655 عبد الحمي بن أبي الحديد المعتز لي صاحب شرح نهج البلاغة مكانة هذا الشرح بين الشروح ، شعره في التصرف والفلسفة والعرفانيات ، أقوال العلماء فيه ، مؤلفاته علوياته السبع

69 658 محمد بن عبد اللّه القضاعي البلنسي الشهير بابن الابار ، محاضرة الدكتور عبد اللطيف السعداني عن حركات التشيع في المغرب ، ترجمة ابن الابار وألوان من شعره

75 664 احمد بن صالح السنبلي ، غزمله وظرفه

77 672 ابو الحسين الجزار المصري ، شعره في صناعته وحسن السبك ، مختلف اشعاره وأغراضه ، أخباره مع السراج الوراق

ص: 340

الصفحة / سمة الوفاة

88 675 شمس الدين محمد بنعبيد اللكوفي الواعظ ، ترجمته وألوان من شعره ، وذكر حفيده

92 677 عبد اللّه بنعمر بن نصر الوزان ، ترجمته وشعره

98 680 نجم الدين بن نما الربعي ، اسرة آل نما. شهر المترجم له في أهل البيت علیهم السلام ، احواله وشيء من ترجمة ابيه

102 693 علي بن عيسى الاربلي ، روائع من شعره وغزله ، قصائده في الحسين

122 694 البوصيري ابو عبد اللّه محمد بن سعيد الصهناجي صاحب البردة ، ادبه وظرفه ، رقة شعره ، شفاؤه من مرضه ببركة البردة

129 695 سراج الدين الوراق ، شعاريته وأدبه ، حياته وسيرته ، واوينه ومناحي شعره

شعراء القرن الثامن

139 716 علاء الدين علي بن المظفر الكندي الاسكندراني المعروف بالوداعي ، حياته ومؤلفاته ، روائع من شعره ونتف من أدبه

145 تقريباً 725 علاء الدين الشفهيني ، قصائده السبع الطوال عالم كبير وأديب بارع ، تحقيق حول كلمة ( شفهيني ) اقوال العلماء فيه ، حنينه الى وطنه

197 749 ابن الوردي عمر بن مظفر البكري الحلبي الشافعي ،

ص: 341

الصفحة / سمة الوفاة

نبوغه في الادب ، سرعة البديهة في النظم ، لاميته المشهورة في الحكم والنصائح ، وهو صاحب التاريخ المشهور

209 تقريباً 750 أبو الحسين علي بن عبد العزيز الخليعي الموصلي الحلي ، قصة توليه لأهل البيت ، ديوانه المخطوط في أهل البيت جملة من قصائده في الحسين علیه السلام

222 760 علي بن عبد الحميد بن فخار

224 تقريباً 772 حسن بن عبد الكريم المخزومي ، تحقيق في قصيدته اللامية المنسوبة للحسن بن راشد الحلي

شعراء القرن التاسع

231 كان حياً 813 الشيخ رضي الدين رجب بن محمد البرسي ، تحقيق حول هذه النسبة ، اطلاعه وسعة معارفه ، كلام حول كتابه ( مشارق انوار اليقين في حقائق أسرار امير المؤمنين ) شعره في النبي وفي علي واتهامه بالغلو ، تعداد جملة من قصائده

259 815 محمد بن الحسن العليف ، قصيدته في الحسين ، حياته وشعره ، وترجمة ولده

265 820 ابن المتوج البحراني جمال الدين أحمد بن عبد اللّه قصيدته في الحسين ، ذكر من عرف بهذه الكنية والاشارة لترجمته

269 كان حياً 830 تاج الدين الحسن بن راشد الحلي علام ضليع

ص: 342

الصفحة / سمة الوفاة

وفاضل فقيه وشاعر اديب ، أقوال العلماء فيه ، شعره في الحسين

284 تقريباً 900 ابن العرندس الشيخ صالح ، حياته ، قصائده في الحسين

294 تقريباً 580 الشيخ مغامس بن داغر ، حياته ، قصائده في الحسين

306 اواخر القرن التاسع محمد بن حماد الحلي ، شعره ، تحقيق حول جملة من الشعراء يعرف كلٌ منهم ب- ( ابن حماد ) وذكر جملة من اشعارهم في الامام أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام

317 تقريباً 900 عبد اللّه بن داود الدرمكي. نبذة عن حياته

320 تقريباً 900 الشيخ ابراهيم الكفعمي العاملي الهمداني ، مشايخه وأساتذته مكانته العلمية ، تعداد مصنفاته ، آثاره العلمية والادبية شعره المرتجل في حرم الحسين علیه السلام بكربلاء

329 القرن التاسع محمد بن عمر النصيبي الشافعي ، لمحة عن حياته

استدراك

336 450 القاضي محمد بن عبد الجبار السمعاني ، حياته ، شعره

339 القرن السادس الشيخ محمد بن الحسين الطوسي ، نبذة عن حياته

ص: 343

ص: 344

مصادر الكتاب

النجوم الزاهرة في ملوك مصر ولقاهرة البن تغري

الدور الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني

ذيل تاريخ ابن خلكان للصفدي

روضات الجنات للخوانساري

تذكرة الحفاظ للذهبي

نسمة السحر فيمن تشيع وشعر لليماني مخطوط

تاريخ ابن الوردي

ديوان ابن الوردي

تفحة اليمن للشيرواني

البابليات للشيخ محمد علي اليعقوبي

الكشكول للشيخ يوسف البحراني

أمل الامل للحر العاملي

ديوان ابن سناء الملك

ديوان علي بن المقرّب

العلويات السبع

نفح الطيب للتلمساني

ص: 345

جواهر الأدب - سليم صادر

مجلة البلاغ الكاظمية

وفيات الاعيان لابن خلكان

الحدائق الوريدة للامام حميد الشهيد مخطوط

الغدير للشيخ الأميني

فوات الوفيات لابن شاكر

دائرة معارف القرن العشرين

فريد وجدي

الصواعق المحرقة لابن حجر

اعلام العرب عبد الصاحب الدجيلي

مطالب السؤال كمال الدين الشافعي

الذريعة الى تصانيف الشيعة آغا بزرك الطهراني

الكنى والالقاب للقمي

آداب اللغة العربية جرجي زيدان

محاضرة الدكتور عبد اللطيف السعداني مخطوطة

أعيان الشيعة للامين

خريدة القصر للعماد الاصفهاني

خرانة الادب لابن حجة

المخطوطة الادبية للشيخ كاشف الغطاء مخطوطة

شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي

الحوادث الجامعة لابن الفوطي

موارد الاتحاف في نقباء الاشراف

الكواكب السماوية للسماوي

كشف الغمة الى معرفة الائمة علي بن عيسى الاربلي

ص: 346

سوانح الافكار في منتخب الاشعار للمؤلف

ديوان الشيخ الخلعي مخطوط مكتبة الامام الحكيم

مطالع البدور ومجمع البحور

للقاضي صفي الدين أحمد بن صالح اليماني مخطوط مكتبة كاشف الغطاء - العامة

العقد الثمين في تاريخ البلد الامين

نظم العقيان في أعيان الاعيان

شعراء الحلة للخاقاني

يتيمة الدهر للثعالبي

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي

سمير الحاظر وأنيس المسافر مخطوط الشيخ علي كاشف الغطاء مكتبة كاشف الغطاء العامة

الوافي بالوفيات للصفدي

شعراء من كربلاء سلمان هادي الطعمة

شواهد الاديب للمؤلف

ص: 347

المجلد 5

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 383

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء الخامس

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين على هذه الخطوة الخامسة من مراحل موسوعة أدب الطف بهذا الجزء الخامس متمشين مع شعراء القرون. ها نحن الآن نعيش بين شعراء القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر ، باحثين ومنقبين ، ساهرين على تسجيل تاريخهم وسيرتهم ، منتقين أجمل ما جادت به قرائحهم ودبجته أقلامهم ، نحرص على الشاردة والواردة عنهم على حد قول القائل :

ترى الفتى ينكر فضل الفتى *** في دهره حتى إذا ما ذهب

جدّ به الحرص على نكتة *** يكتبها عنه بماء الذهب

دفع دخل :

قلت لصديق لي أثق به وأرتاح إلى ذوقه الأدبي : هل ترى ان من وحدة الموضوع ان يكون في جملة شعراء الحسين علیه السلام ذاك الذي يقول في محبوبه - واسمه حسين -

تركت جفني واصلا والكرى *** راء (1) فجد بالوصل ، فالوصل زين

ولا تجبني على سؤالي بلا *** فالقلب يخشى كرب ( لا ) يا حسين

ذاك هو الشاعر شهاب الدين أحمد الفيومي (2) المتوفى سنة نيف وسبعين وسبعمائة للهجرة.

ص: 5


1- يشير الى واصل بن عطاء وتعذر نطقه بالراء.
2- وفيوم كقيوم : اسم ناحية بمصر.

قال انها تورية جميلة تنبّه الأفكار إلى يوم الحسين علیه السلام ، قلت إنه لم يقصد بقوله هذا إلا محبوبه ، لكن لشهرة يوم الحسين بن علي ولحادث كربلاء الذي هزّ العالم الاسلامي والذي أصبح شاهداً على الأيام وبارزاً بين حوادث العالم جاء به هذا الشاعر وغيره من الأدباء دليلاً وشاهداً ، وشاهدي على ذلك ما رواه البويني الحنبلي في ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 359 قال :

في السنة الثامنة والخمسين والستمائة في يوم الاثنين السابع والعشرين من جمادي الاولى طيف بدمشق برأس مقطوع مرفوع على رمح قصير معلق بشعره وهو في قطعة شبكة زعموا انه رأس الملك الكامل محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب ميافارقين وتلك النواحي ودام في حصار الشام أكثر من سنة ونصف ولم يظهر عليهم الى ان فنى أهل البلد لفناء زادهم فوجد مع من بقي من أصحابه موتى أو مرضى فقطع رأسه وطيف به البلاد ثم علق على باب الفراديس الخارج فقال قائل في ذلك :

ابن غاز غزا وجاهد قوماً *** أثخنوا في العراق والمشرقين

ظاهراً غالباً ومات شهيداً *** بعد صبر عليهم عامين

لم يشنه ان طيف بالراس منه *** فله أسوة برأس الحسين

وافق السبط في الشهادة والحمل *** لقد حاز أجره مرتين

جمع اللّه حسن زين الشهيدين *** على فتح تينك القلعتين

ثم واروا في مشهد الرأس ذاك *** الرأس فاستعجبوا من الحالين

وارتجوا انه يجيء لدى البعث *** رفيق الحسين في الجنتين

ثم وقع الاتفاق العجيب ان دفن في مسجد الراس داخل باب الفراديس في المحراب في أصل الجدار وغربي المحراب في طاقة يقال ان رأس الحسين دفن بها.

ص: 6

وكقول الشيخ حسين الكركي العاملي :

جودي بوصل أو ببينِ *** فاليأس احدى الراحتين

أيحلّ في شرع الهوى *** أن تذهبي بدم الحسين (1)

وكقول محمد بن عمر النصيبي الشافعي - من شعراء القرن التاسع - (2) :

حسينٌ ان هجرت فلستُ أقوى *** على الهجران من فرح الحسود

ودمعي قد جرى نهراً ولكن *** عذولي في محبته ( يزيد )

وقول الوزير المغربي - وهو من شعراء القرن الخامس الهجري ، وكان الحاكم قد قتل أهله بمصر كما رواها في معجم البلدان :

اذا كنت مشتاقاً إلى الطف تائقا *** إلى كربلا فانظر عراص المقطم

ترى من رجال المغربي عصابة *** مضرجة الاوساط والصدر بالدم

ومثله بل أجلى منه قول أبي جفعر البحاني الخازن يرثي أبا الحسين ابن سيمحون :

لهفي عليك أبا الحسينِ *** عيناً رمتك بكل عينِ

جرعتني غصص الجوى *** وأريتني يوم الحسين (3)

ومما يناسب هذا من التورية ما رأيته في ( جواهر البلاغة ) من قول أحدهم :

يا سيداً حاز لطفاً *** له البرايا عبيد

ص: 7


1- الشيخ الكركي من أفذاذ العلم له مؤلفات كثيرة ذكرها الحر العاملي في أمل الآمال. توفي سنة 1076 ه.
2- ترجم له السخاوي في الضوء اللامع لاهل القرن التاسع - ج 8 ص 259.
3- عن كتاب سمير الخاطر وأنيس السافر مخطوط العلامة البحاثة الشيخ علي كاشف الغطاء المتوفى 1350 ه- ، مكتبة كاشف الغطاء العامة - قسم المخطوطات -.

أنت ( الحسين ) ولكن *** جفاك فينا ( يزيد )

ومما يناسب ذلك قول بعضهم كما روى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة :

قالوا أتى العيد والأيام مشرقة *** وأنت باك وكل الناس مسرور

فقلت ان واصل الاحباب كان لنا *** عيداً وإلا فهذا اليوم عاشور

ان الصديق يرى ان أمثال هؤلاء الأدباء لما أشاروا إلى يوم الحسين وتحسسوا بنهضته وتأثروا بها ولمحوا اليها أو صرحوا من قريب أو بعيد ، حق لهم أن يكونوا من فرسان هذه الحلبة. اما أنا فلم أقتنع كل الاقتناع وان كنت ذكرت أمثالهم في ثنايا هذه الموسوعة وقد مضى أمس بما فيه. لذا أشرت اليهم هنا. واللّه من وراء القصد.

المؤلف

ص: 8

القرن العاشر

هو العصر الذي ركد فيه الأدب وخمدت جذوته ، وكمّت أفواه الشعر والشعراء وإليك ما قاله الخطيب اليعقوبي عنه في ( البابليات ) :

قال : انتابت العراق في هذا القرن من أعالي الشمال إلى أقاصي الجنوب نكبات ومحن واضطرابات وفتن أثارتها العصبيات القومية والنعرات الطائفية وظلت البلاد أكثر من مئة عام « لا تستقر على حال من القلق » حروب وغارات وذحول وثارات تحت استعمار الفرس مرة وإرهاق الأتراك أخرى وذلك منذ هجوم الشاه اسماعيل الصفوي ملك ايران سنة 914 ه- على بغداد واستيلاء أولاده وأحفاده بعده كالشاه طهماسب والشاه عباس والشاه صفي وحروبهم مع « التركمان » أولا وملوك آل عثمان ثانياً منذ عهد السلطان سليمان القانوني إلى دخول السلطان مراد الى بغداد عام 1048 ه- كل ذلك وأبناء الرافدين تقاسي ما لا يستغرقه الوصف من القتل والتمثيل والانتقام والتنكيل وما الى ذلك من ردم المدارس والمعاهد وتخريب المعابد والمشاهد - وخاصة في دار السلام بغداد - ومما لا ريب فيه ان تلك الحوادث المؤلمة أدت إلى القضاء على روح النهضة العلمية وشلّ يد الحركة الأدبية فتضاءلت أصوات العلماء وخمدت قرائح الأدباء فلا تكاد تسمع يومئذ للعربية وآدابها صوتاً. وإذا كان هناك آحاد من القوم يستحقون الذكر فقد طوى متأخروا المؤرخين عنهم كشحاً وضربوا على أسمائهم حجاباً كثيفاً من الاهمال والخمول فعميت على

ص: 9

الناس أخبارهم وانطمست آثارهم. حتى انبرى إمام أئمة الأدب وأشهر أعلامه في القرن الحادي عشر العلامة الأديب الشهير السيد علي خان المدني المتوفى سنة 1119 ه- فعرفنا في كتابه « سلافة العصر » بأسماء بضعة رجال نبغوا في الحلة والنجف كانوا قد نشأوا في أخريات القرن العاشر وعاشوا في أواسط الحادي عشر « عصر المؤلف » ثم اقتفى أثره معاصره ومادحه الشيخ محمد علي بشارة النجفي فترجم في كتابه الذي سماه « نشوة السلافة » لجماعة آخرين من الحلة والنجف وكربلاء ممن لم يصل الى صاحب السلافة شيء من أحوالهم ولولاهما لما عرفنا عن أولئك النفر شيئا.

ص: 10

شعراء القرن العاشر

اشارة

الوفاة

الشيخ مفلح بن الحسن بن راشد الصيمري حدود 900

حسين بن مساعد 910

محمد السبعي 920

الشيخ محمد البلاغي القرن العاشر

السيد حسين الغريفي 1001

ابن أبي شافين البحراني حدود 1001

الشيخ جمال الدين بن المطهر وطائفة من الشعراء حدود 1000

ص: 11

ص: 12

الشيخ مفلح الصيمري

اشارة

المتوفى سنة 933

أعدلك يا هذا الزمان محرمُ *** أم الجور مفروض عليك محتم

أم أنت ملوم والجدود لئيمة *** فلم ترع إلا للذي هو ألوم

فشأنك تعظيم الأراذل دائماً *** وعرنين أرباب الفصاحة ترغم

اذا زاد فضل المرء زاد امتحانه *** وترعى لمن لا فضل فيه وترحم

اذا اجتمع المعروف والدين والتقى *** لشخص رماه الدهر وهو مصمم

وذاك لأن الدين والعلم والندى *** له معدن أهلوه يؤخذ عنهموا

فمعدنه آل الني محمد *** وخيرهم صنو النبي المعظم

فأقبلت الدنيا اليه بزينةٍ *** وألقت اليه نفسها وهي تبسم

فأعرض عنها كارهاً لنعيمها *** وقابلها منه الطلاق المحرّم

فمالت الى أهل الرذائل والخنا *** وأومت اليهم أيها القوم اقدموا

فشنوا بها الغارات من كل جانب *** وخصّوا بها آل النبي وصمموا

أزالوهم بالقهر عن ارث جدهم *** عناداً وما شاؤا أحلّوا وحرّموا

وأعظم من كل الرزايا رزية *** مصارع يوم الطف أدهى وأعظم

فما أحدث الأيام من يوم أنشئت *** ولا حادث فيها الى يوم تعدم

بأعظم منها في الزمان رزيّة *** يقام لها حتى القيامة مأتم

ولم أنس سبط المصطفى وهو ضامئ *** يذاد عن الماء المباح ويحرم

تموت عطاشاً آل بيت محمد *** ويشرب هذا الماء ترك وديلم

ص: 13

أهذا الذي أوصى به سيد الورى *** ألم تسمعوا أم ليس في القوم مسلم

سيجمعُنا يوم القيامة محشر *** واقبل فيه شاكياً أتظلّم

فخصمكم فيه النبي وحيدر *** وفاطمة ، والسجن فيه جهنم

فمالوا عليه بالسيوف وبالقنا *** فبارزهم وهو الهزبر الغشمشم

وحكّم فيهم سمهرياً مقوّماً *** وأبيض لا ينبو ولا يتثلّم

وصال عليهم صولة علوية *** فكانوا كضأل صان فيهنّ ضيغم

فنادى ابن سعد بالرماة ألا اقصدوا *** اليه جميعاً بالسهام ويمموا

ففوق كل سهمه وهو مغرق *** من النزع نحو السبط وهو مصممُ

فخرّ صريعاً في التراب معفراً *** يعالج نزع السهم والسهم محكم

ويأخذ من فيض الوريد بكفه *** ويرمي به نحو السما يتظلّم

فنادى ابن سعد مَن يجيء برأسه *** فسار اليه الشمر لا يتبرّم

وبادر ينعاه الحصان مسارعاً *** الى خيم النسوان وهو يحمحم

فلما رأين المهر والسرج خالياً *** خرجن وكل حاسر وهي تلطم

ونادين هذا اليوم مات محمد *** ومات عليٌ والزكي وفاطم

فهذا الذي كنا نعيش بظلّه *** يلوذ به طفل رضيعٌ وأيّم

فيا لك من يوم به الكفر ناطق *** ودين الهدى أعمى أصم وأبكم

* * *

أيا سادتي يا آل بيت محمد *** بكم مفلح مستعصم متلزم

فأنتم له حصن منيع وجُنّة *** وعروته الوثقى بداريه أنتمُ

ألا فاقبلوا من عبدكم ما استطاعه *** فعبدكمُ عبدٌ مقلّ ومعدم

عن ( المنتخب ) للطريحي - طبعة النجف

ص: 14

الشيخ مفلح بن الحسن بن راشد أو رشيد بن صلاح الصيمري البحراني.

قال السيد الامين في الاعيان : توفي في حدود سنة 900 وقبره في قرية سنماباد من قرى البحرين وقبر ابنه الشيخ حسين بجنبه.

نسبته :

( الصيمري ) نسبة الى صيمرة بصاد مهملة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وميم مفتوحة وراء مهملة وهاء. في معجم البلدان كلمة أعجمية وهي في موضعين احدهما بالبصرة على فم نهر معقل وفيها عدة قرى تسمى بهذا الاسم ، وبلد بين ديار الجبل وديار خوزستان وهي مدينة بمهرجان قُذف وهي للقاصد من همذان الى بغداد عن يساره. قال الاصطخري واما صيمرة والسيروان فمدينتان صغيرتان. ( وفي انساب السمعاني ) : الصيمري هذه النسبة الى موضعين احدهما منسوب الى نهر من أنهار البصرة يقال له الصيمري عليه عدة قرى واما الصيمرة فبلدة بين ديار الجبل وخوزستان ، وسألت بعضهم عن هذا النسب فقال صيمرة وكودشت قريتان بخوزستان « ا ه- ».

وقال الشيخ سليمان البحراني : ان المترجم أصله من صيمر البصرة وانتقل الى البحرين وسكن قرية سنم آباد. قال اقا بزرك الطهراني العسكري فيما كتبه الينا : الذي وجدناه في جميع النسخ ابن الحسن مكبرا حتى في اجازته التي بخطه لناصر بن ابراهيم البويهي فما في نسخة الآمل المطبوعة من انه ابن الحسين غلط وفي رسالة الشيخ سليمان الماحوزي البحراني التي كتبها في ذكر بعض علماء البحرين في نسخة ابن الحسن ابن رشيد وفي أخرى ابن راشد وفي اجازة الشيخ مفلح لناصر بن ابراهيم البويهي التي بخطه سنة 873 هكذا :

ص: 15

مفلح بن حسن رشيد بن صلاح الصيمري اما والده فلعله لم يكن من العلماء لأن الشيخ سليمان في الرسالة المذكورة ذكر الشيخ مفلح وابنه الحسين بن مفلح ولم يذكر والده ولو كان من العلماء لذكره ويحتمل سقوطه من قلمه أو تركه له ككثير من مشاهير البحرانيين ويحتمل اتحاده مع الحسن بن محمد بن راشد البحراني صاحب نظم ألفية الشهيد أو الحسن بن محمد بن راشد صاحب كتاب مصباح المهتدين.

أقوال العلماء فيه

في أمل الآمل : فاضل علامة فقيه معاصر الشيخ علي بن عبد العالي الكركي وفي رسالة للشيخ سليمان البحراني وصفه بالفقيه العلامة. قال المؤلف : وأقواله وفتاواه مشهورة مذكورة في كتب الفقهاء المبسوطة.

مؤلفاته

في الرسالة المتقدمة : له التصانيف المليحة الفائقة (1) غاية المرام في شرح شرائع الاسلام ، في أنوار البدرين ولعله أول شروح الشرائع وفي الرسالة المتقدمة : وقد أجاد فيه وطبق المفصل وفرق فيه بين الرطلين في الزكاتين وفاقاً لابن فهد الحلي في المهذب والعلامة في التحرير (2) شرح الموجز لابن فهد الحلي وهو المسمى كشف الالتباس في شرح موجز أبي العباس. في الرسالة المتقدمة انه أظهر فيه اليد البيضاء (3) مختار الصحاح (4) منتخب الخلاف أو تلخيص الخلاف منه نسخة في مكتبة الحسينية بالنجف الأشرف (5) رسالة جواهر الكلمات في العقود والايقاعات. في الأمل وهي دالة على علمه وفضله واحتياطه وفي الرسالة المتقدمة : مليح كثير المباحث غزير العلم.

اشعاره

له شعر كثير في مناقب أهل البيت وفي المثالب ومن شعره قوله :

ص: 16

أعدلك يا هذا الزمان محرم *** أم الجور مفروض عليك محتم

وله :

الى كم مصابيح الدجى ليس تطلع *** وحتّام غيم الجور لا بتقشع

يقولون في أرض العراق مشعشع *** وهل بقعة إلا وفيها مشعشع (1)

وقال الزر كلي في الأعلام : مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري : فقيه أمامي. نسبته إلى صيمر بقرب خوزستان. له كتب منها : جواهر الكلمات في صيغ العقود والايقاعات ، فرغ من تأليفه سنة 870 و ( التبيينات ) رسالة في الفرائض والتنبيه على غرائب من لم يحضره الفقيه ، وأجازة بخطه كتبها سنة 873.

أقول وترجم له الشيخ علي البلادي في ( أنوار البدرين ) ص 74 وقال : وقبره في قرية سلما باد من البحرين وقبر ابنه الصالح الشيخ حسين بجنبه. أقول وذكر ترجمة ولده الشيخ حسين ابن الشيخ مفلح المتوفي سنة 933.

وذكر البحاثة المعاصر الشيخ آغا بزرك الطهراني في عدة مواضع من ( الذريعة ) كتب الشيخ مفلح واجازاته.

وترجم له السيد الخوانساري في روضات الجنات وقال توفي سنة 933 وعمره يزيد على الثمانين ، وكان له فضائل ومكرمات وكان يختم القرآن في كل ليلة الاثنين والجمعة مرة.

قصيدة الشيخ مفلح :

الى كم مصابيح الدجى ليس تطلع *** وحتّام غيمُ الجو لا يتقشع

ص: 17


1- عن أعيان الشيعة ج 48 ص 91.

لقد طبّق الآفاق شرقاً ومغرباً *** فلا ينجلي آناً ولا يتقطع

وأمطر في كل البلاد صواعقاً *** وهبت له ريح من الشر زعزع

منازل أهل الجور في كل بلدة *** عمار وأهل العدل في تلك بلقع

يقولون في أرض العراق مشعشع *** وهل بقعة إلا وفيها مشعشع

وأعظم من كل الرزايا رزية *** مصارع يوم الطف أدهى وأشنع

فما انس لا أنس الحسين ورهطه *** وعترته بالطف ظلماً تصرع

ولم أنسه والشمر من فوق رأسه *** يهشم صدراً وهو للعلم مجمع

ولم أنس مظلوماً ذبيحاً من القفا *** وقد كان نور اللّه في الأرض يلمع

يقبله الهادي النبي بنحره *** وموضع تقبيل النبي يقطع

إذا حزّ عضواً منه نادى بجدّه *** وشمر على تصميمه ليس يرجع

تزلزلت بأفلاك من كل جانب *** تكاد السما تنقض والأرض تقلع

وضجت بأفلاك السما وتناوحت *** طيور الفلا والوحش والجن أجمع

وترفع صوتاً أم كلثوم بالبكا *** وتشكو الى اللّه العلي وتضرع

وتندب من عظم الرزية جدها *** فلو جدنا يرنو إلينا ويسمع

أيا جدنا نشكو إليك أمية *** فقد بالغوا في ظلمنا وتبدعوا

أيا جدنا لو أن رأيت مصابنا *** لكنت ترى أمراً له الصخر يصدع

أيا جدنا هذا الحسين معفراً *** على الترب محزوز الوريد مقطع

فجثمانه تحت الخيول ورأسه *** عناداً بأطراف الأسنة يرفع

أيا جدنا لم يتركوا من رجالنا *** كبيراً ولا طفلاً على الثدي يرضع

أيا جدنا لم يتركوا لنسائنا *** خماراً ولا ثوباً ولم يبق برقع

أيا جدنا سرنا سبايا حواسراً *** كأنّا سبايا الروم بل نحن أوضع

أيا جدنا لو ان ترانا أذلة *** أسارى الى أعدائنا نتضرع

أيا جدنا زين العباد مكبّل *** عليل سقم مدنف متوجع

ص: 18

فما فعلت عاد كفعل أمية *** ولكنهم آثار قوم تتبع

فما قتل السبط الشهيد ورهطه *** سوى عصبة يوم السقيفة أجمعوا

وما ذاك إلا سامري وعجله *** أهم أصلّوا للظلم والقوم فرعوا

ألا لعن اللّه الذين توازروا *** على ظلم آل المصطفى وتجمعوا

أيا سادتي يا آل بيت محمد *** بكم مفلح مستعصم متمنع

وانتم ملاذي عند كل كريهة *** وأنتم له حصن منيع ومفزع

اذا كنتم دُرعي ورمحي ومنصلي *** فلا اختشي بأساً ولا أتروع

بكم أتقى هول المهمات في الدنا *** وأهوال روعات القيامة أدفع

فدو نكموها من محب ومبغض *** له كبد حرّى وقلب مفجع

ولا طاقتي إلا المدائح والهجا *** وليس بهذا علة القلب تنقع

الا ساعة فيها أجرد صارماً *** وأضرب هام القوم حتى يصرعوا

فحينئذ يشفى الفؤاد وحزنه *** مقيم ولو لم يبق للقوم موضع

أيا سادتي يا آل بيت محمد *** ويا من بهم يعطي الإله ويمنع

ألا فاقبلوا من عبدكم ومحبكم *** قليلاً فإن الحر يرضى ويقنع

فإن كان تقصير بما قد أتيته *** فساحتة عذري يا موالي مهيع

فلست بقوال ولست بشاعر *** ولكنّ من فرط الأسى أتولع (1)

ص: 19


1- عن منتخب الطريحي 145.

الحسين بن مساعد

قلبي لطول بعادكم يتفطرُ *** ومدامعي لفراقكم تتقطّرُ

وإذا مررت على معاهدكم ولا *** ألفي بها من بعدكم من يخبر

هاجت بلابل خاطري ووقفت في *** أرجائها ودموع عيني تهمر

غدر الزمان بنا ففرّق شملنا *** والغدر طبع فيه لا يتغير

ردّوا الركاب لعلّ مَن يهواكُم *** يوماً بقربكم يفوز ويظفر

قد كدتُ لما غبتم عن ناظري *** لأليم هجركم أموت وأقبر

لكن مصاب محمد في آله *** أنسى سواه فغيره لا يذكر

السادة الأبرار أنوار الهدى *** قومٌ مآثر فضلهم لا تنكر

اهل المكارم والفوائد والندى *** وبذلك القرآن عنهم يخبر

الحافظون الشرع الهادون من *** أمسى بنور هداهُم يتبصر

أفهل سمعت بهل أتى لسواهُم *** مدحاً وذلك بيّن لا ينكر

فهم النجاة لمن غدا متمسكاً *** بهم وهم نورٌ لمن يتحيّر

والرجس أذهبه المهيمن عنهم *** من فضله فتقدّسوا وتتطهّروا

كم مثل ميكال وحق أبيهم *** بهم يسود وجبرئيل يفخر

وكفاهم فخراً بأنّ أباهم ال- *** -متبتل المزمّل المدثر

وبه تشرّفت البسيطة واغتدى *** ايوان كسرى هيبة يتفطّر

ص: 20

مولى تظلله الغمامة سائراً *** وتقيه من حرّ الهجير وتستر

وبكفه نطق الحصى ولكم غدت *** منها المياه فضيلة تتفجر

قد كنتُ أهوى ان أراك *** غدات يوم الطف حياً في البرية ينظر

لترى الحسين بكربلاء وقد غدا *** لقتاله الجيش اللّهام يُسبّر

وغدا الحسين يقول في أصحابه *** قوموا لحرب عدوكم واستبشروا

من كل أشوس باسل لا ينثني *** من فوق مهر سابق لا يدبر

باعوا نفوسهم لأجل تجارة ال- *** أخرى فنعم جزاؤهم والمتجر

جادوا أمام إمامهم بنفائس *** من أنفسٍ طهرت وطاب العنصر

واستعذبوا مرّ الحتوف وجاهدوا *** حق الجهاد وجالدوا وتصبروا (1)

ص: 21


1- كتاب - ( مدينة الحسين ) السيد محمد حسن كليدار ج 3.

عز الدين حسين بن مساعد

هو السيد النسابة من أجلّة العلماء وأكابر الفضلاء الشاعر الأديب حسين ابن مساعد بن الحسن بن مخزوم بن أبي القاسم ، هكذا ورد نسبه في آخر ( عمدة الطالب ) الذي نسخه بخطه وفرغ منه في 25 ربيع الثاني عام 893 ه. وجدته في مكتبة المرحوم الشيخ عبد الرضا آل شيخ راضي في النجف حيث ذكر ابن مساعد في نسخته هذه بقوله :

« إني كتبتها عن نسخة مكتوبة بخط المؤلف عام 812 ه- وقبل وفاة السيد الداودي ب- 16 سنة ».

ثم كتب على نسخته هوامش في خلال سنين كما يظهر من تواريخ بعضها.

وجاء في بعض تلك الهوامش بيان اتصال نسب بعض من أدركهم من السادة المذكورين في - عمدة الطالب - مع بيان نسب بعض السادة الآخرين الذين تعرّف عليهم ( ابن مساعد ) في سفره الى سبزوار وسمنان من مدن ايران عندما كان متوجهاً في طريقه لزيارة الإمام الرضا (عليه السلام) عام 917 ه- ، ويقرأ ختمه : ( الاحقر حسين بن مساعد الحائري ) على كثير من المشجرات المخطوطة العائدة لبعض السادات العلويين ومنها مشجرة - آل دراج - نقباء كربلاء.

جاء في هامش ( عمدة الطالب ) المطبوع في ذكر العقب من عيسى بن يحيى بن الحسين « ذي الدمعة » ما نصه :

العقب من عيسى في ولده ابو الحسن علي ويقال لهم ( بنو المهنا ) وهو

ص: 22

ابو الحسن علي بن محمد بن أحمد الناصر بن أبي صلت يحيى بن أبي العباس أحمد بن علي بن عيسى المذكور - كان له عقب بالحائر ولهم النقابة والبأس والشجاعة ، وعقبه محصور في ولده - أبي طاهر محمد الذي كان متوجهاً بالحائر والعقب منه في ولده ( عيسى بن طاهر ) ويعرفون بالحائر ( بني عيسى ) وباسمهم سمي قديماً طرفهم ( محلة آل عيسى ) في كربلاء ، والعقب منه في بني المقري أبي عبد اللّه الحسين بن محمد بن عيسى بن طاهر المزبور ويقال لولده : ( بنو المقري ) وكلهم بالحائر.

والعقب من بني المقري في الحائر « بنو طوغان » منهم السيد بدر الدين حسن بن مخزوم بن أبي القاسم طوغان بن الحسين المقري ومنهم السيد الكامل الحافظ كمال الدين ( حسين بن مساعد ) واخوته عماد الدين وعبد الحق ومحمد اولاد السيد العالم المدرس إمام الحضرة الحسينية الحائرية شمس الدين محمد المعروف ب- « مساعد » بن حسن بن مخزوم بن أبي القاسم طوغان ووالده العلامة الفاضل النسابة المترجم ( حسين بن مساعد الحائري ).

ثم يقول : اني ألحقت آل طوغان الذين هم من بني المقري عند كتابي لهذه المبسوطة في سنة 893 ه- تجسيداً لعهدهم والحمد لله تعالى وحده.

ولم يضبط مؤرخو الامامية تاريخ وفاة الإمام العلامة حسين بن مساعد الحائري.

إلا ان السماوي جاء في أرجوزته تاريخ وفاته نظماً كما يلي :

ثم الحسين بن مساعد الأبي *** وجامع الأخبار بعد النسب

الموسوي الحائري قد مضى *** لربه بها فارخه قضى

ويفهم من ذلك ان وفاته كانت في سنة 910 ه.

وقال فيه صاحب الذريعة في تصانيف الشيعة :

كان حياً عام 917 ه- وهو من أجلّة العلماء وأكابر الفضلاء في عصره في

ص: 23

كربلاء ، وكان شاعراً بليغاً له عدة تصانيف منها تحفة الأبرار في مناقب أبي الأئمة الأطهار - أخرجه من كتب ( أهل السنة ) وذكر أسماءها في آخر الكتاب وهو من مآخذ كتاب البحار للمجلسي.

ونقل عنه الكفعمي وقال في وصفه في ذيل حاشيته « المصباح » : هو السيد النجيب الحسيب عز الاسلام والمسلمين أبو الفضائل أسد اللّه ثم يقول كان بينا في المراسلات نظماً ونثراً.

وقال فيه صاحب - رياض العلماء - « هو السيد عز الدين الحسين بن مساعد وكان والده السيد مساعد عالماً فاضلاً ألف كتاب « بيدر الفلاح » ولكن لم يذكر اسمه في ذيل الكتاب إلا ان تلميذه الشيخ ابراهيم الكفعمي (1) كان عارفاً بشأنه وشأن والده ومطلعاً على تصانفهما.

وكذلك يروي الكفعمي عن كتاب - بيدر الفلاح - قائلاً ان كتاب « بيدر الفلاح » من تصانيف والد العلامة حسين بن مساعد واتخذهما من مصادر تآليفه.

وللمترجم قصيدة مطولة قالها في مدح أهل البيت (عليهم السلام) ورثاء الامام الحسين (عليه السلام) أولها :

( قلبي لطول بعادكم يتفطر ) انتهى عن كتاب مدينة الحسين ج 3 ص 35

وفي أعيان الشيعة ترجم له السيد الأمين ترجمة واسعة تحت عنوان : السيد

ص: 24


1- كانت وفاة الشيخ الكفعمي سنة تسعمائة للهجرة على الاكثر اما ابن مساعد بالرغم من انه أستاذ الكفعمي فان وفاته سنة العاشرة بعد التسعمائة ، فربما توهم البعض كيف يكون الاستاذ في القرن العاشر والتلميذ في القرن التاسع فكثيراً ما يموت التلميذ قبل أستاذه ، على أن بين الوفاتين عشر سنين فقط وقبر الشيخ الكفعمي بكربلاء المقدسة بمقبرة ( العتيقة ) تقع اليوم في جهة الطريق الذاهب الى ( طويريج ) وكان قبره مشيداً والى جنبه سابلة ماء ثم شيدت عليه مدرسة رسمية للاطفال ولم تزل.

عز الدين حسين بن مساعد بن الحسن بن المخزوم بن أبي القاسم ابن عيسى الحسيني الحائري.

قال السيد في الأعيان ج 27 ص 271 : ومن شعره قوله في مدح أهل البيت ورثاء الحسين علیه السلام :

لطيّ قريضي في مديحكم نشرُ *** ومنثور شعري في علاكم له نشرُ

أقول والقصيدة جاري بها قصيدة الشيخ صالح العرندس المتوفى سنة 840 ه- ونذكر البيتين الأخيرين من قصيدة الحسين بن مساعد :

بني أحمد سيقت اليكم قصيدة *** مهذبة ألفاظها الدرر الغرُّ

حسينية تزهو بكم حائرية *** منزهة عما يعاب به الشعر

وترجم له المرحوم السيد عبد الرزاق كمونة في ( منية الراغبين في طبقات النسابين ) وذكر سلسلة نسبه الى عيسى بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد ابن الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) وقال : كان له تضلّع في علم النسب ، وهو من أهل ( عيناثا ) من جبل عامل ثم انتقل هو واخوته : السيد عبد الحق والسيد زين العابدين الى العراق لطلب العلم ، وله تآليف منها ( تحفة الأبرار في مناقب الأئمة الاطهار ). اما والد المترجم له وهو السيد مساعد بن حسن بن محمد ولقبه شمس الدين ، ذكره ابنه السيد حسين في تعليقه على العمدة بقوله : السيد العالم المدرس إمام الحضرة الحسينية الحائرية. انتهى

ص: 25

محمّد السُبعي

مشيب تولّى الشباب وأقبلا *** نذير لمن أمسى وأضحى مغفلا

ترى الناس منهم ظاعناً إثر ظاعن *** فظن سواه الظاعن المتحملا

ترحلّت الجيران عنه إلى البلى *** وما رحل الجيران إلا ليرحلا

ولكنه لما مضى العمر ضايعا *** بكى عمره الماضي فحنّ وأعولا

تذكّر ما أفنى الزمان شبابه *** فبات يسحّ الدمع في الخد مسبلا

ولم يبكِ من فقد الشباب وإنما *** بكى ما جناه ضارعاً متنصلا

تصرّمت اللذات عنه وخلفت *** ذنوباً غدا من أجلها متوجلا

حنانيك يا من عاش خمسين حجة *** وخمساً ولم يعدل عن الشر معدلا

وليس له في الخير مثقال ذرة *** وكم ألف مثقال من الشر حصّلا

أعاتب نفسي في الخلاء ولم يفد *** عتابي على ما فات في زمن خلا

فيا ليت أني قبل ما قد جنت يدي *** على نفسها لاقيت حتفاً معجّلا

ويا ليت شعري هل تفيد ندامتي *** على ما به أمسى وأضحى مثقّلا

عذيري من الدنيا الذي صار موجباً *** عذاب إلهي عاجلاً ومؤجّلا

يدي قد جنت يا صاحبيّ على يدي *** ونفسي لنفسي جرّت العذل فاعذلا

ولا تعذلا عيناً على عينها بكت *** فطرفي على طرفي جنا وتأملا

سأبكي على ما فات مني ندامة *** إذا الليل أرخى الستر منه وأسبلا

ص: 26

سأبكي على ذنبي وأوقات غفلتي *** وأبكي قتيلاً بالطفوف مجدّلا

سأبكي على ما فات مني بعبرة *** تجود إذا جاء المحرّم مقبلا

حنيني على ذاك القتيل وحسرتي *** عليه غريباً في المهامة والفلا

حنيني على الملقى ثلاثاً معفراً *** طريحاً ذبيحاً بالدماء مغسلا

سأبكي عليه والمذاكي بركضها *** تكفنه مما أثارته قسطلا

سأبكي عليه وهي من فوق صدره *** ترضّ عظاماً أو تفصّل مفصلا

سأبكي على الحران قلباً من الظما *** وقد منعوه أن يعلّ وينهلا

إلى أن قضى يا لهف نفسي على الذي *** قضى بغليل يشبه الجمر مشعلا

سأبكي عليه يوم أضحى بكربلا *** يكابد من أعدائه الكرب والبلا

وقد أصبحت أفراسه وركابه *** وقوفاً بهم لم تنبعث فتوجلا

فقال بأيّ الأرض تُعرَف هذه *** فقالوا له هذي تسمى بكربلا

فقال على إسم اللّه حطّوا رحالكم *** فليس لنا أن نستقل ونرحلا

ففي هذه مهراق جاري دمائنا *** ومهراق دمع الهاشميات ثكلا

وفي هذه واللّه تضحى رؤوسنا *** مشهّرة تعلو من الخطّ ذبلا

وفي هذه واللّه تسبى حريمنا *** وتضحى بأنواع العذاب وتبتلى

فلهفي على مضروبة الجسم وهي من *** ضروب الأسى تبكي هماماً مبجلا

ولهفي على أطفالها في حجورها *** تمجّ عقيب الثدي سهماً ومنصلا

ولهفي على الطفل المفارق أمه *** ولهفي لها تبكي على الطفل مطفلا

* * *

أشيعة آل المصطفى مَن يكون لي *** عوينا على رزء الشهيد مولولا

قفا نبك من ذكرى حبيب محمد *** وخلوا لذكراكم حبيباً ومنزلا

قفوا نبك من تذكاره ومصابه *** فتذكاره ينسي الدخول فحوملا

وما أنس في شيء تقادم عهده *** ولا أنس زين العابدين مكبلا

ص: 27

سأبكي له وهو العليل وفي الحشا *** غليل ببرد الماء لن يتبللا

سأبكي لبنت السبط فاطم اذ غدت *** قريحة جفن وهي تبكيه معولا

تحنّ فيشجي كل قلب حنينها *** وتصرع من صمّ الصياخد جندلا

تقول أبي أبكيك يا خير مَن مشى *** ومن ركب الطرف الجواد المحجلا

أبي يا ثمال الأرملات وكهفها *** اذا عاينت خطباً من الدهر معضلا

أبي يا ربيع المجدبين ومَن به *** يغاث من السقيا اذا الناس أمحلا

أبي يا غياث المستغيثين والذي *** غدا لهم كنزاً وذخراً وموئلا

أبي ان سلا المشتاق أو وجد العزا *** فان فؤادي بعد بعدك ما سلا

سابكي وتبكيك العقايد والنهى *** سابكي وتبكيك المكارم والعلى

سأبكي وتبكيك المحاريب شجوها *** وقد فقدت مفروضها والتنفلا

سأبكي وتبكيك المناجاة في الدجى *** سأبكي ويبكيك الكتاب مرتّلا

سأبكيك إذ تبكي عليك سكينة *** ومدمعها كالغيث جاد وأسبلا

ونادت رباب أمتاه فأقبلت *** وقد كضّها فقد الحسين واثكلا

وقالت لها يا أمتا ما لوالدي *** مضى مزمعاً عنا الرحيل إلى البلى

أنادي به يا والدي وهو لم يجب *** وقد كان طلقاً ضاحكاً متهللا

أظن أبي قد حال عما عهدته *** وإلا فقد أمسى بنا متبدلا

ايا أبتا قد شتت البين شملنا *** وجرّعنا في الكاس صبراً وحنظلا

ونادى المنادي بالرحيل فقرّبوا *** من الهاشميات الفواطم بزلا

تسير ورأس السبط يسري أمامها *** كبدر الدجا وافى السعود فأكملا

فلهفي لها عن كربلا قد ترحّلت *** مخلفة أزكى الأنام وأنبلا

ولهفي لها بين العراق وجلق *** اذا ( هوجلا ) خلفن قابلن ( هوجلا )

ولهفي لها في أعنف السير والسرى *** تؤمّ زنيما بالشئام مظللا

ونادى برأس السبط ينكث ثغره *** وينشد أشعاراً بها قد تمثلا

ص: 28

( نفلق هاما من رجال أعزة *** علينا وهم كانوا ) أحق وأجملا

ألا فاعجبوا من ناكث ثغر سيدٍ *** له أحمد يمسي ويضحى مقبّلا

بني الوحي والتنزيل ومَن لي بمدحكم *** ومدحكم في محكم الذكر أنزلا

ولكنني أرجو شفاعة جدكم *** لما فقت فيه دعبلا ثم جرولا

فهنيتموا بالمدح من خالق الورى *** فقد نلتم أعلى محلٍّ وأفضلا

فسمعاً من ( السبعي ) نظم غرايب *** يظل لديها أخطل الفحل أخطلا

غرايب يهواها ( الكميت ) و ( دعبل ) *** كما فيكم أهو الكميت ودعبلا

أجاهر فيها بالولاء مصرّحاً *** وبغضي لشانيكم مزجت به الولا

لقد سيط لحمي في هواكم وفي دمي *** وما قلّ مني في عدوكم القلا

عليكم سلام اللّه يا خير من مشى *** ويا خير من لبّى وطافَ وهللا

فما ارتضي إلاكُم لي سادة *** وأما سواكم فالبراءة والخلا (1)

ص: 29


1- رواها الخاقاني في ( شعراء الحلة ) عن منتخب الطريحي وروى بعضها السيد الامين في الاعيان.

محمد السبعي الحلي

المتوفى سنة 920 ه-

هو أبو أحمد بن عبد اللّه بن حسن بن علي بن محمد بن سبع بن سالم بن رفاعة السبعي البحراني الحلي الملقب بفخر الدين والمعروف بالسبعي. من شعراء القرن العاشر الهجري.

تفرد بذكره صاحب الحصون فقد ذكره في ج 9 ص 337 فقال : كان فاضلاً جامعاً ومصنفاً نافعاً وأديباً رائعاً وشاعراً بارعاً زار العتبات المقدسة وسكن الحلة لطلب العلم وكانت إذ اذك محط ركاب الأفاضل ومأوى العلماء الأماثل ومن شعره قصيدة طويلة التزم في أول البيت ذكر النبي صلی اللّه علیه و آله وفي آخره ذكر الإمام علي - ع - منها :

أصخ واستمع يا طالب الرشد ما الذي *** به المصطفى قد خص والمرتضى علي

محمد مشتق من الحمد إسمه *** ومشتق من اسم المعالي كذا علي

محمد قد صفاه ربي من الورى *** كذلك صفّى من جميع الورى علي

محمد محمود الفعال ممجّد *** كذلك عال في مراقي العلى علي

محمد السبع السموات قد رقى *** كذاك بها في سدرة المنتهى علي

محمد بالقران قد خص هكذا *** بمضمونه قد خص بين الملا علي

محمد يكسى في غد حلّة البها *** كذا حلة الرضوان يكسى بها علي

محمد شق البدر نصفين معجزاً *** له وكذاك الشمس قد ردّها علي

محمد آخى بين أصحابه ولم *** يواخي من الأصحاب شخصاً سوى علي

محمد صلى ربنا ما سجى الدجى *** عليه وثنى بالصلوة على علي

ص: 30

وله مراث كثيرة في الحسين علیه السلام . توفي عام 920 ه- بالحلة ودفن فيها. وذكر له الشيخ فخر الدين الطريحي في كتابه ( المنتخب ) قصيدته المتقدمة (1) قال السيد الأمين في الأعيان : وله قصيدة في رثاء الحسين علیه السلام أولها :

مصائب عاشورا أطلّت بها العشرُ *** تذكر بالأحزان ان نفع الذكر

وفي المجموع ( الرائق ) مخطوط السيد العطار قصيدة أولها :

بعيد الليالي بالوعيد قريب *** وشأن الفتى في الاغتراب عجيب

قال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : السبعي هو الشيخ فخر الدين أحمد بن محمد بن عبد اللّه الاحسائي ينتهي نسبه إلى سبع بن سالم بن رفاعة فلهذا يقال له السبعي الرفاعي كان عالماً فاضلاً فقيهاً جليلاً من تلامذة ابن المتوج البحراني ذكره ابن أبي جمهور الاحسائي وصاحب رياض العلماء له شرح قواعد العلامة وشرح الألفية الشهيدية ومن شعره تخميس قصيدة الشيخ رجب البرسي في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام).

أقول ولعله هو ولد المترجم له. وجاء في ( المنتخب ) لمؤلفه الشيخ عبد الوهاب الطريحي والمخطوط بخطه سنة 1076 شعر كثير للشيخ علي ابن الشيخ حسن السبعي وكله في رثاء الحسين (عليه السلام) فأحببت الاشارة اليه ولا أعلم هل هو ممن يمت للمترجم له بصلة أو سبعي آخر.

قال : وقال الشيخ الفاضل الشيخ علي ابن الشيخ حسين السبعي عفى اللّه عنه :

عذلتي المعنّى حين أصبحت ساليه *** ولم تعلمي يا جارتي ما جرى ليه

حنانيك لا تلحي حنيني من الأسى *** وإن كنتِ ذا حال منافٍ لحاليه

ألم تعلمي ركن المعالي تضعضعت *** جوانب كانت منه في المجد عاليه

ص: 31


1- شعراء الحلة للخاقاني ج 4 ص 450.

وأسخن عيناً في الأحبة رزؤه *** عشية قرّت عين قال وقاليه

ضحكن يغور الغبشميات إذ غدت *** أماقي عيون الهاشميات باكيه

وأبيات أبناء الطليق عوامر *** غداة غدت أبيات أحمد خاليه

والقصيدة طويلة ذكرها الشيخ عبد الوهاب الطريحي في ( المنتخب ) كتبه بخطه سنة 1076.

وقال الشيخ علي السبعي يرثي ولده حسين ثم يرثي الحسين بن فاطمة علیهاالسلام .

قل للبروق الساريات اللمع *** تعجل بسوق الغاديات الهمّع

وتشق ذيل الغاديات بملحدٍ *** تشفي الغليل بتربه المتضوع

قبراً تضمن فاضلاً متورعاً *** أكرم به من فاضل متورّع

ولأن بخلتَ عليه إن مدامعي *** تهمي على تلك الربوع الهمّع

أبكيك لليل البهيم تقومه *** في القائمين الساجدين الركع

أبكيك إذ تبكي لآل محمد *** بفؤاد حران ومهجة موجع

يعزز عليّ بأن أكون بمجمع *** أبكي الحسين وليس تحضر مجمع

أبكيك ثم إذا ذكرت مصابه *** صار البكاء على عظيم المصرع

والقصيدة 80 بيتاً.

وقال الشيخ علي السَبُعي :

ذكر القتيل بكربلا فتألما *** وبكى عليه بشجوه فترنما

ص: 32

الشيخ محمّد البلاغي

يرثي الحسين علیه السلام

أمن ذكر جيراني بوادي الاناعم *** وطيب ليالي عهده المتقادم

ولذّة اعصار الصبا إذ سرى الصبا *** يرنّح مياس الغصون النواعم

ومن نشر عرفان التصابي إذا صبت *** فأبدت اليك الغيد درّ المباسم (1)

ص: 33


1- روی ذلك جعفر محبوبة في كناية (ماضي النجف وحاضرها) الجزء الثاني وقال: رأيت في بعض مجاميع الرثاء القديمة قصيدة في رثاء الحسين للشيخ محمد البلاغي ، وهي تعد 51 بيتاً ، عن مجموعة السيد جواد الفحام. انتهی

جاء في كتاب ( ماضي النجف وحاضرها ) ج 2 ص 79 :

الشيخ محمد البلاغي من هذه الأسرة العلمية المعروفة بالعلم والورع والتقوى ولم نقف على ترجمة وافية للشاعر انما وجدنا لولده الشيخ محمد علي الذي جاء فيه انه من أقطاب العلم والفضل البارزين وهو مؤسس كيان هذه الأسرة.

كان فقيهاً متبحراً من علماء القرن العاشر ، ذكره حفيده الشيخ حسن ابن الشيخ عباس في كتابه ( تنقيح المقال ) فقال : محمد علي بن محمد البلاغي جدي رحمه اللّه ، وجه من وجوه علمائنا المجتهدين المتأخرين وفضلائنا المتبحرين ، ثقة عين ، صحيح الحديث واضح الطريقة ، نقي الكلام ، جيد التصانيف ، له تلامذة فضلاء أجلاء علماء ، وله كتب حسنة جيدة منها شرح أصول الكافي للكليني ، ومنها شرح ارشاد العلامة الحلي قدس سره وله حواشي على التهذيب والفقيه وحواشي على أصول المعالم وغيرها ، وكان من تلامذة الفاضل الورع العالم العامل محمد بن الحسن بن زين الدين العاملي ، ومن تلامذة أحمد بن محمد الاردبيلي.

قال حفيده في تنقيح المقال : توفي في كربلاء على مشرفها أفضل التحية ودفن في الحضرة الشريفة وكان ذلك سنة 1000.

وله ترجمة في أعلام العرب الجزء الثالث على غرار ما ذكرنا.

كما ترجم له السيد الأمين في الأعيان.

ص: 34

السيد حسين الغريفي

اشارة

سرى الظعن من قبل الوداع بأهلينا *** فهل بعد هذا اليوم يرجى تلاقينا

سرى عجلاً لم يدر ما بقلوبنا *** من الوجد لما حان يوم تنائينا

أيا حادي العيس المجدّ برحله *** رويداً رعاك اللّه لملا تراعينا

عسى وقفة تطفي غليل صدورنا *** فنقضي قبل الموت بعض أمانينا

لعمرك ما أبقى لنا الشوق مهجة *** ولا بعد هذا اليوم يرجى تسلّينا

فحسبك منا ما فعلتَ وقف بنا *** على طلل قد طاب فيها تناجينا

ورفقاً بنا فالبين أضنى جسومنا *** لك الخير واسمع صوت دعوة داعينا

لنا مع حمام الايك نوح متيم *** ولوعة محزون ولوعة شاكينا

فان كنت ممن يدعي الحزن رجّعي *** بشجو وفي فرط الكأبة ساوينا

ولا تلبسي طوقاً ولا تخضبي يداً *** ونوحي اذا طاب النعاء لنا عينا

فكم ليد البرحاء فينا رزية *** بها من عظيم الحزن شابت نواصينا

ولا مثل رزء أثكل الدين والعلى *** وأضحت عليه سادة الخلق باكينا

مصاب سليل المصطفى ووصيه *** وفاطمة الغرّ الهداة الميامينا

فلهفي لمقتول بعرصة كربلا *** لدى فتية ظلماً على الشط ضامينا

أيفرح قلب والحسين بكربلا *** على الأرض مقتول ونيف وسبعينا

وفي آخرها :

ألا فاشفعوا يا سادتي في سليلكم *** إذا نصب اللّه الجليل الموازينا

ص: 35

أيا بن علي يا حسين اليك من *** حسين عروساً يا بن خيرة بارينا

عليكم صلاة اللّه والخلق ما دعا *** بأسمائكم داع وما قال آمينا (1)

* * *

وفي مجموعة الشيخ لطف اللّه بعدما روى هذه القصيدة ذكر له عدة قصائد واليك مطالعها :

1 دمع يصوب وزفرة تتصعّد *** ولهيبها وسط الحشا يتوقد

2 الصبر يجمل والارزاء تحتمل *** إلا على فتية في كربلا قتلوا

3 بكيت وفي الخطب البكاء جميل *** ولو أن عيني في الدموع تسيل

4 فنون الأسى للظاعنين جنون *** ومحض ضلال ، والجنون فنون

ص: 36


1- عن مجموعة الشيخ لطف اللّه المخطوطة بخطه سنة 1201 ه.

السيد أبو محمد حسين بن حسن بن أحمد بن سليمان الحسيني الغريفي البحراني الشهير بالعلامة الغريفي وبالشريف العلامة.

توفي سنة 1001 كما في السلافة. والغُريفي بالضم نسبة الى غريفة تصغير غرفة. في انوار البدرين : المسمى بذلك قريتان من بلاد البحرين ( احدهما ) بجنب الشاخورة و ( الأخرى ) من قرى الماحوز وهو منسوب الى الأولى لأنها مسكنه. ا ه-

أقوال العلماء فيه :

في السلامة بعد حذف بعض اسجاعه التي كانت مألوفة في ذلك العصر ، ذو نسب شريف وحسب منيف بحر علم تدفقت منه العلوم أنهاراً وبدر فضل عاد به ليل الجهالة نهاراً ، شب في العلم واكتهل وجنى من رياض فنونه ، إلا أن الفقه كان أشهر علومه وكان بالبحرين إمامها الذي لا يباريه مبار مع سجايا حميدة ومزايا فريدة وله نظم كثير كأنما يقدّ من الصخر. ا ه.

وفي أمل الأمل كان فاضلا ً فقيهاً أدبياً شاعراً ووصفه جامع ديوان الشيخ جعفر الخطي بالشريف العلامة وقال الشيخ سليمان الماحوزي البحراني فيما حكى عن رسالته التي ألفها في علماء البحرين في حقه : أفضل أهل زمانه وأعبدهم وأزهدهم كان متقللاً في الدنيا وله كرامات وكان شاعراً مصقعاً وله كتب نفيسة منها كتاب الغنية في مهمات الدين عن تقليد المجتهدين لم ينسج على منواله أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين فهو أبو عذر تلك الطريقة وابن جلاها وله فيها اليد البيضاء ومن تأملها بعين الانصاف أذعن بغرارة مادته وعظم فضله ولن يكملها بل بلغ فيها الى كتاب الحج وهو عندي وفيه من

ص: 37

الفوائد ما لا يوجد في غيره وقد زرت قبره وتبركت به ودعوت اللّه عنده. ا ه.

مشايخه :

من مشايخه الذين قرأ عليهم الشيخ سليمان بن أبي شافير البحراني ويظهر من السلافة كما يأتي ان من مشايخه الشيخ داود بن أبي شافير البحراني وقال الشيخ سليمان في رسالته المتقدم ذكرها انه كان للشيخ داود بن شافير مع المترجم مجالس ومناظرات وقال صاحب أنوار البدرين سمعت شيخي الشيخ سليمان يقول كان المترجم أفضل وأشد احاطة بالعلوم وأدق نظراً من الشيخ داود وكان الشيخ داود أسرع بديهة وأقوى في صناعة الجدل فكان في الظاهر يكون الشيخ هو الغالب وفي الواقع الحق مع السيد فكان الشيخ داود يأتي ليلاً الى بيت السيد ويعتذر منه ويذكر له ان الحق معه. ا ه.

مؤلفاته :

ذكرها الشيخ سليمان الماحوزي في رسالته المار ذكرها (1) الغنية في مهمات الدين عن تقليد المجتهدين مرّ وصف الشيخ سليمان الماحوزي له. وربما فهم من اسمه ان مؤلفه كان إخبارياً كما هي طريقة أكثر علماء البحرين واذا كان كتابه هذا يغني عن تقليد المجتهدين وهو ليس بمجتهد فما الذي يخرج عمل العوام بكتابه هذا عن تقليد (2) شرح العوامل المائة (3) شرح الشمسية (4) رسالة في علم العروض والقافية وصفها صاحب الرسالة بأنها مليحة (5) حواش على الذكرى.

شعره :

من شعره ما أورده صاحب السلافة والشيخ سليمان في الرسالة المار ذكرها وهو :

ص: 38

قل للذي غاب مغاب الذي *** قلت فقت السن مني ضروس

لا تمتحنها تمتحن إنها *** دليّة قد دليت من ضروس

بل وقناتي صعدة صعبة *** تخبر اني الهزبري الشموس

ومن شعره المذكور في غير السلافة قوله :

ألا من لصبّ قلبه عنه واجب *** حرام عليه النوم والندب واجب

لواعج احشاه استعرن توقدا *** ومن دمع عينيه استعرن السحائب

يبيت على حرّ الكآبة ساهراً *** تسامره حتى الصباح الكواكب

مراثيه :

في السلافة لما بلغ شيخه الشيخ داود بن أبي شافير البحراني وفاته استرجع وأنشد بديهة :

هلك الصقر يا حمام فغني *** طرباً منك في أعالي الغصون

ولما توفي رثاه الشيخ أبو البحر جعفر بن محمد الخطلي الشاعر المشهور بهذه القصيدة وهي أول ما قاله في الرثاء كما في ديوانه :

جذّ الردى سبب الاسلام فانجذما *** وهدّ شامخ طود الدين فانهدما

وسام طرف العلى غضاً فأغمضه *** وفلّ غرب حسام المجد فانثلما

اللّه اكبر ما أدهاك مرزية *** قصمت ظهر التقى والدين فانقصما

أحدثت في الدين كلما لو أتيح له *** عيسى بن مريم يأسوه لما التأما

كل يزير ثناياه أنامله *** حزناً عليه ويدميها له ألما

وينثرون وسلك الحزن ينظمهم *** علي الخدود عقيق الدمع منسجما

لهفي على كوكب حلّ الثرى وعلى *** بدر تبوّأ بعد الأبرج الرجما

إيه خليليّ قوما واسعدوا دنفاً *** أصاب أحشاه رامي الحزن حين رمى

نبكي خضم علوم جفّ زاخره *** وغاض طاميه لما فاض والتطما

نبكي فتى لم يحلّ الضيم ساحته *** ولا أباح له غير الحمام حمى

ص: 39

ذو منظر يبصر الأعمى برؤيته *** هدى وذو منطق يستنطق البكما

لو أنصف الدهر أفنانا وخلّده *** وكان ذلك من أفعاله كرما

ما راح حتى حشا أسماعنا درراً *** من لفظه وسقى أذهاننا حكما

كالغيث لم ينأ عن أرض ألمّ بها *** حتى يغادر فيها النبت قد نجما

صبراً بنيه فان الصبر أجمل بال- *** -حر الكريم اذا ما حادث دهما

هي النوائب ما تفك دامية ال- *** أنياب منا وما منها امرؤ سلما

فكم تخطف ريب الدهر من أمم *** فأصبحوا تحت أطباق الثرى رمما

لو أكرم اللّه من هذا الردى أحدا *** لأكرم المصطفى عن ذاك واحترما

فابقوا بقاء الليالي لا يغيركم *** دهر وشملكم ما زال منتظما

يا قبره لا عداك الدهر منسجم *** من المدامع هام يخجل الديما

أولاده :

خلف من الأولاد الحسن ومحمداً وعلوياً المعروف بعتيق الحسين اما الحسن فعقبه بالحلة والحائر واما محمد فعقبه في واديان احدى قرى البحرين من توابع ( سترة ) ومنهم في جيروت واليه تنتهي سادات جيروت واما علوي فعقبه بالبحرين والنجف وشيراز وبهبهان وبوشهر وغيرها. وهو صاحب العقب الكثير ببلاد البحرين وبندر ابي شهر وطهران والنجف وكربلاء وبهبهان منهم الأسرة المعروفة بالبهبهانية بطهران منهم السيد عبد اللّه البهبهاني الرئيس الشهير وولده السيد محمد المشهور الرئيس الآن بطهران. انتهى عن أعيان الشيعة ج 25 ص 260 اقول والمشهور ان السيد أحمد الغريفي المعروف ب- ( الحمزة الشرقي ) هو من أحفاده فهو السيد أحمد بن هاشم بن علوي ( عتيق الحسين ) بن الحسين الغريفي المترجم له.

ومن شعره في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) :

أمربع الطف ذا أم جانب الطور *** حيّا الحيا منك ربعا غير ممطور

ص: 40

كم فيك روضة قدس اعبقت ارجاً *** كأنها جنة الولدان ولحور

وكم ثوى بك من أهل العبا قمرٌ *** غشاه بعدكمال صرف تكوير

يا كربلا حزت شأناً دونه زحل *** وفزتِ بالسادة الغر المغاوير

أيجمل الصبر في آل الرسول وهم *** جمع قضوا بين مسموم ومنحور

قوم بهم قد أقيم الدين وانطمست *** للشرك ألوية الطغيان والجور

قوم بمدحهم كتب السما نزلت *** أكرم بمدح بكتب اللّه مذكور

ولا لهم في ظلام الليل من فرش *** إلا محاريب تهليل وتكبير

ولا يناغى لهم طفل بغير صدى *** رهج الوغى وصهيل في المضامير

ولا على جسمه قمط يشدّ سوى *** طول النجاد على البيض المباتير

ولا لصبيتهم مهد يهزّ سوى *** هزّ السروج على الجرد المخاصير

ما فوق فضلهم فضل فمدحهم *** في الذكر ما بين مطويٍّ ومنشور

فمن عناه بأهل البيت غيرهم *** فأذهب الرجس عنهم رب تطهير

وهل أتى هل أتى في غيرهم فهم *** الموفون خوفاً من الباري بمنذور

والمطعمون لوجه اللّه لا لجزىً *** سوى يتيمٍ ومسكينٍ ومأسور

يحق لو أن بكتهم كل جارحة *** حزناً بأعين دمع غير منزور

فأيّ عينٍ عليهم غير باكية *** وأي قلبٍ عليهم غير مفطور

ولا بصرت ولا أذني بسامعة *** رزية كرزايا يوم عاشور

يوم حدى في بني الزهراء مزدجراً *** حادي المنايا بترويح وتبكير

يوم به أصبح الاسلام مكتئباً *** وقد أصيب بجرح غير مسبور

يوم به أصبح الطاغوت مرتقياً *** على المنابر بالبهتان والزور

يا ذلة الدين من بعد الحسين فما *** من بعد ناصره كسر بمجبور

أضحى يحث السرى والسير مجتهداً *** لأمر عرف ونهي عن مناكير

كأنه الشمس والأصحاب شهب دجىً *** لمستقر لها تجري بتقدير

ص: 41

يسري بهم ومناياهم تسير بهم *** الى عناق نحور الحزّد الحور

يمشون تحت ظلال السمر يومهم *** وليلهم في سنا نور الأساوير

حتى الى كربلا صاروا فما انبعثت *** لهم جياد بتقديم وتأخير

فحلّ من حولهم جيش الضلال ضحىً *** كعارض ممطر في جنح ديجور

وأصبحت فتية الطهر الحسين على *** وجه الثرى بين مطعون ومنحور

والناس في وجل والخيل في زجل *** قد أشبه اليوم فيهم نفخة الصور

وظلّ سبط رسول اللّه بعدهم *** يلقى الجيوش بقلب غير مذعور

يكر فرداً وهم من بأسه يئسوا *** من السلامة جمعاً بعد تكسير

وأسهم الموت تدعو نحوه عجلاً *** محددات بمحتوم المقادير

والسيف يركع فيهم والرؤس بلا *** أجسادها سجداً تهوي بتعفير

من مبلغ المرتضى ان الحسين لقىً *** سقته أيدي المنايا كاس تكدير

من مبلغ المصطفى والطهر فاطمة *** ان الحسين طريح غير مقبور (1)

وكتب لي الأخ المعاصر العلامة السيد محيى الدين ابن العلامة السيد محمد جواد الغريفي ما يلي :

السيد حسين الغريفي :

ابن الحسن بن أحمد بن عبد اللّه بن عيسى بن خميس بن أحمد بن ناصر بن علي كمال الدين بن سليمان بن جعفر بن موسى أبي العشائر بن محمد أبي الحمراء بن علي الطاهر بن علي الضخم بن الحسن أبي علي بن محمد الحائري بن ابراهيم المجاب بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام). إن سيدنا الغريفي هو الجد الأكبر الذي ينتمي اليه السادة الغريفيون وقد عرف بالشريف العلامة وبالعلامة الغريفي وهو صاحب كتاب ( الغنية ) في الفقه. عاش في القرن العاشر الهجري وتوفي في

ص: 42


1- عن كتاب ( رياض المدح والرثاء ) للشيخ علي البلادي - طبعة النجف.

العام الأول من القرن الحادي عشر أي سنة (1001) ه. ودفن في قرية ( أبو اصيبع ) إحدى قرى البحرين. وقبره مشيد ويزار.

وله نظم رائق جمع كثيراً منه ابن عمنا المرحوم السيد محمد مهدي في ديوان خاص لا يزال مخطوطاً. فمن نظمه في الإمام الحسين (عليه السلام) :

سرى الضعن من قبل الوداع بأهلينا *** فهل بعد هذا اليوم يرجى تلاقينا

والقصيدة طويلة.

وقال البحاثة الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) قسم الديوان :

ديوان السيد حسين بن حسن الغريفي البحراني المترجم في السلافة ص 504 جمع بعض أشعاره حفيده المعاصر السيد مهدي بن علي الغريفي النجفي المنتهى نسبه اليه والمتوفى (1343) في مجموع يقرب من ثلثمائة بيت. أوله :

سحاب جفوني بدموع هوامي *** لرزء أمير المؤمنين إمامي

الى تمام النيف والخمسين بيتاً ثم قصائد أخر. رأيت النسخة بخط السيد مهدي عند ولده المشتغل في النجف ، السيد عبد المطلب.

ص: 43

ابن أبي شافين البحراني

ذكر الشيخ الطريحي في المنتخب له قصيدة في رثاء الإمام السبط (عليه السلام) مطلعها :

هلموا نبك أصحاب العباءِ *** ونرثي سبط خير الأنبياء

هلموا نبك مقتولاً بكته *** ملائكة الإله من السماء

هلموا نبك مقتولاً عليه *** بكى وحش المهامة في الفلاء

الا فابكوا قتيلاً قد بكته *** لبتولة فاطم ستّ النساء

ألا فابكوا لمنعفر ذيح *** على الرمضاء شلواّ بالثراء

ألا فابكوا قتيلاً مستباحاً *** ألا فابكوا المرمل بالدماء

بنفسي من تجول الخيل ركضاً *** عليه وهو مسلوب الرداء

بنفسي نسوة جاءت اليه *** وهن مولولات بالشجاء

أخي ودع يتامى قد أهينوا *** وقد أضحوا بأسر الأدعياء

يعز على أبينا أن يرانا *** بأرض الطف نسبى كالاماء

يعز على البتول بأن ترانا *** ونحن نضج حولك بالبكاء

وله في رثائه علیه السلام :

قف بالطفوف بتذكار وتزفار *** وذب من الحزن ذوب التبر في النار

ص: 44

واسحب ذيول الاسى فيها ونح أسفاً *** نوح القماري على فقدان أقمار

وانثر على ذهب الخدين من درر *** الدمع الهتون وياقوت الدم الجاري

ونُح هناك بليعات الأسى جزعاً *** فما على الواله المحزون من عار

وعزّ نفسك عن اثواب سلوتها *** على القتيل الذبيح المفرد العاري

لهفي وقد مات عطشاناً بغصته *** يُسقى النجيع ببتار وخطار

كأنما مهره في جريه فلك *** ووجهه قمر في أفقه ساري (1)

وذكر له العلامة السيد أحمد العطار في الجزء الثاني من ( الرائق ) قوله في رثاء الحسين علیه السلام ص 287 قصيدة طويلة جاء في أولها :

يا واقفاً بطفوف الغاضرات *** دعني أسحّ الدموع العندميات

من أعين بسيوف الحزن قاتلة *** طيب الكرى لقتيل السمهريات

وسادة جاوزوا بيد الفلاة بها *** وقادة قددوا بالمشرفيات

وفي آخرها :

يا آل بيت رسول اللّه دونكموا *** خريدة نورها خلف الحجالات

تزري بشمس الضحى قد زفها لكموا *** داود تخطر في برد الكمالات

لا يبتغي ابن أبي شافين من عوض *** إلا نجاة واسكاناً بجنّات

مع والديّ وراويها وسامعها *** ذوي الولاء وصحبي والقرابات

صلى الإله عليكم ما بكى لكموا *** باك وناح بأرض الغاضريات

وذكر له أيضا في الجزء الثاني من ( الرائق ) :

مصائب يوم الطف أدهى المصائب *** وأعظم من ضرب السيوف القواضب

تذوب لها صمّ الجلاميد حسرة *** وتنهدّ منها شامخات الشناخب

بها لبس الدين الحينف ملابساً *** غرابيب سوداً مثل لون الغياهب

ص: 45


1- الغدير للشيخ الاميني.

وقوله في رثاء الإمام علیه السلام :

قفا بالرسوم الخاليات الدواثر *** ننوح على فقد البدور الزواهر

بدور لآل المصطفى قد تجللت *** بعارض جون فاختفت بدياجر

ففي كل قطر منهم قمرٌ ثوى *** وجُلل من غيم الغموم بساتر

والقصيدة تبلغ 71 بيتاً ذكرها الشيخ لطف اللّه بن علي بن لطف اللّه الجد حفصي البحراني في مجموعته الشعرية التي تتضمن أربعة وعشرين شاعراً من فحول الشعراء الذين نظموا في الحسين والشعر كله في يوم الحسين ، وأول من ذكرهم هو السيد الرضي ، وسبق ان ذكرنا اسم هذه المجموعة وروينا عنها. ورأيت له في المجاميع الخطية القديمة من جملة شعر قصيدة أولها :

هاج المصاب فأبدل الدمع الدما *** فغدا يصب من المدامع عندما

ص: 46

ابن أبي شافين البحراني المتوفى بعد 1001

الشيخ داود بن محمد بن أبي طالب الشهير بابن أبي شافين الجد حفصي البحراني قال الشيخ الاميني : هو من حسنات القرن العاشر ، شعره مبثوث في مدونات الأدب ، والموسوعات العربية له رسائل منها رسالة في علم المنطق.

قال : هناك اختلاف في كنيته فالبعض قال : ابن أبي شافين كما في السلافة أو شافير أو شاقين.

وترجم له صاحب انوار البدرين فقال : الشيخ المحقق العلامة الأديب الحكيم الشيخ داود بن محمد بن عبد اللّه بن أبي شافين ( بالشين المعجمة بعدها ألف ثم الفاء والزاء أخيراً ) واحد عصره في الفنون كلها وله في علوم الأدب اليد الطولى وشعره في غاية الجزالة حاذقاً في علم المناظرة ما ناظر أحداً إلا وافحمه ، وله مع السيد العلامة النحرير ذي الكرامات السيد حسين ابن السيد حسن الغريفي مجالس ومناظرات وله رسائل منها رسالة وجيزة في علم المنطق اختار فيها مذهب الفارابي في تحقيق عقد الوضع في المحصورات واختار فيها أيضا ان الممكنة تنتج في صغرى الشكل الأول.

وذكره السيد الجليل السيد علي خان في السلافة وبالغ في إطرائه وذكر جملة من آدابه وأشعاره وهو من أهل ( جد حفصي ) البحرين ومدرسته هو المسجد المسمى بمدرسة الشيخ داود الشائع على السنة عوام عصرنا هذا بمدرسة العريبي ، وقبره في حجرة في جنب المسجد داخلة فيه من الشمال إلا انها خارجة عن المسجد المذكور وهناك قبور جماعة من العلماء إلا اني لم أقف على أسمائهم ، وذكره المحبي في خلاصة الاثر ج 2 وقال : من العلماء الأجلاء

ص: 47

الأدباء استاذ السيد أبي محمد الحسين بن الحسن بن أحمد بن سليمان الحسيني الغريفي البحراني.

وروى الشيخ الاميني له قصيدة جاء فيها ذكر الغدير وقال انها تبلغ 580 بيتاً وتوجد في المجاميع الخطية وأولها :

أجلّ مصابي في الحياة وأكبرُ *** مصاب له كل المصائب تصغر

وقال الشيخ السماوي في الطليعة : كان واحد عصره في الفضل والأدب وأعجوبة الزمان في الخطابة ، وهو أستاذ السيد حسين الغفريفي البحراني وله معه مكاتبات ورسائل ومطارحات وكان كثير الجدل في المسائل العلمية وترجم له السيد الامين في الاعيان وذكر جملة من أشعاره.

ص: 48

الشيخ جمال الدين بن المطهَّر

قصيدة مطوّلة ، أولها :

فلهفي للذبيح على الرمال *** خضيب الشيب منهوب الرحال

واكثر ابياتها مفككة وجدناها في مجموعة قديمة عتيقة ترجع كتابتها الى القرن التاسع أو العاشر الهجري (1). أما الناظم فليس هو بالعلامة الحلي ، انما هو : الشيخ جمال الدين احمد بن حسين بن مطهر. قال السيد الامين في الأعيان : عالم فاضل يروي اجازة عن الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن احمد ابن مظاهر تلميذ فخر المحققين ، ويروى عنه الشيخ علي بن محمد بن علي بن محمد ابن يونس العاملي البياضي النباطي صاحب الصراط المستقيم المتوفى سنة 877 فهو اذاً من أهل المائة التاسعة.

وفي المجموعة نفسها ملحمة طويلة تتألف من مئات الأبيات تقصّ وقعة كربلاء بمنظومة راية وهي للحلبي الحائري ، وأولها :

افكّر والصبّ الحزين يفكّر

واسهر ليلي والمصائب تسهر (2)

ص: 49


1- ووجدتها في مجموعة حسينية في مكتبة الامام الحكيم العامة - قسم المخطوطات رقم 577.
2- تحتوي على 500 بيتاً ، وفي آخرها : أيا سادتي يا آل احمد حبكم *** اموت عليه ثم احيا وانشر انا الحلبي الحائري وليكم *** وضيفكم ، والضيف يحبى ويحبر

وقصيدة ثالثة لشاعر اسمه محمد بن حنان وأولها :

يا زائر الطف بالاحزان والاسف *** لذ بالغريين والثم تربة النجف

ورابعة للشيخ عبد النبي المقابي جاء في أولها :

طال وجدي وزال عني رقادي *** لمصاب أذاب مني فؤادي

بل وأوهى القوى وانحل جسمي *** وأمات الكرى وأحيا السهاد

وفي آخرها :

ان عبد النبي يا آل طه *** راجيا منكموا جزيل الايادي (1)

وخامسة للشيخ سعيد بن يوسف الجزيري البحراني أولها :

ربوع اصطباري دارسات دواثر *** ونيب التسلّي شاردات نوافر

وقال الشيخ الفقيه ناصر بن مسلم رواها الشيخ عبد الوهاب الطريحي في المنتخب المخطوط بخطه سنة 1076.

مَن لصبٍّ مقلقل الاحشاءِ *** خدن شوق ولوعة وضناء

ساهر الطرف لا يلذ بنوم *** ناحل جسمه قليل العزاء

ساكبا دمعه اسير غرام *** ما لداء بقلبه من دواء

واذا ما تذكّر السبط أبدى *** أنّةً بعد حسرة صعداء

يوم أضحى بعرصة الطف فرداً *** ووحيداً بها بغير حماء (2)

ص: 50


1- اقول : لعل الشيخ عبد النبي بن الشيخ محمد بن سليمان المقابي البحراني الذي ترجم الشيخ صاحب أنوار البدرين ص 189 لحفيده الشيخ محمد بن علي بن عبد النبي. وذكره صاحب لؤلؤة البحرين ص 89 طبعة النجف.
2- جاء شعره في مجموعة المرائي للشعراء القدماء. يقول البحاثة الشيخ اغا بزرك الطهراني الذريعة م 20 ص 103. رأيتها عند الطهراني بسامراء ، كتابها حدود سنة 1000 للهجرة.

وللشيخ فرج بن محمد الاحسائي رحمه اللّه ، مطلعها :

مصاب كريم الآل رزءٌ معظّمُ *** يذيب قلوب المؤمنين ويؤلمُ

وللشيخ راشد بن سليمان الجزيري رحمه اللّه رواها الشيخ فخر الدين الطريحي في ( المنتخب ) وقال : هو اخو الشيخ ابراهيم مجتهد الزمان رحمه اللّه :

خليلي مرّ ابي على أرض كربلا *** نزور الامام الفاضل المتفضلا

سليل رسول اللّه وابن وصيه *** وسيد شبان الجنان المؤملا

حسين ابن بنت المصطفى خيرة الورى *** وأكرم خلق اللّه طراً وأفضلا

قتيل بني حرب وآل امية *** فديت القتيل المستظام المجدّلا

الى أن يقول :

بنفسي نساء السبط يبكين حوله *** ظمايا حيارى حاسرات وثكّلا

بنفسي علي بن الحسين مقيداً *** بقيد ثقيل بالحديد مكبلا (1)

ولأبي الحسين بن ابي سعيد وفي بعض المخطوطات : الشيخ حسين البحراني ابن سعد (2) :

ايها الباكي المطيل بكاه *** كلّما آن صبحه ومساه

ابك ما عشت للحسين بشجو *** لا ترد بالبكا الطويل سواه

فهو سبط النبي اكرم سبط *** فاز عبد بنفسه واساه

يوم اضحى بكربلا بين قوم *** جدّلوه واظهروا بغضاه

وهو يدعوهُم الى منهج الحق *** وهم في عمى الضلالة تاهوا

كتبوا نحوه يقولون انّا *** قد رضينا بكل ما ترضناه

ص: 51


1- ورواها الشيخ عبد الوهاب الطريحي في منتخبه المخطوط بخطه سنة 1076 وفي مجموعة خطية كتبت سنة 1159 ه- في مكتبة المدرسة الشبرية.
2- وفي منتخب الطريحي ص 455.

سر الينا فلا إمام نراه *** يهتدي مجمع الورى بهداه

غيرك اليوم يا بن مَن فرض اللّه *** على سائر الانام ولاه

كن الينا مسارعا فعلينا *** حين تأتي جميع ما تهواه

فأتى مسرعاً اليهم فلما *** عاينوه وعنده اقرباه

أعرضوا عن وداده ، ثم أبدى *** منهم الحقد مَن له اخفاه

فتحامت اليه اخوان صدق *** رغبة في قتال من عاداه

بذلوا دونه النفوس اختياراً *** للمنايا وجاهدوا في رضاه

ما ونوا ساعة الى أن أبيدوا *** للمنايا ولم يعد إلا هو

تارة بالطعان يحمي وطوراً *** بالحسام الصقيل يحمي حماه

إذ رماه الاشقى خوّلى بسهم *** وهو عن ذاك غافل لا يراه

وعلاه اللعين اعنى سنانا *** طعنة بالسنان شلّت يداه

فبكت من فعاله الأنس والجن *** ومن حلّ في رفيع سماه

وبكى البيت والمقام ونادى *** مذهب الحق آه واويلا

وغدا الدين بعد هذا حزينا *** وعليه الزمان شق رداه

وتولى الجواد يبكي عليه *** اسفا وهو بالبكا ينعاه

ورأت زينب اخاها على الارض *** صريعا معفراً بدماه

ثاوياً بالعرا قتيلا سليبا *** عاريا من قميصه ورداه

لهف نفسي على بنات حسين *** حاسرات يصحن وآجداه

* * *

يا بني المصطفى السلام عليكم *** ما أضا الصبح واستنار ضياه

انتم صفوة العليّ من الخلق *** جميعاً وأنتم أُمناه

انتم المنهج القويم وانتم *** يا بني احمد منار هداه

انتم حبله المتين فطوبى *** لمحبّ تمسكتّه يداه

ص: 52

واذا ما ابو الحسين ارتجاكم *** حاش لله أن يخيب رجاه

ابن ابي سعد مخلص الود فيكم *** في غد يرتجيكم شفعاه

ويرجّى الخلود في جنّة الخلد *** وان تصفحوا له عن جناه

وعليكم من ربكم صلوات *** ليس يحصى عظيمها إلا هو

ما دعى اللّه مخلص حين صلّى *** في منام وما استجيب دعاه (1)

الشيخ عبد المنعم بن الحاج محمد الجد حفصي البحراني :

جيا مرابع سعدى واكف الديم *** وجادها كل هطال ومنسجم

بحيث تلقى ومن وشي الربيع لها *** برد تدلى على الكثبان والاكم

مرابع طالما جررت مطرف لذا *** تي بها رافلا في اجزل النعم

لا غرو إن صروف الدهر مولعة *** دابا بحرب اولي الإفضال والكرم

ألا ترى انها دارت دوائرها *** على بني المصطفى المبعوث في الامم

فكم لهم من مصاب جلّ موقعه *** ولا كرزء الحسين السيد العلم

تعودت بيضهم ان ليس تغمد في *** غمد سوى معقد الهامات والقمم

اكرم بهم من اناس عز مشبههم *** فاقوا الورى في السجايا الغر والشيم

يسطو بابيض ما زالت مضاربه *** والموت في رقن في كل مصطدم

إليّة بيمين منه ما برحت *** حتف العدى وسحاب الجود والنعم

ما خلت من قبله فرداً تكنّفه *** عرمرم وهو يبدي سنّ مبتسم

يا راكباً يقطع البيداء مجتهداً *** في السير لم يلو من عيّ ولا سأم

عرج على يثرب واقر السلام على *** محمد خير خلق اللّه كلهم

وقل له هل علمت اليوم ما فعلت *** امية بالحسين الطاهر الشيم

والسيد الطهر زين العابدين لقد *** امسى اسيراً يعاني شدة السقم (2)

ص: 53


1- معدن البكاء في مصيبة خامس آل العباء تأليف محمد صالح البرغاني مخطوط.
2- أعيان الشيعة ج 39 ص 167.

للسيد عبد الحميد رحمه اللّه تعالى رواها الشيخ فخر الدين الطريحي المتوفى سنة 1085 في ( المنتخب ) ويظهر في آخر القصيدة انه ابن عبد الحميد :

عزّ صبري وعزّ يوم التلاق *** آه واحسرتا مما أُلاقي

ارقتني مذ فارقتني أحبابي *** برغمي غداة يوم الفراق

وفؤادي أضحى غريم غرام *** واصطباري نأى ووجدي باق

نار حزني تشبّ بين ضلوعي *** ودموعي تفيض من آماقي

وازيد الحزن الشديد لرزء *** السبط سبط الراقي لظهر البراق

قتلوه ظلما ولم يرقبوا فيه *** لعمري وصية الخلاق

لست أنساه يوم ظلّ ينادي *** القوم يا عصبة الخنا والشقاق

هل علمتم بأن جدي رسول اللّه *** خير الأنام بالاطلاق

وعلي أبي الذي كسر الأصنام *** قسراً وفي القيامة ساقي

والبتول الزهراء فاطم امي *** ثم عمي الطيار في الخلد راق

هل مغيث يغيثنا وعلينا *** الاجر يوم المحيا ويوم التلاق

فأجابوه قد علمنا الذي قلتَ *** وما انت بعد ذا اليوم باق

فغدا للقتال لا يختشي الموت *** لعمري والموت مرّ المذاق

يورد السمر والضبا في الاعادي *** فيرويهما دم الأعناق

فاحاطوا به فأردوه لما *** عزّ انصاره وقتل الباقي

ثم علّوا كريمه فوق رمح *** وهو يبدو كالبدر في الاشراق

وغدت زينب تنادي بشجو *** يا اخي يا قتيل اهل النفاق

وعلي السجاد يرفل في القيد *** عليلاً مضنى شديد الوثاق

* * *

يا بن بنت الرسول يا غاية *** المأمول يا عدتي غداً للتلاق

ابن عبد الحميد عبدك ما *** زال محباً لكم بغير نفاق

ص: 54

ان تفت نصرتي لكم واقتحامي *** دونك الموت عند ضيق الخناق

لم تفت لوعتي وطول حنيني *** واكتئابي وحرقتي واشتياقي

ومقامي على الكئابة والأحزان *** باكٍ بمدمع مهراق

وللشيخ علي بن عبد الحميد رحمه اللّه تعالى رواها الشيخ فخر الدين الطريحي في ( المنتخب ) :

أيحسن من بعد الفراق سرورُ *** وكيف وعيشي بعد ذاك مريرُ

تنكّرت الأيام من بعد بُعدهم *** فعيني عبري والفؤاد كسير

يقول عذولي أين صبرك إننا *** عهدناك لا تخشى وأنت صبور

تروح عليك النائبات وتغتدي *** وما أنت مما يعتريك ضجور

اذا ما عرى الخطب المهول وأصبحت *** له نوبٌ أمواجهنّ تمور

لبست له الصبر الجميل ذريعة *** فقلبك مرتاح وأنت قرير

فأيُّ مصاب هدركنك وقعه *** فقلبك فيه حرقة وزفير

لحا اللّه عذالي أما علموا الذي *** عراني ومم الدمع ظلّ يفور

أأنسى مصاب السبط نفسي له الفدا *** مصاب له قتل النفوس حقير

أبى الذلّ لما حاولوا منه بيعة *** وان حسيناً بالآباء جدير

وراح الى البيت الحرام يؤمّه *** بعزم شديد ليس فيه قصور

فجاءته كتب الغادرين بعهده *** ان أقدم الينا فالنصير كثيرُ

وفي آخرها :

أيا آل طه والحواميم والنسا *** ومَن بهم يرجو النجاة أسير

عليٌ فتى عبد الحميد بمدحكم *** طروب بكم يوم الحساب قرير

بحبكم يعلو على قمم العلا *** وأنتم له يوم القيامة نور

منحتكم مدحي رجاء شفاعة *** لدى الحشر والراجي لذاك كثير

ص: 55

خذوها قصيداً يخجل الشمس نورها *** ويعجز عنها جرول وجرير

إذا عبقت بين الملا بمديحكم *** تضوّع منها مندل وعبير

عليكم سلام اللّه ما لاح بارق *** وما غرّدت فوق الغصون طيور

وقال السيد علي بن جعفر يرثي الحسين (عليه السلام) :

ألا مَن لقلب لا يطاوعه صبرُ *** كثيب من الأحزان خالطه الفكر

وجفن قريح لا يملّ من البكا *** تجدد حزني كلما أقبل العشر

على فقد سبط المصطفى ومصابه *** فدمعي له سكب وقلبي به حرّ

فلهفي له لما سرى بنسائه *** وحادي الفنا يدعو القصر العمر

وزينب من فرط الأسى تكثر البكا *** تقول أخي مَن لي إذا نابني الدهر

فيانكبة هدّت قوى دين أحمد *** وعظم مصاب في القلوب به سعر (1)

وقال السيد علي بن جعفر عليه الرحمة يرثي الحسين رواها الشيخ عبد الوهاب الطريحي في منتخبه المخطوط بخطه سنة 1076 :

فؤاد لفرط الحزن قد عَدم الصبرا *** تجرّع في البلوى بكاس الردى صبرا

وقلب كثيب لا لتذكار جيرة *** تناؤا وقد أضحت منازلهم قفرا

ولكن لتذكار القتيل اذا اغتدى *** طريحاً من الاعداء يستنجد النصرا

للشيخ صالح بن عبد الوهاب رواها الشيخ فخر الدين الطريحي في ( المنتخب ) :

نوحوا أيا شيعة المولى أبي حسن *** على الحسين غريب الدار والوطن

وابكوا عليه طريحاً بالطفوف على *** الرمضاء مختضب الاوداج والذقن

وابكوا بنات رسول اللّه بين بني *** اللئام يشهرن في الامصار والمدنِ

ص: 56


1- عن المنتخب للشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ محمد علي الطريحي النجفي المسلمي كتبه سنة 1076.

والطهر فاطمة الصغرى تنوح على *** الحسين نوح كئيب القلب ذي شجن

يا ليت عيني قبل الآن قد عميت *** وليتني قبل هذا اليوم لم أكن

وام كلثوم تدعو وهي باكية *** بمدمع هامل كالعارض الهتن

أيا ابن امي قد اورثتني كمداً *** أرهى فؤادي وأبلاني وأنحلني

أخي أخي يابن أمي يا حسين لقد *** تجددت لي أحزان على حزن

يا ليت عين رسول اللّه ناظرة *** إليّ والفاجر الملعون يسلبني

للشيخ حسن النحي رواها الشيخ عبد الوهاب الطريحي في منتخبه المخطوط بخطه سنة 1076. أما الشيخ فخر الدين الطريحي فقد ذكرها في ( المنتخب ) وقال : الشيخ حسن النجفي رحمه اللّه .

لمصاب الكريم زاد شجوني *** فاعذلوني أو شئتم فاعذروني

كيف لا أندب الكريم بجفن *** مقرح بالبكا وقلب حزين

يا لها من محاجر هاميات *** بخلّت وابل الغمام الهتون

وجفون إن أصبح الماء غوراً *** من بكاها جاءت بماء معين

لقتيل بكت له الجن والإنس *** وسكان سهلها والحزون

لهف قلبي عليه وهو جديل *** فوق وجه الصعيد دامي الجبين

لهف قلبي لزينب وهي تبكي *** وتنادي من قلبها المحزون

يا أخي يا مؤملي يا رجائي *** يا منائي يا مسعدي يا معيني

كنت أمناً للخائفين ويُمناً *** للبرايا في كل وقت وحين

يا هلالاً لما استتم ضياء *** غيبته بالطف أيدي المنون

* * *

آل طه يا من بهم يغفر اللّه *** ذنوبي وما جنته يميني

لا أبالي وإن تعاظم ذنبي *** يوم بعثي لكن يقيني يقيني

كل عزي بين الأنام وفخري *** يوم حشري بانكم تقبلوني

ص: 57

بعتكم مهجتي ببيع صحيح *** عن تراضي ولست بالمغبون

أنتم لا سواكُم وإليكم *** لا الى غيركم تساق ظعوني

لا أبالي إذا حضيت لديكم *** قربوني الأنام أو أبعدوني

سوف اصفيكم الوداد بقلب *** ولسان كالصارم المسنون

وإليكم من عندكم حسن النحي *** قصيداً تزهو كدرّ ثمين

بكر نظم لها القبول صداق *** فاقبلوها يا سادتي وارحموني

وعليكم من الإله صلاة *** كلما ناح طائر في الغصون

ص: 58

القرن الحادي عشر

اشارة

الوفاة

السيد عبد الرؤف الجد حفصي 1006

عمر بن عبد الوهاب العرضي الشافعي 1024

الشيخ جعفر الخطي 1028

السيد ماجد ابن السيد هاشم البحراني 1028

الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين - الشهيد الثاني 1030

الشيخ محمود الطريحي 1030

الشيخ البهائي 1031

الشيخ محمد علي الطريحي 1036

الشيخ زين الدين بن محمد - حفيد الشهيد الثاني 1064

ابن جمال 1072

الشيخ فخر الدين الطريحي 1085

الشيخ عبد الوهاب الطريحي القرن الحادي عشر

السيد معتوق الموسوي 1087

السيد علي خان المشعشعي 1088

الحاج مؤمن الجزائري الشيرازي القرن الحادي عشر

السيد نعمان الأعرجي القرن الحادي عشر

الشيخ أحمد بن خاتون العاملي العيثاني القرن الحادي عشر

الشيخ محمد بن السمين الحلي القرن الحادي عشر

محمد بن نفيع الحلي القرن الحادي عشر

ص: 59

ص: 60

السيد عبد الرؤف الجدحفصي

اشارة

المتوفى 1006

إلى كم تطيل النوح حول المرابع *** وتذري على الدارات درّ المدامع

وتندب رسماً قد محته يد البلى *** وتشجيك آثار الطلول البلاقع

وتقضي غراما عند تذكار رامة *** لأرام أنسٍ في القلوب رواتع

وتحيى إذا هبّت من الحي نسمة *** وتهفوا لتغريد الحمام السواجع

أما آن أن تصحو وقد حال حالك *** وبدّلته قسراً بأبيض ناصع

ومالك شغل عن تذكّر بارق *** ببارق شيب من قذالك لامع

فهب أنّ سلمى بعد قطعك راجعت *** أيجديك نفعاً والصبا غير راجع

وخذ قبل أن تحتاج زاداً مبلّغاً *** الى سفر جمّ المهالك شاسع

ولا تأمن الدهر الخؤن فشهده *** مشابٌ بسمّ نافذ السهم ناقع

فكم غرّغراً بالمبادي وما درت *** مطالعه ماذا ترى في المقاطع

ولا تكترث بالحادثات ووقعها *** فما في ضمان اللّه ليس بضائع

وفوّض لرب العرش أمرك كله *** ووجه لما يوليكه نفس قانع

ووال ختام المرسلين وآله *** لتسعى بنور عن يمينك ساطع

فإن حدتَ عنهم او علقت بغيرهم *** هلكت ، وهل يشأى الظليع بظالع

هم أمناء اللّه في هل أتى أتى *** مديحهم بالنص غير مدافع

براهين فضل قد خلت من معارض *** وآيات فصل قد علت عن مضارع

ص: 61

لربهم عافوا الرقاد فأصبحت *** جنوبهم تأبى وصال المضاجع

بهم أشرق الدين الحنيفي غبّ ما *** دجى وتجلّت مبهمات الشرائع

لقد جاهدوا في اللّه حق جهاده *** وردوا حسيراً طرف كل منازع

فلما قضى المختار عاثت بشملهم *** على رغم أنف الدين أيدي الفجائع

وسددت الأعداء نحو قبيله *** سهام ذحول عن قسيّ خدائع

ونالت رءوس الكفر منهم فلم تدع *** لهم في فجاج الأرض مقلة هاجع

فهم بين من بيتزّ بالقهر إرثها *** ومن بين متبوع يقاد لتابع

ومن بين مخذول رأى رأي عينه *** خلاف الموالي وانحراف المبايع

ومما شجى قلبي وأغرى بي الأسى *** وأفنى اصطباري ذكر كبرى الوقائع

هي الوقعة الكبرى التي كل سامع *** لها ودّ لو سدّت خروق المسامع

غداة دعت سبط النبي عصابة *** بأن سر وعجّل بالقدوم وسارع

وجاءت إليه كتبهم وقد انطوت *** على إحنٍ طيّ الحشى والأضالع

بنفسي الحسين الطهر يسعى اليهمُ *** بأهليه لا يثني عزيمة راجع

وتصحبه من صحبه الغر سادة *** لهم في قران الفوز أسعد طالع

فديتهم لما أتوا أرض كربلا *** وضاق بهم من سبلها كل واسع

فديتهم لما أتى القوم نحوهم *** وسدوا عليهم كل نهج وشارع

فديتهم لما أحاطوا برحلهم *** وردّوهم عن وردماء الشرائع

لعمري لقد فازوا وحازوا مراتباً *** تقهقر عن ادراكها كل طامع

وما برحوا في نصره ولأمره *** بأسرهم ما بين ساع وسامع

ويقول في آخرها :

فشمس العلى غارت وانجم سعدها *** توارت وأمسى غارباً كل طالع

بنفسي قتيلاً مفرداً بين خاذل *** وباغ ومرتدّ وطاغ وخادع

بنفسي رضيعاً ألقم القوم ثغره *** ثديّ سهام لا ثديّ مراضع

ص: 62

بنفسي رؤساً قد نأت عن جسومها *** بعامل جزم فوق عامل رافع

فديتهم والرأس كالبدر بينهم *** وهم حوله مثل النجوم الطوالع

* * *

إليكم سلاطين المعاد قصيدة *** أجادت معانيها قريحة بارع

فما الدر منظوماً سوى عقد نظمها *** وما الروض إلا ما حوت من بدائع

إذا شان شعرُ الناس طولٌ فشأنها *** له الطول مهما أنشدت في المجامع

فإن سحبت ذيل القبول لديكم *** رضيت على حظي وصالحت طالعي

بكم قد علا قدري وشاعت مفاخري *** وسدتُ كهول الناس في سنّ يافع

إذا ضاع مدح المادحين سواكم *** فاجر مديحي فيكمُ غير ضائع

فيا علل الايجاد والسادة الاولى *** هم عند رب العالمين ذرائعي

بنوركم نهدى الى طرق الهدى *** كما يرشد الساري ضياء المشامع

وما لي سوى حبي لكم من بضاعة *** وتلك لعمر اللّه أسنى البضائع

فنجلكم عبد الرؤف وعبدكم *** بكم يلتجي من هول وقع المقامع

سليل الحسيني الحسين بن أحمد *** لِباب التماس العفو أحوج قارع

خذوا بيدي والوالدين وأسرتي *** وصحبي وتالٍ للقريض وسامع (1)

ص: 63


1- عن مجموعة الشيخ لطف اللّه الجد حفصي.

السيد عبد الرؤوف البحراني ابن الحسين الحسيني الموسوي قاضي قضاة البحرين. توفي سنة 1006

ذكر السيد الأمين من شعره قوله مضمناً :

أصبحت أشكو علّة ضعفت لها *** مني عن الحركات والبطش القوى

جاء الطبيب فجسّ نبظي سائلاً *** ما تشتكي قلت الصداع من الهوى

فتنفس الصعداء وهو يقول لي *** داء العليل ومَن يعالجه سوا

وأشار ان الصبر ينفع قلت مَن *** ( تصف الدواء وأنت أحوج للدوا )

وقوله أيضاً :

لله أشكو من زمان سائني *** وعليّ غارات المصائب شنّها

وسرت إلى قلبي سموم غمومه *** وسيوفه لقتال صبري سنها

فطفقت أنشد والخطوب تنوشني *** ( صبّت عليّ مصائب لو أنها )

وقوله مضمناً أيضا :

لله وجه لو ملكن ضياءه *** سود الليالي لا نقلبن لئاليا

وذوائب من فوقه لو أنها *** صبّت على الأيام عدن لياليا

وقوله :

لا يخدعنك عابد في ليلة *** يبكي وكن من شرّه متحذّرا

لم يسهر الليل البعوض ولم يصح *** في جنحه إلا لشرب دم الورى

وقال صاحب أنوار البدرين : قلت وهذا السيد من أجلاء السادة ورؤسائهم في زمانه في البحرين من أهل جد حفص - القرية المشهورة - ودفن في مقبرة الشيخ راشد من بلاد القديم. والظاهر أنه خال السيد العلامة السيد

ص: 64

ماجد الصادقي الجد حفصي وزوج ابنته ، وكان - أعني صاحب الترجمة - شيخ الاسلام أي قاضي قضاة البحرين ، قال جامع ديوان الشيخ جعفر الخطي : وللشيخ الخطي مرثية يرثي الشريف قاضي القضاة أبا جعفر عبد الرؤوف ابن الحسين العلوي الموسوي سنة 1016 (1) :

كفّ الحمام وترتِ أي جواد *** ورجعتِ ظافرة بأي مرادِ

وطردتِ ليث الغاب عن أشباله *** ورجعتِ سالمة من الاساد

اخمدتِ ضوء الكوكب الوقاد من *** آفاقه وأملتِ طود النادي

وكففت من غلواء مهر طالما *** بذّ الجياد بكل يوم طراد

للسبع بعد العشر من صفر مُني *** منك الورى بمفتت الاكباد

رزء أتاح لكل قلب حرقة *** تفتر عن جمر الغضا الوقاد

ومنها :

هيهات أن يلد الزمان له اخا *** أنى وقد عقمت عن الميلاد

وفي آخرها :

فلئن مضى عبد الرؤوف لشأنه *** والموت للأحياء بالمرصاد

فلقد أقام لنا إماماً هادياً *** يقفوه في الاصدار والايراد

يزهو به دست القضاء كأنه *** بدر تعرّى عنه جنح الهادي

لا زال دست الحكم يبصر منه عن *** عين الزمان وواحد الآحاد

أنشدت هذه القصيدة بسابع موت هذا الشريف في جمع كثير وجم غفير ولا غرو فلقد كان له من العظمة والجلالة ما ليس لملك في رعيته.

وأنشد في ذلك المقام للشريف الامام العلامة أبي علي السيد ماجد بن هاشم العلوي مرثيته الهمزية المهموزة العزيزة الوجود التي أولها :

ص: 65


1- يظهر ان الرثاء لحفيده المسمى باسمه.

حلت عليك معاقد الانداء *** ونحت ثراك قوافل الانواء

وسرت على أكناف قبرك نسمة *** بلّت حواشيها يد الانداء

ما بالي استسقيت انداء الحيا *** وأرحت أجفاني من الاسقاء

ما ذاك إلا أن بيض مدامعي *** غاضت مبدّلة بحمر دماء

هتفت أياديك الجسام باعيني *** فسمحن بالبيضاء والحمراء

أنى يجازي شكر نعمتك التي *** جللتنيها قطرة من ماء

يا درة سمحت به الدنيا على *** يأس من الاحسان والاعطاء

واسترجعتها بعدما سمحت بها *** وكذاك كانت شيمة البخلاء

ومنها :

فلئن قصرت من الاقامة عندنا *** حتى كأنك لمحة الايماء

فلقد أقمت بنا غريباً في العلا *** وكذا تكون اقامة الغرباء

انتهى ما في ديوان أبي البحر الشيخ جعفر الخطي.

قلت : وهذه القصيدة المهموزة من جيد الشعر وأبلغه وأحلاه وأعذبه وللسيد العلامة المذكور هذان البيتان أيضاً ليكتبا على قبر المرثي السيد عبد الرؤوف المزبور ولقد اجاد :

هذا مقرّ العلم والفضل *** ومخيم التوحيد والعدل

شبران جزئيان ما خلقا *** إلا لحفظ العالم الكلي

قال جامع ديوان الشيخ جعفر الخطي والتمسوا منه أي الشيخ جعفر الخطي شيئاً بكتب على قبر الشريف أبي جعفر عبد الرؤوف المرثي سابقاً فقال :

لعمرك ما واروه في الأرض انه *** تقاعس عن نيل العلاء إلى الأفق

ص: 66

ولكنه الطود الذي لو ازيل عن *** مراسيه مادت هذه الأرض بالخلق

قال الشيخ ( ره ) فسبقني الشريف العلامة بعمل بيتين اي المتقدمين وكتبا على حجر قبره بمقبرة الشيخ راشد بجبانة أبي عنبرة من اوال البحرين وهما البيتان المتقدمان قال : فقلت البيتين واتفق وفاة السيد الشريف أبي جعفر السيد عبد الجبار بن الحسين الحسيني أخ السيد المذكور بشيراز فدفن بمدفن السيد أحمد بن الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) فكتبا على قبره هناك قال جامع الديوان ثم قربت العهود والتأييدات المقررة من قبل هرموز بتقليد القضاء ابنه أبا عبد اللّه السيد جعفر وولاية الأوقاف وفوض اليه الامور الحسبية وافرغت عليه الخلع من الديوان وذلك بالمشهد المعروف بذي المنارتين من اوال البحرين وذلك في ثالث عشر شهر صفر سنة السادسة بعد الألف انتهى.

قلت : وهذا الشريف الجليل الذي كان شيخ الاسلام بعد أبيه هو ممدوح الشيخ جعفر الخطي ومخدومه والذي يصحبه معه في أسفاره إلى شيراز ، رحمهم اللّه جميعاً.

وقال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) قسم الديوان :

ديوان عبد الرؤوف الجدحفصي وهو السيد أبو جعفر بن الحسين بن محمد ابن الحسن بن يحيى بن علي بن اسماعيل أخ الشريف المرتضى علم الهدى أبي القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الإمام موسى ابن جعفر الكاظم (عليه السلام) كذا سرد نسبه حفيده الآتي ذكره والمسمى باسمه الموسوي الحسيني البحراني الجدحفصي المتوفى (1006) وقد رثاه ابن اخته وصهره على بنته المسماة بملوك : السيد ماجد بن هاشم بن علي بن مرتضى الصادقي الجدحفصي الذي توفى هو 1028 كما أرخه السيد عليخان في ( السلافة ) وكتب السيد ماجد على قبر جدّه الاميّ السيد عبد الرؤوف أشعاراً ذكرها الشيخ يوسف البحراني في كشكوله وذكر فيه أيضاً جملة من أشعار ديوان

ص: 67

السيد عبد الرؤوف هذا في مديح أصحاب الكساء المذكور.

حفيده وسميه :

وقال البحاثة الطهراني في قسم الديوان من ( الذريعة ) :

ديوان عبد الرؤوف الجدحفصي السيد جلال الدين أبي المعالي عبد الرؤوف ابن الحسين بن أحمد بن السيد أبي جعفر عبد الرؤوف الموسوي الحسيني البحراني الجدحفصي المذكور بقية نسبه آنفاً وقد ترجمه الشيخ الحر في « الأمل » وذكر بعض ما كتبه اليه من شعره وأطراه إلى أن قال : ( رأيته في البحرين فرأيت منه العجب لكنني عرفت حينئذ في البحرين بحر العلم وبحر الأدب ... ) أقول قد جمع هذا الديوان الشيخ أحمد بن محمد بن مبارك الساري البحراني بعد وفاة الناظم بأمر ولده السيد أحمد بن عبد الرؤوف وذكر فيه ان الناظم توفى 1113 ورتبه على ثلاثة أبواب 1 - المديح 2 - الرثاء 3 - المتفرقات. وفرغ من جمعه في 1118 وقد رأيته عند السيد محمد علي « السبزواري بالكاظمية » وفيه فوائد أدبية وتاريخية ، وكانت نسخة من هذا الديوان عند السيد شبر بن محمد بن ثنوان الموسوي الحويزي نقل عنه في رسالة عملها في بيان نسب السيد عليخان بن خلف الحويزي وذكر ان في ثلاثة مواضع من هذا الديوان يصرح بسيادة السيد عليخان وصحة نسبه.

وفي تتمة أمل الآمل :

السيد عبد الرؤوف الموسوي هو الحفيد للسيد عبد الرؤوف السالف ذكره. جاء ذكره في أنوار البدرين في علماء البحرين بقوله : السيد النجيب الأديب الحسيب السيد عبد الرؤوف بن الحسين بن عبد الرؤوف بن أحمد بن حسين بن محمد بن حسن بن يحيى بن علي بن اسماعيل بن علي بن اسماعيل. أخ السيدين الشريفين المرتضى والرضي ابنا الحسين بن موسى بن ابراهيم بن الإمام الكاظم (عليه السلام) البحراني أحد الأكابر والأعيان المشار اليهم بالبنان ، جمع بين علو

ص: 68

الهمة والأدب ، وشفع سمّو الأصل بسمو الحسب ، فهو غرة جبين الدهر ، وله شعر يحبب العقول بسحره ونثر يزري بنظم الدر ونثره ، جمع فيه بين الجزالة والرقة وأعطى كل ذي حق حقه ، كان مولده سنة 1013 ه- وتوفى سنة 1060 ، اللّه أعلم وله رحمه اللّه من العمر سبعة وأربعون سنة تغمده اللّه برحمته ورضوانه (1).

وللسيد أحمد بن السيد عبد الرؤوف بن السيد حسين الجدحفصي طاب ثراه

عيون المنايا للاماني حواجب *** ودون المنى سهم المنية صائب

وكل امرء يبكي سيبكى وهكذا *** صبابة ماء نحن والدهر شارب

فكم من لبيب غرّ منه بموعد *** فصدّقه في قوله وهو كاذب

هو الدهر طوراً للنفائس واهبٌ *** اليك وطوراً للنفيسة ناهب

فلا تأمنن الدهر في حال سلمه *** فكم علقت بالآمنين المخالب

فكم راعني من صرفه بروائع *** تهدّ لها مني القوى والمناكب

ولكنني مهما ذكرت بكربلا *** مصاباً إذا ما قصّ تنسى المصائب

نسيت الذي قد نالني من خطوبه *** ولم تصف لي مهما حييت المشارب

وقدغارفي أرض الطفوف من الندا *** بحور وغارت في ثراها كواكب

وأضحى حسين مفرداً بعد جمعه *** يذود عن الأهل العدا ويحارب (2)

ص: 69


1- عن تتمة أمل الآمل.
2- عن مجموعة الشيخ لطف اللّه الجدحفصي.

عُمر بن عبد الوهاب العرضي الشافعي

المتوفي 1024

قال المحبي في خلاصة الاثر في أعيان القرن الحادي عشر ص 218 من الجزء الثالث وللعرضي شعر قليل أنشد له بعض الأدباء قوله. وهو معنى حسن

لم اكتحل في صباح يوم *** اريق فيه دم الحسين

إلا لأني لفرط حزني *** سوّدتُ فيه بياض عيني

قال وأصله قول بعضهم

وقائل : لم كحلت عيناً *** يوم استباحوا دم الحسين

فقلت كفوا أحق شيء *** يلبس فيه السواد عيني

قال ومثله لأبي بكر العمري الدمشقي :

في يوم عاشوراء لم أكتحل *** ولم أزيّن ناظري بالسواد

لكن على من فيه حينا قضى *** ألبستُ عينيّ ثياب الحداد

أقول : سبق وان ذكر هذا الشعر لأحمد بن عيسى الهاشمي من رجال القرن السادس الهجري. ذكرناه في الجزء الثالث من « أدب الطف » ص 245 مع ترجمته ، ولعله توارد خاطر.

ص: 70

عمر بن عبد الوهاب بن ابراهيم بن محمود بن علي بن محمد بن محمد بن محمد ابن الحسين العرضي الحلبي الشافعي القادري المحدث الفقيه الكبير مفتي حلب وواعظ تلك الدائرة ، كان أوحد وقته في فنون الحديث والفقه والأدب وشهرته تغني عن الاطراء في وصفه ، اشتغل بالطلب على والده ثم لزم الشيخ الإمام محمود بن محمد بن محمد بن حسن البابي الحلبي المعروف بابن البيلوني وكان عمره إذ ذاك أربع عشرة سنة فقرأ عليه الجزرية ومقدمة للتصريف وتجويد القرآن.

أقول واستمر يذكر مراحل الدراسة التي قضاها المترجم له إلى ان قال : والف تآليف كثيرة منها شرح شرح الجامي وكان شديد الاعتناء بالجامي حريصاً على مطالعته وإقرائه وفيه يقول :

لله درّ إمام طالما سطعت *** أنوار افضاله من علمه السامي

ألفاظه أسكرت أسماعنا طربا *** كأنها الخمر تسقى من صفا الجامي

اقول وذكر المحبي باقي مؤلفاته ورسائله وتحقيقاته وأورد جملة من ذلك وقال المحبي وكانت ولادته بحلب بقاعة العشائرية الملاصقة لزاويتهم دار القرآن شمالي جامع حلب في صبيحة يوم الجمعة منتصف جمادى الآخرة سنة خمسين وتسعمائة ، وجاء تاريخ مولده ( شيخ حلب ). ومات يوم الثلاثاء خامس عشر أو سادس عشر شعبان سنة أربع وعشرين والف وقال الصلاح الكوراني مؤرخاً وفاته :

إمام العلوم وزين العلا *** سراج الهدى عمر ذو الوفا

تولّى فارخ سراج بها العلوم *** هدى فرقا فانطفى

انتهى عن الجزء الثالث من خلاصة الاثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي ص 215.

ص: 71

الشيخ جعفر الخطي

المتوفى 1028

قال يرثي سيد الشهداء الحسين بن علي علیه السلام :

معاهدهم بالابرقين هوامدُ *** رزقن عهاد المزن تلك المعاهد

ولولا احمرار الدمع لانبعثت بها *** سحائب دمع بالحنين رواعد

وقفت بها والوحش حولي كأنني *** بهنّ مليك حوله الجند حاشد

أسرّح في اكنافها الطرف لا أرى *** سوى أشعث شجته أمس الولائد

وإلا ثلاثاً كالحمايم جثماً *** ونؤباً عفته الذاميات العوائد

وأسألها عن أهلها وهي لم تحر *** جواباً وهل يستنطق العجم ناشد

لك الخير لا تذهب بحلمك دمنة *** محاها البلى واستوطنتها الأوابد (1)

فما هي ان خاطبتها بمجيبة *** وان جاوبت لم يشف ما أنت واجد

ولكن هلم الخطب في رزء سيدٍ *** قضى ظمأ والماء جار وراكد

كأني به في ثلّة من رجاله *** كما حفّ بالليث الأسود اللوابد

يخوض بهم بحر الوغى وكأنه *** لواردهم عذب المجاجة بارد

اذا اعتقلوا سمر الرماح وجرّدوا *** سيوفاً أعارتها البطون الاساود

فليس لها إلا الصدور مراكزاً *** وليس لها إلا الرؤس مغامد

ص: 72


1- الاوابد : الطير المقيمة بأرض شتاء وصيفاً ، أو الوحش.

يلاقون شدّات الكماة بأنفس *** إذا غضبت هانت عليها الشدائد

إلى أن ثووا في الأرض صرعى كأنهم *** نخيل أمالتهن أيدٍ عواضد

أولئك أرباب الحفاظ سمت بهم *** الى الغاية القصوى النفوس المواجد

ولم يبق إلا واحد الناس واحداً *** يكابد من أعدائه ما يكابد

يكرّ فينثالون عنه كأنهم *** مهىً خلفهنّ الضاريات شوارد

يحامي وراء الطاهرات مجاهداً *** بأهلي وبي ذاك المحامي المجاهد

فما الليث ذو الاشبال هيج على طوى *** بأشجع منه حين قلّ المساعد

ولا سمعت أذني ولا أذن سامع *** بأثبت منه في اللقا وهو واحد

إلى أن أسال الطعن والضرب نفسه *** فخرّ كما أهوى إلى الأرض ساجد

فلهفي له والخيل منهن صادرٌ *** خضيب الحوامي من دماه ووارد

فأيّ فتى ظلّت خيول أمية *** تعادى على جثمانه وتطارد

وأعظم شيء أنّ شمراً له على *** جناجن صدر ابن النبي مقاعد

فشلّت يداه حين يفري بسيفه *** مقلّد من تلقى إليه المقالد

وان قتيلا أحرز الشمر شلوه *** لأكرم مفقود يبكّيه فاقد

لقى بمحاني الطف شلواً ورأسه *** ينوء به لدن من الخطّ وارد

ولهفي على أنصاره وحماتِه *** وهم لسراحين الفلاة موائد

مضمخة أجسادهم فكأنما *** عليهنّ من حمر الدماء مجاسد

تضيء به أكناف عرضة كربلا *** وتظلم منه أربع ومشاهد

فيا كربلا طلتِ السماء وربما *** تناول عفواً حظ ذي السعي قاعد

لأنت وإن كنت الوضيعة نلتٍ من *** جواره ما لم تنله الفراقد

سررتِ بهم إذ آنسوك وساءني *** محاريب منهم أوحشت ومساجد

بذا قضت الأيام ما بين أهلها *** مصائب قوم عند قوم فوائد

ليهنك أن أمسى ثراك بطيبه *** تعطر منه في الجنان الخرائد (1)

ص: 73


1- الخرائد جمع خريدة : البكر التي لم تمس قط.

وان أنس لا أنسى النساء كأنها *** قطاً ريع عن أوكاره وهو هاجد

سوافر بعد الصون ما لوجوهها *** براقع إلا أذرع وسواعد

إذا هنهّ سلّبن القلائد جددت *** من الضرب في أعناقهن قلائد

وتلوى على أعضادهن معاضدٌ *** من الضرب إذ تبتزّ منها المعاضد

نوادب لو أن الجبال سمعنها *** تداعت أعاليهن فهي سواجد

إذا هنّ أبصرن الجسوم كأنها *** نجوم على ظهر الفلاة رواكد

وشمن رؤوساً كالبدور تقلّبها *** رماح كأشطان الركي موائد (1)

تداعين يلطمن الخدود بعولةٍ *** تصدع منها القاسيات الجلامد

ويخمشن بالأيدي الوجوه كأنها *** دنانير أبلاهنّ بالحك ناقد

وظلن يرددن المناح كأنما *** تعلم منهن الحمام الفواقد

فما الورق بزتها البزاة فراخها *** وحلأها عن حومة الوكر صائد

ولا رزحٌ هيمٌ تكاد قلوبها *** تطير إذا عنّت لهن الموارد (2)

تهمّ بورد الماء ثم يردها *** أخيرق مرهوب البسالة ذائد

يدافعها عن ورده وهي لا تني *** تدافعه وهو الألد المعاند

فيرجعها حرى القلوب كأنما *** يؤجج في أحشائها النار واقد

بأكثر منها تلك نوحاً وهذه *** حنيناً وأنى والعيون جوامد

فيا وقعة ما أحدث الدهر مثلها *** يبيد الليالي ذكرها وهو خالد

لألبست هذا الدين أثواب ذلة *** ترث لها الأيام وهي جدائد

لحى اللّه قيساً قيس عيلان إنني *** عليهم لمسجور الحشاشة حاقد

لأمهم الويلات ما ذنب هاشم *** عليهم أما كفواً إذا لم يساعدوا

ص: 74


1- الركي بفتح الراء مفردها ركية. والاشطان جمع شطن : الحبل. وصف الرماح لميدانها بحبال الابار.
2- رزح جمع رازح : الجمل الذي لم يستطع النهوض هزالاً وتعباً.

أغرتم فحللتم أواصر بينكم *** لها مضرٌ في سالف الدهر عاقد

وأبكيتم جفن النبي محمد *** ليضحك كلب من أمية عاقد

أمية هبّي من كراك فما جنى *** كفعلك جان وهو مثلك راقد

لأغرقتم في رمي هاشم بعدما *** أحلوكم حيث السهى والفراقد

على غير شيء غير أنكم معاً *** إذا حصل الانساب كفّ وساعد

خلا أنه أولى بكم من نفوسكم *** بنصّ من التنزيل واللّه شاهد

أنالهم ما لم ينلكم إلههم *** فكلكم بادي العداوة حاسد

أما وأبي لولا تأخر مدتي *** وأن الذي لم يقضه اللّه كايد

لا لفيتموني في رجال كأنهم *** ليوث بمستنّ النزال حوارد

بأيماننا بيض كأن متونها *** إذا اطردت أمواههن مبارد

وخطية ملس البطون كأنما *** أسنتها مما شحذن مناصد

نطاعنكم عنهم بهذي فأن نبت *** عواملها ملنا بتلك نجالد

لعمر أبي الخطي ان عز نصركم *** عليه فلم تعزز عليه القائد

من اللائي يدنين الخلي من الأسى *** ويتركن مثلوج الحشا وهو واجد

فدونكم آل النبي فرائداً *** تذلّ لها في سلكهن الفرائد

يزيركموها من فروع ربيعة *** فتى عرقت فيه الرجال الأماجد (1)

يمدّ بضبعيه إلى أمد العلا *** إذا ما انتمى جدّ كريم ووالد

إذا شئت جاراني بمضمار مدحكم *** جوادان لا يشآهما الدهر طارد (2)

إذا ركضا كان المصلي منهما *** الفتى حسن والسابق الفحل ماجد

هما أرضعاني درة الرشد يافعاً *** فها أنا ذا والحمد لله راشد (3)

ص: 75


1- يزيركموها أي يهيئكم لها.
2- يشآهما : يسابقهما.
3- عن ديوانه المطبوع في طهران سنة 1373 ه. تحقيق الخطيب السيد علي الهاشمي.

الشيخ جعفر الخطي

هو العالم الفاضل أبو البحر شرف الدين الشيخ جعفر بن محمد بن حسن بن علي بن ناصر بن عبد الإمام العبدي من عبد القيس الخطي ، أحد المشاهير علامة فاضل من الصلحاء الأبرار وكان مع وفور تقواه أديب رقيق وشاعر مطبوع جزل اللفظ منسجم الأسلوب قوي العارضة من شعراء أوائل القرن الحادي عشر وأحد المعاصرين لمفخرة الشيعة الشيخ بهاء الدين العاملي ورد عليه في أصفهان خلال زيارته لثامن الأئمة علي بن موسى الرضا علیه السلام ومدحه بقصيدة عصماء وجاراه في رائيته في مدح صاحب الزمان سلام اللّه عليه حيث اقترح عليه ذلك فقال على البديهة وفي مجلس البهائي :

هي الدار تستسقيك مدمعها الجاري *** فسقياً فأجدى الدمع ما كان للدار

ولا تستضع دمعاً تريق مصونه *** لعزته ما بين نؤي واحجار

فأنت امرء بالأمس قد كنت جارها *** وللجار حق قد علمت على الجار

إلى آخرها وهي مماثلة لقصيدة البهائي التي مطلعها :

سرى البرق من نجد فجدد تذكاري *** عهود بحزوى والعذيب وذي قار

له من الآثار المنشورة بين الناس ديوان شعره المشهور.

قال يعتذر إلى الشريف أبي عبد اللّه بن عبد الرؤوف الحسيني العلوي حين أنكر منه ما كان يألفه من أنسه وعنايته وتوسم فيه المكافاة على ما يجن فقال يعتذر عن هذا الوهم وبعث بها اليه سنة 1019 :

يا سيداً عظمت موا *** قع فضله عندي وجلّت

هذي مواهبك التي *** سقت الورى نهلا وعلت

ص: 76

ما بالها كثرت على *** غيري وعني اليوم قلت

لم أدر أي خطيئة *** عثرت بها قدمي وزلت

خطب لعمر أبي ، تضي- *** -ق به السماء وما أظلت

والأرض تعجز عن تحم- *** -لها جفاك وما أقلت

وسيوف عتبك يا أعز *** العالمين عليّ سُلت

أحسين إني والذي *** عنت الوجوه له وذلت

لعلى الوفاء كما علم- *** -تَ وان جفت نفس وملت

تربت يد علقت بغي- *** -رك أو بفضل سواك بُلت

هذا وأن مدت يدي *** لسواك تسأله فشُلت (1)

وقال عندما عبر البحر من قرية كتكان توبلي قاصداً قرية بوبهان (2) وذلك حالة الجزر ولما توسط معظم الماء وثب بعض السمك واسمه ( السبيطي ) نافراً في وجهه فشق وجنته اليمنى فنظم هذه القصيدة الغراء سنة 1019 ه- :

برغم العوالي والمهندة البتر *** دماء أراقتها سبيطية البحر

ألا قد جنى بحر البلاد وتوبلى *** عليّ بما ضاقت به ساحة البر

فويل بني شنّ ابن أقصى وما الذي *** رمته به أيدي الحوادث من وتر

دم لم يرق من عهد نوح ولا جرى *** على حدّ ناب للعدو ولا ظفر

تحامته اطراف القنا وتعرضت *** له الحوت يا بؤس الحوادث والدهر

لعمر أبي الأيام ان باء صرفها *** بثار امرئ من كل صالحة مثري

فلا غرو فالأيام بين صروفها *** وبين ذوي الأخطار حرب إلى الحشر

ألا أبلغ الحيين بكراً وتغلباً *** فما الغوث إلا عند تغلب أو بكر

ص: 77


1- عن أعيان الشيعة : ج 16 ص 202.
2- كتكان وبوبهان من قرى البحرين.

أيرضيكما أن امرءاً من بنيكما *** وأي امرئ للخير يدعى وللشر

يراق على غير الضبا دم وجهه *** ويجري على غير المثقفة السمر

وتنبو نيوب الليث عنه وينثني *** أخو الحوت عنه دامي الفم والثغر

ليقضي امرؤ من قصتي عجباً فمن *** يرد شرح هذا الحال ينظر الى شعري

أنا الرجل المشهور ما من محلة *** من الأرض إلا قد تخللها ذكري

فان أمسي في قطرمن الأرض إن لي *** بريد اشتهار في مناكبها يسري

تولع بي صرف القضاء ولم تكن *** لتجري صروف الدهر إلا على الحر

توجهت من ( مري ) ضحى فكأنما *** توجهت من مري إلى العلقم المر

تلجلجت خور القريتين مشمراً *** وشبلي معي والماء في أول الجزر

فما هو إلا أن فئت بطافر *** من الحوت في وجهي ولا ضربة الفهر

لقد شق يمنى وجنتي بنطحة *** وقعت بها دامي المحيا على قطري

فخيّل لي أن السموات أطبقت *** عليّ وأبصرت الكواكب في الظهر

وقمت كهدي ندّ من يد ذابح *** وقد بلغت سكّينة ثغرة النحر

يطوحني نزف الدماء كأنني *** نزيف طلى مالت به نشوة الخمر

فمن لا مرئ لا يلبس الوشي قد غدا *** وراح موشّى الجيب بالنقط الحمر

ووافيت بيتي ما رآني امرؤ ولم *** يقل أوَ هذا جاء من ملتقى الكر

فها هو قد ألقى بوجهي علامة *** كما اعترضت بالطرس إعرابة الكسر

فان يمح شيئاً من محياي إثرها *** بمقدار أخذ المحو من صفحة البدر

فلا غرو فالبيض الرقاق أدلها *** على العتق ما لاحت به سمة الاثر

وقل بعد هذا للسبيطية افخري *** على سائر الشجعان بالفتكة البكر

وقل للضبا فيئي اليك عن الطِلا *** وللسمر لا تهززن يوماً إلى الصدر

فلو همّ غير الحوت بي لتواثبت *** رجال يخوضون الحمام إلى نصري

فاما إذا ما عنّ ذاك ولم أكن *** لأدرك ثاري منه ما مدّ في عمري

ص: 78

فلست بمولى الشعران لم أزجّه *** بكل شرود الذكر أعدى من العرّ

أضرّ على الأجفان من حادث العمى *** وأبلى على الآذان من عارض الوقر

يخاف على من يركب البحر شرها *** وليس بمأمون على سالك البر

تجوس خلال البحر تطفح تارة *** وترسو رسو الغيص في طلب الدر

تناول منه ما تعالى بسبحه *** وتدرك دون القعر مبتدر القعر

لعمر أبي الخطي ان بات ثاره *** لذي غير كفوٍ وهو نادرة العصر

فثار علي بات عند ابن ملجم *** وأعقبه ثار الحسين لدى شمر (1)

وترجم له المحبي في ( خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ) ج 1 ص 483 وقال : ولما نظم القصيدة المعارضة لقصيدة الشيخ البهائي واطلع عليها البهائي قرضها تقريضاً حسناً ، ذكره في السلافة وذكر له بعض أشعاره أوردتُ منها قطعة في ( النفخة ) التي ذيلت بها على الريحانة ومطلعها ( عاطنيها قبل ابتسام الصباح ). وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وألف رحمه اللّه.

ص: 79


1- عن ديوان الخطي.

السيد ماجد بن هاشم البحراني

المتوفى 1028

بكى وليس على صبر بمعذورِ *** من قد أطلّ عليه يوم عاشور

وان يوماً رسول اللّه ساء به *** فابعد اللّه عنه قلب مسرور

أليّة بالهجان القود حاملة *** شعثاً تهادى على الاقتاب والكور

يؤمّ مكة يبغي ربح متجره *** مواصلاً بين ترويح وتبكير

ما طاف بي طرب بعد الانيس ولا *** لاحت سماة سروري في أساريري

ما للسرور وللقنّ الذي ذهبت *** ساداته بين مسموم ومنحور

يا غيرة اللّه والسادات من مضرٍ *** أولي البسالة والاسد المغاوير

أسيدٌ هاشميّ بعد سيدكم *** أحق منه بإبراز المذاخير

أمسى بحيث يحل الضيم ساحته *** ويبلغ العقد منه كل موتور

يا حسرة قد أطالت في الحشا شغفي *** وقصّرت في العزا عنه مقاديري

وا حسرتا لصريع الموت محتضر *** قد قلّبته يد الجرد المحاضير

يا عقر اللّه تلك الصافنات بما *** جنت فما كان أولاها تبعقير

كأنه ماقراها في الطعان ولا *** أرخى الأعنة عنها في المضامير

ولا سماها بباع غير منقبض *** يوم الوغى وجنان غير مذعور

ص: 80

من مبلغنّ قريشاً ان سيدها *** ثوى ثلاث ليال غير مقبور

من مبلغنّ قريشاً ان سيدها *** تنحوه في القفر زوار اليعافير

قومي الى ميّتٍ ما لفّ في كفن *** يوماً ولا نال من سدرٍ وكافور

تلك الدماء الزواكي السائلات على *** سمر اليعاسيب والبيض المباتير

تلك الرؤوس أبت إلا العلا فسمت *** على رفيع من الخرصان مشهور

كأنه حين يسوّد الدجى علم *** سام تشب له أنوار مقرور

تلك الطواهر لم يضرب لها كلل *** ولا تمد لها أطناب تخدير

كم فيهم من بني المختار من غرر *** مجلوّة ووجوه كالدنانير

إذا تباكين لم يفصحن عن كمد *** إلا تحدّر دمع غير منزور

وان تشاكين لم يسمن داعية *** إلا تصعّد أنفاس وتزفير

يا فجعة أوسعت في قلب فاطمة *** الزهراء جرح مصاب غير مسبور

وان ذات خمار من عقائلها *** تهدى الى مستفز العقل مخمور

بني أمية قد ضلّت حلومكم *** ضلال منغمس في الغيّ مغمور

أدوحة قد تفيأتم أظلّتها *** نلتم بواسق أعلاها بتكسير

بني أمية لا نامت عيونكم *** فثمّ طالب وتر غير موتور

سمعاً بني الحسب الوضاح مرثية *** يعنو لها كل منطيق ونحرير

ص: 81

السيد ماجد ابن السيد هاشم العريضي الصادقي البحراني ، تلمذ عليه الفيض الكاشاني صاحب الوافي وآخرون من علماء البحرين الاعلام. من مؤلفاته الرسالة اليوسفية ، ورسالة في مقدمة الواجب وحواشي على المعالم ، وخلاصة الرجال ، والشرائع ، واثنى عشرية البهائي وغيرها.

توفي في 1028 ه- بشيراز ودفن بمشهد شاه جراغ. ترجم له في لؤلؤة البحرين وسلافة العصر وجاء في أنوار البدرين ص 85 في ترجمته ما يلي :

هو السيد العلامة الفهامة محرز قصب السبق في جميع الفضائل والمالات الكسبية والوهبية من بين فحول الأواخر والأوائل السيد ابو علي السيد ماجد ابن السيد العالم السيد هاشم ابن العريض الصادقي البحراني كان أوحد زمانه في العلوم أحفظ أهل عصره ، نادرة في الذكاء والفطنة وهو أول من نشر علم الحديث في دار العلم شيراز المحروسة وله مع علمائها مجالس عديدة ومقامات مشهورة أخبرني شيخنا الفقيه ببعضها وأقبل أهلها عليه إقبالاً شديداً وتلمذ عليه العلماء الأعيان مثل مولانا العلامة محمد محسن الكاشاني صاحب ( الوافي ) والشيخ الفقيه ذو المرتبة الرفيعة في الفضل والكمال الشيخ محمد بن حسن بن رجب البحراني والشيخ الفاضل المتبحر الشيخ محمد علي البحراني والشيخ زين الدين الشيخ علي بن سليمان البحراني والشيخ العلامة الأديب الخطيب الشيخ احمد بن عبد السلام البحراني والسيد العلامة السيد عبد الرضا البحراني والشيخ الفاضل الشيخ أحمد بن جعفر البحراني وغيرهم وخطب على منبر شيراز خطبتي الجمعة بديهة لما نسي تلميذه السيد الفاضل السيد عبد الرضا الخطبتين اللتين أنشأهما والقصة مذكورة في كتاب ( سلافة العصر في محاسن الدهر ) للسيد الفاضل السيد علي بن الميرزا أحمد وختمها بأبيات في غاية من البلاغة

ص: 82

والجزالة وكان شيخنا العلامة معجباً كثيراً بقصيدته الرائية في مرثية الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء التي مطلعها :

بكى وليس على صبر بمعذور *** من قد أطلّ عليه يوم عاشور

واجتمع في سنة بالعلامة الشيخ البهائي في دار السلطنة اصفهان المحروسة فأعجب به شيخنا البهائي حكى بعض مشائخنا انه سأل السيد عن مسألة بمحضر الشيخ فأوجز السيد الجواب تأدباً مع الشيخ فأنشد الشيخ ( قدس اللّه سره ) :

حمامة جرعا حومة الجند اسجعي فأنت بمرأى من سعاد ومسمع فأطال السيد الكلام فاستحسنه الشيخ واستجاز منه الشيخ فكتب له اجاة طويلة تشتمل على تأدب عظيم في حقه وثناء جميل وتقريظ عظيم وقد وجدت الاجازة في خزانة بعض كتب الاعيان سنة 1103 ولولا ضيق المقام لنقلتها.

وللسيد قدس سره ( الرسالة اليوسفية ) جيدة جداً وعليها له حواشي مفيدة ورأيتها بخط تلميذه الفاضل الشيخ أحمد بن جعفر البحراني وقد قرأها عليه ( قدس اللّه سره ) في دار العلم شيراز وعليها الأنهاء والأجازة بخطه وله رسالة في مقدمة الواجب مليحة كثيرة الفوائد ورأيتها مرة واحدة في يد بعض الفضلاء في مجلس شيخنا سنة 1109 ولم يعطها صاحبها للاستنساخ ثم أنه مات فطلبتها من ورثته ففتشوا عنها ولم يروها ، وله حواشي على المعالم وحواشي متفرقة على خلاصة الرجال ورأيتها بخطه عند بعض الأصحاب وله حواشي على الشرائع وعلى اثني عشرية شيخنا البهائي وحواشي على كتابي الحديث وفي نسخة التهذيب التي عندي جملة منها وله فتاوى متفرقة جمعها بعض تلامذته وهي عندي وله رسالة سماها ( سلاسل الحديد في تقييد أهل التقليد ) ومنه أخذ العلامة السيد هاشم البحراني هذا الاسم فانتخب من شرح

ص: 83

عز الدين ابن أبي الحديد كتاباً سماه ( سلاسل الحديد في التقييد لأهل التقليد من كلام ابن أبي الحديد ) ورأيت له ( صورة وقف ) تتضمن وقف الخان وموقوفاتها في غايةالبلاغة ونهاية البراعة رأيتها في يد السيد الأديب النجيب صاحبنا السيد عبد الرؤوف ابن السيد حسين الجدحفصي البحراني. توفي قدس سره بالليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان بدار العلم شيراز سنة 1028 ه- انتهى كلام شيخنا العلامة الشيخ سليمان البحراني.

وهذه أبياته التي ارتجلها بعد خطبتي الجمعة :

ناشدتك اللّه إلا ما نظرت إلى *** صنيع ما ابتدأ الباري وما ابتدعا

تجد صفيح سماء من زمردة *** خضراً وفيها فريد الدر قد رصعا

ترى الدراري يدانين الجنوح فما *** يجدن غبّ السرى عيّاً ولا ضلعا

والأرض طاشت ولم تسكن فوقّرها *** بالراسيات التي من فوقها وضعا

فقرّ ساحتها من بعدما إمتنعا *** وانحط شامخها من بعدما ارتفعا

وأرسل العاديات المعصرات لها *** فقهقهت ملء فيها واكتست خلعا

هذا ونفسك لو أمّ الخبير لها *** لارتد عنها كليل الطرف وإرتدعا

وليس في العالم العلوي من أثر *** يحيّر اللب إلا فيك قد جمعا

انتهى ، قال السيد في السلافة : وهذه الأبيات لو كانت عن رويّة لأفحمت مصاقع الرجال فكيف وهي عن بداهة وإرتجال ومن شعره في الموعظة :

طلعت عليك المنذرات البيضُ *** وأبيض منها الفاحم الممحوض

صرّحن عندك بالنذارة عندما *** لم يُغنها الايماء والتعريض

ست مضين وأربعون نصحن لي *** ولمثّلهن على التقى تحضيض

وافى المشيب مطالباً بحقوقه *** وعليّ من قبل الشباب قروض

ص: 84

أيقوم أقوام بمسنون الصبا *** متوافراً ويفوتني المفروض

لأحق هذا قد نهضت به ولا *** أنا بالذي يبغي المشيب نهوض

ان الشباب هو المطار الى الصبا *** فإذا رماه الشيب فهو مهيض

بادرته خِلس الصبا إذ لاح لي *** بمفارق الفودين منه وميض

فمشى وحاز السبق إذ أنا قارح *** جذع بمستن العذار ركوض

واسودّ في نظر الكواعب منظري *** إذ سوّدته النائبات البيض

والليل محبوب لكل ضجيعة *** تهوى عناقَك والصباح بغيض

عريت رواحل صبوتي من بعدما *** أعيى المناخ بهن والتقويض

قد كنت أجمح في العنان فساسني *** وال يذلل مصعبي ويروض

عبث الربيع بلملتيّ وعاث في *** تلك المحاسن كلهن مقيض

ما دام طرفك لا يصح فإنما *** قلبي على الحدق المراض مريض

ومن شعره رحمه اللّه يحن الى الفه ووطنه حنين النجيب الى عطنه يقول :

ياساكني جد حفص لا تخطفكم *** ريب المنون ولا نالتكم المحن

ولا عدت زهرات الخصب واديكم *** ولا أغب ثراه العارض الهتن

ما الدار عندي وان الفيتها سكنا *** يرضاه قلبي لولا الالف والسكن

ما لي بكل بلاد جئتها سكن *** ولي بكل بلاد جئتها وطن

الدهر شاطر ما بيني وبينكم *** ظلما فكان لكم روح ولي بدن

ما لي وما لك ياورقاء لا انعطفت *** بك الغصون ولا استعلى بك الفنن

مثير شجوك اطراب صدحت بها *** ومصدر النوح مني الهم والحزن

وجيرتي لا اراهم تحت مقدرتي *** يوما والفك تحت الكشح محتضن

هذا وكم لك من اشياء فزت بها *** عني وان لزنا في عوله قرن

وقال وقد سمع مليحاً يقرأ على القبور ويتلو القرآن بنغم الزبور :

وتالٍ لآي الذكر قد وقفت بنا *** تلاوته بين الضلالة والرشد

ص: 85

يلفظ يسوق الزاهدين الى الخنا *** ومعنى يسوق الفاسقين الى الزهد

وللسيد ماجد ابن السيد هاشم يرثي الحسين :

أمربع الطف طوّفت المصائب بي *** وصرت مني مكان النار للحطب

يهواني الرزء حتى قلت من عجب *** بيني وبين الرزايا أقرب النسب

لا كان جيد مصابي عاطلاً وله *** من الدموع عقود اللؤلؤ الرطب

لا زال فيك ربوع الطف منسحباً *** ذيل النسيم وبلّته يد السحب

يا كربلا أين أقوام شرفتِ بهم *** وكنت فيهم مكان الأفق للشهب

أكربلا أين بدر قد ذهبتِ به *** حتى تحجّب تحت الأرض بالحجب

صدّقت فيك كلام الفيلسوف بأن *** البدر يخسف من حيلولة الترب

كان الغمام علوما جمّة وسخى *** روّويت من مائة المغدودق العذب

لله وقعتك السوداء كم سَترت *** بغيمها قمراً من قبل لم يغب

أعجبت من حالك البرق اللموع فما *** ترينه ضاحكاً إلا من العجب

لا غرو إن خربت أفلاكها فلقد *** فقدن قطباً فهل تسري بلا قطب

كم شمس دجن لفقد البدر كاسفة *** وكان منه سناها غير محتجب

فكيف قيل بأن البدر مكتسب *** بالشمس نوراً وهذا غير مكتسب

* * *

لله من نائحات بالطفوف فذي *** تدعو أخي ولديها من تقول أبي

كنت الزلال بروداً للظماة فلم *** أشعلت قلبي بجمر منك ملتهب

لعلّ ذلك من لطف الخليقة إذ *** جمعتَ يا بدر بين الماء واللّهب

بحرٌ تروّي العطاشا من جداوله *** حتى الصوارم يرويها من السغب (1)

ص: 86


1- عن مجموعة الشيخ لطف اللّه بن علي التي كتبها بخطة سنة 1201 ه.

محمد بن الحسن بن زيد الدين الشهيد الثاني

المتوفى 1030

كيف ترقى دموع أهل الولاء *** والحسين الشهيد في كربلاء

جده المصطفى الأمين على *** الوحي من اللّه خاتم الأنبياء

وأبوه أخو النبي علي *** آية اللّه سيد الأوصياء

أمه البضعة البتول أخوه *** صفوة الأولياء والأصفياء

ليت شعري ما عذر عبد محب *** جامد الدمع ساكن الأحشاء

وابن بنت النبي أضحى ذبيحاً *** مستهاماً مرملاً بالدماء

وحريم الوصي في أسر ذلّ *** فاقدات الآباء والأبناء

وعليٌ خير العباد أسير *** في قيود العدى حليف العناء

مثل هذا جزاء نصح نبيٍّ *** كلّ عن نعته لسان الثناء

أسس السابقون بيعة غدر *** وبَنى اللاحقون شرّ بناء

واستبدّوا بإمرة نصبوها *** شركاً للأئمة النجباء

منعوا فاطم البتول تراثاً *** من أبيها بفاسد الآراء

يا بني الوحي لا يخفف وجداً *** نالنا من شماتة الأعداء

غير ذي الأمر نور وحي آله *** حجة اللّه كاشف الغماء

لهف نفسي على زمان أرى فيه *** مزيلاً لدولة الأشقياء

أترى يسمح الزمان بهذا *** ويحوز الراجون خير رجاء (1)

ص: 87


1- عن آمل الامل : للحر العاملي.

الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين - الشهيد الثاني.

قال الحر العاملي في ( أمل الآمل ).

الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني علي بن احمد العاملي.

كان عالماً فاضلاً محققاً مدققاً متبحراً جامعاً كاملاً صالحاً ورعاً ثقة فقيهاً محدثاً متكلماً حافظاً شاعراً أديباً منشئاً جليل القدر عظيم الشأن حسن التقرير ، قرأ على أبيه وعلى السيد محمد بن علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي وعلى ميرزا احمد بن علي الاسترابادي وغيرهم من علماء عصره ، له كتب كثيرة منها : شرح تهذيب الأحكام ، وشرح الإستبصار ثلاث مجلدات في الطهارة والصلاة ، وحاشية على شرح اللمعة مجلدان الى كتاب الصلح ، وحاشية المعالم ، وحاشية أصول الكافي ، وحاشية أصول الفقيه ، وحاشية المختلف وشرح الإثنى عشرية لأبيه ، وحاشية المدارك ، وحاشية المطول وكتاب روضة الخواطر ونزهة النواظر ثلاث مجلدات ، ورسالة في تزكية الراوي ، ورسالة التسليم في الصلاة ، ورسالة للتسبيح والفاتحة فيما عدا الأوليين وترجيح التسبيح ، وكتاب مشتمل على مسائل وأحاديث ، وكتاب مشتمل على مسائل جمعها من كتب شتى ، وحاشية كتاب الرجال لميرزا محمد ، وديوان شعره ، ورسالة سماها تحفة الدهر في مناظرة الغنى والفقر ، وغير ذلك. وله شعر حسن.

ثم قال : أروي عن عمي الشيخ علي بن محمد بن علي الحر وعن خال والدي الشيخ علي بن محمد العاملي وعن ولده الشيخ زين الدين وغيرهم عنه.

وقد ذكره ولده الشيخ علي في كتاب الدر المنثور في الجزء الثاني فقال : كان عالماً عاملاً وفاضلاً كاملاً وورعاً عادلاً وطاهراً زكياً وعابداً تقياً وزاهداً مرضيّاً ، يفرّ من الدنيا وأهلها ويتجنب الشبهات ، جيد الحفظ والذكاء

ص: 88

والفكر والتدقيق ، كانت أفعاله منوطة بقصد القربة. صرف عمره في التصنيف والعبادة والتدريس والافادة والاستفادة ... وأطال في مدحته وذكر من قرأ عليهم ، وانتقاله الى كربلاء والى مكة ، وغير ذلك من أحواله ، وقد ذكر مؤلفاته السابقة وجملة من شعره ، ومنه قصيدة في مرثية السيد محمد بن أبي الحسن العاملي وقصيدة في مدحه ، ومنها قوله :

يا خليليّ باللطيف الخبير *** وبودّ أضحى لم في الضمير

خصصا بالثنا إماماً جليلاً *** وخليلاً أضحى عديم النضير

وقوله من قصيدة :

ما لفؤادي مدى بقائي *** قد صار وقفاً على العناء

وما لجسمي حليف سقم *** بدابه اليأس من شفائي

وأورد له قصائد طويلة بتمامها منها هاتان القصيدتان والسابقتان.

وقال الشيخ القمي في الكنى عندما ذكر ترجمة والده الشهيد الثاني ما نصه : وخلفه في كل مزيّة له فاضلة ابنه الشيخ محمد بن الحسن العالم الفاضل المحقق المدقق المتبحّر الثقة الجليل القدر الذي بلغ أقصى درجة الورع والفضل والفهم صاحب المصنفات الكثيرة.

اقول وعدد مصنفاته كما ذكرنا ، وترجم له الشيخ الأميني في ( شهداء الفضيلة ) عندما ذكر جده الشهيد الثاني فقال : ولد رحمه اللّه يوم الاثنين العاشر من شعبان سنة 980 وتوفى سنة 1030 بمكة المعظمة وهو ابن خمسين سنة وثالثة أشهر ودفن بها.

اقول كما ترجم له السيد الأمين في الأعيان ولكنه مرّ عليه مرّ الكرام فاكتفى بخمسة اسطر فقط. وترجم له الخوانساري في روضات الجنات ترجمة مفصلة ، وجاء ذكره في خاتمة المستدرك على الوسائل في موارد عديدة ، وترجم له سيدنا الحجة السيد حسن الصدر في تكملة امل الآمل.

ص: 89

الشيخ محمود الطريحي

يرثي الحسين (عليه السلام)

ذكرها ابن أخيه الشيخ فخر الدين في ( المنتخب ) :

هجوعي وتلذاذي عليّ محرمُ *** اذا هلّ في دور الشهور محرّمُ

أجدد حزناً لا يزال مجدداً *** ولي مدمع هام همول مسجّم

وأبكي على الأطهار من آل هاشم *** وما ظفرت أيدي أولي البغي منهم

هم العروة الوثقى هم معدن التقى *** هم الشرف السامي ونور الهدى هم

هم العترة الداعي الى الرشد حبهم *** ينبئنا فيه الكتاب المعظم

بهم نطقت مدحاً من اللّه هل أتى *** وطه ويس وعمّ ومريم

يعزّ على المختار والطهر حيدر *** وفاطمة الزهراء رزءٌ معظم

وأقبلت الأعداء من كل جانب *** على الظلم واشتاقت اليهم جهنم

رأت زينب صدر الحسين مرضضا *** فصاحت ونار الحزن بالقلب تضرم

أخي هذه النسوان بعدك ضيّعٌ *** أخي هذه الأطفال بعدك يُتّم

وفي آخرها يقول :

فيا عترة الهادي خذوها بمدحكم *** خدلّجةً كالدر حين يُنظّم

تزفّ اليكم كل شهر محرّم *** يتوق اليها الشاعر المترنم

مديحاً لمحمود الطريحي عبدكم *** مودته في حبكم لا تكتّم

وهي 65 بيتاً.

ص: 90

الشيخ محمود الطريحي كان حياً سنة 1030

هو الشيخ محمود بن احمد بن علي بن احمد بن طريح بن خفاجي بن فياض ابن حيمة بن خميس بن جمعة المسلمي الشهير بالطريحي ، ومن أعلام هذه الاسرة التي رسخت قواعدها في هذا البلد منذ قرون عديدة.

وكما يظهر من نظم المترجم له أنه غير عالم كما لم نقف على ذكر له بين طبقات العلماء وفي كتب الرجال ، غير أن الشيخ فخر الدين ذكر له في المنتخب عدة قصائد وهي من النوع الذي لم يرتفع سبكه ، وإنما يصور لنا أن المترجم له قويّ العقيدة ذائب في حب آل البيت (عليهم السلام) وقد وقفت على شعر له في بعض المجاميع وهو مما لم يذكر في المنتخب. ذكره الاستاذ عبد المولى الطريحي في كتابه ( أعلام الأسرة ) وسجّل له بعض الشعر الذي حصّل عليه من مختلف المجاميع ومنه قوله مخمساً ، والأصل للشاعر محمد بن المتريض البغدادي في مدح الامام علي (عليه السلام) قوله :

رعى اللّه ليلة بتنا سهارى *** خلعنا بحب العذارى العذارا

فلما رسى البدر والنجم غارا *** أماطت ذوات الخمار الخمارا

فصيرت الليل منها نهارا

وكنّ بجنح دجى أدعج *** فبعض الى بعضا ملتجي

فقامت بساقٍ لها مدمج *** وجاءت تشمر عن أبلج

كما طلع البدر حين استنارا

تبدت بنور لها لائح *** بوجه لبدر الدجى فاضح

وخدٍ بماء الحيا ناضح *** وتبسم عن أشلب واضح

كزهر الاقاح اذا ما استنارا

ص: 91

وبي غادة رنحته قدّها *** حميا الصبا ونفت صدها

وقد صبغت مقلتي خدها *** فلم أنس مجلسنا عندها

جلسنا صحاوى وقمنا سكارى

نعمنا على الروض دون الانام *** بتلك الربوع وتلك الخيام

ولم ترنا إذ هجرنا المنام *** تميل بنا عذبات المدام

فنحن نميس كلانا حيارى

ولله مجلسنا باللوى *** لكل المنى والهوى قد حوى

اذا انتبهت من رسيس الجوى *** وقامت وقد عاث فينا الهوى

تستّر بالعَنَم الجُلنارا

ومنها :

امام له اختص رب السما *** وفي يده الحوض يوم الظما

ومأوى الطريد وحامي الحما *** أبى أن يباح حماه كما

أبى إذ يلاقي الحروب الفرارا

إمام تحنّ المطايا اليه *** وتشكو الذنوب البرايا اليه

أرجّي غداً شربة من يديه *** ولست أعوّلُ إلا عليه

ولا غيره في البَلا يستجارا

وما خاب من يشتكي حاله *** لمنه في الوصية أوصى له

إله السما وارتضاها له *** وان الذي ناط أثقاله

به قلّها ووقاها العثارا (1)

اقول وفي ( تاريخ الاسرة الطريحية ) مخطوط البحاثة المعاصر الشيخ عبد المولى الطريحي ، قال : هو العالم الفقيه والشاعر المعروف في عصره الشيخ

ص: 92


1- عن شعراء الغري ج 11 ص 181.

محمود بن الشيخ احمد عالم من علماء القرن الحادي شعر وفقيه معروف اشتهر بعلمه وفضله وتقواه وهو والد الشيخ محي الدين الذي ذكره صاحب السلاقة كما ذكره قبله صاحب امل الآمل ، ورياض العلماء لميرزا عبد اللّه افندي. أما ولادته ووفاته فلم نتوفق لضبطهما سوى أنه كان من رجال القرن الحادي عشر.

وله من قصيدة يرثي بها الامام الحسين (عليه السلام) قوله :

صبّ يفصل من عناه المجملا *** إذ لم يجد مما عناه تحملا

حرق المصاب فؤاده فتبادرت *** عبراته فهو الكئيب المبتلى (1)

وترجم له صاحب ( ماضي النجف ) في الجزء الثاني فقال : كان يتعاطى حرفة الصاغة كما يظهر من شعره ، وهو محمود بن احمد الطريحي اخو محمد علي والد الشيخ فخر الدين ووالد الشيخ محي الدين المترجم في نشوة السلافة.

شعره يدل على رسوخ عقيدة وحسن سريرة فهو من المخلصين والموالين لأهل البيت له شعر كثير في مجموع الشيخ الجليل الشيخ راضي آل ياسين.

ص: 93


1- القصيدة بكاملها وهي 65 بيتاً في مخطوطة الشيخ حسان الربعي المتوفى سنة 1198 ه.

الشيخ البهائي

المتوفى 1031

قال يرثي الحسين علیه السلام :

مصابك يا مولاي أورث حرقة *** وأمطر من أجفاننا هاطل المزنِ

فلو لم يكن رب السماء منزّها *** عن الحزن قلنا انه لك في الحزن (1)

ص: 94


1- عن متن الرحمن في شرح وسيلة الفوز والامان في مدح صاحب العصر والزمان للشيخ جعفر النقدي ج 1 ص 30.

بهاء الدين العاملي

هو شيخ الفقهاء وأستاذ الحكماء ورئيس الأدباء محمد بن الحسين المعروف ببهاء الدين العاملي ، ساح ثلاثين سنة وأتاه ربه كل حسنة.

قال صاحب أعلام العرب ما نصه : بهاء الدين محمد بن عز الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي صاحب التصانيف والتحقيقات وأحد جهابذة العلم وعباقرته ونوابغ العلم وأفذاذه في العلوم والفنون.

ولد ببعلبك سنة 953 ه- وانتقل به أبوه الى فارس وأخذ عن والده وغيره من علماء كثيرين حتى أذعن له كل مناظر ومنابذ فلما اشتد كاهله وصفت من العلم مناهله ولي بها مشيخة الاسلام ثم رغب في السياحة ومحالفة الأسفار فحج وزار قبر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وقضى نحو ثلاثين سنة في الأسفار : واجتمع في أثناء ذلك بكثير من أهل الفضل والعلم ، ومن البلاد التي جابها مصر وألّف بها كتاب الكشكول المشهور ، وكان مدة إقامته بمصر يجتمع بالعلامة محمد بن أبي الحسن البكري وكان البكري يبالغ في تعظيم البهائي فقال له البهائي مرة : يا مولانا أنا درويش فقير كيف تعظمنا هذا التعظيم؟ » فأجابه البكري : شممت منك رائحة الفضل .. ثم قدم القدس فكان فيها مبخلاً مقدراً ودرس هناك ثم سار الى دمشق ونزل هناك واجتمع به الحافظ الحسيني الكربلائي القزويني نزيل دمشق صاحب الروضات والحسن البوريني العلامة الكبير وقد طار البوريني إعجاباً به وإكباراً له بعد أن عرفه وكان يسمع به وذهب الى حلب وهناك توارد عليه أهل جبل عامل أفواجا أفواجا وذلك في زمن السلطان مراد بن سليم وهو في كل ذلك متكتم متنكّر يحاول إخفاء أمره ثم خرج من حلب مسرعاً واستقرّ أخيراً في اصفهان في حاشية الشاه عباس

ص: 95

وغالت الدولة في قيمته في عهد الشاه فكان لا يفارق السلطان سفراً وحضراً وقصدته علماء الامصار وكانت له دار مشيّدة البناء رحبة الفِناء يلجأ إليها الأيتام والفقراء فيقوم بالانفاق عليهم مع تمسّك من التقى بالعروة الوثقى وهو في كل ذلك يرجو أن يعود الى سياحته فلم تسمح له الايام حتى توفي سنة 1031 في 12 شوال بأصفهان ونقل الى طوس فدفن بها في داره قريباً من الحضرة الرضوية.

قال المحبي في الخلاصة : « ... وهو أحق من كل حقيق بذكر أخباره ونشر مزاياه واتحاف العالم بفضائله وبدائعه وكان أمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم والتضلّع بدقائق الفنون وما أظن الزمان سمح بمثله ولا جاد بندّه. » وقد ألّف مؤلفات جليلة في التفسير والحديث والفقه وأصول الدين والفلك والحساب واللغة وغيرها ومؤلفات بالعشرات في سائر أنواع العلوم والفنون ، ومن هذه المؤلفات.

1 - الكشكول : وهو كتاب مشهور طبع في مصر وايران مراراً ويعدّ من الكتب المهمة فيما احتواه من نبذ في علوم مختلفة حتى الهندسة والجبر والنجوم والطب والاحصاء وفيه شذرات من التاريخ والشعر والأمثال والعلوم الاسلامية والابحاث الفلسفية والتصوف وعلم الكلام وما وراء الطبيعة وغير ذلك وقد طبع أخيراً في مصر - دار احياء الكتب العربية للحلبي بتحقيق طاهر أحمد الزاوي سنة 1380 / 1961 في مجلدين الاول في 464 ص والثاني في 502 ص عدا الفهارس. ثم في بيروت بمطابع الوطن - دون تاريخ - في خمسة أجزاء بمجلد واحد محذوفة منه الاشعار والعبارات الفارسية!!

2 - شرح ( او تعليقات ) على كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) أحد الاصول الاربعة التي عليها معتمد الامامية : قال البهائي في مقدمة هذا الشرح : « .. هذا ما لم يعق عنه عوائق الزمان ولم تصد عن تحريره علائق

ص: 96

الدهر الخوان من تعليقات حسان كأنهن اللؤلؤ والمرجان يكشف عن كتاب من لا يحضره الفقيه نقابُها .. » قال صاحب الذريعة : رأيت نسخة عصر المصنف في خزانة شيخنا الشيرازي ورأيت في النجف نسخة أخرى بخط الشيخ محمد بن علي الجزائري في 1098 عليها صورة إجازة المجلسي للمحدث الجزائري عند السيد مصطفى بن أبي القاسم بن أحمد بن الحسين بن السيد عبد الكريم الجزائري.

3 - المخلاة : وهو من قبيل الكشكول وفيه كثير من الأمثال والحكم والمواعظ والاشعار طبع بمصر سنة 1317 ومعه ( أسرار البلاغة ) منسوباً اليه وطبع في القاهرة - الحلبي سنة 1377 / 1957 ومعه أسرار البلاغة.

4 - خلاصة الحساب : والهندسة وقد طبعت الخلاصة مراراً في الاستانة وكشمير ومصر وترجمت الى الفارسية وطبعت في كلكته والى الالمانية وطبعت سنة 1843 في برلين والى الفرنسية وطبعت في رومة 1864 وعليها شروح وتعليقات كثيرة وقد اختصر الخلاصة البهائي من كتابه الكبير ( بحر الحساب.

5 - زبدة الأصول : وبهامشه حاشية عليه ، العجم 1302 وفي سنة 1267 طبع أيضاً بالعجم كتاب الأصول وهو مختصر وعلى زبدة الاصول جملة من الحواشي لنخبة من العلماء ومنهم البهائي نفسه فإن له حاشية كبيرة ونسختها في مكتبة سبهسالار كما في فهرسها.

6 - أسرار البلاغة في الأدب طبع بمصر سنة 1317 مع المخلاة ثم سنة 1377 ه.

7 - الحبل المتين في الحديث والفقه منه نسخة في الخزانة التيمورية والنجف وغيرهما وقد طبع في طهران سنة 1321.

8 - أربعون حديثاً من طرق أهل بيت النبوة والولاية فرغ من تأليفه سنة 977 ه- طبع حجر ايران.

ص: 97

9 - وسيلة الفوز والامان في مدح صاحب الزمان : قصيدة منها نسخة بخط السماوي سنة 1362 في مكتبة الحكيم.

10 - الأنوار الإلهية : من هذا الكتاب نسخة في مكتبة راغب باستنبول كما في فهرس المكتبة.

11 - الاثنا عشريات الخمس : منها نسخ متعددة على انفراد في مكتبات كثيرة ويوجد مجموع هذه الكتب بخط تلميذ البهائي الشيخ محمد هاشم بن أحمد ابن عصام الدين وعليها اجازة البهائي بخطه في رجب سنة 1030 في الخزانة الرضوية وأخرى بخط تلميذه المجاز منه الشيخ علي بن أحمد النبطي العاملي سنة 1012 وعليها اجازة البهائي له في جمادي الاولى سنة 1012 وتوجد في المدرسة الفاضلية بالمشهد الرضوي ( الذريعة 1 / 113) ومنها نسخة في مكتبة آية اللّه الحكيم في النجف بخط السماوي.

12 - توضيح المقاصد : رسالة صغيرة مطبوعة بايران سنة 1315 وهي في وفيات الأئمة والعلماء.

13 - حاشية على البيضاوي بخط 1073 رأيت نسختها في مكتبة السماوي بخط محمد شفيع بن محمود بن علي وانتقلت النسخة الى مكتبة الحكيم.

14 - الحديقة الهلالية ضمن مجموعة كتب في المكتبة السابقة كتبت سنة 1082 ه.

15 - حاشية على القواعد بخط سنة 1200 ه- في المكتبة السابقة.

16 - الدراية فيما يحتاج اليه أهل الرواية طبعت في ايران ضمن مجموعة. وهي مقدمة كتاب الحبل المتين.

17 - حاشية على القواعد الكلية الاصولية والفرعية لأبي عبد اللّه محمد ابن مكي الشهيد طبعت على هامش القواعد المطبوع في ايران سنة 1308 ه.

ص: 98

18 - تشريح الافلاك في الهيئة وهو من الكتب المشهورة المتداولة طبع بكلناو والهند وغيرهما رتّب على مقدمة وخمسة فصول ويعتبر متناً دقيقاً في موضوعه وعليه شروح كثيرة بعضها مطبوع وربما بلغت هذه الشروح الثلاثين.

19 - التحفة الحاتمية في الاسطرلاب ألفه للوزير اعتماد الدولة حاتم حين قرأته للاسطرلاب على البهائي ورتبه على سبعين باباً ويقال له باللغة الفارسية « هفتاد باب » طبع في ايران سنة 1316 ه.

20 - تهذيب البيان - رسالة 65في النحو منها عدة نسخ وطبعت ضمن مجموعة في الهند وشرحها جماعة من العلماء.

21 - الجامع العباسي : في الفقه ألفه بإسم الشاه عباس ورتبه على عشرين باباً. وفي مكتبة الحسن الصدر نسخة كتبت سنة 19 ه.

22 - الاعتقادية : فيها بيان عقائد الإمامية وتمييزهم عن سائر الفرق طبعت سنة 1326 ه- ومنها نسخ كثيرة.

23 - الفوائد الرجالية : منها نسخة مخطوطة في مكتبة الحكيم في النجف ضمن مجموعة بخط الشيخ محمد السماوي سنة 1341 ه.

24 - مشجرة الرجال : منها نسخة خطية في مكتبة الحكيم وهي في صفحة واحدة كبيرة مغلفة بالقماش كتبت الاسماء بالاسود والخطوط بالاحمر - دون تاريخ - والمحتمل أنها بخط البهائي.

25 - الوجيزة : - ولعلها دراية الحديث - منها نسخة في مكتبات النجف وطبعت في ايران على الحجر سنة 1311 وملحقة برجال العلامة الحلي ايران 1312 ه.

26 - الذبيحية : رسالة في حرمة ذبيحة أهل الكتاب طبعت في

ص: 99

مجموعة ( كلمات المحققين ) ايران وكان قد ألف الرسالة بأمر الشاه عباس الحسيني الصفوي بعد ورود ملك الروم اليه.

27 - شرح قصيدة البردة : منه نسخة في بعلبك عند بعض آل السيد مرتضى وهو شرح كبير. ( الذريعة 14 / ص 6).

28 - رسالة في القصر والتخيير في السفر كتبت سنة 1132 بخط ابن مهر علي محمد محفوظة في مكتبة الحكيم.

29 - لغز في لفظ قانون بخط سنة 1131 في المكتبة السابقة.

30 - مشرق الشمسين من الكتب المهمة في الفقه طبع في طهران سنة 1321 ه.

وللبهائي - عدا ذلك - كتب ورسائل أخرى كثيرة.

قال الشيخ محمد رضا الشبيبي في محاضرته عن الشيخ البهائي : تعدّ آثاره في الشعر والادب حوالي العشرين. وعدّ منها ( ديوان شعره ) الذي عنى بجمعه أحد أبناء الحر العاملي صاحب كتاب ( أمل الآمل ) وقد جاء في ترجمة الإمام العاملي من أمل الآمل ما نصه : له شعر حسن بالعربية والفارسية متفرق وقد جمعه ولدي محمد رضا الحر فصار ديواناً لطيفاً.

وقال الشيخ محمد رضا الشبيبي في محاضرته.

لقد استرعى نظري وأنا أتصفح مختلف الأسفار والتصانيف لتقييد ما يتصل منها بتاريخ الفلسفة الاسلامية. ان جملة من كتب الشيخ بهاء الدين العاملي رحمه اللّه حافلة بفوائد وشوارد فلسفية مضافاً الى بحوثه الاخرى في الرياضيات والفلكيات ، ولقد شارك مشاركة عجيبة في جميع العلوم والفنون المعروفة في زمانه عقلية ونقلية ووفق في التاليف فيها وفي جملتها الفقه والأصول والحديث والتفسير واللغة وعلومها والحكمة والفنون الرياضية والفلكية.

ص: 100

وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : شيخ الاسلام والمسلمين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الجبعي العاملي الحارثي ، قال صاحب السلافة في حقه ما ملخصه : هو علامة البشر ومجدد دين الأئمة علیهم السلام على رأس القرن الحادي عشر اليه انتهت رياسة المذهب والملة وبه قامت قواطع البراهين والأدلة وجمع فنون العلم فانعقد عليه الاجماع وتفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر والاسماع فما من فن إلا وله فيه القدح المعلى ، والمورد العذب المحلّى ، ان قال لم يدع قولاً لقائل ، او طال لم يأت غيره بطائل ، مولده بعلبك عند غروب الشمس يوم الاربعاء لثلاث عشر بقين من ذي الحجة سنة 953 وانتقل به والده وهو صغير الى الديار العجمية فنشأ في حجره بتلك الاقطار المحمية وأخذ عن والده وغيره من الجهابذ حتى أذعن له كل مناضل ومنابذ فلما اشتد كاهله وصفت له من العلم مناهله ولي بها شيخ الاسلام وفوضت اليه أمور الشريعة على صاحبها الصلاة والسلام ولم يزل آنفاً من الانحياش الى السلطان راغباً في العزلة عازفاً عن الاوطان يؤمل العود الى السياحة. ويرجو الاقلاع عن تلك الساحة فلم يقدر له حتى وافاه حمامه وترنم على أفنان الجنان حمامه وأخبرني بعض ثقات الأصحاب ان الشيخ قصد قبل وفاته زيارة المقابر في جميع من الأجلاء الأكابر فما استقر بهم الجلوس حتى قال لمن معه اني سمعت شيئاً فهل فيكم من سمعه؟ فأنكروا سؤاله واستغربوا مقاله وسألوه عما سمعه فأوهم وعمّى في جوابه ثم رجع الى داره فأغلق بابه فلم يلبث أن أصاب داعي الردى فأجابه وكانت وفاته لاثنتي عشرة خلون من شوال المكرم سنة 1031 باصبهان ونقل قبل دفنه الى طوس فدفن بها في داره قريباً من الحضرة الرضوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية انتهى.

أقول وترجم له الخفاجي في ريحانة الالباء وذكر له شعراً كثيراً وروائع جميلة والبهائي نادرة من نوادر الزمان ، فقيه أصولي ، وفيلسوف حكيم ، وطبيب نطاسي ، ومهندس رياضي ، وفلكي نحوي ، وصوفي زاهد ، وسائح

ص: 101

مؤرخ ، وأديب شاعر ، وباحث ماهر ، ولغوي مبدع ، وبحاثة محقق. جامع كل فنٍ غريب وحاوي كل علم عجيب.

وترجمه السيد عباس المكي في الجزء الاول من نزهة الجليس وعدد مؤلفاته وجوانب حياته وقال : كان مقبول الهيئة سمح الكف حسن المنظر عالي الهمة فمن شعره ارجوزته الوعظية :

ألا يا خائضاً بحر الأماني *** هداك اللّه ما هذا التواني

أضعتَ العمر عصياناً وجهلاً *** فمهلاً أيها المغرور مهلاً

مضى عمر الشباب وأنت غافل *** وفي ثوب العمى والجهل رافل

الى كم كالبهائم أنت هائم *** وفي وقت الغنائم أنت نائم

وطرفك لا يرى إلا طموحاً *** ونفسك لم تزل أبداً جموحا

وقلبك لا يفيق من المعاصي *** فويلك يوم يؤخذ بالنواصي

بلال الشيب نادى في المفارق *** بحيّيّ على الذهاب وأنت غارق

ببحر الجهل لا تصغى لواعظ *** ولو أطرى وأطنب في المواعظ

على تحصيل دنياك الدنية *** مجدّاً في الصباح وفي العشية

وجهد المرء في الدنيا شديد *** وليس ينال منها ما يريد

وكيف ينال في الاخرى مرامه *** ولم يجهد لمطلبها قلامه

وقوله :

يا نديمي بمهجتي أفديك *** قم وهت الكؤس من هاتيك

هاتها هاتها مشعشعة *** أفسدت نسك ذا التقى والنسيك

خمرة ان ضللت ساحتها *** فسنا نور كاسها يهديك

يا كليم الفؤاد داوِ بها *** قلبك المبتلى لكي تشفيك

ص: 102

هي نار الكليم فأجتلها *** واخلع النعل واترك التشكيك

صاح ناهيك بالمدام فدم *** في احتساها مخالفاً ناهيك

عمرك اللّه قل لنا كرماً *** يا حَمام الأراك ما يبكيك

أترى غاب عنك أهل منىً *** بعدما قد توطنوا واديك

ان لي بين ربعهم رشأ *** طرفه ان تمت أساً يحييك

لست أنساه اذ أتى سحراً *** وحده وحده بغير شريك

طرق الباب خائفاً وجلاً *** قلت : مَن قال : كل مَن يرضيك

قلت صرّح فقال تجهل من *** سيف ألحاظه يمكّن فيك

بات يسقي وبتّ أشربها *** خمرة تترك المقلّ مليك

ثم جاذبته الرداء وقد *** خامر الخمر طرفه الفتّيك

ثم وسّدته اليمين الى *** ان دنى الصبح قال ليَ يكفيك

قال ماذا تريد قلت له *** يا منى القلب قبلةً في فيك

قال خذها فقد ظفرت بها *** قلت زدني فقال لا وابيك

قلت مهلاً فقال قم فلقد *** فاح نشر الصَبا وصاح الديك

وقوله :

للشوق الى طيبة جفني باك *** لو صار مقامي فلك الأفلاك

استنكفُ ان مشيت في روضتها *** ألمشي على أجنحة الاملاك

وقوله :

من أربعة وعشرة إمدادي *** في ست بقاع سكنوا يا حادي

في طيبة والغرى وسامراء *** في طوس وكربلا وفي بغداد

وقوله في الإمامين الجوادين علیهماالسلام :

ص: 103

ألا يا قاصد الزوراء عرّج *** على الغربيّ من تلك المغاني

ونعليك اخلعن واسجد خضوعاً *** إذا لاحت لديك القبّتان

فتحتهما لعمرك نار موسى *** ونور محمد متقارنان

وقوله كما رواه الخفاجي في ريحانة الألباء :

هذا النبأ العظيم ما فيه كلام *** هذا لملائك السماوات إمام

مَن يمّم بابَه يَنل مطلبه *** مَن طاف به فهو على النار حرام

وللشيخ البهائي كما رواه السيد الأمين في الأعيان :

يا رب إني مذنب خاطئ *** مقصّر في صالحات القرب

وليس لي من عمل صالح *** أرجوه في الحشر لدفع الكرب

غير اعتقادي حبّ خير الورى *** وإله ، والمرء مع مَن أحب

وقوله - وقد رأى النبي صلی اللّه علیه و آله في المنام وتمتع بالنظر الى جماله :

وليلة كان بها طالعي *** في ذروة السعد وأوج الكمال

قصّر طيب الوصل من عمرها *** فلم تكن إلا كحلّ العقال

واتصل الفجر بها بالعشا *** وهكذا عمر ليالي الوصال

إذ أخذت عيناي في نومها *** وانتبه الطالع بعد الوبال

فزرته في الليل مستعطفاً *** أفديه بالنفس وأهلي ومال

واشتكي ما أنبا فيه من ال- *** -بلوى وما ألقاه من سوء حال

فأظهر العطف على عبده *** بمنطق يزري بعقد اللئال

فيا لها من ليلة نلتُ في *** ظلامها ما لم يكن في خيال

امست خفيفات مطايا الرجا *** بها واضحت بالأماني ثقال

سيقت في ظلمآئها خمرة *** صافية صرفاً طهوراً حلال

ص: 104

وابتهج القلب بأهل الحمى *** وقرّت العين بذاك الجمال

ونلتُ ما نلت على أنني *** ما كنت استوجب ذاك النوال

وذكر السيد في السلافة للشيخ البهائي قوله :

بالذي ألهم تعذيبي *** ثناياك العِذابا

ما الذي قالته عيناك *** لقلبي فأجابا

وقوله وهو من الشعر القصصي - من سوانح الحجاز :

كان في الاكراد شخص ذو سداد *** أُمّه ذات اشتهار بالفساد

لم تخيّب من نوالٍ طالباً *** لم تمانع عن وصال راغباً

دارها مفتوحة الداخلين *** رجلها مرفوعة للفاعلين

فهي مفعول بها في كل حال *** فعلها تمييز أفعال الرجال

كان ظرفاً مستقراً وكرها *** جاء زيد قام عمر ذكرها

جاءها بعض الليالي ذو أمل *** فاعتراها الابن في ذاك العمل

شق بالسكين فوراً صدرها *** في محاق الموت أخفى بدرها

مكّن الغيلان من أحشائها *** خلص الجيران من فحشائها

قال بعض القوم من أهل الملام *** لم قتلت الأم يا هذا الغلام

كان قتل الشخص أولى يا فتى *** إن قتل الأم شيء ما أتى

قال يا قوم اتركوا هذا العتاب *** إن قتل الأم أدنى للصواب

كنت لو أبقيتها فيما تريد *** كل يوم قاتلاً شخصاً جديد

انها لو لم تذق حدّ الحسام *** كان شغلي دائماً قتل الأنام

أيها المأسور في قيد الذنوب *** أيها المحروم من سرّ الغيوب

أنت في أسر الكلاب العاوية *** من قوى النفس الكفور العاتية

ص: 105

كل صبح ومساء لا تزال *** من دواعي النفس في قيل وقال

كل داع خية ذات التقام *** قل مع الحيات كم هذا المقام

ان تكن من لسعها تبغي الخلاص *** أو ترم من عض هاتيك المناص

فاقتل النفس الكفور الجانية *** قتل كرديٍ لأمٍّ زانية

أيها الساقي أدر كأس المدام *** واجعلن في دورها عيشي مدام

خلص الأرواح من قيد الهموم *** أطلق الأشباح من أسر الغموم

فالبهائي الحزين الممتحن *** من دواعي النفس في أسر المحن

ص: 106

الشيخ محمد علي الطريحي

اشارة

كان حياً 1036

رواها الشيخ فخر الدين في ( المنتخب ) :

جاد ما جاد من دموعي السجام *** لمصاب الكريم نجل الكرام

قلّ صبري وزاد حزني ووجدي *** فهمومي كأسي ودمعي مدامي

إنما حسرتي وهمّي وحزني *** ونحيبي وزفرتي واضطرامي

لسليل البتول سبط رسول اللّه *** نور الإله خير الأنام

لست أنسى الحسين بالطف ملقىً *** عافر الخد ناحر النحر دامي

لست أنساه وهو فيهم وحيداً *** قد أحاطت به علوج اللئام

* * *

يا بني أحمد عصام البرايا *** أنتم النور في دياجى الظلام

أنتم عدتي ليوم معادي *** لست أخشى من الذنوب العظام

أنتم العارفون مقدار حبي *** فهو كافٍ عن منطقي وكلامي

قلت في مدحكم وأخلصت ودّي *** ورجائي وملجأي واعتصامي

فخذواها من مسلمي وفيٍّ *** نجفي مهذب بالنظام (1)

ص: 107


1- أورد السيد الامين في الاعيان هذه القصيدة ونسبها للشيخ محي الدين بن الشيخ محمود وهو وهم.
محمد علي الطريحي

كان حياً 1036 ه-

هو الشيخ محمد علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن طريح بن خفاجي بن فياض ابن حيمه بن خميس بن جمعه بن سليمان بن داود بن جابر بن يعقوب المسلمي العزيزي. من أعلام أسرته المشاهير ووالد الشيخ فخر الدين ذكره المحقق الطهراني في الروضة النضرة في المائة الحادية بعد العشرة ص 114 في ذكر اجازة حفيده الشيخ حسام الدين ابن الشيخ جمال الدين لتلميذه الشيخ محمد جواد بن كلب علي الكاظمي بقوله : الشيخ الورع التقي النقي. وذكره صاحب مخطوطة من كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) وعليها اجازات متعددة وهي اليوم بتملّك الشيخ محمد علي القمي الحائري بكربلاء.

ومن شعره الذي يرثي به الإمام الحسين (عليه السلام) قوله :

حاد ما جاد بالدموع السجام (1).

ص: 108


1- عن شعراء الغري ج 9 ص 455.

الشيخ زين الدين حفيد الشهيد الثاني

وفاته 1064

قال يرثي الحسين علیه السلام بقصيدة مخمسة (1) :

سلبت لوعتي لذيذ الرقاد *** وكستني ثوب الضنا والسهاد

ورماني دهري بسهم العناد *** وغرامي ما إن له من نفاد

كل يوم وليلة في ازدياد

لي حزن في كل آن جديد *** وعناء يشيب منه الوليد

والتهاب يذوب منه الحديد *** قد بكى رحمة لحالي الحسود

ودموع تسح سحّ الغوادي

لست أبكي لفقد عصر الشباب *** وتقضي عهد الهوى والتصابي

وصدود الكواعب الاتراب *** وتنائي الخليط والاحباب

من سليمى وزينب وسعاد

قد نهاني النهى عن التشبيب *** وادكار الهوى وذكر الحبيب

فتفرغت للأسى والنحيب *** مذ أتى زاجراً نذير المشيب

معلماً بالفناء حين ينادي

ص: 109


1- ذكرها الشيخ علي بن محمد بن الحسن. شقيق المترجم له في كتابه ( الدر المنثور ) والشيخ الاميني في شهداء الفضيلة ص 157.

بل بكائي لأجل خطب جليل *** أضرم الحزن في فؤاد الخليل

ورمى بالعناء قلب البتول *** وأسال الدموع كل مسيل

فتردى الهدى بثوب الحداد

رزء من قدبكت له الفلوات *** واقشعرّت لموته المكرمات

وهوت من بروجها النيرات *** والمعالي لفقده قائلات

غاب واللّه ملجأي وعمادي

فجعة نكست رؤوس المعالي *** واستباحت حمى الهدى والجلال

ورمت بالقذى عيون الكمال *** قد أناخت بخير صحب وآل

عترة المصطفى النبي الهادي

يا لها فجعة وخطباً جسيما *** أوقعت في حشى الكليم كلوما

وبقلب الامير حزناً مقيما *** وأعادت جسم القسيم سقيما

جفنه للأسى حليف السهاد

لهف نفسي على رهين الحتوف *** حين أمسى نهب القنا والسيوف

ثاوياً جسمه بأرض الطفوف *** وهو ذو الفضل والمقام المنيف

وسليل الشفيع يوم المعاد

منعوه ورود ماء الفرات *** وسقوه كاس الفنا والممات

بعد تقتيل اهله والحمات *** وأحاطت به خيول الطغات

بمواضي الضبا وسمر الصعاد

ص: 110

الشيخ زين الدين ابن الشيخ محمد شارح ( الاستبصار ) ابن الشيخ حسن صاحب المعالم ابن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني العاملي الجبعي المكي المتوفى سنة 1064

ولد بجبع سنة 1009 وتوفي بمكة المكرمة 29 ذي الحجة الحرام سنة 1064 ودفن مع والده بالمعلّى عند أم المؤمنين خديجة الكبرى. في أمل الآمل : شيخنا الأوحد كان عالماً فاضلاً متبحراً محققاً ثقة صالحاً عابداً ورعاً شاعراً منشئاً أديباً حافظاً جامعاً لفنون العلم العقلية والنقلية لا نظير له في زمانه ، قرأ على أبيه وعلى الشيخ الأجل بهاء الدين العاملي وجماعة من علماء العرب والعجم وجاور بمكة مدة وتوفي بها. له شعر جديد (1).

أورد الشيخ زين الدين - هذا - السيد علي خان المدني ترجمة في سلافة العصر وذكر الكثير من شعره ، وترجم له أيضاً المحبي في خلاصة الأثر في القرن الحادي عشر ج 2 ص 191 ، وترجم له أيضاً سيدنا الصدر الكاظمي في تكملة أمل الآمل ، وجاء ذكره في خاتمة مستدرك الوسائل ص 390.

وفي كتاب ( شهداء الفضيلة ) عندما ذكر أحفاد الشهيد الثاني قال :

الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين - الشهيد الثاني.

هو أستاذ صاحب الوسائل ، قال في أمل الآمل : شيخنا الأوحد كان عالماً فاضلاً متبحراً ، مدققاً محققاً ثقة صالحاً عابداً ورعاً شاعراً منشياً أديباً جامعاً حافظاً لفنون العلم النقليات والعقليات ، جليل القدر عظيم المنزلة لا نظير له في زمانه ، قرأ على أبيه وعلى الشيخ بهاء الدين العاملي وعلى مولانا

ص: 111


1- عن أعيان الشيعة ج 33 ص 302.

محمد أمين الاسترابادي وجماعة من علماء العرب والعجم ، جاور مكة وتوفى بها ودفن عند خديجة الكبرى. قرأت عليه جملة من كتب العربية والرياضة والحديث والفقه وغيرها ، وكان له شعر رائق وفوائد وحواشي كثيرة وديوان شعر صغير رأيته بخطه ، ولم يؤلف كتاباً مدوناً لشدة احتياطه ولخوف الشهرة. انتهى.

وأطراه صاحب الدر المنثور وذكر كثيراً من شعره. وقال صاحب السلافة : انه زين الأئمة وفاضل الأمة وملث غمام الفضل وكاشف الغمة ، شرح اللّه صدره للعلوم شرحاً وبنى له من رفيع الذكر صرحاً إلى زهد أسس بنيانه على التقوى وصلاح أهلّ به ربعه فما أقوى وآداب تحمر خدود الورد من أنفاسها خجلاً وشيم أوضح بها غوامض مكارم الأخلاق وجلا.

رأيته بمكة شرفها اللّه تعالى والفلاح يشرق من محياه وطيب الاعراق يفوح من نشر رياه وما طالت مجاورته بهاحتى وافاه الأجل ، وانتقل من جوار حرم اللّه إلى جوار اللّه عز وجل فتوفى سنة اثنتين وستين وألف رحمه اللّه تعالى. وله شعر خلب به العقول وسحر ، وحسدت رقته أنفاس نسيم السحر ، فمنه ما كتب إلى الوالد من مكة المشرفة مادحاً وذلك عام 1061 :

شام برقا لاح بالابرق وهنا *** فصبا شوقاً الى الجزع وحنّا

وجرى ذكر اثيلات النقا *** فشكى من لاعج الوجد وأنّا

دنف قد عاقه صرف الردى *** وخطوب الدهر عما يتمنى

شفّه الشوق إلى بان اللوى *** فغدا منهمل الدممع معنى

أسلمته للردى أيدي الأسى *** عندما أحسن بالأيام ظنا

طالما أمّل إلمام الكرى *** طمعاً في زورة الطيف وأنى

كلما جنّ الدجى حنّ إلى *** زمن الوصل فأبدى ما أجنا

وإذا هبّ نسيم من رُبا *** حاجر أهدى له سقماً وحزنا

يا عريباً بالحمى لولاكم *** ما صبا قلبي إلى ربع ومغنى

ص: 112

كان لي صبر فأوهاه النوى *** بعدكم يا جيرة الحي وأفنى

قاتل اللّه النوى كم قرحت *** كبداً من ألم الشوق وجفنا

كدّرت مورد لذاتي وما *** تركت لي من جميل الصبر ركنا

قطعت أفلاذ قلبي والحشا *** وكستني من جميل السقم وهنا

فإلى كم أشتكي جور النوى *** وأقاسي من هوى ليلى ولُبنى

قد صحا قلبي من سكر الهوى *** بعدما أزعجه السكر وعنّى

ونهاني عن هوى الغيد النهى *** وحباني الشيب إحساناً وحسنا

وتفرغت إلى مدح فتى *** سنّة المعروف والأفضال سنّا

يجد الربح سوى نيل العلا *** من مراقي المجد خسراناً وغبنا

سيد السادات والمولى الذي *** أمّ إنعاماً وأفضالاً ومَنا

لم يزل في كل حين بابه *** مأمناً من نوب الدهر وحصنا

غمرت سحب أياديه الورى *** نِعماً فهو للفظ الجود معنى

نسخ الغامر من أفضاله *** ( حاتماً ) و ( الفضل ) ذا الفضل و ( معنى )

ورث السؤدد عن آبائه *** مثل ما قد ورثوا بطناً فبطنا

حلّ من أوج العلى مرتبة *** صار منها النسر والعيّوق أدنى

تهزء الأقلام في راحته *** برماح الخط لما تتثنى

جادنا من راحيته سحب *** تمطر العسجد لاماء ومزنا

يا عماد المجد يا من لم تزل *** من معاليه ثمار الفضل تُجنى

عضني الدهر بأنياب الأسى *** تركتني في يد الاسواء رهنا

هائماً في لجّة الفكر ولي *** جسد أنحله الشوق وأضنى

كلما لاح لعيني بارق *** من نواحي الشام أضناني وعنا

تتلظى كبدي شوقاً إلى *** صبية خلفت بالشام و ( أفنى )

ركبت امالنا شوق الى *** ورد انعامك والافضال سفنا

بعدما أنحلت العيس السرى *** وأبادت في فيافي البيد بُدنا

وباكنا فك يا كهف الورى *** من تصاريف صروف الدهر لذنا

ص: 113

ونُهني مجدك العالي بما *** حازه بل كلما حاز تهنى

وابق يا مولى الموالي بالغاً *** من مقامات العلى ما تتمنى (1)

ومن شعره :

ولما رأينا منزل الحي قد عفا *** وشطّت أهاليه وأقوت معالمه

لبسنا جلابيب الكآبة والأسى *** وأضحى لسان الدمع عنا يكالمه

وقوله :

كم ذا أواري الجوى والسقم يبديه *** وأحبس الدمع الأشواق تجريه

شابت ذوائب آمالي وما نجحت *** وليل هجرك ما شابت نواصيه

ولاهب الوجد في الاحشاء يخمده *** رجا الوصال وداعي الشوق يذكيه

رفقاً بقلبي المعنى في هواك فما *** أبقيت بالهجر منه ما يُعانيه

وكيف يقوى على الهجران ذو كبد *** جرت لطول التئاني من مآقيه

ما زال جيش النوى يغزو حشاشته *** حتى طواه الضنى عن عين رائيه

يا من نأى وله في كل جارحة *** مني مقام إذا ما شطّ يدنيه

هل أنت بالقرب بعد اليأس منعطف *** وراجع من لذيذ العيش صافيه

فقد تمادى الجوى فينا ورقّ لنا *** قاسي قلوب العدى مما نقاسيه (2)

ومن قوله أيضاً كما في السلافة :

سئمت لفرط تنقلي البيداءُ *** وشكت لعظم ترحلي الانضاء

ما ان أرى في الدهر غير مودع *** خلا وتوديع الخليل عناء

أبلى النوى جلدي وأوقد في الحشا *** نيران وجد ما لها إطفاء

فقدت لطول البين عيني ماءها *** فبكاؤها بدل الدموع دماء

ص: 114


1- شهداء الفضيلة للشيخ الأميني.
2- أعيان الشيعة ج 33.

فارقت أوطاني وأهل مودتي *** وخرائداً غيداً لهنّ وفاء

من كل مائسة القوام إذا بدت *** لجمال بهجتها تغار ذُكاء

ما اسفرت والليل مرخٍ ستره *** إلا تهتك دونها الظلماء

ترمي القلوب بأسهم تصمي وما *** لجراحهن سوى الوصال دواء

شمس تغار لها الشموس مضيئة *** ولها قلوب العاشقين سماء

هيفاء تختلس القلوب إذا رنت *** فكأنما لحظاتها الصهباء

ومعاشر ما شان صدق ولائهم *** نقض العهود ولا الوداد مِراء

ما كنت أحسب قبل يوم فراقهم *** ان سوف يقضى بعد ذاك بقاء

فسقى ثرى وادي دمشق وجادها *** من هاطل المزن الملث حياء

فيها أهيل مودتي وبتربها *** لجليل وجدي والسقام شفاء

ورعى ليالينا التي في ظلها *** سلفت ومقلة دهرنا عمياء

أترى الزمان يجود لي بايابها *** ويتاح لي بعد البعاد لقاء

فإلى متى يا دهر تصدع بالنوى *** اعشار قلب ما لهنّ قواء

وتسومني منك المقام بذلّة *** ولهمتي عما تسوم إباء

فأجابني لولا التغرب ما ارتقى *** رتب المكارم قبلك الاباء

فاصبر على مرّ الخطوب فإنما *** من دون كل مسرّة ضراء

واترك تذكرك الشآم فإنما *** دون الشآم وأهلها بيداء (1)

ص: 115


1- نزهة الابصار ج 3 ص 466.

ابن جمال

المتوفى 1072 ه-

أرى الصبر يفنى والهموم تبيد *** وجسمي يبلى والسقام جديد

وذكرني بالنوح والحزن والبكا *** غريب بأكناف الطفوف فريد

عطاشى على شاطي الفرات فما لهم *** سبيل إلى قرب المياه ورود

لقد صبروا لا ضيّع اللّه صبرهم *** إلى أن فُنوا من حوله وأبيدوا (1)

ص: 116


1- بطل العلقمي للشيخ عبد الواحد المظفر ، الجزء الثالث ص 336.

ابن الجمال مولده 1002 وفاته 1072 ه-

مولده 1593 وفاته 1661 م

قال الزركلي في الاعلام ج 5 ص 74 :

علي بن أبي بكر بن علي نور الدين ابن الجمال المصري بن أبي بكر بن علي ابن يوسف الانصاري الخزرجي المكي الشافعي : فقيه فرضي ، من العلماء. مولده ووفاته بمكة. له تصانيف ، منها ( المجموع الوضاح على مناسك الايضاح ) و ( كافي المحتاج لفرائض المنهاج ) و ( قرة عين الرائض في فنّي الحساب والفرائض ) و ( التحفة الحجازية في الأعمال الحسابية - خ ) و ( فتح الوهاب على نزهة الحسّاب - خ ).

وترجم له المحبي ترجمة واسعة وعدد مصنفاته وآراء الفقيهة وما تفرّد به من الفتاوى. قال : وكانت وفاته يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الثاني سنة اثنتين وسبعين وألف ، ودفن بمقبرة المعلاة (1).

وقال الشيخ القمي في الكنى : ابن جمال علي بن أبي بكر بن نور الدين علي الانصاري الخزرجي المكي الشافعي ، كان صدراً عالي القدر محققاً تشدّ اليه الرحال للأخذ عنه ، له مصنفات في الفقه والفرائض والحساب والحديث وغير ذلك ، توفي سنة 1072.

ص: 117


1- خلاصة الاثر ج 3 ص 128.

فخر الدين الطريحي

المتوفى 1085

يا جد ذا نحر الحسين مضرج *** بالدم والجسم الشريف مجرّدُ

يا جد حولي من يتاما اخوتي *** في الذل قد سلبوا القناع وجردوا

يا جد من ثكلي وطول مصيبتي *** ولما أعانيه أقوم واقعد

يا جد ذا صدرالحسين مرضض *** والخيل تنزل من علاه وتصعد

يا جد ذا ابن الحسين مكبّل *** ومغلل في قيده ومصفد

يا جد ذا شمر يروم بفتكه *** ذبح الحسين فأيّ عين ترقد (1)

ص: 118


1- عن نسخة مخطوطة للمنتخب.

الشيخ فخر الدين الطريحي

نبغ في القرن الحادي عشر الهجري الإمام الفقيه المحقق اللغوي الشيخ فخر الدين بن الشيخ محمد علي بن الشيخ أحمد إلى آخر ما مرّ في سلسلة نسب هذه الأسرة المنتهي نسبها إلى حبيب بن مظاهر الأسدي الشهيد بين يدي الإمام الحسين (عليه السلام) يوم كربلاء. وبنو أسد من أشرف القبائل وأكثرها عدداً.

ولد الشيخ فخر الدين في النجف الأشرف سنة 979 ه- ونشأ محباً للعلم شغوفاً بالمعارف والكمالات فكتب وصنف وألّف ، وأجاد وأفاد كما شهد له أقرانه بذلك أمثال المجلسي صاحب بحار الانوار ، والحر العاملي صاحب الوسائل.

وهذه مصنفاته تشهد له بطول الباع وسعة الاطلاع ، فهذا كتاب ( مجمع البحرين ومطلع النيرين ) في الكتاب والسنّة وقد طبع مراراً وهو المرجع للباحثين والمتأدبين وكتاب ( غريب الحديث ) وكتاب ( الضياء اللامع في شرح الشرائع ) وكتاب ( غريب القرآن ) وبالجملة فمؤلفاته تقارب الثلاثين مؤلفاً.

قال الشيخ عبد المولى الطريحي في مؤلفه المخطوط ( تاريخ الأسرة الطريحية ) : للشيخ فخر الدين شعر جيد كثير قد ضمن أكثره في ( المنتخب ) وكأنه اقتصر في شعره على المديح والمراثي لأهل البيت علیهم السلام وأكثره في الإمام الشهيد الحسين علیه السلام ، وقد وجدتُ له أرجوزة خاصة في حديث الكساء. ومن شعره قوله كما في المنتخب :

يا عترة الهادي النبي ومَن هم *** عزي وكنزي والرجا والمفزعُ

ص: 119

وآليتكم وبرئت من أعدائكم *** فأنا بغير ولائكم لا أقنع

صلى الإله عليكم ما أحييت *** فكرٌ وأوقفت العيون الهمّعُ (1)

وقوله من أخرى :

سقى اللّه قبراً بالغري وحوله *** قبور بمثوى الطف مشتملاتِ

ورمساً بطوس لابنه وسميه *** سقته السحاب الغر صفو فرات

وفي طيبة منهم قبور منيرة *** عليها من الرحمن خير صلاة (2)

أقول كنت أثناء مطالعتي للمنتخب أستجلي من بعض عبارات الشيخ عظيم تمسكه بأهل البيت علیهم السلام وشدة ولائه لهم مما جعلني أعتقد انه على جانب عظيم من الولاء ، ومما جاء من قسم المنظوم قوله :

وإني لمطوي الضلوع على جوى *** متى حلّ فوق الجمر يحترق الجمر

أحنّ إلى أنفاسكم ونسيمكم *** وأذكركم والصب يقلقه الذكر

فقربكم مع قلة المال لي غنى *** وبعدكم مع كثرة المال لي فقر

وجاء أيضا :

يا مخزن الوحي والتنزيل يا أملي *** يا من ولاؤهم في القبر يؤنسني

حزني عليكم جديد دائم أبداً *** ما دمت حياً إلى ان ينقضي زمني

كانت وفاة الشيخ الطريحي سنة 1085 ه- في الرماحية ( وهي المدينة المعروفة الواقعة في أواسط الفرات بين ربوع قبائل خزاعة يوم كانت آهلة بالسكان وماثلة للعيان. ونقل للنجف ودفن في تربته وقبره معروف مشهور في داره التي يقطنها اليوم أسرة آل الطريحي بقرب مسجده الذي صلى فيه زمناً.

ص: 120


1- ورواها الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ).
2- ورواها الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ).

يقول صاحب رياض العلماء : وكان رضی اللّه عنه أعبد أهل زمانه وأورعهم ومن تقواه انه ما كان يلبس الثياب التي خيطت بالابريسم ، وكان يخيط ثيابه بالقطن.

وقال الشيخ اغا بزرك الطهراني في الذريعة - قسم الديوان - وللشيخ فخر الدين الطريحي ثلاثة دواوين : كبير ، وأوسط ، وصغير.

وذكر جملة من سيرته وأحواله الاستاذ الخاقاني في شعراء الغري ج 7 ص 68.

ص: 121

عبد الوهاب الطُريحي

أيها الراكب المجد إلى نحو *** الإمام المضرّج المستظام

قف وخذ مني السلام إلى مولاي *** رب الافضال والانعام

فلك الفوز في المعاد ويا بشراك *** من ذي الجلال والاكرام

واذرف الدمع في الجفون ونادي *** يا إمامي ويا بن خير الانام

إلى ان يقول :

آه واحسرتي لفقد وحيد *** آه والنحر منه مخضوب دام (1)

ص: 122


1- عن مجموعة خطية عند الاسره الطريحية انتخبنا منها هذه الأبيات.

الشيخ عبد الوهاب الطريحي

هو من الطريحيين الذين نزحوا من النجف إلى الحلة ولم تزل لهم فيها بقية إلى اليوم. وهو أخو الشيخ الأجل فخر الدين بن الشيخ محمد علي بن الشيخ أحمد الذي تقدمت ترجمته. ولم نقف على أثر أو ذكر لأخيه المترجم في المجاميع وكتب التراجم المتأخرة سوى أننا وقفنا على مؤلف له في مكتبة آل الطريحي سلك فيه طريقة أخيه فخر الدين في منتخبه جمع فيه الشيء الكثير من أحاديث أهل البيت وأخبار واقعة الطف التي نتلى عادة في المحافل الحسينية أيام عاشوراء وهو يصدّر تلك المواضيع بقصائد لمتقدمي الشعراء ومتأخريهم وجلّهم ممن عاصرهم أو قارب عصرهم كالسيد نعمان الاعرجي ، وابن عرندس ، والشفهيني ، وابن حماد ، وابن داغر ، وأمثالهم.

وإليك نص ما قاله في آخر الجزء الأول منه ( تمّ الجزء الأول من كتاب المراثي على التمام والكمال ونعوذ باللّه من الزيادة والنقصان على يد العبد الذليل راجي عفو ربه الجليل عبد الوهاب بن محمد علي طريح النجفي المسلمي ووقع الفراغ من هذا الكتاب يوم الاثنين خامس عشر جمادى الأولى سنة 1076 من الهجرة النبوية في الحلة الفيحاء (1) ووجدت في مجموعة مخطوطة بمكتبة البحاثة السماوي كتبت في أخريات القرن الثاني عشر وفيها قصيدة واحدة في الرثاء تنيف على الأربعين بيتاً للشيخ عبد الوهاب المذكور انتخبنا منها ما يلي :

لست أنساه في الطفوف ينادي *** يا لقومي وما له من محام

لهف نفسي عليه وهو وحيد *** يتلظى من الظما والأوام

ص: 123


1- أقول وقد استعرت هذه النسخة من الاديب البحاثة الشيخ عبد المولى الطريحي واستفدت منها.

لهف نفسي عليه إذ خرّ ملقى *** ومضى المهر ناعياً للخيام

لهف نفسي عليه والشمر قد مكون *** من نحره شبا الصمصام

بأبي رأسه المعلّى على الرمح *** حكى في سناه بدر التمام

بأبي الطاهرات تحدو بهن ال- *** -عيس بين الوهاد والأكام

والامام السجاد يرفل بالقيد *** فوا لهفتي لذاك الامام

يا ذوي البيت والمشاعر والحج *** ونون وقاف والأنعام

أنتم حجة الإله على الخلق *** وأنتم سفن النجا في القيام

أنتم عدتي غداً في معادي *** وملاذي وملجأي واعتصامي

وصلوة الإله تترى عليكم *** ما حدا الركب فوق عالي السنام

انتهى عن ( البابليات ) للخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي ج 3 قسم 2 ص 211.

ص: 124

السيد معتوق الموسوي

المتوفى 1087

هلّ المحرم فاستهلّ مكبّرا *** وانثر به درر الدموع على الثرى

وانظر بغرّته الهلال إذا انجلى *** مسترجعاً متفجّعاً متفكّرا

واقطف ثمار الحزن من عرجونه *** وانحر بخنجره بمقلتك الكرى

وانس العقيق وأُنس جيرانِ النقا *** واذكر لنا خبر الطفوف وماجرى

واخلع شعار الصبر منك وزر من *** خلع السقام عليك ثوباً أصفرا

فثياب ذي الأشجان أليقها به *** ما كان من حمر الثياب مزرّرا

شهرٌ بحكم الدهر فيه تحكّمت *** شرّ الكلاب السود في أسد الشرى

لله أي مصيبةٍ نزلت به *** بكت السماء لها نجيعاً أحمرا

خطب وهي الإسلام عند وقوعه *** لبست عليه حدادها أم القرى

أو ما ترى الحرم الشريف تكاد من *** زفراته الجمرات أن تتسعّرا

وأبا قبيس في حشاد تصاعدت *** قبسات وجد حرّها يصلي حرا

علم الحطيم به فحطّه الأسى *** ودرى الصفا بمصابه فتكدّرا

واستشعرت منه المشاعر بالبلا *** وعفا مُحسّرها بهجوى وتحمّرا

قتل الحسين فيالها من نكبةٍ *** أضحى لها الاسلام منهدم الذُرا

قتلٌ يدلك إنما سرّ الفدا *** في ذلك الذبح العظيم تأخّرا

رؤيا خليل اللّه فيه تغيرت *** حقّاً وتأويل الكتاب تفسّرا

ص: 125

رزء تدارك منه نفس محمّدٍ *** كدراً وأبكى قبره والمنبرا

أهدى السرور لقلب هندٍ وابنها *** وأساءَ فاطمةً وأشجى حيدرا

ويل لقاتله أيدري أنّه *** عادى النبي وصنوه أم ما درى

شلّت يداه لقد تقمّص خزيةً *** يأتي بها يوم الحساب مؤَزرا

حزني عليه دائم لا ينقضي *** وتصبّري مني عليّ تعذرا

وارحمتاه لصارخاتٍ حوله *** تبكي له ولوجهها لن تسترا

ما زال بالرمح الطويل مدافعاً *** عنها ويكفلها بأبيض أبترا

ويصونها صون الكريم لعرضه *** حتى له الأجل المتاح تقدرا

لهفي على ذاك الذبيح من القفا *** ظلماً وظلّ ثلاثةً لن يقبرا

ملقى على وجه التراب تظنه *** داود في المحراب حين تسوّرا

لهفي على العاري السليب ثيابه *** فكأنّه ذو النون ينبذ بالعرا

لهفي على الهاوي الصريع كأنه *** قمر هوى من أوجهِ فتكوّرا

لهفي على تلك البنان تقطّعت *** ولو أنها اتصلت لكانت أبحرا

لهفي على العباس وهو مجندل *** عرضت منيته له فتعثرا

لحق الغبار جبينه ولطالما *** في شأوه لحق الكرام وغبّرا

سلبته أبناء اللئام قميصه *** وكسته ثوباً بالنجيع معصفرا

فكأنما أثر الدماء بوجهه *** شفق على وجه الصباح قد أنبرا

حرٌ بنصر أخيه قام مجاهداً *** فهوى الممات على الحياة وآثرا

حفظ الإخاء وعهد فوفى له *** حتى قضى تحت السيوف معفرا

من لي بأن أفدي الحسين بمهجتي *** وأرى بأرض الطف ذاك المحضرا

فلو استطعت قذفت حبة مقلتي *** وجعلت مدفنه الشريف المحجرا

روحي فدى الرأس المفارق جسمه *** ينشي التلاوة ليله مستغفرا

ص: 126

ريحانة ذهبت نضارة عودها *** فكأنها بالثرب تسقي العنبرا

ومضرّجٍ بدمائه فكأنما *** بجيوبه فتّت مسكاً أذفرا

عضبٌ يد الحدثان فلّت غربه *** ولطالما فلق الرؤوس وكسّرا

ومثقّفٍ حطم الحمام كعوبه *** فبكى عليه كل لدن أسمرا

عجباً له يشكو الظماء وإنّهُ *** لو لامس الصخر الأصم تفجّرا

يلج الغبارَ به جوادٌ سابحٌ *** فيخوض نقع الصافنات الأكدرا

طلب الوصول إلى الورود فعاقه *** ضرب يشب على النواصي مجمرا

ويل لمن قتلوه ظمأناً أما *** علموا بأنّ أباه يسقي الكوثرا

لم يقتلوه على اليقين وإنما *** عرضت لهم شبه اليهود تصورا

لعن الإله بني أمية مثلما *** داود قد لعن اليهود وكفّرا

وسقاهم جرع الحميم كما سقوا *** جرع الحمام ابن النبي الاطهرا

يا ليت قومي يولدون بعصره *** أو يسمعون دعاءَه مستنصرا

ولو أنهم سمعوا إذاً لأجابه *** منهم أسود شرّى مؤيدة القرى

من كل شهمٍ مهدوي دأبه *** ضرب الطلا بالسيف أو بذل القرى

من كل أنملةٍ تجود بعارضٍ *** وبكل جارحةٍ يريك غضنفرا

قوم يرون دم القرون مدامة *** ورياض شر بهم الحديد الأخضرا

يا سادتي يا آل طه إنّ لي *** دمعاً إذا يجري حديثكم جرى

بي منكم كاسمي شهاب كلما *** أطفيته بالدمع في قلبي ورى

شرفتموني في زكيّ نجاركم *** فدعيتُ فيكم سيداً بين الورى

أهوى مدائحكم فأنظم بعضها *** فأرى أجل المدح فيكم أصغرا

ينحط مدحي عن حقيقة مدحكم *** ولو انني فيكم نظمت الجوهرا

هيهات يستوفي القريض ثناءكم *** لو كان في عدد النجوم واكثرا

ص: 127

يا صفوة الرحمن أبرأ من فتى *** في حقكم جحد النصوص وأنكرا

وأعوذ فيكم من ذنوب أثقلت *** ظهري عسى بولائكم أن تغفرا

فبكم نجاتي في الحياة من الأذى *** ومن الجحيم إذا وردتُ المحشرا

فعليكم صلّى المهيمن كلما *** كرّ الصباح على الدجى وتكوّرا (1)

ص: 128


1- عن ديوانه المطبوع في بيروت.

السيد معتوق الموسوي ابن شهاب.

السيد الجليل شريف الحسب يرجع بنسبه إلى الإمام الكاظم علیه السلام من شعراء القرن الحادي عشر. ولد سنة 1025 ه. وهو من السادة أمراء الحويزة واعتنى ولده بشعره فجمعه وطبعه. كانت وفاته يوم الأحد لأربع عشر خلون من شوال سنة 1087 ه. وذكره الشيخ اغا بزرك في الذريعة ج 9 قسم الديوان فقال : هو السيد شهاب الدين أحمد بن ناصر بن معتوق الموسوي الحويزي المتوفى يوم الأحد 14 شوال 1087 عن اثنتين وستين سنة ، جمع الديوان ولد الناظم معتوق ابن شهاب الدين بعد فوت والده ورتبه على ثلاثة فصول : المدائح ، المرائي ، المتفرقات ، وصدره باسم السيد علي خان ابن خلف الحويزي. وطبع مرة على الحجر بمصر سنة 1271 واخرى على الحروف بمطبعة شرف سنة 1302 واخرى بالاسكندرية سنة 1290 ببيروت 1885 م فمن شعره ما رواه الشبراوي في نفحة اليمن بقوله : للسيد الألمعي شهاب الدين بن معتوق الموسوي رحمه اللّه :

سفرت فبرقعها حجاب جمال *** وصحت فرّنحها سلاف دلال

وجلت بظلمة فرعها شمس الضحى *** فمحا نهار الشيب ليل قذالي

وتبسمت خلف اللثام فخلتها *** غيماً تخلله وميض لآلى

ورنت فشدّ على القلوب باسرها *** أسد المنية من جفون غزال

ما كنت أدري قبل سود جفونها *** ان الجفون مكامن الآجال

بكرٌ تقوّم تحت حمر ثيابها *** عرض الجمال الجوهر السيال

ص: 129

ريانة وهب الشباب أديمها *** لطف النسيم ورقّة الجريال

عذبت مراشفها فأصبح ثغرها *** كالأقحوان على غدير زلال

وسرى بوجنتها الحياء فاشبهت *** ورداً تفتحّ في نسيم شمال

وسخا الشقيق لها بحبّة قلبه *** فاستعملتها في مكان الخال

حتام يطمع في نمير وصالها *** قلبي فنورده سراب مطال

علّت بخمر رضابها فمزاجها *** لم يصح يوماً من خمار ملال

هي منيتي وبها حصول منيتي *** وضياء عيني وهي عين ضلالي

أدنو اليها والمنية دونها *** فأرى مماتي والحياة حيالي

تخفى فيخفيني النحول وتنجلي *** فيقوم في البدر التمام ظلالي

علقت بها روحي فجردها الضنى *** من جسمها وتعلّقت بشمالي

فلو انني في غير يومٍ زرتها *** لتوهمتني زرتها بخيالي

لم يبق مني حبها شيئاً سوى *** شوق ينازعني وجذبة حال

من لم يصل في الحب مرتبة الفنا *** فوجوده عدم وفرض محال

فكري يصوّرها ولم ترغيرها *** عيني ورسم جمالها بخيالي

بانت فما سجعت بلابل بانةٍ *** إلا أبانت بعدها بليالي

أنا في غدير الكرختين ومهجتي *** معها بنجد من ظلال الضال

حيّا الحيا حيّاً باكناف الحمى *** تحميه بيض ظُبا وسمر عوالي

حيّاً حوى الأضداد فيه فنقعه *** ليل يقابله نهار نصال

تلقى بكل من خدور سراته *** شمس قد اعتنقت ببدر كمال

جمع الضراغم والمها فخيامه *** كنس الغزال وغابة الرئبال

وسقى زمانا مرّ في ظهر النقا *** ولياليا سلفت بعين أثال

ليلات لذات كأن ظلامها *** خال على وجه الزمان الخالي

نظمت على نسق العقود فاشبهت *** بيض اللآلى وهي بيض ليالي

ص: 130

خير الليالي ما تقدّم في الصبا *** كم بين من جلّى وبين التالي

لله كم لك يا زماني فيّ من *** جرح بجارحة وسهم وبال

صيّرتني هدفاً فلو يسقي الحيا *** جدثي لانبت تربتي بنبال

ألفت خطوبك مهجتي فتوطنت *** نفسي على الإقدام في الأهوال

وترفعت بي همتي عن مدحة *** لسوى جناب أبي الحسين العالي

وقال كما في نفحة اليمن ص 121 :

ضحكت فأبدت عن عقود جمان *** فجلت لنا فلق الصباح الثاني

وتزحزحت ظلم البراقع عن سنا *** وجناتها فتثلث القمران

وتحدثت فسمعت نطقاً لفظه *** سحر ومعناه سلافة حاني

ورنت فخرقت القلوب بمقلة *** طرف السنان وطرفها سيان

وترنمت فشدت حمائم حليها *** وكذاك دأب حمائم الأغصان

عربية سعد العشيرة أصلها *** والفرع منها من بني السودان

خود تصوّب عند رؤية خدها *** آراء من عكفوا على النيران

يبدو محياها فلولا نطقها *** لحسبتها وثناً من الأوثان

لم تصلب القرط البريء لغاية *** إلا لتنصر دولة الصلبان

وكذاك لم تضعف جفون عيونها *** إلا لتقوى فتنة الشيطان

خلخالها يخفى الانين وقرطها *** قلق كقلب الصبّ في الخفقان

بخمارها غسق وتحت لثامها *** شفق وفي أكمامها فجران

سبحان من بالخد صوّر خالها *** فأزان عينَ الشمس بالإنسان

أمر الهوى قلبي يهيم بحبها *** فاطاعها فنهيته فعصاني

هي في غدير الشهد تخزن لؤلؤا *** واجاج دمعي مخرج المرجان

يا قلب دع قول الوشاء فانهم *** لو انصفوك لكنت اعذر جاني

ص: 131

أصحاب موسى بعده في عجلهم *** فتنوا وأنت بأملح الغزلان

عذب العذاب بها لديّ فصحّتي *** سقمى وعزّي في الهوى بهوان

لله نعمان الاراك فطالما *** نعمت بها روحي على نعمان

وسقى الحيا منا كرام عشيرة *** كفلوا صيانتها بكل يماني

أهل الحمية لا تزال بدورهم *** تحمي الشموس بانجم خرساني

أسد تخوض السابغات رماحهم *** خوض الأفاعي راكد الغدران

لانت معاطفهم وطاب أريجهم *** فكأنهم قطب من الريحان

من كل واضحة كأن جبينها *** قبس تقنّع في خمار دخان

ويلاه كم اشقى بهم وإلى متى *** فيهم يخلّد بالجحيم جناني

ولقد تصفحت الزمان وأهله *** ونقدت أهل الحسن والاحسان

فقصرت تشبيبي على ظبياتهم *** وحصرت مدحي في عليّ الشان

فهم دعوني للنسيب فصغته *** وأبو الحسين إلى المديح دعاني

يعني بهذا السيد علي خان بن خلف الحويزي المشعشعي الآتية ترجمته في الصفحة الآتية.

ص: 132

السيد علي خان المشعشعي

ألا عاد جرح القلب بعد اندماله *** لرزء شجى قلب النبي وآله

اذا رمت أن أرنو هلال محرم *** غدا دمع عيني حاجباً عن هلاله

فلا كان قلب حين هلّ ولم يذب *** ولا كان جفن لم يجد بانهماله

كأني أرى منه الحسين وقد غدا *** يذود العدى عن أهله وعياله

وقد نازل الأعداء حتى تبَينوا *** نزال أبيه المرتضى بنزاله

وأصحابه من حوله فكأنهم *** نجوم تحف البدر عنه كماله

وأبصر منه حين خرّ على الثرى *** ثرى الطف تكسوه الصبا من رماله

ويذكرني هتك الخيام وسلبهم *** بنات الهدى من بعد قتل رجاله

وتسييرها بين الخلائق حسراً *** على كل صعب حاسر من رحاله

فلما أتوا شرّ البرايا بشامه *** أبان سروراً شامتاً بمقاله

وقرّب راس السبط ينكت ثغره *** وأبدى قبيحاً كامناً من فعاله

فكادت تميد الأرض من قبح فعله *** وما نال من أهل الهدى بضلاله

فيا ويله لم يرع فيهم محمداً *** ولم يخش من رب السما ونكاله

ويا ويحه ماذا أعدّ إذا دعا *** آله الورى كل الورى لسؤاله (1)

ص: 133


1- عن ديوانه المخطوط في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف - قسم المخطوطات - رقم : 801.

السيد علي خان المشعشعي الحويزي المتوفي 1088.

ابن السيد خلف بن عبد المطلب بن حيدر بن محسن بن محمد الملقب بالمهدي ابن فلاح بن محمد بن أحمد ينتهي نسبه إلى الامام موسى بن جعفر علیه السلام هو أحد حكام الحويزة. ذكره شيخنا الحر في أمل الآمل وقال : كان فاضلاً شاعراً أديباً جليل القدر له مؤلفات في الأصول والإمامة وغيرها وله ديوان شعر المسمى ب- ( خير جليس ونعم أنيس ) بخط الشيخ محمد السماوي وهو في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف.

ورأيت من مصنفاته كتاب ( خير المقال في فضل النبي والآل ) مخطوط في مكتبة صاحب الذريعة يحتوي على ثلاث مجلدات. رأيت المجلد الثالث في المكتبة المشار اليها يبدأ باحوال الامام الحسن الزكي ثم يذكر أحوال الحسين ويشير إلى جملة من القصائد التي نظمها في رثائه علیه السلام ويذكر مطلع كل قصيدة وبعض أبياتها ، وينتهي الكتاب باحوال الحجة المهدي علیه السلام . ويقول في آخره : قد وقع الفراغ من تأليف كتابنا المسمى بخير المقال في فضل النبي والآل في ليلة الجمعة الثاني والعشرين من شهر شوال ثلاث وثمانين وألف.

أقول ورجعت إلى كتاب ( الذريعة ) ج 7 فوجدت ما يلي : خير المقال في شرح القصيدة المقصورة في مدح النبي والآل كما ذكره في أمل الأمل وقال : هو في الأدب والنبوة والامامة للسيد علي خان الوالي الحويزي ابن السيد خلف بن عبد المطلب الموسوي المشعشعي المتوفى 1088 كما ارخه حفيده وسميه في الرحلة المكية وترجمه صاحب الرياض وذكر انه يقرب من ثلاثة وستين الف بيت في أربع مجلدات صنفه في ستة أشهر ونصف ، شرع فيه منتصف ربيع الاول 1083 وفرغ منه آخر رمضان قال : وهو شرح لقصائد في مدحهم.

قال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) عند ذكر ديوان السيد عليخان

ص: 134

المشعشعي : له ديوان عربي وفارسي. قال السيد شبر بن محمد بن ثنوان الحويزي في رسالته المؤلفة في نسب السيد عليخان الوالي ما لفظه : أنا لما اجتمعنا في زيارة رجب في سنة 1154 مع العالم اللبيب العارف الأديب الحاوي من الكمالات كل نفيس ، شيخنا المكرم الشيخ خميس الخلف ابادي ، ذكر أن الديوان الفارسي للسيد عليخان بن خلف غير ديوانه العربي انتهى.

أقول وفي الديوان المخطوط المشار اليه جملة من القصائد في الامام ابي عبد اللّه الحسين فمنها قصيدة أولها :

يا نجوماً لم ترض أفق السماء *** كيف أضحت لقىً على البوغاء

وشموساً لم تنبعث لغروبٍ *** قد كساها الكسوف في كربلاء

ص: 135

الحاج مؤمن الجزائري الشيرازي

اشارة

قال يرثي الحسين علیه السلام وهي قطعة من قصيدة طويلة (1) :

جاء شهر البكاء فلتبكِ عيني *** بدماء على مصاب الحسين

وإمام الانام من غيرِ مَين *** وابن بنت الرسول قرّة عيني

آه واحسرتا لرزء الحسين

كم دماء في كربلاء أراقوا *** وبدور قد اعتراها محاق

وسقوا طعم علقم لا يذاق *** خير رهط على البرية فاقوا

آه واحسرتا لرزء الحسين

خطفتهم بروق بيض المنايا *** وأصابتهم سهام البلايا

عن قسيّ الفضا فدعني ألأيا *** لائمي في البكا لعظم الرزايا

آه واحسرتا لرزء الحسين

هم بدور وغربهم كربلاء *** هالهم كرب أرضها والبلاء

خسفوا إذ لهم سنا واعتلاء *** ما لهذي البدور منها انجلاء

آه واحسرتا لرزء الحسين

كم بها صادت البغاث نسورا *** كم بها صارت السروج قبورا

ص: 136


1- عن كتاب ( حديقة الافواح لازاحة الأتراح ) لمؤلفه أحمد بن محمد بن علي بن ابراهيم الانصاري اليمني الشرواني المتوفى سنة 1250 ه.

كم بها استوسد الكرام صخورا *** كم بها رضّت الخيول صدورا

آه واحسرتا لرزء الحسين

وردته الخطوط منهم وقالوا *** مِل الينا بسرعة ثم مالوا

عنه إذ حلّ في فناهم فحالوا *** بينه والفرات ثم استطالوا

آه واحسرتا لرزء الحسين

ومنها في أنصار الحسين (عليه السلام) :

وعدوا النصر حين أعطوا عهودا *** أوثقوا عقدها وصاروا أسودا

بذلوا دونه النفوس سعودا *** حينما شاهدوا الجنان شهودا

آه واحسرتا لرزء الحسين

غاب فتيان أهله والكهول *** فغدا السبط يشتكي ويقول

وله مدمع عليهم همول *** هل بقي من يعين يا قوم قولوا

آه واحسرتا لرزء الحسين

لست أنسى الحسين فرداً وحيدا *** وعداه سدّوا عليه الصعيدا

قصدوا بالنصال منه الوريدا *** وسقوه الردى فأضحى شهيدا

آه واحسرتا لرزء الحسين

ص: 137

الحكيم الجزائري

مولده سنة 1074 ه-

الحاج مؤمن ابن الحاج محمد قاسم ابن الحاج محمد ناصر ابن الحاج محمد الشيرازي المولد والمنشأ الجزائري الأصل - نسبته إلى جزائر خوزستان كان من العلماء العرفاء ، قرأ على المولى شاه محمد الشيرازي ووصفه في روضات الجنات بمولانا العالم العارف الجامع المؤيد البارع وقال : انه كان من أعاظم نبلاء عصر العلامة محمد باقر المجلسي الثاني له كتب مبسوطة في شرح منازل السائرين وذكر مقامات العارفين والسالكين ، له منية اللبيب في مناظرة المنجم والطبيب.

له شعر في مدح أمير المؤمنين علي ورثاء ولده الحسين علیهماالسلام ومما ذكر السيد الأمين مضافاً إلى ما تقدم كتاب جامع المسائل النحوية في شرح الصمدية ومجالس الاخبار سبع مجلدات وبيان الاداب شرح على آداب المتعلمين النصيرية وتحفة الاحباء نظير الكشكول وتحفة الاخوان في تحقيق الاديان ومطلع السعدين.

وذكره في حديقة الافراح فقال : الحكيم محمد مؤمن بن محمد قاسم الجزائري الشيرازي أديب ماهر ، سيف ذهنه باتر حكيم حاذق ثاقب فهمه كاشف عن دقائق الحكمة والحقائق حاز حظاً وافراً من الكمالات وحيّر الافكار بما أبدع في صناعة السرقات ، مجاميعه كنوز الفوائد ومضامين رسائله فرائد.

وذكر الشيخ اغا بزرك الطهراني في الذريعة للمترجم له كتاب ( تعبير طيف الخيال في تحرير مناظرة العلم والمال ) هو شرح على طيف الخيال في المناظرة بين العلم والمال. والمتن والشرح كلاهما للمولى العارف الحاج محمد مؤمن

ص: 138

ابن الحاج محمد قاسم بن محمد ناصر بن محمد الجزائري الشيرازي المولد. ولد في ضحى السبت سابع عشر شهر رجب الاصب من سنة أربع وسبعين وألف. وقال هو في بعض مذكراته : سافرت نحو الهند في سلخ شهر ربيع الأول سنة اثنتين بعد ماية وألف ولي من العمر سبع وعشرون سنة ، ثم يذكر انه فرغ من تأليف الشرح المذكور سنة 1119 بالهند وله يومئذ خمس وأربعون سنة ثم بعد ذلك شرع في المجلد الآخر من الشرح الضخم وهو نفس المناظرة بين العلم والمال. ويوجد له أيضاً : خزانة الخيال الذي فرغ من تأليفه في سنة 1130.

وذكر الشيخ له أيضاً كتاب تحفة الابرار في مناقب الأئمة الاطهار علیهم السلام وقال : حكى في نجوم السماء عن فهرس تصانيفه انه كتب هذا الشرح قبل بلوغه ثم كتب عليها حواشي دوّنها بنفسه وسماه ب- ( الدر المنثور ).

وفي حديقة الافراح قال ومن جيد شعره قوله مادحاً أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

دع الأوطان يندبها الغريب *** وخلّ الدمع يسكبه الكثيبُ

ولا تحزن لا طلال ورسم *** يهبّ بها شمال أو جنوب

ولا تطرب إذا ناحت حمام *** ولاحت ظبية وبدا كثيب

ولا تصبو لرناث المثاني *** وألحان فقد حان المشيب

ولا تعشق عذارى غانيات *** يزين بنانها كف خضيب

ولا تلهو بحب صبيح وجه *** شبيه قوامه غصن رطيب

ولا تشرب من الصهباء كأساً *** يكون مديرها ساق أريب

ولا تصحب حميماً أو قريباً *** فكل أخ يعادي أو يعيب

ولا تأنس بخل أو صديق *** وذرهم إنهم ضبع وذيب

ولا تفرح ولا تحزن بشيء *** فلا فرح يدوم ولا خطوب

ص: 139

ولا تجزع إذا ما ناب همٌ *** فكم يتلو الأسى فرج قريب

وسكّن لوعة القلب المعنّى *** وانشد حين يعروه الوجيب

عسى الهمّ الذي أمسيت فيه *** يكون وراءه فرج قريب

ولا تيأس فان الليل حُبلى *** يكون ليومها شأن عجيب

وحسبك في النوائب والبلايا *** مغيث مفزع مولى وهوب

جواد قبل أن يرجى بواسي *** غياث قبل أن يأدعى يجيب

أمير المؤمنين أبو تراب *** له يوم الوغى باع رحيب

عليه تحيتي ما جنّ ليل *** وحنّ من النوى دنف غريب

ص: 140

السيد نعمان الأعرجي

جزعاً بكى وأخو الصبابة يجزع *** وجرت سواكب دمعه تتدفعُ

صبّ إذا هلّ المحرم هاجه *** وجد تفيض العين منه وتدمع

وجوىً لما نال الحسين وآله *** نيرانه بين الأضالع تسفع

في كربلا ، في كربها وبلائها *** لما استجاشوا حوله وتجمّعوا (1)

ص: 141


1- القصيدة طويلة رواها الشيخ فخر الدين الطريحي في ( المنتخب ).

السيد نعمان الاعرجي

هو من أدباء القرن الحادي عشر ذكر له العلامة الخطيب اليعقوبي في ( البابليات ) ترجمة وجملة من الشعر ، قال : وذكره فخر الدين الطريحي في المنتخب ، وله مراث كثيرة لأهل البيت علیهم السلام ذكر قسماً منها الشيخ عبد الوهاب الطريحي ابن الشيخ محمد علي - أخو فخر الدين صاحب المجمع والمنتخب ، وكله في مراثي آل الرسول. وقال في مقدمة الترجمة :

السادة الأعرجيون من أكبر جذوم الطوائف الحسينية وأكثرها انتشاراً في العراق وغيره وينتهي شريف نسبهم إلى عبيد اللّه الاعراج ابن الحسين الاصغر بن الإمام زين العابدين (عليه السلام) الذي هو من معاصري أبي العباس السفاح وكان في احدى رجليه نقص فسمي الاعرج وعرفت ذريته بالسادة الاعرجية. وقال صاحب العمدة عن أبيه الحسين الأصغر : وعقبه عالم كثير بالحجاز والعراق والشام وبلاد العجم والمغرب. ( اه- ) تقلد جماعة منهم نقابة الطالبيين وزعامة الدنيا والدين وامارة الحاج ، ومن أعيانهم في القرن الرابع الأمير أبو الحسن محمد الاشتر بن عبيد اللّه الثالث بن عبد اللّه الثاني بن علي بن عبيد اللّه الاعرج كان له نيف وعشرون ولداً تقدموا في الكوفة وملكوا حتى قيل السماء لله والأرض لبني عبيد اللّه ، وكان محمد هذا قد وقعت بينه وبين قوم من العرب بظاهر الكوفة حرب وهو دون العشرين فقتل منهم جماعة وجرح في وجهه فكسته الضربة حسناً ولقب بالاشتر وهو الذي مدحه المتنبي أحمد ابن الحسين بقصيدته التي مطلعها :

أهلا بدار سباك أغيدها *** أبعد ما بان عنك خردها

ومنها في المدحي ويشير فيها إلى جرح وجهه :

ص: 142

خير قريش أباً وأمجدها *** أكثرها نائلا وأجودها

تاج لوي بن غالب رَبه *** سما لها فرعها ومحتدها

أفرسها فارساً وأطوالها *** باعاً ومغوارها وسيدها

يا ليت لي ضربة أتيح لها *** كما أتيحت له محمدها

أثر فيها وفي الحديد وما *** أثر في وجهه مهندها

قد أجمعت هذه الخليفة لي *** انك يا بن النبي أوحدها

ونبغ في القرون الوسطى وما بعدها منهم عشرات الرجال بالعلم والفضل والأدب والشعر ومن أشهرهم في أوائل القرن الثامن السيد عبد المطلب بن أبي الفوارس الملقب بالعميدي الذي طفحت موسوعات التراجم والرجال بذكره وعرف بغزارة علمه وجلالة قدره وتعليقاته على كتب خاله ( العلامة الحلي ) وكانت ولادته بالحلة سنة 681 ووفاته ببغداد سنة 704 ه- وحمل إلى المشهد الغروي وتعرف ذريته في الحلة حتى اليوم بآل ( العميدي ) وفي القرن الحادي عشر نجم منهم جماعة بالفضل والأدب ترجم صاب ( نشوة السلافة ) لثلاثة منهم ولكنه لم يذكر إلا وجيزاً من أشعارهم ومجملاً من أخبارهم ولم يأت بما نروم من الغرض وكان أحدهم صاحب الترجمة السيد نعمان واليك نص ما قال عنه :

لم يذكره السيد في السلافة كأنه لم يبلغه اسمه ونظمه ، ومن رقيق شعره قوله :

حبيبٌ فيه قد خلع العذارُ *** وفي خديه قم نمّ العذار

هلال دجى له عيناي افقٌ *** غزال نقاً له قلبي قفار

ولست ألومه إن صدّ عني *** فان الظبي عادته النفار

أحب لوجهه الاقمار جمعا *** ومنه عليه من شوق أغار

وأشفق ان دنا من فيه كأس *** على درٍّ يقبّله النضار

ص: 143

قال وله نظم رائق ذكرناه في كتاب « نتائج الافكار » فليطلب من هناك. اه-

وتعرض لذكره الاستاذ البحاثة يعقوب سر كيس في ترجمة الشاعر الاديب أبي عبد اللّه جمال الدين محمد بن عبد الحميد البغدادي الشهير ب- ( حكيم زاده ) من أدباء القرن الحادي عشر عن مخطوط نقل عنه ما نصه : كان قد أرسل لي السيد الاجلي السيد نعمان الحلي وهو في بغداد نبذة من قصائده وأشعاره وكان له اليد الطولى في نظم الشعر فلما وقفت على أشعاره ودرر عقود أفكاره استحسنته غاية الاستحسان ونظمت هذه الأبيات وكتبتها في عنوان الكتاب وأرسلتها إليه وأنا .. الحكيم زاده والأبيات هذه :

نعمان لوح أرض ذهنك روضة *** فيها صنوف شقائق النعمان

أحسنت فيما قلته وزبرته *** وسبقت من جارك في الميدان

وآخرها :

ويريك وصل الحلة الفيحاء و *** الاحباب والاوطار والاوطان

« أبياتها - 14 - » وذكره فخر الدين الطريحي في المنتخب ، وفي بعض مطبوعاته السقيمة ربما عبّر عنه بالشيخ نعمان وهو تحريف من الناسخ أو الطابع ويقول من قصيدة له مطلعها :

جزعاً بكى وأخو الصبابة يجزع *** وجرت سواكب دمعه تتدفع

وترجم له الأديب الخاقاني في شعراء الحلة وقال : رأيت في مجموع بمكتبة الحاج محمد رضا شالجي بالكاظمية الأبيات الآتية :

غدوتُ ومالي في الأحبة من ندّ *** وأخصلتُ فيكم يا أهيل الحمى ودّي

ووحّدكم قلبي ولم يرَ ناظري *** جمالكم يا من هم في الورى قصدي

وفي أسمر كالظبي جيداً إذا رنى *** دلالاً فقل ما شئتَ بالأبيض الهندي

ص: 144

يفوق على اليبض الرقاق بطرفه *** ويزري على السمر الذوابل بالقدّ

حكى البدر حسناً والغزالة مقلة *** وغصن النقا بالقد والورد بالخد

بدا فرأيت الصبح من نور وجهه *** ولاح لعيني الليل من شعره الجعد

وأقول والقصيدة بكاملها في منتخب الشيخ عبد الوهاب الشيخ محمد علي الطريحي المخطوط وعبّر عنه بالسيد الحسيب النسيب السيد نعمان الاعرجي وعبّر عنه في المنتخب أيضاً : بالسيد الجليل نعمان الاعرجي الحسيني عندما ذكر قصيدته في رثاء الحسين (عليه السلام) التي أولها :

أسفي وافرٌ وحزني طويل *** وحنيني باد ودائي دخيل

وقال السيد الجليل نعمان الاعرجي الحسيني يرثي جده الحسين (عليه السلام) رواها الشيخ عبد الوهاب الطريحي في ( منتخبه ) المخطوط بخطه :

أسفي وافرٌ وحزني طويل *** وحنيني باد ودائي دخيل

وفؤادي من الأسى باضطرام *** ودموعي على الخدود تسيل

واصطباري نأى ووجدي مقيم *** ومصابي جمٌ ورزئي جليل

قد جعلتُ البكاء والنوح دأبي *** فكثير البكاء عندي قليل

وقال في قصيدة مطولة :

يا مقلتي بالدمع جودي *** وابكي على السبط الشهيدِ

نقلناها عن مخطوطة في مكتبة الإمام الحكيم العامة بالنجف الأشرف - قسم المخطوطات. تحت عنوان : علويات السيد نعمان الاعرجي الحلي ، ومعها علويات الشيخ عبد اللّه بن داود الدرمكي ، وهي برقم 278 وكلها بخط الشيخ محمد السماوي.

ص: 145

أحمد بن خاتون العيثاني

دع التصابي بذكر البان والعِلم *** وذكر سلمى وجيران بذي سلِم

فجيش عمرك ولّى وهو منهزم *** والشيب وافاك بالأسقام والهرم

مخبّر عن قدوم الموت في عجل *** يسعى إليك بلا ساقٍ ولا قدم

فشمرّ العزم وانهض للرحيل بما *** يدني إلى جنة الفردوس والنعم

لا تركنن إلى الدنيا وزخرفها *** فكم أبادت بسيف الغدر من أمم

وكن صبوراً على صرف الزمان عسى *** يأتي من اللّه ما ينجي من النقم

وارحل مطاياك بالعزم الشديد إلى *** معادن الجود أهل الفضل والكرم

خير البرايا ومختار الإله من الجم *** الغفير وخير العرب والعجم

محمد المصطفى الهادي البشير ومن *** أتى من اللّه بالبرهان والحكم

الصادق القول ذي الاحسان خير فتىً *** من هاشم طاهر الأخلاق والشيم

أبدى لنا من يديه كل معجزة *** فاقت على أنبياء اللّه في القدم

والضب والظبي والسرحان كلّمه *** والميت من بعدما قد عدّ في الرمم

أكرم بمسراء والأملاك محدقة *** تحفّه وهو فيهم صاحب العلم

يا أكرم الرسل يا خير العباد ومن *** به نجاة الورى من زلة القدم

أشكو إليك أموراً خطبها جلل *** قد أحدثت من بقايا عابدي الصنم

وقد تواصوا بنقض العهد بينهم *** بغياً ومالوا لحقدٍ في صدورهم

وقابلوا سبطك السبط الشهيد بما *** أخفوه من ضغنٍ في فعلكم بهم

ص: 146

فقال يا قوم مهلاً لا يحلّ بكم *** من العذاب كما قد حلّ في الأمم

هل جاءكم أحد عني يخبّركم *** بفعلةٍ أوجبت أن يستباح دمي

فقام من باع منه النفس عن رشدٍ *** بهمة منه قد فاقت على الهمم

حتى دعاهم إلى الجنات خالقهم *** فاصبحوا مطعماً للطير والرخم

فيالها حسرة عمّت مصيبتها *** لكل حرّ بحبل الدين معتصم

والطاهرات على الأقتاب في عنف *** تسير فوق متون الانيق الرسم

يا سبط أحمد يا ابن الطهر فاطمة *** يا نجل حيدرة المنعوت بالكرم

اذا أتى عشر عاشرو يفيض لك *** الطرف القريح بدمع منه منسجم

وقد وثقت بأن اللّه يغفر لي *** بحبكم موبقات الذنب واللمم

فعبدكم أحمد يرجو جميلكم *** بذمة منكم أوفت على الذمم

نجل ابن خاتون يرجوكم له مدداً *** في كل حال من البأساء والغمم

صلى الإله عليكم سادتي أبداً *** ما هزّ شوق المطايا هزة النغم (1)

الشيخ أحمد بن خاتون العاملي العيثاني.

في أمل الآمال : معاصراً للشيخ حسن بن الشهيد الثاني. كان عالماً فاضلاً زاهداً عابداً أديباً. وهناك من يتفق معه بهذا الاسم واللقب ذكره السيد الأمين في الأعيان.

وعيناثا بعين مهملة مفتوحة ومثناة تحتانية ساكنة ونون وثاء مثلثة بين ألفين ، من قرى جبل عامل.

وآل خاتون بيت علم قديم في جبل عامل. انتهى عن الأعيان ج 8 ص 369. أقول إذا كان المترجم له من المعاصرين للشيخ حسن بن الشهيد الثاني فهو في القرن الحادي عشر ، إذ أن وفاة الشيخ حسن سنة 1011.

ص: 147


1- اعيان الشيعة ج 8 ص 370.

محمد بن السمين الحلّي

طوبى لطيب شذا بتربة كربلا *** فاق العبير ذا وفاق المندلا

تتضوّع الحسنات من نفحاتها *** طيباً إذا لثمت بافواه الملا

كرمت فصارت للجباه مساجداً *** عظمت فعادت للشفاه مقبّلا

فيها الشفاء لمن أراد شفاءه *** أشفى بها الداء العضال المعضلا

يا أرضها فلأنت اشرفُ تربة *** طابت فعظّمها الاله وبجّلا

بوركتِ من أرض تسامت رفعة *** لا تُرتقى وجلالة لا تُعتلى

أرض تمنّتها السماء بكونها *** وتمنّت الأيدي تكون الأرجلا

لتطوف حول ضريح من طافت به *** لجلاله أهل السماوات العُلا (1)

وقال :

بان صبري وبان خافي شجوني *** واستهلت بالدمع مني جفوني

فاندبي السبط في الطفوف فريدا *** قد تخلى من مسعف ومعين

يتمنّى لكي يبلّ غليلا *** شربة من مباح ماء معين

فسقاه العدو كأساً دهاقا *** من كؤوس الردى وماء النون

ص: 148


1- عن كتاب المنتخب للشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ محمد علي الطريحي النجفي كتبه سنة 1076.

ان جدي النبي أشرف خلق اللّه *** ذو الفضل والفخار المبين

وابي المرتضى الوصي علي *** وهو رب الامكان والتمكين

والبتول الزهراء بنت رسول اللّه *** امي لأجلها راقبوني

يا ذوي الذاريات والطور والأعراف *** والنحل والنساء ونون

فاز من مكّن اليدين من الود *** وفازت يداه بالتمكين

فاز بالصدق في الولاء كما فاز *** بصدق الولاء نجل السمين

وعليكم من ربك صلوات *** وسلام في كل وقت وحين (1)

وقال من قصيدة :

دمع عين يجود غير بخيل *** وغرام يقوى بجسم نحيل

ماء عين لم يطف حرّ غرام *** وغليل فيه شفاء عليل

كيف يشفى الفؤاد من ألم الحزن *** وداء بين الضلوع دخيل

وجوى الحزن لا يزال مقيماً *** فيه والصبر مؤذنا بالرحيل

أين صبري إذا ذكرت قتيل *** الطف ملقى أكرم به من قتيل

ما ذكرت القتيل إلا وسالت *** عبرتي في الخدود كل مسيل

ورأى النسوة الكرائم بدر التمّ *** قد غيّبته حجب الأفول

وينادين جدهن رسول اللّه *** يا خير مرسل ورسول

لو ترانا ونحن بين أسير *** وجريح دام وبين قتيل

آل ياسين سدتم الخلق طراً *** وزكا فرعكم لطيب الأصول

جدكم للهدى مدينة علم *** وأبوكم للعلم باب الدخول

قد هدينا بكم ولولا هداكم *** ما هتدينا إلى سواء السبيل

وهداكم هو الدليل وقد قام *** بهذا الدليل صدق الدليل

ص: 149


1- والقصيدة طويلة تجدونها في منتخب الشيخ الطريحي.

من تلقى الولا بحسن قبول *** تتلقونه بحسن القبول

تسكنوه وقد نجا من حميم *** تحت ظل من الجنان ظليل

حبكم جُنّة له وولاكم *** جنة من عذاب يوم مهول

فاز نجل السمين من بعد هذا *** مذ توالاكم بخيرٍ جزيل

انتم سؤله وأقصى مناه *** ورجاه وغاية المأمول

فعليكم آل النبي صلاة *** كل يوم في بكرة وأصيل (1)

وقال :

من لقلب عن الهوى في اشتغال *** وللبٍ من الجوى في اشتعال

ما شجاه هجر الحبيب ولا فقد *** قرين ولا تغيّر حال

بل شجاه مصاب آل رسول اللّه *** خير الورى واشرف آل

ما أهلّ الشهر المحرم إلا *** انهلّ طرفي بمدمع هطال

لكم يا بني علي علاء *** في وداد وسؤدد في كمال

ومحل في رفعة ومعالٍ *** في تعال وعزة في جلال

وبهاء في بهجة وضياء *** في تلال ورونق في جمال

وعليكم من الاله صلاة *** جمعة بالغدو والاصال (2)

وله من قصيدة :

فان يبخلوا بالوصل إني مواصل *** وبالنفس ان ضنّ الجواد أجودُ

وان عدتم يوماً بما قد بدأتم *** من الغدر اني بالوفاء اعود

وان تنقضوا عهد الوداد فانني *** مراع لاسباب الوداد ودود

ولا بدع ان أبديتم نقض عهدكم *** فقد نقصت لابن النبي عهود

ص: 150


1- رواها الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب المطبوع بالنجف الأشرف.
2- رواها الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب.

يذاد عن الماء المباح وقد غدا *** لكل سباع البر منه ورود

ولست بناس قوله خاطباً بهم *** ويعلم ان القول ليس يفيد

ألم تعلموا اني إمام عليكم *** واني لله الشهيد شهيد

وان ابي يسقي على الحوض معشرا *** ويطرد عنه معشراً ويذود

ولولاه لم يخضرّ للدين عوده *** ولا قام للاسلام قط عمود

سلام على الاسلام بعد رعاته *** اذا كان راعي المسلمين يزيد

وباتوا ومنهم ذاكر ومسبّح *** وداع ومنهم ركع وسجود

إلى ان تفانوا واحداً بعد واحد *** لديه فمنهم قائم وحصيد

وظل بارض الطف فرداً وحوله *** لآل زياد عدة وعديد

وتنظره شزراً من السمر والقنا *** نواظر إلا أنهنّ حديد

والوى على جيش العداة بعزمه *** تكاد لها شم الجبال تميد

ففرّ العدى من بأسه خيفة الردى *** كما فرّ من بأس الأسود صيود

هوى ثاوياً فوق الثرى ومحله *** له فوق آفاق السماء صعود

اليكم بني الزهراء يا من سمت بهم *** إلى المجد آباء لهم وجدود

اوجّه وجه المدح مني وكله *** قلائد في جيد العلا وعقود

وما قدر مدح قلته في علاكم *** ومدحكم في المحكمات عتيد

فيا متن هُم فلك النجاة ومن هُم *** هداة وغوث للانام وجود

فإذ كان بدء الفضل منكم تفضلوا *** وجودوا على نسل السمين وعودوا

فانتم له ذخر إذا جاء في غد *** ومع كل نفس سائق وشهيد

عليكم سلام اللّه حيث ثناؤكم *** حكى نشره ندٌ يضوع وعود

وحيث بكم هبت نسيم ونسمت *** هبوب وللعيدان رنّح عود

وازهر من زهر البروج جواهر *** وورّد من زهر المروج ورود (1)

ص: 151


1- رواها الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب.

وله من قصيدة. رواها الشيخ عبد الوهاب الطريحي في المنتخب ، كما رواها الشيخ فخر الدين الطريحي في منتخبه أيضاً :

كيف اخفي وجدي واكتم شاني *** ودموعي تسح من سحب شاني

وفؤادي لا يستفيق غراماً *** وهياماً لشدة الخفقان

وجفوني جفون طيب رقادي *** واصطباري نأى ووجديَ داني

كيف صبري عن الحسين وقد أودى *** قتيلاً باسهم العدوان

كيف انساه بالطفوف فريداً *** بعد فقد الانصار والأعوان

أين من يندب الشجاع المحامي *** عن حمى الدين فارس الفرسان

ومفيد العفاة يوم طعام *** ومبيد العداة يوم طعان

ورأيت في مجموعة حسينية في مكتبة الامام الحكيم العامة برقم 292 قسم المخطوطات قصيدة للشيخ محمد بن السمين يرثى بها الشهيد مسلم بن عقيل ، أولها :

أيعذب من وردالجفاء ورود *** ليزهر من ورد الوفاء ورود

وله قصيدة في رثاء الحسين علیه السلام أولها :

لقديم فضلكم العميم فواضل *** لعميم فضلكم القديم طوائل (1)

وروى السيد الأمين في الأعيان هذه الجملة من الأشعار ولم يذكر لنا شيئاً من أحواله ، ولما كان شعره قد رواه الشيخ عبد الوهاب الطريحي وهو من أعلام القرن الحادي عشر الهجري ذكرناه هنا. ومن شعره الذي جاء في المنتخب قصيدته التي أولها :

مصاب شهيد الطف جسمي أنحلا *** وكدّر من دهري وعيشي ما حلا

وهي 46 بيتاً.

ص: 152


1- هذه القصيدة يمدح بها الائمة الاثنا عشر صلوات اللّه عليهم ويرثى الحسين خاصة ، رأيتها في مجموعة حسينية مخطوطة في مكتبة الامام الحكيم العامة برقم 292 قسم المخطوطات.

محمد بن نفيع الحلي

اشارة

للشيخ الفاضل محمد بن نفيع رحمه اللّه ، رواها الشيخ فخر الدين الطريحي في ( المنتخب ) :

عجباً لقلب فيكم لا يفجعُ *** ولأنفس في رزئكم لا تجزع

وفي آخرها :

طوبى لأرض حلّ في أكنافها *** جسد الحسين وطاب ذاك الموضع

قد قدست أرض الطفوف وبوركت *** لما اغتدى لك في ثراها مضجع

لكتربة فيها الشفاء وقبة *** فيها الدعاء إلى المهيمن يرفع

هم سادة الدنيا ويوم معادنا *** في الحشر منهم شافع ومشفع

ولسوف يدرك ثارهم مهديهم *** وانا ليوم ظهوره أتوقع

ان لم أكن أدركت نصرة جده *** فبنصره فيما بقي أتطمّع

يا بن الإمام العسكري ومن له *** صيد الملوك إذا تمثّل تخضع

يا سيدي ظهر الفساد وأظلمت *** سبل الرشاد فهل لنورك مطلع

وجرت علينا في الزمان ملاحم *** لم ندر في تدبيرها ما نصنع

لم يبق إلا عالم متصنع *** أو جاهل متنسك أو مبدع

يا عترة الهادي النبي ومَن هُم *** عزي وكنزي والرجا والمفزع

ص: 153

واليتكم وبرأت من أعدائكم *** وأنا بغير ولاكم لا أقنع

ونظمت في علياكم من مقولي *** درراً لها وشي القريض يرصع

علماً بأن مديحكم لي نافع *** ومديح قوم غيركم لا ينفع

وأنا بكم متنسك وبحكم *** متمسك وبجدكم مستشفع

لم أهوَ ديناً أصله من غيركم *** حسبي افتخاري أنني أتشيّع

وإلى نفيع نسبتي ومحمد *** اسمي فكم لي منكرٌ ومضيع

صلى الإله عليكم ما احييت *** فكرٌ وأو قضت العيون الهجع

أبغي الشفاعة في معادي يوم لا *** مال هناك ولا بنون تنفع

بكم أومل نجح سعيي دائماً *** وإلى الإله بحبكم أتذرع

ص: 154

الشيخ عضد الدين محمد بن محمد بن نفيع الحلي

جاء في أعيان الشيعة :

ذكره الشيخ خضر بن محمد بن علي الرازي الهول دودي خازن المشهد الشريف الغروي في كتابه التوضيح الانور بالحجج الواردة لدفع شبه الاعور. وهو كتاب مخطوط رأينا منه نسخة في كرمانشاه في طريقنا لزيارة المشهد الشريف الرضوي في المحرم 1353 وهو رد على رجل واسطي أعور في رسالة سماها العارضة في الرد على الرافضة قال فيها : اني لما عزمت على زيارة الأربعين سنة 83 ووصلت إلى المدرسة الزينية مجمع العلماء والفضلاء بالحلة السيفية الفيحاء معدن الأتقياء والصلحاء اراني أعزّ الاخوان عليّ وأمهم في المودة والاخلاص لديّ وهو المستغني عن اطناب الألقاب بفضله المتين محمد بن محمد بن نفيع عضد الملة والدين أدام اللّه اشراق شمس وجوده وأغناه وايانا عمن سوءه بجوده رسالة مشحونة بأنواع الشبه لواسطي أعور اعمى القلب ينكر فضائل آل الرسول ويبطلها بالتغيير والقلب الى آخر ما ذكره.

ثم قال في اثناء الكتاب : قال الاعور : ولأنهم ( أي الشيعة ) تجري عليهم أحكامنا وتحت أيدينا وسلطاننا خصوصاً في مشهد علي رضی اللّه عنه وفي الحلة الذين هما تحت الرفض. ثم قال : قلت ما هي الاحكام الجارية على أهل البلدين الذين ذكرهما ثم ذكر عدة أحكام مستنكرة جارية بغيرنا الى ان قال : وقد نظم هذا الجواب وأوضحه بما هو عين الصواب أخونا العالم الورع التقي عضد الدين محمد بن نفيع الذكي الألمعي نتيجة العلماء المجتهدين لا زال في نعم المولى ونافعاً للمؤمنين بقوله مخاطباً له : وهنا ذكر قصيدة جاء في مطلعها : « ألا أيها الجاهل الاحقر » ثم ذكر غيرها من الشعر ومما ذكره قوله :

ص: 155

في آية النجوى تصدق حيدر *** وله السوابق قبل كل شحيح

لما تصدق راكعاً في خاتم *** اثنى عليه اللّه بالتلويح

قل للذي وضع الحديث بجهله *** ليس الذي لفّقته بصحيح

لو أن قوماً أحسنوا وتصدقوا *** لا للرياء لشرفوا بمديح

اللّه فضّل حيدراً ورسوله *** بالناس والتخصيص بالترجيح

صلى عليه اللّه ما صلى الورى *** بالحمد والاخلاص والتسبيح

وأورد له أيضاً :

زعمتك تطفي نور آل محمد *** وانوارهم في شرقها والمغارب

وهيهات قد شاعت وذاعت صفاتهم *** وسارت بها الركبان في كل جانب

علي أمير المؤمنين حقيقة *** هو الاسد المقدام معطي الرغائب

وأولاده الغر الميامين في الورى *** هم مفزع المضطر عند النوائب

هم العروة الوثقى لمستمسك بها *** هم الآية الكبرى كبار المناقب

هم السادة الأعلون في كل رتبة *** هم بلغوا في المجد أعلى المراتب

فمن رام ان يرقى سماء صفاتهم *** ليسترق النجوى رمي بالثواقب

عليهم سلام اللّه ما ذرّ شارق *** وأمطر قطر من ركام السحائب

وبان بيان الزور من قول أعمه *** وأعور محجوب عن الصدق كاذب

بتبيان نجم الدين خضر وكشفه *** قناع المعاني عن خدود الكواعب

أتى بكتاب احكمت بيتاته *** فأصغى لها سمع القضاة الرواتب

وآياته جاءت تلقف ما حوى *** كتاب الاعادي من ظنون كواذب

فلا زال نجم الحق في لوح نفسه *** يضيء ويعلو نجمه في الكواكب

ولا برح القرطاس يحكي مراده *** بألسنة الاقلام من كل كاتب

وأورد له أيضاً في يوم براءة :

هو الفارس الكرار في كل موطن *** وباعُ الأعادي عن علاه قصير

أبو حسن كشّاف كل ملمة *** أخو المصطفى ردءٌ له ووزير

ص: 156

رسول رسول اللّه قاريء وحيه *** ينادي به والمشركون حضور

فأبلغهم جهراً رسالة ربه *** قويٌ أمين ما اعتراه فتور

وصي رسول اللّه وارث علمه *** سفير له في أمره وظهير

فقام ينادي لا يحجنّ مشرك *** وسيف الهدى في راحتيه شهير

عليه سلام اللّه ما ذرّ شارق *** ولاحت لنا عند الكمال بدور

وقال العبد الصالح محمد بن نفيع على اللّه عنه ، رواها الشيخ عبد الوهاب الطريحي في ( منتخبه ) المخطوط بخطه سنة 1076 :

ضرام بقلبي والحشا يتوقد *** وحزني على مرّ الزمان مجدد

وجسمي نحيل والجفون قريحة *** وعيني من طول البكا ليس ترقد

لقتل شهيد بالطفوف وجده *** نبيّ الهدى خير الأنام محمد

قتيل بكاه الطير والوحش في الفضا *** فحزني عليه دائماً يتجدد

وهي 60 بيتاً.

أقول ورأيت في مجموعة حسينية بمكتبة الإمام الحكيم العامة بالنجف الأشرف - قسم المخطوطات - رقم 292 جملة من شعر الشيخ محمد بن نفيع وعبّر عنه ب- : الشيخ العاشمس الدين محمد بن نفيع ، وأورد له قصيدة أورها :

أيا شهر عاشوراء أبهرت مقلتي *** وأورثتني حزناً إلى يوم حفرتي

ولما لم نعثر على تاريخ وفاته ورأينا الشيخ الطريحي - وهو كما تعلم في القرن الحادي عشر - قد أثبت شعره ، ذكرناه هنا. (1)

ص: 157


1- عن الاعيان للسيد الامين ج 45 ص 344.
محمد رفيع بن مؤمن الجيلي و علي بن الحسين الدوادي

جاء في موسوعة بحار الانوار للشيخ محمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1111 ه- جملة مراثي لأهل البيت علیهم السلام وخاصة للامام أبي عبد اللّه الحسين سلام اللّه عليه نكتفي بالاشارة إليها حيث انها تخص القرن الحادي عشر :

1 - جاء في ج 45 ص 267 من الطبعة الجديدة المطبوعة بايران قوله : وللماجد محمد رفيع ابن مؤمن الجيلي نوّر اللّه ضريحه مراثي مبكية حسنة. وذكر جملة منها.

2 - ج 45 ص 281 قال : ولعلي بن الحسين الدوادي من قصيدة طويلة انتخبت منها. وروى جملة أبيات ونقلها عنه بنصها سيدنا الامين في الاعيان ج 41 ص 153.

ص: 158

القرن الثاني عشر

اشارة

الوفاة

الحر العاملي محمد بن الحسن 1104

عبد اللّه بن محمد بن الحسين الشويكي القرن الثاني عشر

الشيخ أحمد البلادي القرن الثاني عشر

الأمير الحسين بن عبد القادر الكوكباني 1112

السيد علي خان المدني 1120

الشيخ عبد الرضا بن أحمد بن خليفة المقري الكاظمي حدود 1120

الشيخ سليمان الماحوزي 1121

الشيخ محمد بن يوسف البلادي البحراني 1130

الشيخ فرج بن محمد الخطي 1135

الشيخ فرج اللّه الحويزي 1141

الشيخ يونس الغروي 1147

الشيخ عبد الحسين أبو ذيب 1151

الشيخ محسن فرج 1152

المولى أبو طالب ابن الشريف أبي الحسن الفتوني القرن الثاني عشر

السيد حسين ابن السيد رشيد الرضوي 1156

حسن عبد الباقي بن أبي بكر الموصلي 1157

ص: 159

الوفاة

الشيخ محي الدين الطريحي 1158

اللسيد نصر اللّه الحائري 1168

الشيخ لطف البحراني ابن محمد بن عبد المهدي القرن الثاني عشر

الشيخ علي بن أحمد العادلي العاملي القرن الثاني عشر

عبد اللّه بن محمد الشبراوي 1171

الحاج جواد بن عواد البغدادي 1178

السيد العباس بن علي نور الدين الحسيني الموسوي المكي حدود 1180

السيد محمد بن الحسين - أمير الحاج - 1180

الشيخ حسن الدمستاني 1181

الشيخ أحمد بن الشيخ حسن النحوي 1183

الشيخ حسن آل سليمان العاملي 1184

الشيخ محمد بن عبد اللّه بن فرج الخطي كان حياً 1184

الشيخ ابراهيم بن عيسى العاملي الحاريصي 1185

الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي 1186

الشيخ محمد مهدي الفتوني 1190

الشيخ أحمد الشيخ حسن الدمستاني 1190

الشيخ يوسف أبو ذيب 1200

الشيخ عبد اللّه العوي الخطني 1201

الشيخ محمد بن أحمد بن ابراهيم الدرازي آل عصفور ولد 1112

المستدركات

المتوكل الليثي 85

القاضي أبو حنيفة المغربي 363

الحسن بن أحمد بن محمد بن جكينا 528

الكمال العباسي 656

ص: 160

الحرّ العاملي

المتوفي 1104

سأنوح ما غنّت حمائم حاجر *** ويبوح مني بالغرام محاجري

وكأن قلبي من هوى أودى به *** قد أوثقوه إلى قوادم طائر

طوراً تراه إلى تهامة طائراً *** اسفاً وطوراً طايراً في حاجر

لم أبك من فقد الشباب وما مضى *** من طيب عيش في الزمان الغابر

كلا ولم أندب طلولاً باللوى *** كانت منازلهن بعض مشاعري

هذا ولم اتبع ضلالات الهوى *** نفسي ولا هجس الوصال بخاطري

لكن بكيت لرزء آل محمد *** بمدامع تهمي كغيث ماطر

واكربتاه لمن ثوى في كربلا *** فرداً وحيداً ماله من ناصر

كتبوا اليه وازمعوا من بعدها *** غدراً فتبّاً للشقي الغادر

وافى ليرشدهم إلى طرق الهدى *** ويزيل عنهم كل غمٍ غامر

لا راغباً في جمع ديناهم ولا *** يبغي سوى قمع الظلوم الجائر

حتى اذا وافى الطفوف تواثبوا *** بعوامل خطيّة وبواتر

قلبوا له ظهر المجن وانكروا *** ما كان منهم من أذى ومناكر

قتلوا أحبته ومالوا نحوه *** متظاهرين بذاك شرّ تظاهر

والدين يندب رزء ومصابه *** والمجد ينظر كالذليل الحائر

ص: 161

والأرض ترجف والسماء بكت له *** بدم عبيط ساكب متقاطر

والشمس كاسفة وأملاك السما *** يتعجبون من الظلوم الخاسر

ظهرت له أحقاد بدر منهم *** وثنوا عنان مناجز ومبادر

ويلاه والأعداء قد ملأوا الفضا *** بعساكر قد اتبعت بعساكر

والسبط في سبعين من أصحابه *** هم كالكواكب حول بدر زاهر

حتى اذا لقي الردى أنصاره *** نادى الأهل للهدى من ناصر

هل من فتى يحمي حريم محمد *** من ناهب أو سالب أو ناظر

فتواثبوا بسهامهم ورماحهم *** ويلاه من خطب عظيم جائر

صرعوه ظلماً بالدماء وماله *** من غاسل أو ساتر أو قابر

عن ديوانه المخطوط في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف - قسم المخطوطات رقم 276 والديوان يحتوي على عدد من القصائد في النبي وأهل بيته واراجيز في مواليدهم ووفياتهم وقصائد كثيرة في الحجة المهدي علیه السلام وبعض مراسلاته ورثائه لأعلام عصره.

ص: 162

الحر العاملي محمد بن الحسن

جاء في أعلام العرب ج 3 ص 121 :

محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين (1). الحر العاملي ، من كبار المجتهدين ، والأعلام الخالدين ولد في قرية مشغرة من جبل عامل ليلة الجمعة 8 رجب سنة 1033 ه- وقرأ على أبيه الحسن وعمه محمد الحر وجده لأمه عبد السلام بن محمد الحر وخال أبيه علي بن محمود وغيرهم ، وأخذ في قرية جباع عن عمه أيضاً وعن علي زين الدين بن محمد بن الحسن صاحب المعالم وعلي بن حسين بن الحسن بن يونس بن ظهير الدين العاملي وغيرهم وأقام في بلاده أربعين سنة وحج فيها مرتين ، ثم سافر إلى العراق فزار مراقد الأئمة ثم رحل لزيارة الامام الرضا في خراسان وفي طريقه مرّ باصفهان واجتمع فيها بكثير من علمائها وكان أكثرهم انساً به وصحبة له الامام الكبير محمد باقر المجلسي مؤلف بحار الانوار المتوفى 1111 واجاز كل منهما صاحبه هناك ولما وصل إلى مشهد خراسان ومضى على مكوثه مدة اختير لمنصب قاضي القضاة وشيخ الاسلام في تلك الديار ثم حج أيضاً مرتين وزار الأئمة في العراق وكان قدومه المشهد الرضوي - كما قال - سنة 1073.

قال المحبي : « قدم مكة في سنة 1087 و1088 وفي الثانية منهما قتلت الأتراك بمكة جماعة من العجم لما اتهموهم بتلويث البيت الشريف وكان صاحب الترجمة قد انذرهم قبل الواقعة بيومين وأمرهم بلزوم بيوتهم .. فلما حصلت المقتلة فيهم خاف على نفسه فألتجا الى السيد موسى بن سليمان أحد

ص: 163


1- وفي لؤلؤة البحرين : محمد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي.

أشراف مكة الحسينين وسأله ان يخرجه من مكة إلى نواحي اليمن فأخرجه مع أحد رجاله اليها » (1).

وتوفي الحر بالمشهد الرضوي بطوس سنة 1104 ه- ودفن في إحدى غرف صحن الإمام وعلى قبره ضريح يزار.

وللحر تصانيف في غاية الأهمية وقد رزق حظاً فيهما كما قال السيد الأمين - لم يرزقه غيره؟ فكتابه « وسائل الشيعة » عليه معول الدارسين والباحثين من عصره إلى اليوم وذلك لالمامه وحسن ترتيبه وتبويبه قال عنه في السلافة : « علم لا تباريه الأعلام وهضبة فضل لا يفصح عن وصفها الكلام .. وتصانيفه في جبهات الايام غرر وكلماته في عقود السطور درر .. ».

وقال عنه في المستدرك : « عالم فاضل محقق مدقق ، متبحر جامع كامل صالح ، ورع ثقة فقيه محدث حافظ ، شاعر أديب ، جليل القدر عظيم الشأن أبو المكارم والفضائل شيخنا الحر العاملي صاحب الوسائل الذي منّ على جميع أهل العلم بتأليف هذا الكتاب الشريف » ، ومؤلفاته كثيرة ومنها ما هي موسوعات ضخمة مهمة :

1 - الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ، وهو أول كتاب ألفه طبع مرتين في ايران ، ثم في النجف - مطبعة النعمان.

2 - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة من أوسع كتب الحديث وأشهرها ، اشتمل على جميع احاديث الاحكام الشرعية الموجودة في الكتب الأربعة وسائر الكتب المعتمدة التي تزيد على سبعين كتاباً : طبع الكتاب في ثلاث مجلدات كبار على الحجر في طهران سنة 1288 ه- و1323 / 1324 ، وفي تبريز سنة 1313 ه. ثم طبع على الحروف وعني بتحقيقه

ص: 164


1- وللسيد الامين في الاعيان تعليق على هذا الحادث وامثاله ، وملخصه ان أهل مكة يقومون بالتلويث من أجل قتل الفرس حيث انهم اتباع مذهب أهل البيت.

وتذييله الميرزا عبد الرحيم الرباني في طهران وقدر في تسع مجلدات كبار وقد طبع منه من 1 - 7 من سنة 1375 - 1384 ه- وفي الجزء الأول تصدير عن طبقات المحدثين و « جوامع الفقه » وعن أهمية كتاب الوسائل والتعليقات عليه ، كما وضع في أول كل مجلد من هذه المجلدات الفهرس العلمي الخاص بذلك المجلد ، والفهرس هذا هو كتاب للمؤلف اسماه « من لا يحضره الامام » وكان قد ألفه بمثابة دليل المواضيع ومضامين كتابه الوسائل وأبوابه ، كما طبع كتاب الوسائل أيضاً وبضمنه كتاب « مستدرك الوسائل للعلامة النوري » في القاهرة - مطبعة دار العهد الجديد للطباعة ابتداء من سنة 1377 / 1957 وظهر منه الأول الى الخامس الذي انتهى سنة 1381 ه- نشره السيد مرتضى الرضوي الكشميري.

وقد عُني العلماء بالشرح والتعليق والاستدراك على كتاب الوسائل ومنها : شرح السيد الحسن الصدر الكاظمي ومنه ثلاث مجلدات في شرح المجلد الأول. ومستدرك الوسائل للنوري محمد الحسين بن محمد تقي المتوفى 1320 ه- وقد طبع في ثلاث مجلدات في طهران سنة 1318 وطبع مع الوسائل في القاهرة كما تقدم وتحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة للمؤلف نفسه - ألفه في شرح الوسائل. وشرح الوسائل ليوسف بن محمد البحراني الحويزي في عدة مجلدات وغيرها.

3 - الصحيفة الثانية السجادية جمع فيه الادعية المأثورة عن الامام السجاد علي بن الحسين بن علي التي لم تذكر « في الصحيفة الكاملة » طبعت في الهند ومصر - مطبعة النيل 1322 / 1904 بأسم الطبعة الأولى.

4 - هداية الأمة إلى احكام الأئمة ، منتخب من الوسائل مع حذف الاسانيد ، منه نسخة مخطوطة عند مؤلف الذريعة وعليها شروح.

5 - فهرس وسائل الشيعة يشتمل على عناوين الابواب وعدد احاديث كل

ص: 165

باب ومضامينها سماه « من لا يحضره الامام » طبع مجزءاً في اوائل مجلدات الوسائل من طبعة طهران الحديثة كما أشرنا.

6 - اثبات الهداة بالنصوص والمعجزات : وهو يشتمل على أكثر من عشرين ألف حديث ، واسانيد تناهز سبعين ألف سند منقولة من كتب « الخاصة والعامة » من حسن الترتيب والتهذيب وفي أبواب وفصول نقل فيه عن (142) كتاباً من كتب الخاصة و24 كتاباً من كتب أهل السنة ، منه نسخ كثيرة ، ومنها نسخة العلامة النسابة السيد شهاب الدين المرعشي النجفي كتبت سنة 1096 ه- وهي من النفائس وبخط المؤلف ، ونسخة في اصفهان كتبت سنة 1115 ه- وغيرها ، وطبع كتاب الاثبات باعتناء السيد هاشم الرسولي المحلاتي بالمطبعة العلمية بقم - ايران - على الحروف في سبع مجلدات كبار سنة 1378 ه- وفي المجلد الأول مقدمة تضمنت ترجمة المؤلف وأسماء كتبه مع ملاحظات ونموذج مصور من خط المؤلف ، ومع الكتاب « تحت الأصل » ترجمة فارسية للنص العربي بقلم محمد نصر آلهي.

7 - الفصول المهمة في أصول الائمة ، في أصول الدين وفروعه والطب واصول الفقه وغيرها ، طبع في ايران سنة 1304 والنجف المطبعة الحيدرية 1378 ص 544 عدا المقدمة والفهارس.

8 - الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة : أورد فيه أكثر من 600 حديث و60 آية من القرآن وأدلة اخرى على اثبات الرجعة ، فرغ منه سنة 1079 وطبع بعناية السيد هاشم الرسولي المحلاتي بالمطبعة العلمية بقم - ايران - سنة 1381 من 430 عدا المقدمات والفهارس ومعه في الحاشية الترجمة الفارسية للنص العربي.

9 - بداية الهداية ، في الواجبات والمحرمات المنصوصة من أول الفقه إلى آخره ، أورد فيه من الواجبات 1535 ومن المحرمات 1448 طبع في ايران.

ص: 166

10 - امل الآمل في علماء جبل عامل ابتدأ بتأليفه سنة 1096 وفرغ منه سنة 1097 والكتاب في قسمين اقتصر في الأول على علماء جبل عامل وفي الثاني على علماء بقية البلاد المتأخرين عن الشيخ الطوسي ابي جعفر ، منه نسخة مخطوطة كتبت سنة 1097 ه- والمضنون انها بخط المؤلف ، في مكتبة « آية اللّه الحكيم » في النجف وطبع امل الآمل في طهران غير مرة « مع كتاب منهج المقال في أحوال الرجال لمحمد بن علي الحسيني الاسترابادي المتوفى 1028ه- » سنة 1306 ه- ، ثم طبع في النجف - الآداب سنة 1385 / 1965 في جزئين.

11 - نزهة الاسماع في الاجماع ، قال السيد الأمين رأيت منها نسخة كتبت عن خط المؤلف في 8 رجب 1113 ه.

12 - ديوان الامام زين العابدين علي بن الحسين ، جمع الاشعار المنسوبة اليه ، ورتبه على الحروف الهجائية ، طبع في بمبيء بأهتمام الميرزا محمد خان ( ملك الكتاب ) ونسخته عزيزة.

13 - مجموع فيه : ارجوزة في تواريخ النبي والائمة من آله ، الروضة في مدح الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب ، الهمزية في مدح ذي المزية ، القصيدة المحبوكة الاطراف ، وكلها له بخط الشيخ محمد السماوي سنة 1362 محفوظة في مكتبة الحكيم بالنجف.

14 - الرجال منه نسخة مخطوطة كتبت سنة 1082 فرغ عن كتابته في 24 ذي القعدة وعلى ظهر الورقة الأولى فوائد رجالية ، في مكتبة الحكيم.

15 - ديوان شعره ، رأيت منه نسخة مخطوطة نادرة في مكتبة الحكيم في النجف جلها بخط الناظم المؤلف ، وقد كتب على حواشي الديوان كثيراً من القصائد ، وفي الصفحة الأولى بخطه : « ديوان شعر الفقير إلى اللّه الغني

ص: 167

محمد بن الحسن بن علي بن محمد الحر العاملي عامله اللّه بلطفه الخفي » وأكثر القصائد في مدح النبي وآله ومراثيهم والمواعظ ، وليس في النسخة تاريخ!

16 - تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة / اشرنا اليه - نقل عنه الشيخ عبد النبي الكاظمي في « تكملة الرجال » الذي فرغ منه سنة 1240 ه. قال مؤلف الذريعة 3 393 : رأيت المجلد الأول ولم أدر حال بقية اجزائه ، وتوجد نسخة المجلد الأول في مكتبة محمد علي الخونساري في النجف تاريخ كتابتها سنة 1112 ه- ونسخة اخرى كانت عند الشيخ محمد علي الاوردبادي في النجف أوله : « الحمد لله على جزيل نواله ، والصلاة والسلام على محمد وآله .. لما ألفت كتاب تفصيل رسائل الشيعة التمس جماعة تأليف شرح لذلك الكتاب يشتمل على توضيح الاحاديث وبيان نكتها ووجوه الترجيح وتقرير دلالتها ، ويجمع سائر الادلة والأقوال ، وأكثر الفوائد المتفرقة في كتب الاستدلال .. »

وللحر - بعد هذا - مؤلفات أخرى كثيرة ، وأجازات علمية لمعاصريه مطولة ومختصرة.

ومن محاسن شعره من قصيدة في مدح أهل البيت علیهم السلام قوله :

أنا الحرّ لكن برهّم يسترقني *** وبالبر والاحسان يستعبد الحرُ

وقوله من قصيدة فيهم علیهم السلام :

أنا حرٌ عبدٌ لهم فاذا ما *** شرفوني بالعتق عدت رقيقا

أنا عبد لهم فلو اعتقوني *** ألف عتق ما صرت يوماً عتيقا

ص: 168

عبد اللّه الشويكي

ذكره الشيخ الاميني في شعراء القرن الثاني عشر فقال :

أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن الحسين بن محمد الشويكي الخطي من تلمذة الشيخ ابراهيم ابن الشيخ علي البلادي والشيخ ناصر بن الحاج عبد الحسن البحراني له في فن الأدب وقرض الشعر والاكثار منه والتفنن فيه اشواط بعيدة وديوانه في مدائح النبي وآله يسمى ب- ( جواهر النظام ) وديوان مراثيهم الموسوم ب- ( مسبل العبرات ورثاء السادات ) يحتوي على خمسين قصيدة في أوزان وقواف مختلفة في مدائح أهل البيت ورثائهم ، ويرثي العباس بن أمير المؤمنين - نظمها في سنة 1148 والقاسم بن الامام الحسن وعبد اللّه ابنه ، وعلي بن الامام السبط الشهيد ، وولده عبد اللّه الرضيع ، كلا منهم بقصيدة (1).

وجاء في شعراء القطيف للعلامة المعاصر الشيخ علي منصور المرهون : نحو هذا.

وقال الشيخ اغا بزرك الطهراني في الجزء الخامس من الذريعة :

ص: 169


1- وهكذا جاء أيضاً في ( الذريعة ) للشيخ الطهراني ج 20 ص 398.

جواهر النظام في مدح النبي وآله الائمة الاثنى عشر علیهم السلام ، ديوان كبير للشيخ ابي محمد عبد اللّه بن محمد الحسين الشويكي الخطي ، رأيت بخطه الشريف جملة من قصائده التي استخرجها من هذا الديوان واهداها إلى استاذه الذي وصفه بقوله : الشيخ العالم الفاضل الكامل الورع الصالح الفالح المحقق المدقق الامجد الأوحد الاقا محمد بن الاقا عبد الرحمن الشريف النجفي. المتوفى سنة 1249 والذي رثاه السيد صادق الفحام ، وقال السيد الامين في الأعيان : كان فاضلاً مشاركاً في العلوم مصنفاً أديباً شاعراً له حواهر النظام في مدح السادة الكرام علیهم السلام و ( مسبل العبرات في رثاء السادة الهداة ) ، فمن شعره قوله في مدحه صلی اللّه علیه و آله ، وقد التزم تجانس كل قافيتين من القصيدة :

أقبلت تقنص الأسود الغزاله *** ذات نور يفوق نور الغزالة

وانثنت تسلب العقول وثنّت *** غلة في الحشا بلبس الغلالة

واستحلت حرام سفك دمائي *** وهو في قلبي الرخيص غلاله

يا نسيم الشمال مني بلّغ *** نحو انس الحشا سلامي حواله

وارع صبا متيما ابعدته *** عن حماها ولم تجد من حمى له

حملتني في الحب منها غراماً *** لم اطق مدة الزمان احتماله

ولي العهد في هواها وثيق *** قد أبى العقل في النقيض احتماله

لست أدري هل الصدود ملال *** أم طباع الحبيب يبدى دلاله

أنا في حبّها غريقٌ بدمعي *** وهو فيما ادعيت أقوى دلاله

لا رعى اللّه عاشقاً قد سلام *** في الهوى قاطعاً بسيف الملاله

فاز من مات في الغرام شهيداً *** والحسان الشهود بين الملاله

مثلما فاز من أطاع يقيناً *** خاتم الانبياء تاج الرسالة

ص: 170

شامخ الفخر خير مولى الهي *** قدره مثل قدره قد رسى له

رب واليته بحسن اعتقادٍ *** في نبيّ الهدى وواليت آله

فولاء النبي للعبد درع *** عن نبال الردى وللنصر آله

وولائي من بعده لعلي *** فهو من قبل موته أوصى له

وارتضاه الامامَ في يوم خم *** فهو للخصم قاطع أوصاله

ص: 171

الشيخ أحمد البلادي

ناد الأحبة إن مررت بدورها *** واشهد مطالع نيرات بدورها

كم قد بدت وبها انجلت ظلم الدجى *** ولطالما بزغت بوازغ نورها؟

أنست بها أرض الطفوف وأقفرت *** منها الديار وليس غير يسيرها

غربت بعرصة كربلا فانهض لها *** واقر السلام على جناب مزورها

وانثر بتربتها الدموع تفجعاً *** لقتيلها فوق الثرى وعفيرها

أكرم بها من تربة قدسية *** قد بالغ الجبار في تطهيرها

يا تربةً من حولها الأملاك ما *** زالت تشمّ لمسكها وعبيرها؟

يا تربة حفّت بها القوم الأولى *** فازوا بلثمهم لترب قبورها؟

قد ضمّنت جسد الحسين ومَن به *** فتكت أمية بعد أمر أميرها

فأزالت الاسلام عن برحائها *** وأطاعت الشيطان في تدبيرها

وتسرّجت خيل الضلال فأخرت *** غير الأخير وقدّمت لأخيرها

ونست عهوداً بالحمى سلفت ولن *** تعبأ بنص نبيّها ونذيرها

يا للرجال لأمة مسعورة *** لم يكفها ما كان يوم غديرها

بئس العصابة من بغت وتنكبت *** عن دينها وتسارعت لفجورها (1)

ص: 172


1- مجموعة الشيخ لطف اللّه الجدحفصي التي دونها بخطه سنة 1201 ه.

الشيخ أحمد البلادي توفى أوائل القرن الثاني عشر

هو الشيخ أحمد بن حاجي البلادي عالم فاضل أديب من شعراء أهل البيت ومادحيهم له مراثي كثيرة قال الشيخ الاميني : وقد يقال ان له ألف قصيدة في رثاء الامام السبط الشهيد الحسين علیه السلام دوّنها في مجلدين ، قد ذكر الشيخ لطف اللّه الجدحفصي عدة قصائد من حسينياته في مجموعة له ، وقفنا على نسخ منها بخطه وأخذنا منها ما ذكرناه ، وله في التاريخ يد غير قصيرة ، وكان من أجداد صاحب ( أنوار البدرين ) وتوجد في الأنوار ترجمته ويظهر منه انه توفي في أوائل القرن الثاني عشر (1). ومن شعره :

دنياك فانية والحي منتقل *** إلى التراب ويبقى اللّه والعمل

فجدّ جدك في إتيان صالحة *** واعمل لأخراك ما يجديك يا رجل

دع المقام بدار لا قرار بها *** ولا بقاء وأنت السائر العجل

فالموت آتيك لا مندوحة أبداً *** عنه ولكن إلى أن ينقضي الأجل

ما أطيب العيش في الدنيا وأعذبه *** لو لم يكن للمنايا فيه مرتحل

ان كان دنياك هذا شأنها فعلى *** ماذا بتعميرها يا صاح تشتغل

فتب إلى اللّه إخلاصاً وقل ندماً *** أيلام هذا وشيب الرأس مشتعل

وزر مشاهد أهل البيت معترفاً *** فإنهم سبب الايجاد والعلل

والثم ضرائحهم وانشق روائحهم *** تترى الصلاة عليهم أينما نزلوا

واذكر مصائبهم في كل ناحية *** وانثر دموعك في أرض بها قتلوا

قد صرعوا وقضوا نحباً على ظمأ *** في كربلا وعلى روس القنا حُملوا

روحي فداء حسين إذ أقام بها *** فرداً وليس له عن كربها حُملوا

شلواً ذبيحاً خضيب الشيب من دمه *** ظمآن لهفان لم تبرد له غلل

ص: 173


1- عن كتاب ( الغدير ) ج 11 ص 341.

عريان ذا جثة بالطف عارية *** لولا الصبا نسجت منها له حلل

وحوله نسوة يندبن مصرعه *** ودمع آماقها في الخد ينهمل

وثاوياً رأسه فوق السنان علا *** وجسمه في ثرى البوغاء منجدل (1)

وله قصيدة مطلعها :

لا الدار دار ولا ذاك الحمى وطن *** قد أصبحت خاليات ما بها سكن (2)

وأخرى أولها :

ما حال قومي غداة البين لا بانوا *** ولا عفى ربعهم واستوحش البان (3)

وثالثة جاء في أولها :

كفى حزناً ان الديار خوالي *** وآل علي آذنوا بزوال (4)

وهي تزيد على 60 بيتاً.

ورابعة أولها :

توارت بالحجاب شموس صبري *** وجرّعني المصاب كؤوس صبر (5)

ص: 174


1- ديوان الدمستاني وشعراء أخر طبع النجف ص 369.
2- في ديوان الدمستاني وشعراء أخر المسمى ب- ( نيل الاماني ).
3- في ديوان الدمستاني وشعراء أخر المسمى ب- ( نيل الاماني ).
4- مجموعة الشيخ لطف اللّه الجدحفصي.
5- مجموعة الشيخ لطف اللّه الجدحفصي.

الأمير الحسين الكوكباني

المتوفى 1112

الأمير السيد الحسين بن عبد القادر الكوكباني من أعلام اليمن توفي يوم السبت الثاني عشر من ريبع الآخر سنة اثنتي عشرة وماية وألف وشعره كثير مشهور ، وجمع ديوانه أخوه محمد بن عبد القادر بعد موته ، ومن شعره :

خفف على ذي لوعة وشجوني *** واحفظ فؤادك من عيون العين

إلى أن يقول :

ويلاه من لاقى الجواب وكربها *** يا كربلا أرضيتِ قتل حسين

أقول : وممن تخلص من الغزل إلى الرثاء قول من قال :

في خدك الشفق القاني بدى وعلى *** قتل الحسين دليل حمرة الشفق

وقال :

في خدك الشفق القاني وفيه على *** قتل الحسين كما قالوا علامات

سئل الإمام أبو الفرج بن الجوزي (1) ما الحكمة في ظهور الحمرة في

ص: 175


1- هو عبد الرحمن بن علي البكري الحنبلي ينتهي نسبه الى القاسم بن محمد بن أبي بكر واعظ العراق ورأس الاذكياء ، له مؤلفات مشهورة لا تكاد تخلو المكتبات من بعضها. توفي سنة 597 ه.

آفاق السماء بعد قتل الحسين علیه السلام فقال :

ان أحدنا إذا غضب احمر وجهه ، والباري تعالى ينزّه عن الجسمية فأظهر الحمرة في سمائه علامة لغضبه على قتل ابن بنت نبيه (1).

أقول وفي نسمة السحر تعليقاً على ما مرّ : رأيت القاضي الأديب يوسف ابن علي الكوكباني أورد في كتابه ( طوق الصادح ) تشكيكاً منه على من زعم ان الشفق إنما ظهر بعد مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) وان الشارع علیه السلام جعله علامة للعشا وتركه معضلا ، وقد رأيت أنا مثله سؤالاً قديماً لبعض الشافعية العلماء وقد أجيب عنه : ان الذي كان قبل شهادة الإمام وجعل علامة دخول العشاء هو الابيض من الشفق أو انه كان قليلاً ثم زاد بعد هذه الحادثة ، وما كنت أحب للقاضي الاديب إيراد مثل هذا فانه حقق ما كان يتهم به من الانحراف عن أهل البيت ، لا جرم انه جرى عليه ما جرى من الحبس والاهانة. انتهى

وقد تواتر ظهور هذه الحادثة بعد استشهاد الحسين (عليه السلام) أقول ومن المناسب هنا أن أذكر ما أنشدني العلامة الشيخ عبد الحسين الحويزي لنفسه :

كل شيء في عالم الكون أرخى *** عينه بالدموع يبكي حسينا

نزّه اللّه عن بكاً ، وعليٌ *** قد بكاه وكان لله عينا

ص: 176


1- رواها سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص.

السيد علي خان المدني

اشارة

المتوفى 1120

أليلة الحشر لا بل يوم عاشور *** ونفخة الصور لا بل نفث مصدور

يوم به اهتزّ عرشُ اللّه من حزن *** على دم لرسول اللّه مهدور

يوم به كُسفت شمس العلا أسفاً *** وأصبح الدين فيه كاسف النور

يومٌ به ذهبت أبناءُ فاطمة *** للبين ما بين مقتولٍ ومأسور

فأي دمع عليه غير منهمل *** وأي قلب عليهم غير مفطور

ولوعة لا تزال الدهر مسعرة *** بين الجوانح ناراً ذات تسعير

لرزء أبلج في صمّاء ساحته *** من نبعة المجد والغرّ المشاهير

مولىً قضى اللّه تنويهاً بإمرته *** فراح يقضي عليه كل مأمور

لله ملقى على البوغاء مطرحاً *** كاسٍ من الحمد عارٍ غير مستور

قضى على ظمأ ما بلّ غلّته *** إلا بكل أبلّ الحد مأتور

يا وقعة الطف خلدت القلوب أسى *** كأنما كل يوم يوم عاشور

يا وقعة الطف أبكيت الجفون دماً *** ورعتِ كل فؤاد غير مذعور

يا وقعة الطف كم أضرمت نار جوى *** في كل قلب من الأحزان مسجور (1)

ص: 177


1- عن ديوانه المخطوط في مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الاشرف نسخة فريدة.

يا وقعة الطف كم أخفيتِ من قمر *** وكم غمرتِ أبيا غير مغمور

يا وقعة الطف هل تدرين أي فتى *** أوقعتهِ رهن تعقير وتعفير

يا وقعة الطف هل تدرين أيّ دمٍ *** أرقته بين خُلف القول والزور

لا كان يومك في الأيام إن لهُ *** في كل قلب لجرحاً غير مسبور

كم من فتىً فيك صبح المجد غرّته *** أضحى يُحكّم فيه كل مغرور

وكم رؤوس وأجسام هنالك قد *** أصبحن ما بين مرفوع ومجرور

لهفي عليهم وقد شالت نعامتهم *** وأوطنوا ربع قفرٍ غير معمور

فقل لمن رام صبراً عن رزيتهم *** اليك عني فما صبري بمقدور

أيذخرُ الحزن عن أبناء فاطمة *** يوماً وهل منهم أولى بمذخور

مهما نسيت فلا أنسى الحسين لقىً *** تحنو عليه ربى الآكام والتور

معفراً في موامي البيد منجدلاً *** يزوره الوحش من سيدٍ ويعفور

تبكي عليه السماوات العلا حزناً *** والأرض تكسوه ثوباً غير مزرور

يا حسرةً لغريب الدار مضطهد *** يلقى العدا بعديد منه مكثور

يحمي الوطيس متى وافاه منتصراً *** عليهم بخميس غير منصور

حتى إذا لم يكن من دونه وزرٌ *** شفى الضغائن منه كل مأزور

فأين عين رسول اللّه ترمقه *** لقىً على جانب للبين مهجور

وأين عين علي منه تلحظه *** مقهور كل شقي الجدّ مقهور

وأين فاطمة الزهراء تنظره *** وأهله بين مذبوح ومنحور

يا غيرة اللّه والاملاك قاطبة *** بفادح من خطوب الدهر منكور

تسبى بناتُ رسول اللّه حاسرة *** كأنهنّ سبايا قوم سابور

من كل طاهرة الاذيال ظاهرةٍ *** ترمي العدا بعيون نحوها صور

من الفواطم في الاغلال خاشعة *** يُحدى بهن على الاقتاب والكور

يَنعين يا جد نال القوم وترهم *** منا وأوقع فينا كل محذور

ص: 178

يا جدّ صال الأعادي في بنيك وقد *** ثوى الحسين ثلاثاً غير مقبور

وأودع الراس منه رأس عالية *** وأوطيء الجسم منه كل محظير

هذا الحسين قتيلاً رهن مصرعه *** يبكي له كل تهليل وتكبير

هذا الحسين ثوى بالطف منفرداً *** تسفي عليه سوافي الترب والمور

هذي بناتك للأشهاد بارزة *** يشهرن بين الاعادي أي تشهير

آه لرزئكم في الدهر من خبر *** باق على صفحات الدهر مسطور

تبت يدا ابن زياد من غوي هوىً *** ومارق في غمار الكفر مغمور

ارضى يزيد بسخط اللّه مجترءاً *** وبرّ منه زنيماً غير مبرور

فهل ترى حين أمّ الغيّ كان رأى *** دمَ الحسين عليه غير محضور

أتيت يابن زياد كل فادحة *** بؤئت منها بسعي غير مشكور

بني أمية هبّوا لا أباً لكم *** فطالب الوتر منك غير موتور

نسيتموا أم تناسيتم جنايتكم *** فتلك واللّه ذنب غير مغفور

خصمتموا اللّه في أبناء خيرته *** هل يخصم اللّه إذا كل مدحور

ورعتم بالردى قلب ابن فاطمة *** وما رعيتم ذماماً جدّ مخفور

أبكيتم جفن خير المرسلين دماً *** ورحتم بين مغبوطٍ ومسرور

إليكم با بني الزهراء مرثية *** أصاخَ سمعاً إليها كل موقور

تجدد الحزن بالبيت العتيق بكم *** ويحطم الوجد منها جانب الطور

عليكم صلوات اللّه ما هطلت *** سحب وشقّ وميض قلب ديجور

ص: 179

السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني

جاء في كتاب ( أعلام العرب ) ج 3 ص 129 :

صدر الدين السيد علي خان المدني الشيرازي ابن نظام الدين أحمد بن محمد ابن معصوم بن نظام الدين أحمد بن ابراهيم بن سلام بن مسعود عماد الدين بن محمد صدر الدين بن منصور غياث الدين بن محمد صدر الدين وينتهي نسبه الشريف إلى زيد ابن الإمام علي بن الحسين بستٍ وعشرين واسطة .. وكانت أسرته من أشهر الأسر العلمية الجليلة في آفاق الحجاز والعراق وإيران ، وظهر فيها العدد الأكبر من أفذاذ المعرفة والفلسفة وأعلام العلم وقادة الكفر ومشاهير الفضل والأدب.

ولد السيد علي خان في المدينة سنة 1052 ه- واشتغل بالعلم فيها ثم جاور بمكة ثم رحل إلى حيدر آباد الهند سنة 1068 ه- وأقام بالهند ثماني وأربعين سنة قضاها جميعاً مكرماً معظماً عند أهلها وملوكها وقد ولي هناك عدة مناصب. ثم غادر الهند فتوجه لزيارة بيت اللّه الحرام مؤدياً فريضة الحج ، وورد بعد ذلك إيران فزار مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) ، وأقام باصفهان مدة في عهد السلطان حسين الصفوي سنة 1117 ه- ثم ترك اصفهان إلى شيراز وفيها ألقى عصا الترحال.

والسيد علي خان من أشهر رجالات البحث والعلم والتأليف وكان لمؤلفاته الغزيرة شهرة ذائعة ، ومكانة رائعة ، وتدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه وإحاطته ، مواصلة البحث طوال حياته بالاضافة إلى قوة شاعريته وبُعد شأوه فيها.

روى عن والده وغيره من أعلام عصره كما روى عنه جملة من العلماء

ص: 180

ومنهم المجلسي صاحب بحار الأنوار. وتوفي بشيراز سنة 11220 ه- ودفن عند جده غياث الدين المنصور صاحب المدرسة المنصورية المتوفي سنة 948 ه- وله مؤلفات كثيرة منها :

1 - سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر : ويشتمل هذا المؤلف على تراجم شعراء القرن الحادي عشر ، وهو ذيل لريحانة الالباء لشهاب الدين الخفاجي انتهى من تأليفه سنة 1082 ه- وجمع فيه أخبار المعاصرين ونخباً من أقوالهم وممن تقدمهم وقسمه إلى خمسة أقسام ، وهومجموعة أدبية قيمة ، طبعت في مصر بمطبعة الخانجي سنة 1324 ه- في 607 ص.

2 - سلوة الغريب واسرة الأريب وهي رحلته إلى حيدر آباد سنة 1068 ه- فرغ منها في جمادى الثانية سنة 1075 ه- منها نسخة في برلين وكربلاء في كتب السيد محمد باقر الحجة كتبت سنة 1204 ه- وأخرى في طهران عند السيد محمد باقر بحر العلوم وطبعت سنة 1306 ه.

3 - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة منه نسخة في برلين ومنه نسخة في النجف في مكتبة آية كاشف الغطاء بخط علي الشيرازي الحائري فرغ من كتابتبها سنة 1326 ه- في كربلاء. والكتاب جامع كبير في التاريخ والتراجم والآداب وغيرها وهو مرتب على اثنتي عشر طبقة : الصحابة. والتابعين. والمحدثين. وعلماء الدين. والحكماء. والمتكلمين. وعلماء العربية والصفوية. والملوك والسلاطين. والأمراء. والوزراء. والشعراء. والنساء.

وقد طبع الكتاب في النجف - المطبعة الحيدرية سنة 1382 ه- 1962 م في 590 ص ويحتوي المطبوع على الطبقة الأولى والرابعة والحادية عشرة.

4 - بديعية : وهو كتاب حافل بغرائب الأدب شرع فيه بديعيته وسماها « أنوار الربيع في أنوار البديع » فرغ من الشرح سنة 1093 ه- وطبع في إيران سنة 1304 ه- (1).

ص: 181


1- وأخيراً طبع في النجف بتحقيق البحاثة المعاصر هادي شاكر ، يقع في سبعة أجزاء.

5 - حديقة العلم : طبع في حيدر آباد الدكن سنة 1266 ه.

6 - الطراز الأول فيما عليه من لغة العرب المعول : وهو من الكتب اللغوية النفيسة ، وفيه نبذ تأريخية وعلمية وغيرها ، جاء في المجلد الأول « ان أبلغ ما نطقت به البلغاء بادئ بدأ ، وأفصح ما بدأت الفصحاء به الكلام أبداً حمد اللّه الذي أنطق العرب بأعرب لسان وشرف منهم النسب بأشرف إنسان وأحل العربية من اللغات محل الغرّة من الجبين .. وجاء في مقدمته :

« ولغة العرب نوعان ، احدهما عربية حمير ، وهي التي تكلموا بها منها من عهد هود ومن قبله وبقي بعضها إلى اليوم. وثانيهما العربية المحضة التي نزل بها القرآن ، وأول من أنطق لسانه بها اسماعيل بن ابراهيم ، وهي أوسع اللغات مذهباً ، وأكثرها ألفاظا .. ».

ويبدو أنه كان مشتغلاً بتأليفه إلى يوم رحلته من الدنيا ولم يتمّه ، ومن هذا الكتاب نسخة نفيسة في مكتبة آل كاشف الغطاء المجلد الأول في 552 ص والثانية - أوله باب الجيم - فصل الهمزة يزيد على الأول قليلاً وكلاهما بخط مؤسس المكتبة الشيخ علي بن محمد رضا آل كاشف الغطاء ، فرغ من كتابة الأول في رجب 1322 ه- ومن كتابة الثاني في ربيع الآخر سنة 1330 بالقطع الكبير ، والثالث وهو بخط مؤلفه الجيد بالقطع الكبير ، وكان قبلاً في حيازة الشيخ محمد السماوي.

7 - الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية ، والفوائد الصمدية للشيخ البهائي الحارثي في النحو ، وهو شرحه الكبير لها وله شرحان آخران متوسط وصغير. طبع كتاب الحدائق سنة 1297 ه- ومنه نسخ كثيرة وتوجد نسخة عصر المصنف في إيران ، وكان فراغه منه سنة 1079 ه.

8 - نغمة الأغاني ورنة المثاني ، أرجوزة ذكرت برمتها في كشكول الشيخ يوسف البحراني المطبوع المتداول ، ومنها نسخة بخط السماوي في

ص: 182

مكتبة الحكيم في النجف - قسم المخطوطات برقم 29.

9 - أغلاط الفيروز آبادي في القاموس ، نقل عنه السيد مرتضى الزبيدي في تاج العروس.

10 - ملحق السلافة أو ذيل السلافة وهو تراجم كثيرة ألحقها بالسلافة وكانت من مراجع السيد الأمين في أعيان الشيعة. منها نسخة في « قم » عند السيد شهاب الدين التبريزي.

11 - ديوان شعره ، وتوجد منه نسخ كثيرة في مكتبات النجف وغيرها (1).

12 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين - الإمام علي بن الحسين بن علي علیهم السلام ، واشتهرت هذه الصحيفة باسم « الصحيفة السجادية الكاملة » وكان شروع السيد المدني في الشرح سنة 1094 ه- وفرغ منه في 1116 ه. ورتبه على أربع وخمسين روضة ، لكل دعاء روضة ، ويعتبر هذا الشرح أطول الشروح ، وأوله : « اللّهم إنا نحمدك حمداً تؤتينا به من نعمك الحسان نعمة شاملة » ألّفه للسلطان حسين الصفوي ، ومن هذا الشرح نسخ كثيرة منه في مكتبة السيد الحسن الصدر نسخة نفيسة على حواشيها خط المؤلف ، وطبع الشرح في العجم سنة 1271 ه.

وترجم له الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( الذريعة ) عندما ذكر ديوانه المخطوط في قسم الديوان وفي الضمن ذكر أخاه السيد محمد محيى ابن السيد نظام الدين أحمد ، وان من شعره قوله :

يا راحلين وقلبي راحل معهم *** مهلاً فلولاكم واللّه ما رحلا

وان للسيد علي خان مع أخيه هذا مراجعات سنة 1078.

ص: 183


1- أقول : لم نعثر على نسخة تامة وكل ما رأيناه هو بعض الديوان.

ومن غرر شعر شاعرنا المدني قوله يمدح أمير المؤمنين علیه السلام لما ورد إلى النجف الأشرف مع جمع من حجّاج بيت اللّه : اخذناها من ديوانه المخطوط :

يا صاح! هذا المشهد الأقدسُ *** قرّت به الأعين والأنفسُ

والنجف الأشرف بانت لنا *** أعلامه والمعهد الانفسُ

والقبة البيضاء قد أشرقت *** ينجاب عن لألائها الحندس

حضرة قدسٍ لم ينل فضلها *** لا المسجد الأقصى ولا المقدس

حلّت بمن حلّ بها رتبة *** يقصر عنها الفلك الأطلس

تود لو كانت حصا أرضها *** شهب الدجى والكنّس الخنس

وتحسد الأقدام منّا على *** السعي إلى أعتابها الأرؤس

فقف بها والثم ثرى تربها *** فهي المقام الأطهر الأقدس

وقل : صلاةٌ وسلامٌ على *** من طاب منه الأصل والمغرس

خليفة اللّه العظيم الذي *** من ضوئه نور الهدى يقتبس

نفس النبي المصطفى أحمد *** وصنوه والسيد الأرؤس

المعلم العيلم بحر النّدا *** وبرّه والعالم النقرس (1)

فليلنا من نوره مقمر *** ويومنا من ضوءه مشمس

أقسم باللّه وآياته *** أليّة تنجي ولا تغمس

إن عليّ بن أبي طالب *** منار دين اللّه لا يطمس

ومن حباه اللّه أبناء ما *** في كتبه فهو لها فهرس

أحاط بالعلم الذي لم يحط *** بمثله بليا ولا هرمس (2)

ص: 184


1- النقرس : الطبيب الماهر.
2- الهرامسة ثلاثة : هرمس الأول وهو عند العرب ادريس. وعند العبرانيين اخنوخ وهو أول من درس الكتب ونظر في العلوم وانزل اللّه عليه صحائف. هرمس الثاني : كان بعد الطوفان وهو بارع في علم الطب والفلسفة. هرمس الثالث : سكن مصر وكان بعد الطوفان مشهور بالطب والفلسفة.

لولاه لم تخلق سماء ولا *** أرض ولا نعمى ولا ابؤس

ولا عفى الرحمن عن آدم *** ولا نجا من حوته يونس

هذا أمير المؤمنين الذي *** شرايع اللّه به تحرس

وحجّة اللّه التي نورها *** كالصبح لا يخفى ولا يبلس

تاللّه لا يجحدها جاحد *** إلا امرء في غيّه مركس

المعلن الحق بلا خشية *** حيث خطيب القوم لا ينبس

والمقحم الخيل وطيس الوغى *** وإذا تناهى البطل الأحرس

جلبابه يوم الفخار التقى *** لا الطيلسان الخزّ والبرنس

يرفل من تقواه في حلّة *** يحسدها الديباج والسندس

يا خيرة اللّه الذي خيره *** يشكره الناطق والأخرس

عبدك قد أمّك مستوحشاً *** من ذنبه للعفو ويستأنس

يطوي إليك البحر والبر لا *** يوحشه شيء ولا يونس

طوراً على فلك به سابح *** وتارة تسري به عرمس (1)

في كل هيماء يرى شوكها *** كأنه الريحان والنرجس

حتى أتى بابك مستبشراً *** ومن أتى بابك لا ييأس

أدعوك يا مولى الورى موقناً *** انّ دعائي عنك لا يحبس

فنجني من خطب دهرٍ غدا *** للجسم منّي أبداً ينهس

هذا ولولا أملي فيك لم *** يقرّ بي مثوى ولا مجلس

صلّى عليك اللّه من سيد *** مولاه في الدارين لا يوكس

ما غرّدت ورقاء في روضة *** وما زهت أغصانها الميّس

ص: 185


1- العرمس : الناقة الصلبة.

وقال في كتابه ( أنوار الربيع في أنواع البديع ) : طبعة النجف ج 1 ص 64. ومن براعاتي في الرثاء قولي في مرثية الحسين بن علي علیهماالسلام .

كل نجم سيعتريه أفولُ *** وقصارى سفر البقاء القفول

لا حق إثر سابق والليالي *** بالمقادير راحلات نزول

وقال أيضاً : وقولي من قصيدة مرثية في الحسين بن علي علیهماالسلام :

يا مصاباً قد جرّع القلب صابا *** كل صبر إلا عليك جميل

ان الديوان المخطوط في مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الاشرف - قسم المخطوطات - والذي هو بخط البحاثة الشيخ محمد السماوي رحمه اللّه قد جمع الكثير من شعر السيد علي خان وجاء مرتباً على حسب حروف الهجاء لكن هاتين القصيدتين لم نعثر عليهما لا في الديوان ولا في غيره بالرغم من مواصلة البحث ، وتوجد نسخة تحتوي على قسم من شعره في الغزل والفخر والمديح والمراسلات في مكتبة كاشف الغطاء العامة بالنجف الأشرف - قسم المخطوطات - تسلسل 930.

وهذه احدى روائعه وهي في روضة الرسول الأعظم صلی اللّه علیه و آله :

يا عين هذا المصطفى أحمدُ *** خير الورى والسيد الأمجدُ

وهذه القبة قد أشرقت *** دون علاها الشمس والفرقد

وهذه الروضة قد أزهرت *** فيها المنى والسئول والمقصد

وهذه طيبة فاحت لنا *** أرجاؤها والسفح والفرقد

وعينها الزرقاء راقت فلم *** يحلّها الاثمد والمرود

فما لاحزاني لا تنجلي *** وما لنيراني لا تخمد

هذا المصلّى والبقيع الذي *** طاب به المنهل والمورد

أرض زكت فخراً وفاقت علىً *** فالأنجم الزهر لها حُسّد

ص: 186

حصباؤها الدر وأحجارها *** وتربها الجوهر والعسجد

تمنّت الأقمار والشهبُ لو *** كانت نواصيها بها تعقد

فما على من كحلت عينه *** بتربها لو عافها الاثمد

بها مزايا الفضل قد جمعت *** وفضلها في وصفه مفرد

يغبطها البيت وأركانه *** وزمزم والحجر والمسجد

مشهد سعدٍ فضله باهرٌ *** ملائك اللّه به سجّد

وكيف لا وهو مقام لمن *** له على هام العلا مقعد

وموطن الصفوة من هاشم *** يا حبذا الموطن والمشهد

خير قريش نسباً في الورى *** زكا به العنصر والمحتد

وخيرة اللّه الذي قد علا *** به العلى والمجد والسودّد

غرّته تجلو ظلام الدجى *** وهو الاعزّ الاشرف الاسعد

الفاتح الخاتم بحر الندى *** وبرّه والمنهج الاقصد

فضّله اللّه على رسله *** وسائر الرسل به تشهد

آياته كالشمس في نورها *** أبصرها الاكمه والأرمد

حنّ اليه الجذع من فرقه *** وفي يديه سبّح الجلمد

والماء من بين أصابيعه *** فاض إلى أن رُوي الورّد

والقمر انشق له طائعاً *** وراح بالطاعة يستسعد

والشمس عادت بعد ليل له *** وعودها طوعاً له أحمد

وكم له من آية في الورى *** دان لها الأبيض والأسود

حديثها ما كان بالمفترى *** والصبح لا يخفى ولا يجحد

فيا رسول اللّه يا خر مَن *** يقصده المتهم والمنجد

سمعاً فدتك النفس من سامع *** دعوة داعٍ قلبه مكمد

دعاك والوجد به محدق *** لعل رحماك له تنجد

ص: 187

طال بي الاسر وطال الاسى *** وما على ذلك لي مسعد

قد نفذ الصبر لما نالني *** وكيف لا يفنى ولا ينفد

فالغارة الغارة يا سيدي *** فانك الملجأ والمقصد

حبك ذخري يوم لا والد *** يغني ولا والدة تسعد

وأنت في الدارين لي موئل *** إذا جفى الأقرب والأبعد

فاكشف بلائي سيدي عاجلاً *** علّ حرارات الاسى تبرد

وأدنني منك جواراً فقد *** ضاق بي المضجع والمرقد

وبوّأني طيبةً موطناً *** فانها لي سابق مولد

وهي لعمري مقصدي والمنى *** لا الا بلق الفرد ولا الاثمد

ثم سلام اللّه سبحانه *** عليك صب دائم سرمد

وآلك الغر الكرام الاولى *** لهم احاديث العلى تسند

ما غردت في الروض ايكية *** وما زكت أغصانها الميّد

وما غدا ينشدنا منشد *** يا عين هذا المصطفى أحمد

وله في أبي طالب عمّ النبي ، ومؤمن قريش. عن ديوانه المخطوط في مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الأشرف :

أبو طالب عم النبي محمد *** به قام أزر الدين واشتد كاهله

كفاه فخاراً في المناقب انه *** موازره دون الانام وكافله

لئن جهلت قوم عظيم مقامه *** فما ضرّ ضوء الصبح من هو جاهله

فلولاه ماقامت لاحمد دعوة *** ولا انجاب ليل الغيّ وانزاح باطله

أقرّ بدين اللّه سراً لحكمةٍ *** فقال عدوّ الحق ما هو قائله

وماذا عليه وهو في الدين هضبةٌ *** اذا عصفت من ذي العناد أباطله

وكيف يحلّ الذم ساحة ماجد *** أواخره محمودة وأوائله

عليه سلام اللّه ما ذرّ شارق *** وما تليت أحسابه وفضائله

ص: 188

وقال واصفاً حاله في خروجه من الهند وسفره إلى الحج وزيارة النبي صلی اللّه علیه و آله :

اذا ما امتطيت الفلك مقتحم البحر *** ووليت ظهري الهند منشرح الصدر

فما لمليك الهند إن ضاق صدره *** عليّ يدٌ تقضي بنهي ولا أمر

ألم يصغ للأعداء سمعاً وقد غدت *** عقاربهم نحوي بكيدهم تسري

فأوتر قوس الظلم لي وهو ساخط *** وسدّد لي سهم التغطرس والكبر

وسدّ عليّ الطرق من كل جانب *** وهمّ بما ضاقت به ساحة الصبر

إلى أن أراد اللّه إنفاذ أمره *** على الرغم منه في مشيئته أمري

فردّ عليه سهمه نحو نحره *** وقلّد بالنعماء من فضله نحري

واركبني فلك النجاة فاصبحت *** على ثبج الدامآء سابحة تجري

فامسيت من تلك المخاوف آمناً *** وعادت اموري بعد عسر إلى يسر

وكم كاشح قد راش لي سهم كيده *** هناك فاضحى لا يريش ولا يبري

وما زال صنع اللّه ما زال واثقاً *** به عبده ينجيه من حيث لا يدري

كأني بفلكي حين مدت جناحها *** وطارت مطار النسر حلّق عن وكر

أسفت على المرسى بشاطئ جدّة *** فجددت الافراح لي طلعة البر

وهبّ نسيم القرب من نحو مكّةٍ *** ولاح سنا البيت المحرّم والحجر

وسارت ركابي لا تملّ من السرى *** إلى موطن التقوى ومنتجع البر

إلى الكعبة البيت الحرام الذي علا *** على كل عالِ من بناء ومن قصر

فطفت به سبعاً وقبّلت ركنه *** واقبلت نحو الحجر آوي إلى حجر

ولو ساغ لي من ماء زمزم شربة *** نقعت بها بعد الصدى غلة الصدر

هنالك الفيت المسرة والهنا *** وفزت بما أملت في سالف الدهر

وقمت بفرض الحج طوعاً لمن قضى *** على الناس حج البيت مغتنم الاجر

ص: 189

وسرت إلى تلك المشاعر راجياً *** من اللّه غفران المآثم والوزر

وجئت منى والقلب قد فاز بالمنى *** وما راعني بالخيف خوف من النفر

وباكرتُ رمياً للجمار وإنّما *** رميت بها قلب التباعد بالجمر

أقمنا ثلاثاً ليتها الدهر كله *** إلى أن نفرنا من منى رابع العشر

فأبتُ إلى البيت العتيق مودعاً *** له ناوياً عودي اليه مدى العمر

ووجهت وجه ينحو طيبة قاصداً *** إلى خير مقصود من البر والبحر

إلى السيد البر الذي فاض بره *** فوافيت من بحر اسير إلى بر

إلى خيرة اللّه الذي شهد الورى *** له أنه المختار من عالم الذر

فقبلت من مثواه أعتابه التي *** أنافت على هام السماك بل النسر

وعفّرتُ وجهي في ثراه لوجهه *** وطاب لي التعفير اذ جئت عن عفر

فقلت لقلبي قد برئت من الهوى *** وقلت لنفسي قد نجوت من العسر

وقلت لعيني شاهدي نور حضرة *** اضائت بها الأنوار في عالما الأمر

اتدرين ما هذا المقام الذي سما *** على قمم الافلاك أم أنت لم تدر

مقام النبي المصطفى خر من وفى *** محمد المحمود في منزل الذكر

رسول الهدى بحر الندى منبع الجدى *** مبيد العدى مروي الصدا كاشف الضر

هو المجتبى المختار من آل هاشم *** فيالك من فرع زكي ومن نجر

به حازت العليا لوي بن غالب *** وفاز به سهما كنانة والنضر

قضى اللّه ان لا يجمع الفضل غيره *** فكان اليه منتهى الفضل والفخر

و أرسه الرحمن للخلق رحمة *** فانقذهم بالنور من ظلمة الكفر

وأودعه العلام أسرار علمه *** فكان عليها نعم مستودع السر

واسرى به في ليلة لسمائه *** فعاد وجيب الليل ما انشق عن فجر

وأوحى اليه الذكر بالحق ناطقاً *** بما قد جرى في علمه وبما يجري

ص: 190

فانزله في ليلة القدر جملة *** بعلم وما أدراك ما ليلة القدر

ولقّنه أياه بعدُ منجّماً *** نجوماً تضيء الأفق كالانجم الزهر

مفصّل آيات حوت كل حكمة *** ومحكم أحكام تجلّ عن الحصر

وأنهضه بالسيف للحيف ماحياً *** وأيده بالفتح منه وبالنصر

فضائت به شمس الهداية وانجلت *** عن الدين والدنيا دجى الغي في بدر

له خلق لو لامس الصخر لاغتدى *** أرق من الخنساء تبكي على صخر

وجودٌ لو أن البحر اعطي معينه *** جرى ماؤه عذباً بمد بلا جزر

إذا عبس الدهر الضنين لبائس *** تلقاه منه بالطلاقة والبشر

وان ضنّ بالغيث السحاب تهلهلت *** سحائب عشر من أنامله العشر

ففاضت على العافين كفّ نواله *** فكم كفّ من عسر وكم فك من اسر

وكم للنبي الهاشمي عوارفٌ *** يضيق نطاق الحمد عنهن بالشكر

اليك رسول اللّه أصبحت خائضاً *** بحاراً يفيض الصبر في لجها الغمر

على ما براني من ضناً صحّ برؤه *** وليس سوى رحماك من رائد بري

فانعم سريعاً بالشفاء لمسقم *** تقلّبه الاسقام بطناً إلى ظهر

وخذ بنجاتي يا فديتك عاجلاً *** من الضر والبلوى ومن خطر البحر

عليك صلاة اللّه ما اخضرت الربا *** وماست غصون الروض في حلل خضر

وآلك أرباب الطهارة والنقى *** وصحبك أصحاب النزاهة والطهر

وهذا لون من غزله ، أخذناه من ديوانه المخطوط :

بنفسي من قد جاز لون الدجى فرعا *** ولم يكفه حتى تقمصه درعا

بدي فكأن البدر في جنح ليلة *** أو الشمس وافت في ظلام الدجى تسعى

نمته لنا عشر المحرم جهرة *** تطارح أترباً تكنفه سبعا

ص: 191

تبدى على رزء الحسين مسوّدا *** وما زال يولي في الهوى كربلا منعا

وقد سلّ من جفنيه عضبا مهنداً *** كان له في كل جارية وقعا

هناك رأيت الموت تندى صفاحه *** وناعي الهوى ينعى وأهل الهوى صرعى

أقول : وهذه الأبيات من السيد جواب على أبيات جاءت من عفيف الدين بن عبد اللّه بن حسين الثقفي المتوفى بشيراز سنة تسع عشرة ومائة وألف وهي :

بروحي مجبولاً على الحب طبعه *** وقلبي مجبول على حبّه طبعا

يراقبُ أيام المحرّم جاهداً *** فيطلع بدراً والمحب له له يرعى

كلُفت به أيام دهري منصف *** ووجه الصبا طلق وروض الهوى مرعى

جنينا ثمار الوصل من دوحة المنى *** ليالي لا واشٍ ولا كاشح يسعى

فلله أيام تقضت ولم تعد *** يحق لعيني ان تسحّ لها دمعا (1)

أقول ومن هذا نعرف ان الحداد على الحسين علیه السلام ولبس السواد قديماً يرجع إلى القرون المتقدمة.

ص: 192


1- عن نفحة الريحانة للمحبي ج 4 ص 141.

ابن خليفة المقري الكاظمي

المتوفى حدود 1120

أيفرح بالحياة شجٍ حزين *** وتطمع بالرقاد له جفونُ

تحرك قلبه أيدي الرزايا *** وللحزن الطويل به سكون

يميناً بالذي برء المنايا *** وتلك يمين برٍّ لا يمين

إذا ما هلّ عاشور استهلت *** عيون من دم مني العيون

لك الويلات من شهر مشوم *** وان طالت بمدتها السنين

أيمسي فيك مغصوباً حسين *** وقد أودى به الداء الدفين

وأسرته الأكارم من طريح *** ذبيح منه قد قطع الوتين

بنفسي وهو خلوٌ من مُعين *** عليه حرّم الماء المعين

بنفسي صحبة الاطهار دارت *** عليهم للمنون رحىً طحون

بأشفار الضبى هذا جريح *** وأطراف القنا هذا طعين

بنفسي السبط مجروحاً ومنه *** بحرّ الترب قد عفر الجبين

ومنه الخيل تعلو فوق صدر *** يهزّ سريره الروح الامين

وزينب حوله ولها عليه *** عيون قد جرت منها عيون (1)

ص: 193


1- المجموع الرائق مخطوط السيد أحمد العطار ج 2 ص 289.

هو عبد الرضا بن أحمد بن خليفة أبو الحسن المقري الكاظمي من أفذاذ القرن الثاني عشر وعلمائه وأفاضله الجامعين لفضيلتي العلم والأدب ترجمه سيدنا أبو محمد الحسن في ( تكملة الامل ) وأطراه بالعلم والفضل ، وقال : توفي حدود سنة ألف وماية وعشرين ، وعزى إليه ديوانه المرتب على الحروف في مدح الأئمة علیهم السلام ، قال الاميني وقد وقفنا عليه ونقلنا عنه ما أثبتناه وهو يربو على الثلاثة آلاف والخمسمائة بيتاً (1). أقول قد وقفت على ديوانه الموجود في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف - قسم المخطوطات برقم 278 وأكثره في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله ومدح أمير المؤمنين علي علیه السلام وقصائد كثيرة في الامام الحسين والأئمة الاثني عشر مرتباً على الحروف بخط المرحوم الشيخ محمد السماوي وكل ما نقلناه فهو عنه.

اما السيد الامين في الاعيان فقد ترجم له في مكانين من موسوعته ( الاعيان ) الأول في الجزء 30 وأسماه خلف بن خليفة المقري وقال : وجدنا له قصيدة في بعض المجاميع العراقية التي فيها شعر لجملة من شعراء الشيعة ولم يذكر اسمه غير انه في آخرها ذكر نفسه وأباه ونسبته. انتهى

أقول انه لم يذكر اسمه وإنما أراد أنه خلف عمن سلف فتخيّل السيد ان اسمه ( خلفاً ) والقصيدة التي ذكرها السيد في الاعيان أولها :

لمصاب الحسين لا تعذلوني *** وعلى رزئه الجليل اعذروني

وفي آخرها يخاطب أهل البيت علیهم السلام :

أنتم أنتم دليلي دليلي *** أنتم أنتم أصول لديني

ص: 194


1- الغدير ج 11 ص 361.

ويقيني بكم يقيني واني *** بولائي لكم يصحّ يقيني

ولكم قد عفرت لا لسواكم *** وعلى الصدق أنتم تعرفوني

وتمسكت في شذاكم كما استمسك- *** في حبكم بحبل متين

هاكموها مراثياً من فتى القريّ *** فمنكم غلت بدرّ ثمين

خلف من خليفة علّ يسقيه *** غمامي ولي بكاس معين

وزن ما قاله الخليعي فيكم *** أضرمت نار قلبي المحزون

يشير إلى قصيدة للخليعي المترجم في الجزء الرابع من هذه الموسوعة وأول القصيدة :

أضرمت نار قلبي المحزونِ *** صادحات الحمام فوق الغصون

اما المكان الثاني ففي الجزء 38 ص 27 قال :

أبو الحسن الشيخ عبد الرضا بن أحمد بن خليفة المقري الكاظمي. توفي حدود سنة 1120 كان أديباً شاعراً كثير الشعر في الأئمة الاطهار ، رأيت له ديواناً مرتباً على الحروف كله في مدائح النبي وأهل بيته صلى اللّه عليه وعليهم ، ومن عادته ان يذكر اسمه في آخر كل قصيدة. فمن محاسن قوله :

حتى متى لا تفكني الغصص *** ولي بحبي للمصطفى حصص

شاع غرامي بآله وفشا *** فللورى في محبتي قصص - انتهى.

وللشيخ عبد الرضا المقري الكاظمي في رثاء أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) :

لست أبكي لمربع ومقيل *** ما له من يد البلى من مقيل

بل بكائي على الحسين سليل ال- *** -طهر سبط النبي وابن البتول

بأبي وهو في الطفوف وقد *** طاف به من عداه كل قبيل

ص: 195

وقال ، عن ديوانه المخطوط :

أفي عاشور أطمع بالرقاد *** ولم أكحل جفوني بالسهاد

يمثل لي الحسين بكربلاء *** تقلّبه أمية بالجياد

ومنه سنان ركّب في سنان *** كريماً نوره كالشمس باد

ونسوته على قتب المطايا *** يطاف بهن في كل البلاد

وقد سلبت سناها الشمس حتى *** تبدّى الصبح في ثوب السواد

بروحي العابد السجاد خير *** الورى من حاضر فيها وباد

عليل الجسم مغلول طليق *** المدامع قيدوه بالصفاد

يرى راس الامام السبط أنى *** توجه فوق عالية الصعاد

ونسوته على الاقتاب اسرى *** بوادي للاعادي في البوادي

كأني بالبتول لدى التنادي *** أمام العرش واقفة تنادي

وقال : عن ديوانه المخطوط :

قلب به جمرات الوجد تلتهب *** ورسم جسم محت آثاره النوبُ

وأعينٌ كلما هلّ المحرم في الأ *** رض استهلت دما لم تحكها السحب

أفدي الذي دون ان يأتي ببادرة *** بكربلاء عليه دارت النوب

قضى على الماء عطشاناً ومن دمه *** تروى الصوارم والخطية السلب

والهفتاه أمثل السبط منعفر *** ومجده لم تصله السبعة الشهب

نساوه بين أبناء اللئام وما *** في رحله من بقايا الرسل منتهب

يشهرن في المدن فوق البدن عارية *** كل من السير أدمى جسمها القتب

مهتكات ولا ذنب جنين سوى *** لهن أحمد جدٌ والوصيُ أب

وقال في مطلع قصيدة :

دموع على سفح الخدود لها قطر *** تسح إذا ما شحّ في سفحه القطر

ص: 196

وقال في اخرى :

فؤاد به للوجد متقد جمرُ *** وأدمع عيني من دمي أبداً حمر

وعن ديوانه أيضاً في الرثاء :

ما كنت ممن قدبكى أطلالا *** عفى البلا ظلالها وظِلالا

لكن بكيت على الحسين وآله *** بين الأعادي نسوة ورجالا

بأبي قتيل بالطفوف لقتله *** في القبر فاطم اعولت إعوالا

وعليه أمسى المصطفى في قبره *** متلهفاً يجري الدموع سجالا

وبكت له السبع الطباق وزلزل *** الارضون حتى أهلها زلزالا

أسفي لمرضوض الجبين ونوره *** الوضاح في جنح الدجى يتلالا

عار عليه فصّلت من نسجها *** أيدي الرياح والبست سربالا

تطأ السنابك صدره ، وكريمه *** من فوق معتدل الأسنة مالا

أيموت مثل السبط من حرّ الظما *** وأبوه يسقي في غد سلسالا

ولثغره يعلو القضيب وطالما *** من ريقه رشف النبي زلالا

وترضّ منه الخيل صدراً ضم *** علم اللّه جل جلاله وتعالى

إن يرتدي حمر الملابس غدوة *** فسيرتدي خضراً لها آصالا

أو يمسي منعفراً فإن له عُلا *** مجد يجرّ على السهى أذيالا

قسماً بكم آل النبي وانه ال- *** -قسم العظيم وما سواه فلالا

ما هلّ شهر محرم إلا ومن *** جفني أسلت المدمع الهمّالا

وله في مطلع أخرى :

لا تنكروا دمعاً جرى وتسلسلا *** وحشاً بقيد الحادثات تسلسلا

ص: 197

وله من قصيدة ، عن الديوان :

لم يشجني بعد النضارة أربع *** درست معالمها الرياح الأربع

لكن شجاني من بعاشورا غدا *** ظمآن من كاس المنون يجرّع

أفديه وهو مجرد والشمر في *** صمصامه الاوداج منه يقطّع

ويقول ان المصطفى جدي *** وأمي فاطم وأبي عليُ الانزع

يا للرجال أما لأحمد ناصر *** في اللّه يرغب في الثواب ويطمع

أيحلّ قتل موحّد يا ويلكم *** عمداً بلا ذنب وجرم يصنع

لهفي على الجسم المغادر بالعرى *** شلواً على الرمضاء وهو مبضع

والخيل داست منه في جريانها *** صدراً به سر النبوة مودع

وعلى ثنايا طالما لثمت بفي *** المختار أحمد في قضيب تقرع

وقال يذكر اعتقاده باللّه وبرسوله وأهل بيته. عن ديوانه :

أشهد اللّه انني أشهد ان لا *** إله إلا اللّه الأزليُّ

أول آخر عزيز حكيم *** ظاهر باطن شديد قوي

كان من قبل كل شيء ويبقى *** حين لا حي غيره وهو حي

لم يكيّف ولا يجدد بأين *** قد تعالى عن ذاك فهو العلي

وهو نور ولا يُرى ويرى *** والكفر في القول إنه مرئي

وهو اللّه في السماوات والأرض *** قديم بالملك ديومي

ونبيّ محمد أنزل الذكر *** عليه والمعجز العربي

والمؤدي عن ربه ما به قد *** جاءه والبلاغ منه الوحي

واعتقادي ان الأئمة اثنان *** وعشر والنص فيهم جلي

واحد بعد واحد دون فصل *** وعليهم بالأمر نص النبي

فعليٌ ثم ابنه الحسن المسموم *** ثم الحسين ثم عليّ

ص: 198

وابنه باقر العلوم كذا جعفر *** الصادق والكاظم الامام النقي

والرضا والجواد ثم عليٌ *** بعدُ والعسكري والمهدي

شهد اللّه انني أتولاهم *** واني من مبغضيهم بري

وبأن القران غير قديم *** بل كلام من خلقه محكي

ومن اللّه ينزل الخير ، والشر *** عن اللّه مطلقاً منفي

وبأني لا زلت ألعن قوماً *** عصوا اللّه ، والكفور عصي

فعليهم لعائن اللّه والاملاك *** والناس دائم سرمدي

والذي غير ما اعتقدت يرى *** فهو غبن أو جاحد وغوي

ان هذي عقيدتي لم أحل عنها *** وهذا هو الصراط السويُّ

ص: 199

الشيخ سُليمان الماحوزي

المتوفى 1121

سل المنازل عن أربابها الأولِ *** ذوي الكمال وأهل العلم والعملِ

وكيف بانوا وأنى بعدها نزلوا *** وما جرى بعد ذاك الحادث الجلل

سل المنازل عنهم بعد رحلتهم *** عنها يجيبك منها دارس الطلل

أين الأولى نشرت أعلام فضلهم *** فما كليب وأهل الأعصر الأول

على الديار عفاء بعد رحلتهم *** عنها فلا نفع بعد البين في الطلل

وإن نسيت فلا أنسى الحسين بها *** فرداً تعرّى عن الاسباب والوصل

قد حلئوه زلال الماء ما رقبوا *** فيه البتول وقربى سيد الرسل

وكرّ فيهم كليث الغاب صال على *** سرب النعام فأدناه إلى الأجل

ينصبّ كالسيل من عال ولا عجب *** بمن أبوه أمير المؤمنين علي

حدّث عن البحر يا هذا بلا حذر *** وما تشاء فقل في العارض الهطل

وفي آخرها :

بها سليمان يرجو من عواطفكم *** فوز المعاد وهذا منتهى أملي (1)

ص: 200


1- عن مجموعة خطية في مكتبة الامام الصادق - حسينية آل الحيدري رقم 75 وعن مجموعة الشيخ لطف اللّه المخطوطة سنة 1201 في مكتبة اليعقوبي.

الشيخ أبو الحسن شمس الدين سليمان بن العالم الشيخ عبد اللّه بن علي بن حسن ابن أحمد بن عمار السري أو السراوي الماحوزي البحراني المعروف بالمحقق البحراني.

والسري كما في أنوار البدرين أو السراوي كما في اللؤلؤة نسبة إلى ( سرة ) ناحية بالبحرين فيها عدة قرى. وقد أفاض العلماء فيترجمته وذكر السيد الامين في الاعيان والشيخ اغا بزرك الطهراني عدداً كبيراً من مصنفاته تبلغ 64 مؤلفاً ، وهذه مقتطفات من شعره :

قد كنت في روق الصبا ذا نعمة *** ما إن لموقعها لديّ مكان

ذهبت غضارتها فهمتُ بذكرها *** ( والماء يعرف قدره الظمآن )

وقوله :

اني وان لم يطب بين الورى عملي *** فلست انفك مهما عشت عن أملي

وكيف أقنط من عفو الإله ولي *** وسيلة عنده حبّ الامام علي

وله - كما أورده الشيخ يوسف البحراني في كشكوله :

يا آسري بالناظر القناص *** وله هواي وخالص الاخلاص

قد همت فيك فهل ترى لي مخلصاً *** أين الخلاص ولات حين مناص

قل لي أسحر في جفونك حلّ أم *** ضرب من الاعجاز والارهاص

راقب إلهك في دمي يا ظالمي *** واحذر غداة غد عظيم قصاص

وجاء في الذريعة قسم الديوان : الشيخ سليمان الماحوزي بن عبد اللّه بن علي ابن الحسن بن أحمد بن يوسف بن عمار الماحوزي الستراوي البحراني المولود 1075 والمتوفى 17 رجب 1121 صاحب البلغة جمعه تلميذ الناظم بأمره وهو

ص: 201

السيد علي بن ابراهيم بن علي بن ابراهيم الأول بن أبي شبانة البحراني. حكاه سيدنا في التكملة عن السيد ناصر البحراني المعاصر نزيل البصرة والمتوفى 1331 صاحب خصايص أمير المؤمنين المذكور في ج 7 ص 174 من الذريعة.

أقول ثم ذكر الشيخ الطهراني ان ديوان الشيخ سليمان الماحوزي المذكور جمعه الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني ورتبه على حروف القوافي كما قاله في ( اللؤلؤة ) وله منظومة ( درة البحرين في رثاء الحسين ) أدرجه في ( أزهار الرياض ) وتوجد مراثيه في مجموعة الشيخ لطف اللّه الموجودة عند الشيخ محمد علي يعقوب وفي ج 21 من الذريعة ص 275 رسالة في معنى الشيعة للشيخ سليمان بن عبد اللّه الماحوزي المتوفى 1121. أحال إليها في جوابات بعض مسائله ضمن مجموعة منها.

وفي لؤلؤة البحرين قال : أصله من قرية الخارجية - إحدى قرى سترة ، الماحوزي مولداً ومسكناً - نسبة إلى الماحوز المتقدم ذكرها - من قرى الدونج ، وهذا الشيخ قد انتهت إليه رئاسة البحرين في وقته ، قال تلميذه المحدث الصالح الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني في وصفه :

كان هذا الشيخ أعجوبة في الحفظ والدقة وسرعة الانتقال في الجواب والمناظرات وطلاقة اللسان ، وتوفي قدس سره ، وعمره يقرب من خمسين سنة ، في سابع عشر شهر رجب للسنة الحادية والعشرين بعد المائة والألف - ودفن في مقبرة الشيخ ميثم بن المعلّى - جد الشيخ ميثم العلامة المشهور بقرية ( الدونج ) بالنون والجيم من قرى الماحوز - بالحاء والزاي - ووجدت بخطه قدس سره نقلاً عن والده قال : كان مولدي في ليلة النصف من شهر رمضان من السنة الخامسة والسبعين بعد الألف ، لع عطارد ، وحفظت الكتاب الكريم ولي سبع سنين تقريباً وأشهر ، وشرعت في كسب العلوم ولي عشر سنين ، ولم أزل مشتغلاً بالتحصيل إلى هذا الآن وهو العام التاسع والتسعون والألف انتهى.

ص: 202

وقال صاحب لؤلؤة البحرين :

وكان شيخنا المذكور شاعراً مجيداً ، وله شعر كثير متفرق في ظهور كتبه وفي المجاميع ، وكتابه ( أزهار الرياض ) ومراثي الحسين كلها جيدة ، ولقد هممت في صغر سني بجمع أشعاره وترتيبها على حروف المعجم في ديوان مستقل وكتبت كثيراً منها إلا انه حالت دون ذلك الأقدار (1).

وترجم له في ( أنوار البدرين ) ترجمة مفصلة وذكر رسائله الكثيرة التي ألّفها مع قصر عمره وقد اجتمع مع المولى المجلسي وأعجب به وأجازه ، ومن جملة أشعاره المذكورة في أزهار الرياض قوله :

نفسي بآل رسول اللّه هائمة *** وليس اذ همت فيهم ذاك من سرف

كم هام قوم بهم قبلي جهابذة *** قضية الدين لا ميلا إلى الصلف

لا غرو هم أنجم العليا بلا جدل *** وهم عرانين بيت المجد والشرف

فلست عن مدحهم دهري بمشتغل *** ولست عن حبهم عمري بمنصرف

وفيهم لي آمال أوملها *** في الحشر إذ تنشر الأعمال في الصحف

وذكره الحجة السيد حسن الصدر فأثنى عليه وأتى بشهادات العلماء في حقه. أقول ورأيت في مكتبة المرحوم الشيخ الطهراني بالنجف الاشرف رسالة المترجم له في ( علماء البحرين ) بخط الشيخ الطهراني وهي رسالة جليلة على وجازتها وفي آخرها يذكر أسماء مصنفاته وأسماء تلاميذه.

ص: 203


1- قال السيد محمد صادق بحر العلوم في تعليقته على ( اللؤلؤة ) ما نصه : قد جمع أشعاره كلها في ديوان مستقل تلميذه السيد علي آل أبي شبانة باشارته اليه كما ذكره ابنه السيد أحمد في تتمة أمل الآمل.

محمّد بن يوسف البلادي

المتوفى 1130

قف بالديار التي كانت معاهدها *** على الهدى والندى قامت قواعدها

ولم تزل بالتقى والعدل باسمة *** تبدو إذا ابتسمت بشراً نواجدها

وانظر مهابط وحي اللّه كيف غدت *** تبكي بكاء الذي قد غاب واحدها

وانظر إلى حجرات الوحي كيف خلت *** وغاب صادرها عنها وواردها

والحظ معادن وحي اللّه مقفرة *** من بعدما أزعجت عنها أماجدها

واجزع لها بعد ذاك البشر عابسة *** إذ غاب عابدها عنها وعايدها

واخشع لها بعد ذاك العز خاشعة *** يطير ظالمها بشراً وحاسدها

واسكب على الطلل البالي الذي عصفت *** بربعه زعزع والكفر قايدها

واسكب دموعك للسادات من مضر *** وفتية قط لا تحصى محامدها

وخيرة في العلى عنها الوجود نشا *** شالت رؤوسهم ظلماً مصاعدها

ودوحة نال منها من تفيّأها *** فعلا شنيعاً يذيب القلب واحدها

يا للرجال ويا لله من شطط *** أتاحه عصبة ضلّت مقاصدها

لا أمطر اللّه سحب المزن ان هطلت *** وآل أحمد قد سُدّت مواردها

لا أمطر اللّه سحب المزن إذ قتلت *** صبراً وما بلّ منها الغلّ باردها

ص: 204

لا أضحك اللّه سن الدهر ان ضحكت *** وآل أحمد قد أعفت معاهدها

تخالهم كالأضاحي في مجازرها *** قد عمّ كل الورى نوراً مراقدها

معفرين وجوهاً طالما سجدت *** لربها ولكم نارت مساجدها

يا حجة اللّه يابن العسكري ترى *** ما نحن فيه مرارات نكابدها

خلّص مواليك يا بن المصطفى فلقد *** ضاق الخناق وخانتها مقاصدها

إلى متى يا غياث المسلمين ويا *** غوث الانام فأنت اليوم واحدها

سل ربك الاذن في إنجاز موعده *** فأنت يا بن أباة الضيم واجدها

لا زال تسليم من عمّت مواهبه *** يغشاك ما خرّ للرحمن ساجدها

يا سادة الكون يا من حبهم عملي *** وليس لي غيره حسنى أشاهدها

انا العبيد الفقير اليوسفي لكم *** حرب لأعدائكم حرب معاندها (1)

ص: 205


1- مجموعة الشيخ لطف اللّه.

الشيخ محمد الضبيري بن يوسف بن سَنبار النعيمي

جاء في أنوار البدرين بأنه العالم الزاهد العابد التقي الشيخ محمد بن يوسف ابن علي بن كنبار الضبيري النعيمي أصلاً ، البلادي مسكناً ومولداً ومنشئاً. له ديوان شعر في مراثي الحسين علیه السلام ، وله مقتل الحسين وشعره نفيس. كان مشغولاً بالدرس لا يكل منه ، كثير العبادة ملازماً للدعاء لا يمل منه ولا يفارق ( مصباح المتهجد ) أبداً ، أدام اللّه سلامته وأقام كرامته. وقال في ( اللؤلؤة ) في وصفه :

وكان هذا الشيخ فقيهاً عابداً صالحاً ملازماً لمصباح الشيخ والعمل بما فيه ، وله ديوان حسن في مراثي أهل البيت علیهم السلام ، وله مقتل الحسين (عليه السلام) وشعر نفيس بليغ ، توفي في بلدة القطيف وانه بعد ان كان فيها مضى إلى البحرين وهي في أيدي الخوارج فكانت هناك فتن وحروب فجرح هذا الشيخ جروحاً مؤثرة ، رحل بعد ذلك إلى القطيف وبقي أياماً قليلة وتوفي رحمه اللّه ودفن في مقبرة الحباكة وذلك في شهر ذي القعدة الحرام سنة 1130 ه- انتهى كلامه. وقال الشيخ الطهراني في الذريعة :

ديوان الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كمبار الضبيري النعيمي البلادي ، الشهيد بيد الخوارج سنة 1131 كما في ( الفيض القدسي ) أو سنة 1130 كما في ( اللؤلؤة ) وهو من تلاميذ الشيخ محمد بن ماجد البحراني والسيد المحدث الجزائري ، ويروي عنه الشيخ عبد اللّه السماهيجي كما في إجازته. وديوانه هذا في المراثي كما ذكر في أنوار البدرين وغيره. انتهى عن الذريعة - قسم الديوان ص 28 تحت عنوان ( ابن كمبار ) ثم تحت عنوان : محمد. قال :

محمد بن يوسف بن علي بن كنبار البلادي البحراني تلميذ الشيخ سليمان بن

ص: 206

عبد اللّه الماحوزي مرّ في ص 28 بعنوان : ابن كمبار. وأورد الشيخ لطف اللّه الجدحفصي بعض مراثيه في مجموعته التي كتبها لنفسه بخطه الجيد في سنة 1201.

وقال السيد الامين في الاعيان : محمد بن يوسف الخطي البحراني. توفي سنة 1130 كان عالماً رياضياً وفقيهاً محدثاً ذكره صاحب اللؤلؤة وخاتمة المستدركات وتتمة أمل الآمل. قال في لؤلؤة البحرين : كان ماهراً في العلوم العقلية والفلكية والرياضية والهندسية والحساب. والعلماء تقرأ عليه ولكنه لم يؤلف.

وذكره صاحب أمل الآمل فقال : الشيخ محمد بن يوسف البحراني مسكناً الخطي مولداً فاضل ماهر في أكثر العلوم من الفقه والكلام والرياضة ، أديب شاعر ، له حواش كثيرة وتحقيقات لطيفة ، وله رسائل في النجوم ، من المعاصرين. وترجم له أيضا صاحب ( أنوار البدرين ) وقال : الشيخ محمد بن يوسف بن صالح المقابي البحراني ، وكان أصله من الخط ، وكان أعجوبة في السخاء وحسن المنطق واللّهجة والصلابة في الدين والشجاعة على المعتدين ، وقد جمع بين درجتي العلم والعمل الذين بهما غاية الأمل.

وللشيخ محمد بن يوسف البلادي :

سرى وفد شوقي والانام رقود *** يسحّ دموعاً ما لهنّ جمود

فعرّس مذعور الجنان بكربلا *** فنازله كرب هناك جهيد

وقد شفّه وفد مقيم بأرضها *** ملابسهم بين الملائك سود

ملائكة تقديسهم وثناؤهم *** وتسبيحهم ندب عليه مديد

وتمجيدهم ندب الحسين ورهطه *** غداة أصيبوا بالظما وأبيدوا

مقيمون حول القبر يبكون رزءه *** وليس لهم نحو السماء صعود

فيا غفلة عن نكبة عمّ غمّها *** وحادثة منها الجبال تميد

أيرشفه المختار سناً ومبسماً *** ويقرعه بالخيزران يزيد

أيترك ملقى بالعرى سيد الورى *** ويكسوه من مور الرياح صعيد

ص: 207

حنيني على تلك الجسوم بكربلا *** لقى بالعرا ما ضمهنّ لحود

حنيني على تلك السبايا ولوعتي *** ووجدي جديد ما عليه مزيد

حنيني عليها يوم أمست أسيرة *** وأكتافها بالاصبحية سود

وهيج أحزاني وحرّمني الكرى *** مقالة أخت السبط وهو يجود

ألا بأبي من لا بعيد فيرتجى *** فيمسي كمن قد غاب ثم يعود

ألا بأبي من لا جريح فيؤتسى *** فتذهب آلامٌ به وتبيد

* * *

فيا آل ياسين ويا راية الهدى *** مصابكم طول الزمان جديد

ولم يبل إلا أن ينادى من السما *** بمهديكم إذ تقتفيه جنود

فتصبح أعلام النبي خوافقاً *** وسابقة والمشرفي يعود

هنالك تسلو أنفس طال حزنها *** ويهني العُبَيدَ اليوسفي هجود

فدونكم منه الذي يستطيعه *** قصائد ما خابت لهن قصود (1)

ص: 208


1- عن مجموعة الشيخ لطف اللّه.

الشيخ فرج الخطي

المتوفي 1135

نظرت عيني فلم أدرِ ضباءا *** أو غصوناً مائسات أم نساءا

حين جئنا بربى وادي النقا *** بعدما جُبنا رُباها والفضاءا

ورنت عيني لخود وجهها *** يخجل البدر إذا البدر أضاءا

وإذا ما أقبلت ماشية *** تخجل الغصن انعطافاً وانثناءا

قد كسى الليل ظلاماً شعرها *** ومحياها كسى الصبح ضياءا

والتفات الريم من لفتتها *** واقتنى من قدها الرمح استواءا

جمعت ما بين شمس ودجاً *** ما سمعنا صحب الليل ذكاءا

فأتتني وهي تبدي غنجا *** مَن يشمها ظنها تبدي الحياءا

فالتقينا وتعانقنا فيا *** صاح ما أحسن ذياك اللقاءا

ثم بتنا في عفاف وتقىً *** وعناق قد تردّينا كساءا

لم أجد لي من حبيب غيرها *** ما عدا آل النبي الاصفياءا

فهم الحجة لله على *** خلقه من حلّ أرضاً وسماءا

وهم الرحمة للخلق بهم *** يدفع اللّه عن الخلق البلاءا

وبهم يشفع للعاصين في *** يوم حشر الناس إذ لاشفعاءا

حرّ قلبي لهم قد جرّعوا *** غصص الكرب بلاءً وعناءا

بعضهم مات خضيب الشيب من *** ضربة هدّت من الدين البناءا

وقضى بالسم بعضٌ منهم *** وقضى بعضهم لم يرو ماءا

ذاك مَن جاء بأهليه إلى *** أرض كرب وبها حطّ الخباءا

نصرته فتية قد طهرت *** وزكت أصلا وفرعا ونماءا

ص: 209

تاجروا اللّه بأرواحهم *** وأبوا إلا الرضا منه جزاءا

وكفاهم مفخراً أنهم *** مع خير الخلق ماتوا شهداءا

وبقى ابن المصطفى من بعدهم *** مفرداً والجيش قد سدّ الفضاءا

قام فيهم خاطباً يرشدهم *** للهدى لو تسمع الصم الدعاءا

فمذ السبط رأى أنهم *** لم يجيبوا بسوى السيف النداءا

زلزل الأرض إلى أن حسبوا *** أن يوم الوعد بالزلزال جاءا

موقف قد أظلم الكون به *** غير وجه السبط يزداد ضياءا

صوته رعدٌ وبرقٌ سيفه *** والغبار الغيم قد غطّا السماءا

ودماء الأسد غيثٌ هاطل *** مذ همى صيّر بحراً كربلاءا

هو والخلاق لو شاء محى *** ما حواه الكون لكن لن يشاءا

ومذ اللّه دعا السبط هوى *** ساجداً لله شكراً وثناءا

فبكى الروح وأملاك السما *** والجمادات بكت حزناً دماءا

أيّ رزء أحزن المختار والمرتضى *** والأنبيا والأوصياءا

وله فاطمة الزهرا غدت *** ثاكلا تبكيه صبحا ومساءا

ومضى الطِرف حزيناً باكياً *** صاهلاً منذعراً ينحو النساءا

فخرجن الفاطميات له *** ثكلاً يندبن كهفاً ورجاءا

لهف نفسي خرجت من خدرها *** وهي ما قد عرفت إلا الخباءا

وسرى الأعدا بها حاسرة *** جعلت للوجه أيديها غطاءا

أيها الشمس ألا لا تبزغي *** فنساء السبط سُلّبن الرداءا

أيها السحب ألا لا تمطري *** فبنات المصطفى تشكوا لظماءا

يا بني أحمد قد فاز الذي *** في غد كنتم اليه شفعاءا

فرج يرجو من اللّه بكم *** فرجاً يُنجي إذا في الحشر جاءا (1)

ص: 210


1- عن كشكول الشيخ يوسف البحراني.

هو العلامة الشيخ فجر بن محمد الخطي المعروف بالمادح المعاصر للعلامة الشيخ يوسف مؤلف الحدائق وأمثالها من الكتب العلمية الهامة أحد علماء آل عمران ذكره مؤلف أنوار البدرين بما نصه : ومنهم الأديب الاريب الشاعر الصالح الشيخ فرج المادح الخطي كان رحمه اللّه من شعراء أهل البيت علیهم السلام ومادحيهم وهاجي اعدائهم ومبغضيهم وقد وقفت له على شعر كثير من هذا القبيل في المدح لهم (عليهم السلام) انتهى.

توفى رحمه اللّه تعالى في حدود سنة 1135 تغمده اللّه برحمته (1).

وذكر له الشيخ يوسف العصفوري في كشكوله شعراً كثيراً تظهر منه جلالة قدره وبراعته العلمية. وفي مسودة تاريخ العصفوري البوشهري الشيخ محمد علي بن محمد تقي ما نصه : الشيخ فرج الخطي البحراني هو مستغن عن الألقاب ومن المشهورين بين الأصحاب ، له ديوان كبير في مجلدات غير كتاب المدائح والمراثي ، ومن جملة قصائد البديعة ما مطلعها :

اسمعت سجع الورق ساعة غردوا *** فوق الغصون ونوم عيني شرّدوا

إلى ان قال :

سجعوا فعيني لا تجف دموعها *** صبا ونار صبابتي لا تبرد

وقال صاحب ( تحفة أهل الايمان في تراجم علماء آل عمران ) :

ص: 211


1- شعراء القطيف.

ومنهم العالم الشيخ فرج بن محمد من آل عمران المكنى بأبي الفتح الملقب بالمادح وقد ذكره المترجم في الأنوار أيضاً كان من شعراء أهل البيت علیهم السلام ومادحيهم وهاجي أعدائهم ومبغضيهم ، رأيت له ديوان شعر عند بعض الأصدقاء من أهالي القطيف قد اشتمل على خمس وعشرين قصيدة في مدح المعصومين الأربعة عشر علیهم السلام ، واشتمل أيضاً على مفردات تبلغ ستة وخمسين بيتاً ، وقيل ان له ديوان شعر كبير في مجلدات وقد ذكر شطراً من شعره صاحب الحدائق في كشكوله في مواضع عديدة ، وكل مَن تأمل شعره عرف جلالة قدره ورتبته العلمية ومكانته السامية ، ولا بأس بذكر بعض المفردات من ديوانه قال :

قل لمن شك في ارتداد أناسٍ *** لم يزالوا مع النبي جلوسا

وبغوا بعده على الآل طراً *** ( إن قارون كان من قوم موسى )

أقول وعلى تقدير ان يكون هذا الفاضل من آل عمران فيحتمل أن يكون أخاً للشيخ حسين المذكور. وله في الامام الحسين علیه السلام قصيدة أولها :

هلا رأيت هلال عاشوراء *** تبدو كآبته لعين الرائي

وله :

هلا مررت على الديار بكربلا *** لترى عظيم الكرب فيها والبلا

قال صاحب التحفة : رأيت للشيخ فرج ديواناً عند الحاج عبد اللّه بن نصر اللّه المتوفى سنة 1374 وقد اشتمل على 25 قصيدة في مدح المعصومين الأربعة عشر علیهم السلام ، كما اشتمل على مفردات في مدحهم أيضاً فمن قوله :

حيدر الكرار لا يبغضه *** غير نغل أمّه الشوها زنت

كل من يغضب مما قلته *** ( سر بديوار ضروري ميزنت )

ص: 212

الشيخ فرج اللّه الحويزي

اشارة

الشيخ فرج اللّه الحويزي المتوفى 1141 من قصيدة في الامام الحسين (عليه السلام) :

فانا المأسور في قيد الهوى *** لم أجد مما اقاسي حولا

غير حبي للنبي المصطفى *** وعلي المرتضى أهل العلا

وبنيه خير آل في الورى *** نقباءاً نجباءاً نبلا

لا تسل عما حباهم ربهم *** مخبراً إلا الكتاب المنزلا

أوضح اللّه بهم نهج الهدى *** مثل ما اختار لهم عقد الولا

خير أهل الأرض جوداً وإباً *** ومضاءاً سل بهذي كربلا

إذ حبى اصحابه جناتهم *** فرأؤها نصب عين مثّلا

فاستماتوا وأبى صارمه *** ففدوه برقاب وطلى

واقتسمن البيض أجسامهم *** مفصلا قد وزّعتها مفصلا

ومضى سيف القضا من بعدهم *** يبدي صفين ويثنى الجملا

ويسيل النهر منها بدم *** مجّه العفر وعافته الفلا

فانثنى فوق الثرى جثمانه *** ورقى الرأس العوالي الذبلا

عن الديوان المخطوط بخط الشيخ محمد السماوي في مكتبة الامام الحكيم العامة برقم 633 قسم المخطوطات.

ص: 213

الشيخ فرج اللّه بن محمد بن درويش بن محمد بن حسين بن جمال الدين بن اكبر الحويزي. قال في أمل الآمل : فاضل محقق شاعر أديب معاصر ، ونعته في روضات الجنات بالحكيم البارع والأديب الجامع هو معاصر لصاحب رياض العلماء ذكره ونفى عنه الفضيلة.

« مؤلفاته » :

له مؤلفات كثيرة : منها كتاب الرجال الموسوم بايجاز المقال وهو كتاب كبير مشتمل على قسمين الأول في الخاصة والثاني في العامة على نهج رياض العلماء والمرقعة وكتاب كبير في الكلام يشتمل على الفرق الثلاث والسبعين وكتاب الغاية في المنطق والكلام على نهج التجريد للمحقق الطوسي ، وكتاب الصفوة في الاصول على نهج الزبدة للشيخ البهائي ، وتذكرة العنوان على طراز عجيب بعض الفاظها بالسواد وبعضها بالحمرة يُقرأ طولاً وعرضاً فالمجموع علم واحد وكل سطر من الحمرة علم في النحو والمنطق والعربية والعروض ووجه تسميته بتذكرة العنوان بهذا الاسم ان بعض العامة ألف كتاباً سماه عنوان الشرف يشتمل على العلوم المذكورة : فقه الشافعي وعلم النحو والتاريخ والعروض والقوافي وسمع المترجم بذلك وتعجب جماعة من أهل المجلس فعمل « ره » هذا الكتاب قبل ان يرى ذلك الكتاب وله شرح تشريح الافلاك للبهائي ومنظومة في المعاني والبيان نظم شرح تلخيص المفتاح للعلامة التفتازاني من غير زيادة ولا نقصان إلا في الترتيب كما في رياض العلماء وله التفسير وكتاب تاريخ ورسالة في الحساب ، وشرح خلاصة الحساب والكتاب قيد الغاية وهو شرح على كتاب الغاية المذكور وديوان شعر. توفي كما في الكواكب المنتثرة سنة 1141 ومن شعره قوله :

ص: 214

أحسن إلى من قد أساءك فعله *** ان كنت توجس من إساءته العطب

وانظر إلى صنع النخيل فإنها *** ترمى الحجارة وهي ترمي بالرطب

وقال السيد الأمين في الأعيان : الشيخ فرج اللّه بن محمد الحويزي اسمه أحمد بن درويش بن محمد بن حسين بن كمال الدين بن أكبر مجرد الجبلي الحويزي الحائري المزرعاوي ، وفي بعض المقامات : المولى فرج اللّه بن محمد بن درويش ابن محمد بن الحسين بن حماد بن أكبر الحويزي معاصر لصاحب الوسائل محمد ابن الحسن بن الحر العاملي. ثم ساق مؤلفاته على نحو ما تقدم ، وقال الشيخ جعفر محبوبة له رثاء في الأئمة الاثنى عشر صلوات اللّه عليهم.

وله مخمساً أبيات ابن المدلل :

اسمع هديتَ نصيحة الاخوان *** وانهض لها عجلاً بغير توانِ

يا أيها العبد الضعيف الجاني *** زر بالغري العالم الرباني

كنز العلوم ومعدن الايمان

واسأل هناك اللّه واجعل احمداً *** والعترة الهادين منه مقصدا

واخضع لحيدرة وأوسعه الندا *** وقل السلام عليك يا علم الهدى

يا أيها النبأ العيظم الشأن

يا من له الرحمن شرّف أصله *** وأحلّه العليا وطهّر نسله

وحباه فاطمة البتولة أهله *** يا من له الاعراف تشهد فضله

يا قاسم الجنات والنيران

مولاي خذ بيدي غداة الموعد *** فقد ادخرتك يا علي إلى غد

ووثقت انك تعطي رضواناً يدي *** نار تكون قسيمها يا سيدي

انا آمن منها على جثماني (1)

ص: 215


1- عن ديوانه المخطوط الذي سبق ذكره.

الشيخ يونس الغروي

المتوفى 1147

يا راقياً فوق أقطاب العلا وعلا *** رقاب كل املا طراً بحسناكا

أتيت نحوك يا مولاي معتمداً *** مؤملا منك ما الرحمن أولاكا

وفي اعتقادي بأني لا أخيب إذا *** أملت مَن كان وهاباً وفتاكا

ذو مرقد جعل الخلاق خادمه *** من السماوات جبريلاً وأملاكا

حتى غدا لهم في ذاك مفتخر *** وذا قليل لمن لم يلق اشراكا

وقد حداني وقوّى لي قوى أملي *** أخبار فضلك إذ شاعت وأنباكا

منها اختصاصك يا مولى الأنام بما *** به المزايا وفيها اللّه اصفاكا

وذاك أربع خصلات فاكملها *** ما خيّب اللّه من يدعو بمثواكا

ولا رقى أحد مرضاه معتقداً *** بتربة من ضريح فيه علياكا

إلا ونال الشفا من فضل تربتكم *** وذاك ليس جليلاً لو نسبناكا

ومنك تسعة أشباح أئمتنا *** لولاهم ما أدار اللّه أفلاكا

بحقهم سيدي أرجو النجاة غداً *** من الحساب وما أخشى بعقباكا

صلى الاله عليهم ما جرى فلك *** وما نظمنا الدرّ الشعر أسلاكا (1)

ص: 216


1- عن شعراء الغرى للخاقاني ج 12 ص 440.

الشيخ يونس بن ياسين النجفي المتوفى سنة 1147 كان من العلماء المشاهير وأهل الكمال والأدب البارزين ، وكان معاصراً للسيد نصر اللّه الحائري ، وبينهما مراسلات شعرية مذكورة في ديوان السيد الحائري المطبوع في النجف سنة 1373.

ويروى الشيخ يونس قراءة وإجازة عن الشيخ حسام الدين ابن أخ الشيخ فخر الدين الطريحي باجازة وصفه فيها بالفاضل الكامل التقي الزكي الذكي الفطن الالمعي ، وذكر فيها انه قرأ عليه شطراً من الكافي والتهذيب والمعالم قراءة تحقيق وتدقيق تنبئ عن غزارة علمه وفهمه - إلى آخر ما قال وترجم له شيخنا الطهراني رحمه اللّه في ( الكواكب المنتثرة في القرن الثاني بعد العشرة ) مخطوط. وقال في نشوة السلافة في حقه :

ديباجة الشرع وعنوانه ولسان الأديب وبيانه ، فضله أشهر من نار على علم وأظهر من النجم في دياجي الظلم - إلى آخر ما قال ، ثم ذكر من جيد شعره قصيدة في مدح الامام ابي عبد اللّه الحسين علیه السلام مطلعها :

يا راقياً فوق أقطاب العلى وعلا *** رقاب كل الملا طراً بحسناكا

وللشيخ يونس ثلاثة أبيات أرسلها إلى الملا محسن ابن الملا عبد اللّه ( كليدار ) الروضة العلوية المتوفى قبل سنة 1158 ه- وهي :

سلام على من لم أزل ذاكراً له *** بقلبي وان كلّت من المدح ألسن

فما كان في ظني تباعد مثله *** وأمر الهوى بين المحبين متقن

فلو كان من أهوى مسيئاً عذرته *** ولكنه بين الخلائق ( محسن )

ص: 217

وللسيد نصر اللّه الحائري قصيدة على بحر الرجز في ديوانه يراسل بها الشيخ يونس ويمدحه فيها جواباً على أبيات أرسلها اليه. مطلعها :

يهدي إلى المهذّب الصفي *** يونس مَن فاق على ( الصفي )

ويهدي في آخرها السلام إلى الشيخ بشاره وولده الشيخ محمد علي صاحب ( النشوة ).

وقال الشيخ يونس بن ياسين يمدح الشيخ بشارة والد الشيخ محد علي بشارة مؤلف ( نشوة السلافة ).

يا من حوى كل المفاخر يافعاً *** والرأي كهلا والوقار مشيبا

مذ صرت في برج الحجا وذوي النهى *** لم يتخذ قلبي سواك حبيبا

ص: 218

الشيخ عبد الحسين أبو ذئب

المتوفى 1151 تقريباً

عجم الطلول سقاك الدمع هتانا *** ما أفظع الخطب لو أفصحت ما كانا

حالت فما أبقت الدنيا نظارتها *** وحوّلت روضها الممطور كثبانا

إلى أن يقول في شهداء الطف :

تمثلوا شخصهم في الخلد وارتحلوا *** وخلفوا في محاني الطف أبدانا

وصافحوا صفحات البيض واعتنقوا *** قبيل ممساهم حوراً وولدانا

سالت على الاسل السامي نفوسهم *** فقربوا النحر للاجسام قربانا

تقبّل الجامِحات الشامسات له *** تحت السنابك بالرمضاء جثمانا

والعابد الساجد الصوام خير فتى *** نعدّه كهف دنيانا وأخرانا

في أسر جامعة للاسر جامعة *** تخالها قصمت للعمر ريعانا

وفي آخرها :

أوردتها حوض آمالي بكم فغدت *** تثير لا تختشي واللّه حرمانا

حمّلتها من تضاعيف السلام كما *** ضمنتها من لطيف الود تبيانا

ص: 219

الشيخ عبد الحسين أبو ذيب

جاء في أنوار البدرين ص 348 :

ومن أهل هذا البيت - اعني بيت أبي ذيب - الشاعر الأديب الخير الشيخ عبد الحسين أبو ذيب (1) من شعرائها المشهورين وأدبائها المذكورين ، ومن شعراء أهل البيت المخلصين ، له قصائد في الرثاء مشهورة.

ذكر المعاصر الشيخ علي المرهون في كتابه ( شعراء القطيف ) ان وفاته سنة 1151.

ص: 220


1- أخبرني أحد أحفاده ان الشيخ عبد الحسين هو أخو الشيخ يوسف ابي ذيب الآتية ترجمته.

الشيخ محسن فرج

المتوفى 1152

الا أبلغ قريشاً حيث أمست *** وان سلكت سبيل الغي جهلا

رسالة ناصح أن كيف أولت *** سياسة أمرها مَن ليس أهلا

وتعزل لا أقيل لها عثار *** إماما أمرها الرحمن أولى

فما من فادح في الكون إلا *** له يوم الفعيلة كان أصلا

وتمسي في الطفوف بنو علي *** وفاطمة بسيف الجور قتلى

جسوماً بالتراب معفرات *** وفوق السمر روسهم تُعلّى

ألا مَن مخبري أدرت لؤي *** وهاشم ما جرى في الطف أم لا

ألم تعلم بأن الآل أمست *** يسومهم العدى سبيا وقتلا

مصاب ليله ألقى رداه *** على وجه الصباح فعاد ليلا

سيبلي الدهر كل جديد خطب *** وليس جديد خطب الطف يبلى

ستلقى ما جنت أبناء حرب *** وتشرب بغيها علاً ونهلا

وتبصر غبّ ما فعلت قريش *** وتعلم مَن بذاك الأمر أولى

إذا ما قام أروع هاشمي *** به يملي الاله الأرض عدلا

بقيّة أولياء اللّه منهم *** عليهم سلّم الباري وصلّى

ص: 221

الشيخ محسن بن فرج النجفي ( القطيفي ) ذكره مؤلف شعراء الغري صاحب الحصون المنيعة ج 9 ص 334 فقال : كان فاضلاً كاملاً أديباً راً ولم يسمع له شعر إلا في مدح أهل البيت علیهم السلام توفي في النجف الاشرف في حدود 1152 تقريباً ودفن فيها. وقد جاء شعره في الكتب كفلت مراثي الامام أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام (1) أقول وذكر السيد الامين في الدر النضيد بعض أشعاره كما ذكره في الأعيان بقوله : الشيخ محسن بن فرج النجفي الجزائري ، كان فاضلاً أديباً شاعراً ، وترجم له صاحب ( ماضي النجف وحاضرها ) وذكر جملة من شعره ج 2 ص 174.

ومن شعره في الحسين (عليه السلام) :

لعمرك ما البعاد ولا الصدودُ *** يؤرقني ولا ربع همودُ

ولم يجر الدموع حداء حاد *** ولا ذكرى ليالي لا تعود

ولكن اسبل العينين خطب *** عظيم ليس يخلقه الجديد

عشية بالطفوف بنو علي *** عطاشا لا يباح لها الورود

تذاد عن الفرات وويل قوم *** تذودهم أتعلم مَن تذود

الاويل الفرات ولا استهلت *** على جنبيه بارقة رعود

ألم يعلم لحاه اللّه أن قد *** قضى عطشا بجانبه الشهيد

ألم بجنبه ضيفاً قراه *** صوارمها وخرصان تميد

به غدرت بنو حرب بن عبدٍ *** وأعظم آفة المولى العبيد

ص: 222


1- شعراء القطيف للشيخ علي منصور.

إلا لا قدست سراً وبعداً *** لتابعها كما بعدت ثمود

فما حفظت رسول اللّه فيه *** هناك وما تقادمت العهود

بل استامته ما لو قد أرادت *** مزيداً فيه أعوزها المزيد

عشية عزّ جانبه وقلّت *** توابعه وقد سفه الرشيد

أرادت بسطه يمنى مطيع *** وأين أبيّها مما تريد

ودون هوان نفس الحرّ هولٌ *** يشيب لوقع أدناه الوليد

فاظلم يومهم في الطف يقظى *** وأصبح صبحه وهُم رقود

فمن رأس بلا بدن يُعلّى *** وجثمان يكفنه الصعيد

ومن أيد قد اقتطعت وكانت *** بحار ندى إذا انتجع الوفود

ومن رحل يباح ومن أسير *** عليل قد أضرّته القيود

وحاسرة يجوب بها الفيافي *** على هزل المطى وغدٌ مريد

ظعائن كالاماء تذل حزناً *** وتستلب المقانع والبرود

على الدنيا العفاء وقلّ قولي *** على الدنيا العفاء وهل يفيد

مصاب قلّ أن يبكى دماءاً *** وتلطم بالاكف له الخدود

محا صبراً ولا يمحيه إلا *** قيام فتى تقام به الحدود

إمامٌ أنبياء اللّه تقفو *** لواه والملائكة الجنود

وللشيخ محسن فرج :

كيف ارتضيت قريش البغي سلطانا *** رجساً فأوسعتِ منكِ النفس نقصانا

إلى أن يقول :

واقتادها الرجس يوم الطف سافرة *** قود الذلول تثير الكون أحزانا

ألقت بكلكلها فيها يدبرها *** ارجاس قوم حشاها الشرك اضغانا

تألبوا لقتال السبط وانتدبوا *** من كل قاصية شيباً وشبانا

ص: 223

حتى إذا هدرت هدر الفحول لظى *** الهيجاء واشتبكت بيضا وخرصانا

وكشرّت نيبهم عن ناب مفترس *** ضخم السواعد قالي الكف حرانا

أهوى إليها بابطال قد ادرعوا *** من نسج داود في الهيجاء قمصانا

لا يرهبون سوى باري الوجود ولا *** يثنون إلا عن الفحشاء أجفانا

تخالهم وصليل البيض يطربهم *** تحت العجاجة ندمانا وألحانا

يا جادك الغيث أرضاً شرّفت بهم *** إذ ضمنت من هداة الخلق أبدانا

افديهم معشراً غراً بهم وترت *** ريحانة الطهر طه آل سفيانا

اضحى فريداً يدير الطرف ليس يرى *** سوى المثقف والهندي أعوانا

يدعوهم للهدى آنا وآونة *** يطفي لظى الحرب ضرّاباً وطعّانا

يا واعظاً معشراً ضلّوا الطريق بما *** على قلوبهم من غيّهم رانا

وزاجراً فئة ضلّت بما كسبت *** بالسيف حيناً وبالتنزيل أحيانا

ما هنت قدراً على اللّه العظيم ولم *** يحجب فديتك عنك النصر خذلانا

لكنما شاء أن يبديك للملأ الأ *** على ويجعل منك الصبر عنوانا

فعزّ أن تتلظى بينهم عطشا *** والماء يصدر عنه الوحش ريانا

ويل الفرات أباد اللّه غامره *** وردّ وارده بالرغم ظمآنا

لم يرو حرّ غليل السبط بارده *** حتى قضى في سبيل اللّه عطشانا

فيا سماء لهذا الحادث انفطري *** فما القيامة أدهى للورى شانا

ولترجف الأرض شجواً فأبن فاطمة *** امسى عليها تريب الجسم عريانا

ما هان قدراً عليها أن تواريه *** بل لا تطيق لنور اللّه كتمانا

أفدي طريحاً على الرمضاء قد جعلت *** خيل الضلالة منه الجسم ميدانا

ما كان ضرهم لو انهم صفحوا *** عن جسم من كان للمختار ريحانا

يا غيرة اللّه غاض الصبر فانهتكي *** هتك النساء لما في كربلا كانا

هب الرجال بما تأتبي به قتلت *** وإن تكن قتلت ظلماً وعدوانا

ص: 224

ما بال صبيتها صرعى ونسوتها *** أسرى يطاف بها سهلاً ووديانا

تهدى وهنّ كريمات النبي إلى *** من كان أعظمهم لله كفرانا

والمسلمون بمرأى لا ترى أحداً *** لله أو لرسول اللّه غضبانا

تعساً لها أمة شوهآء ما حفظت *** نبيّها في بنيه بعد ما بانا

جزته سوءاً بإحسان وكان لها *** يجزي عن السوء أهل السوء إحسانا

فويلها أيّ أوتار بها طلبت *** وأي طالب وتر خصمها كانا

أو تارٌ الملك الجبار طالبها *** والدين لله فيه كان ديانا

لا هُمّ أن كنت لم تنزل بما انتهكوا *** من السماء عليهم منك حسبانا

فأدرك الثار منهم وانتقم لبني *** الزهرآء ممن لهم بالبغض قد دانا

بالقائم الخلف المهدي من نطقت *** به البشائر اسراراً وإعلانا

اظهر به دينك اللّهم وامح به *** ما كان أحكمه الشيطان بنيانا

واررد على آلك اللّهم فيأهم *** واعطنا بهم فضلاً وغفرانا

وآتهم صلوات منك فاضلة *** ما رنّح الريح في البيداء أغصانا

وله يستنهض الحجة المنتظر :

يا غيرة اللّه وابن السادة الصيدِ *** ما آن للوعد أن يقضي لموعود

دينٌ بتشييده بعتم نفوسكم *** ولم يكن بيعها قدماً بمعهود

غبتم فاقوى وهدّت بعد غيبتكم *** منه يدُ الجور ركناً غير مهدود

وشيعة أخلصتك الودّ كنت بها *** أبرّ من والدٍ برٍ بمولود

مغمودة العضب عمن راح يظلمها *** وصارم الجور عنها غير مغمود

شأواً وما حال شاء غاب حافظها *** عنها عشاءً فأمست في يدي سيد

إنا الى اللّه نشكو جور عادية *** ما أن يرى جورها عنها بمردود

لم يرقبوا ذمة فينا ولا رقبوا *** إلا كأن لم نكن أصحاب توحيد

ص: 225

فكيف يا بن رسول اللّه تتركنا *** في حيرة بين أرجاس مناكيد

مهما نكن فلنا حق الولاء لكم *** وأنت بالحق أوفى كل موجود

يا ليت شعري متى قل لي نغادرها *** نهب السيوف وأطراف القنا الميد

حيث الخضاب دماها والعجاج لها *** طيب وبيض المواضي حلية الجيد

يوم به يا لثارات ابن فاطمة *** شعار كل كميٍّ طيب العود

لا تبصر العين فيه غير خافقة ال- *** -رايات ثمة تحكي قلب رعديد

كلا ولا يقرع الأسماع فيه سوى *** قرع الصوارم هامات الصناديد

يا نضرة الملك الرحمن عودي على *** آل النبي بما قد فاتهم عودي

وغيرة اللّه ان هنّا عليك فما *** بالدين هونٌ ولا بالسادة الصيد

فالمم به شعثنا اللّهم منتصراً *** بنا له يا عظيم المنّ والجود

ص: 226

المولى أبو طالب الفتوني

كان حيّاً سنة 1150

المولى أبو طالب ابن الشريف ابي الحسن الفتوني العاملي الغروي :

عمرٌ تصرّم ضيعة وضلالا *** ما نلت فيه من الرشاد منالا

يا نفس كفي عن ضلالك واعلمي *** ان الإله يشاهد الأحوالا

وذري المساوي والذنوب وراقبي *** رب العباد وأحسني الأعمالا

فإلى متى تبكين رسماً دارساً *** وتخاطبين بجهلك الاطلالا

هلا بكيت السبط سبط محمد *** نجل البتول السيد المفضالا

بأبي إماماً ليس ينسى رزؤه *** في الناس ما بقي الزمان وطالا

أفديه فرداً في الطفوف وقد قضى *** عطشا ونال من العدى ما نالا

لهفي له بين الطغاة وقد غدا *** فرداً ينازل منهم الأبطالا

لهفي عليه مضمخاً بدمائه *** تسفي عليه السافيات رمالا

فالأفق أظلم والكواكب كوّرت *** حزناً عليه وأبدت الإعوالا

يا سادتي يا آل أحمد حبكم *** دين الإله به استتم كمالا

وعليكم صلى المهيمن كلما *** جرّ النسيم على الربى أذيالا

ص: 227

المولى أبو طالب ابن الشيرف ابي الحسن الفتوني العاملي الغروي.

قال السيد في الأعيان ج 6 ص 447 :

المولى أبو طالب أبوه مذكور في حرف الشين ذكره بهذا العنوان السيد عبد اللّه بن نور الدين بن نعمة اللّه الجزائري في ذيل إجازته الكبيرة الذي هو بمنزلة تتمة أمل الآمل وظاهره ان اسمه كنيته. فقال : كان فاضلاً محققاً متتبعاً في غاية الذكاء وحسن الادراك متقياً متعبداً متوسعاً في العقليات والشرعيات ، يروي عن أبيه وغيره من فضلاء العراق ، قدم الينا بعد وفاة والده وأقام أياماً وتباحثنا في كثير من المسائل وأفادني فوائد عظيمة ثم صعد إلى بلاد العجم وتوفي رحمه اللّه . وذكره في نشوة السلافة بالفاظ مسجعة على عادة أهل ذلك العصر فقال : الشيخ أبو طالب : ولد شيخنا العلامة ابي الحسن الشريف العاملي تشاغل في الادب فصار من أربابه فمن نظمه هذه القصيدة يرثي بها الحسين علیه السلام . أقول ولم يذكر السيد سنة وفاته ولا سنة ولادته ولكنه عندما ترجم والده المولى أبو الحسن الشريف بن محمد طاهر الفتوني أو الأفتوني العاملي النباطي في الجزء 36. قال : انه توفي سنة 1139 ه- ، فاذا كان الأب في أواسط القرن الثاني عشر يكون الولد عادة في أواخر القرن الثاني عشر إذا لم يكن من المعمرين.

وفي شعراء الغري : الشيخ أبو طالب بن ابي الحسن الشريف الفتوني كان حياً سنة 1150 ، وهو من العلماء المشتهرين فاضلاً محققاً متتبعاً في غاية الذكاء وحسن الإدراك ، ترجمه السيد عبد اللّه الجزائري في اجازته الكبيرة وقال : يروي عن أبيه وغيره من فضلاء العراق ، قدم الينا بعد وفاة والده وأقام أياماً يباحثنا في كثير من المسائل وأفاد فائدة عظيمة ثم صعد إلى بلاد العجم

ص: 228

وتوفى هناك واعقب ولداً واحداً وهو الشيخ علي. ومن شعره مقرضاً كتاب ( نتائج الأفكار في محاسن الاشعار ) لصاحب ( النشوة ).

ومؤلف ألف الزمان رواؤه *** ألف النواظر كل روض مزهر

الفاظه حاطت بكل فريدة *** فتكفّلت بحفاظ كنز الجوهر

وجاء في ماضي النجف :

الشيخ أبو طالب ابن الشيخ أبو الحسن الفتوني من العلماء الادباء اجتهد في العلم حتى اطاعه عاصيه وغرف من بحره فأخذ ما يكفيه القى عصاه يوم كان شاباً يافعاً من الشعراء فكان في عدادهم قال السيد عبد اللّه الجزائري في إجازته الكبيرة ( كما مرّ ). وذكره في التكملة ووصفه بالعلم والفضل إلى أن قال : وهو أبو طائفة في النجف كان والده الشريف وقف أملاكا في النجف عليه وعلى اخته فاطمة إلى آخر ما قال ، أقول : برع في العلم ونشط في طلبه وصار من العلماء ، ضايقه الدهر وحاربه الزمان فترك مسقط رأسه النجف وسافر إلى ايران ومات هناك قال في نشوة السلافة بعد ذكر اسمه : تشاغل في الأدب فصار من أربابه وتعلق بغصن البلاغة فترك قشره وأخذ من لبابه فنظم فأبدع وأكثر واوزع فمن جيد نظمه هذه القصيدة يرثي بها أبا عبد اللّه الحسين « ع » : عمر تصرّم ضيعة وضلالا.

وآل الفتوني اسرة عريقة في العلم متقدمة في الفضل لمعت بالفضل في القرن التاسع الهجري واعتزّت بها النجف من ( فتون ) وهي إحدى قرى جبل عامل ، جنوب لبنان وذكر صاحب أمل الآمل نسب هذه الاسرة وانها تمتُ بأصلها إلى الصحابي الجليل ابي ذرّ الغفاري فكان بعض العلماء المتتبعين يخاطب رجالاً من هذه الاسرة وينعته بالفتوني العاملي الجندلي الغفاري.

ووالد المترجم له هو الشيخ أبو الحسن كان - كما يقول صاحب المستدرك

ص: 229

على الوسائل - أفقه المحدثين وأكمل الربانيين الشريف العدل أفضل أهل عصره واطولهم باعاً ، وفي لؤلؤة البحرين : كان محققاً مدققاً ثقة عدلا صالحاً ، اجتمع به الوالد لما تشرف بزيارة النجف سنة 1115 ووقع بينهما بحث في مسائل جرت.

وله من الآثار العليمة ( ضياء العالمين ) في الامامة يقع في ثلاث مجلدات ضخام لم يكتب أوسع منه ، يوجد بخطه الشريف عند آل الجواهري في النجف الاشرف وله ( الفوائد الغروية ) مجلدان في أصول الدين واصول الفقه ، وغير ذلك. كانت وفاته سنة 1138 ، واعقب الشيخ أبا طالب وهو والد الاسرة الفتونية.

ص: 230

السيد حسين رشيد الرضوي

المتوفى 1156

ألا هذه حزوى وتلك خيامها *** بعيد على قرب المزار مرامها

ثوت بأعالي الرقمتين فناؤها *** فشبّ وفي قلب المحبّ ضرامها

الى اللّه كم في كل يوم يريعني *** على غير قصد ظعنها ومقامها

كأن فؤادي دارها وجوانحي *** مواقد نيران ودمعي غمامها

تجلّت لنا في موقف البين وانثنت *** وقد قوّضت عن سفح حزوى خيامها

فما نال منا لحظُها وقوامها *** كما نال منّا نأيها وانصرامها

ألمياء مهلاً بعض ذا الهجر والقلا *** فقد كاد أن يغتال نفسي حمامها

خليلي هل شاقتكما من ديارها *** طلول عفت أعلامها واكامها

ألا تسعدان اليوم صباً متيماً *** على نوب للدهر جدّ اصطدامها

وهل تنظران اليوم أيّ مصيبة *** ألّمت بأبناء النبي عظامها

لهم كل يوم سيدٌ ذو حفيظة *** كريم تسقّيه المنون لئامها

فيا عينُ جودي ثم يا عين فاسكبي *** دموعاً تباري الغاديات سجامها

أبعد النبي المصطفى وابن عمه *** وعترته في الأرض يزهو خزامها

وما عجبٌ للأرض قرّت بأهلها *** وقد ضيم فيها خيرها وإمامها

ص: 231

سليل أمير المؤمنين اذا اغتدت *** يسلّ عليه للحقود حسامها

قتيلٌ بسيف البغي يخضب شيبه *** دم النحر قد أدمت حشاه سهامها

ذبيح يروّي الارض فضل دمائه *** به قد غدى يحكي العقيق رغامها

صريع له تبكي ملائكة السما *** ومكة يبكي حلها وحرامها

شهيد بأرض الطف يبكيه أحمدٌ *** وطيبة يبكي ركنها ومقامها

وتبكيه عين الشمس بالدم قانيا *** اذا حطّ منها للطلوع لثامها

وتبكي عليه الوحش من كل قفرة *** وتندبه أرامها وحمامها

سليب عليه الجن ناحت وأعولت *** بمرثية يشجي القلوب نظامها

فما أنس لا أنسى عظيم مصابه *** وقد قصدته بالنفاق طغامها

جنود ابن سعد النحس وابن زيادهم *** نحته فآوى بالقلوب هيامها

وقد منعوه الماء ظلماً وناله *** هنالك من وقد الحروب اضطرامها

فواجههم بالنصح بدء قتالهم *** فلم يثنهم عن نهج غيٍّ ملامها

يقول لهم يا قوم ما لقرابتي *** وسبقيَ لا يُرعي لديكم ذمامها

هجرتم كتاب اللّه فينا وخنتم *** مواثيق أهليه ونحن قوامها

ورمتم قتالي ظالمين وهذه *** فرائض دين اللّه ملقى قيامها

لعمري لقد بؤتم بأعظم فتنةٍ *** سيوردكم نار الجحيم أثامها

ورحتم بعار ليس يبلى جديده *** وخطّة خسف ليس ينفد ذامها

تلقتكم الدنيا بعاجل زهرة *** فراق لديكم بالغرور حطامها

فما عذركم يوم الحساب بموقف *** يبرّح فيه بالانام أوامها

خصيمكم فيه الإله وجدنا *** ونار جحيم ليس يخبوا ضرامها

فلم يُجدِ فيهم نصحه ومقاله *** ومال الى نصح الكفاح اعتزامها

ص: 232

فجاهدهم بالآل والصحب جاهداً *** فأفناهُم سمر القنا واحتطامها

ولما رأى السبط المؤمل أهله *** وأصحابه صرعى وقد حزّ هامها

تدرّع للهيجاء يقتحم العدى *** بنفس علا في الحادثات مقامها

فجاهدهم حتى أباد من العدى *** جموعاً على الشحناء كان التئامها

إلى أن هوى للأرض من فوق مهره *** فدته البرايا غرّها وفخامها

فيا لك من شهم أصيب بفقده *** عماد المعالى والندى وشمامها

فجاء اليه الشمر واحتز رأسه *** وساق نساء السبط وهو أمامها

ومولاي زين العابدين مكبّل *** أحاطت به للنائبات عظامها

وبنتُ عتليٍّ تندب السبط لوعة *** يصدّع قلب الراسيات كلامها

أخي يا أخي لولا مصابك لم أبحُ *** بأسرار حزن فيك عزّاكتتامها

أخي يا أخي عدنا أسارى أميه *** بنا فوق متن العيس يقصد شامها

أخي ما لهذي القوم لم أر عندهم *** ذرارى رسول اللّه يرعى احترامها

أخي بين أحشائي اليك تلهّبٌ *** وعيناي مذ فارقت غاب منامها

أخي ليس لي في العيش بعدك مطمعٌ *** عُرى الصبر مني اليوم بان انفصامها

أخي فاطم الصغرى تحنّ غريبة *** بحزن الى لقياك طال هيامها

الى أن أتوا أرض الشآم بأهله *** فلا كان يوما في البلاد شأمها

فعاد يزيد ينكث الثغر لاهياً *** تدار عليه في الكؤوس مدامها

فأظلمت الآفاق من سوء فعله *** الى شفة للوفد طال ابتسامها

وقد طالما كان النبي محمد *** يروق لديه رشفها والتثامها

فيا لك من خطب تشيب لهوله *** ولائد من أن حان منها فطامها

مصائب صوب الدمع يهمي لعظمها *** فمبدؤها يذكي الجوى وختامها

إمام الهدى إني بحبك واثقٌ *** وما شقيت نفسٌ وأنت إمامها

ص: 233

أغثها أغثها سيدي بشفاعة *** ولطف فقد أخنى عليها اجترامها

فقد لازمت قدما مدايحك التي *** مدى الدهر فيها فوزها واغتنامها

وكن مدركاً مولاي في كشف شدة *** أضرّ بجسمي برحها ولمامها

انا الرضويّ العبد مادح مجدكم *** رياض الثنا تزهو بمدحي كمامها (1)

ص: 234


1- عن الديوان المخطوط ص 28 مكتبة الامام الحكيم العامة رقم 390 قسم المخطوطات بخط الشيخ محمد السماوي.

كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة الاعتدال السنة 6 ص 84 فقال :

هو السيد مير حسين ابن السيد مير رشيد ابن السيد قاسم وقد دعاه الشيخ عبد الرحمن السويدي في « حديقة الزوراء » بالسيد مير حسين الرشيدي النجفي وقال : مدح الوزير حسن باشا بقصيدة ، ولم نرها في ديوانه الذي نقلنا أكثر ما في هذه الترجمة عنه ، قلت لازم صاحبنا الاستاذ السيد نصر اللّه الحائري وبه تخرج وتأدب وهو أكبر أساتذته بلا ريب ، وللسيد مير حسين شعر كثير وقد اشتهر برقة غزله وتشبيبه وأولع بالتسميط والتخميس وهو لا يبارى في هذا الفن ولكنه لم يسمط إلا القطع الغزلية غالباً وتسميطه مشهور لا تخلو منه المجاميع الأدبية. مدح جماعة من وجوه النجف والحائر وبغداد وجرد جملة كبيرة من شعره في مدائح الرسول وأهل بيته سماها في صدر ديوانه « ذخائر المآل » وكان جمعه لديوانه سنة 1144 وأهداه إلى استاذه السيد الحائري وقد ظفرنا بنسخة الاصل من هذا الديوان في مجلدة صغيرة بخطه النفيس وهاك شذرة من أحواله نقلاً عن ظهر هذه النسخة.

جاء به أبوه الى النجف ( كانت وفاة أبسنة 1124) فاشتغل بها ورحل الى كربلاء فتلمّذ عند السيد نصر اللّه الحائري مدة ثم عاد الى النجف وتلمّذ عند السيد صدر الدين شارح وافية التوفي ثم مرض مرضاً شديدا بقي يلازمه مدة وتوفي قبل الستين وبعد الألف والماية والست والخمسين قبل شهادة استاذه السيد نصر اللّه الحائري وكان يكتب خطاً جيداً للغاية وهو من أسرة السيد صدر الدين شارح الوافية وله في ديوانه قصيدة يمدحه بها ».

هذا نص ما وجد على ظهر هذه النسخة من الديوان ، وخلاصة القول كما

ص: 235

يبدو لنا من تصفح الديوان ان السيد مير حسين من شعراء الطبقة الوسطى في عصره وهو يكثر من استخدام البديع والصناعات اللفظية وشأنه في ذلك شأن أكثر الشعراء في عصور الجمود والتقليد ولكن للسيد مير حسين حسناته في هذا الباب ، ومن شعره :

أما والهوى العذري لم أقترف ذنباً *** ولكن على رغمي أقول لك العتبى

أبيتُ على مثل الرماح شوارعاً *** لما بي ولم أشهد طعاناً ولا ضرباً

وأرفل في ثوب الهوان وطالما *** لبست رداء العزّ أسحبه سحبا

ولكنها الأيام جدّت صروفها *** فشذّت « مقاماتي » شذوذ أبي يأبى

وكتب الى السيد نصر اللّه الحائري على ورقة هندية مذهّبة :

تأمل يا أخا العلياء واحكم *** فحكمك في بني الآداب ماض

أليس الخط مع نظمي وطرسي *** رياض في رياض في رياض

وله : قال ومعنى البيت التالي مما لم يسبق اليه :

ومدامة حمراء رائقة *** أمست تفوق الشمس والبدرا

لا تستقر بكأسها طرباً *** فكأنها من نفسها سكرى

وقال في منظرة من در النجف :

صفت ورقّت فجاءت *** حسناً بمعنى عجاب

روح من الماء حلّت *** في قالب من حباب

وله :

ما يمنعُ الانسان من جلسة *** من غير بسط الفرش فوق الصعيد

من بعد قول اللّه سبحانه *** منها خلقناكم وفيها نعيد

وله في النهي عن العزلة :

ص: 236

من قال بالعزلة قولا فقد *** اوجب اهل الشرع إغفاله

فكن بخلق اللّه مستأنساً *** لا تصلح العزلة إلا له

وكتب الى بعض الأعيان صحبة كتاب ( قطر الندى )

يا بحر العلم ويا ندباً *** قد جل نداه عن الحصرِ

قابل بقبولك عذر فتى *** قد أهدى القطر الى البحر

وكتب عنه محمد حسن مصطفى في السلسلة الثالثة من كتابه ( مدينة الحسين ) كما جاءت ترجمته في مقدمة ديوان السيد نصر اللّه الحائري إذ هو الجامع للديوان وكاتبه بخطه الجيد وترجم له الشيخ الأميني في الغدير ونشرت مجلة ( الاعتدال ) النجفية في سنتها الثانية ص 457 ان جمعية الرابطة الأدبية بالنجف شرعت بطبع ديوان الشاعر المترجم له ولم نر أثراً لذلك.

وكتب عنه الاستاذ حميد مجيد هدّو في مجلة ( البلاغ ) الكاظمية في العدد الثالث من السنة الثانية.

وهذه رائعة من مدائحه النبوية أخذناها عن مجلة الغرى النجفية :

جيرة الحي أين ذاك الوفاءُ *** ليت شعري وكيف هذا الجفاء

لي فؤاد أذابَه لاعج الشوق *** وجفنٌ تفيض منه الدماء

كلما لاح بارق من حماكم *** أو تغنّت في دوحها الورقاء

فاض دمعي وحنّ قلبي لعصر *** قد تقضّى وعز عنه العزاء

يا عذولي دعني ووجدي وكربي *** إن لومي في حبّهم إغراء

هم رجائي إن واصلوا او تناؤا *** ومواليّ أحسنوا أم أساؤا

هم جلوا لي من الحميّة قدماً *** راحَ عشقٍ كؤوسها الأهواء

خمرة في الكؤوس كانت ولا كر *** م ولا نشوة ولا صهباء

ص: 237

ما تجلّت في الكاس إلا ودانت *** سجّداً باحتسائها الندماء

ثم مالوا قبل المذاق سكارى *** من شذاها فنطقهم إيماء

كنت جاراً لهم فأبعدني الده- *** -ر فمن لي وهل يردّ القضاء

أتروني نأيت عنكم ملالا *** لا ومن شرّفت به البطحاء

سرّ خلق الأفلاك آية مجدٍ *** صدرت من وجوده الأشياء

رتب دونها العقول حيارى *** حيث أدنى غاياتها الاسراء

محتد طاهر و ( خلق عظيم ) *** ومقام دانت له الاصفياء

خصّ بالوحي والكتاب ونا *** هيك كتاباً فيه الهدى والضياء

يا أبا القاسم المؤمل يا من *** خضعت لاقتداره العظماء

قاب قوسين قد رقيت علاءً *** ( كيف ترقى رقيّك الانبياء )

ولك البدر شق نصفين جهراً *** ( يا سماء ما طاولتها سماء )

ودعوت الشمس الم نيرة ردت *** لعلي تمدّها الأضواء

أنت نور علا على كل نور *** ذي شروق بهديه يستضاء

لم تزل في بواطن الحجب تسري *** حيث لا آدم ولا حواء

فاصطفاك الاله خير نبي *** شأنه النصح والتقى والوفاء

داعياً قومه الى الشرعة السم- *** -حاء يا للإله ذاك الدعاء

وغزا المعتدين بالبيض والسمر *** فردت بغيضها الاعداء

وله الال خير آل كرام *** علماء أئمة أتقياء

هم رياض الندى ودوح فخار *** وسماح ثمارها العلياء

يبتغى الخير عندهم والعطايا *** كل حين ويستجاب الدعاء

سادتي انتموا هداتي وأنتم *** عدتي إن ألمّت البأساء

والى مجدكم رفعت نظاماً *** كلئالٍ قد نَمّ منها الصفاء

خاطري بحرها وغواصها الفكر *** ونظّام عقدهنّ الولاء

وعليكم صلى المهيمن ما لاح صبا *** ح وانجابت الظلماء

أو شدا مغرم بلحن أنيقٍ *** ( جيرة الحي أين ذاك الوفاء )

ص: 238

حسن عبد الباقي الموصلي

اشارة

المتوفى 1157

جاء في ديوان الشاعر حسن بن عبد الباقي بن ابي بكر الموصلي أنه توجه لزيارة المشهدين الشريفين : العلوي والحسيني فعندما زار مرقد الإمام الحسين علیه السلام بكربلاء انشأ هذه المرثية وكتبها على جدار الباب الشريف :

قد فرشنا لوطئ تلك النياق *** ساهرات كليلة الآماق

وزجرنا الحداة ليلا فجدّت *** ثمّ ارخت أزمّة الأعناق

حبّذا السير يوم قطع الفيافي *** ما أحيلا الوداع عند الفراق

وأمامي الإمام نجل عليّ *** فخر آل البتول يوم السباق

لم تلد بعد جدّه وأبيه *** امهات بسائر الآفاق

بسناء الحسين يا حبّذا الخلق *** ويا حسن أحسن الأخلاق

أي أم تكون فاطمة الزهراء *** أو والد على الحوض ساقي

أي جدّ يكون أفضل خلق اللّه *** والمجتبى على الاطلاق

هل علمتم بما أهيم جنونا *** ولماذا تأسفي واحتراقي

يوم قتل الحسين كيف استقرت *** هذه الأرض بل وسبع الطباق

أيها الأرض هل بقي لك عين *** ودماء الحسين بالاهراق

كيف لا تنسف الشوامخ نسفاً *** ويحين الوجود للامحاق

ص: 239

أغرق اللّه آل فرعون لكن *** لم يكن عندهم كهذا النفاق

يا سماءاً قد زيّنت واستنارت *** وبها البدر زائد الاشراق

هكذا يوم كربلا كان يزهو *** فرقد فيك والنجوم البواقي

كيف باللّه ما غدت كعيون *** سابحات بأنهر الأحداق

كيف لم تجعل النجوم رجوماً *** ورميت العداة بالاحراق

وآحياء الزمان من آل طه *** وعتاب البتول عند التلاقي

ما تذكّرت يا زمان عليّا *** كيف ترجو بأن ترى لك واقي

لو ترى جيد ذلك الجيد يوماً *** ودماء على المحاسن راقي

كلّ عرق به الهداية تزهو *** لعن اللّه قاطع الاعراق

انت تدرى بمن غدرت فأضحى *** بدماء مرملاً بالعراق

هكذا كان لايقاً مثل شمر *** يلتقى الآل بالسيوف الرقاق

حرم المصطفى وآل عليّ *** سائبات على متون العتاق

بين ضمّ الحسين وهو قتيل *** واعتناق الوداع أي اعتناق

يا ابن بنت الرسول قد ضاق أمري *** من تناءٍ وغربة وافتراق

ودجا الخطب والمصائب ألقت *** رحلها فوق ضيق هذا العناق

جئت اسعى إلى حماك وما لي *** لك واللّه ما سوى الأشواق

وامتداح مرصّع برثاءٍ *** فتقبّل هدية العشاق

وعلى جدك الحبيب صلاة *** ما شدا طائر على الأوراق

ص: 240

حسن العمري الموصلي الفاروقي

حسن بن عبد الباقي بن ابي بكر الموصلي الملقب بعبد الجمال ، ولد في حدود 1100 ه- وتوفي ببغداد عام 1157 ه- ، وكان من أشهر شعراء الموصل في عصره وله ترجمة وافية في ديوانه المطبوع في الموصل سنة 1386 ه- بمطبعة الجمهورية وتحقيق محمد صديق الجليلي كما ترجمه الأدباء الذين كتبوا عن أدباء الموصل.

قال السيد الأمين في الأعيان ج 21 ص 92 ، هو ابن أخ عبد الباقي العمري الموصلي الشاعر المشهور ، ونظم حسن قصيدة في رثاء الحسين علیه السلام أولها :

قد فرشنا لوطئ تلك النياق ..

ولم يتيسر لنا الاطلاع عليها. فقال السيد حسن ابن السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد الحسني البغدادي المعروف بالسيد حسن الاصم المعروف بالعطار المتوفى 1241. مقرضاً لها بقصيدة أولها :

حبذا واخدات تلك النياق *** حيث وافت بكتبكم بالعراق

إلى أن يقول :

حيث زفت إلى إمام همام *** سبط خير الورى على الاطلاق

وسليل البتول بضعة طه *** صاحب الحوض واللوى والبراق

اقول وفي ج 25 من الأعيان ص 223 نسب هذه القصيدة للسيد حسين البغدادي من أواسط أو أوائل المائة الثانية عشرة.

ص: 241

واليكم قصيدة للمترجم له ، كما جاء في الديوان ما نصه :

ما أنشأه الأديب حسن بن عبد الباقي بن أبي بكر الموصلي يمتدح سيدنا ومولانا أمير المؤمنين ويعسوب الدين الامام عليا ابن ابي طالب كرم اللّه وجهه وذلك لما قادته السعادة الازلية من غلالة التوفيق لزيارة المشهدين الشريفين في سلخ جمادى الآخرة من سنة 1143 ، وكتبها على باب الحضرة المنورة :

نعم بلغت يا صاحِ نفسي سؤالها *** وليس عليها كالنفوس ولا لها

فزمزم ودع ذكر الحطيم وزمزم *** فقد جعلت ذكر المقام مقالها

مقام هو الفردوس نعتاً ومشهداً *** وجنة خلد قد سقيت زلالها

فيا قبة الأفلاك لست كقبة *** المقام مقاماً بل ولست ظلالها

فكم هبطت للأرض منك كواكب *** لتلثم حصباء بها ورمالها

وكم ودّ بدر التم حين حجبتها *** رجال حفاة أن يكون نعالها

فتلك سماء بالمصابيح زينت *** وان فخرت كان الهلال هلالها

وتأمن عين الشمس كسفاً ولا ترى *** إذا اكتحلت ذاك التراب زوالها

فهاتيك في وجه الوجود كوجنة *** وقبر ابن عمّ المصطفى كان خالها

وصيٌ وصهر وابن عمّ وناصرٌ *** وحامي الورى طراً وماحي ضلالها

عليّ أمير المؤمنين ومن حوى *** مقاماً محا قيل الظنون وقالها

فمن يوم اسمعيل بعد محمدٍ *** إذا عدّت الاحساب كان كمالها

وضرغامها والمرتضى وأمامها *** وحيدرها والمرتضى وجلالها

واكرمها والمرتجى ويمينها *** وأعلمها والملتجى وشمالها

فكيف ترى مثلاً لأكرم عصبة *** إذا كنت تدرى بالوصيّ اتصالها

فلا تسم الأعصاب من صلب آدم *** وان سُمت لا تسوى جميعا عقالها

لها السؤدد الأعلى على كل عصبة *** ولم تر بين العالمين مثالها

ص: 242

لقد حازت السبطين بدري محمد *** وبضعته الزهراء نوراً وآلها

فيا خير من أرخت أزمّة نوقها *** اليه حداة زاجرات جمالها

ويا خير من حجّت اليه من الورى *** بنو آمل ألقت اليه رحالها

ويا خير مأوى للنزيل وملتجى *** إذا أزمة أبدى الزمان عضالها

ألا أيها الممتاز من آل هاشم *** ومن كان فيهم عزّها واكتمالها

ألا يا أبا السبطين يا خير مَن رقى *** لمنزلة حاشا الورى أن ينالها

أزلتَ ظلام الشرك يا آية الهدى *** وأفنيتَ أصنام العدى ورجالها

وأطلعت شمس الحق والكفر قد دجى *** ولولاك يا فخر الوجود أزالها

اتيناك نسعى والذنوب بضائع *** وقد حملت منّا الظهور ثقالها

ولمّا تنافسنا ببذل نفائس *** وانفسنا أهدت اليك ابتهالها

عفا اللّه عني لم أجد غير مهجة *** وادرى إذا ما قد رضيت امتثالها

فو اللّه مهما حلّ حضرتك التي *** تحج بنو الآمال نال نوالها

اغثني اغثني من هوى النفس علنّي *** أرى للتقى بعد الشفاء مآلها

اجرني اجرني من ذنوب تراكمت *** فما لي سوى الألطاف منك ومالها

أعني أعني من عناء وأزمة *** أزلها أبا السبطين واصرم حبالها

فدهم الليالي العاديات مغيرة *** وقد أوسعت أيّام عسري مجالها

وضاق فسيح الأرض حتى كأنني *** حملت على ضعفي الفلا وجبالها

كأن الدواهي حرة قد تزوجت *** بقلبي ولم تبذل لغيري وصالها

بذلت لها عمري صداقاً ولم تلد *** سوى حرقة قد أرضعتها اشتعالها

وسوف أراها طالقاً بثلاثة *** على يدهم اني اعتقدت زوالها

أبا الحسنين المرتضى وحسينه *** وفاطمة هبني لمدحي عيالها

فمن مطلعي حتى الختام بمدحهم *** نعم بلغت يا صاح نفسي سؤالها

ص: 243

تقاريض للقصيدة الحسينية :

قال السيد حسين المشهدي (1) مقرضاً قصيدة الحسن بن عبد الباقي الموصلي - ابن اخت عبد الباقي العمري - التي رثى فيها الحسين علیه السلام وأولها : قد فرشنا لوطئ تلك النياق - فقال :

أمنتجع المولى الشهيد لك البشرى *** فقد عظم اللّه الكريم لك الاجرا

لقد سرت من دار السلام ميمماً *** إلى حرم زاكٍ فسبحان من أسرى

وخضت ظلام الليل شوقاً لقربه *** كذاك يغوص البحر من طلب الدرا

وشنفت اسماع الورى بلآلئ *** لجيد مديح السبط نظّمتها شعرا

ودبجت من نسج الخيال مطارفا *** ممسكة الأذيال قد عبقت نشرا

يطرزها مدح الحسين بن أحمد *** عماد الهدى عين العلى بضعة الزهرا

فجاءت بالفاظ هي الخمر رقةً *** وفرط صفا لكن لها نشأة اخرى

تنوب عن الشمس المنيرة في الضحى *** سناءاً وان جنّ الدجى تخلف البدرا

وقفنا على تشبيبها ورثائها *** فألبابنا سكرى وأجفاننا عبرى

فيالك من نظم رقيق صغت له ال- *** -قلوب فاذكت من توقدها جمرا

ولا غرو إن بكت معاني نظامها ال- *** -عيون بالفاظ قد ابتسمت ثغرا

هي الروضة الغناءُ أينع زهرها *** فلا عدمت من فيض أعشابه قطرا

فيا حسن الأخلاق والاسم من له *** محاسن فاقت في السنا الانجم الزهرا

هنيئاً لك الفخر الذي قد حويته *** بشعر بمدح الآل قد زاحم الشعرى

فقد شكر الرحمن سعيك فيهم *** وعوضكم عن كل بيت بهم قصرا

فمدحهم للمرء خير تجارة *** مدى الدهر لا يخشى بها تاجر خسرا

وكن واثقاً باللّه في دفع شدة *** شكوت اليهم من مقاماتها ضُرا

ص: 244


1- ترجمة السيد الأمين في الأعيان ج 27 ص 276 ونقل هذه الترجمة البحاثة علي الخاقاني في الجزء الثاني من شعراء الحلة ص 237.

ولا تضجرن من حادث الدهر ان عرا *** فسوف يعيد اللّه عسركم يسرا

وجد لنظامي بالقبول تفضلاً *** وبالعذر ان الحرّ من عذر الحرا

وقال الحاج جواد بن الحاج عبد الرضا بن عواد البغدادي مقرضاً :

ألا يا ذوي الألباب والفهم والفطن *** ويا مالكي رقّ الفصاحة واللسن

خذوا للاديب الموصلي قصيدة *** بدرّ المعاني قلّدت جيد ذا الزمن

تسير بها الركبان شرقاً ومغرباً *** فتبلغها مصراً وشاماً إلى عدن

غلت في مديح الآل قدراً وقيمة *** فأنى لمستام يوفّي لها الثمن

تفنن في تشبيهها ورثائها *** تفنن قمريّ ينوح على فنن

فاعظم بممدوح وأكرم بمادح *** صفا قلبه للمدح في السر والعلن

فلو رام أن يأتي أديب بمثلها *** لأخطأ في المرمى وضاق به العطن

فكيف وقد أضحى يقلد جيدها *** بدر رثاء السبط ذي الهم والمحن

سليل البتول الطهر سبط محمد *** ونجل الامام المرتضى وأخي الحسن

شهيد له السبع الطباق بكت دماً *** ودكّت رواسي الأرض من شدّة الحزن

وشمس الضحى والشهب أمسين ثكلا *** ووحش الفلا والانس والجن في شجن

على مثل ذا يستحسن النوح والبكا *** وسحّ المآقي لا على دارس الدمن

فلله حبرٌ حاذق بات ناسجا *** بديع برود لم تحك مثلها اليمن

حسينية أوصافها حسنية *** بتقريظها غالى ذوو الفهم والفطن

فلا غرو إن أربى على البدر حسنها *** فعنصرها يُعزي إلى والد حسن

جزاء آله العرش عن آل أحمد *** أتمّ جزاء فهو ذو الفضل والمنن

ص: 245

الشيخ محي الدين الطريحي

الشيخ محي الدين بن محمود الطريحي المتوفى 1158

جاد ما جاد من دموعي السجام *** لمصاب الكريم نجل الكرام

قلّ صبري وزاد حزني ووجدي *** فدموعي كأسي ودمعي مدامي

إنما حسرتي وهمي وحزني *** ونحيبي وزفرتي واضطرامي

لسليل البتول سبط رسول اللّه *** نور الإله خير الانام (1)

ص: 246


1- أوردها السيد الامين وقال : هي شيخ محي الدين. اقول وقد تقدم في ترجمة الشيخ محمد علي الطريحي انها من شعره

الشيخ محي الدين بن محمود بن أحمد بن طريح الطريحي المسلمي الرماحي من أبناء عم فخر الدين الطريحي صاحب مجمع البحرين ومعاصر له توفي في النجف الأشرف سنة 1158. كذا ذكر السيد الامين ، والصحيح 1130.

كان فاضلاً تقياً مصنفاً أديباً شاعراً له شعر كثير في الحسين (عليه السلام) وله ديوان شعر مجموع. وفي الطليعة : كان فاضلاً تقياً مصنفاً أديباً شاعراً ، له شعر كثير في الحسين (عليه السلام) وشعره في الطبقة الوسطى. وقال في نشوة السلافة : كان في العلم قدوة وصدرا وأجرى من ينبوعه بتحقيقه نهرا ، ان نثر فالدر نثاره أو نظم فاقت العقود أشعاره.

توفي في النجف الأشرف سنة 1130 ودفن في وادي السلام كما في ( الطليعة ) وفي كتاب ( ماضي النجف ) ساق نسبه هكذا : الشيخ محي الدين بن محمود ابن أحمد بن طريح ، وجد نسبه بهذه الصورة بخطه على ظهر الفخرية مؤرخ سنة 1116 وكتب ولده الشيخ أمين الدين والد الشيخ علاء الدين تملكه للنسخة قال الشيخ الطهراني في الذريعة - قسم الديوان : ديوانه موجود في النجف وقد كتب هو بخطه تمام نسبه على ظهر ( الفخرية ) تأليف الشيخ الطريحي سنة 1116 وترجم له في ( نجوم السماء ) ص 127.

وللسيد نصر اللّه الحائري قصيدة مثبتة في ديوانه المطبوع ص 195 يراسل بها الشيخ محي الدين - مطلعها :

عتبتم لكن بلا جرمِ *** على مشوق ناحل الجسمِ

وله فيه أيضاً :

مولاي محي الدين مذ *** قد غبتَ عن عياني

ص: 247

أقلام هدبي كتبت *** بحبر دمعي القاني

في طرس خدي كلما *** أخفيت من أشجاني

وذكره السيد الامين بقوله :

هو أحد رجال العلم وفرسان الأدب وذكر له شعراً في المدح والوصف فمن شعره قوله يمدح والي البصرة حسين باشا ابن افراسياب السلجوقي :

هي الشمس أم نار على علم تبدو *** أم البدر أم عن وجهها أسفرت هند

وذلك برق لامع أم مباسم *** تبدّت لنا أم لاح في نحرها العقد

وتلك رماح الخط تلوي متونها *** يد الريح أم تيهاً يميس بها القد

وذا عطرها قدفاح أم نشر عنبر *** أم اهتاج من حزوى العرار أو الرند

هو الدهر لم يبلغ به السؤل ماجد *** وكم نال منه فوق بغيته الوغد

سيفري أديم الأرض في خطو شيظم *** هو الماء إذ يمشي أو النار إذ يعدو

إلى حلّة فيها حسين أخو الندى *** أبو المجد خدن الفضل والعلم الفرد

نتيجة اقيال سرات أماجد *** غيوث اذا استندوا ليوث اذا استعدوا

وجارى السحاب الجون كفيه فانثنى *** مقراً بفضل لا يطاق له جحد

بمدحك عاد الشعر غضاً كأنما *** غذته بمضغ الشيح عرفاء أو نهد

وله في وصف فانوس - المصباح -

كأنما الفانوس في حلّة *** حمراء من نسج رفيع رقيق

والشمعة البيضاء في وسطه *** ذات اعتدال مثل سهم رشيق

صعدة بلور لها حربة *** من ذهب في خيمة من عقيق

أو كاعب بيضاء عريانة *** قائمة في كلّة من شقيق

وقال في أمل الآمل :

الشيخ الفقيه محي الدين بن محمودبن أحمد بن طريح النجفي

عالم فاضل محقق عابد صالح أديب شاعر ، له رسائل ومراثي للحسين

ص: 248

علیه السلام ، وديوان شعر. وهو من المعاصرين.

والشيخ محي الدين بن كمال الدين هو سبط شيخنا المترجم له ولهذا السبط ترجمة وافية توفي سنة 1148 ورثاه الشيخ أحمد النحوي بقصيدة وعدد عشرة علماء من آل طريح في بيت واحد وأرخ عام وفاته ، ومطلعها :

لا غرو إن فاضت عيون عيوني *** وعلت بسح دم شجون شجوني

وتصاعدت حرقي ودام على المدى *** قلقى وطال لما اجنّ حنيني

إلى ان قال :

أودى بعضب للنوائب قاطع *** يفري من الأعداء كل وتين

أودى بترب المجد حلف المفخر *** السامى مميت الجهل ( محي الدين )

العالم القدسي والحبر الذي *** لم يرض من نيل العلى بالدون

محي رسوم فروض شرعة أحمد *** الهادي وشاهر عضبها المسنون

الشامخ العرنين نجل الشامخ *** العرنين نجل الشامخ العرنين

إلى ان قال :

من نسل آل طريح القوم الاولى *** تتلى مآثرهم ليوم الدين

علماء علامون بان علاهُم *** بالذات واستغنى عن التبيين

إلى ان قال مؤرخاً :

والدهر أعلن بالنداء مؤرخاً *** المجد مات لموت محي الدين

ص: 249

السيد نصر اللّه الحائري

المتوفى 1168

يا بقاع الطفوف طاب ثراك *** وسقى الوابل الملث حماك

وحماك الإله من كل خطب *** فلقد أخجل النجوم حصاك

ووجوه الملوك تحسد فرشا *** تحت اقدام زائر وافاك

حيث قد صرت مرقداً لإمام *** واطئ نعله لفرق السماك

الحسين الشهيد روحي فداه *** نجل مخدوم سائر الافلاك

شنف عرش الإله مولى نداه *** طوق جيد الاقيال والاملاك

افتك الناس يوم طعن وضرب *** وهو مع ذاك أنسك النساك

ذو سماح كالبحر عمّ البرايا *** وحديث كالدرّ في الاسلاك

كل ما شئت من مديح فقل فيه *** وجانب مزالق الاشراك

نجل خير النساء بضعة كه *** من سمت ذاتها عن الادراك

من عليه فليندب الخلق طراً *** وعليه فلتبك عين البواكي

ما كفاهم قتل المطهر حتى *** أوطؤا الصدر منه جُرد المذاكي

كان ضيفا لديهم فقروه *** - لا سقاهم حياً - بطعن دراك

ص: 250

السيد أبو الفتح عز الدين نصر اللّه بن الحسين بن علي الحائري الموسوي الفائزي (1) المدرس في الروضة الشريفة الحسينية المعروف بالمدرس وفي كلام عبد اللّه السويدي البغدادي انه يعرف بابن بطة وكذا في نشوة السلافة.

استشهد بقسطنطينية على التشيع سنة 1168 عن عمر يقارب الخمسين ، عالم جليل محدث أديب شاعر خطيب كان من أفاضل أهل العلم بالحديث متبحراً في الأدب والتاريخ حسن المحاضرة جيد البيان طلق اللسان ماهراً في العربية له مؤلفات مذكورة مشهورة وديوان شعر جمعه السيد حسين رشيد ، ولما ذهّب نادر شاه قبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام سنة 1155 قال المترجم له قصيدة بهذه المناسبة ويؤرخ تذهيب القبة وقدخمّس هذه القصيدة تلميذه الشيخ أحمد النحوي وأولها :

إذا ضامك الدهر يوماً وجارا *** فلذ بحمى أمنع الخلق جارا

علي العليّ وصنو النبي *** وغيث الورى ثم غيث الحيارى

هزبر النزال وبحر النوال *** وشمس الكمال التي لا توارى

كان شخصية لامعة في عصره ، له مجلس تدريس في الحضرة الحسينية المطهرة يحضره طائفة كبيرة من أفاضل أهل العلم العراقيين والمهاجرين ، سافر إلى إيران عدة مرات منها في عصر السلطان نادر شاه. وعندما هاجم هذا

ص: 251


1- أقول وسلسلة نسبه هكذا : نصر اللّه بن الحسين بن علي بن يونس بن جميل بن علم الدين ابن طعمة بن شرف الدين بن نعمة اللّه بن أبي جعفر أحمد بن ضياء الدين يحيى بن أبي جعفر محمد بن شرف الدين أحمد المدفون في عين التمر - شفاثة ابن أبي الفائز بن محمد بن أب الحسن علي بن أبي جعفر محمد خير العمال ابن أبي فويرة علي المجدور بن أبي عاتقة أبي الطيب أحمد ابن محمد الحائري بن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (عليه السلام).

السلطان حدود العراق وحاصر بغداد حوالي ثمانية أشهر ، ولذلك حديث مشهور في تاريخ العراق مما اضطر الدولة العثمانية ان تعقد الصلح مع نادر على ان يكف عن غاراته هذه من جانب نادر ، وأما العثمانيين فعليهم ان يعترفوا بمذهب الشيعة رسمياً وان يكون لهم محراب خامس في مكة المكرمة ، وإمام للصلاة في الحرم وان يكون أمير الحاج للشيعة من قبله على الطريق البري العراقي.

ان السلطان بذل سياسة كبرى من أجل توحيد كلمة المسلمين واماتة الخصومات والعنعنات الطائفية وتوجه للنجف لزيارة الإمام امير المؤمنين علیه السلام وقام يتذهيب القبة العلوية والمأذنتين والايوان الشرقي - وهي أول قبّة كسيت بالذهب في العراق ، وكان من أعظم أهدافه ان يجمع علماء الاسلام على الوثام وهكذا كان فقد أحضر الشيخ علي أكبر الطالقاني - من علماء دار السلطنة ومفتيها وشيوخ الاسلام من إيران والافغان وأحضر الشيخ عبد اللّه الالوسي من بغداد ، فكتبوا الحكم والمحضر ووقعوه وأقاموا الجمعة جيمعاً بجامع الكوفة وكانوا في حدود خمسة آلاف وخطيبهم نصر اللّه الحائري وختم السلطان نادر بتوقيعه ، وكانت كتابتها بالفارسية ، وأشهد عليهم صاحب المرقد الشريف أمير المؤمنين وإمام المتقين.

كان رحمه اللّه كثير الاعتكاف في روضة سيدنا العباس بن أمير المؤمنين علیه السلام مشغولاً بالدراسة والتدريس ، وسافر إلى الاستانة بمهمة رسمية من قبل نادر شاه وهناك وشى مفتي صيدا عليه عند السلطان العثماني فأمر بقتله فاستشهد في ( اسطنبول ) 1168 ه.

وكتب الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة الاعتدال النجفية عنه فقال :

يُعد الاستاذ المحدث الأديب السيد نصر اللّه الحائري رحمه اللّه من أئمة الأدب في منتصف القرن الثاني عشر ، شدت اليه الرحال وكانت له في الحائر

ص: 252

مدرسة مشهورة وخزانة من أنفس خزانات الكتب في عصره جلب اليها النسخ المختارة من الأقطار البعيدة فقد كان الاستاذ المشار اليه رحالة كثير الأسفار وقد زار القسطنطينية وعواصم البلاد الايرانية وسواها غير مرة. وقد روى عنه وقرأ عليه أشهر أدباء العصر الذي يلي عصره أو الطبقة التي تلي طبقته ومنهم بعض آل النحوي ومنهم على الغالب الاستاذ اللغوي الأديب السيد صادق الفحام النجفي وهذا من أشهر أدباء العصر المذكورين الذين تخرجوا على الحائري والسيد مير حسين الرضوي النجفي صاحب الديوان.

وللسيد نصر اللّه يتشوق إلى كربلاء المقدسة :

يا تربة شرفت بالسيد الزاكي *** سقاك دمع الحيا الهامي وحياك

زرناك شوقاً ولو أن النوى فرشت *** عرض الفلاة لنا جمراً لزرناك

وكيف لا ولقد فقتٍ السماء علاً *** وفاق شهب الدراري الغر حصباك

وفاق ماؤك أمواه الحياة وقد *** أزرى بنشر الكبا والمسك رياك

رام الهلال وان جلّت مطالعه *** أن يغتدي نعل من يسعى لمغناك

وودت الكعبة الغراء لو قدرت *** على المسير لكي تحظى بمرآك

أقدام من زار مثواك الشريف غدت *** تفاخر الرأس منه ، طاب مثواك

ولا تخاف العمى عين قد اكتحلت *** أجفانها بغبار من صحاراك

فانت جنّتنا دينا وآخرة *** لو كان خلّد فيك المغرم الباكي

وليس غير الفرات العذب فيك لنا *** من كوثر طاب حتى الحشر مرعاك

وسورة المنتهى في الصحف منك زهت *** طوبى لصب تملّى من محياك

كم خضت بحر سراب زادني ظمأ *** سفينه العيس من شوقي للقياك

كم قد ركبت اليك السفن من شغف *** فقلت يا سفن بسم اللّه مجراك

لله أيام انس فيك قد سلفت *** حيث السعادة من أدنى عطاياك

فكم سقيت بها العاني كؤوس منى *** ممزوجة بالهنا سقياً لسقياك

وكم قطفنا بها زهر المسرّة *** وصال قوم كرام الأصل نسّاك

ص: 253

كأنهم أبحر جوداً ولفظهم *** كأنه درر من غير أسلاك

فالآن تنهلّ سحب الدمع من كمد *** مهما تبدت بروق من ثناياك

حياك ربي وحيّا سادة نزلوا *** في القلب مني وان لاحوا بمغناك

ولا برحت ملاذاً للأنام ومص- *** -باح الظلام وبرء المدنف الشاكي (1)

وقال :

يا شموساً في الترب غارت وكانت *** تبهر الخلق بالسنا والسناء

يا جبالاً شواهقاً للمعالي *** كيف وارتك تربة الغبراء

يا بحاراً في عرصة الطف جفت *** بعدما أروت الورى بالعطاء

يا غصوناً ذوت وكان جناها *** دانياً للعفاة في اللأواء

آه لا يطفئ البكا غليلي *** ولو أني اغت رفت من داماء

كيف يطفى والسبط نصب لعيني *** وهو في كربة وفرط عناء

لست أنساه في الطفوف فريدا *** بعد قتل الأصحاب والأقرباء

فإذا كرّ فرّ جيش الأعادي *** وهم كثرة كقطر السماء

فرموه بأسهم الغدر بغيا *** عن قسي الشحناء والبغضاء

ومن الجد قد دنا قاب قوسي- *** -ن من اللّه ليلة الاسراء

فاتاه سهم رماه عن السر *** ج صريعاً مخضباً بالدماء

فبكته السما دما وعليه ال- *** -جن ناحت في صبحها والمساء

يا بني أحمد سلام عليكم *** من حزين مقلقل الاحشاء

طينتي خُمّرت بماء ولاكم *** وأبونا ما بني طين وماء

وانا العبد ذو الجرائم نصر الل- *** -ه نجل الحسين حلف البكاء

ارتجي منكم شرابا طهورا *** يثلج الصدر يوم فصل القضاء

فاسمحوا لي به وكونوا ملاذي *** من خطوب الزمان ذي الاعتداء

وعليكم من ربكم صلوات *** تتهادى ما فاح نشر الكباء

ص: 254


1- ديوانه المطبوع بالنجف الأشرف سنة 1373.

لطف اللّه بن محمد البحراني

اشارة

حتى مَ تسأل عن هواك الأرسما *** غياً وتستهدي الجماد الابكما (1)

وألام تسأل دمنة لم تلف في *** أرجائها إلا الأثافي جثّما

خلتِ الديار من الأنيس فما القطين *** بها القطين ولا الحما ذاك الحما

سفه وقوفك بين أطلال خلت *** وعفت وغيّرها البلاء وأعدما

ضحك المشيب بعارضيك فنح أساً *** أسفاً على عمر مضى وتصرّما

فالعمر أنفس فايت فتلاف ما *** ضيّعت منه وخذ لنفسك مغنما

وإذا أطلّ عليك شهر محرم *** فابك القتيل بكربلاء على ظما

قلبي يذوب إذا ذكرت مصابه ا *** لمرّ المذاق ومقلتي تجري دما

واللّه لا أنساه فرداً يلتقي *** بالرغم جيشاً للضلال عرمرما

والسّمر والبيض الرقاقة تنوشه *** حتى أصيب بسهم حتفٍ فارتما

فهوى صريعاً في الرغام مجدّلاً *** يرنو الخيام مودّعاً ومسلّما

ومضى الجواد الى الخيام محمحماً *** دامي النواصي بالقضيّة معلما

فخرجن نسوته الكرائم حسّراً *** ينثرن دمعاً في الخدود منظّما

فبصرن بالشمر الخبيث مسارعاً *** بالسيف في النحر الشريف محكّما

فدعته زينب والأسى في قلبها *** يبدو المجنّ ويظهر المستكتما

ص: 255


1- عن مجموعة قديمة يرجع تاريخها الى عصر الناظم ، ورأيتها في مجموعة خطية للشيخ محمد علي اليعقوبي وهي اليوم في مكتبة ولده الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي.

يا شمر دعه لنا ثمال أراملٍ *** وملاذ أيتامٍ لنا يحمي الحما

حتى برا الرأس الشريف من القفا *** فغدا على رأس السنان مقوّما

فارتجّت السبع الطباق وزلزلت *** أركانها والأرض ناحت والسما

اللّه أكبر يا له من حادث *** أضحى له المجد الرفيع مهدّما

اللّه أكبر يا له من حادث *** أمسى له الأفق المنوّر مظلما

اللّه أكبر يا له من حادثٍ *** أبكا المشاعر والمقام وزمزما

يا راكباً نحو المدينة قف بها *** عند الرسول معزّياً متظلّما

وقل السلام عليك يا أزكى الورى *** نسباً وأكرمهم وأشرف منتما

أوصيت بالثقلين أمتك التي *** لم تألها نصحاً لها وتكرّما

ها قد أضاعت يا رسول اللّه ما *** أتمَنَت بذمّتها وعهداً مبرما

هذا الحسين بكربلا عهدي به *** شفتاه ناشفتان من حرّ الظما

وتركت نسوته الكرائم حسّراً *** من حوله يمسحن منحره دما

واقصر من الشكوى ستسمع أنّةً *** من قبره تدع الفؤاد مكلّما

وانحُ البتول وقل أيا ستّ النسا *** أعلمت قاصمة الظهور بنا وما

ست النساء أما علمتِ بما جرى *** رزؤٌ أراه من الرزايا أعظما

ست النساء ربيب حجرك في الثرى *** عاري اللباس مسربلاً حُلل الدما

ست النساءحبيب قلبك قد قضى *** ظامي الحشا والنهر في جنبيه ما

ست النساء رضيع ثديك رضّضت *** خيل العدى أضلاعه والأعظما

يعزز عليّ بأن أقول معزياً *** وأفوه عما في الضمير مترجماً

الرأس منه على سنان شاهق *** والجسم من وقع السيوف مهسّما

وبناتك الخفرات في أيدي العدى *** خلّفتهنّ مكشّفات كالأما

أبرزن من بعد الخدور حواسراً *** سلب العدى منها الردا والمعصما

أخذت سباً حرقت خباً شتمت أباً *** ما كان أهلا أنت سبّ وتشتما

ص: 256

ودعا ابن سعد بالجمال فقرّبت *** وسرى بها لحادي المجدّ مزمزما

بأبي حزينات القلوب يروعها *** حادي الظعون على البرا مترنّما

بأبي البطون الطاويات من الطوى *** بأبي الشفاه الناشفات من الظما

بأبي الدماء السائلات وأرؤساً *** في العاسلات غدت تضاهي الأنجما

بأبي سكينة والرباب وزينباً *** في الضعن يسترحمنَ من لم يرحما

وأمامهن الرأس فوق قناته *** يتلو من القرآن آياً محكما

حتى أناخ على يزيد فقدّموه *** بطشته لما رآه تبسّما

جذلان يقرع بالقضيب مقبّلاً *** يحنو عليه المصطفى متلثّما

واقام عيداً في الشآم كما أقامت *** في السماء له الملائك مأتما

فعلى يزيد ووالديه وتابعيه *** ومن رضيه اللعن من رب السما

وعلى النبيّ محمدٍ والآل ما *** هبّت صبا صلّى الإله وسلّما

مولاي يا بن الأكرمين وقلّ ما *** نتج الكريم سوى النجيب الأكرما

مولاك لطف اللّه فوّض أمره *** بيديك معتمداً عليك وسلّما

مولاي خذ بيدي غداً مع والديّ *** ومن غدا في الحب مثلي مغرما

فامنن علينا بالقبول فإنّك *** البرّ الوصول تعطفاً وتكرّما

وعليكم صلّى المهيمن ما دجا *** ليلٌ وما الصبح المنير تبسّما

ص: 257

قال الشيخ الطهراني في الذريعة قسم الديوان صفحة 944 :

ديوان الشيخ لطف اللّه البحراني ابن محمد بن عبد المهدي بن لطف اللّه بن علي البحراني الذي صحح بعض أجزاء شرح النهج لابن أبي الحديد الموجود هو في مكتبة ( سبهسالار ) طهران كما في فهرسها ج 2 ص 48 وفرغ من التصحيح 15 شعبان سنة 1164 وهو من الشعراء الراثين للحسين علیه السلام الذين جمعههم حفيد هذا الشاعر وسمّيه وهو لطف اللّه بن علي بن لطف اللّه ابن محمد بن عبد المهدي ، وهم اربعة وعشرون شاعراً جمع مراثيهم هذا الحفيد في مجموعة في سنة 1201 وهذه المجموعة بخط الحفيد موجودة عند الشيخ محمد علي يعقوب الخطيب النجفي المعاصر انتهى.

أقول ثم ذكر ديوان الشيخ لطف اللّه الجدحفصي في رثاء الحسين وهو ابن الشيخ علي بن لطف اللّه البحراني المذكور آنفاً ، وهو المؤلف للمجموعة في سنة 1201 وقد أدرج في المجموعة مراثي من نظمه.

وللشيخ لطف اللّه بن الشيخ محمد قصيدة تزيد على المائة بيت أولها :

ألغير كاظمة يرقّ تغزلي *** حيّا الحيا ساحاته من منزلي

في صفحة 113 من مجموعة مخطوطة في مكتبة الإمام الصادق - حسينية آل الحيدري بمدينة الكاظمية رقم 75 بخط محمد شفيع بن محمد بن مير عبد الجميل الحسيني سنة 1242.

ص: 258

الشيخ علي العادلي العاملي

عج بالديار سقاها الوابل الهطلُ *** وجادها من ملثّ القطر منهملُ

ليت المطايا التي سارت بهم عقرت *** يوم الرحيل ولازمّت لهم ابل

بانوا فلم يبق لي من بعدهم جلدٌ *** كلا ولا مهجة تغتالها العلل

مصاب سبط رسول اللّه من ختمت *** بجده أنبياء اللّه والرسل

دعوه للنصر حتى إذ أتى نكثوا *** ما عاهدوه عليه بئس ما فعلوا

رووه يوم الرزايا بالكتائب والخيل *** التي ضاق عنها السهل والجبل

والسبط في صحبه كالبدر حيث بدا *** بين الكواكب لم يرهقهم الوجل

تسابقوا نحو إدراك العلى فجنوا *** ثمارها بنفوس دونها بذلوا

من كل قرم أشمّ الانف يوم وغىً *** ضرغام غاب ولكن غابه الاسل

فعفروا في الثرى نفسي الفداء لهم *** صرعى تسحّ عليهم دمعها المقل

يا آل طه بكم نرجو النجاة غداً *** من الخطايا إذا ضاقت بنا السبل

فانتم شفعاء للانام غداً *** يوم الحساب إذا لم يسعد العمل

فدونكم من علي نجل أحمد يا *** آل النبي رثا ما شابه خلل

والقصيدة طويلة موجودة في الديوان المخطوط بمكتبة الامام الحكيم العامة برقم 745 قسم المخطوطات.

ص: 259

الشيخ علي بن أحمد الملقب بالفقيه العاملي المشهدي الغروي يقول السيد الأمين : وجدنا له ديوان شعر في النجف بمكتبة الشيخ محمد السماوي أقول وله مراسلات أدبية مع الشاعر السيد نصر اللّه الحائري سنة 1122. قال الشيخ الأميني : وهو موصوف بالعلم والأدب والفضيلة ، له ديوان مرصوف مسبوك مرتب على أبواب وخاتمة (1) ، قرأ على المدرس الشريف الأوحد السيد نصر اللّه الحائري.

وذكره صاحب نشوة السلافة فقال : العالم النبيه الشيخ علي بن أحمد الفقيه نادرة هذا العصر والزمان ومدره الفصاحة والبيان ، لا تغمز له قناة ولا تقرع له صفاة ، شعره أنور من روض زاهر لا يطيق أن يأتي بمثله شاعر.

رائعة من روائعه في مدح النبي الكريم. عن ديوانه المخطوط :

سل وميض البرق إن لاح ابتساما *** عن يمين الجزع مَن أبكى الغماما

وسل الوابل يا صاح إذا *** بكر العارض يحدوه النعاما

هل ترى جيران ذياك الحمى *** ضعنوا أم قطنوا فيه دواما

بل هموا بالمنحنى من أضلعي *** لا حجازا يممّوها وشئاما

ليتهم حيث ألمّوا علموا *** انما قلبي لهم أضحى مقاما

يا رعى اللّه بهاتيك الرّبى *** جيرة الحيّ وان جادوا احتكاما

ص: 260


1- وهذا الديوان أصبح في جملة مخطوطات مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف الاشرف - قسم المخطوطات رقم 745 وقد كتب عليه : هذا ديوان الشيخ الامام العلامة فريد دهره ووحيد عصره قدوة الأدباء وقبلة الشعراء. الشاعر الأديب النبية علي بن أحمد الملقب بالفقيه ، العاملي نسباً والغروي مولداً ومسكنا.

وسقى الجرعاء من بطحآئها *** صوب دمعي وسحاب يتهاما

سلبوا جفني رقادي بعدما *** ألبسوا جسمي نحولا وسقاما

أطلقوا دمعي ولكن قيدوا *** قلبي المضنى ولوعاً وغراما

يا وميض البرق باللّه فسل *** من ظبآء الحي ان جزت الخياما

احلال عندهم سفك دمي *** أي شرع حلّلوا فيه حراما

أن يكن قتلي لهم فيه رضىً *** ما عليهم قَودٌ فيه إذا ما

انّ للعرب عهوداً ووفى *** ما لهذا العرب لم يرعوا الذماما

يا لقومي من لصّبٍ مدنفٍ *** قلبه اضحى كئيباً مستهاما

من ضبى أجفان أجفان الظبى *** كلّ جفن ارهفوا فيه حساما

ودمىً لو لم تكن الحاظها *** ريشها الهدب لما كنّ سهاما

يا أهيل الودّ هل من زورةٍ *** بعد ذا البعد ولو كانت مناما

ليت شعري أنها وحدي في الهوى *** ذو عنىّ أم أن للصبّ هياما

لا رعى اللّه عذولي في الهوى *** فلكم أودى باحشآئى ضراما

أو لا يعلم من أنّي لم *** استمع يوماً من اللاحي ملاما

ما على الأعمى بذا من حرج *** إنما فيه على مَن بتعاما

دع ملامي في الهوى يا لائمي *** وذر العذل فذا العذل إلى ما

لم يمط عني أعبآء الهوى *** غير مدحي خير من يولي المراما

أحمد الرسل الميامين ومن *** ختم اللّه به الرسل الكراما

سيّد الكونين والهادي الذي *** ضلّ من قد حاد عنه وتَحامى

خير خلق اللّه من اضحت لضىً *** للورى إذ جآء برداً وسلاما

خصّ بالبعث الينا رحمةً *** وهدىً عمّ به اللّه الاناما

وبشيراً ونذيراً للورى *** وصراطاً مستقيماً وإماما

علّة الكون فلولاه لما *** خلق اللّه ضيآء وظلاما

ص: 261

لا ولا آدم في الدنيا ولا *** ( يافثاً ) فيها ولا حشاما وساما

واصطفاه اللّه من بين الورى *** خاتم الرسل وأعلاه مقاما

وبه اسرى بليل فدنى *** قاب قوسين واقرأه السلاما

كم له من معجزاتٍ ظهرت *** جلّ منها الدين قدراً واحتراما

وبراهين هدىً أنوارها *** قد محت من مشرق الحق القتاما

من اولو العزم به قد شُرفوا *** وحباه اللّه بالرسل اختتاما

فاقهم فضلاً فلو قيسوا به *** جلّ قدراً في المعالي وتسامى

هو منهم وهموا منه غدوا *** كنجوم قارنت بدراً تماما

أو كبحر والنبيون به *** قطرات أو كدرٍّ فيه عاما

فاز في عقباه من لاذ به *** ونجا فيها ولم يلق أثاما

ونجى مستمسك عاذ به *** من سطى الدهر ولو لاقى الحماما

ويقيني من يكن معتصماً *** برسول اللّه صدقاً لن يضاما

كيف في الدارين نخشى وهو *** العروة الوثقى لدينا لا انفصاما

يا رسول اللّه ياذا الفضل يا *** خير من لاذ به الجاني أثاما

وأمط عن مهجتي حرّ الظما *** يوم آتيك غداً اشكو الاواما

يا رسول اللّه سمعاً مدحتي *** فبها منك غداً ارجو المراما

فاجزني بمديحي كرماً *** خير ما ارجوا غداً : إنّ الكراما

فعليك اللّه صلّى ما اغتدت *** عيس وفادك في البيد ترامى

ونحا علياك ركب يممّوا *** لثم اعتابك ضمّاً واستلاما

وقال عند خروجه من اصفهان متوجهاً الى النجف سنة 1120 ، مادحاً أمير المؤمنين علیه السلام . أخذناها عن ديوانه :

ذريني تعنينى الأمور صعابها *** فان الأماني الغر عذب عذابها

ص: 262

إذا عرضت لي من اموري لبانة *** فسيان عندي بعدها واقترابها

فلا بد من يوم يرينى اجتلاؤه *** وجوه الأماني قد أُميط نقابها

فلا تعذلي من أرهف العزم خائضاً *** غمار المنايا حيث عبّ عبابها

ترامى به من كل هو جاء ضامر *** أمونٍ كأمثال الحباب انسيابها

يؤم بهاشهم إلى غاية غدت *** تشاد باكناف المعالي قبابها

وآنس من أرض الغري مسارحاً *** ولاح لعيني سورها وشعابها

فثمّ أريح اليعملات من السرى *** وطيّ قفار مدلهم إهابها

احط بها رحلي وألقي بها العصى *** إلى أن يفادي النفس مني ذهابها

مواطن انس فالبرية قد غدت *** إليها رجا الدارين تحدى ركابها

سمت شرفاً سامي السماك فكاد في *** ثراها الثريا أن يكون غيابها

الا إن أرضاً حلّ في تربها أبو *** تراب لكحل للعيون ترابها

أخو المصطفى من قال في حقه أنا *** مدينة علم وابن عمّي بابها

إمام هدى جاء الكتاب بمدحه *** وجاء به الرسل الكرام كتابها

طويل الخطى تلقاء كل كتيبة *** إذا شبّ في نار الهياج التهابها

إذا لم تطر قبل الفرار نفوسهم *** فبالبيض والسمر اللدان استلابها

وقال يمدحه علیه السلام وانشدها في شيراز أيام صباه. وهي من ديوانه :

هلا رثيت لمدنف *** سئمت مضاجعه الوسائد

مثل الذي ما زال مفتقراً *** إلى صلة وعائد

لله أيام الغري *** وحبذا تلك المعاهد

فلكم صحبتُ بارضها *** آرامها الغيد النواهد

وسحبت أذيال الصبا *** مرحا وجفن الدهر راقد

والشمل منتظم لنا *** بربوعها نظم الفرائد

ص: 263

ومضت على عجل بها *** الأيام كالنعم الشوارد

يا دارنا بحمى الغري *** سقيتِ منهلّ الرواعد

يا سعد وقيتَ النوى *** وكفيت منها ما أكابد

باللّه ان جزت الغريّ *** فعج على خير المشاهد

واخلع بها نعليك ملتثم *** الثرى لله ساجد

وقل السلام عليك يا *** كهف النجاة لكل وافد

ومحط رحل المستضام *** المستجير وكل وارد

يا آية اللّه التي *** ظهرت فأعيت كل جاحد

والحجة الكبرى المناطة *** بالأقارب والأباعد

لولاك ما اتضح الرشاد *** ولا اهتدى فيه المعاند

كلا ونيران الضلالة *** لم تكن أبداً خوامد

والدين كان بناؤه *** لولاك منهدّ القواعد

حارت بك الأوهام *** واختلفت بنعماك العقائد

أنت المرجى في الفوادح *** والمؤمل في الشدائد

تدعو الأنام إلى الهدى *** وعليهم في ذاك شاهد

خذها أبا حسن إلى *** علياك أبكاراً خرائد

أرجو بها يوم المعاد *** النصر ان قلّ المساعد

صلى عليك اللّه ما *** ارتضع الثرى درّ الرواعد

ص: 264

عبد اللّه الشبراوي

اشارة

ذكر الشبراوي الشيخ عبد اللّه الشافعي المتوفى 1172 في كتابه - الاتحاف بحب الاشراف - فصلاً في مشهد رأس الحسين علیه السلام في مصر والكرامات التي كانت له ثم قال : ولنذكر نبذة من القصائد التي مدحتُ بها آل البيت الشريف وتوسلتُ فيها بساكن هذا المشهد المنيف ، فمما قلت فيه :

آل طه ومَن يقل آل طه *** مستجيراً بجاهكم لا يردُّ

حبكم مذهبي وعقد يقيني *** ليس لي مذهب سواه وعقدُ

منكم أستمد بل كل من في الكون *** من فيض فضلكم يستمد

بيتكم مهبط الرسالة والوحي *** ومنكم نور النبوّة يبدو

ولكم في العلا مقامٌ رفيعٌ *** ما لكم فيه آل يس ندّ

يا بن بنت الرسول مَن ذا يضاهيك *** افتخاراً وأنت للفخر عقد

يا حسيناً هل مثل أمك أمّ *** لشريف أو مثل جدّك جدّ

رام قوم أن يلحقوك ولكن *** يبنهم في العلا وبينك بُعدُ

خصك اللّه بالسعادة في دنياك *** ثم بالشهادة بَعد

لك في الحشر يا حسين مقام *** ولأعداك فيه خزيٌ وطرد

يا كريم الدارين يا مَن له الدهر *** على رغم من يعاند عبد

أنت سيف على عداك ولكن *** فيك حلم وما لفضلك حدّ

كل من رام حصر فضلك غرّ *** فضل آل النبي ليس يُعَدّ

ص: 265

طيبة فاقت البقاع جميعاً *** حين أضحى فيها لجدّك لحدُ

ولمصر فخر على كل مصر *** ولها طالعٌ بقبرك سعدُ

مشهدٌ أنث فيه مشهد مجدٍ *** كم سعى نحوه جوادٌ مُجِدّ

وضريح حوى علاك ضريحٍ *** كله مندل يفوح ونَدّ

مدد ما له انتهاء وسرّ *** لا يضاهى ورونق لا يُحَد

رضيَ اللّه عنكم آل طه *** ودعاء المقلّ مثلي جهد

وسلام عليكم كل وقت *** ما تغنّت بكم تهامُ ونجدُ

انا في عرض تربة أنت فيها *** يا حسيناً وبعدُ حاشا أُرَدّ

أنا في عرض جدك الطاهر الطهر *** إذا ما الزمان بالخطب يعدو

أنا في عرض جدك المصطفى مَن *** كل عام له الرحال تُشدّ

قال : وقلت فيهم ايضاً رضي اللّه تعالى عنهم :

آل بيت النبي ما لي سواكم *** ملجأ أرتجيه للكرب في غد

لست أخشى ريب الزمان وأنتم *** عمدتي في الخطوب يا آل أحمد

مَن يضاهي فخاركم آل طه *** وعليكم سرادق العزّ ممتد

كل فضل لغيركم فإليكم *** يا بني الطهر بالإصالة يُسند

لا عدمنا لكم موائد جود *** كل يومٍ لزائريكم تُجَدّد

يا ملوكاً لهم لواء المعالي *** وعليهم تاج السعادة يُعقد

أيّ بيت كبيتكم آل طه *** طهّر اللّه ساكنيه ومجّد

روضة المجد والمفاخر أنتم *** وعليكم طير المكارم غرّد

ولكم في الكتاب ذكر جميل *** يهتدي منه كل قارٍ ويسعد

وعليكم أثنى الكتاب وهل بعد *** ثناء الكتاب مجدُ وسؤدد

ولكم في الفخار يا آل طه *** منزل شامخ رفيع مشيّد

قد قصدناك يا بن بنت رسول اللّه *** والخير من جنابك يُقصَد

يا حسيناً ما مثل مجدك مجدٌ *** لشريف ولا كجدّكَ من جد

ص: 266

يا حسيناً بحق جدّك عطفاً *** لمحبٍّ بالخير منك تعود

كل وقت يودّ يلثم قبراً *** أنت فيه بمقلتيه ويشهد

سادتي انجدوا محباً أتاكم *** مطلق الدمع في هواكم مقيد

وأغيثوا مقصّراً ما له غير حماكم *** إن أُعضل الأمر واشتد

فعليكم قصرت حبي وحاشا *** بعد حبي لكم أُقابلُ بالرد

يا إلهي ما لي سوى حب آل *** البيت آل النبي طه الممجد

أنا عبد مقصّرٌ لست أرجو *** عملاً غير حبّ آل محمد

وقال :

يا آل طه من أتى حبكم *** مؤملاً إحسانكم لا يضام

لذنابكم يا آل طه وهل *** يُضام من لاذ بقوم كرام

تزدحم الناس بأعتابكم *** والمنهل العذب كثير الزحام

من جاءكم مستمطراً فضلكم *** فاز من الجود بأقصى مرام

يا سادتي يا بضعة المصطفى *** يا من له في الفضل أعلا مقام

أنتم ملاذي وعياذي ولي *** قلب بكم يا سادتي مستهام

وحقكم إني محبّ لكم *** محبة لا يعتريها انصرام

وقفت في أعتابكم هائماً *** وما على من هام فيكم ملام

يا سبط طه يا حسين على *** ضريحك المأنوس مني السلام

مشهدك السامي غدا كعبة *** لناطواف حوله واستلام

بيت جديد حلّ فيه الهدى *** فصار كالبيت العتيق الحرام

تفديك نفسي يا ضريحاً حوى *** حسيناً السبط الامام الهمام

إني توسّلت بما فيك من *** عزٍّ ومجد شامخ واحتشام

يا زائراً هذا المقام اغتنم *** فكم لمن يسعى اليه اغتنام

ينشرح الصدر إذا زرته *** وتنجلي عنك الهموم العظام

كم فيه من نور ومن رونق *** كأنه روضة خير الأنام

ص: 267

عبداللّه الشبراوي

قال أحمد بن محمد بن ابراهيم الانصاري اليمني الشرواني في كتابه ( حديقة الافراح ) المطبوع بالقاهرة ما نصه :

الشيخ عبد اللّه بن محمد الشبراوي المصريّ عارف حاذق كنز الحقائق والدقائق ، نثره رائق ودرّ نظمه فائق.

وقال الزركلي في ( الأعلام ) : عبد اللّه بن محمد بن عامر الشبراوي : فقيه مصري ، له نظم. تولى مشيخة الأزهر. من كتبه ( شرح الصدر في غزوة بدر ) ، وديوان شعر سماه ( منائح الالطاف في مدائح الاشراف ) وعنوان البيان نصائح وحكم.

قال : ونبهني الأستاذ أحمد خيري الى أن الجبرتي ذكر وفاته يوم الخميس 6 ذي الحجة سنة 1171 ه- وأن مولده سنة 1091 ه.

أقول : وفي مقدمة ديوانه المطبوع بالمطبعة المليجية بمصر سنة 1324 عبّر عنه ب- ( شيخ الاسلام ).

ومن قوله مادحاً أهل البيت علیهم السلام :

إن العواذل قد كووا *** قلبي بنار العذل كيّ

ومرادهم أسلو هواك *** وأنت نقطة مقلتيّ

عذلوا وما عذروا وكم *** وصل الأسى منهم إليّ

كم شنّعوا وتفوّهوا *** وتقوّلوا كذباً عليّ

ص: 268

وأنا وحقّك لا تؤثر *** عنديَ العزال شيّ

حاشا يتكون لقولهم *** يا منيتي أثرٌ لديّ

يا حاديَ الاضعانِ يطوي *** البيدَ بالأحباب طيّ

مهلاً بهم حتى أمتّع *** ناظري منهم شويّ

يا عاذلي فيهم لقد *** أسمعت لو ناديت حيّ

قل لي بأيّة سُنّةٍ *** الحبّ عار أم بأي

يا صاحبيّ ومن قضى *** إني أحاور صاحبيّ

ما حلتُ عن عهدي ولو *** قطع العواذل اخدعيّ

لا يا أخي ولا اقول *** لعاذلي لا يا أخيّ

لا والذي جعل الهوى *** في شرع أهل الغي غيّ

ما همت يوماً بالرباب *** ولا بهند ولا بميّ

لكن شغفت بحب آل *** البيت بيت بني قصيّ

المنتمين بذلك النسب *** الشريف الى لؤيّ

قومٌ إذا ما أمّهم *** ذو كربة نادوه : هي

هم عمدتي ووسيلتي *** مهما لواني الدهر ليّ

يا آل طه قد حسبتُ *** عليكم في حالتي

وبجاهكم آل النبي *** تمسكت كلتا يديّ

أرجو بكم حسن الختام *** إذا ارتهنتُ بأصغري

وقال معتزلاً :

يا مليحاً قد أبدع اللّه شكله *** وظريفاً لم تنظر العين مثله

إن لي حاجة اليك فحقق *** حسن ظني فإنها منك سهله

قبلة أجتني بها ورد خديكَ *** واشفي بها الفؤاد المولّه

ص: 269

وجُد بها كلما أراك وإلا *** أكتفي منك كل شهر بقُبله

واتخذها عندي يداً وجميلاً *** سيما إن سمحت من غير مهله

واغتنم يا مليح أجري فإني *** صرت بين الورى بحبك مثله

قتلتني معاطف منك هيفٌ *** ولحاظ سيّافة شرّ قتله

وهداني ضياء وجهك لمّا *** تهتُ في غيهب الشعور المضله

فاتق اللّه في فتاك وقل لي *** قتلُ مثلي يباح في أي مله

رفقتي في الهوى شموس وندما *** ني بدورٌ وأهل ودي أهلّه

وفؤادي وإن تصبّر مغرى *** مغرم يعرف الغرام محلّه

فاتخذني عبداً فإني أنا الصا *** دق في الودّ واترك الناس جمله

أنا أهواك يا مليح ولكن *** يعلم اللّه أنه لا لعلّه

أنا عفّ الضمير تأنف نفسي *** في الهوى كل خصلة تغضب اللّه

سل ولاة الغرام عني وعن عفة *** نفسي فتلك فيّ جِبلّة

لست أرضى الهوان في مذهب *** الحب ولا أطلب الوصال بذلّة

مذهبي أعشق الجمال ومهما *** لاح ظبيٌ أهواه أول وهله

وإذا ما أدعى العذول سلوّي *** فعلى صبوتي أقيم الأدلّة (1)

قال يتشوق إلى مصر ويمدح أهل البيت « عليهم السلام » :

أعد ذكر مصرَ إن قلبي مولع *** بمصرَ ومَن لي أن ترى مقلتي مصرا

وكرر على سمعي أحاديث نيلها *** فقد ردّت الأمواج سائلة نهرا

بلادٌ بها مدّ السماح جناحه *** وأظهر فيها المجد آيته الكبرى

رويداً إذا حدثتني عن ربوعها *** فتطويل أخبار الهوى لذة اخرى

ص: 270


1- عن ديوانه المطبوع بمصر.

إذا صاح شحرور على غصن بانة *** تذكرت فيها اللحظ والصعدة السمرا

عسى نحوها يلوي الزمان مطيتي *** وأشهد بعد الكسر من نيلها جبرا

لقد كان لي فيها معاهد لذة *** تقضت وأبقت بعدها أنفساً حسرى

أحنّ الى تلك المعاهد كلما *** يجدد لي مرّ النسيم بها ذكرى

اما والقدود المائسات بسفحها *** وألحاظ غادات قد امتلأت سحرا

وما في رباها من قوام مهفهف *** علا وغلا عن ان يباع وان يشرى

لئن عاد لي ذاك السرور بأرضها *** وقرّت بمن أهواه مقلتي العبرا

لأعتنقن اللّهو في عرصاتها *** وأسجد في محراب لذاتها شكرا

رعى اللّه مرعاها وحيّا رياضها *** وصب على أرجائها المزن والقطرا

منازل فيها للقلوب منازه *** فلله ما أحلى ولله ما أمرا

يذكرني ريح الصبا لذة الصِبا *** بروضتها الغنّا وقد تنفع الذكرى

على نيلها شوقاً أصبّ مدامعي *** وأصبوا الى غدران روضتها الغرّا

كساها مديد النيل ثوباً معصفراً *** وألبسها من بعده حلّة خضرا

وصافح أغصان الرياض فأصبحت *** تمدّ له كفاً وتهدي له زهرا

وأودع في أجفان منتزهاتها *** نسيماً اذا وافاه ذو علة تبرا

اذا حذّرتني بلدة عن تشوّقي *** الى نيل مصر كان تحذيرها أغرى

وان حدثوني عن فرات ودجلة *** وجدت حديث النيل أحلى اذا مرّا

سأعرض عن ذكر البلاد وأهلها *** وأروى بماء النيل مهجتي الحرّا

وكم لي الى مجرى الخليج التفاتة *** يسل بها دمعي على ذلك المجرى

جداول كالحيات يلتف بعضها *** ولست ترى بطناً وليست ترى ظهرا

وكم قلت للقلب الولوع بذكرها *** تصبّر فقال القلب لم استطع صبرا

أما والهوى العذري والعصبة التي *** أقام لها العشاق في فنهم عذرا

ص: 271

لئن كنت مشغوفاً بمصر فليس لي *** بها حاجة إلا لقاء بني الزهرا

أجل بين الدنيا وأشرف أهلها *** وأنداهُم كفاً وأعلاهم قدرا

هم القوم ان قابلت نور وجوههم *** رأيت وجوهاً تخجل الشمس والبدرا

وان سمعت اذناك حسن صنيعهم *** وجئت حماهم صدّق الخبرُ الخبرا

لهم أوجهٌ نور النبوة زانها *** بلطف سرى فيهم فسبحان من أسرى

هم النعمة العظمى لأمة جدهم *** فيا فوز من كانوا له في غدٍ ذخرا

اذا فاخرتهم عصبة قرشية *** فجدهم المختار حسبهم فخرا

ملوك على التحقيق ليس لغيرهم *** سوى الاسم وانظرهم تجدهم به أحرى (1)

ص: 272


1- عن الديوان.

الحاج جواد عواد البغدادي

المتوفى 1178

خليليّ ربع الانس مني أمحلا *** فلست أبالي مرّ عيشي أم حلا

وهانت على قلبي الرزايا فصار إن *** دعاه البلا والخطب يوماً يقل بلى

فباللّه عوجا في الحمى بمطيّكم *** وان رمتما خوض الفلا فوقها فلا

فان جزتماه فاعمدا لرحالكم *** وحلا وحُلا واسبلا الدمع واسئلا

من الدمن الادراس أين أنيسها *** عسى عندها ردّ على ذي صدى علا

تناؤا فما للجفن بالسكب فترة *** ولكنّ منه الدمع مازال مرسلا

وكم لي لفقد الإلف من ألف حسرة *** وشجو إذا أظهرته ملاء الملا

ولي حَزَن يعقوبُ حاز أقلّه *** وبي سقم أيوب في بعضه ابتلا

وكلّ بلآءٍ سوف يبلى ادّكاره *** سوى مصرع المقتول في طف كربلا

فياويح قوم قد رأوا في محرم *** ببغيهم قتل الحسين محلّلا

هم استقدموه من مدينة يثرب *** بكتبهم واستمردوا حين أقبلا

وشنّوا عليه إذ أتى كلّ غارةٍ *** وشبّوا ضراماً بات بالحقد مشعلا

رموه بسهم لم يراعوا انتسابه *** لمن قد دنى من قاب قوسين واعتلا

فاصبح بعد التِرب والأهل شلوه *** على التراب محزوز الوريد مجدّلا

ص: 273

أبانوا له أضغان بدر فغيّبوا *** شموساً ببطن الأرض أمسين أُفّلا

فما زال يردي منهم كل مارق *** فيصلى جحيماً يلتقيه معجلا

فاذكرهم أفعال حيدر سالفاً *** باسلافهم إذ جال فيهم وجندلا

فمذ لفظ الشهّم الجواد جواده *** على الرمل في قاني النجيع مرمّلا

دعاهم دعيّ أوطئوا الخيل ظهره *** ووجهاً له يبدوا اغرّ مبجّلا

وشمرّ شمرٌ ثم حزّ بسيفه *** وريداً له ثغر التهاميّ قبّلا

وعلا سنان الرأس فوق سنانه *** فيالك رأساً ليس ينفك ذا اعتلا

وساروا بزين العابدين مذلّلا *** لديهم وقد كان الكريم المدلّلا

فاصبح من ذلّ الأسار معلّلا *** وفي اسر أبناء الدعاة مغلّلا

فيا لك من رزءٍ جليل بكت له *** السموات والارضون والوحش في الفلا

وشمس الضحى أضحت عليه كئيبة *** وبدر الدجى والشهب أمسين ثكلا

فيا عترة المختار انّ مصابكم *** جليل وفي الاحشاء ان حلّ انحلا

مصاب لقد أبكى النبي محمّداً *** وفاطمةً والانزع المتبتّلا

فأجرِ الدما سفاح دمعي كجعفر *** على مصرع الهادين الأمين أخي العلا

ويا وجد قلبي دمت مفتاح أدمعي *** ولا زلت في تلخيص حزني مطوّلا

فلا زال ربي يا يزيد ورهطه *** يزيدكم لعناً ويحشركم إلى

ويصليكم ناراً تلظّى بوقدها *** عليكم لقد ساءت مقاماً ومنزلا

بما قد قتلتم سبط آل محمّدٍ *** وجرّعتموه من أذى القتل حنظلا

لقد بؤتم في عارها وشنارها *** وخزي مدى الأيام لن يتحولا

ففي أي عذر تلتقون نبيّكم *** وقد سؤتم قرباه بالغدر والقلا

برئت إلى اللّه المهيمن منكُم *** واخلص قلبي في بني المصطفى الولا

ص: 274

فيا صاح قف وابك الحسين بن فاطم *** ولا تبك من ذكرى حبيب ترحلا

فان قليلاً في عظيم مصابه *** بكاؤك فامطر وابل الدمع مسبلا

سابكيكم ما إن بدا البرق في الدجا *** وما سحّ ودقٌ في الربى وتهللا

اليك سليل المرتضى من عبيدكم *** بديع نظام بالمعاني مجمّلا

قريض له يعنو جرير وطرفة *** ويغدر لديه أمرؤ القيس أخطلا

وما قدر نظمي عند وصف علاكم *** وقد جاء في الذكر الحكيم منزّلا

عليكم سلام اللّه ما انقضّ كوكب *** وما انفض يوماً موكب وتزيّلا (1)

ص: 275


1- عن الديوان المخطوط في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف برقم 30 قسم المخطوطات.

هو الحاج جواد بن الحاج عبد الرضا بن عواد البغدادي من معاصري السيد نصر اللّه الحائري ومن الشعراء المرموقين في عصره ينحدر من أسرة عربية من قبيلة شمر هبطت بغداد قبل أربعة قرون وعميد هذه الاسرة قبل قرنين في بغداد كان الحاج محمد علي عواد من الأعيان وأرباب الخير.

احتفظت اسرة الشاعر بتأريخ مجيد سجل لها المكارم والمآثر ولو لم يكن إلا هذا الشاعر لكان وحدة أمة وتأريخاً ، اتصل باكابر الشعراء وساجلهم فكان من الأقران السباقين في كافة الحلبات وقد اعتزّ به كافة أصدقائه فاعربوا عن حبهم له وتقديرهم اياه واليك ما قاله فيه صديقه السيد حسين بن مير رشيد الرضوي الحائري وقد أثبتت هذه القصيدة في ديوانه :

أشهى سلام كنسيم الصباح *** قد صافح الزهر قبيل الصباح

ونشوة الراح وعصر الصبا *** وغفلة الواشي ووصل الصباح

يهدى إلى حضرة مولى سما *** على البرايا بالندى والسماح

من اسمه للوفد فالاً أتى *** فكم لهم بالجود يسراً أتاح

أعني الجواد الندب كهف النجا *** دام حليفاً للهنا والنجاح

وبعد فالبعد لعظمي برى *** فماله عن فرط ظلمي براح

ومن عوادي الدهر يا ما جدي *** من نوب أثخن قلبي جراح

فهل محيّا القرب منكم يَرى *** والقنّ من جور الليالي يُراح

وقاكم اللّه صروف الردى *** ما خطرت في الوشي غيد رداح

وما انتحاكم من محبٍ صبا *** أشهى سلام كنسيم الصباح

ص: 276

ذكره الشيخ محمد علي بشارة الخاقاني في كتابه ( نشوة السلافة ) فقال : أديب أحلّه الأدب صدر المجالس ونجيب طابت منه الفروع والمغارس فهو الجواد الذي لا يكبو والصارم الذي لا ينبو نشره يزري بمنثور الحدائق ونظمه يفوق العقد الرائق.

وذكره المحقق الطهراني في الكرام البررة ص 87 فقال : الشاعر الأديب والكامل الأريب رأيت ديوان شعره اللطيف الصغير في خزانة كتب آل السيد عيسى العطار ببغداد وفيه قصائد ومقاطيع وتواريخ إلى سنة 1142 ه- وأدركه السيد حسين مير رشيد تلميذ السيد نصر اللّه الشهيد في حدود 1168 ه- ، وأورد له السيد حسين المذكور في ديوانه ( ذخائر المآل ) بعض قصائده في مدحه ومنها قوله :

اهدي لحضرتكم سلامه *** بالسعد خصت والسلامه

إلى قوله مورّيا :

في ظل مولانا الجواد *** المقتدى السامي مقامه

وذكره السماوي في الطليعة ص 67 فقال : كان فاضلاً سرياً أديباً شاعراً وكان ذا يسر ممدّحاً تقصده الشعراء وللسيد حسين مير رشيد فيه مدايح جيدة ضمنها ديوانه وكان المترجم قوي العارضة ويعرف أحياناً باسم الحاج محمد جواد.

وذكره السيد الأمين في أعيانه ج 17 ص 155 فقال : كان حياً سنة 1128 ه- وهو شاعر أديب له ديوان شعر صغير جمعه في حياته رأينا منه نسخة في العراق سنة 1352 ه- وهو معاصر للسيد نصر اللّه الحائري وبينهما مراسلات ، وابن عواد من بارزي شعراء عصره وممن مرّ عليه الثناء من أعلام المترجمين والشعراء وهو كما يبدو من شعره أديب له ديباجة طيبة شأن

ص: 277

شعراء عصره الذين كافحوا في سبيل المحافظة على لغة الضاد واليك نماذج من قوله يقرظ كتاب ( نشوة السلافة ) :

قم نزّه الطرف بهذا الكتاب *** فحسنه قد جاز حدّ النصاب

هذا كتاب أم رضاب حلا *** أم نفث سحرٍ أم نضارٌ مذاب

أم خمرة صهباء عادية *** قلّدها المزج بدر الحباب

أم روضة بكرّها عارض *** فازهرت بطحاؤها والهضاب

ما شاهدت مرآة شمس الضحى *** الا توارت خجلاً في الحجاب

ولا رأته عذبات النقا *** إلا اغتدت من حسد في عذاب

والبدر لو عاينه لاختفى *** من الحيا تحت سجوف السحاب

والغيد لو تبصره لاستحت *** وأصبحت في نكدٍ واكتئاب

فاستغن عن كل كتاب به *** فغيره القشر وهذا اللباب

واقطف من الروض أزاهيره *** واملأ من الدر النظيم الحقاب

ورد شراب الانس من حوضه *** ودع طماع العين نحو السراب

واحسوا الحميا منه صرفاً ولا *** تكن كمن يمزج شهداً بصاب

فطلعة البدر باشراقها *** تغني الورى عن لمعان الشهاب

والقرم إذ أنكر آياته *** فاتل عليه : ان شر الدواب

فأيد اللّه بتوفيقه *** مؤلفاً أوضح نهج الصواب

فهو الذي أشعاره تخجل ال- *** -در بالفاظ رشاق عذاب

كنغمة العود إذا انشدت *** وما سواها كطنين الذباب

مولى علا هام العلى رفعة *** فهو عليّ الاسم عالي الجناب

مدحته نظماً ونثراً عسى *** يمنحني فضلاً برد الجواب

ص: 278

لا زال رحب الصدر رحب الذرا *** منوّه القدر خصيب الرحاب

يحصد من مدحي له المنتقى *** حسن ثناء ودعاء مجاب

هطلت بارقة في الرُبى *** وزمزم الحادي لسوق الركاب

فأجابه صاحب النشوة بقوله :

يا فارس النظم ومغواره *** وصاحب النثر الذي لا يعاب

أنت الجواد المرتجى نيله *** وكم ملأنا من عطاك العباب

كم أمّك الراجون في سيرهم *** حتى أناخوا في حماك الركاب

اثنى عليك الوفد مع أنهم *** لو سكتوا أثنت عليك الحقاب

ومن غدا في العلم برهانه *** والعلم الهادي لطرق الصواب

تقريظكم من ذهب صغته *** بل فاق للدر وتبر مذاب

كأنما النشرة من طرزه *** وللثريا شبهٌ وانتساب

أسكرتني من خمر ألفاظكم *** ما لم ينله عارف من شراب

حتى عرتني نشوة نلتها *** وباسمها سميت هذا الكتاب

سألتني ردّ جواب لكم *** وفي الذي قلت أتاك الجواب

لو رمت أن احصي أوصافكم *** في مِدَحي يوما لطال الخطاب

لا زلت يا بحر الندى وافرا *** ما طلع النجم بليل وغاب (1)

وقوله متوسلاً بالنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) :

ألا يا رسول اللّه ان مدنف شكا *** إلى الناس هماً حلّ من نوب الدهر

ص: 279


1- عن شعراء بغداد للخاقاني.

فاني امرؤ أشكو إليك نوازلا *** ألمت فضاق اليوم عن وسعها صدري

وأنت المرجى يا ملاذي لدفعها *** فاني لديها قد وهت بي عرى صبري

فكم مبتلى مذ حط عندي رحله *** ترحلّ عنه قاطن البؤس والضر

ولما رأيت الركب شدوا رحالهم *** وقد أخذت عيس المطي بهم تسري

تجاذبني شوقي إليك لو أنّه *** بذا الصبح لم يشرق وبالليل لم يسر

فكن لي شفيعاً في معادي فليس لي *** سواك شفيع في معادي وفي حشري

وقال يصف نارجيلة :

ان عاب قليوننا المائي ذو حمقٍ *** فليس يلحقنا من ذمه عار

أنى يعاب وفي تركيبه جمعت *** عناصر كم بها للحسن اسرار

نار وماء وصلصال كذاك هوى *** ترتاح منهن عند الشرب سمار

تأتمّ شرابه مستأنسين به *** ( كأنه علم في رأسه نار )

وكتب للشاعر الحاج محمد العطار عندما أهدى اليه ( يتيمة الدهر ) للثعالبي :

اليك أخا العلياء مني يتيمة *** بديعة حسن أشرقت في بزوغها

إذا بلغت يوماً حماك تحققت *** يقيناً بأن لا يتم بعد بلوغها

ودخل يوما دار صديق له فلم يجده ووجد عبداً أسوداً يقلي حبّ البن على النار فلما رآه ارتجل قائلاً :

قَلَوا للبن فوق النار حباً *** فمال القلب منعطفاً عليه

اليه لحبّة القلب انجذاب *** ( وشبه الشيء منجذب اليه )

ص: 280

وله معاتباً صديقه الحاج صالح بن لطف اللّه بقوله :

أخي صالح اني عهدتك صالحاً *** لديّ وعوني في الورى ومناصحي

وسيفي الذي فيه أصول وجنتي *** إذا فوقت نحوي سهام الفوادح

فمالك أبديت التغيّر والقلى *** لصبٍ إلى نحو القلى غير جانح

ومالي ذنب استحق به الجفا *** ولا العذر في الهجران منك بواضح

فان اقترف ذنباً فكن خير غافرٍ *** وان اجترح جرماً فكن خير صافح

صدود وإعراض وهجرٌ وجفوة *** اتقوى على ذا مهجتي وجوارحي

أسرك اني من ودادك انثني *** بصفقة حر خاسر غير رابح

وان يرجف الحساد عنا بريبة *** تكون حديثاً بين غادٍ ورائح

عهدتك طوداً لا تمليك في الهوى *** نميمة واش أو سعاية كاشح

وخلتك لا تلوي على طعن *** مريب ولا تصغي إلى نبح نابح

اعيذك أن تدعى خليلاً مماذقاً *** يرى أنه في ودّه شبه مازح

كما نسبوا قدماً جميل بثينة *** إلى انه في وده غير ناصح

فقالوا وقد جاءوا عليها بتهمة *** وما كاتم سرّ الهدى مثل بائح

( رمى اللّه في عيني بثينة بالقذى *** وفي الغرّ من أنيابها بالفوادح )

فقد عابه أهل الغرام جميعهم *** فمن طاعن يزري عليه وقادح

ولا عجب أنا بلينا بحاسد *** نموم بالقاء العداوة كادح

ففي ترك ابليس السجود لآدم *** أدل دليل للتحاسد واضح

وفي قتل قابيل أخاه بصيرة *** لمن كان عنه العقل ليس بنازح

ودع كل ودٍ غير ودي فانما *** سواي الصدى الحاكي لترجيع صائح

فما كل من يدعى جواداً بجائدٍ *** ولا كل من يسمى جواداً بقارح

ولا كل سعدٍ في النجوم بذابح *** ولا كلما يدعى سماكا برامح

ص: 281

ولا كل برق إذ يشام بماطر *** ولا كل زند بالأكف بقادح

ولا كل طير في الغصون بساجع *** ولا كل زهر في الرياض بنافح

ولا كل من يبدي الولاء بصادق *** ولا كل خلٍ للوداد بصالح

فكم ضاحك بالوجه والصدر منطوٍ *** على وجه قلب بالعداوة كالح

فان تبد هجراً فأجن وصلاً وكن إذاً *** كمثل إناء بالذي فيه ناضح

اقول : اختصرنا الترجمة عن ( شعراء بغداد ) للخاقاني ج 2 ص 377.

وهناك مَن يعده من شعراء كربلاء ولقّبه بالحائري ، ومدفنه كان بكربلاء ، وقد توفي ولا عقب له.

ص: 282

السيد عباس المكي

المتوفى حدود سنة 1180

هو من أعلام القرن الثاني عشر قدم إلى كربلاء في عام 1131 ه- وكان نادرة عصره وألمعي دهره ممن صاغ النظم والنثر أحسن صياغة ويعرف بالرحالة عباس بن علي بن حيدر بن نور الدين المكي الموسوي الحسيني صاحب التصانيف القيمة ومنها ( نزهة الجليس ومنية الأدب الأنيس ) كان جوالاً في الآفاق في طلب العلم ، أخذ الرواية عن أستاذه أبي الفتح السيد نصر اللّه الحائري أثناء أدائه فريضة الحج بصحبة والده عام 1130 ه.

وجاء في سلسلة نسبه : فهو السيد عباس ابن السيد علي بن نور الدين علي ابن علي بن نور الدين بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن العاملي الموسوي بن محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن حمزة ابن سعد اللّه بن حمزة بن محمد بن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن علي بن عبد اللّه ابن محمد بن طاهر بن الحسين بن موسى بن ابراهيم بن الإمام موسى الكاظم علیه السلام .

ولد السيد المكي بمكة سنة 1110 ه- ونشأ بها ونال حظوة في العلم والكمال ودرجة قصوى بالأدب وها هو كتابه ( نزهة الجليس ) يعطي صورة عنه.

ص: 283

وكان يحسن عدة لغات كالتركية والفارسية والهندية وهي التي أجادها بحكم أسفاره ، ولم يكن يقتصر في نظمه على اللغة العربية بل كان ينظم باللغة الدارجة ، فقد روى السيد الامين في الاعيان وقبله الشرواني في الحديقة بيتاً على طريقة ( المواليا ) العراقي :

دموع عيني بما تخفي الجوانح وشن *** وعلي غار الهوى من كل جانب وشن

وأنت يا من شحذ أسياف لحظه وسن *** تروم قتلي بها باللّه بيّن إلي

من جوّز القتل في شرع المحبة وسن

ترجم له السيد الامين في الاعيان وذكر جملة من أشعاره وقال : توفي في جبشيت من جبل عامل في حدود سنة 1179 وقد قارب السبعين ، وكان جده نور الدين هاجر إلى مكة فولد أبوه فيها وولد هو فيها أيضا. ذكره صاحب حديقة الأفراح فقال : فصيح ألبسه اللّه حلّة الكمال وبليغ نسج القريض على أبدع منوال.

وقال السيد عباس المكي في كتابه ( نزهة الجليس ) يصف رحلته :

فلما أسفر الصباح عن وجه الهنا والانشراح رابع ربيع الأول عام ألف ومائة وواحد وثلاثين من هجرة النبي المرسل ، توكلنا على الرب العلي ورحلنا من مشهد علي ، قاصدين زيارة الشهيد المبتلى المدفون بكربلا ، الحسين بن علي ومن معه من الشهداء الصابرين رضوان اللّه عليهم أجمعين ، ففي خامس الشهر المذكور أتينا على الموضع الذي يسمى بالخان الأخير ، ومررنا في طريقنا بقبر النبي ذي الكفل علیه السلام فزرنا وبلغنا المرام ، وفي سادس الشهر دخلنا أرض الحائر مشهد الحسين الطاهر سلام اللّه عليه وعلى أخيه وعلى جده وأبيه وأمه وبنيه وسائر مواليه ومحبيه.

لله أيام مضت بكربلا *** محروسة من كل كرب وبلا

بمشهد الطهر الحسين ذي العلا *** ونسل خير الخلق في كل الملا

فحفّني بجوده تفضّلا *** ونلتُ ما كنتُ له مؤملا

ص: 284

من زاره بالصدق فيه والولا *** يعود محبوراً بلا شك ولا

فاسمع لما قد قال ذو الفعل الحسن *** محمد الحر الأصيل ابن الحسن

قد أرخ المولد في رجيزه *** مفيدة جليلة وجيزه

فقال في ذكر الحسين بن علي *** نظماً بديع القول كالصبح الجلي

وكيف لا وهو الامام الرحله *** نجل ثقات قادة أجلّه

خادم شرع المصطفى والمذهب *** الطيب من الطيب بن الطيب

من ذكره في العرب سار والعجم *** والشام والروم إلى أقصى إرم

بالفضل والتقوى مع العفاف *** والبر والاحسان والالطاف

عليه من رب العباد الرحمه *** تعمّه ولجميع الأمه

فاسمع فهذا قوله المفيد *** قد قال وهو الفاضل المجيد

واسمع وقيت صولة الحوادث *** نظمي تاريخ الإمام الثالث

روحي الفداء للحسين بن علي *** ذي المجد والسؤدد والقدر العلي

مولده في عام أربعٍ مضت *** في شهر شعبان لخمس انقضت

يوم الخميس سيدي قد ولدا *** قيل بل السابع كان المولدا

وقيل في عام ثلاث فاعقل *** آخر يوم من ربيع الأول

يكنى بعبد اللّه وهو السبط *** لم يك مثله كريم قط

نسبه من أشرف الأنساب *** حَسَبُه من أكرم الاحساب

نصّ عليه بالامامة النبي *** فياله من فضل مجد عجب

وبعده أبوه وأخوه *** ونال ذاك بعده بنوه

خير الورى في العلم والزهاده *** والفضل والحلم وفي العبادة

كرمه وجوده قد بلغا *** ما لم يحط به مقام البلغا

ولذّة الكرام في الاطعام *** ولذّة اللئام في الطعام

فاق الورى في الجود والسماحة *** والمجد والكمال والفصاحه

ص: 285

أولاده ست وقيل عشر *** وقيل تسع فانقدوه وادروا

منهم علي بن الحسين الأكبر *** ثم علي بن الحسين الأصغر

فالأول ابن بنت كسرى الملك *** ولم يكن في دينه بالمشرك

والثاني من ليلى الفتاة فاعرف *** بنت أبي مرّة أعني الثقفي

وجعفر والأمُ من قضاعه *** كانت على ما نقل الجماعه

سكينة أخت لعبد اللّه *** فاحفظ وفكر لا تكن كاللاهي

من الرباب الحرة الأبيّة *** بنت امرئ القيس الفتى الكلبية

وفاطم وأمها في القوم *** بنتٌ لطلحة الشهير التيمي

قيل ومن اخوتهم محمد *** علي الاوسط وهو الاسعد

وذاك زين العابدين الاشهر *** وزينب بنت الحسين تذكر

وقتله بكربلاء اشتهرا *** مضى شهيداً وبها قد قبرا

أمر يزيد وعبيد اللّه *** ابن زياد الخبيث اللاهي

قاتله سنان وابن سعد *** تعوضوا بنحسهم عن سعد

احدى وستون بها حلّ البلا *** بقتله مع شهداء كربلا

في عاشر المحرم المنحوس *** في يوم سبتٍ ما خلا من بؤس

أو يوم الاثنين وقيل الجمعة *** حلّ البلا به بتلك البقعة

وعمره سبع وخمسون سنه *** وبعدها مضى وحلّ مدفنه

عشر سنين اختص بالامامه *** بعد أخيه إذ مضى أمامه

صلى عليه اللّه ثم سلّما *** وزاده من فضله وكرّما

والنص فيه جاء بالامامه *** كما أتى لمن مضى أمامه

من ربه وجده والوالد *** ومن أخيه ويل كل جاحد

ومعجزاته نصوص منها *** سبح الحصاة قد رووه عنها

ذلّت له الاسد وكم قد أخبرا *** بما يكون فجرى ما قد جرى

ص: 286

وفي اجابة الدعاء منه *** غرائب قد نقلوها عنه

وما جري في قتله من عجب *** من البراهين ففكر واعجب

وعند نبش قبره كم ظهرا *** من معجز له عجيب بَهَرا

أحيا له الإله ميتاً إذ دعا *** في خبرٍ صحّ وعاه مَن وعى

ورأسه إذ سار يتلو الكهفا *** من فوق رمح أسفاً ولهفا

حدث شخصاً ذا شباب وصبا *** فابيض شعره وصار أشيبا

أرى الورى أباه بعد موته *** مخاطباً لهم عقيب فوته

وابيض شعر امرأة وشابت *** فذهبت محاسن وغابت

ثم دعا فرجع الشباب من *** بعد اليها فتعجّب واستبن

دعا لنخل يابس فاخضرا *** واكل الأصحاب منه تمرا

وكم وكم من معجز رووه *** والحاضرون كلهم رأوه

فتشرفت والحمد لله بالزيارة ولاح لي من جنابه الشريف اشارة فاني قصدته لحال ، وما كل ما يعلم يقال وقرت عيني بزيارة الشهيد علي الأصغر بن مولانا الحسين الشهيد الأكبر وزيارة سيدي الشهيد العباس بن علي بن أبي طالب رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين وأما ضريح سيدي الحسين فبه جملة قناديل من الورق المرصع والعين ما يبهت العين ومن أنواع الجواهر الثمينة ما يساوي خراج مدينة ، وأغلب ذلك من ملوك العجم وعلى رأسه الشريف قنديل من الذهب الاحمر يبلغ وزنه منين بل أكثر وقد عقدت عليه قبة رفيعة السماك متصلة بالأفلاك وبناؤها عجيب ، صنعة حكيم لبيب.

وقد أقمت شهرين بمشهد مولاي الحسين بلدة من كل المكاره جنة كأنها من رياض الجنة ، نخيلها باسقات وماؤها عذب زلال من شط الفرات وأقمارها مبدرة ، وأنوارها مسفرة ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة وقصورها كغرف من الجنان مصنوعة فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة وفواكهها

ص: 287

مختلفة الألوان وأطيارها تسبّح الرحمن على الأغصان وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور وعرف ترابها كالمسك ولونه كالكافور وأهلها كرام أمائل ليس لهم في عصره مماثل لم تلق فيهم غير عزيز جليل ورئيس صاحب خلق وخلق جميل وعالم فاضل وماجد عادل يحبون الغريب ويصلونه من برّهم ، وبرهم بأوفر نصيب ولا تلتفت إلى قول ابن اياس في نشق الازهار بأنهم من البخلاء الأشرار فلله خرق العادة فانهم فوق ما أصف وزيادة :

هينون لينون أيسار ذوو كرم *** سواس مكرمة أبناء أيسار

ان يسئلوا الحق يعطوه وان خبروا *** في الجهد ادرك منهم طيب أخبار

لا ينطقون عن الفحشاء ان نطقوا *** ولا يمارون ان ماروا باكثار

فيهم ومنهم يعد المجد متّلداً *** ولا يعدّثنا خزي ولا عار

من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم *** مثل النجوم التي يسري بها الساري

واجتمعت بالرئيس المعظم والعظيم المفخم ذي الشرف الباذج والفخر الوضاح مولانا السيد حسين الكليدار - يعني صاحب المفتاح - وبأخيه الشهم النجيب الكريم النبيل العظيم مولانا السيد مرتضى حماه اللّه تعالى من حوادث القضا ووبالعالم العلامة الحبر التحرير الفهامة ذي الوصف الجميل والذكر الحسن مولانا الفاضل الملا أبو الحسن فجمع بيني وبين الأمير المظفر الشجاع الغضنفر البحر الغطمطم الأسد الغشمشم بحر الاحسان ومعدن الكرم الأمير حسين اوغلي بيك ايشك اغاسي باشي حرم سلطان العجم وكان قد استأذن من السلطان في ذلك العام ان يسير إلى العراق لزيارة الأئمة أعلام الهدى ومصابيح الظلام وهذا الأمير من أكابر أمراء اصفهان وهذا الخطاب هو خطاب الرئيس الحجاب على أبواب حريم السلطان فأشار علي ذلك الأمير المنصور المعان بالمسير صحبته إلى دار السلطنة اصفهان لكي يجمعني بالشاه حسين السلطان امنه اللّه من طوارق الحدثان :

إذا أذن اللّه في حاجة *** أتاك النجاح على رسله

وقرّب ما كان مستبعداً *** ورد الغريب إلى أهله

ص: 288

فأعزني وأكرمني غاية الكرامة ومشيت صحبته إلى ديار العجم بالسلامة أحسن اللّه مبدأه وختامه ونلت كل خير من دولة هذا الأمير الرئيس ورزقت بصيته صيتاً بذلك المكان وقدراً عزيزاً نفيس وملأت صندوقي من عطاياه الجسيمة والكيس ، لكني لم أقم لتلك النعمة باداء بعض الشكر فلهذا خلعت من ملك النعيم واعتضت عن حلاوة الاقبال ، مرار تقلّب الاحوال بالبؤس والضر :

رزقتُ ملكا فلم أحسن سياسته *** وكل مَن لا يسوس الملك يخلعه

ومَن غدا لابساً ثوب النعيم بلا *** شكر عليه فعنه اللّه ينزعه

ص: 289

السيد محمد بن أمير الحاج

المتوفى 1180

قال يرثي أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة :

بذلتَ أيا عباس نفساً نفيسة *** لنصر حسين عزّ بالجدّ عن مثلِ

أبيت التتذاذ الماء قبل التذاذه *** وحسن فعال المرء فرع عن الأصل

فأنت أخو السبطين في يوم مفخر *** وفي يوم بذل الماء أنت أبو الفضل (1)

ص: 290


1- عن ديوانه ( نفثات المصدور في تذكرة شموس الدين والبدور ) يحتوي على 38 قصيدة كل قصيدة عبر عنها بنفثة ، والقصيدة ال- 34 هي في سيدنا أبي الفضل العباس التي منها هذه الابيات والتي أولها : بروحي فتى واسا الحسين بروحه *** وجيش ابن سعد حل بالوعد والقتل

السيد محمد بن الحسين بن محمد بن محسن بن عبد المطلب بن علي بن فاخر ابن أسعد بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد أمير الحاج الحسيني النجفي

توفي سنة ألف ومائة ونيف وثمانين في النجف الاشرف ودفن بها. كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً تلمذ على السيد نصر اللّه الحائري ومدحه وله ( الآيات الباهرات في مدائح النبي والأئمة عليه وعليهم الصلوات ) شعر جعل فيه لكل معصوم تسع منظومات ذكر في كل واحدة منها آية بالشعر او الرجز أو الموشح أو المقامة.

فمن شعره قوله من قصيدة :

شريت دنياي من جهلي بضرتها *** بيع الجهالة فيه يغبن الرجل

انتهى

أقول وهو شارح ميمية أبي فراس الحمداني والشرح مطبوع في ايران اسمه ( شرح شافية أبي فراس في مناقب آل الرسول ومثالب بني العباس ).

وفي كتاب ( شعراء من كربلاء ) تأليف الأخ البحاثة سلمان هادي الطعمة ان السيد محمد بن أمير الحاج وفاته عام 1180 ه- 1766 م ووصفه بالأديب الجليل الشاعر الماهر قال : ومن آثاره ( الآيات الباهرات ) و ( تاريخ نور الباري ) وقد ذكره الشيخ محمد السماوي في أرجوزته المسماة ب- ( مجالي اللطف بأرض الطف ) فقال :

وكالهمام ابن أمير الحاج *** محمد بدر الهدى الوهاج

تلميذه الثاني الذي قد أمّه *** وصنف المصنفات الجمّة

له بسبط المصطفى زواهر *** فهو به قد أرخوه ( ظافر )

ص: 291

وذكر العلامة الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( الذريعة ) بخصوص ديوانه : ديوان ابن أمير الحاج هو السيد محمد بن الحسين الحسيني ، من ذرية الحسين الأصغر كما سرد نسبه في الآيات الباهرات ، وله تاريخ نور الباري الذي فرغ من نظمه سنة 1177 وقد أهدى الآيات الباهرات إلى استاذه السيد نصر اللّه المدرس الحائري واشار فيه إلى ديوانه العربي هذا بقوله :

لو كان للشعر سلطان لكان به *** ديوان شعري سلطان الدواوين

قال : وقد عثرنا له على قصيدة قالها مؤرخاً عام الشروع بتذهيب القبة العلوية المنورة :

اللّه أكبر لاح قرص ال- *** -شمس في أرض الغري

أم قبة الفلك الذي *** فيها أضاء المشتري

أم طور سيناء الكليم *** -كليم به كبدر نيّر

بل قبة النبأ العظيم *** وصهر طه الأطهر

قد ريم في تذهيبها *** زياً وحسن المنظر

هي قطب دائرة الوجود *** وشمس كل الأدهر

فلذا دعا تاريخها *** الشمس قبة حيدر 1155

وذكر صاحب الذريعة ان نسخة من ديوانه في مكتبة الشيخ محمد السماوي قال في الذريعة ج 3 ص 292 : والنسخة التي رأيتها في مكتبة الشيخ محمد السماوي والظاهر أنها بخط الناظم.

وقال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) وللسيد أبي جعفر محمد بن أمير الحاج الحسين أرجوزة في تاريخ المعصومين الأربعة عشر علیهم السلام .

أقول ورأيت في ديوانه المخطوط بمكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف - قسم المخطوطات رقم 745 ان بعض قصائده في أهل البيت علیهم السلام

ص: 292

سماها ب- ( نور الباري ) وقال :

سميت ما قد برقت أشعاري *** بلمعة تاريخ نور الباري

وله روائع في وصف الحرم الحسيني بكربلاء ومقتطفات يصف بها الزجاجيات والهدايا والتحف وقد علق ببالي قوله :

ترب الطفوف لقد حوى *** شرفاً على كل التراب

إذ حل فيه سيدٌ *** يدعى أبوه أبو تراب

ومن البديع قوله في قبّة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام :

شبّهت قبة حيدر *** إذ ذهّبت ومنارتين

بالنجم ، بل بالبدر ، *** بل بالشمس ، بل بالفرقدين

ص: 293

الشيخ حسن الدمستاني

المتوفى 1181

مَن يلهه المرديان الملل والأملُ *** لم يدر ما المنجيان العلم والعملُ

من لي بصيقل ألباب قد التصقت *** بها الرذائل والتاطت بها العلل

قد خالطت عقلهم أحكام وهمهم *** وخلط حكمهما في خاطر خطل

خذ رشد نفسك من مرأة عقلك لا *** بالوهم من قبل ان يغتالك الاجل

مطى الانام هي الايام تحملهم *** الى الحمام وان حلّوا او ارتحلوا

لم يولد المرء إلا فوق غاربها *** يحدو به للمنايا سائق عجل

يا منفق العمر في عصيان خالقه *** أفق فإنك من خمر الهوى ثمل

تعصيه لا أن انت في عصيانه وجلٌ *** من العقاب ولا من مَنّه خجل

أنفاس نفسك أثمان الجنان فهل *** تشرى بها لهباً في الحشر يشتعل

تشحّ بالمال حرصاً وهو منتقل *** وأنت عنه برغم عنك منتقل

ما عذر من بلغ العشرين ان هجعت *** عيناه او عاقه عن طاعة كسل

ان كنت منتهجاً منهاج رب حجىً *** فقم بجنح دجىً لله تنتفل

ألا ترى أولياء اللّه كيف قلت *** طيب الكرى في الدياجي منهم المقل

يدعون ربهم في فك عنقهم *** من رقّ ذنبهم والدمع ينهمل

نحف الجسوم فلا يدرى اذا ركعوا *** قسى نبل هم أم ركّع نبل

خمص البطون طوى ذبل الشفاه ظمى *** عمش العيون بكا ما عبّها كحل

ص: 294

يقال مرضى وما بالقوم من مرض *** أو خولطوا خبلا حاشاهم الخبل

تعادل الخوف فيهم والرجاء فلم *** يفرط بهم طمع يوماً ولا وجل

ان ينطقوا ذكروا أو يسكتوا فكروا *** أو يغضبوا غفروا او يقطعوا وصلوا

او يُظلموا صفحوا او يوزنوا رجحوا *** او يسألوا سمحوا او يحكموا عدلوا

ولا يلمّ بهم من ذنبهم لممٌ *** ولا يميل بهم عن وردهم ميَل

ولا يسيل لهم دمع على بشر *** إلا على معشر في كربلا قتلوا

ركب برغم العلى فوق الثرى نزلوا *** وقد أعدّ لهم في الجنة النزل

تنسي المواقف أهليها مواقفهم *** بصبرهم في البرايا يضرب المثل

ذاقوا الحتوف باكناف الطفوف على *** رغم الانوف ولم تبرد لهم غلل

افدى الحسين صريعاً لا صريخ له *** إلا صرير نصول فيه تنتصل

اليس ذا ابن علي والبتول ومن *** بجدّه ختمَت في الامة الرسل (1)

ص: 295


1- عن ديوانه المسمى ب- ( نيل الاماني أو ديوان الدمستاني ).

الشيخ حسن بن محمد بن علي بن خلف بن ابراهيم بن ضيف اللّه بن حسن ابن صدقة البحراني الدمستاني(1).

توفي في بلدة القطيف يوم الاربعاء 23 ربيع الاول سنة 1181 والمدفون في المقبرة الغربية من مقبرتي الحباكة جنوب مسجد العابدات. كان عالماً فاضلاً فقيهاً محدثاً رجالياً محققاً مدققاً ماهراً في علمي الحديث والرجال. قال صاحب أنوار البدرين : كان مع ما هو عليه من العلم والفضل يعمل بيده ويشتغل لمعيشته وعياله. له مؤلفات جليلة ذكرها صاحب أعيان الشيعة منها : منظومة في نفي الجبر والتفويض ، ارجوزة في اثبات الامامة والوصية ، ارجوزة في التوحيد. أما شعره فهو كثير بعدد حروف الهجاء ، ومن أشهرها ملحمة الطف ، وقد جاء في ديوانه المطبوع في النجف الاشرف والمسمى ب- ( نيل الاماني ) أربع وأربعون قصيدة.

جمع شعره ابنه الشيخ احمد في مجلد مشتمل على 109 صفحات ، كتبه بخطه وانتهى من تدوينة في اواخر ذي الحجة عام (1190 ) ه- كذا ذكر الشيخ الطهراني في ( الذريعة ).

أقول وقبل ثلاثين سنة من هذا التاريخ استعرتُ ديوان الشيخ دمستاني ودوّنت منه 22 قصيدة فهي اليوم في احد أجزاء ( سوانح الافكار في منتخب الاشعار ) بخطي ، وسبق وان نشرت مختصر مقتل الحسين واسميته

ص: 296


1- الدمستاني نسبة الى دمستان بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون السين المهملة بعدها مثناة فوقية والف ونون : قرية من قرى البحرين أصله منها ثم جاء الى القطيف وتوفي فيها.

( عبرة المؤمنين ) طبع بمطبعة النعمان بالنجف الاشرف وذكرت فيه ملحمة الشيخ الدمستاني ، وهي مشهورة لدى خطباء المنبر الحسيني وكثيراً ما تكون موضع الشاهد في مواقفهم الخطابية.

ومن شعره في رثاء الحسين (عليه السلام) :

اتغتر من أهل الثناء بتمجيد *** وانك من عقد العلى عاطل الجيد

فقم لاقتحام الهول في طلب العلى *** بسمر القنا والبيض والقطع للبيد

ألم تر أن السبط جاهد صابرا *** بانصاره الصيد الكرام المذاويد

فثابوا الى نيل الثواب وقصدوا *** صدور العوالي في صدور الصناديد

وجادوا بأسنى ما يجود به الورى *** وليس وراء الجود بالنفس من جود

فأوردهم مولاهم مورد الرضا *** هنيئاً لهم فازوا بأعظم مورود

وظلّ وحيداً واحد العصر ماله *** نصير سوى ماض وأسمر أملود

على سابق لم يحضر الحرب مدبرا *** وما زال فيها طارداً غير مطرود

يميناً بيمناه التي لم يزل بها *** شواظ حتوف او منابع للجود

لقد شاد في شأن الشجاعة رفعة *** وشاد علاً أركانها أيّ تشييد

أيا علة الايجاد أنتم وسيلتي *** إلى اللّه في إنجاح سؤلي ومقصودي

عرفت هداكم بالدليل أفاضة *** من المبدع الفياض من غير تقليد

فأخرجت من قاموس تيار فضلكم *** جواهر أخبار صحاح الاسانيد

وأرسيت آمالي بجودي جودكم *** فانجح بها حيث استقرت على الجودي

فها حسنٌ ضيف لكم يسأل القرى *** وما الضيف عن باب الكرام بمصدود

فمنّوا بإدخالي غداً في جواركم *** وأصلي وفرعي والديّ ومولودي

ص: 297

الشيخ أحمد النحوي

المتوفى 1183

لو كنت حين سلبت طيب رقادي *** عوّضت غير مدامع وسهادِ

أو كنت حين أردت لي هذا الضنا *** أبقيت لي جسداً مع الأجسادِ

أعلمت يا بين الأحبة أنهم *** قبل التفرق أعنفوا بفؤادي

أم ما علمت بأنني من بعدهم *** جسد يشف ضناً عن العواد

يا صاحبي وأنا المكتّم لوعتي *** فتظن زادك في الصبابة زادي

قف ناشداً عني الطلول متى حدا *** بظعائن الأحباب عنها الحادي

أو لا فدعني والبكاء ولا تسل *** ما للدموع تسيل سيل الوادي

دعني أروي بالدموع عراصهم *** لو كان يروي الدمع غلة صادي

من ناشد لي في الركائب وقفة *** تقضي مرادي من أهيل ودادي

هي لفتة لذوي الظعون وإن نأوا *** يحيا بنفحتها قتيل بعادِ

هيهات خاب السعي ممن يرتجي *** في موقف التوديع مثل مرادي

رحلوا فلا طيف الخيال مواصل *** جفني ولا جفتِ الهموم وسادي

أنّى يزور الطيف أجفاني وقد *** سدت سيول الدمع طرق رقادي

بانوا فعاودني الغرام وعادني *** طول السقام وملّني عوّادي

ص: 298

ويلاه ما للدهر فوّق سهمه *** نحوي وهزّ عليّ كل حدادِ

أترى درى أن كنت من أضداده *** حتى استثار فكان من أضدادي

صبراً على مضض الزمان فإنما *** شيم الزمان قطيعة الأمجاد

نصبت حبائله لآل محمد *** فاغتالهم صرعى بكل بلاد

وأباد كل سميدع منها ولا *** مثل الحسين أخي الفخار البادي

العالم العلم التقي الزاهد ال- *** -ورع النقي الراكع السجّادِ

خوّاض ملحمة وليث كريهة *** وسحاب مكرمة وغيث إيادي

لم أنسَ وهو يخوض أمواج الردى *** ما بين بيض ظبى وسمر صعاد

يلقى العدى عطلا ببيض صوارم *** هي حلية الاطواق للاجياد

بيض صقال غير أن حدودها *** أبداً الى حمر الدماء صوادي

ويهزّ أسمرَ في اضطراب كعوبه *** خفقان كل فؤاد أرعن عادي

فترى جسوم الدارعين حواسراً *** والحاسرين لديه كالزرّاد

حتى شفى غلل الصوارم والقنا *** منهم وأرقدهم بغير رقاد

فدنا له القدَر المتاح وحان ما *** خط القضاء لعاكف او بادي

غشيته من حزب ابن حرب عصبة *** ملتفة الأجناد بالأجناد

جيش يغص له الفضا بعديده *** ويضيق محصيه عن التعداد

بأبي أبيّ الضيم لا يعطي العدى *** حذر المنية منه فضل قياد

بأبي فريداً أسلمته يد الردى *** في دار غربته لجمع أعادي

حتى ثوى ثبت الجنان على الثرى *** من فوق مفتول الذراع جواد

لم أدرِ حتى خرّ عنه بأنها *** تهوى الشواهق من متون جياد

اللّه أكبر يا لها من نكبة *** ذرّت على الأفاق شبه رماد

رزءٌ يقلّ لوقعه حطم الكلى *** والعط للأكباد لا الأبراد

يا للرجال لسهم ذي حنق به *** أودى وسيف قطيعة وعناد

ص: 299

فلقد أصاب الدين قبل فؤاده *** ورمى الهدى من قبل ذاك الهادي

يا رأس مفترس الضياغم في الوغى *** كيف انثنيت قريسة الأوغاد

يا مخمداً لهب العدى كيف انتحت *** نوب الخطوب إليك بالإخماد

حاشاك يا غيظ الحواسد أن ترى *** في النائبات شماتة الحساد

ما خلت قبلك أن عاريّ الظبا *** يأوي الثرى بدلاً من الأغماد

أو تحجب الأقمار تحت صفائح ال- *** -لحاد شرّ عصائب الإلحاد

ما إن بقيت من الهوان على الثرى *** ملقى ثلاثاً في ربى ووهاد

لكن لكي تقضي عليك صلاتها *** زمر الملائك فوق سبع شداد

لهفي لرأسك وهو يرفع مشرقاً *** كالبدر فوق الذابل المياد

يتلو الكتاب وما سمعت بواعظ *** تخِذ القنا بدلاً عن الأعواد

لهفي على الصدر المعظم يشتكي *** من بعد رشّ النبل رضّ جياد

يا ضيف بيت الجود أقفر ربعه *** فاشدد رحالك واحتفظ بالزاد

والهفتاه على خزانة علمك الس- *** -جّاد وهو يقاد في الأصفاد

بادي الضنا يشكو على عاري المطى *** عضّ القيود ونهسة الأقتاد

فمنِ المعزّي للرسول بعصبة *** نادى بشملهم الزمان بداد

ومَن المعزي للوصيّ بفادح *** أوهى القلوب وفتّ في الأعضاد

إن الحسين رميّة تنتاشه *** أيدي الضغون بأسهم الأحقاد

وكرائم السادات سبي للعدى *** تعدو عليها للزمان عوادي

حسرى تقاذفها السهول الى الربى *** ما بين إغوار إلى إنجاد

هذي تصيح أبي وتهتف ذي أخي *** وتعجّ تلك بأكرم الأجداد

أعلمت يا جداه سبطك قد غدا *** للخيل مركضة بيوم طراد

أعلمت يا جداه أن أمية *** عدّت مصابك أشرف الاعياد

وتعجّ تندب ندبها بمدامع *** منهلّة الأجفان شبه غوادي

ص: 300

أحشاشة الزهراء بل يا مهجة ال- *** -كرار يا روح النبي الهادي

أأخي هل لك أوبة تعتادنا *** فيها بفاضل برّك المعتاد

أترى يعود لنا الزمان بقربكم *** هيهات ما للقرب من ميعاد

أأخيّ كيف تركتني حلف الأسى *** مشبوبة الأحشاء بالإيقاد

رهن الحوادث لا تزال تصيبني *** بسهامهنّ روائحاً وغوادي

تنتاب قاصمة الرزايا مهجتي *** ويبيت زاد الهمّ ملء مزادي

قلب يقلّب بالأسى وجوانح *** ما بين جمر غضى وشوك قتاد

يا دهر كيف اقتاد صرفك للردى *** من كان ممتنعاً على المقتاد

عجباً لأرضك لا تميد وقد هوى *** عن منكبيها أعظم الأطواد

عجباً بحارك لا تغور وقد مضى *** مَن راحتاه لها من الامداد

عجباً لصبحك لا يحول وقد مضى *** مَن في محياه استضاء النادي

عجباً لشمس ضحاك لم لا كوّرت *** وتبرقعت من خفرها بسواد

عجباً لبدر دجاك لم لا يدّرع *** ثوب السواد الى مدى الآباد

عجباً جبالك لا تزول ألم تكن *** قامت قيامة مصرع الأمجاد

عجباً لذي الافلاك لم لا عطلت *** والشهب لم تبرز بثوب حداد

عجباً يقوم بها الوجود وقد ثوى *** في الترب منها علة الإيجاد

عجباً لمال اللّه أصبح مكسباً *** في رائح للظالمين وغادي

عجباً لآل اللّه صاروا مغنماً *** لنبي يزيد هديّة وزياد

عجباً لحلم اللّه جل جلاله *** هتكوا حجابك وهو بالمرصاد

عجباً لهذا الخلق لم لا أقبلوا *** كل إليك بروحه لك فادي

لكنهم ما وازنوك نفاسةً *** أنى يقاس الذرّ بالأطواد

اليوم أمحلت البلاد وأقلعت *** ديم القطار وجفّ زرع الوادي

اليوم برقعت الهدى ظلم الردى *** وخبا ضياء الكوكب الوقاد

ص: 301

اليوم أعولت الملائك في السما *** وتبدّل التسبيح بالتعداد

بحر تدفّق ثم غاض عبابه *** من بعده واخيبة الورّاد

روض ذوى بعد النضارة والبها *** من بعده واخيبة الوراد

بدر هوى بعد التمام وطالما *** بالأمس كان دليلنا والهادي

سيف تعاوره الفلول وطالما *** كان القضاء على الزمان العادي

جبل تصدّع وهو كان لنا حمى *** من مصعبات في الامور شداد

مولاي يا ابن الطهر رزؤك جاعلي *** دمعي شرابي والتحسر زادي

يا مهجة المختار يا مَن حبّة *** أعددته زادي ليوم معادي

مولاي خذ بيد الضعيف غداً إذا *** وافى بأعباء الذنوب ينادي

واشفع لأحمد في الورود بشِربة *** يطفي بسلسلها غليل فؤادِ

لا أختشي ضيماً ومثلك ناصري *** لا أتقي غيّاً وأنت رشادي

صلى الإله على جنابك ما حدا *** بجميل ذكرك في البرية حادي

ص: 302

الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن الحلي النجفي المعروف بالنحوي وبالشاعر هو أبو الرضا توفي سنة 1183 بالحلة ونقل الى النجف ودفن بها

ورثاه السيد محمد زيني بقصيدة مؤرخاً فيها عام وفاته مطلعها :

أرأيت شمل الدين كيف يبدد *** ومصائب الآداب كيف تجدد

ويقول في التاريخ :

أظهرت أحزاني وقلت مؤرخاً *** الفضل بعدك أحمد لا يحمد

( وآل النحوي ) بيت من بيوت العلم والأدب نبغ منهم في أوائل القرن الثالث عشر في النجف غير واحد. وتعرف بقيتهم وأحفادهم الى اليوم في النجف ببيت الشاعر وكانوا يترددون بين النجف والحلة.

كان الشيخ النحوي من كبار العلماء وأئمة الأدب في عصر الشهيد السيد نصر اللّه الحائري معروفاً عند العامة والخاصة بالفضل والتوغل في العلوم العربية وآدابها ، ويظهر من بعض أشعاره انه كان معدوداً من شعراء السيد مهدي بحر العلوم ومحسوباً من ندمائه (1).

وفي نشوة السلافة ومحل الإضافة للشيخ محمد علي بشارة من آل موحي الخيقاني النجفي كما في نسخة مخطوطة رأيناها في مكتبة الشيخ محمد السماوي النجفي : اطلع من الادب على الخفايا وقال لسان حاله ( أنا ابن جلا

ص: 303


1- أخذنا الترجمة عن أعيان الشيعة ج 3 ص 15.

وطلاع الثنايا ) تروّى من العربية والادب ونال منهما ما أراد وطلب ، له نظم منتظم يضاهي ثغر الصبح المبتسم أه. وفي هامش نسخة نشوة السلافة المخطوطة المذكورة ما لفظه : الشيخ الجليل أبو الرضا الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن النجفي ثم الحلي عالم عامل وفاضل نال الغاية وجاوز من الكمال النهاية أخذ من كل فن من العلوم النقلية والعقلية ما راق وطاب ورزق من الاطلاع على غرائبها ما لم يرزق غيره واللّه يرزق من يشاء بغير حساب اه.

وقال عصام الدين العمري الموصلي في كتابه الروض النضر في ترجمة علماء العصر ، كما في نسخة مخطوطة رأيناها في مكتبة عباس عزاوي المحامي في بغداد من جملة كلام طويل مسجع على عادة أهل ذلك العصر : الشيخ أحمد النحوي الذي نحا سيبويه وفاق الكسائي ونفطويه لبس من الأدب بروداً ونظم من المعارف لآلئً وعقوداً صعد الى ذروة الكمال وتسلق على كاهل الفضل الى أسنمة المعالي فهو ضياء فضل ومعارف وسناء علم وعوارف.

غمام كمال هطله العلم والحجى *** ووبل معال طلّه الفضل والمجد

له رتبة في العلم تعلو على السهى *** فريد نهى أضحى له الحل والعقد

لم ترق رقيّه الأدباء ولم تحاكه الفضلاء وصل من الفصاحة الى أقصاها ورقى منابر الفضائل وأعوادها ووصل أغوار البلاغة وأنجادها ، وهو تلميذ السيد نصر اللّه الحائري وكنت أراه في خدمته ملازماً له أتم الملازمة ، له اليد العالية في نظم الشعر مشهور عند أرباب الأدب اه. وفي الطليعة : كان أحد الفضلاء في الحلة وأول الأدباء بها ، هاجر الى كربلاء لطلب العلم فتلمذ على يد السيد نصر اللّه الحائري وبعد وفاته رحل الى النجف فبقي مدة فيها ثم رجع الى الحلة وبقي بها حتى توفي ، وله مطارحات مع أفاضل العراق وماجريات ، وكان سهل الشعر فخمه منسجمه وعمّر كثيراً وهو في خلال ذلك قوي البديهة سالم الحاسة ، وكان أبوه الحسن ايضاً شاعراً فلذا يقال لهم بيت الشاعر كما يقال لهم بيت النحوي اه.

ص: 304

له شرح المقصورة الدريدية وديوان شعره المخطوط. وله غزل ومديح ورثاء كبير وله في الحسين علیه السلام وفي غيره من الأئمة علیهم السلام مراث ومدائح كثيرة وله مقدمة الفرزدقية وهي للشاعر الفرزدق :

يا ربّ كاتم فضل ليس ينكتمُ *** والشمس لم يمحها غيمٌ ولا قتمُ

والحاسدون لمن زادت عنايته *** عقباهم الخزي في الدنيا وإن رغموا

أما رأيت هشاماً إذ أتى الحجر الس- *** -امي ليلمسه والناس تزدحم

أقام كرسيه كيما يخفّ له *** بعض الزحام عسى يدنو فيستل

فلم يفده وقد سدّت مذاهبه *** عنه ولم تستطع تخطو له قدم

حتى أتى الحبر زين العابدين إما *** م التابعين الذي دانت له الأمم

فأفرج الناس طراً هائبين له *** حتى كأن لم يكن بها إرم

تجاهلاً قال من هذا فقال له *** أبو فراس مقالاً كله حكم

( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ) إلى آخر القصيدة.

وخمسها الشيخ محمد رضا والشيخ هادي إبناه.

وقال مخمساً هذه الابيات في مدح أهل البيت علیهم السلام (1) :

بنيتم بني الزهراء في شامخ الذرى *** مقاماً يردّ الحاسدين إلى الورا

أناديكم صدقاً وخاب من افترى *** بني أحمدٍيا خيرة اللّه في الورى

سلامي عليكم إن حضرنا وإن غبنا

لقد بيّن الباري جلالة أمركم *** وأبدى لنا في محكم الذكر ذكركم

أمرتم فشرفنا بطاعة أمركم *** طهرتم فطهرنا بفاضل طهركم

وطبتم فمن آثار طيبكم طبنا

ص: 305


1- أقول : الاصلي لأبي هاشم الجعفري وهو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد اللّه بن جعفر توفى سنة 252 ه.

مواليّ لا أحصي جميل ثنائكم *** ولا أهتدي مدحاً لكنه بهائكم

ظفرنا بكنز من صفايا صفائكم *** ورثنا من الآباء عقد ولائكم

ونحن إذا مِتنا نورّثه الابنا

وله يمدح صاحب نشوة السلافة بهذه القصيدة :

برزت فيا شمس النهار تستري *** خجلاً ويا زهر النجوم تكدري

فهي التي فاقت محاسن وجهها *** حسن الغزالة والغزال الأحورِ

يقول فيها :

من آل موح شهب أفلاك العلى *** وبدور هالات الندى والمفخر

وهم الغطارفة الذين لبأسهم *** ذهل الورى عن سطوة الإسكندر

وهم البرامكة الذين بجودهم *** نسي الورى فضل الربيع وجعفر

لم يخل عصر منهم أبداً فهم *** مثل الأهلة في جباه الأعصر

لا سيما العلم الذي دانت له ال- *** أعلام ذو الفضل الذي لم ينكر

ولقد كسا نهج البلاغة فكره *** شرحاً فأظهر كل خاف مضمر

وعجبت من ريحانة النحو التي *** لم يذو فاخرها مرور الأعصر

فذروا السلافة ان في ديوانه *** في كل بيت منه حانة مسكر

ودعوا اليتيمة ان بحر قريضة *** قذفت سواحله صنوف الجوهر

ما ( دمية القصر ) التي جمع الأولى *** كخرائد برزت بأحسن منظر

يا صاحب الشرف الأثيل ومعدن ال- *** -كرم الجزيل وآية المستبصر

خذها إليك عروس فكرٍ زفّها *** صدق الوداد لكم وعذر مقصر

فاسلك على رغم العدى سبل العلى *** واسحب على كيوان ذيل المفخر

وله في تقريظ القصيدة الكرارية والمنظومة الشريفية الكاظمية أوردها صاحب نشوة السلافة وأولها :

ألفظك أم أزهار جنة رضوان *** ومعناه أم آثار حكمة لقمان

ص: 306

وله أرجوزة في مدح شيخه السيد نصر اللّه الحائري جاعلاً أعجاز أبياتها من ألفية ابن مالك وهي 120 بيتاً (1).

خلف ثلاثة أولاد كلهم علماء شعراء أدباء مشهورون وهم : الشيخ محمد رضا والشيح حسن والشيخ هادي.

ونظم هذه القصيدة في طريق سرّ من رأى بمشاركة ولده الشيخ محمد رضا فالصدور له والاعجاز لولده ، وتتضمن مدح الامامين : علي الهادي والحسن العسكري :

أرحها فقد لاحت لديك المعاهد *** وعما قليل لديار تشاهد

وتلك القباب الشامخات ترفعت *** ولاحت على بعد لديك المشاهد

وقد لاحت الأعلام أعلام من لهم *** حديث المعالي قد رواه مجاهد

حثثنا اليها العيس قد شفها النوى *** وقد أخذت منها السرى والفدافد

مصاب المطايا عندنا فرحة اللقا *** مصائب قوم عند قوم فوائد

نؤمّ دياراً يحسد المسك تربها *** وتغبط حصباء بهن القلائد

نؤم بها دار العلى سر من رأى *** ديار لآل اللّه فيها مَراقد

ديار بها الهادي إلى الرشد وابنه *** ونجل ابنه والكل في الفضل واحد

أقاموا عماد الدين دين محمدٍ *** وشيدت بهم أعلامه والقواعد

فلولاهم ما قام لله راكع *** ولولاهم ما خرّ لله ساجد

ورب غبي يجحد الشمس ضؤها *** فتحسبه في يقظة وهو راقد

تلوح له منهم عليهم دلائل *** وتبدو له منهم عليهم شواهد

بدا منكراً من غيّه بعض فضلهم *** ولا ينفع الإنكار واللّه شاهد

قصدت معاليهم ولي في مديحهم *** قصائد ما خابت لهن مقاصد

ص: 307


1- منها : همت بنون الصدغ حيث زانا *** والفم حيث الميم منه بانا افدي الذي صناه أضحى قمراً *** أو واقع موقع ما قد ذكرا

أؤمل للدارين منهم مساعداً *** وظنّي كلٌ لي يمين وساعد

بني الوحي حاشا أن يخيب الرجا بكم *** وأن ينثني في خيبة القصد قاصد

صلوني وعودوا بالجميل على الذي *** له صلة منكم لديه وعائد

فإن تسعدوني بالرضا فزت بالرضا *** وإلا فدلوني على من يساعد

وللشيخ أحمد النحوي قصيدة في مدح الامام علي بن موسى الرضا علیه السلام أولها :

مهلاً بحقك لا تزجّ العيسا *** قف نشفِ منهم بالوداع نفوسا

45 بيتاً أثبتها العلامة السيد أحمد العطار في مخطوطه ( الرائق ) ج 2 ص 340

أقول ولأن الشاعر كان يعرف بالخياط كما يعرف ب- ( النحوي ) فقد وقع السيد الامين في الاشتباه فترجم له مرتين ظناً منه ان الشيخ أحمد بن حسن الخياط هو غير أحمد بن حسن النحوي فترجم له مرة ثانية في الجزء السابع من المجلد الثامن ص 479.

وترجم له الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) وقال : كان يحترف الخياطة في أوائل أمره فلازمه لقب ( الخياط ) كما لازمه في كبره لقب النحوي والشاعر ولما وقف معاصره السيد صادق الفحام على قصيدة المترجم له التي تبلغ خمسين بيتاً ، وكل بيت فيه تاريخان قرّض عليها الفحام بمقطوعة كل بيت منها تاريخان مثبتة بديوانه المخطوط ، منها :

فرقان أحمد أعجاز مثانيه *** سما وليس له ضدٌ يساميه

من كان كذّب دعوى ( أحمد ) سفهاً *** الآن صحّت له دعوى تبنّيه

ومن شعره في الغزل :

قد قال لما قلت هل قبلة *** تشفى بها قلب معنى هواك

بالجيد أم بالخد أم مبسمي *** قلت بهذا وبهذا وذاك

ص: 308

وله :

رمى بسهم ورنا *** واللحظ منه ممرضي

قلت أصبت مهجتي *** فقال هذا ( غرضي )

وله :

تملّك رقي شادن قد هويته *** من ( الهند ) معسول اللمى أهيف القد

أقول لصحبي حين يقبل معرضاً *** خذوا حذركم قد سل صارمه الهندي

وقال :

فديتك مالك لم تُقبل *** إلي وقولي لم تقبل

أوحّد حسنك بين الورى *** ففي نار هجرك لم أصطلي

ويا طيب هجرك لو لم تكن *** تمكن وصلك من عذلي

فديتك مهلاً فاني قضيت *** وعن حب حسنك لم أعدل

فديتك رفقاً وحق الهوى *** سوى حسن وجهك لم حل لي

وكيف يرى القلب حباً سواك *** وغيرك في القلب لم يحلل

فديتك من قمر لو بدا *** فيا خجلة القمر الاكمل

فديتك غصناً إذا ما انثنى *** فيا قسوة الغصن الاميل

وحقك يا من لباس الضنى *** وخلع عذاري به لذّ لي

لئن كنت مستبدلاً بي سواي *** فما أنا حاشا بمستبدل

وان كنت يا بدر سال هواي *** فمثلك واللّه لا ينسلي

وإلا فلم قد وصلت الوشاة *** وصيرتني عنك في معزل

وقد كان قلبك لي منزلاً *** فمالي نُحيت عن منزلي

فآجرك اللّه في مغرم *** بغير صدودك لم يقتل

ومن شعره عن ديوانه المخطوط قوله ، وقد سلك فيه المنهج العرفاني :

أماناً يا صبا نجدِ *** فقد هيجت لي وجدي

ص: 309

ويا برقا سرى وهناً *** قريب العهد من هند

لقد أججت لي ناراً *** تذيب القلب بالوقد

ويا ساداتنا هلا *** رعيتم ذمة العبد

هجرتم مغرماً لم يد *** ر بالهجران والصد

قضى في حبكم وجداً *** وباع الغي بالرشد

فيا من ودهم قصدي *** ويا من ذكرهم وردي

بليلات مضت معكم *** وعيش ناعم رغد

وأيام لنا كانت *** بجيد الدهر كالعقد

صلوا وارثوا لمشتاق *** حليف الدمع والسهد

وان قاطعتم المضنى *** وخنتم سالف العهد

فاني ذلك الخل *** وودي فيكم ودي

إلى أن يجمع الشمل *** وتطوى شقة البعد

ومن وصلكم تحظى *** اذن في جنة الخلد

وتجني زهرة الوصل *** وتجلو راحة السعد

وان مت وما نلت *** بلقيا سادتي قصدي

فيا وجدي ويا حزني *** لمن قد ناله بعدي

ص: 310

الشيخ حسن آل سليمان العاملي

المتوفى 1184

ما ضرّ من كان ذا لبٍّ وتفكير *** لو قطّع النفس وجداً يوم عاشور

وكلّف القلب حزناً لا يخامره *** تكلف الصبر حتى نفخه الصور

خطب أقام عمود الشرك منتصباً *** وشدّ أعضاد أهل الغي والزور

خطب غدا منه عرش اللّه منصدعاً *** وكوّر الشمس حزناً أي تكوير

لله يوم أقامت فيه قارعة *** أهل الحفيظة والجرد المحاضير

من كل مقتلع الارواح مصلطم ال- *** أشباح مفترس الاسد المغاوير

حامي الحقيقة مقدام الكتيبة *** خوّاض الكريهة دفّاع المقادير

صوّام يوم هجير الصيف ملتزم *** تلاوة الذكر قوّام الدياجير

يوم ترامت إلى حرب الحسين به *** أبناء حرب على جدٍّ وتشمير

وروّت الأرض من نحر الحسين دماً *** وغادرته طريحاً في الهياجير

يا للحماة حماة الدين من مضر *** ويا ذوي الحزم والبيض البواتير

ص: 311

الشيخ حسن آل سليمان العاملي

قال السيد الامين في الاعيان ج 21 ص 437 :

توفي في رجب سنة 1184 ه. وآل سليمان بيت علم وصلاح في جبل عاملة من زمن بعيد إلى اليوم ، وأحفادهم اليوم يسكنون قرية البياض في ساحل صور وكانوا قبل ذلك في مزرعة مشرف وعندهم مكتبة يتوارثونها عن أجدادهم تحتوي على مجموعة نفيسة من المخطوطات وبعض المطبوعات النادرة وقد ذهبت إلى القرية المذكورة وبقيت فيها عندهم أياماً وطالعت محتويات تلك المكتبة ونقلت منها في هذا الكتاب. وجدهم الذي ينسبون اليه هو الشيخ سليمان بن محمد بن أحمد بن سليمان العاملي المزرعي الذي وجدنا بخطه مقتل أمير المؤمنين علي علیه السلام فرغ منه 25 صفر سنة 1033 وعليه خاتمه بتاريخ 1028 ويحتمل ان تكون نسبتهم إلى الشيخ سليمان بن محمد العاملي الجبعي تلميذ الشهيد الثاني الذي كان حياً سنة 951 وان يكون الشيخ سليمان المزرعي من أحفاده بل يحتمل ان يكونا شخصاً واحداً وان يكون أصله من جبع ثم انتقل إلى المزرعة اما الشيخ سليمان بن علي بن محمد بن محمد بن سليمان المزرعاني الذي كان حياً سنة 1152 فهو من أحفاد الشيخ سليمان المزرعي سمي باسم جده الذي كان مشهوراً كما جرت العادة بأن يسمى الاحفاد باسم جدهم المشهور ، والمترجم كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً من مشاهير علماء عصره وأساطين فضلائه قرأ في جبل عاملة وفي العراق ذكره بعض مؤرخي جبل عاملة في ذلك العصر فقال في رجب سنة 1184 زادت الجنان شرفاً وزينت الحور العين لقدوم العالم الفاضل الأجل المؤتمن الشيخ حسن سليمان قدس اللّه روحه ونور ضريحه اه- وكان يسكن بلدة انصار وقيل قلعة مارون في ساحل صور والظاهر انه كان أولاً يسكن انصار ثم سكن قلعة مارون

ص: 312

وكان في عصر الشيخ ناصيف بن نصار شيخ مشايخ جبل عاملة وعصر الشيخ عباس المحمد حاكم صور إلا انه كانت فيه حدة ، وذكره صاحب جواهر الحكم في كتابه وبالغ في الثناء عليه وقال بلغني ممن يوثق بنقله عن الثقات العارفين انه كان يفضل في العلم على الشيخ على الخاتوني والسيد أبي الحسن القشاقشي سوى انه كان حاد الطبيعة فلم تحمد الناس صحبته وكان الخاتوني حسن السلوك فقعد الشيخ حسن بن سليمان بيته ولم يخالط الناس لشدة ثورة طبعه.

ومن ذريته الشيخ خليل سليمان العاملي الصوري المعاصر الذي هاجر معنا إلى النجف لطلب العلم ثم سكن كوت الامارة في العراق مدة من الزمن وتوفي في النجف وقد وجدنا لمترجم أشعاراً في بعض المجاميع العاملية المخطوطة وبعضها رد على الشيخ عبد الحليم بن عبد اللّه النابلسي الشويكي المتوفى سنة 1185 المعاصر لظاهر العمر ، وذكره المرادي في سلك الدرر وقال ان له رسالة في الكلام رد بها على معاصره الشيخ أبي الحسن العاملي الرافضي في تأليف له أودعه بعض الدسائس الرافضية والشيخ أبو الحسن هذا هو جد جد المؤلف وكان الشيخ عبد الحليم هذا من شعراء ظاهر العمر والمترجم من شعراء ناصيف وعلماء عصره في المجموع المشار إليه ما صورته للشيخ الفاضل والتحرير الكامل الشيخ حسن سليمان مجيباً عبد الحليم الصفدي « النابلسي » ويذكر يوم طيربيخا « وهو يوم كانت فيه وقعة بين عسكر ناصيف وعسكر ظاهر العمر وكانت الغلبة لعسكر ناصيف » ويظهر ان الشيخ عبد الحليم قال قصيدة ضد العامليين فأجابه المترجم بقصيدة ذكرها السيد الامين في ( الاعيان ) ج 21 كما ذكر له قطعة نبوية عدّد فيها صفات النبي صلی اللّه علیه و آله .

ص: 313

محمد بن عبد اللّه بن فرج الخطي

كان حياً سنة 1184

قال في قصيدة تربو على المائة بيتاً وأولها :

أبريق البروق ذاك الضياء *** أم سنا لاح إذ سفرن الظباء

وبليل النسيم مرّ بليل *** أم شذاها ضاعت به الارجاء

هي للقلب فتنة وعذاب *** وهي للعين روضة غنّاء

إن يكن حال بيننا البعد كرها *** فلها كان في القلوب ثواء

أنا باق على الوفاء وإن هم *** نقضوا العهد عندهم والوفاء

نقضوا العهد نقض أرجاس حرب *** لعهود بها إلى السبط جاؤوا

إلى أن يقول فيها :

ولقد باع نفسه برضى اللّه *** وقد طاب بيعه والشراء

خضّب الوجه بالدماء فأبدى *** شفقاً منه للصباح انجلاء

وقضى ظامئاً وما نال ورداً *** لكن البيض من دماه رواء

وفي آخرها :

يا هداة الورى ويا سرّ خلق اللّه *** يا من بهم يسود العلاء

كنتم علّة الوجود ابتداء *** واليكم يوم الجزا الانتهاء

راجياً عبدكم محمد فوزاً *** بجنان يدوم فيها البقاء

وعليكم من السلام سلام *** كلما سحّ في الرياض الحياء

ص: 314

الشيخ محمد بن عبد اللّه بن فرج الخطي

نقلنا قصيدته الدالية عن مجموع لطف اللّه بن علي بن لطف اللّه بن يحيى بن راشد الجدحفصي المخطوط بقلمه سنة 1201 ه- وفي تحفة أهل الايمان ان المترجم له قد أعار كتاب ( شرح التجريد للاصفهاني ) للشيخ عبد علي بن محمد ابن حسين الماحوزي سنة 1184 ه. ويفهم من هذا أن وفاة صاحب الترجمة بعد هذا التاريخ.

وهذا مطلع القصيدة المشار اليها :

يميناً بنا يا سائق العيس يا سعد *** فلي بالحمى حيّ به بعُدَ العهد

وسر بي إلى تلك الربى علني أرى *** بها نخفة يوماً بها يذهب الوجد

وطف بي على تلك الطلول عسى بها *** يزول غرام في الفؤاد له وقد

وسل ناشداً في الحي عن قلب مغرم *** ثوى عندهم ما كان يوماً له ردّ

وهل منهم من بعد ذا الهجر والقلى *** وصال لمضنى شفه الشوق والوجد (1)

ص: 315


1- عن مجموعة الشيخ لطف اللّه الجدحفصي.

الشيخ ابراهيم الحاريصي

المتوفى 1185

ألا إنني بادي الشجون متيمُ *** ونار غرامي حرها يتضرمُ

ودمعي وقلبي مطلق ومقيد *** وصبري ووجدي ظاعن ومخيم

أبيت وما لي في الغرام مساعد *** سوى مقلة عبرى تفيض وتسجم

وأكتم فرط الوجد خيفة عاذلي *** فتبدي دموعي ما أجنّ وأكتم

ويا لائمي كفّ الملام وخلّني *** وشأني فإن الخطب أدهى وأعظم

فلو كنت تدري ما الغرام عذرتني *** وكنت لأشجاني ترقّ وترحم

إلى اللّه أشكو ما لقيت من الجوى *** فربي بما ألقاه أدرى وأعلم

ويا جيرة شطت بهم غربة النوى *** وأقفر ربع الأنس والقرب منهم

أجيروا فؤاد الصب من لاعج الأسى *** وجودوا عليه باللقا وتكرموا

وحقكم إني على العهد لم أزل *** وما حلت بالتفريق والبعد عنكم

وقربكم أنسي وروحي وراحتي *** وأنتم منى قلبي وقصدي أنتم

رعى اللّه عصراً قد قضيناه بالحمى *** بطيب التداني والحواسد نوّم

وحيا الحيا تلك المعاهد والربى *** فقد كنت فيها بالسرور وكنتم

إلى ان قضى التفريق فينا قضاءه *** وأشمت فينا الحاسدون وفيكم

وشأن الليالي سلب ما سمحت به *** ومن عادة الأيام تبني وتهدم

وما زال هذا الدهر يخدع أهله *** ويقضي بجور في الأنام ويحكم

ص: 316

ويرفع مفضولاً ويخفض فاضلاً *** وينصب في غدر الكرام ويجزم

أصاب بسهم الغدر آل محمدٍ *** وأمكن أهل الجور والبغي منهم

وكانوا ملاذالخلق في كل حادث *** نجاة الورى فيما يسوء ويؤلم

وأبحر جود لا تغيض سماحة *** وأطواد حلم لا تكاد تهدم

وأقمار فضل في سماء من التقى *** واعلام إيمان بها الحق يعلم

هم حجج الرحمن من بين خلقه *** وعروته الوثقى التي ليس تفصم

وعندهم التبيان لا عند غيرهم *** ومودع سرّ اللّه لا ريب فيهم

ومنهم إليهم فيهم العلمُ عندهم *** وأحكام دين اللّه تؤخذ عنهم

ومن مثلهم والطهر أحمد جدهم *** ووالدهم أزكى الأنام وأعظم

وصي رسول اللّه وارث علمه *** وفارسه المقدام والحرب تضرم

وناصر دين اللّه والأسد الذي *** هو البطل القرم الهمام الغشمشم

وقاتل أهل الشرك بالبيض والقنا *** ومن كان أصنام الطغاة يحطم

وأول من صلى إلى القبلة التي *** إليها وجوه العارفين تيمم

ومنها في الامام أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام :

فلما رأى ان لا محيص من الردى *** وطاف به الجيش اللّهام العرموم

سطا سطوة الليث الغضنفر مقدماً *** وفي كفه ماضي الغرارين مخذم

وصال عليهم صولة علوية *** فولوا على الأعقاب خوفاً وأحجموا

إلى أن دنا ما لا مردّ لحكمه *** وذاك على كل الأنام محتم

فلله يوم السبط يا لك نكبة *** لها في فؤاد الدين والمجد أسهم (1)

ص: 317


1- أعيان الشيعة ج 8 ص 496.

الشيخ ابراهيم بن عيسى العاملي الحاريصي

توفي يوم السبت 16 شعبان سنة 1185

عالم فاضل شاعر مجيد ، يعد في طليعة شعراء جبل عامل في ذلك العصر ، وعقبه في حاريص إلى اليوم ، وكان شاعر الشيخ ناصيف بن نصار شيخ مشايخ جبل عامل في ذلك العصر ، أي أمير أمرائه ، قال السيد الامين في الاعيان : ويظهر من شعره انه قرأ في مدرسة ( جويا ) (1) لقوله في ختام بعض قصائده في مدح الشيخ ناصيف :

إليك فريدة رقت وراقت *** بجيد الدهر قد أمست حليّا

هدية شاعر داع مراع *** أجاد بك ابن نصار الرويّا

فتى حاريص مغناه ولكن *** تلقى العلم وفراً من ( جويا )

وكان له بها شيخ جليل *** جميل حاز علماً أحمديا

وفي تبنين ما يرجو وأنتم *** له ذاك الرجا ما دام حيا

قال : وتدل قصائده على اطلاع واسع وعلم بالوقائع التاريخية القديمة ومعرفة برجال التاريخ ، وفي شعره شيء كثير من الحكم والأمثال.

أقول وذكر جملة من شعره في الفخر والحماسة والمناظرة وأغراض أخر.

ص: 318


1- قرية من قرى جنوب لبنان.

الشيخ حسين آل عمران القطيفي

المتوفى 1186

مرابعهم بعد القطين دواثرُ *** سقاها وحياها من المزن هامرُ

ولا زال معتلّ النسيم إذا سرى *** يراوحها في سيره ويباكر

وقفت بها أدعوا النزيل فلم أجد *** سوى رسم دار قد عفته الأعاصر

فناديت في تلك المعاهد والربا *** ألا أين هاتيك الوجوه النواضر

عهدت بها قوماً كأن وجوههم *** مصابيح أمثال النجوم زواهر

فسرعان ما أودى بهم حادث الردى *** ودارت على تلك الديار الدوائر

كأن لم تكن للمجد مأوى وللعلا *** محلاً ولم يسمر بها قط سامر

لئن رحلوا عنها وشطوا فقد بقى *** محامد لا تفنى له ومآثر

هم القوم لا يشقى الجليس بهم ولا *** يفاخرهم في العالمين مفاخر

هم القوم إن نودوا لدفع كريهة *** أجابوا صراخ المستغيث وبادروا

هُم منبع التقوى هُم منبع الهدى *** وفي أزمات الدهر سحبٌ مواطر

اذا جلسوا يُحيوا النفوس معارفاً *** وفي صهوات الخيل أسدٌ قساور

مساميح في اللأوا جحاجيح في الوغا *** مصابيح اذ ليل الضلالة عاكر

ص: 319

نجوم الهدى رجم العدى معدن الندى *** لكفّ الأذى يدعوهم مَن يحاذر

تخطّفهم ريب المنون فأصبحوا *** والدهر تابٌ فيهم وأظافر

وألقى عصاه في خلال ديارهم *** مقيماً كما ألقى عصاه المسافر

فهم بين مقتول وبين محلأ *** وبين أسير قد حوته المطامر

اليك ولكن هوّن الخطب وقعة *** تفطر منها مهجة ومراير

ويوم أتيح الدين منه بفادح *** وعطل أفلاك السماء الدوائر

وشقّت له الشمس المنيرة جيبها *** لعظم أسىً واستشعرته المشاعر

فلا افترّ ثغر الدهر من بعده أسى *** ودمع العلا من اجله متحادر

وصدع دهى الاسلام ليس بملتق *** به طرفاه ما له الدهر جابر

مصاب ابن بنت المصطفى مفخر العلا *** ومَن كرمت أحسابه والعناصر

كأني به في كربلا مع عصابة *** لهم جنن من باسهم ومغافر

مغاوير كالليث الغضوب جرآءة *** مساعير نيران الحروب صوابر

يرون المنى خوض المنايا الى الردى *** وقتلهم في اللّه نعم الذخائر

فكم مارق أردوه في حومة الوغا *** وغودر في البوغآء رجس وغادر

الى أن قضوا من بعدما قصدوا القنا *** وفلّ من الضرب الدراك البواتر

وحفت بسبط المصطفى زمر العدى *** وقد شرعت فيه الرماح الشواجر

فظلّ يخوض الموت تحسب أنه *** هو الليث أو صقر اذا انقض كاسر

ويمشي الى الهيجاء لا يرهب الردى *** وقد زاغت الابصار بل والبصائر

فلم أرَ مكثوراً أبيدت حماته *** بأشجع منه حين قلّ المظاهر

الى أن ثوى لما جرى قلم القضا *** عليه وخانته هناك المقادر

فلله ملقى في الثرى متسنّما *** على غارب العليا تطاه الحوافر

ولله عار بالعرى تحسد السما *** به الارض إذ ضمته فيها مقابر

تنوح المعالي والعوالي لفقده *** وتبكى له عين التقى والمنابر

ص: 320

فيا كبدي حزناً عليه تفتتي *** فما لك ان لم تتلفى فيه عاذر

ويا مهجتي ذوبي أسى لمصابه *** ويا غمض عيني انني لك هاجر

ويا أعين السحب اسعديني على البكا *** فدمعي من عظم الرزية غائر

سلوي انتقل جسمي انتحل ، نومي ارتحل *** فإني اذا نام الخليّون ساهر

غرامي أقم دمعي انسجم صبري انصرم *** فما قلبي المضنى من الوجد صابر

أيا راكباً من فوق كوماء جسرة *** تقصّر عنها في الوجيف الاباعر

أنخها على قبر النبي محمد *** وقل ودموع العين منك هوامر

ألا يا رسول اللّه آلك قتلوا *** ولم ترع فيهم ذمة وأواصر

وسبطك عين الكون أصبح ثاوياً *** على جسمه تعدو الجياد الضوامر

قضى ظمأ والماء للوحش منهل *** به واردٌ منهم وآخر صادر

وقد قتلت أبناؤه وحماته *** وأسرته في كربلا والعشائر

وكم ثَمّ في أرض الطفوف حرائر *** من النسوة الغر الكرام حوائر

وتلك العفيفات الذيول ذوي النهى *** براقعها مسلوبة والمعاجر

سوافر ما بين الملا بعد منعة *** الا بأبي تلك الوجوه السوافر

اذا سلبت منها الاساور لم يكن *** لها بدلاً إلا القيود أساور

ينادين بالزهراء سيدة النسا *** تعالي نقاسمك البلا ونشاطر

هلمي فقد أودى بنا حادث الردى *** وقد حالفتنا المعضلات الفواقر

وكم بنت خدر كالهلال مصونة *** أكلّتها مهتوكة والسواتر

تنادي أيا جداه ذلّ عزيزنا *** وحلّ بنا ما كان قبل نحاذر

فهل لكم يا غائبين عن الحمى *** به أوبة يوماً فيسعد ناظر

فتنظر اذ يسرى بنا فوق بزلٍّ *** يحث بها عنفاً ويزجر زاجر

ص: 321

وان فتى بين ما كسرى وهاشم *** وافضل من تثنى عليه الخناصر

يقاد على رغم العلا نحو فاجر *** ويؤسر في قيد العنا وهو صاغر

متى العلم المنصور يقدم خافقاً *** أمام امام العصر والحق ظاهر

فقد فاض بحر الجور وانطمست به *** معالم دين اللّه فهي دواثر

ولم يبق إلا جاهل متصنعٌ *** يرى نفسه قطب العلا وهو قاصر

أيا حجج اللّه العظام على الورى *** ومن بهم تمحى الذنوب الكباير

حسين بكم يرجو النجاة اذا أتى *** بكم عائذاً في يوم تبلى السرائر

وللعفو يرجو عن أبيه وأمه *** واخوانه فالفضل واف ووافر

عليك سلام اللّه ما ذر شارق *** وما ناح في أعلى الأراكة طائر

ص: 322

الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي. هو العالم الكامل والمهذب الفاضل ، له حواشي كثيرة على جملة من الكتب ، وكان من شعراء أهل البيت علیهم السلام .

قال صاحب أنوار البدرين : وقفت له بخطه على جملة من القصائد في الرثاء على الحسين (عليه السلام) عقيب كتاب ( اللّهوف على قتلى الطفوف ) بخطه أيضاً ، وكان خطه في غاية الجودة والملاحة ، ولا أدرى عمّن روى من المشائخ واللّه العالم ، ولم أقف على تاريخ لوفاته ضاعف اللّه حسناتنا وحسناته.

وقال الشيخ فرج آل عمران القطيفي في كتابه ( تحفة أهل الايمان في تراجم علماء آل عمران ) ما نصه : رأيت بخط الشيخ حسين هذا كتاب ( العشرة الكاملة ) للشيخ سليمان الماحوزي كتبه بأمر أستاذه الشيخ ناصر بن عبد الحسن المنامي ، فرغ من كتابته سنة 1142 ه- وذكر نسبه هكذا : حسين ابن محمد بن يحيى بن عبد اللّه بن عمران القطيفي. أقول وفي الكتاب ما يدل على أنه عاش الى سنة 1186 ه. انتهى.

أما صديقنا المعاصر الشيخ على منصور المرهون فقد ترجم له في كتابه ( شعراء القطيف ) وعدّه من شعراء القرن الحادي عشر ، وهو وهمٌ.

وقال في التحفة : ومما يناسب ذكره هنا هذه الفوائد المهمة والأربع عشرة عدداً ميموناً منها اثنتا عشرة فائدة قد نقلتها من خط صاحب الترجمة على ظهر كتاب بخطه ، وتاريخ كتابته 20 ج 2 سنة 1147 ه- والاخيرتان نقلتهما من خط الفاضل الشيخ حسين ابن المترجم أدام اللّه تأييده.

ص: 323

وقال بعدما ذكر القصيدة التي هي في صدر الترجمة ما نصه :

أقول ورأيت له أيضاً سوى هذه القصيدة ثلاث قصائد غرر حسينيه : تائية ، ولاميّة ، ونونيّة ، وقد استنسختها عندي بخط حسن.

وهذا هو مطلع القصائد :

1 - خذ بالبكا ، فالدار عن عرصاتها *** ظعن النزيل فاوحشو ساجاتها

2 - لأي مصاب مدمع العين يسبلُ *** ومن أي خطب يوهن القلب ، نعول

3 - كم ذا الوقوف على الاطلال حيرانا *** وكم تنادي بها خِلا وجيرانا. انتهى

أقول : واليك رائعتين من اللاتي أشار اليها :

خذ بالبكا فالدار عن عرصاتها *** ظعن النزيل فأحشوا ساحاتها

ما با لها بعد الانيس تنكّرت *** أعلامها وذوى نضير نباتها

ان عطّلت تلك الربوع قطا لما *** غمر الانام الرفد من بركاتها

لا غرو قد كانت منازل فتية *** حازوا المحامد من جميع جهاتها

هم روح كل الكائنات وسرها *** حقاً ومن أربابها وولاتها

عائت بهم أيدي البلا فتفرقوا *** ورمتهم أيدي النوى بشتاتها

من بعد ما كتبت امية نحوهم *** كتباً يلوح الافك في صفحاتها

فأتى الحسين لهم هناك برهطه *** أهل النهى وذوي التقى وثقاتها

فأبى بأن يعطي الدنية ، سامحاً *** بالنفس غير مؤمَل لحياتها

فهناك قد غدرت أمية بعدما *** كتبوا له والغدر من عاداتها

لله موقفه وموقف فتية *** عدموا النصير ولو دعت لم يأتها

يتواثبون على المنية أشبهوا *** الآساد في وثباتها وثباتها

شمّ الأنوف كريمة أحسابهم *** حلّوا من العليا على ذرواتها

من بينهم سبط النبي بوجهه *** سيما النبوة حائزاً قسماتها

يحمي حمى الدين الحنيف بعزمة *** تحكي الاسود الربد في غاباتها

ص: 324

حتى قضى والكائنات بأسرها *** تتلوا محامد ذاته وصفاتها

ذا غلّه لم يطف لاهب حرها *** في كربلا من ماء عذب فراتها

في الأرض عارٍ والسماء تودّلو *** وارته أوضمته في هالاتها

تبكي له عين السحائب حسرة *** وتودّ لو ترويه من قطراتها

وبكى له البيت العتيق وزمزم *** والمعشران ومن علا عرفاتها

لهفي له وهو الهزبر ومَن اذا *** عدّ المكارم كان من ساداتها

لهفي وما يجدي التلهّف والأسى *** لفتى قريش الغروا بن كماتها

دفاع معضلها وحامل ثقلها *** وملاذها المدعو في أزماتها

وسفيرها ونذيرها وخطيبها *** أن ناب خطب بل إمام صلاتها

أترضّه خيل العداة بعدوها *** والهفتاه له وعظم جناتها

* * *

يا راكباً تهوي به موارة *** تطوي سهوب الارض في فلواتها

عرّج على قبر النبي بطيبة *** وانع الحسين ونادي في حجراتها

قل يا رسول اللّه آلك قتلوا *** لم يرع حق اللّه في حرماتها

هذا حبيبك بالعراء ورأسه *** حملت أمية في رفيع قناتها

هذا حبيبك بالطفوف مجدلاً *** ما بين جندلها وحرّ صفاتها

واهتف بفاطمة البتول مبلّغا *** ما حلّ في أبنائها وبناتها

وللشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي :

كم ذا الوقوف على الاطلال حيرانا *** وكم تنادي بها خلا وجيرانا

ما أنت أول من بانت أحبته *** فبات وهو شجيُّ القلب ولهانا

أين الحبيب الذي قد كنتَ تعهده *** وساكن الدار عن ساحاتها بانا

ص: 325

كأنها لم تكن مأوى لمنقطع *** وكهف أمن يفيد الخير أزمانا

او لم تكن أهلها قطب الوجود ولا *** سحاب جود يفيد الرفد هتانا

بيوتهم بفنون الذكر مفعمة *** كم قسموا الليل تسبيحاً وقرآنا

في البؤس شوس وفي جنح الظلام لهم *** حال تظنهم اذ ذاك رهبانا

لم تدر ويحك أن القوم حلّ بهم *** خطبٌ أصمّ به الناعون آذانا

فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم *** لم يبق منها صروف الدهر تبيانا

ما بين من سيمَ خسفاً أو سقي جرعاً *** ذعاف سمٍّ الى أن حينه حانا

وبين من ذهبوا أيدي سبا وغدوا *** محلئين بأقصى الأرض بلدانا

لكن أعظمها خطبا وأفظعها *** رزءاً يؤجج في الاحشاء نيرانا

يا صاح حادثة الطف التي ملأت *** قلوب كل ذوي الايمان احزانا

لم أنس فيه الحسين الطهر محدقة *** به الأعاديّ فرسانا وركبانا

يدعو النصير بقلب غير منذعرٍ *** ولم يجد ثَمّ انصاراً وأعوانا

سوى بنيه الكرام الغرّ مع نفر *** بني أبيه علوا شيباً وشبانا

قوم اذا الشر أبدى ناجذيه لهم *** طاروا اليه زرافات ووحدانا

لا يسألون أخاهم حين يندبهم *** في النائبات على ما قال برهانا

كم فيهم في لظى الهيجاء من بطل *** مثل العفرنا اذا ما هيجَ غضبانا

شمّ الانوف بهاليل خضارمة *** تخالهم في مجال الروع عقبانا

بيض بإيمانهم زرق النصال وفي *** رؤوسهم لامعات البيض تيجانا

صليل بيض المواضي عندهم نغمٌ *** ويحسبون القنا الخطيّ ريحانا

لولا القضاء لافنوا من بسالتهم *** جيش الضلال كأن الجيش ما كانا

حتى فنوا في محاني الطف تحسبهم *** عقداً تبدد ياقوتاً ومرجانا

ص: 326

باعوا نفوسهم لله بل غضبوا *** لاجله فحباهم منه رضوانا

فظل فرداً أخو العلياء واحدها *** قطب الورى منبع الاسرار مولانا

حامي الحقيقة محمود الطريقة انسا *** ن الخليقة بل أعلى الورى شانا

يأبى الدنية أن تدنو اليه وان *** يعطي القياد إلى من عهده خانا

فلم أجد قط مكثوراً وقد قتلت *** حماته وهو يبدي ابشر جذلانا

حتى هوى في ثرى البوغآء تحسبه *** في الأرض وهو يفوق النجم كيوانا

تضمه الأرض ضمّ المستهام به *** حتى تلفّ عليه الترب أكفانا

يبكي له الملأ العلوي قاطبة *** والأرض حزناً عليه صلدها لانا

والملة السمحة الغراء خاوية *** عروشها تبكه وجداً وأشجانا

يبكي له مجده السامي ونائله *** والليل يبكيه كم احياه أحيانا

يا راكباً يقطع البيدا بلا مهل *** يطوي المهامه آجاما وغيطانا

ان جئت طيبة عزّ الطهر أحمدَ في *** بنيه بل عزّ عدنانا وقحطانا

وقل تركت سرياً من سراتكم *** مجدلا في موامي البيد ظمآنا

أنتم ليوث الوغى في يوم معركة *** فكيف أوليتموه اليوم خذلانا

وليتكم يا مساعير النزال ويا *** غلب الرجال اغثتم ثمّ نسوانا

قد اخرجوا بعد أمنٍ من عقائلهم *** اسرى كمثل قطاً قد ريع وسنانا

ما بين ساحبة للذيل نادبة *** بالويل ملآنة وجداً وأحزانا

تدعو أيا جدُ فتّ الدهر في عضدي *** وثلّ عرشي وأوهى منه أركانا

يا جد كنتُ بكم في منعة وعلا *** اجرّ في عرصات الفخر أردانا

يا جد لم ترع أعدانا قرابتنا *** منكم بل القرب من علياك اقصانا

هذا حبيبك عار بالعراء لقى *** ترضّ جرد المذاكي منه جثمانا

بائت امية بالخسران بل تربت *** أيديهم ولقوا ذلاً وحرمانا

ص: 327

تباً لهم قطعوا أرحامهم وبغوا *** واستبدلوا بهدى الايمانا كفرانا

وخاصموا اللّه اذباؤا بموبقةٍ *** وصفقة أورثت في الحشر خسرانا

لعل رحمة ربي أن تداركنا *** بصاحب العصر أعلى الخلق برهانا

حتى نكفّ به بأس الذين بغوا *** ويملأ الأرض أمناً ثمّ ايمانا

يا بن الغطاريف والسادات من مضر *** والمصدرين شبا الهندي ريانا

لو كنتُ شاهد يوم الطف رزئكم *** من كل اشوس من ذي المجد ( عمرانا )

القادحين زناد المجد دأبهم *** كم أوقدوا القرى والروع نيرانا

نفديكم ولقد قلّ الفداء لكم *** منا ونبذل أرواحاً وأبدانا

لكن تأخر حظي فألتجأت الى *** مديحكم في الورى سراً واعلانا

وازنت ما قاله عبد الحسين أبو *** ذئب (1) فأعجز فيما قال سحبانا

( عجم الطلول سقاك الدمع هتانا *** ما أفظع الخطب لو افصحت ما كانا )

فصغتها بنت فكر يستمدّ بها *** حسين من فضلكم في الحشر احسانا

والوالدين بكم أرجو نجاتهما *** واستميح لهم عفواً وغفرانا

والاهل والصحب ثم التابعين لكم *** من البرية اخواناً وجيرانا

اشكوا لكم مس ضرٍ قد تكأدني *** ما أن اطيق له حملاً اذا حانا

فانتم خير من يخشى واكرم مَن *** يُرجى وكم بكمُ الرحمن نجانا

صلى الاله عليكم كلما صدحت *** قمريةٌ وعلت في الدوح اغصانا

ص: 328


1- يعني به الشاعر الكبير عبد الحسين أبو ذئب المتوفى سنة 1151 ه- الذي مرت ترجمته فان الشاعر جاراه على قصيدته التي تجدون مطلعها في البيت الثاني.

الشيخ محمد مهدي الفتوني

المتوفى 1190

تخفي الاسى وهمول الدمع يظهره *** والسقم يثبت ما قد صرت تنكره

هذا فؤادك أضحى الهم يؤنسه *** وذاك طرفك أمسى النوم يضجره

تهفو إلى ربع دار بان آهلها *** فالصبر تجفوه والسلوان تهجره

وان جرى ذكر مَن حلّ العقيق جرى *** لذكرهم من عقيق الدمع أحمره

فقف على الطف واسمع صوت صارخهم *** يشكو الظما وحديث الحال ينشره

ونادِ بالويل في أرجائه حزناً *** فليس يحمد من عان تصبّره

وأمزج دماء دموع العين من دمهم *** لأي يوم سوى ذا اليوم تذخره

فقد هوى ركن دين اللّه واندرست *** ربوعه واختفى في الترب نيّره

وقد خلا من رسول اللّه مسجده *** لفقده ونعاه اليوم منبره

يا سيدي يا رسول اللّه قم لترى *** في الآل فوق الذي قد كنت تخبره

هذا عليٌ نفوا عنه خلافته *** وأنكر النص فيه منك منكره

قادوه نحو فلان كي يبايعه *** بالكره منه وأيدي الجور تقهره

من أجل ذاك قضى با السيف مضطهداً *** شبيره وقضى بالسم شبّره

كأنه لم يكن صنو النبي ولم *** يكن من الرجس باريه يطهره

ص: 329

تلك فاطمة لم يرع حرمتها *** من دق ضلعها لها بالباب يكسره

وذا حسينك مقتول بلا سبب *** مبضع الجسم داميه معفره

صدوه عن ورد ماء مع تحققهم *** بأن والده المورود كوثره

فبارز القوم يروي السيف من دمهم *** والرمح يورده فيهم ويصدره

كالليث يفترس الفرسان عابسة *** ولم تكن كثرة الاعداء تذعره

وخرّ للأرض مغشياً عليه بما *** أصيب بالسيف وآراه معفّره

فجاءه الشمر يسعى وهو في شغل *** بنفسه ما له مَن عنه يزجره

حتى ارتقى مرتقىً لم يرقه أحدٌ *** فكان ما كان مما لست أذكره

فمذ رأت زينب شمراً على الجسد *** الدامي الشريف وفي يمناه خنجره

قالت أيا شمر ذا سبط النبي وذا *** نحتر لنحرير علم انت تنحره

فلا تطأ صدره الزاكي فتهشمه *** فإنه مورد التقوى ومصدره

يا شمر لا تود روح المصطفى سفهاً *** وأنت تعرفه حقاً وتنكره

يا شمر ويحك قد خاصمت في دمه *** مَن أنت في الحشرترجوه وتحذره

ماذا تقول إذا جاء الحسين بلا *** رأس وربك يشكيه ويثأره

أو أبرزت ثوبه المدموم فاطمة *** في الحشر في موقف الاشهاد تنشره

أم كيف تقتل ريحان النبي ومَن *** بُكاؤه كان يوذيه ويضجره

وفي آخرها :

يا آل أحمد ما أبقى الاله لنا *** مدحاً وراء الذي في الذكر يذكره

العاملي الفتوني المحب لكم *** ومَن بطيب ولاكم طاب عنصره

صلى عليكم آله العرش ما سجعت *** ورق وما لاح فوق الأفق نيره (1)

ص: 330


1- عن المجموع ( الرائق ) للمرحوم السيد أحمد العطار ج 2 ص 323 مخطوط مكتبة الامام الصادق - حسينية آل الحيدري بالكاظمية - العراق.

الشيخ محمد مهدي بن بهاء الدين محمد بن علي النباطي العاملي هو الملقب بالصالح الفتوني الغروي وهو ابن عمّ الشريف أبو الحسن وتلميذه والراوي عنه قراءة واجازة وهو من العلماء الذين لهم القدح المعلى في العلم والنصيب الوافر من الأدب وقد حاز الفضيلتين وعرف بالمزيتين ( العلم والشعر ) فكان عالماً شاعراً وكاتباً مجيداً ، أما مكانته في الأدب كما قال فيه صاحب نشوة السلافة. ان مثل الأدب بالروضة فهو بلبلها المطرب وهزارها الصادح المعجب وان نثر تستّر الدر بالاصداف أو نظم فضح العقود والأشناف. وأما مكانته العلمية فقد قال فيه السيد بحر العلوم في اجازته للسيد عبد الكريم بن عماد الدين بن السيد محمد بن السيد جواد الموسوي القمي : شيخنا العالم المحدث الفقيه واستاذنا الكامل المتتبع النبيه نخبة الفقهاء والمحدثين وزبدة العلماء العاملين الفاضل البارع النحرير امام الفقه والحديث والتفسير صاحب الأخلاق الكريمة الرضية والخصال المرضية واحد عصره في كل خلق رضي ونعت علي شيخنا الإمام البهي السخي أبو صالح المهدي. وذكره السيد عبد اللّه الجزائري وقال : عالم فاضل محدث من أجلّ الاتقياء اجتمعت به في المشهد الغروي وتبركت بلقائه سلمه اللّه. وقال العلامة السيد حسن الصدر في التكملة : كان في عاملة من العلماء الكبار بل كان الأمر منحصراً به وبالسيد حيدر نور الدين والسيد حسين نور الدين والكل في النبطية الفوقا ولما عطل سوق العلم في بلاد عاملة لكثرة ظلم الظلمة وجور الحكام وتواتر الفتن من أحمد الجزار وأمثاله هاجر الشيخ إلى النجف وسكن بها فكان فيها شيخ الشيوخ - إلى آخر ما قال - وفي الكواكب المنتثرة قال : رأيت نسخة من المعالم كتبها الشيخ محمد بن عبد عون في المشهد الغروي سنة 1133 ذكر فيها انه كتبها على فراش العالم العامل الكامل التقي النقي الشيخ محمد مهدي الفتوني. وهو أحد المقرضين

ص: 331

للقصيدة الكرارية فقال فيه جامع التقاريظ : الشيخ الأجل الأكمل الأفضل بحر العلم الخضم طود الحلم الأشم قدوة أهل الفضل والعرفان ساحب ذيل الفخر على هامة الكيوان ، رئيس المحدثين خاتمة المجتهدين قدوة الفضلاء المتأخرين النحرير المحقق والحبر المدقق علامة العصر فهامة الدهر سنيّ الفخر عظيم القدر زكي النجر طويل الباع رحيب الصدر الأستاذ الماهر روض الأدب الناظر الناظم الناثر إلى آخر ما قال :

( قراءته ومشايخ اجازته ) قرأ على الشيخ أبو الحسن وله الاجازة عن جماعة من الاعلام منهم الحاج محمد رضا الشيرازي والمولى محمد شفيع الجيلاني وكلاهما عن العلامة المجلسي.

( تلامذته ومن يروي عنه ) قرأ عليه الشيخ جعفر الكبير والسيد بحر العلوم وغيرهما من الاعلام ويروي عنه السيد بحر العلوم والحاج ميرزا محمد مهدي الخراساني الموسوي كما صرح في اجازته للسيد دلدار علي والسيد محمد مهدي الشهرستاني كما في اجازته للشيخ أسد اللّه التستري صاحب المقابيس والمحقق القمي صاحب القوانين كما صرح بأجازته لأغا محمد علي الهزار جريبي والمولى ملا مهدي النراقي.

( آثاره ) له الأنساب المشجر كما في الذريعة وارجوزة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام) ، ووفياتهم أولها :

أحمدك اللّهم بارئ النسم *** مصلياً على رسولك العلم

- الى آخرها - وله نتائج الأخبار في تمام الفقه المأخوذ عن الأئمة (عليهم السلام) وينقل عن السيد بحر العلوم أنه لم يؤلف مثل هذا الكتاب عالم من العلماء الذين عاصرناهم وقد أطنب في وصفه في ( نجوم السماء ) وله رسالة في عدم انفعال القليل انتصاراً لأبن أبي عقيل ورأيت نسخة مصححة من القاموس بقلمه الشريف مؤرخة سنة 1171 ه- ورأى الشيخ أغا بزرك مجموعة فيها

ص: 332

زبدة الأصول وتشريح الأفلاك ورسالة الاسطرلاب كلها للشيخ البهائي بقلمه فرغ منها سنة 1041 وانتقلت إلى حفيده الشيخ عبد علي ابن الشيخ أحمد ابن محمد مهدي الفتوني.

له مراسلات مع السيد نصر اللّه الحائري موجودة في ديوانه المخطوط ، وله شعر كثير ، ذكر له في نشوة السلافة قصيدة مدح بها الشيخ ناصر بن محمد بن عكرش الربعي يقول في أولها :

ليهنك ما بلغت من الأماني *** بحكم المشرفية واللدان

زحفت إلى العدا في غيم حتف *** بوارقه الأسنة واليمان

بفرسان يرون الطعن فرضاً *** وحفظ النفس من شيم الغواني

سراة لو علو هام الثريا *** لكان لهم به خفض المكان

وإن لبسوا الرياش فمن حديد *** لزينة عيدهم يوم الطعان

وخيل سابقت خيل المنايا *** فحازت في الوغى سبق الرهان

إلى ان قال :

ونبل لو رميت بها المنايا *** لأضحى الناس منها في أمان

تفأل باسمك الأحزاب يمناً *** فكان النصر لاسمك في قران

وقد نعب الغراب بما دهاهم *** وغنّى طير سعدك بالتهاني

أبا الفتح المفدّى إن شعري *** لجيد علاك عقد من جمان (1)

قال الشيخ الطهراني في الذريعة ، الجزء الأول : ارجوزة في تاريخ المعصومين الأربعة عشر علیهم السلام ، للشيخ ابي صالح محمد مهدي بن بهاء الدين محمد الملقب بالصالح الافتوني العاملي الغروي ابن عم المولى ابي الحسن

ص: 333


1- عن ماضي النجف وحاضره ج 3.

الشريف العاملي الغروي وتلميذه والمجاز منه وهو من مشايخ آية اللّه بحر العلوم توفي سنة 1183 عن عمر طويل ، وتوفي شيخه المولى أبو الحسن الشريف سنة 1138 وقد وصفه بعض تلاميذه ، فيما كتبه بخطه سنة 1133 على نسخة من المعالم بما لفظه : العالم العامل الكامل التقي النقي الشيخ محمد مهدي الفتوني. وهذه الارجوزة لم يذكر فيها اسمه لكن رأيت منها نسخا عديدة كلها منسوبة اليه ، أولها :

احمدك اللّهم بارئ النسم *** مصلياً على رسولك العلم

وآله وصحبه الكرام *** سادتنا الأئمة الاعلام

وبعد فالمقصود من ذا الشعر *** بيان أحوال ولاة الأمر

وللشيخ محمد مهدي الفتوني في الامام الحسين (عليه السلام) :

قل للمتيم ذي الفؤاد الواله *** ما بال قلبك هام في بلباله

دع ذكر مَن تهوى ونح لمصاب من *** أبكى النبي مصابه مع آله

أعني الامام المستظام بكربلا *** الطاهر الزاكي بكل خصاله

منعوه عن ماء الفرات وكفّه *** بحر يعمّ الناس فيض نواله

وفي آخرها :

يا آل أحمد عبدكم يرجوكم *** ووليكم ما خاب في آماله

وأنا محمد الفتوني الذي *** يرثيكم ويجيد نظم مقاله

لازالت الصلوات من رب السما *** تغشى فناءكم باثر نواله (1)

ص: 334


1- عن المجموع الرائق ج 2 ص 325.

وللشيخ محمد مهدي الفتوني يمدح الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) :

علي وصي الرسول الأمين *** وزوج البتول سليل الأماجد

إمام له الأمر بعد الرسول *** فتعسا لجاحده والمعاند

أقام الصلاة وآتى الزكاة *** بخاتمه راكعاً في المساجد

وجاهد في اللّه حق الجهاد *** وقد فضّل اللّه شأن المجاهد

له ردّت الشمس غبّ الغروب *** وقد كلمته الوحوش الاوابد

ومنها :

وقد عقد المصطفى في الغدير *** على الناس بيعته في المعاقد

فانت منار الهدى للورى *** لو استمسكوا بك ما ضلّ حائد

وولدك أعلام دين الاله *** أئمتنا واحداً بعد واحد

مصابيح مشكاة نور الهدى *** ومن حبّهم رأس كل العقائد (1)

وللشيخ الفتوني ( بند ) في حمد اللّه والثناء عليه والصلاة على النبي وآله وقصيدة عامرة بمدح النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وتعداد فضائله ومعاجزه.

ص: 335


1- المجموع الرائق ج 3 ص 231.

الشيخ احمد الدمستاني

المتوفى 1190

لعمرك صف جهدي إلى ساكني نجدِ *** بلطف لعلّ اللطف في عطفهم يجدي

رضائي رضاهم كيف كان فان رضوا *** بموتي فمرّ الموت أشهى من الشهد

وأصدق بصدق الباذلين نفوسهم *** لنصر إمام الحق والعلم الفرد

غداة لقتل ابن النبي تجمعت *** طغاة بني حرب وشر بني هند

لادراك وتر سالف من أبيه في *** مشايخهم في يوم بدر وفي أحد

يسومونه للضيم طوع يزيدهم *** وتأباه منه نخوة العز والمجد

أليس ولاء الدين والشرع حقه *** وميراثه حقاً من الأب والجد

وقام يناديهم خطيباً مناصحاً *** وان كان محض النصح في القوم لايجدي

وأقبل يدعو أهله وبناته *** هلموا لتوديعي فذا آخر العهد

وكرّ على جمع العدا وهو مفرد *** بأربط جاش لم يهب كثرة الجند

وناداه داعي الحق في طف كربلا *** فلبّاه مرتاحاً إلى ذلك الوعد

فخر على وجه البسيطة صاعداً *** علاه لا على قبة العرش ذي المجد

فخرّ على المختار قتل حبيبه *** ومصرعه في الترب منعفر الخد

فداه بابراهيم مهجة قلبه *** وما كان ابراهيم بالهيّن الفقد

فكيف ولو وافاه والشمر فوقه *** يحكّم في أوداجه قاطع الحد

ويشهده ملقى بعرصة كربلا *** ثلاث ليال لا يلحّد في لحد

كسته الدما والريح ثوباً مورداً *** تمزقه أيدي المضمرة الجرد

ص: 336

الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن الدمستاني

يروى عن والده قراءة واجازة ، ويروى عنه اجازةً الشيخ أحمد ابن زين الدين والشيخ عبد المحسن اللويمي الاحسائيان ، له ديوان شعر. توفي بعد عام 1190 ه- وهو تاريخ كتابته لديوان أبيه ، وله ديوان ألحقه بديوان أبيه رأيت له فيه سبعة عشر قصيدة من نظمه ومنها تخميسه لقصيدة والده التي مر ذكرها في مطلع ترجمته.

ص: 337

الشيخ يوسُف أبو ذئب

المتوفى 1200

نعم آل نعم بالغميم أقاموا *** ولكن عفى ربع لهم ومقامُ

حبست المطايا أسأل الركب عنهم *** ومن أين للربع الدريس كلام

رعى اللّه قلباً لا يزال مروعاً *** يسيم مع الغادين حيث أساموا

على دمنتي سلمى بمنعرج اللوى *** سلامٌ وهل يشفي المحبّ سلام

خليليّ عوجا بي ولو عمر ساعة *** بحيث غريمي لوعة وغرام

على رامة لا أبعد اللّه رامة *** سقاها من الغيث الملثّ ركام

لنا عند باناتٍ بأيمن سفحها *** لُبانات قلب كلهنّ هيام

عشية حنّت للفراق رواحلٌ *** وهاجت لترحال الفريق خيام

فلم أرَ مثلي يوم بانوا متيماً *** ولا كجفوني ما لهنّ منام

ولا كالليالي لا وفاء لعهدها *** كأن وفاها بالعهود حرام

فلم ترعَ يوماً ذمة لابن حرّةٍ *** كما لا رعي لابن النبيّ ذمام

أتته لأرجاس العراق صحائف *** لها الوفق بدءٌ والنفاق ختام

ألأ اقدم إلينا أنت مولى وسيدٌ *** لك الدهر عبدٌ والزمان غلام

ألا اقدم الينا إننا لك شيعة *** وأنت لنا دون الأنام إمام

ص: 338

أغثنا رعاك اللّه أنت غياثنا *** وأنت لنا في النائبات عصام

فلبّاهم لما دعوه ولم تزل *** تلبّي دعاءَ الصارخين كرام

فساق لهم غلباً كأنهم على ا *** لعوادي بدور في الكمال تمام

مساعيرُ حرب من لويّ بن غالبٍ *** عزائمهم لم يثنهن زمام

هم الصيد إلا أنهم أبحر الندى *** وأنهم للمجدبين غمام

معرسهم فيها بعرصَة كربلا *** أقام البلا والكرب حيث أقاموا

زعيمهم فيها وقائدهم لها *** فبورك وضّاح الجبين همام

أبو همم من أحمد الطهر نبعها *** لها من عليٍّ صولة وصدام

يعبّي بقلب ثابت الجأش جيشه *** لخوض عباب شبّ فيه ضرام

ويرمي بهم زمجّ المغاوير غارة *** كما زجّ من عوج القسيّ سهام

فما برحوا كالأسد في حومة الوغى *** لها اليزنيّات الرماح أجام

الى ان تداعوا بالعوالي وشيّدت *** لهم بالعوالي أربع ومقام

بأهلي وبي أفدي وحيداً نصيره *** على الروع لدن ذابل وحسام

أبى أن يحل الضيم منه بمربع *** وهيهات رب الفخر كيف يُضام

يصول كليث الغاب حين بدت له *** على سغب بين الشعاب نعام

يجرّد زماً لو يجرّده على *** هضاب شمام ساخ منه شمام

وأبيض مصقول الفرند كأنه *** صباح تجلّى عن سناه ظلام

حنانيك يا معطي البسالة حقها *** ومرخص نفس لا تكاد تسام

أهل لك في وصل المنية مطلب *** وهل لك في قطع الحياة مرام

وردت الردى صادي الفؤاد وساغباً *** كأن الردى شرب حلا وطعام

وأمسيت رهن الموت من بعدما جرى *** بكفّك موتٌ للكماةِ زؤام

ورضّت قراك الخيل من بعد ما غدت *** أولو الخيل صرعي فهي منك رمام

فما أنت إلا السيف كهّم في الوغى *** حدود المواضي فاعتراه كهام

ص: 339

فليت أكفّاً حاربتك تقطعت *** وأرجل بغي جاولتك جذام

وخيلاً عدت تردي عليك جوارياً *** عُقرن فلا يلوى لهنّ لجام

أصبتَ فلا يوم الم سرّات نيّرٌ *** ولا قمر في ليلهن يُشام

ولا رفعت للدين بعدك راية *** ولا قام للشرع الشريف قوام

فلا المجد مجد بعد ذبح ابن فاطم *** ولا الفضل مرفوع اليه دعام

ألا ان يوماً أي يوم دهى العلا *** وحادثة جبى لها ويقام

غدات حسين والمنايا جليّة *** وليس عليها برقع ولثام

قضى بين أطراف الأسنة والظبا *** بحرّ حِشاً يذكي لظاه أوام

ومن حوله أبنا أبه وصحبه *** كمثل الاضاحي غالهن حمام

على الارض صرعى من كهول وفتية *** فرادى على حرّ الصفا وتُوام

مرمّلة الأجساد مثل أهلّة *** عراهنّ من مور الرياح جهام

وتلك النساء الطاهرات كأنها *** قطاً بين أجراع الطفوف هيام

يطفن على شمّ العرانين سادة *** قضوا وهُم بيض الوجوه كرام

ويضربنَ بالأيدي النواصي تولُّهاً *** وأدمعها كالمعصرات سجام

وتهوى مروعاتٍ بأروع أشمط *** طليق المحيّا ان تعبّس عام

فطوراً لها دور عليه وتارة *** لهنّ قعود عنده وقيام

وأعظم شيء إنها في مصابها *** وحشو حشاها حرقة وضرام

تقنعها بالأصبحية أعبد *** وتسلب منهن القناع لئام

حواسر أسرى تستهان بذلة *** وليس لها من راحم فتسام

يطارحن بالنوح الحمائم في الضحى *** وأنّى فهل تجدي الدموع حمام

ص: 340

الشيخ يوسف أبو ذيب

هو أحد الاعلام الكبار والشعراء العظام الذين تزين بهم القرن الثاني عشر جاء ذكره في كثير من الدواوين والمعاجم ، ومراثيه في الحسين علیه السلام تدل على عظيم عبقريته ونبوغه.

فهو رحمه اللّه الشيخ يوسف بن الشيخ عبد اللّه بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد آل أبي ذيب من آل المقلد المنتسبين الى قصي بن كلاب أحد أجداد النبي صلی اللّه علیه و آله .

وجاء في ( الطليعة ) ما نصه : كان فاضلاً مشاركاً في العلوم تقياً ناسكاً أديباً شاعراً ، جيد الشعر قوي الاسلوب ذا عارضة ، وكان مفوهاً حسن الخط ، ورد العراق وأقام طالباً للعلم مع جماعة من آل أبي ذيب ، وتوفي في حدود سنة 1200 ، ومن جملة شعره :

حكمُ المنون عليك غالب

غالبته أم لم تغالب انتهى (1)

أما الشيخ فرج آل عمران القطيفي في كتابه ( الروضة الندية في المراثي الحسينية ) فقد أرخ له وذكر وفاته سنة 1160 ه. وفي أعيان الشيعة : وفاته حدود سنة 1155.

أقول : لعل هذين القولين أقرب للواقع من قول الشيخ صاحب شعراء القطيف ، ما دام أخوه الشيخ عبد الحسين أبو ذيب قد قلنا انه توفي سنة 1151 كما مرّ عليك في ترجمته. ورأيت بعض من ذكر شعر الشيخ يوسف وترجم له عبّر

ص: 341


1- عن شعراء القطيف للعلامة المعاصر الشيخ علي منصور المرهون.

عنه بالبصري ، فمن المحتمل انه سكن البصرة لفترة ثم فارقها ، إذ ان وفاته كانت بالبحرين.

أما ديوانه فكانت نسخة منه في مكتبة الشيخ السماوي كتب عليها ( ديوان أبي ذئب ) وفي مجموعة الشيخ لطف اللّه الجدحفصي جملة من شعره ، ومنه قصيدته التي أولها :

دمع أكفكفه كفيض بحار *** وجوى أكابده كجذوة نار

وفي مخطوطنا ( سوانح الافكار في منتخب الاشعار ) ج 4 صفحة 200 قصيدة أولها :

عبراتٌ تحثّها زفراتُ

هنّ عنهنّ ألسنٌ ناطقاتُ

ومن قوله في سيد الشهداء ابي عبد اللّه الحسين :

بأبي وبي أفدي ابن فاطم والوغى *** متسعّرٌ يغلي كغلي المرجل

فكأنه من فوق صهوة طِرفه *** قمرٌ على فلك سرى في مجهل

وكأنه والشوس خيفة بأسه *** أسدٌ يصول على نعام جفّل

يحكي علياً في الصراع وهكذا *** يرث البسالة كل ندب أبسل

ما زال والسمر اللدان شوارع *** والبيض تبرق في سحاب القسطل

يسطو على قلب الخميس كأنه *** صبح يزيل ظلام ليل أليل

حتى تجدّل في الصعيد معفّراً *** روحي الفدا للعافر المتجدل

فنعاه جبريل الأمين وأعولت *** زمر الملائك محفلاً في محفل

أقوت به تلك البيوتات التي *** أذن الإله بذكرها أن تعتلي

وغدت به أمّ العلاء عقيمة *** هيهات فهي بمثله لم تحمل

هل للشريعة بعده من حارس *** أو سايس يصرجى لحل المشكل

هل للهدى هادٍ سواه وكافل *** أو للندى والجود من متكفل

ص: 342

واحسرتاه لنسوة علويّة *** خرجت من نالاسجاف حسرى ذهّل

متعثرات بالذيول صوارخاً *** بمدامع تجري كجري الجدول

من ثكّل تشكو المصاب لأيّمٍ *** أو أّمٍ تشكو المصاب لثكّل

يا راكباًمن فوق ظهر شملّة *** تشأ الرياح من الصبا والشمال

مجدولة تعلو التلاع وتارة *** تهوي الوهاد به هويّ الأجدل

عرّج على وادي المحصب من منى *** فشعاب مكة فاللوى ثم اعقل

وابلغ نزاراً لا عدمت رسالة *** شجنيّة ذهبت بقلب المرسل

قل أين أرباب الحفاظ وخير مَن *** لبّى صريخ الخائف المتوجّل

أين الغطارفة السراة وقادة *** الجرد العتاق الصافنات الصهّل

الشمّ من عليا لؤيّ وهاشم *** من كل عبل الساعدين شمردل

هل تقبلنّ الذل أنفسكم ويأبى *** اللّه عهدي أنها لم تقبل

يمسي ابن فاطمة البتول ضريبة *** للمشرفية والوشيج الذبّل

متسربلاً بدمائه عارٍ فيا *** لله من عارٍ ومن متسربل

وقال :

خليليّ بالعيس عوجا على *** ربى يثربٍ وانزلا واعقلا

ألا عرّجا بي على منزل *** لعبد منافٍ عفاه البلى

قفا نقضي واجب حق له *** بفرط البكا أوّلاً أولا

ونسأله وهو غير المجيب *** ولكن علينا بأن نسألا

أيا منزلاً باللوى مقفراً *** فديتك منزل وحيٍ خلا

فأين غيوثك للمجدبين *** إذا ضنّت السحب أن تهملا

وأين الأولى كنت تسمو بهم *** إذا شئت كيوان والاعزلا

تقاسمهم حادثات المنون *** وأرخى على جمعهم كلكلا

ص: 343

وأعظم من ذاك يومٌ لهم *** فيا لك يومهم المهولا

لدى جانب النهر أضحت به *** معاطسنا رغماً ذللا

نبيت بأهواله ولهاً *** ونصبح من رزئه ذهّلا

فيا كربلا كم فطرتِ الحشا *** بعضب المصيبة يا كربلا

ثم يسترسل في سرد المصيبة حتى يختمها بقوله :

لعلّ أبي ذئب يوم الجزا *** ينال بكم كل ما أمّلا

فلا عمل مسعد ( يوسفاً ) *** سوى حبّه لكم والولا

عليكم من اللّه أزكى الصلاة *** متى هلهل السحب أو جلجلا

وله من قصيدة يرثي بها الحسين أولها :

ذكرَ الطفوف ويوم عشر محرم *** فجرى له دمع سفوح بالدم

ومنها :

صبّ يبيت مسهداً فكأنما *** أجفانه ضمنت برعي الأنجم

برح الخفاء بحرقة لا تنطفي *** ورسيس وجد في الصدور مخيم

يا يوم عاشوراء كم أورثتني *** حزناً مدى الأيام لم يتصرم

ما عاد يومك وهو يوم أنكد *** إلا وبتّ بليلة المتألم

يا قلب ذب وجداً عليه بحرقة *** يا عين من فرط البكا لا تسأمِ

يا سيد الشهداء إني والذي *** رفع السماء وزانها بالأنجم

لو كنت شاهد يوم مصرعك الذي *** فضّ الحشاشة بالمصاب الاعظم

لأسلت نفسي فوق أطراف الظبى *** سيلان دمعي فيك يا بن الأكرم

ص: 344

وله أيضاً :

ما بعد رامة واللوى من منزل *** عرّج على تلك المعاهد وانزل

هذي المعالم بين أعلام اللوى *** قف نبك لا بين الدخول فحومل

إيهٍ أخا شكواي يوم تهامة *** والحي بين ترحل وتحمل

اسعد وما للمستهام اخي الجوى *** من مسعد أين الشجي من الخلي

ومنها :

وأجل مرزأة لفاطم وقعة *** تتبدّل الدنيا ولم تتبدّل

يوم به ضاق الفجاج ورحبه *** ذرعاً على ابن المرتضى المولى علي

يسطو على قلب الخميس كأنه *** صبح يزيل ظلام ليل أليل

وله وهي من روائعه :

حكم المنون عليك غالب *** غالبته أو لم تغالب

لا شك أن سهامه *** في كل ناحية صوائب

فليطرقنك هاجماً *** لو كان دونك الف حاجب

لا تدفع الموت الجنود *** ولا الأسنّة والقواضب

أين الملوك الطالعون *** على المشارق والمغارب

ذهبوا كأن لم يخلقوا *** والكل في الآثار ذاهب

لا ثابت يبقى ولا *** ينجو من الحدثان هارب

قد فاز من لاقى المنية *** وهو محمود العواقب

متمسكاً بولاء عترة *** أحمد من آل غالب

وإذا تعاورك الزمان *** وهاج نحوك بالنوائب

فاذكر مصيبتهم بعَرَ *** صة كربلا تنسى المصائب

ص: 345

تاللّه لا أنسى الحسين *** وقد وقفن به الركائب

مستخبراً ما الارض قا *** لوا كربلا يا ابن الاطايب

قال انزلوا فاذا الكتائب *** حوله تتلوا الكتائب

فتبادرت أنصاره *** كالأسد ما بين الثعالب

أسدٌ نواجذها الأسنّة *** والسيوف لها مخالب

بيض كأن رماحهم *** وسيوفهم شهب ثواقب

وكأنهم تحت العجا *** ج كواكب تحت الغياهب

فتراكمت سحب الفضا *** فتحججت تلك الكواكب

وبقي الحسين مع العدى *** كالبدر ما بين السحائب

يلقى الصفوف مكبّراً *** والسيف بالهامات خاطب

كالليث في وثباته *** وَثَباته بين المضارب

يسطو بعزمٍ ثاقب *** كالسيف مصقول الضرائب

حتى هوى عن سرجه *** كالنجم أو كالبدر غارب

لهفي له فوق الثرى *** كالطود منهدّ الجوانب

لهفي له وحريمه *** من حول مصرعه نوادب

يندبنه بمدامع *** من حرّ أجفان سواكب

أحسين بعدك لا هنا *** عيش ولا لذّت مشارب

والجسم منك مجدّلٌ *** في الترب منعفر الترائب

ما أوحش الدنيا وقد *** نعبت بفرقتك النواعب

ها نحن بعدك ياغريب *** الدار أمسينا غرائب

وتقول من فرط الأسى *** والشجو للأحشاء لاهب

يا راكباً تعدو به *** حرف من القود النجائب

عج بالغريّ وقف على *** عتبات أحمى الناس جانب

ص: 346

واشرح له ما راعنا *** بالطف من فعل النواصب

واقصر فما عن صدره *** خبرٌ من الاخبار عازب

واطلق عنانك قاصداً *** قمر الهدى شمس المذاهب

واجلس على أعتابه *** واندب وقل والدمع ساكب

مولاي يا كهف الورى *** من شاهد منهم وغائب

فجعتك حرب بالحسين *** وبالعشيرة والأقارب

تبكي لمصرعه الحروب *** أسىً وتندبه المحارب

والبدر أمسى كالحاً *** والشمس ناشرة الذواب

ونساه من شجو عليه *** ذوات أكباد ذوائب

أمست تجاذب من لظى *** الانفاس ما أمست تجاذب

ما بين علج سالبٍ *** أسلابهن وبين ضارب

مستصرخات لم تجد *** غير الصدى أحداً مجاوب

ان صحن أين ليوب غالب *** صاح أين ليوث غالب

وبنو العواهر والقيو *** د تقودها قود الجنائب

اللّه أكبر انها *** لمن الغرائب والعجائب

يستأصلون معاشراً *** بلغوا بهم أقصى المطالب

أبني المراثي والمما *** دح والمعالي والمناقب

ما أن ذكرت مصابكم *** إلا وهيّج لي مصائب

وإليكم من عبدكم *** مجلوّة الأطراف كاعب

فهي العصا طوراً أهشّ *** بها ولي فيها مآرب

لا بد ما تأتي لكم *** وتعود منكم بالرغائب

صلى الإله عليكم *** ما حجّ بيت اللّه راكب

ص: 347

عبد اللّه العويّ الخطي

المتوفى حدود 1201

جاء في كتاب ( شعراء القطيف ) :

هو العلامة الشيخ عبد اللّه بن حسين بن درويش المعروف بالعوي الخطي. وآل العوي قبيلة معروفة من قبل بآل درويش تسكن البحرين فحدثت في تلك الظروف حوادث أدت بهم كغيرهم إلى الترحل إلى القطيف وكان ذلك أواخر القرن الثاني عشر فنزل والد المترجم حسين وعائلته بستاناً يقال له ( البشري ) الموجود حالياً وكان بعيداً عن البلاد بأكثر من المتعارف بالنسبة إلى الدور المتقاربة فكان أصحابه وجماعته وقومه وعماله الذين يعملون معه في الغوص إذا جاؤوا قد يسألون إلى أين؟ فيقولون إلى العوي وكذا غيرهم من أهلي البلاد إشارة إلى المكان البعيد الذي لا تسكنه إلا العواوي جمع عوى ، راجع عن معلوماته حياة الحيوان للدميري ، فذهبت عليهم ونسي الناس لقبهم الأول آل درويش ، ويوجد مثل هذا كثير قديماً وحديثاً وبعد سنيات قلائل من نزول والده القطيف توفي حدود التاريخ المذكور وخلف ولداً يدعى بالشيخ علي نبغ نبوغاً باهراً في العلم والصلاح والتقوى وأسندت إليه في زمانه سائر المهمات الشرعية فكان أحد أعلام القرن الثالث عشر تغمد اللّه الجميع بالرحمة والرضوان ، وخلف أيضاً أثراً قيماً من المراثي لأهل البيت تقتطف منه هاتين القصيدتين. انتهى

أقول نكتفي بالاشارة إلى هذا الشاعر وعدّه من هذه الحلبة في عداد شعراء أهل البيت علیهم السلام .

ص: 348

محمد الدرازي آل عصفور

قال في مطلع قصيدة ذكرها الشيخ لطف اللّه :

أين الشفيق على الزهرا يواسيها *** في نوحها ونُعاها في غواليها

قد خانها الدهر كيداً في أطايبها *** وافجعتاه لها قوموا نعزيها

قال الشيخ الاميني في ( شهداء الفضيلة ) بعدما ترجم لولده الشهيد الشيخ حسين ما نصه : ووالد الشهيد ، هو الشيخ محمد - أحد العلماء المبرزين ، أطراه صاحب الأنوار بالعلم والعمل والفضل والكمال والورع ، ولد سنة 1112 له تآليف جيدة منها كتاب ( مرآة الاخبار في أحكام الاسفار ) ورسالة في الصلاة ، ورسالة في أصول الدين ، ورسالة في وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوسف صاحب الحدائق والشيخ عبد العلي ، ويروي عنه ولداه العالمان العلمان : الشيخ حسين والشيخ أحمد.

قال الشيخ الاميني رحمه اللّه : وعندنا كثير من شعره في رثاء الإمام الشهيد الحسين بن علي علیهماالسلام . وكتب إليه أخوه صاحب الحدائق قصيدة فيها اطراؤه ، ذكرها في الكشكول ص 70 من الجزء الثاني وفي الذريعة للشيخ الطهراني ما نصه : ديوان الشيخ محمد بن أحمد بن عصفور الشاخوري في مراثي الحسين - وهو أخ صاحب الحدائق وتلميذ الشيخ حسين الماحوزي - في مدرسة البخارائي بالنجف كتب سنة 1270.

ص: 349

السيد صادق الأعرجي

المتوفى 1204

يا راكب الوجناء أعقبها ألونى *** طيّ المهامه من ربي ووهادِ

عرّج باكناف الطفوف فإن لي *** قلباً إلى تلك المعاهد صادي

وأذل بها العبرات حتى ترتوي *** تلك الربى ويعبّ ذاك الوادي

دمنٌ أغار على مرابعها البلى *** قسراً وشنّ بهنّ خيل طراد

وتطرقتها الحادثات وطالما *** قعدت لطارفهن بالمرصاد

لله كيف تدكدكت تلك الربى *** وعدت على تلك الطلول عوادي

وتعطلت تلك الفجاج وأقتفرت *** تلك العراص وخفّ ذاك النادي

يا كربلا ما أنت إلا كربة *** عظمت على الأحشاء والأكباد

كم فتنة لك لا يبوخ ضرامها *** تربي مصائبها على التعداد

ماذا جنيتِ على النبي وآله *** خير الورى من حاضر أو بادي

كم حرمة لمحمد ضيعتها *** من غير نشدان ولا إنشاد

ولكم دماء من بنيه طللتها *** ظمأ على يد كل رجسٍ عادي

ولكم نفوس منهم أزهقتها *** قسراً ببيض ظباً وسمر صعاد

ولكم صببت عليهم صوب الردى *** من رائح متعرض أو غادي

غادرتهم فيء العدى وأزحتهم *** عن طارف من فيئهم وتلاد

أخنى الزمان عليهم فابادهم *** فكأنهم كانوا على ميعاد

ص: 350

لهفي لهاتيك الستور تهتكت *** ما بين أهل الكفر والالحاد

لهفي لهاتيك الصوارم فللت *** بقراع صمّ للخطوب صلاد

لهفي لهاتيك الزواخر أصبحت *** غوراً وكنّ منازل الوراد

لهفي لهاتيك الكواكب نورها *** في الترب أخمد أيّما اخماد

فلبئسما جزوا النبي وبئسما *** خلفوه في الأهلين والأولاد

يا عين إن أجريت دمعاً فليكن *** حزناً على سبط النبي الهادي

وذري البكا إلا بدمع هاطل *** كالسيل حطّ إلى قرار الوادي

واحمي الجفون رقادها لمن احتمت *** أجفانه بالطف طعم رقاد

تاللّه لا أنساه وهو بكربلا *** غرض يصاب باسهم الأحقاد

تاللّه لا أنساه وهو مجاهد *** عن آله الأطهار أيّ جهاد

فرداً من الخلان ما بين العدى *** خلواً من الأنصار والأنجاد

لهفي له والترب من عبراته *** ريان والأحشاء منه صوادي

يدعو اللئام ولا يرى من بينهم *** أحداً يجيب نداه حين ينادي

يا أيها الأقوام فيم نقضتم *** عهدي وضيعتم ذمام ودادي

ويجول في الابطال جولة ضيغم *** ظام الى مهج الفوارس صادي

أردوه عن ظهر الجواد كأنما *** هدموا به طوداً من الاطواد

يا غائباً لا ترتجى لك أوبة *** أسلمتني لجوى وطول سهاد

صلى عليك اللّه يا ابن المصطفى *** ما سار ركب أو ترنم حادي

ص: 351

السيد صادق بن علي بن حسين بن هاشم الحسيني الاعرجي النجفي المعروف بالفحام ينتهي نسبه إلى عبيد اللّه الاعرج بن الحسين الاصغر بن علي السجاد (1). ولد في قرية الحصين (2) إحدى قرى الحلة سنة 1124 وتوفي بالنجف الاشرف يوم 21 شعبان سنة 1204 بموجب تاريخ السيد أحمد العطار في قصيدته وبموجب تاريخ السيد محمد زيني بقوله في قصيدته التي يرثيه بها ( قد شق قلب العلم فقدك صادق ) وقبره في النجف بمحلة المشراق مزور متبرك به.

كان رحمه اللّه من أجلة العلماء لا يكاد أحد يملّ مجلسه وكان إماماً في العربية لا سيما في اللغة حتى سمي : قاموس لغة العرب. وكتب الشيخ اليعقوبي في البابليات عنه فقال :

درس على المرحوم السيد محمد مهدي بحر العلوم وغيره فقد ألّف وكتب ونظم حتى جمعت أشعاره في مجلدين على حروف المعجم وبرع في الفقه والاصول والكلام والحكمة على الأساتذة الذين تخرج عليهم من الجهابذة العظماء كالسيد محمد الطباطبائي والشيخ خضر المالكي الجناجي كما في ( سعداء النفوس ) وما برح حتى حصل على درجة الاجتهاد واصبح علماً يشار اليه بالبنان وله بيتان في رثاء استاذه الشيخ خضر المالكي المتوفي سنة 1180 وقد كتبا على قبره :

ص: 352


1- 1 - وفي الذريعة - قسم الديوان - ساق نسبه هكذا : السيد صادق الفحام بن محمد بن الحسن ( الحسين ) بن هاشم بن عبد اللّه بن هاشم بن قاسم بن شمس الدين بن أبي هاشم سنان ، قاضي المدينة بن القاضي عبد الوهاب بن القاضي كتيبة بن محمد بن ابراهيم بن عبد الوهاب - كلهم قضاة المدينة - ابن الأمير أبي عمارة المهنا - جد آل المهني - ابن الاميرابي هاشم داود بن الامير أبي أحمد القاسم بن الامير أبي علي عبيد اللّه بن الامير أبي الحسن طاهر المحدث ، ممدوح المتنبي - ابن يحيى النسابة بن الحسن ابن جعفر الحجة ابن عبيد اللّه الاعرج ابن الحسين الاصغر ابن الامام السجاد عليه السلام .
2- وكانت تدعى قديماً ( حصن سامه ).

يا قبر هل أنت دارٍ من حويت ومن *** عليه حولك ضجّ البدو والحضر

أضحى بك الخضر مرموساً ومن عجب *** يموت قبل قيام القائم « الخضر »

وفي بعض المصادر التي لا يعول عليها أنه قرأ على الشيخ خضر شلال الذي قرأ على أولاد الشيخ خضر المالكي وأحفاده والمتوفى سنة 1255 أي بعد وفاة الفحام باحدى وخمسين سنة وذلك خطأ ظاهر كما لا يخفى.

وذكره صاحب « الروضات » في عداد الفقهاء الذين تخرج عليهم الفقيه الشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء في ترجمة الشيخ المذكور.

وتعرض لذكره خاتمة المحدثين الشيخ النوري في كتابه « دار السلام » ج 2 ص 393 نقلا عن الشيخ جواد بن العلامة الشيخ حسين نجف في قصة طويلة شاهدنا منها قوله عن السيد المترجم : ان السيد بحر العلوم والشيخ جعفر تلمذا عليه في الأدب وكانا يقبلان يده بعد رياستها وفاء حلق التعليم. قلت : ولذلك يعبر عنهما دائماً في ديوانه بالولدين الاكرمين. ونسب له النوري أحمد البلاغي والشيخ راضي نصار وكانوا قد خرجوا من النجف الاشرف الى الهاشمية لزيارة السيد الجليل القاسم بن الامام الكاظم (عليه السلام) وممن تخرج عليه الأديب الفذ والشاعر الفحل الشيخ محمد رضا النحوي وقد أبّنه بقصيدة عصماء يتجلى فيها وفاؤه لاستاذه فلقد بكاه الولد على أبيه والتلميذ على مؤدبه ومربيه وفيها يقول :

ويا والداً ربيت دهراً ببره *** ومن بعد ما ربى وأحسن أيتما

لقد كنت لي بالبرّ مذ كنت ( مالكا ) *** ولا عذر لي أن لا أكون ( متمما )

قصرت لعمر اللّه غاية مقولي *** وكنت له اذ يرتقي الأفق سلما

ص: 353

آثاره :

له مؤلفات وآثار عديدة تلف أكثرها بعد وفاته منها ما ذكره شيخنا الجليل الشيخ « آغا بزرك » في كتابه « سعداء النفوس » حيث قال : له شرح على الشرائع من أول الطهارة إلى آخر صلاة ليلة الفطر رأيته في مجلد وهي نسخة الاصل. اه- وقال صاحب « أحسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة » ج ا ط بغداد ما ملخصه : العالم الفاضل والفقيه الكامل السيد صادق الفحام من أفاضل العلماء الاواخر كانت له صحبة مع العلامة الطباطبائي بحيث نقل انه كان يقدمه على سائر أقرانه ، له مؤلفات كثيرة لم نعثر عليها منها « تاريخ النجف » وشرح « شواهد القطر » كتبهما في مبادئ أمره ، وله شعر رائق ، توفي كما في بعض المجاميع الخطية لبعض المعاصرين سنة 1209 اه. قلت والصواب 1204 كما سيأتي تحقيق ذلك. ويظهر أن كتابه شرح الشواهد كان متداولاً في أيامه فقد رأيت في هامش كتاب الكشكول لمعاصره الشيخ يوسف البحراني المتوفى سنة 1186 ج 1 ص 375 عند ذكر هذه الابيات :

ألمت بنا والليل من دونه ستر *** ولاحت لنا شمساً وقد طلع البدر

إلى أن قال : اعلم ان هذه الأبيات من قصيدة استشهد في شرح القطر ببيت منها في بحث المفعول لأجله وهو آخر ما ذكرها هنا :

واني لتعروني بذكراك هزة *** كما انتفض العصفور بلله القطر

ونسبها مولانا العالم الفاضل السيد صادق لأبي صخر الهذلي وقد ذكر أبياتاً منها. اه- ومن آثاره ( رحلة ) دون فيها زيارته للامام علي بن موسى الرضا علیه السلام سنة 1180 باسلوب نثري من المسجع القديم وهي ملحقة بديوانه ولا تخلو من فوائد تاريخية ومعلومات جغرافية عن العراق وإيران في ذلك العهد أي قبل قرنين من الزمن - ومن آثاره :

ص: 354

ديوانه المخطوط :

جمع ديوان شعره في حياته على حروف المعجم ووضع له مقدمة لا تزيد على عشرة أسطر ورتبه على ثلاثة أبواب الأول في القريظ « اللغة الفصحى » والثاني والثالث « في الركباني » و « المواليات » وهما في اللغة العامية الدارجة في أرياف العراق وبواديه وعندي منه نسخة نقلت عن الأصل تقع في 200 صفحة بخط معاصره العالم الأديب سيد أحمد زوين كتب في آخرها قد فرغ من تسويده أفل من مدباعه في هذه الصناعة أحمد بن سيد حبيب زوين الحسيني الأعرجي النجفي سنة 1232 بعد وفاة الناظم ب- 28 سنة وفيه قصيدة تناهز 180 بيتاً سماها « المرحلة المكية » قالها بمناسبة حجة إلى بيت اللّه الحرام سنة 1188 وتوجد من هذا الديوان نسخة ثانية ناقصة الآخر في مكتبة الشيخ السماوي أكملها عن النسخة التي لدينا والحق ان الاستفادة بالديوان تاريخياً لا تقل عن الاستفادة به أدبياً فانه وثيقة تاريخية قديمة ثمينة توقفنا على تاريخ كثير من الأحداث العراقية في دور الممالك وقبله وتسمي كثيراً من أعلام ذلك العصر في العلوم والأدب والادارة ممن لم نجد لهم ذكراً في غيره من الدواوين وكتب التراجم المتأخرة وحيث أن المترجم لم ينقطع عن التردد إلى الحلة فقد مدح جماعة من أشرفاها وكبرائها بقصائد مثبتة في الديوان كالسيد سليمان الكبير وآل النحوي وآل الحاج علي شاهين - من أقدم العائلات الحلية وممن ذكر فيه من النجف الشيخ خضر بن يحيى الجناجي وأولاده والسيد مرتضى الطباطبائي - والد بحر العلوم والشيخ أحمد الجزائري جد الاسرة الجزائرية وآل الخمايسي وآل الملا - سدنة الروضة الحيدرية يومئذ ومن بغداد آل العطار وآل السيد عيسى والسيد نصر اللّه في كربلاء والسيد أبو الحسن موسى العاملي عدا ما نظمه من المدائح والمراثي في أهل البيت (عليهم السلام) وتواريخ العمارات التي أنشئت على مشاهدهم في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء ، وما إلى ذلك من مراسلاته مع « آل فتله » ورؤساء خزاعة ذوي السلطة والنفوذ يومئذ في الفرات الأوسط أمثال محمد وعباس وحمود أولاد حمد آل عباس

ص: 355

الخزاعي ، والقسم الكثير من شعره رائع الاسلوب نقي الديباجة معرق في العربية يقفو فيه اثر أبي تمام حبيب بن أوس وقد قال من أبيات يذكر فيها انتسابه اليه في نظم الشعر :

حبيب الى قلبي حبيب وانني *** لمقتبس من فضل نور حبيب

اديب جرت في حلبة النظم خيله *** مغبرة في وجه كل اديب

ولكنني وحدي شققث غباره *** الى صلوي (1) نهدٍ أغر نجيب

ولاغروان صلى جوادى دونهم *** واذ يك قد جلى فغير عجيب

لاني من قوم اذا عنّ منبر *** فلم يعن إلا منهم بخطيب

توفي بالنجف الأشرف في 21 شعبان سنة 1204 وله من العمر ثمانون سنة ورثاه فريق من شعراء عصره ، منهم السيد أحمد العطار وأرخ عام وفاته قال :

لهفي على بدر هدى *** تحت التراب قد أفل

وبحر علم كل حبر *** عل منه ونهل

من قد حباه اللّه علماً *** زانه حسن عمل

فسار ذكر فضله *** بين الورى سير المثل

قد هد أركان التقى *** والدين رزؤه الجلل

أرخت عام موته *** في بيت شعر قد كمل

عز على الاسلام مو *** ت الصادق المولى الأجل

انتهى

ص: 356


1- صلوي مثنى صلى وهو مغرز ذنب الفرس. ويقال صلى الفرس اذا جاء مصلياً وهو الذي يتلو السابق لان رأسه يكون عند صلاه.

من شعره قوله وهو في طريقه إلى زيارة الامامين العسكريين بسرّ من رأى.

أنخها فقد وافت بك الغاية القصوى *** وألقت يديها في مرابع من تهوى

أتت بك تفري مهماً بعد مهمه *** يظل بأيديها بساط الفلا يطوى

يحركها الشوق الملح فتغتدي *** تشن على جيش الملا غارة شعوا

يعللها الحادي بحزوى ورامة *** وما هيجتها رامة لا ولا حزوى

ولكنما حنت الى سر من رأى *** فجاءت كما شاء الهوى تسرع الخطوا

إلى روضة ساحاتها تنبت الرضا *** وتثمر للجانين أغصانها العفوا

إلى حضرة القدس التي عرصاتها *** بحور هدى منها عطاش الورى تروى

فزرها ذليلا خاضعاً متوسلا *** بها مظهراً لله ثم لها الشكوى

لتبلغ في الدنيا مرامك كله *** وتأوي في الاخرى الى جنة المأوى

عليها سلام اللّه ما مر ذكرها *** وذلك منشور مدى الدهر لا يطوى

نقلتها عن ( الرائق ) وفي الحاشية تشطير للعالم العامل الورع الشيخ حسين نجف أقول : وفي ( الرائق ) مخطوط السيد العطار جملة قصائد تشير اليها قال :

وقال السيد صادق بن السيد علي الاعرجي النجفي أيده اللّه

علام وقد جهزت جيش العزائم *** أسالم دهراً ليس لي بمسالم

تحتوي على 92 بيتاً كلها في مدح النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)

وله أيضاً في مدحه (صلی الله عليه وآله وسلم) وقد نظمها في طريق مكة حين صد عن الحج

طوى عن فراش الكعاب الازارا *** وعاف الكرى واستعار الغرارا

تتألف من 120 بيتاً

ص: 357

وقال يمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام .

حشاشة نفس لا يبوخ ضرامها *** وغلة قلب لا يبل أوامها

وهي 80 بيتاً

وقال أيضاً يمدح أمير المؤمنين (عليه السلام)

هي الدار بالجرعاء من جانب الحمى *** فعوجا صدور اليعملات النجائب

تتكون من 65 بيتاً. كل هذه في المجموع ( الرائق ) ج 2 ص 392.

* * *

ص: 358

لطف اللّه بن علي الجدحفصي

مرّ في هذا الكتاب عدة قصائد رويناها عن مجموعة الشيخ لطف اللّه ابن علي بن لطف اللّه وقال في آخرها :

فرغ من هذا المجموع البديع النظام الحاوي لفرائد مراثي ابي عبد اللّه الحسين بقلم العبد المذنب الجاني لطف اللّه بن علي بن لطف اللّه الجدحفصي البحراني باليوم الثامن عشر من شهر رجب الاصب من سنة 1201 الحادية والمائتين والألف من الهجرة. وصلى اللّه على محمد وآله وسلم. أقول : وأثبت الشيخ من شعره عدة قصائد ، ففي ص 47 قال في مطلع قصيدة ما نصه : لكاتبها الجاني لطف اللّه بن علي بن لطف اللّه الجدحفصي عفى اللّه تعالى عنه. أقول هو حفيد الشيخ لطف اللّه بن محمد بن عبد المهدي الذي تقدمت ترجمته ص 255 :

ماذا على الركب لو ألوى على الطللِ *** فبتّ أقريه صوّب المدمع الهطلِ

وما عليه إذا استوقفته فعسى *** أقضيه بعض حقوق للعلى قبلى

ربع لليلاي قد أقوت معالمه *** وراعه البين بعد الحلي بالعطل

أغرى به الدهر عن لوم نوازله *** فعاد خلواً من النزال والنزل

قد كان بالحيّ مأهولاً يطيب به *** من النسائم بالابكار والاصل

بكل بدر يغار البدر منه حوى *** وكل غصن يغير الغصن في الميل

ص: 359

يا ربع انسي سقتك الغاديات ولا *** برحت تزهو بنوار الندى الخضل

لقد تذكرت والذكرى تؤرقني *** ما مرّ لي فيك في أيامي الأول

أيام أصبو إلى لهوي ويسعدني *** شرخ الشباب ولا اصبو إلى عذل

أيام لا أتقي كيد الوشاة ولا *** أخاف من مَيَل في الحب أو ملل

أيام ارفض عذالي وترفضني *** وما لكي شافعي والهمّ معتزلي

فحبذا غرّ أيامي التي سلفت *** وليتها لم تكن ولّت على عجل

لله وقفة توديع ذهلتُ لها *** بمعرك البين بين البان والاثل

والحيّ قد قوضوا للظعن وانتدبوا *** لوشك بينٍ وشُدت أرحل الابل

والوجد قد كاد أن يقضي هناك على *** قلوب أهل الهوى من شدة الوهل

فبين باك وملهوف وذي شجن *** بادي الكئابة في توديع مرتحل

ورب فاتنة الالحاظ ما نظرت *** الا لتقتلني بالأعين النجل

أومت إليّ وقد جدّ الرحيل بها *** والروع يخلط منها الدمع بالكحل

قالت وقد نظرت من بينها جزعي *** لله أنتَ فما أوفاك من رجل

لقد بلوناك في البلوى فنعم فتى *** ونعم خلٍ خلا من وصمة الخلل

فليت شعري وقد حمّ البعاد لنا *** والبعد يا ربما أغراك بالبدل

فهل تحافظ عهدي أم تضيّعه *** كما اضيعت عهود في الوصي علي

من بعد ما أوثق المختار عقدتها *** بكل نص عن اللّه العليّ جلي

فاعقب الأمر ظلم الآل فاضطهدوا *** بكل خطب من الاوغاد والسفل

وأعظم الرزء ، والارزاء قد عظمت *** بالطف رزءٌ لهم قد جلّ عن مثل

ويسترسل في نظم المصيبة ويتخلّص بطلب الشفاعة من أهل البيت علیهم السلام ، وله مرثية يقول في أولها :

اهاجك ربع باللوى دارس الرسم *** اغمّ ولما يبق منه سوى الوسم

ص: 360

ومنها :

فيالك من رزء أصمّ نعيّه *** وعن مثله الدهر استمرّ على العقم

أزال حصاة العلم عن مستقرّها *** وزعزع ركن الدين بالهدّ والهدم

ومنها :

أيا من أتى في هل أتى طيب مدحهم *** وفي النحل والاعراف والنور والنجم

اليكم نظامَ الخلق ، نظما بمدحكم *** تنزّه بين الناس عن وصمة الذم

به نال لطف اللّه مولاكم فتى *** علي بن لطف اللّه عفواً من الجرم

واخرى مطلعها :

متى قوّض الاظعانُ عن شعب عامر *** فلم يبق شعب للاسى غير عامر

وهي 78 بيتاً

وله :

حادي الركائب وقفة يا حادي *** يحيى بها ميتٌ ويروى صادي

وهي 80 بيتاً

وله أيضاً :

قوّض برحلك ان الحيّ قد رحلوا *** وانهض بعزمك لا يقعد بك الكسل

وهي 93 بيتاً

ص: 361

الشيخ عبد النبي بن مانع الجدحفصي

قف بالمعالم بين الرسم والعلم *** من عرصة الطف لا من عرصة العلم

واستوقف العيس فيها واستهل لها *** سقياً من الدمع لا سقياً من الديم

وابك الأولى عطّلوها بانتزاحهم *** من بعد حلية واديها بقربهم

واسعد على الشجو قلب المستهام بهم *** وأي قلب لهم يا لشجو لم يهم

ان الغرام لفقد الحي من مضر *** ليس الغرام لومض البرق من أضم

وهل يليق البكا ممن بذكرهم *** أمن تذكّر جيران بذي سلم

حسب الأسى ان جرى أو عنّ ذكرهم *** مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم

فان نسيت فلا أنسى الحسين وقد *** أناخ بالطف ركب الهمّ والهمم

غداة فاضت عليه كل مشرعة *** بكل جيش كموج البحر ملتطم

غداة خاض غمار النقع مبتدراً *** كالبدر يسبح في جنح من الظلم

غداة حفت به من رهطه نفرٌ *** شمّ الأنوف أُنوف العزم والشيم

أقوام مجد زكت أطراف محتدهم *** من هاشم ورجال السيف والكرم

من كل مجتهد في اللّه معتصم *** باللّه منتصر لله منتقم

تخالهم حين ثاروا من مضاربهم *** لنصره كأسود ثرن من أجم

كأنما كل عضو من جوارحهم *** خلّ يحرضهم بالحفظ للذمم

يمشون للموت شوقاً والجلاد هوى *** والموت يجلو كؤس الموت بينهم

ص: 362

حيث الكريهة كالحسناء بينهم *** تبدو نواجذها عن ثغر مبتسم

يعدون بين العوادي غير خافقة *** قلوبهم عدوَ عقبانٍ على رخم

حتى إذا وردوا حوض المنون على *** حرّ الظما كورود السلسل الشبم

فاصبح السبط والاعدا تطوف به *** كأنما هو فيها ركن مستلم

والبيض في النقع تعلو الدارعين كما *** برق تألق من سحب على أُكم

وكلما لاح ومضٌ من صفيحته *** سال النجيع من الهامات والقمم

كأنه حين ينقضّ الجواد به *** طودٌ يمرّ به سيل من العرم

يؤمّ منعطفاً بالجيش مفترقاً *** شطرين ما بين مطروح ومنهزم

نفسي الفداء له من مفرد بطل *** كأنه الجمع يسطو بين كل كمي

يلقى الصفوف برأي غير منذهل *** من الحتوف وقلب غير منفعم

كأنما الحتف من أسنى مطالبه *** ومعرك الحتف من مستطرف النعم

لهفي له وهو يثني عطف بجدته *** لدى الوغى بين كف للردى وفم

لهفي له إذ هو للموت حين دعا *** به القضا بلسان اللوح والقلم

تزعزت جنبات العرش يوم هوى *** وانهدّ جانب ركن البيت والحرم

وأظلم الدهر لما أن سفرن به *** بنات أحمد بعد العز والحشم

كأنهن نجوم غير مقمرة *** لما برزن من الاستار والخيم

تلك الكرائم ما بين اللئام غدت *** ما بين منتهك تسبى ومهتضم

يا راكباً وسواد الليل يلبسه *** ثوب المصاب ومنه الطرف لم ينم

عج بالغريّ وقف بعد السلام على *** مثوى الوصي وناج القبر والتزم

وأنع الحسين وعرض بالذي وجدت *** بالطف أهلوه من هتك وسفك دم

سينضح القبر دمّاً من جوانبه *** بزفرة تقرع الاسماع بالصمم

واطلق عنان السرى والسير معتمداً *** أكناف طيبة مثوى سيد الامم

ص: 363

وقل لأحمد والزهراء فاطمة *** والمجتبى العلم ابن المجتبى العلم

اني تركت حسيناً رهن مصرعه *** مبضع الجسم دامي النحر واللمم

والمعشر الصيد من علياً عشيرته *** تطارحوا بين مقتول ومصطلم

أفناهم السيف حتى أصبحوا مثلاً *** على الثرى كغصون الطلح والسلم

وواحد العصر ملقى في جوامعه *** يشفّه ناحل الأحزان والسقم

كأنما العين لم تدرك حقيقته *** من النحول وشفّ الضرّ والألم

وحوله خفرات العز مهملة *** تحوم حول بني الزرقا بغير حمى

هذي تلوذ بهذي وهي حاسرة *** والدمع في سجم والشجو في ضرم

اقول جاء في مجموعة الشيخ لطف اللّه بن علي بن لطف اللّه الجدحفصي والتي كتبها سنة 1201 للشيخ عبد النبي بن الحاج أحمد بن مانع الخطي عفى اللّه عنه أربع قصائد ، مرّت عليك واحدة وهذا مطلع الثلاث :

1 - صبري على حكم الهوى وتجمّلي *** وتحمّلي منه الأسي لم يجمل

وهي 125 بيتاً

2 - جافى المضاجع جانبي وتنكرا *** والجسم مني كالخلال قد أنبرى

تتكون من 82 بيتاً

3 - إلى م تراعي الليل من طرف ساهر *** طروباً وترعى للنجوم الزواهر

وهي 80 بيتاً

ص: 364

السيد شرف بن اسماعيل الجدحفصي

قال الشيخ الطهراني في الذريعة - قسم الديوان :

السيد شرف بن اسماعيل الجدحفصي ، رأيت مراثيه للأئمة علیهم السلام في مجموعة دوّنها الشيخ لطف اللّه بن علي بن لطف اللّه في سنة 1201 أقول وتوجد أيضاً في مجموعة حسينية لجامعها محمد شفيع سنة 1242 :

قف بالطفوف وجد بالمدمع الجاري *** ولا تعرّج على أهل ولا دار

وامزج دموعك جرياً بالدماء على *** نجوم سعد هوت فيها وأقمار

وشق قلبك قبل الجيب من جزع *** على مصارع سادات واطهار

وازجر فؤادك عن تذكار كاظمة *** وعن زرودٍ وعن حزوى وذي قار

ولا تقل تلك أوطأن قضيتُ بها *** مع الشباب لُباناتي وأوطاري

واندب قتيلاً باكناف الطفوف قضى *** من بعد قتل أحباء وأنصار

لا خير في دمع يعن لا يراق له *** ولا يسيل عليه سيل انهار

أيجمل الصبر عن رزء به استعرت *** نار الأسى بين جنبي خير مختار

وقال في آخرها :

يا صفوة اللّه ما لي غير حبكم *** دينٌ أرجّيه في سري واجهاري

ص: 365

أنا ابنكم ومواليكم ومادحكم *** وقنّكم فانقذوني من لظى النار

شرفت حتى دعوني في الورى شرفاً *** لقربكم وعلا شاني ومقداري

لا تسلموني إذا ما جئتكم بغد *** وكاهلي مثقل من حمل أوزاري

صلى الاله عليكم كلما طلعت *** شمس وما سجعت ورق باشجار

وفي المجموعة الحسينية التي كتبها محمد شفيع سنة 1242 قصيدة ثانية للسيد شرف ابن السيد اسماعيل ، أولها :

قف بالطفوف على الضريح مسلما *** واسكب بها جزعاً شآبيب الدما

اقول : وفي مخطوطة الشيخ لطف اللّه المخطوطة سنة 1201 ه- جملة مراثي ضاق هذا الجزء عن ضمّها اليه ، فإلى الجزء الآتي بعون اللّه.

ص: 366

استدراكات

اشارة

ص: 367

ص: 368

المتوكل الليثي

توفى حدود 85 ه-

قتلوا حسيناً ثم هم ينعونه *** ان الزمانَ بأهله أطوارُ

لا تبعدن بالطف قتل ضُيّعت *** وسقى مساكن هامها الأمطار (1)

* * *

المتوكل الليثي هو ابن عبد اللّه بن نهشل من ليث بن بكر ، من أهل الكوفة في عصر معاوية وابنه يزيد.

لقد حجبت المصادر عنا معالم حياة المتوكل واخباره ، إلا أن الدكتور يحيى الجبوري يرى أنه توفي في حدود سنة 85 ه- خمس وثمانون وهي السنة التي توفي فيها عبد الملك بن مروان.

أقول : له ديوان شعر قامت بنشره مكتبة الاندلس - بغداد وطبع في لبنان بعناية الدكتور يحيى الجبوري ، وفي الديوان روائع من شعره ، فمن ذلك هذا البيت الذي صار مثلاً :

لاتنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلَه *** عارٌ عليك اذا فعلتَ عظيمُ

وكان للمتوكل امرأة يقال لها أم بكر فمرضت وأقعدت ، فسالته الطلاق فقال لها ليس هذا حين طلاق فأبت عليه فطلقها ، ثم انها برئت فندم وقال :

طربت وشاقني يا أمّ بكر *** دعاء حمامة تدعو حماما

فبتّ وبات همي لي نجياً *** أعزّي عنكِ قلباً مستهاماً

ص: 369


1- تاريخ الطبري ج 6 ص 70 - 71 تحقيق ابراهيم ابو الفضل.

إذا ذكرت لقلبك ام بكر *** يبيت كأنما اغتبق المداما

خدلجّة ترفّ غروب فيها *** وتكسوا المتن ذا خصل شحاما

أبى قلبي فما يهوى سواها *** وإن كانت مودتها غراما

ينام الليل كل خليّ همٍّ *** ويأتي العين منحدراً سجاما

على حين ارعويت وكان راسي *** كأن على مفارقه ثغاما

سعى الواشون حتى أزعجوها *** ورثّ الحبل وانجذم انجذاما

فلست بزائل ما دمت حيّاً *** مسيراً من تذكّرها هياما

ترجّيها وقد شطت نواها *** منّتك المنى عاماً فعاما

خدلّجة لها كفل وثيرٌ *** ينوء بها اذا قامت قياما

مخصّرة ترى في الكشح منها *** على تثقيل أسفلها انهضاما

اذا ابتسمت تلألأ ضوء برقٍ *** تهلل في الدجنّة ثم داما

وان قامت تأمل رائياها *** غمامة صيّفٍ ولجت غماما

اذا تمشي تقول دبيب شول *** تعرّج ساعة ثم استقاما

وان جلست فدمية بيت عيدٍ *** تصان ولا ترى إلا لماما

فلو أشكو الذي أشكو اليها *** الى حجر لراجعني الكلاما

أحبّ دنوّها وتحب نأيي *** وتعتام التناء لي اعتياما

كأني من تذكر أمّ بكر *** جريح أسنّة يشكو الكلاما

تساقطُ أنفساً نفسي عليها *** اذا شحطت وتغتمّ اغتماما

غشيت لها منازل مقفرات *** عفت إلا الاياصرَ والثماما

ونؤياً قد تهدّم جانباه *** ومبناه بذي سلم خياما

صليني واعلمي اني كريم *** وان حلاوتي خلطت عراما

واني ذو مجاملة صليب *** خُلقتُ لمن يماكسني لجاما

فلا وأبيك لا أنساك حتى *** تجاور هامتي في القبر هاما (1)

ص: 370


1- نزهة الأبصار بطرائف الاخبار والاشعار ج 1 ص 467.

القاضي أبو حنيفة المغربي

المتوفى سنة 363

وقام بعد الحسنِ الحسينُ *** فلم تزل لهم عليه عينُ

ترعى لهم أحوالَه وتنظرُ *** في كل ما يسرّه ويجهرُ

وشرّدوا شيعته عن بابه *** وأظهروا الطلب في أصحابه

ليمنعوه كل ما يريدُ *** وكان قد وليهم يزيدُ

فأظهر الفسوقَ والمعاصي *** وكان بالحجاز عنه قاصي

ومكره يبلغه ويلحقه *** وعينُه بما يخاف ترمقه

ولم يكن هناك من قد يدفعه *** عنه اذا همّ به أو يمنعه

وكان بالعراق من أتباعه *** أكثر ما يرجوه من أشياعه

فسار فيمن معه اليهم *** فقطعوا بكربلا عليهم

في عسكر ليس له تناهي *** أرسله الغاوي عبيد اللّه

يقدمه في البيض والدلاصِ *** عمرو بن سعد بن أبي وقاص

فجاء مثل السيل حين ياتي *** فحال بين القوم والفرات

واذ رأى الحسين ما قد رابه *** ناشدهم باللّه والقرابه

وجدّه وأمّه الصديقة *** وبعلها أن يذروا طريقه

وجاء بالوعظ وبالتحذير *** لهم بقولٍ جامع كثير

ص: 371

فلم يزدهم ذاك إلا حنقا *** ومنعوا الماء وسدّوا الطرقا

حتى إذا أجهده حرّ العطش *** وقد تغطّى بالهجير وافترش

حرارة الرمضاء نادى ويلكم *** أرى الكلاب في الفرات حولكم

تلغُ في الماء وتمنعونا *** وقد تعبنا ويحكم فأسقونا

قالوا له لست تنال الماءا *** حتى تنال كفّك السماءا

قال فما ترون في الاطفال *** وسائر النساء والعيال

بني علي وبنات فاطمة *** عيونهم تهمي لذاك ساجمه

فهل لكم أن تتركوا الماء لهم *** فإنكم قد تعلمون فضلهم

فان تروني عندكم عدوكم *** فشفّعوا في ولدي نبيكم

فلم يروا جوابه وشدوا *** عليه فاستعدّ واستعدّوا

فثبتوا أصحابه تكرّماً *** من بعد أن قد علموا وعلما

بأنهم في عدد الأمواتِ *** لما راوا من كثرة العُداةِ

فلم ينالوا منهم قتيلا *** حتى شفى من العدى الغليلا

واستشهدوا كلهم من بعدما *** قد قَتلوا أضعافهم تقحّما

واستشهد الحسين صلّى ربُه *** عليه لما أن تولّى صحبه

مع ستة كانوا أصيبوا فيه *** بالقتل أيضاً من بني أبيه

وتسعة لعمّه عقيل *** لهفي لذلك الدم المطلول

وأقبلوا برأسه مع نسوته *** ومع بنيه ونساء اخوته

حواسراً يبكينه سبايا *** على جمال فوقها الولايا

ووجهوا بهم على البريدِ *** حتى أتوا بهم الى يزيد

فكيف لم يمت على المكان *** من كان في شيء من الايمانِ

أم كيف لا تهمي العيون بالدم *** ولم يذُب فؤاد كل مسلم

وقد بكته أُفق السماء *** فأمطرت قطراً من الدماء

ص: 372

وحزن البدرله فانكسفا *** وناحت الجنّ عليه أسفا

فيا لتسكاب دموع عيني *** اذا ذكرت مصرع الحسين

* * *

القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن احمد بن حيون التميمي المغربي المتوفى سنة 363 ه- له أرجوزة مطولة وتحتوي على احتجاج قوي في الامامة ، وللقاضي بجانب هذه الارجوزة أراجيز ثلاث طوال ، وهي الارجوزة المنتخبة في الفقه ، والارجوزة الموسومة بذات المنن في سيرة الامام المعز لدين اللّه الفاطمي ، والارجوزة الموسومة بذات المحن ، وقد أشار في أبيات الارجوزة التي نقتطف منها الشاهد الى انه سوف يدوّن كتاباً جامعاً في الإمامة بعد فراغه من هذه الارجوزة وقد أنجز ما وعد وألّف هذا الكتاب الجامع في أربع مجلدات ، ووجدنا الاشارة الى هذا الكتاب في كتاب ( المناقب والمثالب ) وكتاب ( شرح الاخبار ).

نشرت هذه الارجوزة بتحقيق وتعليق اسماعيل قربان حسين عن معهد الدراسات الاسلامية - جامعة مجيل - مونتريال - كندا - ب- 357 صفحة.

ص: 373

الحسن بن حكينا

المتوفى 528

ولائمٍ لام في اكتحالى *** يوم استباحوا دم الحسين

فقلت دعني أحقّ عضوٍ *** ألبس فيه السواد عيني (1)

* * *

الحسن بن أحمد بن محمد بن حكّينا ، الشاعر البغدادي.

قال ابن شاكر في الجزل الاول من ( فوات الوفيات ) ما يلي :

كان من ظرفاء الشعراء الخلعاء ، وأكثر أشعاره مقطعات. وذكره العماد الكاتب وقال : أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعراء لطافة شعره توفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ، رحمه اللّه !

اقول : وجاءت ترجمته في ( شذرات الذهب في أخبار من ذهب ) لعبد الحي الحنبلي ج 4 ص 88 ، وعبّر عنه بالحسن بن احمد بن حكّينا. وهو أصح من جكينا (2) وذكره الزركلي في الاعلام ، قال : وقال ابن الدبيثي : سار شعره وحُفظ ، على فقر كان يعانيه وضيق معيشة كان يقطع زمانه بها.

ص: 374


1- عن فوات الوفيات لابن شاكر ج 1 ص 228.
2- تاج العروس ، مادة ( حكن ).

الكمال العبّاسي

المتوفي 656

قال الكمال العباسي يرثي سيف الدين علي بن عمر المُشِد المتوفى بدمشق سنة ست وخمسين وستمائة ، والمدفون بسفح قاسيون ويذكر الحسين بن علي (عليه السلام) :

أيا يوم عاشورا جُعلتَ مصيبة *** لفقد كريم أو عظيم مُبجّل

وقد كان في قتل الحسين كفاية *** فقد جاء بالرزء المعظّم في علي

وقال تاج الدين بن حواري يرثيه : *** أأخيّ أيُ دجنّة أو أزمة

كانت بغير السيف عنا تنجلي *** نبكي عليه وليس ينفعنا البكا

نبكي على فقد الجواد المُفضل *** مَن للقوافي والمعاني بعده

مَن للمواضي والرماح الذّبل *** مَن ذا لباب العلم غيرَ عليّه

العالي المحلَّ ومَن لحل المشكل *** عاشور يوم قد تعاظم ذنبه

إذ حلَّ فيه كل خطب معضل *** لم يكفه قتل الحسين وما جرى

حتى تعدّى بالمصاب على علي (1)

ص: 375


1- فوات الوفيات ج 2 ص 129.

المصادر

امل الآمل للشيخ الحر العاملي

الذريعة الى تصانيف الشيعة للشيخ اغا بزرك الطهراني

أنوار الربيع في علم البديع للسيد علي خان المدني

سلافة العصر في محاسن الدهر للسيد علي خان المدني

روضات الجنات للخوانساري

أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين

لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني

أنوار البدرين للشيخ علي بن حسين البلادي

الغدير في الكتاب والسنة والادب للشيخ عبد الحسين الاميني

شهداء الفضيلة للشيخ عبد الحسين الاميني

نزهة الجليس للسيد عباس المكي

منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والامان للشيخ جعفر النقدي

البابليات للشيخ محمد علي اليعقوبي

منية الراغبين في طبقات النسابين للسيد عبد الرزاق كمونة

شعراء الحلة للاستاذ علي الخاقاني

أعلام العرب للاستاذ عبد الصاحب الدجيلي

بطل العلقمي للشيخ عبد الواحد المظفر

شعراء كربلاء للسيد سلمان هادي الطعمة

الكشكول للشيخ يوسف البحراني

ص: 376

مدينة الحسين للسيد محمد حسن مصطفى

رياض المدح والرثاء للشيخ علي البلادي

تحفة أهل الايمان في تراجم آل عمران للشيخ فرج آل عمران القطيفي

شعراء القطيف للشيخ علي منصور المرهون

معارف الرجال للشيخ محمد حرز الدين

ماضي النجف وحاضرها للشيخ جعفر محبوبة

ديوان السيد شهاب ابن معتوق

ديوان السيد نصر الحائري

ديوان حسن عبد الباقي الموصلي

ديوان الدمستاني ( نيل الاماني )

الاتحاف بحب الاشراف للشيخ عبد اللّه الشبراوي الشافعي

منائح الالطاف في مدائح الاشراف للشيخ عبد اللّه الشبراوي الشافعي

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي

خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي

شذرات الذهب لعبد الحيّ الحنبلي

ارجوزة القاضي ابو حنيفة المغربي

نزهة الابصار بطرائف الأخبار والاشعار عبد الرحمن بن درهم

حديقة الافراح احمد بن محمد اليمني الشرواني

ريحانة الالباء للخفاجي

نفحة اليمن للشيرواني

فوات الوفيات لابن شاكر

الاعلام للزركلي

مجلة الاعتدال النجفية محمد علي البلاغي

مجلة الغري النجفية شيخ العراقين

مجلة البلاغ الكاظمية الشيخ محمد حسن آل ياسين

ص: 377

المصادر المخطوطة

رسالة في تراجم علماء البحرين للشيخ سليمان الماحوزي ، مكتبة الشيخ اغا بزرك الطهراني

المجموع ( الرائق ) للسيد أحمد العطار مخطوط مكتبة الامام الصادق العامة الكاظمية

مجموع محمد شفيع بن محمد مير عبد الجميل مخطوط مكتبة الامام الصادق العامة الكاظمية

ديوان السيد حسين بن السيد رشيد مخطوط مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف الاشرف

الشيخ علي بن احمد العادلي العاملي بالنجف الاشرف

الحر العاملي بالنجف الاشرف

السيد محمد بن امير الحاج الحسيني بالنجف الاشرف

الشيخ فرج اللّه الحويزي بالنجف الاشرف

الشيخ عبد الرضا المقري بالنجف الاشرف

الحاج محمد جواد عواد البغدادي بالنجف الاشرف

السيد علي خان المدني مكتبة كاشف الغطاء العامة

سمير الحاضر وأنيس المسافر للشيخ علي كاشف الغطاء مكتبة كاشف الغطاء العامة

مجموع المراثي بخط الشيخ لطف اللّه الجدحفصي مكتبة الشيخ اليعقوبي

مجموع مراثي الحسين مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الاشرف

ديوان السيد علي خان المدني مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الاشرف

المنتخب بخط الشيخ عبد الوهاب الطريحي مكتبة آل الطريحي - النجف

مجموع الخطيب الشيخ كاظم سبتي

سوانح الافكار ومنتخب الاشعار للمؤلف

ص: 378

الفهرس

الصفحة

الشيخ مفلح الصيمري ، شعره ، ترجمته ، اقوال العلماء فيه ، مؤلفاته 13

الحسين بن مساعد النسابة ، مكانته ومنزلته العلمية 20

محمّد السُبعي ، روائع من أشعاره ، سيرته 26

الشيخ محمّد البلاغي ، مكانته العلمية ، سيرته ، اسرته 33

السيد حسين الغريفي وجلالة قدرهواقوال العلماء فيه ، مشايخه ، مؤلفاته ، شعره ، أولاده 35

ابن ابي شافين ، نماذج من شعره ، ترجمته وجلالة قرده 44

الشيخ جمال الدين بن المطهر 49

الحلبي الحائري ، الشيخ عبد النبي المقابي ، محمد بن حنان ، الشيخ سعيد بن يوسف الجزيري ، الشيخ ناصر بن مسلم 50

الشيخ فرج بن محمد الاحسائي ، الشيخ راشد بن سليمان الجزيري 51

ابو الحسين بن أبي سعد البحراني 51

الشيخ عبد المنعم ابن الحاج محمد الجد حفصي 53

الشيخ علي بن عبد الحميد 54

السيد علي بن جعفر ، الشيخ صالح بن عبد الوهاب ، الشيخ حسن النحي 56

ص: 379

الصفحة

السيد عبد الرؤوف الجد حفصي ، رائعته في الحسين ، نماذج من شعره ، منزلته في الاوساط ، حفيده المسمى باسمه ، قصيدة حسينية لحفيده السيد احمد 61

عمر بن عبد الوهاب العرضي الحلبي الشافعي ، مكانته العلمية 70

رائعة الخطي في رثاء الحسين ، قوة الشاعرية ، حياته ، نماذج من شعره ، مساجلاته مع الشيخ البهائي 72

السيد ماجد البحراني ، جلاته ومكانته ، منزلته العلمية ، شاعريته ، مؤلفاته ، نماذج من شعره 80

الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين - الشهيد الثاني ، مكانه العلمية ، أقوال العلماء فيه ، نماذج من شعره 87

الشيخ محمود الطريحي ، حياته ، نتف من أشعاره 90

الشيخ البهائي استاذ البشر ، سعة علومه ، أفكاره وآراؤه ، أقوال العظماء فيه ، مؤلفاته الكثيرة سياحته وسفراته ، طائفة من اشعاره 94

الشيخ محمد علي الطريحي ، ترجمته ونبذة من شعره 107

الشيخ زين الدين بن الشيخ محمد ابن الشيخ حسن (صاحب المعالم) ابن الشهيد الثاني ، حياته وعلومه ، اقوال العلماء في حقه ، نماذج من شعره 109

ابن الجمال المصري علي بن ابي بكر ، ترجمته ، مؤلفاته 116

الشيخ فخر الدين الطريحي صاحب المؤلفات الكثيرة وصاحب المنتخب ، اقوال العلماء فيه ، طائفة من أشعاره 118

الشيخ عبد الوهاب الطريحي صاحب المنتخب المخطوط ، شعره ، ترجمته 122

السيد شهاب الدين بن معتوق ، رائعته في الحسين ، حياته ، ألوان من شعره 125

الامير الجليل حاكم الحويزه السيد علي خان المشعشعي ، علومه ومؤلفاته ، رثاؤه للحسين (عليه السلام) 133

ص: 380

الصفحة

حياة الحكيم الجزائري الشيرازي ، علومه ومؤلفاته ، طبه ونواحي معارفه ، قوة الذكاء 136

السيد الحسيب السيد نعمان الاعرجي ، سلسلة نسبه ، نبذة عن الاعرجيين ومكانة المترجم له ، نبذة من أشعاره 141

الشيخ أحمد بن خاتون العاملي العيثاني ، شعره ونبذة عنه 246

الشيخ محمد بن السمين الحلي - طائفة من اشعاره في اهل البيت 148

الشيخ محمد بن نفيع ، ترجمته ، شعره ، في رثاء الحسين وفي مدح الامام علي علیه السلام 153

محمد رفيع بن مؤمن الجبلي ، وعلي بن الحسين الدرادي 158

محمد بن الحسن الحر العاملي ، حياته وآثاره الخالدة ، مؤلفاته المشهورة ، ديوان شعره ، أقوال العلماء فيه ، ديوانه المخطوط 161

الشيخ عبد اللّه الشويك ، دواوينه الشعرية ، أقوال العلماء في حقه رائعته في مدح النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) 169

الشيخ أحمد البلادي ترجمته وأشعاره ، الاشارة إلى قصائده رائعته في النبي صلی اللّه عليه وآله 172

الأمير السيد الحسين بن عبد القادر الكوكباني اليماني ، التخلص من الغزل إلى الرثاء ، شواهد على حمرة السماء يوم قتل الحسين (عليه السلام) 175

السيد علي خان المدني رائعته في الحسين (عليه السلام) ، مكانته العلمية آثاره القيمة مؤلفاته الشهيرة ، نماذج من شعره وقصائده في مدح النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وتشويقه لزيارته ، شعره في الامام امير المؤمنين (عليه السلام) 177

الشيخ عبد الرضا المقري الكاظمي ، ترجمته وطائفة من أشعاره 193

العالم الجليل الشيخ سليمان الماحوزي ، مكانته العلمية ، مؤلفاته أقوال العلماء فيه وطائفة من أشعاره 200

الشيخ محمد بن يوسف البلادي ، سيرته وعلومه وجملة من قصائده 204

الشيخ فرج آل عمران الخطي سيرته وأخلافه ، ألوان من شعره 209

ص: 381

الصفحة

الشيخ فرج اللّه الحويزي ، علومه ومعارفه ، مؤلفاته وديوانه ، روائع من أشعاره 213

الشيخ يونس الغروي ، كلام صاحب نشوة السلافة في حقه ، مراسلاته 216

الشيخ عبد الحسين ابو ذيب من شعراء أهل البيت ، حياته 219

الشيخ محسن فرج ، ترجمته ونماذج من شعره في الحسين (عليه السلام) ، قوة الشاعرية 121

الشيخ أبو ظالب الفتوني العاملي الغروي ، شهرته العلمية ونماذج من اشعاره ، نبذة عن أسرته 227

السيد حسين بن السيد رشيد الرضوي ، رائعته في الحسين وأدبه المشهور به في عصره بين أقرانه وجودة خاطه وظرفه وأخلافه 231

حسن بن عبد الباقي بن أبي بكر الموصلي ، قصيدته في الامام الحسين (عليه السلام) التي أنشدها عند الامام (عليه السلام) وكتبها على الباب الشريف ، المقرضون من شعراء عصره لهذه القصيدة 239

الشيخ محي الدين بن محمود الطريحي ترجمته وألوان من شعره 246

العالم الجليل والمدرس الكبير وجه الطائفة في عصره السيد نصر اللّه الحائري نسبه ، علمه ، أدبه ، استشهاده ، تلامذته ، طائفة من أشعاره 250

الشيخ لطف اللّه بن محمد بن عبد المهدي ، رائعته في الحسين (عليه السلام) 255

الشيخ علي بن أحمد الملقب بالفقيه العادلي العاملي ، له ديوان شعر اقتطفنا جملة من أشعاره 259

عبد اللّه بن محمد الشبراوي ترجمته وشعره في أهل البيت علیهم السلام وألوان من شعره في الغزل 265

الحاج محمد جواد عواد ، ترجمته وأدبه ومراسلاته ، اقوال العلماء فيه ، ألوان من شعره 273

السيد العباس بن علي بن نور الدين الحسيني الموسوي المكي صاحب نزهة الجليس ومنية الأديب الانيس ، ترجمته وأدبه 283

ص: 382

الصفحة

السيد محمد بن امير الحاج ، علمه وأدبه ، شعره وولاؤه لاهل البيت 290

الشيخ حسن الدمستاني العالم الاديب ، ترجمته وشعره ، ديوانه 294

الشيخ أحمد النحوي الحلي منطومته الكبيرة في الحسين (عليه السلام) ترجمته وشهرته الادبية ، آل النحوي بيت علم وأدب ، مشائخه ، مؤلفاته ومساجلاته الادبية ، لون من غزله 298

الشيخ حسن آل سلمان العاملي شعره وترجمته 311

الشيخ محمد بن عبد اللّه بن فرج الخطي ، نموذج من حياته ومقتطفات مت شعره 314

الشيخ ابراهيم بن عيسى العاملي الحاريصي شعره ونبذة من حياته 316

الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي ، مراثيه للامام 319

الشيخ مهدي الفتوني ، مكانته العلمية ، آثاره ومؤلفاته ، فراءته ومشايخ اجازاته وتلامذته. شعره 329

الشيخ أحمد بن الشيخ حسن الدمستاني ، نبذة عن حياته ولمحة من شعره 336

الشيخ يسف ابو ذئب ، رائعته في الحسين ، مجمل حياته وشعره 338

الشيخ عبد اللّه العوامي مختصر حياته والاشارة الى شعره 348

الشيخ محمد بن أحمد آل عصفور ، آثاره وأقوال العلماء فيه 349

السيد صادق الأعرجي ، شهرته الأدبية نماذج من شعره ، نسبه واسرته 350

الشيخ لطف اللّه بن علي صاحب المؤلف الذي يحتوي على 24 شاعراً 359

الشيخ عبد البني بن مانع الجد حفصي ، مرثيته والاشارة الى جملة من مراثيه 362

السيد شرف بن اسماعيل الجد حفصي ، مرثيته لسيد الشهداء (عليه السلام) 365

المستدركات 367

المتوكل الليثي ، شعره في الحسين ، ديوانه ، الوان من شعره 369

القاضي ابو حنيفة المغربي ، ارجوزته ، لمحة من حياته 372

الحسن بن احمد حكينا البغدادي ، ادبه ظرفه 375

الكمال العباسي 376

ص: 383

المجلد 6

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 336

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء السادس

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

دعاء وثناء

انهالت علينا مجموعة من رسائل الأصدقاء الأعلام وفيها عواطف صورت عن طريق النقد والتقريظ ، آثرنا إرجاء نشرها. واعتزازاً بواحدة من هذه الرسائل هي ما تفضل به سيدي الوالد قدس سره فكتب دعاء ضمنه الثناء ، وإني اعتبرها ذكرى له بها تذكرة وإليكم النص :

ولدي السيد جواد :

أملي من الأولاد ، وذخري من أفلاذ الأكباد ، مفخرة الأعواد ، ولدي الجواد ، دام مثالاً للصلاح والسداد ، ومحفوظاً برب العباد.

ها هي هديتك الثمينة ، عليها الإهداء بيدك الأمينة ، وهو الجزء الرابع من موسوعة ( أدب الطف أو شعراء الحسين ) وها أنا أقرأه بإمعان وأقف عند مدلوله ومنقوله ، وأتمشى مع أبوابه وفصوله ، فجزاك اللّه خير جزاء المحسنين ، على ما أسديت من خدمة لسادتنا الميامين الهداة المهديين ، وفي طليعتها بل على جبهتها تلمع الأشعة من أنوار الحسين أبي الأئمة التسعة.

يسرني أن أراك أرتقيت مرتقي يصعب على غيرك ارتقاؤه ، وتسنمت منبراً لا يليق لغيرك اعتلاؤه ، إذ أن هذا المجهود لا ينال بغير السهر والتعب ، والإحاطة ، بدواوين العرب ، فمرحى لك مرحى لقد استخرجت منها اللباب ، وأتيتنا بما لد وطاب ، فطب نفساً ، وقر عيناً ، فعملك مذكور مشكور ، وباق مع الدهور.

وكل ما أتمناه لموسوعتك ، وأوصيك بمتابعته ومواصلته ، هو التصميم على إكمالها دون ملل وضجر ، إذ قل ما يحرم الصبور الظفر.

« وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون ».

3 شهر رجب 1393

والدكم

علي شبر الحسيني

ص: 6

تقديم

ما أكثر ما تقع عليه العين من الشعر في الدواوين المنتشرة وفي الكتب النادرة من المطبوعة والمخطوطة ، ولما كان هدفنا وموضوعنا من موسوعتنا هذه هو الشعر المقول في أهل البيت علیهم السلام وبالأخص الإمام الحسين علیه السلام إذ تعني بشعراء الحسين خاصة الذين تحسسوا بنهضة وأشادوا بثورته وما أكثر هؤلاء وقد قيل - والحق فيما قيل - إنه رثي بكل لسان في كل جيل وفي كل عصر بمختلف اللغات وعلى جميع الألسن فإن يوم الحسين الخالد استخدم المشاعر وشحذ الأذهان واستهوى القلوب.

أما العقبة التي تواجه موسوعتنا ( أدب الطف ) فهي الكثرة من هؤلاء الشعراء فليس من السهل الوقوف على تراجمهم ومعرفة أسمائهم أو العصور التي عاشوا فيها ، سيما وهم ليسوا من قطر واحد أو من دين واحد فقد نظم في يوم الحسين المسلم وغير المسلم واحتفل بيومه كل إنسان وكل من يحب الخير للانسان ذلك لأن هدف الحسين لم يك هدفاً خاصاً يقتصر على طائفة دون طائفة أو على أمة دون أمة بل الحسين للجميع ولكل من يتحسس بالإباء والكرامة والنخوة والشهامة ولكل من يكره الجور والطغيان والظلم والعدوان. يقول الأديب المسيحي بولس سلامة في ملحمته ( عيد الغدير ) :

ص: 7

سيكون الدم الزكي لواءاً *** لشعوب تحاول استقلالا

وهذا هو الجزء السادس من ( أدب الطف ) يتضمن القسم الأول من شعراء القرن الثالث عشر وتتلوه أجزاء نستمد العون من اللّه وحده لإنجازها ، وإن اللّه مع من أحسن عملا.

المؤلف

ص: 8

السيد احمد علي خان

المتوفي قبل سنة 1168

هي الطفوف فطف سبعاً بمغناها *** فما لبكة معنى دون معناها

أرض ولكنما السبع الشداد لها *** دانت وطأطأ أعلاها لأدناها

هي المباركة الميمون جانبها *** ما طور سيناء إلا طور سيناها

وصفوة الأرض أصفى الخلق حل بها *** صفاه ذو العرش إكراماً وصفاها

منزه في المزايا عن مشابهة *** ونزهت عن شبيه في مزاياها

وكيف لا وهي أرض ضمنت جثثاً *** ما كان ذا الكون - لا واللّه - لولاها

فيها الحسين وفتيان له بذلوا *** في اللّه أي نفوس كان زكاها

إذ القنا بينهم كالرسل بينهم *** والبيض تمضي مواضيها قضاياها

أنسى الحسين وسمر الخط تشجره *** إذاً فما انتفعت نفسي بذكراها

أنساه يخطب أحزاب الضلال وقد *** أصمها الشرك والشيطان أعماها

فحين أعذر أعطى البيض حاجتها *** والسمر في دم أهل الغي رواها

إن كر فرت كأسراب القطا هرباً *** حتى تعثر أولاها بأخراها

فلت حدود سيوف الهند ما صنعت *** كأنه ما قراها يوم هيجاها

ولم تكن كفه هزت مواضيها *** ولم يكن كلما استسقته أسقاها

لو عاينت يومه عينا أبي حسن *** قضى مآرب حق قد تمناها

أو كان يشهده في كربلا حسن *** رأت أمية منه سوء عقباها

ص: 9

يا باذل النفس في اللّه العظيم ولولا *** اللّه بارؤها ما كان أغلاها

الأرض بعدك نظت ثوب زينتها *** وجداً وشوه بعد الحسن مرآها

والشمس لولا قضاء اللّه ما طلعت *** حزناً عليك ولا كنا رأيناها

تبكي عليك بقان في مدامعها *** وما بكت غير أن اللّه أبكاها

واهتزت السبع والعرش العظيم ولولا *** اللّه أصبحت العلياء سفلاها

الإنس تبكي رزاياك التي عظمت *** والجن تحت طباق الأرض تنعاها

رزية حل في الإسلام موقعها *** تنسى الرزايا ولكن ليس تنساها

وكيف تنسى مصاباً قد أصيب به *** الطهر الوصى وقلب المصطفى طاها

خطب دهى البضعة الزهراء حين دهى *** رزء جرت بنجيع منه عيناها

فأي قلب لهذا غير منفطر *** وجداً فذلك أشجاها وأقساها

آل النبي على الأقتاب عارية *** كيما يسر يزيد عند رؤياها

ورأس أكرم خلق اللّه يرفعه *** على السنان سنان وهو أشقاها

فياله من مصاب عم فادحه *** كل البرية أقصاها وأدناها

تبكي له أنبياء اللّه موجعة *** وما بكت لعظيم من رزاياها

وتستهيج له الأملاك باكية *** وما البكاء لشيء من سجاياها

فأي عذر لعين لم تجد بدم *** لو جف من جريان الدمع جفناها

تاللّه تبكي رزايا الطف ما خطرت *** وكلما يقرع الأسماع ذكراها

تبكي مصارع آل اللّه لا برحت *** عليهم من صلاة اللّه أزكاها

حتى يقوم بأمر اللّه قائمنا *** فنشحذن سيوفاً قد غمدناها

بقية اللّه من بالسيف يملؤها *** عدلا كما ملئت جوراً ثناياها

إليك يا ابن رسول اللّه سائرة *** من القوافي ترجي منك قرباها

بايعت مجدك فيها وهي واثقة *** أن لا ترد إذا مدت بيمناها

وأشهد اللّه أني سلم من سلمت *** لكم مودته حرب لمن تاها

برئت من معشر عمي بصائرها *** والت أناساً إله العرش عاداها

ولا تزال على الأيام باقية *** عليكم من صلاة اللّه أسناها

ص: 10

جاء في الذريعة - قسم الديوان - :

السيد أحمد بن السيد مطلب بن عليخان بن خلف بن عبدالمطلب المشعشي الحويزي.

كان معاصراً للسيد عبد اللّه بن نور الدين بن نعمة اللّه الجزائري. وكان عالماً ورعاً أديباً لم يتداخل في شيء من أمر أخوته ولاة الحويزة. وفي جواب مسائله كتب السيد عبد اللّه ( الذخيرة الأبدية ) كما كتب السيد عبد اللّه ( كاشفة الحال في علم القبلة والزوال ) باسم أخيه السيد علي خان الصغير ابن مطلب بن عليخان بن خلف. وترجمه السيد عبد اللّه في أجازته الكبيرة التي كتبها سنة 1168 ويظهر منها وفاته قبل التاريخ.

وقال السيد الأمين في الأعيان : السيد أحمد بن خلف بن المطلب بن حيدر الموسوي المشعشي ، أخو السيد علي خان حاكم الحويزة.

عالم ورع كامل أديب زاهد ، لم يدخل في شيء من أمر أخوته وعصبته ولاة الحويزة بل كان يمتنع من أخذ جوائزهم ويكتفي بغلة زرعه ، جاور أئمة العراق علیهم السلام إلى أن مات في المشاهد المشرفة ، له مسائل أجاب عنها السيد عبد اللّه بن نور الدين الجزائري. وله ديوان شعر.

ص: 11

الشيخ يوسف البحراني

المتوفي سنة 1186 ه-

برق تألق بالحمى لحماتها *** أم لامع الأنوار في وجناتها (1)

وعبير ند عطر الأكوان أم *** ذا عنبر أهدته من نفحاتها

أكريمة الحسين هل من زورة *** تشفي المعنى من عنا حسراتها

شاب العذار ولم تشوبوا هجركم *** منها بشيء لا ولا بعداتها

جودوا ولو بالطيف إن خيالكم *** يطفي من الاحشا لظى لهباتها

قم يا خليل فخل عن تذكارهم *** واحبس سخين الدمع من عبراتها

ياهل رأيت متيماً تمت له *** في هذه الدنيا سوى نكباتها

وأعد علي حديث وقعة نينوى *** ولواعج الأشجان في ساحاتها

لله أية وقعة لمحمد *** في كربلا أربت على وقعاتها

ضربت عران الذل في أنف الهدى *** فغداً يقاد به بنو قاداتها

لله من يوم به قد نكست *** تلك الكماة الصيد عن صهواتها

ص: 12


1- عن أنيس المسافر ج 2 ص 51 للشيخ يوسف البحراني.

لله أنصار هناك وفتية *** سادت بما حفظته في سادتها

فوق الخيول تخالها كأهلة *** وبدور حسن لجن في هالاتها

وإذا سطت تخشى الأسود لكرها *** في الحرب من وثباتها وثباتها

شربت بكأس الحتف حين بدا لها *** في نصر خيرتها سنا خيراتها

الجسم منها بالعراء وروحها *** في سندس الفردوس من جناتها

نفسي لآل محمد في كربلا *** محروقة الأحشاء من كرباتها

ترنو الفرات بغلة لا تنطفي *** عطشاً وما ذاقت لطعم فراتها

أطفالها غرثى أضر بها الطوى *** وهداتها صرعى على وهداتها

يا حسرة لا تنقضي ومصيبة *** تترقص الأحشاء من زفراتها

دار النبي بلاقع من أهلها *** للبوم نوح في فنا عرصاتها

تبكي معالمها لفقد علومها *** أسفاً وحسن صلاتها وصلاتها

وديار حرب بالملاهي والغنا *** قد شيدت وبها شدا قيناتها

معمورة بخمورها وفجورها *** وبغاتها نشوى على نغماتها

وحريم آل محمد مسبية *** بين العدى تقتاد في فلواتها

نفسي لزينب والسبايا حسرا *** تبكي ومنظرها إلى أخواتها

تستعطف القوم اللئام فلا ترى *** إلا وجيع الضرب من شفراتها

فلذاك خاطبت الزمان وأهله *** بشكاية الشعراء في ابياتها

قد قلت للزمن المضر باهله *** ومغير السادات عن عاداتها

إن كان عندك يا زمان بقية *** مما تهين بها الكرام فهاتها

يا للرجال لوقعة ما مثلها *** أذكت بقلب المصطفى جذواتها

يا للرجال لعصبة علوية *** تبعت أمية بعد فقد حماتها

من مخبر الزهراء أن حسينها *** طعم الردى والعز من سادتها

ص: 13

أترى درت أن الحسين على الثرى *** بين الورى عار على تلعاتها

ورؤوس أبناها على سمر القنا *** وبناتها تهدى إلى شاماتها

يا فاطم الزهراء قومي واندبي *** أسراك في أشراك ذل عداتها

يا عين جودي بالبكاء وساعدي *** ست النساء على مصاب بناتها

نفس تذوب وحسرة لا تنقضي *** وجوى عراها مد في سنواتها

هذي المصائب لا يداوى جرحها *** إلا بسكب الدمع من عبراتها

إني إذا هل الحرم هاج لي *** حزناً يذيق النفس طعم مماتها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة *** تتفتت الأكباد من صدماتها

يا أمة ضاعت حقوق نببها *** وبنيه بين طغاتها وبغاتها

في أي دين يا أمية حللت *** لكم دماء من ذوى قرباتها

زعمت بأن الدين حلل قتلها *** أو ليس هذا الدين من أبياتها

ضربت بسيف محمد أبناءه *** ورأت له الأغماد من هاماتها

فمتى إمام العصر يظهر في الورى *** يحيي الشريعة بعد طول مماتها

ومتى نرى الرايات تشرق نورها *** وكتائب الأملاك في خدماتها

يا سعد حظي في الورى إن ساعد *** التوفيق في نصري لدين هداتها

لأري العدى طعم الردى بصوارم *** ولأروين الأرض من هاماتها

يا رب عجل نصره وانصربه *** أشياعه اللّهفا وخذ ثاراتبا

يا سادة قرنت سجايا جهودها *** لوجودها فالنجح من عاداتها

واليتكم وبرئت من أعدائكم *** أبغي بذاك الفوز في درجاتها

ما لابن أحمد يوسف لذنوبه *** إلا كم يرجوه في شداتها

وإليكم أهدي عروساً غادة *** في الحسن قد فاقت على غاداتها

قد زفها والمهر حسن قبولكم *** يا سادتي والعفو عن زلاتها

وعلى النبي وآله صلواته *** ما غرد القمري في باناتها

ص: 14

الشيخ يوسف البحراني

الفقيه الكبير والمحدث الشهير ، ناشر راية العلم ذو اليراع الجوال في مختلف العلوم.

هو يوسف بن أحمد بن ابراهيم بن أحمد بن صالح بن أحمد بن عصفور الدرازي البحراني ، صاحب الحدائق. توفي بكربلاء ظهر يوم السبت 4 ربيع الأول سنة 1186 - من أفاضل علمائنا المتأخرين ، جيد الذهن ، معتدل السليقة ، بارع في الفقه والحديث ، قال في حقه أبو علي صاحب الرجال : عالم فاضل متبحر ماهر محدث ورع عابد صدوق دين من أجله مشايخنا المعاصرين وأفاضل علمائنا المتبحرين.

كان أبوه الشيخ أحمد من أجلة تلامذة شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي وكان عالماً فاضلاً محققاً مدققا مجتهداً صرفا كثير التشنيع على الإخباريين كما صرح به ولده شيخنا المذكور في إجازته الكبيرة ، وكان هو قدس سره أولاً إخبارياً صرفا ثم رجع إلى الطريقة الوسطى وكان يقول إنها طريقة العلامة المجلسي صاحب البحار انتهى.

وترجم له السيد الخوانساري في روضات الجنات فأثنى عليه ثناءاً عاطراً وقال في ترجمة نفسه في اجازته الكبيرة أنه ولد في السنة السابعة بعد المائة والألف في قرية الماحوز بالبحرين ، واشتغل وهو صبي على والده طاب ثراه ثم على العالم العلامة الشيخ حسن الماحوزي ، واشتغل أيضاً على الشيخ أحمد بن عبد اللّه البلادي وغيرهما. ودفن في الرواق عند رجلي سيد الشهداء مما يقرب من الشباك المبوب المقابل لقبور الشهداء.

له مؤلفات نافعة نذكر في مقدمتها موسوعة ( الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ) طبع أخيراً بمطابع النجف.

ص: 15

2 - الدرر النجفية.

3 - سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد رد به على شرح النهج.

4 - الشهاب الثاقب في معنى الناصب.

5 - جليس الحاضر وأنيس المسافر المعروف ب- ( الكشكول ).

6 - الأربعون حديثاً في مناقب أميرالمؤمنين علیه السلام ، استخرجها من كتب أبناء السنة والجماعة.

7 - لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرتي العينين ، وهي إجازة كبيرة مبسوطة كتبها لابني أخويه الشيخ حسين ابن الشيخ محمد والشيخ خلف ابن الشيخ عبد علي وكتب العلامة المعاصر السيد عبدالعزيز الحيدري له ترجمة ضافية أثبتها في مقدمة ( الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ) المطبوع جديداً بمطابع النجف وعدد له 45 مؤلفاً. وفي الكشكول كثير من الروائع والأدب والمنثور والمنظوم وله مراسلات أدبية مع أحبائه وإخوانه منها قصيدتان بعثهما إلى اخوته يشكو إليهم ما ألم به من حوادث وكوارث ، وله تخميس لقصيدة مطولة بعث بها إليه أحد إخوانه. وقصيدة يمدح بها الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام حين جاء للعراق زائراً عام 1156. ودع الحياة عن عمر ناهز الثمانين كرسه لخدمة العلم والدين وفي تدوين الفقه وتبويبه وفروعه وأصوله وقضاه في جمع شتات أحاديث أئمة بيت الوحي صلوات اللّه وسلامه عليهم

لبى نداء ربه بعد زعامة دينية امتدت زهاء عشرين سنة وهرعت كربلاء لتشييعه ودفن بالحائر الشريف في الرواق الحسيني الأطهر عند رجلي الشهداء وأقيمت له الفواتح في كربلاء المشرفة وسائر البلاد الشيعية ، وأول من أقام له الفاتحة تلميذه الأكبر آية اللّه السيد محمد مهدي بحر العلوم.

ص: 16

ممن رثاه السيد محمد الشهير بالزيني مؤرخاً عام وفاته في قصيدة مطلعها :

ما عذر عين بالدما لا تذرف *** وحشاشة بلظى الأسى لا تتلف

واليوم قد أودى الإمام العالم *** العلم التقي أبو المفاخر يوسف

درست مدارس فضله ولكم بها *** كانت معارف دين أحمد تعرف

ما أنت إلا بحر علم طافح *** قد كانت العلماء منه تغرف

وفيها يقول :

يا قبر يوسف كيف أوعيت العلى *** وكنفت في جنبيك ما لا يكنف

قامت عليه نوائح من كتبه *** تشكو الظليمة بعده وتأسف

كحدائق العلم التي من زهرها *** كانت أنامل ذي البصائر تقطف

قد غبت عن عين الانام فكلنا *** يعقوب حزن غاب عنه يوسف

فقضيت واحد ذا الزمان فأرخوا *** قد حن قلب الدين بعدك يوسف

ص: 17

علي بن ماجد الجد حفصي

المتوفى 1208

ما للعيون جفت لذيذ رقادها *** عبراء إلف بكائها وسهادها

تذري دموعاً في الخدود كأنما *** مدت مياه البحر من امدادها

ويقول فيها :

لي مهجة كالنار إلا أنها *** بمدامعي تزداد في إيقادها

صيرت مني الدمع أعذب مائها *** ولواعج الأشجان أطيب زادها

أسفا على فتيان حق جرعت *** بالطف كأس الحتف من اضدادها

أفديهم من فتية علوية *** قد جاهدت في اللّه حق جهادها

شغفت بذكر اللّه حتى أنها *** لم تخل يوم الحرب من أورادها

المجد من أقرانها والفخر من *** أخدانها والسحب من وفادها

والخير مابين الورى من جودها *** ومحمد المختار من أجدادها

لهفي لهم والبيض تورد منهم *** فتعود حمراً من دما أجسادها

قد أشرقت بهم الطفوف كأنما *** خرت نجوم الأرض بين وهادها

يا للرجال لعصبة أموية *** أطفت بأيديها سراج رشادها

لله كم أجرت لأحمد عبرة *** قد أخمدت منها لظى أحقادها

ص: 18

تباً لها تركت حبيب محمد *** فوق الصعيد يجود تحت جيادها

صدته عن ورد الفرات وقلبه *** صاد وكل الوحش من ورادها

قد أغضبت فيه الإله ورجحت *** إرضاء نفس يزيدها وزيادها

تاللّه لو علمت ظبا الأعدا به *** منعتهم التجريد من أغمادها

والضمر لو علمت رأت إصدارها *** عنه ولو غصبت على إيرادها

وبكت له العليا أسى وتعوضت *** أجفانها عن غمضها بسهادها

نفسي فداه وما فداي بنافع *** من أدركت منه العداة مرادها

ملقى على حر الصعيد ورأسه *** قد صعدته القوم فوق صعادها

يسرى به ظلماً أمام نسائه *** ونساؤه حسرى بذل قيادها

أين البتولة فاطم الزهراء ترى *** مافي الزمان جرى على أولادها

أترى درت أن العدى من بعدها *** أصمت بأسهمها صميم فؤادها

ذكره الشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة - قسم الديوان - فقال :

ديوان السيد علي بن ماجد الجد حفصي ، المتوفي 1208 ه- الموجودة مراثية في مجموعة دونها الشيخ لطف اللّه بن علي الجد حفصي في سنة 1201 أقول وفي المجموعة كثير من شعره ومنه قصيدته التي تحتوي على 67 بيتاً وأولها :

تجف جفون السحب والدمع جائد *** ويخمد وقد النار والقلب واقد

وأخرى تتكون من 58 بيتاً وأولها :

ألا من لصب قلبه منه واجب *** مباح لديه الوجد والندب واجب

ص: 19

علي بن حبيب الخطي

أنفحة مسك أذفر شيب بالند *** تنشقت أم ريح الطفوف على البعد

فيانسمة أهدت إلينا تضوعاً *** ورائحة تزرى برائحة الورد

رويداً رعاك اللّه حركت ساكناً *** بقلبي وأورتني بقلبي لظى وجدي

فما حال سبط المصطفى وحبيبه *** وقرة عين المرتضى الجوهر الفرد

أجاب لسان الحال ما حال سيد *** رعيته خانته في العهد والوعد

سأقضي حياتي زفرة بعد زفرة *** عليه ولكن التزفر لا يجدي

بنفسي نفس البضعة الطهر فاطم *** على الأرض مرضوض الأضالع بالجرد

فقل لابن سعد بعد تسعين تشتري العمى

بالهدى يا ويك والنحس بالسعد (1)

أتطفي سنا الاسلام ما أنت في الورى *** فتى سادس الإسلام بل شر مرتد

وفي آخرها :

فتى ابن حبيب قاصر عن مديحكم *** ولكن من وجدي بذلت لكم وجدي (2)

ص: 20


1- يظن البعض أن عمر بن سعد بن أبي وقاص كان متقدماً في السن وأنه عاش وعمر كما في هذا البيت ( فقل لابن سعد بعد تسعين تشتري ) والحقيقة أنه قتل وهو في سن الثلاثين أو الأربعين لأنه ولد يوم موت عمر بن الخطاب ولذا سموه بعمر إذن يكون عمره يوم تولى قيادة الجيش لحرب الحسين (عليه السلام) ستة وثلاثين سنة فقط.
2- عن مخطوط الشيخ لطف اللّه الجد حفصي.

والقصيدة تزيد على الستين بيتاً. وله قصيدة أيضاً في مجموعة الشيخ لطف اللّه ، وأولها :

إنهض إلى أم القرى ومناتها *** وبطيبة طف بي على عرصاتها

وهي أكثر من سبعين بيتاً.

وله أيضاً :

أسير الهوى ما بال ثغرك مفترا *** أراك بما أولاك مولاك مغتراً

وتختال في ثوب الشبيبة مائساً *** وتطرب في تذكار غادتك الغرا

فدع ذكر من تهوى ولا تطع الهوى *** أما سمعت أذناك بالوقعة الكبرى

أيصبح منك السن ياويك باسماً *** سروراً وتبكي عين فاطمة الزهراء

ألا اطلق عنان العيس واعنف بسيرها *** وإن جئت وادي الطف قف نبك من ذكرى

هناك ترى من نور العرش باسمه *** له كبد حرى وفي بردة حمرا

تحتوي على 56 بيتاً نقلنا منها هذا المقطع.

ص: 21

السيد علي السيد احمد

بكى بقاني دمه والمدمع *** صب لذكر دمنة ومريع

لم يبق فيها من يجيب داعياً *** ولا يلبي ناشداً ولا يعي

غير اثاف جثم ودونها *** نوء وأشلا وتد ومخدع

فما البكا وما العنا وما الشجى *** وما الضنا على الذي لم ينفع

هلم هات كلما ادخرته *** من مدمع ومن دم وابك معي

على الحسين المستضام والإمام *** بن الإمام الألمعي اللوذعي

السيد السميدع ابن السيد *** السميدع ابن السيد السميدع

الأروع المبجل المعظم المكرم *** الممجد ابن الأروع

واذكر عظيم رزئه فإنه *** بمثله كل الورى لم تسمع

قضى ظماً مع صحبه بكربلا *** ودون السلسبيل المترع

وفي آخرها :

آل النبي حبكم قد انحنت *** عليه - مذ كونت - عوج أضلعي

إذ حبكم وبغضكم بين الورى *** علامة للنصب والتشيع

وأنتم يوم الحساب عدتي *** لشدتي ومأمني لمفزعي

وهاكم عذراء من نجلكم *** بغير وشي الحب لم تلفع

تحجبت من البها ببرقع *** وهي لقلب الخصم قلب البرقع

ص: 22

ولي وآبائي وللرحم اشفعوا *** إذ غيركم يوم القضا لم يشفع

عليكم الرحمن صل ما اكتسى *** روض الربيع نسج أيدي الهمع (1)

وفي مجموعة حسينية في مكتبة الامام الصادق العامة في حسينية آل الحيدري بمدينة الكاظمية على مشرفها أفضل التحية ، والمجموعة في قسم المخطوطات - رقم 75 تحتوي على جملة قصائد لشعراء قدماء كلهم من القرن الثاني عشر الهجري ، أو قبل ذلك. وقد جاء في آخرها :

وقد فرغت من تحرير هذه المجموعة في مراثي سيدنا ومولانا وإمامنا أبي عبداللّه الحسين علیه السلام . في يوم السابع من شهر جمادي الثانية من شهور سنة 1242. وأنا العبد الجاني محمد شفيع بن محمد بن مير بن عبدالجميل الحسيني غفر اللّه لهم.

ص: 23


1- عن مجموعة المراثي الحسينية بخط محمد شفيع بن محمد بن مير الحسيني سنة 1242 مخطوطة مكتبة الامام الصادق العامة بالكاظمية حسينية آل الحيدري رقم « 7 ».

السيد محمد الشاخوري

أهاجك ربع دارس وطلول *** ترحل منها للفراق خليل (1)

فبت كئيباً ساهر الطرف باكياً *** ودمعك بعد الظاغنين هطول

إذا مر ذكر البان ظلت لبينه *** دموعك في صحن الخدود تسيل

وتشتاق آرام النقا ولطالما *** عراك لذكراها أسى ونحول

أما قد بدا شيب العذار وإنه *** لعمري على قرب الرحيل دليل

أتخدعك الدنيا بريب غرورها *** وأنت لثقل الحادثات حمول

وتستعب اللذات فيها وصفوها *** قليل وأما خطبها فجليل

فإياك والدنيا الغرور فكم بها *** لعمري عزيز صار وهو ذليل

أتاحت لآل المصطفى جمرة الردى *** وليس لهم في العالمين مثيل

فهم بين مسجون قضى في حديده *** وآخر مسموم وذاك قتيل

وأعظم شيء أورث القلب حسرة *** ووجداً مدى الأيام ليس يزول

مصاب بأرض الطف قد جل خطبه *** فكم قمر فيه عراه أفول

ص: 24


1- عن مجموعة الشيخ لطف اللّه.

غداة قضت من آل احمد عصبة *** لدى الطف شبان لهم وكهول

أناخت بأرض الغاضريات بدنهم *** لهم في ثراها مضجع ومقيل

قضوا ظمأ ما بردوا غلة الظما *** وللوحش من ماء الفرات نهول

ومن بينهم ريحانة الطهر أحمد *** عفير على حر التراب جديل

له جسد أودت به شفر الضبا *** لقى ودم الأوداج منه يسيل

كست جسمه يوم الطفوف سنابك *** بعثيرها في البيد وهي تجول

وحاكت له ريح الصبا بهبوبها *** قميص رغام بالدماء غسيل

على لذة الأيام من بعده العفا *** فما بعده الصبر الجميل جميل

لحى اللّه عينا تذخر الدمع بعده *** ونفساً إلى قرب السلو تميل

فيا قلب ذب من شدة الوجد والأسى *** ويا عين سحي فالمصاب جليل

بنات رسول اللّه تسبى حواسراً *** لهن على فقد الحسين عويل

وتبرز من تلك الخدود لواغبا *** وليس لها بعد الحسين كفيل

سوافر لا ستر يغطي رؤوسها *** تنوح ودمع المقلتين همول

نوادب من وجد يكاد لنوحها *** تذوب الرواسي حرقة وتزول

يسير بها في أعنف السير سائق *** ويزجرها حاد هناك عجول

ينادين يا جداه بعدك أظهرت *** علينا حقود جمة وذهول

وصالت علينا عصبة أموية *** نغول نمتها بالسفاح نغول

أيا جد أضحى السبط ملقى على الثرى *** تجر عليه للرياح ذيول

قضى ظمأ والماء جار ودونه *** حدود سيوف لمع ونصول

وساقوا إمام العصر يا جد بينهم *** أسيراً يقاسي الضر وهو عليل

أضر به السير الشديد وسورة *** الحديد وقيد في اليدين ثقيل

* * *

أولي الوحي يا من حبهم لوليهم *** أمان ، وعن حر الجحيم مقيل

فإن لم تقيلوا نجلكم من ذنوبه *** فليس اليه في النجاة سبيل

أيشقي ويبقى أحمد في ذنوبه *** وأنتم ظلال للأنام ظليل

ص: 25

الملا كاظم الأزري

اشارة

المتوفى 1211

من روائعه في الإمام الحسين (عليه السلام) :

إن كنت في سنة من غارة الزمن *** فانظر لنفسك واستيقظ من الوسن

ليس الزمان بمأمون على أحد *** هيهات أن تسكن الدنيا إلى سكن

لا تنفق النفس إلا في بلوغ مني *** فبائع النفس فيها غير ذي غبن

ودع مصابحة الدنيا فليس بها *** إلا مفارقة السكان للسكن

وكيف يحمد للدنيا صنيع يد *** وغاية البشر فيها غاية الحزن

هي الليالي تراها غير خائنة *** الا بكل كريم الطبع لم يخن

الا تذكرت اياما بها ظعنت *** للفاطميين اظعان عن الوطن

ايام طل من المختار اي دم *** وادميت اي عين من أبي حسن

أعزز بناصر دين اللّه منفردا *** في مجمع من بني عبادة الوثن

يوصي الأحبة ان لا تقبضوا أبدا *** إلا على الدين في سر وفي علن

وان جرى أحد الأقدار فاصطبروا *** فالصبر في القدر الجاري من الفطن

ثم انثنى للأعادي لا يرى حكما *** إلا الذي لم يدع رأسا على بدن

سقيا لهمته ما كان أكرمها *** في سقي ماضي المواضي من دم هتن

وللظبى نغمات في رؤوسهم *** كأنها الطير قد غنت على فنن

ص: 26

يا جيرة الغي ان انكرتم شرفي *** فإن واعية الهيجاء تعرفني

لا تفخروا بجنود لا عداد لها *** ان الفخار بغير السيف لم يكن

ومذرقى نبر الهيجاء اسمعها *** مواعظا من فروض الطعن والسنن

لله موعظة الخطي كم وقعت *** من آل سفيان في قلب وفي اذن

كأن أسيافه اذ تستهل دماً *** صفائح البرق حلت عقدة المزن

لله حملته لو صادفت فلكا *** لخر هيكله الأعلى على الذقن

يفري الجيوش بسيف غير ذي ثقة *** على النفوس ورمح غير مؤتمن

وعزمة في عرى الأقدار نافذة *** لو لاقت الموت قادته بلا رسن

حق إذا لم تصب منه العدى غرضا *** رموه بالنبل عن موتورة الضغن

فانقض عن مهره كالشمس عن فلك *** فغاب صبح الهدى في الفاحم الدجن

قل للمقادير قد ابدعت حادثة *** غريبة الشكل ما كانت ولم تكن

امثل شمر اذل اللّه جبهته *** يلقى حسيناً بذاك الملتقى الخشن

واحسرة الدين والدنيا على قمر *** يشكوا الخسوف من العسالة اللدن

يا سيدا كان بدء المكرمات به *** والشمس تبدأ بالأعلى من القنن

من يكنز اليوم من علم ومن كرم *** كنزا سواك عليه غير مؤتمن

هيهات إن الندى والعلم قد دفنا *** ولا مزية بعد الروح للبدن

لقد هوت من نزار كل راسية *** كانت لابنية الأمجاد كالركن

لله صخرة وادي الطف ما صدعت *** إلا جواهر كانت حلية الزمن

خطب ترى العالم العلوي لان له *** ما العذر للعالم السفلي لم يلن

من المعزي حمى الإسلام في ملك *** من بعده حرم الإسلام لم يصن

يهينك يا كربلا وشي ظفرت به *** من صنعة لامن لايمن صنعة اليمن

لله فخرك ما في جيدة عطل *** ولا بمرآته الأدنى من الدرن

كم خر في تربك النوري بدر تقى *** لولاه عاطلة الإسلام لم تزن

حي من الشوس معتاد وليدهم *** على رضاع دم الأبطال لا اللبن

يجول في مشرق الدنيا ومغربها *** نداهم جولان القرط في الأذن

ص: 27

من مبلغ سوق ذاك اليوم ان به *** جواهر القدس قد بيعت بلا ثمن

قل للمكارم موتي موت ذي ظمأ *** فقد تبدل ذاك العذب بالأجن

لقد اطلت على الإسلام نائبة *** كقتل هابيل كانت فتنة الفتن

أقول والنفس مرخاة ازمتها *** يقودها الوجد من سهل إلى حزن

مهلا فقد قربت أوقاف منتظر *** من عهد آدم منصور على الزمن

كشاف مظلمة خواض ملحمة *** فياض مكرمة فكاك مرتهن

قرم يقلد حتى الوحش منته *** وابن النجابة مطبوع على المنن

صباح مشرقها مصباح مغربها *** مزيل محنتها من كل ممتحن

أغر لا يتجلى نور سؤدده *** ألا بروض من الدين الحنيف جني

تسعى إلى المرتقى الأعلى به همم *** لا تحتذي منه إلا قنة القنن

يسطو بسيفين من بأس ومن كرم *** يستأصلان عروق البخل والجبن

يا من نجاة بني الدنيا بحبهم *** كأنها البحر لم يركب بلا سفن

طوبى لحظ محبيكم لقد حصلوا *** على نصيب بقرن الشمس مقترن

هل تزدري بي آثامي ولي وله *** بكم إلى درجات العرش يرفعني

أرجوكم ورجاء الأكرمين عني *** حياً وبعد اندراج الجسم في الكفن

يا من بقدرهم الاعلى علت مدحي *** والدر يحسن منظوماً على الحسن

فها كم من شجي البال مغرمة *** عذراء ترفل في ثوب من الشجن

جاءت تهادى من الأزري حالية *** من اجتلى حسنها الفنان يفتتن

ثم الصلاة عليكم ما بدا قمر *** فانجاب عنه حجاب الغارب الدجن

ص: 28

الملا كاظم الازري

والمشهور ب- ملا كاظم بن محمد بن مهدي الأزري البغدادي يسكن بغداد ومدرسة النجف ، صريحاً في الرأي قوي الحجة مهيباً في المطلع ، وكان يتمتع بمكانة سامية في كافه الأوساط الأدبية ، ولدى جميع الطبقات الشعبية ، لم يكن في بغداد أشعر منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي وعاصر من العلماء الأعاظم : السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي الكبير ، واتصل بالبيوت الشريفة ونادمهم وتروى له نوادر كثيرة منها أن ابن الراوي قال له يوماً في إحدى.

الندوات الأدبية : بلغني عنك انك مجنون ، فأجابه الأزري : وبلغني عنك انك مأفون ، فان صدق الراوي ففي وفيك ، وإن كذب الراوي فلعنة اللّه على الراوي. ومنها انه قدم النجف الأشرف فاجتمع عليه الأدباء والعلماء ومنهم السيد صادق الفحام واستنشدوه فأنشد من شعره فلم يوفه السيد جعفر حقه بالإستحسان والاجادة ، وما زاد على كلمة : موزون - فأنشأ الأزري :

عرضت در نظامي عند من جهلوا *** فضيعوا في ضلام الجهل موقعة

فلم أزل لائماً نفسي أعاتبها *** من باع دراً على الفحام ضيعه

جاء لقب الأزري من جدهم وهو محمد بن مراد بن المهدي بن إبراهيم بن عبدالصمد بن علي التميمي البغدادي المتوفى في سنة 1162 وهو الذي لقب بالأزري لأنه كان يتعاطى بيع الأزر المنسوجة من القطن والصوف.

ص: 29

وقد نبغ من هذه الأسرة في العلم والأدب عدد ليس بالقليل ، وأول لامع منهم هو الشيخ كاظم ، فالشيخ محمد رضا ، فالشيخ يوسف الأول ، فالشيخ مسعود ، فالشيخ مهدي ، فالمترجم له.

قال السيد الأمين في الأعيان ج 43 ص 101 : بيت الأزري بيت أدب وعلم وثراء. ويظهر من ورقة الوقف المشهور الآن بوقف بيت الأزري وبعض الحجج الشرعية القديمة أن أسرة هذا البيت كانت تقطن بغداد منذ أكثر من ثلاثة قرون ، اما ما قبل ذلك فلا يعلم عنها شيء. وقد اشتهر من بين أفرادها علمان هما الشيخ كاظم والشيخ محمد رضا.

( نشأة المترجم وحياته )

ولد الشيخ كاظم الازري في بغداد سنة 1143 على الأصح ولم تزل داره التي ولد فيها قائمة في محلة ( رأس القرية ) من بغداد وهي من جملة أوقاف والده التي وقفها عليه وعلى إخوته سنة 1159. وبقي في طفولته مقعداً سبع سنوات ثم مشى.

درس العلوم العربية ومقداراً غير قليل من الفقه والأصول على فضلاء عصره ولكنه ولع بالأدب وانقطع عن متابعة الدرس. وأخذ ينظم الشعر ولم يبلغ العشرين عاماً. كان سريع الخاطر حاضر النكتة وقاد الذهن قوي الذاكرة كما كان محترم الجانب لدى العلماء والوجهاء من أبناء عصره حتى ان السيد مهدي بحر العلوم كان يقدمه على كثيرين من العلماء لبراعته في المناظرة ولطول باعه في التفسير والحديث ولاطلاعه الواسع على التاريخ والسير ، وكان قصير القامة مع سمنة فيه ، لا يفارقه السلاح ليلاً ونهاراً خشية على نفسه من اعدائه. وفي

ص: 30

سنة الف وماية ونيف وستين من الهجرة حج بيت اللّه الحرام. وله في حجه قصيدة مطلعها :

انخ المطي فقد وفدت على الحمى *** والثم ثراه محييا ومسلما

ثم عظم بعدئذ اتصاله بالحاج سليمان بك الشاوي الحميري الذي كانت له الرئاسة المطلقة والكلمة النافذة في بغداد.

وكان الحاج سليمان بك يقدر فضله ويأنس بأدبه الجم ولم يزل يحمي جانبه ويدافع عنه إلى أن توفاه اللّه. وكانت وفاته حسب المشهور في سنة 1212 ودفن في مقبرة أسرته في الكاظمية غير أن الحجر الذي وجد في داخل السرداب يدل على أن تاريخ وفاته سنة 1201 واللّه أعلم (1).

( ادبه وشعره )

استقبل الناس شعر الشيخ كاظم الأزري كفصل الربيع من السنة نسيمه المنعش وأزهاره العبقة. جاء بعد شتاء مجهد طويل لأنه جمع بين جزالة اللفظ وجمال الأسلوب ورصانة التركيب وحسن الديباجة. وفيه جاذبية ، فالذي يقرأ قصيدة من شعره لا يتركها حتى ينتهي منها وفيه نشوة كالراح تدفع شاربها إلى المزيد منها ليزداد نشوة وسروراً. وأكثر الخبراء بالأدب يعدون الشيخ كاظم الأزري في طليعة شعراء العراق وذلك في بعض مناحيه الشعرية ، ومن فحولهم

ص: 31


1- قال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) قسم الديوان : كانت وفاة الشيخ كاظم الأزري 1 ج 1 سنة 1211 - والمدفون بالكاظمية تجاه المقبرة المنسوبة الى الشريف المرتضى ، كما وجد بها على لوحة قبره.

البارزين في المناحي الآخرى. ويصعب التمييز بين قصائده من ناحية السلاسة والطلاوة والرقة والانسجام وهو صاحب الهائية التي تنوف على أكثر من خمسمائة بيت ويعرفها الناس بقرآن الشعر وبالملحمة الكبرى وهذه القصيدة الفذة في بابها هي صدى نفسه الكبيرة الخصب الممرع طبعت على حدة مع تخميسها للشيخ جابر الكاظمي (1). أما ديوانه فقد عني السيد رشيد السعدي بطبعة سنة 1320. وتلاقفته الأيدي بوقته ولا زال الناس يتطلبونه ويستنسخونه. على أن الديوان لم يستوعب شعره كله بل لايزال عند بعض الحريصين على الأدب قسم منه غير مطبوع. وفي تتمة أمل الآمل : كان فاضلاً متكلماً حكيماً أديباً شاعراً مفلقاً تقدم على جميع شعراء عصره وقال في « التتمة » عن القصيدة الهائية : كانت تزيد على ألف بيت أكلت الأرضة جملة منها كانت النسخة موضوعة في دولاب خوفاً عليها ولما أخرجوها وجدوا جملة منها قد تلف فقدموها إلى السيد صدر الدين العاملي فأخرج منها هذا الموجود اليوم الذي خمسه الشيخ جابر.

وإليك نبذة صغيرة من شعره الذي أصبح يدور على الألسن كالأمثال السائرة : منها قوله :

وما أسفي على الدنيا ولكن *** على ابل حداها غير حاد

وقوله :

وقد تأتي الخديعة من صديق *** كما تأتي النصيحة من معاد

ص: 32


1- قال الشيخ محمد محرز الدين في ( معارف الرجال ) جاء في هدية الأحباب ، عن شيخ الفقهاء صاحب كتاب ( جواهر الكلام ) انه كان يتمنى أن تكون القصيدة الأزرية في صحيفة أعماله ، وكتاب الجواهر في صحيفة أعمال الأزري.

وقوله :

إن من كان همه في المعالي *** هجر الظل واستظل الهجيرا

وقوله :

لا تعجبا لفساد كل صحيحة *** فالناس في زمن كجلد الأجرب

وقوله :

لا تنوحي إلا علي لديهم *** ما على كل من يموت يناح

وقوله :

ولسوف يدرك كل باغ بغيه *** المرء ينسى والزمان يؤرخ

وقوله :

ذريتي أذق حر الزمان وبرده *** فلا خير فيمن عاقة الحر والبرد

وقوله :

فتيقظ إذا رأيت عيون *** الحظ يقظى ونم إذا الحظ ناما

وقوله :

ولو كان في الجبن استراحة أهله *** لما سهرت عين القطا وغفى الرند

أما ملحمته الشهيرة التي استهلها بقوله :

لمن الشمس في قباب قباها *** شف جسم الدجى بروح ضياها

فقد تضمنت كثيراً من الأمثال والروائع وهي من أروع ما قيل في مدح الرسول الأعظم وعترته الطيبين وهي على جانب كبير من الجزالة والبلاغة وقوة

ص: 33

الاحتجاج وقد طبعت غير مرة مع تخميسها ، بالحروف الحجرية أولاً ثم أعيدت مرة بعد مرة.

أقول وان والديوان المشار إليه فيه اغلاط كثيرة وجملة من الأشعار منسوبة له ولم تصح هذه النسبة كالبيتين الواردتين في ديوانه - حرف الراء ص 125.

قالوا حبيبك ملسوع فقلت لهم *** من عقرب الصدغ أم من حية الشعر

قالوا بلى من أفاعي الأرض قلت لهم *** فكيف ترقى أفاعي الأرض للقمر

وقد أثبتهما الحافظ الدميري في ( حياة الحيوان ) قبل أن يولد الأزري بقرون وذلك في مادة ( العقرب ) ولا يخفى ان وفاة الدميري كانت لسنة 808 ولم يذكر الدميري صاحبهما بل جاء بهما على سبيل الاستشهاد فقال :

وإليك جملة من روائع الأزري في الإمام الحسين (عليه السلام) :

هي المعالم ابلتها يد الغير *** وصارم الدهر لا ينفك ذا أثر

يا سعد دع عنك دعوى الحب ناحية *** وخلني وسؤال الارسم الدثر

أين الأولى كان اشراق الزمان بهم *** اشراق ناحية الآكام بالزهر

جار الزمان عليهم غير مكترث *** وأي حر عليه الدهر لم يجر

وكم تلاعب بالأمجاد حادثة *** كما تلاعبت الغلمان بالأكر

لا حبذا فلك دارت دوائره *** على الكرام فلم تترك ولم تذر

وان ينل منك مقدار فلا عجب *** هل ابن آدم الا عرضة الخطر

وكيف تأمن من مكر الزمان يدا *** خانت بآل علي خيرة الخير

أفدي القروم الأولى سارت ركائبهم *** والموت خلفهم يسري على الأثر

ما أبرقت في الوغى يوماً سيوفهم *** إلا وفاض سحاب الهام بالمطر

يسطو بكل هلال كل بدر دجى *** بجنح ليل من الهيجاء معتكر

هم الاسود ولكن الوغى اجم *** ولا مخالب غير البيض والسمر

ص: 34

ثاروا ولولا قضاء اللّه يمسكهم *** لم يتركوا لبني سفيان من أثر

أبدوا وقائع تنسي ذكر غيرهم *** والوخز بالسمر ينسي الوخز بالأبر

غر المفارق والأخلاق قد رفلوا *** من المحامد في أسنى من الحبر

لله من في فيافي كربلاء ثووا *** وعندهم علم ما يجري من القدر

سل كربلا كم حوت منهم بدور دجى *** كأنها فلك للأنجم الزهر

لم أنس حامية الاسلام منفردا *** صفر الأنامل من حام ومنتصر

رأى قنا الدين من بعد استقامتها *** مغموزة وعليها صدع منكسر

فقام يجمع شملا غير مجتمع *** منها ويجبر كسراً غير منجبر

لم انسه وهو خواض عجاجتها *** يشق بالسيف منها سورة السور

كم طعنة تتلظى من أنامله *** كالبرق يقدح من عود الحيا النضر

وضربة تتجلى من بوارقه *** كالشمس طالعة من جانبي نهر

وواحد الدهر قد نابته واحدة *** من النوائب كانت عبرة العبر

من آل أحمد لم تترك سوابقه *** في كل آونة فخراً لمفتخر

اذا نضى بردة التشكيل عنه تجد *** لاهوت قدس تردى هيكل البشر

ما مسه الخطب الا مس مختبر *** فما رأى منه إلا اشرف الخبر

فأقبل النصر يسعى نحوه عجلا *** مسعى غلام إلى مولاه مبتدر

فأصدر النصر لم يطمع بمورده *** فعاد حيران بين الورد والصدر

يا من تساق المنايا طوع راحته *** موقوفة بين قوليه خذي وذري

لله رمحك اذ ناجى نفوسهم *** بصادق الطعن دون الكاذب الأشر

يا ابن النبيين ما للعلم من وطن *** الا لديك وما للحلم من وطر

يا نيرا راق مرآه ومخبره *** فكان للدهر ملء السمع والبصر

لاقاك منفرداً أقصى جموعهم *** فكنت أقدر من ليث على حمر

صالوا وصلت ولكن أين منك هم *** ألنقش في الرمل غير النقش في الحجر

لم تدع آجالهم إلا وكان لهم *** جواب مصغ لأمر السيف مؤتمر

حتى دعتك من الأقدار أشرفها *** إلى جوار عزيز الملك مقتدر

ص: 35

فكنت أسرع من لبى لدعوته *** حاشاك من فشل فيها ومن خور

إن يقتلوك فلا عن فقد معرفة *** الشمس معروفة بالعين والأثر

لم يطلبوك بثار أنت صاحبه *** ثار لعمرك لو لا اللّه لم يثر

أي المحاجر لا تبكي عليك دما *** ابكيت واللّه حتى محجر الحجر

لهفي لرأسك والخطار يرفعه *** قسرا فيطرق رأس المجد والخطر

قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها *** كالحمد لم تغن عنها سائر السور

ما انصفتك الظبى يا شمس دارتها *** إذ قابلتك بوجه غير مستتر

ولا رعتك القنا يا ليث غابتها *** إذ لم تذب لحياء منك أو حذر

كم خضت فيها بيوم الروع معمعة *** ينبو بها غرب حد الصارم الذكر

فعاد خصمك والخذلان يتبعه *** وعدت ترفل في برد من الظفر

اين الظبي والقنا مما خصصت به *** لولا سهام اراشتها يد القدر

أما درى الدهر مذوافاك مقتنصاً *** بأن طائره لولاك لم يطر

يا صفقة (1) الدين لم تنفق بضاعتها (2) *** في كربلاء ولم تربح سوى الضرر

وموسما للوغى في كربلاء جرى *** ببيعة فاز فيها كل متجر

أنظر إلى الدهر قد شلت أنامله *** والعلم ذو مقلة مكفوفة البصر

وأصبحت عرصات العلم دارسة *** كأنها الشجر الخالي من الثمر

يادهر حسبك ما أبديت من غير (3) *** أين الأسود أسود اللّه من مضر

أمسى الهدى والندى يستصر خان لهم (4) *** والقوم لم يصبحوا إلا على سفر

يا دهر مالك ترمي كل ذي خطر *** عن المناكب بعد العز في الحفر

جررت آل علي في القيود فهل *** للقوم عندك ذنب غير مغتفر

تركت كل كمي من ليوثهم *** فرائساً (5) بين ناب الكلب والظفر

ص: 36


1- 1 - واصفقة خ ل
2- بضاعته خ ل.
3- عبر خ ل.
4- بهم خ ل.
5- فريسة خ ل.

أما ترى علم الاسلام بعدهم *** والكفر ما بين مطوي ومنتشر

من ذاكر لبنات المصطفى مقلا *** قد ولكتها يد الضراء بالسهر

وكيف أسلو لآل اللّه أفئدة *** يعار منها جناح الطائر الذعر

هذى نجائب للهادي تقلقلها *** ايدي النجائب من بدو ومن حضر

وهذه حرمات اللّه تهتكها *** خزر الحواجب هتك النوب والخزر

لم انس من عترة الهادي جحاجحة *** يسقون من كدر يكسون من عفر

قد غير الطعن منهم كل جارحة *** الا المكارم في أمن من الغير

هم الأشاوس تمضي كل آونة *** وذكرهم غرة في جبهة السير

من المعزي نبي اللّه في ملأ *** كانوا بمنزلة الأرواح للصور

أن يتركوا زينة الدنيا فانهم *** من حضرة الملك الأعلى على سرر

وان أبوا لذة الأولى مكدرة *** فقد صفت لهم الأخرى من الكدر

انى تصيب الليالي بعدهم غرضاً *** والقوس خالية من ذلك الوتر

بني أمية لا تسري الظنون بكم *** فان للثأر ليثا من بني مضر

سيفا من اللّه لم تفلل مضاربه *** يبري الذي هو من دين الإله بري

كم حرمة هتكت فيكم لفاطمة *** وكم دم عندكم للمصطفى هدر

أين المفر بني سفيان من أسد *** لو صاح بالفلك الدوار لم يدر

مؤيد العز يستسقى الرشاد به *** انواء عز بلطف اللّه منهمر

وينزل الملأ الأعلى لخدمته *** موصولة زمر الأملاك بالزمر

يا غاية الدين والدنيا وبدءهما *** وعصمة النفر العاصين من سقر

ليست مصيبتكم هذي التي وردت *** كدراء أول مشروب لكم كدر

لقد صبرتم على أمثالها كرماً *** واللّه غير مضيع أجر مصطبر

فهاكم يا غياث اللّه مرثية *** من عبد عبدكم المعروف بالأزري

يرجو الاغاثة منكم يوم محشره *** وأنتم خير مدخور لمدخر

سمي كاظمكم اهدى لكم مدحاً *** اصفى من الدر بل أنقى من الدرر

حييتم بصلاة اللّه ما حييت *** يذكركم صفحات الصحف والزبر

ص: 37

السيد سليمان الكبير

اشارة

سرت تطوي الوهاد إلى الروابي *** ولا تهوى الهشيم ولا الجوابي

نفور من بنات العيس تفري *** مهامه دونها شيب الغراب

تعير الريح اخفاقاً خفاقاً *** وتغني بالسراب عن الشراب

تريك الجيد قائمة فتلقى *** على خمس تسير من الهباب

تلوح على الربي نسراً وتهوي *** هوي المصلتات إلى الرقاب

تمر على الحزون كومض برق *** تألق بين مركوم السحاب

تخال ذميلها في السهل سرباً *** من الكدري فر من العقاب

وإن وخدت بجرعاء وتلع *** تلوت بينها مثل الحباب

تسيح على الفيافي القفر تطوي *** مفاوز عاريات من ذئاب

تراها إن حدوت لها ظليماً *** تذعر بين هاتيك الشعاب

تعير الريم لفتتها وتضوي *** بأعضاد من التبر المذاب

فإن تشنق لها خرمت أو أن *** لها أسلست تهوى في العذاب

فدعها والمسير فحيث تهوى *** طلاب دونه أعلى الطلاب

إلى ظل الإله وسر قدس *** تلألأ من ذرى أعلى الحجاب

إلى البطل الكمي وبحر جود *** سواحله الندى دون العباب

إلى علم الهدى ومنار فضل *** إلى بحر الندى فصل الخطاب

ص: 38

إلى نور العلي ومن لديه *** علي وهو في أم الكتاب

صراط مسقيم بل حكيم *** بأمر اللّه في يوم الحساب

قسيم النار والجنات بين *** الخلائق كلها يوم المئاب

إلى من قال فيه اللّه بلغ *** لأحمد بعد تعظيم العتاب

وإلا لم تكن بلغت عني *** ولم تك سامعاً فيه جوابي

فقام له بها بغدير خم *** خطيباً معلناً صوت الخطاب

ألا من كنت مولاه فهذا *** له مولى ينوب بكم منابي

فوالي من يواليه وعادي *** معاديه ومن لعداه صابي

بأمر اللّه قوموا بايعوه *** على نهج الهداية والصواب

فبايعه الجميع وما تأنى *** شريف أو دني أو صحابي

فمنهم مؤمن سراً وجهراً *** ومنهم من ينافق في ارتياب

ومنهم من أبى ويقول جهراً *** نبيكم بها أضحى يحابي

فلما كذبوا المختار فيها *** هوى النجمان يا لك من عجاب

فبرهانان ذانك من إلهي *** لحيدرة فأيهما المحابي

أمن في داره أمسى منيراً *** أم الهاوي لتعجيل العذاب

ومن أفق السما قد خر نجم *** على الشيطان يهوي كالشهاب

لذلك أنزل الرحمن فيه *** لسورة سائل سوء العذاب

له الآيات في الآيات تتلى *** بمحكمها وتأويل الصواب

كيوم أكمل الإسلام فيه *** ونعمته تتم بلا ذهاب

معاجز حارت الأوهام فيها *** فلا تحصى بعد أو حساب

وأن المصطفى للعلم دار *** وحيدر سورها بل خير باب

وكلهم أحمداً جمل وضب *** وخاطب حيدراً خرس الذياب

وثعباناً وليثاً ثم موتى *** رماماً قد بلوا تحت التراب

وشق البدر للهادي وردت *** ذكاء للوصي المستطاب

ص: 39

حسام اللّه خافض كل رفع *** من الاشراك من بعد انتصاب

صفاتك معجزات معجزات *** ذوي الألباب توقع في ارتياب

متى راموا حقايقها يضلوا *** عن التوحيد في تيه التصابي

وان يجهلها أبداً ضلالاً *** عن الاسلام بل أي انقلاب

ألا يامحنة الألباب أنى *** بحدك ذو ذكاء فيك صابي

فيالك محنة للخلق عظمى *** ورحمتها ويالك من عذاب

وصاعقة على الأبطال تهوي *** من الآفاق طوراً كالعقاب

وطوراً تحصب الفرسان حصباً *** مبيراً في الذهاب وفي الإياب

بذلت لأحمد نفساً تسامت *** وحزت ببذلها كل الثواب

جزاك اللّه عنه كل خير *** أبا الحسنين من حصن مهاب

أبا الحسنين يانعم المنادى *** إذا دهم المصاب على المصاب

يعز عليك لو تلقى حسيناً *** رميلاً فوقه يجثو الضبابي

قتيلاً ظامياً والماء أضحى *** مباحاً للذئاب وللكلاب

غسيلاً بالدماء لقاً جريحاً *** على الرمضاء ووايلاه كابي

ولو شاهدت يا مولاي لما *** دهى نسوانه هول المصاب

برزن من الخيام مهتكات *** نوادب بعد صون واحتجاب

تخال نساءه لما تبدت *** شموساً قد برزن من الحجاب

وكل نادب واعظم كربي *** وواذلاه واطول اكتئابي

ثواكل لا تجف لها دموع *** محسرة على حسر الركاب

فذي تنعى عليه بلا قناع *** وذي تبكي عليه بلا نقاب

وهذي نادب واطول حزني *** ووجدي باحتراق وانتحاب

سبايا بين شر الناس تسري *** على قتب مسلبة الثياب

بنات محمد أضحت أسارى *** حيارى بعد سبي واستلاب

ص: 40

ورأس رئيسها في الرمح يتلو *** أمام الركب آيات الكتاب

فوا لهفاً لذاك الشيب أضحى *** يعوض بالدماء عن الخضاب

ألا أين الرسول يرى يزيداً *** ينادي الخمر يقرع خير ناب

تمثل نادباً أرجاس حرب *** طروباً في مجاوبة الغراب

ألا يا ليت أشياخي ببدر *** لذي الثارات قد شهدوا طلابي

فيارب من اللعنات ضاعف *** عليه ما على أهل الدباب

ومن آذى الرسول وسن ظلماً *** على القربى وعظم للعذاب

وأول ظالم فابدأ بلعن *** وآخر تابع من كل باب

فمنكم سادتي وبكم إليكم *** ثوابي واحتجابي وانتسابي

عددت ولاءكم ذخري لحشري *** وحسبي فيه في يوم الحساب

إليكم من سليمان عروساً *** برأي الشيب في سن الشباب

فيامن حبهم فخري وذخري *** ولاؤهم ومدحهم اكتسابي

عليكم سلم الباري وصلى *** بعد الرمل مع قطر السحاب (1)

ص: 41


1- عن الرائق ج 2 ص 412.

السيد سليمان الكبير

السيد سليمان الكبير المزيدي توفي ليلة الأحد 24 جمادى الثانية 1211 أبو داود ويكنى بأبي عبداللّه أيضاً - سليمان بن داود بن حيدر بن أحمد بن محمود بن شهاب وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان جده الأعلى أحمد يعرف بالمزيدي لأنه يسكن قرية الميزيدة المنسوبة لآل مزيد - أمراء الحلة وتوفي ودفن فيها وقبره معروف يزار ، وأما ولده حيدر بن أحمد - جد صاحب الترجمة - فكان مرجعاً لسكانها ومن جاورها من تلك الأطراف والنواحي ويلقب ب- ( الشرع ) وهو لقب تطلقه العامة على من يتصدى لاستماع المرافعات بين الخصوم ونشر الأحكام الدينية ، وله في المزيدية مسجد وآثار لا تزال تنسب إليه ، ولذريته فيها اقطاع وضياع تعرف باسم آل شهاب - الجد الخامس للمترجم - وكان السيد المترجم يعرف بالمزيدي إيضاً ، ولاشتهاره بإتقان علم الطب وتأليفه فيه لقب بالحكيم أيضاً ونبغ من هذه الأسرة عدد ليس بالقليل في الفضل والأدب ومن مشاهيرهم ولده الحسين وحفيده السيد مهدي والسيد سليمان وولده السليمان حيدر الشهير وغيرهم.

وقد ألف نجل المترجم السيد داود كتاباً في سيرة والده قال فيه :

ولد السيد سليمان في النجف الأشرف عام 1141 ونشأ فيها وأخذ العلم عن علمائها حتى اشتهر بعلمي الأديان والأبدان ثم انتقل إلى الحلة سنة 1175.

قال الشيخ اليعقوبي في البابليات : وقد عثرت على قصائد في مدح آل

ص: 42

البيت للسيد المترجم لم يثبت منها ولده في ترجمة أبيه بيتاً واحداً وهي مثبتة في كتاب ( الرائق ) بخط معاصره العالم الأديب السيد أحمد العطار المتوفى سنة 1215 ه- تحت عنوان : - مما قاله السيد سليمان ابن السيد داود أيده اللّه تعالى - الأولى في رثاء الحسين مطلعها :

سرت تطوي الوهاد إلى الروابي *** ولا تهوى الهشيم ولا الجوابي

وهي 80 بيتاً.

والثانية في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام وهي 72 بيتاً ، ومطلعها :

حارت بكنه صفاتك الأفهام *** وتعذر الإدرا والإلهام

والثالثة في مدحه علیه السلام وهي 56 بيتاً وإليك المختار منها :

ظهور المعالي في ظهور النجائب *** ونيل الأماني بعد طي السباسب

فدع دار ضيم دب فيك اهتضامها *** كما دب في الملسوع سم العقارب

ولا تأس بعد الخسف يوم فراقها *** ( على مثلها من أربع وملاعب ) (1)

متى تملك السلوان بين ظبائها *** إذا نظرت عيناك بيض الترائب

وليس أسود الغاب عند افتراسها *** لشلوك يوماً مثل سود الذوائب

إذا ظعنت تلك الظعائن خلتها *** بدورا تجلى فوق تلك الركائب

وتهزأ بالغصن الرتيب إذا انثنت *** وإن سفرت أزرت بنور الكواكب

أحادي السرى رفقاً بمهجة واله *** تناهبها في السير أيدي النجائب

فما لي إلا عظم شوقي مطية *** ولازاد لي غير الدموع السواكب

وعج بي على أطلال دار عهدتها *** معاهد جود يوم بخل السحائب

ديار بها كم شيد للمجد ركنه *** بسمر القنا والماضيات القواضب

ربوع يحير الوافدين ربيعها *** سحائب جود عند بذل الرغائب

مهابط وحي أقفرت وتنكرت *** معالمها من فادحات المصائب

* * *

ص: 43


1- مطلع قصيدة لأبي تمام.

لقد أوجبت آي الكتاب ودادهم *** وود سواهم لوزكا غير واجب

بهم من علي آية اللّه آية *** فحازوا به في الفحر أعلى المراتب

هو الآية الكبرى إمام ذوي النهى *** هو العروة الوثقى رقى أي غارب

فلو لم يكن خير الورى وإمامها *** لما جاز أن يرقى خيار المناكب

ولو لم يكن مولى الورى مثل حيدر *** ( فما هو إلا حجة للنواصب ) (1)

فإن قلت نفس المصطفى كنت صادقا *** ولو قلت عين اللّه لست بكاذب

ولم ير في يوم الوغى غير ضاحك *** ولم يقف يوم الروع آثار هارب

فيا خيرة اللّه العلي ومن له *** مناسم مجد فوق أعلى الكواكب

ويا من كتاب اللّه جاء مؤكداً *** مودته في حفظ ود الأقارب

وفي ( هل أتى ) ( النجم ) جاء مديحه *** وفي ( العاديات ) الغر بين الكتائب

ويا خير يدعى لدفع ملمة *** ويا خير من يدعى لدفع النوائب

أياجد من أرجو ومثلك موئلي *** ولست لأهوال الزمان بهائب

تدارك أبا السبطين نجلك انه *** يناجيك فيها يا سليل الأطائب

فخذها أبا الأطهار نفثة مغرم *** قليل اصطبار عند وقع المصائب

فواعجباً هل كيف ترضى بأنني *** أضام وأنتم عدتي لمآربي

شكوت وما حالي عليك بغامض *** ولا أنافي الجلى سواك بنادب

وحاشاك أن تبقي عليك لمادح *** حقوقاً وقد سدت علي مذاهبي

وله قصيدة في مدحه علیه السلام التزم فيها أن تكون جميع حروفها مهملة.

هو المسك أو رسم الإمام له عطر *** هو السر سر اللّه ولعالم الصدر

إمام همام ساد حلماً على الورى *** وصهر رسول اللّه مولى له الأمر

ص: 44


1- عجر بيت للمتنبي.

وقد طارح جماعة من شعراء عصره كالنحويين والشيخ أحمد بن حمد اللّه والشيخ درويش التميمي - والد الشاعر الشهير الشيخ صالح التميمي وابن الخلفة والفحام والسيد شريف بن فلاح الكاظمي صاحب القصيدة الكرارية.

فمن قصيدة لمحمد بن الخلفة يمدحه فيها :

يا سائلا عن سيد فاق الورى *** بفواضل الحسنات والاحسان

هذا سليمان بن داود الذي *** كم فيه للمجد الأثيل معاني

يرجى ويحذر في القراع وفي القرى *** في يوم مسغبة ويوم طعان

آثاره :

قال ولده داود : - أتقن العلوم وبرع في الطب والأدب وصنف بكل علم وفن كتاباً. قلت : ولم يذكر اسم كتاب منها بيد أني عثرت على رسالة له صغيرة الحجيم كبيرة الفائدة سماها « خلاصة الإعراب » رتبها على مقدمة وفصول أربعة وخاتمة من أحسن ما كتب في العربية على أوجز طرز وأسهل أسلوب مدرسي ، رأيتها بخطه الجميل ويظهر أنه كتبها لجماعة من تلاميذه وكنى نفسه في أولها بأبي عبداللّه سليمان بن داود الحسيني ونسبها شيخنا في الجزء 7 من الذريعة إلى حفيده سليمان الصغير الذي شارك جده المترجم في الاسم دون الكنية ولعل بقية آثاره تلفت في حوادث الحلة الأخيرة :

وفاته :

توفاه اللّه إليه ليلة الأحد ال- 24 من جمادى الثانية سنة 1211 بالسكتة القلبية وحمل جثمانه إلى النجف في موكب مهيب مشى فيه مئات الرجال من أشراف الحلة وصلى عليه إمام الطائفة يومئذ السيد محمد مهدي بحر العلوم ودفن عند إيوان العلماء مقابل مسجد عمران وكان لنعيه صدى في الأوساط العلمية

ص: 45

والأدبية ورثاه عامة الأدبا البلدين النجف والحلة فمنهم العلامة الشهير الشيخ محمد علي الأعسم بقصيدتين مطلع الأولى :

خطوب دهتني أضرمت نار أشجاني *** وأغرت بإرسال المدامع أجفاني

ويقول في آخرها مؤرخاً عام وفاته :

وإذ عطلت منه المدارس أرخوا *** تعطل درس العلم بعد سليمان

ومطلع الثانية :

لقد تضعضع ركن المجد وانهدما *** واليوم ثلم من الاسلام قد ثلما

ومنهم الشيخ يونس بن الشيخ خضر - وهو ممن قرأ عليه - فقد رثاه بقصيدة مطلعها :

ألا ما لشمل المجد أضحى مبددا *** فأورثنا حزناً طويلاً مدى المدى

ومنهم العالم الفاضل الشيخ حسن نصار بقصيدة مطلعها :

لم تبك عيني مدى الأيام مفقودا *** إلا التقي سليمان بن داودا

ومنهم محمد بن اسماعيل بن الخلفة بقصيدة مطلعها :

بمن سرى الركب يفري مهمة البيد *** وخداً ومخترق صم الجلاميد

ومنهم العالم الجليل الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني بقصيدة مطلعها :

الدهر لا يبرح خوانا *** ياطالما فرق إخوانا

ومنهم الملا حسين جاوش ومطلع قصيدته :

ألا خلياني يا خليلي من نجد *** وتذكار سعدي في حمى بانة السعد

ص: 46

وابلغ من رثاه العالم الأديب الشيخ محمد رضا النحوي بقصيدة بليغة قال فيها :

ألما على دار النبوة وانشدا *** بها من قضى لما قضى الدين والهدى

ألما معي نخلع رداء الحيا أسىً *** على فقد من بالمكرمات قد ارتدى

( سليمان ) هذا العصر ( آصف ) عرشه *** و ( لقمانه ) إن جار دهر أو اعتدى

صحبت له والعيش شهب سنونه *** خلائق تحكي الروض باكرة الندى

فكان إذا صال الردى لي جنة *** يرد الردى عني وعضباً مجرداً

وكان سميري في الدجى كلما زقا *** صدى ونميري كلما كضني صدى

فلو كان يفدى بالنفس فديته *** ولكن صرف الدهر لا يقبل الفدا

تباين دمعي في رثاه ومقولي *** وإن كان كل عن جوى قد تصعدا

فهذا جرى مثل الجمان منظما *** وذاك وهي مثل العتيق مبددا

فكنا لعمري ( مالكاً ) (1) و ( متمما ) *** وأصبحت ( شماخا ) (2) وكان ( مزردا ) (3)

ص: 47


1- مالك بن نويرة التميمي فارس شاعر صحابي. وفي أمثالهم : فتی ولا كمالك - قتله خالد بن الوليد سنة 12 ه و متمم أخوة شاعر فحل و أشهر شعره رثاؤه لأخيه مالك.
2- لقب معقل بن ضرار المازني الذبياني : شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والاسلام وهو من طبقة لبيد والنابغة ، وكان أرجز الناس على البديهة ، شهد القادسيه : وتوفي في ( موقان ) سنة 22 ه.
3- والمزرد : لقب أبيه ضرار.

السيد مهدي بحر العلوم

المتوفى 1212

سعد الفائزون بالنصر يوماً *** عز فيه النصير لابن البتول

أحسنوا صحبة الحسين وفازوا *** أحسن الفوز بالحباء الجزيل

صبروا للنزال ضحوة يوم *** ثم باتوا بمنزل مأهول

وأصيبوا بقرب ورد ظماء *** فأصابوا الورود في سلسبيل

أبدلوا عن حرور يوم تقضى *** جنة الخلد تحت ظل ظليل

سبقوا في المجال سبقاً بعيداً *** وبقينا نجول في التأميل

ضيعوا عترة النبي وأمسوا *** وهم بين قاتل وخذول (1)

وقال :

الدين من بعدهم أقوت مرابعه *** والشرع من بعدهم غارت شرايعه

ص: 48


1- عن الديوان المخطوط بخط السيد محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الامام الحكيم العامة النجف رقم 388.

قد اشتفى الكفر بالإسلام مذ رحلوا *** والبغي بالحق لما راح صادعه

ودائع المصطفى أوصى بحفظهم *** فضيعوها فلم تحفظ ودائعه

صنائع اللّه بدأ والأنام لهم *** صنايع شد ما لاقت صنايعه

أزال أول أهل الغي أولهم *** عن موضع فيه رب العرش واضعه

وزاد ما ضعضع الاسلام وانصدعت *** منه دعائم دين اللّه تابعه

كمين جيش بدا يوم الطفوف ومن *** يوم السقيفة قد لاحت طلايعه

يا رمية قد أصابت وهي مخطية *** من بعد خمسين قد شطت مرابعه

وفجعة ما لها في الدهر ثانية *** هانت لديها وإن جلت فجائعه

كل الرزايا وإن جلت وقائعها *** تنسى سوى الطف لا تنسى وقائعه

وقال :

هذا مصاب الذي جبريل خادمه *** ناغاه في المهد إذ نيطت تمائمه

هذا مصاب الشهيد المستضام ومن *** فوق السموات قد قامت مآتمه

سبط النبي أبي الأطهار والده *** الكرار مولى أقام الدين صارمه

صنو الزكي جنى قلب البتول له *** أقسومة ليس فيها من يقاسمه

مطهر ليس يغشى الريب ساحته *** وكيف يغشى من الرحمن عاصمه

لله طهر تولى اللّه عصمته *** أراده رجس عظيمات جرائمه

لله مجد سما الأفلاك رفعته *** ماد العلا عندما مادت دعائمه

ضيف ألم بأرض وردها شرع *** قضى بها وهو ظامي القلب حائمه

لهفي على ماجد أربت أنامله *** على السحاب غدا سقياه خاتمه

ص: 49

وقال :

لله مرتضع لم يرتضع أبداً *** من ثدي أنثى ومن طاها مراضعه

يعطيه إبهامه آنا وآونة *** لسانه فاستوت منه طبايعه

سر به خصه باريه إذ جمعت *** وأودعت فيه عن أمر ودايعه

غرس سقاه رسول اللّه من يده *** وطاب من بعد طيب الأصل فارعه

ذوت بواسقه إذ أظمأوه فلم *** يقطف من الثمر المطلول يانعه

عدت عليه يد الجانين فانقطعت *** عن مجتنى نبعه الزاكي منافعه

قضى على ظمأ والماء قد منعت *** بمشرعات القنا عنه مشارعه

هموا بإطفاء نور اللّه واجتهدوا *** في وضع قدر من الرحمن رافعه

لم أنسه إذ ينادي بالطغاة وقد *** تجمعوا حوله والكل سامعه

ترجون جدي شفيعاً وهو خصمكم *** ويل لمن خصمه في الحشر شافعه

ص: 50

السيد مهدي أو محمد مهدي ابن السيد مرتضى ابن السيد محمد الحسيني البروجردي المعروف ببحر العلوم الطباطبائي من نسل ابراهيم طباطبا من ذرية الحسن المثنى ابن الامام الحسن الزكي ابن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام .

ولد بكربلا ليلة الجمعة في شوال سنة 1155 وتوفي بالنجف سنة 1212 ودفن قريباً من قبر الشيخ الطوسي وقبره مزور مشهور.

رئيس الإمامية وشيخ مشايخهم في عصره والملقب ببحر العلوم عن جداره واستحقاق لم تسمح بمثله الأيام ، له الكرامات والمكاشفات وشهرته بالزهد والتقوى والإخلاص والعبادة لا تحتاج إلى بيان وأساريره وأنواره غنية عن البرهان ، ترجم له جملة من الباحثين وذكروا كثيراً من أخلاقه وصفاته وعددوا مصنفاته ومؤلفاته منها :

1 - كتاب المصابيح في العبادات والمعاملات ينقل عنه الفقهاء.

2 - الدرة النجفية ، منظومة في بابي الطهارة والصلاة من الفقه يتجاوز عدد أبياتها الألفين ، وقد أطبق العلماء والأدباء على أنها لا يوجد لها نظير ، الشروع في نظمها سنة 1205 كما أرخها هو بقوله :

غراء قد وسمتها بالدرة *** تاريخها عام الشروع ( غرة )

3 - تحفة الكرام في تاريخ مكة والبيت الحرام.

ص: 51

4 - الفوائد الرجالية المسمى ب- رجال السيد بحر العلوم طبع بمطابع النجف سنة 1385 ه- ويقع في أربعة أجزاء ويحتوي على كثير من الفوائد والتحقيقات الرجالية وعلى تراجم عدد كبير من رجال الحديث والرواية.

إلى غير ذلك من الرسائل والنوادر. أما آثاره ومآثره فمنها تعيين وتثبيت مشاعر الحج ومواقيت الإحرام على الوجهة الشرعية الصحيحة ، وكانت قبل ذلك مقفلة مهملة فبقي قدس سره ما يقرب من ثلاث سنوات في مكة في هذا السبيل ولا يزال عمل الشيعة - اليوم - على نموذج تعيينه للمشاعر والمواقيت. أضف إلى ذلك آثاره في مسجد الكوفة ومسجد السهلة كما هي اليوم.

ولآية اللّه بحر العلوم مقبرة خاصة بجوار قبر الشيخ الطوسي بالنجف الأشرف. عليها قبة كبيرة كقباب الأئمة وهي من الكاشي الأزرق ، رثاه ردم كبير من الشعراء المشهورين والفطاحل المرموقين كما مدحوهن في حياته ، ونذكر من الذين رثوه الشيخ ابراهيم يحيى العاملي ، والسيد أحمد العطار ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء والسيد جواد العاملي.

وقصيدة السيد بحر العلوم اللامية يرد على قصيدة مروان بن أبي حفص في ( تحفة العالم ) للسيد جعفر بحر العلوم ج 1 ص 247.

قال الشيخ الطهراني في الذريعة - قسم الديوان - ديوان السيد محمد مهدي نسخة خطية توجد عند أحفاده ، وله الدرة المذكورة في ج 8 ص 109 وله القصيدة في حساب عقود الأنامل.

من شعره قوله في رثاء مسلم بن عقيل :

عين جودي لمسلم بن عقيل *** لرسول الحسين سبط الرسول

ص: 52

لشهيد بين الأعادي وحيد *** وقتيل لنصر خير قتيل

جاد بالنفس للحسين فجودي *** لجواد بنفسه مقتول

فقليل من مسلم طل دمع *** لدم بعد مسلم مطلول

أخبر الطهر انه لقتيل *** في وداد الحسين خير سليل

وعليه العيون تنهال دمعاً *** هو للمؤمنين قصد السبيل

وبكاه النبي شجواً بفيض *** من جوى صدره عليه هطول

قائلاً : إنني إلى اللّه أشكو *** ما ترى عترتي عقيب رحيلي

فابك من قد بكاه أحمد شجوا *** قبل ميلاده بعهد طويل

وبكاه الحسين والآل لما *** جاءهم نعيه بدمع همول

كان يوماً على الحسين عظيماً *** وعلى الآل أي يوم مهول

منذراً باذي يحل بيوم *** بعده في الطفوف قبل الحلول

ويح ناعيه قد أتى حيث يرجى *** أن يجيء البشير بالمأمول

أبدل الدهر بالبشير نعياً *** هكذا الدهر آفة من خليل

فاحثوا الركاب للثأر لكن *** ثأروه بكل ثأر قتيل

فيهم ولده وولد أبيه *** كم لهم في الطفوف من مقتول

خصه المصطفى بحبين حب *** من أبيه له وحب أصيل

قال فيه الحسين أي مقال *** كشف الستر عن مقام جليل

ابن عمي أخي ومن أهل بيتي *** ثقتي قد أتاكم ورسولي

فأتاهم وقد أتى أهل غدر *** بايعوه وأسرعوا في النكول

تركوه لدى الهياج وحيداً *** لعدو مطالب بذحول

ص: 53

لست أنساه إذ تسارع قوم *** نحوه من طغاة كل قبيل

وأحاطوا به فكان نذيراً *** باقتحام الرجال وقع الخيول

صال كالليث ضارباً كل جمع *** بشبا حد سيفه المسلول

وإذا اشتد جمعهم شد فيهم *** بحسام بقرعهم مفلول

فرأى القوم منه كر علي *** عمه في النزال عند النزول

ص: 54

الشيخ ابراهيم يحيى الطيبي

المتوفي 1214

أيها العاشق ما هذا القلى *** أنت في الشام وهم في كربلا

تدعي الحب وتختار النوى *** ما كذا تفعل أصحاب الولا

قعد الجسم برغمي عنهم *** والحشا يجتاب أجواز الفلا

حبذا الحي التهامي الذي *** نزل اليوم على حكم البلا

ملأ الأحشاء حزناً إذ هوى *** بدره المقتول ظلماً في الملا

أي غيث من بني فاطمة *** فقدت منه الصوادي منهلا

أي ليث من بني فاطمة *** صادفت منه العوالي مقتلاً

أي مولى من بني فاطمة *** قتل الإسلام لما قتلا

أي بدر ملأ الدنيا سناً *** وجلا كل ظلام وانجلى

أي عذر لعيون فقدت *** منه نور النور أن لا تهملا

كيف لا تجري دموعي للذي *** رزؤه أبكى النبي المرسلا

أين أنت اليوم يا حامي الحمى *** ومزيل الخطب لما نزلا

رب ذي عيش مرير طعمه *** عذب الموت لديه وحلا

إن حزني كلما بردته *** بشآبيب الدموع اشتعلا

أبعد اللّه نوى القلب الذي *** كلما طال به العهد سلا

ص: 55

أترى أي أناس غيركم *** ودهم أجر كتاب فصلاً

أترى أي أناس غيركم *** برز الهادي بهم مبتهلا

أبقوم غيركم قد أنزلت *** آية التطهير فيما أنزلا

أبقوم غيركم يا هل ترى *** كمل الدين الذي قد كملا

ليت شعري أعلى المرتضى *** أم سواه منكب الهادي علا

أترى من نصر اللّه به *** حين فر الجمع طه المرسلا

أترى من كان صنو المصطفى *** حيدر أم غيره فيما خلا

من عنى القائل جهراً لا فتى *** غير مولانا علي ذي العلا

يا قتيل الغاضريات الذي *** قتل الدين له إذ قتلا

وجد المحتاج بحراً طامياً *** يقذف الدر فعاف الوشلا

وقال :

بنفسي أقمار تهاوت بكربلا *** وليس لها إلا القلوب لحود

بنفسي سليل المصطفى وابن صنوه *** يذود عن الاطفال وهو فريد

أذاب فؤادي رزؤهم ومصابهم *** وعهدي به في النائبات جليد

فقل لابن سعد أتعس اللّه جده *** أحظك من بعد الحسين يزيد

نسجت سرابيل الضلال بقتله *** ومزقت ثوب الدين وهو جديد

* * *

وقال :

لله أي مصاب هد أركاني *** وحادث عن جميل الصبر ينهاني

عز العزاء فلا صبر ولا جلد *** فكيف تطمع من مثلي بسلوان

وما بكيت لأن الحي من يمن *** سار الغداة بخلاني وخلاني

ولا تلهفت لما بان مرتحلا *** من حاجر بغصون الرند والبان

ص: 56

ولا نزعت إلى سلمى بذي سلم *** ولا عشوت إلى نمى بنعمان

لكن تذكرت يوم الطف فانهملت *** دموع عيني وشبت نار أحزاني

هو الحسين الذي لولاه ما وضحت *** معالم الدين للقاصي وللداني

نفسي الفداء لمولى سار مرتحلا *** من الحجاز إلى أكناف كوفان

طارت له من بني كوفان مسرعة *** صحائف الغدر من مثنى ووحدان

فسار يطوي الفلا حتى أناخ بهم *** بفتية كنجوم الليل غران

وقام فيهم خطيباً منذراً لهم *** وهو الملي بإيضاح وتبيان

حفت به خير أنصار له بذلت *** منها الفداء بأرواح وأبدان

حتى قضوا بالمواضي دونه عطشا *** وكل حي وان طال المدى فإني

طوبى لهم فلقد نالوا بصبرهم *** خيراً وراحوا إلى روح وريحان

وما نسيبت فلا أنساه منفرداً *** بين العدى دون أنصار وأعوان

يسطو على جمعهم بالسيف منصلتا *** كالليث شد على سرب من الضان

ضرب يذكرنا ضرب الوصي وعن *** منابت الأصل ينبي نبت أغصان

مصيبة أبلت الدنيا وساكنها *** وهي الجديدة ما كر الجديدان

وكيف ينسى امرؤ رزءاً به فجعت *** كريمة المصطفى من آل عدنان

انفقت فيك لجين الدمع فانبجست *** عيني عليك بياقوت ومرجان

أمسي وأصبح والأحزان تنضحني *** من عبرتي بدموع ذات ألوان

حتى أرى منكم البدر المطل على *** أهل البسيطة من قاص ومن داني

منى من المنعم المنان أرقبها *** والمن مرتقب من عند منان

وكم له من يد عندي نصرت بها *** على الزمان وقد نادى بحرماني

أحببتكم حب سلمان ولي أمل *** أن تجعلوني لديكم مثل سلمان

صلى الإله على أرواحكم وحدا *** إليكم كل احسان ورضوان

ص: 57

الشيخ ابراهيم بن الشيخ يحي بن الشيخ محمد بن العاملي الطيبي.

قال السيد الأمين في الأعيان : ولد سنة 1154 بقرية الطيبة من جبل عامل - لبنان - وتوفي سنة (1214) بدمشق عن 60 عاماً ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي المشهد المنسوب إلى السيدة سكينة وكان له قبر مبني وعليه لوح فيه تاريخ وفاته رأيته وقرأته فهدم في زماننا.

كان عالما فاضلاً أديباً شاعراً مطبوعاً ، نظم فأكثر حتى اشتهر بالشعر (1).

وكانت له اليد الطولى في التخميس فقد ولع به فخمس جملة من القصائد المشهورة كالبردة ، ورائية أبي فراس الحمداني في الفخر وميميته في مدح أهل البيت ولا ميته المرفوعة التي قالهافي الأسر ، وعينية ابن زريق البغدادي ، وكافية السيد الرضى المكسورة وزاد عليها مخمساً وجعلها في مدح النبي ، ورائية ابن منيرالمعروفة بالتترية ، بل قيل انه اكثر المشهور من غرر الشريف الرضي ، وإنه خمس ديوان الأمير أبي فراس برمته.

سافر إلى العراق فأقام به مدة ، قرأ في أثنائها على السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر النجفي صاحب كشف الغطاء ، ثم سافر لزيارة الرضا علیه السلام ثم عاد إلى دمشق وتوطنها إلى أن مات.

له أرجوزة في التوحيد وجدتها بخطه وجمعت شعره في ديوان كبير يقارب سبعة آلاف وخمسمائة بيت بعد تفتيش وتنقيب كثير ورتبته على حروف المعجم انتهى. أقول : ونشر كثيراً منه في الأعيان من مدائحه في الرسول الأعظم والامام

ص: 58


1- وورث ذلك منه أولاده واحفاده ، فكلهم شعراء وأدباء كولديه للشيخ نصر اللّه والشيخ صادق وحفيديه الشيخ ابراهيم بن نصر اللّه والشيخ ابراهيم بن صادق وولده وغيرهم.

أمير المؤمنين والأئمة من أهل البيت علیهم السلام . وترجم له صاحب ( الحصون ) ج 9 ص 181 والشيخ السماوي في ( الطليعة ) والأستاذ علي الخاقاني في ( شعراء الغرى ) ج 1 ص 1.

وقال أيضاً :

أرابها نفثة من صدر مصدور *** وهجرة للجفا من غير مهجور

أوفت علي وقالت وهي مجهشة *** ما بال صفوك ممزوجاً بتكدير

لا تضجرن لآمال أوابدها *** ندت فما زلن في قيد المقادير

فقلت هيهات مثلي غير منتجع *** برق المنى وهو مزرور على الزور

خطب أحم لو التاث النهار به *** لم ينفجر فجره إلا بديجور

حوادث ينزوي قلب الحزين بها *** إلى وطيس بنار الوجد مسجور

قتلاً واسراً وتشريداً كأنهم *** عشيرة المصطفى في يوم عاشور

غداة جب سنام المجد من مضر *** وهاشم بالعوالي والمباتير

هو الحسين الذي لولاه ما نظرت *** عين إلى علم للمجد منشور

غضنفر سن للحامين حوزتهم *** بذل النفوس وإلغاء المحاذير

سيم الهوان فطاب الموت في فمه *** وتلك شنشنة الأسد المغاوير

وحوله من بني الزهراء كل فتى *** يغشى الوغى بجنان غير مذعور

بيض الوجوه إذا ما أسفروا خلعوا *** على الظلام جلابيباً من النور

وبينهم خير أصحاب لهم حسب *** زاك وممدود فضل غير مقصور

وقد أظلهم جيش يسير به *** باغ يرى العدل ذنباً غير مغفور

يمضون أمر ابن هند في ابن فاطمة *** تبت يدا آمر منهم ومأمور

فصادفوا منه في غاب القنا أسدا *** يسري ومن حوله الأشبال كالسور

من كل معتصم بالحق ملتزم *** بالصدق متسم بخير مذكور

ما أنس لا أنس مسراهم غداة غدوا *** إلى الكريهة في جد وتشمير

ص: 59

ثاروا وقد ثوب الداعي كما حملت *** أسد العرين على سرب اليعافير

فلا تعاين منهم غير مندفع *** كالسيل يخبط مثبوراً بمثبور

كل يرى العز كل العز مصرعه *** بالسيف كي لا يعاني ذل مأسور

وحين جاء الردى يبغي القرى سقطوا *** على الثرى بين مذبوح ومنحور

طوبى لهم فلقد نالوا بصبرهم *** أجراً وأي صبور غير مأجور

كريهة شكر الباري مساعيهم *** فيها ويا رب سعي غير مشكور

مبرئين من الآثام طهرهم *** دم الشهادة منها أي تطهير

ولو شهدت غداة الطف مشهدهم *** بذلت نفسي وهذا جل مقدوري

ولست أدري أسوء الحظ أقعدني *** عن ذلك اليوم أم عجزي وتقصيري

وينثني عن حياض الموت نحو خباً *** على بنات رسول اللّه مزرور

ولم يزل باذلا في اللّه مهجته *** يجر نحو المنايا ذيل محبور

حتى تجلى عليه الحق من كثب *** فخر كالنجم يحكي صاحب الطور

قضى فللدين شمل غير مجتمع *** وللمكارم ربع غير معمور

فأبعد اللّه عيناً غير باكية *** لرزئه وفؤاداً غير مفطور

يا للرجال لجرح غير مندمل *** عمر الزمان وكسر غير مجبور

فهل تطيب حياة وابن فاطمة *** فوق التراب طريحاً غير مقبور

وفي الشآم يزيد في بلهنية *** مرفه بين مزمار وطنبور

وما نسيت فلا أنساه منجدلا *** ترضه القوم بالجرد المحاضير

والفاطميات فوضى يرتمين على *** أشلائه بعد تضميخ وتعفير

يلهجن بالمرتضى يا خير من رقصت *** به النجائب تحت السرج والكور

عطفاً على حرم التقوى فقد فجعت *** بصارم من سيوف اللّه مشهور

جدعت أنف قريش بالحسام ومذ *** مضيب دبت الينا بالفواقير

يا للكريم الذي أمست كرائمه *** مسبية بعد احصان وتخدير

فخيم الضيم فينا حين فارقنا *** وأدرك الوتر منا كل موتور

يا ليت عين رسول اللّه ناظرة *** ايتامه بين مقهور ومنهور

ص: 60

لا كان يومك يا ابن المرتضى فلقد *** قضى علينا برق بعد تحرير

إذا تذكرته خر الحشى صعقا *** كأنما كان يوم النفخ في الصور

وهاكم يا بني الزهراء مرثية *** كالروض يبكي بإحداق الأزاهير

وكيف أشقى وأهل الكهف كلبهم *** تاج ولست لديكم دون قطمير

عليكم صلوات اللّه ما لعبت *** أيدي السرى بقداح الخيل والعير

وقال يمدح الامام الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة ، وقد التزم الشاعر فيها الجناس بين كل بيتين في القافية.

يا نزولا بين جمع والمصلى *** قتل مثلي في هواكم كيف حلا

عقد الصب بكم آماله *** ليت شعري من لذاك العقد حلا

قال لي العاذل أضناك الهوى *** فانتجع غير هوهم قلت كلا

فانثنى عني وما زال المنى *** من فتى أمسى على الأحباب كلا

أيها البارق سلهم عن دمي *** إن توسطت حماهم كيف طلا

واسق جيران اللوى والمنحنى *** وابلا تحيا به الأرض وطلا

لا ترم مني سلواً بعدهم *** نأيهم والهجر سل الصبر سلا

ما على طيفهم لو زارني *** وأماط الحزن عن قلبي وسلى

لي قلب سبق الناس إلى *** حبهم واعتاقه السقم فصلى

عجباً كيف استباحوا مهجتي *** وهي مغنى خير من صام وصلى

حسن الأخلاق سبط المصطفى *** مفزع الناس إذا ما الخطب جلا

طالما أذهب عن ذي فاقة *** بنداه ظلمة الفقر وجلى

ماجد تسري المعالي إن سرى *** وتنادي بحلول حيث حلا

رفع اللّه به قدر العلى *** وبه جيد الهدى والدين حلى

أي راع لا يراعي أحداً *** غير من يرعى لدين اللّه الا

حجة اللّه الامام المجتبى *** ذو الأيادي خير خلق اللّه إلا

ص: 61

خير حبل مده اللّه لمن *** صده الشيطان عنه وأزلا

نشر العدل فكم من ظبية *** تمتطي في مهمه ذئبا أزلا

ذو بنان كشآبيب الحيا *** أنهل الحران منهن وعلا

خفض البخل ومن دان به *** وبناء الجود والإحسان على

رفعته قدرة اللّه الى *** ما تمنى فدنا ثم تدلى

دوحة العلم الإلهي التي *** فرعها في جنة الخلد تدلى

سيدي يا حجة اللّه الذي *** لأمور الإنس والجن تولى

فاز واللّه وما خاب فتى *** بكم يا خيرة اللّه تولى

حبكم شغل فؤادي في الملا *** ونجي القلب مني ان تخلى

مفزعي أنتم إذا ما مفزعي *** صد عني يوم حشري وتخلى

ألحق اللّه بكم أشياعكم *** وأعاديكم جحيم النار صلى

وسقى صوب الحيا أجداثكم *** وعليكم سلم اللّه وصلى

وزار مشهد السيدة زينب الكبرى بدمشق الشام - قرية راوية - فكتب على حائط المشهد.

مقام لعمر اللّه ضم كريمة *** زكا الفرع منها في البرية والاصل

لها المصطفى جد وحيدرة أب *** وفاطمة أم وفاروقهم بعل

وقال يمدحها ويتخلص لمدح السيدين : السيد حسين والسيد علي من آل المرتضى.

يا دوحة بسقت في المنبت الزاكي *** حيا الحيا ربعك السامي وحياك

حاكيت شمس الضحى والبدر مكتملا *** أباً وأماً وكان الفضل للحاكي

أبوك حيدرة والأم فاطمة *** والجد أحمد والسبطان صنواك

فخر لعمر العلى ما ناله أحد *** إلاك يا بضعة الزهراء إلاك

ص: 62

لك المقام الذي ما زال مشتملا *** على ملائكة غر واملاك

يقبلون ضريحاً ضم ناسكة *** ترعرعت بين زهاد ونساك

يبكون من خيفة والثغر مبتسم *** من المسرة يا للضاحك الباكي

ويصدرون وفي أيديهم سبب *** من المحامد موصول بذكراك

أولاك مولاك مجداً لا يرام فما *** أحراك بالغاية القصوى وأولاك

لجيد مجدك أطواق الثنا خلقت *** جل الذي بجلى الفضل حلاك

طوبى لمن شم يوماً من حماك شذا *** لأن من جنة الفردوس رياك

اني لاغبط مخدومين قد خدما *** مثواك يا قدس الرحمن مثواك

هما لعمر العلى بدران تمهما *** وحسن حالهما من بعض حسناك

من كالحسين وقد أمسيت عمته *** فلو دعوت أمس الناس لباك

ومن يداني عليا وهو منتسب *** للمرتضى وهو مولاه ومولاك

تقاسما خطط العلياء وارتضعا *** ثدي العلى حافلا في ظل مغناك

غيثان لا يعدم المضطر غوثهما *** لأن جودهما من فيض جدواك

وحسب هذين فخراً أن ذكرهما *** يا درة التاج مقرون بذكراك

اليك يا مفزع الراجي مددت يدي *** وأنت أدرى بما يرجوه مولاك

وكيف لا يطلب الدنيا وضرتها *** مولاكم وهما أدنى عطاياك

ص: 63

السيد احمد العطار

المتوفى 1215

أي طرف منا يبيت قريراً *** لم تفجر أنهاره تفجيراً

أي قلب يستر من بعد من كان *** لقلب الهادي النبي سرورا

آه واحسرتا عليه وقد أخرج *** عن دار جده مقهوراً

كاتبوه فجاءهم يقطع البيداء *** يطوي سهولها والوعورا

أخلفوه ما عاهدوا اللّه من قبل *** وجاءوا إذ ذاك ظلماً وزورا

أخلفوا الوعد أبدلوا الود خانوا *** العهد جاروا عتوا عتوا كبيرا

فأتاهم محذرا ونذيرا *** فأبى الظالمون إلا كفورا

وأصروا واستكبروا ونسوا *** يوماً عبوساً على الورى قمطريرا

لست أنسى إذ قام في صحبه *** ينثر من فيه لؤلؤاً منثورا

قائلا ليس للعدى بغية *** غيري ولا بد أن أردى عفيرا

اذهبوا فالدجى ستير وما الوقت *** هجيراً ولا السبيل خطيرا

فأجابوه حاش لله بل نفديك *** والموت فيك ليس كثيرا

ص: 64

لا سلمنا إذن إذا نحن أسلم- *** -ناك وتراً بين العدى موتورا

أنخليك في العدو وحيداً *** ونولى الأدبار عنك نفورا

لا أرانا الإله ذلك واختا *** روا بدار البقاء ملكاً كبيراً

بذلوا الجهد في جهاد الأعادي *** وغدا بعضهم لبعض ظهيرا

ورموا حزب آل حرب بحرب *** مأزق كان شره مستطيرا

كم أراقوا منهم دماً وكأي *** من كحي قد دمروا تدميرا

فدعاهم داعي المنون فسروا *** فكأن المنون جاءت بشيرا

فأجابوه مسرعين إلى القتل *** وقد كان حظهم موفورا

فلئن عانقوا السيوف ففي مق- *** -عد صدق يعانقون الحورا

ولئن غودروا على الترب صرعى *** فسيجزون جنة وحريرا

وغداً يسربون كأساً دهاقاً *** ويلقون نظرة وسروراً

كان هذا لهم جزاء من *** اللّه وقد كان سعيهم مشكورا

فغدا السبط بعدهم في عراص *** الطف يبغي من العدو نصيرا

كان غوثاً للعالمين فأمسى *** مستغيثاً يا للورى مستجيرا

فأتاه سهم مشوم به *** انقض جديلا على الصعيد عفيرا

فأصاب الفؤاد منه لقد *** أخطأ من قد رماه خطأ كبيرا

فأتاه شمر وشمر عن سا *** عد أحقاد صدره تشميرا

وارتقى صدره اجتراء على *** اللّه وكان الخب اللئيم جسورا

وحسين يقول إن كنت من يجهل *** قدري فاسأل بذاك خبيرا

فبرى رأسه الشريف وعلاه *** على الرمح وهو يشرق نورا

ذبح العلم والتقى إذ براه *** وغدا الحق بعده مقهورا

عجباً كيف تلفح الشمس شمساً *** ليس ينفك ضوءها مستنيرا

ص: 65

عجباً للسماء كيف استقرت *** ولبدر السماء يبدو منيرا

كيف من بعده يضي أليس *** البدر من نور وجهه مستعيرا

غادروه على الثرى وهو ظل اللّه *** في أرضه يقاسي الحرورا

ثم رضوا بالعاديات صدوراً *** لأناس في الناس كان صدورا

قرعوا ويلهم ثغور رجال *** بهم ذو الجلال يحمي الثغورا

هجروا في الهجير أشلاء قوم *** أصبح الذكر بعدهم مهجورا

أظلم الكون بعدهم حيث قد *** كانوا مصابيح للورى وبدورا

استباحوا ذاك الجناب الذي قد *** كان حصناً للمستجير وسورا

أضرموا في الخيام ناراً تلظى *** فسيصلون في الجحيم سعيرا

بعد أن أبرزوا النساء سبايا *** نادبات ولا يجدن مجيرا

مبديات الأسى على من بسيف الظ- *** -لم قد بات نحره منحورا

من يصلى عن المصلين من *** يدفن تحت التراب تلك البدورا

من يقيم العزاء حزناً على من *** رزؤهم احزن البشير النذيرا

من لأسد قد جزروا كالأضاحي *** يشتكون الظما وكانوا بحورا

من لزين العباد إذ صفدوه *** بقيود وأوثقوه أسيرا

عجباً تجتري العبيد على من *** كان للناس سيداً وأميرا

من لطود هوى وكان عظيما *** من لغصن ذوى وكان نضيرا

من لبدر أضحى له اللحد برجاً *** من لشمس قد كورت تكويرا

من لجسم في الترب بات تريبا *** من لرأس فوق السنان أديرا

وجباه ما عفرت لسوى الل- *** -ه على الترب عفرت تعفيرا

وخدود شريفة لم تصعر *** قط للناس وسدوها الصخورا

ووجوه مصونة هتكوها *** وأباحوا حجابها المستورا

ص: 66

وبيوت برفعها أذن اللّه *** غدت بعد ساكنيها دثورا

يا له فادحاً تضعضع ركن الد *** ين من عظمه ورزءاً خطيرا

ومصاباً ساء النبي ومولا *** نا علياً وشبرا وشبيرا

وخطوبا يطوى الجديد ولا *** يفتاً في الناس حزنها منشورا

أو يقوم المهدي حامي حمى الإسلام *** ساقي الأعداء كأساً مريرا

رب بلغه ما يؤمله وافتح *** له من لدنك فتحاً يسيرا

ليت شعري متى نرى داعي اللّه *** إلى الحق والسراج المنيرا

أو ما آن أن يرى ظاهراً في *** يده سيف جده مشهورا

أو ما آن أن يرى ولواء *** النصر من فوق رأسه منشورا

أو ما آن أن يحور فيستأصل *** من كان ظن أن لا يحورا

أو ما آن أن نروح ونغدو *** في ابتهاج والعيش يغدو قريرا

أو ما آن أن ينادي مناديه *** عن اللّه في الأنام بشيرا

ذاك يوم للمؤمنين سرور *** وعلى الكافرين كان عسيرا

يا بني الوحي والألى فيهم قد *** أنزل اللّه هل أتى والطورا

دونكم من سليلكم أحمد *** دراً نظيماً ولؤلؤاً منثورا

يبتغي منكم به جنة لم *** ير فيها شمساً ولا زمهريرا

خسر المادحون غيركم *** والمدح فيكم تجارة لن تبورا

وعليكم من ربكم صلوات *** عطر الكون نشرها تعطيرا

ص: 67

وله أيضاً :

ما هاج حزني بعد الدار والوطن *** ولا الوقوف على الآثار والدمن

ولا تذكر جيران بذي سلم *** ولا سرى طيف من أهوى فأرقني

ولم أرق في الهوى دمعاً على طلل *** بال ولا مربع خال ولا سكن

نعم بكائي لمن أبكى السماء فلا *** تزال تنهل منها أدمع المزن

كأنني بحسين يستغيث فلا *** يغاث إلا بوقع البيض واللدن

وذمة لرعاة الحق ما رعيت *** وحرمة لرسول اللّه لم تصن

أعظم بها محنة جلت رزيتها *** يرى لديها حقيراً أعظم المحن

يا باب حطة يا سفن النجاة ويا *** كنز العفاة ويا كهفي ومرتكني

يا عصمة الجار يا من ليس لي أمل *** إلا ولاء إذا أدرجت في كفني

هل نظرة منك عين اللّه تلحظني *** بها وهل عطفة لي منك تدركني

إن لم تكن آخذاً من ورطتي بيدي *** ومنجدي في غدي يا سيدي فمن

وكيف تبرأ مني في المعادوقد *** محضت ودك في سري وفي علني

أم كيف يعرض يوم العرض عني من *** بغير دبن هواه القلب لم يدن

وهل يضام معاذ اللّه أحمدكم *** ما هكذا الظن فيكم يا ذوي المنن

إليكم سادتي حسناء فائقة *** في حسن بهجتها من سيد حسني

عليكم صلوات اللّه ما ضحكت *** حديقة لبكاء العارض الهتن

ص: 68

السيد أحمد بن محمد بن علي بن سيف الدين الحسني البغدادي الشهير بالسيد أحمد العطار

وأسرته تعرف ب- ( الحيدرية ) توفي سنة 1215 في النجف الأشرف ودفن في الإيوان الكبير قرب مقبرة العلامة الحلي أعلى اللّه مقامه.

فيكون عمره قد تجاوز السبعين وأرخ وفاته الحاج محمد رضا الأزري.

كان فاضلاً فقيهاً أصولياً رجالياً محدثاً زاهداً ناسكا صاحب كرامات أديباً شاعراً علماً من أعلام عصره هاجر من وطن أبيه بغداد إلى النجف الأشرف وعمره عشر سنوات فقرأ العلوم العربية وغيرها حتى برع فيها ثم قرأ في الأصول والفقه على مشاهير ذلك العصر وكانت له خزائن كتب نفيسة تلمذ على السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، له مؤلفات في الفقه والأدب والعبادة وديوان شعر يزيد على خمسة آلاف بيت ومن مؤلفاته :

1 - كتاب سماه التحقيق في الفقه وجد منه كتاب الطهارة بخطه في أربع مجلدات.

2 - كتاب في أصول الفقه في مجلدين.

3 - رياض الجنان في أعمال شهر رمضان ( مطبوع ).

4 - منظومة في الرجال ( مطبوعة ).

5 - الرائق في الشعر والأدب استفدنا منه كثيراً وروينا عنه في هذه

ص: 69

الموسوعة (1).

رثاه جملة من شعراء عصره منهم السيد ابراهيم ومنهم الشيخ محمد رضا الأزري. وفاته في السابع من شهر شعبان سنة 1216 ه. قال الشيخ الطهراني في ( طبقات أعلام الشيعة ) رأيت بخط حفيدة العلامة السيد راضي بن الحسين بن أحمد ، على كتاب ( رياض الجنان ) للمترجم المطبوع ، أنه ولد في النجف ربيع الأول 1128 ورأيت أرجوزته الرجالية الموجودة في النجف عند السيد محمد البغدادي ، وكانت له اليد الطولى في الأدب بل كان من شيوخ الأدب في عصره وله ديوان شعر كبير جمعه بنفسه حوى مختلف الأنواع وضم جملة من مدائح أقطاب العلم ومراثيهم انتهى. أقول ورأيت ديوان السيد أحمد العطار في مكتبة كاشف الغطاء العامة - قسم المخطوطات.

ص: 70


1- وقد سجل في الراثق مجموعة كبيرة من شعره ، وإليك مطلع بعض القصائد : 1 - مرثية لأهل البيت أولها : لا تأمن الدهر إن الغدر شيمته *** وخفض قدر أولي العلياء همته 2 - في مدح الامامين العسكريين أولها : هي سامراء قد فاح شذاها *** وتراءى نور أعلام هداها 3 - في ص 346 من الجزء الثاني تعجيز قصيدة وتثليثها في قبة الامام أميرالمؤمنين علي عليه السلام : والتي أولها أنظر إليها تلوح كالقبس

جاء في كتاب ( دار السلام فيما يتعلق بالرؤيا ) والمنام للميرزا النوري قال :

رأيت في بعض الدواوين أن رجلا من الصلحاء رأى في منامه سيدتنا فاطمة الزهراء علیهاالسلام ، فأمرته أن يأمر أحد الشعراء من مواليها السعداء بنظم قصيدة في رثاء سيد الشهداء علیه السلام يكون أولها « من غير جرم الحسين يقتل » فامتثل اللبيب اللوذعي السيد نصر اللّه الحسني على منوال ما أمرت ، ولما وقف السيد أحمد بن السيد محمد (1) على قصيدة السيد المذكور صدرها وعجزها رجاء أن ينتظم في سلك من امتثل أمر سيدة النساء علیهاالسلام فما كان من الأبيات عليها علامة فهو للسيد نصر اللّه وما لم يكن كذلك فهو للسيد أحمد بن السيد محمد وهي هذه :

« من غير جرم الحسين يقتل » *** وجده الهادي النبي المرسل

ويقطع الشمر جهاراً رأسه *** « وبالدماء جسمه يغسل »

« وينسج الأكفان من عفر الثرى » *** لجسمه العاري السليب القسطل

أفدي سليباً نسجت ملابساً *** « له جنوب وصباً وشمال »

« وقطنه شيبته ونعشه » *** اللدن وغسله الدموع الهمل

ورأسه يشهره بين الملا *** « رمح له الرجس سنان يحمل »

« ويوطئون صدره بخيلهم » *** تصعد طوراً فوقه وتنزل

أعظم به صدراً يداس قسوة *** « والعلم فيه والكتاب المنزل »

« ويشتكي حر الظما والسيف من » *** فيض نجيع نحره يبلل

يدعو ألا هل شربة والترب من *** « أوداجه يروى دماً وينهل »

ص: 71


1- أقول هو السيد أحمد بن السيد محمد العطار وهو صاحب ( الرائق ) المخطوط.

« والمرتضى الساقي على الحوض غدا » *** والده وهو الإمام الأفضل

وكيف يقضي عطشاً من مثل ذا؟ *** « أبوه والجد النبي المرسل »

« وأمه الطهر الفرات مهرها » *** وهو لدى الجود سحاب هطل »

فيا له بحراً قضى من ظمأ؟ *** « وكفه كم فاض منها جدول »

« والمسلمون لا يبالون بما » *** كان كأن لم يسمعوا أو يعقلوا

هذا ودمع المصطفى جرى لما *** « وجرى وقد خرت لذاك الأجبل »

« وهد ركن العرش مما ناله » *** حزناً وعين الشمس أضحت تهمل

وهدمت لذاك أركان الهدى *** « والأرضون أصبحت تزلزل »

« وقد بكى جفن السموات دماً » *** فلم يزل دمع السحاب يهطل

وأنجم السماء قد تكدرت *** « وأمست الأفلاك فيها تعول »

« والمرتضى وفاطم والحسن » *** الزكي قد ناحوا أسى وأعولوا

والمرسلون والنبيون على السبط *** « بكوا مما دهى وولولوا »

« أفديه فرداً ما له من ناصر » *** غير ضجيج نسوة تولول

يدعو ولا غوث له بين الورى *** « سوى أسى وعبرة تسلسل »

« قد حرموا الماء عليه قسوة » *** هذا وكم قد حللوا ما حللوا؟!

يرنو إليه السبط حيران الحشا *** « وهو لذؤبان الفلا يحلل »

« وصرعوا أصحابه من حوله » *** وذبحوا رجاله وقتلوا

وجدلوا فوق الثرى أسرته *** « فيا لشهب في التراب تأفل »

« ويالآساد عليها قد سطت » *** كلاب حرب ودهتها الغيل

سقتهم كأس الردى على الظما *** « بنو كلاب لاسقاها منهل »

« واركبوا نسوانه عارية » *** شعثاً وقد أودى بهن الثكل

ص: 72

يحملن بعد العز في مذلة *** « على مطايا ليس فيها ذلل »

« ونسوه الطاغي يزيد في حمى » *** عز وقد تم لهن الجذل

يسحبن أذيال الهنا وهن في *** « أمن عليهن السجوف تسبل »

« وأرضعوا ثدي المنايا طفلة » *** لادر درهم بما قد فعلوا

وصيروا نسج السوافي قمطه *** « ومهده صخورها والجندل »

« وأطلقوا دمعاً على ابن له » *** إذ أسروه مدنفا وكبلوا

فلم يزل يرسف في قيد الضنا *** « وكيف لا وهم له قد غللوا؟! »

« فيا لهيف القلب لا تطف ولو » *** أمست بك الاحشاء وجداً تشعل

ولا تملي الدمع يا عيني ولو *** « أهمى من الدمع سحاب هطل »

« ويا لساني جد بأنواع الرثا » *** إن الرثاء في الحسين يجمل

« وواس بنت المصطفى في نوحها » *** « على إمام قد بكتة الرسل »

« وساعد الزهراء إن نوحها » *** على قتيل الطف لا يحتمل

وكيف يقوى قلبها على اسى!؟ *** « عليه منه يذبل يقلقل »

« كيف بها إذا أتت وشعرها » *** من دم مولانا خضيب خضل

« وفي يديها ثوبه مضمخ » *** دماً طريا والدموع همل

فعندما يؤتى به مخضبا *** « بالدم والأعداء طراً ذهل »

« وهو بلا رأس فتبدي صرخة » *** وتصرخ الأملاك حين يمثل

ثم تضج ضجة عالية *** « منها جميع العالمين تذهل »

« فيأمر الجبار نارا اسمها » *** « هبهب قد أظلم منها المدخل »

فحبسهم سجناً بما قد فعلوا *** هبهب قد أظلم منها المدخل

« فتلقط الأرجاس عن آخرهم » *** بما جنوه بعد أن يقتلوا

وتستغيث النار من عذابهم *** « فيصهلون وسطها وتصهل »

ص: 73

« يا آل طه أنتم ذخيرتي » *** ومن عليهم أبداً أعول

لا أبتغي كلا بكم من بدل *** « وليس لي سوى ولاكم موئل »

« فاتحفوني في غد بشربة » *** من سلسل قد طاب منه المنهل

فحزنكم أذكى فؤادي فعسى *** « تطفى بها نار بقلبي تشعل »

« صلى عليكم ربنا ما ارقلت » *** قصداً إلى البيت الحرام مرقل

وما حدى الحادون أو ما وجدت *** « شوقاً إلى قصد حماكم مرقل »

ص: 74

السيد محمد زيني

اشارة

المتوفى سنة 1216

سرين بنا يتركن بحر الفلا رهوا *** لها الوخد مرعى لاغثاء ولا أحوى (1)

وجدت بقطع الدو حتى حسبتها *** ستقطع في إرقالها الأفق والجوا

حداها من الأشواق حاد فأصبحت *** تهاوى بأيديها إلى ربع من تهوى

وما شاقها وادي العقيق ولا اللوى *** ولا رامة رامت ولا يممت حزوى

ولكنها وافت بنا أرض كربلا *** أجل أنها وافت بنا الغاية القصوى

إلى حضرة القدس التي لثم تربها *** لنا شرف نسعى إليه ولو حبوا

نزلنا بها والركب شتى شؤونهم *** فمن سائل عفواً ومن آمل جدوى

دخلنا حماها آمنين وحسبنا *** دخول ديار عندها جنة المأوى

حمى ابن نجيب اللّه من ولد آدم *** حسين الذي لولاه ما ولدت حوّا

امام حباه اللّه حكمة حكمه *** وان له الإثبات في الأمر والمحوا

وجيه فإن نسأل به اللّه منة *** ينزل علينا أفضل المن والسلوى

أحاديث علم اللّه من بيته تروى *** وإن ضماء العلم من بحره تروى

أتيتك يا ابن المصطفى بادي الشكوى *** لما نابني من فادح الضر والبلوى

ص: 75


1- عن ديوانه المخطوط في مكتبتنا ( المكتبة الشبرية ).

فقد صال هذا الدهر صولة ثائر *** وشن علينا صرفه غارة شعوا

أتيتك ضيفاً ابتغي عندك القرى *** ومجتدياً لم أرج من غيرك الجدوى

علمت يقيناً إذ طويت لك الفلا *** بأن كتابي يوم انشر لي يطوى

أناجيك ملهوفاً وأعلم انني *** أناجي بسري عالم السر والنجوى

عمدت إليكم ساهياً عن جنايتي *** ويا لك عمداً قد محا العمد والسهوا

كتمت ولائي فيك خيفة مبغض *** وقد يظهر السر الخفي من الفحوى

إذا ما لوى عني الزمان عنانه *** فإن عناني عن ودادك لا يلوى

فاياك استجدي فمن رفدك الجدوى *** وإياك استعدي فمن عندك العدوى

وله أيضاً :

هل المحرم فاستهلت أدمعي *** وتسعرت نار الأسى في أضلعي

كيف السبيل إلى العزا وهلاله *** مفتاح باب توجع وتفجع

يا شهر عاشورا خلقت كآبة *** منها فؤادي لا يفيق ولا يعي

يا شهر عاشورا أصبت حشاشة *** دفت الزلال لها بسم منقع

ص: 76

السيد محمد زيني البغدادي :

السيد محمد زيني البغدادي (1) :

المتولد سنة 1148 والمتوفى سنة 1216.

محمد بن أحمد زين الدين ينتهي نسبه الشريف إلى الإمام الحسن السبط. شاعر شهير وعالم جليل. ولد في النجف الأشرف بتاريخ 8 جمادى الأول سنة 1148 ونشأ بها على والده والذي هاجر من بغداد إلى النجف من أجل الانتهال من نمير علمها الصافي وهكذا برع ولده على يد السيد المغفور له السيد مهدي بحر العلوم وقد أجاد الفارسية ونظم بها كثيراً. عثرت على ديوانه واستملكته أقول ورثاه ولده السيد جواد المعروف : ( بسياه بوش ).

قال السيد الأمين في الأعيان ج 43 ص 467. كان من مشاهير علماء النجف الأشرف وأدبائها وشعرائها في القرن الثاني عشر من معاصري بحر العلوم الطباطبائي وأحد أصحاب وقعة الخميس وكان متزوجاً بنت السيد حسين ابن أبي الحسن العاملي. له ديوان شعر رأيته في بغداد في مكتبة الشيخ محمد رضا الشبيبي وكان له اليد الطولى في نقل الشعر من الفارسيه إلى العربية بدون أن يتغير منه شيء غالباً وهو جد السادة المعروفين في النجف اليوم بآل زيني. حكى الشيخ ميرزا حسين النوري في كتابه دار السلام عن الشيخ جواد نجف عن والده الشيخ حسين نجف قال : كان السيد محمد زيني أحد العلماء المبرزين والفقهاء المكرمين إلى آخر ما ذكره ، ثم قال وكان قد توسل السيد محمد زيني في حال رمده بأبيات أنشأها وهي قوله :

ص: 77


1- أقول وأسرة آل زيني من الأسر العلوية المعروفة بحسن السمعة ولا تزال تسكن النجف وكربلاء.

ربي بجاه المصطفى وآله *** خير الورى من غائب وشاهد

أعد بعيني الضياء عاجلا *** يا خير عواذ بخير عائد

أربعة وعشرة جعلتهم *** وسائلا إليك في الشدائد

يكفي جميع الناس جاه واحد *** فعافني بجاه كل واحد

ومن شعره :

أبا حسن يا عصمة الجار دعوة *** على أثرها حث الرجاء ركابه

شكوتك صرف الدهر قدما وانك ال- *** -مذل من أرجاء الخطوب صعابه

فما باله قد فوق الدهر سهمه *** وصب على قلب الحزين عذابه

أبا حسن والمرء يا ربما دعا *** كريماً فلباه وزاد ثوابه

فإن كنت ترعاه لسوء فعاله *** فبرك يرعى فيك منك انتسابه

وله مخمسا بيتي الصاحب بن عباد في بعض الشعراء وجعلها لهم علیهم السلام :

ولما زهت للناظرين قبوركم *** وأشرق منها للسماوات نوركم

ومن زاركم أولاه فضلا مزوركم *** أتيناكم من بعد دار نزوركم

وكم منزل بكر لنا وعوان

ولا يهتدى إلا بنهج سبيلكم *** ولا يجتدى إلا نوال منيلكم

فكيف وقد نلنا المنى من جميلكم *** نسائلكم هل من قرى لنزيلكم

بملء جفون لا بملء جفان

ص: 78

وقال مشطراً :

جعلت ولائي آل أحمد قربة *** إلى اللّه حتى صرت لا اختشي ذنبا

ولي من عداهم ما حييت براءة *** على رغم أهل البعد يورثني القربى

وما سال المختار أجراً على الهدى *** سوى حبهم طوبى لمن محض الحبا

ولا رام في يوم الغدير من الورى *** بتبليغه إلا المودة في القربى (1)

وله في مدح الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام :

علام وما كنت الخؤون بصاحب *** تحاول بت الوصل مني حبائبي

وفيم وقلبي خير مأوى لقاطن *** تجشم تلك العيس طي السباسب

تسير قلوب شرد البين رشدها *** وقلبي لها حاد بإثر الركائب

قفوا عللوا الربع المحيل لبينهم *** فإن به ما بي لبين الربائب

سقتنا النوى سما فأضحت طلوله *** وجسمي مما نابه خط كاتب

ابشر قلبي كل يوم بوصلهم *** وما وصلهم إلا رجوع الشبائب

هم واصلوا بين الغضا وحشاشتي *** كما فرقوا بين الليان وجانبي

مراد الفتى صعب المنال وإنما *** أعلل نفسي بالأماني الكواذب

إلى مَ أقاسي كربة بعد كربة *** وحتى َم أخشى نائباً بعد نائب

وأبعث آمالي واعلم أنها *** ستصدر نحوي خائباً أثر خائب

إذا كان طرف الدهر يرقب حازما *** فأبعد شيء منه نيل المطالب

ونفس تظن الموت المام ساحة *** وأخفض ما ترنوه ظهر الكواكب

دعتني إلى نيل المعالي ودونها *** سمام الأفاعي بعد لسع العقارب (2)

ص: 79


1- عن الديوان المخطوط.
2- وأخيراً قد كتب أسرة آل زيني وهو السيد رضا زيني ، ترجمة للسيد محمد زيني في مجلة صوت الاسلام عدد 8 - 12 السنة الأولی.

سأبعثها وهي البروق إذا سرت *** أتتني بوبل من بلوغ الرغائب

تؤم بنا أصل الكرام ومن سما *** به كل فرع من لوي بن غالب

علياً أميرالمؤمنين وسيد الو *** صيين خير الخلق نسل الأطائب

وحتى رسول اللّه والنص واضح *** وإن عميت عنه قلوب الكواذب

فتى لم ينل ما ناله من فضائل *** عجائب كانت في عيون العجائب

كريم إذا انهلت سحائب جوده *** أراك قليل الصوب صوب السحائب

إذا عد جود فهو أكرم واهب *** وان عد بأس فهو حتف المحارب

معرف فرسان الوغى ان حتفها *** بملقاه من دون القنا والقواضب

إذا اسود ليل النقع منه ومكنت *** قنا الخط من طعن الذرى والغوارب

يجر خميساً من ثواقب رأيه *** عزائمه فيها جياد السلاهب

فسل خيبراً من كان أورد مرحبا *** حياض المنايا من بديع المضارب

فلا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى *** سواه إذا صالت قروم الكتائب

ولولا غلو في هواه وصفته *** بوصف غنى في الوجود وواجب

عجبت لمن ظن المناصب فخره *** وموطى خفيه سنام المناصب

يصدك ضوء الشمس عن درك ذاتها *** وهيبته تغنيه عن كل جانب

هو العروة الوثقى لمستمسك به *** هو الغاية القصوى لرغبة راغب

تنال جميل الصفح منه مغاضباً *** كنيلك منه النجح غير مغاضب

يزيد عطاء حين يرتاح للندى *** فتحسب ان البذل دعوة طالب

نوافيه للجدوى خفافاً عيابنا *** ونصدر من مغناه بجر الحقائب

ولو لم يكن للمصطفى غير حيدر *** غرايب أغنى عن ظهور الغرائب

نعم ملة الإسلام منجى وإنما *** ولايته العظمى محك التجارب

وماذا عسى أن يبلغ الوصف في فتى *** بدا ممكنا للناس في زي واجب

فيا آية اللّه التي ردت الهدى *** نهاراً وليل الكفر مرخى الذوائب

نصرت رسول اللّه في كل موطن *** دعاك به القهار رب العجائب

ص: 80

أقمت قناة الدين عن كل غامز *** وصنت ردا الإسلام من كل جاذب

إذا المرء يستهدي الكواكب رأيه *** فرأيك يستهديه اهدى الكواكب

فما تم دين أنت عنه بمعزل *** ولا نيل رشد لست فيه بصاحب

ولو لم يكن للكون شخصك علة *** لما صار شرق الشمس بعض المغارب

كفاك كتاب اللّه عن كل مدحة *** وإن جل ما وطدته من مناقب

أقول لأصحابي هو النعمة التي *** بها شرح اللّه التباس المذاهب

أبا حسن زمت إليك ركائبي *** وجوز حماك اليوم حطت رغائبي

أتيتك صفر الكف من كل مطلب *** ونبئت في ملقاك نجح المطالب

كسوت رجائي منك حلة آمل *** وحاشاك أن تكسوه حلة خائب

إليك ملاذ الخائفين شكايتي *** زماناً وما في اليوم شطر النوائب

وشرد عني ما ادخرت لصرفه *** ولج بأن أغدو وللذل جانبي

مضى زمن يرجو إلا باعد صحبتي *** وأصبحت يجفوني حميمي وصاحبي

إذا كنت لي ظهراً وكفاً وساعداً *** فلا غرو إن أضحى الزمان محاربي

يقولون في الأسفار قد تدرك المنى *** وأنى وقد أعيت علي مذاهبي

فأدرك أميرالمؤمنين عزيمه *** غريماً بأرض الهند أضحى مطالبي

فإن تكفنيه عاجلاً وهي منيتي *** وإلا فقد شالت إليها مراكبي

وإن كنت ترعاني بما كسبت يدي *** فبرك يرعى في منك مناسبي

عليك سلام اللّه يا خير من سرت *** إليه ركاب الوفد من كل جانب

وقال مستنجداً بالإمام أميرالمؤمنين علیه السلام في أيام الطاعون :

أبا حسن يا حامي الجار دعوة *** يرجى لهاذا اليوم منك قبول (1)

ص: 81


1- عن الديوان المخطوط.

أبا حسن يا كاشف الكرب دعوة *** لنا أمل أن لا ترد طويل

وصي رسول اللّه دعوة خامس *** بغيرك منه لا يبل غليل

أيرضيك هذا اليوم يا حامي الحمى *** خطوب علينا للمنون تصول

أيرضيك هذا اليوم ما قد أصابنا *** ونحن عيال في حماك نزول

فياليت شعري هل تخيب سائلا *** محبا أتي يرجوك وهو ذليل

فأين غياثي أين حرزي وموئلي *** وعزي الذي أسمو به وأطول

وأين سناني أين درعي وجنتي *** وعضبي الذي أسطو به وأصول

اليك ملاذ الخائفين شكاية *** تقلقل أملاك السما وتهول

ومثلك من يدعى إذ اناب حادث *** وضلت لنا دون النجاة عقول

وحاشاك من رد المؤمل خائباً *** وأنت رحيم بالمحب وصول

بجاهك عند اللّه فهو معظم *** وعند رسول اللّه فهو جليل

اغثنا أجرنا نجّنا واستجب لنا *** فما نابنا لولاك ليس يزول

وأنى لصرف الدهر إن رام ضيمنا *** وأنت لنا حصن بذاك كفيل

أفي الحق أن نغدو بأعظم حيرة *** وأنت لنا دون الانام دليل

أفي الحق أن نبغي سبيل نجاتنا *** وأنت إلى اللّه الجليل سبيل

أفي الحق أن نمسي شماتة مبغض *** يعيرنا بين الورى ويقول

إذا كان في الدنيا جفاكم إمامكم *** فكيف لكم يوم الحساب يقيل

ولسنا لكشف الكرب أول من دعوا *** علاك فأعطوا سؤلهم وأنيلوا

ألم تنج نوحاً إذ طغى الماءو التقى *** وقد رابه خطب هناك مهول

ألم تنج إبراهيم من حر ناره *** ولولاك لم ينج الخليل خليل

ألم تنج أيوباً وقد مس ضره *** وما كان ذاك الضر عنه يزول

ولولاك لم ينبذ من الحوت يونس *** وكان له للبعث فيه مقيل

وما قومه المنجون إذ جاء بأسهم *** ولم ينج منه قبل ذلك جيل

بأكرم عند اللّه من خير أمة *** لها أحمد خير الأنام رسول

ص: 82

ألم تكشف الشدات عن وجه أحمد *** بحيث العدى كانت عليه تصول

وهب أننا جئنا بكل عظيمة *** تكاد لها شم الجبال تزول

أليس بعفو اللّه جل رجاؤنا *** وأن يغفر الذنب الجليل جليل

ألسنابكم مستمسكين وحبكم *** لنا في نجاة النشأتين كفيل

فأدرك محبيك الذين تشتتوا *** وخيل الردى تجري بهم وتجول

مجال يذوب الصخر منها إذا علا *** لهم كل يوم رنة وعويل

وضاقت بلاد اللّه فيهم فأقبلوا *** إليك وكل في حماك دخيل

وقالوا به كل النجاة وانه *** حمى قط فيه لا يضام نزيل

ولما علمنا إذ لحامي الحمى حمى *** منيع يرد الخطب وهو جليل

نزلنا به والعرب تحمي نزيلها *** إذا ما عرا للنائبات نزول

إذا فر مهزوم فأنت مأله *** فأين إذا ما فر عنك يؤول

وهب انني حاولت عنك هزيمة *** فماذا عسى عند السؤال أقول

أسائلهم أين الفرار فكلهم *** يشير إلى مغناك وهو يقول

بقبرك لذنا والقبور كثيرة *** ولكن من يحمي النزيل قليل

عليك سلام اللّه ما فات خائف *** بذاك الحمى أو نيل عندك سول

ص: 83

حسين افندي العشاري

قال في مدح ريحانة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الحسين وأخيه العباس حين زارهما في سنة 1181.

طويل غرامي في هواك قصير *** نعم وكثير الشوق فيك حقير

سموتم فكل الكائنات لفضلكم *** مدى الدهر في كل الجهات تشير

وأنتم شموس العالمين بأسرهم *** وفي ظلمة الليل البهيم بدور

أنارت بكم كل الجهات لأنكم *** لكل الورى يا آل أحمد نور

ولما ورت نار الغرام وحركت *** قلوباً من الشوق القديم تفور

سرينا على الغبراء حتى كأننا *** على قبة السبع العوال نسير

تسير بنا شهب المطايا كأنها *** طيور إلى وكر هناك تطير

سوابح يزجيها الغرام على الوحا *** قشاعم حنت للسرى وصقور

تحركها الأشواق طبعاً وكم غدا *** لإخفافها عند المسير صرير

علونا عليها والجوانح لم تزل *** يشب بها عند الرحيل سعير

عيون وأجفان تسيل ومهجة *** تذوب وشوق في القلوب كثير

قصدنا كم نرجو النوال لأنكم *** غيوث لمن يبغي الندى وبحور

أتيناكم غبر الوجوه وتربكم *** غسول وماء للقلوب طهور

وزرناكم يا خيرة اللّه في الورى *** وقد طاب منا زائر ومزور

ص: 84

وجئنا علي القدر والدمع سافح *** له فوق أطراف الخدود غدير

لثمنا ثرى ذاك المقام لأنه *** زلال إذا اشتد الظما ونمير

ولما انطفت تلك الجمار لوصله *** وتمت لنا غب الوصال أجور

أتينا الشهيد السبط درة حيدر *** وليس لها بين العباد نظير

وريحانة المختار مذ فاح عرفها *** تعبق منها مندل وعبير

وكم ضمها للصدر منه إشارة *** إلى أنهم للعالمين صدور

وقبل ثغراً منه والوجه مشرق *** له فرحة من أجلها وسرور

أصيب به حياً وأخبر أهله *** بما ناله لا شك وهو خبير

أما كان حين النقع نار وأقبلت *** خيول العدا في كربلاء تثور

خيول عمت لما تعامت سراتها *** عليها سفيه ناكث وعقور

فجالت على آل النبي فيالها *** مصائب سود في الكرام تدور

أما كان فيهم من تذكر أحمداً *** ومدمعه للظاعنين غزير

أما كان فيهم من تذكر بنته *** وبضعتها في كربلاء عفير

أما كان فيهم من تذكر حيدراً *** فتى الحرب مقدام الجيوش أمير

أما كان فيهم من يرق لصبية *** لهم جنة في كربلا وزفير

أتمنع أطفال النبي على الظما *** من الماء والماء الفرات كثير

صغار من الرمضاء أمسوا ذوابلا *** وليس لهم يوم الهجير مجير

فديت بأولادي الصغار صغارهم *** فحظهم بين العباد كبير

سقاك إله العرش يافاتكابهم *** شراباً به منك الدماغ يفور

طغيت وأحزنت الرسول بقبره *** وأطفأت نوراً في الوجود ينور

شقيت ودار الأشقياء جهنم *** لها زفرة من حرها وسعير

حسين حسين من يدانيك في العلا *** وفضلك يا سبط النبي شهير

فدتك أبا الأشراف روحي ومهجتي *** وما ذاك إلا في علاك حقير

ولست عن العباس سال فإنه *** كريم بأنواع الثناء جدير

ص: 85

رفيع تدلى من ذوابة حيدر *** أبي وذو قدر هناك خطير

له منصب فوق المناصب كلها *** ومحفل فضل في العلا وسرير

كرام العبا قلبي إلى حبكم صبا *** له حرقة يوم النوى وزفير

لجدكم فضل علي ومنة *** وجود وإنعام علي غزير

هداني وآواني ولم أعرف الهدى *** فصرت على نهج الرشاد أسير

أأنسى نداكم يا سلالة هاشم *** وأنكره إني إذاً لكفور

على جدكم أزكى صلاة يحفها *** سلام وتشريف لديه كثير (1)

ص: 86


1- 1 - عن ديوانه المخطوط بخط المرحوم البحاثة الشيخ علي كاشف الغطاء صاحب ( الحصون المنيعة ) في مكتبة كاشف الغطاء العامة في النجف الأشرف - قسم المخطوطات تسلسل 923

حسين بن علي بن حسن بن فارس العشاري البغدادي الشافعي أبو عبداللّه نجم الدين الشيخ الإمام العالم الأديب الأريب الفطن النظام ، صاحب الكمالات الشايعة والنوادر الذائعة.

ولد سنة خمسين ومائة وألف وهو من بلدة تسمى بالعشارة تقع على الخابور الذي ينصب إلى الفرات ، وقرأ القرآن واشتغل بالتحصيل والأخذ ، فقرأ ببغداد وأخذ العلم عن مشايخ متعددين منهم أبو الخير عبدالرحمن السويدي وتفوق بنظم الشعر ودون له ديواناً أكثره في المدائح النبوية ومدح الصحابة وآل البيت والأولياء والعلماء والملوك والأمراء وكان عالماً فاضلاً شاعراً أديباً حسن الخط كتب كتباً متعددة تنوف على العد والحد ، وله تأليفات منها حاشية على شرح الحضرمية لابن حجر وحواشي متفرقات على سائر العلوم تدل على نباهة شأنة وعلو مكانه ، ولما ولي نيابة بغداد والبصرة سليمان بن عبداللّه الوزير سنة أربع وتسعين ومائة وألف ولاه تدريس البصرة وأرسله إليها ولم تطل مدته ، وكان رحمه اللّه له تضلع في سائر العلوم معقولها ومنقولها وخمس قصيدة البردة وبعض القصائد الفارضية ، وكان مشهوراً بحسن الإملاء والإنشاء والنظم البليغ.

أقول وديوانه الذي يجمع أشعاره مخطوط في مكتبة كاشف الغطاء العامة بالنجف الأشرف بخط العلامة البحاثة الشيخ علي كاشف الغطاء صاحب ( الحصون المنيعة في شعراء الشيعة ) تسلسل 923 - قسم المخطوطات (1).

ص: 87


1- عن سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر لمفتي الشام العلامة المرادي.

وقال مصدراً معجزاً للقصيدة التي نظمها الأديب البليغ سليمان بك ابن عبداللّه بن الشاوي زاده في الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام حين زاره.

طوى لتلك المطايا يوم يسراها *** فالنصر قارنها والسعد وافاها

بشرى لها من مطايا قد سرت وجرت *** الشوق سائقها والسعد وافاها

تطوي السباسب والاطام تقطعها *** كأنها فوق هام المجد ممشاها

دعها فإن عظيم الشوق أنحلها *** والوزر أثقلها والوجد أعياها

لا تستقل ولا تلقى السهاد إلى *** أن ترتوي من حياض الطف أحشاها

ولا تميل إلى دار المقام إلى *** أن تلقي الرحل باب النيل سؤلاها

سر الرسالة بيت العلم من فخرت *** يفخرهم هامة العليا وعيناها

أئمة رفعت أقدارهم فعلت *** بهم قريش وسارت فوق علياها

مبرؤن عن الأدناس ساحتهم *** محروسة وإله العرش زكاها

طابت عناصر هم جلت مفاخرهم *** من التقى والندى حازت معلاها

إن أمهم وفد طلاب لهم رفدوا *** وأكرموا بالعطاء الجم مثواها

حازوا بفضلهم السامي ومحتدهم *** منازل العز أسماها وأغلاها

بكم نجوت بني الزهراء لأنكم *** أنتم سفينة نوح يوم مجراها

بالجد والجد سدتم كل ذي شرف *** فمن كجدكم خير الورى طاها

فأنتم غرر الدنيا وأنجمها *** وذروة المجد أدناها وأقصاها

ومن يباريكم يآل حيدرة *** وحيدر قد غدا في خم مولاها

ضاق الخناق فلا ذخر ولا سند *** وكم علي ذنوب صرت أخشاها

والقلب إلا بكم لم يلق مستنداً *** والنفس إلا بكم لم تلق منحاها

ص: 88

ابن الخلفة

اشارة

قال يرثي الامام الحسين (عليه السلام)

لمن الركائب بالعشية ثوروا *** عنفاً تزج وبالأسنة تزجر

إني أرى بسما الحدوج أهله *** تخفى وطوراً تستهل فتزهر

وكواكباً أبراجها قتب المطى *** حسرى وفي بوغاء نقع تستر

أحداثهم رفقا فان حشاشتي *** تحدي على إثر الظعون فتعثر

فاستوقفوها واحبسوا مقناصها *** لوث الازار وان سئلتم خبروا

ما هذه العير التي حفت بها *** من كل ناحية عتاق ضمر

وأرى حصاناً بالسياط تقنعت *** بيد الطغاة وهن ثكلى حسر

هل هن من حرم النجاشي غودرت *** أيدي سبا لما سباها قيصر

قالوا استفق واذر الدموع فان ذي *** حرم النبي بكل قفر تشهر

وكرائم المولى الحسين بنت بها *** أطلالها فغدت تذل وتقهر

غدرت به أرجاس حرب غيلة *** وبنو الفواجر شأنهم أن يغدروا

لو شمته في الغاضرية ظامياً *** لانساب وجداً من جفونك جعفر (1)

ص: 89


1- عن شعراء الحلة للخاقاني ج 5 ص 182.

وارت به من كل فج عصبة *** يحصى الحصى وعديدها لا يحصر

فأذاقهم ضرباً بأبيض فاتك *** في الروع يصحبه كعوب أسمر

رقما قضاء الحتف فوق جباههم *** فالرمح ينقط والمهذب يسطر

في كفه اختلفا فهذا ناظم *** حب القلوب وذا رؤوساً ينثر

وذويه قد جعلت لها أجم القنا *** خبأ وهم فيه ليوث تزار

وصوارم الأنصار يخطب برقها *** الأبصار وهي دماً نجيعاً يهمر

فيها تطول على الكماة ولم تجد *** رهباً من الحرب العوان وتقصر

وتذود عن آل النبي وهكذا *** شأن الموالي للموالي تنصر

حتى دنا الأجل المتاح فغودروا *** صرعى كما جزر الاضاحي جزروا

كل بسافي العاصفات مرمل *** ومخلق بدمائه ومعفر

وهم الأكارم للصلاة تصوروا *** بل في محاريب الصلاة تسوروا

قتلوا لعمرك والذوابل شرع *** والجو مسود الجوانب مكدر

وبقى الامام تؤمه خيل العدى *** والشوس خيفة بأسه تتقهقر

فكأنه وكأنهم يوم اللقا *** حمر النياق من العفرنى تنفر

وكأنهم ليل بهيم حالك *** وجبينه الوضاح صبح مسفر

أو كالسحاب الجون جادوا سيبه *** فوق ابن فاطمة سهاماً يمطر

وكأنما نهرانه في إثرها *** رعد يقعقع تارة ويزمجر

فسطا على فرسانها فتقاعست *** رعباً وكل قال : هذا حيدر

فاغتاله سهم المنية فانثنى *** عن سرجه لما أصيب المنحر

قسما برب السمهرية والظبي *** والسابغات إذا علاها المغفر

والراقصات إلى المحصب من منى *** تطوي الربى وعن السرى لا تفتر

ص: 90

لو لا قضاء اللّه ما ظفرت به *** كف البغاث ضحى بصقر يظفر

ذا ما سألت وذي حرائره بها الأ *** نضاء تنجد في القفار وتغور

فغدوت أهتف هتف ورق ثاكل *** وجداً تردد نوحها وتكرر

أبتي أبي جل المصاب وآن أن *** أذري المدامع فاعذلوا أو فاعذروا

أيبيت مولاي الحسين بكربلا *** صاد ودمعي بالمحاجر يحجر

لو كان من يرضى بدمعي منهلا *** ها من عيوني أعين تتفجر

لكنها سالت نجيعا قانياً *** والماء ينهل حين لا يتغير

عجباً له يرد المنية ظامياً *** وله الشفاعة في غد والكوثر

عجباً لسيف الحق ينبو حده *** بغياً وكسر الدين فيه يجبر

عجباً لآل محمد بيد العدى *** تسبى وعين اللّه فيهم تنظر

عجباً لمن تحمى الثغور بثغره *** خد له للصاعرين يصعر

عجباً لبدر التم لم يخسف لفقد *** شقيقه وذكاء لا تتكور

عجباً لهذي الأرض لم لا زلزلت *** وكذا السماء عليه لا تتفطر

اللّه أكبر كيف يقطع كفه *** وبكل عضو منه عضب مشهر

صدر المعالي كيف غودر صدره *** تغدو عليه العاديات وتصدر

عقرت أما علمت لأي معظم *** وطأت فوا عجباه لم لا تعقر

وكريمه من فوق خرصان القنا *** كالبدر وهو من الثنا لا يفتر

يا يوم عاشوراء كم لك في الحشا *** نار متى أخمدتها تتسعر

لا حرها يطفى وليس مدى المدى *** تنسى فلا جاءت بمثلك أشهر

إني أقول ولست أول قائل *** قولا ثوابت صدقه لا تنكر

ص: 91

تاللّه ما قتل الحسين سوى الألى *** قدما على الهادي عتوا واستكبروا

هم أسسوا فبنت بنو حرب وقد *** هدموا الرشاد وللضلالة عمروا

سفهت حلومهم وظلوا والذي *** ضاعت بصيرة قلبه لا يبصر

فلسوف يجزون الذي قد قدموا *** بحياتهم يوم المعاد وأخروا

يوم به الأفواه تختم لم تفه *** واللسن تطوى والصحائف تنشر

فمتى أرى شمس الشريعة أشرقت *** وضياؤها بشعاب مكة يظهر

وأرى المنابر قد زهت أعوادها *** ومؤذن الدين الحنيف يكبر

واشاهد الرايات يخفق عدلها *** في الخافقين يحف فيها عسكر

والقائم المهدي قائده وفي *** الأحكام ينهى من يشاء ويأمر

ويمكن الصمصام من أعدائه *** والوحي يعلن بالنداء ويجهر

ظهر الامام اليوم ، أرض اللّه من *** أعدائه بشبا الحسام تطهر

ويعود دين محمد بمحمد *** يبدي التبهرج وهو غض مزهر

يا من بهم بطحاء مكة شرفت *** والمروتان وزمزم والمشعر

والركن والبيت المعظم والصفا *** ومنى وطيبة والنقتى ومحسر

يا من إذا ما عد فخر في الورى *** لذوي النهى فالفخر فيهم يفخر

كل الرزايا أن تعاظم خطبها *** لجليل رزئكم تذل وتصغر

رزء أشب بمهجتي نار الأسى *** برداً وسحب مدامعي تتوجر

لا الوجد باخ ولا المدامع أقلعت *** حزناً وجرح حشاشتي لا يسبر

يا سادتي جرعت من أعدائكم *** بولاكم صبراًً إلى كم أصبر

ما لي سوى اللعن المضاعف للأولى *** نقضوا الكتاب وحرفوه وغيروا

ص: 92

فمبدحكم والرجم في أعدائكم *** مهما أفوه فانني لمقصر

ان فاتني في الطف نصر مهند *** فبمذود عنكم أذود وأنصر

فخذوا من الجاني « محمد » مدحة *** تعنو لها ( عبس ) وتخضع ( حمير )

بدوية الألفاظ بكراً يممت *** لكم بأثواب الفصاحة تخطر

( حلية ) راقت ورق نظامها *** وزكت وفيكم طاب منها العنصر

فكأنها أخبار نجد في الورى *** تزداد حسنا كلما تتكرر

صلى الإله عليكم ما أسبغ الل- *** -يل البهيم ولاح صبح مسفر

ص: 93

الشيخ محمد بن الخلفة - المتوفى 1227 ه-

هو الشيخ محمد بن اسماعيل البغدادي الحلي الشهير بابن الخلفة. شاعر أديب وناثر مبدع (1).

ولد ببغداد وهاجر أبوه منها وهو طفل إلى الحلة وكان يحترف فن البناء وقد مهر فيه فتوطن بها وقد شب وليده في الفيحاء يقلد والده في صناعته ويتبعه في عمله غير أن مواهبه الأدبية أبت عليه إلا أن يكون في مصاف الخالدين والشعراء المطبوعين فكان وهو يساند والده اسماعيل ويساعده يتطلع إلى المليح من القول الرقيق من الشعر وبذلك نمت روحه الوثابة إلى كسب الأدب عن طريق الميل الفطري حتى إذا صار يفاجئ السامعين بنوادر له وملح كانت تلتقطها الآذان بشوق وقوة وذاع صيته الذي وصل إلى الأمراء والولاة ، أخذ يواصل نثره ونظمه باللغتين الفصيح والدارج فيبدع ويسحر ، وهو الى كل ذلك لم يحضر على أستاذ ولم يتعلم عند معلم سوى ما كان يتلقفه من النوادي والمجالس من سماع المحاضرات والمساجلات التي تدور في دار السيد سليمان الكبير وأولاده ولإبداعه وتقدمه في الإنتاج اتصل بأعلام كان منهم الشيخ أحمد النحوي وولده محمد الرضا والشيخ شريف بن فلاح فقد شاركهم في كثير من المناسبات وفاز وعرف من بينهم كعضو له قيمته ووزنه ، ورمقه الكثير من أدباء عصره

ص: 94


1- عن شعراء الحلة للخاقاني.

فكانوا يحترمون جانبه وينزلونه المكان السامي وكان لرعاية الوالي داود باشا أبلغ الأثر في إبداعه والإكثار من النظم والتنوع فيه. وعلى أثر ذلك قدم له روضته العامية في الموال التي استوفت حروف المعجم وقد خللها بمدحه وإكباره والذي جاء مطلعها :

الخمسة حواسي مع جيدي وآرائي *** أمسى يجلب لهن فكري وآرائي

أكبل بها شوك ودع الخلك وارائي *** إلك من حيث مثلك ما جدن مرءا

إي والجعل لي كلوب أو دادنه مرءا *** أحجيلك الصدك جم بجماك من مرءا

أمشيت عفه ما كولل زيغ وارائي

وكذلك واصل مدحه لداود باشا عن طريق اللغة الدارجة فقال فيه بعض القصيد من نوع الركباني ، وفي هذا الفن الذي اختص بعرب البادية كان ابن الخلفة مجيداً فيه وقد أثبت منه قسماً السيد الأمين في كتابه ( معادن الجواهر ) ج 3.

وابن الخلفة في شعره يبدو كشاعر ملهم تأثر ببيئته وامتزج بروح أبناء عصره لم يقرأ كتاباً ولم يطلع على قواعد العربية من نحو وصرف بل كان يستمد ذلك من ذوق خاص به. ذكره فريق من المترجمين منهم صاحب الحصون في ج 9 ص 335 فقال : كان اديباً شاعراً ، يعرب الكلام على السليقة ، ولم يحصل على العربية ليعرف المجاز من الحقيقة ، وكان يتحرف بالبناء على أنه ذو إعراب ، ويطارح الشعراء في غير كتاب ، وله شعر في الأئمة الأطهار وفي مدح العلماء

ص: 95

والأشراف ، وكانت له اليد الطولى في فن البند ، توفي في أول الطاعون الكبير عام 1247 ه- في الحلة ونقل إلى النجف فدفن فيها ، ومن شعره الذي يصف فيه ارتكاب ( السكولات ) للفظائع التي أوقعوها في الحلة على عهد حاكمها محمود أغا السفاك سنة 1211 ه.

عليك أبا السبطين لا يمكن العتب *** إلى ومتى ذا الجور يحمله القلب

أفي كل يوم في ربي الهم والعنا *** يروح بنا ركب ويغدو بنا ركب

وأظلمت الفيحاء من بعد بهجة *** وكدر من آفاقها الشرق والغرب

بلينا ضحى في عامل فيراعه *** له عامل لا القعضبية والقضب

وذكره السماوي في الطليعة فقال : كان أديباً وشاعراً يعرب الكلام على السليقة ، ويتجنب مجاز النحو فيصيب الحقيقة ، وكان يتحرف بالبناء على أنه ذو إعراب ، وله شعر كثير في الأئمة الأنجاب.

والحق أن ابن الخلفة كان من بارزي الأدباء في عصره وقد تمشى في العمر طويلاً وعاصر طبقات منهم ولعله في غنى عن الإطراء بعد أن ذكره شيخ شعراء عصره السيد مهدي السيد داود في مقامته التي بعث بها إلى الشاعر السيد راضي القزويني البغدادي والتي ستأتي مثبتة في ترجمته فقد عبر عنها بقوله : فابتدرهم من شعراء الحلة الفيحاء ذو الشرف والعفة ( محمد بن اسماعيل الخلفة ) والأبيات مثبته في النماذج. وقد أثبت هذه المقامة السيد مهدي في كتابه ( مصباح الأدب

ص: 96

الزاهر ) ونقلها عنه ابن أخيه السيد حيدر فدونها في ج 1 ص 107 في ( العقد المفصل ).

نموذج من بنوده :

ذكرت غير مرة نموذجاً من البنود ، كما ذكرت أن هذا الفن له استقلاله وتأريخه ، وقد اعتنقه فريق من الأدباء ونظموا فيه وقد أجاد الكثير منهم ولكن أظهر من ظهر من أعلامه هو شاعرنا ابن الخلفة الحلي فقد نظم مجموعة من البنود ومع الأسف لم يصلنا منها سوى هذا البند غير أن بعض إخواني أخبرني عن وجود بند له قاله في تعظيم اللّه تعالى فأرجو منه أن يوقفنا عليه ، وإليك البند والمشهور الذي تذوقه أرباب الفن أكثر من غيره قوله يمدح الإمامين الجوادين موسى الكاظم ومحمد الجواد (عليه السلام) : ألا يا أيها اللائم في الحب ، دع اللوم عن الصب ، فلو كنت ترى الحاجبي الزج ، فويق الأعين الدعج ، أو الخد الشقيقي ، أو الريق الرحيقي ، أو القد الرشيقي ، الذي قد شابه الغصن اعتدالاً وانعطافاً ، مذ غدا يورق لي آس عذار أخضر دب عليه عقرب الصدع وثغر أشنب قد نظمت فيه لئال لثناياهن في سلك دمقس أحمر جل عن الصبغ وعرنين حكى عقد جمان يقق قدره القادر حقاً ببنان الخود ما زاد على العقد ، وجيد فضح الجؤذر مذروعه القانص فانصاع دوين الورد ، يزجي حذر السهم طلا عن متنه في غاية البعد ، ولو تلمس من شوقك ذاك العضد المبرم ، وللساعد والمعصم ، والكف الذي قد شاكلت أنمله أقلام ياقوت ، فكم أصبح ذو اللب من الحب بها حيران مبهوت ، ولو شاهدت في لبته يا سعد مرآة الأعاجيب ، عليها ركبا حقان من عاج هما قد حشيا من رائق الطيب ، أو الكشح الذي أصبح مهضوماً نحيلاً مذ غدا يحمل رضوى كفلا بات من الرص ، كموار من الدعص ومرتجي ردفين ، عليها ركبا من ناصع البلور ساقين ، وكعبين أديمين ، صيغ فيهن من الفضة أقدام لما لمت محباً في ربي البيد من

ص: 97

الوجد بها هام ، أهل تعلم أم لا أنت للحب لذاذات ، وقد يعذر لا يعذل من فيه غراماً وجوى مات ، فذا مذهب أرباب الكمالات ، فدع عنك من اللوم زخاريف المقالات ، فكم قد هذب الحب بليداً فغدا في مسلك الآداب والفضل رشيداً

صه : فما بالك أصبحت غليظ الطبع لا تعرف شوقاً ، لا ولا تظهر توقا ، لا ولا شمت بلحظيك سنا البرق اللموعي إذا أومض من جانب أطلال خليط منك قد بان ، وقد عرس في سفح ربى البان ، ولا استنشقت من صوب حماة نفحة الريح ، ولا هاجك يوم للقاه من جوى وجد وتبريح. لك العذر على انك لم تحظ من الخل بلثم وعناق ، وبضم التصاق ، لم تكن مثلي قضيت ليال سمح الدهر بها مذبات سكرى قرقف الريق بتحقيق ، فما هو ابريق ، ومشمومى ورداً لاح في وجنة خد فاح لي عرف شذاه ، وإذا ما جن ليل الشعر من طرته أوضح من غرته صبح سناه ، لو ترانا كل من يبدي لدى صاحبه العتب ، ويبدي فرط وجد مؤلم أضمره القلب سحيراً ، والتقى قمصنا ثوب عفاف قط ما دنس بالإثم سوى اللثم لأصبحت من الغيرة في الحيرة ، حتى جئتني من خجل تبدي اعتذارا ، ولا علنت بذكر الشادن الأهيف سراً وجهاراً ، مثل أعلاني بمدحي للامامين الهمامين التقيين النقيين ، الوفيين الصفيين ، من اختارهما اللّه على الخلق ، وسنا منهج الحق ومن شأنهما الصدق بل الرفق ، هما السر الحقيقي ، هما المعنى الدقيقي هما شمس فخار خلقا في ذروة المجد هما عيبة علم ما له حد ، فاسماؤهما قد كتبا في جبهة العرش بلا ريب ، هما قد طهرا بالذكر من رجس ومن عيب ، هما قد أودعا سراً من الغيب ، هما قد أحرزا يوم رهان وسط مضمار المعالي قصب السبق حكى جودهما الودق ، إذا حاد على الروضة تحدوه النعامى ، رفع اللّه على هام الثريا لهما قدراً وفخراً ومقاماً ، ليت شعري هل يضاهي فضل موسى كاظم الغيظ ، بعلم أو بحلم أو بجود أو بمجد ونداه قد حكى البحر طمى في لجة الغيض ، هو العالم والحاكم والفاصل والفاضل والقائم والقاعد والراكع والساجد والضارع خداً خشية اللّه ، فمن أوضح للدين الحنيفي لدى العالم إلاه ، يرى البشر لدى الحشر ، إمام طافت الأملاك في

ص: 98

مرقده إذ هو كالحج ، وللتقوى هو النهج ، وللجدوى هو الموج ، في طلعته البدر إذا تم ، ومن راحته اليم ، كذا المولى الجواد البطل الليث الكمي اللوذعي الزاهد الشخص السماوي ومشكاة سنا النور الإلهي ، عماد الدين موفي الدين وهاب الجياد القب والجرد لدى الوفد ، ببذل زائد الحد ، فتى جل عن الند شذاه ، وعلى البدر سناه ، فهما عقد ولائي ومنائي وغنائي وسنائي. بهما يكشف كربي ، وبدنياي هما عزى وفخري بل وذخري حين لا يقبل عذري بهما صدق اعتقادي بودادي ، إذ في غد أعطى مرادي حين أسقى من رحيق السلسل السائغ كأساً من يدي جدهما الطهر ، ومن كف الذي يدعى له بالأخ وابن العم ، والصاحب والصهر ، لمدحي لهما قد أصبح المسك ختاماً ، وبحبي لهما أرجو لي القدح المعلى وأنل فيه من الغبطة قصداً ومراماً ، حاشا لله غداً أن يرضيا لي لولائي لهما غير جنان الخلد داراً ومقاما.

وقال يمدح الإمام أمير المؤمنين علیه السلام :

امرنة سجعت على الأغصان *** فترنحت مرحا غصون البان

في روضة غناء في أفنانها *** غنى الهزار بأطرب الألحان

روض كسته الغاديات مطارفا *** من أبيض يقق وأحمر قان

زهر كوشي الغانيات على الربى *** متبهرجا بغرائب الألوان

أما الأقاح فباسم عن ثغره *** مستهزئ بالآس والريحان

وكذلك الورد الجني بدا لنا *** فوق الغصون كأنجم السرطان

وبدا لنا النسرين يحكي في الدجى *** النسرين غب كواكب الميزان

ويبيت نرجسه لمنهل الحيا *** يرنو بفاتر طرفه الوسنان

والماء سل حسامه متعمداً *** قد شق قلب شقائق النعمان

والجلنار كأنه جمر بدا *** ليلا يلوح على ذرى الأغصان

فيه الظبا ترد الأسود لحاظها *** والفتك فتك صوارم الأجفان

ص: 99

هب الصبا سحراً فأذكرني الصبا *** عصراً به كان الزمان زماني

مع جيرة بالمأزمين ترحلوا *** وهم بقلبي في أجل مكان

جردت سيف الصبر كي أفني الهوى *** فنبا فعدت به قطعت بناني

ويلاه مالي والغرام لو انه *** شخص قطفت فؤاده بسناني

لكنه نار تؤجج في الحشا *** فيجود دمع العين بالهملان

يا سائق الركب الطلاح عشية *** والشوق مني آخذ بعناني

قف بي رعاك اللّه قبل ترحل *** الا نضاء كي أشفي فؤاد العاني

قف بي رويداً كي أبث العتب مع *** عتب فحمل صبابتي أعياني

يا عتب هل من عودة يحيا بها *** قلبي وهل بعد البعاد تداني

وتعود من سفح العقيق إلى منى *** تختال بين مرابع الغزلان

كم لا مني يا عتب لاح في الهوى *** لا كان لاح في هواك لحاني

يا عاذلي في حب ساكنة الحمى *** هيهات ما قطع المودة شاني

إن كان جاد علي سلطان الهوى *** وبأسهم البين المشت رماني

مالي سوى أني أزج مطية *** الشكوى وأبدي ما أجن جناني

للمرتضى الكرار صنو محمد *** المختار مما نابني ودهاني

فهو المعد لكل خطب فادح *** وهو الرجا لمخافتي وأماني

مولى له ردت ذكاء بطيبة *** وببابل أيضاً رجوع ثان

مولى رقى كتف النبي مشمراً *** لتكسر الأصنام والأوثان

مولى كسا الأبطال قاني حلة *** منسوجة بعواطل الاشطان

ص: 100

مولى يتوق إلى الوعيظ وغيره *** لسماع غانية وضرب قيان

قرن الإله ولاءه بنبوة *** الهادي النبي المصطفى العدناني

هو خير خلق اللّه بعد نبيه *** من ذا يقارب فضله ويداني

يكفيه مدح اللّه جاء منزلاً *** ومفصلاً في محكم القرآن

سل سورة ( الأحزاب ) لما فرق *** الأحزاب حين تراءت الجمعان

ولعمرها لما علي قده *** بمهند صافي الحديد يماني

جبريل أعلن في السماوات العلى *** طوعا لأمر مكون الأكوان

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى *** إلا علي فارس الفرسان

لو صاح في الأفلاك وهي دوائر *** يوماً لعطلها عن الدوران

في الحرب بسام وفي محرابه *** يبكي رجاً من خشية الرحمن

يا منكراً فضل الوصي جهالة *** سل « هل أتى حين على الإنسان »

فيها هو الممدوح والمعني بلا *** شك وذا قد نص في القرآن

وبمكة « إنا فتحنا » أنزلت *** بمديحه في أوضح التبيان

سل عنه في « صفين » ما فعلت *** يد الكرار حين تلاقت الفئتان

و ( النهروان ) وقد تخلق ماؤه *** بنجيع كل معاند خوان

يرجى ويحذر في القراع وفي القرى *** في يوم مسغبة ويوم طعان

إن أقلع الورق الملث فكفه *** هطل كصوب العارض الهتان

أمخاطب الآساد في غاباتها *** ومكلم الاموات في الأكفان

لو كان رب للبرية ثانيا *** غاليت فيك وقلت رب ثاني

أعلي يا طود المفاخر والعلى *** يا من بحبك ذو الجلال حباني

ص: 101

إني بمدحك مغرم ومتيم *** ما دمت في سري وفي إعلاني

وبمدح عترتك الكرام وآلك *** الغر العظام غداً رجوت أماني

هم فلك نوح فاز راكبها ومن *** عنها تخلف خاض في الميزان

إني بحبل ولائهم متمسك *** حسبي به عن غيره وكفاني

صدق اعتقادي سوف أبديه ولم *** أحفل بكل مكذب شيطان

إن النجاة بأحمد وبحيدر *** وابنيه ثم بواحد وثمان

وبفاطم الزهراء بضعة أحمد *** المختار صفوة ربنا الديان

فبهم إله العرش يغفر زلتي *** وبهم يتوب اللّه عن عصياني

خذها أميرالمؤمنين قلائداً *** نظمت وفيها من علاك معاني

منظومة في سلك فكر « محمد » *** تزري بنظم الدر والمرجان

إن صادفت حسن القبول فحبذا *** فهو المراد وكل شيء فاني

لا زلت أحكم في مديحك سيدي *** إحكام منظمي وسحر بياني

حاشا يحيط بجود مجدك مادح *** لكن على قدري أباح لساني

وعليكم صلى المهيمن ما شدت *** ورق وما سجعت على الأغصان

وقال في اعتداء الوهابيين على حرم الحسين (عليه السلام) سنة 1216. (1)

أبيت وطرفي ساهر ليس يهجع *** وقلبي لفرط الوجد مضنى وموجع

وجذوة حزني لا يبوخ ضرامها *** وعارض دمعي يستهل ويدمع

إذا ما خبث تاللّه في فلذة الحشا *** يهيج لها ريح من الهم زعزع

فيا قاتل اللّه الليالي فكم لها *** خطوب تنوب الخلق والجو أسفع

ص: 102


1- عن شعراء الحلة للخاقاني ج 5 ص 192.

دهتنا ولم نعلم بأعظم فادح *** يكاد له صم للصفا يتصدع

رمتنا بقوس الغدر سهم رزية *** سقى نصله سم من الحتف منقع

غداة بنو صخر بن حرب تألبوا *** على قتل سبط المصطفى وتجمعوا

وقد حللوا في عشر شهر محرم *** دماه وعهد اللّه خانوا وضيعو

له يممت زحفاً بوادر خيلها *** كتيار بحر موجه يتدفع

فجادلها والنقع جون سحائب *** وفيه بروق للصوارم لمع

إذا زمجرت للشوس فيه زماجر *** تصوب سهاماً ودقها ليس يقلع

فجدل منها كل أرعن حازم *** ببيض المواضي والقنا الخط شرع

إلى أن دنا الحتف الذي قط ماله *** عن الخلق في الدنيا إياب ومرجع

رموه على الرمضاء عار وفي غد *** بسندس جنات النعيم يلفع

فيا كربلا كم فيك كر من البلا *** فما أنت إلا للحوادث مهيع

وما أنت إلا بقعة جاد رسمها *** غمائم غم بالنوائب تهمع

فكم في رباك روعت لابن فاطم *** حصان وبالصمصام جدل أورع

وأطفالها من قبل حين فصالها *** عراها فطام وهي في الحين رضع

وكم فيك أكباد تلظت من الظما *** وكأس المنايا من حشا السيف تكرع

لربعك قدماً قد قذفنا بفادح *** له زج خطب من ذوي الضعن أشنع

وفي منتهى ألف وميتين حجة *** وسبع تليها خمسة ثم أربع

بك الدهر أيم اللّه جدد وقعه *** أجل من الأولى وأدهى وأفظع

أئن قتلت في تلك سبعون نسمة *** فستة آلاف بذي الموت جرعوا

وأضحت أضاحي شهرذي الحج في منى *** لها اليوم في واديك مغنى ومربع

ص: 103

وهل جاز نحر البهم من آل هاشم *** لأهل الردى والبهم في البيد رتع

فسحقاً لهذا الدين بل ريب أهله *** وتعساً لمن سنوا الضلال وأبدعوا

مسيلمة أوصى ابن سعد لنحسه *** بإمضائه إذ سره فيه مودع

غشى_ نينوى_ والصبح جرد صارماً *** بغربيه زنجي الظلام يجدع

بعيس كأمثال النعام إذا سرت *** حثيثاً لحصباء البسيطة تقلع

تقل على الأكوار شعثاً كأنهم *** جنادب نجد في المشارع وقع

ينادون بالإعلان يا أهل كربلا *** أتيناكم عودوا عن الشرك وارجعوا

فكم في نداهم سب لله حرمة *** وكم في مداهم جز للآل منزع

فطلوا دماء واستحلوا حرائراً *** وغودر مال اللّه فيهم يوزع

فذي ثاكل خمصاء بطن من الطوى *** ومن شلو هاتيك الجوارح شبع

وتلك لفرط الحزن تذري مدامعاً *** وصيبها في واسع القفر ضيع

وقد شتتوا في الأرض شرقاً ومغرباً *** فرادى ولم يجمع لهم قط مجمع

وأخرى تنادي لم يجبها سوى الصدى *** كما رن فوق الأيك ورق مرجع

وكم كاعب بالكف تستر أبلجاً *** أبا اللّه في غير الحيا لا يقنع

وفي حضرة القدس التي جل قدرها *** بها الملأ الأعلى سجود وركع

تذبح خدام لها في عراصها *** ويأمن فيها الخائف المتروع

أسف ولم أأسف على من تقوضت *** بهم يعملات البين تخدي وتسرع

لئن حرموا الدنيا بأخراهم حظوا *** وبالحور والولدان في الخلد متعوا

ص: 104

ولكن شجى الأحشاء هدر دمائهم *** ولامستثير دابر القوم يقطع

سوى فرقة مثلي على الضيم سنها *** بأنملها من لا عج الوجد تقرع

وأسيافها تشكوا الصدى وعتاقها *** سوابق إلا أنها اليوم ضلع

فيا غيرة اللّه استفزي بما لقت *** ثمود من التدمير منك وتبع

أتهدم للنور الإلهي قبة *** على الفلك الدوار تسمو وترفع

ويقلع باب اللّه عن مستقره *** وعن كل داع لا يرد ويردع

وتهتك حجب اللّه عن أوجه التقى *** عتاة بغير الشرك لا تتبرقع

وتنهب من بغي خزائن من له *** من العبد خزان النعيمة أطوع

وتطفى قناديل كشهب منيرة *** تطوف قناديل بها وهي خضع

ويحطم شباك النبوة بالظبا *** جذاذاً وصندوق الامامة يقلع

كساه إله العرش أنوار قدسه *** عجيب يماط السر عنه وينزع

ويحمل سيف اللّه عاتق مارق *** ومن طبع ذاك السيف للشرك يطبع

ويؤخذ أعلام لاعلام دينه *** ضحى ولها النصر الإلهي يتبع

وينبش قبراً لو تكون السما ثرى *** لحط له في قنة العرش موضع

أيا بن الذي أنوار شرعته بدت *** ولاح لنا لألاؤها يتشعشع

أيفعل ذا الباغي ولا منك دعوة *** أبى اللّه عنها ما لها الحجب تمنع

تبيد بها نجد ولم حلقت بها *** قوادم فتخاء إلى الجو تقلع

لناديك من صنعاء أمت ركابها *** وفيه ترى ما يستباح ويصنع

وتوسعها حلماً وأنت ابن ضيغم *** بغيطانها من سيفه الجن تفزع

أتعجز لا واللّه تطبق السما *** عليهم فركن الشم بالغي ضعضعوا

وشقوا عصى الإسلام بالبيض والقنا *** وبالسب والتثليب والقذف شنعوا

ص: 105

إلى م وهذا الصبر ان كنت صابراً *** فلسنا بهذ الضيم ترضى وتقنع

بنا شمت الأعدا وقالوا إمامكم *** كما قد علمنا لا يضر وينفع

فماذا جواب الكاشحين أبن لنا *** لنبسط عذراً أن يصيخوا ويسمعوا

فإن قلت عفواً فليكن عفو قدرة *** وإن قلت حلماً فهو من ذاك أوسع

أمولاي صفحاً فهت من نار حرقتي *** بما فهته إذ أنت للمصفح منبع

خدعتك في ذا العتب كي تهلك العدى *** بما فعلوا والندب بالعتب يخدع

متى يا إمام العصر تقدم ثائراً *** تقوم بأمر اللّه بالحق تصدع

وتردي بمسنون الفرار عصائباً *** مدى الدهر قد سنوا الضلال وأبدعوا

وتنظر أشياعاً عفاة جسومها *** لفرط الأسى والقلب منها مشيع

فصلها وعجل حيث لم تر راحماً *** وأرحامها بالمشرفية قطعوا

وفي كربلا عرج يريك مؤرخاً *** الوفك يا لله بالترب صرعوا

عليك عزيز أن ترى ما أصابهم *** ولكنما حكم القضا ليس يدفع

أيا ابن رسول اللّه وابن وصيه *** إليك بجرمي في القيامة أفزع

فرد عبدك ( الحلي ) مولاي شربة *** لأن لكم في الحشر حوض مدعدع

( محمد ) لا تحرمه من شفاعة *** سواك فمن ذا للبرية يشفع

فخذها الفرط الحز خنساء ثا كلا *** إذا انشدت يوماً بها الصخر يصدع

عليك سلام ما مغناك لعلعت *** حداة ركاب ما زرود ولعلع

ص: 106

وله يرثي أبا الفضل العباس بن علي (عليه السلام) ويؤرخ عام نظمها وذلك في الخامس من المحرم 1215 ه- قوله : (1)

احبس ركابك لي فهذا الأبرق *** إني لغير رباه لا أتشوق

لي فيه سحب مدامع مرفضة *** وبروق نار صبابة تتألق

شوقاً لما قضيت بين ظبائه *** عصراً به غصن الشبيبة مورق

يا سعد دع لومي فأيام الصبا *** بيض بها لذوي المحبة رونق

أيام لاغطني بمنعرج اللوى *** حرج ولا عيشي لعمرك ضيق

ولت فبت أعض أنمل راحتي *** وكصفقه المغبون وجداً أصفق

وهتفت هتف مرنة رأد الضحى *** أسفاً وجيدي بالهموم مطوق

وحشاشتي كمداً تقيد مثلما *** حزنا على ( العباس ) دمعي مطلق

الفارس البطل الذي يردي العدى *** من كفه ماضي الغرار مذلق

فهو الذي بالمكرمات متوج *** فخراً وبالمجد الأثيل ممنطق

صمصام حق ليس ينبو حده *** وجواد سبق في الندى لا يلحق

لم أنس من خذل الأنام شقيقه *** مذ شاهدوا ريب المنون وحققوا

في نفسه واسى الحسين فيالها *** نفس على مرضاة رب تنفق

لما رأى في الغاضرية نسله *** يبس الثغور من الظما لا تنطق

فاعتد شوقاً للمنايا وامتطى *** طرفاً لأرياح العواصف يسبق

ومضى لشاطي العلقمي بقربة *** كيما لها عذباً فراتاً يغبق

ص: 107


1- عن شعراء الحلة للخاقاني ج 5 ص 196.

لما رأته علوج حرب مقبلا *** لا طائشاً عقلا ولا هو مرهق

زحفت عليه كتائب ومواكب *** كعباب بحر خيلها تتدفق

ملتفة الأطراف إلا شوسها *** بظباه أي ممزق قد مزقوا

فكأن أسهمها له قد سددت *** ورق الجنادب بالمشارع حدق

فسطا عليها ثم صاح فكادت *** الأملاك من تلك الزماجر تصعق

شكت عوامله صدور صدورها *** ورؤوسها بشبا الحسام تحلق

هذا عليه الزاغبية اخلفت *** ضرباً وهذا بالنجيع مخلق

فاغتاله علج بحاسمة برت *** منه اليمين وطار منها المرفق

فانصاع يحمل شنه بشماله *** حذراً وخوفاً ماؤه لا يهرق

فبرى لها بري اليراع كأختها *** في غرب منصلة وعدو مخنق

فغدا يكابد بالثنايا حمله *** وله العدى بشبا الضغائن خرقوا

وأصاب مفرق رأسه *** بعموده الشامي نسل العاهرات الأزرق

فهوى كبدر في المحاق ولم أخل *** أن البدور بليل نقع تمحق

وغدا ينادي للحسين برنة *** ثبت الجنان يكاد منها يقلق

فأتى لمصرعه كرجع الطرف لا *** يثنيه جيش للطغاة وفيلق

فرآه ملقى فوق بوغاء الثرى *** وعليه غربان المنية تنعق

فبكى وناجاه بأعظم حسرة *** صبراً أخي فإنني بك ملحق

لله در من وفي ناصح *** بالذب والأقوال عني تصدق

جاهدت دوني المارقين بعزمة *** من وقعها صم الصلاد يفلق

أردوك ظام لأسقوا قطر الندى *** في النشأتين ولا سحاب مغدق

اللّه أكبر من رزايا عمت *** الدنيا فزلزل غربها والمشرق

ص: 108

اللّه اكبر يا له خطب له *** ليس الجيوب بل القلوب تشقق

واكسرة في الدين ليس يقيمها *** جبر وفتق في الهدى لا يرتق

أتجذ قبل القتل ايمان الندى *** منا وفينا كل جيد يعتق

وتسد في الدنيا مذاهبنا *** وأبواب السما بوجوهنا لا تغلق

وتبيت أبنائي فلا يحنو لها *** من مشفق هيهات قل المشفق

أكبادهم حرى وآل أمية *** ريانة ولها المدام يروق

ويزيد ترفع للسماك قبابه *** فخراً وفسطاط النبوة يحرق

لفوا جميعاً حيث ما ثبتت لهم *** فينا عهود للنبي وموثق

قد صاحبوا الدنيا الدنية حسين *** للأخرى ثلاثاً بالغواية طلقوا

لا إن يقتلوا ابن أبي وأقتل بعده *** وبأسرتي أسرى تسير الأنيق

فلسوف يدرك نارنا المهدي من *** ولدي وداعي الحتف فيهم يزعق

ويبيدهم بحسامه ولو انهم *** للجو مع عنقاء غرب حلقوا

يا ابن السوابق والسوابغ والظبا *** اللائي لنصر الدين حقاً تمشق

خذها أبا الفضل العميم خريدة *** لسوى مديحك والثنا لا تعشق

حسناً خدلجة كعوب غادة *** بكر تشنف بالولا وتقرطق

( حلية ) الأعراق إلا أنها *** بخلال زوراء العراق تمنطق

يرجو بها الجاني ( محمد ) منك *** عرف الفوز في جنات عدن تنشق

صلى عليك اللّه ما أن ازخوا *** ( نجم أنير ولاح بدر يشرق )

قوله يرثي الإمام الحسين (عليه السلام) :

عج بي برسم الدار من عرصاتها *** ودع الجفون تجود في عبراتها

دار بشرقي الأثيل عهدتها *** لا البان أين البان من أثلاتها

ص: 109

دار بها أودى بقلبي لوعة *** تترقص الأحشاء من زفراتها

واحبس بمعهدها الركائب علما *** نروي بعهد الدمع رمث نباتها

واسأل لعمرو أبي معالمها متى *** ظعن الأحبة بان عن باناتها

يا صاح وقفة مغزل مذعورة *** أو كارتداد الطرف في هضباتها

كيما أروح خاطري بشعابها *** وفؤادي الملتاع في قلعاتها

أنى ومنعطف الحني على المطى *** فهي الخدور تضيء في رباتها

ما إن ذكرت معالماً إلا وقد *** كادت تذوب النفس من حسراتها

لتذكري داراً بعرصة كربلا *** درست معالمها لفقد ماتها

دارت رحاة الحرب فيها فاغتدت *** آل النبي تدور في لهواتها

جاءت تؤمل ارثها لكنها *** تتقاعس الآمال عن غاياتها

فتكت به من آل حرب عصبة *** غدرت وكان الغدر من حالاتها

هزت قناة محمد ظلماً وقد *** طعنت بنيه الغر في لباتها

قد عاهدت فيه النبي وما وفت *** فلبئسما ذخرت ليوم وفاتها

سيما ابن منجبة سليل محمد *** أبدت به المخفي من ضغناتها

بعثت بزور الكتب سر واقدم إلى *** نحو العراق بمكرها ودهاتها

هذي الخلافة لا ولي لها ولا *** كفؤ وإنك من خيار كفاتها

فأتى يزج اليعملات بمعشر *** كالأسد والأشطان من غاياتها

وحصان ذيل كالأهلة أوجهاً *** بسنائها وبهائها وصفاتها

ما زال يخترق الفلا حتى أتى *** أرض الطفوف وحل في عرصاتها

وإذا به وقف الجواد فقال يا *** قوم أخبروني عن صدوق رواتها

ما الأرض؟ قالوا : ذي معالم كربلا *** ما بال طرفك حاد عن طرقاتها

ص: 110

قال انزلوا : فالحكم في أجداثنا *** أن لا تشق سوى على جنباتها

حط الرحال وقام يصلح عضبه *** الماضي لقطع البيض في قماتها

بينا بجيل الطرف إذ دارت به *** زمر يلوح الغدر من راياتها

ما خلت أن بدور تم بالعرا *** تمسي بنو الزرقاء من هالاتها

قال الحسين : لصحبه مذ قوضت *** أنوار شمس الكون عن ربواتها

قوموا بحفظ اللّه سيروا واغنموا *** ليلاً نجاة النفس قبل فواتها

فالقوم لم يبغوا سواي فأسرعوا *** ما دامت الأعداء في غفلاتها

قالوا عهدنا اللّه حاشا نتبع *** أمارة بالسوء في شهواتها

نمضي وأنت تبيت ما بين العدى *** فرداً وتطلب أنفس لنجاتها

تبغي حراكاً عنك وهي عليمة *** أبداً عذاب النفس من حركاتها

ما العذر عند محمد وعلي *** والزهراء في أبنائها وبناتها

لا بد أن نرد العدى بصوارم *** بيض يدب الموت في شفراتها

ونذود عن آل النبي وهكذا *** شأن العبيد تذود عن ساداتها

فتبادرت للحرب والتقت العدى *** كالأسد في وثباتها وثباتها

جعلت صقيلات الترائب جنة *** كيما تنال الفوز في جناتها

كم حلقت بالسيف صدر كتيبة *** وشفت عليل الصدر في طعناتها

فتواتر النقط المضاعف خلته *** حلق الدلاص به على صفحاتها

فتساقطت صرعى ببوغاء الثرى *** كالشهب قد أفلت برحب فلاتها

ما خلت سرب قطا بقفر بلقع *** إن التراث تكون من لقطاتها

رحلت إلى جنات عدن زخرفت *** سكنت جوار اللّه في غرفاتها

وبقى الامام فريد يهتف في بني *** حرب وقد خفتت ذرى أصواتها

ويل لكم هل تعرفوني من أنا *** هل تنكر الأقمار عند وفاتها

ص: 111

انا نجل مكة والمشاعر والصفا *** وبمن منى والخيف من عرفاتها

أنا نجل من فيه البراق سرى إلى *** رب الطباق السبع وابن سراتها

قالوا بلى أنت أبن هادي الخلق *** للنجل القويم وأنت نجل هداتها

لكن أبوك قضى على أشياخنا *** واليوم نطلب منك في ثاراتها

وأتته أسهمها كما رسل القضا *** بغيا فيا شلت أكف رماتها

أصمت فؤاد الدين ثم واطفأت *** أنوار علم اللّه في مشكاتها

فسطا عليهم سطوة علوية *** تتزلزل الأطواد من عزماتها

أبكى بعادلة سوابغها دما *** مذ أضحك الصمصام من هاماتها

فكأن صارمه خطيب مصقع *** وسنام منبره ذرى قاماتها

وكأنما سم الوشيج بكفه *** أيم النقى والحتف في نفثاتها

كم فيلق أضحى مخافة بأسه *** كالشاة مذ فجعت بفقد رعاتها

والخيل تعثر بالشكيم عوارايا *** ممن تثير النقع في صهواتها

فكأنه يوم الطفوف أبوه في *** ليل الهرير يبيد جمع عداتها

ما زال يقتحم العجاج ويصطلي *** نار الوغى ويخوض في غمراتها

حتى أتاه الصك أن أنجز بوعدك *** حيث نفسك حان حين مماتها

فهناك أحلم غب مقدرة فأردوه *** على ظمأ بشط فراتها

تاللّه ما قضت العدى منه منى *** لولا القضا لقضت دوين مناتها

فهوى فضعضعت السماوات العلى *** وتعطل الأفلاك عن حركاتها

وهمت لمصرعه دماً والعالم العلوي *** أبدى النوح في طبقاتها

والجن في غيطانها رنت أسى *** وبكت عليه الطير في وكناتها

وعدا الجواد إلى معرس نسوة *** نادى منادي جمعها بشتاتها

ص: 112

فخرجن من خلل الستور صوارخا *** كل تسح الدمع في وجناتها

فرأينه قاني الوريد وجسمه *** عار ومنه الرأس فوق قناتها

وقبابها تعدو النهيب قبابها *** اللّه كيف تقال من عثراتها

وسروابهن على المطي وقد علا *** لتواتر المسرى رنين حداتها

يا للحمية من ذوابة هاشم *** بل ياليوث اللّه في غاباتها

أتطل ما بين الطلول لكم دما *** أموية والجبن من عاداتها

آل النبي تئن في أصفادها *** كمداً ومال اللّه من صفداتها

قد أنزلتها عن مراتب جدها *** ورقت طرائدها على مرقاتها

محرابها ينعى لفقد صلاتها *** ووفودها تبكي لفقد صلاتها

حملت بأطراف الأسنة والقنا *** من تعجب الأملاك من حملاتها

وبنات فاطمة البتولة حسراً *** وبنات رملة في ذرى حجراتها

قد ألبست نقط الحجاز جسومها *** وغرائب التيجان في جبهاتها

والعود يضرب في أكف قيانها *** وتقهقه الراووق في كاساتها

لعنت على مر الدهور لأنها *** باعت هداية رشدها بعماتها

فالى م يابن العسكري فطالت *** الأيام وانفصمت عرى أوقاتها

فانهض لها مولاي نهضة ثائر *** واشف غليل النفس من كرباتها

واقدم بشيعتك الكرام ومكن *** العضب المهند من رقاب بغاتها

يا سادة جلت مزايا فضلهم *** إن تدرك الأوهام كنه صفاتها

لي فيكم مدحاً أرق من الصبا *** تهدي عبير الفوز من نفحاتها

فتقبلوا حسناء ترفل بالثنا *** ( حسان ) مفتقراً إلى فقراتها

( حلية ) حكت النضار نضارة *** وحلت وقد فاقت على أخواتها

ص: 113

يرجو بها الجاني ( محمد ) سادتي *** منكم نجاة النفس غب وفاتها

إن قدم الأقوام براً وافراً *** نفسي ولاكم قدمت لحياتها

صلى الإله عليكم ما أرخوا *** ( حفت حمام الأيك في وكناتها )

وله يرثي الإمام الحسين (عليه السلام) قوله :

ناهيك من ركب تقوض منهم *** وحدا به الحادي دجى بترنم

أبدى الرنين فجاوبته حمامة *** تنعى على طلل ودارس معلم

هتفت مرجعة لفقد قرينها *** فاهتز في الأكوار كل متيم

ذكر المعاهد بين منعرج اللوى *** سحراً وسالت عهدها المتقدم

فهمت لواحظه عهاد مدامع *** مهراقة تحكي عصارة عندم

ناديته والوجد ملء فؤاده *** وعن المحبة والهوى لم يسلم

مه صاحب الشوق المبرح ليس ذا *** شأن المحب ولا سجية مغرم

لا تسكب الدمع الهتون ولا تبح *** بالسر إن بان إلا حبة واكتم

واحبس ولا تدع المطايا في السرى *** تخدي عقيب الظاعنين فترتمي

باتت كمنعطف الحني لطول ما *** بخفافها تطوى الوهاد ومنسم

خفض عليك فلست تلقى بعض ما *** ألقاه من برح وطول تتيم

قد كنت قبلك يا هذيم إذا دعا *** داعي المحبة للصبابة أنتمي

حتى رميت بفادح فأساءني *** عض البنان وصفقة المتندم

فلذا لما لاقيت من فرط الأسى *** والوجد والبلوى ووشك تألم

ص: 114

لم يشجني ذكر العذيب وبارق *** وغزيتين وسفح أم الغيلم

هل كيف تطربني ربوع قد مضى *** عنها الخليط ولي لعمرك فاعلم

كل المنازل من همومي كربلا *** وجميع أيامي كيوم محرم

يوم به كسفت ذكاء فأصبح *** الثقلان في ليل بهيم مظلم

يوم به قمر الدجنة غاله *** خسف عقيب نقيصة لم تتمم

يوم به حبس السحاب عن الحيا *** ومن السماء نجيع دمع قد همي

يوم به الأملاك عن حركاتها *** قد عطلت والكون لم يتقوم

يوم به جبريل أعلن في السما *** قتل ابن مكة والحطيم وزمزم

يوم به الأملاك كل منهم *** بدلاً عن التسبيح قام بمأتم

يوم به الأرضون والأطواد ذي *** مادت وتلك لهوله لم تشمم

يوم به غاض البحار فبت في *** عجب لزاخر موجها لم يلطم

يوم به قد بات آدم باكيا *** كأبي العزيز غروب طرف قد عمي

يوم به نوح همت أجفانه *** دمعاً يسيل كسيل دار مفعم

فكأنما لما طغت أمواجه *** طوفانه بعباب طوفان طمي

يوم بقلب أبي الذبيح بدت لظى *** بسوى يد النكباء لم تتضرم

إن كان قدما حرها برداً له *** أضحى فمن ذي قلبه لم يسلم

يوم به شق الكليم لجيبه *** وبغير عرصة كربلا لم يلحم

يوم به أمسى المسيح بمهده *** بسوى فصيح النوح لم يتكلم

يوم به هجر الجنان محمد *** وبغير عرصة كربلا لم يلحم

ينعى لهتف الجن في غيطانها *** وهديل طير في الوقيعة حوم

يوم به الكرار ينفث نفثة *** المصدور كالليث الكمي الضيغم

ص: 115

يوم به الزهراء خضب شعرها *** بدم وتشكو ربها بتظلم

يوم به قد أصبح الحسن الرضا *** يبدي الكآبة عن حشاشة معدم

يوم بركن الدين أوقع ثلمة *** أبداً على طول المدى لم تلحم

يوم به للمؤمنين رزية *** وبه كعيد للطغاة وموسم

يوم أتى فيه الحسين لكربلا *** كالبدر وأبناء الكرام كأنجم

يوم عليه تألبت عصب الخنا *** من كل عبد أكوع ومزنم

لم أنس وهو يخوض أمواج الوغى *** كالليث ممتطياً جزارة أدهم

فإذا خبت للشوس نار كريهة *** بسوى الوشيج بكفه لم تضرم

كم فارس ألقاه يفحص في الثرى *** وبفيه غير هضابها لم يكدم

ما زال يفني المارقين بمارق الحرب *** العوان بغرب عضب مخذم

حتى دنا المقدور والأجل الذي *** يأتي الفتى من حيث ما لم يعلم

زحفت عليه كتائب ومواكب *** ورمته من قوس الفناء باسهم

شلت أناملها ، رمته ولم تخل *** قلب الهدى من قبل أن يرمي رمي

أصمت فؤاد الدين واعجباه من *** ركن التقى لمصابه لم يهدم

فهوى كطود هد فارعه على *** وجه الثرى من فوق ظهر مطهم

قسما ببيض ظباً رتعن بجسمه *** مع كل مطرد الكعوب مقوم

لولا القضاء به لما ظفرت وهل *** ظفر البغاث بصيد نسر قشعم

ساموه بعد العز خسفاً وامتطوا *** لقتال خير الخلق كل مسوم

الفوه ظامي القلب يجرع علقما *** والماء يلمع طامياً في العلقم

ص: 116

حطمته خيل الظالمين وما سوى *** صدر المعالي خيلها لم تحطم

عقرت بحد المشرفي فهل درت *** وطأت سنابكها لأي معظم

وبقى الإمام على الصعيد مجدلا *** عار ومنه الشيب خضب بالدم

ما أن بقي ملقى ثلاثاً في الثرى *** لا ناقصاً قدراً ولا بمذمم

لكن ملائكة السماء عليه من *** قبل الثلاث صلاتها لم تتمم

وعدا الجواد إلى معرس نسوة *** ينعي الجواد برنة وتحمحم

فخرجن ربات البدور نوادبا *** كل تشير بكفها والمعصم

ويقلن للمهر الكميت وسرجه *** قد مال وهو لمعرك لم يلجم

يا مهر أين سليل من فوق البراق *** رقى الطباق السبع ليس بسلم

يا مهر أين ابن الذي بصلاته *** يعطي الصلات بعفة وتكرم

يا مهر أين ابن المبيد كماتها *** يوم الهرير بصارم لم يثلم

يا مهر أين ابن الذي مهر أمه *** ماء الفرات وقلبه منه ظمي

فبكى لندب الطاهرات على الفتى *** الندب الكمي دماً وإن لم يفهم

ولهن دل على القتيل إشارة *** وهو الصموت دلالة المتكلم

فرأينه في الترب يكرع بالقنا *** بيد المنية مر كأس العلقم

وعليه للخرصان نسج سوابغ *** حلق لها طول المدى لم تفصم

اللّه أكبر يا له من فادح *** جلل عمر أبي وخطب مدهم

ماء الفرات على الحسين محرم *** وعلى بني الطلقاء غير محرم

وابن الدعية في البلاد محكم *** وابن النبي الطهر غير محكم

وبنات رملة في القصور وعترة *** المختار لم تحجب بسجف مخيم

لعنت عتاة أمية لعناً على *** مر الجديد لأنها لم تحلم

ص: 117

قسما بمن لبى الحجيج ببيته *** من كل ساع في الطواف ومحرم

ما سن قتل الآل يوم الطف في *** سيف الضلال بكف علج مجرم

إلا الألى نقضوا الكتاب وأخروا *** فصل الخطاب وغيرهم لم يقدم

هم أسسوا وبنت أمية بعدهم *** ويل لهم من حر نار جهنم

فمتى أرى المهدي يظهر معلناً *** للحق يوضح بالحسام وبالفم

ويسير في أم القرى في فيلق *** لجب وجيش كالأسود عرمرم

ومواكب ترد المجرة خيلها *** وسوى فواقع زهرها لم تطعم

يحملن آساداً كأن سيوفها *** برق تلألأ في سحاب مظلم

ويطهر الآفاق من عقب غدا *** الإيمان عندهم يباع بدرهم

يا سادة في الذكر جبريل لهم *** من عالم الشهداء جاء بمحكم

فيكم « محمد » قد أجاد فرائداً *** فلغير جيد مديحكم لم تنظم

قد ذاب أقصى القلب منه حين في *** تأريخها « طير شدا بترنم »

ص: 118

الشيخ حسين العصفوري

المتوفي 1216

هو ابن محمد بن أحمد بن ابراهيم البحراني المتوفي بشاخور 21 شوال 1216.

قال في أنوار البدرين : له ديوان في تسعة آلاف بيت كلها في مراثي الحسين وترجم له تلميذه الشويكي في الدرر البهية فقال : هذا الشيخ أجل من أن يذكر. انتهت اليه رئاسة الامامية حيث لم تسمع الآذان ولم تبصر الأعيان مماثلا له في عصره ، بل عده البعض من المجددين للمذهب على رأس الألف والمائتين. وترجم له الشيخ الأميني في ( شهداء الفضيلة ) وهو ابن أخ الشيخ يوسف صاحب ( الحدائق ). ومن جملة الذين رثاهم الشيخ جعفر الخطي وأرخ بعضهم وفاته بقوله : قد كانت الجنة مثواه.

وبعضهم بقوله : شمس علم وجلال كسفت. وترجم له شيخنا البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة وعدد مؤلفاته الكثيرة فقال : العلامة الأكبر الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن أحمد بن ابراهيم المتوفى سنة 1125 - بن الحاج أحمد المتوفى سنة 1075 - بن صالح بن أحمد بن عصفور بن أحمد بن عبد الحسين بن عطية بن شيبة.

ص: 119

في أنوار البدرين : هو من العلماء الربانيين والفضلاء المتتبعين والحفاظ الماهرين ، بل عده بعض العلماء الكبار من المجددين للمذهب على رأس ألف ومائتين ، كان يضرب به المثل في قوة الحافظة ملازماً للتدريس والتصنيف والمطالعة والتأليف.

وفيه قال الشيخ محمد الشويكي الخطي من قصيدة :

حبذا نفحة قدس لا تضاهى *** في صلاة أرضت الرب إلاها

بنت يومين ويوم برزت *** في صدور الطرس تهدي من تلاها

تطرب الرائي والراوي ولا *** عجب ممن رآها ورواها

يشير بهذه الأبيات إلى قوة حافظة الشيخ المترجم له حيث أنه أملى في ثلاثة أيام كتاب ( النفحة القدسية في الصلاة اليومية ) على تلامذته.

وبالجملة فهو من أكابر علماء عصره واساطين فضلاء دهره ، علما وعملا وتقوى ونبلا ، ونادي بحثه مملو من العلماء الكبار من البحرين والقطيف والاحساء وأطراف تلك الديار وفتاواه وأقواله منقولة ومشهورة ، وله تصانيف كثيرة ، ذكر هو بعضها في اجازته للشيخ مرزوق بن محمد الشويكي.

ثم قال : وهو يروي عن أبيه الشيخ محمد ، وعميه الشيخ يوسف ، والشيخ عبدالعلي ، ويروي عنه جماعة : منهم الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي.

توفي ليله الاحد الحادية والعشرين من شهر شوال سنة 1216 في بعض الوقائع الواقعة في البحرين وسمعت أنه ضربه ملعون من أعداء الدين بحربة في ظهر قدمه فمات شهيداً منها ، وتاريخ شهادته ( طود الشريعة قد وهى وتهدما ) وقبره في قرية سكناه ( الشاخورة ) له مزار معروف ، وقد رثاه الأديب الشاعر المبدع الحاج هاشم بن حردان الكعبي بقصيدتين طويلتين مطبوعتين في آخر الكشكول لصاحب الحدائق انتهى.

ص: 120

وترجم له الشيخ آغا بزرك في ( الكرام البررة ) ج 1 ص 427 فقال :

كان من كبار علماء عصره ومشاهيرهم ، زعيم الفرقة وشيخها المتقدم وعلامتها الجليل. ولد عام 1147 وتخرج على عمه الشيخ يوسف صاحب الحدائق ، وكان قرة عينه ، وكتب له اجازتين : صغيرة وكبيرة مبسوطة وهي ( لؤلؤة البحرين في الاجازة لقرتي العينين ) وأوصى إليه بكتبه ، ولذلك تصدى لتتميم الحدائق وسماه ( عيون الحقائق الناظرة في تتميم الحدائق الناضرة ) وقد طبع في النجف عام 1342 ه.

وله زهاء ثلاثين مؤلفاً ، عدها له مترجموه منها : النفحة القدسية ، ومفاتيح الغيب والتبيان في تفسير القرآن ، والأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع. وله ديوان في رثاء الحسين علیه السلام يزيد على سبعة آلاف بيت كما ذكر ذلك في أنوار البدرين عندما عد مؤلفاته.

ص: 121

الشريف ابن فلاح الكاظمي

اشارة

المتوفي 1220

قف بالطفوف وجد بفيض الادمع *** ان كنت ذا حزن وقلب موجع

أيبيت جسم ابن النبي على الثرى *** ويبيت من فوق الحشايا مضجعي

تباً لقلب لا يقطع بعده *** أسفاً بسيف الحزن أي تقطع

وعمى لعين لا تسح لفقده *** حمر الدما عوض الدموع الهمع

وأذاب جسمي السقم إن هو لم يذب *** حزناً لجسم بالسيوف مبضع

سبيت حريمي إن نسيت حريمه *** في كربلاء تسبي بأيدي الزيلع

وثكلت ولدي إن سلوت رضيعه *** أودى به سهم اللئام الوضع

صرخت علي النائحات وأعولت *** إن لم أنح للصارخات الجزع

رضت جياد الخيل صدري إن سلا *** بالطف قلبي رض تلك الأضلع

لم أنس لا واللّه زينب إذ مشت *** وهي الوقور اليه مشي المسرع (1)

ص: 122


1- عن سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ج 3 ص 202.

تدعوه والاخوان ملء فؤادها *** والطرف يسرع بالدموع الهمع

أأخي مالك عن بناتك معرضاً *** والكل منك بمنظر وبمسمع

أأخي ما عودتني منك الجفا *** فعلام تجفوني وتجفو من معي

أأخي أين أبي علي المرتضى *** ليرى انكساري للعدى وتخضعي

أعزيز أحمد كيف أصبح أحمد *** لما نعيت فليت لا كان النعي

أحسين هل سمعت بنعيك أمك *** الزهراء حيث نعيت أم لم تسمع

أحسين هل سمع الزكي أخي بما *** صنع ابن سعد بالصغار الرضع

ص: 123

الشيخ محمد شريف الكاظمي :

الشيخ محمد شريف بن فلاح الكاظمي نزيل الغري ، ولد في الكاظمية ونشأ فيها ثم هاجر إلى النجف وقرأ العلوم فيها في الربع الأخير من القرن الثاني عشر للهجرة ، وكان من المشاهير في العلم والأدب واللامعين من بين أقرانه ، له اطلاع بجملة من العلوم ومن أهل الكرامات الباهرة ، معاصراً للشيخ مهدي الفتوني العاملي النجفي المتوفى سنة 1183 ه- وللسيد محمد مهدي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم وللشيخ الأكبر الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وللشيخ أحمد النحوي ، وكان على جانب عظيم من التقى والورع والصلاح ، تنسب اليه كرامات الصلحاء الأبرار.

جاء في نشوة السلافة أن له فهماً وذكاء فهو ريحانة الأدباء ، تجنح اليه الطباع وتطرب من حديثه الاسماع ، قضى من الأدب نفله وفرضه وشام من ريانة بارقه وومضه ، له شعر يضاحك الأقحوان ابتساماً وينوف عقد الدرر انتظاماً.

وله القصيدة الدالية في مدح أمير المؤمنين علیه السلام وانه القاها في الحرم أمام القبر الشريف ، وسقط عليه القنديل الذهبي المعلق ، فأخذ من يده وعلق فوقع عليه مرة ثانية فأخذه ، والقصيدة أولها :

أبا حسن ومثلك من ينادى *** لكشف الضر والهول الشديد

ص: 124

وستمر عليك في جملة شعره (1) وفي مخطوط الشيخ محمد السماوي في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف الاشرف قصائد الشيخ شريف بن فلاح الكاظمي ومنها الكرارية وهي تزيد على 300 بيتاً عدد فيها فضائل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ومناقبه وقد قرضها 19 شاعراً من فحول الشعراء المعاصرين له.

ورأيت في المجموع ( الرائق ) مخطوط السيد أحمد العطار مراثي الشريف الكاظمي للامام الحسين (عليه السلام) ومنها قصيدة التي أولها.

ذكر الطفوف ويوم عاشورا *** منعا جفوني لذة الاغفاء

وفي ص 358 قصيدة نبوية تحتوي على 150 بيتاً ، أولها

أشجاك برق لاح بالجرعاء *** فأثار منك لواعج البرحاء

ومن روائعه ما كتبه في مقام مشهد الشمس بالحلة

أقول وقد دخلت مقام مولى *** أنخت ركاب آمالي لديه

الا لا تعجبوا للشمس ردت *** به دون الورى جهراً عليه

فوجه المرتضى لا شك شمس *** وشبه الشيء منجذب اليه

وترجم له صاحب كتاب ( معارف الرجال ) فقال :

ص: 125


1- وتنسب هذه القصيدة للشيخ حسين العذاري. هكذا رأيت في مجموعة الشيخ حسن سبتي رحمه اللّه . والشيخ حسين العذاري رجل أفنى عمره في مدح أهل البيت فضاق به الدهر يوماً فقصد الروضة العلوية وأنشد هذه القصيدة وعند فراغه من انشادها أتاه أت فرمى اليه صرة فكانت هي سبب ثروته أقول لعله أنشدها ولم ينشئها.

الشيخ محمد بن شريف بن فلاح الكاظمي صاحب القصيدة الكرارية في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام نظمها سنة 1166 وقرضها ثمانية عشر شاعراً من أدباء عصره.

قال السيد الأمين في الأعيان : السيد شريف بن فلاح الحسيني الكاظمي توفي سنة 1220 ه- كان فاضلاً عالماً مشاركاً في الفنون أديباً شاعراً. أقول : وفي آخر الترجمة أسماه : محمد شريف بن فلاح الكاظمي ، وان الشيخ النوري رحمه اللّه لما ذكر بعض أبيات القصيدة الكرارية في كتابه ( نفس الرحمن ) أسماه بالسيد الشريف بن فلاح الكاظمي ، والقصيدة في مخطوط ( المجموع الرائق ) للمرحوم السيد أحمد العطار البغدادي ج 2 ص 362 قال : للشيخ الشريف السيد شريف ابن فلاح الكاظمي يمدح أمير المؤمنين علیه السلام .

السيد شريف بن فلاح الكاظمي :

السيد شريف بن فلاح الكاظمي (1) :

ألا ما لأيام اللباب تولت *** وصبح مشيبي لاح في ليل لمتي

وما بال أوقات الوصال تصرمت *** وطير المنايا ناح من فوق دوحتي

وعمري تقضى بين لهو وغفلة *** وقال وقيل واكتساب جريرة

وها أنا في مهد الجهالة راقد *** ولم ارتدع عن قبح فعل وزلة

فما عذر مثلي حين أدعى بموقف *** وقد ملئت من سيآتي صحيفتي

فحتام يا من عاش في لجة الهوى *** تبارز ربا عالما بالسريرة

تبارزه سراً وجهراً وتغتدي *** كأن لم تبارزه بكل عظيمة

ص: 126


1- 1 - قال السيد الأمين في الأعيان : وجدنا في بعض المجاميع العاملية هذه القصيدة في رثاء الحسين علیه السلام وفي أولها : مما قال السيد شريف يسر اللّه أموره ، ورواها السيد العطار في المجموع الرائق للشيخ شريف بن فلاح الكاظمي

تيقظ هداك اللّه من رقدة الهوى *** فانك منقول إلى ضيق حفرة

فويك اجترحت السيئات جميعها *** ومالك في الطاعات مثقال ذرة

تمسكت بالدنيا غروراً كمثلما *** تمسك ظام من سراب بقيعة

أليست هي الدار التي طال همها *** فكم اضحكت قدماً اناساً وأبكت

وكم قد اذلت من عزيز بغدرها *** وكم فجعت من فتية علوية

هم عترة المختار أكرم شافع *** وأكرم مبعوث إلى خير أمة

بنفسي بدوراً منهم قد تغيت *** محاسنها في كربلا أي غيبة

رماها يزيد بالخسوف وطالما *** بأنوارها جلت دجى كل ريبة

بنفسي وأهلي والتليد وطارفي *** وكل الورى أفدي قتيل أمية

فنادى ألا هل من مجير يجيرنا *** وهل ناصر يرجو الإله بنصرتي

ويرنو إلى ماء الفرات ودونه *** جيوش بني سفيان حلت وحطت

ولم أنسه يوم الطفوف وقد غدا *** يكر عليهم كرة بعد كرة

إذا كرّ فروا خيفة من حسامه *** فكانوا كشاء من لقا الليث فرت

إلى أن هوى فوق الصعيد مجدلا *** فاظلمت الدنيا له واقشعرت

وما انس لا أنس النساء بكربلا *** حيارى عليهن المصائب صبت

ولما رأين المهر وافى وسرجه *** خلياً توافت بالنحيب ورنت

ولا أنس اخت السبط زينب اذ رنت *** اليه ونادت بالعويل وحنت

تقول ودمع العين يسبق نطقها *** وفي قلبها نار المصائب شبت

أخي يا هلالا غاب بعد كماله *** فاضحى نهاري بعده مثل ليلتي

ص: 127

أخي أى رزء اشتكي ومصيبة *** فراقك أم هتكي وذلي وغربتي

أم الجسم مرضوضاً أم الشيب قانياً *** أم الرأس مرفوعاً كبدر الدجنة

أم العابد السجاد أضحى مغللاً *** عليلا يقاسي في السرى كل كربة

أم النسوة اللاتي برزن حواسرا *** كمثل الإما يشهرن في كل بلدة

فلما رأته لا يجيب نداءها *** بكت ورنت بالطرف نحو المدينة

ونادت بصوت يصدع الصخر جدها *** وفي قلبها نار المصائب صبت

أيا جد لو يفدى من الموت ميت *** فديت حسيناً من سهام المنية

أيا جد من لي بعد فقد مؤملي *** ومن ارتجيه ان جفتني احبتي

أيا جد ما حزني عليه بزائل *** ولا دمعي المنهل يبرئ غلتي

أيا جد عنا الصون هتك ستره *** وأوجهنا بعد الخدور تبدت

وسار ابن سعد بالنساء حواسرا *** وخلف جثمان الحسين بقفرة

وأصحابه في الترب صرعى كأنهم *** نجوم سما حفت ببدر دجنة

ويحضرها في مجلس اللّهو شامتاً *** يزيد تغشاه الإله بلعنة

ويحضر رأس ابن النبي أمامه *** وينكت منه الثغر بالخيزرانة

وينشد أشعار الشماتة قائلاً *** نفلق هاماً من رجال أعزة

فيا حسرة في القلب طالت ومحنة *** إلى أن ترى الرايات من أرض مكة

أمولاي يا ابن العسكري إلى متى *** تروح وتغدو بين هم وشدة

أيا سادتي يا آل أحمد أنتم *** ملاذي إذا جلت وجمت خطيئتي

خذوا بيدي في يوم لامال نافع *** ولا ولد جاز ولا ذو حمية

ص: 128

سوى حبكم يا عترة الطهر أحمد *** وبغض أعاديكم وتلك عقيدتي

اليكم بني الزهراء بكراً يتيمةً *** قبولكم من خير مهر اليتيمة

فريدة حسن من شريف أتتكم *** تنوح عليكم نوح ثكلى حزينة

عليكم سلام اللّه ما هبت الصبا *** وما ناح قمري على غصن ايكة

قال السيد الأمين :

وفي الطليعة ، هكذا وجدنا اسمه ونسبه وتاريخ وفاته في مسودة الكتاب ولا نعلم الآن من اين نقلناه والظاهر أنه من الطليعة.

كان فاضلاً عالماً مشار كافي الفنون أديباً شاعراً وله قصة مشهورة وهي أنه احتاج وهو في النجف فقصد الروضة المقدسة وأنشد قوله :

أبا حسن ومثلك من ينادى *** لكشف الضر والهول الشديد

أتصرع في الوغي عمرو بن ود *** وتردي مرحبا بطل اليهود

وتسقي أهل بدر كأس حتف *** مصبرة كعتبة والوليد

وتجري النهروان دماً عبيطاً *** بقتل المارقين ذوي الجحود

وتأبى أن تكف جيوش عسري *** وتنصرنى على الدهر العنود

وها هو قد أراني الشهب ظهرا *** وأحرم ناظري طيب الهجود

فاطلع في سما الاقبال بدري *** وبدل نحس حظي بالسعود

وأوردني حياض نداك اني *** لمحتاج إلى ذاك الورود

أترضى أن يكدر صفو عيشي *** وتصبح أنت في عيش رغيد

أتنعم في الجنان خلي بال *** ومني القلب في جهد جهيد

ص: 129

أما قد كنت تؤثر قبل هذا *** ببذل القوت في القحط الشديد

فكيف أخيب منك وأنت مثر *** غديم المثل في هذا الوجود

أما لاحت لمرقدك المعلى *** جواهر كدرت عيش الحسود

فمن در وياقوت مشع *** ومن ماس تلوح على عقود

ومن قنديل تبرٍ بات يجلو *** سناه الهم عن قلب الوفود

فجد لي يا علي ببعض هذا *** فان التبر عندك كالصعيد

ولي يا ابن الكرام عليك حق *** رثاء سليلك الظامي الشهيد

فكم أجريت من دمع عليه *** وكم فطرت قلبا كالجليد

فكن في هذه الدنيا معيني *** وكن لي شافعاً يوم الورود

قال فسقط عليه قنديل ذهب فأخذ وعلق فوقع عليه ثانية فأخذه

ص: 130

امين بن محمود الكاظمي

اشارة

هو الشيخ أمين بن الشيخ محمد الكاظمي. ذكره السيد الأمين في أعيان الشيعة ج 13 ص 52 فقال : (1)

لا نعرف من أحواله شيئاً ، سوى أننا وجدنا له هذه الأبيات يرثي بها الإمام الحسين (عليه السلام).

قف بالطفوف وسلها عن أهاليها *** وطف بأرجائها والثم نواحيها

واستنشق الترب منها إن تربتها *** فيها الشفاء وللأسقام تبريها

واسكب دموعاً على تلك الربوع عسى *** وكف الدموع لنار القلب يطفيها

وقف عليها وسلها أين عنك مضوا *** أهل القباب ومن قسد حل ناديها

أين البدور التي حلت بساحتها *** أين الأسود التي حلت بواديها

تاللّه لم يهنني من بعدهم وطر *** مذ قيل دارت عليهم كأس ساقيها

ص: 131


1- عن شعراء بغداد تأليف علي الخاقاني الجزء الثاني ص 189.

الشيخ امين الكاظمي : وفاته قبل سنة 1222

قال الشيخ الطهراني في ( طبقات أعلام الشيعة ) ج 2 ص 157 :

هو الشيخ أمين ابن الشيخ محمود الكاظمي الأسدي ، عالم جليل وفقيه بارع مروج. ذكره السيد الصدر في التكملة ، فنقل عن العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي : إنه من العلماء المروجين للدين في الفترة بعد طاعون 1186 حيث ما بقي أحد من العلماء وتوسع الناس في الفجور فقام المترجم بتعليم الصلاة ونشر الأحكام بتقريبات وأساليب تميل إليها النفوس وبنى مدرسته التي حكم بوقفيتها الشيخ ابراهيم الجزائري وسهر على احياء الدارس من معالم الدين حتى عادت بلدة الكاظمين علیهماالسلام من بركاته دار الهجرة لطلب العلم ، وتوفي قبل 1222 انتهى ملخصاً. وقد صرح السيد الصدر في ( التكملة ) وغيره في غيرها أنه أسدي ينتهي نسبه إلى حبيب بن مظاهر شهيد الطف إلا أن السيد جعفر الأعرجي أنهى نسبه إلى الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري قال في ( نفحة بغداد ) : خال والدي الشيخ أمين ابن الشيخ العالم الكبير محمود بن كلب علي الكاشاني بن غلام علي بن عبد علي بن القاضي محمد بن حبيب بن ابراهيم بن بديع الزمان بن جمال الدين بن احمد بن نظام الدين بن جلال الدين بن رفيع الدين بن علي بن ضياء الدين بن يحيى بن فتح اللّه بن يحيى بن الحسن بن فخر الدين بن اميدواد بن فضل اللّه بن اسحاق بن فضل اللّه بن محمد بن أبي المكارم بن أحمد ابن علي بن أبي المعالم بن أحمد بن أبي الغنائم محمود بن أحمد بن أبي الفضل

ص: 132

ابن محمد بن أحمد بن أبي الفضل بن هاشم بن فاضل بن يحيى بن عقيل بن يحيى ابن ذر بن أبي ذرّ جنادة بن قيس. هكذا ذكره الأعرجي واللّه العالم بالصحيح منهما. ويأتي ذكر الشيخ كاظم شقيق المترجم مع أولاده الشيخ محمد علي والشيخ محمد يونس والشيخ محمد جواد كما يأتي ذكر ابن عم المترجم الشيخ حسن بن هادي المنصوب لتوليته المدرسة المذكورة وابنه الشيخ طالب بن الحسن وولديه الشيخ باقر والشيخ حسن ابني طالب ، ويأتي أيضاً ذكر الشيخ محمد ابن المترجم والكل علماء فضلاء انتهى.

ص: 133

الشيخ حميد نصار

اشارة

المتوفى 1225

ما انتضار الدمع أن لا يستهلا *** أو ما تنظر عاشوراء هلا

هل عاشور فقم جدد به *** مأتم الحزن ودع شربا وأكلا

كيف لا تحزن في شهر به *** أصبحت آل رسول اللّه قتلى

كيف لا تحزن في شهر به *** غودرت فاطمة الزهراء ثكلى

كيف لا تحزن في شهر به *** رأس خير الخلق في رمح يعلى

وإذا عاينت أهليه ترى *** نوباً فيها رزايا الخلق تسلى

من عليل وسدته البزل حلسا *** وقتيل وسدته البيد رملا

ص: 134

الشيخ حميد نصار الشيباني اللملومي النجفي

الشيخ حميد(1) نصار الشيباني اللملومي النجفي

قال السيد الأمين في الأعيان ج 28 ص 106 : أنه توفي سنة 1225 في النجف الأشرف ودفن بها.

في الطليعة كان فاضلاً مشاركاً في العلوم أديباً في المنثور والمنظوم مكثراً في مدائح الأئمة علیهم السلام ومراثيهم. وهو عم الشيخ محمد نصار الشاعر المشهور باللغتين الفصحى والدارجة.

وله صحبة تامة ومودة أكيدة مع حمد آل حمود زعيم الخزاعل المشهور المتوفى سنة 1214 وله فيه مدائح كثيرة وله بنود في مدحه منها البند المشهور :

أيها الراكب يفري شقق البيد على أمثلة السيد وأشباح القنا الميد من النجب المناجيد لك اللّه وحياك وأرشدت بمسراك ، إذا شمت من البرق غماما مسبل الودق وعاينت من البحر خضما مزبد الزخر ويممت من الروض ربيعاً ومن الغيث مربعاً ومن الليث منيعاً (2) إلى آخر ما قال :

ص: 135


1- بضم الحاء و تشديد الياء المكسورة ، تصغير حمد.
2- ذكره السيد الأمين في معادن الجواهر ج 3 ص 585.

ومن شعره في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) :

يوم ابن حيدر والأبطال عابسة *** والشمس في عنبر الهيجاء تنتقب

والسمر من طرب تهتز مائسة *** والبيض في قمم الأقران تختضب

رامت أمية أن تقتاد ذا لبد *** منه وتحجب بدراً ليس يحتجب

فانصاع كالضيغم الكرار منتدراً *** بصولة ريع منها الجحفل اللجب

يلقى الكماة بثغر باسم فرحاً *** كأنهم لندى كفيه قد طلبوا

حتى إذا لم يدع للشرك من سكن *** إلا وقامت به من بأسه الندب

وافته داعية الرحمن مسرعة *** فخر وهو يطيل الشكر محتسب

نفسي الفداء له والسمر واردة *** من نحره والمواضي البيض تختضب

مضرج الجسم ما بلت له غلل *** حتى قضى وهو ظمآن الحشا سغب

دامي الجبين تريب الخد منعفر *** على الثرى ودم الأوداج ينسكب

مغسل بنجيع الطعن كفنه *** سافي الرياح ووارته القنا السلب

قضى كريماً نقي الثوب من دنس *** يزينه كلما يأتي ويجتنب

يا قائداً جمح الأعداء طوع يد *** كيف استقادتك منها جامح ذرب

لئن رمتك سهام الدهر عن إحن *** وقارعتك مواضيه فلا عجب

كنت المجير لمن عادى فحق له *** أن يطلب الثأر لما أمكن الطلب

يا مخرس الموت إن سامتك نائبة *** من النوائب كيف اغتالك الشجب

يا صار مافل ضرب الهام مضربه *** ولا تعاب إذا ما فلت القضب

لو تعلم البيض من أردت مضاربها *** نبت وفل شباها الروع والرهب

ولو درت عاديات الخيل من وطأت *** أشلاءه لاعتراها العقر والنقب

إن كورت منك كف الشرك شمس ضحى *** فما على الشمس نقص حين تحتجب

ص: 136

ما كنت أحسب والأقدار غالبة *** بأن شمل الهدى الملتام ينشعب

فكم عفيفة ذيل للبتول سرت *** على أضالع لم يشدد لها قتب

تطوي على جمرات الوجد أضلعها *** وقد أضر بها الإغماء والسغب

وله في رثاء الحسين (عليه السلام) :

يا ناعي ابن رسول اللّه هجت لنا *** حزناً ودمعاً على الخدين مدرارا

نعيت لو تدري من تنعاه ما ضحكت *** أسنان فيك ولا سامرت سمارا

يا وقعة الطف كم عين بك انذرفت *** وللهداية كم ركن بك انهارا

افيك يقضون آل المصطفى عطشاً *** والماء طام فليت الماء قد غارا

ص: 137

الشيخ محمد رضا النحوي

اشارة

هذه القصيدة صدورها للشيخ أحمد النحوي ، وأوائل الإعجاز لولده الشيخ محمد هادي ، وثوانيها للشيخ أحمد الحلي ، وثوالثها لولده الشيخ محمد رضا النحوي.

عج بالمطى قليلاً أيها الحادي *** وسائل الركب عن سكان أجياد

على أشم عراراً في ربى الوادي *** ما سرت إلا بأحشاء وأكباد

رفقاً بهن فقد قاسين طول سرى *** وما يعانين من وخد واسآد

كآنها من جفاها بعض أعواد *** وضرها فرط أغوار وأنجاد

أما تراها براها الشوق مذ زمن *** ومسها حز أقتاب وأقتاد

قد آذنت فيه أحبابي بابعاد *** إلى كرام بهم رشدي وإرشادي

تصبو لنجد وما نجد وساكنه *** إلا شفاء غليل الظامئ الصادي

كلا وليس لنجد بل إبراد *** وأين نجد لا نجاد وإسعاد

لها فؤاد معنى في معاهدها *** لا يستقر إذا ما رجع الحادي

سقى المعاهد سحاً صوب مرتاد *** ما حال في عهده عن خير عهاد

ترتاح إن لاح في الآفاق ضوء سناً *** نور الثنية من غربي بغداد

صبح به يهتدى حيث الدجى بادي *** برق تألق وهنأ والدجى هادي

تصد عن وردها إن فاح ريح صباً *** وتترك الروض غفلا غير مرتاد

بما تضمن من أخلاق أمجاد *** من العواصم من أكناف بغداد

فاستبق فيها بقايا كي ننيخ بها *** على مهابط وحي نورهم باد

على مزار شهيد نجل أمجاد *** على مصارع أمجاد وأنجاد

ص: 138

على محل به الأملاك عاكفة *** عوجا قليلا كذا عن أيمن الوادي

على تلاوة آيات وأوراد *** والخلق فيه سواء عاكف بادي

على حمى كربلا شوقا لساكنها *** عج بالحمى يا رعاه اللّه من وادي

أفديه في طارفي مني واتلادي *** هادي البرية واشوقاه للهادي

إن جئتها فأطل منك الوقوف بها *** غذيت در التصابي قبل ميلادي

وسح دمعا بإصدار وإيراد *** فاخلع نعالك فيها إنها الوادي

نبكي على أسد قد خر منجدلا *** زواره الوحش من سيد وآساد

كسته بيض المواضي حمر أبراد *** ياليت أني له دون الورى فادي

لهفي له جسداً قد ضمخوه دماً *** ثاو على الترب ملقى بين أجساد

على الثرى بين أهضام وأنجاد *** كأن أثوابه مجت بفرصاد

لهفي له وهو فرد قد أحاط به *** بنو أمية لا تحصى بتعداد

جيش لآل زياد نسل أوغاد *** جيش كهام كصوب العارض الغادي

يا عصبة ما رعت حق البتول ولا *** راعت ذمام النبي المصطفى الهادي

حق الوصي وأبدت غل أحقاد *** عادت على بادئ بالبر عواد

لهفي له والعدى تنتابه زمراً *** بكل لدن أصم الكعب مياد

والراس منه مشال فوق أعواد *** لم أحص عدتهم إلا بعداد

لهفي لبدر بدا منه السرار على *** أيدي العدى طول أزمان وآباد

حكم الإله وفيه كل اسعاد *** أرض الطفوف بأرماس وأنجاد

لهفي لشمس ضحى بالنور مشرقة *** قد أخمد النور منها أي إخماد

تغنى بأنوارها عن كل وقاد *** لهفي على كوكب بالسعد وقاد

أبدى الحمام عليهم شجوه وله *** طوق الكآبة أضحى قيد أجياد

عليه فرط بكاء بعد تعداد *** تبكي السماء بدمع رائح غادي

ص: 139

على البها من أبناء أحمد لا *** على البها ليل من أبناء عباد

لهفي عليهم وقد سارت ظعائنهم *** والموت خلفهم يسري بميعاد

بأمرة ابن زياد أصل إلحاد *** كأنها إبل يحدو بها الحادي

لهفي على طود مجد هد شامخه *** مجدلا بين أجبال وأطواد

بوقعه قد شفى أضغان حساد *** وركن مجد بأرض الطف منئاد

لهفي على بحر جود غاض مورد *** وكان يشرع منه كل وراد

فجرع النبت منه غلة الصادي *** وكان رياً لوراد ورواد

لهفي على خاشع لله مبتهل *** في أسر قوم لدين الكفر عباد

وخير عبادها نسكاً وزهاد *** لهفي على راكع لله سجاد

لهفى على نجله السجاد حلف ظناً *** مكبل بين أغلال وأقياد

مغللا بين أغلال وأصفاد *** أخفاه طول الضنا من غير عواد

يرى العدى وأهاليه بأسرهم *** أسرى وليس لهم في القوم من فادي

غدوا حيارى بأطفال وأولاد *** والسقم ينفض فيهم صبغة الجادي

من كل ذات شجى ترثي لحال شج *** تطوي الضلوع على جمر وإيقاد

حزينة لم تزل في أسر أنكاد *** وذي قيود غدا يرثي لمنقاد

مقروحة القلب من سقم وطول ضناً *** قرحى الجفون بتسكاب وتسهاد

قد شفها فقد آباء وأجداد *** قد دب منها بأعضاء وأعضاد

تشكو الظما وهجير الصيف متقد *** غرثى ولم تلق غير الدمع من زاد

ياليت أبحرها ترمي بأنفاد *** والماء طام لرواد ووراد

ماذا يقول بنو حرب إذا عرضوا *** والكل عات على أهل الهدى عاد

وقد أتوا بين مغلول ومنقاد *** والخلق طراً وقوف بين أشهاد

وقام ثم علي والبتول معاً *** في موقف العرض كل شجوه باد

ص: 140

والكل يهتف هذا يوم ميعاد *** والنار ما بين إلهاب وإيقاد

وكان فيها شفيع الخلق خصمهم *** واللّه مطلع منهم بمرصاد

ومنهم أظهر الشكوى بترداد *** والحاكم اللّه في ذيالك النادي

يا عثرة ما يقال الدهر عاثرها *** كبابها الدهر يابن المصطفى الهادي

عند الوفود غداً في شر وفاد *** والشر أخبث ما أوعيت من زاد

مولاي يا ابن أجل المرسلين علا *** وأكرم الناس من قار ومن باد

* * *

يا من إليه لقد ألقيت أقيادي *** ومن هم لمعادي خير إعدادي

إليك من أحمد عذراء فائقة *** أضحت إجازتها من نجله هادي

مدوا بها أحمداً من خير إمداد *** ومن رضا در إنشاء وإنشاد

يعيي السلامي أن يأتي بمشبهه *** نظما ويعجز عنها نجل عباد

والخالدي وبشر وابن خلاد *** أين الخليعي منها وابن حماد (1)

ص: 141


1- 1 - عن الرائق مخطوط المرحوم السيد أحمد العطار

الشيخ محمد رضا النحوي

توفي 1226

ابن الشيخ أحمد بن الحسن الملقب بالشاعر - الحلي النجفي مولده بالحلة في أواسط القرن الثاني عشر وقضى الشطر الأول من حياته فيها والثاني في النجف على عهد آية اللّه السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، جمع إلى الفقه والحديث آداب اللغة العربية واحتل مكانة سامية في الأوساط العلمية والادبية ، وهو أحد الفطاحل الخمسة الذين كان يعرض السيد الطباطبائي عليهم منظومته الفقهية الشهيرة الموسومة ب- « الدرة » إبان نظمها فصلاً بعد فصل لإبداء ملاحظاتهم ومناقشاتهم العلمية حولها وهو من أبطال « وقعة الخميس » التي هي عبارة عن مساجلة أدبية اتفقت في عهد السيد بحر العلوم ونظم فيها شعراء ذلك العصر كالسيد محمد بن زين الدين والشيخ محمد بن الشيخ يوسف من آل محي الدين والسيد صادق الفحام وبحر العلوم وكاشف الغطاء وصاحب الترجمة وسميت باسم وقعة الخميس التي جرت بصفين زيادة في المطايبة والظرف وهي مدونة في عدة من المجاميع العراقية المخطوطة.

كان النحوي أكبر شعراء عصره بلا مراء وأطولهم باعا في النظم وأنقاهم ديباجة لا يجاريه أحد منهم في حلبة ، وشعره رصين البناء متين الأسلوب وألفاظه محكمة الوضع لا تكاد تعثر على كلمة مقتضبة في شعره وقد جمع فيه بين الإكثار والإجادة وقلما اتفق ذلك لغيره.

ص: 142

درس المبادئ من النحو والصرف والمعاني والبيان ونظائرها على والده الشيخ أحمد - المتقدم ذكره - والفقه والأصول على العلامة بحر العلوم ومن بعده على الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وقد ذكره صاحب روضات الجنات في آخر ترجمة بحر العلوم وعبر عنه بالشيخ محمد رضا « النجفي » ويحتمل أن أصل الكلمة « النحوي » وصحفت بالنجفي وأشار إلى مرثيته السيد ولم يذكر منها سوى مادة التاريخ وهو شطر واحد « قد غاب مهديها جداً وهاديها - 1212 ونقل ذلك عن السيد صدر الدين العاملي.

وكان ابوه يمرنه على النظم - كما مرن البازي كف الملاعب - ويقحمه في تلك المضامير الرهيبة منذ عهد الصغر وفي السفر والحضر ويشجعه على مجاراته والاشتراك معه في مرتجلاته واليك هذه القطعة التي شارك في نظمها اباه وهو يافع حين قدما من الحلة الى النجف لزيارة المشهد العلوي ولاحت لهما القبة الذهبية من بعيد وذالك من بعد تذهيبها ببضعة اعوام فقال الوالد لولده : ( انظر اليها تلوح كالقبس ) فقال الولد : أو برق غيث همى بمنبجس ثم شرع كل منهما باجازة بيت بيت وقد علمنا ما هو للشيخ احمد بقوسين وما هو غفل منها - فهو لولده الرضا :

( أنظر إليها تلوح كالقبس ) *** أو برق غيث همى بمنبجس

( أو غرة السيد الإمام أبي *** الأطهار من قد خلا من الدنس )

يا حبذا بقعة مباركة *** فاقت بتقديسها على قدس

( شاهدت فيها بدر التمام بدا *** فقلت نور الإله فاقتبس )

يهدي البرايا ونور حكمته *** يجلو سناه غياهب الغلس

( إن فاه نطقي بغير مدحته *** أبدلني اللّه عنه بالخرس )

من قام للضد فيه مأتمه *** وأصبح الطير منه في عرس

ص: 143

( سل عنه بدراً فكم بحملته *** من طائح رائح ومرتكس )

هذا عن السرج خر منجدلا *** وذا قضى نحبه على الفرس

( وأصبح البر وهو بحر دم *** فما جرى سابح على يبس )

يفترس الأسد وهي شيمته *** كم فارس وهو غير مفترس

( جدد رسم الهدى وقد طمست *** أعلامه فهو غير منطمس )

يكفيك فخراً ما جاء في خبر *** الطائر صدق الحديث عن أنس

( اليك وجهت همتي فعسى *** أبدل حظاً بحظي التعس )

واجتاز اعلى غلام عامل يصنع سفينة فاشتركا في نظم هذه القطعة والصدور منها إلى الوالد والإعجاز لولده المترجم :

ورب ظبي مروع *** يروع في الهجر روعي

ذلت له الخشب طوعا *** كذلتي وخشوعي

فقلت يا ريم ماذا *** تبغي بهذا الصنيع

فقال أبغي سفينا *** لرحلتي ورجوعي

فقلت دونك فاصنع *** سفينة من ضلوعي

شراعها من فؤادي *** وبحرها من دموعي

وبعد وفاة والده انقطع إلى ملازمة السيد صادق الفحام فكان له أبا ثانياً - ومربياً حانياً وله معه مساجلات مثبتة في ديوانيهما ورأيت السيد في ديوانه المخطوط يعبر عنه غالباً ب- « الولد الأكرم » وطوراً ينعته ب- « الأديب العارف الكامل » وقد حفظ النحوي لسيده الصادق تلك

ص: 144

اليد وما زال يتذكرها فيشكرها له في حياته وبعد وفاته وإليك قسماً كبيراً من قصيدته التي رثاه فيها وهي تنيف على (70) بيتاً لتشاهد اللوعة والحزن العميق في رثائه ( الصادق ) :

خليلي عوجا بالديار وسلما *** وحوما معي طيرا على ذلك الحمى

ألما معي نقضي حقوقاً تقدمت *** فما نصف أن تسلماني وتسلما

فحلا عزالي الدمع فيها وأرخيا *** وإن كان ما بي من جوى ليس فيكما

خليلي ثوبا عن دموعي بسقيها *** فعيني إذا استقطرتها قطرت دما

سلاها دنو الدار ممن نأت بهم *** « عسى وطن يدنو بهم ولعلما »

لعل الليالي أن تعود كما بدت *** « وأن تعتب الأيام فيهم وربما » (1)

سلاها سقاها اللّه ما بال أفقها *** وقد أزهر الأكوان أصبح مظلما

وغاضت بحار العلم فيها وقد طمت *** عبابا وقد سامت بأمواجها السما

هوى قمر الأقمار من آل هاشم *** فأظلم ذاك الحي فيهم وأعتما

أصم به الناعي ذوي السمع لانعى *** وأخرس فيه الناطقين وأبكما

فيا نائياً لم ينأ عنا وإن رمت *** به مزعجات البين أبعد مرتمى

برحت وما بارحت خطرة خاطر *** وبنت وما باينت من ذكره فما

شطرت عليك العمر شطرين عبرة *** تجيش بجاريها ووجداً تضرما

سأستغرق الأحوال فيك ولم أقل *** « إلى الحول ثم اسم السلام عليكما »

ويا والداً ربيت دهراً ببره *** ومن بعدما ربى وأحسن أيتما

لساني عصاني في رثائك محجما *** وعهدي به إن أحجم القرن مقدما

وكان إذا جالت قداح مياسر *** على خطباء القوم فيك المتمما

ص: 145


1- 1 - هذا العجز وما قبله مطلع قصيدة لأبي تمام الطائي

فأنت الذي فللت حد غراره *** وكان جرازاً يأكل الغمد مخذما

ولولا الذي بي منك شعشعت أفقها *** شموساً وصيرت القوافي أنجما

وها أنا ذا قدمت ما ليس ينبغي *** لمثلك عذر إليك تقدما

لئن كان عن فكر عليل معبراً *** فقد جاء عن ود صحيح مترجما

سقى عهدك المعهود بالصدق والوفا *** سماء (1) من الرضوان ما دامت السما

ولا برحت تعتاد مثواك بالثنا *** ملائكة الرحمن فذا وتوأما

ولا زايلت تلك الرياض مودعا *** من الودق نضاخ الحيا ومسلما

فيالك رزء جب من آل غالب *** سناما لآفاق البلاد تسنما

لوى من لوي حيث كانت لواءها *** وهد ذرى عليا قريش وهدما

ومنها يعزي السيد بحر العلوم ويمدحه :

فتى قرن الباري سلامة خلقه *** وصحتهم في أن يصح ويسلما

هو الخلف المهدي بورك هادياً *** وبورك مهديا إذا النهج أبهما

تكفل بالأيتام فهو لهم أب *** وحامى عن الإسلام فهو له حمى

فتى كلما أبدى الجميل أعاده *** وإن صنع المعروف زاد وتمّما

عزاء وإن عز العزاء وسلوة *** عليه وإن خلت السلو محرما

فما العمر ما عاش الفتى غير طائف *** أطاف كرجع الطرف ثم تصرما

وما هذه الأيام إلا بوارق *** ألقن غروراً أو هي الركب هوّما

وما كان هذا العيش إلا صبابة *** تمر لماضا أو خيالاً مسلما

وعزاك من عزاك عنه مؤرخا *** على الصادق الود السما أمطرت دما

ص: 146


1- السماء من أسماء المطر.

وحسبك شاهداً على سمو منزلة المترجم ما كتب به إليه شيخ الفقهاء في الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس سره ضمن رسالة :

يكلفني صحبي القريض وإنما *** تجنبت عنه لا لعجز بدا مني

ألم يعلموا أن الكمال بأسره *** غدا داخلاً في حوزتي صادراً عني

ألم تر مولانا الرضا نجل أحمد *** إذا قال شعراً لم يحكم سوى ذهني

على أنه للفضل قطب وللنهى *** مدار وفي الآداب فاق ذوي الفن

غدا في الورى رباً لكل فضيلة *** وحاز جميل الذكر في صغر السن

فأجابه النحوي على الروي والقافية :

ألا أيها المولى الذي سار ذكره *** مسير الصبا قد عبقت سائر المدن

ومن كلما اعتاصت وندت عويصة *** وأعيت على الأفهام كان لها مدني

إذا نحن أثنينا عليك فإنما *** يعود علينا ما عليك به نثني

ونعنيك بالذكر الجميل فينتهي *** إلينا كأنا فيه أنفسنا نعني

أتاني نظام منك ضمن ألوكة *** يفوق نظام الدر في النظم والحسن

نظمت النجوم الزاهرات قلائداً *** وقلدتنيها منك منا بلا من

ألذ على الأسماع من مطرب الغنا *** وأحلى على ذي الخوف من وارد الأمن

فكان سروري عند كل مساءة *** أسري به همي وأجلو به حزني

وكان دليلي حيث ضلت مسالكي *** علي ومصباحي بكل جدى دجن

فخذها كما تهوى نسيجة وحدها *** مقدرة في السرد محكمة الوضن (1)

على انها لم تحك دراً نظمته *** وإن شاكلته في الروي وفي الوزن

ص: 147


1- السرد : الذرع. والوضن : النسج ومنه قوله تعالى : على سرر موضونة.

وفي المترجم يقول العلامة الأديب الشيخ محمد علي الأعسم من قصيدة :

وقف على الشيخ نجل الشيخ ثم وقل *** يا نبعة نبعت من ( أحمد ) الزاكي

ويا ذبالته من نوره اتقدت *** ونفحة نفحت من عرفه الذاكي

ملكتم النظم والنثر البديع وكم *** سما لدعواه قوم غير ملاك

وكم لكم آية غراء بان بها *** نهج الهدى لم تدع شكا لشكاك

والأبيات من قصيدة نظمها الأعسم في محاورة أدبية جرت في مجلس الميرزا أحمد النواب في كربلاء حول قصيدة السيد نصر اللّه الحائري اشترك فيها النحوي وجماعة من معاصريه وحكموا فيها السيد بحر العلوم وهي غير « معركة الخميس » وقد أثبتها سيدنا الأمين في ال- ج 11 من الأعيان ، وهنأه صديقه ومعاصره السيد أبراهيم العطار والد السيد حيدر - جد الأسرة الحيدرية في بغداد والكاظمية - بقصيدة عند قدومه من زيارة خراسان - منها - :

قد جد في مسيرة حتى هوت *** شوقا إلى طوس به مطيه

وزار فيها قبر قدس قد ثوى *** فيه ابن موسى المجتبى « عليه »

نال من اللّه الرضا زائره *** لا سيما الشيخ « الرضا » سميه

( كميت ) هذا العصر ( بحترية ) *** ( طائيه ) ( كنديه ) ( رضيه )

فلو أتى سحبان في زمانه *** لبان ما بين الأنام عيه

أنى يبارى وأبوه « أحمد » *** الفضل إمام الشعر بل نبيه

الطاهر الأخلاق والذات الذي *** من باهر الفضل له جليه

أعاد ميت الفضل حياً بعدها *** طبق أقطار الفلا نعيه

ص: 148

وإليك من شعر النحوي في الغزل والنسيب قوله :

ذكرت ليالياً سلفت بجمع *** فبت لذكرها شرقاً بدمعي

وأذكر من نسيم رياض نجد *** معاهد جيرة نزلوا بسلع

وأومض بارق في الجزع وهناً *** يترجم عن قلوب ذات صدع

وغرد طائر يملي حديثاً *** فعذب خاطري وأراح سمعي

بجمع لو تعطفتم قلوب *** تبدد شملها من بعد « جمع »

فمنوا واصلين عقيب هجر *** وجودوا منعمين عقيب منع

وقال :

آه من محنتي ومن طول كربي *** وعنائي إذا تذكرت صحبي

كلما استوقد الغرام بلبي *** صحت في لوعتي وحرقة قلبي

الحريق الحريق حقاً وربي

ذبت حتى رثى لي العذال *** مذ رأوني أضر بي الاشتعال

حاولوا برأه وذاك محال *** فاتوا بالمياه نحوي وقالوا

اين هذا الحريق قلت بقلبي

وله :

صحا من خمار الشوق من ليس وجده *** كوجدي وقلبي من جوى البين ما صحا

وعاد غرامي فيكم مثلما بدا *** وأمسى هيامي مثلما كان أصبحا

أطعت غراماً في هواكم ولوعة *** وخالفت عذالاً عليكم ونصحا

ص: 149

ألا فليلم في الحب من لام والهوى *** أبيّاً على اللوام وليلح من لحا

وكم قد سترت الحب والدمع فاضحي *** وما جرت العينان إلا لتفضحا

وكنيت عنكم إن خطرتم بغيركم *** وغالبني الشوق الملح مصرحا

وصرت بنوحي للحمام مجاوبا *** إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى

فتدعو هديلا حين أهتف باسمكم *** كلانا به الوجد المبرحّ برحا

وما وجدت وجدي فتغتبق الجوى *** وتصطبح الأشجان ممسى ومصبحا

ولو صدقت بالنوح ما خضبت يداً *** ولا اتخذت في الروض مسرى ومسرحا

ولي دونها إلف متى عن ذكره *** نحاني لذكراه من الوجد مانحا

إذا ما تجاهشنا البكا خيفة النوى *** وجدنا بدمع كنت أسخى وأسمحا

فيا غائبا ما غاب عني وناز *** على بعده ما كان عني لينزحا

تقربك الذكرى على القرب والنوى *** وبرح جوى ما كان عني ليبرحا

فأنت معي سراً وإن لم تكن معي *** جهاراً فما أدناك مني وانزحا

وكتب إلى صديق له :

سلام عليكم والمفاوز بيننا *** وبالرغم مني من بعيد مُسلّم

فإن لم يجّنئي بالسلام كتابكم *** فإني راضٍ بالسلام عليكم

أأحبابنا والمرء يا ربما ارعوى *** وأغمض والأحوال عنه تترجم

ص: 150

ألفناكم والشوق يلعب بالحشا *** ويبدي الذمي يخفي الضمير ويكتم

وعشنا بكم والعيش غض نباته *** رقيق الحواشي ناعم البرد معلم

إذ الظل دان والأحبة حيرة *** ودهري سلم والحوادث نوم

( ولما أنسنا منكم بخلائق ) *** هي الروض غب القطر ساعه ينجم

وفزنا بأفعال كما رويت لنا *** ( تصدق ما تروي الخلائق عنكم )

( تباعدتم لا أبعد اللّه داركم ) *** وقوضتم والذكر منكم مخيم

وفارقتم لا قدر اللّه فرقة *** ( وأوحشتم لا أوحش اللّه منكم )

وله :

أقول وللهوى ولع بروح *** أبت إلا التردد في التراقي

بنفسي الجيرة الغادين عني *** ووجدهم كوجدي واشتياقي

ألا يا يوم فرقتنا رويداً *** فلست إلى تلاقينا بباقي

ووقفنا موقف التوديع سكرى *** ولا كأس تدار بكف ساقي

أحب نوى يكون به وداع *** وإن كان النوى مر المذاق

نودعكم أحبتنا فإنا *** نرى أن لا سبيل إلى التلاقي

وكتب إلى أخيه الشيخ هادي من النجف إلى الحلة :

أسكان فيحاء العواق ترفقوا *** بمهجة صب بالغرام مشوق

ولا تقطعوا كتب الموده والرضا *** فقد خانني في الحب كل صديق

وكتب إليه السيد صادق الفحام يعاتبه على قطع المراسلة :

عتاب به سمع الصفا الصلد يقرع *** وشكوى لهاصم الصخور تصدع

وما كان هذا العتب إلا تعللاً *** فلم يبق في قوس الأماني منزع

هو الدهر عرنين المخازي بنحسه *** أشم وعرنين المكارم أجدع

ص: 151

فلاذو المساعي ب- ( الرضا ) منه فائز *** ولا ذو الحجا بالعيش منه ممتع

أفي الحق - لويرعون للحق ذمة - *** أبيت ولي حق لديكم مضيع

أأمنع شرب الماء والبحر زاخر *** وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع

أعز كتاب أم تبرم كاتب *** وأعوز قرطاس أم أعتل مهيع

على أنني لا أدعي نقص خلة *** ولكنه حظ به النقص مولع

فعمد النحوي إلى أبيات السيد وحذف صدورها وعمل لأعجازها صدوراً من نظمه وأجاب بها السيد :

أتاني من المولى كتاب بطيه *** عتاب به سمع الصفا الصلد يقرع

فها أنا ذو بث يلين له الحصى *** وشكوى لها صم الصخور تصدع

وكنت أمني النفس بالصفح والرضا *** فلم يبق في قوس الأماني منزع

هو الشهم أنف اللؤم لولا آباؤه *** أشم وعرنين المكارم أجدع

عتاب فلا ذو اللب يملك لبه *** ولا ذو الحجا بالعيش منه ممتع

فتى لم يضع حقاً فحقاً مقاله *** أبيت ولي حق لديكم مضيع

أخاف إذا لم يعف أظمأ في الروا *** وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع

ولا عذر لي إن قلت قد عز كاتب *** وأعوز قرطاس أم اعتل مهيع

وما كان تركي الكتب تركا لوده *** ولكنه حظ به النقص مولع

وقال يخاطب أستاذه السيد بحر العلوم وقد أبل من مرض :

لقد مرضت فأضحى الناس كلهم *** مرضى ولولاك ما اعتلوا ولا مرضوا

ومذ برئت من الأسقام قد برئوا *** فمنك في حالتيك البر والمرض

وله في مرض السيد بحر العلوم :

ولما اعتللت غدا العالمون *** وكل عليل جفاه الوساد

فلا غرو إن لم يعودوك إذ *** مرضت فمن حقهم أن يعادوا

ص: 152

وقال أيضاً :

لقد مرض الناس لما مرضت *** وما ذاك بدعاً نراه جليلا

حللت من العالمين القلوب *** فلا شخص إلا وأمسى عليلا

ورأيت في الجزء الرابع من ( سمير الحاضر ) مخطوط الشيخ علي كاشف الغطاء قال : وللشيخ محمد رضا النحوي مؤرخاً عام تزويح الشيخ موسى كاشف الغطاء.

ومذ جاء فرداً قلت فيه مؤرخاً *** بحسبك أن أوتيت سؤلك يا موسى

وله :

فاسعد بعرس لك الإقبال ارخه *** زوجت بدر الحجى بالشمس يا موسى

وله وقد دخل على السيد بحر العلوم وقد أخذته الحمى والقشعريرة :

وقالوا أصابته وحاشا علاءه *** قشعريرة من ذلك الألم الطاري

وما علموا أن تلك من قبل عادة *** تعودها - مذ كان - من خشية الباري

وقال مخمساً بيتي غانم بن الوليد الآشوني : (1)

أقاموا فأضحى القلب وقفاً عليهم *** وشطوا فأمسى وهو رهن لديهم

فما برحوا في القلب في حاليتهم *** ومن عجب اني أحن إليهم

وأسأل عن أخبارهم وهم معي

عجبت لنفسي بعدهم واتحادها *** بهم تشتكي منهم أليم بعادها

ص: 153


1- 1 - نسبة إلى ( آشونة ) من حصون الأندلس

تتوق لهم روحي وهم في فؤادي *** وتطلبهم عيني وهم في سوادها

ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

وقال مشطراً لنفس البيتين :

( ومن عجب أني أحن اليهم ) *** وهم حيث كانوا من حشاي بموضع

واستنطق الأطلال أين ترحلوا *** ( وأسأل عن أخبارهم وهم معي )

( وتطلبهم عيني وهم في سوادها ) *** ويهفو لهم سمعي وهم ملء مسمعي

وتصبو لهم نفسي وفي نفسي هم *** ( ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي )

وقال في بنت له صغيرة مرضت واسمها رحمة وفيها الاقتباس :

قد مرضت ( رحمة ) فكل *** عج إلى اللّه والأئمة

فعافها ربنا سريعاً *** « وهب لنا من لدنك رحمة »

وللنحوي يد طولى في نظم التواريخ في الحروف الأبجدية وليس الغرض المقصود من التاريخ ضبط عدد السنين من الحروف فقط وانما الغرض ايداع النكتة فيه أو التورية التي تدل على الموضوع وتواريخ النحوي كلها لا تخلو من هذه المحسنات التي المعنا اليها فمنها ما قال في ختان العلامة الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء واتفق ان الخاتن له يدعى « عبدالرحمن »

تطهر موسى بالختان وإنه *** فتى طاهر من طاهر متطهر

وما كان محتاجاً لذاك وانما *** جرت سنة الهادى النبي المطهر

هنالك قد أنشدت فيه مؤرخا *** لقد طهر ( الرحمن ) ( موسى بن جعفر )

ص: 154

وقال مؤرخاً ولادة الشيخ حسن صاحب ( انوار الفقاهة ) أصغر انجال الشيخ الأكبر كاشف الغطاء من أبيات :

أهلاً بمولود له التاريخ - قد *** أنبته اللّه نباتاً ( حسناً )

1201ه-

وله يؤرخ ولادة العلامة السيد رضا سليل آية اللّه بحر العلوم :

بشرى فان الرضا بن المرتضى ولدا *** وانجز اللّه للاسلام ما وعدا

حبا به اللّه مهدي الزمان فيا *** له هدى متبعاً من ربه بهدى

قد طاب أصلا وميلاداً وتربية *** لذاك أرخت ( قد طاب الرضا ولدا )

1189 ه-

وقوله في آخر قصيدته التي رثى فيه السيد سليمان الكبير يؤرخ عام وفاته

وتسعة آل اللّه وافوا وأرخوا *** سليمان أمسى في الجنان مخلداً

1211 ه-

ولا يخفى حسن التورية فيه فان مادة التاريخ تنقص في العدد ( تسعة ) فاكملها بتلك الجملة الظريفة مشيراً إلى عدد أسماء الأئمة من ذرية الحسين (عليه السلام) الذين ذكرهم ابن العرندس بقوله :

وذرية درية منه تسعة *** أئمة حق لا ثمان ولا عشر

وله يهني استاذه الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء في قدومه من الحج ويؤرخ ذلك العام 1199

ص: 155

قد الحجيج فمرحباً بقدومه *** لقدوم من شرع الهدى بعلومه

هو جعفر من كان أحيا مذ نشا *** من دين جعفر عافيات رسومه

حث الرواسم للحجاز ولم تزل *** مشتاقة لوجيفه ورسيمه

كالغيث كل تنوفة ظمآنة *** لغزير وابل ودقة عميمه

وسعى لحج البيت وهو الحج في *** تحليله المعهود أو تحريمه

وبمروتيه وركنه ومقامه *** بحجره وحجونه وحطيمه

رفعت قواعد حجر اسماعيله *** فيه وقام مقام ابراهيمه

وبه الصفا لقي الصفا فتأرجت *** ارجاء مكة من أريج نسيمه

وغدت ينابع زمزم وكأنما *** مزجت لطيب الطعم من تسنيمه

اهدى السلام إلى النبي وما درى *** ان النبي بداه في تسليمه

طبعت خلائقه على محمودها *** والطبع ليس حميده كذميمه

فليقتنع ذو اللب في تبجيله *** بمديح خالقه وفي تعظيمه

ليس المديح يشيد في تشريفه *** شرفاً وليس يزيد في تكريمه

وان أدعى أحد بلوغ ثنائه *** بنثير در صاغه ونظيمه

فأنا الذي سلمت أني عاجز *** ونجاة نفس المرء في تسليمه

لكن عام قدومه أرخته *** قدم السخا والمجد عند قدومه

وكان مولعاً في التخميس والتشطير مبدعاً في كل النوعين غاية الابداع وقد ذكر تخاميسه شيخنا الجليل في ال- ج 4 من الذريعة كتخميس العرفانية الميمية لعمر بن الفارض في بيان راح العشق وخمر المحبة وهو مطبوع مع تخميس البردة و ( بانت سعاد ) في - الاستانة - وقد نقلت تخميس البردة مع مقدمة المخمس قبل نيف وثلاثين سنة عن مجموعة معاصره السيد جواد بن السيد محمد زيني

ص: 156

الحائري وقد فرغ النحوي من نظمه في ال- 24 من رجب سنة 1200 واليك شاهداً منه :

مالي أراك حليف الوجد والألم *** أودي بجسمك ما أودي من السقم

ذا مدمع كالدم المنهل منسجم *** أمن تذكر جيران بذي سلم

مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم

أصبحت ذا حسرة في القلب دائمة *** ومهجة أثرهم في البيد هائمة

شجاك في الدوح تغريد لحائمة *** أم هبت الريح من تلقاء كاظمة

وأومض البرق في الظلماء من أضم

وقد قرض تخميسه هذا جماعة من العلماء والأدباء منهم استاذه السيد صادق الفحام بقصيدة يقول فيها :

قرنت إلى عذراء بوصير كفوها *** فكان كما شاءت قران سعود

و لما أتت تشكو العطول رددتها *** بأحسن حلي زان أحسن جيد

وقرضه بأخرى ويقول فيها :

رويدك هل أبقيت قولاً لقائل *** وحسبك هل غادرت سحراً ( لبابل )

وجاريت في تسميط أفضل مدحة *** لأفضل ممدوح لأفضل قائل

فوارس راموا أن ينالوا فقصروا *** ( وأين الثريا من يد المتناول )

وممن قرضه السيد ابراهيم العطار بقصيدة مطلعها :

فرائد در ليس تحصى عجائبه *** وقد بهرت عنا العقول غرائبه

ص: 157

وقرضه الشيخ علي بن زين الدين بقصيدة منها :

نسجت للبردة الغراء بردة تمسيط *** غدا وشيهاً وشي الطواويس

فكنت آصف ذاك الصرح حيث حكى *** منه لنا كل بيت عرش بلقيس

وقرضه الشيخ محمد علي الأعسم مشيراً إلى أن التخميس كان بإيعاز من السيد بحر العلوم بقصيدة منها :

فرائد للأديب ابن الأديب *** نجوم ما جنحن إلى الغروب

ووشى البردة الممدوح فيها *** رسول اللّه بالوشي العجيب

بتسميط يزيد الأصل حسنا *** على حسن طيبا فوق طيب

وكم ملأ المسامع من معان *** لها وقع غريب في القلوب

رعاك لمثلها ( المهدي ) إذ لم *** يجد في الكون غيرك من مجيب

ففاض عليك حين دعاك نور *** هديت به إلى مدح الحبيب

وقرضه أخوه الهادي النحوي بقصيدة سنذكرها في ترجمته ، وخمس أيضاً « الدريدية » ذات الشروح الكثيرة المشتملة على الحكم والآداب وتبلغ 229 بيتاً لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الازدي البصري المتوفى سنة 321 خمسها النحوي وجعل لها مقدمة بدأ فيها بترجمة أبي دريد وذكر تخميس المقصورة لموفق الدين عبداللّه بن عمر الأنصاري في رثاء الحسين (عليه السلام) ذكره النحوي واثنى عليه ولكن النحوي حولها في تخميسه إلى مدح استاذه السيد بحر العلوم وفرغ من تخميسها في 12 ربيع الأول سنة 1212 وتوفي استاذه الممدوح في رجب من تلك السنة. قلت وقد طبع الأصل مع التخميس في بغداد سنة 1344 واليك بعض الشواهد منها :

ص: 158

يقضي الفتى نحبا ويأوى لحده *** ويذكر الناس جميعاً عهده

ينشر كل ذمه أو حمده *** وانما المرء حديث بعده

فكن حديثاً حسناً لمن وعى

فليصرف المرء نفيس عمره *** فيما به يبقى بقاء ذكره

ولا يجاوز حده في أمره *** من لم يقف عند انتهاء قدره

تقاصرت عنه فسيحات الخطى

عليك بالعقل فكن مكملاً *** له بهدي للنجاة موصلا

سلامة العقل الهدى لو عقلا *** وآفة العقل الهوى فمن علا

على هواه عقله فقد نجا

ومنها في المديح :

أعاشني ربي مذ اعاشني *** بهديه القامع ما أطاشني

فلم أقل - وابن النبي راشني *** ان ابن ميكال الأمير انتاشني

من بعد ما قد كنت كالشيء اللقى

من زين الوجود في وجوده *** وشعت السعود في سعوده

يصعد حتى قيل في صعوده *** لو كان يرقى أحد بجوده

ومجده إلى السماء لارتقى

ووجدت قصيدة ميمية غراء الشيخ أحمد بن محمد أحد تلامذة العالم السيد شبر الموسوي الحويزي يمدح فيها أستاذه المذكور - ضمن كتاب ألفه في سيرته - وعلى هامشها تقريظ بقلم النحوي المترجم من الوزن والروي ومن خطه نقلت ما نصه - قال العبد الحقير محمد رضا ابن الشيخ أحمد النحوي مقرضاً على هذه القصيدة المباركة.

ص: 159

أكرم بنظم يروق الناظرين سنا *** كأن عقد الثريا فيه منتظم

( أضحى لأحمد ) في ذا العصر معجزة *** على نبوة شعر كله حكم

حوى مديح بني الزهراء فاطمة *** ومن هم في جميع المكرمات هم

فما ( كشبرهم ) فيما ترى أحد *** ولا يقاس بمن تلقى شبيرهم

فكم ينازعهم في بيت مجدهم *** من لا خلاف له والبيت بيتهم

وما عسى أن يقول المادحون بمن *** قد جاء في محكم القرآن مدحهم

وله من قصيدة طويلة غراء يهنئ فيها أستاذه السيد بحر العلوم ويؤرخ عام قدومه من مكة.

أعيد من الحمد المضاعف ما أبدي *** وأهدي إلى المهدي من ذاك ما أهدي

ولو أنني أهديت ما ينبغي له *** لسقت له ما في المثاني من الحمد

له حسب في آل أحمد معرق *** كمنظوم عقد الدر ناهيك من عقد

أساريره تبدو سرائر قدسهم *** عليها وللآباء سر على الولد

به الغيبة الكبرى تجلى ظلامها *** وأشرق في آفاقها قمر السعد

ولولا سمات عندنا قد تميزت *** بمعرفة المهدي قلنا هو المهدي

عطاء بلا من خلوص بلا رياً *** سحاب بلا رعد سخاء بلا وعد

تعالى به جدي وطالت به يدي *** وقام به حظي ودام به سعدي

وإني قد سيرت فيه شوارداً *** تجاوزن من قبلي وأتعبن من بعدي

سعى ليحج البيت والحج بيته *** فكم عاكف فيه معيد الثنا مبدي

وكر من الركن اليماني راجعاً *** إلى جده أكرم بأحمد من جد

وقد بان في أرض الغري ظهوره *** لذلك قد أرخته ( ظهر المهدي )

1195

وكانت وفاته في النجف سنة 1226 ه- قبل وفاة كاشف الغطاء بعامين وقد ناهز الثمانين سنة من العمر.

ص: 160

ومن مساجلاته مع أستاذه السيد صادق الفحام وهو في قرية ( الحصين ) قوله (1) :

يا أديباً على الفرزدق قد *** ساد بأحكام نظمه وجرير

وبسر الحديث آثره اللّه *** فأوفى علا على ابن الأثير

وبعلم اللغات فاق كثيراً *** من ذويها فضلا عن ابن كثير

بك روض الآداب عاد أريضاً *** ذا غدير يروي الظما نمير

ورقيق القريض أضحى رقيقا *** لك لا ينتهي إلى تحرير

وإذا ما حررت طرزت بترداً *** ظل عنه المطرزي والحريري

حجج قصر ابن حجة عنها *** ودجا ليلها على ابن منير

لك نثر سما الدراري ونظم *** فاق در المنظوم والمنثور

حلم قيس واحنف نجل قيس *** طلت فيه العلى ورأي قصير

خلق كالرياض دبجها الطل *** بند فعبرت عن عبير

وعلوم لو قيست الأبحر *** السبعة فيها ازرت بفيض البحور

ومزايا لو رمت إحصاء ما أو *** ليت منها لم أحص عشر العشير

فقليلي ولو حرصت سواء *** حين أسمو لعدها وكثيري

فتجشمت خطة لو سما *** الطرف إليها لرد أي حسير

عالماً أنني وإن طال مدحي *** وثنائي عليك ذو تقصير

غير أني أقول لا يسقط *** الميسور فيما يراد بالمعسور

فخذ العفو وأعف عوفيت عنى *** لقليل أنهيته من كثير

ص: 161


1- شعراء الحلة للخاقاني ج 5 ص 32.

فكتب له الجواب على الروي والقافية :

أيها الناقد البصير ولا فخر *** وما كل ناقد ببصير

والمجلي لدى السباق إذا صالت *** جياد المنظوم والمنثور

والذي قد طوى بنشر بديع *** النظم ذكر الطائي دهر الدهور

وبه باقلا غدا مثل سحبان *** وأمثال جرول وجرير

وبه ابن العميد بات عميداً *** ذا غناء كالعاشق المهجور

وبه أصبح ابن عباد في الآداب *** عبداً لم يسم للتحرير

وابن هاني لم يهنه العيش واسود *** منير الرجا من ابن منير

وغدا ابن النبيه غير نبيه *** وتحامى البوصيرة البوصيري

والتهامي راح يتهم الفس *** بدعوى التبرير في التحبير

والسلامي لم يعد بسلام *** بعد تعريفه من التنكير

والرضي الشريف لم يرض في *** ملحمة النظم غيره من أمير

والصفي الحلي لم ير عيشا *** مذ نشا صافياً من التكدير

وابن حجر الكندي ألقم فيه *** حجراً بعد سبقه المشهور

ومعيد الذماء (1) من بارع الآداب *** بعد انطماسه والدثور

وربيب المجد الذي دان *** في الفضل له كل فاضل نحرير

ومجلي غياهب الشك واللبس *** بنود البيان والتحرير

وجواداً للسبق جلى أخيراً *** فشأى كل أول وأخير

قد أتانا منكم فريد نظام *** تتحلى به نحور الحور

كيف قلدتم به جيد من لم *** يك في العير لا ولا في النفير

ذاك فضل منكم وإن كثيراً *** ما بعثتم إلى الأقل الحقير

ص: 162


1- الذماء : بقية الروح.

وقال مراسلا (1) :

كتبت وكم تحدر من دموعي *** على وجنات قرطاسي سطور

إلى عين الحياة حياة نفسي *** ومن هو في سواد العين نور

عتبت عليك يا أملي وإني *** عليك بما عتبت به جدير

جفوت وكنت لا تجفو ولكن *** هي الأيام دولتها تدور

وغيرك الزمان وجل من لا *** تغيره الحوادث والدهور

وغرك ما ازدهاك وكنت نعم *** الخليل المصطفى لولا الغرور

سأصبر ما أطاق الصبر قلبي *** فإن الحر في البلوى صبور

فلا تغتر فليس الدهر يبقى *** على حال سيعدل أو يجور

فإن الليل يظلم حين يبدو *** ويسفر بعده صبح منير

وإن الماء يكدر ثم يصفو *** ويخبو ثم يلتهب السعير

وإن الغصن يذبل ثم يزهو *** وتنكسف البدور وتستنير

وإن الهم يقتل حين يبقى *** ويعقبه فيقتله السرور

ومقصوص الجناح يمر يوم *** عليه من الزمان به يطير

وقال :

قفوا قبل لوشك البين يبعدكم عنا *** نودعكم والقلب من أجلكم مضنى

قفوا نسكب الدمع الهتون صبابة *** على صبوة نلنا بها الأرب ألاهنا

ص: 163


1- شعراء الحلة ، للخاقاني ج 5 ص 34.

هلموا إلى العهد الذي كان بيننا *** قديماً فإن حلتم فواللّه ما حلنا

رحلتم فجسمي مبعد معذب *** عقيبكم والقلب عندكم رهنا

بعدتم فلا ندري أبالوصل نحتضي *** أم الفصل محتوم فياليت ما كنا

فجودوا وعودوا وارحموا اليوم حالنا *** فما عنكم مغنا ولا شاقنا مغنى

ساذكركم حتى أموت وإنني *** أحن إذا ما الليل بي سحراً جناً

أيا سائق الأضعان مزقت خاطراً *** رويداً لعلي باللقا ساعة أهنا

فيامهجتي ذوبي أسى لفراقهم *** ويا مقلتي سحي الدماء لهم حزنا

رحلتم أحبائي وكنت بإنسكم *** أنيساً وإني الآن خلفكم مضنى

فلو تعلمون اليوم حالي رحمتم *** نحيلاً أقاسي الموت ياليتني أفنى

فما الليل إلا من غمومي سواده *** وذا الغيم من دمعي غدا يسكب المزنا

وما الفجر إلا من بياض مفارقي *** وما الورق إلا من حنيني قد حنا

وقد سائني لما وقفت بداركم *** أظنكم فيها فأخلفتم الظنا

فعاينتها قفرا أضر بها النوى *** فقمت بها أبكيكم بدم أقنا

فياطول حزني بعدكم وصبابتي *** فما عبرتي ترقى ولا مقلتي وسنا

كفى حزناً ان الشرايع عطلت *** وأن عداة الشرع أفنوكم ضغنا

بني الوحي عودوا للمساجد والدعا *** وقوموا بها بالذكر في الليلة الدجنا

بني الوحي عودوا للمدارس أصبحت *** دوارس فيها اليوم بعدكم سكنا

بني الوحي عودوا اللمنابر وانظروا *** عليها العدا تهديكم السب واللعنا

بني الوحي جرعنا بفاضل صابكم *** ونلنا العنا لما بكم سادتي لذنا

فنستر ما قلتم ونبدي خلافه *** كأن إله العالمين له سنا

سأندبكم حتى تقوم قيامتي *** وأعدل من عذل العذول إذا شنا

ص: 164

وقال يمدح الامام المهدي علیه السلام وقد أنشأها في سر من رأى :

أريحا فقد أودى بها السير والوخد *** وقولا لحادي العيس إيهاً فكم تحدو

طواها الطوى في كل فيفاء ماؤها *** سراب وبرد العيش في ظلها وقد

تحن إلى نجد وأعلام رامة *** وما رامة فيها مرام ولا نجد

وتلوي على بان الغدير ورنده *** ولا البان يلوي البين عنها ولا الرند

وتصبو إلى هند ودعد على النوى *** وما هند تشفي ما أجنت ولا دعد

( هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى ) *** وما قصدها حيث اختلفنا هو القصد

هم آل ياسين الذين ضفا لهم *** من المجد يرد ليس يسمو له برد

ربينا بنعماهم وقلنا بظلهم *** وعشنا بهم والعيش في ظلهم رغد

إليكم بني الزهراء أمت مغذة *** عراب المهارى والمسومة الجرد

قطعن بها غور الفلاة ونجدها *** فيخفضنا غور ويرفعنا نجد

فقبلن أرضا دون مبلغها السما *** وسفن ترابا دون معبقه الند

فيا بن النبي المصطفى وسميه *** ومن بيديه الحل في الكون والعقد

ومن عنده علم الذي كان والذي *** يكون من الإثبات المحو من بعد

اليك حثثناها خفافاً عيابها *** على ثقة أن سوف يوقرها الرفد

فألوت على دار أناخ بها الندى *** وألقى عليها فضل كلكله الجد

إلى خلق كالروض وشحه الحيا *** يغار إذا استنشقته الغار والرند

فعوجا فهذا السر من سر من رأى *** يلوح فقدتم الرجا وانتهى القصد

وهاتيك ما بين السراب قبابهم *** فآونة تخفى وآونة تبدو

فعرج عليها حيث لا روض فضلها *** هشيم ولا ماء الندى عندها ثمد

ص: 165

ورد دارها المخضلة الربع بالندى *** ترد جنة للوفد طاب بها الخلد

وطف حيث ما غير الملائك طائف *** لديها وجبريل بأفنائها عبد

وسل ما تشامن سيب نائلهم فما *** لسائلهم إلا بنيل المنا رد

هم القوم آثار المعارف منهم *** على جبهات الدهر ما برحت تبدو

هم علة الإيجاد بدءاً ومنتهى *** وما قبلهم قبل وما بعدهم بعد

تباعدت عنكم لا ملالا ولا قلى *** ولكن برغمي عنكم ذلك البعد

وجئتكم والدهر عضت نيوبه *** علي وعهدي وهي عني بكم درد

فكن لي يا اسكندر العصر معقلا *** وكهفا يكن بيني وبين الردى سد

إلى كم نعادي من وددناه رقبة *** وخوفا ونصفي الود من لا له ود

( ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ) *** صديقا يعاديه لخوف عدى تعدو

وانكد من ذا أن يبيت مصادقا *** ( عدواً له ما من صداقته بد ) (1)

وفي النفس حاجات وعدتم بنجحها *** وقد آن يا مولاي أن ينجز الوعد

فدونكما فضفاضة البرد ما سما *** بنعتك ( بشار ) إليها ولا ( برد )

على أنها لم تقض حقاً وعذرها *** بأن المزايا الغر ليس لها حد (2)

ص: 166


1- البيت من أمثال المتنبي.
2- عن الجزء الخامس من شعراء الحله أو البابليات للخاقاني ص 29 كما رواها السيد الأمين في الأعيان ، أما الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) فقد نسبها للشيخ أحمد النحوي.

وقال مخمساً قصيدة السيد نصر اللّه الحائري التي قالها في بناء قبة أميرالمؤمنين علیه السلام :

إلى كم تصول الرزايا جهارا *** و توسعنا في الزمان انكسارا

فيا من على الدهر يبغى انتصارا *** إذا ضامك الدهر يوما وجارا

فلذ بحمى امنع الخلق جارا

تمسك بحب الصراط السوي *** أخي الفضل رب الفخار الجلي

إمام الهدى ذو البهاء البهي *** علي العلي وصنو النبي

وغيث الولي وغوث الحيارى

جمال الجمال جلال الجلال *** جميل الخصال حميد الخلال

بعيد المنال عديم المثال *** هزبر النزال وبحر النوال

وشمس الكمال التي لا توارى

فياقبة زانها مشهد *** لمن فضله الدهر لا يجحد

سنا نورها في الورى يوقد *** هي الشمس لكنها مرقد

لظل المهيمين عز اقتدارا

هي الشمس من غير حر يذيب *** ولا ضير للمنتأي والقريب

لقد طالعتنا بأمر عجيب *** هي الشمس لكنها لا تغيب

ولا يحسد الليل فيها النهارا

هي الشمس جلت ظلام العنا *** وبشرنا سعدها بالمنى

فلا الليل يسترها إن دنا *** ولا الكسف يحجب منها السنا

ولم تتخذ برج نحس مدارا

ص: 167

هي الشمس تبهر في حسنها *** وتهدي لذي اليمن في يمنها

وتمحو دجى الخوف من أمنها *** هي الشمس والشهب في ضمنها

قناديلها ليس تخشى استتارا

بدت وهي تزهو بتبرية *** منمقة أرجوانية

شقيقة حسن شقيقة *** عروس تحلت بوردية

ولم ترض غير الدراري نثاراً

هوت نحوها الشهب غب ارتفاع *** لتعلو بتقبيل تلك البقاع

ولم ترعن ذا الجناب اندفاع *** فها هي في قربها والشعاع

جلاها لعينيك در صفارا

عروس سبت حسن بلقيسها *** وعم الورى ضوء مرموسها

زهت فزها حسن ملبوسها *** بدت تحت أحمر فانوسها

لنا شمعة نورها لا يوارى

هي الشمع ضاء بأبهى نمط *** وقد قميص الدياجي وقط

كفانا سنا النور منها نقط *** هي الشمع ما احتاج للقط قط

ولا النفخ اطفأه مذ أنارا

جلا للمحب جلا كربه *** وأهدى الضياء إلى قلبه

ترفرف شوقا إلى قربه *** ملائكة اللّه حفت به

فراشاً ولم تبغ عنه مطارا

فيا قبة شاد منها المحل *** بعزفق للأعادي أذل

ولا عجب حيث فيها استقل *** هي الترس ذهب ثم استظل

به فارس ليس يخشى النفارا

ص: 168

غمامة تبر جلت غمة *** اطلت وكم قد هدت امة

ومرجانة بهرت قيمة *** وياقوته خلطت خيمة

على ملك فساق كسرى ودارا

عقيق يفوق الحلى في حلاه *** غداة تسامى بأعلى علاه

الى حيدر ليس تبغي سواه *** ولم يتخذ غير عرش الآله

له معدناً وكفاه فخاراً

فكم قد عرتنا بها زهوة *** لدى سكرة مالها صحوة

فقلت ولي نحوها صبوة *** حميا الجنان لها نشوة

تسر النفوس وتنفي الخمارا

فيالك صهباء في ذا الوجود *** تجلت أشعتها في السعود

ترى عندها الناس يقظى رقود *** إذا رشفتها عيون الوفود

تراهم سكارى وما هم سكارى

هي الطود طالت بأعلى العلا *** ولم ترض غير السهى منزلا

غدت لعلي العلى موئلاً *** عجبت لها إذ حوت يذبلا

وبحراً بيوم الندى لا يبارى

فيا أيها التبر لما استتم *** فخارا وركن العلى فاستلم

فما زلت أطلب برهان لم *** وكنت أفكر في التبر لم

غلا قيمة وتسامى فخارا

وكيف غدا وهو مستطرف *** وبين السلاطين مستظرف

مطل على هامهم مشرف *** إلى أن بدا خوفها يخطف

النواظر مهما بدا واستنارا

فثم تسامى إلى نسبة *** تسامى ونال علا رتبة

ص: 169

ولم يخش في الدهر من سبة *** وما يبلغ الدهر من قبة

بها علم الملك زاد افتخارا

فيا قبة نلت عزاً وجاه *** وعين النضار بك اليوم تاه

ومع حسنها فهي عين الحياه *** ومذ كان صاحبها للأله

يدان يدا نعمة واقتدارا

يرى الركب ان ضل حاديهم *** يداً في علاها تناديهم

لها آية الفتح تهديهم *** يد اللّه من فوق أيديهم

بدت فوق سر طوقها لا تبارى

يد ربح البذل في سوقها *** ترى البذل أحسن معشوقها

تسامت إلى أوج عيوقها *** وقد رفعت فوق سرطوقها

تشير إلى وافديها جهارا

ص: 170

السيد جواد العاملي

وافى المشيب مهجهجاً ومخبراً *** اني بلغت من الطريق الأكثرا

فلئن صبوت لاصبون تكلفاً *** ولئن جذلت لأجذلن مكدراً

وخدور مثلك يا أميم هجرتها *** وصحوت من سكر الهوى متبصرا

قد غرني دهري فنلت جرائماً *** والدهر من عاداته أن يغدرا

أبكي وما في العمر ما يسع البكا *** فالحزن أن أبكي الحسين لتغفرا

هذا الحسين ابن النبي وسبطه *** أمسى طريحاً في الطفوف معفرا

هذي بنات محمد ووصيه *** أمست سبايا ضائعات حسرا

أبكي على الأيتام عز كفيلها *** مرعوبة يا للورى مما ترى

لهفي لزين العابدين مصفداً *** يرنو النساء ولا يطيق المنظرا

لو أن فاطمة تشاهد ما جرى *** أجرت من الآماق دمعاً أحمرا

فلتلبس الدنيا ثياب حدادها *** فالنور نور اللّه غيب في الثرى

ص: 171

السيد محمد جواد العاملي النجفي المتوفى 1226.

هو السيد محمد جواد ابن السيد محمد بن محمد العاملي الشقرائي النجفي من كبار علماء الأمامية وفطاحل فقهائهم في هذا القرن.

ولد في شقراء من قرى جبل عامل في حدود 1160 ونشأ هنالك فقرأ بعض مقدمات العلوم ثم هاجر إلى العراق ولما ورد كربلاء على عهد الوحيد البهبهاني حضر على السيد الطباطبائي صاحب ( الرياض ) ثم حضر على الأستاذ الوحيد البهبهاني لازم بحثهما مدة حتى حصل قسطاً وافراً من العلم وعرف بالفضل وأجيز من البهبهاني فجاء إلى النجف وحضر على السيد مهدي بحر العلوم والشيخ الأكبر كاشف الغطاء والشيخ حسين نجف بقى ملازماً لأبحاثهم زمناً طويلاً ، وكتب له المحقق القمي صاحب « القوانين » إجازة من قم بتاريخ (1206) والمعروف عنه إنه كان كثير الإنكباب على الاشتغال ، ولا يقدم على ذلك عملاً من الأعمال ولم تشغله حتى الحوادث. فقد صرح في آخر بعض مؤلفاته أنه فرغ والوهابي محاصر للنجف وأهلها مشغولون مع سائر العلماء بالدفاع وكانت له يد معهم في مباشرة الأمور وتهيئة اللوازم حتى انه كتب رسالة في ذلك. أخذ اسم المترجم يشتهر يوماً فيوماً حتى أصبح من مراجع عصره واستقل بالتدريس فتخرج عليه جم غفير من الأعلام الأجلاء كالشيخ جواد ملا كتاب والشيخ محمد حسن صاحب « الجواهر » والشيخ محسن الأعسم والشيخ الأغا محمد علي الهزار جريبي والسيد صدر الدين العاملي والشيخ مهدي ملا كتاب والسيد علي الأمين من بني عمه وولده السيد محمد وسبطه الشيخ رضا بن زين العابدين الأسدي الحلي والميرزا عبدالوهاب المجاز منه باجازة تاريخها (1225) وغيرهم ممن لا يحصى ، قضى عمره الشريف بالتصنيف والتأليف والدرس والبحث وخدمة الدين إلى أن توفي

ص: 172

في (1226) في النجف ودفن في الحجرة الثالثة من حجر الصحن الشريف من الجهة القبلية بين بابي الفرج والقبلة وترك آثاراً جليلة تدل على تحقيقه وتدقيقه وتبحره في الفقه والأصول وتتبعاته لأقوال الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين وما امتاز به من ضبط واتقان مع جودة الخط وأهم آثاره وأشهرها ( مفتاح الكرامة ) في شرح ( قواعد العلامة ) من خيرة أسفار المتأخرين جمع أكثر أبواب الفقه بأسلوب جيد وهو في اثنين وثلاثين مجلداً ألفه بأمر أستاذه كاشف الغطاء أيام اشتغاله عليه كما صرح به في أوله قال : امتثلت فيه أمر أستاذي الإمام العلامة الحبر الأعظم الشيخ جعفر جعلني اللّه فداه إلخ طبع أكثر هذا الكتاب في ثمان مجلدات ضخام ، سبع منها في مصر وطبع الثامن في دمشق بسعي العلامة السيد محسن بن عبدالكريم الأمين العاملي من أقارب المترجم في « 1333 » وترجمة مفصلاً في آخر مجلد المتاجر وسرد نسبه إلى عيسى بن يحيى المحدث بن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام وله أيضاً شرح كتاب الطهارة من « الوافي » ألفه من تقريرات درس أستاذه الطباطبائي ، وألف من تقريره أيضاً حاشيته على كتاب التجارة من ( القواعد ) وجاشية كتاب الطهارة من المدراك وهي تقرير درس الشيخ حسين نجف وحاشية الدين والرهن من القواعد من تقرير أستاذه كاشف الغطاء وله حاشية أول ( تهذيب الأصول ) رأيت هذه الخمسة الأخيرة في مجموعة عند حفيده السيد عبدالحسين بن محمد ابن الحسن بن محمد ابن المؤلف وله رسالة في حكم العصيرين العنبي والتمري ألفهما بأمر أستاذه كاشف الغطاء وقرضها أستاذه الشيخ حسين نجف و ( الرحمة الواسعة ) في المضايقة والمواسعة ألفه بأمر أستاذه صاحب ( الرياض ) وحاشية على الروضة على كتاب المضاربة والوديعة والعارية والمزارعة والمساقاة والوصايا والنكاح والطلاق وهي على بعض ما مر غير تامة ورسالة في جواز العدول عن العمرة إلى الأفراد عند الضيق وشرح ( الوافية ) في الأصول مجلدان ورسالة في الشك في الشرطية والجزئية وأخرى في مناظرة شيخه كاشف الغطاء مع المحقق السيد محسن الأعرجي ومكاتباتهما في المسائل العلمية وتعليقه على مقدمة

ص: 173

الواجب من ( المعالم ) ورسالة في التجويد وأخرى في رد الإخباريين وثالثة في وجوب الذب عن النجف لأنها بيضة الإسلام وأخرى في حكم المقيم الخارج عن الترخص و ( أهل البراءة ) رأيته في ( مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء ) كما فصلته في ( الذريعة ) ج 2 ص 113 إلى غير ذلك وكان شاعراً له مدائح لأساتذته وأراجيز ثلاث في الخمس والزكاة والرضاع ذكرناها في الجزء الأول من ( الذريعة ) وذكر مشايخه في الرواية في إجازته للأغا محمد علي الهزار جريبي ورأيت إجازته للشيخ حسن بن محمد علي العبودي بخطه أشركه فيها مع ولده الشيخ محمد طاهر بن الحسن وتاريخها (1225) وخلفه من ولده العلامة السيد محمد المذكور فقد خلف (1) السيد عباس الذي لم يعقب و (2) السيد حسين و (3) السيد حسن والد السيد جواد المعاصر الذي حدثني بذلك.

شعره في الرثاء :

تساور رزء فادح الخطب فاقم *** فخرت من الدين القويم القوائم

سلوا يوم حفت بالحسين خيامهم *** وليس لها إلا الرماح دعائم

فتى الحرب يغنيه عن الجيش بأسه *** ويكفيه عن نصر النصير العزائم

يخرون لا لله إن كر سجداً *** ولكن لماضيه تخر الجماجم

لك اللّه تستبقي وتردي جحافلاً *** كأنك في الأعمار قاض وحاكم

لك اللّه مكثوراً أضر به الظما *** ولا ورد إلا المرهفات الصوارم

فللسمر في الجنبين منه مشارع *** وللنبل في الجنبين منه مطاعم

وفي الجسم منه للنصول مدارع *** وفي الهام منه للمواضي عمائم

فخر على عفر الثرى عن جواده *** وقامت عليه في السماء مآتم

وقد طبق الافلاك رزءاً مصابه *** فما أحد منهم - خلا اللّه - سالم

وجل جلال اللّه ما ينبغي له *** ولكن قلباً قد حوى اللّه واجم

فمن مبلغ الزهراء أن بناتها *** أسارى حيارى ما لها اليوم راحم

أفاطم قومي يا بنة الطهر واندبي *** يتاماك أو قتلاك فالخطب فاقم

ص: 174

ولسيدنا قصائد في الكتب المتضمنة لمرائي أهل البيت ، منها في الحسين قصيدته التي أولها :

زموا الركائب للرحيل وأزمعوا *** فذرى الدموع مودع ومودع

وأخرى أولها :

عواد على الإسلام صال بها الكفر *** فحتى م حتى م التجلد والصبر

وثالثة كان مطلعها :

صال الزمان بماضي الغرب مطرور *** فأوسع المجد جرحاً غير مسبور

ص: 175

السيد محسن الاعرجي

اشارة

المتوفي سنة 1227

دموع بدا فوق الخدود خدودها *** ونار غدا بين الضلوع وقودها

أتملك سادات الأنام عبيدها *** وتخضع في أسر الكلاب أسودها

وتبتز أولاد النبي حقوقها *** جهاراً وتدمي بعد ذاك خدودها

ويمسي حسين شاحط الدار دامياً *** يعفره في كربلاء صعيدها

وأسرته صرعى على الترب حوله *** يطوف بها نسر الفلاة وسيدها

قضوا عطشاً يا للرجال ودونهم *** شرائع لكن ما أبيح ورودها

غدوا نحوهم من كل فج يقودهم *** على حنق جبارها وعنيدها

يعز على المختار أحمد أن يرى *** عداها عن الورد المباح تذودها

تموت ظماً شبانها وكهولها *** ويفحص من حر الاوام وليدها

تمزق ضرباً بالسيوف جسومها *** وتسلب عنها بعد ذاك برودها

وتترك في الحر الشديد على الثرى *** ثلاث ليال لا تشق لحودها

وتهدى إلى نحو الشئام رؤوسها *** وينكتها بالخيزران يزيدها

أتضربها شلت يمينك إنها *** وجوه لوجه اللّه طال سجودها

ويسرى بزين العابدين مكبلا *** تجاذبه السير العنيف قيودها

بنفسي أغصاناً ذوت بعد بهجة *** واقمار تم قد تولت سعودها

وفتيان صدق لا يضام نزيلها *** وأسياف هند لا تفل حدودها

حدا بهم الحادي فتلك ديارهم *** طوامس ما بين الديار عهودها

ص: 176

كأن لم يكن فيها أنيس ولم تكن *** تروح لها من كل أوب وفودها

أبا حسن يا خير من وطئ الثرى *** وسارت به قب المهاوي وقودها

أتصبح يا مولى الورى عن مناصب *** الخلافة مدفوعاً وأنت عميدها

واين بنو سفيان من ملك أحمد *** وقد تعست في الغابرين جدودها

أتملك أمر المسلمين وقد بدا *** بكل زمان كفرها وجحودها

ألا يا أبن هند لا سقى اللّه تربة *** ثويت بمثواها ولا أخضر عودها

أتسلب أثواب الخلافة هاشماً *** وتطردها عنها وأنت طريدها

وتقضي بها ويل لأملك قسوة *** إلى فاجر قامت عليه شهودها

فواعجباً حتى يزيد ينالها *** وهل دابه إلا المدام وعودها

وواحزناً مما جرى لمحمد *** وعترته من كل أمر يكيدها

يسودها الرحمن جل جلاله *** وتأبى شرار الخلق ثم تسودها

فما عرفت تاللّه يوماً حقوقها *** ولا رعيت في الناس يوماً عهودها

وما قتل السبط الشهيد ابن فاطم *** لعمرك إلا يوم ردت شهودها

يميناً برب النهي والأمر ما أتت *** بما قد أتوه عادها وثمودها

وما أن أرى يطفي الجوى غير دولة *** تدين لها في الشرق والغرب صيدها

تعيد علينا شرعة الحق غضة *** وتزهر بها الدنيا وتعلو سعودها

أما والذي لا يعلم الغيب غيره *** لئن ذهبت يوماً فسوف يعيدها

وتقدم من أرض الحجاز جنودها *** وتخفق في أرض العراق بنودها

فعجل رعاك اللّه ان قلوبنا *** يزيد على مر الليالي وقودها

وتلك حدود اللّه في كل وجهة *** معطلة ما أن تقام حدودها

عليك سلام اللّه ما انسكب الحيا *** وأبقلت الأرضون واخضر عودها

ص: 177

السيد محسن الاعرجي

السيد محسن بن الحسن بن مرتضى الأعرجي الكاظمي المعروف بالمحقق الكاظمي والمحقق البغدادي صاحب المحصول والوسائل ، توفي سنة 1227 وقد ناف على التسعين وقيل في تاريخ وفاته : بموتك محسن مات الصلاح. ودفن في الكاظمية وقبره مزور وعليه قبة.

عالم فقيه محقق مدقق مؤلفاته مشهورة زاهد عابد تقي ورع جليل القدر وهو صاحب كتاب ( المحصول في الأصول ) و ( الوافي في شرح وافية ملا عبداللّه التوني ) و ( شرح مقدمات الحدائق ) وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال :

السيد محسن بن السيد حسن بن مرتضى بن شرف الدين بن نصر اللّه بن زرزور ابن ناصر بن منصور بن أبي الفضل النقيب عماد الدين موسى بن علي بن أبي الحسن محمد بن عماد بن الفضل بن محمد بن أحمد البن بن محمد الأشتر (1) الحسيني الأعرجي الكاظمي. ولد ببغداد سنة 1130 ه- وكان من العلماء المحققين والفقهاء المقدسين الزاهدين العابدين. أخفى علمه الجم وجود أقطاب العلماء الأعلام ومراجع التقليد العظام ، وكان أديباً شاعراً له نظم كثير مثبت في المجاميع المخطوطة ومن شعراء العلماء الثمانية عشر الذين قرضوا القصيدة الكرارية لابن فلاح الكاظمي في مدح أميرالمؤمنين ، حج بيت اللّه الحرام سنة 1199 ه- وكان سفره مع العلماء الذين ساروا بركب الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ومن العلماء السيد

ص: 178


1- ابن عبيداللّه بن علي الصالح بن عبيد اللّه الأعرج بن الحسين الأصغر ابن الامام زين العابدين علي ابن الحسين.

محمد جواد صاحب مفتاح الكرامة والشيخ محمد علي الأعسم ونظرائهم.

أساتيذه :

تتلمذ على الأغا محمد باقر البهبهاني المتوفى سنة 1205 ه- وعلى السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي واجازه. وتتلمذ عليه جمهرة من العلماء منهم الشيخ عبدالحسين الأعسم المتوفى سنة 1246 ه- والشيخ إبراهيم الكلباسي المتوفى سنة 1261 ه.

مؤلفاته :

ألف كتاب الرسائل في الفقه في عدة مجلدات وهو كتاب متين وكانت أساتذتنا تقول : هو أحسن ما كتب وكتاب المحصول وكتاب الوافي وشرح مقدمات الحدائق والعدة في الرجال لم يتم ، خرج منه الفوائد الرجالية.

توفي في الكاظمية ودفن بها في داره سنة 1227 ه.

وفي الذريعة - قسم الديوان : ديوان السيد محسن بن الحسن الشهير بالمقدس الأعرجي الكاظمي صاحب المحصول والعدة في الرجال وغيرهما من التصانيف ترجمة سيدنا الحسن الصدر في ( ذكرة المحسنين ) وقال : إن في ديوانه أشعار رائقة في المراثي وغيرها ، كما كتب السيد الخوانساري عنه في ( روضات الجنات ) وكتب عنه البحاثة العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين سلمه اللّه في مجلة البلاغ الكاظمية عدد 7 من السنة الرابعة وذكر له 20 مؤلفاً.

وجاء في بعض المجاميع المخطوطة قصيدته الميمية مقرضاً بها الكرارية مطلعها :

فضل تكل بحصره الأقلام *** وتهيم في بيدائه الأوهام

ومناقب شهد العدو بفضلها *** فضل الامام فما عليك ملام

قد حزت آيات السباق بأسرها *** طفلا وما أعيى عليك مرام

وشأوت أرباب القريض جميعهم *** فغدوا وليس لهم سواك إمام

ص: 179

وسلكت فجاً ليس يسلك مثله *** ولطالما زلت به الأقدام

يهدي العقول عقول أرباب النهى *** نثر نثرت عليهم ونظام

وقصائد لله كم نفدت لها *** بقلوب أرباب النفاق سهام

لا سيما المثل الذي سارت به *** الركبان وازدانت به الأيام

مدح الامام المرتضى علم الهدى *** مولى اليه النقض والابرام

نفثات سحر ما بها آثام *** وعقود در مازها النظام

هذا هو السحر الحلال وغيره *** من نظم أرباب القريض حرام

ومدامة حليت ببابل فانتشت *** مصر لها وتهامة والشام

كم ليلة بتنا سكارى ولها *** طرباً بها والحادثات نيام

ما الروضة الغناء باكرها الحيا *** فتعطرت من طيبها الآكام

ما الغادة الحسناء حار بخدها *** ماء الشباب وفي القلوب أوام

خطرت تميس بعطفها فغدا لها *** في كل قلب حسرة وغرام

الخ ....

وقال في رثاء الحسين علیه السلام :

فؤاد لا يزال به اكتئاب *** ودمع لا يزال له انصباب

على من أورث المختار حزناً *** تذوب لوقعة الصم الصلاب

ومات لموته الاسلام شجواً *** وذلت يوم مصرعه الرقاب

وأرجفت البلاد ومن عليها *** وأوشك أن يحل بها العذاب

يقبل نحره المختار شوقاً *** وتدميه الأسنة والحراب

فيا لله من رزء جليل *** وهت منه الشوامخ والهضاب

ديار لم تزل مأوى اليتامى *** سوام كيف صاح بها الغراب

وكيف تعطلت رتب المعالي *** بهن وقوضت تلك القباب

كأن لم تلف أمناً من مخوف *** ولم تحلل بساحتها الركاب

فيا غوث الانام وصبح داجي *** الظلام ومن به عرف الصواب

ص: 180

اتهمل ثارها البيض المواضي *** وتمنع فيئها الاسد الغضاب

اقول ولهذه القصيدة بقية. وقال يرثى الفقيه السيد محمد العطار الحسني البغدادي قدس سره المتوفى سنة 1171 واولها

خطب تظل به النفوس تصعد *** والناس من حرق تقوم وتقعد

وقال رحمه اللّه في الوعظ والمناجاة

ايا ربي ومعتمدي *** ويا سندي ويا ذخري

عساك اذ تناهت بي *** اموري وانقضى عمري

واسلمني احبائي *** ومن يعنيهم امري

الى قفراء موحشة *** تهيج بلابل الصدري

وحيدا ثاويا في الترب *** للخدين والنحر

واوحش بين اصحابي *** مقامي وانمحى ذكري

وقمت اليك من جدثي *** على وجل بلا ستر

ذليلا حاملا ثقلي *** واوزاري على ظهري

افكر ما عسى تجري *** علي بها ولا ادري

ترى متجاوزاً عما *** جنيت وراحما ضري

وتلطف بي لقىً قد *** عيل من ألم الجوى صبري

ومغسولاً على حدباء *** بلكافور والسيدر

ومحمولاً على الاعواد *** يسعى بي الى القبر

وتؤنس وحشتي اذ لا *** انيس سواك في قبري

وتنجيني من الأهوال *** يوم الحشر والنشر

وتحميني من النيران *** ذات الوقد والسجر

وتلحقني من أهوى *** بأل المصطفى الغر

بساداتي ومن أعددتهم *** للبؤس والضر

ملوك الحشر والنشر *** وأهل النهي والأمر

ص: 181

وتسقيني بكأسهم *** زلالا مثلجا صدري

وتأمر بي إلى الجنات *** بالنعماء والبشر

إلى حور وولدان *** وانهار بها تجري

ولست ارى يقوم بحمل *** ما استحقبت من وزري

سوى لقياك في صف *** نعت ذويه في الذكر

فيسرني لذلك يا *** رجاي ومالكا امري

وخذ في ثأر من اضحى *** قتيل عصابة الكفر

حسين سبط احمد وابن *** حيدرة الرضا الطهر

بجيش القائم المهدى *** ذي الإقبال والنصر

وبحر العلم والجدوى *** وفخر المجد والفخر

وظل اللّه منبسطاً *** بلا قبض مدى الدهر

على اصناف خلق اللّه *** في بحر وفي بر

وعين اللّه ترعى الناس *** في سر وفي جهر

وترقبهم بما يأتون من *** خير ومن شر

وأيدني ومن علي *** في السراء بالشكر

وفي الضراء بالايمان *** والتسليم والصبر

ولا تقطع رجائي منك *** في عسر وفي يسر

وجملني بسترك إن *** أخذت أميط من ستري

وجللني بعافية *** تصاحبني مدى الدهر

وله في مدح جده أميرالمؤمنين علیه السلام :

هل الفضل إلا ما حوته مناقبه *** أو الفخر إلا ما رقته مراتبه

أو الجود إلا ما أفادت يمينه *** أو المجد إلا ما استفادت مكاسبه

شهاب هدى جلى دجى الغي نوره *** وقد طبقت كل الفجاج غياهبه

وبحر ندى عذب الموارد زاخر *** سوى انه لا يرهب الموت راكبه

ص: 182

وفرع طويل من لؤي بن غالب *** وسيف صقيل لا تفل مضاربه

وربع خصيب بالمسرة آنس *** وطود منيع قط ما ذل جانبه

وأنى له فيها مثيل وانما *** ضربنا مثالا قد تمحل ضاربه

علي أميرالمؤمنين وسيد *** الوصيين بل نفس النبي ونائبه

ومنها :

وسل أحداً لما توازرت العدا *** وضاقت على الجيش اللّهام مهاربه

ترى أيهم واسى النبي بنفسه *** وقد أسلمته للاعادي كتائبه

ويوم حنين إذ أباد جموعهم *** وبدرا وما لاقى هناك محاربه

وخيبر لما أن تزلزل حصنها *** ومرحب إذ وافته منه معاطبه

وقد نكصا خوفاً براية أحمد *** دعاها فان الموت وعر مساربه

وتلك التي شدت عليه يحفها *** الطغام ويحدوها من الغي ناعبه

وصفين إذ مدت به الحرب باعها *** طويلا وما عانى ابن هندو صاحبه

وما لقيت أجنادهم من رماحه *** وما فعلت ليل الهرير قواضبه

فمن ذا الذي لم يأل في النصح جهده *** لأحمد فيها أو تقوم نوادبه

ص: 183

الشيخ نصر اللّه يحيى

اشارة

المتوفى 1230

لله أية مقلة جفت الكرى *** واستبدلت عن نومها بسهادها

هيهات لا كرب كوقعة كربلا *** كلا ولا جهد كيوم جهادها

إذ طاف يوم الطف آل أمية *** بالسبط في الأرجاس من أوغادها

دفعته عن دفع الفرات بمهجة *** حرى ووحش البر من ورادها

بكت السماء دماً وأملاك السما *** تبكي له من فوق سبع شدادها

وأغبرت الآفاق من حزن له *** والأرض قد لبست ثياب حدادها

رزء يقل من العيون له البكا *** بدمائها وبياضها وسوادها

من مبلغ المختار أن سليله *** أمسى لقى بين الربى ووهادها

ومنابر الهادي تظل أمية *** تنزو كلابهم على أعوادها

ابني النبي مصابكم لا تنقضي *** حسراته أبداً مدى آبادها

وعليكم يا سادتي قد عولت *** نفسي إذا حضرت إلى ميعادها

ألقن ( نصر اللّه ) يرجو نصركم *** في معشره والفوز في اشهادها

لا اختشي نار الجحيم وحبكم *** لي عدة أعددت في اخمادها

صلى الإله عليكم يا خير من *** ترجوهم نفسي لنيل مرادها

ص: 184

الشيخ نصر اللّه بن ابراهيم بن يحيى العامل الطيبي :

ولد في جمادى الثانية سنة 1183 وتوفي في قرية عيثرون = قضاء بنت جبيل في حدود سنة 1230 ذكر السيد الأمين في الأعيان جملة من أشعاره. كان عالماً فاضلاً أديبا شاعراً جيد الخط. له شعر في الامام الحسين (عليه السلام) ومنه القصيدة التي أولها :

ذرني وشاني فلا أصغي إلى شاني *** أذري الدموع على الخدين من شاني

وقال متوسلا بأهل البيت علیهم السلام :

إلهي بحق المصطفى ووصيه *** علي وبالزهراء والحسنين

وبالتسعة الغر الذين ولاهم *** وطاعتهم فرض على الثقلين

أنلني بهم قبل المماة وعنده *** ومن بعده يا رب قرة عين

ص: 185

السيد ابراهيم العطار

اشارة

المتوفى سنة 1230

لم أبك ذكر معالم وديار *** قد أصبحت ممحوة الآثار

واستوحشت بعد الأنيس فما ترى *** فيهن غير الوحش من ديار

كلا ولا وصل العذارى شاقني *** فخلعت في حبي لهن عذاري

كلا ولا برق تألق من ربى *** نجد فهيج مذ سرى تذكاري

لكن بكيت وحق أن أبكي دماً *** لمصاب آل المصطفى الأطهار

وإذا تمثلت الحسين بكربلا *** أصبحت ذا قلق ودمع جار

لم أنسه فرداً يجول بحومة الهيجاء *** كالأسد الهزبر الضاري

لاغرو إن أضحى يكر على العدى *** فهو ابن حيدرة الفتى الكرار

حتى أحيط به وغودر مفرداً *** خلواًَ من الأعوان والأنصار

يا للحماة لمصعب تقتاده *** أيدي الردى بأزمة الأقدار

يا للملا لدم يطل محللا *** بمحرم لمحمد المختار

وبنوه صرعى كالأضاحي حوله *** ما بين بدر دجى وشمس نهار

ص: 186

أين الخضارمة القماقم من بني *** مضر وأين ليوث آل نزار

كم من مخدرة لآل محمد *** قد أبرزت حسرى من الأستار

نحر له الهادى النبي مقبل *** أضحت تقبله شفاه شفار

صدر يرضض بالخيول وإنه *** كنز العلوم وعيبة الأسرار

يا جد هل خبرت أن حماتنا *** قد أصبحوا خبراً من الأخبار

يا مدرك الأوتار أدركنا فقد *** عظم البلا يا مدرك الأوتار

فاليك ياغوث العباد المشتكى *** مما ألم بنا من الأشرار

والمؤمنون على شفا جرف الردى *** فبدار يا ابن الأكرمين بدار

يا سيداً بكت الوحوش عليه في *** الخلوات والأطيار في الأشجار

يا منية الكرار بل يا مهجة المختار *** بل يا صفوة الجبار

أتزل بي قدم ومثلك آخذ *** بيدي وأنت غداً مقيل عثاري

ويذوق حر النار من ينمى *** إلى الكرار وهو غداً قسيم النار

أو يختشي منها ونار سمية (1) *** بكم خبت في سالف الأعصار

ولقد بذلت الجهد في مدحي لكم *** طمعاً بأن تمحى بكم أوزاري

صلى الإله عليكم وأحلكم *** دار السلام فنعم عقبى الدار

وقال :

لهفي لتلك الرؤوس يرفعها *** على رؤوس الرماح أوضعها

لهفي لتلك الجسوم عارية *** وذاريات الصبى تلفعها

لهفي لتلك الصدور توطأ *** بالخيل ومنها العلوم أجمعها

ص: 187


1- يشير إلى عمار بن ياسر رضوان اللّه عليه لما جعلت كفار قريش تعذبه وأمه سمية وأباه ياسر بالنار والنبي صلی اللّه علیه و آله يمر عليهم فيقول : صبراً آل ياسر ، يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على ابراهيم.

لهفي لتلك الأسود قد ظفرت *** بها كلاب الشقا وأضبعها

لهفي لتلك الأوصال تنهبها *** السمر وبيض الظبا تقطعها

لهفي لتلك البدور تأفل في الترب *** وأوج الجمال مطلعها

لهفي لتلك البحور قد نضبت *** وكم طما دافقاً تدفعها

لهفي لتلك الجبال تنسفها *** من عاصفات الضلال زعزعها

لهفي لتلك الغصون ذاوية *** ومن أصول التقى تفرعها

لهفي لتلك الديار موحشة *** تبكي لفقد الأنيس أربعها

ص: 188

السيد ابراهيم العطار

المتوفى سنة 1230

هو السيد ابراهيم بن محمد بن علي بن سيف الدين بن رضاء الدين بن سيف الدين ابن رميئة بن رضا الدين بن محمد علي بن عطيفة بن رضاء الدين بن علاء الدين بن مرتضى بن محمد بن حميضة بن أبي نمي محمد نجم الدين الشريف من أمراء مكة ، ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن من جهة الأب ومن الأم إلى الإمام الحسين (عليه السلام). من مشاهير الشعراء العلماء.

ولد ببغداد ونشأ بها على والده الذي كان من الأعلام ، فعني بتربيته وغذاه بسيرته وبقي ملازماً له حتى توفي عام 1171 ه- ، هاجر إلى النجف مقتفياً أثر سيرة آبائه وإخوانه فحضر على أعلام عصره وأختلف على حلقة السيد محمد مهدي بحر العلوم ، واتصل بفريق مشاهير الشعراء أمال النحوي ، والزيني ، والفحام ، والشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ، والشيخ محمد بن يوسف الجامعي ، وبذلك بزغ نجمه بينهم ، واحتل مكانة في صفوفهم ، ورمقه الأخدان ، واحترمه الأقران.

كف بصره في أواخر حياته ، إذ أعرب عن ذلك في قصيدة له استنجد بها الأئمة (عليهم السلام) وأظهر شكواه من مرض عينيه بقوله :

أيبريني السقام وحسن ظني *** ببرئي فيكم لابل يقيني

وأخشى أن أضام وفي يقيني *** وعلمي أن حبكم يقيني

ص: 189

ومنها :

على م صددتم عني وأنتم *** على الإحسان قد عودتموني

لقد عجزت أطبائي ومالي *** سواكم منقذ فاستنقذوني

ومنها :

أبيت وللأسى نار بقلبي *** فهل من قائل يا نار كوني

متى يجلى قذى عيني وتحظى *** عقيب الفحص بالفتح المبين

فدونكم بني الزهراء نظماً *** يفوق قلائد الدر الثمين

أروم به جلاء العين منكم *** بعين عناية اللّه المعين

عليكم أشرف الصلوات ما أن *** شدت ورق على ورق الغصون

وما سارت مهجنة إليكم *** وسار بذكر كم حادي الظعون

ذكره فريق من الأعلام منهم الشيخ النقدي في الروض النضير ص 346 فقال : كان من ذوي الفضيلة والكمال ، أديباً جيد الشعر ، حي الشعور له مطارحات كثيرة مع أهل عصره ، وشعره الغالب عليه الحسن والرقة.

وذكره السيد الأمين في الأعيان ج 5 ص 437 وساق نسبه الكامل وقال توفي عام 1215 ه- وهو غير صحيح.

والمترجم له والد السيد باقر العطار وابن السيد محمد الذي كان أحد أعلام العراق في وقته ، اشتهر بين فطاحل العلماء ، ومشاهير الشعراء ، وكان مهيباً عند آل عثمان.

وذكره السماوي في الطليعة فقال : كان فاضلاً فقيهاً مشاركاً ، وتقياً زاهداً

ص: 190

ناسكاً ، وله شعر إلى أدب ومعرفة باللغة ، ومحاضرات لأدباء وقته كالسيد محمد زيني توفي عام 1240 ه.

توفي في شهر شعبان من عام 1230 ه.

خلف من الآثار الأدبية ديوان شعره الذي جمعه بعده ولده السيد حيدر الكاظمي جد الأسرة المعروفة ، وفيه ما يقارب الأربعة آلاف بيت وهو اليوم موجود بمكتبة السيد هادي الحيدري.

نماذج من شعره :

والسيد العطار شاعر مجيد معروف ، تجول في مختلف أغراض الشعر وأصاب منها الحظ الأوفر ، وشعره يوقفك على علاقاته مع العلماء والأسر ، ويطلعك على كثير من الصور التي قد لا تجدها عند غيره ، وإليك نماذج متنوعة من شعره ، منها ما قرظ وأرخ به عام تخميس الشاعر المعروف الشيخ محمد رضا النحوي لبردة البوصيري فقال :

فرائد در ليس تحصى عجائبه *** وقد بهرت منا العقول غرائبه

وآيات نظم يهتدي المهتدي بها *** كما يهتدي بالنجم في الليل ساربه

ويهتز من إنشادها كل ساطع *** سروراً كما يهتز للخمر شاربه

ترى كل قطر من شذا طيب نشرها *** معطرة أرجاؤه وجوانبه

عرائس أفكار برزن مرقة *** عليهن أثواب البها وجلابيه

شوارق مذ ذرت على الدهر أشرقت *** مشارقه من نورها ومغاربه

فلو أن ياقوتاً يشاهد درها النظيم *** لأضحى وهو بالتبر كاتبه

مزايا أبي تمام يقصر دونها *** وتغدو مزاياه وهن مثالبه

وما السحر لو فكرت في كنه وصفها *** يشاكل معنى لفظها ويقاربه

ص: 191

أزاهير لفظ زدتهن نضارة *** فأضحت كروض باكرته سحائبه

وألبستها برداً من الفضل فاخراً *** به يمتطي هام المجرة ساحبه

وقلدتها أسنى فرائد لو بها *** يقاس نفيس الدر بانت معايبه

ووفيتها - لله درك - حقها *** وذلك حق قد تأكد واجبه

بذلت لها لمجهود للأجر طالباً *** فأدركت منه فوق ما أنت طالبه

ومن لرسول اللّه كان مديحه *** فآثاره محمودة وعواقبه

ليسم بما أثنى محمد الرضا *** محلاً تسامى النيرات مراتبه

ويعجز عمن قد أتاه مفاخراً *** به وليغالب من أتاه يغالبه

ويحمد إله العرش جل فإنها *** مواهب من ذى العز جلت مواهبه

جواد رهان ليس يدرك شأوه *** وصارم عزم لا تفل مضاربه

وبدرد جي لو هدى حالك الدجى *** بأنواره كانت نهاراً غياهبه

تعود كسب الفضل مذ كان يافعاً *** ألا هكذا فليطلب الفضل كاسبه

وجلى بمضمار السباق مبرزاً *** فقصر عن إدراكه من يغالبه

وأقسم لو لا منشئآت كماله *** لقامت على أهل الكمال نوادبه

فيا واحد الآحاد يا من بذكره *** الجميل حدا الحادي وسارت ركائبه

ومن كرمت أخلافه وفعاله *** وجلت مزاياه وجلت مناقبه

رويدك هل أبقيت في الفضل مطلباً *** ينال به أقصى المطالب طالبه

أجدك هل ألقى النظام قياده *** بكفك فانقادت إليك مصاحبه

فحسب ولاة الفضل أنك منهم *** فخاراً وحسب الفضل أنك صاحبه

لأنت بمضمار السباق كميته *** وقد أحجمت فرسانه وسلاهبه

نظمت عقوداً أنت ثاقب درها *** وما كل من قد نظم الدر ثاقبه

ص: 192

وكم ظهرت في الشعر منك معاجز *** بها منهج الآداب أوضح لاحبه

فإن يك بحر الفضل ساغ مشارباً *** ففيك لعمر اللّه ساغت مشاربه

كذا فليكن نظم القريض قلائداً *** كذا فليزن أفق الكمال كواكبه

ولله تخميس به نلت رتبة *** كما نالها بالأصل من قبل صاحبه

تحلى به جيد الزمان فأرخوا *** ( فرائد در ليس تحصى عجائبه )

أقول : ديوان المترجم له مخطوط بخط صديقنا الوجيه السيد عبدالعزيز ابن السيد عباس ابن السيد ابراهيم ابن السيد حيدر ابن الناظم ، ومن جملة مراثيه التي رثى بها الإمام الحسين قوله في مطلع قصيدة :

بكت عيني وقل لها بكاها *** ولو مزجت بأدمعها دماها

وقال في مطلع قصيدة أخرى :

هي كربلاء فقف بأربعها معي *** نبك الشهيد بأعين لم تهجع

ص: 193

الشيخ محمد علي الاعسم

اشارة

المتوفى 1233

ديار تذكرت نزالها *** فرويت بالدمع أطلالها

وكانت رجاء لمن أمها *** بها تبلغ الوفد آمالها

وكم منزل قد سمى بالنزيل *** ولو طاولته السما طالها

بنفسي كراماً سخت بالنفوس *** بيوم سمت فيه أمثالها

وصالوا كصولة أسد العرين *** رأت في يد القوم أشبالها

ترى أن في الموت طول الحياة *** فكادت تسابق آجالها

إلى أن أبيدوا بسيف العدى *** ونال السعادة من نالها

ولم يبق للسبط من ناصر *** يلاقي من الحرب أهوالها

بنفسي فريداً أحاطت به *** عداه فجاهد أبطالها

ويرعى الوغى وخيام النسا *** فعين لهن وأخرى لها

إلى أن هوى فوق وجه الثرى *** وزلزلت الأرض زلزالها

وشيلت رؤوسهم في الرماح *** فشلت يدا كل من شالها

ص: 194

وما أنس لا أنس زين العباد *** عليلا يكابد أغلالها

وما للنساء ولي سواه *** يليها ويكفل أطفالها

ونادى منادي اللئام الرحيل *** يريدون للشام إرسالها

بكين وأعولن كل العويل *** فلم يرحم القوم إعوالها

قد استأصلوا عترة المصطفى *** ولم يخلق الكون إلا لها

وكم آية أنزلت في الولاء *** لهم شاهد القوم إنزالها

ولو أهمل الأمة المصطفى *** لكان قد اختار إضلالها

إليكم بني أحمد غادة *** أتت من ولي لكم قالها

رجا في القيامة أن تؤمنوه *** إذا خافت النفس أهوالها

وقال :

ذكر الطفوف ويوم عاشوراء *** منعا جفوني لذة الإغفاء

لم أنسه لما سرى من يثرب *** بعصابة من رهطه النجباء

حتى أتوا أرض الطفوف بنينوى *** أرض الكروب أرض كل بلاء

حطوا الرحال فذا محط خيامنا *** وهنا تكون مصارع الشهداء

وبهذه يغدو جوادي صاهلا *** مرخي العنان يجول في البيداء

وبهذه أغدو لطفلي حاملاً *** في الكف أطلب جرعة من ماء

أمجدل الأبطال في يوم الوغى *** ومنكس الرايات في الهيجاء

هذا حبيبك بالطفوف مجدل *** عار تكفنه يد النكباء

ص: 195

الشيخ محمد علي الاعسم

الشيخ محمد علي الأعسم المتولد في النجف عام 1154 ه- تقريباً وهو ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد الزبيدي النجفي.

توفي سنة 1233 في النجف الأشرف ودفن في المقبرة التي تنسب إليهم في الصحن الشريف المرتضوي.

وآل الأعسم أسره نجفية كبيرة عريقة في العلم والفضل والأدب ، أصلها من الحجاز من نواحي المدينة المنورة وجاء جدهم الأعلى إلى النجف الأشرف وتوطنها ، وقيل له الأعسم لكونه من العسمان فخذ من حرب إحدى قبائل الحجاز المعروفة.

كان صاحب الترجمة عالماً فاضلاً فقيهاً ناسكاً أديباً شاعراً له ديوان شعر وله مراث كثيرة في الحسين علیه السلام ومدائح في أهل البيت وبعضه في أستاذه بحر العلوم. له منظومة في الرضاع وأخرى في المواريث وثالثة في العدد ورابعة في تقدير دية القتل وخامسة في آداب الطعام والشراب المستفادة من الأخبار ، وقد شرح المنظومات الثلاث الأولى ولده الشيخ عبدالحسين وله ينظم حديث : إذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فقولوا نعم الملوك ونعم العلماء ، وإذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فقولوا بئس العلماء وبئس الملوك.

ملك يعاتب عالماً في تركه *** لزيارة فأجابت العرفاء

يخشى مقال الناس حين يرونه *** بئس الملوك وبئست العلماء

ص: 196

جاء في معارف الرجال أنه تتلمذ على الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء النجفي وكان من أخلص أصحابه ومدح الشيخ أستاذه بعدة قصائد ومدح أنجاله الأعلام أيضاً ، حج مكة المكرمة سنة 1199 ه- مع أستاذه كاشف الغطاء بركابه مع العلماء الأعلام ، وحضر الفقه على السيد مهدي بحر العلوم النجفي كما أجازه أن يروي. وقد عرضت على المترجم له منظومة بحر العلوم المسماة ب- ( الدرة ) وقد قرضها بقوله :

درة علم هي ما بين الدرر *** فاتحة الكتاب ما بين السور

ترى على أبياتها طلاوة *** كأنما استقت من التلاوة

لذاك فاقت كل نظم جيد *** وسيد الأقوال قول السيد

وقال في الطليعة : أخبرني السيد محسن الكاظمي الصائغ عن أبيه السيد هاشم الحسيني رحمه اللّه قال : نظم المرحوم الشيخ محمد علي الأعسم قصيدته في الحسين (عليه السلام) التي مطلعها :

قد أوهنت جلدي الديار الخالية *** من أهلها ما للديار وما ليه

ثم عرضها على ولده الشيخ عبدالحسين فقال : أنظرها فنظرها ثم قال : هذه قافيه قاسية فتركها ناظمها تحت مصلاه فما كان إلا أن طرق الباب سحراً وإذا بالخطيب الشيخ محمد علي القاري الشهير (1) وكان ممتازاً بإنشاد الشعر الحسيني في محافل الحسين علیه السلام قال : إني رأيت البارحة كأني دخلت الروضة الحيدرية فرأيت أمير المؤمنين جالساً فسلمت عليه فأعطاني ورقة فيها قصيدة وقال : أقرأ لي هذه القصيدة في رثاء ولدي الحسين ، فقرأتها وهو يبكي ،

ص: 197


1- وهو من الجوابر وأسرته في النجف يعرفون بآل الجابري وأكثرهم من خدام المنبر الحسيني.

فانتبهت وأنا أحفظ منها :

قست القلوب فلم تلن لهداية *** تباً لهاتيك القلوب القاسية

فبهت الشيخ وأخرج له الورقة التي تحت مصلاه فدهش الشيخ محمد علي القاري وقال : واللّه إنها نفس الورقة بل هي هي التي أعطانيها أمير المؤمنين انتهى أقول والمشهور أن هذه القصيدة لولده.

وللشيخ محمد علي الأعسم يد طولى في الرجز فقد نظم عدة منظومات في مختلف العلوم ، فواحدة في الفقه والأصول وطبع قسم منها مشروحاً في مطابع النجف الأشرف سنة 1349 ثم سبق وأن نظم في المواريث منظومة أولها :

نحمدك اللّهم يا من شرعا *** ديناً به النبي طاها صدعا

أما منظومته في المطاعم والمشارب فهي خير ما قيل وقد ضمنها نصوص الأخبار والأحاديث الواردة عن أهل البيت علیهم السلام ، وإليك بعض فصولها :

الحمد لله وصلى الباري *** على النبي أحمد المختار

وآله الأطهار أرباب الكرم *** ومن بهم تمت على الخلق النعم

وبعد فالعبد الفقير المحتمي *** بظل آل المصطفى ابن الأعسم

قال نظرت في كتاب الأطعمة *** من الدروس ما اقتضى أن أنظمه

مما به روي من الآداب *** عند حضور الأكل والشراب

مكتفياً بذاك أو أذكر ما *** رواه في ذلك بعض العلما

مقتصراً فيه على متن الخبر *** أو نص من لم يفت إلا عن أثر

ص: 198

فضل الخبز وآدابه

الفضل للخبز الذي لولاه *** ما كان يوماً يعبد الإله

أفضله الخبز من الشعير *** فهو طعام القانع الفقير

ما حل جوفا قط إلا أخليا *** من كل داء وهو قوت الأنبياء

له على الحنطة فضل سامي *** كفضل أهل البيت في الأنام

ما من نبي لا عتناء فيه *** إلا وقد دعى لآكليه

فأكرم الخبز ومن إكرامه *** ترك انتظار الغير من أدامه

والحفر للرغيف والابانه *** بمدية فهي له إهانة

وصغر الرغفان دع أن تتركه *** فإن في كل رغيف بركه

- آداب الأكل -

إبدأ بأكل الملح قبل المائدة *** وأختم به فكم به من فائدة

فإنه شفاء كل داء *** يدفع سبعين من البلاء

سم على المأكول في ابتداء *** وفي الأخير أحمد وفي الاثناء

ويستحب الغسل لليدين *** قبلا وبعداً تغسل الثنتين

فإن فيه مع دفع الغمر *** زيادة العمر ونفي الفقر

وامسح أخيراً بنداوة اليد *** عينيك والوجه لدفع الرمد

والجلب للرزق وإذهاب الكلف *** وامسح بمنديل إذا لم يك جف

فإن هذا بخلاف الاول *** أتى به النهي عن التمندل

والأكل والشراب باليسار *** يكره إلا عند الاضطرار

واستثني الرمان منها والعنب *** فالأكل باليدين فيهما أحب

ص: 199

ويكره الاكل على الشبع إذا *** لم يؤذ والمحظور ما فيه الأذى

والأكل مشياً ومعارض نقل *** على البيان للجواز قد حمل

فعل النبي مرة في الزمن *** في كسرة مغموسة باللبن

والأتكاء حالة الأكل اترك *** ما أكل النبي وهو متكي

وأبن اليسار وهو بعض العمد *** روى جواز الاتكا على اليد

وبعده استلق على قفاكا *** ضع رجلك اليمنى على يسراكا

والأكل مما لا يليك اجتنب *** فيما عدا الثمار مثل الرطب

والترك للعشاء يفسد البدن *** لا سيما لو كان شيخاً قد أسن

وليلة السبت وليلة الأحد *** إذا تتابعا فمن ضر الجسد

يذهب بالقوة كلها ولا *** تعود أربعين يوماً كملا

وليترك النفخ ولا ينظر إلى *** أكل ( رقيق ) معه قد أكلا

ولا يقرب رأسه إليه *** وليتجنب نفضه يديه

دع السكوت فهي سيرة العجم *** وجود المضغ وصغر اللقم

لا تحتمي في صحة بلا غرض *** فهو كترك الاحتما حال المرض

- خواص بعض المأكولات من الفاكهة -

الاكل للبطيخ فيه أجر *** لمن نواه وخصال عشر

أكل شراب يغسل المثانة *** فاكهة باهية ريحانة

مدر بول وأدام حلوى *** إن يأكل العطشان منه يروى

وقد أتانا في علاج العلل *** ما استشفت الناس بمثل العسل

وسيد الفواكه الرمان *** يأكله الجائع والشبعان

ص: 200

منور قلوب أهل الدين *** ومذهب وسوسة اللعين

فكله كيما أن تصح بعده *** بشحمه فهو دباغ المعده

لا يشرك الإنسان في الرمان *** لحبة فيه من الجنان

وتؤكل الأعناب مثنى مثنى *** وورد الأفراد فيه أهنى

والرازقي منه صنف يحمد *** ويذهب الغموم منه الأسود

والتين مما جاء فيه أنه *** أشبه شيء بنبات الجنة

ينفي البواسير وكل الداء *** ومعه لم تحتج إلى دواء

وفي السفرجل الحديث قد ورد *** تأكله الحبلى فيحسن الولد

وقد أتانا عن ولاة الامر *** وعن أبيهم حبهم للتمر

فأصبحت شيعتهم كذلك *** تحبه في سائر الممالك

وجاء في الحديث أن البرني *** يشبع من يأكله ويهني

وأنه يذهب للعياء *** وهو دواء سالم من داء

وجاء عنهم في حديث قد ورد *** كثرة أكل البيض تكثر الولد

وينفع التفاح في الرعاف *** مبرد حرارة الأجواف

وفيه نفع للسقام العارض *** ويورث النسيان أكل الحامض

- فصل في اللحوم -

قد ورد المدح للحم الضان *** لكن أتى النهي عن الإدمان

وهو يزيد في السماع والبصر *** لأكله بالبيض في الباه أثر

أطيبه لحم الذراع والقبج *** والفرخ أن ينهض أو كان درج

شكا نبي قلة الجماع *** والضعف عند الملك المطاع

ص: 201

أمره بالأكل للهريسة *** وفيه ايضاً خلة نفيسة

تنشيطها الأنسان للعبادة *** شهراً عليه عشرة زيادة

والسمك اتركه لما قد وردا *** من ان اكله يذيب الجسدا

ما بات في جوف امرئ الا اضطرب *** عليه عرق فالج فيجتنب

لكن من يأكل تمراً او عسل *** عليه عند ذلك الفالج زل

والنهك للعظام مكروه فلا *** تفعله فالناهك عظماً يبتلى

تأخذ منه الجن فوق ما اخذ *** فهو طعام الجن (1) حين ينتبذ

- الادام والبقول -

نعم الادام الخل ما فيه ضرر *** وكل بيت حل فيه ما افتقر

يزيد في العقل ، ودود البطن *** يهلكه ، محدد للذهن

وينبت اللحم الشراب للبن *** كذا يشد العضد الذي وهن

والقرع وهو ما يسمى بالدبا *** قد كان يعجب النبي المجتبى

فانه قد جاء في المنقول *** يزيد في الدماغ والعقول

وجاء عمن كلما قالوه حق *** أن طبيخ الماش يذهب البهق

وعن أمير المؤمنين في العدس *** بين وصفاكاد فيه أن يحس

في سرعة الدمعة في البكاء *** ورقة في القلب والأحشاء

مما يزيد في الجماع البصل *** وفيه نفع غير هذا نقلوا

ص: 202


1- ربما يراد بها القطط والكلاب التي تنتظر فضلة المائدة.

من دفعه الحمى وشده العصب *** والطرد للوبا وإذهاب النصب

ويذهب البلغم ، والزوجين *** يزيد حضوتيهما في البين

ومن يكن في جمعة أو قد دخل *** في مسجد فليجتنب أكل البصل

كذاك أكل الثوم والكراث *** دعه ونحو هذه الثلاث

وجاء في رواية أن الجزر *** يزيد في الباه مقيما للذكر

مسخن للكليتين ينجي *** من البواسير ومن قولنج

والأكل للكرفس ممدوح بنص *** ينفي الجذام والجنون البرص

طعام الياس نبي اللّه مع *** وصي موسى يوشع من اليسع

وجاء في الكراث فيما قد ورد *** قطع البواسير وللريح طرد

يؤكل للطحال في أيام *** ثلاثة والأمن من جذام

والسلق جاء فيه نعم البقلة *** وفيه نفع قد أردنا نقلة

تأثيره التغليظ للعظام *** والدفع للجذام والبرسام

في شاطئ الفردوس منه وجدا *** فيه شفاء نافع لكل دا

والأكل للخس مصف للدم *** ويذهب الجذام أكل الشلجم

والأكل من سواقط الخوان *** يغدو مهور الخرد الحسان

فيه شفاء كل داء قد ورد *** مع صحة العيش وصحة الولد

إلا إذا ما كان في الصحراء *** فأبقه فالفضل في الابقاء

وهو دواء للذي له أكل *** من مرض وللعموم يحتمل

- التخليل -

وجاء في تخلل الأسنان *** نهي عن الريحان والرمان

ص: 203

والخوص والآس وعود القصب *** ولا تدعه فهو شرعاً مستحب

ما أخرج اللسان فابتلعه *** وبالخلال أقذف ولا تدعه

تربة الحسين (عليه السلام)

وللحسين تربة فيها الشفا *** تشفي الذي على الحمام أشرفا

لها دعاءان فيدعو الداعي *** في وقتي الأخذ والابتلاع

حد لها الشارع حداً خصصه *** تحريم ما قد زاد فوق الحمصه

القول في الماء وآدابه

سيد كل المائعات الماء *** ما عنه في جميعها غناء

أما ترى الوحي إلى النبي *** منه جعلنا كل شيء حي

ويكره الاكثار منه للنص *** وعبه - أي شربه - بلا مص

يروى به التوريث للكباد *** بالضم أعني وجع الأكباد

ومن ينحيه ويشتهيه *** ويحمد اللّه ثلاثاً فيه

ثلاث مرات فيروى أنه *** يوجب للمرء دخول الجنه

وفي ابتداء هذه المرات *** جميعها بسمل لنص آت

وان شربت الماء فاشرب بنفس *** ان كان ساقي الماء حراً يلتمس

أو كان عبداً ثلث الأنفاسا *** كذاك ان أنت أخذت الكاسا

والماء أن تفرغ من الشراب له *** صل على الحسين والعن قاتله

تؤجر بالآف عدادها مئة *** من عتق مملوك وحط سيئة

ودرج وحسنات ترفع *** فهي اذن مئات الف أربع

وليجتنب موضع كسر الآنية *** وموضع العروة للكراهية

تشربه في الليل قاعداً لما *** رووه واشرب في النهار قائماً

ص: 204

والفضل للفرات ( ميزابان ) *** فيه من الجنة يجريان

حنك به الطفل ففي الرواية *** يحبب المولود للولاية

ونيل مصر ليس بالمحبوب *** فانه المميت للقلوب

والغسل للرأس بطين النيل *** والأكل في فخاره المعمول

يذهب كل منهما بالغيرة *** ويورث الدياثة المشهورة

في ماء زمزم حديث وردا *** أمن من الخوف شفاء كل دا

ويندب الشرب لسؤر المؤمن *** وان ادير يبتدا بالأيمن

لا تعرضن شربه على أحد *** لكن متى يعرض عليك لا يرد

في زاد السفر وآدابه

من شرف الانسان في الأسفار *** تطييبه الزاد مع الاكثار

وليحسن الانسان في حال السفر *** أخلاقه زيادة على الحضر

وليدع عند الوضع للخوان *** من كان حاضراً من الاخوان

وليكثر المزح مع الصحب إذا *** لم يسخط اللّه ولم يجلب أذى

من جاء بلدة فذا ضيف على *** إخوانه فيها إلى أن يرحلا

يبر ليلتين ثم يأكل *** من أكل أهل البيت في المستقبل

والضيف يأتي معه برزقه *** فلا يقصر أحد في حقه

يلقاه بالبشر وبالطلاقه *** ويحسن القرى بما أطاقه

يدنى اليه كل شيء يجده *** ولا يرم ما لا تناله يده

وليكن الضيف بذاك راضي *** ولا يكلفه بالاستقراض

وأكرم الضيف ولا تستخدم *** وما اشتهاه من طعم قدم

وبالذي عندك للأخ اكتف *** لكن إذا دعوته تكلف

ص: 205

فان تنوقت له فلا يضر *** فخيره ما طاب منه وكثر

ويندب الأكل مع الضيف ولا *** يرفع قبله يداً لو أكلا

وان يعين ضيفه إذ ينزل *** ولا يعينه إذا ما يرحل

وينبغي تشييعه للباب *** وفي الركوب الأخذ للركاب

وصاحب الطعام يغسل اليدا *** بعد الضيوف عكس غسل الا تبدا

ثم بمن على يمين الباب *** كما هو المشهور في الأصحاب

أو أفضل القوم رفيع الشأن *** كما قد استحبه ( الكاشاني )

يجمع ماء الكل طشت واحد *** لأجل جمع الشمل فهو الوارد

هذا وصلى اللّه ذو الجلال *** على النبي المصطفى والآل

ومن شعره يرثي الامام الحسن السبط علیه السلام

ما كان أعظم لوعة الزهراء *** فيما به فجعت من الارزاء

كم جرعت بعد النبي بولدها *** غصصاً لما نالوا من الأعداء

ما بين مقتول بأسياف العدا *** دامي الوريد مرضض الأعضاء

ظمآن ما بل الغليل وشارب *** سماً يقطع منه في الأمعاء

بأبي الذي أمسى يكابد علة *** ما أن يعالج داءها بدواء

ما ان ذكرت مصابه إلا جرت *** عيني وشب النار في أحشائي

ولأن بكت عيني ببيض مدامع *** فيحق أن تبكي بحمر دماء

لم أنسه في النعش محمولاً وقد *** بدت الشماتة من بني الطلقاء

وأتوابه كيما يجدد عهده *** بأبيه أحمد أشرف الآباء

ولرب قائلة الا نحو ابنكم *** لا تدخلوا بيتي بغير رضائي

شكوا بأسهم حقدهم أكفانه *** وأبوه أن يدنى أشد إباء

ص: 206

أو كان يرضى المصطفى أن ابنه *** يقصى وأن يدنى البعيد النائي

لهفي على الحسن الزكي المجتبى *** سبط النبي سلالة النجباء

قاسى شدائد لا أراها دون ما *** قاسى أخوه سيد الشهداء

ما بين أعداء يرون قتاله *** وبشيعة ليسوا بأهل وفاء

خذلوه وقت الاحتياج اليهم *** وقد التقى الفئتان في الهيجاء

صاروا عليه بعد ما كانوا له *** ولقوه بعد الرد بالبغضاء

حتى أصيب بخنجر في فخذه *** وجراحة بلغت إلى الأحشاء

فشكا لعائشة بضمن الوكة *** أحواله فبكت أشد بكاء

حال تكدر قلب عائشة فما *** حال الشفيقة أمه الزهراء

لا نجدة يلقى العدو بها ولا *** منجى يقيه من أذى الأعداء

ضاقت بها رحب البلاد فاصبحوا *** نائين في الدنيا بغير غناء

يتباعدون عن القريب كأنهم *** لم يعرفوه خيفة الرقباء

أوصى النبي بودهم فكأنه *** أوصى لهم باهانة وجفاء

تبعت أمية في القلا رؤساءها *** فالويل للأتباع الرؤساء

جعلوا النبي خصيمهم تعساً لمن *** جعل النبي له من الخصماء

فتكوا بسادتهم وهم أبناؤها *** لم ترع فيهم حرمة الآباء

فمتى تعود لآل أحمد دولة *** تشفى القلوب بها من الأدواء

بظهور مهدي يقر عيوننا *** بظهور تلك الطلعة الغراء

صلى الإله عليهم ما اشرقت *** شمس النهار واعقبت بمساء

وقال يمدح الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ويهنئه بداره الكبيرة عام 1225 في عهد أبيه. منها

ص: 207

يا أيها الساعي لكل حميدة *** تلك المكارم جئتها من بابها

ما وفق اللّه امرءاً لفضيلة *** إلا وكنت الأصل في أسبابها

بوركت في العلياء يا من بوركت *** هي فيه فافتخرت على أترابها

فلبستها تحت الثياب تواضعاً *** وتفاخراً لبستك فوق ثيابها

ولكم أناس غير اكفاء لها *** خطبت فردتها على أعقابها

فرأوه مهراً غالياً فتأخروا *** والعيب كان بخاطبيها لا بها

وأتته خاطبة اليه بنفسها *** من بعد ما امتنعت على خطابها

موسى بن جعفر الذي لجنابه *** صلحت كما هو صالح لجنابها

ومنها يقول :

دار يفوح اريجها فيشمه ال- *** -نائي ويغمر من يمر ببابها

يلج الملوك الرعب إذ يلجونها *** فتحلها والرعب ملء اهابها

حتى ترى من أهلها لو سلمت *** حسن ابتسام عند رد جوابها

دار العبادة لم يطق متعبد *** ترجيح محراب على محرابها

هم أهل مكتها التي إن يسألوا *** عنها فهم أدرى الورى بشعابها

خطباء أعواد أئمة جمعة *** أمرا كلام يوم فصل خطابها

وبراعة فعلت باسماع الألى *** يصفون فعل الخمر في البابها

ان أوجزت يعجبك حسن وجيزها *** أو أسهبت فالفضل في اسهابها

ومنها يقول :

يا ابن الذي يقضي الحقوق جلالة *** لله لاطمعا بنيل ثوابها

طلبوا الثواب بها ومطلبه الرضا *** شتان بين طلابه وطلابها

ص: 208

ألقيت نفسك في الحفاظ من العدا *** وقصدت وجه اللّه في اتعابها

علمت أرباب الجهات طرايقاً *** للدفع عن اعراضها ورقابها

لولاك ما اعتدوا ولم يك عندهم *** لاولئك الاعداء غير سبابها

رابطت اعداءاً ملأت قلوبهم *** رهباً جزيت الخير عن إرهابها

وقصيدة زانت بصدق ثنائها *** وجزالة الألفاظ باستعذابها

جاءتك تعرب عن صفاء ودادها *** ولديك ما يغنيك عن إعرابها

جاءت مهنية بدار سعادة *** تتزاحم التيجان في ابوابها

بلغت بأقصى المجد تاريخاً ( الا *** دار مباركة على اربابها )

ص: 209

مسلم بن عقيل الجصاني

اشارة

لو ان للدهر في حالاته ورعا *** حمى حقيقة نجل المصطفى ورعى

درى الردى من بسهم النائبات رمى *** فاصبح الدين في مرماه متصدعا

رمى إمام تقى تهدى الانام به *** نور النبوة من لألائه لمعا

رمى فتى كان موصولا برحمته *** الاسلام والدين منه البر منتجعا

رمى حسيناً اخا الاحسان خير فتى *** قد كان في الناس للمعروف مصطنعاً

لئن يعض بنان الحزن من اسف *** ندمت ام لافان الأمر قد وقعا

ايبست من دوحة العلياء غصن علا *** قد كان من شجر الأيمان مفترعاً

لهفى لمستشهد في الطف مات وما *** غليله بل من ماء وما نقعا

ص: 210

الشيخ مسلم الجصاني

المتوفي 1235 هجري

هو الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني الأصل ، النجفي المسكن ، عالم أديب وشاعر لبيب.

ولد في جصان وهاجر إلى النجف كما يظهر من آثاره في دور الشباب واتصل بالسيد محمد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر الجناجي فنال المكان اللائق به عندهما وشارك في معركة الخميس مشاركة فعلية ، وقد مر ذكره غير مرة في مختلف تراجم أصدقائه أمثال النحوي والزيني والجامعي والفحام واصحابهم من ابطال المعركة.

ذكره صاحب الحصون في ج 9 ص 319 فقال : كان فاضلاً اديباً شاعراً بارعاً تقياً نقياً معاصراً لبحر العلوم والشيخ جعفر وله مطارحات مع ادباء عصره وقد رثى السيد صادق الفحام وعثرت له على مرثية للسيد سليمان الحلي ومطارحات مع الشيخ علي بن محمد بن زين الدين التميمي الكاظمي وغيره كما له مراثي كثيرة للامام الحسين (عليه السلام) توفي في حدود 1235 في النجف ودفن بها : ومن شعره مخمساً والأصل للصاحب بن عباد في مدح الامام اميرالمؤمنين (عليه السلام) :

ألم تر ان الشهب دون حصى الغري *** فعجها الى وادي الغري المطهر

سألتك بالحي المميت المصور *** إذا مت فادفني مجاور حيدر

ابا شبر اعني به وشبر

إمام لأهل الجود اعلى مناره *** يزيد ندى لا يصطلي الحب ناره

ص: 211

ولما استجار الدين يوماً اجاره *** فتى لا يذوق النار من كان جاره

ولا يختشي من منكر ونكير

فيا مخمداً حر الوطيس إذا حمى *** ومفترساً بالكرليثاً وضيغماً

اتسلم عبداً للولاء قد انتمى *** وعار على حامي الحمى وهو بالحمى

إذا ضل في البيدا عقال بعير

وترجم له السيد الامين في الأعيان فقال : الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني ابن يحيى بن عبد ان بن سليمان الوائلي الكناني. توفي سنة 1230.

ص: 212

الحاج هاشم الكعبي

اشارة

لو كان في الربع المحيل *** برء العليل من الغليل

ربع الشباب ومنزل *** الأحباب والظل الظليل

لعب الشمال به كما *** لعبت شمول بالعقول

طلل يضيف النازلين *** شجاؤه قبل النزول

مستأنساً بالوحش بعد *** أوانس الحي الحلول

مستبدلا ربما بريم *** آخذ غيلا بغيل

لا يقتضي عذرا ولا *** يرتاع من عذل العذول

ومريعة باللوم تلحوني *** وما تدري ذهولي

خلي أميمة عن ملامك *** ما المعزي كالثكول

ما الراقد الوسنان مثل *** معذب القلب العليل

سهران من ألم وهذا *** نائم الليل الطويل

ذوقي أميمة ما أذوق *** وبعده ما شئت قولي

أو من علمت الماجدين *** غداة جدوا بالرحيل

آل الرسول ونعم أكفاء *** العلى آل الرسول

خير الفروع فروعهم *** وأصولهم خير الأصول

ومهابط الأملاك تترى *** بالبكور وبالأصيل

ص: 213

ذللا على الأبواب لا *** يعدون إذنا للدخول

أبداً بسر الوحي *** تهتف بالصعود وبالنزول

عرف الذبيح بهم وما *** عرفت قريش بالفضول

من مالك خير البطون *** وصنوه خير القبيل

من هاشم البطحاء لا *** سلفي نمير أو سلول

من راكبي ظهر البراق *** وممتطي قب الخيول

من خارقي السبع الطباق *** ومخرسي العشر العقول

من آل أحمد رحمه *** الأدنى ومغرسه الأصيل

ركبوا إلى العز المنون *** وجانبوا عيش الذليل

وردوا الوغى فقضوا وليس *** تعاب شمس بالأفول

هيهات ما الصبر الجميل *** هناك بالصبر الجميل

او ما سمعت ابن الببتولة *** لو دريت ابن البتول

إذ قادها شعث *** الننواصي عاقدات للذيول

طلق الأعنة عاطفات *** بالرسيم على الذميل

يطوي بها متن الوعور *** معارضا طي السهول

متنكب الورد الذميم *** مجانب المرعى الوبيل

طلاب مجد بالحسام *** العضب والرمح الطويل

متطلباً أقصى المطالب *** خاطب الخطب الجليل

يحدو مأثر قاصراً *** عن منتهاها كل طول

شرف تورث عن وصي *** أو أخي وحي رسول

ضلت أمية ما تريد *** غداة مقترع النصول

رامت تسوق المصعب الهدار *** مستاق الذلول

ص: 214

ويروح طوع يمينها *** قود الجنيب أبو الشبول

وغوى بها جهل بها *** وألغي من خلق الجهول

لف الرجال بمثلها *** وثنى الخيول على الخيول

وأباحها عضب الشبا *** لا بالكهام ولا ألكليل

خلط البراعة بالشجاعة *** فالصليل عن الدليل

للسانه وسنانه *** صدقان من طعن وقيل

قل الصحابة غتير أن *** قليلهم غير القليل

من كل أبيض واضح الحسبين *** معدوم المثيل

من معشر ضربوا الخبا *** في مفرق المجد الأثيل

وعصابة عقدت عصابة *** عزهم كف الجليل

كبني علي والحسين *** وجعفر وبني عقيل

وحبيب الليث الهزبر *** ومسلم الأسد المديل

آحاد قوم يحطمون *** الجمع في اليوم المهول

ومعارضي أسل الرماح *** بعارض الخد الأسيل

يمشون في ظلل القنا *** ميل المعاطف غير ميل

وردوا على الظماء الردى *** ورد الزلال السلسبيل

وثووا على الرمضاء من *** كاب ومنعفر جديل

وسطا العفرنى حين أفرد *** شيمة الليث الصؤول

ذات الفقار بكفه *** وبكتفه ذات الفضول

وابو المنية سيفه *** وكذا السحاب أبو السيول

غرثان أورث حده *** ضرب الطلى فرط النحول

صاح نحيل المضربين *** فديت للصاحي النحيل

ص: 215

غيران ينتقد الكمي *** فليس يقنع بالبديل

يا ابن الذين توارثوا *** العليا قبيلا عن قبيل

والسابقين بمجدهم *** في كل جيل كل جيل

والطاعني ثغر العدى *** والمانعي ضيم النزيل

إن تمس منكسر اللوى *** ملقى على وجه الرمول

فلقد قتلت مهذبا *** من كل عيب في القتيل

جم المناقب لم تكن *** تعطي العدى كف الذليل

كلا ولا أقررت إقرار *** العبيد على الخمول

يهدى لك الذكر الجميل *** على الزمان المستطيل

ما كنت إلا السيف أبلته *** الضرائب بالفلول

والليث أقلع بعد ما *** دق الرعيل على الرعيل

والطود قد جاز العلو *** فلم يكن غير النزول

والطرف كفكف بعدما *** غلب الجياد على الوصول

والشمس غابت بعدما *** هدت الأنام إلى السبيل

والماجد الكشاف *** للكربات في الخطب الثقيل

حاوي الثناء المستطاب *** وكاسب الحمد الجزيل

بابي وأمي أنتم *** من بعدكم للمستنيل

لادر بعدكم الغمام *** ولا سقى ربع المحيل

من للهدى من للندى *** من للمسائل والسؤول

رجعت بها آمالها *** عن لا نوال ولا منيل

فغدت وعبرتها تسح *** وقلبها حلف الغليل

ثكلى لها الويل الطويل *** شجى وإفراط العويل

ص: 216

يا طف طاف على مقامك *** كل هتان هطول

وأناخ فيك من السحاب *** الغر مثقلة الحمول

وحباك من مر النسيم *** بكل خفاق عليل

أرج يضوع كأنه *** قد بل بالمسك البليل

حتى ترى خضر *** المرابع والمراتع والفصول

كاسي الروابي والبطاح *** مطارفا هدل الذيول

قسما بتربة ساكنيك *** وما بضمنك من قتيل

أنا ذلك الظامي وصاحب *** ذلك الدمع الهطول

لا بعد ينسيني ولا *** قرب يبرد لي غليلي

يا خير من لاذ القربض *** بظل فخرهم الظليل

وأجل مسؤول أتاه *** فنال عاف خير سول

لكم المساعي الغر *** والعلياء لامعة الحجول

والمكرمات وما أشاد *** الدهر من ذكر جميل

وجميع ما قال الأنام *** وما تسامى من مقول

والمدح في أم الكتاب *** وما أتى عن جبرئيل

وثناي أقصر قاصر *** وأقل شيء من قليل

والعجز ذنبي لا عدو *** لي عن أخ البر الوصول

وأنا المقصر كيف كنت *** فهل لعذر من قبول

وأرى الكمال بكم فمدح *** الفاضلين من الفضول

صلى الإله عليكم *** ما جد ركب في رحيل

ص: 217

الحاج هاشم الكعبي

الحاج هاشم بن الحاج حردان الكعبي الدورقى. ولد ونشأ في ( الدورق ) مسكن عشائر كعب بن الأهواز ثم سكن كربلاء والنجف ، توفى سنة 1231.

والكعبي نسبة إلى قبيلة كعب العربية التي تسكن الأهواز ونواحيها ، من فحول الشعراء وفي طليعتهم ونظم في رثاء أهل البيت علیهم السلام فأكثر وأبدع وأجاد ، واحتج وبرهن وأحسن وأتقن ، وكل شعره من الطبقة الممتازة.

تحفظ الخطباء شعره وترويه في مجالس العزاء وتشنف به الأسماع. له ديوان أكثره في الأئمة علیهم السلام . ومن شعره المقصورة وكأنه عارض بها مقصورة ابن دريد التي تنيف على مائتين وخمسين بيتاً يذكر في أولها حكماً وأمثالا وفي وسطها حماسة وفي آخرها مديح أهل البيت علیهم السلام واحداً بعد واحد أولها :

يا بارقا لاح على أعلى الحمى *** أأنت أم أنفاس محروق الحشا

قال الشيخ أغا بزرك الطهراني : الحاج هاشم بن حردان بن اسماعيل الكعبي الدورقي من العلماء الفضلاء والشعراء والمشاهير ، هاجر من الدورق إلى كربلاء فحضر على علمائها عدة سنين وصار من أهل والفضل والعلم البارزين وبرع في الشعر وفنون الأدب حتى عد في مصاف شيوخه والمشاهير من أعلامه وله ديوان كبير ومعظم شعره في رثاء أهل البيت علیهم السلام ، ولا سيما مراثي سيد الشهداء علیه السلام وشعره رقيق منسجم ، ولم أقف على مشايخه

ص: 218

ويحتمل أن يكون من تلاميذ الشيخ حسين العصفوري. رأيت بخطه ( هداية الأبرار ) للشيخ حسين بن شهاب الدين الأخباري كتبه لنفسه ودعا لها بالتوفيق وتاريخ فراغه منه سنة 1207 توفى سنة 1231. انتهى عن ( الكرام البررة ).

لقد مضى على وفاة الشاعر الكبير أكثر من مائة وستين عاماً وشعره يعاد ويكرر في محافل سيدالشهداء ويحفظه المئات من رجال المنبر الحسيني وهو مقبول مستملح بل نجد الكثير يطلب تلاوته وتكراره وكأن عليه مسحة قبول وهذا ديوانه الذي يضم بين دفتيه عشرين قصيدة حسينية أو أكثر لقد طبع وأعيدت طبعاته والطلب يتزايد عليه ، فهذه رائعته التي عدد فيها مواقف الإمام أمير المؤمنين البطولية تهتز لها القلوب وتدفع بالجبناء ليكونوا شجعاناً وتنهض بهممهم ليصبحوا فرساناً وهي تزيد على 150 بيتاً ففي مطلعها يقول :

أرأيت يوم تحملتك القودا *** من كان منا المثقل المجهودا

إلى أن يصف مفاداة الإمام علیه السلام للرسول صلی اللّه علیه و آله ومبيته على فراشه ليلة الهجرة فيقول :

ومواقف لك دون أحمد جاوزت *** بمقامك التعريف والتحديدا

فعلى الفراش مبيت ليلك والعدى *** تهدي إليك بوارقا ورعودا

فرقدت مثلوج الفؤاد كأنما *** يهدي القراع لسمعك التغريدا

فكفيت ليلته وقمت مفادياً *** بالنفس لا فشلا ولا رعديدا

واستصبحوا فرأوا دوين مرادهم *** جبلاً أشم وفارساً صنديداً

رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى *** أو مادروا كنز الهدى مرصودا

ص: 219

وقال :

وغداة بدر وهي أم وقائع *** كبرت وما زالت لهن ولودا

فالتاح عتبة ثاوياً بيمين من *** يمناه أردت شيبة ووليدا

فشددت كالليث الهزبر فلم تدع *** ركناً لجيش ضلالة مشدوداً

ولخيبر خبر يصم حديثه *** سمع العدى ويفجر الجملودا

يوم به كنت الفتى الفتاك *** والكرار والمحبو والصنديدا

من بعد ما ولى الجبان *** براية الإيمان تلتحف الهوان برودا

ورأتك فابتشرت بقربك بهجة *** فعل الودود يعاين المدودا

فغدوت ترقل والقلوب خوافق *** والنصر يرمي نحوك الأقليدا

وتبعتها فحللت عقدة تاجها *** بيد سمت ورتاجها الموصودا

وجعلته جسراً فقصر فاغتدت *** طولى يمينك جسرها الممدودا

وأبحت حصنهم المشيد ولم يكن *** حصن لهم من بعد ذاك مشيدا

وفي آخرها يتخلص لبطولة الإمام الحسين يوم كربلاء إلى أن يقول :

لله مطروح حوت منه الثرى *** نفس العلى والسؤدد المفقودا

ومجرح ما غيرت منه القنا *** حسناً ولا أخلقن منه جديدا

قد كان بدراً فاغتدى شمس الضحى *** مذ ألبسته يد الدماء لبودا

يا بن النبي الية من مدنف *** بعلاك لا كذباً ولا تفنيدا

ما زال سهدي مثل حزني ثابتاً *** والغمض مثل الصبر عنك طريدا

تأبى الجمود دموع عينى مثلما *** يأبى حريق القلب فيك خمودا

ص: 220

ويقول في مرثية ثانية :

يا سائق الحرة الوجناء أنحلها *** طي السرى وطواها الإين والنصب

وجناء ما ألفت يوماً مباركها *** ولا انثنت عند تعريس لها ركب

عج بي إذا جئت غربي الحمى وبدت *** منه لمقلتك الإعلام والقبب

وحي عني الأولى أقمارهم طلعت *** من طيبة ولدى كرب البلاغربوا

وأين تلك البدور التم لا غربوا *** وأين تلك البحور الفعم لا نضبوا

قوم كأولهم في الفضل آخرهم *** والفضل أن يتساوى البدء والعقب

من كل أبيض وضاح الجبين له *** نوران في جانبيه الفضل والنسب

يستنجعون الردى شوقاً لغايته *** كأنما الضرب في أفواهها الظرب

حتى إذا سئموا دار البلى وبدت *** لهم عيانا هناك الخرد العرب

فغودورا بالعرى مصرعي تلفهم *** مطارف من أنابيب القناقشب

وفيها يصف مصرع الحسين علیه السلام بقوله :

إن يصبح الكون داجي اللون بعدك *** والأيام سوداً وحسن الدهر مستلب

فأنت كالشمس ما للعالمين غنى *** عنها ولم تجزهم من دونها الشهب

تاللّه ما سيف شمرنال منك ولا *** يد اسنان وإن جل الذي ارتكبوا

لولا الأولى أغضبوا رب العلى وأبوا *** نص الولاء وحق المرتضى غصبوا

أصابك النفر الماضى بما ابتدعوا *** وما المسبب لو لم ينجح السبب

ص: 221

ولا تزال خيول الحقد كامنة *** حتى إذا أبصروها فرصة وثبوا

كف بها أمك الزهراء قد ضربوا *** هي التي أختك الحورا بها سلبوا

وإن ناروغى صاليت جمرتها *** كانت لها كف ذاك البغي تحتطب

* * *

يفنى الزمان وفيك الحزن متصل *** باق إلى سرمد الإيام ينتسب

كأن حزنك في الأحشاء مجدك *** في الأحياء لم تبله الأعوام والحقب

ويقول من أخرى :

وأقبل ليث الغاب يهتف مطرقا *** على الجمع يطفو بالألوف ويرسب

إلى أن أتاه السهم من كف كفر *** ألا خاب باريها وخاب المصوب

فخر على وجه التراب لوجهه *** كما حر من رأس الشناخيب أخشب

ولم أنس مهما أنس إذ داك زينبا *** عشية جاءت والقواطم زينب

تحن فيجري دمعها فتجيبها *** ثواكل في أحشائها النار تلهب

نوائح يعجمن الشجى غير أنها *** تبين عن الشجو الخفي وتعرب

نوائح ينسين الحمام هديلها *** إذا ما حدى الحادي وثاب المثوب

وما أم عشر أهلك البين جمعها *** عداداً يقفي البعض بعضا ويعقب

بأوهى قوى منهن ساعة فارقت *** حسينا ونادى سائق الركب ركبوا

* * *

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكرهم *** تسح لها العينان والخد يشرب

أما فيكم يا أمة السوء شيمة *** إذا لم يكن دين ولم يك مذهب

بنات رسول اللّه تسبى حواسراً *** ونسوتكم بالصون تخبى وتحجب

ص: 222

وقال :

أما طلل يا سعد هذا فتسأل *** نزال فهذي الدار ان كنت تنزل

هي الدار لا شوقي إليها وإن خلت *** يحل ولاعن ساكنيها يحول

قفوا بي على أطلالها علنا نرى *** سميعا فنشكو أو مجيباً فنسأل

لي اللّه كم تلحوا اللواحي وتعذل *** وكم ابتدى عذراً وكم اتنصل

يريدون بي مستبدلا عن أحبتي *** أحالوا لعمري في الهوى وتمحلوا

أبعد نوى الهادين من آل هاشم *** يروقك غزلان وتصبيك غزل

بها ليل أمثال البدور زواهر *** وليل الوغى مستحلك اللون اليل

ولا يومهم وابن النبي بكربلا *** وللنقع في جو السماكين قسطل

يكر فتنحو نحوه هاشمية *** فوارس أمثال الضراغم ترقل

فوارس من عليا قريش وهاشم *** لهم سالف في المجديروى وينقل

فوارس إذ نادى الصريخ ترى لهم *** مكانا بمستن الوغى ليس يجهل

إلى أن ثووا تحت العجاج تلفهم *** ثياب علا منها رماح وانصل

فظل وحيدا واحد العصر في الوغى *** نصيراه فيها سمهرى ومنصل

وشد على قلب الكتيبة مهره *** فراحت ثباً مثل المهى تتجفل

فديتك كم من مشكل لك في الوغى *** الاكل معنى من معانيك مشكل

فتلك منايا أم أمان تنالها *** وذاك حريق أم رحيق معسل

إلى أن أتاه في الحشى سهم مارق *** فخر فقل في يذبل قل يذبل

وزلزلت الارضون وارتجت السما *** وكادت له افلاكها تتعطل

وأقبل نحو المحصنات حصائه *** يحن ومن عظم المصيبة يعول

فاقبلن ربات الحجال وللاسى *** تفاصيل لا يحصي لهن مفصل

فواحدة تحنو عليه تضمه *** وأخرى عليه بالرداء تضلل

ص: 223

وأخرى بفيض النجر تصبغ شعرها *** وأخرى لما قد نالها ليس تعقل

وأخرى على خوف تلوذ بجنبه *** وأخرى تفديه وأخرى تقبل

وجاءت لشمر زينب ابنة فاطم *** تعنفه عن أمره وتعذل

أيا شمر هذا حجة اللّه في الورى *** أعد نظراً يا شمر إن كنت تعقل

أعد نظراً ويل لامك إنها *** إذ الويل لا يجدي ولا العذر يقبل

أيا شمر لا تعجل على ابن محمد *** فذو ترة في مثله ليس يعجل

ومر يحز النحر غير مراقب *** من اللّه لا يخشي ولا يتوجل

وراحت له الأيام سودا كانما *** تجلببها قطع من الليل أليل

واضحى كتاب اللّه من أجل فقده *** يحن له فرقانه والمفصل

ولم انس لا واللّه زينب اذ دعت *** بواحدها والدمع كالمزن مسبل

وراحت تنادي جدها حين لم تجد *** كفيلا فيحمى أو حميا فيكفل

أيا جدنا هذا الحبيب على الثرى *** طريحاً يخلى عارياً لا يغسل

يخلى بارض الطف شلوا ورأسه *** إلى الشام فوق الرمح يهدى ويحمل

لتبك المعالي يومها بعد يومه *** إذا ما بغى باغ وأعضل معضل

وبيض الظبى والسمر تدمى صدورها *** وخيل الوغى تحفى وبالهام تنعل

ومنقبة تقلى وذكر يرتل *** ومكرمة تبنى ومجد يؤثل

وليلة مسكين تحمل قوته *** اليه سراراً والظلام مجلل

بكاء العذارى الفاقدات كفيلها *** عشية جد الخطب والخطب مهول

متى نبصر النصر الآلهى مشرقاً *** بانواره تكسى الربى وتجلل

يروم سلوى فارغ القلب مثله *** وذلك خطب دونه الصعب يسهل

حرام على قلبي العزا بعد فقدكم *** وفرط الجوى فيه المباح المحلل

ولولا الذي أرجوه من أخذ ثاركم *** فاعلق آمالي به وأعلل

ص: 224

لمت على ما كان من فوت نصركم *** أسى وجوى والموت في ذاك امثل

ولي سيئات قد عرفت مكانها *** فظهري منها أحدب الظهر مثقل

ومالي فيها من يد غير أنني *** عليكم بها بعد الآله أعول

فسمعا بني المختار نظم بديعة *** يذل لها بشر ويخضع جرول

تجاري كميتا كالكميت ولم يكن *** بها أخطل اذ ليس في الشعر أخطل

فان تمنحوا حسن القبول فانكم *** وما عنكم أن تطردوا متحول

عليكم سلام اللّه ما لاح بارق *** وما ناح قمري وما هب شمأل

وقال :

ان تكن كربلا فحيوا رباها *** واطمئنوا بنا نشم ثراها

الثموا جوها الانيق على ما *** كان في القلب من حريق جواها

واغمروها باحمر الدمع سقيا *** فكرام الورى سقتها دماها

وبنفسي مودعون وفي العي- *** -ن بكاها وفي القلوب لظاها

من بحور تضمنتها قبور *** وبدور قد غيبتها رباها

ركبهم والقضا بأظعانهم *** يسري وهادي الورى أمام سراها

وتبدت شوارع الخيل والسم- *** -ر وفرسانها يرف لواها

فدعا صحبه هلموا فقد اس- *** -مع داعي المنون نفسي رداها

فأجاب الجميع عن صدق نفس *** اجمعت امرها وحازت هداها

لا ومعنى به تقدست ذاتا *** وجلالا به تعاليت جاها

لا نخليك أو نخلي الأعادي *** تتخلى رؤوسها عن طلاها

واستبانت على الوفا وتواصت- *** -ه واضحى كما تواصت وفاها

تتهادى إلى الطعان اشتياقا *** ليت شعري هل في فناها بقاها

ذاك حتى ثوت موزعة الأش- *** -لاء صرعى سافي الرمال كساها

وامتطى الندب مهره لا يبالي *** أشأته منونه أم شآها

ص: 225

يتلقى القنا بباسم ثغر *** متلقى العفاة حين يراها

مقريا وأفديه نسرا وذئبا *** لحم أسد لحم الأسود قراها

وانبرت نبلة فشلت يدا رج- *** -س رماها وكف علج براها

وهوى الأخشب الأشم فماجت *** نقطة الكون أرضها وسماها

وانثنى المهر بالظليمة عاري *** السرج ناع للمكرمات فتاها

يا لقومي لعصبة عصت الل- *** -ه واضحى لها هواها إلاها

اسخطت أحمدا ليرضى يزيد *** ويلها ما أضلها عن هداها

يا ابن من شرف البراق وفاق *** الكل والسبعة الطباق طواها

ان تمنى العدى لك النقص بالقت- *** -ل فقد كان فيه عكس مناها

اين من مجدك المنيع الأعادي *** وبك اللّه في العناية باهى

وعليك اعتماد نفسي فيما *** املته وما جنته يداها

وذنوبي وان عظمن فاني *** بك يا ابن الكرام لا أخشاها

وبميسور ما استطعت ثنائي *** والهدايا بقدر من أهداها

وقال :

اهاج حشاك للشادي الطروب *** قرير العين في الغصن الرطيب

فكم للقلب من وجد وحزن *** وكم للطرف من دمع سكوب

ونفس حشو احشاها هموم *** يشيب لها الفتى قبل المشيب

تريد من الليالي طيب عيش *** وهل بعد الطفوف رجاء طيب

سقى اللّه الطفوف وان تناءت *** سجال السحب مترعة الذنوب

فكم لي عندها فرط ووجد *** وحر جوى لاحشائي مذيب

أسلوان لقلبي وابن طه *** على الرمضاء ذو خد تريب

عديم النصر الا من قليل *** من الأنصار والرحم القريب

تفانوا دونه والرمح عاط *** لناظره إلى ثمر القلوب

ص: 226

يرون الموت أحلى من حبيب *** أباح الوصل خلواً من رقيب

فتلك جسومهم في الترب صرعى *** عليها الطير تهتف بالنعيب

تكفنها الرماح السمر حتى *** كأن سليبها غير السليب

تخوفه المنون جنود حرب *** وهل يخشى المنون ابن الحروب

أبي الضيم حامل كل ثقل *** عن العلياء كشاف الكروب

ابو الأشبال في يوم التعادي *** أبو الأيتام في يوم السغوب

يدافع عن مكارمه ويحمي *** بصارمه عن الحسب الحسيب

خطيب بالأسنة والمواضي *** وقرت ثم شقشقة الخطيب

فأحمد حين تلقاه خطيباً *** وحيدرة تراه لدى الخطوب

وظل مجاهدا بالنفس حتى *** أتى فعل ابن منجبة النجيب

وولى مهره ينعاه حزناً *** بمقلة ثاكل وحشى كئيب

ونادت زينب منها بصوت *** يصدع جانب الطود الصليب

أخي يا ساحباً فوق الثريا *** ذيول علا نقيات الجيوب

ويا متجمعاً لنعوت فضل *** سليم النقص معدوم العيوب

وياسر المهيمن في البرايا *** وشاهده على غيب الغيوب

ويا شمسا بها تجلى الدياجى *** رماها الدهر عنا بالمغيب

ويا قمرا أحال على غروب *** وعاقبة البدور إلى الغروب

فمن نرجو لصعب الخطب يوماً *** ومن ندعوه لليوم العصيب

فيا ابن القوم حبهم نجاة *** لمعتصم وحطة كل حوب

مدحتك راجياً غفران ذنبي *** ومدحك فيه غفران الذنوب

وقال :

سفه وقوفك في عراص الدار *** من بعد رحلة زينب ونوار

ص: 227

ما أنت واللفتات في أكنافها *** ظن الفريق وخف عنك الساري

لا عيب من محن الزمان فانما *** خلق الزمان عداوة الأحرار

أو ما كفاك من الزمان فعاله *** ببني النبي وآله الأطهار

ولعت بفارع قدرهم اخطاره *** ما أولع الأخطار بالأقدار

بيض يريك جمالهم وجلالهم *** تم البدور عشية الإسرار

يكسو ظلام الليل نور وجوههم *** لون الشموس وزينة الأقمار

شرعوا بصافية الفخار وخلفوا *** للواردين تكفف الاسآر

يلقى العفاة بغير من منهم *** كالصبح مبتسما بوجه الساري

خطباء ان شهدوا الندي ترى لهم *** فيه شقاشق فحله الهدار

فاذا هم شهدوا الكريهة أبرزوا *** غلبا تجعجع بالفريق ضواري

فان احتبى بهم الظلام رأيت *** في المحراب سجع نوائح الأسحار

هادون في طول القيام كأنهم *** بين السواري الجامدات سواري

ويبيت ضيفهم بأنعم ليلة *** لم يحص عدتها من الأعمار

للكون من أنفاسهم طيب الشذى *** أرجا كجيب الغادة المعطار

ما شئت من نسب وعظم جلالة *** فانسب وقل تصدق بغير عثار

وحياة نفس فضلهم لو لم تكن *** تدلى مصائبهم لها ببوار

وكفاك لو لم تدر الا كربلا *** يوم ابن حيدر والسيوف عواري

أيام قاد الخيل توسع شأوها *** من تحت كل شمردل مغوار

يمشون في ظل السيوف تبخترا *** مشي النزيف معاقراً لعقار

وتناهبت أجسادهم بيض الظبى *** فمسربل بدم الوتين وعارى

ص: 228

وانصاع نحو الجيش شبل الضيغم *** الكرار شبه الضيغم الكرار

يوفي على الغمرات لا يلوي به *** فقد الظهير وقلة الأنصار

يلقى الألوف بمثلها من نفسه *** فكلاهما في فيلق جرار

غيران يبتدر الصفوف كأنه *** يجري واياها إلى مضمار

أمضى من الليث الهزبر وقد نبا *** رمح الكمي وصارم المغوار

متمكن في السرج غرب لسانه *** في الجمع مثل حسامه البتار

حتى أتته من العناد مراشة *** شلت يد الرامي لها والباري

وهوى فقل في الطود خر فاصبح *** الرجفان عم قواعد الأقطار

بأبي وأمي عافرون على الثرى *** اكفانهم نسج الرياح الذاري

تصدى نحورهم فينبعث الشذى *** فكأنما تصدى بمسك داري

ومطرحون يكاد من أنوارهم *** يبدو لعينك باطن الأسرار

نفست بهم أرض الطفوف فاصبحت *** تدعى بهم بمشارق الأنوار

بالبيت أقسم والركاب تحجه *** قصدا لأدكن قالص الأستار

لولا الأولى من قبل ذاك تبرموا *** نقضاً لحكم الواحد القهار

لم يلف سبط محمد في كربلا *** يوماً بهاجرة الظهيرة عار

تطأ الخيول جبينه وضلوعه *** بسنابك الايراد والاصدار

كلا ولا راحت بنات محمد *** يشهرن في الفلوات والأمصار

حسرى تقاذفها السهول إلى الربى *** وتلفها الأنجاد بالأغوار

ما بعد هتكك يا بنات محمد *** في الدهر هتك مصونة من عار

قدر أصارك للخطوب درية *** هو في البرية واحد الأقدار

يا طالبا بالثار وقيت الردى *** طال المقام على طلاب الثار

ص: 229

يا مدرك الأوتار قد طال المدى *** طال المدى يا مدرك الأوتار

يا ابن النبي وخير من علقت به *** كف الولي ووالد الأبرار

أنا عبدكم ولكم ولاي وفيكم *** أملي ونحو نداكم استنظاري

وقال من قصيدة :

أهاب به الداعي فلباه اذ دعا *** وكان عصي الدمع فانصاع طيعا

عصى دمعه حادي المطايا فمذ رأى *** بعينيه ظعن الحي أسرع ، اسرعا

فبادر لا يلوي به عذل عاذل *** إذا قيل مهلا بعض هذا تدفعا

ظعائن تسري والقلوب بأسرها *** على أثرها يجرين حسرى وطلعا

وبالنفس أفدي ظاعنين تجلدي *** لبينهم قبل التودع ودعا

مضوا والمعالي الغر حول قبابهم *** تطوف الجهات الست مثنى ومربعا

سروا وسواد الليل داج وشعشعت *** على لونه أنوارهم فتشعشعا

يحل الهدى أنى يحلون والندى *** فان اقلعوا لا قدر اللّه أقلعا

مصاليت يوم الحرب رهبان ليلهم *** بوارع في هذا وفي ذاك خشعا

ترى الفرد منهم يجمع الكل وصفه *** كمالا كأن الكل فيه تجمعا

رمت بهم نحو العلا المحض عزمه *** لو الطود وافاها وهي وتصدعا

عشية أمسى الدين دين أمية *** وأمسى يزيد للبرية مرجعا

وهل خبرت فيما تروم أمية *** بأن العلا لم تلف للضيم مدفعا

وقد علمت أن المعالي زعيمها *** حسين إذا ما عن ضيم فافزعا

رأى الدين مغلوباً فمد لنصره *** يمين هدى من عرصة الدين أوسعا

ص: 230

فأوغل يطوي الكون ليس بشاغل *** على ما به من كف علياه اصبعا

تجر من الرمح الطويل مزعزعاً *** ويمضي من السيف الصقيل مشعشعا

مطلا على الأقدار لو شاء كفها *** فجاءته تترى حسبما شاء طيعا

فالقى ببيداء الطفوف مشمراً *** إلى الموت لن يخشى ولن يتروعا

وقامت رجال للمنايا فارخصوا *** نفوسا زكت في المجد غرسا ومنبعا

تفرع من عليا قريش فان سطت *** رأيت أخا ابن الغاب عنها تفرعا

بدور زهت أفعالهم كوجوههم *** فسرتك مرأى اذ تراها ومسمعا

أبوا جانب الورد الذميم واشرعوا *** مناهل اضحى الموت فيهن مشرعا

فاكسبها المجد المؤثل ابلج *** غشى نوره جنح الدجى فتقشعا

فتنثر أوصال الكمي سيوفها *** وتنظم بالرمح الويل المدرعا

إلى أن ثووا صرعى الغداة كأنهم *** ندامى سقوا كأساً من الراح مترعاً

واقبل ليث الغاب يحمي عرينه *** ببأس من العضب اليماني اقطعا

يكر فتلقى الخيل حين يروعها *** مضامين سرب خلفها الصقر زعزعا

يصرف آحاد الكتيبة رأيه *** فلا ينتقى إلا الكمي المقنعا

بطعن يعيد الزوج بالضم واحداً *** وضرب يعيد الفرد بالقطع أربعا

ولما رمت كف المقادير رميها *** وحان لشمل الدين أن يتصدعا

بدى عن سراة السرج يهوي كأنما *** جبال شرورى من علاها هوت معا

وراح بأعلى الرمح يزهو كريمه *** كبدر الدجى اذ تم عشراً وأربعا

ص: 231

وعاثت خيول الظالمين فأبرزت *** كرائم أعلى أن تهان وارفعا

ثواكل لم يبق الزمان لها حمى *** يكن ولم يترك لها الدهر مفزعا

تكاد إذا ما اسبلت عبراتها *** تعيد الثرى من وابل الدمع مربعا

وكادت إذا ما أشعلت زفراتها *** بأنفاسها يغدو لها الروض بلقعا

فما الفاقدات الألف شتت جمعها *** غداة النوى أيدي العداة ووزعا

بأوهى قوى منها وأشجى مناحة *** وأضرم احشاءاً واضيع أدمعا

نوائح من فوق الركاب كأنها *** حمام نأى عنه الأليف فرجعا

سبايا يلاحظن الكفيل مصفداً *** وأطفالها في الأسر غرثى وجوعا

وأسرتها الحاملون للبيض مطعما *** وأموالها في النهب للقوم مطمعا

إلى اللّه أشكو معشراً ضل سعيها *** فجاؤوا بها شنعاء تحمل اشنعا

جزى اللّه قوماً قبلها مهدوا لهم *** عن المصطفى شر الجزاء وافظعا

فاقسم لولا السابقون وما أتوا *** به قبل هذا ما ادعاها من ادعى

ولا راح يدعى في الانام خليفة *** يزيد فيعطي من يشاء ويمنعا

ولا راح يوم الطف سبط محمد *** لدى القوم مطلول الدماء مضيعا

وكانت بنو حرب أذل وجمعها *** أقل وما شمت به العز أجدعا

فقامت على رغم المعالي أمية *** بنقض الذي قد أبرم الدين ولعا

خليلى قولا وانصفا واسألا الذي *** تبرعها عن أي وجه تبرعا

بأي بلاء كان منه أغصه *** بمر المنايا مقدما فتجرعا

فباتت له ترعى الغوائل لا ترى *** له مضجعاً إلا تمنته مصرعا

وما ضربت في الفضل أيام شركها *** بسهم ولا قامت مع القوم مجمعا

ص: 232

بني المصطفى يا خير من وطئ الحصى *** وأكرم من لبى وطاف ومن سعى

ويا خير من أم المروعات ركنه *** فآمنها منا وراع المروعا

ويا خير من امته غرثى سواغباً *** فاطعمها عذب النوال فاشبعا

ويا خير من جاءته ظمئ نواهلا *** فاصدرها ريا القلوب فانقعا

ويا خير من يرجو المسيؤون عفوه *** فأولى به الصفح الجميل وأوسعا

سما رزؤكم كل الرزايا كما سما *** على كل مجد مجدكم وترفعا

فاحرزتم الغايات في كل حلبة *** فقصر عن مسعاكم كل من سعى

سوابق في الهيجا سوابق في الندى *** سوابق ان صد الخصام المشيعا

مصابكم أضنى الفؤاد من الأسى *** وازعج عيني ان تنام فتهجعا

ص: 233

الشيخ هادي النحوي

اشارة

المتوفى 1235

هذي الطفوف فسلها عن أهاليها *** وسح دمعك في أعلى رواسيها

ومدها بدم الأجفان إن نفدت *** دموع عينيك أو جفت مآقيها

وقف على جدث السبط الشهيد وقل *** سقاك رائحها من بعد غاديها

فديت بالروح مني أعظما سكنت *** ذيالك الرمس في نائي مواميها

لهفي لناء عن الأوطان منتزح *** عليه سدت من الدنيا نواحيها

لهفي لثاو رمت أيدي الخطوب به *** بأرض كرب البلا أقصى مراميها

ثوي قتيلاً بشط الغاضرية ظمآن *** الفؤاد فلا ساغت مجاريها

خلواً عن النصر يدعو لا مجيب له *** سوى حدود شفار من مواضيها

من بعد ما تركت بالرغم نجدته *** كأنها في رباها من أضاحيها

طوبى لها بذلت للقتل مهجتها *** وعندها إن ذاك القتل يحييها

وآذنت للفنا في ذات سيدها *** واستبدلت بجوار عند باريها

ص: 234

ما ضرها بز أثواب وأردية *** واللّه من حلل الرضوان كاسيها

آه لما حل ذاك اليوم من نوب *** ومن خطوب بنو الهادي تعانيها

هاتيك أبدانهم صرعى مطرحة *** تضيء من نورها السامي دياجيها

أفدي جسوما على الرمضاء قد كسيت *** أكفان ترب أكف الريح تسديها

أفدي رؤوساً على الخرصان قد رفعت *** لم يثنها القتل إن تتلو مثانيها

فيالها وقعة بألطف ما ذكرت *** إلا وقد بلغت روحى تراقيها

ويالها قرحة لم تندمل أبداً *** بل كل يوم يد التذكار تدميها

لله أنجم سعد خر طالعها *** لله أقمار تم غاب هاديها

لله أطواد حلم هد شامخها *** لله أبحر علم غار جاريها

لله أي شموس غاب شارقها *** فأظلمت بعدها الدنيا وما فيها

لهفي على فتيات الطهر فاطمة *** يهتفن بالسبط والأصدا تحاكيها

مسلبات على الأنضاء تندبه *** ما أن عليها سوى نور يواريها

تقول يا كافل الأيتام بعدك من *** أراء كافل أيتام وكافيها

يا أعبداً فتكت جهراً بسادتها *** بئس العبيد الألى خانت مواليها

تلك الدماء الزواكي الطاهرات لقد *** بددتم بربى الآكام جاريها

أقعدتم المجد في إزهاق أنفسها *** وقد أقمتم ليوم الحشر ناعيها

أوسعتم كبد المختار جرح أسى *** وقرحة بحشاه عز آسيها

سجرتم مهجة الكرار حيدرة *** بقادح من زناد الوجد واريها

أودعتم قلب بنت المصطفى حزناً *** مشبوبة لا يبوخ الدهر حاميها

أورثتم الحسن الزكي لهيب لظى *** بين الجوانح كف البين تذكيها

حملتم كاهل الإسلام عبء جوى *** تنهد من حمل أدناه رواسيها

فقبة المجد زعزعتم جوانبها *** وقمة الفخر صوبتم أعاليها

ص: 235

تباً لرأي بني حرب لقد تعست *** منها الجدود وقد ضلت مساعيها

أما رعت ذمم المختار جدهم *** ألم يكن لطريق الرشد هاديها

لهفي لمولى قضى في سيف جورهم *** ظامي الحشاشة أفدي قلب ظاميها

لم حللوا قتله ظمآن ما علموا *** بأن والده في الحشر ساقيها

أن المنابر لولا سيف والده *** لم ترق يوماً ولا شيدت مراقيها

اليوم دين الهدى خرت دعائمه *** وملة الحق جدت في تداعيها

اليوم ضل طريق العرف طالبه *** وسد باب الرجافي وجه راجيها

اليوم عادت بنو الآمال متربة *** اليوم بان العفا في وجه عافيها

اليوم شق عليه المجد حلته *** اليوم جزت له العليا نواصيها

اليوم عقد المعالي أرفض جوهره *** اليوم قد أصبحت عطلا معاليها

اليوم أظلم نادي العز من مضر *** اليوم صرف الردى أرسى بواديها

اليوم قامت به الزهراء نادبة *** اليوم آسية وافت تواسيها

اليوم عادت لدين الكفر دولته *** اليوم نالت بنو هند أمانيها

ما عذر أرجاس هند يوم موقفها *** والمصطفى خصمها واللّه قاضيها

ما عذرها ودماء أبناءه جعلت *** خضاب أعيادها في راح أيديها

يا آل أحمد يا من محض ودهم *** فرض على الخلق دانيها وقاصيها

يا سادتي أنتم سفن النجا وبكم *** قد أنزل اللّه ( باسم اللّه مجريها )

خذوا إليكم أيا أزكى الورى نسباً *** عذراء تمرح دلا في قوافيها

أمت إلى ربعكم تسعى على عجل *** قد جاء طائعها يقتاد عاصيها

هادي بن احمد قد أهدى لكم مدحا *** إن الهدايا على مقدار مهديها (1)

ص: 236


1- عن البابليات.

الشيخ هادي النحوي

هو ثاني أنجال الشيخ أحمد المتقدم ذكره في الجزء السابق ، كان يقيم في الحلة مع أبيه وأخيه الشيخ محمد رضا النحوي الشاعر المبدع ، وبعد وفاة والدهما استوطنا النجف الأشرف على عهد آية اللّه السيد بحر العلوم وله مطارحات مرتجلة مع أبيه وأخيه أثبتها العالم الأديب السيد أحمد العطار البغدادي المتوفى سنة 1215 ه- في كتابه المخطوط « الرائق » وكان من الفضلاء المبرزين والشعراء المجيدين طويل النفس للغاية وشعره حلو الانسجام بديع النظام وبعد وفاة السيد بحر العلوم رجع إلى الحلة حتى توفي فيها عن شيخوخة صالحة ونقل إلى النجف على أثر مرض عضال ألزمه الفراش مدة طويلة وعاقة عن قرض الشعر عدا مقاطيع قالها في أهل البيت (عليهم السلام) يتضجر فيها مما يعانيه من الأوصاب والأسقام ويتوسل فيهم إلى اللّه تعالى بطلب الشفاء منها قوله في خطاب أمير المؤمنين (عليه السلام).

مولاي يا سر الحقائق *** كم كشفت غطاءها

مولاي يا شمس المعارف *** كم أنرت سناءها

مولاي يا باب العلوم *** وأرضها وسماءها

يا قطب دائرة الوجود *** فكم أدرت رحاءها

وبيوم خبير قد حملت *** من الإله لواءها

فكشفت عن وجه النبي *** محمد غماءها

ص: 237

ولكم جلوت من الخطوب *** - وقد دجت - ظلماءها

للعبد عندك حاجة *** يرجو لديك قضاءها

أودت بجسمي علة *** جهل الإساءة دواءها

والنفس قد تلفت أسى *** وأتتك تشكو داءها

وافتك راجية فحقق *** يا رجاي رجاءها

وله مخاطباً الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) ومتوسلاً به :

أمولاي يا موسى بن جعفر ذا التقى *** ومن بابه للناس باب الحوائج

أتيتك أشكو ضر دهر أصابني *** وكدر من عيشي وسد مناهجي

وأخرجني عن عقر داري وجيرتي *** وما كنت لولا الضيق عنهم بخارج

وقد طفت في كل البلاد فلم أجد *** سواك لدائي من طبيب معالج

عسى عطفة فيها يروج لعبدكم *** من الأمر ما قد كان ليس برائج

وكان متضلعاً في علمي الرواية والدراية والحديث حافظاً للسير والآثار حتى لقب ب- « المحدث » : رأيت له كلمة نثرية وقطعة شعرية يقرض فيها رسالة « تحريم التمتع بالفاطميات » للعالم الكبير السيد شبر بن محمد بن ثنوان الموسوي الحويزي - أحد أعلام القرن الثاني عشر - وعليها تقاريض جماعة آخرين من العلماء منهم والد المترجم الشيخ أحمد والشيخ خضر بن يحيى المالكي والشيخ علي بزي العاملي والسيد عبدالعزيز النجفي ، أما أبيات المترجم التي يقرض فيها الرسالة فهي قوله بعد النثر :

هيهات أن يبلغ المثني عليه ولو *** أضحى له الخلق في نشر الثنا مددا

فياله عالماً بالشرع ذا ورع *** للشرع والعلم أضحى ساعدا ويدا

ص: 238

أن صار قرة عين العلم لا عجب *** من سيد قد غدا للمرتضى ولدا

لولاه أصبح هذا الحكم مطرحا *** وجل أحكامنا لولاه صرن سدى

إن شمت أخلاقه الحسنى علمت بها *** هو الإمام ولكن للإله ( بدا )

وقد كتب تحتها بقلمه ما صورته - وكتب أقل الطلبه محمد هادي المحدث ولد الشيخ أحمد النحوي.

وهناك قصيدة على قافية الراء نظمها الشاعر في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) واشترك معه في النظم أبوه المرحوم الشيخ أحمد النحوي ومطلع هذه المرثية :

قفوا بالمطايا ساعة أيها السفر *** عسى النجح يدنينا ويسعفنا النصر

وقال في آخرها :

فيا ابن رسول اللّه وابن وصيه *** ومن نزلت في مدحه ( الحج ) و ( الحجر )

أتتك عروس الشعر تبكي حزينة *** وليس لها إلا قبولكم مهر

بها الفوز يرجو يا ابن أحمد ( أحمد ) *** وأنت ( لهاد ) نجل أحمدكم ذخر

ووجدت من نظمه في أهل البيت (عليهم السلام) قصيدتين لم أجدهما في كتب المراثي المطبوعة ولا في أكثر المجاميع المخطوطة وإنما نقلناها من « مجموعة المراثي الحسينية » بقلم - الوالد - ره - التي فرغ من نسخها عام 1302 وأثبتنا ما اخترناه منهما في كتابنا هذا حذراً عليهما من التلف والضياع

ص: 239

وإليك الاول منها في رثاء سيد الشهداء أبي عبداللّه الحسين علیه السلام انتهى عن البابليات.

وقال مقرضاً تخميس أخيه الأكبر الشيخ محمد رضا على البردة البوصيرية سنة 1200 وقد تقدم ذكره في ترجمته.

ذي زبدة الشعر بل ذي نخبة الأدب *** أستغفر اللّه من زور ومن كذب

تقاصر الشعران يجري لغايتها *** وهل يجاري جياد الخيل ذو خبب

قد أصبحت خير مدح في الزمان كما *** قد كان ممدوحها في الكون خير نبى

بدت وتيجانها مدح الحبيب كما *** بدت لنا ألراح في تاج من الحبب

غادرت ( قساً ) غبياً في بلاغته *** وذاك أمر على الأفهام غير غبى

فيالراح سكرنا من شميم شذى *** عبيرها وهي في الأستار والحجب

قد سمطوا وأجادوا حسب ما بلغوا *** لكن في الخمر معنى ليس في العنب

فالبعض كاد يوشى ثوب « بردتها » *** والبعض جاءوا عليه بالدم الكذب

ما أنشدت قط في سمع وفي ملأ *** إلا وقامت مقام الذكر والخطب

ولا تجلت لذى شك وذي ريب *** إلا وجلت ظلام الشك والريب

ولا بدت في دجى الأنفاس ساطعة *** إلا وخلنا هبوط البدر والشهب

ولا شدا قط في ناد أخو طرب *** إلا وقلنا بها يشدو أخو الطرب

لله معجزة حار الأنام بها *** كأنها حين تتلى واحد الكتب

أنى أكاد أقول الوحي أنزلها *** لو كان يبعث من بعد النبي نبي

تبارك اللّه ما فضل بمنتحل *** تبارك اللّه ما وحي بمكتسب

ص: 240

قد شعشعت سائر الأكوان مذ جليت *** فقلت ينبوع نور فار باللّهب

السمع في طرب والذوق في ضرب *** والجو في لهب والقوم في عجب

آيات نظمك قد سيرتها مثلا *** كالشمس تطلع في ناء ومقترب

أبعدت شوطك في مضمار سبقهم *** ولم تدع للمجاري فيه من قصب

فصرت تمشي الهوينا إذ بلغت مدى *** قد أمعنوا فيه بالتقريب والخبب

فلتسم قدراً وتزدد رتبة وعلا *** مع مالها من رفيع القدر والرتب

وكتب عنه الأستاذ الخاقاني في ( شعراء الحلة ) وذكره صاحب ( الحصون ) ج 9 ص 157 فقال : كان فاضلاً أديباً ، بارعاً وشاعراً ، حسن الشعر مقله حلو الانسجام بديع النظام ، سكن النجف مدة ثم عاد إلى الحلة حيث أقام أبوه وأخوه ، وبعد وفاة أبيه استوطن النجف هو وأخوه.

أقول إلى هذا الشاعر خاصة - دون غيره من آل النحوي - تنتمي الأسرة المعروفة في النجف الأشرف ب- ( آل الشاعر ). كانت وفاة الهادي النحوي سنة 1235 - على الأشهر.

ص: 241

الشيخ حمزة النحوي

اشارة

القرن الثالث عشر

قفوا بديار فاح من عرفها ند *** ديار سعود ما لا ربابها ند

وإن أصحت قفراء من بعد أهلها *** سلوا ربعها عن ريعها أيها الوفد

وخصوا سلام الصب عرب عريبها *** سلام سليم لا يفارقه الود

محارب أعداهم وسلم محبهم *** وباغض شانيهم وحر لهم عبد

لنحوكم النحوي ( حمزة ) قاصد *** فحاشا لديكم أن يخيب له قصد

جفاني الكرى حتى أضر بي الجوى *** وقرح أجفاني لبعدكم السهد

فمن وجدهم فان وجودي وقد غدا *** ودادي لهم باق له خلدي خلد

فطوبى لحزوى والعقيق ورامة *** ونجد لعمري للعليل بها نجد

إذا فاح طيب من أطائب طيبة *** تأرج منه المندل الرطب والرند

هم شفعائي والذين أدخرتهم *** ليوم به لا ينفع المال والولد

هم الذاكرون اللّه آناء ليلهم *** نهارهم صوم وليلهم سهد

هم العالمون العالمون بهم هدوا *** بواطنهم علم ظواهرهم رشد

ص: 242

منار هدى أبياتهم كعبة الورى *** ركوع سجود دون اعتابها الوفد

إلى أن عفت من بعدهم عرصاتها *** وأمست خلاء لا سعاد ولا هند

سطت حادثات الدهر في كل نكبة *** على أهلها خير العباد إذ عدوا

أآل منى نال المنى بولائكم *** عبيدكم لا بل لعبدكم عبد

ويصف شجاعة الحسين علیه السلام بقوله :

لقد شهدت أفعاله الطف والعدا *** كما شهدت أفعال والده أحد

بكرب البلا في كربلا يشتكي الظما *** وليس له إلا دما نحره ورد

فيالك مقتولاً أجل الورى أباً *** ويالك مظلوماً ، له المصطفى جد

ص: 243

الشيخ حمزة النحوي

شاعر أديب وفاضل أريب ، والظاهر أنه من بيت النحوي الحليين المشهورين وفيهم شعراء أدباء كثيرون ذكروا في مطاوي هذا الكتاب ، له القصيدة الدالية في مدح الأئمة علیهم السلام نحو 120 بيتاً لم يتيسر لنا الإطلاع على أولها :

قفوا بديار فاح من عرفها ند *** ديار سعود مالاربابها ند

قال الشيخ اليعقوبي في البابليات : لم نقرأ من شعره في المجاميع سوى هذه القصيدة الدالية وهي طويلة وجدتها في مجموعة من مخطوطات أوائل القرن الثالث عشر فيها بعض القصائد والمقاطيع لكبير هذه الأسرة الشيخ أحمد النحوي ، ولا أعلم ماذا يكون المترجم منه ، وهل هو من أولاده أو أحفاده.

وجاء في شعراء الحلة للبحاثة الخاقاني :

الشيخ حمزة النحوي هو أحد أولئك الشعراء الذين شاءت الحوادث أن ينسى فقد جهلت كتب التراجم ذكره ولو لا العقيدة التي بعثت بكثير من المسجلين أن يدونوا ما قيل من الشعر في الإمام الحسين (عليه السلام) وآل البيت للدوافع القدسية التي فرضت عليهم أن يتبعوا ما قاله الشعراء لفاتنا أن نعرف اسمه أيضاً كما فاتنا أن نعرف من هو وما هي علاقته بآل النحوي فقد وجدت في أكثر من مجموع يرجع عهده إلى أكثر من قرن ونصف ذكر قصيدة له إلى جنب ما ذكر من شعراء الحلة ومن بينهم الشيخ أحمد وأبناءه محمد رضا وهادي وبمثل هذه القرائن وبما احتفظ به من لقب يجمعه بهم يتولد لدينا أنه من هذه الأسرة التي خدمت الأدب العربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة ولو لا هذه القصيدة لبقي الشيخ حمزة نسياً منسياً ، انتهى.

ص: 244

السيد باقر العطار

اشارة

المتوفى 1235

إلى اللّه أشكو وقع دهياء معضل *** يشب لظى نيرانها بالضمائر

يعز على الإسلام أن حماته *** تئن لهم حزناً قلوب المنابر

يعز على الدين الحنيفي أن غدت *** معارفه مطموسة بالمناكر

يعز على الأشراف أن عميدها *** يغيب بعين اللّه عن كل ناظر

يعز على المختار أن أمية *** رمت ولده ظلماً بأدهى الفواقر

يعز على الكرار أن رجاله *** أبيدوا بأطراف القنا والبواتر

عجبت لشمس كورت من بروجها *** وبدر علا قد غاب بين الحفائر

عجبت لذي الأفلاك لم لا تعطلت *** وغيب من آفاقها كل زاهر

ومن عجب أن يمنع السبط ورده *** وفيض يديه كالبحور الزواخر

ص: 245

السيد باقر بن ابراهيم بن محمد الحسني البغدادي

توفي سنة 1235 ودفن في النجف الأشرف. في الطليعة ، كان فاضلا أديباً مشاركاً وكان ناثراً شاعراً ، قدم النجف لطلب العلم وبقي بها مدة مدح علماءها كالشيخ موسى والشيخ علي ابني الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء. وروى له جملة من الشعر. وذكره صاحب ( الروض النضير ) فقال : كان من أهل العلم والأدب والفضل والتقوى ، وكانت وفاته حدود 1240 وله شعر في أنواع شتى.

أما الصحيح في تاريخ وفاته فهو ما ذكره ولد الشاعر السيد حسن من أنه توفى سنة 1218 والناس أعرف بآبائهم من غيرهم. وترجم له البحاثة الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر جملة من مراسلاته ومدائحه لعلماء عصره.

أقول ديوان المرحوم العلامة السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد الحسني الشهير بالعطار مخطوط بخط ولده السيد حسن المعروف بالأصم وقال في أوله :

ولد الوالد صاحب هذا الديوان السيد باقر يوم الأربعاء قبيل الظهر ثالث أو رابع شهر رمضان المبارك سنة 1177 وتوفي في يوم الخامس عشر من صفر سنة 1218.

وجاء في مقدمة الديوان : وبعد فيقول الفقير إلى اللّه الغني حسن بن باقر

ص: 246

ابن ابراهيم الحسني ، أني جامع في هذه الأوراق ما رق من شعر الوالد المرحوم وراق ، ليضوع ولا يضيع وينشر طيب رياه ويشيع ، وأرجو من اللّه التوفيق فهو حسبي ونعم الرفيق.

فمن شعره يستنهض الإمام المهدي علیه السلام :

طلاب المعالي بالرقاق البواتر *** ونيل الأماني بالعتاق الضوامر

وبالسابغيات المضاعف نسجها *** وبالسمهريات اللدان الشواجر

تلوى بأيدى الشوس ليناً كأنها *** صلال الأفاعي من خلال المغافر

وبالغارة الشعواء في ليل عثير *** ترى القوم فيها دارعاً مثل حاسر

وبالعزمة الغراء لمع وميضها *** تبسم عن ماض الغرارين باتر

وبالفتحة العضباء عن حد نجدة *** تجد بها الأعناق دون المناخر

ورب جهول قد تعرض للعلى *** ولم يحض منها بالخيال المزاور

فقلت له خفض عليك فإنها *** مطامح لم تدرك سناء لناظر

فما كل من جاب القفار بجائب *** وما كل من خاض الغمار بظافر

ولا كل خفاق البروق بماطر *** ولا كل زهر في الرياض بعاطر

ولم يبلغ العلياء إلا أخو نهى *** توطأ هامات الرجال البحاتر

وليس يليق التاج إلا لأصيد *** تلفع في بردي علا ومفاخر

ولا يرتقي الأعواد أعواد منبر *** سوى صادح بالحق ناه وآمر

وتلك العلى وقف على كل ما جد *** تربى وليداً في حجور المفاخر

فطوبى لنفس تشهد الملك في يدي *** مليك وسيف اللّه في كف شاهر

وتبصر مولى المؤمنين مؤيداً *** بجند من الرحمن للدين ناصر

وتنظره في الدست من حول صحبه *** كبدر سماء في نجوم زواهر

ص: 247

يقيم قناة الدين بعد التوائها *** باسمر خطار وأبيض باتر

ويملك تصريف المقادير كيفما *** يشاء ويجري حكمه في المقادر

يشمر أذيال الخلافة ساحباً *** على هامة الجوزاء ذيل التفاخر

فقل بفتى جبريل خادم جده *** وخادمه والخضر خير موازر

هو الخلف المنصور والحجة التي *** بها يهتدي من ضل سبل البصائر

حسام إذا ما اهتز يوم كريهة *** تدين له طوعاً رقاب الجبابر

إمام إليه الدهر فوض أمره *** بأمر إله خصه بالأوامر

همام إذا ما جال في حومة الوغى *** فلم تلق إلا ضامراً فوق ضامر

جواد إذا ما انهل وابل كفه *** به غني العافون عن كل ماطر

وجوهو قدس لا يقاس بمثله *** وشتان ما بين الحصى والجواهر

له المعجزات الغر يبهرن للحجى *** فاكرم بها من معجزات بواهر

مكارم فضل لا تحد لواصف *** وآيات صدق لا تعد لحاصر

من البيض يحمى البيض بالبيض والقنا *** ويرمي العدا قسراً بإحدى الفواقر

إذا انقض في قلب الخميس تنافرت *** جموعهم مثل النعام النوافر

وإن حل في أرض تضوع نشرها *** وأخصب من أطلالها كل دائر

ويحي به اللّه العباد جميعها *** فمن رابح فيه هناك وخاسر

ويأذن في نبش القبور ويصلح *** الأمور ويعلو ذكرهن في المنابر

بكل عفيف الذيل من دنس الخنا *** وأبلج ميمون النقيبة طاهر

وأصيد لا يعطى الوغى فضل مقود *** ولو ملئت بيداؤها بالحوافر

وأمجد من عليا معد نجاره *** إذا عدت الأنساب يوم التفاخر

يذبون عن غر كرام أطائب *** غطارفة شوس كماة مغاور

هناك ترى نور النبوة ساطعاً *** منوطاً بنور للامامة زاهر

هناك ترى التوفيق بالبشر صادحاً *** وتقدمه أم العلى بالتباشر

ص: 248

هناك نرى ربع المسرة ممرعاً *** وروض الأماني بين زاه وزاهر

هناك نروى القلب من كل غاشم *** ونأخذ ثار السبط من كل غادر

فسارع لها يا ابن النبي بوثبة *** فما طالب ذحلاً سواك بثائر

هلم بنا واجبر قلوباً كسيرة *** فليس لها إلاك يا خير جابر

أيا ابن الميامين اللذين وجوههم *** توقد عن نور من اللّه زاهر

فخذ من بنات الفكر مني غادة *** تفوق جمالاً كل عذراء باكر

بها ( باقر ) يبدى اعتذار مقصر *** بمدحكم يرجو قبول المعاذر

ومن يكن القرآن جلا بمدحه *** فأنى يوفي مدحه وصف شاعر

عليكم سلام اللّه ما لاح بارق *** وجادت مرابيع السحاب المواطر (1)

وقال يرثي الحسين (عليه السلام) :

يا عين لا لا دكار البان والعلم *** ولا على ذكر جيران بذى سلم (2)

وقل من دمع عيني أن يفيض أسى *** أجل ولا كان ممزوجاً بصوب دم

على أجل قتيل من بني مضر *** زاكي الأرومة والأخلاق والشيم

كيف السلو وروح الطهر فاطمة *** ملقى ثلاثة أيام على الاكم

واحسرتا أيموت السبط من ظمأ *** وجده خير رسل اللّه كلهم

وأمه البضعة الزهراء ووالده *** خير القبائل من عرب ومن عجم

ص: 249


1- عن الديوان المخطوط بخط ولد الناظم وهو السيد حسن المعروف بالأصم - الموجود في مكتبة السيد عبدالعزيز الحيدري.
2- هذه القصيدة وما بعدها عن ( الرائق ).

لم أنسه في عراص الطف منفرداً *** يقول يا قوم هل راعيتم ذممي؟

هل منكم ناصر يرجو الشفاعة في *** يوم المعاد غداً من شافع الأمم؟

لم أنسه وهو يسطو شبه قسورة *** والقوم منهزم في إثر منهزم

فخر عن مهره للأرض تحسب أن *** هوى غدات هوى عال من الأطم

ومر نحو الخيام المهر يندبه *** والدمع يهمل من عينيه كالديم

فمذ رأته النسا أقبلن في دهش *** كل تنوح ومنها القلب في ألم

هاتيك حاسرة بين الطغاة وذي *** تقول أين كفيلي أين معتصمي

تقول يا قوم ما أقسى قلوبكم *** ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

غادرتم أسرة الكرار حيدرة *** منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

لهفي له وهو في الرمضاء منجدل *** والخيل توطئه قسراً بجريهم

ورأسه فوق رأس الرمح مرتفع *** يضيء تحسبه نوراً على علم

أين النبي وأين الطهر فاطمة *** وأين أين علي القدر والهمم

وأين أين أسود الغاب من مضر *** ومن سمو كل ذى مجد بمجدهم

اليوم خابت ظنوني واعتدى زمني *** فواعنائي وواذلي وواندمي

ثم أنثنت تندب الهادي النبي وفي *** أحشائها ضرم ناهيك من ضرم

يا جد إن ابنك السجاد مضطهد *** بين الطغاة يعاني كربة السقم

وقيدوه بأصفاد الهوان ولم *** يراقبوا فيه من إل ولا ذمم

أعظم بها نكبة دهياء قد عظمت *** على النبي ورب البيت والحرم

متى يقوم ولي الأمر من مضر *** فينجلي بمحياه دجى الغمم

الحجة الخلف المهدي من ختم *** اللّه الإمامة فيه خير مختتم

هو الإمام الذي ترجى حميته *** بكل هول من الأهوال مقتحم

ملك له عزمة في الروع ثابتة *** تغنيه عن كل مصقول الشبا خذم

مولى سرى عدله في كل ناحية *** كما سرى البرق في داج من الظلم

متى نراه وقد حفت به زمر *** الأنصار من كل مغوارو كل كمي

ص: 250

ويملأ الأرض عدلاً مثلما ملئت *** جوراً وذئب الفلا يرعى مع الغنم

ويغتدي كل من والاه مبتهجاً *** في خفض عيش رغيد دائم النعم

يا ابن النبي ومن قد راق مدحهم *** ورق حتى حلا تكراره بفم

ومن أتى مدحهم في هل أتى وسبا *** وجاء فضلهم في نون والقلم

إليك من لج بحر الفكر جوهرة *** فريدة الحسن قد جلت عن القيم

يرجو بها باقر أن يضام غداً *** وهل يضام؟ ومن والاك لم يضم

وكيف أخشى معاذ اللّه يوم غد *** سوء العذاب وجدي شافع الأمم

أقل عثاري وخذ يا سيدي بيدى *** عند الصراط إذا زلت به قدمي

قد أفلح المومنون المادحون لكم *** واستوثقوا بوثاق غير منفصم

صلى الإله عليكم ما سرت سحب *** وأومض البرق في الظلماء من إضم

وقال يرثي الحسين علیه السلام :

أطيلي النوح معولة اطيلي *** على رزء القتيل ابن القتيل

وسحى الدمع باكية عليه *** ولا تصغى إلى عذل العذول

ونادي يا رسول اللّه يا من *** حباه اللّه بالفضل الجزيل

أتعلم أن رأس السبط يهدى *** إلى الأوغاد في رمح طويل

ويضحى جسمه بالطف ملقى *** تكفنه الصبا نسج الرمول

ويقرع ثغره الطاغي يزيد *** ولا يخشى من الملك الجليل

وزين العابدين يقاد فيهم *** برغم منه في قيد ثقيل

لعمري لا يحق النوح إلا *** لمقتول الأسنة والنصول

بنفسي ضامياً والماء طام *** وليس له إليه من سبيل

ينادي وهو في الهيجاء فرداً *** ألا هل ناصر لبني الرسول

أأقتل فيكم ظلماً وجدي *** شفيع الخلق في اليوم المهول

أأقتل ضامياً وأبي علي *** بيوم الحشر ساقي السلسبيل

ص: 251

فلما أن راى الأعداء كل *** كليم القلب يطلب بالذحول

تصدى للقتال ومر يسطو *** على الأبطال كالليث الصؤول

فيا لله كم قد فل جمعاً *** بحد حسامه العضب الصقيل

إلى أن جاءه الأجل المسمى *** فخر مجدلاً تحت الخيول

فأقبلن الكرائم حاسرات *** نوادب للمحامي والكفيل

وزينب بينهن عليه تذرى *** عقيق الدمع في الخد الأسيل

وتدعو أمها الزهراء شجواً *** ومنها القلب في داء دخيل

ألا يا بضعة المختار طه *** من الأجداث قومي واندبي لي

ونوحي للغريب المستظ- *** -ام البعيد النازح الدار القتيل

يعز عليك يا أماه ما قد *** تطوقنا من الخطب الجليل

ألا يا أم كلثوم هلمي *** لقد نادى المنادي بالرحيل

وجاءت فاطم الصغرى تنادي *** أباها وهي تعلن بالعويل

أبي عز الكفيل فهل ترى لي *** فديتك يا بن فاطم من كفيل

أبي أحرقتني بجفاك فامنن *** علي بنظرة تطفي غليلي

أبي إن ابنك السجاد أضحى *** عليلاً لهف نفسي للعليل

أيسلمني الزمان وأنت كهفي *** وتألمني الخطوب وأنت سولي

مصابك يابن فاطمة كساني *** ثياب الهم والحزن الطويل

وخبطك هد أركان المعالي *** وثل قواعد المجد الأثيل

واذكى جمرة في قلب طه *** ومهجة حيدر وحشا البتول

ألا يابن الأطائب من قريش *** وخير الخلق من بعد الرسول

ويا ابن الأكرمين ومن بكته *** السموات العلى بدم همول

إليك خريدة حسناء رقت *** وراقت بهجة لذوي العقول

تؤم حماك قاصدة ومنها *** دموع العين كالغيث الهطول

بها يرجو غدات الحشر منكم *** سليلك باقر خير القبول

وتنقذه من النيران فيها *** وتنقله إلى ظل ظليل

ص: 252

وخذ بيديه يوم الحشر وامنن *** عليه بشربة من سلسبيل

فليس له سواكم من معين *** إذا ما جاء في حوب ثقيل

فلا زالت صلوة اللّه تترى *** عليكم بالغدات وبالأصيل

وقال متوسلاً إلى اللّه بالنبي والأئمة الطاهرين :

يا رب بالهادي النبي المصطفى *** ووصيه المولى علي المرتضى

وبفاطم ست النساء ونجلها *** الحسن الزكي وبالحسين المجتبى

وسليله زين العباد وباقر *** وبجعفر والطهر موسى والرضا

ومحمد وعلي نجل محمد *** والعسكري وبالإمام المرتجى

الطف بعبدك وابن عبدك باقر *** وأنله في يوم الجزا خير الجزا

ص: 253

الملا حسين جاويش

اشارة

المتوفى 1237

ما للديار تنكرت أعلامها *** وعفت مرابعها وأمحل عامها

صاح الغراب بشمل ساكنها ضحى *** فلذا تبدد شملها ولمامها

سرعان ما ألقى بكلكله الردى *** عمداً عليها فانقضت أيامها

عصفت أعاصير الرياح بربعها *** فعفا وصوح شيحها وخزامها

ظعنوا برغم المكرمات عشية *** والنفس إثر الركب زاد هيامها

كم لي وقد زموا الركائب خلفهم *** عبرات وجد لا تجف سجامها

فذكرت مذ بانوا ركائب فتية *** ضربت على شاطى الفرات خيامها

زحفت عليها للطغات كتائب *** أموية ملأ الفضا إرزامها

فتكت بها أرجاس حرب فانثنى *** بيد الذئاب فريسة ضرغامها

قتلت على ظمأ وكوثر جدها *** منه الأنام غداً يبل أوامها

لله أدمية بشهر محرم *** لرضى ابن هند يستحل حرامها

فرؤوسها من فوق خرصان القنا *** وعلى الصعيد رمية أجسامها

من مبلغن سراة هاشم إنه *** قد جذ غاربها وجب سنامها

وأفاه منهم سهم بغي صائب *** إن المنايا لا تطيش سهامها

فهوى الجواد عن الجواد كأنما *** من قنة العلياء خر دعامها

كالطود يعلوه الرغام ولم أخل *** يعلو على الشم الرعان رغامها

يا ذروة الشرف انهضوا فسراتكم *** ذبحت بسيف الظالمين كرامها

ص: 254

خضب الدماء جباها ولطالما *** لله طال سجودها وقيامها

يايوم عاشوراء كم لك في الحشا *** قبسات وجد لا يبوخ ضرامها

كم فيك من ابناء احمد فتية *** شم الانوف كبابها اقدامها

ياصاحبي قف بالطفوف مخاطبا *** اين الالى بانو واين مقامها

اللّه اكبر اي غاشية بها *** دار النبوة دكدكت اعلامها

اللّه اكبر اي جلى فتتت *** احشاء خير الرسل وهو ختامها

عجباً لهذ الخلق لا يبكي دماً *** عوض المدامع كلها وغلامها

لفتى بكاه محمد ووصيه *** الهادي أمير المؤمنين امامها

كل الرزايا دون وقعة كربلا *** تنسى وان عظمت تهون عظامها

نكثت عهود المصطفى حسداً لمن *** ضلت عن النهج القويم طغامها

واللّه ما قتل الحسين سوى الألى *** سجدت مخافة بأسه أصنامها

قد أججوها في ( ... ) فتنة *** في الال يوم الطف شب ضرامها

كتبوا صحيفتهم والوا أنها *** حتى القيامة لا يفض ختامها

فتداولتها بعدهم أبناؤها *** فتضاعفت لما جنت اثامها

قدمت على حرب الحسين ببغيها *** وتسابقت لقتاله أقدامها

نقضت عهود نبيها في اله *** فلبئس ما قد أخلفته لئامها

يا سادة جلت مناقب فضلها *** من أن تحيط بوصفها أوهامها

أتهاب نفس حسين أو تخشى غداً *** ظيما وأنتم في المعاد عصامها

يمضي الزمان وحزنها بمصابكم *** باق الى أن تنقضي أيامها

واليكموها غادة حليةُ *** قد طاب فيكم بدؤها وختامها

ص: 255

الملا حسين جاويش

الحسين بن ابراهيم بن داود. من أسرة تعرف قديماً بآل « جاوش » وقد وجدت شهادات موقعة بخطوط جماعة منهم في وثيقة رسمية مصدقة من نائب الحلة « القاضي » سنة 1101 ه- « إحدى ومائة وألف » وهي تخص بعض أوقاف السادة الأقدمين من « آل كمال الدين » ومن الشهود فيها عثمان بن مصطفى جاوش - جد المترجم - ويوجد حتى اليوم شارع قديم في إحدى محلات الحلة الشمالية يدعى ب- « الجاووشية » بالقرب من مرقد أبي الفضائل بن طاوس نسبة إلى الأسرة المذكورة التي نبغ منها شاعرنا المترجم ويعرف في المجاميع القديمة بالملا حسين جاوش. مولده ونشأته ومسكنه ووفاته في الحلة ولم يتحقق لدينا تاريخ ولادته لنعرف مدة عمره سوى أن وفاته كانت سنة 1237 ه- ولم يكن ممن يجتدي بأشعاره أو يساوم ببنات أفكاره وإنما كان يمتهن بعض الحرف التي يعتاش منها وهو معدود في شعراء أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر تبودلت بينه وبين أدباء عصره مراسلات ومساجلات ونظم كثيراً من القصائد في جملة من الحوادث التي وقعت بين أهل الحلة والعشائر والحكومة يومئذ كما جاء في تاريخ الحلة بهذا القرن وشعره جزل الألفاظ عذب الأسلوب مكثر فيه من رثاء آل الرسول « ص » رأيت له قصيدة في رثاء الحسين (عليه السلام) في كتاب ( المجالس والمراثي ) للفاضل الأديب الشيخ أحمد بن الحسن قفطان النجفي سنة 1285 ومن خطه نقلتها من الفصل الثالث من الكتاب المذكور :

وله من قصيدة في الرثاء :

هاج أحزان مهجتي وشجاها *** خطب من جل في الآنام عزاها

* * *

ص: 256

هل يولي أمر الخلافة إلا *** من بنى أصلها وشاد علاها

سيد الأوصياء في كل عصر *** تاجها عقدها منار هداها

من رقى منكب النبي وصلى *** معه في السماء يوم رقاها

ذاك مولى بسيفه وهداه *** آية الشرل والضلال محاها

وله في رثاء السيد سليمان الكبير المتقدم ذكره والمتوفى سنة 1211 ه.

الا خلياني يا خليلي من نجد *** وتذكار سعدى في حمى بانة السعد

فما هاج وجدي ذكر حزوى وحاجر *** ولا رامة فيها مرامي ولا قصدي

ولا تعذلاني إن قضيت من الأسى *** وخدد دمع العين في سكبه خدي

فما أنا من يصغي إلى العذل سمعه *** واني في شغل عن العذل بالوجد

سلا ظاهر الأنفاس عن باطن الأسى *** فإن الذي أخفيه أضعاف ما أبدي (1)

أفي كل يوم لي حبيب مفارق *** إلى القبر أضعان المنايا به تخدي

لقد ذهب العيش الرغيد بذاهب *** هوى في الثرى لما رقى ذروة المجد

وعطل أحكام ( الشرايع ) فقد من *** هو المقتدى في الحل منها وفي العقد

ومن سبل ( الارشاد ) ضاقت ( مسالك ) *** الرشاد وكانت قبل واضحة النجد (2)

فلهفي عليه ثم لهفي لو أنه *** يفيد الفتى طول التلهف أو يجدي

ولو رد ميت بالبكاء لرده *** بكائي وأنى يسمح البين بالرد

أصاب الردى عمداً ( سليمان ) عصرنا *** أخا النسب الوضاح والحسب العد (3)

على الحلة الفيحاء من بعده العفا *** فقد غاب عن آفاقها قمر السعد

وكان لها كفاً تكف به الأذى *** وقد جذه صرف الحمام من الزند

يحامي عن الدين القويم بمرهف *** اللسان كما تحمى العرينة بالأسد

ص: 257


1- البيت مطلع قصيدة للشريف الرضي وأخذه المترجم بتصرف.
2- النجد : الطريق المرتفع ومنه قوله تعالى ( وهديناه النجدين ).
3- العد بالكسر : القديم.

فيا بدر تم غاله الخسف بعدما *** هدى في الدجى المسترشدين إلى الرشد

وشمساً تغشاها الكسوف وطالما *** جلت ظلمات الشك في القرب والبعد

بكيتك للود القديم وكم بكى *** عليك من الناس امرؤ غير ذي ود

وقد حال مني كل شيء عهدته *** فلم يبق محفوظاً عليك سوى عهدي

فهذي جفوني من دموعي في حياً *** وقلبي من -ر الكآبة في وقد

وهي طويلة. وفي آخرها يؤرخ عام وفاته بقوله :

وصدر جنان الخلد وافى مؤرخاً *** سليمان طب نفساً فمأواك بالخلد

وفي قوله وصدر جنان الخلد إشارة إلى « الجيم » لأن عجز البيت وفيه مادة التاريخ ينقص ثلاثة وفي الجيم يتم العدد « 1211 » وكان سريع البداهة حاضر النكتة. نزل هو والشيخ صالح التميمي الشهير ضيفين على رجل من بني « لام » بين واسط والبصرة فلم يكرم مثواهما وزاحمهما من شدة جشعه على الزاد الذي قدمه إليهما في صحن صغير فنظما هذه القطعة المشتركة والصدور منها للتميمي والاعجاز لصاحب الترجمة.

رأينا من عجيب الدهر صحناً *** صغير الحجم بين يدي لئيم

كأن حنو صاحبه عليه *** ( حنو المرضعات على الفطيم ) (1)

تدافع دونه كلتا يديه *** مدافعة الغيور عن الحريم

يود بأن عيناً لا تراه *** فيحجبه بكهف أو رقيم

فلو بالخلد قابله اكيل *** لفر به إلى أصل الجحيم

ذميم الخلق والأخلاق أمسى *** يزاحمنا على العيش الذميم

لعكس الحظ عاشرنا أناساً *** بطرق اللؤم اهدى من تميم

ص: 258


1- هو لأبي نصر أحمد السليكي المنازي من أبيات مشهورة وقد تضمن شاعرنا عجز البيت.

فغضب التميمي من تعريضه في البيت الأخير وأمسك عن النظم فاعتذر المترجم بأن القافية عرضت له في الطريق.

« ايضاح » أن المترجم له غير ملا حسين - بالتصغير والتشديد - الحلي الذي كان شعره مقصوراً على اللغة العامية صاحب القصائد الزجلية من « الميمر » وغيره في مدح وادي بن شفلح « رئيس زبيد » المتوفى سنة 1271 وبينه وبين الشيخ عبدالحسين محي الدين صاحب ( ذرب بن مغامس ) رئيس خزاعة مطارحات في اللغة نفسها وله نوادر وحكايات مضحكة مع العلامة السيد مهدي القزويني المتوفي سنة 1300 ومع الشيخ جعفر الصغير حفيد كاشف الغطاء المتوفى سنة 1290 كما في « العبقات العنبرية » وكل هؤلاء متأخرون عن عصر شاعرنا ( ابن جاوش ) ولكن سيدنا الأمين - في ال- ج 26 من الاعيان ذكر أن وفاة الملا حسين الشاعر العامي سنة 1212 وهذا التاريخ أيضاً متقدم على عصر هؤلاء بكثير والصواب أن وفاته في اخريات القرن الثالث عشر ويحتمل أن ولادته كانت في التاريخ الذي ذكر في الأعيان. انتهى عن ( البابليات ).

ص: 259

الشيخ محمد رضا الازري

اشارة

المتوفى 1240

خذ بالبكاء فما دمع بمذخور *** من بعد نازلة في عشر عاشور

يوم تنقبت الدنيا بغاشية *** من المصاب لفقد العالم النوري

واردف الملأ الأعلى براجفة *** أللعوالم آنت نفخة الصور

يوم سرى ابن رسول اللّه يجلبها *** قب البطون تهادى في المضامير

ترغو عليها فحول من بني مضر *** معودون على حز المناحير

من كل مزدلف للروع يصحبه *** أنف حمى وجاش غير مذعور

حيث السلاهب تنزو في شكائمها *** نزو الثعابن في مشبوبة القور

واصيد مطمئن الجأش لو جأشت *** في الروع وعوعة الأسد المغاوير

وللجبال الرواسي في دكادكها *** مور بدكدكة الجرد المحاضير

فلو تراها وقد شالت نعامتها *** والقوم ما بين مطعون ومنحور

لما رأيت سوى معزى يبددها *** زئير ذي لبدة دامي الأظافير

حتى إذ حم أمر اللّه وانتزعت *** مراشة سددت من كف مقدور

وافاة شمر فألفاه على رمق *** فكان ما كان من إنفاذ مسطور

وشال رأس رئيس المسلمين على *** أصم مطرد الكعبين مطرور

ص: 260

من مبلغ الرسل أن رأس ابن سيدها *** في مجلس الراح بين اليم والزير (1)

وهل درت هاشم أن ابن بجدتها *** لقى تزمله هوج الاعاصير

ومن معزي الهدى في شمس دارته *** إذ سامها القدر الجاري بتكوير

وهل درى البيت بيت اللّه أن هدمت *** منه عتاة قريش كل معمور

وفتية من رجال اللّه قد صبروا *** على الجلاد وعانوا كل محذور

حتى تراءت لهم عدن بزينتها *** مآ تماكن عرس الخرد الحور

وان رزءاً بكت عين النبي له *** لذاك في الدين كسر غير مجبور

ورب ذات حداد من كرائمه *** تخاطب القوم في وعظ وتذكير

تدعو وتعلم ما في الناس مستمع *** لكنها نفثة من قلب مصدور

اللّه في رحم للمصطفى قطعت *** من بعده وذمام منه مخفور

ما ظنكم لو رأى المختار أسرته *** بالطف ما بين مقتول ومأسور

من عاطش شرقت صم الرماح به *** وذى براثن في الاصفاد مشهور

وثاكل من وراء السجف قائلة *** يا جدغوثا فرزئي فوق مقدوري

أمثل شمر لحاه اللّه يحملنا *** شعث النواصي على الاقتاب والكور

ويولغ السيف في نحر ابن فاطمة *** لله ما صنعت أيدي المقادير

بنات آكلة الاكباد في كلل *** والفاطميات تصلى في الهياجير

وذات شجو لها في الصدر ثائرة *** تشب في كل ترويح وتبكير

تقول والنفس قد جاشت غواربها *** والدمع ما بين تهليل وتحدير

يا والدي من يسوس المسلمين ومن *** يقوم بالامر في حزم وتدبير

ومن تركت على الإسلام يكلؤه *** من كل مبتدع بالكفر مغمور

وهل جعلت على التنزيل مؤتمناً *** يقيه من رب تحريف وتغيير

إليه بالعتاق القب ضابحة *** بكل اشوس فلال المباتير

ص: 261


1- البم : العود والوتر. والزير : مخالطة النساء.

والباترات تجلت عن مشارقها *** ولا مغارب إلا في المناحير

والزاغبية تحت النقع لامعة *** لمع الثواقب في آناء ديجور

لولا انتظار ليوم لا خلاف به *** لشطر الوجد قلبي أي تشطير

يوم أرى الملة البيضاء مسفرة *** عن كل أبيض ذي جدٍ وتشمير

وموكب تحمل الأملاك رايته *** أمام ملك على الازمان منصور

ملك إذا ركب الذيال تحسبه *** نوراً تجلى لموسى من ذرى الطور

فتى يروقك منه حين تنظره *** لألاء فرق بنور اللّه محبور

وكم اجال العقول العشر خابطة *** في كنهه بين تعريف وتنكير

وان من يقتدي عيسى المسيح به *** لذاك يكبر عن تحديد تفكير

كأنني بجنود اللّه محدقة *** من حوله بين تهليل وتكبير

والجن والإنس والاملاك خاضعة *** له فاكبر بتصريف وتسخير

والمسلمون أعز اللّه جانبهم *** في ظله بين مغبوط ومسرور

ص: 262

الشيخ محمد رضا الازري

ولد سنة 1162 وتوفي 1240 في بغداد ، درس العلوم العربية على أخيه الشيخ يوسف الازري وعلى غيره من فضلاء عصره وولع بحفظ القصائد الطوال من شعر العرب فقد رووا عنه انه كان يحفظ المعلقات السبع وقسماً كبيراً من أشعار الجاهلية والإسلام مضافاً إلى الخطب والاحاديث المروية عن العرب. وكان نشيطاً مفتول الساعدين قوي البنية معدوداً من أبطال الفتوة بين اقرانه وهو أصغر أخوته.

أهم شعره في رثاء أهل البيت ، وقد حدثت في زمانه واقعة الوهابيين المعروفة في التاريخ حينما احتلو كربلاء ونهبوها وقتلوا من أهلها ما يزيد على خمسة آلاف نسمة وذلك سنة 1216 فنظم على أثرها ثلاث قصائد تشتمل على مائتين وستين بيتا ذكر بها الواقعة المذكورة وختم كلاً منها بتأريخ وإذا لاحظنا تواريخ قصائده رأينا اكثرها نظمت بعد وفاة أخيه الشيخ كاظم الأزري.

ورأيت له قصيدة يرثي بها السيد جواد العاملي صاحب كتاب مفتاح الكرامة في الفقه ومؤرخاً في كل شطر منها عام وفاته ، والقصيدة أولها :

أنخها على الاعلام واعقل ونادها *** وسل آية جاست ركاب جوادها

رواها الشيخ علي كاشف الغطاء في سمير الحاظر.

وللشيخ محمد رضا الأزري يصف بطولة العباس بن أمير المؤمنين يوم كربلاء :

أو ما أتاك حديث وقعة كربلاء *** أنى وقد بلغ السماء قتامها

يوم أبو الفضل استجاربه الهدى *** والشمس من كدر العجاج لثامها (1)

ص: 263


1- رواها الشيخ علي كاشف الغطاء في سمير الحاظو ج 2 ص 100.

والبيض فوق البيض تحسب وقعها *** زجل الرعود إذا اكفهر غمامها

فحمى عرينته ودمدم دونها *** ويذب من دون الشرى ضرغامها

من باسل يلقى الكتيبة باسماً *** والشوس يرشح بالمنية هامها

وأشم لا يحتل دار هضيمة *** أو يستقل على النجوم رغامها

أو لم تكن تدري قريش أنه *** طلاع كل ثنية مقدامها

بطل أطل على العراق مجلياً *** فاعصوصبت فرقاً تمور شآمها

وشأى الكرام فلا ترى من أمة *** للفخر إلا ابن الوصي إمامها

هو ذاك موئلها يرى وزعيمها *** لو جل حادثها ولد خصامها

وأشدها بأساً وأرجحها حجى *** لو ناص موكبها وزاغ قوامها

من مقدم ضرب الجبال بمثلها *** من عزمه فتزلزلت أعلامها

ولكم له من غضبة مضرية *** قد كاد يلحق بالسحاب ضرامها

أغرى به عصب ابن حرب فانثنت *** كلح الجباه مطاشة أحلامها

ثم انبرى نحو الفرات ودونه *** حلبات عادية يصل لجامها

فكأنة صقر بأعلى جوها *** جلى فحلق ما هناك حمامها

أو ضيغم شئن البرائن ملبد *** قد شد فانتشرت ثبى أنعامها

فهنا لكم ملك الشريعة واتكى *** من فوق قائم سيفه قمقامها

فأبت نقيبته الزكية ريها *** وحشى ابن فاطمة يشب ضرامها

وكذلكم ملأ المزاد وزمها *** وانصاع يرفل بالحديد همامها

حتى إذا وافى المخيم جلجلت *** سوداء قد ملأ الفضا إرزامها

فجلا تلاتلها بجاش ثابت *** فتقاعست منكوسة أعلامها

ومذ استطال اليهم متطلعاً *** كالأيم يقذف بالشواظ سمامها

حسمت يديه يد القضاء بمبرم *** ويد القضا لم ينتقض إبرامها

واعتقاه شرك الردى دون الشرى *** ان المنايا لا تطيش سهامها

اللّه اكبر أي بدر خر من *** أفق الهداية فاستشاط ظلامها

فمن المعزي السبط سبط محمد *** بفتى له الاشراف طأطأ هامها

ص: 264

وأخ كريم لم يخنه بمشهد *** حيث السراة كبا بها أقدامها

تاللّه لا أنسى ابن فاطم إذ جلا *** عنه العجاجة يكفهر قتامها

من بعد أن حطم الوشيج وثلمت *** بيض الصفاح ونكست أعلامها

حتى إذا حم البلاء وانما *** أيدي القضاء جرت به أقلامها

وافى به نحو المخيم حاملاً *** من شاهقي علياء عز مرامها

وهوى عليه ما هنالك قائلاً *** اليوم بان عن اليمين حسامها

اليوم سار عن الكتائب كبشها *** اليوم غاب عن الصلاة إمامها

اليوم آل إلى التفرق جمعنا *** اليوم حل من البنود نظامها

اليوم خر من الهداية بدرها *** اليوم غب عن البلاد غمامها

اليوم نامت أعين بك لم تنم *** وتسهدت أخرى فعز منامها

أشقيق روحي هل تراك علمت إذ *** غودرت وانثالت عليك لئامها

إن خلت أطبقت السماء على الثرى *** أو دكدكت فوق الربى أعلامها

لكن أهان الخطب عندي أنني *** بك لاحق أمراً قضى علامها

من مبلغ أشياخ مكة إنه *** قد غاض زاخرها وزال شمامها

من مبلغ أشياخ مكة انه *** قد شل ساعدها وفل حسامها

من مبلغ أشياخ مكة إنه *** قد دق مارنها وجب سنامها

اللّه أكبر أي غاشية علت *** بيت الرسالة واستمر قتامها

اللّه أكبر ما أجل رزية *** مضت الدهو وما مضت أيامها

يوم به وتر النبي وحيدر *** وبنو العواتك شيخها وغلامها

وقلوب صبيتهم بقلبها الظما *** والماء عائثة به أنعامها

وبنوهم أسرى يعض متونهم *** غل السلاسل تارة وسقامها

ورؤوسهم فوق الرماح شوارع *** وعلى البطاح خواشع أجسامها

هذي المصائب لا مصائب اليعقوب *** وإن صدع الهدى إلمامها

هذا جزاء محمد من قومه *** فلبئس ما قد أخلفته طغامها

سمعا أبا الفضل الشهيد قصيدة *** أزرية مسكاً يفوح ختامها

ص: 265

ومن شعره في أهل البيت علیهم السلام :

ومن يبصر الدنيا بعين بصيرة *** يرى الدهر يوماً سوف ينجاب عن غد

ولست أرى عز العزيز بمانع *** ولست أرى ذل الذليل بمخلد

لمن يرفع المرء العماد مشيدا *** وها هادم اللذات منه بمرصد

وهل دارع الا كآخر حاسر *** إذا ما رمى المقدور سهم مسدد

فصاحب لمن تهوى اصطحاب مفارق *** وفي الكل رجع نظرة المتزود

إذا لم يكن عقل الفتى مرشد الفتى *** فليس إلى حسن الثناء بمرشد

واني أرى الايام شتى صروفها *** وأعظمها تحكيم عبد بسيد

ويا رب وتر عند باغ لذى تقى *** ولكن لا وتر كوتر محمد

رموا بيته بالمرجفات وهدموا *** قواعده بعد البناء الموطد

فسل كربلا ماذا جرى يوم كربلا *** مصاب متى الأفلاك تذكره ترعد

وانى وتلكم حمرة في جبينها *** إلى الآن من ذاك الجوي المتوقد

وما ظهرت من قبل ذلك في الاولى *** لراء ولم تعرف قديماً وتعهد

ولو جل رزء في النبيين مثله *** لبانت وفي هذا بلاغ لمهتدي

وهاتيكم اللاتي تسير على المطا *** حقائقه يشهرن في كل مشهد

وتلك النفوس السائلات على القنا *** تقاطر منه من أكف وأكبد

وأسرته في حالة لو يراهم *** بها هرقل لاستقرع الناب باليد

فمن بين مقطوع الوتين وفاحص *** بكفيه عن نزع وبين مصفد

وكم ذي حشى حرانة لو تمكنت *** لعطت حواياها وطارت لمورد

ومرضعة مذهولة عن رضيعها *** مخافة سلب يكشف الستر عن يد

فمن يبلغن الرسل ان زعيمها *** لذو عبرة جياشية عن توقد

ص: 266

الشيخ احمد زين الدين الاحسائي

اشارة

المتوفي 1241

أنزهو وقد ترنو بياض المفارق *** وقد مر مسود الشباب المفارق

أجدك في اللّهو الذي أنت خائض *** وداعي الفنا يدعوك في كل شارق

تضاحكك الأيام في نيلك المنى *** كفعل نصوح للدعابة وامق

وما بسطت آمالها لك عن رضى *** ولا ضحكت سنا إلى كل عاشق

ولكن لكي تصطاد من أم قصدها *** بما نصبته من شراك البوائق

فلا تثقن من وعدها إن وعدها *** كما قد جرت عاداتها غير صادق

كأن المنايا ملكتها صروفها *** فتطرق من شاءت بشر الطوارق

لذاك أحلت بالحسين مصائبا *** بها تضرب الأمثال في كل خارق

غداة أناخت بالطفوف ركابه *** بكل فتى للحتف في اللّه تائق

سلامي على أرواحهم ، ودماؤهم *** تضوع بطيب في ثرى الأرض عابق

خليلى زرهم وانتشق لقبورهم *** تجد تربها كالمسك من غير فارق

ويصف فيها شجاعة الحسين علیه السلام :

فكم فلقت ضرباته من جماجم *** وكم فرقت صولاته من فيالق

فأقرب ما قد كان لله اذ هوى *** صريعا بلا جرم وعطشان ما سقي

وطفل رضيع بالسهام فطامه *** وذبح غلام بالحسام مراهق

ص: 267

الشيخ احمد زين الدين الاحسائي

ولد بالمطير من الإحساء في شهر رجب سنة 1166 ه- كان من العلماء الراسخين في العلم ، والفلاسفة الحكماء العارفين المتأهلين المطلعين وقد ترك 140 كتاباً ورسالة ، وأجوبة بلغت 550 تقريباً. ومؤلفاته تربو على المائة مؤلف في مختلف العلوم الاسلامية نشرت أسماءها مكتبة العلامة الحائري العامة بكربلاء بكراسة خاصة ، كما نشرت له رسائل في كيفية السلوك إلى اللّه تعالى.

هاجر إلى كربلاء - العراق وهو ابن عشرين سنة وحضر بحث الوحيد البهبهاني الاغا باقر والسيد الميرزا مهدي الشهرستاني والسيد علي الطباطبائي صاحب الرياض ، وفي النجف على الشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيره ، ثم حدث طاعون جارف ألجأ الناس إلى مغادرة الاوطان فعاد المترجم إلى بلاده وتزوج بها وبعد زمن انتقل بأهله إلى البحرين وسكنها أربع سنين ، وفي سنة 1212 عاد إلى العتبات المقدسة بالعراق وبعد الزيارة رجع فسكن البصرة في محلة ( جسر العبيد ) ثم تنقل إلى عدة أماكن وذهب إلى ايران ثم عزم على الحج وتوفي بالحجاز قبل وصوله مدينة الرسول ( بثلاث مراحل وذلك في يوم الأحد ثاني ذي القعدة حرام 1241 فنقل للمدينة ودفن بالبقيع مقابل بيت الأحزان.

وجاء في أنوار البدرين : العلامة الفاضل الفهامة الوحيد في علم التوحيد وأصول الدين الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي المطيرفي (1) وهو صاحب

ص: 268


1- قرية من قرى الاحساء كثيرة المياه.

جوامع الكلم مجلدان كبيران مشتملان على جملة من الرسائل وكثير من التحقيقات وله شرح الزيارة الجامعة الكبرى وله شرح العرشية والمشاعر لملا صدر الدين الشيرازي ( ره ) تعرض فيما عليه وعلى تلميذه الملا محسن الكاشاني ( ره ) وله جملة من المصنفات وحاله أشهر من أن يذكر وقد ذكر أحواله بالبسط والبيان السيد المعاصر السيد محمد باقر الأصفهاني في كتابه ( روضات الجنات ). توفي ( قده ) مهاجراً لزيارة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأئمة البقيع علیهم السلام سنة اثنين وأربعين ومائتين والف من الهجرة وله الاجازة من جملة من المشائخ العظام واساطين الاسلام منهم السيد السند بحر العلوم ومجدد آثار الايمان والرسوم السيد محمد مهدي الطباطبائي والسيد الأجل السري السيد مير علي الطباطبائي صاحب الرياض والشيخ الافخر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وابنه الأجل الانور الشيخ موسى والعلامة المشهور الشيخ حسين آل عصفور وأخيه الأسعد الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد آل عصفور والسيد الأجل الأمجد السيد محمد الشهرستاني والفاضل الأمجد الشيخ أحمد ابن العالم الرباني الشيخ حسن الدمستاني وغيرهم وقد وقفت على أكثر اجازاتهم له وفيها تفخيم له عظيم ويروي عنه جماعه من فحول العلماء منهم المحقق الشيخ محمد حسن ( صاحب الجواهر ) والسيد كاظم الرشتي والمحقق الحاج ابراهيم الكرباسي صاحب الاشارات وغيرهم قدس اللّه أرواحهم.

اقول وللشيخ الاحسائي قدس اللّه نفسه قصائد في الامام الشهيد الحسين سماها ب- ( الأثني عشرية ) وقد طبعت مع ترجمتها للغة الفارسية.

ص: 269

السيد حسن الاصم - العطار

اشارة

قال مشطراً بيتي السيد عمر رمضان

لفظت الخيزرانة من يميني *** وإن كانت مهفهفة القوام

فأبغض أن الامسها بكفي *** وأكره أن أشاهدها أمامي

ولست بممسك ما عشت عوداً *** ولو أني عجزت عن القيام

أأمسك عود سوء في يميني *** بها نكثت ثنايا ابن الامام (1)

ص: 270


1- عن سمير الحاظر ومتاع المسافر مخطوط المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء ج 1 ص 561.

السيد حسن العطار البغدادي

المتوفي 1241

هو السيد حسن ابن السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد العطار الحسني البغدادي عالم أديب وشاعر مجيد. وآل العطار بيت علم وفقه وأدب وشعر نبغ فيه غير واحد من اجلاء العلماء وعباقرة الشعراء ، وشهرة رجالهم بالأدب والشعر أكثر منها في الفقه ، مع أن فيهم بعض الفقهاء المتبحرين الذين لا يستهان بهم ، ولقب العطار لحق جدهم السيد محمد لسكناه في سوق العطارين ببغداد.

والمترجم له كان عالماً فاضلاً أديباً وشاعراً مجيداً له ديوان شعر مرصوف وكان يعرف بالاصم ، ذكره عصام الدين عثمان الموصلي العمري في ( الروض النضر ) في تراجم أدباء العصر المخطوط الموجود في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد ، وذكره الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) فاطراه وذكر بعض شعره توفي سنة 1241 ويوجد بخطه ديوان العلامة السيد حسين بن مير رشيد الهندي تلميذ السيد نصر اللّه الحائري ، فرغ من كتابته في 1224 واستنسخ عنه العلامة السماوي.

فمن شعره :

من لصب أغرق الطرف بكاء *** وعراه من هواكم ما عراه

مسه الضر وأمسى شجا *** ما له ظل إذ الشوق براه

ص: 271

قوض السفر وما نال من ال- *** -نفر الماضين في جمع مناه

يا أهيل الحي هل من نظرة *** ينجلي فيها من الطرف قذاه

فعدوني بوصال منكم *** فعسى يشفي من القلب ضناه

وارحموا حال معنى مغرم *** مستهام شمتت فيه عداه

يا رعى اللّه زماناً معكم *** فيه قد البسنا آلاس رداه

نجتني من قربكم عند اللقا *** ثمر الوصل وقد طاب جناه

قد تقضى وانقضت أيامه *** ومحيا الوصل قد زال بهاه

شابهت ضيفاً بطيف زارنا *** ثم ولى حيث لم نخش قراه

ص: 272

الشيخ علي الاعسم

اشارة

كان حياً 1244

قال يخاطب أبا الفضل العباس - وقد ألم مرض نال الزائرين

أبا الفضل ليس الهم سقمي وعلتي *** ولكن همي أن يلم بكم عار

أخاف مقال الجاهلين لجهلهم *** لقد عطب القوم الذين لهم زاروا

وأعلم حقاً أن ذاك بشارة *** لزائركم أن لا تمر به النار

ص: 273

الشيخ علي الاعسم

هو الشيخ علي ابن الشيخ عبدالحسين ابن الشيخ محمد علي الشهير بالاعسم النجفي مولداً ومسكناً ومدفناً ذكره صاحب الحصون في ج 2 ص 466 فقال : كان شاعراً بليغاً وله إلمام في الجملة بنكت ودقايق الشعر الفارسي وكان ينظم بعض معانيه أحياناً بتكلف وكان شعره دون شعر أبيه ومن في طبقته ومن شعره قوله :

وغادة هويت ابراز طلعتها *** لناظري فنهاها الخوف واللمم

فأسفرت قبل المرآة فانطبعت *** تلك المحاسن فيها وهي تبتسم

قوله :

تواضع قوم فظن الجهول *** برتبتهم أنهم وضع

وقوم تساموا على غيرهم *** بغير اتصاف بما يرفع

فهم كالغصون إذا ما خلت *** تسامت وان أثمرت تخضع

وله في واقعة اتفقت لبعضهم في بغداد :

وساترة الخدين عنا بأنمل *** تفوق على عقد الجمان عقودها

لقد بخلت لكن أرتنا أناملا *** وذلك يكفينا فللبخل جودها

وله أبيات في الرد على بعض العلماء في مقالته أن مرض زوار عرفة علامة عدم قبول زيارتهم وذلك سنة 1244 ه. الأبيات التي تقدمت وقوله :

قد كنت أرجو أن أنال بودهم *** ما يرتجيه من الفتى خلطاؤه

ص: 274

فبدت لي السحناء حتى قيل لي *** ( ويل لمن شفعاؤه خصماؤه )

ولم أقف على سنة وفاته سوى أنه كان في أواسط القرن الثالث عشر. وذكره المحقق الطهراني في الكرام البررة ص 197 فقال : ومن تصانيفه مناهل الأصول في عدة مجلدات شرح على تهذيب الوصول للعلامة مجلده الثالث من العام والخاص إلى آخر الظاهر والمأول فرغ منه في عام 1239 وهو موجود عند الشيخ محمد جواد الأعسم وهو والد الشيخ محمد حسين بن الأعسم الشهيد في الدغارة عام 1288 ه. ورأيت بخطه المجلد الاول من شرح اللمعتين تأليف الشيخ جواد ملا كتاب في عام 1232 ه.

ص: 275

الشيخ علي نقي الاحسائي

المتوفي 1246

قال في مطلع قصيدة في الامام الحسين *** هل للطول الخاليات بلعلع

بعد التفرق والنوى من مرجع *** لم تبتسم بعهاد وكاف الحيا

كلا ولا طربت لورق سجع *** لا ينفعن الدار بعد قطينها

وكف السحاب وسقي فيض المدمع *** وابك الأولى نزحوا بعاطلة الضبا

إن كنت مكتئباً بقلب موجع

وقال في أخرى

يا سعد لا رقصت في ربعك الابل *** ولا انثنى مدلجاً ركب به عجل

ولا سرى موهناً برق وغادية *** ولا سقاك ملثاً واكف هطل

لم يشجنى ربعك العافي الذي درست *** مر الرياح وفيه يضرب المثل

ولا تذكر سكان العقيق ولا *** ماء العذيب وروض ناعم خضل

بلى رماني البلا منه بقارعة *** فمهجتي بلظى الأحزان تشتعل

ومقلتي لم تزل تذري الدموع على *** ربع الذين بأرض الطف قد قتلوا

ما إن جرى ذكر رزء السبط في خلدي *** إلا وشب بقلبي النار والشعل

بقي ثلاثة أيام على عفر *** بالطف لا كفن لهفي ولا غسل

مزملا بدماه ليت عينك يا *** جداه تنظره في الترب منجدل

ص: 276

هو ابن الشيخ الاوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي. ولد في الاحساء وتتلمذ على أبيه ونال حظاً كبيراً من العلوم العقلية والنقلية ، وكان يقول :

إني أحفظ أثني عشر ألّف حديث بأسانيدها ، وألف في مختلف العلوم منها :

1 - نهج المحجة في اثبات إمامة الأئمة الاثني عشر علیهم السلام في مجلدين ، طبع الأول بمطابع النجف سنة 1370 ه- ، وطبع الثاني في تبريز سنة 1373 ه.

2 - منهاج السالكين في السلوك والأخلاق ، طبع في تبريز سنة 1374 ه.

3 - مشرق الأنوار في الحكمة.

4 - رسالة في تفسير قاب قوسين.

5 - كشكول في مجلدين.

6 - ديوان شعر جمعه في حياته يتضمن مختلف النواحي الشعرية من غزل ونسيب ومدح ورثاء وأمثال وحكم وفخر وحماسه ، وهو عالم أكثر منه شاعر واليك روائع من شعره قاله في مناسبات

إني عجبت وكم في الدهر من عجب *** وكم رماني من الأيام بالعطب

أجلت طرفي فلا خلأ أواصله *** ولا صديقا اليه منتهى حربي

والدهر شتت آمالي وفرقها *** فصرت والدهر والأخوان في لعب

كأنما كانت الأخوان نائية *** من الزمان رماها الدهر بالنوب

تباعدوا ولكم أبدوا وكم ستروا *** حقداً وكم صرموا حبلي بلا سبب

توفي صبح الأحد 23 ذي الحجة الحرام سنة 1246 في كرمنشاه ودفن في خارج البلدة في طريق الزائرين الذين يقصدون كربلاء ، وكان ذلك بوصية منه. عاش بعد والده خمس سنوات وأحد عشر يوماً.

ص: 277

السيد سليمان داود الحلي

اشارة

المتوفي سنة 1247

أرى العمر في صرف الزمان يبيد *** ويذهب لكن ما نراه يعود

فكن رجلا إن تنض أثواب عيشه *** رثاثا فثوب الفخر منه جديد

وإياك أن تشري الحياة بذلة *** هي الموت والموت المريح وجود

وغير فقيد من يموت بعزة *** وكل فتى بالذل عاش فقيد

لذاك نضا ثوب الحياة ابن فاطم *** وخاض عباب الموت وهو فريد

ولاقى خميسا يملأ الأرض زحفه *** بعزم له السبع الطباق تميد

وليس له من ناصر غير نيف *** وسبعين ليثا ما هناك مزيد

سطت وأنابيب الرماح كأنها *** أجام وهم تحت الرماح أسود

ترى لهم عند القراع تباشراً *** كأن لهم يوم الكريهة عيد

وما برحوا يوماً عن الدين والهدى *** إلى أن تفانى جمعهم وأبيدوا

ويسطو العفرني حين أفرد صولة *** أبيد بها للظالمين عديد

وقد كاد يفنيهم ولكنما القضا *** على عكس ما يهوى الهدى ويريد

فأصمى فواد الدين سهم منية *** فهد بناء الدين وهو مشيد

بنفسي تريب الخد ملتهب الحشى *** عليه المواضى ركع وسجود

بنفسي قتيل الطف من دم نحره *** غدا لعطاشى الماضيات ورود

ص: 278

بنفسي راس الدين ترفع رأسه *** رفيع العوالي السمهرية ميد

تخاطبه مقروحة القلب زينب *** فتشكو له أحوالها وتعيد

أخي كيف ترضى أن نساق حواسراً *** ويطمع فينا شامت وحسود

أخي إن قلبي بات للوجد عنده *** مواثيق لم تنقض لهن عهود

إذا رمت إخفاء الدموع ففي الجوى *** مع الدمع مني سائق وشهيد

أيصبح ثغري بعد يومك باسماً *** وينكت ثغر الفخر منك يزيد

وتؤنسني تربي وأنت بمهمه *** أنيسك عسلان الفلاة وسيد

فلا در بعد السبط در غمامة *** ولا لنبات الأرض شب وليد (1)

ص: 279


1- 1 - لواعج الأشجان للسيد الأمين

السيد سليمان داود الحلي

السيد سليمان بن داود بن سليمان بن داوود بن حيدر حيدر بن أحمد بن محمود الحسيني الحلي والد السيد حيدر الحلي الشاعر المشهور ولد سنة 1222 توفي سنة 1247 بالحلة ودفن بالنجف الأشرف.

كان أديباً شاعراً شريف النفس عالي الهمة وقورا له إلمام ببعض العلوم وله أرجوزة في النحو. وله شعر في الحسين علیه السلام (1) نظم الشعر وهو ابن اثنتي عشرة سنة (2).

في البابليات : أبو حيدر سليمان بن داود بن سليمان بن داود الحسيني ذكرنا جماعة من أسرته فيما مضى وسنذكر الباقين فيما يأتي ممن نظم في الحسين (عليه السلام) كان يلقب بالصغير وجده يلقب بسليمان الكبير دفعا لما يوشك أن يقع من الإيهام والإلتباس عند ذكرهما وكان مولده 1222 ه- وابتدأ يقول الشعر وهو ابن 12 سنة كما في مجموعة الشيخ محمد بن نظر علي وهو من مجاوري السيد ومعاصريه ،

ص: 280


1- أقول وفي ج 35 من أعيان الشيعة ص 314 ترجمة لجد المترجم له. أي للسيد سليمان ابن داوود بن حيدر المتوفى سنة 1211 بالحلة.
2- توفى بالوباء الذي هم العراق وفتك بالناس فتكا عظيما وذلك سنة 1247 ه- وقد جاء تاريخ الوباء ( مرغز ) وكذلك لما عاد أرخوه مرغزان 1298.وفي المرة الثالثة أرخوه ( عاد ) مرغز 1322.

أعقب أبوه داود بن سليمان الكبير ثلائة أنجال محمد وسليمان هذا والمهدي ، توفي الأولان في أسبوع واحد في الوباء الذي فتك بالعراق وعم أكثر مدنه وقراه سنة 1247 ه- فاستقل أخوهما السيد مهدي بزعامة الأسرة من بعدهما ورثاهما معاً بقصيدة مؤثرة مثبتة في ديوانه المخطوط منها :

بان الرقاد عن المحاجر *** والقلب بالأحزان ساعر

مالي وللدهر الخؤون *** علي بالحدثان جائر

فلقد طوى من مقلتي *** ضياهما بثرى المقابر

بأبي سحاب المكرمات *** وبدر خضراء المفاخر

شمس لعمري قد تورارت *** بالحجاب عن النواظر

وخضم علم قد طغى *** لججاً فأضحى وهو غائر

يا كوكبا بسما المعالي *** قد أفلت وأنت زاهر

إن غبت في كثب القبور *** ففي الفؤاد أراك حاضر

أعزز عليّ بأن أرى *** مغناكم عاف وداثر

أتذوق عيناي الكرى *** وشقيق روحي في المقابر

إنسان عين ذوي العلاء *** وشبل آساد خوادر

هذا سليمان الذي *** فاق الأوائل والأواخر

لا زال فوق ضريحه *** شؤبوب عفو اللّه ماطر

كان سليمان على صغر سنه كبير الأسرة وعميدها المبجل ونابغة البلد في الفضل والأدب واسع الاطلاع طويل الباع وكانت دراسته على والده داود بن سليمان الكبير وعمه الحسين بن سليمان ومن آثاره أرجوزة في العربية سماها

ص: 281

« نظم الجمل » في جمل الإعراب علق عليها شروحاً وجيزة مفيدة فرغ من بياضها سنة 1239 ه- وحاشية على الفلكي سماها « الدرر الجلية في إيضاح غوامض العربية » بخطه أيضاً في التأريخ المذكور رأيتهما معاً عند أحد أحفاد أخيه المهدي في الحلة ويتضح لك مما تقدم من تأريخ ولادته أنه كتبها وعمره 17 سنة وله أرجوزة في النحو ذكرها شيخنا في ال- ج 1 من الذريعة وإليه أشار ولده حيدر في كتاب أرسله إلى الاستانة لصبحي بك ( أحد ولاة بغداد ) حيث قال : وكان أبي سليمان عصره يأتيه بعرش بلقيس المعاني آصف فكره فيراه مستقراً لديه قبل ارتداد طرفه إليه ، أما شعره فإنه أرق ألفاظاً وأجزل أسلوباً من شعر أخيه السيد مهدي وقد جمع منه ديوان صغير الحجم ولكنه تلف مع ما تلف من آثار هذه الأسرة ولم يبق منه سوى ما دون في المجاميع من مراثي أهل البيت (عليهم السلام) ومن ذلك قصيدته الدالية التي يستهلها بقوله : أرى العمر في صرف الزمان يبيد

وله قصيدةأخرى منها :

أمهابط التنزيل أين ذوو الهدى *** وبأي يوم كان عنك زوالها

أين الألى شرعوا الشريعة والألى *** بهم استبان حرامها وحلالها

قوم بيومي وعدها ووعيدها *** قد صدقت أقوالها أفعالها

يوم به رهط النبي محمد *** بالمشرفية قطعت أوصالها

يوم به سفكت دماء رجالها *** وغدت بأسر الظالمين عيالها

قد أوجب اللّه العظيم ودادها *** فبأي شرع يستباح قتالها

وهي طويلة. وله من قصيدة أخرى تناهز 50 بيتا منها :

هذي الطفوف وذي رسوم عهادها *** فاملأ بفيض الدمع رحب وهادها

ص: 282

يا مهبط التنزيل أين مضى الألى *** بهم استبان الناس نهج رشادها

أين البدور الزاهرات وكيف قد *** سميت خسوفاً في ظبا أوغادها

أين البحور الزاخرات وكيف قد *** غيضت مناهلهن عن ورادها

قوم إذا حمي الوطيس رأيتهم *** يتفيأون ظلال سمر صعادها

يتسابقون إلى الطعان كأنما *** يوم الكريهة كان من أعيادها

هم أضرموا ناراً بمعضل رزئهم *** في القلب لا يطفى لظى إيقادها

وهم الآلى تركوا النواظر بعدهم *** عبرى جفت جزعاً لذيذ رقادها

اللّه اكبر يا لها من وقعة *** أخلت بلاد اللّه من أوتادها

عجباً غدا لحم النبي ضريبة *** لظبا بوارقها وسمر صعادها

من ذا يعزي المصطفى في نسله *** والبضعة الزهراء في أولادها

تلك الجسوم تغسلت بدمائها *** وتكفنت بالترب فوق وهادها

ليت المنابر هدمت من بعدهم *** من ذا الذي يرقى على أعوادها

وله يرثي عمه الحسين بن سليمان الملقب بالحكيم المتوفى ثاني عيد الأضحى من سنة 1236 ه- فيكون عمر المترجم يومئذ « 14 » سنة

أي القلوب عليك لا يتصدع *** أي النفوس عليك لا تتقطع

اللّه اكبر يا له من فادح *** قلل الجبال لهوله تتزعزع

يا حادثا لما دهانا كادت *** الأرواح من أجسادها تستنزع

والأرض كادت أن تمور بأهلها *** لو لم يكن فيها لقبرك موضع

يا ليتها الأعياد بعدك لم تعد *** أبداً ولا لطلوعها نتوقع

فالناس إن شرعت بآلة عيدها *** طرباً ففيه بالمآتم نشرع

والحزن لم تقلع سحائب غمه *** عنا ولو هبت عليها زعزع

ص: 283

أن النجوم قضى مبين حكمها *** يا ليتها من بعده لا تطلع

والطب أمسى لا يرى لسقامه *** طباً به عنه يزاح ويدفع

والشعر لم يشعر بعظم مصابه *** ينعى عليه وبالرثاء يرجع

ما كنت أحسب أن آساد الشرى *** بعد العرينة في المقابر تضجع

يا بدرنا ما كنت أحسب أن أرى *** يغشاك من ترب الصفايح برقع

ما خلت أن الحادثات تروع من *** رعباً بسطوته الحوادث تفزع

وله من قصيدة حسينية :

بوجودنا يتزين الدهر *** وبفخرنا يتنافس الفخر

ولنا هضاب علا قد انخفضت *** عن شاؤها العيوق والنسر

ولنا على كل الورى نسب *** سام فمن زيد ومن عمرو

آباؤنا شرعوا الهدى فلذا *** عن مدحهم قد أعرب الذكر

نزل الكتاب بفرض طاعتهم *** أمراً ولكن خولف الأمر

وله أخرى مطلعها :

مهابط وحي اللّه شعث طلولها *** على فتية فيهم يعز نزيلها

وله مستنجداً بالإمام المهدي (عليه السلام) :

زعم الزمان علي *** أبواب الشدائد منه ترتج

كذب الزمان بزعمه *** من غمه لم ألق مخرج

فا لقائم المهدي عني *** كل ضيق فيه يفرج

يا بن النبي ومن به *** صبح الهداية قد تبلج

فلأنت تعلم أنني *** لك من جميع الناس أحوج

ص: 284

ولدي ما باتت ضلوعي *** منه فوق الجمر تشرج

وتناهبت قلبي ضباه *** فعاد في دمه مضرج

وعلي إن تعطف فكيف *** الكرب عني لا يفرج

وله :

لم أبك دارسة الربوع *** إذ صوحت بعد الربيع

كلا ولا هاج الصبابة *** وامض البرق اللموع

ما الجزع أضرم لوعتي *** فغدوت ذا قلب جزوع

ما للغضى باتت على *** جمر الغضا تطوي ضلوعي

لكن لرزء بني النبوة *** جل من رزء شنيع

يا كربلا حيتك قبل *** الغيث غادية الدموع

كم فيك بدر لم يعد *** بعد الغروب إلى الطلوع

ورفيع مجد رأسه *** من فوق مياد رفيع

وسهام غل غودرت *** تروى من الطفل الرضيع

ولقد تروع فيك من *** هو لم يزل أمن المروع

سبط النبي ابن الوصي *** وحجة اللّه السميع

خواض ملحمة الردى *** والبيض تكرع بالنجيع

وربيع أبناء الزمان *** إذا شكوا محل الربيع

كم جال كالليث المريع *** وجاد كالغيث المريع

ورد الطفوف بأسرة *** لبسوا القلوب على الدروع

كالضيغم الفتاك عباس *** أخي الشرف الرفيع

وحبيب ذي العزم المهاب *** ومسلم وابن المطيع

ما راعهم داعي الردى *** والجيش مزدحم الجموع

وردوا الطفوف فغودروا *** ما بين عان أو صريع

غاضت مياه العلقمي *** وفاض في لجج الدموع

ص: 285

فحشا ابن فاطمة به *** طويت على عطش وجوع

فقضى هناك ولم يجد *** نحو الشرايع من شروع

لهفي لزينب إذ غدت *** ترثيه كالورق السجوع

من للندى من للهدى *** من للتهجد والركوع

من للتجمل والتنفل *** والتبتل والخشوع

من للنساء الضائعات *** بلا محام أو منيع

وعليلك السجاد قاسى *** مؤلم الضرب الوجيع

يرعى النساء وتارة *** يرنو إلى الرأس القطيع

ص: 286

الشيخ عبد الحسين الاعسم

سقى جدثا تحنو عليك صفائحه *** غوادي الحيا مشمولة وروائحه

مررت به مستنشقاً طيبه الذي *** تضوع من فياح طيبك فائحه

أقمت عليه شاكياً بتوجعي *** تباريح حزن في الحشى لا تبارحه

بكيتكم بالطف حتى تبللت *** مصارعه من أدمعي ومطارحه

تروى ثراها من دماكم فكيف لا *** ترويه من منهل دمعي سوافحه

حقيق علينا أن ننوح بمأتم *** بنات علي والبتول نوائحه

مصاب تذيب الصخر فجعة ذكره *** فكيف بأهل البيت حلت فوادحه

واضحوا أحاديثاً لباك وشامت *** يماسي الورى تذكارها ويصابحه

مصائب عمتكم وخصت قلوبنا *** بحزن على ما نالكم لا نبارحه

تداركتم بالأنفس الدين لم يقم *** لواه بكم إلا وأنتم ذبائحه

غداة تشفى الكفر منكم بموقف *** اذلت رقاب المسلمين فضائحه

جزرتم به جزر الأضاحي وأنتم *** عطاشى ترون الماء يلمع طافحه

اقمتم ثلاثا بالعراء وأردفت *** عليكم برمضاء الهجير لوافحه

بنفسي أبي الضيم فرداً تزاحمت *** جموع أعاديه عليه تكافحه

تمنع عزا ان يصافح ضارعا *** يزيد ولو أن السيوف تصافحه

فجاهدهم في اللّه حتى تضايقت *** بقتلاهم هضب الفلا وصحاصحه

يصول ويروي سيفه من دمائهم *** ولم ترو من حر الظماء جوانحه

ص: 287

إلى ان هوى روحي فداه على الثرى *** لقى مثخنات بالجراح جوارحه

ولما أتى فسطاطه المهر ناعياً *** له استقبلته بالعويل صوائحه

وجئن له بين العدى ينتدبنه *** بدمع جرى من ذائب القلب سافحه

ويعذلن شمرا وهو يفري بسيفه *** وريديه لو أصغى إى من يناصحه

عزيز على الكرار أن ينظر ابنه *** ذبيحاً وشمر ابن الضبابي ذابحه

وعترته بالطف صرعى تزورهم *** وحوش الفلاحتي احتوتهم ضرائحه

أيهدى إلى الشامات رأس ابن فاطم *** ويقرعه بالخيزرانة كاشحه

وتسبى كريمات النبي حواسرا *** تغادي الجوى من ثكلها وتراوحه

يلوح لها رأس الحسين على القنا *** فتبكي وينهاها عن الصبر لائحه

وشيبته مخضوبة بدمائه *** يلاعبها غادي النسيم ورائحه

فياوقعة لم يوقع الدهر مثلها *** وفادحة تنسى لديها فوادحه

متى ذكرت أذكت حشى كل مؤمن *** بزند جوى أوراه للحشر قادحه

نواسيكم فيها بتشييد مأتم *** يرن إلى يوم القيمة نائحه

عليكم صلاة اللّه ما دام فضلكم *** على الناس أجلى من ضيا الشمس واضحه

ص: 288

الشيخ عبدالحسين الأعسم ابن الشيخ محمد علي بن الحسين بن محمد الأعسم الزبيدي النجفي

ولد في حدود سنة 1177 وتوفي سنة 1247 ه- بالطاعون العام في النجف الأشرف عن عمر يناهز السبعين ، ودفن مع أبيه في مقبرة آل الأعسم.

كان عالماً فقيهاً ، محققاً مدققاً ، مؤلفاً أديباً شاعراً. معاصراً للشيخ محمد رضا وأبيه الشيخ أحمد النحويين وآل الفحام ، وله مراث في سيدالشهداء أبي عبداللّه الحسين علیه السلام مشهورة متداولة ، ومنها قصائده التي على ترتيب حروف المعجم ذكره صاحب الحصون ج 9 ص 321 وأطراه ثم كرر الثناء عليه وجاء بنماذج من شعره في مختلف المقاصد ، وذكره الشيخ عبدالحسين الحلي في مقدمته لشرح منظومة والدة في الإرث ، المطبوع بالنجف سنة 1349 ه- وقال : رأيت له من الآثار العلمية الخالدة عند بعض آل الأعسم كتاب ( ذرايع الافهام في شرح شرايع الإسلام ) في ثلاثة أجزاء تدل على سعة إحاطته ودقة نظره ، وهذا الشرح الوجيز لتلك الأراجيز شاهد صدق على ذلك لمن أعطاه حق النظر وذكره صاحب ( الطليعة ) فقال كان فاضلاً كأبيه وأمتن شعراً منه ، له في الحسين ( روضة ) تشتمل على الحروف مشهورة وشرح ارجوزة لأبيه في المواريث ومدائح ومراث كثيرة.

قال ينتدب الحجة المهدي ويرثي الحسين (عليه السلام) :

نرى يدك ابتلت بقائمة العضب *** فحتام حتام انتظارك بالضرب

اطلت النوى فاستأمنت مكرك العدى *** وطالت علينا فيك السنة النصب

ص: 289

إلام لنا في كل يوم شكاية *** تعج بها الاصوات بحاً من الندب

هلم فقد ضاقت بنا سعة الفضا *** من الضيم والأعداء آمنة السرب

ونيت وعهدي أن عزمك لايني *** ولكنما قد يربض الليث للوثب

أحاشيك من غض الجفون على القذى *** وأن تملأ العينين نوماً على الغلب

متى ينجلي ليل النوى عن صبيحة *** نرى الشمس فيها طالعتنا من الغرب

فديناك أدركنا فإن قلوبنا *** تلظى إلى سلسال منهلك العذب

قد العزم واستنفذ تراتك من عدى *** تباغت عليكم بالتمادي على الغصب

خلافة حق خصكم بسريرها *** نبي الهدى عن جبرئيل عن الرب

أديلت أليكم قائماً بعد قائم *** وندبا له تلقى المقاليد عن ندب

وما أمرت أفلاكها باستدارة *** على الأفق إلا درن منكم على قطب

متى تشتفى منك القلوب بسطوة *** تدير على أعداك أرحية الحرب

واظمت على الماء الحسين وأوردت *** دماء وريديه سيوف بني حرب

غداة تشفى الكفر منكم بموقف *** جزرتم به جزر الأضاحي على الكثب

وغصت إلى قرب النواويس كربلا *** بأشلاء قتلاكم موسدة الترب

بأية عين ينظرون محمدا *** وقدقتلوا صبراً بنيه بلا ذنب

وجاءوا بها شوهاء خرقاء اركسوا *** بها سبة شنعاء ملء الفضا الرحب

شقوا وسعدتم وابتلوا واسترحتم *** وخابت مساعيهم وفزتم لدى الرب

ص: 290

عمى لعيون الشامتين بعظم ما *** تجرعتموه من بلاء ومن كرب

ألا في سبيل اللّه سفك دمائكم *** جهاراً باسياف الضغائن والنصب

ألا في سبيل اللّه سلب نسائكم *** مقانعها بعد التخدر والحجب

ألا في سبيل اللّه حمل رؤوسكم *** إلى الشام فوق السمر كالأنجم الشهب

ألا في سبيل اللّه رض خيولهم *** جسومكم الجرحى من الطعن والضرب

فيا لرزاياكم فرين مرارتي *** بجوفي وصيرن البكا والجوى دأبي

وفت لكم عيني بأدمعها فإن *** ونت لم يخنكم في كآبته قلبي

أأنسى هجوم الخيل ضابحة على *** خيام نساكم بالعواسل والقضب

عشية حنت جزعا خفراتكم *** بأوجهها ندبا لحامي الحمى الندب

صرخن بلا لب وما زال صوتها *** يغض ولكن صحن من دهشة اللب

فأبرزن من حجب الخدور تود لو *** قضت نحبها قبل الخروج من الحجب

وسيقت سبايا فوق أحلاس هزل *** إلى الشام تطوي البيد سهبا على سهب

يسار بها عنفا بلا رفق محرم *** بها غير مغلول يحن على صعب

ويحضرها الطاغي بناديه شامتا *** بما نال أهل البيت من فادح الخطب

ويوضع رأس السبط بين يديه كي *** تدار عليه الراح في مجلس الشرب

ويسمع آل اللّه شتم خطيبه *** أبا الحسن الممدوح في محكم الكتب

يصلي عليه اللّه جل وتجتري *** على سبه من خصها اللّه بالسب

وكم خلدت في السجن منكم أعزة *** إلى أن قضت نحبا بطامورة الجب

ص: 291

ولم ينس قتل السبط حتى تألبت *** لأبنائه الغر الثمانية النجب

إلى أن قضوا لاغلة أبردت لهم *** ولم يشف صدر من عناء ومن كرب

وقال :

قد أوهنت جلدي الديار الخالية *** من أهلها ما للديار وماليه

ومتى سألت الدار عن أربابها *** يعد الصدى منها سؤالي ثانيه

كانت غياثا للمنوب فأصبحت *** لجميع أنواع النوائب حاويه

ومعالم أضحت مآتم لا ترى *** فيها سوى ناع يجاوب ناعيه

ورد الحسين إلى العراق وظنهم *** تركوا النفاق إذ العراق كما هيه

ولقد دعوه للعنا فأجابهم *** ودعاهم لهدى فردوا داعيه

قست القلوب فلم تمل لهداية *** تباً لهاتيك القلوب القاسية

ما ذاق طعم فراتهم حتى قضى *** عطشاً فغسل بالدماء القانيه

يا ابن النبي المصطفى ووصيه *** وأخا الزكي ابن البتول الزاكيه

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة *** لكنما عيني لأجلك باكيه

تبتل منكم كربلا بدم ولا *** تبتل مني بالدموع الجاريه

أنست رزيتكم رزايانا التي *** سلفت وهونت الرزايا الآتيه

وفجائع الأيام تبقى مدة *** وتزول وهي إلى القيامة باقيه

لهفي لركب صرعوا في كربلا *** كانت بها آجالهم متدانيه

تعدو على الأعداء ظامية الحشى *** وسيوفهم لدم الأعادي ظاميه

نصروا ابن بنت نبيهم طوبى لهم *** نالوا بنصرته مراتب ساميه

قد جاوروه ها هنا بقبورهم *** وقصورهم يوم الجزا متحاذيه

ولقد يعز على رسول اللّه ان *** تسبى نساه إلى يزيد الطاغيه

ويرى حسيناً وهو قرة عينه *** ورجاله لم تبق منهم باقيه

وجسومهم تحت السنابك بالعرى *** ورؤوسهم فوق الرماح العاليه

ويرى ديار أمية معمورة *** وديار أهل البيت منهم خاليه

ص: 292

ويزيد يقرع ثغره بقضيبه *** مترنماً منه الشماتة باديه

ابنى أمية هل دريت بقبح ما *** دبرت ام تدرين غير مباليه

أو ما كفاك قتال أحمد سابقاً *** حتى عدوت على بنيه ثانيه

أين المفر ولا مفر لكم غدا *** فالخصم أحمد والمصير الهاويه

تاللّه انك يا يزيد قتلته *** سراً بقتلك للحسين علانيه

ترقى منابر قومت أعوادها *** بظبى أبيه لا أبيك معاويه

وإذا أتت بنت النبي لربها *** تشكو ولا تخفى عليه خافيه

رب انتقم ممن أبادوا عترتي *** وسبوا على عجف النياق بناتيه

واللّه يغضب للبتول بدون أن *** تشكو فكيف إذا أتته شاكيه

فهنالك الجبار يأمر هبهبا *** ان لاتبقي من عداها باقيه

يا ابن النبي ومن بنوه تسعة *** لا عشرة تدعى ولا بثمانيه

أنا عبدك الراجي شفاعتكم غدا *** والعبد يتبع في الرجاء مواليه

فاشفع له ولوالديه وسامعي *** انشاده فيكم واسعد قاريه

وقال :

معاذا لأرباب الحفيظة تغتدى *** صروف الرزايا فيهم تتصرف

وحاشا لعضب ارهف اللّه حده *** لاعدائه يفرى وريديه مرهف

وظلت وجوه المسلمين كواسفا *** لرزء له شمس الظهيرة تكسف

احين ترجيناك تستأصل العدى *** يفاجئنا الناعي بقتلك يهتف

وحين تهيأنا لتهنئة العلى *** بنصرك تأتينا مراثيك تعصف

حرام على أجفاننا بعد الكرى *** مدى العمر ليت العمر بعدك يحتف

بمن بعدك العليا ترنح عطفها *** وتختال في جلبابها تتغطرف

بمن بعدك الملهوف يدرك غوثه *** وتجلى عن العاني الغموم وتصرف

ومن ليتامى الناس بعدك يغتدى *** أباً راحماً يحنو عليهم ويعطف

تجاوبت الدنيا عليك مآتماً *** نواعيك فيها للقيمة عكف

ص: 293

فلم أر رزء مثل رزئك فجعة *** تكاد له عوج الضلوع تثقف

مصاب له السبع السموات اسبلت *** دموع دم والجن بالنوح تهتف

وهل كيف لا يشجي السموات رزء من *** بخدمته أملاكها تتشرف

وقطع أحشائي انقطاع كرائم *** لأحمد يستعطفن من ليس يعطف

وجفت من العين الدموع فإن بكت *** فما هي إلا من دم القلب ترعف

ومخلسة من دهشة الخطب لم تطق *** نشيجاً سوى أن المدامع تذرف

برغم العلى تسبى بنات محمد *** على هزل يطوي بها البيد معنف

تلاحظ فوق السمر رأسا قلوبها *** تحوم على أكنافه وترفرف

بنفسي من استجلى له الرمح طلعة *** لبدر الدجى بالأفق أبهى وأشرف

أحامل ذاك الرأس قل لي برأس من *** تمايل هذا السمهري المثقف

ألم تعه يتلو الكتاب ونوره *** يشق ظلام الليل ، والليل مسدف

أيهدى إلى الشامات رأس ابن فاطم *** ليشفي منه ضغنه المتحيف

وتقرع منه الخيزرانة مبسماً *** له لم يزل خير الورى يترشف

وقيد له السجاد بالقيد أحدقت *** به صبية مثل الأهلة تخسف

وسيقت اليه الفاطميات فاغتدى *** يقرعها عما جرى ويعنف

فواها لأرزاء سلبن عيوننا *** كراهاً وأسراب المدامع وكف

ص: 294

محمد بن ادريس مطر الحلي

اشارة

المتوفي 1247

هي كربلا تنقضي حسراتها *** حتى تبين من النفوس حياتها

يا كربلا ما أنت إلا كربة *** عظمت على أهل الهدى كرباتها

أضرمت نار مصائب في مهجتي *** لم تطفها من مقلتي عبراتها

شمل النبوة كان جامع أهله *** فجمعت جمعاً كان فيه شتاتها

ملأ البسيطة كل جيش ضلالة *** فيه تضيق من الفضا فلواتها

يوم به للكفر أعظم صولة *** وقواعد الاسلام عز حماتها

قل النصير به لآل محمد *** فكأن أبناء الزمان عداتها

غدرت به من بايعت وتتابعت *** منها رسائلها وجد سعاتها

فحمى حمى الإسلام لما أن رآى *** عصب الضلال تظاهرت شبهاتها

في فتية شم الأنوف فوارس *** إذ أحجمت يوم النزال كماتها

ترتاح للحرب الزبون نفوسهم *** وقراع فرسان الوغى لذاتها

لهم من البيض الرقاق صوارم *** أغمادهن من العدى هاماتها

خاضوا بحار الحرب غلباً كلما *** طفحت بأمواج الردى غمراتها

ص: 295

هو الشيخ محمد بن مطر الحلي شاعر يعرف بابن مطر وعالم مرموق في عصره ورد ذكره في كثير من المجاميع المخطوطة وذكره صاحب الحصون في ج 9 ص 338 فقال : كان كاتباً أديباً وشاعراً مجيداً أكثر من النظم في الوقائع التي جرت في الحلة ونواحيها وكان أكثر شعره في الامام الحسين (عليه السلام) وأولاده الأطهار ، وقد فقد أكثر شعره على أثر الطواعين والحروب التي وقعت في النصف الأخير في القرن الثالث عشر ، رثا جماعة من الرجال منهم السيد سليمان الحلي الكبير بقصيدته الطويلة.

توفي في الحلة بالطاعون الكبير عام 1247 ه- ونقل إلى النجف فدفن فيها وذكره النقدي في كتابه ( الروض النضير ) ص 22 فقال :

محمد بن ادريس بن الحاج مطر الحلي أحد شعراء زمانه - من الموالين لأهل البيت علیهم السلام وشعره من الطبقة الوسطى ومراثيه مدرجة في المجاميع ، فمات بالطاعون الكبير ، ذكره الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة - قسم الديوان ، وقال اليعقوبي في البابليات : هو الشيخ محمد بن ادريس ابن الحاج مطر ، مولده بالحلة في أواسط القرن الثاني عشر ونشأ وتأدب فيها وهو معدود في الطبقة الوسطى من شعراء الشطر الأول من القرن الثالث عشر. فمن شعره في الرثاء.

آهاً لوقعة عاشوراء إن لها *** نيران حزن بها الأحشاء تشتعل

أيقتل السبط مظلوماً على ظمأ *** والماء للوحش منه العل والنهل

ورأس سيد خلق اللّه يقرعه *** بالخيزرانة رجس كافر رذل

والسيد العابد السجاد يجهده *** ثقل الحديد وقد أودت به العلل

وتستحث بنات المصطفى ذللا *** بالأسر تسري بهن الانيق الذلل

ص: 296

إلى الشآم سرت تهدى على عجل *** يحدو بها العيس عنفاً سائق عجل

نوادباً فقدت في السير كافلها *** وفارقت خدرها الأستار والكلل

عقائل البضعة الزهراء حاسرة *** وآل هند عليها الحلي والحلل

ديار صخر بن حرب ازهرت فرحاً *** لها سرور بقتل السبط مكتمل

ودار آل رسول اللّه موحشة *** خلو تغير منها الرسم والطلل

لهفي لزينب تدعو وهي صارخة *** والقلب منها مروع خائف وجل

ترنو كريم أخيها وهو مرتفع *** كالبدر تحمله العسالة الذبل

يا جد نال بنو الزرقاء وترهم *** يوم الطفوف ونالوا فوق ما أملوا

رزية بكت السبع الشداد لها *** والأرض زلزل منها السهل والجبل

صلى عليكم آله العرش ما ذكرت *** ارزاؤكم واسالت دمعها المقل

وله مرثية مطلعها :

يا مقلة الصب من فيض الدما جودي *** بهاطل من دم الأكباد ممدود

أثبتناها في مخطوطنا ( سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ) ج 2 ص 320 وأخرى أثبتها السيد الأمين في ( الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد ) أولها :

هذي الطفوف فقف وعينك باكية *** تجري الدما بدل الدموع الجارية

ص: 297

السيد محمد الادهمي

المتوفي 1249

قال صاحب الروض الأزهر (1) ص 12 : ورأيت له بيتين هما في الحسن كفرقدين في رثاء ريحانة سيد الكونين الإمام الشهيد الحسين وهما :

عجباً لقوم يدعون ولاءه *** عاشوا وفي الأيام عاشوراء

من لم يمت بعد الحسين تأسفاً *** عندي وأعداء الحسين سواء

انتهي

وخمسهما الخطيب الشيخ كاظم سبتي المتوفى سنة 1342.

أودى الحسين وقد أراق دماءه *** شمر فاشجى رزؤه أعداءه

فدعى الغريب وقد أطال بكاؤه *** عجباً لقوم يدعون ولاءه

عاشوا وفي الأيام عاشوراء

فاسكب دموعك لابن بنت المصطفى *** إن كنت ويحك للبتولة مسعفاً

بل مت عليه تأسفاً وتلهفاً *** من لم يمت بعد الحسين تأسفاً

عندي وأعداء الحسين سواء

ص: 298


1- مؤلفه مصطفى نور الدين الواعظ.

السيد محمد الادهمي المولود سنة 1170 والمتوفى 1249.

قال في الروض الأزهر : مولانا الجد العلامة والماجد الفهامة ، الأخذ من الفضل زمامه ، ذي النسب الذي لا يبارى فيضاهى ، والحسب الذي لا يجارى فيباهى ، السيد محمد أفندي نجل السيد جعفر الحسيني الحسنى نسباً ، والحنفي مذهباً ، والأدهمي لقباً ، والأعظمي مولداً ، والبغدادي مسكناً ووطناً ومحتداً. ينتهي نسبه إلى الحمزة ابن الإمام الكاظم علیه السلام ، ولد في أواخر القرن الثاني عشر صبيحة يوم الإثنين من شهر رجب الأصب سنة 1180.

وفي آخر عمره تولى القضاء في مدينة الحلة الفيحاء حتى مات بها شهيداً بأمر من الحاكم في الحلة. وجاءت ترجمته في ( المسك الأذفر ) تأليف محمود شكري الألوسي - الجزء الأول قال : وله نثر لطيف وشعر ظريف ، توفي في الحلة قاضياً وشهيداً.

ص: 299

عمر الهيتي

اشارة

المتوفي 1250

بأية آية يأتي يزيد *** غداة صحائف الأعمال تتلى

وقام رسول رب العرش يتلو *** وقد صمت جميع الخلق ( قل لا ) (1)

أي بماذا يعتذر يزيد بن معاوية يوم يقف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في المحشر يتلو هذه الآية : قل لا أسئلكم عليه اجراً إلا المودة في القربى.

ص: 300


1- رواهما الألوسي في تفسيره ( روح المعاني ) ج 5 ص 3 وانهما السيد عمر الهيتي وقال : ولله در السيد عمر الهيتي أحد الأقارب المعاصرين حيث يقول.

الشيخ عمر رمضان الهيتي الاصل البغدادي المسكن

جاء في المسك الأذفر :

كان في معرفة اللغة العربية لا يطاول وفي معرفة وقائع العرب لا يساجل قرأ سائر العلوم وبرع في المنقول والمفهوم ولا سيما فن الأدب ومعرفة كلام العرب لقد كان يشار اليه فيهما بالبنان ، ولا يختصم في ذلك اثنان ، وكان في الخط ابن مقلة ، وبذلك اعترف كبار زمانه وأقروا له ، وقد كتب كثيراً من الكتب الفريدة وجمع بخطه اللطيف عدة مجامع مفيدة وكان له شعر فصيح ، وقعت بينه وبين الشاعر الشهير السيد عبدالغفار منافرات ومشاجرات ، أفضت بهما إلى المهاجات ، فهجا كل منهما صاحبه وعدد عليه عيوبه ومثالبه ، وهذه شنشنة من مضى من الآباء وسبق ، كما وقع مثل ذلك بين جرير والفرزدق ، ولو لا خوف الأطناب لأثبتنا ذلك في هذا الكتاب ، ولما انتقل المترجم إلى رحمة اللّه أسف عليه السيد عبدالغفار غاية الأسف ورثاه بهذه القصيدة

رمينا بأدهى المعضلات النوائب *** وفقد الذي نرجو أجل المصائب

إلى أن قال :

فمن لفؤاد راعه فقد إلفه *** فاصبح من أشجانه نهب ناهب

وجفن يهل الدمع من عبراته *** على طيب الأعراق وابن الاطايب

على عمر الرمضان ذي الفضل والنهى *** أحاطت بي الأحزان من كل جانب

ص: 301

أذابت عليه يوم مات حشاشتي *** وأمسيت في قلب من الحزن ذائب

بكيت وما يجدي الحزين بكاؤه *** وضاقت علي الأرض ذات المناكب

فتى كان فينا حاضراً كل نكبة *** فغاب ولكن ذكره غير غائب

وقد كان مثل الشهد يحلو وتارة *** لكالصل نفاثاً سموم العقارب

وكم أخبر التجريب عن كنه حاله *** ويظهر كنه المرء عند التجارب

لسان كحد السيف ماض غراره *** وأمضى كلاحاً من شفار القواضب

وكم صاغ من تبر القريض جمانة *** وأفرغ معناه بأحسن قالب

وزانت قوافيه من الفضل أفقه *** فكانت كأمثال النجوم الثواقب

وادرك فضل الأولين بما اتى *** فقصر عن إدراكه كل طالب

معان بنظم الشعر كان يرومها *** أدق إذا فكرت من خصر كاعب

فتى كان يصميني الردى في حياته *** ولما توفي كان أدهى مصائبي

فتى ظلت أبكي منه حياً وميتاً *** أصبت على الحالين منه بصائب

رعيت له من صحبة كل واجب *** ولو كان حياً ما رعى بعض واجبي

سقى اللّه قبراً ضمه مزنة الحيا *** وبلغ في الجنات أعلى المراتب

ولا زال ذاك القبر ما ذر شارق *** تجود عليه ذاريات السحائب

توفي رحمه اللّه تعالى في نيف وخمسين بعد المائتين والألف.

وجاء في سمير الحاظر وأنيس المسافر للشيخ علي كاشف الغطاء ص 310 قال :

مما كتبه المرحوم عمي الشيخ حسن إلى السيد عمر رمضان ولم تقف على أبيات نفس الأسم وهي على سبيل المداعبة.

سلام من محب ليس يسلو *** هواك وان تقادمت الليالي

ص: 302

يحن الى لقاك حنين صادِ *** قضى ظمأ الى الماء الزلال

دعاه منه داعي الشوق لما *** نوى ضعنا وهم على ارتحال

فكتب السيد عمر في جوابه

شبيه أبيه في عمل وعلم *** ويا من لم يزل حسن الفعال

يعز علي والرحمن أني *** أرى منك الديار غدت خوالي

خلت منك الديار وان قلبي *** وحقك من ودادك غير خالي

سألبس بعد بعدك ثوب حزن *** جديد ليس تبليه الليالي

نعم أو أن تهيء لي خيالا *** لطيفك لست أقنع بالخيال

ص: 303

علي بن حبيب التاروتي

احبس ركابك ساعة يا حادي *** ذي كربلا فانشق عبير الوادي

لله أشكو زفرة لم يطفها *** دمع بصوب كمستهل غوادي

ما لي أراك ودمع عينك جامد *** أو ما سمعت بمحنة السجاد

قلبوه عن نطع مسجى فوقه *** فبكت له أملاك سبع شداد

وفي آخرها

ابلغ علوج أمية وسمية *** أهل الفساد وعصبة الالحاد

وقل اعملوا ما شئتم وأردتم *** إن الإله لكم لبا لمرصاد

جاء في أنوار البدرين : هو الشيخ علي بن محمد بن حبيب التاروتي القطيفي كان من شعرائها المجيدين والفصحاء المادحين الراثين وهو أيضاً من العلماء الفاضلين إلا أني لم اطلع على حقيقة أحواله ، وذكر له الشيخ يوسف البحراني في ( الكشكول ) قصيدة مطولة عدد فيها مواقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، وترجم له العلامة المعاصر الشيخ علي المرهون في كتابه ( شعراء القطيف ) وقال : توفي سنة 1250 أقول ولا بد أن تكون وفاته قبل هذا التاريخ لأنه قال في ترجمته ما نصه : ذكره الشيخ يوسف البحراني في كشكوله فاطرة ، وإذا علمنا أن الشيخ يوسف كانت وفاته 1186 أي قبل المترجم ب- 64 سنة ثبت لنا كونه حياً قبل هذا التاريخ.

ص: 304

الشيخ صادق العاملي

المتوفي 1250

عرج على شاطي الفرات ميمماً *** قبر الأغر أبي الميامين الغرر

قبر ثوى فيه الحسين وحوله *** أصحابه كالشهب حفت بالقمر

مولى دعوه للهوان فهاجه *** والليث ان أحرجته يوماً زأر

فانساب يختطف الكماة ببارق *** كالبرق يخطف بالقلوب وبالبصر

صلى الإله على ثراك ولم يزل *** روض حللت حماه مطلول الزهر

لم نعثر له على ترجمة وافية سوى أنه توفي بقرية الطيبة من جنوب لبنان وانه عالم فاضل ، أديب شاعر ومعروف بالشيخ صادق بن ابراهيم بن يحيى العاملي

ص: 305

حبيب بن طالب البغدادي

خل النسيب فلست بالمرتاد *** لهو الحديث بزينب وسعاد

مالي وكاعبة تكلفني الهوى *** شتان بين مرادها ومرادي

واذكر مصاب الطف فهي رزية *** فصم الضلال بها عرى الارشاد

يوم أصاب الشرك فيه حشى الهدى *** بمسدد الأضغان والأحقاد

يوم غدا فيه على رغم العلا *** رأس الحسين هدية ابن زياد

اللّه اكبر ياليوم في الورى *** لبست به الأيام ثوب حداد

يوم به عجت بنات محمد *** من مبلغ عنا النبي الهادي

أما الحسين ففي الوهاد وإننا *** في الإسر والسجاد في الأصفاد

أهون بكل رزية إلا التي *** صدعت بعاشوراء كل فؤاد

لك في جوانحنا زعازع لم تزل *** منها تصب من الجفون غوادي

مولاي يا من حبه وولاؤه *** حرزي ومدخري ليوم معادى

أينال مني ما علمت شفاءه *** ويريد لي سوءاً وأنت عمادي

وعليكم صلى المهيمن ما سرت *** نيب الفلا وحدا بهن الحادي

ص: 306

حبيب بن طالب البغدادي

الشيخ حبيب ابن الشيخ طالب بن علي بن احمد بن جواد البغدادي الكاظمي مسكنا الشيبي المكي أصلا نزيل جبل عاملة كان حياً سنة 1249 شاعر مجيد متفنن خفيف الروح يجمع شعره الرقة والانسجام وأنواع الطرائف. أصله من الكاظمية سكن جبل عاملة ثم عاد إلى الكاظمية وتوفى هناك له شعر كثير ومن شعره قصائد في مدح أهل البيت علیهم السلام .

قال الشيخ الطهران في طبقات أعلام الشيعة : هاجر إلى جبل عامل فسكنها وصحب أمراء البلاد ومدحهم بقصائد جيدة ثم عاد إلى العراق في سنة 1243 من ( تبنين ) فنظم أرجوزة طويلة ضمنها ما لاقاه في طريقه وجعلها بمثابة الرحلة أرخ فيها ابتداء سفرته من دمشق وسامراء والكاظميين وكربلاء والنجف وغيرها. رأيناها ضمن مجموعة شعرية. فوفاة المترجم بعد التاريخ ورأيت من شعره ما يدل على حنينه إلى بلده كقوله في آخر قصيدة :

وطني يعز علي إلا أنه *** ألف السهام البعد من جور القسي

إن جئتم دار السلام فبلغوا *** عني السلام أولى المحل الأقدس

واشرح لهم متن الصحيفة قائلا *** إني حملت صحيفة المتلمس

ص: 307

وقال في أهل البيت علیهم السلام : (1)

بني النبي لكم في القلب منزلة *** بها لغير ولا كم قط ما جنحا

يلومني الناس في تركي مديحكم *** وكم زجرت بكم من لامني ولحا

عذراً بني المصطفى إن عنكم جمحت *** قريحتي وهي مثل الزند مقتدحا

فلا أرى الوهم والأفهام مدركة *** ما عنون الذكر من أسراركم مدحا

سبقتم الناس في علم ومعرفة *** والأمر تم بكم ختماً ومفتتحا

وأنتم كلمات اللّه إذ رفعت *** وآدم مذ تلقى عهدها نجحا

بها عني الذكر في لو كان ما نفدت *** فكيف تنفذها أبيات من مدحا

وعندكم علم ما في اللوح مرتسخ *** وما جرى قلم الباري به ومحا

لكنما الناس في عشواء خابطة *** ليلاً وآثاركم في المعجزات ضحى

إن شاهدوا الحق فيما لا تحيط به *** عقولهم جعلوا للحق منتزحا

تجارة اللّه لم تبذل نفائسها *** إلا لمن كان عن غش الهوى نزحا

وربما خاضت الألباب إذ شعرت *** ومضاً من النور دون السترقد لمحا

شاموا ظواهر آيات لها وقفت *** ألبابهم غير أن الوهم قد شرحا

وهم على خوض ما ألفوه من أثر *** كمثل أعمش من بعد رأى شبحا

فليس يدري لتشعيب الظنون به *** أسانحاً ما رأى أم بارحاً سرحا

وكلما شيم من آثار معجزة *** فإنها رشح ما عن فيضكم طفحا

فالحجب عن سعة الآثار ما بخلت *** والحكم في صفة الأسرار ما سمحا

أدنى المديح لكم أن قيل خادمكم *** جبريل والملأ الأعلى بكم صلحا

نجا بأسمائكم نوح فقيل لكم *** سفن النجاة وأمر اللّه ما برحا

ورب مدح لقوم عنكم جنحوا *** أنشدته حيث عذري كان متضحا

نأتي من الوصف ما لا يدر كون له *** معنى ولا شربوا من كاسه قدحا

ولو أتيناهم في حق وصفهم *** لأوهم الناس أن الروم قد فتحا

فأين هم عن مدى القوم الذين لهم *** صنع المهيمن ممن خف أو رجحا

ص: 308


1- 1 - عن أعيان الشيعة

وقال لما زار بسامراء مرقد الإمامين العسكريين سلام اللّه عليهما :

لله تريك سامراء فاح به *** ريح النبوة إشماما وتعبيقا

هنئت يا طرف فيما متعتك به *** يد المواهب تأييداً وتوفيقا

لم يطرق العقل باباً من سرائرهم *** إلا وكان عن الأفهام مغلوقا

وفي المعاجز والآثار تبصرة *** لرائم غرر الإيضاح تحقيقا

هذا الكتاب فسله عنهم فبه *** صراحة المدح مفهوماً ومنطوقا

أبصر بعينيك واسمع واعتبر وزن *** المعقول واختبر المنقول توثيقا

وجل بطرفك أيماناً وميسرة *** وطف بسعيك تغريباً وتشريقا

فهل ترى العروة الوثقى بغيرهم *** حيث الولاء إذا بالغت تدقيقا

وهل ترى نار موسى غير نورهم *** وهل ترى نعتهم في اللوح مسبوقا

وهل ترى صفوة الآيات معلنة *** لغيرهم ما يؤود الفكر تشقيقا

قوم إذا مدحوا في كل مكرمة *** قال الكتاب نعم أو زاد تصديقا

أضحى الثناء لهم كالشمس رأد ضحى *** وبات في غيرهم كذباً وتلفيقاً

إني وإن قل عن أوصافهم خطري *** وهل ترى زمناً ينتاش عيوقا

تعساً لقوم تعامت عن سنا شهب *** إيضاحها طبق الأكوان تطبيقا

إن الإمامة والتوحيد في قرن *** فكيف يؤمن من يختار تفريقا

يا من إليهم حملت الشوق ممتطيا *** أقتاب دجلة لا خيلا ولا نوقا

الماء يحملني والنار أحملها *** من لاعج الوجد تبريحاً وتشويقا

أنتم رجائي وشوقي كل آونة *** وأنتم فرجي مهما أجد ضيقا

في يوم لا والد يغني ولا ولد *** ولا يفرج وفر المال تضييقا

ص: 309

الشيخ حسن التاروتي

اشارة

المتوفي سنة 1250

اللراعبية بالأجرع *** صبابة وجد فلم تهجع

أم استوجدت وأتت مورداً *** تمضمض منه ولم تكرع

أجارتنا ليس دعوى الأسى *** بأن تخضبي الكف أو تسجعي

إلي حمامة جرع الحمى *** فليس الشجي كمن يدعى

فأما استطعت حنيناً له *** يلف الحنايا والإدعى

ودمع إذا فار تنوره *** دماً لم أقل يا جفوني أقلعي

عذيري من فادح كلما *** صغى مسمعي شب في أضلعي

وقائلة وزعيم الأسى *** يسدد عن قولها مسمعي

أتعنف عينيك في أربع *** فقلت وعن عنفي أربعي

سلي أن جهلت ولما تعي *** بأن ابن فاطمة قد نعي

غداة رأى الدين في خامل *** يجر قناه ولم يرفع

وداع دعاه ائتنا للهدى *** ولم يك هيابة إذ دعي

ومن حوله تبع إن دعا *** فما حمير من دعا تبع

ص: 310

كان النجوم بهم تهتدي *** إذا حلها البدر في مطلع

فحل بوادي الندى لم يجد *** أخا ثقة فيه لم يخدع

فما اسطاع من بينهم مرجعاً *** وما كان في الأمر بالمرجع

فقالوا أطعنا يزيداً فكن *** له طائعاً وامض في مهيع

فقال أطعتم ولما أطع *** له وسمعتم ولم أسمع

أبى اللّه يخضع جيدي له *** وسيفي بكفي وجدي معي

فبات وباتوا ومن بينهم *** مواعدة القرع بالأقرع

فوطا قلوب ذويه على *** لقا أروع في تقى أورع

فمذ دعت الحرب أقرانها *** وقارنت العضب بالأخدع

رأيت أولئك من دارع *** يؤم الهياج ومن أدرع

دعوا للرماح الا فاشرعي *** وبيض الصفاح ألا فاقطعي

يا خيلنا قد أعدت الدجى *** فغيبي به تارة واطلعي

فوفى الذمام وأعلى الوفا *** نفوس أسيلت على اللمع

وظل فتى لم تهله الألوف *** ولا بالفروقة في المجمع

يرد الكماة كذي لبدة *** أغار بسائمه رتع

فليت وما ليت من عله *** ولا غالك السهم بالمنقع

ولا شمر الشمر من جهله *** لذبحك عن ساعد أكوع

ولا كرت الخيل إصدارها *** بمقدس صدرك والأضلع

وياليت فارع رمح بدا *** ينؤ برأسك لم يرفع

فقل للسماء وداراتها *** وقد وقع القطب منها قعي

وللشهب إن فاخرتك التلاع *** فردي النقاب على البرقع

إذا كان نورك من نور من *** تلألأ فيها فلا تلمع

متى أشرق البدر في تلعة *** وقد كان في الفلك الأرفع

وصارخة إن أراد الحيا *** لها الخفض قال أساها أرفع

أتت نحوه وبأحشائها *** جوى يوقد النار بالمدمع

ص: 311

تقول أخي يا حمي الثغور *** غريب بعفرك والأربع

أراك جديلا ويوم الجلاد *** بغير قراعك لم يقنع

تغيم فتمطر هام الكماة *** وترعد في بارق اللمع

أبيح حماك فلا تمتطي *** وبح المنادي فلم تسمع

علام ترشفت من شفرة *** مذاقة كاس طلا مترع

لعلك حين هجرت الديار *** وآنست فدفدة البلقع

وكلت بأهليك قلب العطوف *** واسكنتهم بحمى الأمنع

فخل السرى يا ركاب الوفود *** فخبر من السير أن ترجع

فما في القرى لك من مطعم *** وما في الثرى لك من مطمع

كان لم يشرع باب الندى *** بهن أو الدين لم يشرع

* * *

فيا راكباً ظهر مجدولة *** شأت أربع الريح في أربع

تجافى الأباطح حزم الحزوم *** وجرعها حزم الأجرع

إذا لمعت نار طور الغري *** فأنت بوادي طوى فاخلع

وصل وسلم وصل واستلم *** لقدس أبي الحسن الأنزع

وناد وقل يا زعيم الصفوف *** ويا قطب دائرة الأجمع

قعدت وفي الطف أم الخطوب *** تقعقع في ضنك الموقع

جثت فجثا بازاها بنوك *** على ركب قط لم ترفع

فلما تضايق مد السيوف *** كمشتبك الأصبع الأصبع

أبيدوا فغصت بهم بقعة *** بها غص منهم فم الأبقع

أثر نقعها فحسين قصي *** لها رغبة العين والمسمع

فقم فانتظارك ممدودة *** وغلة أحشاه لم تقنع

وقد وترته أكف الترات *** فأغرقت الرمي بالمنزع

إذا قعد الشمر في صدره *** فما لقعودك من موضع

إلام وأهلوك في مهلك *** وشمل بناتك لم يجمع

ص: 312

أقام القطيع على رأسها *** مقام الملائة والملفع

واقمار أوجههن الذراع *** منازلها عوض البرقع

إذا ما اشتكين الظما والطوى *** وعز الغياث على المفزع

تنوح الجياع على الساغبات *** وتبكي السواغب للجوع

كشكوى الفصال من المرضعات *** ونوح الفصيل على الرضع

ألا وأباها واين الغيور *** يراهن في السبي كالزيلع

ينازع أجيادها ما جمعن *** وجامعة الأسر لم تنزع

تأن من الاين والاغتراب *** ينوء بها غارب الأضلع

ص: 313

الشيخ حسن التاروتي

الشيخ حسن التاروتي من نوابغ الشعراء ، اشتهر بجودة الشعر ، وهو حسن ابن محمد بن مرهون التاروتي ، جزل اللفظ جيد السبك ، ولعلك تعجب إذا علمت بأنه كان يصيد السمك ويمتهن ذلك ويقوت من الزراعة والسقاية ويتحدث الناس عنه بأنه كان مضيافاً سخي النفس كما كان جميل الوجه حسن الصورة توفى في أواسط القرن الثالث عشر.

فمن شعره في الرثاء :

لمن الشموس الطالعات على قبا *** كالشهب إلا أنها فوق الربى

تصبو لها ألبابنا فكأنها *** هي معصرات الصفو من عصر الصبا

من لي وقلبي ضاع يوم سويقة *** ما بين أفراس الهوادج والخبا

من مبلغ عني الشباب بأنني *** من بعده ما عدت إلا شيبا

ضيعت فيه فما بصحف صحيفتي *** للحافظين علي إلا مذنبا

أضنتني الأعباء إلا أنني *** متمسك بولاء أصحاب العبا

قوم جعلت ولائهم ومديحهم *** هذاك معتصماً وهذا مكسبا

أنوار قدس حيث لا فلك يدور *** ولا صبح يعاقب غيهبا

ومهللين مكبرين وآدم *** من مائه والطين لن يتركبا

نزل الكتاب عليهم فقضوا به *** وأبان فضلهم العظيم وأعربا

سلوا له سيفاً وقادوا مقنباً *** فعلوا بما فعلوا ونافوا مقنبا

ص: 314

حازوا العلى فاقوا الملا شرعوا الهدى *** بلو الصدى نصبو الحبا لزموا الإبا

ما للثناء عليهم وبمدحهم *** طه تنوه والمثاني والنبا

سل عنهم الأعراف والأحقاف *** والأنفال واسأل هل أتى واسأل سبا

يغنيك قول اللّه عن ذي مقول *** ومديحه عمن أطال وأطنبا

هذا هو الشرف الذي أسرى لهم *** من عبد شمس كل عضو كوكبا

حسدوهم نيل المعالي إذ غدوا *** أعلى الورى نسباً وأعلى منصبا

ما ذنب أحمد إذ أتى بشريعة *** هلا أتوا أصفى للشرايع مشربا

ورضوا بما قد قال في خم وقد *** نصب الحدائج ثم قام ليخطبا

فدعا علياً قائلاً من كنت *** مولاه فذا مولاه طوعاً أو إبا

ما زال حتى بان من أبطيهما *** بلج أراه الجاحد المتريبا

ولووا ببيعته على أعناقهم *** حبلاً بآفة نقضهم لن يقظبا

واللّه لو أوفوا بها لتدفقت *** بركاتها غيثا عليهم صيبا

لو لم يحلوا عهدها حل العهاد *** بها وما اعتاضوا جهاماً خلبا

من عاذري منهم وقد حسدوا بها *** أولى البرية بالنبي وأقربا

الحاكم العدل الرضي المرتضى *** العالما لعلم الوصي المجتبى

أسماهم مجداً وأزكى محتداً *** وأعفهم أماً وأكرمهم أبا

وأبرهم كفا وأنداهم يداً *** واسدهم راياً وأصدقهم نبا

وتقدموه بها ولم يتقدموا *** لما رئوا عمر بن ود ومرحبا

في يوم جدل ذا وذاك بضربة *** لا خائفاً منها ولا مترقبا

عدلت ثواب العالمين وبوئت *** جمع الضلالة خاسراً ما ثوبا

وأبيه لولا بسطة من كفه *** دخلوا بها ما أخرجوه ملببا

وتهضموه كاظما حتي قضي *** في فرضه بمهند ماضي الشبا

ودعوا إلى حرب الحسين مضلة *** الأهواء فاتبعوا السواد الأغلبا

فأتوه لم يرض الهوادة صاحباً *** فيهم ولا أعطى المقادة مصحبا

في قتية شرعوا الذوابل والقنا *** وتدرعوا وعلوا جياداً شزبا

ص: 315

من كل مخترق العجاج تخاله *** فيما أثار من العجاجة كوكبا

ليث قد اتخذ القنا غيلاً كما *** كانت له بيض الصوارم مخلبا

ورئوا طوال السمر حين تبوئت *** عطفا فظنوها الحسان إلا كعبا

عشقوا القصار البيض لما شاهدوا *** بدم الفوارس خدهن مخضبا

حفظوا ذمام محمد إذ لم يروا *** عن آله يوم الحفيظة مذهبا

بأبي بأفلاك الطفوف أهله *** كانت لها تلع البسيطة مغربا

وبقى الحسين الطهر في جيش العدا *** كالبدر في جنح اظلام تحجبا

يسطو بعضب كالشهاب فتنثني *** من باسه كالضان وافت أشهبا

عذراً إذا نكصوا فراراً من فتى *** قد كان حيدرة الكمي له أبا

هذاك أطعمهم ببدر ممقراً *** وبكربلا هذا أغص المشربا

يا من أباح حمى الطفوف بعزمة *** ما كان في خلد اللقا أن تغلبا

وأعاد أعطاف السيوف كسيرة *** يوم الضراب وفل منها المضربا

كيف افترشت عرى البسيطة هل ترى *** أن الحضيض علا فنال الأخشبا

أو زلزلت لما قتلت وأرسيت *** بك إذ يخاف على الورى أن يقلا

لم لا وقاك الدهر مولاك الذي *** ما فيه من سبب فمنك تسببا

هلا ترى الدنيا بأنك عينها *** لم لا وقت عنها لئلا تذهبا

ما للردى لم لا تخطاك الردى *** والخطب هلا عن علاك تنكبا

أترى درى صرف الزمان وريبه *** ما ذاك حجبه المنون وغيبا

أترى له ترة عليك وللردى *** وتراً فراقبه وذاك تطلبا

قل للمثقفة الجياد تحطمي *** وتبوئي بالكسر يا بيض الضبا

والجاريات تجر فضل لجامها *** قد آن بعد صهيلها أن تنحبا

من ذا يوم هياجها ، من ذا يثير *** عجاجها ، من ذا يقود المقنبا

لا يطلب الوفد الثرى وعلى الثرى *** مثواك قد ملأ التراب المتربا

يا محكمات البينات تشاكلي *** قد أمسك الداري الخبير عن النبا

ص: 316

قد أظلم النادي وضل عن الهدى *** سارنحى منهاجه وتشعبا

من أين للساري النجا ودليله *** في الهالكين ونجمه الهادي خبا

رزء متى استنهضت سلواني له *** والصبر ذاك أبا ، وهذا أنبا

وحصان خدر ما تعودت الأسى *** من قبل أن يلج الحصان المضربا

قامت تردد رنة لو أنها *** في القاسيات الصم كانت كالهبا

منهلة العبرات لو لا أنها *** جمر لقام بها الكلا واخصوصبا

تدعو وقد طافت بمصرع ماجد *** أبت المعالي أن تراه متربا

ص: 317

ابراهيم بن نشرة البحراني

بعد سنة 1250

هلا وفيت بأن قضيت كما وفى *** صحب ابن فاطمة بشهر محرم

قوم ترى لسيوفهم وأكفهم *** في الخصم والعافين واضح ميسم

من كل وضاح الفخار لهاشم *** يعزى علا ولآل غالب ينتمي

تخذ المواضي حلية وثباته *** ثقة له عن صارم أو لهذم

وإذا هم سمعوا الصريخ تواثبوا *** ما بين سابق مهره أو ملجم

نفر قضوا عطشاً ومن أيمانهم *** ري العطاش يجنب نهر العلقمي

أسفي على تلك الجسوم تقسمت *** بيد الظبا وغدت سهام الأسهم

قد جل بأس ابن النبي لدى الوغى *** عن أن يحيط به فم المتكلم

إذ هد ركنهم بكل مهند *** وأقام مائلهم بكل مقوم

ينحو العدى فتفر عنه كأنهم *** حمر تنافر عن زئير الضيغم

ويسل أبيض في الهياج كأنه *** صل تلوى في يمين غشمشم

قد كاد يفني جمعهم لولا الذي *** قد خط في لوح القضاء المحكم

حتى إذا ضاق الفضاء بعزمه *** ألوى به للحشر غير مذمم

سهم رمى أحشاك يابن المصطفى *** سهم كبد الهداية قد رمى

يا ثم زولي يا صفاح تثلمي *** يا فعم غوري يا رماح تحطم

يا نفس ذوبي يا جفون تقرحي *** يا عين جودي يا مدامعنا اسجم

ص: 318

لم أنس زينب وهي تدعو بينهم *** يا قوم ما في جمعكم من مسلم

إنا بنات المصطفى ووصيه *** ومخدرات بني الحطيم وزمزم

ما دار في خلدي مجاذبة العدى *** مني رداي ولا جرى بتو همي

قد أزعجوا أيتامنا قد أججوا *** بخيامنا لهب السعير المضرم

الشيخ ابراهيم بن محمد بن حسين آل نشرة الماحوزي البحراني أصلاً النجفي مسكناً ومدفناً كتب عنه في ( شعراء الغري ) فقال : ذكره حفيده الشيخ محمد علي التاجر البحراني في كتابه ( منتظم الدرين في تراجم أعيان القطيف والاحساء والبحرين ) فقال : كان عالماً فاضلاً وأديباً كاملاً وشاعراً قديراً ، ورعاً صالحاً وجل شعره في أهل البيت علیهم السلام ، ولم أعثر له على ذكر في الكتب إلا ما يوجد من شعره في بعض المجاميع الخطية المحتكرة لدى مالكيها ، وقد وقفت له على قصيدتين واحدة في الإمام أمير المؤمنين علیه السلام والثانية في سيد الشهداء أبي عبداللّه علیه السلام انتهى.

ص: 319

الشيخ حسين نجف

اشارة

المتوفى 1251

هذه كربلاء ذات الكروب *** فاسعداني على البكا والنحيب

ههنا نسكب الدموع دماء *** ونشق القلوب قبل الجيوب

ههنا مصرع الكرام من الآل *** ومثوى الشهيد مثوى الغريب

الحسين الإمام وابن علي *** والبتول الزهراء وسبط الحبيب

لهف نفسي عليه حين ينادي *** مستغيثا ولا يرى من مجيب

ظاميا يشتكي غليل أوام *** فسقوه حد القنا المذروب

بأبي من ظفرن فيه ذئاب *** ذاك وهو الهزبر ليث الحروب

بأبي من بكت عليه السماوات *** بدمع من الدما مسكوب

بأبي آله على الترب صرعى *** قد كستهم ريح الصبا والجنوب

يا لها فجعة لرزء عظيم *** أذكت النار في الحشى والقلوب

ليس يشفى غليل وجدي إلا *** عند فوزي بنصرة المحجوب

ص: 320

الشيخ حسين بن الحاج نجف

ولد سنة 1159 وكتب حفيده الحجة الشيخ محمد طه نجف رسالة مستقلة في أحواله ، جاء في كتاب دار السلام : الحبر الجليل والراسخ في علمي الحديث والتنزيل الذي لم ير لعبادته وزهده نظير ولا بديل ، المولى الصفي الوفي. وفي الطليعة : كان فاضلاً أديباً مشاركاً بالعلوم فقيهاً ناسكاً وكان من أصحاب السيد بحر العلوم ذا كرامات باهرة.

له شعر كثير وكلمة في أئمة أهل البيت علیهم السلام وليس له في غيرهم مدحاً ولا رثاءاً ، من آثاره : الدرة النجفية في الرد على الأشاعرة في الحسن والقبح العقليين وقد شرحها بعض معاصريه ونقلها تلميذه السيد صاحب ( مفتاح الكرامة ) في كتاب له في الأصول.

توفى ليلة الجمعة ثاني محرم الحرام 1251 رثته الشعراء من العلماء منهم الأديب العلامة الشيخ عبدالحسين محي الدين بقصيدة عامرة الأبيات.

ونورد للقارئ نماذج من شعر المترجم له فمن روائعه قصيدته الشهيرة في مدح الإمام أمير المؤمنين علیه السلام التي يقول في مطلعها :

أيا علة الإيجاد حار بك الفكر *** وفي فهم معنى ذاتك التبس الأمر

وقد قال قوم فيك والستر دونهم *** بأنك رب كيف لو كشف الستر

حباك إله العرش شطر صفاته *** رآك لها أهلا وهذا هو الفخر

ص: 321

وهي تزيد على 400 بيتاً. وله أخرى مطلعها :

لعلي مناقب لا تضاهى *** لا نبي ولا وصي حواها

من ترى في الورى يضاهي علياً *** أيضاهي فتى به اللّه باها

فضله الشمس للأنام تجلت *** كل راء بناضريه يراها

وهو نور الإله يهدي إليه *** فاسأل المهتدين عمن هداها

وإذا قست في المعالي عليا *** بسواه رأيته في سماها

خير من كان نفسه ولهذا *** خصه دون غيره بإخاها

وقال من قصيدة في الإمامين العسكريين علیهماالسلام :

بك العيس قد سارت إلى من له تهوى *** فأضحى بساط الأرض في سبرها يطوى

وتجري الرياح العاصفات وراءها *** تروم لحوق الخطو منها ولا تقوى

تروم حمى فيه منازل قد سمت *** علواً وتشريفاً إلى جنة المأوى

إذا هاج فيها كامن الشوق هزها *** فتحسبها من هز أعطافها نشوى

إلى بقع فيها الذين اصطفاهم *** على الناس طراً عالم السر والنجوى

إلى قبة فيها قبور أئمة *** بهم وبها يستدفع الضر والبلوى

إلى بقعة كانت كمكة مقصداً *** وأمناً ومثوى حبذا ذلك المثوى

على حافتيها أينعت دوحة التقى *** فما برحت أغصانها تثمر التقوى

ومن قصيدة في الإمام الحسين يقول :

خطب تذل له الخطوب وتخضع *** وأسى تذوب له القلوب وتجزع

اللّه أكبر يا له من فادح *** منه الجبال الراسيات منه تضعضع

فوق الأسنة راس من في وجهه *** نور النبوة والإمامة يسطع

ثغر يقبله النبي وفاطم *** وأبوه حيدرة البطين الأنزع

ص: 322

أضحى يقلبه يزيد شماتة *** ويعود في عود عليه يقرع

صدر حوى علم النبي محمد *** والوحي والتنزيل فيه مودع

تطاً الجوانح في سنابك خيلهم *** وترض منه المغار الأضلع

* * *

ماذا تقول أمية لنبيها *** يوماً به خصماؤها تتجمع

وغداً إليه إيابها وحسابها *** وله يكون مصير بها والمرجع

فإذا دعاهم للخصومة في غد *** ياليت شعري ما الجواب إذا دعوا

وهم الذين استأصلوا أبناءه *** ذبحاً كما خانوا العهود وضيعوا

ص: 323

محمد بن سلطان

اشارة

المتوفي سنة 1251

سرى البارق المفتض ختم المحاجر *** على حاجر ، وآها لأوطار حاجر (1)

فيا رب مخمور الجنان وما به *** جنون ولكن رب داء مخامر

وأين علو الجاه مني ولم أكن *** لغير أميرالمؤمنين بشاعر

فحسبي أبو السبطين حسبي فإنما *** هو الغابة القصوى لباد وحاظر

وإن امرءاً باهى به اللّه قدسه *** ليخسأ عن علياه كل مفاخر

إمام به آخا الإله نبيه *** على رغم أنصاريها والمهاجر

إذا لم تكن شرط الامامة عصمة *** فما الفرق فيما بين بر فاجر

وان زعم الأقوام ناموس مثله *** فأين هم عن مرحب وابن عامر

فلا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى *** كحيدرة الكرار مردي القساور

فيا ليته لا غاب عن يوم كربلا *** فتلك لعمرو اللّه أم الكبائر

ومما شجاني يا لقومي حرائر *** هتكن ، فيا لله هتك الحرائر

أيجمل ياللّه ابراز أهله *** حواسر والهفا لها من حواسر

وجوه كما الروض النضير وإنها *** ليغضي حياءاً دونها كل ناظر

ولكنها الأقمار غبن شموسها *** فاشرقن من أرزائها في دياجر

ص: 324


1- عن رياض المدح والرثاء. وقد اسماه عبداللّه بن سلطان سهواً.

محمد بن سلطان

جاء في أنوار البدرين : ومن شعراء القطيف الشاعر الكبير اللبيب وهو من العجيب محمد بن سلطان القطيفي كان أمياً ، له القصيدة الرائية العجيبة ، مدح بها أمير المؤمنين علياً علیه السلام مدحاً حسناً بليغاً ثم تخلص للرثاء على الحسين علیه السلام ، وأولها :

سرى البارق المفتض ختم المحاجر *** على حاجر ، واهاً لا وطار حاجر

وقصيدة رائية أيضاً في رثاء الحسين علیه السلام ، أولها :

آليت أخلع للزمان عذاري.

وأخرى أيضاً في رثاء الحسين (عليه السلام) أولها :

مرابعنا نعم تلك المرابع

وله قصيدة ميمية في مدح رحمة بن جابر. وأشعار أخرى.

وقال الشيخ علي مرهون في ( شعراء القطيف ) : له شعر كثير أشهره رائيته العصماء ، وابن سلطان رجل لا يقرأ ولا يكتب ، عبقري فذ ، وشاعر مفلق وهو أحد أعلام القرن الثالث عشر توفى سنة 1251.

ص: 325

الشيخ علي كاشف الغطاء

المتوفي 1253

سهام المنايا للأنام قواصد *** وليس لها إلا النفوس مصائد

أنأمل أن يصفو لنا العيش والردى *** له سائق لم يلو عنا وقائد

ألم تر أنا كل يوم إلى الثرى *** نشيع مولوداً مضى عنه والد

وحسبك بالأشراف من آل هاشم *** فقد أقفرت أبياتهم والمعاهد

وقفت بها مستنشقاً لعبيرها *** ودمعي مسكوب وقلبي واجد

مهابط وحي طامسات رسومها *** معاهد ذكر اوحشت ومساجد

وعهدي بها للوفد كعبة قاصد *** فذا صادر عنها وذلك وارد

وأين الأولي لا يستضام نزيلهم *** إليهم وإلا ليس تلقى المقالد

ذوي الجبهات المستنيرات في العلى *** تقاصر عنها المشتري وعطارد

سما بهم في العز جد ووالد *** ومجد طريف في الأنام وتالد

وما قصبات السبق إلا لماجد *** نمته إلى العليا كرام أماجد

وأعظم أحداث الزمان بلية *** بكتها الصخور الصم وهي جلامد

وفي القلب أشجان وفي الصدر غلة *** إذا رمت إبراداً لها تتزايد

أيمسي حسين في الطفوف مؤرقا *** وطرفي ريان من النوم راقد

ويمسي صريعاً بالعراء على الثرى *** وتوضع لي فوق الحشايا الوسائد

ص: 326

فلا عذب الماء المعين لشارب *** وقد منعت ظلماً عليه الموارد

ولم ير مكثور أبيدت حماته *** وعز مواسيه وقل المساعد

بأربط جأشا منه في حومة الوغى *** وقد أسلمته للمنون الشدائد

همام يرد الجيش وهو كتائب *** بسطوته يوم الوغى وهو واحد

إذا ركع الهندى يوماً بكفه *** لدى الحرب فالهامات منه سواجد

يلوح الردى في شفرتيه كأنه *** شهاب هوى لما تطرق ما رد

وإن ظمأ الخطي بل أوامه *** لدى الروع من دم الطلا فهو وارد

إلى أن يقول :

ولم أر يوماً سيم خسفاً به الهدى *** وهدت به أركانه والقواعد

كيوم حسين والسبايا حواسر *** تشاهد من أسر العدى ما تشاهد

تسير إلى نحو الشئام شواخصاً *** على قتب تطوى بهن الفدافد

وتضرب قسراً بالسياط متونها *** وتنزع أقراط لها وقلائد

* * *

فدونكموها من عتيق ولائكم *** قواف على جيد الزمان فرائد

جواهر لم تعلق بها كف ناظم *** ولا لامستهن الحسان الخرائد

ولولاكم ما فاه بالشعر مقولي *** ولا شاع لي بين الأنام قصائد

عليكم سلام اللّه ما اهتزت الربى *** وسحت عليها البارقات الرواعد

ص: 327

الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ابن الشيخ خضر المالكي النسب الجناجي المحتد النجفي المولد والمنشأ والمسكن.

توفى في كربلاء فجأة في رجب سنة 1253 وحمل إلى النجف الأشرف فدفن في مقبرتهم. المالكي نسبة إلى آل مالك من قبائل عرب العراق. ذكره سبط أخيه الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى أخي المترجم في كتابه ( طبقات الشيعة ) فقال : كان عالماً فاضلاً ورعاً زاهداً عابداً فقيهاً أصولياً مجتهداً محققاً مدققاً وله صدارة التدريس بعد أخيه الشيخ موسى ومجلس الإفتاء.

تخرج على يده من مشاهير الفقهاء : الشيخ مشكور الحولاوي والشيخ مرتضى الأنصاري والشيخ جعفر التستري. وكتب عنه الكثير وعددوا زعامته الدينية والزمنية ونضدوا مآثرة وفواضله وإليك ما جاء في كتاب ماضي النجف :

الشيخ علي ابن الشيخ الكبير أحد أنجال الشيخ الأربعة الأعلام الذين نهضوا بأعباء الزعامة ، كان عالماً فاضلاً تقياً ورعاً زاهداً مجتهداً ثقة عدلاً جليل القدر عظيم المنزلة إليه انتهت الرياسة العلمية ورجعت إليه الفتيا والقضاء بعد أبيه وأخيه الشيخ موسى من كافة الأقطار الشيعية لا تأخذه في اللّه لومة لائم كثير الذكر دائم العبادة.

كان والده الشيخ الكبير يعظمه كثيراً ويفديه بنفسه كما تشعر بذلك

ص: 328

رسالته الحق المبين في رد الاخباريين التي كتبها في أصفهان باستدعاء ولده هذا وكان يصحبه معه في أسفاره.

قال في التكملة : كان شيخ الشيعة ومحي الشريعة أستاد الشيوخ الفحول الذين منهم العلامة الشيخ الانصاري فإنه كان عمدة مشايخه في الفقه وكان محققاً متبحراً دقيق النظر جمع بين التحقيق وطول الباع ، إليه انتهت رياحة الامامية في عصره بعد موت أخيه الشيخ موسى وكان يحضر درسهما يزيد على الألف من فضلاء العرب والعجم ، منهم المير فتاح الذي جمع تقريرات شيخه المذكور في الدرس وسماها العناوين وهي مشحونة بالتحقيق والتدقيق كما لا يخفى وقل نظيره في تربية العلماء وتخريج الأفاضل ، وقال في الطليعة : كان بحر علم زاخراً رجراجاً ومصباح فضل وهاجاً إذا ارتقى منابر العلوم أحدقت به الفضلاء إحداق النجوم ببدرها وإذا أفاد تاناثر اللؤلؤ المنظوم من فيه وكان شاعراً ماهراً - إلى آخر ما قال - ولما توفى أخوه الشيخ موسى إلتبس الأمر واشكل الحال فيمن يرجع إليه في الفتيا ( التقليد ) فاجتمع النابهون من أهل العلم والمبرزون من أهل الفضل ممن لهم لياقة وأهلية الاختيار على تعيين المرجع فاختاروا المترجم له وقلدوه الزعامة وأكثر الشعراء في هذه الحادثة ونظموا فيها الأشعار.

مدحه جماعة من شعراء عصره كالشيخ ابراهيم قفطان والسيد حسن الأصم والشيخ صالح التميمي ، وكتب له عبد الباقي أفندي العمري يطلب منه ديوان السيد صادق الفحام فقال :

يا من تفرد في دواوين العلا *** لا زلت بيت قصيد كل نظام

يرجوك تتحف عبدك العمري في *** ديوان حضرة صادق الفحام

فأجابه الشيخ علي :

يا ايها العلم الذي قد أذعنت *** لسنا فضايله أولو الأعلام

ص: 329

إني عجبت لجوهري رام أن *** ينشو بنشوة صادق الفحام

( تخرجه ) :

تفقه على أبيه العلامة الكبير وكان ملازماً لدرس أخيه الشيخ موسى تخرج عليه كثير من العلماء المشاهير الذين حازوا الرياسة الدينية والزعامة العلمية منهم المير فتاح ( صاحب العناوين ) ومنهم شريف العلماء والسيد صاحب الضوابط والشيخ الانصاري والسيد مهدي القزويني والشيخ مشكور الحولاوي والآخوند زين العابدين الكلبا يكاني وله منه إجازة والشيخ جعفر التستري والشيخ أحمد الدجيلي والشيخ حسين نصار والشيخ طالب البلاغي والفقيه الشيخ راضي والسيد علي الطباطبائي والسيد حسين الترك والحاج ملا علي الخليلي وأخوه الحاج ميراز حسين.

له كتاب في الخيارات طبع في طهران ورسالة في حجية الظن مفصلة والقطع والبراءة والاحتياط على الطريقة التي تابعه عليها تلميذه العلامة الأنصارى وله رسائل كثيرة متفرقة وله تعليقة على رسالة والده بغية الطالب لعمل المقلدين.

ومن آثاره الخالدة مسجدهم المعروف المتصل بمقبرتهم ومدرستهم فإن أخاه الشيخ موسى أقام أساسه ومات فأكمله هو رحمه اللّه ، كان عفيفاً أبيا مترفعاً عن الحقوق ولا يتناول منها درهماً واحداً. كما أخبر بذلك وكيله الحاج ابراهيم شريف وعيشته ونفقة عياله مما يرد عليه من الأنعام والهدايا وما تدره عليه بعض الأراضي الزراعية التي هي من عطايا الولاة لهم ولم يزل بعضها باقياً حتى اليوم.

وله شعر كثير وهو من جيد الشعر ونفيسه وقد نظم في أغلب أنواع الشعر من الغزل والنسيب والمدح والرثاء والتهاني ، وله مراسلات ومكاتبات مع

ص: 330

الادباء نظماً ونثراً.

توفى في كربلاء فجأة ، خرج من داره قاصداً الحرم الحسيني فلما دخل الصحن الشريف سقط ميتاً وذلك سنة 1253 فحمل على الأعناق إلى النجف الأشرف ودفن مع آبائه في مقبرتهم وأعقب خمسة أولاد وهم الشيخ مهدي والشيخ محمد والشيخ جعفر والشيخ حبيب والشيخ عباس. ورثته الشعراء بمراث كثيرة.

وله قصائد عامرة في الامام الحسين علیه السلام منها قصيدته التي أولها :

مررت بكربلاء فهاج وجدي *** مصارع فتية غر كرام

والتي أولها :

رحل الخليط جزعت أم لم تجزع *** وحبست أم أطلقت حمر الأدمع

وثالثة مطلعها :

إلى كم يروع القلب منك صدوده *** وسالف عيش كل يوم تعيده

ص: 331

الشيخ محمد الشويكي

المتوفي 1254

ذكره البحاثة الشيخ علي الشيخ منصور المرهون في كتابه ( شعراء القطيف ) فقال : علامة شهير وأديب فذ ، معروف بالتقى والروع والصلاح ، وهو أحد علمائنا الأعلام في القرن الثالث عشر.

والشويكي نسبة إلى بلده ومحل توطنه ( الشويكة ) مدخل مدينة القطيف من الجهة الجنوبية معاصر للمشهدي - الآتي ذكره - ومجارياً له في أدبه.

أثبت قصيدته التي أولها :

مررت على تلك الديار البلاقع *** فناديت هل لي من مجيب وسامع

ورأيت في بعض المخطوطات له قصائد منها التي أولها :

يا عين فابكي مدى الأيام والزمن *** على الحسين غريب الدار والوطن

وهي تزيد على الخمسين بيتاً. وأخرى رائية مطولة يقول كاتبها إنها للشيخ محمد ابن الشيخ عبداللّه الشويكي.

ص: 332

المستدركات

اشارة

المقنع من بني ضرار بن غوث بن مالك بن سلامان بن سعد هذيم.

ذكره العسقلاني في ( الإصابة في تمييز الصحابة ) ج 6 ص 135 وقال : ذكره ابن الكلبي في ترجمة ولده طارق بن المقنع أنه رثى الحسين بن علي لما قتل ، قال : وقد شهد بعض آبائه مع النبي صلی اللّه علیه و آله مشاهده وعداده في الأنصار.

محمد بن الفضل الهمداني

ألا يا قبور الطف من بطن كربلا *** عليكن من بين القبور سلام

ولا برحت تسقي عراصك ديمة *** يجود بها سحّا عليك غمام

ففيكنّ لي حزن وفيكنّ لي جويً *** وفيكنّ لي بين الضلوع ضرام

اصاب المنايا سادتي فتخرّموا *** وللدهر احداث لهنّ عرام

دهي ذكرهم قلبي فبت مسهدا *** ولم يده اولاد الحرام فناموا (1)

ص: 333


1- حماسة الظرفاء من اشعار المحدثين والقدماء لابي محمد عبداللّه بن محمد العبد لكاني الزوزني المتوفي سنة 431.

فهرس

الصفحة / الوفاة / بقيه شعراء القرن الثاني عشر

9 1168 أحمد بن مطلب بن علي خان

12 1186 الشيخ يوسف البحراني مكانته العلمية ، مؤلفاته وتلاميذه

18 1208 السيد علي بن ماجد الجد حفصي

20 القرن الثاني عشر علي بن حبيب الخطي

22 القرن الثاني عشر السيد علي السيد أحمد

24 القرن الثاني عشر السيد محمد الشاخوري

القرن الثالث عشر

26 1211 الملا كاظم الأزري نسبته ونشأته وشاعريته

38 1211 السيد سليمان الكبير حياته وجملة من شعره

48 1212 السيد محمد مهدي بحر العلوم ، مكانته العلمية

55 1214 الشيخ ابراهيم يحى الطيبي ، مراثيه في الامامين الحسن والحسين وفي زينب

64 1215 السيد أحمد العطار

75 1216 السيد محمد زيني شعره في اهل البيت

84 القرن الثاني عشر حسين أفندي العشاري

89 1227 محمد بن الخلفة وقصائده الطوال في الامام الحسين

119 1216 الشيخ حسين العصفوري ، مكانته العلمية

ص: 334

الصفحة / الوفاة

122 1220 الشريف ابن فلاح الكاظمي ، الاشارة الي قصيدته الكرارية

131 1222 الشيخ أمين محمود الكاظمي

134 1225 الشيخ حميد نصار

138 1226 الشيخ محمد رضا النحوي ، شاعريته ، جملة من مساجلاته

171 1226 السيد جواد العاملي ، حياته ومؤلفاته

176 1227 السيد محسن الأعرجي نشأته وزهده

184 1230 الشيخ نصر اللّه يحيى

186 1230 السيد ابراهيم العطار

194 1233 الشيخ محمد علي الأعسم ، حياته منظومته في المطاعم والمشارب

210 1235 الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني

213 1231 الحاج هاشم الكعبي روائعه في الامام الحسين

234 1235 الشيخ هادي النحوي

242 القرن الثالث عشر الشيخ حمزة النحوي

245 1235 السيد باقر العطار

254 1237 الملا حسين جاويش

260 1240 الشيخ محمد رضا الأزري

267 1241 الشيخ أحمد الأحسائي

270 1241 السيد حسن الأصم العطار

273 1244 الشيخ علي الأعسم

276 1246 الشيخ علي نقي الأحسائي

278 1247 السيد سليمان داود الحلي

287 1247 الشيخ عبدالحسين الأعسم

ص: 335

الصفحة / الوفاة

295 1247 محمد بن ادريس مطر الحلي

298 1249 السيد محمد الأدهمي

300 1250 عمر الهيتي

304 1250 الشيخ علي بن حبيب التاروتي

305 1250 الشيخ صادق العاملي

306 1250 الشيخ حبيب بن طالب البغدادي

310 1250 الشيخ حسن التاروتي

318 1250 ابراهيم بن نشرة البحراني

320 1251 الشيخ حسين نجف

324 1251 محمد بن سلطان

326 1253 الشيخ علي كاشف الغطاء

332 1254 الشيخ محمد الشويكي

المستدركات

333 المقنع من بني ضرار

محمد بن الفضل الهمداني

ص: 336

المجلد 7

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 328

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء السابع

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

المقدمة

اجتازت الموسوعة بهذا الجزء - السابع - أشواطها السبعة وعبرت ثلاثة عشر قرنا بعد ما خبرت هذه القرون وسبرتها وسجلت بغيتها منها ، وكل شاردة وواردة عنها ، وكان ذلك بعد عناء مرير وصعوبات في أثناء المسير ، ولكني ما دمت لا أطلب الا وجه اللّه وخدمة الحق واعلاء كلمته فكل ما عانيته فهو هين ، وقد قيل : لا يتعب من يعمل بقلب راض ، وكان نصب عيني قول القائل :

ان ختم اللّه بغفرانه *** فكل ما لاقيته سهل

يتضمن هذا الجزء شعراء القسم الثاني من القرن الثالث عشر الهجري وسنلتقي بعون اللّه - في الجزء الآتي - مع شعراء القرن الحالي وهو الرابع عشر وسيكون حديثنا عنهم أو عن أكثرهم دراية لا رواية وسنصور انطباعاتنا عنهم ونسجل آراءنا فيهم واللّه من وراء القصد.

المؤلف

ص: 5

ص: 6

قال رزق اللّه بن عبد الوهاب بن عبد العزيز الحنبلي :

اجتمعت بملحدة المعرة - يعني أبا العلاء المعري - فقال لي : سمعت في مراثي الحسين بن علي رضي اللّه عنهما مرثية تكتب ، فقلت : قد قال بعض فلاحي بلادنا أبياتا تعجز عنها شيوخ تنوخ ، فقال : ما هي قلت قوله :

رأس ابن بنت محمد ووصيه *** للمسلمين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع *** لا جازع منهم ولا متفجع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى *** وأنمت عينا لم تكن بك تهجع

كحلت بمصرعك العيون عماية *** وأصم نعيك كل أذن تسمع

ما روضة الا تمنت أنها *** لك مضجع ولخط قبرك موضع

فقال المعري : ما سمعت أرق من هذه (1)

ص: 7


1- تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون ص 208 ورواها ابن الاثير في الكامل وقد تقدمت هذه الابيات في الجزء الاول / 305 وأنها من شعر دعبل الخزاعي كما رواها الحموي في معجم الادباء.

أورد ابن عساكر في تاريخ دمشق (1) لبعض الشعراء قوله في الحسين علیه السلام :

لقد هد جسمي رزء آل محمد *** وتلك الرزايا والخطوب عظام

وأبكت جفوني بالفرات مصارع *** لآل النبي المصطفى وعظام

عظام بأكناف الفرات زكية *** لهن علينا حرمة وذمام

فكم حرة مسبية فاطمية *** وكم من كريم قد علاه حسام

لآل رسول اللّه صلت عليهم *** ملائكة بيض الوجوه كرام

أفاطم أشجاني قتيل ذوي العلا *** فشبت واني صادق لغلام

وأصبحت لا ألتذ طيب معيشة *** كأن علي الطيبات حرام

يقولون لي صبرا جميلا وسلوة *** وما لي الى الصبر الجميل مرام

فكيف اصطباري بعد آل محمد *** وفي القلب منهم لوعة وسقام

ص: 8


1- ابن عساكر هو علي بن الحسن بن هبة اللّه الدمشقي الشافعي المحدث الحافظ المشهور صاحب كتاب تاريخ دمشق ، توفي سنة 571 ه- بدمشق وحضر جنازته بالميدان للصلاة عليه الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن ايوب ودفن بمقبرة باب الصغير.

عثمان الهيتي

تركت الخيزرانة من يميني *** وأكره أن أشاهدها أمامي

أأحمل عودة من خيزران *** بها نكتت ثنايا ابن الامام

من نظم عثمان الهيتي كاتب الوالي في بغداد داوود باشا في حوالي سنة 1240.

جاء في كتاب ( شعراء بغداد وكتابها في أيام وزارة داود باشا والي بغداد ) ذلك في حدود سنة 1200 الى سنة 1246 للهجرة ، والكتاب تأليف عبدالقادر أفندي الخطيب الشهراباني. ان عثمان بيك كان والدا لوالي الموصل وهو محمد أمين باشا وان عثمان بيك كان عمره ثمانين عاما. وفي بعض الكتب ينسب هذا الشعر للشاعر عمر رمضان واللّه أعلم.

ص: 9

علي السيد سلمان

كان حيا 1233

أرى همما مكنونة لا يقلها *** فضا هذه الاولى اتساعا ولا الاخرا

تقطع أمعاء الزمان بحملها *** اذا ذكرت عندي خطوب بني الزهرا

بها طالبا وترا من الدهر لا أرى *** شفاء له ما لا أزيل له الدهرا

أدك بها شم الجبال الى الثرى *** وأبني لنا فيها على زحل قصرا

ستدري الليالي من أنا ولطالما *** تجاهلن بي علما وأنكرنني خبرا

بها لست أرضى أن قيصر خادم *** لدي ولا أرضى بذلك من كسرى

بسطوة من جبريل تحت لوائه *** وقد جل ذا قدرا وما زاده قدرا

وصاحب موسى والمسيح وحوله *** ملائكة الافلاك تنتظر الامرا

اذا ما رنا نحو السماء بطرفه *** تمور بمن فيها السماء له ذعرا

ولو شاء نسفا للجبال لاصبحت *** ولا شيء منها حيث شاء ولا قدرا

امام تولى كل آية مرسل *** من اللّه منا فهو آيته الكبرى

امام يعيد اللّه شرعة جده *** به غضة ايام دولته الغرا

كأن عليه التاج رصع وشيه *** بضوء سنى المريخ نورا وبالشعرى

اذا ما رأى الرائي به الهدي والهدى *** رأى من عظيم الامر ما يدهش الفكرا

ص: 10

به الدهر مبيض هدى واستنارة *** على أهله والارض مشحونة ذكرا

متى يطرب الاسماع صوت بشيره *** وأنى لسمعي قوله لكم البشرى

متى تقبل الرايات من أرض مكة *** أمامهم نور يحيل الدجى فجرا

وأهتف ما بين الكتائب معلنا *** بيال أبي آباؤكم قتلوا صبرا

دماؤكم طلت لديهم كدينكم *** وفيئكم نهب ونسوتكم أسرى

وآلكم من عهد احمد بينهم *** قلوبهم قرحى وأعينهم عبرى

وهم تركونا مطعما لسيوفهم *** وهم غصبونا فيء آبائنا قهرا

الى م التمادي يا بن أكرم مرسل *** وحتام فيها أنت متخذ سترا

ألم تر أن الظلم أسدل ليله *** على الافق والاقطار قد ملئت كفرا

فما الصبر والبلوى تفاقم أمرها *** فمن مقلة عبرا ومن كبد حرا

أما كان فعل القوم منك بكربلا *** بمرئ أما كنت المحيط بها خبرا

أفي كل يوم فجعة بعد فجعة *** لدى كربلا تذكارها يصدع الصخرا

الى كم لنا بألطف شنعاء ما رقت *** لها عبرة الا ألمت بنا أخرى

وما فجعة بألطف الا تفاقمت *** علينا ولم تبقي لسابقة ذكرى

فها كربلا هذا ذبيح كما ترى *** وهذي وقاك اللّه مسلوبة خدرا

اذا لم يغث في سوحكم مستجيرها *** فأين سواها المستجار ومن أحرى

يطل لديها من دماء ولاتكم *** ألوف وما عدى وأنت بها أدرى

وكم من مصونات عفات تروعت *** وكم من دم يجرى وكم حرة حسرى

وانت خبير بالرزايا وما جرى *** من القوم مما لم يدع بعده صبرا

أجل ربما في الشرق والغرب من عما *** عواديه لا تخشى أثاما ولا وزرا

مصائب أنستها بكر طرادها - *** علينا وأن لا مستجار لنا - شمرا

ألم ترنا كشاف كل ملمة *** نعاني الرزايا من غوائلهم غدرا

ص: 11

أحاطوا بنا من كل فج وأرهبوا *** فما أضيق الغبرا وما أبعد الخضرا

يظهر من مجرى هذه الابيات ان القصيدة نظمت على اثر غارة الوهابيين سنة 1216 على كربلاء وانتهاكهم لقدسية حرم سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام وسفك دماء الابرياء من رجال ونساء فثارت حمية هذا العلوي الغيور فاندفع مستجيرا بصاحب العصر الامام الغائب حجة آل محمد صلوات اللّه عليه.

السيد علي آل السيد سلمان النجفي كان حيا سنة 1233. كذا ذكره صاحب الحصون ج 2 ص 453 فقال : كان فاضلا كاملا شاعرا بليغا أديبا معاصرا للشيخ محمد حسين ابن الشيح محمد علي الاعسم ، وكانا خليطين وبينهما مراسلات ومكاتبات ومن شعره يشكو دهره قوله :

وقائلة خفظ عليك فما الهوى *** عقار ولكن قد تخيل شاربه

وما الدهر الا منجنونا بأهله *** يرى فيه أنواع التقلب صاحبه

وما من فتى في الدهر الا وقد غدا *** يسالمه طورا وطورا يحاربه

فكن رجلا ما خانه الصبر في الردى *** كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه

وان كنت منه طالبا صفو مشرب *** سفهت فأي الناس تصفو مشاربه

ديار بها لا انس لي غير أنني *** يجاوبني فيها الصدى وأجاوبه

هجرت الحمى لا عن ملال وانما *** يجاذبني عنه العنا وأجاذبه (1)

ص: 12


1- عن مجموعة للسيد مهدي الخراسان.

الشيخ احمد الدورقي

توفي سنة 1247

تلك الدماء أراقتها أمية بعد العلم *** فاستوجبوا التخليد في النار

سيعرضون بيوم لا خلاق لهم *** فيه وحاكمه الهادي عن الباري (1)

احمد بن محمد بن محسن بن علي بن محمد بن احمد الربعي المحسني الاحسائي الدورقي الفلاحي. قال الشيخ محمد حرز في ( معارف الرجال ) :

هو علامة زمانه ، محقق ورع ، زاهد عابد ، قال في وصفه سبطه الشيخ موسى : العالم العابد جامع شتاب المفاخر والمحامد ، الى آخر ما قال. وقال صاحب أنوار البدرين : وقفت له على رسالة حسنة في الجهر والاخفات بالبسملة والتسبيح في الاخيرتين وثالثة المغرب ورسالة في حجية ظواهر الكتاب الكريم وحواشي على تهذيب الاحكام وبعض الفوائد والنوادر ، ومن جملة تلك

ص: 13


1- أنوار البدرين.

الفوائد بخط سبطه الشيخ موسى فائدة تحريم الدم مما علم بالضرورة من الدين ولكن حيث قد شربه الحجام متبركا بدم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يكن عالما بالتحريم على هذا الوجه لم يخطاه النبي صلی اللّه علیه و آله بل جعل ذلك سببا لنجاته من النار ففيه دلالة على ما أشرنا اليه في بعض كتبنا ، ان الجاهل معذور وانما تكون المعصية معصية اذا قصد المخالفة.

توفي قدس سره سنة 1247 ه- سبع وأربعين ومائتين وألف هجرية وكان المترجم له من قبيلة آل محسن وهم بطن من ربيعة ابن نزار كان مسكنهم في المدينة المنورة الى سنة 1210 ولما وقعت حادثة عبدالعزيز وولده سعود وجار فيها على علماء الشيعة ومنهم الشيخ احمد هاجر الى الاحساء وأقام فيها ثلاث سنين تقريبا ، ثم توطن الدورق في أواخر عمره سنة 1214 وتوفي فيها سنة 1247 ، وترجم له السيد الامين في ( الاعيان ) وفي بعض ما قال : ولما كان شيخنا ومولانا المهذب العالم العامل الخبير بالبراهين والدلائل المتتبع العارف بالادلة والاقوال والرجال الشيخ احمد نجل الشيخ محسن الى آخر ما قال.

مؤلفاته : وقاية المكلف من سوء الموقف في الصلاة والعقائد الخمس. وكتاب منهل الصفا في الفقه استدلالي لم يتم ، وشرح النافع لم يتم ، ورسالة فيما يغفر من الذنوب وما لم يغفر الى غيرها.

وترجم له الشيخ محسن الطهراني في ( الذريعة ) ج 3 / 13 وج 16 / 90.

ص: 14

الشيخ صافي الطريحي

توفي حدود 1255

الاكل رزء في الانام له حد *** ورزء بني الهادي الى الحشر يمتد

فلا زالت الارزاء تأتي وتنتهي *** ورزؤهم غض متى ذكره يبدو

وكيف مصاب السبط يسلوه مؤمن *** موال له في القلب قد أخلص الود

أأنساه اذ وافته بالزور كتبها *** رسائل غدر ليس يحصرها عد

ان اقدم الينا فالجميع مساعد *** وكل فتى منا لنصرك معتد

فلما أتاهم ضيعوا الحق بينهم *** كأن لم يكن منهم له سبق الوعد

تجنب عنهم اذ بدا الغدر منهم *** يسير بجد حين لا ينفع الجد

الى أن أتى أرض الطفوف فلم يسر *** به فرس ما كان أتعبه جهد (1)

* * *

الشيخ صافي ابن الشيخ كاظم الطريحي من رجال العلم والفضل موسوم بالتقوى والصلاح ، كان معاصرا للشيخ جعفر الكبير ومن علماء ذلك العصر ، ذكره السيد في التكملة وقال :

ص: 15


1- عن مجموع الشيخ صافي بن سيف الدين الطريحي ، كان يسكن العتائق.

رأيت شهادته بوقفية بستان في سنة 1216 ونعته غيره بقوله : كان رحمه اللّه قوام الاسرة الطريحية ورئيسها وعيلمها ومن الاتقياء الافاضل والفقهاء الاماثل. وقال في ( الكرام البررة ) : والظاهر أنه من تلامذة السيد مهدي ابن السيد مير علي صاحب الرياض وكتب بخطه رسالة السيد مهدي في اصالة البراءة في الشك في الجزئية والشرطية ثم كتب تلميذه وهو الحاج مولى محمود التفريشي في سنة 1250 نسخة الرسالة عن خط الشيخ صافي مصرحا بأنه بعض مشائخه.

كان من العلماء الشعراء والفضلاء الادباء ، وقفت له على بعض المقاطيع والابيات في المواعظ في مجموع عيسى بن حسين كبة - مخطوط في مكتبة كاشف الغطاء رقم 79 قسم الادب. فمن شعره :

يا من يروم لنفسه أعلى الرتب *** فاغنم علوما زانها حسن الادب

ودع المطامع كلها فلكم غدت *** تزري بصاحبها وتدنيه العطب

توفي في حدود سنة 1250 ه- وأعقب ولدا واحدا وهو الشيخ حسين. أما هذا الولد فقد أعقب أربعة أولاد وهم : الشيخ جعفر وهو أكبرهم ، والشيخ علي الذي توفي في ( الشنافية ) - ناحية في الفرات الاوسط ، والشيخ صافي ، وكل من هؤلاء الثلاثة له أولاد. والرابع عباس قتل في كربلاء قبل أن يتزوج.

ص: 16

عبدالمحسن الملهوف

المتوفى 1260

جاء في شعراء القطيف : الاديب الفاضل عبد المحسن الملهوف من أفراد قبيلة في القطيف تعرف بهذا اللقب ، أديب شاعر وعبقري فذ ولو لم يكن مما يدل على ذلك الا هذه القصيدة العصماء لكفى بها فهو أحد الشعراء المجيدين والادباء الورعين في القرن الثالث عشر المزدهر بالعلم والادب. تغمده اللّه برحمته ترجم له صاحب انوار البدرين من شعره هذه الرائعة في الحسين علیه السلام .

دعها تجدد عهدها بالوادي *** وتمزق البيداء بالآساد

بل تذرع الفلوات تحسب أنها *** قد وكلت بالذرع والتعداد

زيافة تهوى الذميل وشأنها *** قطع المفاوز من ربى ووهاد

لا تستطيب الظل الا انها *** تهوى شموس هجيرها الوقاد

لا تهتوي المرعى الخصيب ولا الى *** الماء البرود تهش في الوراد

ما وكلت بالنجم الا واغتدت *** تعطي المفاوز من وراها الحادي

ما أنكرت قفرا أتته ولا ادعت *** عسرا ولا آلت من التبعادي

ولعت بقطع البيد حتى أنها *** أمنت بمسراها على الاجياد

ص: 17

دعها العراق تؤم لا تشأم بها *** وتجاف للاغوار والانجاد

فهناك مأوى الآملين بمربع *** هي كعبة العافين والوفاد

ربع به جدث الحسين ونفس أحمد *** والزكية والوصي الهادي

من حوله فئة تقاسمت الردى *** من كل قرم أشوس ذواد

من كل من رضعت له العليا فمن *** فياض مكرمة وغوث مناد

أو كل عالي همة لو شاء أن *** يرقى رقى من فوق سبع شداد

أسد ضراغمة متى ما استصرخوا *** لجلاء نازلة عدوا بعوادي

خطبوا الوغى مهر النفوس وزوجوا *** البتار يوم الروع بالمياد

قوم متى وجدوا فخارا في الردى *** ركضوا بأكباد اليه صوادي

في الجو كالانوا وكالاطواد في *** البلوى وفي الاقدام كالآساد

حدث ولا حرج عليك فانما *** تروى لنا متواتر الاسناد

فوبيعة وفوا لها وبنعمة *** فازوا بها من واهب جواد

لو أنهم شاءوا البقاء بهذه *** لم يتركوا وغدا من الاوغاد

ولو أنهم شاؤا القضا مدوا له *** نظرا ورد بدهشة الارعاد

لكن تجردت النفوس وعافت *** الاكدار وارتاحت الى الانداد

أفما علمت استشهدوا وتغابطوا *** متقدما وأخيرهم للبادي

هذا بقرب العهد للمولى وذا *** بالسبق للجنات والاخلاد

كانوا فرادى في الملا فاستشهدوا *** طرأ كأنهم على ميعاد

فبكتهم العليا بدمع ثاكل *** أنى وهم من أنجب الاولاد

وبقى الصبور على البلا وحمول *** كل الابتلا لاسنة وحداد

بالنبل يرمي والرماح وبالظبا *** بأحر أفئدة من الحقاد

وانصاع يخطب في الوغى بمحجة *** بيضا على هام من الاشهاد

ص: 18

ورداه مسرود الحديد بكفه *** لدن ومنبره سنام جواد

ما زجه في الجيش الا واغتدى *** كالسيل صادفه غشاء الوادي

ومهند أدنى مواهبه الردى *** في حالة الاصدار والايراد

ومثقف لدن وليس مقره *** الا بساحة مهجة وفؤاد

يتدفع الجيش اللّهام كأنه *** يم خضم مد بالازبادي

فكأنه موسى ومخذمه العصى *** بل أين موسى منه يوم جلاد

بطل تولع في النزال بنهبه *** هام الكماة وخلسة الاكباد

يمحو لدائرة الصفوف بسيفه *** محو المهندس فاسد الاعداد

حتى غدوا كالعصف تنسفه الصبا *** فوق التلال وفي خفيض وهاد

ما زال هذا دأبه حتى انقضت *** منه الحياة وآذنت بنفاد

فانهار كالطود الاشم على الثرى *** جلت معانيه عن الاطواد

عدم النظير فما يمثل حاله *** اذ مال عن ظهر الجواد العادي

ان قلت موسى حين خر سماله *** أو قلت يحيى فاقه بجهاد

هذا استكن بدوحة حذرا وذا *** لما أفاق بليت ظل يناد

لكنه متبتل لما قضى *** فرضا هوى شكرا بغير تمادي

يوم ثوى فيه الحسين ويوم *** عزرائيل يقبض طينة الاجساد

فدعوت مورى يا جبال تصدعي *** وبحار غوري وأذني بنفاد

يا شمس فانخفضي ويا شهب اقلعي *** وعليه يا بدر ادرع بحداد

وعليه يا سبع الشداد تهيلي *** هد العماد وعلة الايجاد

لولا بقيته وخازن علمه السجاد *** لا انبعثت صواعق عاد

واسمع بشاوية الضلوع مصيبة *** الخفرات بعد كفيلهن بواد

أضحت كمرتاع القطا من بعدما *** وقعت بوسط حبالة الصياد

ص: 19

قد المصاب قلوبها أو ما ترى *** تهمي الدموع دما كسيل غوادي

فقدت أعزتها وجل مراتها *** وملاذ هيبتها وخير سناد

لبست من الارزاء أبهى حلة *** لكنها من صفرة وسواد

بأبي وبي أم الرزايا زينبا *** مسجورة الاحشاء بالايقاد

تطوي الضلوع على لظى حراتها *** مهما دعت نفثت كسقط زناد

تدعو الحسين وما لها من منعم *** يا كافلي قدح المصاب فؤادي

أوهى قوى جلدي فبان تجلدي *** أين التجلد والفقيد عمادي

سفن اصطباري قد غرقن بزاخر *** من يم أحزاني وريح نكاد

وتعج تهتف في الذميل بعولة *** عظمى تمزق قلب كل جماد

أمؤمل الجدوى بساحة ربعهم *** خف القطين وجف زرع الوادي

يا ضيف بيت الجود أقفر ربعه *** فاشدد رحالك واحتفظ بالزاد

قد كان كعبة أنعم واليوم لا *** من عاكف فيها ولا من بادي

وترقرق الدمع الهتون تصونه *** خجلا وخوف شماتة الحساد

فكأنها نظرت وراء زجاجة *** كي تبصر القتلى على الابعاد

وتخط في وجه الفلا ببنانها *** صونا لرفع الصوت بالانشاد

يا راكبا كوما تهش الى السرى *** عزت عن الاشباه والاضداد

عرج لطيبة قاصدا جدثا به *** سرالوجود ومظهر الارشاد

وقل السلام عليك من مزمل *** مدثر بردى الفخار البادي

يا مظهر الاسلام جئتك مخبرا *** ان الحسين رمي بسهم عناد

خلفته غرضا هناك ومركزا *** وضريبة بل حلبة لطراد

والطيبات اللائي كنت تحوطها *** أمست غنيمة غادر ومعادي

غرثى وعطشى غير أن شرابها *** من دمعها والوجد أطيب زاد

ص: 20

الشيخ صالح التميمي

المتوفي 1261

وقد اقترح عليه نظم هذه القصيدة الوزير علي رضا باشا على أن تتضمن قصة مقتل الحسين علیه السلام (1).

أما ان تركى موبقات الجرائم *** وتنزيه نفسي عن غوي وآثم

وأجعل لله العظيم وسيلة *** بها لي خلاص من ذنوب عظائم

وأختم أيامي بتوبة تائب *** يذود بها عقبى ندامة نادم

ومن لم يلم يوما على السوء نفسه *** فلم تغنه يوما ملامة لائم

على أنني مستمطر غزر صيب *** من العفو يهمي عن غزير المكارم

فكم بين منقاد الى شر ظالم *** منيبا ومنقاد الى خير راحم

وان كنت ممن لا يفيء لتوبة *** ولا لطريق الرشد يوما بشائم

سأمحو بدمعي في قتيل محرم *** صحائف قد سودتها بالمحارم

قتيل تعفى كل رزء ورزؤه *** جديد على الايام سامي المعالم

قتيل بكاه المصطفى وابن عمه *** ( علي ) واجرى من دم دمع ( فاطم )

وقل بقتيل قد بكته السما دما *** عبيطا فما قدر الدموع السواجم

ص: 21


1- ديوان التميمي.

وناحت عليه الجن حتى بدا لها *** حنين تحاكيه رعود الغمائم

اذا ما سقى اللّه البلاد فلا سقى *** معاهد كوفان بنوء المرازم

أتت كتبهم في طيهن كتائب *** وما رقمت الا بسم الاراقم

لخير امام قام في الامر فانبرت *** له نكبات أقعدت كل قائم

اذا ذكرت للطفل حل برأسه *** بياض مشيب قبل شد التمائم

أن أقدم الينا يا بن أكرم من مشى *** على قدم نم عربها والاعاجم

فكم لك أنصار لدينا وشيعة *** رجالا كراما فوق خيل كرائم

فودع مأمون الرسالة وامتطي *** متون المراسيل الهجان الرواسم

وجشمها ( نجد ) العراق تحفه *** مصاليت حرب من ذوابة ( هاشم )

قساورة يوم القراع رماحهم *** تكفلن أرزاق النسور القشاعم

مقلدة عن عزمها بصوارم *** لدى الروع أمضى من حدود الصوارم

أشد نزالا من ليوث ضراغم *** وأجرى نوالا من بحور خضارم

وأزهي وجوها من بدور كوامل *** وأوفى ذماما من وفي الذمائم

يلبون من للحرب غير محارب *** كما انه للسلم غير مسالم

كمي ينحيه عن الضيم معطس *** عليه اباء الضيم ضربة لازم

ومد أخذت في ( نينوى ) منهم النوى *** ولاحت بها للغدر بعض الملائم

غدا ضاحكا هذا وذا متبسما *** سرورا وما ثغر المنون بباسم

وما سمعت أذني من الناس ذاهبا *** الى الموت تعلوه مسرة قادم

كأنهم يوم ( الطفوف ) وللضبا *** هنالك شغل شاغل بالجماجم

أجادل عاثت بالبغاث وانها *** أشد انقضاضا من نجوم رواجم

ص: 22

لقد صبروا صبر الكرام وقد قضوا *** على رغبة منهم حقوق المكارم

الى أن غدت أشلاؤهم في عراصها *** كأشلاء قيس بين تبنا وجاسم (1)

فلهفي لمولاي الحسين وقد غدا *** فريدا وحيدا في وطيس الملاحم

يرى قومه صرعى وينظر نسوة *** تجلببن جلباب البكا والمآتم

هناك انتضى عضبا من الحزم قاطعا *** وتلك خطوب لم تدع حزم حازم

أبوه علي أثبت الناس في اللقا *** وأشجع ممن جاء من صلب آدم

يكر عليهم مثلما كر حيدر *** على أهل بدر والنفير المزاحم

ولما أراد اللّه انفاذ أمره *** بأطوع منقاد الى حكم حاكم

أتيح له سهم تبوأ نحره *** تبوأ نحري ليته وغلاصمي

فهدت عروش الدين وانطمس الهدى *** وأصبح ركن الحق واهي الدعائم

وأعظم خطب لا تقوم بحمله *** متون الجبال الراسيات العظائم

عويل بنات المصطفى مذ أتى لها *** جواد قتيل الطف دامي القوائم

فوا حر قلبي للنساء بحرقة *** يحمن عليه في قلوب حوائم

ص: 23


1- ذكر الحموي في معجم البلدان : تبنى بالضم ثم السكون وفتح النون ، بلدة بحوران من أعمال دمشق قال النابغة : فلا زال قبر بين تبنى وجاسم *** عليه من الوسمي جود ووابل

ينحن كما ناح الحمام وبالبكا *** لا غزر شجوا من نواح الحمائم

فيا وقعة كم كدرت من مشارب *** لنا مثل ما قد رنقت من مطاعم

بني المصطفى ما عشت أو دمت سالما *** فصبري على ما نابكم غير سالم

لكي لا تزول الارض عن مستقرها *** والا فأنتم فوق هام النعائم

فلو أن لي حظ عظيم تقدمت *** حياتي بعصر سالف متقادم

وصلت على أعدائكم بفوارس *** أشداء في الهيجاء من آل ( دارم )

وان فات نصر السيف سوف أعينكم *** بنظم كبا من دونه نظم ناظم

وما صالح ان لم تعينوه صالح *** وما عد الا من بغاة المظالم

عليكم سلام اللّه ما هبت الصبا *** وما حرك الاغصان مر النسائم

وللشيخ صالح التميمي :

ما بال جفني مغرم بسهاده *** وغزير دمعي لم أفز بنفاده

لا في سعاد صبا فؤادي في الصبا *** فأقول قلبي قد لها بسعاده

كلا ولا أطلال برقة منشد *** برقت مدى الايام في انشاده

لكن مصارع فتية في كربلا *** سلبت بسيف الحزن طيب رقاده

قتلى وفيهم من دؤابة ( هاشم ) *** أسد سعى للموت في آساده

يا للرجال لطود ( أحمد ) مذ ثوى *** قدما وريع الدين في أطواده

يا للرجال لنكبة ( الزهراء ) في *** أبنائها والطهر في أولاده

أبكي القتيل أم النساء حواسرا *** يندبنه ويلذن في ( سجاده )

أم أندب ( العباس ) لما أن مضى *** والبر قد غص الفضا بصعاده

يبغي الوصول الى الفرات ودونها *** بيض كساها فيلق بسواده

فأتى دوين الماء فاعتاق الردى *** همم سمت للمجد فوق مراده

أبكي لمقطوع اليدين وقد قضى *** ضمأ ونار الوجد ملء فؤاده

ص: 24

ألذاك أبكي أم ( سكينة ) اذ دعت *** يا عمتا كهفي هوى بعماده

هذا أبي ملقى وأذيال الصبا *** عزمت له ما سل من أبراده

يا آل بيت محمد حزني لكم *** متحكم والهم من أوتاده

أنا ( صالح ) ان أنتم أنعمتم *** بقبول ما قصرت في انشاده

وله أيضا :

ألا من مبلغ الشهداء أني *** نهضت لشكر هم بعد القعود

رجال طلقوا الدنيا ومن ذا *** صبا لطلاق كاعبة النهود

رأوا خمر الفناء الذ طعما *** غداة الطف من طعم الخلود

دعاهم نجل فاطمة بيوم *** يشيب لذكره رأس الوليد

دعاهم دعوة والحرب شبت *** لظى من دونها ذات الوقود

فقل من سيد نادى عبيدا *** عراة الذات من شيم العبيد

أسود بالهياج اذا المنايا *** رمت ظفرا ونابا بالاسود

كأن رماحهم تتلو اليهم *** لصدق الطعن أوفوا بالعقود

اذا ما هز عسال تصابوا *** كما يصبى الى هز القدود

بنفسي والورى أفدي كراما *** تجنب حزمهم نقض العهود

بنفسي والورى أفدي جسوما *** مجزرة على حر الصعيد

بنفسي والورى أفدي رؤوسا *** تشال على الرماح الى ( يزيد )

كأني يابن ( عوسجة ) ينادي *** وريح الموت يلعب بالبنود

هلموا عانقوا بيض المواضي *** ولا كعناقكم بيض الخدود

فليس يصافح الحوراء الا *** فتى يهوى مصافحة الحديد

رأوا في كربلا يوما مشوما *** ففازوا منه في يوم سعيد

وكدر عيشهم حرب فجادت *** لهم عقباه في عيش رغيد

ص: 25

ألا يا سادتي حزني عليكم *** نفي عن ناظري طيب الهجود

أحاذر أن يقال هل امتلأتي *** فكان جوابها هل من مزيد

أعيذوا ( صالحا ) منها وكونوا *** له شفعاء في يوم الخلود

منعتم من ورد الماء قسرا *** وفزتم بالهنا وقت الورود

* * *

ابو سعيد الشيخ صالح بن درويش بن علي بن محمد حسين ابن زين العابدين الكاظمي النجفي الحلي البغدادي المعروف بالشيخ صالح التميمي الشاعر المشهور.

ولد في الكاظمية سنة 1218 وتوفي ببغداد لاربع عشرة ليلة بقيت من شعبان بعد الظهر سنة 1261 ودفن في الكاظمية ، كان من بيت علم وأدب ربي في حجر جده الشيخ علي الزيني الشهير في مطارحاته مع السيد بحر العلوم وغيره في النجف ، انتقل مع جده من الكاظمية الى النجف فأقام برهة ثم سكن الحلة وبقي بها مدة حتى استقدمه والي بغداد داود باشا. أقول : هو في عصره كأبي تمام في عصره. وقد تولى رئاسة ديوان الانشاء في بغداد سنة 1235 ، وله شعر كثير مدح به الامراء والاعيان والزعماء وله مؤلفات ذكرت بأسمائها وفي ديوانه المطبوع عدة مراسلات ومساجلات ، ورثاه العالم الشيخ ابراهيم صادق العاملي والشيخ عبد الحسين محي الدين وعبد الباقي العمري وأعقب ولدين : محمد سعيد ومحمد كاظم. وكتب عنه الدكتور محمد مهدي البصير في ( نهضة العراق الادبية في القرن التاسع عشر ) وجمع له مساجلاته ونوادره.

ص: 26

وقال عنه : أما صفاته فانها من أجمل وأفضل ما يتحلى به انسان - كان رحمه اللّه خفيف الطبع عذب الروح حلو المعاشرة حاضر النكتة غزير الحفظ واسع الرواية قيل له : كم تحفظ من بدائع الشعر وروائعه فأجاب : لو لا أن شيخي أبا تمام جمع محاسن الجاهليين والاسلاميين في حماسته المشهورة لجمعت أنا لكم من حفظي هذه الحماسة. وكان يجل أبا تمام كثيرا ويعجب به اعجابا شديدا ويعده اماما له ، والغريب انه رثاه على بعد ما بينهما من الزمن بقصيدة بليغة يقول فيها :

يا راكبا وجناء عيدية (1) *** لم يترك الوخد لها من سنام

ان جئت للحدباء قف لي بها *** وأبلغ أبا تمام عني السلام

وقل له بشراك يا خير من *** سام القوافي الغر من نسل سام

فضلك أحياك كأن لم تبت *** بالخلد هاتيك العظام العظام

ومن غرر الشعر قصيدته في الامام أمير المؤمنين علي علیه السلام وهذا المقطع الاول منها :

غاية المدح في علاك ابتداء *** ليت شعري ما تصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخير ابن عم *** وأمير ان عدت الامراء

ما نرى ما استطال الا تناهى *** ومعاليك ما لهن انتهاء

فلك دائر اذا غاب جزء *** من نواحيه أشرقت أجزاء

أو كبدر ما يعتريه خفاء *** من غمام الا عراه انجلاء

يحذر البحر صولة الجزر لكن *** غارة المد غارة شعواء

ص: 27


1- عيدية نسبة الى فحل شهير من فحول الابل.

ربما عالج من الرمل يحصى *** لم يضق في رماله الاحصاء

يا صراطا الى الهدى مستقيما *** وبه جاء للصدور الشفاء

بني الدين فاستقام ولولا *** ضرب ماضيك ما استقام البناء

أنت للحق سلم ما لراق *** يتأتى بغيره الارتقاء

معدن الناس كلها الارض لكن *** أنت من جوهر وهم حصباء

شبه الشكل ليس يقضي التساوي *** انما في الحقائق الاستواء

شرف اللّه فيك صلبا فصلبا *** أزكياء نمتهم أزكياء

فكأن الاصلاب كانت بروجا *** ومن الشمس عمهن البهاء

لم تلد هاشمية هاشميا *** كعلي وكلهم نجباء

وضعته ببطن أول بيت *** ذاك بيت بفخره الاكتفاء

أمر الناس بالمودة لكن *** منهم أحسنوا ومنهم أساؤا

يا ابن عم النبي ليس ودادي *** بوداد يكون فيه الرياء

فالورى فيك بين غال وقال *** وموال وذو الصواب الولاء

وولائي ان بحت فيه بشيء *** فبنفسي تخلفت أشياء

أتقي ملحدا وأخشى عدوا *** يتمارى ومذهبي الاتقاء

وفرارا من نسبة لغلو *** انما الكفر والغلو سواء

* * *

ذا مبيت الفراش يوم قريش *** كفراش وانت فيه ضياء

فكأني أرى الصناديد منهم *** وبايديهم سيوف ظماء

صاديات الى دم هو للما *** ء طهور لو غيرته الدماء

دم من ساد في الانام جميعا *** ولديه احرارها ادعياء

قصرت مذرأوك منهم خطاهم *** ولديهم قد استبان الخطاء

شكر اللّه منك سعيا عظيما *** قصرت عن بلوغه الاتقياء

ص: 28

عميت أعين عن الرشد منهم *** وبذات الفقار زال العماء

يستغيثون في يغوث الى ان *** منك قد حل في يغوث القضاء

لك طول على قريش بيوم *** فيه طول وريحه نكباء

كم رجال اطلقتهم بعد أسر *** أشنع الاسر أنهم طلقاء

يردع الخصم شاهدان حنين *** بعد بدر لوقال هذا ادعاء

ان يوم النفير والعير يوم *** هو في الدهر راية ولواء

سل وليدا وعتبة ما دعاهم *** لفناء عدا عليه الفناء

ص: 29

السيد صدر الدين العاملي

المتوفي 1263

قال بمناسبة مولد الامام الحسين علیه السلام في الثالث من شهر شعبان :

فدت شهر شعبانها الاشهر *** فمن بينها يمنه الاشهر

لثالثه في رقاب الانام *** أياد لعمرك لا تنكر

وباب النجاة الامام الذي *** ذنوب العباد به تغفر

وغصن الامامة فيه سما *** جني هدايتها يثمر

وروض النبوة من نوره *** سني ومن نوره مزهر

لتهن بميلاده شيعة *** لهم طاب في حبه عنصر

غذاه النبي بابهامه *** فما زال عن ريها يصدر

به اللّه رد على ( فطرس ) *** مقاما به في السما يذكر

أكان من النصف مثل الحسين *** شفيع الخلايق اذ تحشر

ومن هو ريحان قلب النبي *** ثلاثا على الترب لا يقبر

تعادى عليه جموع ابن هند *** بأسيافهم جهرة ينحر

بميلاده بشر المصطفى *** وفي قتله حرب تستبشر

وما زال يؤلمه ان بكى *** وكان بتسكيته يأمر

فكيف اذا ما رآه لقى *** وفي الترب خديه قد عفروا

بنفسي الذي يستغيث العداة *** ويدعو النصير فلا ينصر

ص: 30

السيد محمد ابن السيد صالح بن ابراهيم بن زين العابدين الموسوي ، المعروف بصدر الدين العاملي والمشتهر بهذا اللقب. عالم كبير وشاعر أديب. ولد في قرية جبشيت 21 ذي القعدة الحرام 1193 وجاء مع ابيه للعراق عام 1197 فعنى بتربيته ، والذكاء طافح عليه فقد كتب حاشية القطر وعمره سبع سنوات كذا ذكر البحاثة الطهراني في ( الكرام البررة ). وذكره صاحب الحصون ج 9 ص 336 فقال :

كان فاضلا عالما فقيها اصوليا محدثا متكلما ، له اليد الطولى في العلوم العقلية والنقلية حسن التقرير والتعبير ، اديبا شاعرا ، هاجر مع ابيه من جبل عامل في واقعة احمد باشا الجزار الى العراق وسكن النجف وتلمذ وتخرج على يد الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وصار صهره على ابنته ، ثم هاجر بعد موت استاذه الى أصفهان ومكث فيها برهة من الزمان ثم رجع الى النجف. وتوفي بالنجف ليلة الجمعة رابع عشر شهر المحرم سنة 1263 ودفن في حجرة من حجر الصحن الشريف مما يلي الرأس يمين القبلة وخلف ثلاثة أولاد وعدة بنات وله جملة من المؤلفات منها كتاب كبير في الفقه ، وكتاب القسطاس المستقيم في الاصول ، وكتاب المستطرفات ، ومنظومة له في الرضاع ، وكتاب في النحو ورسالة في حجية الظن ورسالة في مسألة ذي الرأسين ، ورسالة في شرح مقبولة عمر بن حنظلة وله شعر كثير في العرفانيات ومدائح اهل البيت صلوات اللّه عليهم ومراثيهم فمن ذلك قوله في الامام امير المؤمنين :

ص: 31

علي بشطر صفات الاله *** حبيت وفيك يدور الفلك

فلولا الغلو لكنت اقول *** جميع صفات المهيمن لك

ولما أراد الآله المثال *** لنفي المثيل له مثلك

فمن عالم الذر قبل الوجود *** لقول بلى اللّه قد أهلك

وقد كنت علة خلق الورى *** من الجن والانس حتى الملك

وعلمت جبريل رد الجواب *** ولولاك في بحر قهر هلك

وذكره النقدي في ( الروض النضير ) فقال : كان من أعاظم علماء اواسط القرن الثالث عشر ، وكانت له الجامعية في علوم شتى والنصيب الوافر في الادب وله شعر لطيف ، وذكره الشيخ الطهراني في ( الكرام البررة ) نقلا عن ( التكملة ) للسيد الصدر فقال : كان من اعيان الفقهاء والمجتهدين تلميذ الشيخ الاكبر وصهره ، ووالده السيد صالح كان صهر الشيخ علي ابن الشيخ محي الدين بن علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني ، رزقه اللّه من بنت الشيخ علي ، صاحب الترجمة واخيه السيد محمد علي. وذكره الحجة كاشف الغطاء محمد الحسين فقال : كان السيد الصدر جامعا لجميع الكمالات خصوصا كمال الادب الذي هو من اللازمات ، وقد كانت له فيها القدم الراسخة والنخوة الشامخة والسليقة العربية والنكات العجمية ، ويدلك على حسن مشربه ولطيف مسلكه مستهل قصيدته.

يعارضني في الشعر من لا أعارضه *** وما انا الا البحر فاضت فوائضه

ترجم له صاحب شعراء الغري وقال : له شعر كثير ولكنه تلف

ص: 32

واليك قوله من قصيدته يمدح بها الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب

جاءت تجوب البيد سيارة *** تهوي هوي المرمل الصارخ

الى علي وزعيم العلى *** يوم الوغى والعلم الشامخ

الى السراة الانجبين الاولى *** أحصوا فنون الشرف الباذخ

أولى المزايا الغر أعباؤها *** ينوء فيها قلم الناسخ

قد أيقنوا منه بجزل الخطى *** ان عليا ليس بالراضخ

ص: 33

السيد حيدر العطار

المتوفى 1265

أميم ذريني والبكاء فانني *** عن العيد واللبس الجديد بمعزل

أميم أقلي عن ملامك واتركي *** مقالة لا تهلك أسى وتجمل

لان سرك العيد الذي فيه زينة *** لبعض اناس من ثياب ومن حلي

فقد عاد لي العيد الحداد بعودة *** ألا فاعذريني يا أميم أو اعذلي

يذكرني فعل ابن هند وحزبه *** يزيد وقد أنسى الورى فعل هر قل

فكم قد أطلوا من دم بمحرم *** وكم حللوا ما لم يكن بمحلل

ولم يقنعوا حتى أصابوا ابن فاطم *** بسهم أصاب الدين فانقض من عل

وخر على حر الثرى متبتلا *** الى ربه أفديه من متبتل

ومذ كان للايجاد في الخلق علة *** بكته البرايا آخرا بعد أول

وخضبت السبع السموات وجهها *** بقاني دم من نحره المتسلسل

وذا العالم العلوي زلزل اذا قضى *** كما العالم السفلي أي تزلزل

بنفسي وبي ملقى ثلاثا على الثرى *** تهب عليه من جنوب وشمال

أبى رأسه الا العلى فسما على *** ذرى ذابل يسمو على هام يذبل

بنفسي أباة الضيم من آل هاشم *** تؤم الوغى ما بين لدن وفيصل

ص: 34

أداروا على قطب الفناء رحى القضا *** فخاضوا المنايا أمثلا اثر أمثل

فبين طريح في الصعيد مجدل *** وبين ذبيح بالدماء مزمل

ونادبة تدعو أبا الفضل تارة *** وأخرى حسينا ندب ولهاء معول

أخي يا حسينا كنت غوثا وعصمة *** كما كنت غيثا ثر في كل ممحل

أخي كنت للرواد أخصب مربع *** كما كنت للوراد أعذب منهل

خليلي بيت الوحي شط حبيبه *** قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

وما قد جرى في كربلاء قضية *** وليس لها الا أبو حسن علي

* * *

السيد حيدر ابن السيد ابراهيم العطار الحسني آية من آيات الدهر ومفخرة من مفاخر العصر ، عالم محقق ، وفقيه بارع ، لسان الحكماء والمتكلمين وصفوة الفقهاء والاصوليين ، وهو على جانب عظيم من الورع والتقوى والزهد والعبادة ورسوخ الايمان وطهارة القلب.

خلف آثارا قيمة وكتب عنه الكثير وأثنى عليه العلماء أحسن الثناء ، وممن ذكره شيخنا المحقق الطهراني في كتابه ( سعداء النفوس ) فقال : كان سيدا عالما فقيها جليلا مرجعا للخاص والعام ، غيورا في ذات اللّه مناظرا مع المبدعين والمخالفين.

وهو أعلى اللّه مقامه جد الاسرة الحيدرية واليه تنتسب هذه السلالة العلوية ، ولد رحمه اللّه سنة 1205 ه- وأقام في الكاظمية ردحا من الزمن ، ثم هاجر الى عاصمة العلم - النجف الاشرف -

ص: 35

وتتلمذ على أعلام زمانه وجهابذة عصره حتى حصل على رتبة عالية ودرجة رفيعة في العلم والاجتهاد كما استفاد منه جملة من أعلام الفضل ، أما مؤلفاته فهي آية في التحقيق والتدقيق وكلها تنطق بعلمه وكماله نذكر منها ما يلي :

1 - البارقة الحيدرية في نقض ما أبرمته الكشفية.

2 - العقائد الحيدرية في الحكمة النبوية.

3 - المجالس الحيدرية في النهضة الحسينية كتبه بخطه سنة 1260 هجرية (1).

4 - الصحيفة الحيدرية في الادعية والاسرار ، صنفها بطلب من محمد علي شاه القاجاري سلطان ايران.

5 - النفخ القدسية في بعض المسائل الكلامية ، صنفها تلبية لطلب ( هولاكوا ميرزا ) حفيد فتح علي شاه القاجاري.

6 - النفخة القدسية الثانية وهي في مباحث كلامية.

7 - مجموعة في الحكم والنوادر.

8 - رسالة في أصول الفقه.

9 - كتاب في المنطق.

10 - حاشية على كتاب التحقيق في الفقه والاصول لعمه آية اللّه الكبرى السيد أحمد البغدادي الشهير بالعطار.

ص: 36


1- مخطوط في حيازة الدكتور حسين محفوظ نسخة منه.

11 - تعليقه على منظومة في الرجال لعمه أيضا. وكل هذه المؤلفات مخطوطة وتوجد متفرقة عند ذريته.

12 - عمدة الزائر في الادعية والزيارات ، وقد طبع مرتين في النجف الاشف.

توفي أعلى اللّه مقامه سنة 1265 ه- وقيل أنه أخبر بأجله قبل حلوله. ودفن في رواق الحرم الكاظمي الشريف وأعقب سبعة من الاولاد كلهم علماء صلحاء أبرار أتقياء. ومن شعره في الامام الحسين :

محرم لا أهلا بوجهك من شهر *** ولا بوركت أيام عشرك في الدهر

لانت المشوم المستطير على الورى *** خطوبا وراميهم بقاصمة الظهر

ولا سيما عاشور من عشرك الذي *** به غرق الاسلام في لجة الكفر

غداة رجال اللّه آل محمد *** تذوق الردى ظلما بحرب بني صخر

فان أنسى لا أنسى الحسين بكربلا *** وحيدا وقد دارت به عصبة الغدر

فما شد نحو القوم ألا تطايروا *** تطاير أفراخ البغاث من الصقر

فوافاه سهم خارق في فؤاده *** فخر صريعا لليدين وللنحر

ولا عجب من مثل شمر اذا اجترى *** على اللّه واستهزا بشأن أولي الامر

وميز رأسا ساد للعرب مفخرا *** ولا سيما كعب بن مرة والنضر

وشال به فوق السنان مكبرا *** وقد قتل التكبير من حيث لا يدري

عذيري من صخر بن حرب وحربهم *** بني أحمد ما ذنب أحمد من صخر

ص: 37

جزوه على اطلاقهم يوم فتحه *** لمكة في أهليه بالقتل والاسر

عن السبي للنسوان يبكين حسرا *** سوافر من فوق الجمال بلا ستر

ينادين يا جداه يا خير مرسل *** أأنت عليم اننا اليوم في الاسر

لقد تركوا سبط النبي على الثرى *** تريبا خضيبا شيبه بدم النحر

فذا رأسه فوق السنان كأنه *** سنا البدر أو أبهى سناء من البدر

ص: 38

السيد جعفر القزويني

المتوفى 1265

قال يرثي الامام الحسين علیه السلام ويفتتحها بالنسيب :

ألما وان أصغى الغمام وألما *** على طلل أقوى ونؤي تهدما

وعوجا على الرسم المحيل وأعربا *** سؤالكما فيه وان كان أعجما

* * *

السيد جعفر بن الباقر بن احمد بن محمد الحسيني القزويني من مشاهير شعراء وأدباء عصره. ولد في النجف الاشرف ونشأ بها نشأة عالية وأخذ معلوماته عن مشاهير عصره وما اجتاز العقد الثاني حتى أصبح علما يشار اليه بالبنان ، ذكر صاحب الحصون ج 2 / 557 فقال : كان فاضلا كاملا أديبا لبيبا بليغا شاعرا ماهرا جوادا سخيا ذا همة عالية تخصص للنظم والمسلاجلات الادبية الى أن نبا به الدهر الخؤون وتراكمت عليه الديون فلم يسعه المكث في النجف - مسقط رأسه - فارتحل الى ( مسقط ) عاصمة عمان وكان معه عبده المسمى ( نصيب ) فأدركته منيته هناك فمات فيها سنة 1265 ه- فحملت جنازته الى النجف مع

ص: 39

عبده نصيب فدفن مع آبائه في مقبرتهم مقابل مقبرة آل الجواهر فرثاه فريق من الشعراء منهم السيد حيدر الحلي بقصيدة مطلعها :

كذا يلج الموت غاب الاسود *** وتدفن رضوى ببطن اللحود

وممن رثاه وأرخ وفاته الشيخ ابراهيم قفطان.

قال السيد الامين في الاعيان (1) رأينا في مجلة الحضارة نقلا عن بعض مجاميع الفاضل الشبيبي انه كان أديبا نابها من أدباء العراق رحل الى مسقط وتوفي هناك بعيدا عن وطنه ، ولرحلته قصة مثيرة وقد استوحاها كل من رثاه ثم ذكر أن من مراثيه قصيدة من بحر يسمى المحدث وانها رويت في بعض مجاميع النجف للشيخ ابراهيم قفطان وفي بعضها للشيخ محسن آل الشيخ خضر ، وهذا ما وجد منها :

صوبت وصعدت النظرا *** في الدار فلم أعرف أثرا

ولمية أطلال درست *** أمست عبرا لمن اعتبرا

أبكي وأناشدها عمن *** نالوا دهرا منها وطرا

يا دار قطينك أين سرى *** فتجيب قطينك أين سرى

خشعت للبين فلست ترى *** الا الارزاء بها زمرا

فعلمت بأن مؤملها *** ألوى وتحققت الخبرا

يا مرتحلا عني ولكم *** وهيت قوى وفصمت عرى

ومدير الطرف الى أهليه *** وليس يرى منهم أثرا

يا مسعر دائي من داوى *** داء في أحشاك استعرا

ص: 40


1- ج 18 / 443.

أجل ناداك لمسقطه *** ولو اثاقلت لما ظفرا

لم لا واسيتك مضطهدا *** لم لا سليتك مفتكرا

لم لا جاورت أنينك *** منصدعا للغربة منكسرا

لم لا عالجتك معتلا *** لم لا شاهدتك محتضرا

واماما فاق بلاغته *** وحساما في الهيجا ذكرا

لك عهد في عنقي ما عشت *** يبث مراثيك الغررا

وثراك ترصعه عيناي *** عقيقا أحمر أو دررا

ولم يعقب سوى ولده السيد علي وابنته زوجة الميرزا جعفر القزويني وذكر صاحب الحصون جملة من شعره كما ذكره الشيخ المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في ( العبقات العنبرية في شعراء الجعفرية ).

فمن شعره يخاطب سلطان مسقط :

لما رماني الدهر بالنوب *** الشدائد والهزاهز

وألان صعدتي التي *** يعطي الجواهر بالجوائز

ودعاني الزمن الخؤن *** صلبت وما لانت لغامز

قالت لي الآراء والفكر *** بأهله ( هل من مبارز )

شرق وسل عن ماجد *** الثواقب في الغرائز

فاذا بلغت الى ( سعيد ) *** في ( عمان ) فلا تجاوز

واعلم بأن أبا هلال *** عن مرادك غير عاجز

يوليك ما ترجو ولا *** يثنيه عنه غمز غامز

فتعود مقضي الديون *** الى العراق وأنت فائز

ص: 41

ويجيز ما ترجو ببذل *** صادق الدفعات ناجز

وهكذا انتهت حياة هذا الشريف.

وما عتبي على الدنيا ولكن *** على ابل حداها غير حادي

ويحق أن أستشهد بالشعر المنسوب للامام زين العابدين علي ابن الحسين ابن علي بن أبي طالب علیهم السلام حيث يقول :

عتبت على الدنيا فقلت الى متى *** أكابد هما بؤسه ليس ينجلي

أكل شريف من علي نجاره *** يكون عليه الرزق غير محلل

فقالت نعم يا بن الحسين رميتكم *** بسهم عناد يوم طلقني علي

وبالوقت الذي أعتب على الزمن يحق أن أبعث بقول السيد الشريف الرضي الى سلطان مسقط حيث يقول :

أخطأت في طلبي وأخطأ في *** ردي ، ورد يدي بغير يد

فلا جعلن عقوبتي أبدا *** أن لا أمد يدي الى أحد

فتكون أول زلة سبقت *** مني وآخرها الى الابد

ص: 42

محمد الصحاف

كان حيا سنة 1270

بمدحكم الاقلام تفرح والحبر *** وطرس به من حسن أوصافكم سطر

يفوز سواكم بالقوافي وانها *** تفوز بكم اذ كان منكم لها فخر

فليلة قدر ليلتي بمديحكم *** لاني اذا أحييتها يرفع القدر

أقول والقصيدة طويلة وكلها في رثاء سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين وقد جارى بها رائية الشيخ صالح العرندس التي تقدمت في جزء سابق مع ترجمته ، والقصيدة التي نظمها شاعرنا الصحاف ذكرها الاخ البحاثة علي الخاقاني في الجزء العاشر من ( شعرا الغري ) وفي أخرها :

أنا ألقن آل الرسول محمد *** سليل حسين زانه منكم النجر

عليكم صلاة اللّه ما نار نير *** بدا في رياض زاد نوارها القطر

* * *

السيد محمد بن علي المعروف بالصحاف. ذكره المحقق الطهراني في ( الكرام البررة ) فقال : نزيل سوق الشيوخ ، كان أديبا فاضلا شاعرا ، رأيت تقريضه اللطيف البليغ نظما ونثرا على ارجوزة ( تحفة النساك ) من نظم الشيخ طاهر الحجامي المتوفى بسوق الشيوخ سنة 1279 ه- وأولاده الى اليوم في سوق الشيوخ.

ص: 43

عبد العزيز الجشي

وفاته 1270

ألا هل لاجفان سهرن هجود *** وهل للدموع الجاريات جمود

وهل راحل شطت به غربة النوى *** فأوحشني بعد الفراق يعود

أأسهر ليلي أرقب النجم فيكم *** عشاء وأنتم بالهناء رقود

وذكرني يوم انفرادي بينهم *** مقاما به سبط النبي فريد

ألا بأبي أفديه فردا وقل ما *** فديت ولو بالعالمين أجود

فوالهف نفسي للقتيل على ظما *** وللسمر منه صادر وورود

فيا عرصات الطف أي أماجد *** سموت بهم فليهنكن سعود

لئن شرفت أم القرى بالتي حوت *** فأنتن فيكن الحسين شهيد

وان طاولتكن المدينة مفخرا *** ففيكن أبناء وتلك جدود

فيا راكبا عيدية شأت الصبا *** تساوى قريب عندها وبعيد

عداك البلا ، عج هكذا متنكبا *** زرودا وان ألوت هناك زرود

بني هاشم يا للحفيظة نكست *** على الرغم رايات لكم وبنود

رمتكم كما شاء القضاء أمية *** ففر طليق بعدها وطريد

وثارت عليكم بعد أن طال مكثها *** من الرعب أوغاد لها وحقود

ودع عنك نجوى أهل مكة وارتحل *** فقد عز موجود وعز وجود

ووجه لتلقاء المدينة وجهها *** مشيحا ففيها عدة وعديد

ولذ بضريح المصطفى قائلا له *** حسين عن الورد المباح مذود

ص: 44

ألا يا رسول اللّه ما لك راقدا *** وآلك في أرض الطفوف رقود

فخذها كما شاء الحزين شكاية *** تكاد لها شم الرعان تميد

عشية ساقوهن أسرى وقيدوا *** العليل فأودى بالعليل قيود

وقبل ثرى أعواد أحمد وارتحل *** فأعواده حيث التنشق عود

ودعها على علاتها مستطيرة *** لذا سيرها الوجاف فهي صمود

لعلي أراها بالغري مناخة *** على جدث فيه الوصي وصيد

أبا حسن أنت المثير عجاجها *** اذا اقترعت تحت العجاجة صيد

أغارت بقايا عبد شمس ونوفل *** على الدين حتى بات وهو عميد

فيا هل تراها ان سيفك فللت *** ضواربه يوم القراع جنود

وان الفتى القراض حطم صدره *** ببدر وأحد عتبة ووليد

فلو كنت حيا يوم وقعة كربلا *** رأت كيف تبدي حكمها وتعيد

عشية باتت من بنيك عصابة *** وسايدها صلد بها وصعيد

لقى كأضاحي العيد لا عاد بعدهم *** علي بلذات التنعم عيد

أترضى وانت الثاقب العزم غيرة *** يلاحظها حسرى القناع يزيد

أمية كم هذا الغرور فما أتى *** بمعشار عشر الفعل منك ثمود

وراءكم يوم يشيب لهوله *** الرضيع فايعاد به ووعيد

قال صاحب أنوار البدرين : الشيخ عبد العزيز الجشي من شعراء القطيف الاديب الشاعر الشيخ عبد العزيز بن الحاج مهدي بن حسن بن يوسف بن محمد الجشي قدس سره البحراني القطيفي. كان له رحمه اللّه تعالى من الادب الحظ الوافر ومن الشعر والمعرفة النصيب الكامل له قصائد جيدة منها في رثاء الحسين (عليه السلام) تقرأ في المجالس الحسينية وله منظومة في الرد على النصارى ذكر فيها ما ذكره الشيخ سليمان آل عبد

ص: 45

الجبار ومتضمنة للادلة التي ذكرها في الرد على النصارى جيدة حسنة وقد اشتغل في العلوم الا ان الشعر والتجارة غلبا عليه فكان بهما موسوما ولم أعلم بتاريخ وفاته ضاعف اللّه حسناته. انتهى. ويقول الشيخ علي منصور في شعراء القطيف : كانت وفاته سنة 1270.

أقول وترجم له الشيخ الطهراني في ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) وسماه ب- ( السيد عبدالعزيز ) وهو خطأ مطبعي.

ص: 46

السيد محمد ابو الفلفل

1271

وذوو المروة والوفا أنصاره *** لهم على الجيش اللّهام زئير

طهرت نفوسهم لطيب أصولها *** فعناصر طابت لهم وحجور

عشقوا العنا للدفع لا عشقوا الغنا *** للنفع لكن أمضي المقدور

فتمثلت لهم القصور وما بهم - *** لو لا تمثلت القصور - قصور

ما شاقهم للموت الا دعوة ال- *** رحمن لا ولدانها والحور

بذلوا النفوس لنصره حتى قضوا *** والخيل تردى والعجاج يثور

فغدا ربيب المكرمات يشق تيا *** ر الحروب وعزمه مسجور

يدعو ألا أين النصير وما له *** غير الارامل والعليل نصير

والكل يدعو يا حسين فصبية *** وعقائل ومقاتل وعفير (1)

قال البحاثة المعاصر الشيخ علي منصور المرهون في كتابه ( شعراء القطيف ) السيد محمد الفلفل المتوفى سنة 1261 تقريبا.

هو السيد الشريف السيد محمد بن السيد مال اللّه ابن السيد

ص: 47


1- عن ( أنوار البدرين ).

محمد المعروف ب- ( الفلفل ) أحد أهالي قرية ( التوبي ) من القطيف ، نزيل كربلاء من المعاصرين للسيد كاظم الرشتي ومن المقربين اليه ، ذكره صاحب الدمعة الساكبة وأثبت له القصيدة الهائية التي أولها ( خلها تدمي من السير يداها ).

وآل الفلفل موجودون من خيار السادة يفتخرون بشاعرهم هذا ، أقول وروى له أبياته الشهيرة التي أولها :

وذوو المروة والوفا أنصاره *** لهم على الجيش اللّهام زئير

وقال : كان رحمه اللّه من الشعراء المجيدين المكثرين في مراثي الحسين علیه السلام وقال صاحب أنوار البدرين : لقد غلب شعره على منزلته العلمية فاشتهر بالادب. انتقل من القطيف للعراق فجاور جده الحسين « ع » حتى توافه اللّه ، وكان شديد الرقة واراقة الدموع على مصاب جده الشهيد. نقل الشيخ علي الحمامي نائحة أهل البيت المشهور بزهده وولائه لهم قال حدثني العالم الرباني الشيخ جعفر الشوشتري ، قال حدثني السيد محمد أبو الفلفل القطيفي قال : رأيت في المنام ليلة من الليالي كأن امرأة عليها آثار الهيبة والوقار قد جلست على غدير ماء وهي تئن وتبكي وبيدها قميص مضمخ بالدم تغسله وهي تردد هذا البيت ببكاء وزفير :

وكيف يطوف القلب مني بهجة *** ومهجة قلبي بالطفوف غريب

قال السيد محمد فدنوت منها وسلمت عليها وسألتها فقالت : أما تعرفني أنا جدتك فاطمة الزهراء وهذا قميص ولدي الحسين

ص: 48

لا أفارقه أبدا. فانتبه السيد ونظم قصيدة وضمنها هذا البيت. فكان أول القصيدة ( أراك متى هبت صبا وجنوب ). وكان أبوه السيد مال اللّه من أهل العلم والفضل. انتهى.

أقول ربما حصل التباس بين سيدنا المترجم له وبين سميه ومعاصره السيد محمد بن مال اللّه بن معصوم لاتحاد الاسمين واسم الابوين والمسكن اذ هما في كربلاء يسكنان حتى ربما نسب البعض شعر هذا لهذا. أرجو الانتباه.

فمن شعر السيد محمد بن مال اللّه الملقب بالفلفل المتوفى 1261 ويقول صاحب الذريعة ان وفاته سنة 1277.

يا نفس عن فعل الخطايا فاقلعي *** ذهب الشباب وأنت لم تتورع

لا تخدعنك زينة الدنيا فقد *** غرت سواك بخدعة وتصنع

أو ما سمعت بذكر كسرى في الورى *** وبذكر قيصر ذي الجنود وتبع

أين القرون وعادها وثمودها *** قذفتهم الدنيا بقبح الموضع

أين الذين تمتعوا بنعيمها *** وتمنعوا في كل حصن أمنع

أين الطواغيت الذين تنكبوا *** بالظلم عن نهج الرشاد الاوسع

كم ظالم تحت التراب وهالك *** لم يستطع رد الجواب ولا يعي

يا نفس ان شئت السلامة في غد *** فعن القبايح والخطايا فاقلعي

وتوسلي عند الاله باحمد *** وبآله فهم الرجا في المفزع

يا نفس من هذا الرقاد تنبهي *** ان الحسين سليل فاطمة نعي

فتولعي وجدا له وتوجعي *** وتلهفي وتأسفي وتفجعي

آه لها من وقعة قد أوقعت *** في الدين أكبر فتة لم تنزع

آه لها من نكبة قد أردفت *** بمصائب تبقى ليوم المجمع

ص: 49

قتل الحسين فيا سما ابكي دما *** حزنا عليه ويا جبال تصدع

منعوه شرب الماء لا شربوا غدا *** من كف والده البطين الانزع

مذ جائها يبدي الصهيل جواده *** يشكو الظليمة ساكبا للادمع

يا أيها المهر المخضب بالدما *** لا تقصدن خيم النساء الضيع

يا مهره قف لا تحم حول الخبا *** رفقا بنسوته الكرام الهلع

اني أخاف بأن تروع قلوبها *** وهي التي ما عودت بتروع

لهفي لتلك الناظرات حماتها *** فوق الجنادل كالنجوم الطلع

والريح سافية على أبدانهم *** فمقطع ثاو بجنب مبضع

ولزينب نوحا لفقد شقيقها *** وتقول يا ابن الزاكيات الركع

اليوم أصبغ في عزاك ملابسي *** سودا وأسكب هاطلات الادمع

اليوم شبوا نارهم في منزلي *** وتناهبوا ما فيه حتى مقنعى

اليوم ساقوني بقيدي يا أخي *** والضرب آلمني وأطفالي معي

لا راحم أشكو اليه أذيتي *** لم ألف الا ظالما لم يخشع

حال الردى بيني وبينك يا أخي *** لو كنت في الأحياء هالك موضعي

مسلوبة مضروبة مسحوبة *** منهوبة حتى الخمار وبرقعي

وهلم خطب يوم قوض ضعنها *** من كربلا في نسوة تبدي النعي

مروا بها لترى أعزة قومها *** صرعى تكفنهم رياح الزوبع

فرأت أخاها جثة من غير ما *** رأس فألقت نفسها بتلوع

فوق الحسين السبط حاضنة له *** فنعته نعي الفاقدات الضيع

وتقول حان فراق شخصك يا أخي *** من ذا لثاكلة وطفل مرضع

يا كافلي هل نظرة أشفي بها *** قلبي وتطفي لوعة في أضلعي

أتبيت في الرمضا بلا كفن ولا *** غسل ويهنى بعد فقدك مضجعي

حاشا وكلا يا كفيل أراملي *** وذخيرتي في النايبات ومفزعي

ص: 50

يا واحدي عزموا على أن يرحلوا *** بي عنك يا غوثي وغوث المربع

ودعتك الرحمن يا من فقده *** أجرا دموعي مثل سحب الهمع

لا عن ملال ان رحلت ولا قلا *** وعليك تسليمي ليوم المرجع

باللّه يا حادي الضعون معجلا *** قف بالطفوف ولو كنعسة هجع

لأبث أحزاني وأكتم ما جرى *** أسفا بقان من غزير الادمع

يا سائرا يطوي القفار ميمما *** قف ساعة ان كنت ذا اذن تعي

وأحمل رسالة من أضر به الجوى *** لجناب أحمد ذي المقام الارفع

قل يا رسول اللّه آلك قد نأت *** بهم الديار بكل واد أشنع

مذ غبت والحق الذي أظهرته *** وأبنته للناس فيهم ما رعي

وحبيبك السبط الحسين ونسله *** مع صحبه قد ذبحوا في موضع

قد صيروهم للسهام رمية *** وضريبة للمرهفات اللمعي

وبنات بنتك في القيود أذلة *** مسبية تسبى كسبي الزيلع

واعمد الى قبر البتول ونادها *** يا فاطم بمصاب نسلك فاسمعي

قومي انزلي أرض الطفوف وشاهدي *** قتلاك بين مبضع ومقطع

ثاوين حول حبيب قلبك بالعزى *** ورؤوسهم تهدى لرجس ألكع

ونساءك الحور الحسان تغيرت *** منها الوجوه من النكال المفضع

أطواقها قيد العدى وشرابها *** من دمعها والاكل ترداد النعي

واقصد أخاه في البقيع وقل له *** ذبح الحسين أخاك يا ابن الاروع

وبنيك والاخوان جمعا صرعوا *** من حوله بالذابلات الشرع

واذا قضيت رسالتي من يثرب *** فاقصد بسيرك للغري واسرع

وأطل وقوفك عند قبر المرتضى *** والثم ثراه على وقار واخضع

قل يا أمير المؤمنين شكاية *** فاسمع لها يا شافعي ومشفعي

هذا الحسين لقى بعرصة نينوى *** أكفانه مور الرياح الاربع

ص: 51

من غير دفن والخيول تدوسه *** بنعالها في صدره والاضلع

والريح قد لعبت بشيبته وقد *** صبغت بقان فوق رمح أرفع

ونساءه مقرونة بقيودها *** محمولة فوق الجمال الظلع

وأذية الاطفال أعظم محنة *** من جوعها ومن السرى لم تهجع

ان حن طفل ساعدته ثواكل *** لم تلف غير مروعة ومروع

والعابد السجاد في أقياده *** لهفي له من ناحل متوجع

يا وقعة راعت قلوب اولي النهى *** جلت ونحن بمثلها لم نسمع

قد جاءكم ذو المخزيات محمد *** لم يلف غيركم له من مفزع

فتعطفوا وترفقوا وتلطفوا *** بمحبكم عند الحساب اذا دعي

وعليكم صلى وسلم ربكم *** ما ناح ذو وجد بقلب موجع

ومن شعره قصيدته التي أولها :

تعزي فلا شيء من العيش راجع *** وهل في صروف الدهر ينفع نافع

86 بيتا.

ص: 52

السيد محمد معصوم

المتوفى 1271

السيد محمد بن مال اللّه بن معصوم القطيفي النجفي المتوفى بالحائر الحسيني سنة 1271.

شطر مقصورة ابن دريد وجعلها في رثاء الحسين علیه السلام بما يقرب من أربعمائة وخمسين بيتا مدرجة في ديوانه وأولها :

يا ظبية أشبه شيء بالمها *** ما لك لا تبكين سبط المصطفى

تمضين بعد ما دعاك ضاميا *** رايقة بين الغوير واللوى

أما ترى رأسي حاكى لونه *** بيض مواضينا بحومات الوغى

تلوح في ليل الوغى كأنها *** طرة صبح تحت أذيال الدجى (1)

* * *

ص: 53


1- عن الذريعة ج 4 ص 191.

هو السيد محمد ابن السيد مال اللّه آل السيد معصوم القطيفي النجفي الحائري ، خطيب معروف ، وشاعر رقيق.

يظهر من سيرته أنه ولد بالقطيف وهاجر منها وهو يافع والتحق بالنجف فاتصل بأعلامه من زعماء الدين وبعد أخذه المقدمات انصرف الى سرد قصة الامام الحسين (عليه السلام). ذكره الشيخ النوري فقال : كان جليل القدر ، عظيم الشأن ، وكان شيخنا الاستاذ العلامة الشيخ عبدالحسين الطهراني كثيرا ما يذكره بخير ويثني عليه ثناء بليغا ، وقال : كان تقيا صالحا ، شاعرا مجيدا ، وأديبا قاريا غريقا في بحار محبة آل البيت (عليهم السلام) وكان أكثر ذكره وفكره فيهم ، حتى انه كان كثيرا ما نلقاه في الصحن الشريف فنسأله عن مسألة أدبية فيجيبنا عنها ويستشهد في كلامه ببيت أنشأه هو أو غيره في المراثي فينقلب حاله ويشرع في ذكر مصيبتهم على أحسن ما ينبغي فيتحول المجلس الى مجلس آخر وله حكايتان طريفتان ذكرهما النوري في كتابه دار السلام.

وذكره الشيخ ابراهيم صادق العاملي في مجموعته معربا عن اعجابه بتقريظه لموشح السيد صالح القزويني البغدادي فقال : وممن لمح ذلك الموشح بطرف غير كليل ، وسبح في تيار لجته فاستخرج منها دررا هي لتاج الادب اكليل وأي اكليل ، الراغم بفضله وأدبه عرين الملك الضليل والشامخ بحسبه ونسبه على كل ذي حسب زكي ونسب جليل ، قرة عين الفضائل والعلوم ، جناب السيد السند السيد محمد نجل المرحوم السيد معصوم فقرظ عليه بهذا الموشح المحلى بفرائد الدر المنظوم ، المطوق بأسنى قلائد تزري محاسنها بدراري النجوم.

ص: 54

وذكره صاحب الحصون في ج 5 ص 582 فقال : كان مجاورا في الحائر الحسيني ، وكان تقيا صالحا ، وشاعرا مجيدا ، وأديبا وقارئا ذاكرا لعزاء الحسين ، جليل القدر عظيم الشأن ، غريقا في بحار محبة آل البيت وأكثر ذكره وفكره فيهم وكان اذا هل ربيع الاول ينشر قصائد في مدح الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المجالس ويصفق بيده أثناء الانشاد ، توفي في حدود 1269 ه.

وذكره النقدي في الروض النضير ص 366 فقال : من فضلاء القرن الماضي ، وكان له في التقوى والصلاح أسمى مكان ، وكان من المعمرين.

وذكره المحقق الطهراني في كتابه الكرام البررة ص 368 فقال القطيفي الحائري المتوفى 1271 ه- كان تلميذ السيد عبداللّه شبر وكتب في ترجمة أستاذه هذا رسالة مستقلة (1).

وذكره السيد حسن الصدر في التكملة فقال : له رسالة أسماها نوافح المسك لم أقف عليها ، وله ديوان كبير عند الشيخ محمد السماوي فيه رثاء الشيخ احمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي والشيخ موسى بن جعفر كاشف الغطاء والشيخ محسن خنفر الذي توفي 1270 ه- وهذا آخر زمن رثى به.

توفي المترجم له في حدود 1271 ه- وله شعر كثير أشهره اللامية المكسورة من حروف الرجز المسماة بزهر الربيع. وديوان شعره

ص: 55


1- أقول نشرت رسالة في مقدمة كتاب « الاخلاق » لجدنا السيد عبداللّه شبر.

مخطوط اشتمل على جميع الحروف. وله روضة في رثاء الحسين. انتهى

وفي الذريعة - قسم الديوان قال : ديوان السيد محمد بن مال اللّه ابن معصوم الموسوي القطيفي الخطي الحائري المتوفى 1271 هو من تلاميذ السيد عبداللّه شبر وكتب رسالة في ترجمة أستاذه. رأيت ديوانه في مكتبة السماوي كل ما فيه قصائده في المراثي ، مرتبة على الحروف ، وكتب له بعض أصحابه مقدمة ، أوله :

كربلا فقت السماوات العلى *** وسمى فخرك ما فوق الثرى

وفيه تلميع الرائية للشريف الرضي ، وتخميس النونية لابن زيدون ، وتشطير المقصورة لابن دريد. وجعل جميعها في رثاء الحسين علیه السلام ، وفيه قصيدة طويلة في رثائه علیه السلام تتضمن أسماء جميع سور القرآن ، أولها :

أشجان فاتحة الاحداث أشجاني *** وقوعها فجرت للعين عينان

أذكت حشى البهم من وحش ومن بقر *** فكيف آل النهى من آل عمران

وقال السيد الامين في الاعيان ج 16 ص 69 ان الشاعر السيد محمد القطيفي المقيم في الحائر أطرى شعره وفضله على شعر غيره خصوصا مراثيه في الامام الحسين وكان في دار آل الشيخ

ص: 56

جعفر آل الشيخ خضر الجناجي النجفي واستدل على مدعاه بقوله في الامام علیه السلام :

بكتك الضيوف وبيض السيوف *** وسود الحتوف أسى والقطار

وخاب الملمون والوافدون *** وضاع المشيرون والمستشار

فقال له الشيخ جعفر وهو يومئذ حدث السنان المشير والمستشار واحد واعترضه في غير هذا البيت أيضا بأن فيه من الزحاف الكف وهو حذاف السابع الساكن من مفاعيل وهو قبيح في بحر الطويل كما ان القبض في مفاعيل في عروض الطويل واجب ، وقد أتى القطيفي به في قصيدته غير مقبوض فانتقده بمثل هذه القواعد العروضية حتى أفحمه ، فقال له القطيفي :

كأنك يا ولدي عروضي ، قال نعم. قال فقطع لنا هذا البيت :

حولوا عنا كنيستكم *** يا بني حمالة الحطب

وكأنه ظن أن لا خبرة له بقصة الاعرابي مع المرأة التميمية ، حيث ان بني تميم يكسرون أول المضارع فقال لها : أتكتنون فأجابته فأخجلها فقالت له : أتحسن العروض ، قال نعم قالت : قطع هذا البيت :

حولوا عنا كنيستكم ( البيت ) فقطعه وأخجلته.

وكان الشيخ جعفر يعرف القصة فارتجل على الفور بيتا

ص: 57

وقال للقطيفي :

ان قطعت البيت الذي قبله قطعته لك ، قال ما هو قال :

كل من تجلى طبيعته *** ذاك مرؤ من ذوي الحسب

فقطعه : كل من تج ، فاعلات. لا طبي ، فاعل. فأخجله.

ونشر البحاثة الشيخ محمد السماوي في مجلة الغري النجفية السنة السابعة تحت عنوان ( ندوة بلاغة بلاغية ) قال : للعالم الفاضل الاديب السيد محمد بن السيد مال اللّه السيد معصوم القطيفي النجفي الحائري ديوان شعر كبير مشتمل على الحروف ، ولقد كان معمرا ومن المكثرين والمجيدين في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) وكانت وفاته سنة 1269 ه- وله كذلك روضة عامرة في رثاء الامام الحسين (عليه السلام).

وله يمدح الامامين الجوادين علیهماالسلام وهي من أواسط شعره :

خلها تدمي من السير يداها *** لا تعقها فلقد شق مداها

ما هوت في الدو الا وانثنت *** تلتقي الحصبا كما تفلي فلاها

هزها الشوق فأبراها الضنا *** فانبرت تحمد بالشوق ضناها

رضيت حر الهوى ماءا كما *** رضيت متلفة السير غذاها

عميت عن كل ما يشغلها *** عن هداها وهداها في عماها

عكرت رحب الفضا مما أثا *** رته فالتف دجاها بضحاها

قصدها الكاظم موسى والذي *** غمر الناس يدا بعض نداها

قف فدتك النفس واغنم أجرها *** حيث تحبيها سلاما من فناها

ص: 58

مبلغا جل سلامي لهما *** طالبا للنفس ما فيه هداها

قل لمن كلم موسى باسمه *** ولمن من جوده نال عصاها

أشهيدي جانب الزوراء هل *** زورة تطغي عن النفس لظاها

أم لعيني نظرة ممن رأى *** جدثي قدسكما تجلو جلاها

لم ير اللّه أناسا غيركم *** للشهادات فأنتم شهداها

بل ولا نال اغترابا غيركم *** مثل ما نلتم فأنتم غرباها

جدكم أعظم قدرا وأذى *** فحسوتم بعده كأسا حساها

وسقاكم ثدي أخلاق بها *** عطر القرآن من عطر شذاها

يا ذواتا أكملت علة ايجاد *** ذي العرش الورى والبدء طاها

ما رجا راج بكم الا نجا *** كيف والراجي الميامين فتاها

ثم عج يا مرشد النفس الى *** أرض ( سامراء ) ننشق من ثراها

واعطها مقودها حتى ترى *** قبة فيها رجاها ومناها

فعلى نوري علا حلا بها *** من صلوة اللّه والخلق رضاها

والق عنها حلس وعثاء السرى *** وقل البشرى فقد زال عناها

واطلب الحاجات تحظى بالا *** جابة في حال بقاها وفناها

ثم انهضني فلا قوة لي *** من هموم أبهضتني من عداها

نحو سرداب حوى خوف العدى *** عصمة العالم والمعطي رجاها

وامش بي رسلا فما تدري عسى *** اللّه لبى دعوة في مشتكاها

وادخلن بي خاضعا مستشفعا *** لي بأن اسعد يوما بلقاها

نقرأ التسليم منا عد ما *** خلق اللّه الى يوم جزاها

يا ولي اللّه والمعطي مدى *** أمد الايام اقليد عطاها

والنضير الشاهد الحاكم في ال- *** -خلق والموصي له من نظراها

قم على اسم اللّه أثبت ما بقي *** من رسوم فالعدى راموا محاها

ص: 59

طهر الارض بأجناد أبت *** أن يرى مبدؤها أو منتهاها

وابسط العدل بعيسى الروح و *** الخضر محفوفا بأملاك سماها

ان دوحات الرجا قد أذنت *** بانحسار فمتى خضرا نراها

جرد السيف لثارات بني *** امك الزهراء واجهد في رضاها

تلتقي جيش العدى ضاحكة *** والمواضي من دم طال بكاها

ابلغوا للدفع عن حامية ال- *** -دين يوصي الكل كلا بحماها

لم يزالوا في الوغى حتى جرى *** من يد الاقدار ما حم قصاها

وله يرثي السيد عبد اللّه شبر الكاظمي المتوفى 1242 ه- ويعزى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر بفقده :

أروح وفي القلب مني شجن *** وأغدو وفي القلب مني احن

ولم يشجني فقد عيش الشباب *** وليل الصبا ولذيذ الوسن

ولا هاجني منزل بالحمى *** ولا ذكر غانية أو أغن

ولكن شجتني صروف الزمان *** بأهل الرشاد ولاة الزمن

بموسى الكليم بدت بالردى *** وكم فيه رد الردى والمحن

وثنت بمن لم يكن غيره *** اماما لدينا يقيم السنن

فأخنى الزمان بنجل الرضا *** وألبسني منه ثوب الحزن

وناعيه لما نعاه الي *** أذاب الفؤاد وأفنى البدن

نعى العالم الهاشمي التقي *** نعى من له الفضل في كل فن

فلا غرو أن بكت المكرمات *** بدمع جرى فيضه للقنن

على من سرى ذكره في البلاد *** وشاع بذكر جميل حسن

فيا طود فضل هوى في الثرى *** وغيب في بطنه أو بطن

ويا راحلا عن ديار الغرور *** فذكر جميلك فينا قطن

ص: 60

قضيت الذي كان منك يراد *** لتجزى بذلك من ذي المنن

نصبت الهدى ونشرت العلوم *** وغيب لفقدك كل حزن

ولا سيما الندب فرد الزمان *** خدين المعالي بهذا الزمن

وحيد الفضائل في عصره *** ورب التقى والحجى والفطن

حميد الفعال كريم الطباع *** له الفضل في سر أو في علن

وعلامة الدهر هادي الانام *** لسبل الرشاد محمد حسن

أقام عزاء سليل النبي *** وأفضل من من من غير من

لفاتحة في عزاء تفوق *** كما فاق فينا على كل فن

وان أبا حسن قد مضى *** لخلد الجنان وفيها سكن

فصبرا بنيه وأرحامه *** فصبر الفتى ما له من ثمن

ولا زال يغشى ضريحا حواه *** سلام من اللّه ما الليل جن

وللسيد محمد معصوم القطيفي النجفي يرثي الامام الحسين (عليه السلام) :

أسفي لربات الحجا *** ل برزن لا يأوين كنا

تبكي أخا كرم شمردل *** طالما أغنى وأقنى

شيخ العشيرة ذا حمى *** ما مس منه الضيم ركنا

والمستغاث اذا الخطوب *** تراكمت كالليل دجنا

أو لم تكن أنت الذي *** بأمورنا في الدهر تعنى

أو لم ترانا بعد حفظك *** في يد الاسواء ضعنا

وتعج تهتف والشجى *** يبدي خفايا ما استكنا

أمجشما فج الفلا *** ما لا يعد الحزن حزنا

عرج بطيبة مبلغا *** بعض الذي بألطف نلنا

ص: 61

مأوى الشجاعة والسماح *** وكل معروف وحسنى

قوم اذا حمي الطعان *** فهم أحر القوم طعنا

وللسيد محمد ابن السيد معصوم من روضته قصائد هذه اوائلها :

1 - أرزء مثل رزء السبط مشج *** له الارضون رجت أي رج

22 بيتا

2 - ألا يا ليل هل لك من صباح *** وهل لاسير حزنك من براح

28 بيتا

3 - حزني على سبط النبي محمد *** بين الفؤاد الى القيامة راسخ

13 بيتا

4 - يا فؤادي ويا لهيب فؤادي *** كل يوم من الاسى بازدياد

40 بيتا

5 - روحي الفداء لمن هانت حياتهم *** لديهم وعن الدنيا لقد رغبوا

30 بيتا

ومن روضته :

6 - يابن النبي محمد ووصيه *** وابن البتول البضعة الزهراء

وفي مجموع مخطوط قصيدة أولها :

قف بالمعالم بعد ما أن قوضوا *** أفبعدهم عين المكارم تغمض

ص: 62

الشيخ حسن الصفواني

توفي سنة 1271 تقريبا

جاء في شعراء القطيف : هو الاديب الاريب الشيخ حسن بن صالح الصفواني القطيفي من شعراء القرن الثالث عشر. ولم أتحصل على من يتعرف على هذا الشاعر فيمدني بمعلومات حياته غير اني تتبعت كثيرا من ديوانه قراءة فلمست منه انه ذلك التقي الورع الصالح في الرعيل الاول من رجالات الدين وشعراء أهل البيت (عليهم السلام) وان ديوانه المرتب على حروف المعجم ليعطينا صورة عن كثير من حياته الفذة. توفي رحمه اللّه تعالى في التاريخ المذكور على حد التقريب. ومبلغ العلم انه موجود سنة 1244 معاصر للفاضل الجشي الذي سبق ذكره.

نقتطف من ديوان المترجم هذه القصيد العامرة نظرا لاشتمالها على اسمه الكامل وهي التي دلتنا عليه ، لذا رجحنا ذكرها على غيرها من خرائده تغمده اللّه برحمته.

ص: 63

قوله في رثاء الحسين علیه السلام :

لما على الدوح صاحت ذات افنان *** غدوت أنشد أشعاري بأفنان

واستأصل الحزن قلبي وانطويت على *** أن لا أفارق أشجاني وأحزاني

وبت مثل سليم مضه ألم *** لم تألف الغمض طول الليل أجفاني

حليف وجد نحيل مدنف قلق *** فقل بصبر عليل مؤسر عاني

وذاك لا لضعون زم سائقها *** يوم الرحيل ولا قاص ولا داني

ولا لفقد أنيس قد أنست به *** ولا لتذكار اخوان وخلان

ولا لتذكار وادي الحرتين ولا *** دار خلت من أخلائي وجيراني

ولا لدار خلت من أهلها وغدت *** سكنى الفراعل من سيد وسرحان

ولا فراق نديم كان مصطحبي *** في العل والنهل عند الشرب ندماني

ولا لمائسة الاعطاف كاملة الا *** وصاف ان خطرت تزري على البان

لكن أسفت على من جل مصرعه *** وأفجع الخلق من انس ومن جان

أعني الحسين أبا الاسباط أكرم من *** ناجى المهيمن في سر واعلان

سبط النبي وفرخ الطهر فاطمة *** نجل الوصي حسين الفرقد الثاني

لهفي له حين وافى كربلا وبها *** حط المضارب من صحب واخوان

مستنشقا لثراها خاطبا بهم *** وهو البليغ بايضاح وتبيان

هذي دياري وفيها مدفني وبها *** محط قبري ، بهذا الجد أنباني

فما ابن صالح يرجو غير فضلكم *** وانه حسن يدعى بصفوان

والوالدين ومن يقرأ لمرثيتي *** والسامعين ومن يبكي بأحزان

ثم السلام عليكم ما هما مطر *** يوما وما صدحت ورق بأغصان

ص: 64

الحاج سليمان العاملي

المتوفى 1272

هل المحرم فاستهل مكدرا *** قد أوجع القلب الحزين وحيرا

وذكرت فيه مصاب آل محمد *** في كربلا فسلبت من عيني الكرى

يوم مباني الدين فيه تزلزلت *** وانهد من أركانها عالي الذرى

وارتجت الارضون من جزع وقد *** لبست ثياب حدادها أم القرى

خطب له تبكي ملائكة السما *** والشمس والقمر المنير تكورا

من مبلغ المختار أن سليله *** أضحى بأرض ألطف شلوا بالعرى

* * *

الحاج سليمان بن الشيخ علي بن الحاج زين العاملي والد الشيخ محمد والشيخ أبو خليل الزين ولد سنة 1227 وتوفي سنة 1272 ه. قال السيد الامين في الاعيان : كان من أهل الخير والصلاح والمبرات الكثيرة وكان يقوم بنفقات أكثر الطلاب في مدرسة الشيخ عبداللّه نعمة في ( جبع ) وله شعر لا بأس به وجدناه بخطه في بعض المجاميع.

وروى له رحمه اللّه شعرا وقال : انه قاله سنة 1276 و 1277 أي بعد وفاته بخمس سنين. وقد جاء ذلك سهوا.

ص: 65

الشيخ حسن الدورقي

المتوفى 1272

قال يخاطب الامام الحسين (عليه السلام) في حرب دامية وقعت بكربلا من قبل الوالي داود باشا العثماني سنة 1243 ه.

أسليل المصطفى حتى متى *** نحمل المكروه في حب جوارك

طبت نفسا عن مواليك لما *** أسلفوا أم لم تطق منعة جارك

أم تعرضت اختبارا صبرنا *** أنت تدري ما لنا عشر اصطبارك

أكرم الضيف وان جاء بما *** لست ترضاه اذا حل بدارك

انت تدري ما لنا من مطلب *** غير أن نأوي الى مأوى قرارك

قم أخا الغيرة واكشف ما بنا *** ضاقت الافكار عن وجه الاعتذارك

الذنب فهو من عاداتنا *** وتعودت تكافى باغتفارك

أم بنا ضاقت فسيحات الرجا *** دون من يأوي الى كهف اقتدارك

أم بتعجيل العقوبات لنا *** مفخر حاشا مقامات افتخارك

ثم ان كان ولا بد فدع *** هذه واحكم بما شئت بجارك

* * *

الشيخ حسن ابن العلامة جمال الدين الشيخ احمد ابن المحقق الشيخ محمد ابن الشيخ محسن ابن الشيخ علي من آل محسن

ص: 66

بطن من ربيعة.

ولد الشيخ حسن سنة 1213 ه- يقول الشيخ محمد حرز الدين في الجزء الاول من معارفه : كان بحر علم تلاطمت أمواجه وبدر أشرقت به مرابع العلوم وعمت تحقيقاته فهدى وأفاد ، جرى تيار معارفه ففاض فعلا الروابي والهضاب ، وله تقوى قصرت عن قطع مداها كثير من العباد ، وعجزت عن نيل أقل رتبتها الزهاد.

تتلمذ في النجف على يد الشيخ صاحب الجواهر والشيخ محسن الاعسم والشيخ خضر شلال.

مؤلفاته : رسالة في الخمس ، ورسالة في المسائل الجبارية في فنون شتى ، ورسالة في أجوبة الشيخ محمد الصحاف ، ومنظومة في الاصول وكتاب الدرر في الحكمة ، ورسالة في حل أخبار الطينة ، وحواشي على المدارك والمسالك ، وتعليقه على الجواهر والكفاية والمفاتيح والهداية والحدائق ومنسك الحج.

حج بيت اللّه مرتين ، وكان حاملا لواء النظم والنثر فكم له من نظم في أئمة الهدى ومدح العلماء ومراثيهم. توفي يوم الاحد من شهر محرم سنة 1272.

ص: 67

السيد أحمد الفحام

1274

قوله في الحسين (عليه السلام) :

ما بال عيني أسبلت عبراتها *** قاني الدموع وحاربت غفواتها

الذكر دار شطر جرعاء الحمى *** أمست خلاء من مهى خفراتها

أم فتية شط فغادرت الحشى *** تطوي على الصعداء من زفراتها

لا بل تذكرت الطفوف وماجرى *** يوم الطفوف فأسبلت عبراتها

يوما به أضحت سيوف أمية *** بالضرب تقطر من دماء هداتها

يوما به أضحت أسنتها تسيل *** نفوسها زهقا على صعداتها

سقيت أنابيب الوشيج على الصدى *** فقضت على ظمأ دوين فراتها

وعقائل الهادي تقاد ذليلة *** أسرى بني الزرقاء في فلواتها

في أي جد تستغيث فلا ترى *** الا التقنع في سياط طغاتها

أترى درى خير البرية شمله *** عصفت به بألطف ريح شتاتها

أترى درى المختار أن أمية *** قد أدركت في آله ثاراتها

تلك البدور تجللت خسفا وقد *** سقطت بكف يزيد من هالاتها

أبدت غروبا في الطفوف يديرها *** فلك المعالي في أكف بغاتها

تلك الستور تهتكت قسرا وما *** رعيت حمايتها بقتل حماتها

نسل العبيد بآل أحمد أدركت *** ثاراتها أشفت به أحناتها

ص: 68

ويل لها أرضت يزيد وأغضبت *** خير الورى في قتلها ساداتها

لهفي لزينب وهي ما بين العدى *** مرعوبة تبكي لفقد كفاتها

بعدا ليومك يابن أمي انه *** أنضى النفوس وزاد في حسراتها

يا جد ان أمية قد غادرت *** بالطف شمل بنيك رهن شتاتها

هذا الحسين بكربلا متوسدا *** وعر الصخور لقى على عرصاتها

تحت السنابك جسمه وكريمه *** بيد الهوان يدار فوق قناتها

اللّه أكبر انها لمصيبة *** تتقطع الاكباد في خطراتها

أبناء حرب في القصور على أرا *** ئكها وآل اللّه في فلواتها

يمسون قتلى كربلا وأمية *** تمشي نشاوى سكبها راحاتها

يا سادتي يا من بحبهم النفو *** س تقال يوم الحشر من عثراتها

ماذا أقول بمدحكم وبمدحكم *** وافى جميل الذكر من آياتها

صلى الاله عليكم ما ان بدت *** وضح الصباح وقد جلت ظلماتها

* * *

جاء في شعراء الغري : السيد أحمد ابن السيد صادق الفحام الاعرجي ذكره السيد الامين في الاعيان فقال : كان أديبا فاضلا وليس لدينا علم بشيء من أحواله كما ذكره صاحب ( الحصون ) وأثبت له من الشعر قوله :

سأقضي بقرب الدار نحبي على أسى *** اليك وحاجاتي اليك كما هيا

أرى حارما مالي وما ملكت يدي *** وجمعته من طارفي وتلاديا

ص: 69

لقا بأعالي الرمل من حصن سامة *** مسجى على يأس الرجا من حياتيا

تقلبني أيدي العوائد رأفة *** بحالي وتبكي رحمة لشبابيا

وشف الهوى جسمي فلا قمت واقفا *** على مدرج الريح استقرت مكانيا

وما أم رسلان ببطن مفازة *** نأى السرب عنها ساعة الركب ماضيا

ولما تناءى الركب عنها انثنت له *** فألفته محصوص الجناحين طاويا

بأوجد مني يوم أصبحت صارما *** حبالي وقد كنت الخليط المصافيا

وقوله :

ثلاثة أشياء : فروح مضاعة *** ورابعها ايضا تضمن في الكتب

فدين بلا عقل ، ومال بلا ندى *** وعشق بلا وصل ، وبعد بلا قرب

ص: 70

صالح حجي الكبير

1275

قال يرثي أبا الفضل العباس شهيد الطف :

هلّ لا هل بالهنا عاشور *** فعلى ناظري الكرى محظور

ذاك شهر به تزلزل عرش *** اللّه واندك بيته المعمور

ذاك شهر به تفلل من آل *** علي حسامها المشهور

ذاك شهر به انطوى من بني عبد *** مناف لواؤها المنشور

يوم فيه قد غال بدر المعالي *** الخسف والشمس سامها التكوير

يوم أخنى على أبي الفضل فيه *** قدر قبل آدم مقدور

وغدا بعده فريد بني الفضل *** فريدا بناظريه يدير

قائلا أين من لصوني معد *** ولنصري من والدي مذخور

أين حامي الحقيقة المتحامي *** أين كبش الكتيبة المنصور

أين عني خواض بحر المنايا *** وهو بالبيض والقنا مسجور

وأتاني بالماء رغما على الاعداء *** والماء بالردى مغمور

وأبت نفسه الورود ونفسي *** من أوام يشب فيها السعير

يا حميا غداة قل المحامي *** ونصيرا غداة عز النصير

من لهذي الاطفال بعدك حام *** ولهذي العيال بعدك سور

ص: 71

فبحر بي تظاهرت آل حرب *** يوم ظهري خلا وأودى الظهير

بأبي من بكى الحسين عليه *** ونعاه التهليل والتكبير

لست أنساه في الوغى يتهادى *** باسم الثغر والعجاج يثور

قد تجلى على العراق مطلا *** بسرايا منها الشئام تمور

كر في الحرب والجسوم تهاوى *** بظبا الشوس والرؤوس تطير

يتلقى الجم الغفير بعزم *** ما لديه الجم الغفير غفير

لم يزل يحصد الاسود الى أن *** خر من بينها الهزبر الهصور

ذاك طور الهدى تجلى له النو *** ر فلا غرو أن يدك الطور

وبشاطي الفرات يقضي أبو الفضل *** أو اما ليت الفرات يغور

يصدر المرهف المهند عنه *** ناهلا والمثقف المطرور

دمه غسله ونسج الصبا أكفا *** نه والثرى له كافور

يا لها وقعة بها ناظر الدين *** الى الحشر بالدما ممطور

لا يجلى ديجورها غير بدر *** ينجلي في شروقه الديجور

رحمة اللّه والذي يكشف الغماء *** عنا به وتشفى الصدور

علة الكائنات قطب مدار ال- *** -حق مشكاة نوره والنور

* * *

صالح بن قاسم بن محمد بن احمد بن حجي الطائي الحويزي الزابي النجفي. شاعر معروف وأديب فاضل. ذكره صاحب الحصون المنيعة ج 1 ص 411 فقال : وآل حجي أسرة نجفية معروفة تنحدر من عشيرة الزابية وهي فخذ من قبيلة طي كان مسكنهم على شط الفرات ، وأول من رحل منهم الى النجف لتحصيل العلم الشيخ قاسم والد المترجم له فحضر على علماء عصره وانكب على التحصيل والتفوق في دراسة الفقه والاصول

ص: 72

حتى حاز على مرتبة المجتهدين العظام ، ثم بعد رحل الى بلاد فارس ووصل الى خراسان فخلف هذا المترجم له ، ولم يكن في أول أمره مشغولا بالادب والشعر لكن عندما كف بصره جعل الشعر سلوة له فأكثر في النظم.

أقول وجاء ذكره في الحصون اكثر من مرة وفي عدة أجزاء منها. وجاء في ( الطليعة ) انه من العلماء الصلحاء والاجلاء الاتقياء ، له شعر كثير ومطارحات مع شعراء عصره وعلماء زمانه.

وترجم له في ( طبقات أعلام الشيعة ) فقال : هو الشيخ صالح ابن الشيخ قاسم ابن الحاج محمد الطرفي الحويزي النجفي ، من أعلام الادب في عصره ومن حفاظ القرآن. ( آل حاجي ) من بيوت النجف المعروفة بالفضل والادب ، قطنت النجف في القرن الثاني عشر ، وهم من قبيلة ( بني طرف ) الحويزيين ، وأول من هاجر منهم الى النجف الشيخ قاسم والد المترجم له وسكن محلة ( الحويش ) ، ولحق جدهم محمدا لقب ( الحاج ) وبقي ملازما لاولاده وأحفاده.

وقال صاحب طبقات الشيعة : وقد ضاع معظم شعر المترجم له وتلف مع سائر آثار أسرته من جراء حوادث الطاعون الذي قضى عليهم وطمس آثارهم الا ما حفظته المجاميع النجفية المخطوطة ، وقد رأيت من شعره قصيدة في رثاء الشيخ محمد حسن صاحب ( الجواهر ) وأخرى في رثاء الشيخ محمد بن علي ابن جعفر كاشف الغطاء ، وثالثة في رثاء السيد شريف زوين أخ

ص: 73

السيد صالح القزويني لأمه ، ورابعة في رثاء الشيخ حسن بن جعفر كاشف الغطاء ، وخامسة في رثاء السيد حسن بن علي الخرسان وقد أثبتها السيد جعفر الخرسان في مجموعته ، وقد خلف ولدين : الشيخ جواد والشيخ مهدي وكلاهما من أهل الفضل والادب.

من شعره قصيدته التي قرض بها موشحة السيد صالح القزويني البغدادي التي مدح بها الشيخ طالب البلاغي :

صاغ من جوهر النظام عقودا *** راق كالدر سمطها منضودا

شهدت بالعلى له وأقامت *** لعلاها منه عليها شهودا

واستعارت منها الغواني ثنايا *** ها الغوالي فنظمتها عقودا

وغدا ابن الاثير وهو أثير *** بعلاه كأبن العميد عميدا

وجميلا أرتك غير جميل *** واسترقت كأبن الوليد الوليدا

صرعت قبله صريع الغواني *** بعد ما صيرت لبيدا لبيدا

كبرت آية لصالح لو شا *** هدها قومه لخروا سجودا

فصلتها يدا حميد فأضحى *** ذكرها مثل ذكره محمودا

ملك من بني النبي وجدنا *** ما بآبائه به موجودا

حدد المكرمات كما وكيفا *** بيد جودها تعدى الحدودا

مكرمات زواهر تقتفيها *** عزمات تصدع الجلمودا

فهو أعلى من أن يقال مجيد *** أو هل غيره يعد مجيدا

ولعمري لهو المعد ليوم *** لم يكن غيره له معدودا

بحر علم طمى فلم تلف بحرا *** طاميا لم يكن به ممدودا

وجواد لم يكب جريا كلالا *** وحسام لم ينب ضربا حدودا

يا سحابا بفيض جدواه فضلا *** طوق العالمين جيدا فجيدا

لم نزل والورى جميعا نوافي *** كل يوم من الهنا بك عيدا

ص: 74

الشيخ قاسم الهر

المتوفى 1276

لله درهم كم عانقوا طربا *** لدن الرماح عناق الخرد الحور

وصافحوا المشرفيات الصفاح لدى *** الحرب العوان بقلب غير مذعور

وكم أشم مجد العصب يختلس الا *** رواح والحرب منه ذات تسعير

يلقى المواضي وسمر الخط متشحا *** بحادثات المنايا والمقادير

تثنى لسطوتهم شم الجبال اذا *** سطو على الهضب والآكام والقور

ما سالموا للعدى حتى اذا انتشروا *** كالشهب ما بين مطعون ومنحور

من للهدى والندى بعد الالى كتبت *** أسماؤهم فوق عرش اللّه بالنور

اللّه أكبر يا لله من نوب *** جرت لآل علي بالمصادير

فكم بدور هدى في كربلا محقت *** وغير النور منها أي تغيير

وكم نجوم لارباب العلى حجبت *** تحت الثرى بعدما غيلت بتكدير

أقول وأول هذه القصيدة الحسينية :

فلّت مواضي الهدى في يوم عاشور *** وبيضة الدين قد شيبت بتكدير

يوم بنو الوحي والتنزيل فيه غدوا *** طعم العواسل والبيض المباتير

* * *

ص: 75

الشيخ قاسم بن محمد علي بن احمد الحائري الشهير بالهر والبصير أخيرا ، ولد سنة 1216 والمصادف 1801 م وتوفي سنة 1276 والمصادف 1859 م وأضر في آخر عمره ، وفي الطليعة : كان أديبا شاعرا عابدا ناسكا ، فقد بصره وهو في ميعة شبابه وشرخ صباه ، وتلقى العلم في المعاهد الدينية بكربلاء المقدسة أورد بعض شعره في المجموع الرائق ، وأخيرا كتب عنه صديقنا الاستاذ السيد سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) وذكر من كتب عن حياة هذا الشاعر كالسيد الامين في الاعيان والشيخ آغا بزرك الطهراني وغيرهما. توفي المترجم له بكربلاء المقدسه ودفن في الصحن الحسيني المقدس مما يلي باب السدرة ومن أشهر شعره قوله في الامام الحسين علیه السلام :

يومان لم أر في الايام مثلهما *** قد سرني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به *** يوم شمر على صدر الحسين رقا

وقوله في رثاه (عليه السلام) :

ما أنت يا قلب وبيض الملاح *** ووصف كاسات وساق وراح

هلم يا صاح معي نستمع *** حديث من في رزئه الجن ناح

لقد قضى ريحانة المصطفى *** بين ظبا البيض وسمر الرماح

لهفي عليه مذ هوى ظاميا *** موزع الجسم ببيض الصفاح

ثوى أبي الضيم في كربلا *** ورحله فيها غدا مستباح

هبوا بني عمرو العلى للوغى *** بكل مقدام بيوم الكفاح

نساؤكم بالطف بين العدى *** كأنها بالنوح ذات الجناح

وهناك جملة من القصائد الحسينية في المخطوطات النادرة رأيناها في تجوالنا عن أدب الطف.

ص: 76

الشيخ عباس الملا

المتوفى 1276

وقد ارتجلها في الحائر الحسيني بكربلاء :

يا سيد الشهداء جئت من الحمى *** لك قاصدا يا سيد الشهداء

متوسلا بك في قضاء حوائجي *** فأذن اذا لحوائجي بقضاء (1)

* * *

الشيخ عباس بن الملا علي بن ياسين البغدادي النجفي من أسرة آل السكافي ، أسرة معروفة في النجف تتعاطى التجارة ، وأبوه الملا علي من ذوي النسك والصلاح يتعاطى بيع ( البز ) في بغداد ، وفي سنة 1247 هاجر الملا علي الى النجف رغبة منه في مجاورة مشهد الامام أمير المؤمنين ولولده المترجم له يومئذ من العمر ثلاث سنين ، اذ أن مولده كان سنة 1244 ففتح عينيه على الجو الادبي الذي يمتاز به هذا البلد واتصل بأدبائه وعلمائه فأين ما اتجه رأى عالما أو محادثا أو مؤلفا وكان له الميل الكامل

ص: 77


1- عن ديوانه المطبوع بالمطبعة العلمية - النجف الاشرف جمع وتحقيق الخطيب الاديب الشيخ محمد علي اليعقوبي.

لذلك الجو العلمي فبرع في العلم والادب ونظم القريض ونبغ فيه قبل بلوغ سن الرشد فأصبح من ذوي المكانة بين أدباء القرن الثالث عشر الهجري ولا أدل على ذلك من قوله :

أحطت من العلوم بكل فن *** بديع والعلوم على فنون

فها أنا محرز قصب المعالي *** وما جاوزت شطر الاربعين

وقوله :

كفاني أنني لعلاي دانت *** بنو العلياء من قاص ودان

وحسبي أنني من حيث أبدو *** أشار الناس نحوي بالبنان

صرح البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة بأنه تفقه على العلامة الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، وله مساجلات ومطارحات مع أدباء عصره وفي مقدمتهم الشاعر عبد الباقي العمري الموصلي فقد كان من المعجبين به فقد راسله ومدحه بطائفة من القصائد والمفردات منها قوله في قصيدته يمدحه فيها تناهز ال- 50 بيتا مثبتة بديوانه المطبوع واليك شاهدا منها :

له اللّه من ذي منطق أعجز الورى *** وألسنة الافصاح عنه غدت لكنا

ترعرع في حجر النجابة وانثنى *** من المجد قبل المهد متخذا حضنا

حبيب اذا أنشأ ، صريع اذا انتشى *** بديع اذا وشى ، غريض اذا غنى (1)

ص: 78


1- أشار بالبيت الى أبي تمام حبيب بن أوس ، وصريع الغواني مسلم بن الوليد ، وبديع الزمان الهمداني ، وغريض الاندلسي المغني المعروف.

ومفتقر ( مغنى اللبيب ) للفظه *** يعلم في اعرابه معبد اللحنا

تسامى على الاقران فهو أجلهم *** وأكبرهم عقلا وأصغرهم سنا

وأكثرهم فضلا وأفضلهم ذكا *** وأنفذهم فكرا وأشحذهم ذهنا

ومنها :

مراث بنعت الال آل محمد *** له الدهر يعطي حين ينشدها الاذنا

ويستوقف الافلاك شجو نشيده *** ويستصرخ الاملاك والانس والجنا

فيبكي الحيا والجو يندب والسما *** تمور ووجه الارض يملؤه حزنا (1)

وذكره العلامة السماوي في ( الطليعة ) وأورد شواهد من شعره ثم نشر بقلمه في مجلة ( الغري ) السنة 7 الصادر سنة 1365 وخلاصة ما قال : العباس بن علي بن ياسين أبو الامين كان فاضلا أديبا جميل الشكل حسن الصوت لطيف المعاشرة ، وكان أبوه تقيا هاجر من

ص: 79


1- قال المرحوم الشيخ اليعقوبي معلقا على هذا البيت : سألت الشيخ محمد السماوي فقلت له : لم يكن للشيخ عباس رثاء مشهور في أهل البيت ، فما هو قصد العمري في هذه الابيات. فاجاب قائلا : روى لي بعض معاصريه انه كان يستدر الدموع بصوته الرخيم وانشاده الرقيق لما يحفظه من المراثي الحسينينة في بعض الندوات الخاصة التي يعقدها اصحابه ببغداد في أيام عاشوراء كما حدث بذلك المرحوم الحاج حسين الشهربانلي من شيوخ بغداد المعمرين وانه كان ممن شهد تلك الاندية.

بغداد الى النجف وابنه رضيع وكان وقاد الذهن حاد الفهم وسيما ذا عارضة شديدة وهمة عالية مشاركا في العلوم على صغر سنه ، وصاهره الحسين بن الرضا الطباطبائي على شقيقته فهنأ السيد وهنأ نفسه بمصاهرة آل الرسول ، وعرف بالتقوى وامتاز بالورع فهو كما كان من مشاهير الشعراء كان كذلك من مشاهير الاتقياء. توفي في أواسط شهر رمضان سنة 1276 وعمره 32 سنة ودفن بالصحن الحيدري تجاه باب الرواق الكبير ، ويقال في سبب موته انه هوى ابنة أحد الاشراف وأخفى هواه حتى أنحله الى أن قضى نحبه. رثاه العلامة السيد حسين الطباطبائي آل بحر العلوم بقصيدة تفيض بالحسرات والآلام وهذا أكثرها.

رزء كسا العلياء ثوب حداد *** وأماد للاسلام أي عماد

أصمت فوادحه الرشاد فبددت *** أركانه بالرغم أي بداد

هل ذاك نفخ الصور قد صرت بنا *** زعقاته أم ذاك صرصر عاد

جلل عرا فرمت سهام خطوبه *** دين النبي ومعشر الامجاد

هاتيك غر الاكرمين لوجدها *** تذري المدامع من دم الاكباد

ثكلى ومن فرط الجوى أحشاؤها *** أبدا ليوم الحشر في ايقاد

قف بالديار الدراسات طلولها *** وانشد رباها عن أهيل ودادي

بالبنين ان سلبوا القلوب فانهم *** خلعوا على الاجساد ثوب سواد

تقفوا النجائب من جوى وجفونها *** تهمي متى يحدو بهن الحادي

لله رزء أججت نيرانه *** قلب الورى من حاضر أو باد

رزء الفتى السامي أبي الفضل الذي *** حاز الفضائل من لدى الميلاد

من فاق أرباب العلى بمفاخر *** علم وأخلاق وبسط أيادي

ص: 80

ذات سمت فحوت مناقب جمة *** أعيت عن الاحصاء والتعداد

قس البلاغة في الورى بل لم يقس *** كلا بسحبان وقس أياد

ومهذب مزج القلوب بوده *** مزج الاله الروح بالاجساد

ذاك الذي شرك الانام بماله *** لكن تفرد في هدى ورشاد

فقضى وأنفس زاده التقوى وهل *** للمتقين سوى التقى من زاد

لو يفتدى لفديته طوعا بما *** ملكت يدي من طارف وتلاد

لكن اذا نفذ القضا فلا ترى *** تجدي هنالك فدية من فاد

خنت الذمام وحدت عن نهج الوفا *** ان ذقت بعد نواه طعم رقاد

وسلوت مجدي ان سلوت مصابه *** حتى ألاقيه بيوم معادي

هل كيف تسكن لوعتي فيه وقد *** أمسى رهين جنادل الالحاد

لي كانت الايام أعيادا به *** واليوم عاد مراثيا انشادي

أصفيته دون الانام الود اذ *** كان الحري ومجده بودادي

لمحته عيني فابتلت كبدي به *** ان العيون بلية الاكباد

وعرفت قدر علاه من حساده *** اذ تعرف الاشياء بالاضداد

ذخرى ومن حذري عليه كنزته *** تحت الثرى عن أعين الاشهاد

أتبعته عند الرحيل مدامعا *** تحكي الغوادي أو سيول الوادي

فقضى برغمي قبل أن اقضي به *** وطري وأبلغ من علاه مرادي

يرتاح في روض الجنان فؤاده *** ومعذب بلظى الجحيم فؤادي

يا ليتما لاقيت حيني قبل ما *** ألقاه محمولا على الاعواد

فدى بقية عمره نفسي التي *** هي نفسه ففدى المفدى الفادي

من بعد فقدك لا أرى في الدهر لي *** عونا على صرف الزمان العادي

لله نعشك مذ سرى ووراءه *** أم المعالي بالثبور تنادي

لله قبرك كيف وارى لحده *** طودا يفوق علا على الاطواد

ص: 81

لله رمسك كيف غشى طلعة *** سطعت سنا كالكوكب الوقاد

ولقد صفا بك عيشنا زمنا فهل *** ذاك الزمان الغض لي بمعاد

كم ذا أقاسي فيك من وجد ومن *** نوب تهد الراسيات شداد

أتقلب الليل الطويل كأنني *** متوسد وعلاك شوك قتاد

أبكيك يا جم المكارم ما شدت *** ورقاء فوق المايس المياد

أبكي ولم أعبأ بلومة عاذل *** ( اني بواد والعذول بواد )

أفهل ترى لي سلوة في فقد من *** هو فاقد الامثال والانداد

هيهات لا أسلو وان طال المدى *** من كان في الكرب الشداد عتادي

يا منهل الوراد بل يا روضة *** الرواد بل يا كعبة الوفاد

بك كان نادينا يضيء وقد محت *** أيدي الزمان ضياء ذاك النادي

كم ذا دهتني الحادثات بفادح *** لكن ذا أدهى شجى لفؤادي

وحشدت يا دهر الضغائن لي فما *** لك كم تجور على بني الامجاد

أوريت نيران الآسي في مهجة *** الصادي أجل فاللّه بالمرصاد

وسقى ضريحا ضم خير معظم *** أبدا مدى الازمان صوب عهاد

ذكر الشيخ آغا بزرك ان الشيخ اليعقوبي الخطيب كان قد ظفر بديوان المترجم له وقد استنسخ منه نسخة كاملة ب- 330 صفحة وان النسخة فقدت في جملة ما فقد في سنة 1335.

وهكذا انطوت حياة هذا العبقري ولا تزال قصة غرامه أحدوثه السمر في أندية الادب.

ومن شعره يمدح الامام أمير المؤمنين عليا علیه السلام ويستجير به من الوباء :

أيها الخائف المروع قلبا *** من وباء أولى فؤادك رعبا

ص: 82

لذ بأمن المخوف صنو رسول *** اللّه خير الانام عجما وعربا

واحبس الركب في حمى خير حام *** حبست عنده بنو الدهر ركبا

وتمسك بقبره والثم الترب *** خضوعا له فبورك تربا

واذا ما خشيت يوما مضيقا *** فامتحن حبه تشاهده رحبا

واستثره على الزمان تجده *** لك سلما من بعد ما كان حربا

فهو كهف اللاجي ومنتجع الآ *** مل والملتجي لمن خاف خطبا

من به تخصب البلاد اذا ما *** أمحل العام واشتكى الناس جدبا

وبه تفرج الكروب وهل من *** أحد غيره يفرج كربا

يا غياثا لكل داع وغوثا *** ما دعاه الصريخ الا ولبى

وغماما سحت غوادي أياد *** يه فأزرت بواكف الغيث سكبا

وأبيا يأبى لشيعته الضيم *** وأنى والليث للضيم يأبى

كيف تغضي وذي مواليك أضحت *** للردى مغنما وللموت نهبا

أو ترضى مولاي حاشاك ترضى *** أن يروع الردى لحزبك سربا

أو ينال الزمان بالسوء قوما *** أخلصتك الولا وأصفتك حبا

حاش لله أن ترى الخطب يفني *** - يا أمانا من الردى - لك حزبا

ثم تغضي ولا تجير أناسا *** عودتهم كفاك في الجدب خصبا

لست أنحو سواه لا وعلاه *** ولو أني قطعت اربا فاربا

في حماه أنخت رحلي علما *** أن من حل جنبه عز جنبا

لا ولا أختشي هوانا وضيما *** وبه قد وثقت بعدا وقربا

وبه أنتضي على الدهر عضبا *** ان سطا صرفه وجرد عضبا

وبه أرتجي النجاة من الذنب *** وان كنت أعظم الناس ذنبا

وهو حسبي من كل سوء وحسبي *** أن أراه ان مسني الدهر حسبا

لست أعبا بالحادثات ومن لا *** ذ بآل العبا غدا ليس يعبا

ص: 83

وله البيتان المكتوبان في الايوان الذهبي الكاظمي يمدح الامامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد علیهماالسلام :

لذ ان دهتك الرزايا *** والدهر عيشك نكد

بكاظم الغيظ موسى *** وبالجواد محمد

وقال موريا في مدح استاذه السيد حسين بحر العلوم :

نفسي فداء سيد وده *** أعددته ذخري لدى النشأتين

لا غرو ان كنت فداء له *** فانني ( العباس ) وهو ( الحسين )

وقال وهو من أروع ما قال في الغزل :

عديني وامطلي وعدي عديني *** وديني بالصبابة فهي ديني

ومني قبل بينك بالأماني *** فان منيتي في أن تبيني

سلي شهب الكواكب عن سهادي *** وعن عد الكواكب فاسأليني

صلي دنفا بحبك أوقفته *** نواك على شفا جرف المنون

أما وهوى ملكت به قيادي *** وليس وراء ذلك من يمين

لأنت أعز من نفسي عليها *** ولست أرى لنفسي من قرين

أما لنواكم أمد فيقضى *** اذا لم تقض عندكم ديوني

وكنت أظن أن لكم وفاء *** لقد خابت لعمر أبي ظنوني

هبوني أن لي ذنبا وما لي *** سوى كلفي بكم ذنب هبوني

ألست بكم أكابد كل هول *** وأحمل في هواكم كل هون

أصون هواكم والدمع يهمي *** دما فيبوح بالسر المصون

وتعذلني العواذل اذ تراني *** أكفكف عارض الدمع الهتون

يمينا لا سلوتهم يمينا *** وشلت ان سلوتهم يميني

ص: 84

جفوني بعد وصلهم وبانوا *** فسحي الدمع ويحك يا جفوني

لقد ظعنوا بقلبي يوم راحوا *** فها هو بين هاتيك الظعون

فمن لمتيم أصمت حشاه *** سهام حواجب وعيون عين

اذا ما عن ذكركم عليه *** يكاد يغص بالماء المعين

رهين في يد الاشواق عان *** فياللّه للعاني الرهين

اذا ما الليل جن بكيت شجوا *** وطارحت الحمائم في الغصون

ولو أبقت لي الزفرات صوتا *** لأسكت السواجع في الحنين

بنفسي من وفيت لها وخانت *** وأين أخو الوفاء من الخؤون

أضن على النسيم يهب وهنا *** برياها وما أنا بالضنين

فان أك دونها شرفا فاني *** لأحسب هامة العيوق دوني

ومن مثلي بيوم وغى وجود *** وأي فتى له حسبي وديني

ومن ذا بالمكارم لي يداني *** وهل لي في الاكارم من قرين

وكم لي من مآثر كالدراري *** وكم فضل - خصصت به - مبين

فمن عزم غداة الروع ماض *** كحد السيف تحمله يميني

وحلم لا توازنه الرواسي *** اذا ما خف ذو الحلم الرزين

وبأس عند معترك المنايا *** تقاعس دونه أسد العرين

وجود تخصب الايام منه *** اذا ما أمحلت شهب السنين

وعز شامخ الهضبات سام *** له الاعيان شاخصة العيون

ولي أدب به الركبان سارت *** تزمزم بين زمزم والحجون

أحطت من العلوم بكل فن *** بديع والعلوم على فنون

وكم قوم تعاطوها فكانوا *** على ظن وكنت على يقين

فها أنا محرز قصب المعالي *** وما جاوزت شطر الاربعين

وقال في الغرام :

حبذا العيش بجرعاء الحمى *** فلقد كان بها العيش رغيدا

ص: 85

لا عدا الغيث رباها فلكم *** أنجز الدهر لنا فيها وعودا

ولكم فيها قضينا وطرا *** وسحبنا للهوى فيها برودا

يا رعى اللّه الدمى كم غادرت *** من عميد واله القلب عميدا

ولكم قاد هواها سيدا *** فغدا يسعى على الرغم مسودا

وبنفسي غادة مهما رنت *** أخجلت عين المها عينا وجيدا

ليس بدعا ان أكن عبدا لها *** فلها الاحرار تنصاع عهيدا

جرحت ألحاظها الاحشاء مذ *** جرحت ألحاظنا منها الخدودا

رصدت كنز لئالي ثغرها *** بأفاع أرسلتهن جعودا

وحمت ورد لماها بظبى *** من لحاظ تورد الحتف الاسودا

يا مهاة بين سلع والنقى *** سلبت رشدي وقد كنت رشيدا

ولقتلي عقدت تيها على *** قدها اللدن من الشعر بنودا

ما طبتني البيض لولاها وان *** كن عينا قاصرات الطرف غيدا (1)

يا رعاها اللّه من غادرة *** جحدت ودي ولم ترع العهودا

منعت طرفي الكرى من بعد ما *** كان من وجنتها يجني الورودا

لو ترى يوم تناءت أدمعي *** لرأيت الدر في الخد نضيدا

ما الذي ضرك لو عدت فتى *** عد أيام اللقا يا مي عيدا

وتعطفت على ذي أرق *** لم تذق بعدك عيناه الهجودا

كم حسود فيك قد أرغمته *** فلماذا في أشمت الحسودا

نظمت ما نثرته أدمعي *** من لئال كثناياها عقودا

جدت بالنفس وضنت باللقا *** فبفيض الدمع يا عيني جودا

يا نزولا بزرود وهم *** بحمى القلب وان حلوا زرودا

قد مضت بيضا ليالينا بكم *** فغدت بعدكم الايام سودا

ص: 86


1- أطباه بالتشديد حرفه ودعاه.

كنت قبل البين أشكو صدكم *** ثم بنتم فتمنيت الصدودا

هل لايام النوى أن تنقضي *** ولايام تقضت أن تعودا

أوقد البين بقلبي جذوة *** كلما هبت صبا زادت وقودا

عللونا بلقاكم فالحشا *** أوشكت بعد نواكم أن تبيدا

واذا عن لقلبي ذكركم *** خدد الدمع بخدي خدودا

ناشدوا ريح الصبا عن كلفي *** انها كانت لاشواقي بريدا

شد ما كابدت من يوم النوى *** انه كان على القلب شديدا

أنا ذاك الصب والعاني الذي *** بهواكم لم يزل صبا عميدا

حدت عن نهج الوفا يا مي ان *** أنا حاولت عن الحب محيدا

واذا ما أخلق النأي الهوى *** فغرامي ليس ينفك جديدا

لم يدع بينكم لي جلدا *** ولقد كنت على الدهر جليدا

من عذيري من هوى طل دمي *** وصدود جرع القلب صديدا

بي من الاشجان ما لو أنه *** بالجبال الشم كادت أن تميدا

لو طلبتم لي مزيدا في الهوى *** ما وجدتم فوق ما في مزيدا

ومن غرامياته قوله :

الى م تسر وجدك وهو باد *** وتلهج بالسلو وأنت صب

وتخفي فرط حبك خوف واش *** وهل يخفى لاهل الحب حب

ولولا الحب لم تك مستهاما *** على خديك للعبرات سكب

وان ناحت على الاغصان ورق *** يحن الى الرصافة منك قلب

تحن لها وان لحت اللواحي *** وتذكرها وان غضبوا فتصبو

وتصبو للغوير وشعب نجد *** وغير الصب لا يصبيه شعب

نعم شب الهوى بحشاك نارا *** وكم للشوق من نار تشب

تشب ومنزل الاحباب دادن *** فهل هي بعد بعد الدار تخبو

أجل بان التجلد يوم بانوا *** وأظلم بعدهم شرق وغرب

ص: 87

كبا دون السلو جواد عزمي *** وعهدي فيه لم يك قط يكبو

فلي من لاعج الزفرات زاد *** ولي من ساكب العبرات شرب

وبين القلب والاشجان سلم *** وبين النوم والاجفان حرب

وليس هوى المها الا عذاب *** ولكن العذاب بهن عذب

لحى اللّه الحوادث كم رمتني *** بقاصمة لها ظهري أجب

كذاك الدهر بالاحرار مزر *** كأن للحر عند الدهر ذنب

ولو يجدي العتاب لطال عتبي *** ولكن ما على الايام عتب

ص: 88

محمد بن عبد اللّه حرز

اشارة

المتوفى 1277

عج بالطفوف وقل يا ليث غابتها *** واذر الدموع وناجي الرسم والتزم

وانح الفرات وسل عن فتية نزلوا *** يوم الطفوف على الرمضاء والضرم

ونسوة بعد فقد الصون بارزة *** بين الطفوف بفرط الحزن لم تنم

ما بين باكية عبرى ونادبة *** تدعو أباها ربيب البيت والحرم

تحنو على السبط شوقا كي تقبله *** فلم تجد ملثما فيه لملتثم

والقصيدة تحتوي على 65 بيتا ومطلعها :

قف بالديار وسل عن جيرة الحرم *** أهل أقاموا برضوى أم بذي سلم

أم يمموا الصعب قودوا نحو قارعة *** ومحنة رسمت في اللوح والقلم

أم قد غدى في لظى الرمضاء ركبهم *** نحو الردى والهدى لله من حكم

* * *

جاء في معارف الرجال : الشيخ أبو المكارم محمد بن الشيخ عبداللّه بن الشيخ حمد اللّه بن الشيخ محمود حرز الدين المسلمى النجفي ولد في النجف حدود سنة 1193 ه- ونشأ وقرأ

ص: 89

مقدمات العلوم فيها. هو عالم علامة محقق له المآثر الجليلة والخصال الحميدة وكان فقيها أصوليا منطقيا أديبا شاعرا ، ومن مهرة العلماء في العربية والعروض ، حدثنا الفقيه الشيخ ابراهيم الغراوي المتوفى سنة 1306 ان المترجم له من أصحاب الفقيه الاجل الشيخ محمد الزريجاوي النجفي والسيد أسد اللّه الاصفهاني ، سافر الشيخ الى ايران لزيارة الامام الرضا (عليه السلام) وفي رجوعه صير طريقه على اصفهان لملاقاة صديقه العالم السيد أسد اللّه الاصفهاني صاحب الكري في النجف المتوفي سنة 1290 وحل ضيفا على السيد فأفضل في اكرامه وتبجيله ونوه باسمه واظهار فضيلته علانية في محافل أصفهان والتمس منه الاقامة في اصفهان على أن يكون مدرسا فلم يؤثر على النجف شيئا وأراه الجامع الذي أحدثه السيد والده بعد قدومه من الحج سنة 1230 ه.

تتلمذ في الفقه على الشيخ علي صاحب الخيارات المتوفى سنة 1253 والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر الفقه والاصول. والسيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1300 وحضر يسيرا درس الشيخ محمد حسين الكاظمي.

مؤلفاته :

كتاب الحج فقه استدلالي مبسوط جدا يوجد في مكتبتنا بخطه ، وكتاب الحاشية في المنطق على شرح الشمسية بخطه ، والمصباح وهو كتاب جامع في أعمال المساجد الاربعة المعظمة والاوراد والادعية المأثورة وكتاب في الحديث ومقتل يتضمن

ص: 90

شهادة الامام الحسين (عليه السلام) وأصحابه في واقعة الطف وفيه بعض مرثياته ، ومجموع يشتمل على جملة من مراثيه ومراثي بعض معاصريه كالشيخ عبدالحسين محي الدين والشيخ عبد الحسين الاعسم وفيه عدة قصائد في الغزل والنسيب وكتاب شرح الحديث - هو شرح لكتاب أستاذه السيد القزويني شارحا ما نظمه خاله العلامة السيد بحر العلوم من مضمون الحديث - قال في المقدمة الحمد لله الذي هدانا الى السبيل بمعرفة البرهان الدليل .. أما بعد فيقول العبد الجاني طالب العفو من الكريم الودود محمد ابن عبداللّه بن حمد اللّه بن محمود حرز الدين المسلمى ، قال في نظم الحديث :

ومشي خير الخلق بابن طاب *** يفتح منه أكثر الابواب

وذكر الشيخ في شرحه أربعين بابه بخطه ، وتتلمذ عليه جماعة منهم الشيخ ابراهيم السوداني كما حدثنا عنه السوداني.

توفي في النجف سنة 1277 ه- بداره بمحلة المسيل قرب مقبرة الصفا غربي البلد ودفن في وادي السلام بمقبرة آل حرز الدين ولم يخلف سوى بنتين.

وله في رثاء مسلم بن عقيل (عليه السلام) :

اللدار أبكي اذ تحمل أهلها *** أم السيد السجاد أم أبكي مسلما

همام عليه الكون ألوى عنانه *** وخانت به الاقدار لما تقدما

تجمعت الاحزاب تطلب ذحلها *** عليه وفيها العلج عدوا تحكما

كأنى به بين الجماهير مفردا *** يحطم في الحامين لدنا ولهذما

وقال في تخميس أبيات الجزيني الكناني في مدح زيد بن علي (عليه السلام) :

ص: 91

أبي يرى ان المصاليت والقنا *** لديها المعالي في الكريهة تجتنى

تولت حيارى القوم تطلب مأمنا *** ولما تردى بالحمائل وانثنى

يصول بأطراف القنا والذوابل

فتى كان لا يهفو حذارا جنانه *** وقوع العوالي في الكريهة شانه

ولما انثنى للشوس يعدو حصانه *** تبينت الاعداء ان سنانه

يطيل حنين الامهات الثواكل

همام اذا ما القعضبية في اللقا *** تحوم تراه في الكتيبة فيلقا

ولما علا ظهر المطهم وارتقى *** تبين منه مبسم العز والتقى

وليدا يفدى بين أيدي القوابل

وقال يرثي ولده جعفر وكان شابا بعدة قصائد منها :

علي الدهر بالنكبات صالا *** وفاجئني بنكبته اغتيالا

وأوهى جانبي فصار جسمي *** لما ألقاه من زمني خلالا

وألم ما لقيت من الرزايا *** فراق أحبة خفوا ارتحالا

ومن شأن القروح لها اندمال *** وقرحة جعفر تأبى اندمالا

أروم سلوه فتقول نفسي *** رويدك لا تسل مني محالا

أراني كلما أبصرت شيئا *** تخيل مقلتي منه خيالا

وقد أثبتنا له عدة قصائد في الجزء الثاني من النوادر. انتهى أقول وأورد صاحب ( شعراء الغري ) ترجمته وذكر مراثيه لولده ، أما تتمة هذه القصيدة :

أري أقرانه فتجود عيني *** فازجرها فتزداد انهمالا

لو أن الدهر يقنع في فداء *** لكان فداؤه نفسا ومالا

فلا واللّه لا أنساك حتي *** أوسد نحو مضجعك الرمالا

ص: 92

درويش علي البغدادي

المتوفى 1277

عين سحي دما على الاطلال *** بربوع عفت لصرف الليالي

قد تولى سعود أنسي بنحس *** بعد خسف البدور بعد الكمال

ما لهذا الزمان يطلب بالثارات *** ما للزمان عندي ومالي

أين أهل التقى مهابط وحي اللّه *** أين الهداة أهل المعالي

آل بيت الاله خير البرايا *** خيرة العالمين هم خير آل

جرعوا من كؤوس حتف المنايا *** ورد بيض الضبا وسمر العوالي

ليت شعري وما أرى الدهر يوفي *** بذمام لسادة وموالي

غير مجد في ملتي نوح باك *** لطلول بمدمع ذي انهمال

بل شجاني ناع أصاب فؤادي *** بابن بنت النبي شمس المعالي

كوكب النيرين ريحانة الهادي *** النبي الرسول فرع الكمال

بأبي سبط خاتم الرسل اذ صار *** يقاسي عظائم الاهوال

لست أنساه وهو فرد ينادي *** هل نصير لنا وهل من موالي

لم تجبه عصابة الكفر الا *** بقنا الخط أو برشق النبال

وغدى يظهر الدلائل حتى *** لم يدع حجة لقيل وقال

وأتته تشن غارة غدر *** فسقاها من المواضي الصقال

وهو فرد وهم الوف ولكن *** آية السيف يوم وقع النزال

ص: 93

بطل يرهب الاسود اذا ما *** حكم البيض من رقاب الرجال

وقضى بالطفوف غوث البرايا *** فبكائي لفقد غيث النوال

فالسماوات أعولت بنحيب *** فهي تبكي بمدمع هطال

وبكى البدر في السماء وحق *** أن يرى باكيا لبدر الكمال

فعزيز على البتولة تلقى الراس *** منه يسري على العسال

وبنات النبي تهدى الى الشام *** أسارى من فوق عجف الجمال

* * *

الشيخ درويش بن علي البغدادي المولود سنة 1220 والمتوفى 1277 هو الاديب الماهر درويش علي بن حسين بن علي بن احمد البغدادي الحائري كان عالما فاضلا أديبا مطبوعا أحد شعراء القرن الثالث عشر المتفوقين بسائر العلوم الغريبة وكانت له اليد الطولى في تتبع اللغة والتفسير وعلوم الادب والدين وصنف كتبا كثيرة. ذكره جمع من المؤرخين وأرباب السير والتراجم منهم العلامة شيخنا آغا بزرك الطهراني حيث قال : ولد في بغداد حدود سنة 1220 ونشأ وترعرع بها وأخذ عن علمائها حتى توفي أبوه وأمه وسائر حماته في الطاعون سنة 1246 فسافر الى كربلاء وجالس بها وأخذ عن علمائها حتى صارت الافاضل تشير اليه بالانامل وبرزت له تصانيف مفيدة ... الخ وظهر خلاف واضح في تاريخ مولده وتاريخ نزوحه اذ ذكر صاحب معارف الرجال : انه ولد في الزوراء سنة 1230 ه- ونشأ فيها وحضر مقدمات العلوم ومبادئ الفقه فيها وجد في تحصيله حتى صار يحضر عند المدرسين المقدمين وحصل الادب والعلم والكمال وملكة الشعر في الزوراء وفي سنة 1248 الذي وقع الطاعون فيها وعم

ص: 94

أغلب مدن العراق فقد المترجم أهله كلهم فيه على المعروف بين المعاصرين ثم بعد ذلك هاجر الى كربلاء وأقام فيها وهو ضابط لمقدماته العلمية باتقان فحضر على علمائها الاعلام الفقه والاصول والكلام حتى صار عالما فقيها محققا بارعا. اما البحاثة عباس العزاوي فيؤيد المحقق الشيخ آغا بزرك في تاريخ مولد الشاعر اذ قال : هو ابن حسين البغدادي كان عالما أديبا شاعرا وله : ( غنية الاديب في شرح مغني اللبيب ) لابن هشام في ثلاث مجلدات ولد ببغداد سنة 1220 ه- - 1815 م وتوفي في كربلاء سنة 1277 ه- - 1860 م. ورثاه ابنه الشيخ احمد بقصيدتين نشرهما في كتابه كنز الاديب وقد ورد له ذكر في ( شهداء الفضيلة ) وهذا نصه :

كان عالما فقيها متكلما شاعرا طويل الباع في التفسير واللغة وعلوم الادب ولد في حدود 1220 وتوفي حدود 1277 وله تأليف ممتعة وشعره حسن.

توفي الشاعر بكربلاء عام 1277 ه- وقيل سنة 1287 ه- ودفن بباب الزينبية عند مشهد الامام الحسين (عليه السلام).

وأعقب ولدا فاضلا شاعرا هو الشيخ احمد بن درويش ترك آثارا قيمة أشهرها : الشهاب الثاقب والجوهر الثمين ، وغنية الاديب الذي يقع في ثلاثة أجزاء وقبسات الاشجان في مقتل الحسين (عليه السلام) يقع في جزئين مخطوط بمكتبة الامام أمير المؤمنين بالنجف تسلسل 376 / 2 ومعين الواعظين وبعض الرسائل وأخيرا كتاب ( المزار ) الذي ختمه ببيت شعر قال فيه :

ص: 95

سيبقى الخط مني في الكتاب *** ويبلى الكف مني في التراب

واضافة الى ما تقدم فان له مجموعة شعرية حوت عدة قصائد قيلت في شتى فنون الشعر وأغراضه.

قال مخمسا قصيدة الفرزدق الميمية في مدح الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وأولها :

هذا الذي طيب الباري أرومته *** فخرا وأعلا على الجوزاء رتبته

هذا الذي تلت الآيات مدحته *** هذا الذي تعرف البطحاء وطاته

والبيت يعرفه والحل والحرم *** هذا ابن من تعرف التقوى بقربهم

والعلم والدين مقرون بعلمهم *** وما السعادة الا قيل حسبهم

هذا ابن خير عباد اللّه كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم

وله راثيا العلامة المولى محمد تقي البرغاني القزويني المعروف بالشهيد الثالث المتوفى سنة 1264 ه- :

فلا غرو في قتل التقي اذا قضى *** قضى وهو محمود النقيبة والاصل

له اسوة بالطهر ( حيدرة ) الرضا *** وقاتله ضاهى ابن ملجم بالفعل

وقال راثيا الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر المتوفى غرة شعبان سنة 1266 ه- بقصيدة مطلعها :

هوت من قبات الفخر أعمدة المجد *** فأضحت يمين المكرمات بلا زند

ص: 96

وغارت بحيرات العلوم وغيبت *** شموس النهى والبدر والكوكب السعد

فلا غرو أن تبكي جواهر شخصه *** فقد ضيعت في الترب واسطة العقد

ويتضح من المعلومات التي نقبنا عنها ان الشاعر كان مقلا في نظمه وأغراض شعره لا تتعدى الاغراض المألوفة.

وللشيخ درويش علي من قصيدة :

عج بالطفوف وقبل تربة الحرم *** ودع تذكر جيران بذي سلم

يا عج وعجل الى أرض الطفوف فقد *** أرست على بقع في السهل والأكم

راقت وجاوزت الجوزاء منزلة *** كما بمدح حسين راق منتظمي

اخلاقه وعطاياه وطلعته *** قد استنارت كضوء النار في الظلم

يكفي حسينا مديح اللّه حيث أتى *** في هل أتى وسبا والنون والقلم

كان الزمان به غضا شبيبته *** فعاد ينذرنا من بعد بالهرم

ورأيت في كتابه ( قبسات الاشجان ) كثيرا من شعره في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) فمن قصيدة يقول في أولها :

هل المحرم لا طالت لياليه *** طول المدى حيث قد قامت نواعيه

ما للسرور قد انسدت مذاهبه *** وأظلم الكون واسودت نواحيه

فمطلق الدمع لا ينفك مطلقه *** جار يروي ثرى البوغاء جاريه

يعزز عليك رسول اللّه مصرع من *** جبريل في المهد قد أضحى يناغيه

وله من قصيدة حسينية :

صروف الدهر شبت في غليلي *** وجسمي ذاب من فرط النحول

ص: 97

عبد اللّه الذهبة

المتوفى 1277

أين الابا هاشم أين الابا *** ما للعلى لم تلف منكم نبا

هذا لوى العليا بلا حامل *** أكلكم عن حمله قد أبى

بعد مقام في ذرى يذبل *** كيف رضيتم بمقام الربى

ولم تزل ترفع فيكم الى *** أن جازت الجوزا بكم منصبا

فما جنت اذ هجرت فيكم *** حاشا على العلياء أن تذنبا

قد أصبحت غضبى لما نابكم *** وحق يا هاشم ان تغضبا

فالجد الجد لمرضاتها *** فكم أنال الطلب المطلبا

القتل القتل فان العلى *** لم ترض أو ترضى القنا والضبا

وأضرموا نار وغى لم تقل *** لمبعث الناس لظاها خبا

وواصلوا حتى تبيدوا العدى *** منكم بأثر المقنب المقنبا

اللّه يا هاشم في مجدكم *** لا يغتدي بين البرايا هبا

اللّه يا هاشم في شملكم *** فقد غدا في الناس ايدي سبا

اين الفخار المشمخر الذي *** ناطح منه الاخمص الكوكبا

أين الاغارات التي أرغمت *** شانئكم شرق أو غربا

اين غمام لم يكن قلبا *** قبل وبرق لم يكن خلبا

كيف وهت عزائم منكم *** كادت على الافلاك أن تركبا

وكم غدت أسادكم هاشم *** تعدو عليها في شراها الظبا

ص: 98

أما أتاكم ما على كربلا *** من نبأ منه شباكم نبا

ما جاءكم ان العظيم الذي *** على الثريا مجدكم طنبا

وكاشف الارزاء عنكم اذا *** دهر بأجناد البلا اجلبا

وذي الايادي الهامرات التي *** أضحى بها مجدكم مخصبا

أضحى فريدا في خميس ملا *** رحب البسيط الشرق والمغربا

لم يلف منكم من ظهير له *** اذ جاوز الخطب بلاغ الزبا

يخوض تيار الوغى ذا حشى *** فيه الظما ساعره الهبا

مجاهدا عن شرعة اللّه من *** الى الغوى عن نهجها نكبا

حتى قضى لم يلف من ناصر *** بعد لمن عن نصره قد أبى

مقطرا تعدو بأشلائه *** برغمكم خيل العدى شزبا

ما أعجب الاقدار فيما أتت *** لصفوة الرحمن ما أعجبا

كيف قضت لغالب الموت من *** عن نابه كشر أن يغلبا

فما بقى الاكوان والموت في *** روح البرايا أنشب المخلبا

مضى الى الرحمن في عصبة *** لنصره الرحمن قبل اجتبى

قضوا كراما بعد ما ان قضوا *** ما اللّه لابن المصطفى أوجبا

على العرى عارين قد شاركت *** في سترها هامي النحور الظبا

وخلفوا عزائز اللّه من *** دون محام للعدى منهبا

غرائبا في هتك أستارها *** وخفضها صرف القضى أعربا

تذري على فقدان ساداتها *** دمعا كوكاف الحيا صيبا

تحملها العيس على وخدها *** تطوي بأثر السبسب السبسبا

تقرعهن الاصبحيات ان *** نضو من الاعيا بها قد كبا

يا غضبة الاقدار هبي فقد *** أن الى الاقدار أن تغضبا

ان التي يسدف أستارها *** جبريل حسرى في وثاق السبا

ص: 99

ومن على أعتابها تخضع الا *** ملاك يقفو الموكب الموكبا

خواضع بين العدى لم تجد *** من ذلة الاسر لها مهربا

عز على الاملاك والرسل ان *** تمسي لابناء الخنا منهبا

تود لو أن الدجى سرمدا *** لما عن الرائي لها غيبا

وان بدا الصبح دعت من أسى *** يا صبح لا أهلا ولا مرحبا

أبديت يا صبح لنا أوجها *** لها جلال اللّه قد حجبا

تراك قد هانت عليك التي *** عن شأنها القرآن قد أعربا

فما جنى يا شمس جان كما *** جنيت في حرات آل العبا

الليل يكسوها حذارا على *** أوجهها من دجنة الغيهبا

وأن- تبديها لنظارها *** فمن جنى مثلك أو أذنبا

لم لا تواريت بحجب الخفا *** للبعث لما آن أن تسلبا

يا هاشم العليا ولا هاشما *** الخطب قد أعضل واعصوصبا

ما آن لا بعدا لاسيافكم *** من هامر الاوداج ان تشربا

لا عذر أو تجتاح أعداءكم *** أراقم المران أو تعطبا

أو تنعل الافراس من هم من *** رام على علياك أن يشغبا

جافي عن الاسياف اغمادها *** وواصلي بين الطلا والشبا

حتى تبيدي أو تبيدي العدى *** اللّه في ثارك أن يذهبا

ولا تملي من قراع الردى *** أو يجمع الشمل الذي شعبا

ما صد أسماعكم عن ندى *** زينب والهفا على زينبا

وقد درت أن لا ملب لها *** لكن حداها الثكل أن تندبا

تندب واقوماه من هاشم *** لنسوة لها السبا اذهبا

هذي بنات الوحي لم تلف من *** كل الورى ملجا ولا مهربا

ص: 100

قال صاحب أنوار البدرين : ومن الشعراء البحرين الشاعر المطبوع الحاج عبد اللّه ابن المرحوم الحاج احمد الذهبة البحراني ، هو من أهل قرية ( جد حفص ) سكن مسقط ثم لنجة وهناك انتقل الى رحمة اللّه ورضوانه.

كان شاعرا ماهرا من شعراء أهل البيت علیهم السلام ، راثيا ومادحا بارع في الشعر ، اجتمعت به في دارنا بالقطيف وكان قد جاء زائرا للمرحوم شيخنا الشيخ احمد ابن الشيخ صالح. له ديوان شعر رأينا منه مجلدين ضخمين ومن قصائده الغراء رائعته التي يقول في أولها :

أبى الدهر أن يصفو لحر مشاربه

ويقول في آخرها :

ولهفي ولا يشفى الذي في ضمائري *** بلهفي ولا يخبو من الوجد لاهبه

لربات خدر لم تر الشمس وجهها *** لها دان أعجام الورى وأعاربه

وترجم له شيخنا المعاصر الشيخ علي الشيخ منصور المرهون في شعراء القطيف وذكر قصيدته التي مطلعها :

أين الابا هاشم أين الابا *** ما للعلى لم تلف منكم نبا

أقول ولشاعرنا المترجم له شعر كثير في أهل البيت علیهم السلام ومنه قصيدته التي مطلعها :

ص: 101

هل تركت لك الطفوف أدمعا *** تبكي بها بعد حمى وأربعا

رأيت ديوانه في مكتبة المرحوم الشيخ آغا بزرك الطهراني - قسم المخطوطات - الخزانة العاشرة وقد كتب على الغلاف ( في رثاء الحسين ).

وذكره البحاثة الطهراني في ( الكرام البررة ) فقال : كان من مشاهير مداح أهل البيت علیهم السلام ، وقد أكثر من البكاء والنوح عليهم ، وكان في غاية الورع والتقوى نظيرا للسيد حيدر الحلي في العراق ، سكن مسقط ثم بندر لنجة وديوانه كبير في مجلدات. أدركه صاحب ( أنوار البدرين ) وذكره فيه. وهو من أهل أواخر المائة الثالثة عشرة.

ص: 102

الشيخ حسن قفطان

المتوفى 1277

لمن الخبا المضروب في ذاك العرى *** من كربلاء جرى عليه ما جرا

ما خلت الا أنه غاب به *** آساد غيل دونها أسد الشرى

فتيان صدق من ذوابة هاشم *** نسبا من الشمس المنيرة أنورا

شبوا وشب بسيفهم وأكفهم *** ناران : نار وغى ، ونار للقرى

يتذاكرون اذا خلوا بسميرهم *** طربا سوابق ضمرا أو أسمرا

تقتادهم للعز عزمة أصيد *** يجد المنية فيه طعما مسكرا

يلقى الكتائب بأسما ويشم من *** نقع العوادي في الطراد العنبرا

ملك ممالكه العوالم كلها *** طوع المشيئة قبلما أن يأمرا

أعظم به سلطان عز شامخ *** لا جرهما ، لا تبعا ، لا حميرا

شرف تفرع عن نبي أو وصي *** أو بتول لا حديث يفترا

بعثت اليه زخارفا بصحائف *** زمر ترى المعروف شيئا منكرا

فأقام فيهم منذرا ومبشرا *** ومحذرا في اللّه حتى أعذرا

حتى اذا ازدلفوا اليه رأوا به *** أسدا يحامي عن شاره غضنفرا

بدرا تحف به كواكب كلما *** عاينتها صبحا مسفرا

وغدت تواسيه المنون عصابة *** طابت عاينت مآثرها وطابت عنصرا

تكسوهم الحرب العوان ملابسا *** مستشعرين بها النجيع الاحمرا

يتسلقون مطهما يستصحبون *** مثقفا يتقلدون مذكرا

ص: 103

يتظللون أرائكا مضروبة *** بيد العواسل أو غماما عثيرا

نسجت عواملهم مثال دروعهم *** زردا بأجساد العدى متصورا

نصروا ابن بنت نبيهم فتسنموا *** عزا لهم في النشأتين ومفخرا

بذلوا نفوسهم ظماءا لا ترى *** ماء يباح ولا سحابا ممطرا

حتى أبيدوا والرياح تكفلت *** بجهازهم كفنا حنوطا أقبرا

متلفعين دم الشهادة سندسا *** يوم التغابن أو حريرا أخضرا

لله يوم ابن البتول فانه *** أشجى البتولة والنبي وحيدرا

يوم ابن حيدر والخيول محيطة *** بخباه يدعو بالنصير فلا يرى

الا أعاد في عواد في عوار *** في عوال في نبال تبترا

فهناك دمدم طامنا في جأشه *** بمهند يسم العديد الاكثرا

متصرفا في جمعهم بعوامل *** عادت بجمعهم الصحيح مكسرا

بأس وسيف أخرسا ضوضاءهم *** لكن أمر اللّه كان مقدرا

فهوى على وجه الثرى روحي الفدا *** لك أيها الثاوي على وجه الثرى

أحسين هل وافاك جدك زائرا *** فرآاك مقطوع الوتين معفرا

أم هل درى بك حيدر في كربلا *** فردا غريبا ظاميا أم ما درى

من مبلغ الزهراء أن سليلها *** عار ثلاثا بالعرا لن يقبرا

وفراسنان نحره بسنانه *** شلت يداه أكان يعلم ما فرا

وبناتها يوم الطفوف سليبة *** تسبى على عجف المطايا حسرا

فكأنا من قيصر ولربما *** صانوا عن السب المعنف قيصرا

لم أنس زينب وهي تندب ندبها *** يا كافل الايتام يا غوث الورى

سهدت عيني ليتها عميت اذا *** مرت على أجفانها سنة الكرى

أثكلتني اسلمتني اذللتني *** يا طود عز كان لي سامي الذرى

ورواق أمن كنت في الدنيا لها *** أمسى بأرض الطف محلول العرا

ص: 104

هل أستطيع تصبرا وأراك في *** رمضائها لا أستطيع تصبرا

ما كنت أعرف قبل رأسك واعظا *** بالذكر قد جعل العوالي منبرا

نصبوه خفظا وهو رفع وانثنوا *** بثنائه فمهللا ومكبرا

ويزيد ينكته بمخصرة له *** مترنما متشمتا متجبرا

لم أدر من أنعاه يومك يا حمى *** حرمي ويا كهفي اذا خطب عرا

الأخوة أنعى أم أبني عمك *** الطيار أم أنعى علي الاكبرا

أم مسلما وبني عقيل أم بني *** الحسن الزكي أم الرضيع الاصغرا

أم لابنك السجاد وهو معالج *** سقما وأقتادا وقيدا والسرى

أم للنساء الخائفات يلذن بي *** ويرين في الخيم الحريق المسعرا

منع الوعيد نعيها وبكاءها *** الا تردد زفرة وتحسرا

يوم قليل فيه ان بكت السما *** بدم وكادت فيه أن تتفطرا

حتى نرى المهدي يأخذ ثاره *** ونرى له في الغاضرية عسكرا

يا كربلا طلت السماء مراتبا *** شرفا تمنت بعضه أم القرى

أرج تضوع في ثراك تعطرت *** منه جنان الحور مسكا أذفرا

يابن النبي ذخرت فيك شفاعة *** لي في المعاد ولم يخب من أذخرا

انظر الي برحمة فيه اذا *** وافاك ظهري بالخطايا موقرا

والوالدي ومن أصاخ بسمعه *** لرثاي فيك ومن رواه ومن قرا

صلى عليك اللّه ما صلى له *** أحد وسبح أو دعى أو كبرا

* * *

الشيخ حسن بن علي بن عبد الحسين بن نجم السعدي الرباحي (1) الدجيلي الاصل اللملومي المحتد ، النجفي المولد

ص: 105


1- نسبة الى آل رباح فخذ من بني سعد العرب المعروفين بالعراق ، قال السيد مهدي القزويني في ( أنساب القبائل العراقية ) بنو سعد بطن من العرب منهم في الدجيل ومنهم في كربلاء.

والمسكن والمدفن الشهير بقفطان ولد في النجف الاشرف سنة 1199 وتوفي بالنجف سنة 1279 عن عمر يناهز الثمانين كما في الطليعة ودفن في الصحن الشريف العلوي عند الايوان الكبير المتصل بمسجد عمران كان فاضلا ناسكا تقيا محبا للأئمة الطاهرين وأكثر شعره فيهم درس الفقه على الشيخ علي ابن الشيخ الاكبر الشيخ جعفر حتى نبغ فيه وعد من الاعلام الافاضل ، واختص أخيرا بصاحب الجواهر وكان يعد من أجل تلامذته وأفاضلهم ، اتخذ الوراقة مهنة له وورث ذلك عنه أبناؤه وأحفاده الا انه كان يمتاز عنهم باتقان الفقه واللغة والبراعة فيهما ، وهذا ما حدا باستاذه أن يحيل اليه والى ولده الشيخ ابراهيم تصحيح الجواهر ومراقبته حتى قيل انه لولاهما لما خرجت الجواهر ، لان خط المؤلف كان رديا وقد كتب النسخة الاولى عن خط المؤلف ثم صارا يحترفان بكتابتها وبيعها على العلماء وطلاب العلم وأكثر النسخ المخطوطة بخطهما ، وهذا دليل على أن المترجم كان يعرف ما يكتب ، وكان جيد الخط والضبط ، ويظهر من ترجمة سيدنا الصدر له انه كان جامعا مشاركا في العلوم بأكثر من ذلك فقد قال في ( التكملة ) : كان في مقدمي فقهاء الطائفة مشاركا في العلوم فقيها اصوليا حكيما الهيا وكذلك له التقدم والبروز في الادب وسبك القريض وله شعر من الطبقة العليا. انتهى.

توفي سنة 1275 كما في التكملة أو 77 كما في ( الطليعة ) وقال : ودفن في الصحن العلوي الشريف عند الايوان الكبير المتصل بمسجد عمران ، وترك آثارا هامة منها ( أمثال القاموس )

ص: 106

و ( الاضداد ) و ( طب القاموس ) ورسالة في الافعال اللازمة المتعدية في الواحد. وخلف من الذكور : الشيخ ابراهيم والشيخ احمد والشيخ حسين والشيخ محمد والشيخ علي والشيخ مهدي وفي ( الكرام البررة ) ان الشيخ حسين توفي في حياة أبيه حدود سنة 1255.

ومن شعره في الحسين علیه السلام :

نفسي الفداء لسيد *** خانت مواثقه الرعيه

رامت أميه ذله *** بالسلم لا عزت أميه

حاشاه من خوف المنية *** والركون الى الدنيه

فأبى اباء الاسد *** مختارا على الذل المنيه

وحموه أن يرد الشري- *** -عة بالعوالي السمهريه

فهناك صالت دونه *** آساد غيل هاشميه

يا ابن النبي ابن الوصي *** أخا الزكي ابن الزكيه

لله كم في كربلا *** لك شنشنات حيدريه

بأس يسر محمدا *** ومواقف سرت وصيه

يوم ابن حيدر والموا *** ضي عن مغامدها عريه

يطفو ويرسب في الالو *** ف بمهجة حرى ظميه

ويرى أخاه وابن وا *** لده على الرمضا رميه

ملك الشريعة سيفه *** والماء تحت القعضبيه

وشئا السراة بعزمة *** لم يثنها غير المشيه

سلبت محاسنه القنا *** الا مكارمه السنيه

ص: 107

يا سادة ملكوا الشفا *** عة والمعالي السرمديه

حسن وليكم ومن *** في الحشر لم يصحب وليه

ان الخطايا أو بقته *** وحبكم يمحو الخطيه

وعليكم ما دام فضل- *** -كم على الناس التحية

وله في مدح أمير المؤمنين ورثاء ولده الحسين علیهماالسلام :

لم تدع مدحة الاله تعالى *** في علي للمادحين مقالا

هل أتى لغير ثناه *** فاسألنها عنه تجبك السؤالا

والحظن الاعراف والحج والاح- *** -زاب هودا والكهف والانفالا

وطواسين والحواميم بل طا *** ها ويسين عم والزلزالا

والمثاني فيها علي حكيم *** وامام يفصل الاجمالا

كل ما في الوجود أحصي فيه *** وبه اللّه يضرب الامثالا

هو أمر اللّه الذي نزلت في- *** -ه أتى لا تستعجلوا استعجالا

هو أمر اللّه الذي صدرت كن *** عنه في كل حادث لن يخالا

وهو اللوح والذي خط في اللو *** ح بلاء العباد والآجالا

مظهر الكائنات في مبتداها *** ومبين الاشياء حالا فحالا

وقديم آثاره كل موجو *** د حديث ولا تقولن غالى

علم الروح جبرئيل علوما *** حين لا صورة ولا تمثالا

وهو ميزانه الذي قدر الل- *** -ه به يوم وزنه الاعمالا

وقسيم للنار من كان عادا *** ه ومولي الجنان من كان والى

ولواء الحمد العظيم بكفي- *** -ه وساقي أهل الولا السلسالا

واياب الخلق المعاد اليه *** وعليه حسابهم لن يدالا

ص: 108

مبدأ الامر منتهى الامر يوم ال- *** -عرض سبحان من له الامر والى

وهو نفس النبي لما أتاه *** وفد نجران طالبين ابتهالا

فدعاه وبنته أم سبطي- *** -ه وسبطيه لا يرى ابدالا

فاستهل القسيس والاسقف الوا *** فد رعبا اذ استبانا الوبالا

واستمالا رضاه بالجزية العظ *** -مى عليهم مضروبة اذلالا

أنزل اللّه ذا اعتمادا اليه *** آية تزعج الوغى أهوالا

ما استطاعت جموعهم يوم عرض *** لكفاح الا عليها استطالا

وطواهم طي السجل وطورا *** لفهم فيه يمنة وشمالا

يغمد السيف في الرقاب وأخرى *** يتحرى تقليدها الاغلالا

صالح الجيش أن تكون له الار *** واح والناس تغنم الاموالا

قاتل الناكثين والقاسطين ال- *** -بهم والمارقين عنه اعتزالا

كرع السيف في دماهم بما حا *** دوا عن الدين نزغة وانتحالا

من برى مرحبا بكف اقتدار *** أطعمته من ذي الفقار الزيالا

يوم سام الجبان من حيث ولى *** راية الدين ذلة وانخذالا

قلع الباب بعدما هي أعيت *** عند تحريكها اليسير الرجالا

ثم مد الرتاج جسرا فما تم *** ولكن بيمن يمناه طالا

وله في الاحزاب فتح عظيم *** اذ كفى المؤمنين فيه القتالا

حين سالت سيل الرمال باعلا *** م من الشرك خافقات ضلالا

فلوى خافقاتها بيمين *** ولواه الخفاق يذري الرمالا

ودعا للبراز عمرو بن ود *** يوم في خندق المدينة جالا

فمشى يرقل اشتياقا علي *** للقاه بسيفه ارقالا

وجثى بعد أن برى ساق عمرو *** فوق عمرو تضر ما واغتيالا

ص: 109

ثم ثنى برأس عمرو فأثنى *** جبرئيل مهللا اجلالا

فانثنى بالفخار من نصرة الدي- *** -ن على الشرك باسمه مختالا

وبأحد اذ أسلم المسلمون ال- *** -مصطفى فيه غدرة وانخزالا

فأحاطت به أعاديه وانثا *** لت عليه من الجهات أنثيالا

عجب من عصابة أخرته *** بسواه لغيها استبدالا

أخرته عن منصب أكمل الل- *** -ه به الدين يومه اكمالا

ضرب اللّه فوق قبر علي *** عن جميل الرواق منه جمالا

قبة صاغها القدير لافلا *** ك السموات شاهدا ومثالا

أرخت الشمس فوقها حلية النو *** ر بهاء وهيبة وجلالا

شعب من شعاعها ارتسمت في *** فلك النيرات نورا تلالى

وضريح به تنال الاماني *** وبه تدرك العفاة النوالا

يا أخا المصطفى الذي قال فيه *** يوم خم بمشهد ما قالا

لو بعينيك تنظر السبط يوم الط *** -ف فردا والجيش يدعو النزالا

حاربوه بعدة وعديد *** ضاق فيه رحب الفضاء مجالا

حلوه عن المباح ورودا *** وسقوه أسنة ونبالا

فتحامت له حمية دين *** فتية سامروا القنا العسالا

ثبتوا للوغى فلله أقوا *** م تراهم عند الكفاح جبالا

وأضافوا على الدروع قلوبا *** من حديد كانت لهم سربالا

ليس فيهم الا أبي كمي *** يرهب الجيش سطوه حيث صالا

عانقوا الحور في القصور جزاء *** لنحور عانقن بيضا صقالا

وغدا واحد الزمان وحيدا *** في عدى كالكثيب حيث انهالا

مفردا يلحظ الاعادي بعين *** وبعين يرنو الخبا والعيالا

ص: 110

شد فيهم وهم ثلاثون ألفا *** في صفوف كالسيل لما سالا

ناصراه مثقف وحسام *** ملك الموت حده الآجالا

ضاربا مهره أرائك نقع *** فوقه مثل ما ضربن وصالا

وهوى الأخشب الاشم فمال *** العرش والارض زلزلت زلزالا

ورأت زينب الجواد خليا *** ذا عنان مرخى وسرج مالا

معلنا بالصهيل ينعى ويشكو *** أمة بالطفوف ساءت فعالا

فأماطت خمارها من جوى الثكل *** ونادت وآسيدا وآثمالا

يا جواد الحسين أين حسين *** أين من كان لي عمادا ظلالا

أين حامي حماي عقد جماني *** من تسنمت في ذراه الدلالا

أين للدين من يقيم قناه *** حيث مالت وينجح الآمالا

واستغاثت بربها ثم جرت *** نحو أشلاء ندبها أذيالا

ثم أومت لجدها والرزايا *** أسدلت دون نطقها اسدالا

جد يا جد لو رأيت حسينا *** أي هيجاء من أمية صالى

مستغيثا هل راحم أو مجير *** يستقي لابنه الرضيع زلالا

فسقاه ابن كاهل وهو في حض- *** -ن أبيه عن الزلال نصالا

لو ترى السبط في البسيطة دامي *** النحر شلوا مبددا أوصالا

عاريا بالعرى ثلاثا وتأبى ال- *** وحش من هيبة له أن تنالا

حنطته وكفنته السوافي *** غسلته دماؤه اغسالا

ورؤوسا على الرماح أمالت- *** -ها رياح السما جنوبا شمالا

أضرموا النار في خبانا فتهنا *** معولات بين العدى أعوالا

ما لهذا الحادي المعنف بالاد *** لاج لا ضجرة ولا امهالا

فتشاكين حسرة والتياعا *** وتباكين بالزفير وجالا

ص: 111

ومن قصائده في الامام الحسين علیه السلام قصيدته التي مطلعها :

يا كربلاء فهل دريت بمن على *** أكناف أرض الغاضرية خيما

من كل أروع تنتمي أحسابه *** لوسيم مجد في مراتبه سما

وله يذكر أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين علیه السلام :

هيهات أن تجفو السهاد جفوني *** أو أن داعية الاسى تجفوني

وأرى الخوامس في الهواجر كلما *** حنت لورد فهو دون حنيني

كلا ولا الورقاء ريع فراخها *** عن وكرهن أنينها كأنيني

أنى ويوم الطف أضرم في الحشا *** جذوات وجد من لظى سجين

يوم أبو الفضل استفزت بأسه *** فتيات فاطم من بني ياسين

في خير انصار براهم ربهم *** للدين أول عالم التكوين

فرقى على نهد الجزارة هيكل *** أنجبن فيه نتائج الميمون

متقلدا عضبا كأن فرنده *** نقش الاراقم في خطوط بطون

وأغاث صبيته الظما بمزادة *** من ماء مرصود الوشيج معين

ما ذاقه وأخوه صاد باذلا *** نفسا بها لاخيه غير ضنين

حتى اذا قطعوا عليه طريقه *** بسداد جيش بارز وكمين

وكتائب مشحونة مشحوذة *** من يوم بدر أشحنت بضغون

فثنى مكردسها نواكص وانثنى *** بنفوسها سلبا قرير عيون

أقرى السباع لحومها وعظامها *** في مقفر بنجيعها مشحون

ودعته أسرار القضا لشهادة *** رسمت له في لوحها المكنون

حسموا يديه وهامه ضربوه في *** عمد الحديد فخر خير طعين

ص: 112

ومشى اليه السبط ينعاه كسرت *** الان ظهري يا أخي ومعيني

عباس كبش كتيبتي وكنانتي *** وسري قومي بل أعز حصوني

يا ساعدى في كل معترك به *** أسطو وسيف حمايتي بيميني

لمن اللوى اعطى ومن هو جامع *** شملي وفي ضنك الزحام يقيني

أمنازل الاقران حامل رايتي *** ورواق أخبيتي وباب شؤوني

لك موقف بالطف أنسى أهله *** حرب العراق بملتقى صفين

فرس كشفت بها الشريعة انها *** عادت الي بصفقة المغبون

فمضيت محمود النقيبة فائزا *** بحرير سندسها وحور عين

وتركتني بين العدى لا ناصر *** يحمي حماي ولا يحامي دوني

رهن المنية بين آل أمية *** ما حال مفقود العزيز رهين

عباس تسمع زينبا تدعوك من *** لي يا حماي اذا العدى سلبوني

أولست تسمع ما تقول سكينة *** عماه يوم الاسر من يحميني

كان الرجا بك أن تحل وثاقهم *** لي بالحبال المؤلمات متوني

وتجيرني في اليتم من ضيم العدى *** اليوم خابت في رجاك ظنوني

عماه ان أدنو لجسمك ابتغي *** تقبيله بسياطهم ضربوني

عماه ما صبري وأنت مجدل *** عار بلا غسل ولا تكفين

من مبلغ أم البنين رسالة *** عن واله بشجائه مرهون

لا تسأل الركبان عن أبنائها *** في كربلاء وهم أعز بنين

تأتي لارض الطف تنظر ولدها *** كابين بين مبضع وطعين

ص: 113

الشيخ الفتوني

وفاته 1278

قال في منظومته عن الحسين (عليه السلام) :

وقام بالأمر أخوه الاصغر *** وهو الحسين السيد المطهر

وهو يكنى بأبي عبداللّه *** لقب بالشهيد في علم اللّه

ميلاده الخميس في الازمان *** لخمسة خلون من شعبان

قد حملته بضعة الرسول *** ستة أشهر على المنقول

في طيبة ولادة الزاكي النفس *** تاريخه المولود من غير دنس

وولده علي الشهيد *** بالطف وهو الاكبر العميد

ثم علي الامام المعتمد *** وشهر بانويه أم ذا الولد

ثم علي الاصغر ابن ليلى *** وهو الشهيد مع أبيه طفلا

وجعفر وأمه قضاعيه *** كذاك عبداللّه نجل الناعيه

سكينة بنت الرباب زينب *** فاطمة من البنات تحسب

أزواجه خمس عدا السراري *** وبابه الرشيد ذو المقدار

وفاته من طف كربلاء *** بسيف شمر المظهر البغضاء

وذاك في السبت أو الاثنين *** وجمعة ، خذ وسط القولين (1)

ص: 114


1- 1 - أقول مما توصلنا اليه في بحثنا ودراستنا ان اليوم الذي قتل فيه الحسين علیه السلام هو يوم الجمعة عاشر محرم الحرام ولنا على ذلك أكثر من دليل :

1 - ان الحسين علیه السلام نزل كربلاء يوم الثاني من المحرم - وكان يوم الخميس - كما نص عليه جل المؤرخين بل كلهم ، وقتل يوم العاشر فيكون يوم الجمعةهو يوم مقتله.

2 - صرح المؤرخون ان الحسين قد خرج من مكة يوم الثلاثاء يوم الثامن من ذي الحجة ، فيكون يوم الثلاثين هو يوم الاربعاء وهو اول يوم من المحرم لان شهر ذي الحجة كان ناقصا.

3 - روى المفيد في الارشاد وسائر ارباب المقاتل ان عمر بن سعد نهض لحرب الحسين عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحرم ونادى يا خيل اللّه اركبي وبالجنة ابشري ، والحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه اذ خفق برأسه على ركبتيه ، فسمعت اخته الضجة فدنت من أخيها فقالت : يا أخي أما تسمع الاصوات قد اقتربت الى ان طلب الحسين منهم تأجيله ليلة واحدة وهي ليلة الجمعة فيكون صباح الجمعة هو يوم الواقعة.

4 - ذكر أرباب المقاتل ان ابن سعد كتب الى ابن زياد يوم الثامن من المحرم وهو يوم الاربعاء ، فعلى هذا يكون مقتله يوم الجمعة.

5 - جاء في كثير من أخبار أهل البيت في ظهور مهدي آل محمد ( انه يظهر يوم الجمعة يوم مقتل الحسين ).

6 - ذكر الخوارزمي في ( مقتل الحسين ) ج 2 ص 47 قال : وذكر السيد الامام أبو طالب ان الصحيح في يوم عاشوراء الذي قتل فيه الحسين وأصحابه رضي اللّه عنهم انه كان يوم الجمعة سنة احدى وستين ، وقال السيد الامين في ( لواعج الاشجان ) : وأصبح ابن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة أو يوم السبت فعبأ اصحابه. وقال الشيخ عباس القمي في ( نفس المهموم ) : قتل الحسين يوم الجمعة العاشر من المحرم سنة احدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه ، وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة ، وقيل ان مقتله كان يوم السبت وقيل يوم الاثنين والاول أصح ، قال أبو الفرج : وأما ما تقوله العامة انه قتل يوم الاثنين فباطل ، هو شيء قالوه بلا رواية ، وكان اول المحرم الذي قتل فيه هو يوم الاربعاء ، أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر المزيجات واذا كان كذلك فليس يجوز ان يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الاثنين وهذا دليل صحيح واضح تنضاف اليه الرواية - الى اخر ما قال.

ص: 115

في يوم عاشورا مضى محزونا *** وعمره الثمان والخمسونا

قتل الشهيد السبط جسمي أنهكا *** قد جاء في تاريخه حد البكا

مرقده الطف مع الانصار *** والراس عند المرتضى الكرار (1)

* * *

أقول الظاهر من قوله : والرأس عند المرتضى الكرار. انه يختار رواية دفن الراس الشريف عند أبيه أميرالمؤمنين علیه السلام مع ان الروايات في الرأس مختلفة وأكثرها معتبرة ، فقال جماعة انه في النجف عند أبيه أميرالمؤمنين ، ذهب اليه بعض علماء الشيعة استنادا الى أخبار وردت بذلك في الكافي والتهذيب وغيرهما من طرق الشيعة عن الائمة علیهم السلام وفي بعضها ان الامام الصادق (عليه السلام) قال لولده اسماعيل : انه لما حمل الى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أميرالمؤمنين ، وهذا القول مختص بالشيعة ، وعقد له في « الوسائل » بابا مستقلا عنوانه : باب استحباب زيارة رأس الحسين عند قبر أمير المؤمنين واستحباب صلاة ركعتين لزيارة كل منهما. وفي الكافي عن ابان بن تغلب قالت كنت مع أبي عبداللّه (عليه السلام) فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين ، ثم سار قليلا فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال هذا موضع قبر أميرالمؤمنين ، قلت جعلت فداك والموضعين الذين صليت فيهما ، فقال موضع رأس الحسين وموضع

ص: 116


1- أخذنا هذه القطعة من كتاب ( سمير الحاضر وأنيس المسافر ). مخطوط العلامة الجليل الشيخ علي كاشف الغطاء ، الجزء الرابع منه. والمنظومة تستوعب أحوال المعصومين بأجمعهم صلوات اللّه عليهم.

منزل القائم المائل. قال : ولعل موضع القائم المائل مسجد الحنانة قرب النجف.

وعن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث انه ركب وركبت معه حتى نزل الذكوات الحمر وتوضأ ثم دنى الى أكمة فصلى عندها وبكى ثم مال الى أكمة دونها ففعل مثل ذلك ثم قال : الموضع الذي صليت عنده أولا موضع أميرالمؤمنين والاخر موضع رأس الحسين (عليه السلام).

القول الثاني ان الرأس الشريف دفن بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة علیهاالسلام وأن يزيد أرسله الى عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند أمه الزهراء ، حكاه سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص عن طبقات ابن سعد.

القول الثالث ان الرأس الشريف بالشام حكاه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات انه بدمشق ، حكى ابن أبي الدنيا قال وجد رأس الحسين علیه السلام في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس (1) عند البرج الثالث مما يلي المشرق ، وكأنه هو المعروف الان بمشهد رأس الحسين علیه السلام بجانب المسجد الاموي وهو مشهد مشيد معظم.

القول الرابع ان الرأس الشريف بمصر نقله الخلفاء

ص: 117


1- الفراديس بلغة الروم البساتين.

الفاطميون من باب الفراديس الى عقلان (1) ثم نقلوه الى القاهرة وله فيها مشهد معظم يزار والى جانبه مسجد عظيم والمصريون يتوافدون الى زيارته أفواجا رجالا ونساء ويدعون ويتضرعون عنده.

القول الخامس انه أعيد الى الجسد الشريف بكربلاء ، قال السيد ابن طاوس في الملهوف على قتلى الطفوف : وكان عمل الطائفة على هذا المعنى ، قال الشيخ المجلسي : المشهور بين علمائنا الامامية انه أعيد الى الجسد وعن المرتضى في بعض مسائله انه رد الى بدنه بكربلاء من الشام. وقال الطوسي : ومنه زيارة الاربعين. وهذا القول ذكره العامة والخاصة.

أقول وقد كتب في هذا الموضوع سيدنا البحاثة المعاصر السيد محمد علي القاضي سلمه اللّه وأشبع البحث دراسة وتحقيقا بكتاب ضخم طبع مستقلا.

وجاء في كتاب ( الحسين ) لمؤلفه على جلال الحسيني ما نصه : وفي الجملة ففي أي مكان كان رأسه فهو ساكن في القلوب والضمائر قاطن في الاسرار والخواطر ، أنشدنا بعض أشياخنا :

لا تطلبوا المولى الحسين *** بشرق أرض أو بغرب

ودعوا الجميع وعرجوا *** نحوي فمشهده بقلبي

ص: 118


1- عقلان : مدينة كانت بين مصر والشام ، والان هي خراب.

قال السيد المقرم من معاصرينا في كتابه ( مقتل الحسين ) : البيتان لابي بكر الالوسي وقد سئل عن موضع رأس الحسين فأجاب بهما.

أقول وللحاج مهدي الفلوجي بهذا المعنى.

لا تطلبوا رأس الحسين فانه *** لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدلكم *** في أنه المقبور وسط فؤادي

ويطيب لي أن أذكر بيتين قيلتا في رأس نصب على رأس رمح وهما :

هامة في الحياة طاولت الشهب وما نالها هبوب الرياح

أنفت بعد موتها الترب ، فاختارت لها مسكنا رؤوس الرماح

* * *

ص: 119

الشيخ حسين الفتوني هو العالم الاديب الشاعر حسين بن علي بن محمد بن علي بن محمد التقي بن بهاء الدين العاملي الحائري.

كان أحد الاعلام المبرزين بمعرفة الادب والنحو وكان شاعرا مجيدا جليل القدر كثير الاطلاع ، ذكره أصحاب السير والتراجم منهم شيخنا العلامة صاحب الذريعة أعلى اللّه مقامه بقوله : ولد في كربلاء ونشأ بها وله آثار منها ( الدوحة المهدية ) في تواريخ الأئمة المعصومين علیهم السلام وهي ارجوزة عدتها تاريخ نظمها وهي (1287) بيتا نظمها بنفس السنة رأيتها في مكتبة الشيخ محمد السماوي في النجف كما ذكرناه في الذريعة ج 8 ص 274 - 275 والمظنون ان جده التقي بن بهاء الدين شقيق الشيخ مهدي بن بهاء الدين الفتوني شيخ السيد مهدي بحر العلوم وظاهر أن وفاة المترجم بعد هذا التاريخ.

وذكره صاحب كتاب ( ماضي النجف وحاضرها ) قال :

كان حائري الولادة والمسكن وهو من الادباء الفضلاء ومن أشهر رجال هذه الاسرة وهو صاحب المنظومة المشهورة في تواريخ الأئمة وولاداتهم ووفياتهم وتعداد أزواجهم وأولادهم رتبها على مقدمة وأربعة عشر بابا وخاتمة تشتمل على ألف ومائتين وثمانية وسبعين بيتا قال في أولها :

الحمد لله العليم الاحد *** القادر الحي القديم الابدي

العلم والقدرة عين ذاته *** والصدق والادراك من صفاته

ص: 120

وقال في آخرها :

أبياتها ألف ومائتان *** من بعد سبعين مع الثمان

فرغ منها يوم الجمعة في الثاني والعشرين من المحرم سنة 1279 ه- وله بند مشهور في مدح امامنا الهادي وبنيه وآبائه علیهم السلام يقول في أوله :

أيها المدلج يطوي مهمه البيد على متن نجيب أحدب الظهر متى جئت ربوع المجد والفخر وشاهدت بيوت العز والنصر فنادي داعيا بالحمد والشكر ، وبالتقديس والتهليل والتسبيح والذكر ، مرارا خاضعا مستوهبا الاذن من الحجاب ان رمت مزارا فاذا فزت باذن من عطاياهم فقد نلت من السعد وسامرت بني المجد فلجها بخضوع وخشوع صافي القصد تجد لاهوت قدس قد تردى بردة المجد وأثواب عفاف قد غشاها العلم بالزهد أنيطت بلحام الحلم والرشد وخيطت بخيوط الفضل فضلا وقارا بل تجد حبرا تقيا وشهاما هاشميا ورؤوفا فاطميا طاب فرعا ونجارا حاكم الشرع كريم الخلق والطبع حميد الاصل والفرع فذاك الكوكب الهادي الى الحاضر والبادي هو العالم والعامل والعادل والشاكر والحامد والخاضع والطالع سرا وجهارا والد البر الامين العسكري الحسن الدر الثمين ... الخ.

ولا تزال أسرة آل الفتوني تقطن كربلاء ومنها اليوم الحاج سلمان بن الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ حسين الفتوني من خدمة المخيم. وان كانت الفيحاء قد خلفت عبر تاريخها الادبي بند ابن الخلفة فان بند ابن الفتوني لا يقل عنه جمالا وروعة.

ص: 121

الشيخ ابراهيم قفطان

1279

سفه وقوفك بين تلك الارسم *** وسؤال رسم دارس مستعجم

يا ربع مالك موحشا من بعد ما *** قد كنت للوفاد محشد موسم

أفكلما بالغت في كتم الهوى *** غلبتك زفرة حسرة لم تكتم

هلا وفيت بأن قضيت كما وفى *** صحب ابن فاطمة بشهر محرم

من كل وضاح الفخار لهاشم *** يعزى علا ولآل غالب ينتمي

واذا هم سمعوا الصريخ تواثبوا *** ( ما بين سافع مهره أو ملجم )

نفر قضوا عطشا ومن ايمانهم *** ري العطاش بجنب نهر العلقمي

أسفي على تلك الجسوم تقسمت *** بيد الضبا وغدت سهام الاسهم

قد جل بأس ابن النبي لدى الوغى *** عن أن يحيط به فم المتكلم

اذ هد ركنهم بكل مهند *** وأقام مائلهم بكل مقوم

يغشى الوطيس بباس أروع باسل *** متهلل عند اللقا متبسم

ينحو العدى فتفر عنه كأنهم *** حمر تنافر من زئير الضيغم

ويسل أبيض في الهياج تخاله *** صبحا تبلج تحت ليل مظلم

واذا العداة تنظمت فرسانها *** في كل سطر بالأسنة معجم

وافاهم فمحا صحائف خطهم *** مسحا بكل مقوم ومصمم

قد كاد يفني جمعهم لولا الذي *** قد خط في لوح القضا المحكم

سهم رمى أحشاك يا ابن المصطفى *** سهم به كبد الهداية قد رمي

ص: 122

لم أنس زينب وهي تدعو بينهم *** يا قوم ما في جمعكم من مسلم

انا بنات المصطفى ووصيه *** ومخدرات بني الحطيم وزمزم

ما دار في خلدي مجاذبة العدى *** مني رداي ولا جرى بتوهمي

* * *

الشيخ ابراهيم بن الشيخ حسن الرباحي من آل رباح والمشهور بقفطان ولد في النجف سنة 1199 وتوفي سنة 1279 بالنجف عن ثمانين سنة ودفن في الصحن الشريف عند باب الطوسي مع أبيه وأخيه. وآل قفطان من بيوت العلم والفضل القديمة في النجف والمترجم له نشأ في النجف الاشرف وقرأ فيها وهو عالم عامل فاضل كامل أديب شاعر من مشاهير شعراء عصره ومن تلامذة الشيخ جعفر صاحب كاشف الغطاء. وله مراجعات ومطارحات مع شعراء عصره كعبد الباقي العمري وغيره ، ومن آثاره ( أقل الواجبات ) في حج التمتع ذكر فيه انه اختصره من مناسك شيخه المؤتمن الشيخ محمد حسن يعني مؤلف ( الجواهر ) ثم عرضه على شيخه الانصاري فكتب على هامشه ما هو طبق فتاواه وجعل رمزه ( تضى ) ، ومن تصانيفه أيضا رسالة توجد بخطه عند الخطيب الشيخ طاهر السماوي ألفها في اثبات حلية المتعة جوابا عن سؤالات بعض العامة ودفعا لشبهاته كتبها بأمر شيخه مؤلف ( الجواهر ) وفرغ منها في 15 صفر 1264.

قال الشيخ آغا بزرك الطهراني في الجزء الثاني من ( طبقات أعلام الشيعة ) ويأتي ذكر أبيه الشيخ حسن واخوته : الشيخ

ص: 123

احمد والشيخ محمد والشيخ علي والشيخ مهدي والشيخ حسين. أقول وللشيخ ابراهيم قصائد في رثاء الحسين علیه السلام مثبتة في المخطوط الذي كتبته بخطي والمسمى ب- ( سوانح الافكار في منتخب الاشعار ) منها قصيدة أولها :

أنيخت لهم عند الطفوف ركاب *** وناداهم داعي القضا فأجابوا

وأخرى مطلعها :

هي كربلا فاسفح دموعك فيها *** ان لم يكن ودق الحيا يسقيها

ص: 124

عبد الباقي العمري

وفاته 1279

ومما قاله عبد الباقي العمري الموصلي البغدادي من ملحمته الشهيرة :

طه أبو الغر الميامين الذي *** كني فيهم وبهم تلقبا

علة ايجاد السموات ومن *** فيهن والارض ومن فيها ربى

على البراق لا نجى مثله *** ولا نبي مرسل قد ركبا

سرى بجسمه مع الروح الى *** أقصى معارج المعالي رتبا

أدناه منه ربه حتى غدا *** من قاب قوسين اليه أقربا

قرب بعيد الفوز لم يدركه من *** أنجد أو أتهم عنه معربا

الا الذي لو كشف الغطاء لم *** يزدد يقينا عنده منه نبا

وباب هاتيك المدينة التي *** بها كتاب النشأتين بوبا

أبوالحواميم ومن في هل أتى *** آثر في طعامه من سغبا

أبى اله الخلق أن يكون من *** سواه للغر الميامين أبا

جعلت حبي وموالاتي لهم *** وعرض مدحي لنجاتي سببا

سفن النجا معاقل للالتجا *** تلوح شرعا وتبدو هضبا

جربتهم لقمع كل معضل *** من سقم قد أعجز المطببا

ص: 125

( فقل لمن أعيا الطبيب داؤه *** خل الطيب واسأل المجربا

عترة أشرف النبيين الاولى *** طابوا نجارا وتزكوا حسبا

فكانت الزهرا كما كان لها *** كفوا كريما ونجيا منجبا

زوجها فوق السموات به *** من جل عن صاحبة أن يصحبا

سيدة النسا لها الكسا مع *** النبي والوصي وابنيها حبا

أم الحسين السبط من بجده *** مثل أبيه خطة الضيم أبى

الی أن يقول:

حتى جرى بكربلاء ما جرى *** وسال حتى بلغ السيل الزبى

ومادت الارض ومادت السما *** وانهالت الاطواد فيه كثبا

يوم به الزهراء قد تصعدت *** أنفاسها ودمعها تصوبا

صدوه عن ماء الفرات صاديا *** فاختار من حوض أبيه مشربا

ماذا يقولون غدا لجده *** عذرا اذا عاتبهم وانبا

كان أبوه سيدا كجده *** للانبيا والاوصيا قد نصبا

ذبح عظيم أبعد الرحمن عن *** رحمته الذي به تقربا

ثغر شريف طالما قبله *** أبو الميامين النبي المجتبى

سل الدعي ابن زياد الذي *** الى أبي أبي يزيد نسبا

والمصطفى وابنته وصهره *** لمن غدوا جدا وأما وأبا

واحربا يا آل حرب منكم *** يا آل حرب منكم واحربا

لا عبد شمسكم يساوي هاشما *** كلا ولا أمية المطلبا

لكم ومنكم وعليكم وبكم *** ما لو شرحناه فضحنا الكتبا

يزيد غيظي كلما ذكرتهم *** فألعن الذي لها قد شعبا

الى يزيد دون ابليس اذا *** ما ذكر اللعن انتمى وانتسبا

ص: 126

نقطع في تكفيره اذ صح ما *** قد قال للغراب لما نعبا

خلافة قد أرجعوها بعده *** ملكا عضوضا فلهذا استكلبا

وقتل عمار بصفين لنا *** أبان من بغى ومن قد غصبا

وأغروا الغر أبا موسى على *** خلع علي القدر لما خطبا

خلع به لبس وفي جلبابه *** قد فاز في دنياه من تجلببا

وليلة الهرير قد تكشفت *** عن سوأة ابن العاص لما غلبا

فحاد عنه مغضبا حيدرة *** وعف والعفو شعار النجبا

ولو يشا ركب فيه زجه *** تركيب مزجي كمعدي كربا

* * *

عبد الباقي الفاروقي العمري

هو ابن سليمان بن احمد العمري الفاروقي الموصلي المتوفى 1279 شاعر مؤرخ ولد بالموصل سنة 1204 ه- 1790 م وولي على الموصل ثم ولي ببغداد أعمالا حكومية ، وتوفي ببغداد سنة 1279 ه- 1862 م له ديوان شعر يسمى ب- ( الترياق الفاروقي ) ونزهة الدهر في تراجم فضلاء العصر ، ونزهة الدنيا ، مخطوط ترجم فيه بعض رجال الموصل من معاصريه و ( الباقيات الصالحات ) قصائد في مدح أهل البيت و ( أهله الافكار في مغاني الابتكار ) من شعره ، وعنى بشرح جملة من قصائده جماعة من العلماء والادباء منهم العلامة أبو الثناء الالوسي وطبعت مستقلة عن الديوان في ايران والهند والعراق ، وللعمري مكانة مرموقة في الاوساط العراقية أدبية وسياسية واجتماعية ، وفي منن الرحمن لمؤلقه الشيخ جعفر النقدي ان عبد الباقي ينتهي نسبه بستة

ص: 127

وثلاثين واسطة الى عمر بن الخطاب وكان من أفاضل أدباء بغداد في عصره ، ولد سنة 1204 وتوفي 1278 ه- وقد أرخوا وفاته بهذا البيت :

بلسان يوحد اللّه أرخ *** ذاق كاس المنون عبد الباقي

انتهى.

وله القصيدة العينية في مدح أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام التي يقول في أولها :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعا *** ببطن مكة وسط البيت اذ وضعا

وانت حيدرة الغاب الذي أسد *** البرج السماوي عنه خاسئا رجعا

وأنت باب تعالى شأن حارسه *** بغير راحة روح القدس ما قرعا

شرحها العلامة الالوسي ، وذكر الشيخ محمود شكري الالوسي في كتابه ( المسك الاذفر ) انه توفي ليلة الاثنين سلخ جمادى الاولى 1278 ه- وقد سقط قبل موته بليلة في الساعة السادسة من ليلة الاحد من ( طارمة ) حرمه وكان قد خرج للتوضؤ لصلاة العشاء. ودفن بباب ( الازج ) ببغداد قرب قبة الجيلي. وكانت ولادته سنة 1203 ه.

كتب عنه الدكتور محمد مهدي البصير في كتابه ( نهضة العراق الادبية في القرن التاسع عشر ) وجاء بكثير من نوادره وروائعه.

ص: 128

فمن شعره كما في ديوانه :

قضى نحبه في يوم عاشور من غدت *** عليه العقول العشر تلطم بالعشر

قضى نحبه في نينوى وبها ثوى *** فعطر منها الكائنات ثرى القبر

قضى نحبه في الطف من فوقه طفا *** نجيع كسا الآفاق بالحلل الحمر

قضى نحبه من راح للحرب خائضا *** ببحر دم فانصب بحر على بحر

قضى نحبه والبيض تكتب أحرفا *** بها نطقت في الطعن ألسنة السحر

قضى نحبه والشمس فوق جبينه *** تحرر بالانوار سورة والفجر

قضى نحبه والكون يدمي بنانه *** ويخدش منه الوجه بالسن والظفر

قضى نحبه والحور محدقه به *** كما أحدقت في بدرها هالة البدر

قضى نحبه والدين أصبح بعده *** الى اللّه يشكو ما عراه من الضر

قضى نحبه طود به طار نعشه *** الى الملأ الاعلى بأجنحة النسر

قضى نحبه من للقوارير قد وقى *** وما قد وقتها آل صخر من الكسر

قضى نحبه من يتبع الظيم بالظما *** ويجرع في الهيجاء مرا على مر

قضى نحبه روح الوجود وسره *** ومرقده في كربلا موضع السر

قضى نحبه والامر لله وحده *** بما تقتضيه الحكم من عالم الامر

قضى نحبه ريحانة المصطفى التي *** تفوح ليوم النشر طيبة النشر

قضى نحبه ابن الانزع البطل الذي *** أذاق الردى عمرا وأعرض عن عمر (1)

ص: 129


1- أراد بعمرو الاولى عمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق ، وأراد بالثانية عمرو بن العاص الذي كشف عن سوئته يوم صفين حذرا من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لما أراد قتله.

قضى نحبه ابن الطهر سيدة النسا *** سليلة فخر الكائنات أبي الغر

قضى نحبه الوتر الحسين فمن قضى *** بمأتمه نحبا قضى واجب الوتر

قضى نحبه الفرد الذي هو خامس *** لاهل كسامنه اكتسى الفخربالفخر

قضى نحبه والثغر يفتر باسما *** بوجه المنايا وهي فاغرة الثغر

قضى نحبه ابن الصنو حيدر من غدا *** أبوه حريا في أخى اشدد به أزرى

قضى نحبه في جنة الخلد ثاويا *** ومتكأ فيها على رفرف خضر

قضى نحبه أزكى السلام عليه ما *** تكرر في أنداء مأتمه شعرى

ويقول عبد الباقي في مدح الرسول الاعظم صلی اللّه علیه و آله :

تخيرك اللّه من آدم *** ولولاك آدم لم يخلق

بجبهته كنت نورا تضيء *** كما ضاء تاج على مفرق

لذلك ابليس لما أبى *** سجودا له بعد طرد شقى

ومع نوح اذ كنت في فلكه *** نجا وبمن فيه لم يغرق

وخلل نورك صلب الخليل *** فبات وبالنار لم يحرق

ومنك التقلب في الساجدين *** به الذكر أفصح بالمنطق

بمثلك أرحامها الطاهرات *** من النطف الغر لم تعلق

سواك مع الرسل في ايلياء *** مع الروح والجسم لم يلتقى

فجئت من اللّه في أخذه *** لك العهد منهم على موثق

وفي الحشر للحمد ذاك اللواء *** على غير رأسك لم يخفق

وعن غرض القرب منك السهام *** لدى قاب قوسين لم تمرق

لقد رمقت بك عين العماء *** وفي غير نورك لم ترمق

ص: 130

فكنت لمرآتها زئبقا *** وصفو المرايا من الزئبق

فلولاك لا نظم هذا الوجود *** من العدم المحض في مطبق

ولا شم رائحة للوجود *** وجود بعرنين مستنشق

ولولاك طفل مواليده *** بحجر العناصر لم يعبق

ولولاك رتق السموات والارا *** ضي لك اللّه لم يفتق

ولولاك ما رفعت فوقنا *** يد اللّه فسطاط استبرق

ولا نثرت كف ذات البروج *** دنانير في لوحها الازرق

ولا طاف من فوق موج السماء *** هلال تقوس كالزورق

ولولاك ما كللت وجنة البسيطة *** أيدي الحيا المغدق

ولا كست السحب طفل النبات *** من اللؤلؤ الرطب في بخنق

ولا أختال نبت ربي في قبا *** ولا راح يرفل في قرطق

ولولاك غصن نقا المكرمات *** وحق أياديك لم يورق

ولولاك سوق عكاظ الحفاظ *** على حوزة الدين لم تنفق

وسبع السماوات أجرامها *** لغير عروجك لم تخرق

ولولاك مثعنجر بالعصا *** لموسى بن عمران لم يفلق

وأسرى بك اللّه حتى طرقت *** طرائق بالوهم لم تطرق

ورقاك مولاك بعد النزول *** على رفرف حف بالنمرق

فيا لاحقا قط لم يسبق *** ويا سابقا قط لم يلحق

تصوبت من صاعد هابطا *** الى صلب كل تقي نقي

فكان هبوطك عين الصعود *** فلا زلت منحدرا ترتقي

ومن شعر عبدالباقي العمري :

ان الاثير على تقادم عهده *** بغدوة ورواحه المتعدد

ما كرر الاعوام في دورانه *** وبدوره الايام لم تتجدد

ص: 131

الا ليشهد عشر كل محرم *** بالطف مأتم آل بيت محمد

وقال أيضا في شهر المحرم مخمسا لهذه الابيات :

قد سل نصل محرم من غمده *** يفري قلوب الطاهرات بحده

كيف التجلد والعزا من بعده *** ان الاثير على تقادم عهده

بغدوه ورواحه المتعدد

لما رأى بالعين من حدثانه *** رأس الحسين بدا برأس سنانه

والشلو منه مقطعا بطعانه *** ما كرر الاعوام في دورانه

وبدوره الايام لم تتجدد

ودموعه من عينه لم تسجم *** وبكاؤه من رعده لم يصرم

ولهيبه من برقه لم يضرم *** الا ليشهد عشر كل محرم

بالطف مأتم آل بيت محمد

وقال عبدالباقي العمري - رواها الالوسي في شرح القصيدة العينية :

يا عاذل الصب في بكاه *** باللّه ساعفه في بكائك

فانه ما بكى وحيدا *** على بني المصطفى أولئك

بل انما قد بكت عليهم *** الجن والانس والملائك

وقال :

لا تلمني ان قلت للعين سحى *** بدموع على الحسين وجودي

كل من في الوجود يبكي على من *** جده كان علة للوجود

ص: 132

وقال :

لي كل يوم عويل *** على الحسين ومأتم

عليه حزني طويل *** أتم عمري وما تم

وقال :

نحن أناس اذا ما *** قد حل شهر المحرم

فكل شيء علينا *** سوى البكاء محرم

وقال في هلال المحرم متذكرا ما حل فيه من قتل أهل بيت النبي (عليهم السلام) :

هل المحر فاستهل بعبرة *** طرفى على فقدان أشرف عترة

فتيقظت مني لواعج حسرة *** وتنبهت ذات الجناح بسحرة

في الواديين فنبهت أشواقي

أخذت تردد بالغناء على فنن *** وأخذت أنشدها رثاء ذوي المحن

فبكت معي فقد الحسين أخي الحسن *** ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن

يعقوب والالحان عن اسحاق

هي لم تكن ببني النبي مصابة *** مثلي لتندب بالطفوف عصابة

اني اتخذت رثا الحسين مثابة *** أنى تباريني جوى وصبابة

وكأبة وأسى وفيض مآق

وعلى شهيد الطف حشو ضمائري *** كمد أحاط بباطني وبظاهري

أو تدرك الورقاء كنه سرائري *** وانا الذي أملي الهوى من خاطري

وهي التي تملي من الاوراق

ص: 133

وقال وقد وقف على شاطيء الفرات متذكرا ما جرى على أبناء الرسول :

بعدا لشطك يا فرات فمر لا *** تحلو فانك لا هني ولا مري

أيسوغ لي منك الورود وعنك قد *** صدر الامام سليل ساقي الكوثر

وقال عند أول وقفة وقفها على أعتاب باب حضرة أبي تراب :

يا أبا الاوصياء أنت لطاها *** صهره وابن عمه وأخوه

ان لله في معانيك سرا *** أكثر العالمين ما علموه

أنت ثاني الآباء في منتهى الدور *** وآباؤه تعد بنوه

خلق اللّه آدما من تراب *** فهو ابن له وأنت أبوه

وقال في مدح الامام النازلة في رفعة قدره آية ويطعمون الطعام :

وسائل هل أتى نص بحق علي *** أجبته هل أتى نص بحق علي

فظنني اذ غدا مني الجواب له *** عين السؤال صدى من صفحة الجبل

وما درى لادرى جدا ولا هزلا *** اني بذاك أردت الجد بالهزل

وقال عندما جرت به السفينة في الفرات بقصد زيارة قبر أمير المؤمنين ويعسوب الدين في النجف الاشرف :

بنا من بنات الماء للكوفة الغرا *** سبوح سرت ليلا فسبحان من أسرى

تمد جناحا من قوادمه الصبا *** تروم بأكناف الغري لها وكرا

جرت فجرى كل الى خير موقف *** يقول لعينيه قفا نبك من ذكرى

ص: 134

وكم غمرة خضنا اليه وانما *** يخوض عباب البحر من يطلب الدرا

تؤم ضريحا ما الضراح وان علا *** بأرفع منه لا وساكنه قدرا

حوى المرتضى سيف القضا أسد الشرى *** علي الذرا بل زوج فاطمة الزهرا

مقام علي كرم اللّه وجهه *** مقام علي رد عين العلا حسرا

وقال وهو سائر ليلا من كربلاء المقدسة للنجف الاشرف :

وليلة حاولنا زيارة حيدر *** وبدر دجاها مختف تحت أستار

بأدلاجنا ضل الطريق دليلنا *** ومن ضل يستهدي بشعلة أنوار

فلما تجلت قبة المرتضى لنا *** وجدنا الهدى منها على النور لا النار

وقال يصف الصندوق العلوي والقفص الذي يمثل ضريح الامام علیه السلام :

الا ان صندوقا أحاط بحيدر *** وذي العرش قد أربى الى حضرة القدس

فان لم يكن لله كرسي عرشه *** فان الذي في ضمنه آية الكرسي

ومن قوله في أهل البيت علیهم السلام :

أهل العبا كم لهم أياد *** فاضت على الكون من يديهم

فما احتوينا وما اقتنينا *** وما لدينا فمن لديهم

وحق من قال ( ربنا ابعث *** فيهم رسولا يتلو عليهم )

اني اليهم أحن شوقا *** أحن شوقا اني اليهم

ص: 135

وقال :

يا آل من ملأ الجهات مفاخرا *** وأتى بكم للكائنات مظاهرا

وهم الذي لكم يعد نظائرا *** ان الوجود وان تعدد ظاهرا

وحياتكم ما فيه الا انتموا

أو ما درى اذ راح يعلن بالندا *** ان الذي هو غيركم رجع الصدا

فوجدكم سر الخليقة أحمدا *** أنتم حقيقة كل موجود بدا

وجميع ما في الكائنات توهم

وقال متضمنا آية ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) :

على جميع البرايا *** أهل العبا قل تعالوا

وخصصوا بمزايا *** من بعضها ( قل تعالوا )

وقال :

وجدكم يا آل احمد انني *** أعد لكم حمدي ومدحي من الجد

ومثلي يراعي منه اذ شاب مفرق *** بحمدكم سميته شيبة الحمد

وقال :

لا تعجبوا ان نثرت من كلمي *** في نعت أبناء حيدر دررا

لأنني يوم زرت حضرته *** ومنه قبلت بالشفاه ثرى

حشا فمي جوهرا ففهت به *** منتظما تارة ومنتثرا

وقال :

أنا في نعت سيد الرسل طاها *** وعلي القدر الرفيع العماد

ص: 136

والحسين الشهيد بعد أخيه *** الحسن السبط والفتى السجاد

وابنه باقر العلوم مع الصادق *** والكاظم العميم الايادي

وعلي الرضا وقدوة أهل الارض *** بحر العطا الامام الجواد

وعلي النقي والعسكري المنتقى *** والمهدي غوث العباد

يسكت الدهر ان نطقت ويصغي *** ملقيا سمعه الى انشادي

وقال - وقد وقف بحضرة الامام موسى الكاظم علیه السلام :

أيا بن النبي المصطفى وابن صنوه *** علي ويابن الطهر سيدة النسا

لئن كان موسى قد تقدس في طوى *** فأنت الذي واديه فيه تقدسا

وقال مرتجلا وقد وقف تجاه المرقد عائذا بأبي الرضا لائذا بجد الجواد :

نحن اذا ما عم خطب أو دجا *** كرب وخفنا نكبة من حاسد

لذنا بموسى الكاظم بن جعفر *** الصادق بن الباقر بن الساجد

ابن الحسين بن علي بن أبي *** طالب بن شيبة المحامد

ص: 137

الشيخ حسين قفطان

المتوفى بعد سنة 1280

الشيخ حسين ابن الشيخ علي بن نجم الملقب ب- قفطان السعدي القفطاني توفي بعد سنة 1280 بالنجف ودفن في الصحن الشريف في جهة باب الطوسي وقد تجاوز التسعين. كان شاعرا وله قصائد في رثاء الحسين علیه السلام . انتهى عن الاعيان للسيد الامين.

أقول والاسرة مشهورة بالعلم والادب والشعر وجودة الخط يتوارثونه خلفا عن سلف ولا عجب اذا برع في الشعر فالبيئة تحتم عليه ذلك أما شيخنا الشيخ آغا بزرك الطهراني فقد ذكر في ( الكرام البررة ) ان الشيخ حسين توفي في حياة والده الشيخ علي وذلك في حدود 1255 ه.

وقال : توجد بعض أشعاره في مجموعة السيد يوسف بن محمد العلوي الحسيني المكتوبة 1302 رايتها في مكتبة الملك بطهران.

مرت بهذا الجزء ترجمة أخيه الشيخ حسن وابن أخيه الشيخ ابراهيم وطائفة من أشعارهم.

ص: 138

الشيخ موسى محي الدين

المتوفى 1281

وقف على قبر الحسين علیه السلام وقال :

أسبط المصطفى المختار يا من *** به في كل ما أرجو نجاحي

وحقك لم يكن بحماك مثلي *** فتى والاك مقصوص الجناح

أرشني يا بن فاطمة فاني *** هزارك في النواحي بالنواح

* * *

الشيخ موسى ابن الشيخ شريف يوسف بن محمد بن يوسف آل محي الدين الحارثي الهمداني العاملي ، وتعرف أسرتهم قديما بآل أبي جامع ، وهو جدهم. لقب بذلك لانه بنى جامعا في ( جبع ) من لبنان في القرن العاشر واستوطنوا النجف منذ ثلاثة قرون أو أكثر ، ونبغ منهم عشرات الرجال من العلماء والادباء ومن مشاهيرهم في القرن الماضي الشيخ موسى المذكور وكان يختص بالشاعر عبدالباقي العمري وقد تكرر ذكره في ديوانه المطبوع كما كان يختص بالشاعر الشيخ عباس الملا علي وكانت وفاة الشيخ موسى سنة 1281 ه- وله ديوان شعر جمعه البحاثة الشيخ محمد السماوي بخطه وأضاف اليه ديوان ابن عمه الشيخ عبد الحسين محي الدين وجعلهما في مجلد واحد وشاعرنا المترجم له

ص: 139

من شيوخ الادب في عصره وفرسان حلبات الادب. وساق السيد الامين في الاعيان نسبه الى أبي جامع الحارثي الهمداني فقال : الشيخ موسى ابن الشيخ شريف بن محمد بن يوسف بن جعفر بن علي بن حسن بن محي الدين بن عبد اللطيف بن علي بن احمد ابن أبي جامع الحارثي الهمداني العاملي النجفي. من أهل القرن الثالث عشر الهجري ذكره الشيخ جواد آل محي الدين العاملي النجفي في ملحق أمل الامل فقال : كان فاضلا كاملا أديبا شاعرا كاتبا ماهرا له ديوان شعر وقد خمس القصيدة المشهورة المقصورة لابن دريد وحولها الى مدح الحسنين وأبيهما أميرالمؤمنين علیهم السلام . ذكرها السيد الامين وذكر جملة من شعره في مدح الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر.

وجاء في ( الحصون المنيعة ) ج 2 ص 565 : كان فاضلا كاملا ، أديبا شاعرا كاتبا ماهرا له ديوان شعر. وقد خمس القصيدة الدريدية ، ومدحه الشيخ عباس الملا علي البغدادي بقصيدة عند قدومه من سفر ، مطلعها :

تجلى فصير ليلي نهارا *** هلال على غصن بان أنارا

كما راسله عبد الباقي العمري بقوله :

قف بالمطي اذا جئت العشي الى *** أرض الغري على باب الوصي علي

وزر وصل وسلم وابك وادع وسل *** به لك الخير يا موسى الكليم ولي

وذكره السماوي في ( الطليعة ) بما يقارب هذا ، كما ذكره

ص: 140

الشيخ الطهراني في ( الكرام البررة ). وله قصيدة تعرف ب- ( الخالية ) تتكون من 32 بيتا آخر كل بيت منها كلمة ( خال ) وتعطي معنى غير الاخر ، وقد عارض بها قصيدة بطرس كرامة وقد تخلص في القصيدة لمدح العلامة الشيخ حسن آل كاشف الغطاء وأولها :

سقى الخال من نجد وسكانه الخال *** وأزهر في أكنافه الرند والخال

كما خمس القصيدة الخالية وبعث التخميس الى الآستانة الى ناظمها ، فلما وقف عليه قرضه فقال :

يا بن الشريف الذي أضحت فضائله *** كالشمس تشرق بين البدو والحضر

خمست بالنظم ذات الخال مكرمة *** مطوقا جيدها عقدا من الدرر

من البديع ومن سحر البيان لقد *** أوتيت سؤلك يا موسى على قدر

وللحاج جواد بدكت الحائري - تخميس الشيخ للقصيدة الدريدية :

ان آيا أبديتها في القوافي *** قد هوت سجدا لها الشعراء

ان هوت سجدا فغير عجيب *** أنت موسى وهي اليد البيضاء

وللشيخ جابر الكاظمي :

ألقت لموسى الشعراء العصا *** كما لموسى ألقت الساحرون

في شعره للشعرا معجز *** مثل العصا تلقف ما يأفكون

ص: 141

ذكر الدكتور عبدالرزاق محي الدين في مؤلفه ( الحالي والعاطل ) المترجم له في معارضة قصيدة بطرس كرامة ( الخالية ) أما تخميسه للقصيدة الدريدية المذكورة في ( الحالي والعاطل ) والتي نظمها ابن دريد في مدح ابني مكيال - كما هو معروف فقد حولها شاعرنا المترجم له الى مدح الامامين الحسن والحسين علیهماالسلام بتخميسه للقصيدة وها نحن نروي جملة من هذا التخميس :

هما سليلا احمد خير الملا *** الحسنين الاحسنين عملا

هما اللذان انقعالي غللا *** هما اللذان أثبتا لي أملا

قد وقف اليأس به على شفا

هما اللذان أورداني موردا *** عاد به روض المنى موردا

وأنشئاني بعد ما كنت سدى *** وأجريا ماء الحيا لي رغدا

فاهتز غصني بعد ما كان ذوى

كم ردني بعد الرجاء خائبا *** من خلته ألا يرد طالبا

وحين أصبحت له مجانبا *** هما اللذان عمرا لي جانبا

من الرجاء كان قدما قد عفا

وأولياني ما به النفس اقتنت *** عزاً به عن درن الدنيا اعتنت

وعوداني عادة ما امتهنت *** وقلداني منة لو قرنت

بشكر أهل الارض طراً ما وفى

أحمد ربي اللّه ما أعاشني *** اذ في ولاء المرتضى قد راشني

فلم أقل وهو بخير ناشني *** ان ابن مكيال الامير انتاشني

من بعد ما قد كنت كالشيء اللقى (1)

ص: 142


1- اللقى : الشيء المطروح.

ومذ وفى لي بالذي له ضمن *** وخصني بما به قلبي أمن

قلت أبو السبطين بالوفا قمن *** ومد ضبعي أبوالعباس من

بعد انقباض الذرع والباع الوزي (1)

ذاك علي المرتضى عقد الولا *** وصنو طه المرتضى خير الملا

ذاك الذي رام المعالي فعلا *** ذاك الذي لا زال يسمو للعلا

بفعله حتى علا فوق العلا

ومذ علا بالرغم من حسوده *** لو كان يرقى أحد بجوده

قلت وحق القول من ودوده *** بجوده الموفى على وفوده

ومجده الى السماء لارتقى

فعد الى مدح الحسين والحسن *** تأمن في مدحهما من الزمن

وقل اذا ما فزت منهما بمن *** نفسي الفداء لأميري ومن

تحت السماء لأميري الفدا

وقال يمدح الامام (عليه السلام) :

أقول لمقتعد اليعملات *** يلف الوعوث على السجسج

أنخها على ذكوات الغري *** وفي باب حيدرة عرج

على أسد الغاب بحر الرغاب *** مغيث السغاب سرور الشجى

وصي الرسول وزوج البتول *** ومعطي السؤل الى المرتجي

أبي الحسنين وطلق اليدين *** اذا العام ضاق ولم يفرج

وقل يا يد اللّه في الكائنات *** ويا وجهه في الظلال الدجي

سلام عليك بصوت رقيق *** من الخطب والكرب لم يفرج

أتيتك ملتجأ منهما *** لأنك أنت حمى الملتجي

وجئت وايقنت أن يصدرا *** طريدين عني مهما أجي

فمثلك من كف عني الهموم *** وألحب في أعيني منهجي (2)

ص: 143


1- الوزى بالفتح : القصير.
2- عن الحالي والعاطل.

الحاج جواد بدقت

المتوفى 1281

الحاج جواد بدكت قال في الحسين (عليه السلام) :

بواعث اني للغرام مؤازر *** رسوم بأعلا الرقمتين دوائر

يعاقب فيها للجديدين وارد *** اذا انفك عنها للجديدين صادر

ذكرت بها الشوق القديم بخاطر *** به كل آن طارق الشوق خاطر

وان لم تراع للوداد أوائلا *** فما لك في دعوى الوداد أواخر

وتلك التي لو لم تهم بمهجتي *** لما أنبأت أن اللحاظ سواحر

لحاظ كألحاظ المهى أن أتيتها *** فواتك الا أن تلك فواتر

وجيد يريك الظبي عند التفاتها *** هي الظبي ما بين الكثيبين نافر

تحملت حتى ضاق ذرعا تحملي *** ومل اصطباري عظم ما أناصابر

عدمتك فاقلع عن ملائمة الهوى *** ألم يعتبر بالأولين الاواخر

أهل جاء أن ذو صبوة نال طائلا *** وان جاء فاعلم ان تلك نوادر

فان شئت ان توري بقلبك جذوة *** يصاعدها ما بين جنبيك ساجر

فبادر على رغم المسرة فادحا *** عظيما له قلب الوجودين ذاعر

غداة أبو السجاد والموت باسط *** موارد لا تلفى لهن مصادر

أطل على وجه العراق بفتية *** تناهت بهم للفرقدين الاواصر

فطاف بهم والجيش تأكله القنا *** وتعبث فيه الماضيات البواتر

على معرك قد زلزل الكون هوله *** وأحجمن عنه الضاريات الخوادر

ص: 144

يزلزلن أعلام المنايا بمثلها *** فتقضي بهول الاولين الاواخر

وينقض أركان المقادير بالقنا *** امام على نقض المقادير قادر

أمستنزل الاقدار من ملكوتها *** فكيف جرت فيما لقيت المقادر

وان اضطرابي كيف يصرعك القضا *** وان القضا انفاذ ما أنت آمر

أطل على وجه المعالم موهن *** وبادر أرجاء العوالم بادر

بأن ابن بنت الوحي قد أجهزت به *** معاشر تنميها الاماء العواهر

فما كان يرسو الدهر في خلدي بأن *** تدور على قطب النظام الدوائر

وتلك الرفيعات الحجاب عواثر *** بأذيالها بل انما الدهر عاثر

تجلى بها نور الجلال الى الورى *** على هيئة لا أنهن حواسر

يطوف على وجه البراقع نورها *** فيحسب راء أنهن سوافر

وهب انها مزوية عن حجابها *** وقاهرها عن لطمة الخدر قاهر

فماذا يهيهن البدر وهو بأفقه *** بأن الورى كل الى البدر ناظر

ولكن عناها حين وافت حميها *** رأته صريعا فوقه النقع ثائر

فطورا تواريه العوادي وتارة *** تشاكل فيه الماضيات البواتر

فيا محكم الكونين أو هي احتكامها *** بأنك ما بين الفريقين عافر

وانك للجرد الضوامير حلبة *** الا عقرت من دون ذاك الضوامر

ألست الذي أوردتها مورد الردى *** فيا ليتها ضاقت عليها المصادر

فيا ليت صدري دون صدرك موطأ *** ويا ليت خدي دون خدك عافر

* * *

ص: 145

هو الحاج جواد ابن الحاج محمد حسين الاسدي الحائري - الشهير ب- ( بذقت ) أو بذكت (1). ولد بكربلاء عام 1210 ه- وتوفي سنة 1281 بكربلاء ودفن فيها.

كان فاضلا أديبا مشهور المحبة لاهل البيت علیهم السلام من مشاهير شعراء القرن الثالث عشر وديوانه لا يزال مخطوطا وفيه قصائد عامرة ، وقد ساجل جملة من شعراء عصره نخص بالذكر منهم الشيخ صالح الكواز فلقد ذكر الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) ان الكواز زار شاعرنا المترجم له فرأى عنده عبدا له اسمه ( ياقوت ) وهو يضجر من رمد في عينيه فقال الكواز :

ألا ان ياقوتا يصوت معلنا *** غداة غدت عيناه ياقوته حمرا

فأجابه الحاج جواد مرتجلا :

وقد صير الرحمن عينيه هكذا *** لأني اذا أدعوه ينظرني شزرا

نظم الحاج جواد في مختلف أبواب الشعر فأجاد وأبدع فمن روائعه قوله مخمسا :

قلت لصحبي حين زاد الظما *** واشتد بي الشوق لورد اللمى

متى أرى المغنى وتلك الدمى *** قالوا غدا تأتي ديار الحمى

وينزل الركب بمغناهم

هم سادة قد أجزلوا بذلهم *** لمن أتاهم راجيا فضلهم

فمن عصاهم لم ينل وصلهم *** وكل من كان مطيعا لهم

أصبح مسرورا بلقياهم

ص: 146


1- وبذقت لقب جدهم الحاج مهدي ، أراد أن يقول عن الشمس بزغت فقال لتمتمة فيه : بذقت.

قد لامني صحبي على غفلتي *** اذ نظرت غيرهم مقلتي

فما أطالوا اللوم في زلتي *** قلت فلي ذنب فما حيلتي

بأي وجه أتلقاهم

يا قوم اني عبد احسانهم *** ولم أزل أدعى بسلمانهم

فاليوم هل أحظى بغفرانهم *** قالوا أليس العفو من شانهم

لا سيما عمن تولاهم

جعلت زادي في السرى ودهم *** وموردي في نيتي وردهم

وقلت هم لم يخجلوا عبدهم *** فحين ألقيت العصا عندهم

واكتحل الطرف بمرءآهم

لم أر فيهم ما تحذرته *** بل لاح بشر كنت بشرته

كأنما فيما تفكرته *** كل قبيح كنت أحرزته

حسنه حسن سجايايهم

ومن شعره قوله مقرضا تخميس الشيخ موسى ابن الشيخ شريف محي الدين لمقصورة ابن دريد :

أي آي أبديتها في القوافي *** قد هوت سجدا لها الشعراء

ان هوت سجدا فغير غريب *** أنت موسى وهي اليد البيضاء

وله ايضا في تقريضه :

لقد كفرت بالشعر قوم وقد قضى *** علينا الردى حزنا عليه وتبئيسا

فأحييتنا فيما نظمت فآمنوا *** فكنت لنا عيسى وكنت لهم موسى

وللشاعر ملحمة كبيرة يمدح بها الامام أمير المؤمنين عليا علیه السلام نظمها فصولا على عدد حروف الهجاء رأيت أكثرها في مخطوط العلامة المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء المسمى ب-

ص: 147

( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ج 3 ص 325 قال : وقد نقلتها من نسخة بخطه وهي مسودة ومبيضة لا ثاني لها. أقول ورأيت هذه الروضة في مجموعة بمكتبة كاشف الغطاء العامة قسم المخطوطات - رقم 872 وهي التي أشار اليها الشيخ.

وكتب عنه صديقنا السيد سليمان هادي الطعمة فقال : ان الديوان يشتمل على جوانب انسانية ووطنية وله ملحمة رائعة يمتدح بها أهل البيت علیهم السلام جارى بها ملحمة الشيخ كاظم الازري المسماة ب- ( الازرية ) عدد أبياتها 1265 بيتا. أقول ويحتفظ بنسخة منها آل الرشتي بكربلاء ومطلعها :

أهي الشمس في سماء علاها *** أخذت كل وجهة بسناها

طرق أبواب الشعر فأسمع كل حي وفتح له الشعر أبوابه وأحسن به ترحابه فها هو يصف جلسة اختلسها من الزمان بين أحباب واخوان ولعلها بمناسبة زفاف السيد أحمد الرشتي عام 1279 :

هي والراح أسفرا اسفارا *** فأعاد ليل الندامى نهارا

أشرقا حين لاصحاب فيحمي *** عن تعاطى اجتلاهما الابصارا

هي عاطتهم لماها ولما *** أسكرتهم به سقتهم عقارا

تتهاوى فيهم فتحسبهم منها *** سكارى وما هم بسكارى

كلما رنحت لهم عطفها هاجوا *** ارتياحا وأزعجوا الاوتارا

بينهم من بني النصارى طروب *** ضل فيها احكام دين النصارى

سلبت رشده وقد كسر الناقوس *** هجرا وقطع الزنارا

ص: 148

ومن شعره في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) :

شجتك الضعائن لا الاربع *** وسال فؤادك لا الادمع

ولو لم يذب قلبك الاشتياق *** فمن أين يسترسل المدمع

توسمتها دمنة بلقعا *** فما أنت والدمنة البلقع

تعاتبها وهي لا ترعوي *** وتسألها وهي لا تسمع

فعدت تروم سبيل السلو *** وسهمك طاش به المنزع

خذوه بألسنة العاذلين *** فقد عاد في سلوة يطمع

تجاهلت حين طلب السلو *** علام قد انضمت الاضلع

هل ارتعت من وقفة الاجرعين *** فأمسيت من صابها تجرع

فأينك من موقف بالطفوف *** يحط له الفلك الارفع

بملمومة حار فيها القضاء *** وطاش بها البطل الانزع

فما اقلعت دون قتل الحسين *** فيا ليتها الدهر لا تقلع

اذا ميز الشمر رأس الحسين *** أيجمعها للعلا مجمع

فيا ابن الذي شرع المكرمات *** والا فليس لها مشرع

بكم أنزل اللّه ام الكتاب *** وفي نشر آلائكم يصدع

أوجهك يخضبه المشرفي *** وصدرك فيه القنا تشرع

وتعدو على صدرك الصافنات *** وعلم الاله به مودع

وينقع منك غليل السيوف *** وان غليلك لا ينقع

ويقضي عليك الردى مصرعا *** وكيف القضا بالردى يصرع

بنفسي ويا ليتها قدمت *** وأحرزها دونك المصرع

ويا ليته استبدل الخافقين *** وأيسر ما كان لو يقنع

لقد أوقعوا بك يابن النبي *** عزيز على الدين ما أوقعوا

وخوص متى نسفت مربعا *** تلقفها بعده مربع

لقد أوقروها بنات النبي *** فهل بعدها جلل أسفع

ص: 149

خريم يغار عليها الاله *** بمن أرقلوا وبمن جعجعوا

أتدري حدات مطياتها *** وأملاكه عندها تخضع

يلاحظها في السبا أغلف *** ويحدو بها في السرى أكوع

يطارحن بالنوح ورق الحمام *** فهذي تنوح وذي تسجع

لسهم الزفير بأكبادها *** الى أن تكاد به تنزع

تسير وتخفي لفرط الحيا *** جواها ويعربه المدمع

وللحاج جواد بذكت :

فوق الحمولة لؤلؤ مكنون *** زعم العواذل انهن ضعون

لم لقبوها بالظعون وانها *** غرف الجنان بهن حور عين

يا ايها الرشأ الذي سميته *** قمر السماء وانه لقمين

اني بمن أهواه مفتون وذاك *** بأن يؤنب بالهوى مفتون

مهما نظرت وانت مرآة الهوى *** بك بان لي ما لا يكاد يبين

لم تجر ذكرى نير وصفاته *** الا ذكرتك والحديث شجون

ومنها :

يا قلب ما هذي شعار متيم *** ولعل حال بني الغرام فنون

خفض فخطبك غير طارقة الهوى *** ان الهوى عما لقيت يهون

ما برحت بك غير ذكرى كربلا *** فاذا قضيت بها فذاك يقين

ورد ابن فاطمة المنون على ظما *** ان كنت تأسف فلتردك منون

ودع الحنين فانها العظمى فلا *** تأتي عليها حسرة وحنين

ظهرت لها في كل شيء آية *** كبرى فكاد بها الفناء يحين

بكت السماء دما ولم تبرد به *** كبد ولو ان النجوم عيون

ندبت لها الرسل الكرام وندبها *** عن ذي المعارج فيهم مسنون

فبعين نوح سال ما اربى على *** ماسار فيه فلكه المشحون

ص: 150

وبقلب ابراهيم ما بردت له - *** ما سجر النمرود وهو كمين

ولقد هوى صعقا لذكر حديثها *** موسى وهون ما لقى هارون

واختار يحيى ان يطاف برأسه *** وله التأسي بالحسين يكون

وأشد مما ناب كل مكون *** من قال قلب محمد محزون

فحراك تيم بالضلالة بعده *** للحشر لا يأتي عليه سكون

عقدت بيثرب بيعة قضيت بها *** للشرك منه بعد ذاك ديون

برقي منبره رقي في كربلا *** صدر وضرج بالدماء جبين

لولا سقوط جنين فاطمة لما *** أودى لها في كربلاء جنين

وبكسر ذاك الضلع رضت أضلع *** في طيها سر الاله مصون

وكذا على قوده بنجاده *** فله علي بالوثاق قرين

وكما لفاطم رنة من خلفه *** لبناتها خلف العليل رنين

وبزجرها بسياط قنفذ وشحت *** بالطف من زجر لهن متون

وبقطعهم تلك الاراكة دونها *** قطعت يد في كربلا ووتين

لكنما حمل الرؤوس على القنا *** أدهى وان سبقت به صفين

كل كتاب اللّه لكن صامت *** هذا وهذا ناطق ومبين (1)

ص: 151


1- عن ( رياض المدح والرثاء ) للشيخ حسين آل سليمان البلادي البحراني من منشورات المكتبة العربية ومطبعتها مطبعة الاداب - النجف الاشرف.

الشيخ صالح بن طعان

المتوفى 1281

فآه واندمى من فوت نصرته *** وغير مجد على مافات ، واندمي

والظاهرات من الاستار حين وعت *** صوت الجواد أتاها قاصد الخيم

توجهت نحوه تلقاء سيدها *** اذا به من على ظهر الجواد رمي

فصرن كالمتمنى اذ يرى فلقا *** من الصباح فلما ان رآه عمي

لهفي لهن من الاستار بارزة *** ما بين رجس وأفاك ومغتشم

عواثرا في ذيول ما تطرقها *** ريب ولا سحبت في مسحب أثم

تخال في صفحات الخد أدمعها *** كالدر ما بين منثور ومنتظم

كل تلوذ بأخرى خوف آسرها *** لوذ القطا خوف بأس الباشق الضخم

حتى اذا صرن في أسر العداة وقد *** ركبن فوق ظهور الانيق الرسم

مروا بهن على القتلى مطرحة *** ما بين منعفر في جنب مصطلم

فمذ رأت زينب جسم الحسين على *** البوغا خضيبا بدم النحر واللمم

عار اللباس قطيع الراس منخمد *** الانفاس في جندل كالجمر مضطرم

ألقت ردى الصبر وانهارت هناك على *** جسم الشهيد كطود خر منهدم

وقد لوت فوقه احدى اليدين على *** الاخرى وتدعوه يا سؤلي ومعتصمي

ص: 152

أخي فقدتك فقدان الربيع فلا *** يسلوك قلبي ولا يقلو نعاك فمي

هل كيف يجمل لي صبري ويهتف بي *** بشر وانت رهين الترب والرجم

وتارة تستغيث المصطفى ولها *** قلب خفوق ودمع في الخدود ودهمي

يا جد هذا أخي ما بين طائفة *** قد استحلوا دماه واحتووا حرمي

يا جد أصبحت نهبا للنوائب ما *** بين العدى من ظلوم لي ومهتضم

لا والد لي ولا عم ألوذ به *** ولا أخ لي بقى أرجوه ذو رحم

أخي ذبيح ورحلي قد أبيح وبي *** ضاق الفسيح وأطفالي بغير حمي

وابن الحسين كساه البين ثوب أسى *** والسقم أبراه بري السيف للقلم

باللّه يا راكب الوجنا يخد بها *** بيد الفلا مدلجا بالسير لم ينم

ان جزت بالنجف الاعلا فقف كرما *** بقرب قبر علي سيد الحرم

وابد الخضوع ولذ بالقبر ملتزما *** واقرى السلام لخير الخلق واحترم

وانع الحسين له واقصص مصيبته *** وقل له يا امام العرب والعجم

هل أنت تعلم ما نال الحسين وما *** نالت ذراريك أهل المجد والكرم

أما الحسين فقد ذاق الردى وقضى *** بجانب النهر لهفان الفؤاد ظمي

وصحبه أصبحوا صرعى ونسوته *** أمسوا سبايا كسبي الترك والخدم

* * *

الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي الستري البحراني البركوياني المتوفى بالطاعون في مكة سنة 1281 له ديوان في المراثي لأهل البيت مطبوع في بمبي. كذا ذكر البحاثة الطهراني في الذريعة وقال :

ص: 153

رأيت رثاءه للشيخ سليمان بن أحمد بن عبد الجبار المتوفى سنة 1262 بخط صاحب أنوار البدرين وولده الشيخ احمد بن صالح المولود سنة 1251 وله ايضا ديوان مطبوع بمبي ، وتوفي سنة 1315 ذكره لنا ولده الشيخ محمد صالح بن احمد بن صالح ابن طعان المذكور قبل وفاته 1333.

وجاء في ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) للشيخ الطهراني :

الشيخ صالح بن طعان عالم فاضل وفقيه بارع ، وقال : أثنى صاحب ( انوار البدرين في أحوال علماء الاحساء والقطيف والبحرين ) على علمه وصلاحه ، وكان من العلماء العاملين الورعين ، وله آثار كثيرة منها ( تسلية الحزين ) وله ( ديوان المراثي ) طبع.

ص: 154

الشيخ محمد علي كمونة

المتوفى 1282

الشيخ محمد علي كمونة مفخرة الامجاد وسلالة الاسخياء الاجواد نشأ في بيت الزعامة والرئاسة والوجاهة كان ولم يزل هذا البيت محط رحال الوفاد ومنتدى العلم والادب وله الشرف والرفعة والمكانة السامية لدى أهالي كربلاء وكانت بيدهم سدانة الحرم المطهر الحسيني من ذي قبل. نشأ شاعرنا نشأة علمية دينية أدبية ، نظم فأجاد وبرع حتى فاق أقرانه ولانه يتحدر من الاسرة العربية الشهيرة وهم بنو أسد الذين نالوا الشرف بمواراة جسد الحسين علیه السلام فهو لازال يفتخر بهم ولأن عددا غير قليل منهم نالوا السعادة وحصلوا الشهادة يوم عاشوراء بين يدي أبي عبداللّه الحسين سيد شباب أهل الجنة فهو يتمنى أن يكون معهم ويغبطهم على هذه المنزلة فيقول :

فواحزني ان لم أكن يوم كربلا *** قتيلا ولم أبلغ هناك مأربي (1)

ص: 155


1- والقصيدة تناهز الستين بيتا وأولها : أعدها أخا المسرى لقطع السباسب *** مهجنة من يعملات نجائب

فان غبت عن يوم الحسين فلم تغب *** بنو أسد أسد الهياج أقاربي

وقد جمع بعض أحفاده شعره في مجموعة سماها ( اللئالئ المكنونة في منظومات ابن كمونة ) ويقع في خمسة آلاف بيت.

جاء في ( الحصون المنيعة ) للشيخ علي كاشف الغطاء ما نصه : الحاج محمد علي الشهير بكمونة كان شاعرا بليغا أديبا لبيبا فصيحا آنست الناس أشعاره الرائقة وأسكرتهم بمعانيها ومبانيها الفائقة ، درة صدف الادب والمعالي والعاقمة عن مثله أمهات الليالي ، قد شاهدته أيام صباي في كربلاء زمن توقفي فيها واجتمعت معه كثيرا واقتطفت من ثمار افاداته يسيرا وقد ناهز عمره الثمانين من السنين ، وعرضت أول نظمي عليه ، وكان رجلا طوالا ذا شيبة بيضاء مهيبا شهما غيورا وكان قليل النظم وأكثر شعره في مدح الامام أمير المؤمنين علیه السلام ، وكان معاونا لأخويه الحاج مهدي والشيخ محمد حسن في تولية خدمة مرقد أبي عبداللّه الحسين وسدانة هذه العتبة المقدسة.

توفي في شهر جمادي الاخرة ليلة الاحد سنة 1282 بمرض الوباء في كربلاء ودفن مع أخيه الحاج مهدي في مقبرتهم المعدة لهم في الحائر الحسيني تجاه قبور الشهداء. أقول وفي سنة 1367 ه- 1948 م قام الاديب المعاصر محمد كاظم الطريحي بجمع ديوانه والتعليق عليه ونشره بمطبعة دار النشر والتأليف بالنجف الاشرف.

ص: 156

جاء في احدى قصائده الحسينية :

متى فلك الحادثات استدارا *** فغادر كل حشى مستطارا

كيوم الحسين ونار الوغى *** تصعد للفرقدين الشرارا

فلم تر الا شهابا ورى *** وشهما بفيض النجيع توارى

فعاد ابن أزكى الورى محتدا *** وأمنع كل البرايا جوارا

تجول على جسمه الصافنات *** وتكسوه من نقعها ما استثارا

وقال رحمه اللّه في رأس الامام الحسين يوم طيف به على رمح :

رأس وقد بان عن جسم وطاف على *** رمح وترتيله القرآن ما بانا

رأس ترى طلعة الهادي البشير به *** كأنما رفعوه عنه عنوانا

تنبي البرية سيماه وبهجته *** بأن خير البرايا هكذا كانا

يسري ومن خلفه الاقتاب موقرة *** أسرى يجاب بها سهلا وأحزانا

وله رائعة غراء في سيدنا أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أولها :

نبت بالذي رام المعالي صوارمه *** اذا ما حكتها بالفضاء عزائمه

وله القصيدة الشهيرة التي يصف فيها بطولة شهداء كربلاء ومنها :

أراه وأمواج الهياج تلاطمت *** يعوم بها مستأنسا باسما ثغرا

ولو لم يكفكفه عن الفتك حلمه *** لعفى ديار الشرك واستأصل الكفرا

ص: 157

ولما تجلى اللّه جل جلاله *** له خر تعظيما له ساجدا شكرا

هوى وهو طود والمواضي كأنها *** نسور أبت الا مناكبه وكرا

هوى هيكل التوحيد فالشرك بعده *** طغى غمره والناس في غمرة سكرى

وأعظم بخطب زعزع العرش وانحنى *** له الفلك الدوار محدودبا ظهرا

غداة أراق الشمر من نحره دما *** له انبجست عين السما أدمعا جمرا

وان أنس لا أنسى العوادي عواديا *** ترض القرى من مصدر العلم والصدرا

ولم أنس فتيانا تنادوا لنصره *** وللذب عنه عانقوا البيض والسمرا

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم *** وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا

وما كنت أدري قبل حمل رؤوسهم *** بأن العوالي تحمل الانجم الزهرا

حماة حموا خدرا أبى اللّه هتكه *** فعظمه شأنا وشرفه قدرا

فأصبح نهبا للمغاوير بعدهم *** ومنه بنات المصطفى أبرزت حسرا

يقنعها بالسوط شمر فان شكت *** يؤنبها زجر ويوسعها زجرا

نوائح الا أنهن ثواكل *** عواطش الا أن أعينها عبرى

يصون بيمناها الحيا ماء وجهها *** ويسترها ان أعوز الستر باليسرى

وله من القصائد الحسينية المنشورة في ديوانه ما هذه أوائلها :

1 - ما بال عينك بعد كشف غطائها *** قذف الاسى انسانها في مائها

44 بيتا

2 - باتت تلوم على الهوى وتؤنب *** وحمى شجوني بالغرام محجب

29 بيتا

ص: 158

3 - أعدها أخا المسرى لقطع السباسب *** مهجنة من يعملات نجائب

57 بيتا.

4 - أصبحت آل علي في السبا *** أين عنها اليوم ارباب الابا

31 بيتا.

5 - ماذا على النوائب *** لو جانبت جوانبي

50 بيتا.

6 - نوى ظعنا يبغي منى فالمحصبا *** فأدنى اليه اليعملات وقربا

88 بيتا.

7 - دع المطايا تجوب البيد في السحر *** وعج بربع أبي الضيم من مضر

48 بيتا.

8 - من ذا دهى مضر الحمرا وعدنانا *** وسام أقمارها خسفا ونقصانا

23 بيتا.

والشاعر كمونة لم تقتصر براعته وشاعريته على الرثاء فقط وانما طرق أبواب الشعر من غزل ونسيب وفخر وحماسة فكم له من روائع عرفانية ووجدانية تنم عن ملكة أدبية ونوادر شعرية فمن ظرفه قوله في قصيدة :

نسيم الصبا هيجت لاعج أشواقي *** وألحقت بالماضي من الرمق الباقي

فيا صاحبي نجواي عوجا على الحمى *** لعل به رقيا لما أعجز الراقي

فكم لي عهدا بالحمى متقادما *** ذوى غصن جسمي هو ينمو بايراق

ص: 159

ويا عاذلي في حب ليلى وما عسى *** تروم وميثاقي على الحب ميثاقي

وله بمدح الامام أبي السبطين الحسن والحسين :

ألام على من خصه اللّه في العلى *** وصيره في شرب كوثره الساقي

وزين فيه العرش فانتقش اسمه *** على جبهة العرش المعظم والساق

وأودع من عاداه نار جهنم *** فخلد في كفار قوم وفساق

لهم من ضريع مطعم وموارد *** اذا وردوها من حميم وغساق

أما انني أكثرت ذنبا وانه *** سيبدل أحمالي بعفو وأوساق

غداة أرى صحفي بكفيه في الولا *** ينسق منها زلتي أي نساق

وأنظر لوامي تدع الى لظى *** فيسقط منساق على اثر منساق

تقصدت لفظ الساق في ذكر نعته *** لأنجو اذا ما التفت الساق بالساق

ومن نوادره قوله :

عصيت هوى نفسي صغير افعند ما *** دهتني الليالي بالمشيب وبالكبر

أطعت الهوى عكس القضية ليتني *** خلقت كبيرا ثم عدت الى الصغر

وقال في التوكل :

الهي ما ادخرت غني لنفسي *** وولدي من حطام الدهر مالا

لعلمي أنك الكافي وأني *** وكلت على خزائنك العيالا

ص: 160

الشيخ حمادي الكواز

المتوفى 1283

أدهاك ما بي عندما رحلوا *** فأزال رسمك أيها الطلل

أم أنت يوم عواذلي جهلوا *** شوقي علمت فراعك العذل

لا بل أراك دهتك عاصفة *** أبلت قشيبك بعدما احتملوا

لو كنت تنطق أيها الطلل *** ربما اشتفى بك واله يسل

وكأنما ورباك ناحلة *** مني نحول الجسم تنتحل

فتعير قلبي منك نار جوى *** أنبته كيف النار تشتعل

ومن العجائب أن لي ديما *** تروي صداك وعندي الغلل

علمت أجفاني البكاء فعلم- *** -ن السحائب كيف تنهمل

ساق الهوى وحنيني الزجل *** مطرا اليك سحابه المقل

ومن الأحبة أن تكن عطلا *** ما أنت من عشافهم عطل

ومؤنب ظن الغرام به *** لعبا فجد وجده هزل

وأتى يروم بي العزاء وقد *** رحل العزا عني مذ ارتحلوا

ومن الجوى لم تبق باقية *** في الخطوب لمعشر عذلوا

مهلا هذيم فليس لي أبدا *** صبر يصاحبني ولا مهل

قتل الاسى صبري بمعضلة *** أبناء فاطمة بها قتلوا

بأماثل القوم الذين بهم *** بين البرية يضرب المثل

ومهذبين فما بجودهم *** نكد ولا بسيوفهم كلل

من كل مشتمل بعزمته *** وبحزمه في الحرب معتقل

ص: 161

يمضي اذا ازدحم الكماة وقد *** كهم الضبا وتقصف الأسل

ويخوض نار الحرب مضرمة *** فكأنما هي بارد علل

وشمر دل وصل الثناء به *** غاياته ولأحمد يصل

بسحاب صعدته وراحته *** غيثان منبعث ومنهمل

وبيوم معركة ومكرمة *** أسد هزبر وعارض هطل

وسرت تحوط فتى عشيرتها *** من آل أحمد فتية نبل

وتحف من أشرافها بطلا *** شهد الحسام بأنه بطل

وأشم خلق للعلاء به *** نسب بحبل العرش متصل

ذوالمجد ليس يحل ساحته *** وجل وقلب عدوه وجل

وأخو المكارم لا بواردها *** ظمأ ولا لغزيرها وشل

أبدا فلا اللاجي به وجل *** كلا ولا الراجي له خجل

والمستقاد له جبابرة الاشر *** راك وهي لعزه ذلل

ومقوضين تحملوا وعلى *** مسراهم المعروف مرتحل

ركبوا الى العز الردى وحدا *** للموت فيهم سايق عجل

وبهم ترامت للعلى شرفا *** ابل المنايا السود لا الابل

حتى اذا بل المسير بهم *** أقصى المطالب وانتهى الامل

نزلوا بأكناف الطفوف ضحى *** والى الجنان عشية رحلوا

بأماجد من دونهم وقفوا *** وبحبهم أرواحهم بذلوا

وعلى الظما وردوا بأفئدة *** حرى كأن لها الضبا نهل

في موكب تكبوا الاسود به *** ويزل من زلزاله الجبل

فاض النجيع وخيلهم سفن *** وحمى الوطيس وسمرهم ظلل

وعجاجة كالليل يصدعها *** من قضبهم ووجوههم شعل

حتى اذا رامت بقاءهم ال- *** -دنيا ورام نداهم الاجل

بخلوا على الدنيا بأنفسهم *** وعلى الردى جادوا بما بخلوا

وعن ابن فاطم للعدى كرما *** أجسامهم شبح القنا جعلوا

ص: 162

ولآل حرب ثار بعدهم *** من آل طه الفارس البطل

جاءت وقائدها العمى والى *** قتل الحسين يسوقها الجهل

بجحافل بالطف أولها *** وأخيرها بالشام متصل

ملؤ القفار على ابن فاطمة *** جند وملؤ صدورهم ذحل

طم الفلا فالخيل تحتهم *** أرض وفوقهم السما ذبل

وأتت تحاوله الهوان وهل *** للشهم عن حالاته حول

فسطا وكاد الكون حين سطا *** يقضي عليه ذهابه الزجل

والارض لما هز أسمره *** بين الكتائب هزها وهل

فاعجب لتأخير العذاب وامها *** ل الاله لهم بما عملوا

مالوا الى الشرك القديم وعن *** دين النبي لغيهم عدلوا

نصروا يزيد وأحمدا خذلوا *** اللّه من نصروا ومن خذلوا

حتى اغتدى بالترب بينهم *** نهب الصوارم وهو منجدل

تروي الأسنة من دماه وما *** لأوام غلة صدره بلل

عجبا لهم أمنوا العذاب وقد *** علموا هناك عظيم ما عملوا

أيموت سر الكون بينهم *** والكون ليس يحله الاجل

وشوامخ العلياء من مضر *** أودى بهن الفادح الجلل

فهوت لهن على الثرى هضب *** وسمت لهن على القنا قلل

والارض راكدة الجوانب لا *** يندك منها السهل والجبل

ورؤوس أوتاد البلاد ضحى *** ناءت بها العسالة الذبل

لا كالأهلة بل شموس علا *** بسماء مجد افقها الاسل

والى ابن آكلة الكبود سرت *** ببنات فاطم أنيق بزل

أسرى على تلك الجمال وقد *** عز الحما ودموعها بلل

وعلى يزيد ضحى بمجلسه *** قد أوقفتها المعشر السفل

لا من بني عدنان يلحظها *** ندب ولا من هاشم بطل

الا فتى نهبت حشاشته *** كف المصاب وجسمه العلل

ص: 163

وشفاه رأس المجد ينكتها *** بالخيزرانة أكوع رذل

فاعجب لآخر أمة ركبت *** في الغي ما لم تركب الاول

هذي فعالهم وما فعلت *** أرجاس عاد بعض ما فعلوا

أبني النبي ومن بحبهم *** يعطي المراد ويبلغ الامل

يا من اذا لم يسألوا وهبوا *** أضعاف ما وهبوا اذا سئلوا

والعاملون بكل ما علموا *** والعالمون بكل ما عملوا

* * *

جاء في البابليات : اذا قرأت ترجمة الشاعر الغامر « الخبز أرزي » وقرأت خبر « الخباز البلدي » فانك واجد فيها الموهبة الشعرية بارزة متجلية : والعبقرية لامعة واضحة تعرف كل ذلك اذا علمت انهما كانا ( أميين ) لم يعرفا من التهجي حرفا ولا من الكتابة شكلا ومع ذلك فقد كانا ينظمان من الشعر ما رق وراق وملأ الصحف والاوراق سيما وان الاول منهما كان يبيع خبز الارز في دكان له في البصرة ينتابه أهل الادب لاستماع شعره وطرائف نوادره. كما يروي لنا ابن خلكان وغيره ، واذا نظرنا بعين الحقيقة فلا نرى محلا للتعجب ولا مجالا للاستغراب فان هذا وأشباهه انما نشأوا وعاشوا في عصر هو أزهي العصور وأقربها عهدا للعربية « القرن الثالث للهجرة » عصر العلم والآداب والعروض والاعراب ، عصر الشعر والخطابة والانشاء والكتابة ، عصر الاندية والمجالس والمعاهد والمدارس ، عصر الاحتفاء بالعلماء والاحتفال بالشعراء نعم العجب كل العجب ممن نبغ بعد أولئك بألف عام في عصر اندمجت فيه لغة القرآن باللغات الاجنبية التي تسيطر أهلها لا بالعراق وحده بل على جميع

ص: 164

الشعوب العربية الاسلامية فطورا تحت سلطة التاتار والمغول وتارة تحت رحمة الاتراك والاعاجم فهل تأمل بعد هذا كله أن تسمع للعربية حسا أو لآدابها صوتا أو ترى في أحلامك لخيالها شبحا ماثلا : كلا : ثم كلا ، أليس من الغريب المدهش أن ينجم في أمثال هذه العصور القاتمة شعراء فحول يضاهون من تقدمهم من شعراء تلك العصور الزاهية ان لم نقل يزيدون عليهم وفي طليعة هؤلاء الذين نشير اليهم هو المرحوم الشيخ حمادي الكواز فاني لا أحسبك تصدقني من الدهشة والحيرة اذا قلت لك ان شاعرنا هذا الذي نريد أن نسرد عليك وجيزا من حياته ونثبت لك بعضا من مقاطيعه وأبياته كان أميا لم يقرأ ولم يكتب كما تسالم أهل بلاده على نقله وكان لا يعرف نحوا ولا صرفا ولا لغة ولا عروضا بل ينظم نحتا من قلبه جريا على الذوق والسليقة واستنادا على ما توحيه اليه القريحة من دون تغاير في الاساليب أو اختلاف في التراكيب فاذا اعترض عليه أحد بزلة لحن في العربية يقول « راجعوا قواعدكم فالقول قولي » فيجدون الامر كما قال « بعد المراجعة » أليس هذا من الغرابة بمكان فاذا ضممت الى ذلك انه رحمه اللّه نشأ وعاش في الحلة كوازا حتى لقب هو وأخوه بذلك وانه لم يمتهن سوى بيع الكيزان والاواني الخزفية في حانوت له ينتابه الادباء والاشراف لاستماع شعره وهو مع ذلك يتضجر من الحياة وآلامها ويضج من نكد الدنيا وجور ايامها وقد أعرب عن نفسه بقوله :

أمسي وأصبح والايام جالبة *** الي أحداثها بالشر والشرر

تأتي فتمضي الى غيري منافعها *** ولست اعرف غير الضر والضرر

ص: 165

وفي الشبيبة قد قاسيت كل عنا *** اذا فماذا أرى في أرذل العمر

ان كان آخر أيامي كأولها *** أعوذ باللّه من أيامي الأخر

فهل يسعك بعد وقوفك على هذه الغرائب الا أن تؤمن به وتعتقد انه معجزة الدهر لا نابغة العصر الذي هو فيه فقد كان رحمه اللّه سريع البديهة حسن الروية كثير الارتجال فقد قرأت في احدى مجاميع البحاثة الاديب علي بن الحسين العوضي الحلي وهو من معاصري الكواز ما هذا نصه وقد نقلت ذلك من خطه قال : تذاكرت يوما أنا والكواز المذكور فيما كان يرتجله الشعراء الاقدمون من الاراجيز والقصائد فقال لي لا تعجب واكتب ما أملي عليك اذا شئت ثم ارتجل مقطوعة رقيقة لم يحضرني منها سوى قوله :

أخوي هذي أكؤس ا *** لشوق المبرح فأشربا

واذا انتحبت صبابة *** مما دهاني فانحبا

لا تعجبا من صبوتي *** ومن الملام تعجبا

ما كنت بدعا في الغرا *** م ولست أول من صبا

وقال العوضي أيضا : كان هو وأخوه الشيخ صالح يمشيان معي فتذاكرنا من أنواع البديع تشبيه الشيء بشيئين فقلت في ذلك :

عاطيته صرفا كأن شعاعها *** شفق المغيب ووجنة المحبوب

فأجاز أخوه مرتجلا :

فغدت وقد مزجت بعذب رضابه *** شهدا يضوع عليه نشر الطيب

ص: 166

وأجاز هو رحمه اللّه فقال :

وشربت صاف من لماه كأنه *** ماء الحيا أو دمعي المسكوب

وكان يوما في احدى أندية بغداد فسأله الحاضرون وفيهم العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني والشاعر الشهير عبدالباقي الفاروقي العمري وأمين أفندي آل الواعظ وطلبوا منه تخميس البيتين المنسوبين لابن الفارض فقال على البديهة :

زعم اللائم المطيل بعذلي *** مثله يستزل باللوم مثلي

يا نديمي على الغرام وخلي *** غن لي باسم من أحب وخلي

كل من في الوجود يرمي بسهمه

أين حبي اذا أطعت الاعادي *** بحبيب هواه اقصى مرادي

فوحق الوداد يا بن ودادي *** لا أبالي ولو أصاب فؤادي

انه لا يضر شيء مع اسمه

ومات له ولد صغير ودفن في المقبرة المشهورة حول « مشهد الشمس » في الحلة فقال وأبدع في رثائه :

ليهن محاني مشهد الشمس انه *** ثوى بدر انسي عندها بثرى القبر

وكان قديما مشهد الشمس وحدها *** فعاد حديثا مشهد الشمس والبدر

أقول وقد نسب الدكتور مهدي البصير هذين البيتين للشيخ صالح الكواز وهو الاخ الاكبر للشاعر المترجم له.

مولده : اختلف في سنة وفاته وعمره والاصح ما أخبرني به المرحوم الشيخ علي بن قاسم الحلي أحد شيوخ الادب المعمرين في الحلة والمعاصرين لصاحب الترجمة انه توفي في مرض السل سنة 1283 ه- أو قبلها بسنة وعمره فيما يعتقد لم يتجاوز 38 سنة

ص: 167

فيكون مولده والحالة هذه سنة 1245 ونقل نعشه الى النجف ودفن في وادي السلام واتفقت بعد وفاته بقليل وفاة خاله الشيخ علي العذاري فقال أخوه الشيخ صالح يرثي أخاه المذكور وخاله معا من قصيدة مطلعها :

وقع السيف فوق جرح السنان *** خبر اني لاي جرح أعاني

ولقد تخرج المترجم له على أخيه الشيخ صالح واستفاد من ملازمته ومن الشاعر الكبير السيد مهدي بن السيد داود وجمع أخوه في حياته ديوان أخيه الى ديوانه وسماهما « الفرقدان » وقد بذلت قصارى الجهد في الحصول على نسخة ذلك المجموع من مظانه في الحلة أيام اقامتي فيها فلم أتوفق وحالت دون ذلك عوائق لم أجد لبيانها سبيلا ، واليك بعض ما وقفت عليه من رقيق شعره وكله يكاد يقطر رقة وسلاسة :

يا مالكي لي في الحشى *** من نور وجهك نار مالك

عطفا على دنف أضر *** بحاله تصحيف حالك

وله :

شاب رأسي والهم فيكم وليد *** وبلى الجسم والغرام جديد

قتل الصبر كالحسين شهيدا *** لا لذنب والهجر منكم يزيد

وله :

يا صاحب العين الكحيلة تحتها *** الخد الاسيل وقاتلي في ذا وذي

ومعذبي بجحيم نيران الهوى *** لم لم تكن من نار حبك منقذي

وتقول لي أهلكت نفسك في الهوى *** شغفا ولو أنصفتني ( انت الذي )

ص: 168

وله :

كلفت بمياس القوام مهفهف *** ترى منه لين الغصن والغصن مائل

فما الصبح الا خده وهو نير *** وما الليل الا فرعه وهو حائل

فيا معرضا عني وحبك مقبل *** ويا هاجري والهجر للصب قاتل

سأجعل من حبي اليك وسيلة *** اذا هي اعيتني اليك الوسائل

وأرسل أشواقي اليك مع الصبا *** اذا انقطعت مني اليك الرسائل

وله يهجو بخيلا :

ومتيم بالبخل مثل هوى *** الاليف بحب الفه

وتراه يحمل عيبه *** بين البرية فوق كتفه

لو قيل كفك بالعطاء *** همت لهم بقطع كفه

وله من قصيدة :

أمعودي حال الضنى حتى لقد *** أخفى الضنى جسدي على عواده

عطفا فقد ذهبت بمهجتي النوى *** وشكا اليك الجفن طول سهاده

خذ جسمي البالي اليك ترحه من *** بلواه أو فاسمح برد فؤاده

وربما يشتبه غالبا في كثير من مجاميع المراثي الحسينية فينسب بعض قصائد المترجم لسميه ومعاصره الشيخ حمادي نوح أو لأخيه الشيخ صالح الكواز - وبالعكس - وها نحن نثبت مطالع قصائده في أهل البيت خاصة تمييزا لها عن سواها من مراثي غيره فمنها النونية التي مطلعها :

حتى م تألف بيضكم أجفانها *** والى م تنتظر الرماح طعانها

والحائية التي يستهلها بقوله :

حسبتك من بعد الجماح *** أمسيت طوع يد اللواحي

ص: 169

والعينية التي أولها :

أما الأحبة ما لهم رجع *** ألفوا النوى وتأبد الربع

ومن نفائسها قوله :

أوصى النبي بوصل عترته *** فكأن ما أوصى به القطع

هذي رجالهم يغسلها *** فيض الدما ويلفها النقع

والماء يشربه الورى دفعا *** ولآله عن ورده دفع

وأبت هناك ( الخفض ) أرؤوسها *** فغدا لهن على القنا ( رفع )

واللامية في رثاء أبي الفضل العباس بن علي (عليه السلام) :

أرأيت يوم دعوا رحيلا *** من حملوا العبء الثقيلا

أقول ورأيت ديوان الشاعر عند السادة آل القزويني في قضاء الهندية وقد كتب بخط جيد وفيه كل شعره ونقلت منه بعض القصائد ومنها هذه الرائعة الرقيقة في الامام الحسين (عليه السلام) :

ألا ما لقلبي مما به *** يكلف جفني بتسكابه

أهل راعه فقد عصر الشباب *** أم هاجه ذكر أحبابه

نعم كان يصبو زمان الصبا *** لعهد العذيب وأترابه

يعير مسامعه للغنا *** ويشنى الغداف لتنعابه (1)

فأصبح لا الشوق من شأنه *** ولا حب مية من دابه

ولكن شجاه بأرض الطفوف *** مصاب الحسين وأصحابه

عشية بالطف حزب الاله *** رماها الضلال بأحزابه

أراد ابن هند رؤوس الفخار *** تنقاد طوعا لأذنابه

ص: 170


1- الغداف : رغاب القيظ.

ورام من العز دفع الأبي *** ومن يدفع الليث عن غابه

فنبه للحرب من لا ينام *** الا على نيل أرابه

أخا الشرف الباذخ المستطيل *** على الكون طراً باحسابه

وملتجأ الخائف المستجير *** اذا عضه الدهر في نابه

رأى الصعب في طلب العز في *** المنية سهلا لطلابه

فقارع أخبث كل الانام *** بأزكى الانام وأطيابه

ومذ فقدوا استقبل القوم فر *** دا فرد الخميس لاعقابه

ولو شاء يذهب من في الوجود *** لكان القدير بأذهابه

ولكن دعته لورد الردى *** سجية ذي الشرف النابه

فجانب للعز ورد الحياة *** وجرعه الحتف من صابه

فلو كان حيا نبي الهدى *** ( محمد ) كان المعزى به

ولو كنت فاطمة تنظرين *** سلب العدو لاثوابه

خلعت فؤادك للحزن أو *** كساك المصاب بجلبابه

فما خلت من قد براه الاله *** في الدهر غوثا لمنتابه

به الخطب ينشب أظفاره *** ويمضي به حد أنيابه

وبيت سما رفعة فاغتدى *** وشهب السما دون أطنابه

تخر الملوك له سجدا *** وتهوي الملائك في بابه

تطيل الوقوف بأبوابه *** وتستاف تربة أعتابه

تضيع فيه حقوق الاله *** ولم ترع حرمة أربابه

وتدرك ثارات أوثانها *** أمية في قتل أوابه

وتهتك منه الحجاب الذي *** ملائكه بعض حجابه

وتسبى كرائمه جهرة *** الى أشر الغي كذابه

فليت الوصي يراهن في *** يد الشرك أسرى لمرتابه

تجوب بها البر عجف النياق *** فيقذفهن لأسهابه

وكافلها ناحل يشتكي *** مع الاسر من ضر أوصابه

ص: 171

يصابرها محنا لم تدع *** من الحلم شيئا لأربابه

يشاهد أرؤوس سمر العدا *** تميس بأرؤس أحبابه

وفي الترب أجسامهم صرعا *** بقضب الضلال وأحزابه

ويرعى نساه ويرعينه *** بمنسجم الدمع منسابه

يراهن أسرى وينظرنه *** بأسر الضلال ونصابه

فينحب شجوا على ما بها *** وتنحب شجوا على ما به

الى أن تحل بأرض الشئام *** عداها الغمام بتسكابه

ص: 172

الشيخ ابراهيم صادق العاملي

المتوفى 1284

قال في رثاء الحسين (عليه السلام) :

هل في الوقوف على ربى يبرين *** برء لداء في الفؤاد دفين

وهل الوقوف على الاماكن منقع *** غللا وقد بقيت بغير مكين

حتام تتبع لحظ طرفك مجري ال- *** -عبرات اثر ركائب وظعون

والام تنفث مؤصدا الزفرات عن *** جمر بأخبية الحشى مكمون

تخفي الأسى وغريب شأنك في الأسى *** باد يفسره غروب شئون

ولقد بلوت الحادثات وكان لي *** في الخطب صبر لا يزال قريني

وتجلدي ما في كعوب قناته *** لردى يريد الغمز ملمس لين

ورزين حلمي لا يطيش لمحنة *** جلت وان قطع الزمان وتيني

وغزير دمعي لا يزال مصونه *** الا لذل شامل في الدين

وخطوب آل محمد ضعّفن من *** أركان دين اللّه كل حصين

هم خيرة الباري ومهبط وحيه *** حقا ، وعيبة علمه المخزون

هم نور حكمته وباب نجاته *** أبدا وموضع سره المكنون

أمناؤه في أرضه خلفاؤه *** في خلقه أبناء خير أمين

وهم الألى عين اليقين ولا هم *** من كل هول في المعاد يقيني

ما لي من الاعمال الا حبهم *** في النشأتين وحبهم يكفيني

ص: 173

مهما أسأت وقد نسأت رثاءهم *** بدر الولا لرثائهم يدعوني

واذا تقاعد منطقي عن مدحهم *** نهضت جميع جوارحي تهجوني

أو ما درت تلك الجوارح شفها *** رزء الاطائب من بني ياسين

وحديث فاجعة الطفوف أذالها *** دمعا به انبجست عيون عيوني

اني متى مثلتها سعر الجوى *** مني بأذكى من لظى سجين

ومتى أطف بالطف من ذاك العرى *** جعلت أراجيف الاسى تعروني

وذكرت ما لم أنسه من حادث *** ما زال يغري بالشمال يميني

حيث ابن فاطمة هناك تحوطه *** زمر الضلالة وهو كالمسجون

وهم الألى قد عاهدوه وأوثقوا *** عقدا لبيعته بكل يمين

حتى أناخ بهم بما يحويه من *** آل وأموال وخير بنين

غدروا به والغدر ديدن كل ذي *** احن بكل دنية مفتون

ورموه - لا عرفوا السداد - بأسهم *** من كف كفر عن قسي ضغون

ولديه من آساد غالب أشبل *** يخشى سطاها ليث كل عرين

وأماثل شربوا بأقداح الولا *** صافي المودة من عيون يقين

سبقوا بجدهم الوجود وآدم *** ما بين ماء في الوجود وطين

وهم الألى ذخر الاله لنصره *** في كربلا من مبدأ التكوين

لا عيب فيهم غير أنهم لدى ال- *** -هيجاء لا يخشون ريب منون

وعديدهم نزر القليل وفي الوغى *** كل يعد اذا عدا بمئين

والكل ان حمي الوطيس يرى به *** قبض اللوا فرضا على التعيين

ما رنة الاوتار في نغماتها *** أشهى لديهم من صليل ظبين

كلا ولا ألحان معبد عندهم *** في الروع أطرب من صهيل صفون

ثاروا كما شاء الهدى وتسنموا *** صهوات قب أياطل وبطون

وعدوا لقصدلو جرت ريح الصبا *** معهم به وقفت وقوف حرون

واذا الهجان جرت لقصد أدركت *** قصبا يقصر عنه جري هجين

ص: 174

حتى اذا ما غادروا مهج العدى *** نهبا لكل مهند مسنون

وفد الردى يبغي قراه وكلهم *** حب القرى بالنفس غير ضنين

فلذاك قد سقطوا على وجه الثرى *** ما بين مذبوح وبين طعين

وشروا مفاخرهم بأنفس أنفس *** ينحط عنها قدر كل ثمين

طوبى لهم ربحوا وقد خسر الألى *** رجعوا هناك بصفقة المغبون

وغدا عميد المكرمات عميدهم *** من بعدهم كالوا له المحزون

ظامي الفؤاد ولا معين له على *** قوم حموا عنه ورود معين

يرنو ثغور البيد وهي فسيحة *** شحنت مراصدها بكل كمين

ويرى كراديس الضلال تراكمت *** وكأنها قطع الجبال الجون

ويكر في تلك الصفوف مجاهدا *** كر الوصي أبيه في صفين

ويعود نحو سرادق ضربت على *** أزكى بنات للهدى وبنين

وكرائم عبث الأسى بقلوبها *** فغدت فواقد هدأة وسكون

يسدي لها الوعظ الجميل وذاك لا *** يجدي ذوات لواعج وشجون

ونوائب عن حمل أيسر نكبة *** منها تسيخ مناكب الراهون

ثم انثنى يلقى الصوارم والقنا *** بأغر وجه مشرق وجبين

قسما بثابت عزمه - واليتي *** بثبات عزمته أبر يمين

لو شاء اقراء الردى مهج العدى *** طرأ لأضحت ثم طعم منون

أو شاء افناء العوالم كلها *** قسرا لأوميء للمنايا كوني

أنى ومحتوم المنايا كامن *** ما بين كاف خطابه والنون

لكن لسر في الغيوب وحكمة *** سبقت بغامض علمه المخزون

وخبا ضياء المسلمين ومحم الذ *** كر المبين غدا بغير مبين

وبنات خير المرسلين برزن من *** دهش المصاب بعولة ورنين

من كل زاكية حصان الذيل ما *** ألف سوى التخدير والتحصين

ولصونها أيدي النبوة شيدت *** من هيبة الباري منيع حصون

وأجل يوم راح مفخر هاشم *** فيه أجب الظهر والعرنين

ص: 175

يوم به تلك الفواطم سيرت *** أسرى تلف أباطحا بحزون

من فوق غارب كل أعجف عاثر *** في السير صعب القود غير أمون

وتقول للحامي الحمى ومقالها *** كدموعها من لؤلؤ مكنون

عطا علي ولا أخالك ان أقل *** عطفا علي تغض طرفك دوني

أو لست تنظرني وقد هتك العدى *** خدري وهدمت الطغاء حصوني

من بعد أن تركوا بنيك على الثرى *** ما بين مذبوح وبين طعين

عارين منبوذين في كنف العرا *** من غير تغسيل ولا تكفين

تلك الرزايا قد أشبن مدامعي *** بدم الفؤاد كما أشبن قروني

أيمس عيني الكرى وعلى الثرى *** جسم الحسين أراه نصب عيوني

من غير دفن وهو أفضل ميت *** في قلب كل موحد مدفون

* * *

الشيخ ابراهيم بن صادق بن ابراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان بن نجم المخزومي العاملي الطيبي. ولد في قرية الطيبة من قرى جبل عامل سنة 1221 وتوفي بها سنة 1284.

كان من العلماء الافاضل ، خفيف الروح درس في النجف الاشرف وكان سفره اليها سنة 1252 - أقام بالنجف سبعا وعشرين سنة وبضعة أشهر قرأ على الشيخ حسن بن الشيخ جعفر صاحب كاشف الغطاء وأخيه الشيخ مهدي وعلي الشيخ مرتضى الانصاري ويروي عنهم بالاجازة - له منظومة في الفقه تزيد على الف وخمسمائة بيت وله قصائد عامرة في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقد كتب بعضها في الحرم العلوي المطهر وكان شاعرا وناثرا. ومما روى عنه قوله :

وقلت أمدح سيدي ومولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه

ص: 176

وعلى أبنائه الائمة الميامين ، وقد كتبت جملة من هذه القصيدة على دور ضريحه المقدس من الجوانب الاربع في 20 رجب سنة 1271 ، ذكره سيدنا الحسن الصدر في ( التكملة ) فوصفه بالعالم الفاضل المحقق والاديب الشاعر المفلق.

وكتب الاديب المعاصر السيد حسن الامين عن شاعرية الشيخ ابراهيم صادق تحت عنوان ( علائق شعرية عراقية عاملية ) في مجلة البلاغ الكاظمية العدد السادس السنة الثانية وترجم له شيخنا الطهراني في ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) قال : وآل صادق من أشرف بيوت العلم في جبل عامل وأعرقها في الفضل والادب نبغ فيهم أعلام في الفقه والشعر لم تزل آثارهم غرة ناصعة في جبين الدهر ولا سيما شعراؤهم الافذاذ الذين طار صيتهم في الآفاق ، وكانوا يعرفون قبل الشيخ صادق بآل يحيى نسبة الى جدهم الذي كان من صدور علماء عصره وأدبائه. أقول وسبق أن ترجمنا في هذه الموسوعة لجده الكبير الشيخ ابراهيم بن يحيى.

قال مستجيرا بالامام الحسين (عليه السلام) :

يا سيد الشهداء يا من حبه *** فرض وطاعته اطاعة جده

وابن الامام المرتضى علم الهدى *** سر الاله مبين منهج حمده

وابن المطهرة البتول ومن عنت *** غر الوجوه لنور باذخ مجده

واخا الزكي المجتبى الحسن الذي *** نور الهدى من نور غرة سعده

وأبا علي خير أرباب العلى *** وامام كل موحد من بعده

وافاك عبدك راجيا ومؤملا *** منك الحبا ورضاك غاية قصده

فاعطف عليه بنظرة توري بها *** - يا خير مقصود - شرارة زنده

ص: 177

وأنله منك شفاعة يمسي بها *** من لطف باريه بجنة خلده

وأقله سطوة حادث الزمن الذي *** أخنى عليه بجده وبجهده

فلأنت أكرم من همت أنواؤه *** يوم العطاء لوفده من رفده

وله يمدح الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي تزيد على 150 بيتا :

هذا ثرى حط الاثير لقدره *** ولعزه هام الثريا يخضع

وضريح قدس دون غاية مجده *** وجلاله خفض الضراح الارفع

أنى يقاس به الضراح علا وفي *** مكنونه سر المهيمن مودع

جدث عليه من الاله سرادق *** ومن الرضا واللطف نور يسطع

ودت دراري الكواكب أنها *** بالدر من حصبائه تترصع

والسبعة الافلاك ود عليها *** لو أنه لثرى علي مضجع

عجبا تمنى كل ربع أنه *** للمرتضى مولى البرية مربع

ووجوده وسع الوجود وهل خلا *** في عالم الامكان منه موضع

كشاف داجية القضاء عن الورى *** بعزائم منها القضا يروع

هزام أحزاب الضلال بصارم *** من عزمه صبح المنايا يطلع

سباق غايات الفخار بحلبة *** فيها السواري وهي شهب تطلع

عم الوجود بسابغ الجود الذي *** ضاقت بأيده الجهات الاربع

أنى تساجله الغيوث ندى ومن *** جدوى نداه كل غيث يهمع

أم هل تقاس به البحار وانما *** هي من ندى أمداده تتدفع

فافزع اليه من الخطوب فان من *** ألقى العصا بفنائه لا يفزع

واذا حللت بطور سينا مجده *** وشهدت أنوار التجلي تلمع

فأخلع اذا نعليك انك في طوى *** لجلال هيبته فؤادك يخلع

وقل السلام عليك يا من فضله *** عمن تمسك بالولا لا يمنع

مولاي جد بجميلك الاوفى على *** عبد له بجميل عفوك مطمع

يرجوك احسانا ويأملك الرضا *** فضلا فأنت لكل فضل منبع

ص: 178

هيهات ان يخشى وليك من لظى *** ويهوله يوم القيامة مطلع

ويهوله ذنب وأنت له غدا *** من كل ذنب لا محالة تشفع

ويخاف من ظمأ وحوضك في غد *** لذوي الولا من سلسبيل مترع

يا من اليه الامر يرجع في غد *** ولديه اعمال الخلايق ترفع

وله مآل ثوابها وعقابها *** يعطي العطاء لمن يشاء ويمنع

أعيت فضائلك العقول فما عسى *** يثني بمدحتك البليغ المصقع

وأرى الألى لصفات ذاتك حدودا *** قد أخطأوا معنى علاك وضيعوا

ولآي مجدك يا عظيم المجد لم *** يتدبروا وحديث قدسك لم يعوا

عجبي ولا عجب يلين لك الصفا *** والماء من صم الصفا لك ينبع

ولك الفلا يطوى ويعفور الفلا *** لدعاك من أقصى السباسب يسرع

ولك الرمام تهب من أجداثها *** والشمس بعد مغيبها لك ترجع

والشمس بعد مغيبها ان ردها *** بالسر منك وصي موسى يوشع

فهي التي بك كل يوم لم تزل *** من بدء فطرتها تغيب وتطلع

ولك المناقب كالكواكب لم تكن *** تحصى وهل تحصى النجوم الطلع

فالدهر عبد طايع لك لم يزل *** وكذا القضا لك من يمينك أطوع

ولئن أطاع البحر موسى بالعصا *** ضربا فموسى والعصا لك أطوع

ولئن نجت بالرسل قبلك أمه *** فلقد نجت بك رسل ربك أجمع

وصفاتك الحسنى يقصر عن مدى *** أدنى علاها كل مدح يصنع

وله ايضا في مدحه علیه السلام :

أشاقك من ربي نجد هواها *** ومن نسمات كاظمة شذاها

ونبه وجدك المكنون برق *** تألق في العشية من رباها

نعم وألم بي سحرا نسيم *** يحدث عن شذا وادي قراها

فألمني وذكرني عهودا *** بعامل لا عدا السقيا ثراها

بلاد لي بساحتها أناس *** ولي صحب كرام في حماها

ص: 179

أحن لجانب الشرقي منها *** حنين مروعة ثكلت فتاها

وتلعب بي لذكراها شجون *** كما لعبت براياها صباها

واشتاق ( الخيام ) وثم صحبا *** عليه راح مزرورا خباها

نعمت بقربها زمنا ونفسي *** برغم الحلم تمرح في غواها

فكم من كاعب ألفت فبانت *** تمج الكاس عذبا من لماها

وكم هرعت لتلك وكم أقامت *** بسوق اللّهو طارحة عصاها

وكم قطعت هنالك من ثمار *** لعمر العز عذب مجتناها

بحيث العيش صفو والليالي *** غوافل راح مأمونا قضايا

ولما أن رأيت الجهل عارا *** وان العمر أجمله تناهى

وان النفس لا تنفك تسعى *** الى الشهوات فاغرة لهاها

رددت جماحها فارتد قسرا *** وألوت عن كثير من شقاها

وحركني الى الترحال عنها *** عزائم قد أبت الا قلاها

فهبت بي لما أبغي عصوب *** تلف الارض لفا في سراها

معودة على أن لا تبالي *** بفري مفاوز ناء مداها

كستها عزمة الرائي شحوبا *** وتدآب السرى عنقا براها

اذا ما هجهج الحادي وأضحت *** تثير النقع من طرب يداها

وأمست بعد ارقال وخب *** تغافل وهي نافحة براها

يخيل لي بأن البر بحر *** يسارع في المسيل الى وراها

الى أن مست الاعتاب أبدت *** رغاها تشتكي نصبا عراها

وقد لاحت لعينيها قباب *** يرد الطرف عن بادي سناها

هنالك قرت الوجناء عينا *** ونالت بالسرى أقصى مناها

وأنحت جانب الغروي شوقا *** يجاذبها لما تبغي هواها

فوافت بعد جد خير أرض *** يضاهي النيرين سنا حصاها

فألقت في مفاوزها عصاها *** وأرست في ذرى حامي حماها

أبي الحسنين خير الخلق طرا *** وأكرم من وطاها بعد طاها

ص: 180

وأعظم من نحته النيب قدرا *** وأشرف من به الرحمن باهى

وأطيب من بني الدنيا نجارا *** وأقدم مفخرا وأتم جاها

وأصبرها على مضض الليالي *** وأبصرها اذا عميت هداها

وأحلمها اذا دهمت خطوب *** تطيش لها حلوم ذوي نهاها

وأنهضها بأعباء المعالي *** اذا عن نيلها قصرت خطاها

وأشجعها اذا ما ناب أمر *** يرد الدارعين الى وراها

وان هم أوقدوا للحرب نارا *** أحال الى لظاها من وراها

وان طرقت حماها مشكلات *** وارزم في مرابعها رجاها

جلاها من لعمري كل فضل *** الى قدسي حضرته تناهى

أمام هدى حباه اللّه مجدا *** وأولاه علاء لن يضاهى

وبحر ندى سما الافلاك قدرا *** فدون مقامه دارت رحاها

وبدر علا لابناء الليالي *** سناه كل داجية محاها

متى ودقت مرابعها غيوث *** فمن تيار راحته سخاها

أو اجتازت مسامعها علوم *** فزاخر فيض لجته غثاها

وان نهجت سبيل الرشد يوما *** فمن أنوار غرته اهتداها

وثم مناقب لعلاه أمست *** يد الاحصاء تقصر عن مداها

وانى لي بحصر صفات مولى *** له الاشياء خالقها براها

وما مدحي وآيات المثاني *** على علياه مقصور ثناها

أخا المختار خذ بيدي فاني *** غريق جرائم داج قذاها

وعدل في غد أودي لأني *** وقفت من الجحيم على شفاها

وكف بفضلك الاسواء عني *** فقد أخنى على جلدي أذاها

وباعد بين ما أبغي ودهر *** أبت أحداثه الا سفاها

فأنت أجل من يدعى اذا ما *** تفاقمت الحوادث لانجلاها

فزعت الى حماك ونار شوقي *** للثم ثراك مسعور لظاها

وبت لديك والآمال تجري *** على خلدي وظلك منتهاها

ص: 181

السيد عبد الرحمن الالوسي

1284

في مخطوطة بمكتبة الاوقاف العامة ببغداد ، عدد 25327 ما يلي : هذه الابيات قالها الفقير الى اللّه السيد عبد الرحمن الالوسي رثاء في حق جده سيد الشهداء وذلك في عاشر محرم 1280 ه- :

هو الطف فاجعل فضة الدمع عسجدا *** وضع لك فولاذ الغرام مهندا

ورد منهل الاحزان صرفا وكررن *** حديثا لجيران الطفوف مجددا

وما القلب الا مضغة جد بقطعها *** ودعها فداء السبط ، روحي له الفدا

أترضى حياة بعد ما مات سيد *** غدا جده المختار للناس سيدا

أترضى اكتحال الجفن بعد مصابه *** وجفن التقى والدين قد بات أرمدا

خذ النوح في ذاك المصاب عزيمة *** الى الفوز واجعل صهوة الحزن مقعدا

بكت رزءه الاملاك والافق شاهد *** ألم تره من دمعه قد توردا

ص: 182

فيا فرقدا ضاء الوجوه بنوره *** فما بعده نلقى ضياءا وفرقدا

وريحانة طاب الوجود بنشرها *** بها عبثت أيدي الطغاء تعمدا

ودرة علم قد أضاءت فأصبحت *** تمانعها الاوغاد منعا مجردا

بروحي منها منظرا بات في الثرى *** ويا طال ما قد بات في حجر أحمدا

وثغرا فم المختار مص رضابه *** وهذا يزيد بالقضيب له غدا

ورأسا يد الزهراء كانت وسادة *** له فغدا في الترب ظلما موسدا

لئن أفسدوا دنياك يا بن محمد *** سيعلم أهل الظلم منزلهم غدا

لئام أتوا بالظلم طبعا وانما *** لكل امرء من نفسه ما تعودا

وحقك ما هذا المصاب بضائر *** لأن الورى والخلق لم يخلقوا سدى

فألبسك الرحمن ثوب شهادة *** وألبسهم خزيا يدوم مدى المدا

لبستم كساء المجد وهو اشارة *** بأن لكم مجدا طويلا مخلدا

وطهركم رب العلى في كتابه *** وقرر كل المسلمين وأشهدا

أتنكر هذا يا يزيد وليس ذا *** بأول قبح منك يا غادر بدا

بني المصطفى عبد لكم وده صفا *** فأضحى غذاء للقلوب وموردا

غريب عن الاوطان ناء فؤاده *** تضرم من نار الاسى وتوقدا

ألم به خطب من الدهر مظلم *** تحمل من أكداره وتقلدا

نضى سيفه في وجهه متعمدا *** وجرده عن حقه فتجردا

بباكم ألقى العصا وحريمكم *** أمان اذا دهر طغى وتمردا

أتاكم صريخا من ذنوب تواترت *** على ظهره في اليوم مثنى ومفردا

أتاكم ليستجدي النوال لأنكم *** كرام نداكم يسبق الغيث والندا

أتاكم ليحمي من أذى الدهر نفسه *** وأنتم حماة الجار ان طارق بدا

أتاكم أتاكم يا سلالة حيدر *** كسيرا يناديكم وقد أعلن الندا

حسين أقلني من زمان شرابه *** حميم وغسلين اذا ما صفا صدا

على جدك المختار صلى الهنا *** وسلم ما حاد الى أرضه حدا

ص: 183

السيد عبد الرحمن الالوسي مفخرة من مفاخر العلم والادب وواعظ شهير قضى أكثر عمره في التدريس ، والارشاد وكان درسه ووعظه في جامع الشيخ صندل بالكرخ ببغداد ، ملم بالتفسير والفقه والحديث. أخذ العلم عن شقيقه الاكبر العلامة النحرير أبي الثناء السيد محمود شهاب الدين الالوسي ويتحلى بأخلاق فاضلة ونفس طاهرة ، محترما لدى الوزراء موقرا عند الامراء ولا سيما عند صاحب الدولة نامق باشا حين كان واليا ومشيرا على العراق حيث كان المترجم له حلو المفاكهة لطيف المسامرة ، ترجم له السيد محمود شكري الالوسي في الجزء الاول من ( المسك الاذفر ) المطبوع بمطبعة الآداب ببغداد سنة 1348.

توفي يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الثاني من شهور السنة الرابعة والثمان بعد المائتين والالف من الهجرة ودفن قرب مرقد أخيه العلامة الشهير وعمره يقارب الستين عاما ورثاه جملة من الادباء منهم محمد سعيد النجفي فقد أنشد قصيدة غراء في مجلس العزاء وأولها :

من لوى من بني لويً - لواها *** وطوى طود عزها وعلاها

الى أن يقول :

ان أم العلوم تنعى ولكن *** باسم عبد الرحمن كان نعاها

علم من بني لوي لوته *** حادثات الردى فشلت يداها

كان للناس مقتدى واماما *** من ترى بعد فقده مقتداها

ندبته مدارس العلم شجوا *** حيث مات الندب الذي أحياها

ص: 184

الشيخ عبد الحسين شكر

المتوفى 1285

يرثي الحسين علیه السلام :

تربة الطف لاعدتك السجال *** بل سقاك الرذاذ والهطال (1)

وتمشى النسيم في روضتيك *** الصبح والعصر جائلا يختال

طاولي السبعة الشداد ببوغا *** ء على سبط أحمد تنهال

انما أنت مطلع لهلال *** من سنا ضوئه استمد الهلال

مهبط الوحي عنده في هبوط *** وعروج جبريلها ميكال

انما أنت مجمع الرسل لكن *** لهم عنك بالأسى اشغال

فيك قد حل سيد الرسل طه *** وعلي وفاطم والآل

وسرايا بني نزار ولكن *** فيك جذت يمينها والشمال

يوم في عثير الضلال أمي *** عثرت أي عثرة لاتقال

واستفزت لحرب آل علي *** عصبا قادها العمى والضلال

وعليهم قد حرمت يالقومي *** ورد ماء الفرات وهو الحلال

فاستثارت لنصرة الدين أسد *** ترجف الارض منهم والجبال

وأقاموا مربا مست النجم *** علوا لكنها قسطال (2)

حيث سمر الرماح عمتها الها *** م وللشزب الجسوم نعال

ص: 185


1- الرذاذ المطر الصغار القطر.
2- القسطال والقسطل بالفتح الغبار.

فامتطت للغوى العتاق رجل *** كنجوم السما زهير هلال

افرغوا السابغات وهي دلاص *** شحذوا المرهفات وهي صقال

بأكف ما استنجدت غير نصل *** ولأيديهم خلقن النصال

طعنوا بالقنا الخفاف فعادت *** وهي من حملها القلوب ثقال

صافحتهم أيدي الصفاح المواضي *** ودعاهم داعي القضا فانثالوا

فانثنى ليث أجمة المجد فردا *** ناصراه الهندي والعسال

فسصا من الباس عضبا *** كتبت في فرنده الآجال

فرأت منه آل سفيان يوما *** فيه للحشر تضرب الامثال

وأبيه لولا القضا والمقاد *** يرمحتهم دون اليمين الشمال

لكن اللّه شاء أن يتناهبن *** حشاه سمر القنا والنبال

حين شام الحسام وامتثل الا *** مر امام من شأنه الامتثال (1)

وهوى ساجدا على الترب ذاك *** الطود لله كيف تهوي الجبال

كادت الارض والسما أن تزولا *** وعلى مثله يحق الزوال

يالقومي لمعشر بينهم لم *** ترع يوما لاحمد أثقال

لم توقر شيوخه لمشيب *** وليتم لم ترحم الاطفال

ورضيع يال البرية لم يبلغ *** فصالا له السهام فصال

ونساء عن سلبها وسباها *** لم تصنها خدورها والحجال

ابرزوها حسرى ولكن عليها *** اسدل النور حجبه والجلال

فتعادين والقلوب حرار *** وتداعين والدموع تذال

أيها الراكب المجد اذا ما *** نفحت فيك للسرى مرقال

عج على طيبة ففيها قبور *** من شذاها طابت صبا وشمال

ان في طيها اسودا اليها *** تنتمي البيض والقنا والنزال

فاذا استقبلتك تسأل عنا *** من لوي نساؤها والرجال

ص: 186


1- شام السيف بمعنى غمده وشامه سله من غمده وهو من الاضداد.

فاشرح الحال بالمقال وما *** ظني تخفى على نزار الحال

ناد ما بينها : بني الموت هبوا *** قد تناهبنكم حداد صقال

تلك أشياخك على الارض صرعى *** لم يبل الشفاه منها الزلال

غسلتها دماؤها قلبتها *** ارجل الخيل كفنتها الرمال

ونساء عودتموها المقاصير *** ركبن النياق وهي هزال

هذه زينب ومن قبل كانت *** بفنا دارها تحط الرحال

والتي لم تزل على بابها الشا *** هق تلقي عصيها السؤال

أمست اليوم واليتامى عليها *** يال قومي تصدق الانذال

ما بقي من رجالها الغلب الا *** من على جوده الوجود عيال

وهو يا للرجال قد شفه السقم *** وسير الهزال والاغلال

آل سفيان لا سقى لك ربعا *** مغدق الودق والحيا الهطال

أي جرم لاحمد كان حتى *** قطعت من أبنائه الاوصال

فالحذار الحذار من وثبة الا *** سد فلليث في الشرى اشبال

انما يعجل الذي يختشى الفو *** ت ومن لم يكن اليه المئال

* * *

الشيخ عبد الحسين بن الشيخ احمد بن شكر النجفي بن الشيخ أحمد بن الحسن بن محمد بن شكر الجباوي النجفي. توفي بطهران سنة 1285 وكان والده الشيخ احمد من العلماء المصنفين.

رثى أهل البيت علیهم السلام بقصائد كثيرة تزيد على الخمسين منها روضة مرتبة على الحروف ، وشعره يرويه رجال المنبرالحسيني في المحافل الحسينية ، وقد تصدى الخطيب الشهير الشيخ محمد علي اليعقوبي لجمع ما نظمه الشاعر في أهل البيت

ص: 187

علیهم السلام من القصائد والمقاطيع من مديح ورثاء فنشره في كراسة تناهز المائة صفحة طبعت على نفقة الوجيه الحاج عبد اللّه شكر الصراف بالمطبعة العلمية بالنجف الاشرف عام 1374 ه- ولأجله. وممن ترجم للشاعر المذكور شيخنا البحاثة الشيخ السماوي في ( الطليعة ) والعلامة الجليل الشيخ علي آل كاشف الغطاء في ( الحصون المنيعة ).

وآل شكر أسرة قديمة من الاسر العربية الشهيرة بالنجف عرفت باسم ( شكر ) أحد أجدادها الاقدمين وأصلهم من عرب الحجاز.

واليكم بعض قصائده الحسينية :

هبوا بني مضر الحمرا على النجب *** قد جذ - عرنينكم في صارم الغلب

سلت أمي - حدادا من مغامدها *** قادت بها الصعب منكم بل وكل أبي

ومعرك غادر ابن المصطفى غرضا *** لأسهم غير قلب الدين لم يصب

لله أعباء صبر قد تحملها *** لم يحتملها نبي أو وصي نبي

فان تكن آل اسرائيل قد حملت *** كريم يحيى على طشت من الذهب

فآل سفيان يوم الطف قد حملت *** رأس ابن فاطمة فوق القنا السلب

وهل حملن ليحيى في السبا حرم *** كزينب ويتاماها على القتب

هل سيروا الرأس فوق الرمح هل شربوا *** عليه هل قرعوه الثغر بالقضب

هل قنعت آله الاسواط هل سلبوا *** منها المقانع بعد الخدر والحجب

كل تنادي ولا غوث يجيب ندا *** أين السرايا سرايا اخوتي وأبي

وان يكن يونس آساه مذ نبذت *** جثمانه الحوت في قفر الفضا الرحب

ص: 188

فابن النبي عن اليقطين ظلله *** نبت الأسنة في جثمانه الترب

وان يكن يفد بالكبش الذبيح فقد *** أبى ابن أحمد الا أشرف الرتب

حتى فدى الخلق حرصا في نجاتهم *** بالنفس والاهل والابناء والصحب

ونار نمرود ان كانت حرارتها *** على الخليل سلاما من أذى اللّهب

ففي الطفوف رأى ابن المرتضى حرقا *** ان تلق كل الرواسي بعضها تذب

حر الحديد هجير الشمس حر ظمأ *** أودى بأحشاه حر السمر والقضب

وأعظم الكل وقدا حال صبيته *** ما بين ظام ومطوي الحشا سغب

ونصب عينيه من أبنائه جثث *** كأنها هضب سألت على الهضب

يا نفس ذوبي أسى يا قلب مت كمدا *** يا عين سحي دما يا أدمع انسكبي

هذي المصائب لا ما كان في قدم *** لآل يعقوب من حزن ومن كرب

أنى يضاهي ابن طه أو يماثله *** في الحزن يعقوب في بدء وفي عقب

ان حدبت ظهره الاحزان أو ذهبت *** عيناه في مدمع والرأس ان يشب

فان يوسف في الاحياء كان سوى *** أن الفراق دهى أحشاه بالعطب

هذا ويحضره من ولده فئة *** وانه لنبي كان وابن نبي

فكيف حال ابن بنت الوحي حين رأى *** شبيه أحمد في خلق وفي خطب

مقطعا جسمه بالبيض منفلقا *** بضربة رأسه ملقى على الكثب

هناك نادى على الدنيا العفا وغدا *** يكفكف الدمع اذ ينهل كالسحب

ص: 189

وله أيضا :

لم لا تثير نزار الحرب والرهجا *** وعضب حرب فرى اكبادها ووجا (1)

هلا امتطت من بنات البرق شزبها *** وأفرغت مالها داود قد نسجا

واعتمت البيض سودا من عمائمها *** واستلت البيض كيما تدرك الفلجا (2)

هل بعدما نهبت بالطف مهجتها *** ترجو حياة وتستبقي لها مهجا

عهدي بها وهي دون الظيم ما برحت *** خواضة من دما أعدائها لججا

فما لها اليوم في الغابات رابضة *** ومن حسين فرت أعداؤها ودجا

تستمرئ الماء من بعد الحسين ومن *** حر الظما قلبه في كربلا نضجا

وتستظل وحاشا فهر أخبية *** والشمس قد ضوعت من جسمه الأرجا

فلتنض اكفانها ان ابن فاطمة *** مر الشمال له الاكفان قد نسجا

ولتبد في برد الهيجا كواكبها *** فشمسها اتخذت وجه الثرى برجا

ورأسه فوق مياد أقيم ومن *** ثقل الامامة أبصرنا به عوجا

بدر ولكن ببرج الذابح انخسفت *** انواره فكست حمر الدماسبجا (3)

ترى النصارى المسيح اليوم مرتفعا *** والمسلمون تخال المصطفى عرجا

وانما هم لسان اللّه قد رفعوا *** فلم يزل ناطقا في وحيه لهجا

لله من قمر حفت به شهب *** والكل منها لعمر اللّه بدر دجى

ص: 190


1- الرهج الغبار ووجا بمعنى انتزع.
2- الظفر والفوز.
3- السواد.

ما للنهار تجلى بعد أوجهها *** والليل من بعد هاتيك الجعود سجا

لكن أشجى مصاب شج من مضر *** هاماتها وملا صدر الفضاء شجى

ولا أرى بعده لا والأباء على *** الاجداث ان لفظت أجسادها حرجا

سبي الفواطم يال اللّه حاسرة *** مذاب أكبادها في دمعها امتزجا

أتلك زينب لم تهطل مدامعها *** الافرى رمح زجر قلبها ووجا

بحران في مقلتيها غير ان لظى *** احشائها بين بحري دمعها مزجا

أولئك الخزر أم آل النبي على *** هزل عوار سرى الحادي بها دلجا (1)

ضاقت بها الارض أنى وجهت نظرا *** رأت بها الرحب أمسى ضيقا حرجا

لم ينجح أشياخها سن ولا حجب *** نساءها لا ولا الطفل الرضيع نجا

أمسى بها قلب طه لاعجا وغدا *** قلب ابن هند بما قد نالها ثلجا

وله أيضا :

دهى الكون خطب فسد الفسيحا *** وغادر جفن المعالي قريحا

ورزء عرا المجد والمكرمات *** فأزهق منهن روحا فروحا

أطلت على الرسل أشجانه *** فأشجى الكليم وأبكى المسيحا

وأوقد بالحزن نار الخليل *** وجلبب بالثكل والنوح نوحا

وغير عجيب اذا زلزلت *** فوادحه عرشها والصفيحا

حقيق قوائمه أن تميد *** ففي الطف أضحى حسين طريحا

وان لا نرى الشمس بعد الطفوف *** وقد غيرت منه وجها صبيحا

أتصهره الشمس وهو ابن من *** بمرأى من الناس كم رد يوحا (2)

ص: 191


1- الدلج والادلاج السير أول الليل.
2- يوح ويوحى بضمها. من أسماء الشمس.

ذبيح فياليتما الكائنات *** فدته اذ الكبش يفدي الذبيحا

عقرن جياد بها قد غدا *** من العدو جسم ابن طه جريحا

فقد سودت أوجه العاديات *** وكسرن للدين جسما صحيحا

برغم بني هاشم هشمت *** جوارحه فاستحالت جروحا

تهشم أنوار قدس هوت *** وفي غرة العرش كانت شبوحا (1)

تروح وتغدو على ماجد *** لأحمد قد كان روحا وروحا

برغم نزار غدا رقهم *** لسبي حرائرهم مستبيحا

فواقد ثكلى تروم المناح *** فتمنع بالضرب من أن تنوحا

وزينب تدعو وفي قلبها *** أسى ترك الجفن منها قريحا

أغثني أبي يا غياث الصريخ *** ومن في الحروب أبان الفتوحا

وقم يا هزبر الوغى منقذا *** حرائر طه وشق الضريحا

تكتم من خيفة شجوها *** فتستمطر العين دمعا سفوحا

صبرت وكيف على فادح *** برى الاصطبار وسد الفسيحا

ألم تدر حاشا وأنت العليم *** الى قلبك الوحي لا زال يوحى

بأن سنانا براس السنان *** من السبط علا محيا صبيحا

على منبر السمر يتلو الكتاب *** فيخرس فيه الخطيب الفصيحا

وان ابن سعد عليه اجال *** من السابحات سبوحا سبوحا

فيا لرزايا لقد طبقت *** غياهبها أرضها والصفيحا

أبت تنجلي بسوى صارم *** بنصر من اللّه يبدي الفتوحا

بكف امام اذا ما بدا *** ترى الخضر حاجبه والمسيحا

يثير لتدمير آل الضلال *** كصرصر عاد من الحتف ريحا

ص: 192


1- تسبوح وأشباح جمع شبح وهو الشخص.

وله في رثاء الحسين علیه السلام وهي من أشهر قصائده :

البدار البدار آل نزار *** قد فنيتم ما بين بيض الشفار (1)

قوموا السمر كسروا كل غمد *** نقبوا بالقتام وجه النهار

سوموا الخيل أطلقوها عرابا *** واتركوها تشق بيد القفار

طرزوا البيض من دماء الاعادي *** فلقوا الهام بالضبا البتار

افرغوا السابغات وهي دلاص *** ذاهب برقهن بالابصار (2)

واسطحوا من دم على الارض أرضا *** وارفعوا للسما سماء غبار

خالفوا السمر بين بيض المواضي *** وامتطوا للنزال قب المهار

وابعثوها ضوابحا فأمي *** وسمت أنف مجدكم بالصغار (3)

سلبتكم بالرغم أي نفوس *** ألبستكم ذلا مدى الاعمار

يوم جذت بالطف كل يمين *** من بني غالب وكل يسار

لا تلد هاشمية علويا *** ان تركتم أمية بقرار

ما لأسد الشرى وغمض جفون *** تركتها العدى بلا أشفار (4)

طاطؤ الروس ان رأس حسين *** رفعوه فوق القنا الخطار

لا تذوقوا المعين واقضوا ظمايا *** بعد ظام قضى بحد الغرار

لا تمدوا لكم عن الشمس ظلا *** ان في الشمس مهجة المختار

أنزار نضوا برود التهاني *** فحسين على البسيطة عار (5)

ص: 193


1- جمع شفرة حد السيف والسكين وما عرض من الحديد.
2- جمع سابغة وهي الدرع الطويلة والدلاص الملساء اللينة.
3- الصغار الذل.
4- جمع شفر بالفتح والضم أصل منبت الشعر في الجفن.
5- نض بالضاد المعجمة أي خلع ومنه قول امرئ القيس ( فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ).

حق أن لا تكفنوا هاشميا *** بعدما كفن الحسين الذاري

لا تشقوا لآل فهر قبورا *** فابن طه ملقى بلا اقبار

هتكوا عن نسائكم كل خدر *** هذه زينب على الاكوار

هل خبا بعد محصنات حسين *** ساتر دون محصنات نزار

باكيات لولا لهيب جواها *** كدن يغرقن بالدموع الجواري

شأنها النوح ليس تهدأ آنا *** عن بكا بالعشي والابكار

نادبات فلو وعتها لوي *** قصمت من لوي كل فقار

أين من أهلها بنو شيبة الحم- *** -د ليوث الوغى حماة الذمار

أين هم عن عقائل ما عرفن *** السير كلا ولا الهزال العواري

أين هم عن حرائر بأنين *** يتشاكين عن قلوب حرار

فليسدوا رحب الفضا بالعوادي *** وليهبوا طرا لاخذ الثار

وليقلوا الاعلام تخفق سودا *** بأيادي في الطعن غير قصار

وليؤموا الى زعيم لوي *** أسد اللّه حيدر الكرار

وليضجوا بعولة وانتحاب *** ولينادوا بذلة وانكسار

عظم اللّه في بنيك لك الاجر *** فهم في الطفوف نهب الغرار

قم أثر نقعها فان حسينا *** قد غدا مرتعا لبيض الشفار

حاش لله أن تغض جفونا *** وبأحشاك أي جذوة نار

لا ولكنما رزايا حسين *** حدبت من قراك أي فقار (1)

ص: 194


1- القرى بالفتح : الظهر ، والفقار : جمع فقارة ما انتضد من عظام الصلب.

السيد راضي القزويني

المتوفى 1285

قال في أبي الفضل العباس علیه السلام :

أبا الفضل يا من أسس الفضل والابا *** أبى الفضل الا أن تكون له أبا

تطلبت أسباب العلى فبلغتها *** وما كل ساع بالغ ما تطلبا

ودون احتمال الضيم عز ومنعة *** تخيرت أطراف الأسنة مركبا

وفيت بعهد المشرفية في الوغى *** ضرابا وما أبقيت للسيف مضربا

لقد خضت تيار المنايا بموقف *** تخال به برق الأسنة خلبا

اذا لفظت حرفا سيوفك مهملا *** تترجمه سمر العوامل معربا

ولما أبت أن يشرب الماء طيبا *** أمية لا ذاقت من الماء طيبا

جلا ابن جلا ليل القتام كأنه *** صباح هدى جلى من الشرك غيهبا

وليث وغي يأبى سوى شجر القنا *** لدى الروع غابا والمهند مخلبا

يذكرهم بأس الوصي فكلما *** رمى موكبا بالعزم صادم موكبا

وتحسب في أفق القتام حسامه *** لرجم شياطين الفوارس كوكبا

وقفت بمستن النزال ولم تجد *** سوى الموت في الهيجا من الضيم مهربا

الى أن وردت الموت والموت عادة *** لكم عرفت تحت الأسنة والضبا

ولا عيب في الحر الكريم اذا قضى *** بحر الضبا حرا كريما مهذبا

ص: 195

رعى اللّه جسما بالسيوف موزعا *** وقلبا على حر الظما متقلبا

ورأس فخار سيم خفضا فما ارتضى *** سوى الرفع فوق السمهرية منصبا

بنفسي الذي واسى أخاه بنفسه *** وقام بما سن الأخاء وأوجبا

رنا ظاميا والماء يلمع طاميا *** وصعد أنفاسا بها الدمع صوبا

وما همه الا تعطش صبية *** الى الماء أوراها الاوام تلهبا

على قربه منه تنائى وصوله *** وأبعد ما ترجو الذي كان أقربا

ولم أنسه والماء ملء مزاده *** وأعداه ملء الارض شرقا ومغربا

وما ذاق طعم الماء وهو بقربه *** ولكن رأى طعم المنية أعذبا

تصافحه البيض الصفاح دواميا *** وتعدو على جثمانه الخيل شزبا

مضت بالهدى في يوم عاشور نكبة *** لديها العقول العشر تقضي تعجبا

فليت علي المرتضى يوم كربلا *** يرى زينبا والقوم تسلب زينبا

وللخفرات الفاطميات عولة *** وقد شرق الحادي بهن وغربا

حواسر بعد السلب تسبى وحسبها *** مصابا بأن تسبي عيانا وتسلبا

لها اللّه اذ تدعوا أباها وجدها *** فلم تر لا جدا لديها ولا أبا

* * *

السيد راضي بن السيد صالح بن السيد مهدي الحسيني القزويني النجفي البغدادي شاعر موهوب. ولد في النجف الاشرف عام 1235 ونشأ بها ودرس على والده مبادئ العلوم والاصول والادب واستمد من مجالس النجف ومن أعلام الادب روحا أدبية عالية ، ساجل فحول الشعراء وباراهم ، ولما انتقل أبوه الى بغداد انتقل معه عام 1259 وسافر الى ايران أكثر من مرة واتصل بالشاه ناصر الدين القاجاري وكانت له منزلة في

ص: 196

نفس الشاه ومكانة سامية ، كما كانت له صلات مع أمراء العراق في عهد الدولة العثمانية وتجد في ديوانه كثيرا من التقاريظ والموشحات لشعر عبد الباقي العمري والسيد حيدر الحلي وغيرهما توفي بتبريز في شهر المحرم عام 1285 ه- والمصادف 1868 م ونقل جثمانه الى النجف فدفن تحت الميزاب الذهبي في الصحن الحيدري وخلف ولدين هما : الشاعر السيد احمد والسيد محمود ، ورثاه فريق من الشعراء منهم أبوه السيد صالح الشاعر الشهير والآتية ترجمته.

جمع ديوانه أخوه السيد حسون بن السيد صالح وفرغ من جمعه له في 15 شعبان 1341 ه- ، وقد ترجم له البحاثة علي الخاقاني في شعراء الغري وقال : ذكره صاحب الحصون المنيعة في ج 9 ص 206 وقال عنه : كان أديبا وشاعرا بارعا مفلقا ، جيد النظم رقيق الغزل حسن الانسجام ماهرا في التشطير والتخميس لا يكاد يعثر على مقطوعة أو ( دو بيت ) وقد استحسنهما الا خمسهما.

وتوفي بعده والده المعمر عالم بغداد الجليل في وقته والمعاصر للعلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين في سنة 1305 ه.

فمن قوله في تخميس أبيات أبي نؤاس :

ليت شعري كم خضت للشعر بحرا *** منه توجت مفرق الدهر درا

وبشعري لما اكتسى الكون فخرا *** قيل لي أنت أشعر الناس طرا

في المعاني وفي الكلام البديه *** مثل ما رق في الزجاج مدام

رق معنى له وراق انتظام *** وكما ضاحك الرياض غمام

لك من جيد القريض نظام *** يثمر الدر في يدي مجتنيه

كم معان أبرزتهن شموسا *** بمبان زينت فيها الطروسا

ص: 197

كنت حقا لدرها قاموسا *** فلماذا تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

خل ما قلت من بديع نظام *** ودواعي تشوق وغرام

واصنع المدح في امام همام *** قلت لا أستطيع مدح امام

كان جبريل خادما لأبيه

ومن شعره قوله في الغزل :

خل عنك الهوى ودعوى التصابي *** بعد عصر الصبا وشرخ الشباب

ان توديعك الشباب وداع *** لوصال الكواعب الاتراب

طالما أجج الهوى لك نارا *** في الحشى من صبابة وتصابي

ذهبت بالمنى الشبيبة عني *** مثل أمس فما لها من اياب

يا خليلي هل تعود ليال *** سلفت في سوالف الاحقاب

حيث شرخ الشباب غض قشيب *** يا رعى اللّه عهد شرخ الشباب

يا حمام الاراك دعني وشجوي *** ما باحشاك من جوى مثل ما بي

هل لاحبابنا غداة استقلوا *** من دنو بعد النوى واقتراب

كدرى ما صفا بهم فعسى أن *** تصفوه لهم فيصفوا شرابي

وبروحي من الظبا شمس خدر *** قد توارت من النوى في حجاب

حي بدرا حيا بشمس المحيا *** وحباها بالمزج شهب الحباب

لك أشكو من سقم عينيك سقما *** وعذابا من الثنايا العذاب

فتكت بالحشى لواحظ ريم *** تتقي فتكها أسود الغاب

بت أجني من وجنتيه ورودي *** وورودي من سلسبيل الرضاب

وخلعت العذار في خلوات *** بين شكوى الهوى ونشر عتاب

ورثى رحمة لقلب مذاب *** وبكى رقة لصب مصاب

واعتنقنا حتى الصباح بليل *** فيه زرت على العفاف ثيابي

من معيد ما مر من عهد وصل *** فيه عيشي حلا وساغ شرابي

في رياض مثل النضار صفاء *** وحياض مثل اللجين المذاب

ص: 198

محمد عبد الصمد الاصفهاني

المتوفى 1287

ذكره صاحب روضات الجنات من جملة أساتيده الذين تلقى عنهم العلم فقال : ومنهم السيد السند ، النبيل المعتمد والفقيه الاوحد الامير سيد محمد بن السيد عبد الصمد وهو السيد النسيب الحسيني الاصبهاني المنتهى اليه رياسة التدريس والفتوى في هذا الزمان بأصبهان ، لم نر أحدا يدانيه في وصف الاشتغال بأمر العلم والتعليم ، كان معظم تلمذه وقرائته على المرحوم الحاج محمد ابراهيم ، وعلى الفاضل العلاني الكربلائي سيد محمد بن الامير سيد علي الطباطبائي.

وكتب سلمه اللّه في الفقه والاصول كثيرا منها شرحه الشريف الموسوم ب- ( أنوار الرياض ) على الشرح الكبير المسمى ب- ( رياض المسائل ) ومنها كتاب سماه ( العروة الوثقى ) في الفقه وآخر سماه ( الغاية القصوى ) في الاصول. ومنها منظومته الفقهية التي لم يكتب مثلها في الاستدلال المنظوم. ونظمه رائق فائق جدا لفظا ومعنى ، وأنشد كثيرا بالعربية في مراثي أبي عبداللّه الحسين (عليه السلام). وهو الان متجاوز ببناء عمره السعيد حدود السبعين. انتهى (1) توفي بأصفهان سنة 1287.

ص: 199


1- روضات الجنان الطبعة الثانية ج 2 ص 106.

علي آل عبد الجبار

المتوفى 1287

ذكره في أنوار البدرين في شعراء القطيف فقال : العالم العامل الشيخ علي بن الشيخ احمد بن الشيخ حسين آل عبد الجبار ، كان حكيما فيلسوفا أديبا محققا له ديوان شعر كبير في مراثي الحسين علیه السلام ومدائح آل محمد (عليهم السلام) من الشعر الجيد وله منظومة في اصول الدين وأخرى في التوحيد ورسالة في التجويد ورسائل آخر بخطه وحواشي كثيرة على الكتب الفقهية. بل قل ما رأيت كتابا من كتبه أو رسالة من الرسائل مما دخل في ملكه الا وله عليه حواشي وتحقيقات. فمن شعره في القناعة قوله :

لقد طالبتني النفس من سوء حرصها *** برزق غد والموت منها بمرصد

فقلت لها هاتي كفيلا بأنني *** اذا ما ملكت الرزق أبقى الى غد

توفي رحمه اللّه وقد نيف على الثمانين سنة 1287 ، ورثاه شيخنا الصالح العلامة الامجد الشيخ صالح بمرثية وأرخ وفاته بقوله في آخر المرثية :

( غاب بدر المجد ) ذا تاريخه *** يا ليوم فيه بدر المجد غاب

ص: 200

السيد مهدي داود الحلي

المتوفى 1289

قال في الحسين علیه السلام :

بين البين لوعتي وسهادي *** وجرت مقلتي كصوب العهاد

أيها المدلجون باله ريضوا *** عن سراكم سويعة لفؤادي

أنقضتم عهود ودي كما قد *** نقضوا للحسين حق الوداد

مفردا لم يجد له من نصير *** غير صحب بسيرة الاعداد

هم أسود العرين في الحرب لكن *** نابهم في الهياج سمر الصعاد

قد ثنوا خيلهم شوازب تعدو *** تسبق الريح في مجاري الطراد

وعلا في هياجهم ليل نقع *** لا يرى فيه غير ومض الحداد

فدنا منهم القضا فتهاووا *** جثما عن متون تلك الجياد

وبقى ثابت الجلاد وحيدا *** بين أهل الضلال والالحاد

مستغيثا ولم يجد من مغيث *** غير رمح وصارم وجواد

جزر الكفر حطم السمر فل *** البيض لف الاجناد بالاجناد

يا لقومي لفادح ألبس الدين *** ثياب الاسى ليوم المعاد

كم نفوس أبية رأت الموت *** لديها كموسم الاعياد

هي عزت عن أن تسام بضيم *** فأسيلت على الظبا والصعاد

وصدور حوت علوم رسول اللّه *** أضحت مغارة للجياد

* * *

ص: 201

أبو داود العالم الاديب السيد مهدي بن داود بن سليمان الكبير ، ميلاده في الحلة سنة 1222 ونشأ بها نشأة صالحة على أخيه السيد سليمان الصغير وجد واجتهد ودرس اللغة وآدابها واستقصى دواوين العرب وتواريخهم وأيامهم حتى أصبح مرجعا ومنهلا يستقي منه رواد الادب ، ونهض بأعباء الزعامة الدينية والادبية التي كان يقوم بها أعلام أسرته من قبله ، ودرس الفقه على العلامة صاحب ( أنوار الفقاهة ) ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء - يوم كان مقيما بالحلة - ثم هاجر الى النجف فحضر في الدروس الفقهية على الشيخ صاحب ( الجواهر ) وقد رثى أستاذيه المذكورين بقصيدتين كلتاهما في ديوانه المخطوط.

جاء في ( البابليات ) عند ترجمته ما يلي :

كان من النسك والورع والتقى على جانب عظيم بحيث يأتم بصلاته كثير من الصلحاء في مسجد خاص ملاصق لداره في الحلة يعرف بمسجد « أبو حواض » لوجود حوض ماء كبير فيه وكان هذا المسجد كمدرسة أدبية لتلاميذه الذين يستفيدون منه وهم جماعة من مشاهير أدباء الفيحاء وهم بين من عاصرناهم أو قاربنا عصرهم كالشيخ حسن مصبح والشيخ حمادي الكواز والشيخ حسون بن عبداللّه والشيخ علي عوض والشيخ محمد الملا والشيخ علي بن قاسم والشيخ حمادي نوح الذي طالما عبر عنه في ديوانه المخطوط بقوله : - سيدنا الاستاذ الاعظم - وقد وجه المترجم أكبر عنايته في التهذيب دون هؤلاء لابن أخيه وربيب حجره الشاعر المفلق السيد حيدر فانه مات أبوه وهو طفل صغير فكفله هذا العم العطوف فكان له أبا ومهذبا كما صرح بذلك في قصيدته التي رثاه فيها وقلما يوجد مثلها في مراثيه ومطلعها :

ص: 202

أظبى الردى انصلتي وهاك وريدي *** ذهب الزمان بعدتي وعديدي

ومنها :

وأنا الفداء لمن نشأت بظله *** والدهر يرمقني بعين حسود

ما زلت وهو علي أحنى من أبي *** بألذ عيش في حماه رغيد

ما لي وللايام قوض صرفها *** عني عماد رواقي الممدود

وقال في كلمات نثرية صدر فيها تخميسه لقصيدة عمه الدالية في ( العقد المفصل ) ولا غرو ان حذوت مثاله وشابهت أقوالي أقواله فان من حياضه مشربي ومن أدبه كان ادبي فترانا حر يين بقول المؤمل بن أميل الكوفي :

وجئت وراءه تجري حثيثا *** وما بك حيث تجري من فتور

وان بلغ الصغير مدى كبير *** فقد خلق الصغير من الكبير

له مصنفات في الادب واللغة والتاريخ أحسنها على ما قيل « مصباح الادب الزاهر » وهو الذي يروي عنه ابن أخيه السيد حيدر في كتاب ( العقد المفصل ) - ولا وجود له اليوم - وله مختارات من شعر شعراء العرب في جزئين ضخمين سلك فيهما طريقة أبي تمام في ديوان الحماسة وقد استفدنا منهما كثيرا يوم كنا في الحلة وكتاب في أنواع البديع وكتاب في تراجم الشعراء المتقدمين ونوادرهم وكأنه لخص فيه تراجم جماعة من شعراء اليتيمة ووفيات ابن خلكان وغيرهما ، رأيت قطعة كبيرة منه بخط الخطيب الاديب القاسم بن محمد الملا نقلها عن نسخة الاصل وديوان شعره الذي لم يكن مجموعا في حياته بل كان في أوراق متفرقة أكثرها بقلم ابن أخيه حيدر وقد جمعها حفيد المترجم

ص: 203

السيد عبد المطلب بن داود بن المهدي وكلف بنسخها الشيخ مهدي اليعقوبي وجعله في جزئين مرتبين على الحروف ، الاول في مديح ورثاء جماعة من علماء عصره في النجف والحلة ، كآل بحر العلوم وآل كاشف الغطاء وآل القزويني وآل كبه في بغداد ، وقد أورد ابن أخيه كثيرا منه في العقد المفصل و « دمية القصر - -خ - » والثاني في مدح ورثاء أجداده الطاهرين (عليهم السلام)ويقع في « 128 » صفحة وقد نظم هذا القسم في أيام كبره وأتلف ما قاله من الشعر في أواسط حياته في بعض الناس وقد رأيت له مقطوعة يتأسف فيها على ما فرط به من مديح ورثاء لغير آل الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ممن لا يضاهيه في السؤدد ولا يساويه في شرف المحتد ، منها قوله :

فوا خجلتي منكم أفي الشيب مذودي *** لغيركم جيد المدايح لافت

أأمدح من دوني ومجدي مجده *** من الارض حيث الفرقدين التفاوت

وفرعي من أعلى أرومة هاشم *** على شرف المجد المؤثل نابت

والى ما قاله في أهل البيت (عليهم السلام) أشار ابن أخيه في العقد المفصل حيث قال عن عمه المذكور ما لفظه : أوصى الي في بعض قصائد كان نظمها في مدح جده وعترته أن أجعلها معه في كفنه ا ه- وألمح الى ذلك في مرثيته لعمه بقوله :

وأرى القريض وان ملكت زمامه *** وجريت في أمد اليه بعيد

لم ترض منه غير ما ألزمته *** من مدح جدك طائرا في الجيد

وفيه تلميح الى قوله تعالى : « وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه » وقد أثبت بعض مراثيه الحسينية سيدنا العلامة الامين في

ص: 204

( الدر النضيد ).

وهذه نماذج من شعره :

قال من قصيدة في مدح المرحوم الحاج محمد صالح كبه :

نسيم الصبا استنشقت منك شذا الند *** فهل سرت مجتازا على دمنتي هند

فذكرتني نجدا وما كنت ناسيا *** ليال سرقناها من الدهر في جعد

ليال قصيرات ويا ليت عمرها *** يمد بعمري فهو غاية ما عندي

بها طلعت شمس النهار فلفها *** ظلامان من ليل ومن فاحم بعد

قد اختلست منها عيوني نظرة *** أرتني لهيب النار في جنة الخلد

وفي وجنتيها حمرة شك ناظري *** أمن دم قلبي لونها أم من الورد

وفي نحرها عقد توهمت ثغرها *** لآلأه نظمن من ذلك العقد

وما كنت أدري ما المدام وانما *** عرفت مذاق الراح من ريقها الشهد

وقبل اهتزاز القد ما هزة القنا *** وقبل حسام اللحظ ما الصارم الهندي

ومن قربها مالت برأسي نشوة *** صحوت بها يا مي من سكرة البعد

وان زال سكر البعد من سكر قربها *** فلا طب حتى يدفع الضد بالضد

تعشقتها طفلا وكهلا وأشيبا *** وهما عرته رعشة الرأس والقد

ولم تدر ليلى أنني كلف بها *** وقلبي من نار الصبابة في وقد

وما علمت من كتم حبي لمن بكت *** جفوني ولا قلبي لمن ذاب في الوجد

فأذكر سعدى والغرام بزينب *** وأدفع في هند ومية عن دعد

وان قلت شوقي باللوى فبحاجر *** أو المنحنى فاعلم حننت على نجد

وما ولعت نفسي بشيء من الذي *** ذكرت ولكن تعلما لنفس ما قصدي

وليس الفتى ذوالحزم من راح سره *** تناقله الافواه للحر والعبد

ص: 205

وله يهنيء الحاج محمد صالح كبة في عرس ولده المصطفى :

أتتك ومنها الشمس في الوجه تشرق *** ونشر الخزامي في الغلائل يعبق

رشيقة قد في سهام لحاظها *** حشا صبها عن قوس حاجب ترشق

ولم تشبه الاغصان قامة قدها *** وأنى ومنها قد مية أرشق

وليس التي بالماء يورق غصنها *** كمن هو من ماء الشبيبة مورق

لقد فضحت في عينها جؤذر النقا *** وان هي في عينيه تدنو وترمق

تميس وقرطاها قليقان والحشا *** على وفق قرطيها من الشوق يخفق

وله :

وكم ذي معال بات يخفض نفسه *** فأضحى وعن عليائه النسر يقصر

تصاغر حتى عاد يكبر قدره *** ويكبر قدر المرء من حيث يصغر

وله :

اقطع هديت علائق النفس *** أتعيش في أمل الى الرمس

تمسي وتأمل في الصباح ترى *** خيرا فتصبح مثلما تمسي

وله :

كم تقي للخلق يظهر نسكا *** ولباري النفوس في السر عاص

فهو في نسكه تظن أبا ذر *** وعند التحقيق فابن العاصى

أجاب المترجم له داعي ربه في الرابع من محرم الحرام أول سنة 1289 ه- في الحلة ونقل الى النجف الاشرف كما أرخ ذلك تلميذه الشيخ محمد الملا في آخر مرثية له بقوله :

وحين مضى جاء تاريخه *** مضى عجلا لجنان النعيم

ومن هنا يتحقق ان ما نشرناه في « العرفان » وما نقله عنه

ص: 206

الزركلي في « الاعلام » من ان وفاته سنة 1287 كان سهوا. والى وفاته في المحرم يشير ابن أخيه السيد حيدر في مرثيته له :

فكأنما أضلاع هاشم لم يكن *** أبدا لها عهد بقلب جليد

لم تقض ثكل عميدها بمحرم *** الا وأردفها بثكل عميد

يبكي عليه الدين بالعين التي *** بكت الحسين أباه خير شهيد

ان يختلط رزءاهما فكلاهما *** قصما قرى الايمان والتوحيد

أبه نعى الناعي لها عمرو العلى *** أم شيبة الحمد انطوى بصعيد

ورثاه عامة شعراء الحلة الذين شهدوا يومه بعدة قصائد أشهرها قصيدة الشاعر المجيد المتوفى بعده بعام واحد الشيخ صالح الكواز حيث يقول :

تعاليت قدرا أن تكون لك الفدا *** نفوس الورى طرا مسودا وسيدا

وكيف تفدى في زمان ولم يكن *** لدينا به الذبح العظيم فتفتدى

فقل لقريش تخلع الصبر دهشة *** وتلبس ثوبا للمصيبة أسودا

وتصفق جذا الراحتين بمثلها *** وتغضي على الاقذاء طرفا مسهدا

لقد عمها الرزء الذي جدد الاسى *** عليها بما خص النبي محمدا

فان أبا داود عاجله الردى *** وكان الذي ينتاشنا من يد الردى

حذا حذو آباه الألى أسسوا العلى *** فوطد من فوق الاساس وشيدا

اذا لبس الدنيا الرجال فانه *** لعمري منها شذ ما قد تجردا

فواللّه ما ضلت عليه طريقها *** ولو شاء من أي النواحي لها اهتدى

فما مالت الايام فيه بشهوة *** وما ملكت منه الدنية مقودا

اذا ما توسمت الرجال رأيته *** أقلهم مالا وأكثرهم ندى

فلله ذاك الطود ماذا أزاله *** ولله ذاك النور من كان أخمدا

ص: 207

وجاء في شعراء الحلة للخاقاني السيد مهدي بن السيد داود بن السيد سلمان الكبير الحلي. أشهر مشاهير شعراء عصره ، نشأ على أخيه السيد سلمان الصغير المتوفى 1247.

له آثار قيمة توجد في الحلة عند حفيده السيد هادي بن السيد حمزة ومن بينها ديوانه ويقع في جزئين ، ونسخة أخرى من ديوانه عند الخطيب الشيخ مهدي الشيخ يعقوب جمعة سنة 1329 رأيته بخطه ، وقد جاء في أول الجزء الاول قوله في رثاء كريمة الحاج محمد صالح كبه :

من بكى الخدر والتقى والحياء *** هل قضت معدن التقى حواء

وعلى ذي الاعواد آسية تحمل *** أم تلك مريم العذراء

وجاء في أول الثاني قوله في رثاء سيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) :

سقت من رقاب لوى دماءا *** أمية في قضبها كربلاءا

وفي أرضها نثرت منهم *** نجوما ففاقت بهن السماءا

وفي الطف في بيضها جدلت *** أماجد من حزبهم نجباءا

وترجم له السيد الامين في أعيان الشيعة وسماه ب- ( السيد داود الحسيني الحلي ) ، وقال في جزء 30 من الاعيان : هو من الطائفة التي منها السيد حيدر الحلي الشاعر المشهور ، ولم يمكننا الان تحقيق ذلك ولا معرفة شيء من أحواله سوى أنه أديب شاعر ، وعثرنا من شعره على قصيدة في رثاء الحسين علیه السلام من جملتها :

ما ان أثار لحربه *** في كربلا ظلما قتامه

ص: 208

ثم استدرك في جزء 31 فقال : وعلمنا بعد ذلك انه عم السيد حيدر الحلي ، فاذا هو السيد داود بن سليمان بن داود بن حيدر.

أقول والصحيح كما ذكرنا سابقا فهو السيد مهدي بن السيد داود بن سليمان الكبير. وديوانه يضم مختلف ألوان الشعر وعدة قصائد في الامام الحسين (عليه السلام) فمنها ما وسعنا تدوينها :

قف بين أجراع الطفوف *** وانحب أسى بدم ذروف

في عرصة فيها ابن فا *** طمة غدا نهب الحتوف

في ثلة من آل عدنان *** ذوي الشرف المنيف

الضاربين على الطريق *** قبابهم لقرى الضيوف

والمانعين ذمارهم *** بالقضب في اليوم المخوف

وبدور مجد نور فخ- *** -رهم على القمرين موفي

بيض الوجوه وفي الوغى *** حمر الأسنة والسيوف

من دأبهم يوم اللقا *** جزر الكتائب والصفوف

بأبي كراما من ذؤا *** بة هاشم شم الانوف

عكفوا بقضبهم على *** قوم على العزى عكوف

وحموا ببيض ظبا الموا *** ضي بيضة الدين الحنيف

شربوا على ظمأ دوين *** السبط كاسات الحتوف

وبقى حليف المجد غي- *** -ر العضب لم ير من حليف

يلقى الصفوف كملتقا *** ه باسما زمر الضيوف

فترى السيوف به تطير *** مع السواعد والكفوف

حتى اذا حم القضا *** فهوى وغودر بالخسوف

وغدت هنالك زينب *** تدعوه عن كبد لهيف

ص: 209

ومن مراثيه :

بأبي من بكت عليه السماء *** ونعته الاملاك والانبياء

واستثارت في الكون حين هوى *** في الترب ريح لاجله سوداء

يا لحى اللّه عصبة قد أريقت *** بظباها من آل طه دماء

ما وفت عهد خاتم الرسل فيهم *** كيف يرجى من اللئام الوفاء

هي من يوم حرب بدر وأحد *** زرعت في قلوبها الشحناء

فقضى ظاميا لدى الماء حتى *** ود من أجله يغور الماء

حوله من بني أبيه ومن أص- *** -حابه الغر معشر نجباء

بذلوا دونه نفوسا عزيزات *** بيوم قد عز فيه الفداء

بأبي أنفسا على السمر سالت *** حذرا أن يسؤهن قماء

ووجوها تعفرت بثرى الغب- *** -را وكانت تجلى بها الغماء

وأكفا تقطعت وهي يوم ال- *** -محل للخلق ديمة وطفاء

وصدورا عدت عليها العوادي *** وهي للعلم عيبة ووعاء

يا لها وقعة لها رجت الغب- *** -را ومالت من عظمها الخضراء

ليس تسلى بيدى الزمان كأن في *** كل يوم يمر عاشوراء

يا بن بنت النبي أنتم رجائي *** يوم نشر الورى ونعم الرجاء

فاشفعوا لي اني مسيء وأنتم *** لمواليكم غدا شفعاء

وعليكم من الاله صلاة *** وسلام ما حنت الورقاء

ونكتفي عن ذكر البقية من قصائده الحسينية بذكر مطالعها :

1 - خطب دهى مضر الحمرا وهاشمها *** وفل في مرهفات الموت صارمها

2 - سلب الردى من رأس فهر تاجها *** قسرا وأطفأ في الطفوف سراجها

25 بيتا.

ص: 210

3 - بنو العواتك قاست أعظم النوب *** بكربلا من بني حمالة الحطب

47 بيتا.

4 - أحادي طلاح النازحين الى متى *** يجوب الفيافي خلف ظعنكم القلب

19 بيتا.

5 - أفلت لهاشم بالطفوف كواكب *** وتحطمت منها قنا وقواضب

30 بيتا

6 - ان كنت لا تبكين حزنا *** كفي الملام عن المعنى

53 بيتا

7 - أصبو الى آرام رامه *** وأؤم مشتاقا أمامه

99 بيتا.

ص: 211

عباس القصاب

كان حيا عام 1289

ترجم له الاديب المعاصر السيد سلمان هادي الطعمة في شعراء كربلاء ، قال : وكان يعمل قصابا ومن انتباهه تاريخ نظمه في خزان ماء الروضة الحسينية بأمر من والدة السلطان عبدالمجيد خان العثماني عام 1282 ه- ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية من الصحن الحسيني الشريف. قال :

سلسبيل قد أتى تاريخه *** اشرب الماء ولا تنس الحسين

أقول : سبق وأن ترجمنا في هذه الموسوعة لأبي الحسين الجزار المتوفى 672 ه- وهذا هو الجزار الثاني الذي فجر قريحته بالشعر حب الامام الحسين علیه السلام ولا عجب فالحسين بنهضته المباركة ألهب العواطف وشحذ القرائح فأنارت بالشعر والادب.

ص: 212

الشيخ صالح الكواز

اشارة

المتوفى 1290

باسم الحسين دعا نعاء نعاء *** فنعى الحياة لسائر الاحياء

وقضى الهلاك على النفوس وانما *** بقيت ليبقى الحزن في الاحشاء

يوم به الاحزان مازجت الحشا *** مثل امتزاج الماء بالصهباء

لم أنس اذ ترك المدينة واردا *** لا ماء مدين بل نجيع دماء

قد كان موسى والمنية اذ دنت *** جاءته ماشية على استحياء

وله تجلى اللّه جل جلاله *** في طور وادي الطف لا سيناء

وهناك خر وكل عضو قد غدا *** منه الكليم مكلم الاحشاء

يا أيها النبأ العظيم اليك في *** ابناك منى أعظم الانباء

ان اللذين تسرعا يقيانك *** الارماح في صفين بالهيجاء

فأخذت في عضديهما تثنيهما *** عما أمامك من عظيم بلاء

ذا قاذف كبدأ له قطعا وذا *** في كربلاء مقطع الاعضاء

ملقى على وجه الصعيد مجردا *** في فتية بيض الوجوه وضاء

تلك الوجوه المشرقات كأنها *** الاقمار تسبح في غدير دماء

رقدوا وما مرت بهم سنة الكرى *** وغفت جفونهم بلا اغفاء

متوسدين من الصعيد صخوره *** متمهدين حرارة الرمضاء

مدثرين بكربلا سلب القنا *** مزملين على الربا بدماء

خضبوا وماشابوا وكان خضابهم *** بدم من الاوداج لا الحنا

اطفالهم بلغوا الحلوم بقربهم *** شوقا الى الهيجاء لا الحسناء

ص: 213

ومغسلين ولا مياه لهم سوى *** عبرات ثكلى حرة الاحشاء

أصواتها بحت وهن نوائح *** يندبن قتلاهن بالأيماء

أنى التفتن رأين ما يدمي الحشا *** من نهب أبيات وسلب رداء

تشكو الهوان لندبها وكأنه *** مغض وما فيه من الاغضاء

وتقول عاتبة عليه وما عسى *** يجدي عتاب موزع الاشلاء

قد كنت للبعداء أقرب منجد *** واليوم أبعدهم عن القرباء

أدعوك من كثب فلم أجد الدعا *** الا كما ناديت للمتنائي

قد كنت في الحرم المنيع خبيئة *** فاليوم نقع اليعملات خبائي

أسبى ومثلك من يحوط سرادقي *** هذا لعمري أعظم البرحاء

ماذا أقول اذا التقيت بشامت *** اني سبيت واخوتي بأزائي

حكم المنون عليكم أن تعرضوا *** عني وان طرق الهوان فنائي

هذي يتاماكم تلوذ ببعضها *** ولكم نساء تلتجي بنساء

ما كنت أحسب ان يهون عليكم *** ذلي وتسييري الى الاعداء

عجبا لقلبي وهو يألف حبكم *** لم لا يذوب بحرقة الارزاء

وعجبت من عيني وقد نظرت الى *** ماء الفرات ولم تسل في الماء

وألوم نفسي في امتداد بقائها *** اذ ليس تفنى قبل يوم فنائي

ما عذر من ذكر الطفوف فلم يمت *** حزنا بذكر الطاء قبل الفناء

* * *

الشيخ صالح الكواز هو أبو المهدي بن الحاج حمزة عربي المحتد يرجع في الاصل الى قبيلة ( الخضيرات ) احدى عشائر شمر المعروفة في نجد والعراق ، ولد سنة 1233 وتوفي في شوال سنة 1290 فيكون عمره 57 سنة ودفن في النجف الاشرف. كان على جانب عظيم من الفضل والتضلع في علمي النحو والادب بخلاف أخيه الاصغر الشيخ حمادي الكواز الذي كان أميا والذي كان

ص: 214

ينظم على الذوق والسليقة ، اما الشيخ صالح فمن عدة نواحي كان يمتاز على أقرانه وأدباء عصره ، كان خفيف شعر العارضين أسمر اللون ، يتعاطى مهنة أبيه وهي بيع ( الكيزان ) والجرار والاواني الخزفية ولذلك اشتهر بالكواز ، ومع رقة حاله وضعف ذات يده يترفع عن التكسب بشعره ، روى الخطيب اليعقوبي رحمه اللّه قال : طلب أحد ذوي الجاه من الشيخ صالح الكواز أن ينظم له أبياتا في رثاء أبيه ويؤرخ فيها عام وفاته لتنقش على صخرة في مقبرة ( مشهد الشمس ) وبذل له على ذلك بتوسط أحد أصدقائه ما يقارب الاربعين ليرة عثمانية فامتنع لعزة نفسه.

وكان يجمع بين الرقة والظرافة والنسك والورع والتقى والصلاح ويأتم به الناس في الصلاة في أحد مساجد الجباويين بالقرب من مرقد أبي الفضائل ابن طاوس وللناس أتم وثوق في الائتمام به ، والشيخ صالح هو الشاعر الوحيد الذي يكثر من التصريح والتلميح الى الحوادث التاريخية في شعره حيث كان على جانب عظيم من الفضل والتضلع في التاريخ والادب ، وقد درس النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان على خاله الشيخ علي العذاري والشيخ حسن الفلوجي والسيد مهدي السيد داود ، وقد تخرج في الفقه وعلوم الدين على العلامة السيد مهدي القزويني. لذا نجد في ثنايا أشعاره ما يستدل على فضله كقوله على اصطلاح أهل المنطق :

شاركنها بعموم الجنس وانفردت *** عنهن فيما يخص النوع من نسب

رثاه جملة من فطاحل الشعر والادب وفي مقدمتهم الشاعر الشهير السيد حيدر الحلي بقصيدة مثبتة في ديوانه المطبوع وأولها :

كل يوم يسومني الدهر ثكلا *** ويريني الخطوب شكلا فشكلا

ص: 215

ويقول فيها :

ثكل أم القريض فيك عظيم *** ولأم الصلاح أعظم ثكلا

قد لعمري أفنيت عمرك نسكا *** وسلخت الزمان فرضا ونفلا

وطويت الايام صبرا عليها *** فتساوت عليك حزنا وسهلا

طالما وجهك الكريم على اللّه *** به قوبل الحيا فاستهلا

ورثاه الخطيب الاديب الشيخ محمد المعروف ب- ( الملا ) بقصيدة أولها :

قالوا تعز فقلت أين عزائي *** والبين أصمى سهمه أحشائي

وفيها يقول :

ذهب الردى منه بنفس مكرم *** ومنزه عن ريبة ورياء

يبكيك مسجدك الذي هو لم يزل *** لك في صلاة مزهرا ودعاء

أعقب المترجم له ثلاثة أولاد : هم الشيخ مهدي والشيخ عبد اللّه وعبد الحسين وان الولد الثالث أصغر اخوته وقد وكل أبوه أمر تربيته وتهذيبه وتعليمه القرآن للمرحوم الشيخ محمد الملا الذي كانت تلاميذه تجتمع اليه في جامع ملاصق لداره ، وصادف أن تأخر ابن الكواز عن الحضور لمرض طرأ عليه ، فكتب أبوه الكواز للمؤدب رقعة وأرسلها مع الولد وهذا نصها :

كان عبدك مريضا وليس على المريض حرج ، وهذا تكليف رفعه اللّه عنه فارفع تكليفك عنه ، وضع العفو مكان العصا. فأجابه الشيخ الملا وذلك سنة 1285 :

أصالح انا قد أردنا صلاح من *** أراد بطول البعد عنا تخلصا

فان العصا كانت دواه واننا *** رفعنا العصا عنه وان كان قد عصى

ص: 216

شاعرية الكواز :

سئل الحاج جواد بذقت - أبرع شعراء كربلاء المشهورين في عصر الكواز - عن أشعر من رثى الامام الحسين علیه السلام ، فقال أشعرهم من شبه الحسين بنبيين من أولى العزم في بيت واحد وهو الشيخ صالح الكواز بقوله :

كأن جسمك موسى مذ هوى صعقا *** وأن رأسك روح اللّه مذ رفعا

ان المحافل الحسينية ترتاح وتطرب لشعر الكواز وله المكانة المرموقة في الاوساط الادبية والدينية لما أودع فيه من الفن والصناعة والوقائع التاريخية الذي قل من جاراه فيها من أدباء عصره مضافا الى ما فيه من رصانة التركيب والنظم العجيب والرقة والسلاسة والدقة في المعاني والابداع في التصوير واليك بعض الشواهد على ذلك من قصائده المتفرقة :

لي حزن يعقوب لا ينفك ذا لهب *** لصرع نصب عيني لا الدم الكذب

وتحتوي هذه القصيدة على 40 بيتا ولم يخل بيت واحد منها من اشارة الى قصة تاريخية أو نكتة بديعية أو صناعة بيانية أو أدبية. ويقول في أخرى :

وهل تؤمن الدنيا التي هي أنزلت *** سليمان من فوق البناء المحلق

ولا سد فيها السد عمن أقامه *** طريق الردى يوما ولا رد ما لقى

مضى من ( قصي ) من غدت لمضيه *** كوجه ( قصير ) شانه جذع منشق

ومن أخرى في شهداء كربلاء :

تأسى بهم آل الزبير فذللت *** لمصعب في الهيجا ظهور المصاعب

ولولاهم آل المهلب لم تمت *** لدى واسط موت الابي المحارب

وزيد وقد كان الاباء سجية *** لآبائه الغر الكرام الاطائب

ص: 217

كأن عليه ألقي الشبح الذي *** تشكل فيه شبه عيسى لصالب

وقوله في قصيدة ثالثة :

ولو لم تنم أجفان عمرو بن كاهل *** لما نالت النمران منه منالها

وقوله من مرثية في أهل البيت علیهم السلام :

وقفوا معي حتى اذا ما استيأسوا *** ( خلصوا نجيا ) بعد ما تركوني

فكأن يوسف في الديار محكم *** وكأنني بصراعه اتهموني

وفيها يقول :

نبذتهم الهيجاء فوق تلاعها *** كالنون ينبذ في العرا ( ذاالنون )

فتخال كلا ثم يونس فوقه *** شجر القنا بدلا عن اليقطين

ومن حكمياته :

ولربما فرح الفتى في نيله *** أربا خلعن عليه ثوب حزين

واذا أذل اللّه قوما أبصروا *** طرق الهداية ضلة في الدين

وحين نظم هذه العصماء في أهل البيت علیهم السلام ومطلعها :

هل بعد موقفنا على يبرين *** أحيا بطرف بالدموع ضنين

جاراه جماعة من فحول عصره وزنا وقافية منهم الشيخ محسن أبو الحب بقصيدة أولها :

ان كنت مشفقة علي دعيني *** ما زال لومك بالهوى يغريني

ومنهم الشيخ سالم الطريحي بقصيدته التي يرثي بها الحسين علیه السلام وأولها :

أبدار وجرة أم على جيرون *** عقلوا خفاف ركائب وضعون

وقالوا ان الكواز دون شعره وشعر أخيه الشيخ حمادي في

ص: 218

مجلد واحد وأسماه ( الفرقدان ) وأخيرا جمع الخطيب الاديب الشيخ محمد علي اليعقوبي أكثر شعره وحققه ونشره وذلك في سنة 1384 ه.

ومن ملحه ونوادره هذه الابيات التي أنشدها للمرحوم السيد ميرزا جعفر القزويني :

بأبي الذي مهما شكوت وداده *** طلب الشهود وذاك منه مليح

قلت الدموع فقال لي مقذوفة *** قلت الفؤاد فقال لي ( مجروح )

قلت اللسان فقال لي متلجلج *** والجسم قلت ، فقال ليس صحيح

فقال له السيد : احسنت ولكن يجب أن تكون القافية ( صحيح ) منصوبة لانها خبر ليس ، والجسم المتقدم اسمها فقال الكواز قد قلت قبل مولاي ( ليس صحيح ) ثم غيرها حالا فقال ( والجسم قلت فقال ذاك صحيح ).

وله :

وربة ضبية من آل موسى *** أرتنى باللحاظ عصى أبيها

وغرتها تفوق سنى الدراري *** كأن يمينه البيضاء فيها

وله :

الطرف يزعم لولا القلب ما رمقا *** والقلب يزعم لولا الطرف ما عشقا

هذا يطالب في لب له احترقا *** وذا بطالب في دمع له اندفقا

ما بين هذا وهذا قد وهي جلدي *** من أدعي وهما بالقول ما اتفقا

وقال في صدر قصيدة :

حباني بأزاع الشراب تكرما *** فواللّه ما آثرت خمرا على اللمى

وما الخمر الا مقلتاه وريقه *** أعند وجود الماء أبغي التيمما

ص: 219

وقوله مهنئا العلامة الكبير السيد مهدي القزويني طاب ثراه بابلاله من مرض :

سر يوما شانيك واغتم دهرا *** رب حلو لطاعم عاد مرا

كاش سر لعقة الكلب أنفا *** ثم في غمه القديم استمرا

ضحك الدهر منه اذ طال تيها *** بسرور كصحوة الموت عمرا

وقوله في الشيب :

قلبي خزانة كل علم كان في عصر الشباب فأتى المشيب فكدت أنسى فيه فاتحة الكتاب ويخاطب المجتهد الكبير الشيخ مرتضى الانصاري :

فيا راضيا دهره باليسير *** ولا شيء فيه عليه عسير

أراك سليمان في ملكه *** وسلمان اذ لا تعاف الحصير

وقال مفتخرا في مساجلة شعرية :

ولو كان لبسى قدر نفسي لأصبحت *** تحاك ثيابي من جناح الملائك

ولو كان فيما استحق مجالسي *** نصبن على هام السماء أرائكي

واليكم هذه الروائع من شعر الكواز وهي في رثاء أهل البيت وتخص الامام الحسين (عليه السلام) وهناك ما يوازنها متانة ولطافة.

من رثائه للامام الحسين (عليه السلام) ويذكر في آخرها الشهيد زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام :

أغابات أسد أم بروج كواكب *** أم الطف فيه استشهدت آل غالب

ونشر الخزامى سار تحمله الصبا *** أم الطيب من مثوى الكرام الاطائب

ص: 220

وقفت بها رهن الحوادث أنحني *** من الوجد حتى خلتني قوس حاجب

تمثلت في أكنافها ركب هاشم *** تهاوت اليه فيه خوص الركائب

أتوها وكل الارض ثغر فلم يكن *** لهم ملجأ الا حدود القواضب

وسمرا اذا ما زعزعوها حسبتها *** من اللين أعطاف الحسان الكواعب

وان أرسلوها في الدروع رأيتها *** أشد نفوذا من أخي الرمل واقب

هم القوم تؤم للعلاء وليدهم *** وناشئهم في المجد أصدق صاحب

اذا هو غنته المراضع بالثنا *** صغى آنسا بالمدح لا بالمحالب

ومن قبل تلقين الاذان يهزه *** نداء صريخ أو صهيل سلاهب

بنفسي هم من مستميتين كسروا *** جفون المواضي في وجوه الكتائب

وصالوا على الاعداء أسد أضواريا *** بعوج المواضي لا بعوج المخالب

اذا نكرتهم في الغبار عجاجة *** فقد عرفتهم قضبهم في المضارب

بها ليل لم يبعث لها العتب باعث *** اذا قرط الكسلان قول المعاتب

فما بالهم صرعى ومن فتياتهم *** بهم قد أحاط العتب من كل جانب

تعاتبهم وهي العلمية انهم *** بريئون مما يقتضي قول عاتب

ومذهولة في الخطب حتى عن البكا *** فتدعو بطرف جامد الدمع ناضب

تلبي بنو عبس بن غطفان فتية *** لهم قتلت صبرا بأيدي الاجانب (1)

وصبيتكم قتلى وأسرى دعت بكم *** فما وجدت منكم لها من مجاوب

وما ذاك مما يرتضيه حفاظكم *** قديما ولم يعهد لكم في التجارب

عذرتكم لم تهمكم بجفوة *** ولا ساورتكم غفلة في النوائب

ص: 221


1- يشير الى تلبية ( عبس ) حين ثاروا لصبيتهم الثمانية الذين قتلهم بنو ذبيان ، وكانوا رهائن عند مالك بن شميع ، وذلك في الحرب التي دارت بين ابني بغيض ( ذبيان وعبس ) 40 سنة بسبب تسابق ( قيس وحمل ) على رهان مائة ناقة. والتفصيل في مغازي العرب.

وباكية حرى الفؤاد دموعها *** تصعد عن قلب من الوجد ذائب

تصك يديها في الترائب لوعة *** فتلهب نارا من وراء الترائب

شكت وأرعوت اذلم تجد من يجيبها *** وما في الحشا ما في الحشا غير ذاهب

ومدت الى نحو الغريين طرفها *** ونادت أباها خير ماش وراكب

أبا حسن ان الذين نماهم *** أبو طالب بالطف ثار لطالب

تعاوت عليهم من بني صخر عصبة *** لثارات يوم الفتح حرى الجوانب

فساموهم اما الحياة بذلة *** أو الموت فاختاروا أعز المراتب

فهاهم على الغبراء مالت رقابهم *** ولما تمل من ذلة في الشواغب

سجود على وجه الصعيد كأنما *** لها في محاني الطف بعض المحارب

معارضها مخضوبة فكأنها *** ملاغم أسد بالدماء خواضب

تفجر من أجسامها السمر أعينا *** وتشتق منها أنهر بالقواضب

ومما عليك اليوم هون ما جرى *** ثووا لا كمثوى خائف الموت ناكب

أصيبوا ولكن مقبلين دماؤهم *** تسيل على الاقدام دون العراقب

ممزقة الادراع تلقا صدورها *** ومحفوظة ما كان بين المناكب

تأسى بهم آل الزبير فذللت *** لمصعب في الهيجا ظهور المصاعب (1)

ولو لاهم آل المهلب لم تمت *** لدى واسط موت الأبي المحارب (2)

ص: 222


1- يعدد المشاهير من أباة الضيم الذين رسم لهم الحسين (عليه السلام) خطة الاباء فهو يشير الى مصعب بن الزبير المقتول سنة 71 ه- وكان الساعد القوي لاخيه عبد اللّه يوم ثار بالحجاز ، قتل على نهر ( الدجيل ) بالقرب من مسكن سنة 71 ه.
2- أشار الى يزيد بن المهلب بن ابي صفرة الازدي ، تنقل في عدة ولايات في العهد الاموي وحبس مرارا نازع بني أمية الخلافة فقاتله مسلمة بن عبد الملك وقتل بين واسط وبغداد سنة 102 ه.

وزيد وقد كان الاباء سجية *** لأبائه الغر الكرام الاطائب (1)

كأن عليه ألقي الشبح الذي *** تشكل فيه شبه عيسى لصالب

فقل للذي أخفى عن العين قبره *** متى خفيت شمس الضحى بالغياهب

وهل يختفي قبر امرئ مكرماته *** بزغن نجوما كالنجوم الثواقب

ولو لم تنم - القوم فيه الى العدى *** لنمت عليه واضحات المناقب

كأن السما والارض فيه تنافسا *** فنال الفضا عفوا سني الرغائب

لئن ضاق بطن الارض فيه فانه *** لمن ضاق في آلائه كل راحب

عجبت وما احدى العجائب فاجأت *** بمقتل زيد بل جميع العجائب

أتطرد قربى أحمد عن مكانه *** بنو الوزع المطرود طرد الغرائب (2)

وتحكم في الدين الحنيف وانها *** لأنصب للاسلام من كل ناصب

ومن مراثيه :

لي حزن يعقوب لا ينفك ذا لهب *** لصرع نصب عيني لا الدم الكذب

ص: 223


1- زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، بطل من أبطال أهل البيت ويسمى ب- ( حليف القرآن ) نهض بالكوفة سنة 120 ه- بوجه المروانيين فجهز اليه هشام بن عبد الملك جيشا فقامت الحرب وقاتل زيد حتى استشهد ، وأخرجه بنو مروان بعد دفنه وصلبوه منكوسا في كناسة الكوفة اربع سنين ، ثم أحرقوه بعد ذلك بالنار ، وعمره يوم قتل 42 سنة.
2- الوزع هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس طريد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كان يؤذي النبي ويستهزئ به في مشيته ويسمع ما يسره الى أصحابه فيفشيه في كفار العرب ، فطرده عن المدينة فخرج هو وذريته الى الطائف ، ولما توفي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبى الخليفة الاول أن يرجعهم وهكذا الخليفة الثاني. يتعجب الشاعر كيف يكون طريد رسول اللّه و هو مروان بن الحكم علی منبر رسول اللّه.

وغلمة من بني عدنان أرسلها *** للجد والدها في الحرب لا اللعب

ومعشر روادتهم عن نفوسهم *** بيض الضبا غير بيض الخرد العرب

فأنعموا بنفوس لا عديل لها *** حتى أسيلت على الخرصان والقضب

فانظر لاجسادهم قد قدّ - من قبل *** اعضاؤها لا الى القمصان والأهب

كل رأى ضر أيوب فما ركضت *** رجل له غير حوض الكوثر العذب

قامت لهم رحمة الباري تمرضهم *** جرحى فلم تدعهم للحلف والغضب

وآنسين من الهيجاء نار وغى *** في جانب الطف ترمي الشهب بالشهب

فيمموها وفي الايمان بيض ضبا *** وما لهم غير نصر اللّه من ارب

تهش فيها على آساد معركة *** هش الكليم على الاغنام للعشب

اذا انتضوها بجمع من عدوهم *** فالهام ساجدة منها على الترب

ومولجين نهار المشرفية في *** ليل العجاجة يوم الروع والرهب

ورازقي الطير ماشاءت قواضبهم *** من كل شلو من الاعداء مقتضب

ومبتلين بنهر ما لطاعمه *** من الشهادة غير البعد والحجب

فلن تبل - ولا في غرفة أبدا *** منه غليل فؤاد بالظما عطب

حتى قضوا فغدا كل بمصرعه *** سكينة وسط تابوت من الكثب

فاليبك طالوت حزنا للبقية من *** قد نال داود فيه أعظم الغلب

أضحى وكانت له الاملاك حاملة *** مقيدا فوق مهزول بلا قتب

يرنو الى الناشرات الدمع طاوية *** اضلاعهن على جمر من النوب

والعاديات من الفسطاط ضابحة *** والموريات زناد الحزن في لهب

والمرسلات من الاجفان عبرتها *** والنازعات برودا في يد السلب

والذاريات ترابا فوق أرؤوسها *** حزنا لكل صريع بالعرى ترب

ورب من ضعة منهن قد نظرت *** رضيعها فاحص الرجلين في الترب

تشوط عنه وتأتيه مكابدة *** من حاله وظماها أعظم الكرب

فقل بهاجر اسماعيل احزنها *** متى تشط عنه من بحر الظما تؤب

وما حكتها ولا أم الكليم أسى *** غداة في اليم القته من الطلب

ص: 224

هذي اليها ابنها قد عاد مرتضعا *** وهذه قد سقي بالبارد العذب

فأين هاتان ممن قد قضى عطشا *** رضيعها ونأى عنها ولم يؤب

شاركنها في عموم الجنس وانفردت *** عنهن فيما يخص النوع من نسب

بل آب مذاب مقتولا ومنتهلا *** من نحره بدم كالغيث منسكب

كانت ترجي عزاء فيه بعد أب *** له فلم تحظ بابن لا ولا بأب

فأصبحت بنهار لا ذكاء له *** وأمست الليل في جو بلا شهب

وصبية من بني الزهرا مربقة *** بالحبل بين بني حمالة الحطب

كأن كل فؤاد من عدوهم *** صخر بن حرب غدا يفريه بالحرب

ليت الألى أطعمو المسكين قوتهم *** وتالييه وهم في غاية السغب

حتى أتى هل أتى في مدح فضلهم *** من الاله لهم في أشرف الكتب

يرون بالطف ايتاما لهم اسرت *** يستصرخون من الآباء كل أبي

وأرؤس سائرات بالرماح رمى *** مسيرها علماء النجم بالعطب

ترى نجوما لدى الآفاق سائرة *** غير التي عهدت بالسبعة الشهب

لم تدر والسمر مذ ناءت بها اضطربت *** من شدة الخوف أم من شدة الطرب

كواكب في سما الهيجاء ثابتة *** سارت ولكن بأطراف القنا السلب

وله :

ما ضاق دهرك الا صدرك اتسعا *** فهل طربت لوقع الخطب مذوقعا

تزداد بشرا اذا زادت نوائبه *** كالبدر ان غشيته ظلمة سطعا

وكلما عثرت رجل الزمان عمى *** أخذت في يده رفقا وقلت لعا

وكم رحمت الليالي وهي ظالمة *** وما شكوت لها فعلا وان فضعا

وكيف تعظم في الاقدار حادثة *** على فتى ببني المختار قد فجعا

ايام اصبح شمل الشرك مجتمعا *** بعد الشتات وشمل الدين منصدعا

ساقت عدي بني تيم لظلمهم *** أمامها وثنت حربا لهم تبعا

ص: 225

ما كان أوعر من يوم الحسين لهم *** لو لا ... لنهج الغصب قد شرعا

سلا ضبا الظلم من أغماد حقدهما *** وناولاها يزيدا بئسما صنعا

وقام ممتثلا بالطف أمرهما *** ببيض قضب هما قدما لها طبعا

يا ثابتا في مقام لو حوادثه *** عصفن في يذبل لانهار مقتلعا

لله أنت فكم وتر طلبت به *** للجاهلية في أحشائها زرعا

قد كان غرسا خفيا في صدورهم *** حتى اذا أمنوا نار الوغى فرعا

واطلعت بعد طول الخوف أرؤوسها *** مثل السلاحف فيما اضمرت طمعا

واستأصلت ثأر بدر في بواطنها *** وأظهرت ثار من في الدار قد صرعا

وتلكم شبهة قامت بها عصب *** على قلوبهم الشيطان قد طبعا

ومذ أجالوا بأرض الطف خيلهم *** والنقع أظلم والهندي قد لمعا

لم يطلب الموت روحا من جسومهم *** الا وصارمك الماضي له شفعا

حتى اذا ما بهم ضاق الفضا جعلت *** أسيافكم لهم في الموت متسعا

وغص فيهم فم الغبرا فكان لهم *** فم الردى بعد مضغ الحرب مبتلعا

ضربت بالسيف ضربا لو تساعده *** يد القضا لا زال الشرك وانقشعا

بل لو يشاء القضا أن لا يكون كما *** قد كان غير الذي تهواه ما صنعا

لكنكم شئتم ما شاء بارئكم *** فحكمه ورضاكم يجريان معا

وما قهرتم بشيء غير ما رضيت *** له نفوسكم شوقا لما فضعا

لا تشمتن - رزاياكم عدوكم *** فما أمات لكم وحيا ولا قطعا

تتبعوكم وراموا محو فضلكم *** فخيب اللّه من في ذلكم طمعا

أنى وفي الصلوات الخمس ذكركم *** لدى التشهد للتوحيد قد شفعا

فما أعابك قتل كنت ترقبه *** به لك اللّه جم الفضل قد جمعا

وما عليك هوان أن يشال على *** المياد منك محيا للدجى صدعا

كأن جسمك موسى مذ هوى صعقا *** وأن رأسك روح اللّه مذ رفعا

كفى بيومك حزنا أنه بكيت *** له النبيون قدما قبل أن يقعا

بكاك آدم حزنا يوم توبته *** وكنت نورا بساق العرش قد سطعا

ص: 226

ونوح أبكيته شجوا وقل - بأن *** يبكي بدمع حكى طوفانه دفعا

ونار فقدك في قلب الخليل بها *** نيران نمرود عنه اللّه قد دفعا

كلمت قلب كليم اللّه فانبحست *** عيناه دمعا دما كالغيث منهمعا

ولو رآك بأرض الطف منفردا *** عيسى لما اختار أن ينجو ويرتفعا

ولا أحب حياة بعد فقدكم *** ولا أراد بغير الطف مضطجعا

يا راكبا شذ قميا في قوائمه *** يطوي أديم الفيافي كلما ذرعا

يجتاز متقد الرمضاء مستعرا *** لو جازه الطير في رمضائه وقعا

فردا يكذب عينيه اذا نظرت *** في القفر شخصا وأذنيه اذا سمعا

عج بالمدينة واصرخ في شوارعها *** بصرخة تملأ الدنيا بها جزعا

ناد الذين اذا نادى الصريخ بهم *** لبوه قبل صدى من صوته رجعا

يكاد ينفد قبل القصد فعلهم *** بنصر من لهم مستنجدا فزعا

من كل آخر للهيجاء أهبتها *** تلقاه معتقلا بالرمح مدرعا

لا خيله عرفت يوما مرابطها *** ولا على الارض يوما جنبه وضعا

يصغي الى كل صوت عل مصطرخا *** للأخذ في حقه من ظالميه دعا

قل يا بني شيبة الحمد الذين بهم *** قامت دعائم دين اللّه وارتفعا

قوموا فقد عصفت بالطف عاصفة *** مالت بأرجاء طود العز فانصدعا

ان لم تسدو الفضا نقعا فلم تجدوا *** الى العلا لكم من منهج شرعا

لا أنتم أنتم ان لم تقم لكم *** شعواء مرهوبة مرأى ومستمعا

نهارها أسود بالنقع مرتكم *** وليلها أبيض بالقضب قد نصعا

فلتلطم الخيل خد الارض عادية *** فخد عليا نزار للثرى ضرعا

ولتملأ الارض نعيا من صوارمكم *** فان ناعي حسين في السماء نعى

ولتذهل اليوم منكم كل مرضعة *** فطفله من دما أوادجه رضعا

لئن ثوى جسمه في كربلاء لقى *** فرأسه لنساه في السباء رعى

نسيتم أم تناسيتم كرائمكم *** بعد الكرام عليها الذل قد وقعا

اتهجعون وهم أسرى وجدهم *** لعمه ليل بدر قط ما هجعا

ص: 227

فليت شعري من العباس أرقه *** أنينه كيف لو أصواتهم سمعا

وهادر الدم من هبار ساعة اذ *** بالرمح هودج من تنمى له قرعا (1)

ما كان يفعل مذ شيلت هوادجها *** قسرا على كل صعب في السرى ضلعا

بني علي وانتم للنجا سببي *** في يوم لا سبب الا وقد قطعا

ويوم لا نسب يبقى سوى نسب *** لجدكم وأبيكم راح مرتجعا

لوما أنهنه وجدي في محبتكم *** قذفت قلبي لما قد نالني قطعا

فانها النعمة العظمى التي رجحت *** وزنا فلو وزنت بالدهر لارتفعا

من حاز من نعم الباري ولا يتكم *** فلا يبالي بشيء ضر أو نفعا

من لي بنفس على التقوى موطنة *** لا تحفلن بدهر ضاق أو وسعا

وقال :

أما في بياض الشيب حلم لأحمق *** به يتلافى من لياليه ما بقي

وما بالأولى بانوا نذير لسامع *** فان مناديهم ينادي الحق الحق

وان امرءا سرن الليالي بظعنه *** لاسرع ممن سار من فوق أينق

وسيان عند الموت من كان مصحرا *** ومن كان من خلف الخباء المسردق

وهل تؤمن الدنيا التي هي أنزلت *** سليمان من فوق البناء المحلق

ولا سد فيها ( السد ) عمن أقامه *** طريق الردى يوما ولا رد مالقي

ص: 228


1- هبار بن الاسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى من قريش كان شاعرا هجا النبي قبل اسلامه وأباح النبي دمه يوم فتح مكة لانه روع زينب بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) زوجة أبي العاص بن الربيع حين حملها حموها الى المدينة ليلحقها بأبيها بعد وقعة بدر فتبعهما هبار وقرع هودجها بالرمح وكانت حاملا فأسقطت ما في بطنها ، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ان وجدتموه فاقتلوه ، وجاء في ( الجعرانة ) قرب مكة فأسلم فقال صلی اللّه علیه و آله : الاسلام يجب ما قبله.

واعظم ما يلقى من الدهر فادح *** رمى شمل آل المصطفى بالتفرق

فمن بين مسموم وبين مشرد *** وبين قتيل بالدماء مخلق

غداة بني عبد المناف انوفهم *** أبت أن يساف الضيم منها بمنشق

سرت لم تنكب عن طريق لغيره *** حذار العدى بل بالطريق المطرق

الى أن اتت أرض الطفوف فخيمت *** باعلا سنام للعلاء ومفرق

وأخلفها من قد دعاهم فلم تجد *** سوى السيف مهما يعطها الوعد يصدق

فمالت الى ارماحها وسيوفها *** وأكرم بها انصار صدق وأخلق

تعاطت على الجرد العتاق دم الطلا *** ولا كمعاطاة المدام المعتق

فما برحت تلقى الحديد بمثله *** قلوبا فتثني فيلقا فوق فيلق

الى أن تكسرن العواسل والظبا *** ومزقت الادراع كل ممزق

لو ان رسول اللّه يبعث نظرة *** لردت الى انسان عين مؤرق

وهان عليه يوم حمزة عمه *** بيوم حسين وهو أعظم ما لقي (1)

ونال شجى من زينب لم ينله من *** صفية اذ جائت بدمع مرقرق

فكم بين من للخدر عادت مصونة *** ومن سيروها في السبايا لجلق

وليت الذي أحنى على ولد جعفر *** برقة أحشاء ودمع مدفق (2)

يرى بين أيدي القوم أبناء سبطه *** سبايا تهادى من شقي الي شقي

وريانة الاجفان حرانة الحشى *** ففي محرق قامت تنوح ومغرق

فقل للنجوم المشرقات ألا اغربي *** ولا ترغبي بعد الحسين بمشرق

ص: 229


1- يشير الى مصرع سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب يوم أحد وموقف أخته صفية على جسده ورأته وقد مثلت به هند بنت عتبة وشقت بطنه وأكلت كبده فحولها اللّه في فمها حجرا.
2- يشير الى عطف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أولاد جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين خضراوين ، وذلك لما قتل في ( مؤتة ) سنة 8 من الهجرة.

وقل للبحار الزاخرات ألا انضبي *** مضى من نداه مدها بالتدفق

وقال : وهي من روائعه ، وأولها :

هل بعد موقفنا على يبرين *** أحيا بطرف بالدموع ضنين

ومنها :

قال الحداة وقد حبست مطيهم *** من بعد ما أطلقت ماء شئوني

ماذا وقوفك في ملاعب خرد *** جد العفا بربعها المسكون

وقفوا معي حتى اذا ما استيأسوا *** خلصوا نجيا بعد ما تركوني

فكأن يوسف في الديار محكم *** وكأنني بصواعه اتهموني

الى أن يقول :

قلبي يقل من الهموم جبالها *** وتسيخ عن حمل الرداء متوني

وأنا الذي لم أجزعن لرزية *** لو لا رزاياكم بني ياسين

تلك الرزايا الباعثات لمهجتي *** ما ليس يبعثه لظى سجين

كيف العزاء لها وكل عشية *** دمكم بحمرتها السماء تريني

والبرق يذكرني وميض صوارم *** أردتكم في كف كل لعين

والرعد يعرب عن حنين نسائكم *** في كل لحن للشجون مبين

يندبن قوما ما هتفن بذكرهم *** الا تضعضع كل ليث عرين

السالبين النفس أول ضربة *** والملبسين الموت كل طعين

لا عيب فيهم غير قبضهم اللوى *** عند اشتباك السمر قبض ضنين

سلكوا بحارا من دماء أمية *** بظهور خيل لا بطون سفين

لو كل طعنة فارس بأكفهم *** لم يخلق المسبار للمطعون

حتى اذا التقمتهم حوت القضا *** وهي الاماني دون كل أمين

نبذتهم الهيجاء فوق تلاعها *** كالنون ينبذ بالعرى ذا النون

فتخال كلا ثم يونس فوقه *** شجر القنا بدلا عن اليقطين

ص: 230

خذ في ثنائهم الجميل مقرضا *** فالقوم قد جلوا عن التأبين

هم أفضل الشهداء والقتلى الاولى *** مدحوا بوحي في الكتاب مبين

ليت المواكب والوصي زعيمها *** وقفوا كموقفهم على صفين

بالطف كي يروا الاولى فوق القنا *** رفعت مصاحفها اتقاء منون

جعلت رؤوس بني النبى مكانها *** وشفت قديم لواعج وضغون

وتتبعت أشقى ثمود وتبع *** وبنت على تأسيس كل لعين

الواثبين لظلم آل محمد *** ومحمد ملقى بلا تكفين

والقائلين لفاطم آذيتنا *** في طول نوح دائم وحنين

والقاطعين أراكة كيما تقيل *** بظل أوراق لها وغصون

ومجمعي حطب على البيت الذي *** لم يجتمع لولاه شمل الدين

والداخلين على البتولة بيتها *** .......................

والقائدين امامهم بنجاده *** والطهر تدعو خلفهم برنين

خلوا ابن عمي أولا كشف للدعا *** رأسي وأشكو للاله شجوني

ما كان ناقة صالح وفصيلها *** بالفضل عند اللّه الا دوني

ورنت الى القبر الشريف بمقلة *** عبرى وقلب مكمد محزون

قالت وأظفار المصاب بقلبها *** أبتاه قل على العداة معيني

أبتاه هذا ......................... *** تبعا ومال الناس عن هرون

أي الرزايا أتقى بتجلد *** هو في النوائب ما حييت قريني

فقدى أبي أم غصب بعلي حقه *** ..................

أم أخذهم ارثي وفاضل نحلتي *** أم جهلهم قدري وقد عرفوني

قهروا يتيميك الحسين وصنوه *** وسئلتهم حقي وقد نهروني

باعوا بضائع مكرهم وبزعمهم *** ربحوا وما بالقوم غير غبين

واذا أضل - اللّه قوما أبصروا *** طرق الهداية ضلة في الدين

ص: 231

الشيخ محمد نصار

المتوفى 1292

فأتته زينب بالجواد تقوده *** والدمع من ذكر الفراق يسيل

وتقول قد قطعت قلبي يا أخي *** حزنا فيا ليت الجبال تزول

فلمن تنادي والحماة على الثرى *** صرعى ومنهم لا يبل غليل

ما في الخيام وقد تفانا أهلها *** الا نساء ولّه وعليل

أرأيت أختا قدمت لشقيقها *** فرس المنون ولا حمى وكفيل

فتبادرت منه الدموع وقال يا *** أختاه صبرا فالمصاب جليل

فبكت وقالت يا ابن أمي ليس لي *** وعليك ما الصبر الجميل جميل

يا نور عيني يا حشاشة مهجتي *** من للنساء الضائعات دليل

ورنت الى نحو الخيام بعولة *** عظمى تصب الدمع وهي تقول

قوموا الى التوديع ان أخي دعا *** بجواده ان الفراق طويل

فخرجن ربات الخدور عواثرا *** وغدا لها حول الحسين عويل

اللّه ما حال العليل وقد رأى *** تلك المدامع للوداع تسيل

فيقوم طورا ثم يكبو تارة *** وعراه من ذكر الوداع نحول

فغدا ينادي والدموع بوادر *** هل للوصول الى الحسين سبيل

هذا أبي الضيم ينعي نفسه *** يا ليتني دون الابي قتيل

أبتاه اني بعد فقدك هالك *** حزنا واني بعدكم لذليل

* * *

ص: 232

الشيخ محمد بن الشيخ علي بن ابراهيم آل نصار الشيباني أو الشبامي اللملومي (1) النجفي المعروف بالشيخ محمد بن نصار.

توفي في جمادى الاولى سنة 1292 في النجف الاشرف ودفن في الصحن الشريف عند الرأس وهو من أسرة أدب وعلم ، أصلهم من لملوم سكنوا النجف لطلب العلم وتوفي منهم في طاعون سنة 1247 ما يقرب من أربعين رجلا طالبا للعلم وهم غير أسرة آل نصار المعروفين في النجف الذين منهم الشيخ راضي رحمه اللّه يسكنون محلة العمارة.

والمترجم له فاضل أديب له شعر باللغتين الفصحى والدارجة وقل ما ينعقد مجلس عزاء للحسين علیه السلام فلا يقرأ شعره الدارج. ولعل السر أن الناظم كان من أهل التقوى ، ولشدة حبه لاهل البيت سمى كل أولاده باسم علي وجعل التمييز بينهم في الكنية فواحد يكنى بأبي الحسن والثاني بأبي الحسين وهكذا.

أقول وأطلعني السيد ضاحي آل سيد هادي السيد موسى على مخطوطة بخطه ومن تأليفه المسمى ( لملوم قديما وحديثا ) ان الشيخ علي والد الشيخ محمد نصار قد أقام في ناحية الشنافية

ص: 233


1- لملوم قرية كانت على شاطيء الفرات ، اندرست في حدود 1220 ه- وتفرق أهلها في البلاد لذهاب الماء عنهم بانتقال مجرى الفرات عنها ، سكن معظم أهاليها قرية الشنافية ، وكان والد المترجم له قد سكنها الى أن مات فيها ، كذا ذكر صاحب الحصون المنيعة.

منذ هجرته اليها من ( لملوم ) وكان عالما فاضلا ، عاش حوالي ثمانين عاما الى أن توفي سنة 1300 ه.

وجاء في شعراء الغري : الشيخ محمد نصار بن الشيخ علي ابن ابراهيم بن محمد الشيباني اللملومي الشهير ب- ( ابن نصار ) شاعر معروف وأديب شهير ذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال : كان فاضلا كاملا ، أديبا لبيبا ، شاعرا ماهرا ، حسن المعاشرة صافي الطوية صادق النية ، وكان أكثر نظمه على طريقة نظم البادية حتى نظم واقعة الطف من أولها الى آخرها على لغتهم يقرؤها ذاكروا مصاب الحسين (عليه السلام) في مجالس العزاء وله في هذا النظم القدح المعلى ، وكان رحمه اللّه من أخص أحبابي حين مهاجرتي من كربلاء ، أيام والدي وبقائي في النجف لتحصيل العلم ، وقد كان يتلو لي أغلب ما كان ينظمه في القريض ولكني كنت في شغل عن كتبه وثبته في الدفاتر ، ولم أقف على شيء منه حين كتابتي لهذه الترجمة سوى هذه الابيات في وصف ( سماور ) الجاي :

وأعجم غناني بصوت مركب *** من النار والماء النمير المصفق

حشاشته جمر الغضا وزفيره *** يطير شواظا عن لهيب محرق

وقد فك شدقيه فعض حمامة *** تزق بنيها بالمدام المروق

ومن نظمه في الغزل كما في مجلة العدل الاسلامي :

أمرقص القرطين في لفتاته *** رقص الحشى بضرام هجرك صالي

قسما بجيدك يا غزال وعرفه *** لقد أزدريت بجيد كل غزال

وأبيلجين تسايلا عن مرقص *** الاصداغ سيل الصبح تحت ليال

ص: 234

خوف الصدود كتمت عنك صبابتي *** وعن المخالط خيفة العذال

فأعر لساني السمع بثة وامق *** يشكو ضناه عسى ترق لحالي

شهد الوشاح عليك مذ أنطقته *** حقا بأنك مخرس الخلخال

وبقوس حاجبك النبال بريتها *** من نرجس وأرشتها لقتالي

ومن شعره في الغزل كما في شعراء الغري :

خلت من ظباء الابرقين ربوعها *** فهيهات يا عين المعنى هجوعها

أتألف رسل الابرقين مهابة ال- *** نفور وأيدي القانعين تروعها

وقفنا وللاحشاء رقص على الغضا *** وقد رقصت فوق النطاق فروعها

اودعها فوق الكثيب ومهجتي *** تودعها فوق الكثيب ضلوعها

أسائلها والعين عبرى متى اللقا *** فتعرب عن بعد التلاقي دموعها

عقارب صدغ لا يفيق لديغها *** ورقش جعود ليس يرقى لسيعها

ونبعة قد - لا يقوم طعينها *** وأسياف لحظ لا يداوي صريعها

وخد أسيل روق الصون ماءه *** نزت كبدي منه فهاج ولوعها

ولما استقل الركب فاضت مدامعي *** وحلق من عين المعنى هجوعها

وقوله :

ومذ استقلوا ظاعنين وأيقن ال- *** -فئتان أن هيهات يلتقيان

من كل أبلج لا تلين قناته *** عزت مدامعه لدى الحدثان

يستوقف العيس المثارة بعدما *** غنت حداة الركب بالاظعان

أمقوضين قفوا لصب ريثما *** يقضي لبانة قلبه الولهان

فاذا خدت أيدي المطي وكنتم *** ممن يقول بذمة الخلان

مروا برمل البان يوما علما *** عثر الزمان بنا برمل البان

استاف نفخة رمله العبق التي *** علقت بواديه من الاردان

واذا سجا الليل البهيم فانني *** اشتاقكم فقفوا على الكثبان

ص: 235

توفي رحمه اللّه في جمادي الاولى من عام 1292 وقد ناهز عمرة الستين ودفن في رأس الساباط من الصحن الشريف بين قبر المرحومين : ميرزا جعفر القزويني وقبر السيد حيدر الشاعر ، وخلف ولدين : الاكبر الشيخ جعفر (1) كان في سلك أهل العلم ، والاصغر من الكسبة.

وذكره صاحب التكملة فقال : عاشرته ورافقته مدة فحمدت صفاته خفيف الروح رقيق الحاشية ، كثير الدعابة الى تقى وديانة وتمسك بالشرع جدا.

ومن طريف ما حدث به انه قال : قصدت قبر الامام علي بن موسى الرضا علیه السلام بخراسان في سنة 1285 ه- فامتدحته بقصيدة - وأنا في الطريق - على عادة الشعراء في قصدهم الملوك ، وأكملتها قبل دخولي المشهد الشريف بيوم واحد ، وكان مطلعها :

يا خليلي غلسا لا تريحا *** أوشكت قبة الرضا أن تلوحا

ومنها قوله :

ان قبرا لا طفت فيه ثراه *** منع المسك طيبه أن يفوحا

قال رحمه اللّه : فلما دخلت المشهد الشريف وزرته ونمت

ص: 236


1- توفي بالمشخاب يوم السبت 29 من جمادي الاولى سنة 1356 ه- ونقل الى النجف ودفن في الصحن الشريف بالقرب من والده.

تلك الليلة ، رأيت في منامي الامام الرضا علیه السلام جالسا على كرسي في روضته الشريفة فسلمت عليه وقبلت يديه فرحب بي وأدناني ، وأعطاني صرة ، وقال افتحها ففيها مسك أذفر ففتحتها فوجدت فيها فتاتا لا رائحة له ، فقلت لا رائحة له ، فتبسم الرضا (عليه السلام) وقال : ألست القائل :

ان قبر لا طفت فيه ثراه *** منع المسك طيبه أن يفوحا

فهذا مسك أذفر منع طيب ثرى قبري رائحته. فانتبهت وأنا فرح بما شاهدت.

ومن قوله في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) :

يا مدلجا في حندس الظلماء بكرا مقحما *** ان شمت لمعة قبة المولى فعرج عندما

واخضع فثمة بقعة *** خضعت لادناها السما

واحث التراب على الخدود وقل أيا حامي الحمى *** يا مخمدا يوم الوغى لهب الوطيس اذا حمى

ومفلقا هام العدى *** ان سل أبيض مخذما

ومنظما صيد الورى *** ان هز أسمر لهذما

قم فالحسين بكربلاء *** طريدة لبني الاما

قد أمه جيش به *** رحب البسيطة أظلما

مقتادة شعث النواصي *** كل أجرد أدهما

فتقاسمتها السمهرية *** والمواضي مغنما

وغدا ابن احمد لا يرى *** الا القنا والمخذما

فهنالكم أم العدى *** بطل البسالة معلما (1)

ص: 237


1- عن مجلة ( العدل الاسلامي ) السنة 2 العدد 6.

وقال في العقيلة زينب الكبرى :

هاج وجدي لزينب اذ عراها *** فادح في الطفوف هد قواها

يوم أضحت رجالها غرضا للنب- *** -ل والسمر فيه هاج وغاها

ونعت بين نسوة ثاكلات *** تصدع الهضب في حنين بكاها

آه والهفتاه ماذا تقاسي *** من خطوب تربو على ما سواها

ولمن تسكب المدامع من عين *** جفا جفنها لذيذ كراها

ألنهب الخيام أم لعليل *** ناحل الجسم أم على قتلاها

أم لاجسامهم على كثب الغب- *** -راء مخضوبة بفيض دماها

أم لرفع الرؤوس فوق عوالي ال- *** -سمر أم رض صدر حامي حماها

أم لاطفالها تقاسى سياق ال- *** -موت أم عظم سيرها وسراها

أم لسير النساء بين الاعادي *** ثاكلات يندبن يا آل طاها

وهي ما بينهن تندب من قد *** ندبته الاملاك فوق سماها

ووجدت في بعض المخطوطات الحسينية ملحمة كبيرة للشيخ محمد نصار في الامام الحسين علیه السلام ، على وزن ملحمة الدمستاني ، وأولها :

شيعة المختار نوحوا واندبوا فخر الفخار *** بدموع جاريات من أماقيها غزار

ص: 238

أحمد قفطان

المتوفى 1293

قال من قصيدة في الحسين (عليه السلام) :

لم يشجنى طلل الديار الأبكم *** كلا ولا رسما بها أتوسم

أنى يجاذبني هوى آرامها *** وانا الجموح لهن لا أستسلم

لو لا المحرم ما سفكت مدامعا *** لسوى المحرم سفكهن محرم

يوم الحسين بكربلاء وصحبه *** ضربوا القباب على البلاء وخيموا

فتقلدوا بيض السيوف وأفرغوا *** حلق الدروع على القلوب وأقدموا

من كل خواض المنايا عابس *** أو قطبت صيد الوغى يتبسم

حفظوا وصية احمد في سبطه *** ووقاه بالارواح كل منهم

* * *

الشيخ احمد بن الشيخ حسن قفطان السعدي الرباحي النجفي ، ولد سنة 1235 وكان من النحاة والملمين باللغة والتاريخ والفقه والاصول ، ونثره خير من شعره ، صحب شبلي باشا مدة اقامته في الحلة في ولاية نامق باشا وكان دائما يراسله ويكاتبه وكذا مع سائر ولاة العثمانيين. قال السماوي في الطليعة بعد ما وصفه بالعلم والكمال : كان غاية في الذكاء

ص: 239

والحفظ وجودة الخط ، خفيف الروح سريع البديهة ، درس على الشيخ صاحب الجواهر والشيخ الانصاري ، له القوافي الشبلية والصنايع البابلية وله المجالس والمراثي ، توفي سنة 1293 ودفن بوادي السلام.

له شعر كثير في مدح الأئمة من أهل البيت ورثائهم ، وله في معاصريه من الاعلام والاعيان مدح ورثاء كآل بحر العلوم وآل القزويني وآل كاشف الغطاء والشيخ الانصاري وغيرهم وشعره تغلب على أكثره الجودة ، ذكره السيد الامين في ( الاعيان ) فقال : والمترجم قرأ في النجف وعانى صناعة الادب حتى أصبح من مشاهير أدبائها ، وله شعر ونثر كثير مبثوث في المجاميع لو جمع لكان ديوانا كبيرا. والشيخ الطهراني يقول في ( الكرام البررة ) : انه ولد في النجف سنة 1217 وانه كان ماهرا في النحو والعروض واللغة والتاريخ والفقه والاصول ، خفيف الروح سريع البديهة له نوادر وحكايات ، وكان أصم يخاطب بالكتابة والاشارة لكنه شديد الذكاء يفهم المرء لاول وهلة حتى أنه يسبق المنشد الى القافية ، ومن طرائفه انه قيل له وقد مر به أكبر أولاده : هذا يخلفك وهو لسانك فقال : هذا هو سمعي. يشير الى ما أصيب من الصمم ، وكما برع في النظم بالفصحى فقد برع بالنظم باللغة الدارجة وكان حسن الخط شأن أسرته التي امتازت بجودة الكتابة وقد عدد الشيخ الطهراني جملة من المخطوطات بخط يده ، وترجم له صاحب ( الحصون ).

وذكر الشيخ السماوي في ( الطليعة ) من نوادره قال أخبرني

ص: 240

السيد ابراهيم الطباطبائي ان الشاعر مدح أبي السيد حسين الطباطبائي ببيتين وكتبهما في ورقة وأعطاها اياه ، وهما :

يا بن الرضا بن محمد المهدي يا *** من عم أقطار البرية بالندى

ناداك احمد صارخا من دهره *** فأجب فديتك ياضيا النادي الندا

فلما قرأها السيد كتب فيها لوكيله : اعط الشيخ احمد بكل سطر دينارا ، وسلم الورقة بيد الشيخ فنظرها وأعادها عليه قائلا : يا مولانا أعجم شين شطر لئلا يشتبه عليه فيقرأها سطر ، فضحك السيد لنادرته وأعجمها.

ص: 241

الشيخ سالم الطريحي

المتوفى 1293

أمية قد جاوزت حدها *** فقم فالضبا سئمت غمدها

الى م النوى وعلينا العدى *** تجور ولم نستطع ردها

تحملنا ما لو أن الجبال *** تحمل أيسره هدها

تباغت علينا وقد أدركت *** على رغم آنافنا قصدها

رمتنا بفادحة لم نزل *** نكابد طول المدى وجدها

فما أوقع الدهر من قبلها *** ولا موقع مثلها بعدها

غداة ظوامي الضبا في الطفوف *** سقت من دمائكم حدها

وجدك ما بينها والخيول *** على صدره جعلت وردها

وأسرته حوله بالعرى *** ينسج ريح الصبا بردها

ثوت كالاضاحي بحر الهجير *** لها اللّه ما ضمنت لحدها

وفوق المهازل تطوي القفار *** نساؤكم غورها نجدها

أسارى تبث الجوى تارة *** أباها وآونة جدها

فما بين لا دمة صدرها *** تنوح ولاطمة خدها

يذيب الجوى قلبها والسياط *** يؤلم قارعة زندها

وزينب تدعو أسى والخطوب *** باحشائها قدحت زندها

بني غالب سوموا الصافنات *** وانتدبوا للوغى أسدها

بهن مواجيف طلق العنان *** تقفوا سلاهبها جردها

قعدتم وأعداؤكم في الطفوف *** شفت من أعزتكم حقدها

ص: 242

فلا عذر حتى نرى بيضكم *** رقاب أعاديكم غمدها

لان ضاع وتر بني هاشم *** اذا عدمت هاشم مجدها

* * *

الحاج سالم بن محمد علي الطريحي النجفي الرماحي توفي في النجف في حدود سنة 1293 كان فاضلا شاعرا يعاني حرفة التجارة ، قاسم ماله بعض اخوانه لوجهه تعالى ، وقد ترجم له الكثير من الباحثين منهم العلامة الكبير الشيخ علي كاشف الغطاء في ( الحصون ) والشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) وآل طريح من أقدم الاسر العربية التي استوطنت النجف الاشرف منذ أكثر من أربعة قرون ، ومن مشاهيرهم في القرن الحادي عشر الشيخ فخر الدين بن الشيخ محمد علي وهو الجد الخامس لشاعرنا المترجم له ابي محمد الحاج سالم بن محمد علي بن سعد الدين ابن جلال الدين بن شمس الدين بن الشيخ الاجل فخر الدين.

ولد في النجف سنة 1224 ه- ونشأ وشب على حب الكسب وتعاطي التجارة حتى أصبح في أواساط حياته من ذوي الثروة والجاه وسعة الحال وهو الى جنب ذلك يحمل ثروة أدبية لا تقل عن ثروته المادية. وفي سنة 1275 ه- وفقه اللّه لحج بيت اللّه الحرام فنظم ارجوزة ذكر فيها ما اتفق له في طريق الحج وما شاهده في الحجاز ونجد ، توجد نسخة منها عند أحد المشايخ من أبناء عمه ، ووالده شاعرا وقارئا ذاكرا تخرج عليه جماعة من الخطباءمنهم الخطيب الشيخ كاظم سبتى.

ص: 243

وهذه روائع من قصائده الحسينية :

عرجا بي على عراص الطفوف *** أبك فيها أسى بدمع ذروف

يا عراص الطفوف كم فيك بدر *** غاله حادث الردى بخسوف

وهزبر قضى طليق محيا *** بين سمر القنا وبيض السيوف

يوم هاجت عصائب الشرك للهي- *** -جاء تقفوا الصفوف اثر الصفوف

حاولت أن يضام وهو الأبي الض- *** -يم كهف الطريد مأوى الخوف

شد فيها وكم لطير المنايا *** من خفوق على العدى ورفيف

يحسب البيض في الكريهة بيضا *** ووشيج القنا معاطف هيف

من لؤي بيض الوجوه أباة الض- *** -يم أسد العرين شم الانوف

عانقوا المرهفات حتى تهاووا *** صرعا في الثرى بحر الصيوف

وبقى ابن النبي لم يرعونا *** في الوغى غير ذابل ورهيف

فانثنى للنزال يكتال آجا *** لا فوفى بالسيف كل طفيف

كم جيوش يفلها عن جيوش *** وزحوف يلفها بزحوف

كلما هم أن يصول عليهم *** همت الارض خيفة برجيف

لم يزل يورد المواضي نجيعا *** من رقاب العدى بقلب لهوف

فدعاه داعي القضاء فألوى *** عن هوان لدار عز وريف

وهوى ثاويا على الترب ما ب- *** -ين الاعادي ضريبة للسيوف

فبكته السماء وارتجت الار *** ضون والشمس آذنت بكسوف

يا قتيلا تقل سمر العوالي *** منه رأسا على سنا الشمس موف

وتسوق العدى نساه أسارى *** فوق عجف المطى بسير عنيف

أعلى النيب تنتحي البيد أين الن- *** يب والبيد من بنات السجوف

تلك تدعو بمهجة شفها الوج- *** -د احتراقا وذي بدمع ذروف

اين اسد العرين شم العراني- *** -ن حماة الورى أمان المخوف

سوموها يا آل غالب جردا *** تخبط الارض منكم بوجيف

ص: 244

وأبعثوها صواهلا عابسات *** يملأ الجو نقعها بسدوف

لتروا نسوة لكم حاسرات *** جشمتها الاعداء كل تنوف

ولكم أوقفوا بدار ابن هند *** من ترى الموت دون ذل الوقوف

وقال من قصيدة :

أيا مدلجا بالذميل العنيف *** خفافا شأت بالمسير الرياحا

تجوف الفلا سبسبا سبسبا *** وتقطعهن بطاحا بطاحا

أنخها مريحا بوادي الغري *** مثيرا لديه بكا ونواحا

وقل يا مبدد شمل الصفوف *** اذا ازدحمت يوم حرب كفاحا

لعلك لم تدر يوم الطفوف *** غداة غدى دمكم مستباحا

وأعظم ما يقرح المقلتين *** ويدمي الفؤاد شجى وانقراحا

مجال الخيول على ابن النبي *** ترض قراه غدوا رواحا

وعترته حوله كالنجوم *** ينبعث الليل منها صباحا

وقته الردى فتية في النزال *** تصافح دون الحسين الصفاحا

ترى البيض بيضا وسمر الصعاد *** قدودا وكأس المنية راحا

وراحت تخوض غمار الردى *** وتحسب جد المنايا مزاحا

تلقى السهام ببيض الوجوه *** بيوم به صائح الموت صاحا (1)

وقال :

أبدار وجرة أم على جيرون *** عقلوا خفاف ركائب وضعون

ومنها :

ولرب قائلة ومن عبراتها *** ثقلت جوى قطع السحاب الجون

الجيرة تبدي الجوى أم أربع *** ورمت بأكناف اللوى وحجون

ص: 245


1- عن مخطوط الشيخ عبد المولى الطريحي.

وآها عليك فما ربحت وانما *** ذهبت بحلمك صفقة المغبون

فاليك عنها معرضا وعليك في *** يوم على الاسلام يوم شجون

يوم ابن فاطم والرماح شوارع *** والبيض يرشح حدها بمنون

والخيل عابسة الوجوه بمعرك *** غص الفضاء بجيشه المشحون

يثني مكردسها بأروع لم ترم *** يمناه غير السيف والميمون

ضنت بصارمه يداه وانه *** بالنفس يوم الموت غير ضنين

وأشم عبل الساعدين شمردل *** ضخم الدسيعة شامخ العرنين

في معشر بيض الوجوه سوابغ *** الايدي مناجيب القرون قرين

تغشى الصفوف بملتقى من هوله *** ذكرت أمية ملتقى صفين

حتى دعوا لحضيرة القدس التي *** فيها يرون العين رأي يقين

فتناثروا مثل النجوم على الثرى *** ما بين منحور الى مطعون

وبقى ابن أم الموت ثمة موقدا *** نار الوغى فردا بغير معين

يسطو فتنثال الجيوش كأنما *** شاء تنافر من ليوث عرين

ظام يروي من دماء رقابها *** في الحرب حد الصارم المسنون

حتى اذا سئم الحياة ونابه *** فقدان أكرم معشر وبنين

وافاه سهم كان مرماه الحشا *** فأصاب قبل حشاه قلب الدين

فهوى فضجت في ملائكها السما *** حزنا عليه برنة وحنين

وثوى على الرمضاء لا بمشيع *** يوما لحفرته ولا مدفون

اللّه أكبر كيف يبقى في الثرى *** ملقى بلا غسل ولا تكفين

ويروح للاعداء تورد صدره *** من كل نافذة المغار صفون

ما راقبت غضب الاله لجنبه *** السامي وموضع سره المكنون

رضت خزائن وحيه بخيولها *** بغيا وعيبة علمه المخزون

وأمض داء في الحشا لو لامس *** الراهون ضعضع جانب الراهون

سبي الفواطم حسرا ووقوفها *** في دار أخبث عنصر ملعون

وقفت بمر أى من يزيد ومسمع *** ولهانة تدعو بصوت حزين

ص: 246

أحسين يا غوث الصريخ وملجأ *** العافي وكنز البائس المسكين

أحسين يا عزي يعز عليك أن *** تسود من ضرب السياط متوني (1)

وقال :

أهاجتك من ذي النخيل الديار *** فهمت وشبت باحشاك نار

أم البرق أومض من بارق *** فبادرن منك الدموع الغزار

أراك وقد غالبتك الدموع *** لها من مذاب حشك انهمار

لعلك ممن شجته الديار *** عداك الحجا ان شجتك الديار

فدعها ولا تك ذا مهجة *** أهاجت جواها الرسوم الدثار

وقم باكيا من بكته السماء *** وأظلم حزنا عليه النهار

غداة غدى ثاويا بالعرى *** يكفنه العثير المستثار

أيا ثاويا وزعت شلوه *** عوادي المهار عقرن المهار

لها الويل هل علمت في المغار *** على صدره أي صدر يغار

فوالهفة الدين حتى الخيول *** لها يا بن طه عليك مغار

حقيق على العين أن تستهل *** دما مثلما يستهل القطار

أترضى وجسمك فوق الصعيد *** ورأسك فوق الصعاد يدار

وتبقى على الترب لا حفرة *** تشق ولا نعش فيه يسار

وأعظم مفجعة في الطفوف *** لها في حنايا ضلوعي أوار

ركوب بناتك فوق الصعاب *** أسرى تقاذف فيها القفار

حواسر ليس عن الناضرين *** لهن بغير الاكف استتار

وله أيضا :

خطب أماد من المعالي جانبا *** ودهى فجب من الهداية غاربا

ص: 247


1- عن مخطوط الشيخ عبد المولى الطريحي.

خطب أطل على الانام بفادح *** أشجى الانام مشارقا ومغاربا

وأصاب من عليا نزار أسدها *** بأسا فصب على نزار مصائبا

يوم به جائت يغص بها الفضا *** عصب تؤلب للكفاح كتائبا

يقتادها عمر بن سعد مجلبا *** للحرب فيها شزبا وسلاهبا

حسب الابي يروح منها ضارعا *** فأبى الابي فأب منها خائبا

وغدا أبي الضيم يبعث للوغى *** أسدا تصول على العداء غواضبا

حسبت حمام الموت سجع حمائم *** فيها ومطرد الكعوب كواعبا

وغدت تحطم في الصدور عواسلا *** منها وتثلم في النحور قواضبا

حيت بها بيض الظبا فكأنما *** حيت من البيض الظباء ترائبا

حتى هوت صرعى فتحسب أنها *** أقمار تم في الطفوف غواربا

وبقي ابن أم الموت لم ير صاحبا *** بين العدى الا المهند صاحبا

فغدا يمزق سحبها عدوا كما *** مزقن أنفاس الشمال سحائبا

ما زال يخطف بالحسام نفوسها *** حتى أراها في النزال عجائبا

فهناك حم به القضاء مفوقا *** سهما بأوتار المنية صائبا

فهوى فدكدكت الجبال وكورت *** شمس الضحى وغدا النهار غياهبا

من مبلغن بني نزار وغالبا *** وترت بنو حرب نزار وغالبا

من مبلغن نزار أن زعيمها *** نسجت عليه الذاريات جلاببا

من مبلغن نزار أن نساءها *** ركبن اسرى هزلا ومصاعبا

ص: 248

السيد أحمد الرشتي

المتوفى 1295

رزء له الاسلام ضجا *** والدين والايمان رجا

رزء له الاملاك تنزل *** للعزا فوجا ففوجا

رزء له البيت الحرام بكا *** ومن لبا وحجا

رزء له رأس الفخار *** بسيف أهل البغي شجا

يا يوم عاشوراء يوم *** فيه عرش اللّه عجا

يوم به سبط النبي *** على الثرى ملقا مسجا

لهفي لزينب اذ دعت *** يا كافلي أنت المرجا

أدعوك ما لك لا تجيب *** وليس لي الاك ملجا

طيب الرقاد هجرته *** اذ عذب عيشي صار مجا

أبكت رزيتك الكرام *** وأضحكت كلبا وعلجا

قد كنت شمس هداية *** فأخترت فوق الرمح برجا

سفن اصطباري قد غرقن *** وماج بحر الهم موجا

ضاقت علي فدافد *** الدنيا فلم أر قط نهجا

يا راكبا كور النياق *** يسج في الادلاج سجا

عرج الى أرض الغري *** وعرضن فجا ففجا

والثم ثرى أعتاب حيدر *** من به للناس منحا

قل يا علي حسين في أرض *** الطفوف بقى مسجا

ص: 249

طافت به في كربلاء *** عصائب فوجا ففوجا

يدعو الاهل راحم *** يرجو بيوم الحشر منجا

* * *

السيد أحمد الحسيني الرشتى المقتول سنة 1295 ، نشأ في بيئة أدبية علمية وتلقى الشعر والادب على أبيه السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتى ، وكانت الزعامة الدينية بهذا البيت وورثها السيد احمد عن أبيه وأصبح ديوانه حافلا بالادباء والشعراء. جاء في ( الكرام البررة ) ما نصه : السيد احمد بن السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي الحائري عالم أديب ، كان والده أرشد تلامذة الشيخ احمد الاحسائي قام بعده برئاسة الفرقة الشيخية الى أن توفي بكربلاء عام 1259 فقام مقامه ولده المترجم له تلميذ أبيه وانتهت اليه مرجعية قومه الى أن قتل غيلة ليلة الاثنين 17 جمادى الاولى 1295 وقام مقامه ولده قاسم سمي جده.

للشاعر قصائد متفرقة قالها في أغراض شتى وقد تناول في شعره مدح ورثاء أهل البيت صلوات اللّه عليهم كما رثى الامراء والعلماء ، ولشعره أثر كبير في الغزو الوهابي فقد عبر عن هذا الحادث المروع بحسرة ولوعة اذ أهينت حرمة كربلاء وانتهكت قدسيتها سنة 1216 وقتل عشرات الالوف من الابرياء. لذا اندفع السيد احمد يهنئ مدحت باشا قائد الجيش العثماني والذي فتح نجد فقال :

ص: 250

بدا نور ظل اللّه يشرق كالصبح *** فطبق وجه الارض بالعدل والنجح

مليك على العرش استوى ولعزه *** جميع ملوك الارض تعلن بالمدح

ارادته العظمى بنافذ أمره *** لقد صدرت كي يبدل الغي بالصلح

الى مدحة المولى الوزير الذي غدا *** لسيده ما اختار شيئا سوى النصح

من افتض بكر الفكر في طلب العلى *** فجاءته سعيا غير طاوية الكشح

وزير على متن الوزارة قد رقى *** أحاط بها خيرا فما احتاج للشرح

قد اقتطفت أهل القطيف ثمارها *** تأمله في دوحة العدل والصفح

ومذ فتحت نجد دعا السعد ارخوا *** لقد جاء نصر اللّه يزهر بالفتح

ومن شعره قوله أثناء رحيله الى الحج :

اسائل أهل الحي والدمع سائل *** أهل في حماكم للوصول وسائل

منازل كانت بالطفوف عهدتها *** تقاصر عنها في السماك منازل

أصعد أنفاسا لذكر أحبتي *** وأنى ودوني أبحر وجنادل

فقلبي كالرابور والطرف ماؤه *** فواعجبا للماء فيه مشاعل

فكم بابلي اللحظ تاه بحسنه *** وهاروت نادى سحري اليوم باطل

أنا البحر فوق البحر والغيث فوقنا *** ثلاث بحور ما لهن سواحل

جليسي كتاب والاكارم حولنا *** أجالسهم طورا وطورا أساجل

ومن روض أزهار الاحاديث أجتني *** ورودا بأكمام يحييه وابل

وفخر بني فهر بنا وبجدنا *** فان كنت في شك تجبك القبائل

فما وصف الطائي بعد ظهورنا *** ولا ذكرت بكر ولا قيل وائل

فقل للذي رام النجوم بشأونا *** تعبت فان البدر لا يتنازل

فان عيرتنا في علانا عصابة *** فعير قسا بالفهاهة باقل

( وقال الدجى للشمس أنت خفية *** وقال السهى للصبح لونك حائل )

ص: 251

وكم بللت من فيض بحر أكفنا *** تفيض عليها أبحر وجداول

يراعي أراع الناس طرا وانني *** أراعي حقوقا للعلى وأواصل

( واني وان كنت الاخير زمانه *** لآت بما لم تستطعه الاوائل )

فكم قد أقيمت في ثبوت مأثري *** شواهد فيما أدعي ودلائل

شموس سعودي أشرقت من بروجها *** وكوكب أعدائي بنوري آفل

ص: 252

الشيخ حمزة البصير

المتوفى 1297

الشيخ حمزة بن ناصر الحلي الشهير بالبصير ، شاعر مقبول وأديب نابه ، ذكره الشيخ النقدي في الروض النضير فقال : كان شاعرا أديبا أخذ عنه العلم جماعة من شعراء الحلة وتأدب عليه قسم كبير منهم ، وقد ذهب بصره على الكبر ، يقضي أكثر أوقاته في قرى العذار ، وله شعر في مدح أهل البيت علیهم السلام ورثائهم جاء في مجموعة صديقه الشيخ محمد الملا الحلي بعض أشعاره ، منه في رثاء الصديقة فاطمة الزهراء علیهاالسلام وله بمدح أهل البيت من قصيدة قالها عام 1279 :

هم حجج الرحمن آل محمد *** مناقبهم لن يحصهن معدد

صنايع باريهم وكل الورى لهم *** صنايع والرحمن للكل موجد (1)

بهم نزلت والمرسلات وهل أتى *** وطه وذوالقربى واياك نعبد

ولو يهتدي كل الورى بهداهم *** ورشدهم لم يلف في الارض ملحد

سيسأل من عاداهم وأحبهم *** بيوم به تشقى الانام وتسعد

وله مراث لاهل البيت بأوزان مختلفة يلحنها النواحون. أما قصيدته في الزهراء فاطمة فقد ذكر الشيخ اليعقوبي قسما منها كما ذكر الخاقاني في كتابه ( شعراء الحلة ) هذا القسم.

ص: 253


1- يشير الى قول الامام علیه السلام : نحن صنايع ربنا والناس بعد صنائع لنا. أي نحن الذين أدبنا اللّه تعالى وأفاض علينا من كمالاته ، ونحن تولينا تهذيب الناس وتعليمهم وتأديبهم وفي الحديث الشريف : أدبني ربي

الشيخ مهدي حجي

المتوفى 1298

لا تلمني على البكا والعويل *** لمصاب بكته عين الرسول

لست أنسى ركائبا لنزار *** صاح فيها حادي القضا بالرحيل

فامتطت للوغى متون عراب *** أرسلتها ضوابحا في الخيول

وانتضت للكفاح بيض صفاح *** صاقلات تفل حد الصقيل

وغدت تحصد الرؤوس لوي *** من بني حرب في القراع المهول

ودعاها القضا فلبت وخرت *** سجدا كالنجوم فوق الرمول

لهف نفسي لهم على الترب صرعى *** من شيوخ لهاشم وكهول

وقتيل لآل فهر خضيب *** بدماه نفسي الفدا للقتيل

* * *

الشيخ مهدي بن الشيخ صالح بن الشيخ قاسم بن الحاج محمد ابن أحمد الشهير بحجي الطائي الحويزي الزابي النجفي. شاعر فاضل وأديب كامل. وآل حجي أسرة علمية أدبية ، وقد سبقت ترجمة والده الشيخ صالح الكبير ، كتب عنه البحاثة علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) ونقل عن الشيخ محمد رضا الغراوي انه كتب ديوانه الذي جمعه ولده الشيخ صالح وهو يقرب من خمسة آلاف بيتا. ولكنه فقد ولم يبق له أثر ، وروى له كثيرا من أدبه الفصيح ولونا من أدبه الشعبي من ( الموال ) و ( القصيد ) و ( البوذية ).

ص: 254

السيد موسى الطالقاني

المتوفى 1298

مهج بنيران الفراق تذاب *** فيجود فيها للجفون سحاب

ومنها :

أنخ الركاب فانما هي بقعة *** فيها لأحمد قد أنبخ ركاب

واعقل قلوصك انما هو مربع *** ضربت لآل اللّه فيه قباب

يا نازلين بكربلا كم مهجة *** فيكم بفادحة الكروب تصاب

ما فيكم الا عميد سرية *** في الروع لا نكل ولا هياب

ومعانق سمر الرماح كأنها *** تحت العجاج كواعب أتراب

بطل ينكره الغبار وعابد *** ما أنكرته الحرب والمحراب

شهب بضيء بها المحارب في الدجى *** وهموا لابطال الحروب شهاب

كم موقف لهم به خرس الردى *** رعبا وضاقت بالكماة رحاب

وجثوا لشارعة الرماح بمعرك *** كادت تزول به ربى وهضاب

عثرت بأشراك المنية منهم *** شيب يزينها النهى وشباب

وثووا ثلاثا لا ضريح موسد *** لهم يشق ولا يهال تراب

وسطا الهزبر ففر جند ضلالها *** من بأسه وتفرق الاحزاب

أسد يفر الموت خيفة بطشه *** وله الأسنة في الكريهة غاب

ريان أفئدة الصوارم قد قضى *** ظمآن يرنو الماء وهو عباب

شاء الاله بآن يراه مجدلا *** وعليه من فيض الدما جلباب

ص: 255

ثاو على الرمضاء غير موسد *** تحنو عليه قواضب وحراب

وبنات وحي اللّه ما بين العدى *** تطوى بهن فدافد وشعاب

أسرى تساق على النياق حواسرا *** ولهن من حلل العفاف حجاب

نهب قفار البيد ناحل جسمها *** بالسير واستلب القلوب مصاب

ومروعة تدعو الكفيل وما لها *** الا بقارعة السياط جواب (1)

* * *

هو السيد موسى بن السيد جعفر بن السيد علي بن السيد حسين الطالقاني النجفي. ولد في النجف سنة 1250 ه- وكانت وفاته سنة 1298 ودفن بالنجف.

معروف بالفضل والادب وله ديوان يحتوي على شعره بمختلف المناسبات. ومن شعره قصيدة رائية يمدح بها الميرزا باقر بن الميرزا خليل الرازي النجفي ويهنئه بزفاف ولديه الشيخ صادق والميرزا كاظم ومن شعره أيضا قوله :

أحباي قد ضاق رحب الفضا *** علي وأظلم غرب وشرق

ومذ راعني هول ليل النوى *** تيقنت أن القيامة حق

فكم ليلة بتها ساهرا *** وللريح حولي رفيف وخفق

وقد جال في الجو جيش الغمام *** وطبل الرعيد بعنف يدق

فيخفق قلبي لخفق الرياح *** ويسكب جفني اذا لاح برق

سهرت وقد نام جفن الخليل *** ونحت وغنت على الدوح ورق

وحق لها دون قلبي العنا *** واني بالنوح منها أحق

فما غاب عن عينها الفها *** ولا هاجهن الى الكوخ شأوق

وطبع أخيرا ديوانه بمطابع النجف ، وأعقب الشاعر الاديب السيد محمد تقي المتوفى سنة 1354 وتأتي بعون اللّه في الجزء الآتي تراجم لأسرة آل الطالقاني.

ص: 256


1- عن الديوان.

السيد ميرزا جعفر القزويني

اشارة

المتوفى 1298

سأمضي لنيل المعالي بدارا *** وأطلب فوق السماكين دارا

يطالبني حسبي بالنهوض *** وأن لا أقر بدار قرارا

تقول لي النفس شمر وسر *** مسير همام عن الضيم سارا

فما أنت باغ بهذا القعود *** تظمى مرارا وتروى مرارا

فقلت سأخلع توب الهوان *** وأدمي الاكف دماء غزارا

وأجلبها كل طلق اليدين *** يؤجج في دارة الحرب نارا

وأنصب نفسي مرمى الحتوف *** اذا ما تنادى الرجال الفرارا

كيوم ابن أحمد والعاديات *** تثير بأرجلهن الغبارا

غدات حسين بأرض الطفوف *** وبحر المنايا عليه استدارا

أتت نحوه مثل مجرى السيول *** حرب بخيل ملأن القفارا

تحاوله الضيم في حكمها *** ويأبى له السيف الا الفخارا

فأقسم اما لقاء الحمام *** أولا يرى للأعادي ديارا

بآساد ملحمة لا تكاد *** تعرف يوم الهياج الحذارا

وغلب اذا ما انتفضوا للوغى *** أباحوا رقاب الاعادي الشفارا

بكل كمي تسير النفوس *** على صفحتي سيفه حيث سارا

وذي عزمات يخال الردى *** اذا سعر الحرب كاسا عقارا

فدى لسراة بني غالب *** حمام العدو اذا النقع ثارا

حماة النزيل كرام القبيل *** اذا صوح العام أرضا بوارا

ص: 257

تداعوا صباحا لورد المنون *** فانتثروا في الصعيد انتثارا

بنفسي بحور ندى غيضت *** وكان يمد نداها البحارا

بنفسي بدور هدى غيبت *** ومنها هلال السماء استنارا

بنفسي جسوما بحر الهجير *** ثلاث ليال غدت لا توارى

بنفسي رؤوسا بسمر القنا *** يطاف بهن يمينا يسارا

وطفلا يكابد حر الأوام *** وآخر يلقى المواضي حرارا

وحسرى تصعد أنفاسها *** فتعرب عما أسرت جهارا

ترى قومها جثما في العراء *** فينهمر الدمع منها انهمارا

فيا راكبا ظهر غيداقة *** طوت قطع البيد دارا فدارا

بأخفافها تترامى الحصى *** فتقدح كالزند منها شرارا

أنخها صباحا بجنب البقيع *** وناد حماة المعالي نزارا

بأن دماء بني الوحي قد *** أطلت لدى آل حرب جبارا (1)

وان ابن أحمد منه العدى *** تبل سنانا وتروي غرارا

ونسوته فوق عجف النياق *** تحملهن الاعادي أسارى

يطفن بها فدفدا فدفدا *** ويقطعن فيها ديارا ديارا

تقول وقد خلفت في الثرى *** جسوما لاكفائها لا توارى

ألا أين هاشم أحمى الورى *** ذمارا وأزكى البرايا نجارا

لتنظر ما نال منا العدى *** فتعدو على آل حرب غيارى

وتروي صدى بيضها من دما *** عداها وتطلب بالثار ثارا

ألا يا بني الطهر يا من بهم *** يغاث الانام اذا الدهر جارا

اليكم بني الوحي من ( جعفر ) *** بديعة فكر بكم لا تجارى

تباري النجوم بألفاظها *** وان هي قد أصبحت لا تبارى

وصلى عليكم اله السماء *** ما فلك الكائنات استدارا

ص: 258


1- جبار بالضم الهدر والباطل.

جاء في ( البابليات ) هو أبو موسى جعفر بن معز الدين المهدي ابن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني ، الحلي مولدا ومنشأ ومسكنا. قال عنه معاصره شيخنا الاجل العلامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء « ره » في « الحصون » : ( كان عالما فقيها أصوليا منشئا بليغا رئيسا جليلا مهابا مطاعا لدى أهالي الحلة مسموع الكلمة عند حكامها وأمرائها. ولما هاجر أبوه الى النجف في أواخر حياته استقل هو بأعباء الرئاسة في الحلة وأطرافها ، فكان فيها مرجع الفقراء وموئل الضعفاء تأوي الى داره الالوف من الضيوف من أهل الحضارة والبادية التي مرجعها لواء الحلة لاجل حوائجهم وهو يقضيها لدى الحكام وولاة بغداد غير باخل بجاهه ، وكان ثبت الجنان طلق اللسان يتكلم باللغات الثلاث : العربية والتركية والفارسية ودرس العلوم اللسانية في الحلة وحضر مدة مكثه في النجف على خاله الشيخ مهدي بن الشيخ علي في بحوثه الفقهية وفي الاصول على الشيخ مرتضى الانصاري والملا محمد الايرواني وبعد رجوعه الى الحلة حضر عند والده كما حضر عنده جماعة من فضلاء الحلة. وله من المؤلفات « التلويحات الغروية » في الاصول و « الاشراقات » في المنطق وغيرهما وكان أغلب اشتغاله في حسم الخصومات وقضاء حوائج الناس مما ترك ألسن الخاصة والعامة تلهج بالثناء عليه الى اليوم وكانت الدنيا زاهرة في أيامه وعيون أحبابه قريرة في حياته ) اه.

وقد ذكره خاتمة المحدثين الشيخ النوري في « دار السلام » بعبارات تدل على علو مقامه. وأنبأنا سيدنا الاستاذ الاعظم شقيقه السيد محمد عن عمر أخيه المترجم له يوم وفاته كان خمسا وأربعين سنة فيكون مولده سنة 1253 وهي السنة التي

ص: 259

توفي فيها جده لأمه الشيخ علي بن الشيخ جعفر ومن هنا يظهر لك السهو الذي ورد في ترجمته في « أعيان الشيعة » من كونه « تخرج بخاله الشيخ علي » لان الشيخ علي جد المترجم لا خاله. وولادته سنة وفاة جده ، فكيف يكون تخرج عليه ، والصحيح انه تخرج بخاله الشيخ مهدي بن الشيخ علي كما ذكرنا آنفا ، ومما يؤكد لدينا أن مولده كان في الحلة قوله في فقرات نثرية من رسالة طويلة بعث بها الى خاله وأستاذه المهدي يخبره بوصوله الى الحلة عائدا اليها من زيارة النجف ويصف استقبال الحليين له : « وطلعت علينا هوادي الخيل وجرت الينا أبناء الفيحاء مثل مجرى السيل فأمطنا بتلك الارض نقاب التعب وشققنا بها قميص النصب ثم دخلنا بابل وحللنا تلك المنازل :

بلاد بها حل الشباب تمائمي *** وأول أرض مس جلدي ترابها

أجاب داعي ربه أول المحرم سنة 1298 في الحلة وحمل نعشه على الرؤوس والاعناق الى النجف وما مروا فيه بمكان الا واستقبل مشيعا بالبكاء والعويل ودفن في رأس الساباط مما يلي « التكية » من الصحن الحيدري. وقد حدثنا الوالد رحمه اللّه عما شاهده في النجف يوم ورود جثمانه اليها مما لم يتفق مثله لعظيم مات قبله وخرج الناس لتغسيله في بحيرة النجف في الموضع المعروف ب- ( البركة ) ولما رجعوا به للصلاة عليه في الصحن الحيدري تقدم والده المهدي وأم الناس للصلاة فانصدعت الجماهير أيما انصداع وارتفعت الاصوات بالنحيب من كل جانب فعندها تقدم العالم الرباني الشيخ جعفر الشوشتري وأم الجماعة ليسكن هيجان الناس وصلى أبوه عليه مأموما بصلاة الشيخ والى ذلك أشار الشيخ حمادي نوح في مرثيته له :

ص: 260

لو لا الامام صدوق النسك يقدمنا *** سوى أبيك اماما قط ما اعتبروا

في ( جعفر ) الصادق الهادي اقتدت أمم *** صلت عليك وأملاك السما أمروا

ورغب الشيخ المذكور أن يكون قبره قريبا منه فعمر له قبرا من حجرات الصحن مقابلا له وبينهما الطريق ودفن السيد حيدر الحلي بينهما بعد ست سنوات. وأقيمت له المآتم في كل مكان ورثته شعراء النجف والحلة وغيرهما حتى أن السيد حيدر جمع مراثيه ورتبها وجعل لها مقدمة شجية سماها : « الاحزان في خير انسان » تقع في 95 صحيفة واليك أسماء الشعراء الذين أبدعوا في تأبينه ورثائه « 1 » أخوه السيد ميرزا صالح « 2 » أخوه السيد محمد « 3 » أخوه السيد حسين « 4 » السيد حيدر الحلي « 5 » السيد محمد سعيد الحبوبي « 6 » السيد ابراهيم الطباطبائي « 7 » الشيح حمادي نوح « 8 » الشيخ محسن الخضري « 9 » السيد جعفر الحلي « 10 » الحاج حسن القيم « 11 » السيد عبد المطلب الحلي « 12 » الحسين ابن السيد حيدر « 13 » الشيخ عباس الاعسم « 14 » السيد جعفر زوين « 15 » الشيخ حسين الدجيلي « 16 » الشيخ علي عوض « 17 » الشيخ حسون الحلي « 18 » الشيخ محمد التبريزي « 19 » الشيخ حسن مصبح « 20 » الشيخ درويش الحلي « 21 » الشيخ عباس العذاري « 22 » الشيخ محمد الملا. وربما رثاه بعضهم بقصيدتين أو ثلاث.

حياته العلمية والادبية :

أما حظه من العلم والعرفان فهو البحر الذي لا ينزف وقد

ص: 261

أجيز بالاجتهاد والفتوى من والده ومشاهير علماء عصره وقد اجتمعت في ذاته الكريمة المتناقضات فانه جمع الى عظيم الهيبة والعزة ونظافة البزة وترف العيش ، تواضع جده النبي وزهد والده الوصي وكان مع شغله الدائم بادراة شؤون الاسرة والبلد واهتمامه بكل صغير وكبير من أمور الناس وابتلائه بمخالطة الحكام وأولي الامر وما أودع اللّه له من المحبة في قلوبهم والهيبة في عيونهم لا يفوته ورد من أوراده ولا ذكر من أذكاره ولا نافلة من صلاته وما ظنك بمن أصبح موضع الثقة عند والده بحيث ينوب عنه في صلاته وفي كل ما يتعلق به من مهماته. وأما طول باعه في النظم والنثر فحدث ولا حرج. ولولا خوف الاطالة وخشية الملل لذكرنا نماذج من رسائله التي كاتب بها جماعة من العلماء والادباء كخاليه الشيخ مهدي والشيخ عباس والسيد جعفر الخرسان والسيد نعمان الالوسي وآل جميل وغيرهم وكلها تدل على تضلعه في الحكمة والفلسفة والادب والتاريخ واللغة. وقد أثبت سيدنا الامين في « الاعيان » كثيرا من رسائله وقليلا من مراثيه الحسينية ومقاطيعه الشعرية ، وكتب في صدر رسالة الى خاله العباس بن علي بن جعفر كاشف الغطاء :

الى الخال الذي في وجنة الدهر غدا خال

ومن فاق على الآل بأقوال وأفعال

وبالسيف وعند الصيف صوام وصوال

ويوم المحل للوافد بالعسجد هطال

هو ( العباس ) والبسام ان جاد وان جال

فلا زال وحيدا بين أهل الفضل لا زال

وكتب اليه أخوه العلامة السيد حسين من النجف الى الحلة وقد

ص: 262

بلغه عنه أنه كان مريضا :

بنفسي وقل بها أفتديك *** ( لو أن مولى بعبد فدي )

ويفديك ما منك قد نلته *** جميعا وما ملكته يدي

وجودك علة هذا الوجود *** وجودك بلغة من يجتدي

وشخصك انسان عين الزمان *** ولولاك ضل فلم يهتد

على مضض كم طويت الضلوع *** بليلة ذي العائر الارمد

وما بين جنبي ذات الوقود *** يشب سناها الى الفرقد

فلو أنها أضرمت للخليل *** ونودي - يا نار - لم تبرد

فأجابه سيدنا المترجم :

أبا المرتضى قد غبت عني بساعة *** بها الموت أدنى من جبيني الى نحري

فكم ليلة قد بتها متيقنا *** بأني ألاقي في صبيحتها قبري

أكابد من طول الليالي شدائدا *** كأن الليالي قد خلقن بلا فجر

على حالة لم أدر من كان عائدي *** هناك ولم أشعر بزيد ولا عمرو

وما طلبت نفسي سوى أن أراكم *** وليس سوى ذكراكم مر في فكري

وله :

الطرف بعدك لا ينفك في سهر *** والقلب بعدك لا ينفك في شغل

يعقوب حزنك أبلاه الضنى فعسى *** من رد يوسف لطفا أن يردك لي

وكتب الى أخويه العلامتين محمد والحسين بعد شفائه من مرضه :

أيا أخوي الذين هما *** أعز على النفس من ناظري

عذرتكما حيث لم تحضرا *** ولم يك من غاب كالحاضر

لقد بطشت بي كف السقام *** على غفلة بطشة القادر

ص: 263

فغودرت في لهوان المنون *** ولست بناه ولا آمر

فكم ليلة بتها والضنا *** ضجيعي كليلة ذي العائر (1)

على أن نفسي تشتاقكم *** كشوق الربى للحيا الماطر

تداركني اللّه من لطفه *** فأصبحت في فضله الوافر

وكان - ره - على سرعة خاطره في النظم غير مكثر منه لانه يعد الشعر دون مقامه وليس له من القصائد المطولة سوى ما قاله في أجداده الطاهرين (عليهم السلام). وقد حدثنا جماعة من معاصريه أنه كان يستقبل هلال المحرم من كل عام بقصيدة يؤبن فيها جده الحسين (عليه السلام) وتنشد في المأتم الذي ينعقد في دارهم العامرة طلبا للأجر ومساهمة في تلك الخدمه الكبرى.

أقول وقد جمع الشيخ اليعقوبي رحمه اللّه هذه القصائد في كراسه ونشرها وأسماها ب- ( الجعفريات ) طبعت بمطابع النجف الاشرف سنة 1369 ه- واليك واحدة منها :

سل عن أهيل الحي من وادي النقا *** أمغربا قد يمموا أم مشرقا

يقدح زند الشوق في قلبي اذا *** ذكرت في زرود ما قد سبقا

وفي لهيب لوعتي وعبرتي *** أكاد أن أغرق أو أحترقا

ما أومض البرق بأكناف الحمى *** من أرضهم الا وقلبي خفقا

ولا انبرت ريح الصبا من نحوهم *** الا شممت من شذاها عبقا

من ناشد لي بالركاب مهجة *** قد تبعت يوم الرحيل الانيقا

عهدتها أسيرة بحبهم *** فمن لها يوم المسير أطلقا

يا أيها الغادون مني لكم *** شوق أذاب الجسم مني أرقا

ص: 264


1- العائر : الذي في عينه قذى.

أبقيتم مضنى لكم لا يرتجى *** له الشفا ولا تسليه الرقى (1)

لو يحمد الدمع على غير بني أحمد *** منه الدمع حزنا لا رقا (2)

القاتلين المحل ان تتابعت *** شهب السنين جمعا وفرقا

والقائدين الجيش يملأ الفضا *** رعبا وسكان البسيط رهقا

والباذلين في الاله أنفسا *** لاجلها ما في الوجود خلقا

انسان عيني في بحار أدمعي *** لما جرى يوم الطفوف غرقا

وبحر أحزاني مديد وافر *** لو مد منه البحر ما تدفقا

اذا ذكرت كرب يوم كربلا *** تكاد نفسي حزنا أن تزهقا

جل فهان كل رزء بعده *** يأتي وأنسى كل رزء سبقا

وعصبة من شيبة الحمد لها *** حرب رمت حربا يشيب المفرقا

قادت لها الجيش اللّهام عندما *** جاش قديم كفرها واتفقا

وقامت الحرب تحييها على *** ساق لما منها رأت في الملتقى

فاستقبلت فرسانها باسمة *** الثغر بعزم ثابت عند اللقا

واستنهضت قواطعا كم قطعت *** رأس رئيس وأبانت مرفقا

ما أغسقت ظلمة ليل نقعها *** الا جلا فجر سناها الغسقا (3)

فأحرقت شهب ظباها كل شيطا *** ن وغى للسمع منها استرقا

كم مفرد لا ينثني حتى يرى *** صحيح جمع القوم قد تفرقا

لله يومهم وقد أبكى السما *** له دما طرز فيه الافقا

ما سئموا ورد الردى ولا اتقوا *** بأس العدا ولا تولوا فرقا (4)

حتى تفانوا والأسى في مصرع *** فيه التقى الدين الحنيف والتقى (5)

ص: 265


1- الرقى : جمع رقية العوذة.
2- رقأ الدمع جف. وسكن.
3- الغسق : ظلمة أول الليل.
4- فرق : الفزع والخوف.
5- الاسى جمع أسوة القدوة وتأسوا آسى بعضهم بعضا.

غص بهم فم الردى من بعد ما *** كان بهم وجه الزمان مشرقا

فكم خليل من بني أحمد ألقاه *** بنار الحرب نمرود الشقا

وكم ذبيح من بني فاطمة *** يرى الفنا في ربه عين البقا

وكم كليم قد تجلت للورى *** أنواره مذ خر يهوى صعقا

يا خائضا أمواج تيار الفلا *** كأنه البرق اذا تألقا

من فوق مفتول الذراع سابح *** قد عز شان شأوه أن يلحقا

يكاد أن يخرج من اهابه *** اذا تولى مغربا أو مشرقا

لوكان لا يهوى الانيس في السرى *** رأيته لظله قد سبقا

وطائر الخيال لو رام بأن *** يجري على منواله لحلقا

عج بالبقيع ناعيا لأهله *** مهابط الوحي وأعلام التقى

قل يا بني فهر الألى سيوفهم *** أوهت قوى الضلال حين استوسقا

والمرغمين يوم بدر بالظبى *** معاطس الشرك وآناف الشقا

والفاتحين يوم فتح مكة *** بقضبهم للدين بابا مغلقا

حي على الحرب فقد القحها *** بالطف أبناء العتاة الطلقا (1)

عادت بها هدرا دماؤكم لدى *** رجس عن الدين القويم مرقا

ورأس سبط أحمد يهدى لمن *** يوما بشرع أحمد ما صدقا

والطاهرات من بنات فاطم *** لم تبق منها النائبات رمقا

لا عذب الماء الفرات لامرئ *** على ولا آل النبي خلقا

ولا سقى الرحمن صوب عفوه *** من منه أبناء النبي ما سقى

وآعجبا يقضي الحسين ظاميا *** وماؤه القراح ما ترنقا

ص: 266


1- يشير الى قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم الفتح لاهل مكة اذهبوا فأنتم الطلقاء وكان منهم أبو سفيان وابنه معاوية.

وللسماء كيف لم تهو على الغبر *** ا وقد هوى الحسين صعقا

والارض ما ساخت بأهليها وقد *** ثوى عليها عاري الجسم لقى

يا لك من رزء به قلب الهدى *** شجوا بنيران الهموم احترقا

وفادح أبكى السموات العلى *** دما به جيد الاثير طوقا

عسى يديل اللّه من أمية *** يوما لقاؤه يشيب المفرقا

بحيث لم تلف لها من ملجأ *** ينجي ولا في الارض تلقى نفقا

ص: 267

الشيخ صادق أطيمش

المتوفى 1298

قال يرثي الحسين (عليه السلام) :

أرق بالطف وكف الدمع سكبا *** فقد أمسى به الاسلام نهبا

غداة أقامت الهيجاء حرب *** وآل أمية بالطف حربا

رمت حزب الاله به وقادت *** عليهم من بني الطلقاء حزبا

سطت فسطا أبو الاشبال فردا *** وأوسعهم بها طعنا وضربا

الى أن خر في البيدا صريعا *** وأظلم يومه شرقا وغربا

ألا أبلغ سراة المجد كعبا *** وعدنان الاولى ولوي عتبا

أتعلم بابن فاطمة ذبيحا *** سقته من نجيع النحر شربا

وهل تدري كرائمه أسارى *** تجوب بهن صعب العيس سهبا

وأن ستورها عنها أميطت *** وقد هتك العداة لهن حجبا

* * *

الشيخ صادق بن الشيخ احمد أحد أعلام الفضل ورجال الادب ، وهو أشهر رجال هذه الاسرة وأول من اشتهر منها بالعلم هاجر الى النجف على عهد والده فاشتغل بطلب العلم ودرس على علماء عصره فأصبح أحد أعلام النجف علما وفضلا وأدبا ثم كر راجعا الى بلاده بعد أن حاز رتبة الاجتهاد ونزل في الارض العائدة الى جده فأخذ بمجامع القلوب وأقبلت عليه الوجوه

ص: 268

والاعيان من تلك الانحاء فصار من المراجع في القضاء والفتيا وكان شهما هماما سخيا كريما مرجعا لامراء المنتفك يرجعون اليه ويأخذون برأيه ، جلب قلوب الناس بتقواه وسماحته وكرم أخلاقه ولما امتاز به من أمهات الغرائز علا شأنه وارتفع ذكره فقصده أهل الفضل من ذوي الحاجات والمعوزين قال معالي الشبيبي عنه : كان فقيها كبيرا وأديبا ضليعا وصارت اليه الرئاسة والامامة في تلك الديار ( ديار المنتفك ) وله بها ضياع ومزارع معروفة الى اليوم وهو جد الشبيبي الكبير لأمه وهو الذي قام بتربيته وكان كثير الرعاية له والعناية به حريصا على تربيته وتهذيبه.

وكان شاعرا مجيدا شعره سلس اللفظ فخم المعنى خفيف على السمع.

توفي سنة 1299 في الغراف ونقل الى النجف ودفن فيها وخلف عدة أولاد أكبرهم وأشهرهم الشيخ باقر وهو ممن هاجر الى النجف واشتغل بتحصيل العلم حتى صار من أهل الفضل وكان والد المترجم له الشيخ احمد هو أول من هاجر الى النجف وغرس بذرة العلم في هذه الاسرة على عهد الشيخ الكبير صاحب كشف الغطاء وكان من أهل العلم.

أقول ومقبرته المدفون بها تقع في محلة البراق احدى محال النجف ، ورأيت في كتب النسب سلسلة نسبه فهو صادق بن محمد ابن احمد بن اطيمش الربعي نسبة الى ربيعة القبيلة العربية الشهيرة في التاريخ ورأيت في بعض المخطوطات مراسلات ومكاتبات كثيرة وله مراث في الائمة الطاهرين علیهم السلام كما روى السماوي في ( الطليعة ) ذلك.

ص: 269

ناصر بن نصر اللّه

المتوفى 1299

أرقنى رزء لآل المصطفى *** حتى لذيذ الغمض مقلتى جفا

رزء الحسين السبط سبط احمد *** خير بني حوا علا وشرفا

له أنسه يجوب كل فدفد *** يشق منه صفصفا فصفصفا

وأبأبي معفرا على الثرى *** ورأسه في الرمح يتلو المصحفا

أفلاكها تعطلت لفقده *** أملاكها تبكي عليه أسفا

أندية العلم ألا فاندرسي *** عميدها مربعة لقد عفا

العالم الشيخ ناصر بن احمد بن نصر اللّه أبو السعود القطيفي ، له شعر كثير في مراثي الامام الحسين (عليه السلام) وله منظومة في الاصول الخمسة. وآل نصر اللّه وآل أبي السعود قبيلتان عريقتان في النسب لهم الزعامة ولمع منهم أدباء وشعراء وصلحاء ومنهم المترجم له ، قال في ( أنوار البدرين ) : هو من المعاصرين وقد قرأ علي كثيرا من شعره توفي سنة 1299 وتاريخ وفاته ( تبكي المدارس فقد ناصرها ).

وللمترجم له ولد اسمه الشيخ عبداللّه بن الشيخ ناصر ، ذكره صاحب انوار البدرين بعد ترجمة أبيه فقال : وله ولد صالح فاضل عالم اسمه الشيخ عبد اللّه سلمه اللّه له شعر كثير في الرثاء على سيد الشهداء وله منظومة في صاحب العصر والزمان وله قصيدتان في رثاء شيخنا العلامة الصالح الرباني وكان ممن قرأ عليه وحضر لديه. انتهى.

ص: 270

السيد مهدي القزويني

اشارة

المتوفى 1300

حرام لعيني أن يجف لها قطر *** وان طالت الايام واتصل العمر

وما لعيون لا تجود دموعها *** همولا وقلب لا يذوب جوى عذر

على أن طول الوجد لم يبق عبرة *** وان مدها من كل جارحة بحر

كذا فليجل الخطب وليفدح الاسى *** ويصبح كالخنساء من قلبه صخر

لفقد امام طبق الكون رزؤه *** وناحت عليه الشمس والانجم الزهر

وماجت له السبع الطباق ودكدكت *** له الشامخات الشم وانخسف البدر

ورجت له الارضون حزنا وزلزلت *** وضجت على الافلاك املاكها الغر

وقد لبست أكناف مكة والصفا *** عليه ثياب الحزن وانهتك الستر

يصول عليهم صولة حيدرية *** متى كر في أوساط دارتهم فروا

بغلب رقاب من لوي تدفعوا *** الى الموت لا يلوي لديهم اذا كروا

أطل عليهم والمنايا شواخص *** وعين الردى فيها نواظرها شزر

وما الموت الا طوع كف يمينه *** له وعليه ان سطا النهي والامر

الى أن ثوى تحت العجاج تلفه *** برود تقي من تحتها الحمد والشكر

فتى كان للاجي مغيثا ومنعة *** وغيثا لراجيه اذا مسه الضر

فتى رضت الجرد المضامير صدره *** فأكرم به صدرا له في العلى الصدر

* * *

ص: 271

أبو جعفر معز الدين محمد بن الحسن المدعو بالسيد مهدي الحسيني الشهر بالقزويني من أشهر مراجع الامامية وزعمائها العظام الذين نهضوا بزعامة التقليد والمرجعية العامة في أواخر القرن الثالث عشر بعد وفاة شيخ الطائفة الشيخ مرتضى الانصاري - ره -. وانما قدمنا ذكر ولده السيد ميرزا جعفر على ذكره لانه سبق أباه في الوفاة بعامين.

جاء في ( البابليات ) : ولد المترجم - ره - سنة 1222 ه- في النجف الاشرف وبها حصل ما حصل من العلوم العقلية والنقلية وقد أخذ عن فطاحل أساتذة عصره فمنهم العلامة الفقيه الشيخ موسى وأخوه الشيخ علي والشيخ حسن أنجال الاستاذ الاكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وعمه السيد باقر والسيد علي والسيد تقي آل القزويني ، ونال مرتبة الاجتهاد بشهادات واجازات ممن ذكرناهم وهو ابن 18 سنة.

وقال سيدنا الحجة المؤتمن أبو محمد الحسن بن الهادي آل صدر الدين الكاظمي في تكملة أمل الامل - فلما بلغ المترجم تسع عشرة سنة أجازه العلامة السيد محمد تقي القزويني تلميذ السيد محمد المجاهد الطباطبائي وكتب له اجازة مبسوطة رأيتها مجلدة تاريخها 18 محرم سنة 1241 وقد أثنى عليه ثناء حسنا. 1 ه.

وابتدأ من ذلك العهد بالتصنيف ولم يزل حتى بعد كبر سنه وشيخوخته مكبا على البحث والتدريس والمذاكرة والتأليف وهو مع ذلك في جميع حالاته محافظ على أوراده وعباداته في لياليه وخلواته مدئبا نفسه في مرضاة ربه وما يقر به الى الفوز بجواره

ص: 272

وقربه لا يفتر عن اجابة المؤمنين في دعواتهم وقضاء حقوقهم وحاجاتهم وفصل خصوماتهم في منازعاتهم حتى انه في حال اشتغاله في التأليف ليوفي الجليس حقه والسائل مسألته والطالب دعوته ويسمع من المتخاصمين ويقضي بينهم بعد الوقوف على كلام الطرفين فما أولاه بما قال فيه الكواز الكبير من قصيدة :

يحدث أصحابا ويقضي خصومة

ويرسم منثور العلوم الغرائب (1)

وهاجر الى الحلة حوالي سنة 1253 وقد تجاوز عمره الثلاثين وبقي الى أواخر العقد التاسع من القرن المذكور فأخذت قوافل الزائرين من مقلديه من ايران وغيرها تتردد الى الحلة لزيارته - بعد اداء مراسيم زيارة العتبات المقدسة - حتى تغص فيهم الدور والمساكن ، الامر الذي اضطره الى القفول الى النجف والاقامة فيها وأولاده في خدمته عدا السيد ميرزا جعفر فانه بقي في الحلة ليقوم مقام ابيه في المهمات والمراجعات حتى توفي بها في حياة والده.

وقد تعرض لذكر سيدنا المترجم العلامة الجليل الشيخ ميرزا حسين النوري في « دار السلام » و « جنة المأوى » و « النجم الثاقب » و « الكلمة الطيبة » و « المستدرك ». ونقل نص ما قاله عنه صاحب كتاب « المآثر والآثار » - بالفارسية - بعنوان « الحاج سيد محمد مهدي القزويني الاصل الحلي المسكن ». نقل المحدث القمي الشيخ عباس في « الكنى والالقاب » عن شيخه النوري ما نصه :

ص: 273


1- عن رسالة السيد حسين القزويني في أحوال السيد المترجم له.

السيد الاجل السيد مهدي القزويني الحلي ذكره شيخنا صاحب المستدرك في مشايخ اجازته بالتعظيم والتجليل بعبارات رائقة ثم قال : وهو من العصابة الذين فازوا بلقاء من الى لقائه تمد الاعناق صلوات اللّه عليه ، ثلاث مرات وشاهد الآيات البينات والمعجزات الباهرات ثم ذكر انه ورث العلم والعمل عن عمه الاجل الاكمل السيد باقر صاحب سر خاله بحر العلوم وكان عمه أدبه ورباه وأطلعه على أسراره وذكر انه لما هاجر الى الحلة صار ببركة دعوته من داخل الحلة وأطرافها من طوائف الاعراب قريبا من مائة الف نفس اماميا مواليا لاوليا اللّه ثم ذكر كمالاته النفسية ومجاهداته وتصانيفه في الدين وغير ذلك قال : وكنت معه في طريق الحج ذهابا وايابا وصلينا معه في مسجد « الغدير » و « الجحفة » وتوفي - ره - في 12 ع 1 سنة 1300 قبل الوصول الى السماوة بخمسة فراسخ تقريبا وظهر منه حينئذ كرامة باهرة بمحضر جماعة من الموافق والمخالف. انتهى ملخصا. وقال المؤرخ السيد حسون البراقي في آخر كتاب « الدرة الغروية » عند ذكر وفيات جماعة من علماء عصره : ومنهم السيد الهمام والحبر القمقام صاحب العلوم العجيبة والتصانيف الغريبة السيد مهدي القزويني فانه توفي عند رجوعه من بيت اللّه الحرام على بعد فرسخين من السماوة في طريق « السلمان » وجاءوا به عصر يوم الاحد ال- 25 من ربيع الاول وكانت وفاته عصر الثلاثاء ال- 13 من الشهر المذكور من سنة 1300 ودفن قرب عمه السيد باقر القزويني.

رثاه السيد حيدر الحلي بقصيدته الرنانة التي استهلها بقوله :

أرى الارض قد مارت لامر يهولها *** فهل طرق الدنيا فناء يزيلها

ص: 274

ومنهم العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي بقصيدته العصماء التي مطلعها :

سرى وحداء الركب حمد أياديه *** وآب ولا حاد لهم غير ناعيه

آثاره ومؤلفاته :

المترجم له تصانيف جمة في الفقه وأصوله والرياضيات والطبيعيات والتفسير وغير ذلك ما بين كتب ورسائل ، فمنها في الفقه ، بصائر المجتهدين في شرح تبصرة المتعلمين للعلامة الحلي وهو كتاب شافي وافي مبسوط في الاستدلال كثير الفروع غزير الاحاطة لا سيما في المعاملات استوفى فيه تمام الفقه في ضمن خمسة عشر مجلدا من أول الطهارة الى آخر الديات عدا الحج. ومختصر هذا الكتاب : وقد اختصره في ضمن ثلاث مجلدات وهو على اختصاره كثير النفع لا يكاد يشذ عنه فرع مع الاشارة الى الدليل ، مواهب الافهام في شرح شرايع الاسلام : في سبع مجلدات وهو كتاب في الاستدلال مبسوط لا يكاد يشذ عنه فرع مع الاشارة الى الدليل ، مواهب الافهام في شرح شرايع الاسلام : في سبع مجلدات وهو كتاب في الاستدلال مبسوط لا يكاد يوجد في كتب المتأخرين أبسط منه جمع فيه بين طريقة الاستدلال والتفريع وما يقتضي له التعرض من أحوال رجال الحديث. نفائس الاحكام برز منه أكثر العبادات والمعاملات وهو حسن التأليف واسع الدائرة لا ينفك عن الاشارة الى أدلة الاحكام مع ما اشتملت عليه مقدمته من المسائل الاصولية ، واليه يشير السيد حيدر الحلي في احدى قصائده :

له « نفائس » علم كلها درر *** والبحر يبرز عنه أنفس الدرر

لو أصبحت علماء الارض واردة *** منه لما رغبت عنه الى الصدر

القواعد الكلية الفقهية : حسن الترتيب جاعلا للقواعد كلا

ص: 275

في بابه للسهولة على طلابه ، فلك النجاة في أحكام الهداة : وافية بتمام العبادات ، وسيلة المقلدين الى احكام الدين برز منها كتاب الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف حسنة الاختصار ، رسالة في المواريث بتمام أحكامه جيدة التفريع ، رسالة في الرضاع وتسمى اللمعات البغدادية في الاحكام الرضاعية ، رسالة تشتمل على بيان أحوال الانسان في عوالمه وما يكون فيه سببا في تكليف غيره من الاحكام الشرعية الفقهية وهي آخر تأليفاته وتصنيفاته وعليها جف قلمه الشريف كتبها في مكة المشرفة ، منسك في أحكام الحج كبير ، منظومة في الفقه برز منها تمام العبادات ، شرح اللمعة الدمشقية برز منه أكثر العبادات على اختصار ولم يتمه.

وأما كتبه الاصولية فمنها : الفرائد : برز منه من أول الاصول الى آخر النواهي خمس مجلدات ضخام مبسوطة جدا على طريقة المتأخرين ، الودائع : واف بتمام المسائل الاصولية سلك فيها مسلك القدماء في التأليف ، المهذب : جمع في كلمات التوحيد الآغا البهبهاني مرتبا لها من أول علم الاصول الى آخر التعادل والتراجيح مع تهذيب منه وتنقيح واختيارات وزيادات ، الموارد : هو متن حسن الاختصار تام ، شرح قوانين الميرزا القمي برز منه جملة من الادلة العقلية وبعض التعريف واشتمل على فوائد جليلة ، رسالة في حجية خبر الواحد ، منظومة وافية بتمام علم الاصول حسنة السبك جيدة النظم سماها السبائك المذهبة ، رسالة في آيات الاصول مبتكرة في بابها فيها كل آيه يمكن ان يستدل بها على مطلب أصولي من أول المبادئ اللغوية الى آخر التعادل والتراجيح والكثير منها لم يذكره الاصوليون بكتبهم ، رسالة في شرح الحديث المشهور بحديث ابن طاب المروي

ص: 276

عن الامام الصادق (عليه السلام) وقد أشار الى هذا الحديث السيد بحر العلوم في منظومته حيث يقول :

ومشي خير الخلق بابن طاب *** يفتح منه أكثر الابواب

وحيث أن الكثرة في لسان الشرع تحمل على الثمانين استنبط منه - ره - ثمانين بابا أربعين في الاصول وأربعين في الفقه.

وله كتب ورسائل في علوم متفرقة منها : مضامير الامتحان في علم الكلام والميزان برز منه علم الميزان وتمام الامور العامة وأكثر الجواهر والاعراض ، آيات المتوسمين في أصول الدين في ضمن مجلدين ، قلائد الخرائد في أصول العقائد (1) ، القلائد الحلية في العقائد الدينية ، رسالة في أبطال الكلام النفسي.

وله في التفسير : رسالة في تفسير الفاتحة ، تفسير سورة القدر ، تفسير سورة الاخلاص ، رسالة في شرح الحديث المشهور : حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ، رسالة في شرح كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) من خطبة من نهج البلاغة وهو قوله (عليه السلام) : لم تحط بها الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع عنها واليها حاكمها (2) ، مشارق الانوار في حل مشكلات الاخبار ، شرح جملة من الاحاديث المشكلة كحديث : من عرف نفسه فقد عرف ربه ، وغيره وليته أتمه ، الصوارم الماضية في تحقيق الفرقة الناجية واليه يشير السيد حيدر الحلي في قصيدة يمدحه فيها :

فاستلها صوارما فواعلا *** فعل السيوف ثكلت أغمادها

رسالة في أجوبة المسائل البحرانية ، رسالة في أسماء قبائل

ص: 277


1- أقول طبع أخيرا في مطابع بغداد بتحقيق السيد جودت القزويني.
2- طبعت بعنوان « النور المتجلي في شرح كلام أمير المؤمنين علي » بتحقيق السيد جودت القزويني.

العرب مرتبة على الحروف الهجائية ، كتاب الاقفال وهو متن في علم النحو في غاية الاختصار. قال ولده العلامة السيد حسين فيما كتبه عنه من ترجمة حياته وبيان مؤلفاته : - هذا ما وقفنا عليه من تصانيفه الموجودة المحفوظة واما ما لم نقف عليه مما عرض له التلف لكونه تداولته أيدي المشتغلين للمطالعة والمراجعة فمن ذلك الفوائد الغروية في المسائل الاصولية. وكتاب معارج النفس الى محل القدس في الاخلاق والطريقة. ومنظومة تسمى مسارب الارواح في علم الحكمة ، وكتاب معارج الصعود في علم الطريقة والسلوك ، وكتاب مختصر للامور العامة والجواهر والاعراض في علم الكلام. وشرح منظومة تجريد العقائد. وكتاب قوانين الحساب ، في علم الحساب. ومنها شرح ألفية ابن مالك في النحو. ومنها كتاب المفاتيح في شرح الاقفال في النحو ايضا وحاشية على المطول للتفتازاني. وحاشية على شرح التفتازاني في الصرف وجميعها لم تقف منها على رسم ولا سمعنا منها سوى الاسم تلف جلها بسبب تفرق أوراقها عند المشتغلين واضمحلالهم في الطاعون. 1 ه.

وقد كتب العلامة الحجة السيد حسين القزويني المتوفى 1325 ترجمة لوالده سيدنا المترجم له في رسالة خاصة تتضمن مراحل حياته أطلعني عليها الشاب البحاثة السيد جودت السيد كاظم القزويني. وقد رأيت له جملة قصائد في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) منها قصيدة مطلعها :

أهاشم لا للبيض أنت ولا السمر *** ولا أنت للقود الهجان ولا المهر

وأخرى أولها :

مصاب يعيد الحزن غضا كما بدا *** قضى أن يكون النوح للناس سرمدا

وما أنتجت أم الرزايا بفادح *** بمثل الذي في كربلا قد تولدا

ص: 278

الشيخ لطف اللّه الحكيم

اشارة

المتوفى 1300

لطف اللّه بن يحيى بن عبداللّه بن راشد بن علي بن عبد علي ابن محمد الحكيم الخطي. كان فاضلا تقيا ورعا له أياد بيضاء أوجبت محبته في القلوب ، له مراث كثيرة في أهل البيت ، فمن شعره هذه المرثية :

ألغير كاظمة يروق تغزلي *** حيا الحيا ساحاته من منزل

واذا كلفت به وغصن شبيبتي *** غض وصبغة صبوتي لم تنصل

وظباه كن أوانسا لي تبتغي *** وصلا فتعمل حيلة المتوصل

حتى انجلى ليل الشباب وبان ص- *** -بح الشيب فوق مفارقي كالمشعل

فنسيت بعدهم العقيق ولعلعا *** والمنحنى وربيع دارة جلجل

وجذبت من يد صاحبي كفي على *** ( سقط اللوى بين الذحول فحومل )

وطلبت من كرم الكريم وسيلة *** لرضاه في حالي وفي مستقبلي

حتى اهتديت لخير كل وسيلة *** باب النجاة ونجحة المتوسل

المصطفى والمرتضى وبنوهما *** الابرار خير مكبر ومهلل

أهل النبوة والامامة والكرامة *** والشهادة والمقام الاكمل

وسمعت واعية الطفوف وما جرى *** فيها من الرزء العظيم المهول

أبكي الحسين وآله في كربلا *** قتلوا على ظمأ دوين المنهل

ماتو وما بلوا حرارات الحشا *** الا بطعنة ذابل أو منصل

يا كربلا ما أنت الا كربة *** ذكراك أحزنني وساق الكرب لي

ص: 279

مذ أقبل الجيش اللّهام كأنه *** قطع الغمام وجنح ليل أليل

بأبي وبي أنصاره من حوله *** كالشهب تزهو في ظلام القسطل

أفديه وهو مخاطب أنصاره *** يدعوهم بلطيف ذاك المقول

يا قوم من يرد السلامة فليجد *** السير قبل الصبح وليترحل

فالكل قال له على الدنيا العفا *** والعيش بعدك يا ربيع الممحل

أنفر عنك مخافة الموت الذي *** لا بد منه لمسرع أو ممهل

واللّه طعم الموت دونك عندنا *** حلو كطعم السلسبيل السلسل

فجزاهم خيرا وقال ألا انهضوا *** هيا سراعا للرحيل الاول

فتوطئوا الجرد العتاق وجردوا *** البيض الرقاق بسمر خط ذبل

من كل صوام النهار وقائم *** جنح الظلام يزينه النسب العلى

من فوق كل أمون عثرات الخطى *** صافي الطلاء مطهم ومحجل

ما زال صدر الدست صدر الر *** تبة العليا صدر الجيش صدر المحفل

يتطاولون كأنهم أسد على *** حمر فتنفر كالنعام الجفل

ومضوا على اسم اللّه بين مكبر *** ومسبح ومقدس ومهلل

يتسابقون الى المنون تسابق اله- *** -يم العطاش الى ورود المنهل

حتى قضوا فرض الجهاد وصرعوا *** فوق الوهاد كشهب أفق أفل

صلى الاله عليهم وسلامه *** وسقى ثراهم صوب كل مجلجل

ايضاح

سبق وان ترجمنا في الجزء الخامس للشيخ لطف اللّه بن محمد بن عبد المهدي بن لطف اللّه بن علي البحراني الجد حفصي ونسبنا القصيدة المذكورة له ، ثم ترجمنا في الجزء الخامس ايضا لحفيده : الشيخ لطف اللّه بن علي بن لطف اللّه ، والان يأتي دور سميهما والمتأخر عنهما في الزمن.

ص: 280

الشيخ علي الناصر

المتوفى 1300

هو الشيخ علي بن ناصر بن حسن بن صالح بن فليح بن حسن بن الحاج كنيهر السلومي المتولد في كربلاء سنة 1250 ه- والمتوفى بها سنة 1300 ه- درس مبادئ العلوم العربية وولع بالشعر ، ترجم له صاحب الاعيان وذكره العلامة السماوي في منظومته المسماة ب- ( مجالي اللطف بأرض الطف ) فقال :

وكالفتى علي بن الناصر *** والشاعر الساكن أرض الحائر

فكم له في السبط من قصيدة *** منوطة بفضله فريده

وذكره البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في ( الذريعة ) بقوله : وديوان الاعور الحائري هو الشيخ علي بن ناصر الشهير بالاعور المتوفى حدود 1300 يقرب من ألفي بيت في مواضيع شتى ، مدح السيد احمد الرشتى ورثاه بجملة قصائد أشار الى بعضها صديقنا الاديب سلمان الطعمة ، وذكر له قصيدة عن شهداء كربلاء وموقفهم يوم العاشر من المحرم أولها :

وكم من أبي من سراة محمد *** أسيرا سرى من فوق أعجف عاريا

ص: 281

الشيخ محسن الخضري

المتوفى 1302

من شعره في الحسين (عليه السلام) :

ملكتم بني سفيان في الارض أشهرا *** فأبكيتم عين الفواطم أعصرا

أفخرا على قوم أبوه استرقكم *** لدى الروع اذ كنتم اذل وأحقرا

فأطلق عفوا والطليق أبوكم *** فأهون به اذ ذاك عبدا تحررا

تعدون أقصى الفخر فخر أبيكم *** فهلا عددتم يوم صفين مفخرا

وهلا استطالت يوم بدر رماحكم *** قصرن ويوم الفتح قد كن أقصرا

فيا لشهيد مثلت فيه هندكم *** فجاءت بمالا تعرف الناس منكرا

بغيض رسول اللّه اذ هي نظمت *** قلادتها أنفا وشنفا وبنصرا (1)

وما مر في الايام أغيظ موقف *** كموقفه اذ ساءه ذاك منظرا

سننتم بني صخر بن حرب قطيعة *** لها كاد صم الصخر أن يتفطرا

فما كان منكم عتبة ووليده *** كحمزتهم لا في قراع ولا قرى

لان شمخت بالطف عوج انوفكم *** فبا لجدع قد كانت أحق وأجدرا

فقل لابن هند حين ثوب شامتا *** بأهليه ان كانوا أعق وأكفرا

أفخرا بيوم الطف اذ هم عصابة *** حشدتم عليها ما خلا الجن عسكرا

ص: 282


1- الشنف : ما يعلق في الاذن. والبنصر ، بكسر الباء والصاد : الاصبع بين الوسطى والخنصر. يشير الى تمثيل هند بنت عتبة بجسد الحمزة عم النبي

سلوا ذلك الجيش اللّهام تشله *** ميامين يتلونا الكتاب المطهرا (1)

يشلونه ضربا وطعنا وصرخة *** تذكرهم في يوم صفين حيدرا

فما نازلوهم في الكفاح وانما *** يسيلون جري السيل عدوا اذا جرى

فمنها الذي جلى على ( ابن حوية ) *** بزبرته عن ساعديه مشمرا (2)

فما كلت الهيجاء الا أعادها *** أغر اذا ما استقبل الجيش غبرا

اذا اقتحم الصف المقدم لفه *** بآخر من خلف الصفوف تأخرا

ويطعن وخزا في الصدور بأسمر *** من الخط يمحو للكتيبة أسطرا

وصاح بهم والموت أهون صيحة *** فخيل مليك الرعد في الجوز مجرا

وخاض غمار العلقمي جواده *** يهلل تصهالا وجبريل كبرا

فروى وما أروى غليل فؤاده *** فهل كان طعم الماء في فيه ممقرا

وجاء بها مملوءة يستلذها *** ويطوي حشى من مائها لن تقطرا

* * *

أبا الفضل قبل الفضل أنت وبعده *** اليك تسامى الفضل عزا ومفخرا

فواسيت طعانا أباك وصابرا *** أخاك ومقطوع الذراعين جعفرا

وزدت عليه اليوم فرقا يشقه *** عمود حديد ظل يرديك للثرى

فلا قام للهيجاء سوق حفيظة *** تباع بها نفس الكريم وتشترى

* * *

الشيخ محسن الخضري هو ابن الشيخ محمد الخضري المولود سنة 1245 والمتوفى سنة 1302 ه- ينتهي نسبه الى مالك الاشتر والجناجي الاصل ، النجفي المولد والمنشأ والمسكن والمدفن. عالما فاضلا كاملا أديبا لبيبا سريع البديهة في نظم الشعر ، درس

ص: 283


1- تشله : تطرده.
2- ابن حوية أحد القواد عند ابن زياد والموكل اليه أمر شريعة الماء.

على الشيخ مهدي كاشف الغطاء وعلى الشيخ مرتضى الانصاري والسيد الشيرازي والسيد ميرزا محمد حسن. كتب عنه الدكتور مهدي البصير وانه نظم الشعر وهو ابن اثني عشر عاما ، ومن هنا يتبين انه رجل كلام وفقه علاوة على انه رجل أدب ، وهذا ديوانه المطبوع بجهود ابن أخيه الاستاذ الشيخ عبد الغني الخضري يجمع الغزل والوصف والرثاء والمديح وغيرها وفيه قصائد عامرة في أهل البيت علیهم السلام ، وخصوصا في يوم الحسين سبط رسول اللّه وجهاده بكربلاء ، فواحدة يقول في أولها :

على المازمين حبست الركابا *** مذيلا من العين قلبا مذابا

وما أنا ممن شجته الديار *** اذا الذاريات كستها الثيابا

بلى ذللت أدمعي نكبة *** بها اشتعل الرأس شيبا فشابا

غداة طغى في عراص الطفوف *** دم أوجس الكون منه انقلابا

دم حرمت سفكه الصابئون *** ولكن أباحته حرب الحرابا

بيوم تألبت الصافنات *** تقل الى الروع أسدا غضابا

اذا انبعثت يسبكر القتام *** فتنسج للشمس منها نقابا (1)

وفي أخرى أولها :

آلت تهامة أن تجوس خلالها *** فحمت عليك سهولها وجبالها

ويأتي الى شهداء الطف فيقول :

متربصين تلاع كل ثنية *** كالأسد ترصد في الشرى أشبالها

متسربلين على الحديد بأنفس *** أوحى لها الرحمن ما أوحى لها

زهر كأمثال الكواكب في الوغى *** مستنهضين زهيرها وهلالها

ص: 284


1- يسبكر : يطول ويمتد.

الشيخ علي سبيتي

المتوفى 1303

قال يذكر أبا الفضل العباس بن علي علیهماالسلام :

ضمائر فيها البين والهم نافث *** تهيجها للحادثات حوادث

وقائع في أثنا وقائع لا يعي *** لها غابر حتى يوافيه حادث

وأعظمها وقعا لذي اللب في الحشى *** اذا ضاع موروث وأعوز وارث

سأرمي بها دوا يضح فجاجه *** ولم يمش فيه للسحاب نوافث

اليك أبا الفضل الرضا زمت العلا *** حدائجها والامر للامر كارث

أأنساك يوم الطف والخيل تدعي *** فينحط عريد ويرعد لاهث

صليت لظاها دونك الشوس تدعي *** بأيامها والخطب للخطب عائث

ويوم دعتك الهاشميات والحشى *** تلاعب فيه نافخ الحر عابث

ونادى مناديها هل اليوم فارس *** عصته العوالي والسيوف النوافث

وكل جسور يولد الموت صوته *** اذا صاح لبته المنايا الغوارث

فأخمدت من هيجائها كل مرجل *** يقر لك الجمعان انك حارث

ورثت من القوم الذين وصاتهم *** اذا أمحل العامان غوث وغائث

ترى حلمهم تحت الظبا غير طائش *** وخطوهم بين القنا متماكث

* * *

الشيخ علي السبيتي هو ابن الشيخ محمد بن احمد بن ابراهيم ابن علي بن يوسف العاملي الكفراوي. والكفراوي نسبة الى كفري بفتح الكاف وسكون الفاء بعدها راء مهملة مقصورة - من قرى جبل عامل وعمل صور.

ص: 285

ولد في كفرى في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 1236 وتوفي بها ليلة الجمعة مستهل رجب سنة 1303 ، عالم فاضل ثقة ثبت صالح زاهد ، نحوي بياني لغوي ، شاعر كاتب مؤرخ ، مصارح بالحق غير مداهن. قال السيد الامين في الاعيان ج 42 / 19 رأيناه فشاهدنا فيه الزهد والتقوى والصلاح والمجاهرة بالحق وكان حسن النادرة ظريف المعاشرة ، قرأ على علماء جبل عامل وكان مشهورا بعلم اللغة والبيان والنحو والتاريخ. ذكره صاحب جواهر الحكم فقال :

كان شيخا ورعا تقيا بارا صدوقا يحب الخير ويفعله الى آخر ما قال. له من المؤلفات ( الجوهر المجرد في شرح قصيدة علي بك الاسعد ). يحتوي على كثير من تاريخ جبل عامل وترجمة جملة من علمائه المتأخرين ، سمعنا به ولم نره ، وكتاب شرح ميمية أبي فراس ، ورسالة في رد فتوى الشيخ نوح الذي حلل فيها دماء الشيعة وأموالهم ، وكتاب الكنوز في النحو لم يتم واليواقيت في البيان ، وكتاب الرد على البطريرك مكسيموس ، ورسالة في الرد على رسالة أبي حيان التوحيدي رواها أبو حامد أحمد بن بشر المروزي عنه كما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج فرغ منها سنة 1273 بقرية كفرى ، ورسالة في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) الى غير ذلك من الرسائل ، قال صاحب جواهر الحكم : والجميع نسجت العناكب عليها

أقول وروى السيد له جملة من شعره في الفخر والحماسة وفي مناسبات كانت في زمانه ، وقال من قصيدة :

رعى اللّه أيامنا بالنقى *** وليلتنا يوم ذات الاثل

ليالي تحمد ظلماؤها *** ويشكر فيها المساء الاصل

ليالي بيض بوصل الحسان *** ويومي رطيب بظل أظل

ص: 286

السيد الكاظم الأمين

المتوفى 1303

السيد كاظم الامين بن السيد احمد بن السيد محمد الامين ابن السيد أبي الحسن موسى ولد سنة 1231 وتوفي في بغداد في 27 ربيع الثاني سنة 1303 ونقل الى النجف الاشرف ودفن في حجرة آل كبة في الصحن الشريف قرب باب الطوسي ، كان عالما فاضلا حافظا متقنا مؤرخا واحد زمانه في الاحاطة والضبط وحفظ التواريخ والآثار ودقائق العربية وكان شاعرا مطبوعا منشأ بليغا وواعظا زاهدا عابدا ، هاجر من جبل عامل الى النجف الاشرف لطلب العلم في حياة والده السيد احمد وكان عمره قريب خمس عشرة سنة مع ابن عمه السيد محسن بن السيد علي بن السيد محمد أمين. وقرأ على الفقيه الشيخ مشكور الحولاوي وتزوج ابنته وبقي مكبا على طلب العلم حتى فاق أقرانه بعلوم كثيرة منها اللغة والتاريخ ، وترك بخطه من فرائد التفسير واللغة والتأريخ ودقائقها شيئا كثيرا وجل شعره في المواعظ والنصائح والآداب والحكم والمراسلات ، ذكر أكثر شعره صاحب الاعيان. ومن شعره - وهو يشكو من الزمان ويذكر مصائب أهل البيت علیهم السلام - ومصيبة الحسين خاصة وقد أرسلها الى ابن عمه السيد محمد الامين :

لعمرك ما للدهر عهد ولا أمن *** ولا ذو حجى حر به عيشه يهنو

ص: 287

وهل من أمان للزمان ووده *** وأحداثه في كل يوم لها لون

وكيف يطيب العيش فيها الذي نهى *** ترحل عنه الاب والأم والابن

وان امرءا أصلاه ماتا ، وفرعه *** لميت وان لم يعله الترب واللبن

وهل بعد عد المرء خمسين حجة *** من العمر في الدنيا يروق له حسن

وبعد اشتعال الرأس بالشيب ينبغي *** بلوغ المنى والعظم قد نابه وهن

فهب انك ناهزت الثمانين سالما *** فهل انت الا في تضاعيفها شن

وان نازعتك النفس يوما لشهوة *** فقل وهت الاحشاء واستوهن المتن

أتأمل في الدنيا القرار سفاهة *** وقد أزف الترحال واقترب الظعن

وأنا بني حواء أغصان روضة *** اذا ما ذوى غصن ذوى بعده غصن

وهل نحن الا كالاضاحي تتابعت *** أو البدن ما تدري متى يومها البدن

نراع اذا ما طالعتنا جنازة *** ونلهو اذا ولت وما جاءنا أمن

كثلة ضأن راعها الذئب رتعا *** فلما مضى عادت لمرتعها الضأن

نروح ونغدو في شعوب من المنى *** وعين شعوب نحونا أبدا ترنو(1)

نحوم على الدنيا ونبصر بطشها *** ونعشو عن الاخرى وهذا هو الغبن

وأعجب شيء وهي ألئم جارة *** غدا كل حر وهو عبد لها قن

ولو أننا نخشى المعاد حقيقة *** لما اعتادنا غمض ولا ضمنا ركن

ولكننا عن مطلب الخير في عمى *** تحول بنا عن نيله ظلل دجن

لنا الوهن والاغفال في طلب التقى *** وفي طلب الدنيا لنا الحزم والذهن

وتخدعنا الدنيا ونعلم أنها *** بغي لها في كل آونة خدن

ونهوى بها طول المقام جهالة *** على أنها في عين أهل النهى سجن

وانا بها كالضعن عرس ليلة *** بقفر فلما أسفرت سافر الظعن

وهيهات لا يبقى جواد مؤمل *** ولا بطل يخشى بوادره قرن

ولا سوقه من سائق الموت هارب *** ولا ملك يوقيه جيش ولا خزن

ص: 288


1- شعوب : ضروب والثانية اسم للموت.

فأين أنو شروان كسرى وقيصر *** ومن طوف الدنيا وقامت به المدن

تبين بذي القرنين كم قبله انطوت *** قرون وكم من بعده قد مضى قرن

وأين الذين استخلفوا من أمية *** ودوخت الدنيا جيوشهم الرعن

وأين بنو العباس تلك ديارهم *** بلاقع بالزوراء أرسى بها الدمن

وفي التاج منها عبرة وعجيبة *** غداة اليه قوض الابيض الجون

فأحكم أس التاج من شرفاته *** وأعلاه من أدناه فأعجب لصما افتنوا

عفا وكأن لم يصطبح فيه مترف *** يرنحه من صوت عذب اللمى لحن

وهارون من قصر السلام رمى به ا *** لحمام الى أقصى خراسان والبين

وتلك بسامرا مواطنهم غدت *** يبابا مغانيها لوحش الفلا وطن

فآكامها للعفر والعصم موئل *** وللبوم والغربان آطامها وكن

تخطى اليهم في معاقل عزهم *** رسول بأشخاص النفوس له الاذن

فذا هادم اللذات لا تنس ذكره *** والا تكن من لا يقام له وزن

منغص شهوات الانام فكم به *** قد انطرفت عين وسكت به اذن

فلا يأمن الدنيا امروء فهي أيم *** وفي البيض من أنيابها السم مكتن

وما هي الا لجة فلتكن بها *** لك الباقيات الصالحات هي السفن

فقصر فما طول الدعاء بنافع *** معاشر لا تصغي لداع ولا تدنو

تعودت السوءى وما المرء تاركا *** عوائده حتى يواريه الدفن

فكم عظة مرت ولم ننتفع بها *** وفي وعظ من لا يرعوي تخرس اللسن

ومن لم يرعه لبه وحياؤه *** فليس بموروع وان علت السن

ولله في بعض العباد عناية *** فجانبه هين لصاحبه لين

صروف الليالي لا تكدر وده *** ولا وجوده يوما يكدره من

حميد السجايا لا يشاكس قومه *** ولا هو للساعي اليه بهم اذن

اخو كرم يولي الجميل صديقه *** وفي نفسه ان الصديق له المن

ص: 289

لعمر أبي والناس شتى طباعهم *** فمنهن زين والكثير لهم شين

ومن عجب فرخا نقاب الى أب *** وأم وفي الاخلاق بينهما بون

وكم من بعيد وده لك صادق *** قريب ودان وده شاحط مين

ورب أخ أولاك دهرا صفاءه *** فطابت به نفس وقرت به عين

جرى طلقا حتى اذا قيل سابق *** تداركه عرق وليس به اين (1)

فبات على رغم المكارم والعلى *** يغض على الاقذاء من عينه جفن

ويزعم ان السيل قد بلغ الزبى *** لذاك وان قد ثل من عرشه ركن

فيا نائيا والرحل منه قريبة *** وذا شرف في القوم أخلاقه خشن

أمثل شقيق المرء يسلى اخاؤه *** لك الخير لولا رغبة النفس والضن

ومثل عميد القوم ينسى ظهيره *** على المجد وهو الناقد الجهبذ القرن

ويجهل مسعى من أغذ مهاجرا *** الى بلد في جوه العلم واليمن

وأشرف دار جنة الخلد صحنها ال- *** -مقدس والفردوس ما ضمه الصحن

ضريح ثوى فيه الوصي ، وآدم *** ضجيع له والشيخ نوح له ضمن (2)

وثم ضريح للشهيد بكربلا *** ثراه شفاء للورى ولهم أمن

ومشهد موسى والجواد محمد *** تنال به الحاجات والنائل الهتن

وللسادة الهادين في سر من رأى *** معاهد يستسقى بمن حلها المزن

حضائر قدس جارها في كرامة *** من اللّه ترعاه العناية والصون

أقام بها والصبر ملء اهابه *** يقدمه فن ويعلو به فن

ألست ترى يا ابن الاكارم انما *** يزينك بين القوم فهو لنا زين

ص: 290


1- اعياء وتعب.
2- في التأريخ ان الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين دفن بالنجف الى جنب النبي آدم والنبي نوح ، وفي الزيارة : السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح وعلى جاريك هود وصالح.

وقد كان لي لو شئت أفسح منزل *** بلبنان يثرى بالعقار وما أقنو

لدى معشر تعزى المرؤة والندى *** اليهم فمن كعب بن مامة أو معن

وان ضام عاد جارهم غضبوا له *** حفاظا وهبوا للنضال ولم يثنوا

من القوم اخدان الوفا لذوي الولا *** وحتف العدى ان قيل يوم الوغى ادنوا

يخوضون تتيار المنايا بأنفس *** لديها مثار النقع ان غضبت هين

فان ضربوا قدوا وان طعنوا أتوا *** بفوها فيها يذهب الزيت والقطن

ولكنني وجهت وجهي الى التي *** يشد الى أمثالها الماجد الفطن

ولم أختش الاعسار واللّه واسع *** غناه ولا الحرمان واللّه لي عون

فيا علما يرجى لكل كريمة *** وذا عزمة والوهم يثنيه والظن

نشدتك انظر سفح لبنان راجيا *** عطاء مليك كل يوم له شأن

فكم من بيوت للعلى رفعت به *** على العلم والاقوام كالعلم لم يجنوا

له مورد عذب المذاقة سائغ *** فمشربه للناس مزدحم لزن

وبيتك بيت المجدو العلم والتقى *** أحل به منك التهاون والوهن

اما انبعثت من قلبك الشهم نخوة *** اليه أما تهفو عليه اما تحنو

على أهل ذاك البيت فليفدح الأسى *** وتنهل من عين العلى أدمع هتن

كرام الى غير المكارم ما ثنوا *** يدا والى غير الفضائل ما حنوا

سقى اللّه أرواحا لهم زانها التقى *** فراحت وفي أعلى الجنان لهم عدن

وياواحد السادات مجدا وفرع من *** له العلم يعزى والرياسة واللسن

وخير ابن عم لا فقدت اعتناءه *** كما أنني معنى به واثق طمن

شهدت لان وافاك نعي مهذب *** صحيح الهوى ما في دخيلته ضغن

حريص على عز العشيرة كاره *** لها الذل أو يودي به الضرب والطعن

ص: 291

قرعت عليه السن منك ندامة *** أجل وعلى أمثاله يقرع السن

واشهد ربي ان قولي نصيحة *** وما فيه من شيء سوى النصح يعتن

وذلك حق في أخ أو قرابة *** علي اذا الوى به خلق خشن

وقد علم الاقوام أني لشانئ *** لمن شأنه الازراء في الناس والطعن

على أنني واللّه لست مبرئا *** لامارة بالسوء لي كسبها غبن

لقد وقفت بي من ذنوبي على شفا *** فعيني على ما نابني دمعها سخن

فغفرانك اللّهم ذنب مقصر *** بخدمه من غر الجباه له تعنو

فأسألك الرضوان ربي ونظرة *** لرضوان فيها يذهب الغم والحزن

بأسمائك الحسنى أجب وعصابة *** بهم قامت الاشياء وانتظم الكون

نبي الهدى والغر من أهل بيته *** حمى المتوالي في الاراجيف والحصن

وأعلام حق لو تنور ضوءها *** جميع الورى ما ضلت الانس والجن

ولو بذراها لاذت الشمس لم تشن *** بخسف ولاوارى سناها ضحى مزن

فأين رسول اللّه عن أهل بيته *** يهجنهم بين الملا معشر هجن

ويعدو عليهم من أمية جحفل *** به غص من ذاك الفضا السهل والحزن

وتغدو بأرض الطف ثكلى نساؤهم *** وقد هتكت عنها البراقع والسدن

فمن حرة عبرى تلوذ بمثلها *** وحسرى تقي عن وجهها اليد والردن

قضوا عطشا بالطف والماء حولهم *** الى ورده اكباد صبيتهم ترنو

حمتها العدى ورد الشريعة ويلهم *** اما فيهم من بالشريعة مستن

يسومونهم قتلا وأسرا كأنما *** لهم بات ثار عند أحمد أو دين

تداعوا لهم في كربلاء وجعجعوا *** بهم في العرا بغيا ليملكهم قين

هنالك ألفوا ليث غاب تحوطه *** ليوث شرى غاباتها الاسل اللدن

ص: 292

تشد فينثالون عنها طريدة *** وأسد الشرى تشقى بشداتها الاتن

فشبت لهم بالطف نار لدى الضحى *** يجلل وجه الافق من نقعها دجن

على حين ما للمرء مرأى ومسمع *** من النقع الا البيض تلمع والردن

وحيث فراخ الهام طارت بها الظبا *** وظلت سواني نينوى من دم تسنو

وراحت حماة الدين تصطلم العدى *** ولم يبرحوا حتى قضى اللّه أن يفنوا

ولم يبق الا السبط في حومة الوغى *** ولا عون الا السيف والذابل اللدن

وأضرمها بالسيف نارا وقودها *** جسوم الاعادي والقتام لها عثن (1)

اذا كر فروا مجفلين كأنهم *** قطأ راعها باز شديد القوى شثن

فكم بطل منهم براه بضربة *** على النحر أو حيث الحيازم والحضن

وكم أورد الخطي فيهم فعله *** بجائفة (2) حيث الجناجن والضبن

قضى وطرا منهم ومذا برم القضا *** مضى لم يشن علياه وهن ولا جبن

أرد يدا مني اذا ما ذكرتهم *** على كبد حرى وقلب به شجن

اطائب يستسقى الحيا لوجوههم *** لعمري وتنهل العيون اذا عنوا

عليهم سلام ما مر ذكرهم *** وأحسن في اطرائهم بارع لسن

ص: 293


1- هو الدخان.
2- الطعنة الواصلة الى الجوف.

الحاج يوشع البحارنة

المتوفى 1303

الحاج يوشع بن حسين البحارنة كان من الاتقياء والاخيار والتجار المرموقين والمشهورين بالورع. وآل البحارنة أسرة كريمة عريقة في الحسب ويوجد اليوم منهم في القطيف والبحرين أفراد لهم مكانتهم المحترمة ، والمترجم له هو عقد القلادة ، ترجم له الشيخ علي المرهون في ( شعراء القطيف ) وقال : كانت وفاته سنة 1303 ه- وذكر له قصيدة مطولة في رثاء سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين سلام اللّه عليه ومطلعها :

زارت بليل على جنح من السحر *** فأرج الربع منها نفحة العطر

وبعد التغزل على عادة الشعراء يتخلص للحسين (عليه السلام) فيقول :

يوم الحسين الذي أبكى السماء دما *** والارض حزنا وعين الشمس والقمر

ويختمها بقوله :

سمعا ليوشع مولاكم مهذبة *** يحلو على جيدها عقد من الدرر

ألبستها حلة من مدحكم فغدت *** تختال حسنا ، وقد جاءت على قدر

سميتها الحرة العذرا وقلت لها *** ألا اكمدي أنفس الحساد وافتخري

صلى الاله عليكم ما سرى فلك *** أو سارت العيس في الابكار والسحر

أو عاقب الليل صبح يستضاء به *** وما تغرد قمري على شجر

ص: 294

الشيخ عبد الرضا الخطي

الشيخ عبدالرضا ابن الشيخ حسن الخطى

من شعراء القرن الثالث عشر

أمنزل الشوق جادت ربعك السحب *** وحل رسمك طل ساقط صبب

وناشر فيك للازهار أردية *** تهدى السرور وللاحزان تستلب

وزار تربك معتل النسيم سرى *** للمسك والعنبر الفياح يصطحب

ما عن ذكرك الا حن لي كبد *** مروع ونبار الوجد ملتهب

ولا مررت بقلبي خاطرا أبدا *** الا انثنى دمع عيني وهو منسكب

يا منزلا لم أزل أشتاق أربعه *** وما له الشوق لو لا الخرد العرب

لولا ظباك لما أصبحت ذا شغف *** متيم القلب مضنى شفه الوصب

ضعائن ان سرت حاطت هوادجها *** من المغاوير أساد اذا وثبوا

القاطنون بقلبي أينما قطنوا *** والذاهبون بصبري أين ما ذهبوا

ما أنصفوا الكمد المضنى ببينهم *** ولا رعوا من ذمام الصب ما يجب

أغروا به نائبات الدهر وارتحلوا *** وجرعوه ذعاف الهجر واغتربوا

حسب النوائب مني أنني دنف *** ضئيل جسم عن الابصار محتجب

أعاتب الدهر لو رقت جوانبه *** لعاتب قد براه الوجد والنصب

أين الزمان واسعاف المحب بما *** يهوى وكيف ترجى عنده الارب

والدهر حرب لأهل الفضل ما برحت *** صروفه تنتحيهم أين ما ذهبوا

أخنى على عترة الهادي ففرقهم *** فأصبح الدين يبكيهم وينتحب

آل النبي هداة الخلق من ضربوا *** في مفرق المجد بيتا دونه الشهب

ص: 295

جنب الاله وباب اللّه والحجج *** الهادون أشرف من سارت بها النجب

سحب الندا وربوع الجود ممحلة *** أسد الشرى ولظى الهيجاء تلتهب

الوافدون لبيت اللّه من وفدوا *** والضاربون بسيف اللّه من ضربوا

ما فارقوا الحق في حال وان غضبوا *** كأنما مرة في فيهم الضرب

يرون من قربوا مثل الاولى بعدوا *** عنهم ومن بعدوا مثل الاولى قربوا

لا ينزل الضيم أرضا ينزلون بها *** ولا تمر بها الادناس والريب

يأبى لهم عن ورود الذل ان ظمئوا *** أنف حمي وبأس شأنه الغلب

سفن النجا وبحور الغي مترعة *** نور الهدى وظلام الجهل منتصب

متوجون بتاج العز ان ذكروا *** سمت باسماهم الاعواد والخطب

جلوا فجل مصاب حل ساحتهم *** تأتي الكرام على مقدارها النوب

أغرى الضلال بهم أبناه فانتهبوا *** جسومهم بحدود البيض واستلبوا

غالوا الوصي وسموا المجتبى حسنا *** وأدركوا من حسين ثار ما طلبوا

يوم ابن حيدر والابطال عابسة *** والشمس من عثير الهيجاء تنتقب

والسمر من طرب تهتز مائسة *** والبيض من قمم الاقران تختضب

رامت امية ان تقتاد ذا لبد *** منه وتحجب بدرا ليس يحتجب

فانصاع كالضيغم الكرار مبتدرا *** بصولة ريع منها الجحفل اللجب

أغر مكتسب للحمد ذو شيم *** بالمجد متزر بالفخر محتقب

يلقي الكماة بثغر باسم فرحا *** كأنهم لندى كفيه قد طلبوا

يقري الصوارم أشلاء العدى ويرى *** سقي الرماح دماها بعض ما يجب

وافته داعية الرحمن مسرعة *** فخر وهو يطيل الشكر محتسب

نفسي الفداء له والسمر واردة *** من صدره والمواضي منه تختضب

مضرج الجسم ما بلت له غلل *** حتى قضى وهو ظمآن الحشى سغب

دامي الجبين تريب الخد منعفر *** على الثرى ودم الاوداج ينسكب

مغسل بنجيع الطعن كفنه *** ذاري الرياح ووارته القنا السلب

قضى كريما نقي الثوب من دنس *** يزينه كل ما يأتي ويجتنب

ص: 296

يا قائدا جمع الاقدار طوع يد *** كيف استقادك منها جامع درب

لئن رمتك صروف الدهر عن احن *** وقارعتك مواضيه فلا عجب

كنت المجير لمن عادى فحق له *** ان يطلب الثار لما أمكن الطلب

يا مخرس الموت ان سمتك نادبة *** من النوادب كيف اغتالك الشجب

ياصارما فل ضرب الهمام مضربه *** ولا تعاب اذا ما ثلت القضب

ان كورت منك كف الشرك شمس ضحى *** فما على الشمس نقص حين تحتجب

لو تعلم البيض من أردت مضاربها *** نبت وفل شباها الروع والرهب

ولو درت عاديات الخيل من وطأت *** أشلاءه لاعتراها العقر والنقب

ما كنت أحسب والاقدار غالبة *** بأن شمل الهدى الملتام ينشعب

ولا عهدت الثرى تطوي بحور ندى *** ما حل ساحتها غور ولا نضب

بنو امية لا نامت عيونكم *** ولا تجنبها الاقذاء والصبب

أبكيتموا جفن خير المرسلين دما *** لكي يطيب لكلب منكم الطرب

لم يكفكم قتلكم سبط النبي ظما *** عن سبي نسوته كالزنج تجتلب

راموا بمقتله قتل الهدى فجنوا *** عارا تجدده الاعوام والحقب

لله أي دم للمصطفى سفكوا *** وأي نفس زكت للمرتضى اغتصبوا

وكم عفيفة ذيل للبتول سرت *** بها أضالع لم يشدد لها قتب

تطوي على جمرات الوجد أضلعها *** وقد أضر بها الاظماء والسغب

حسرى مسلبة الاستار تسترها *** من العفاف برود حين تستلب

لئن تشفى بنو حرب بما صنعوا *** وأدركوا ما تمنوا بالذي ارتكبوا

فسوف يصلون نارا كلما نضجت *** منها جلودهم عادت لهم اهب

يا أقمرا بعراص الطف آفلة *** أضحت برغم العلى قد ضمها الترب

سقاك من صلوات اللّه منسجم *** يروى صداك مدى الازمان منسكب

ص: 297

لا زال لي كبد تطوى على كمد *** حزنا عليك ودمع سائل سرب

ومقول بنظيم الدر منتثر *** مزر بما ابتكر المداح واجتلبوا

يقول شعري لمن يبغي مطاولتي *** لقد حكيت ولكن فاتك الشنب

صلى الاله عليكم حيث ذكركم *** باق تزان به الآيات والكتب

قال الشيخ الطهراني في ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) : رأيت للشيخ عبدالرضا الخطى في بعض المجاميع عدة قصائد في رثاء الحسين وأهل بيته ، أقول ورأيت له قصيدة في الحسين علیه السلام بمكتبة دار الآثار ببغداد في مخطوط رقم 9109 وأول القصيدة :

سقى أربعاً أقفرن من جيرة بانوا *** أجش هطول الودق أو طف هتان

تحتوي على 60 بيتا.

ص: 298

الشيخ راضي الظالمي

القرن الثالث عشر

هو ابن الشيخ حمود من أفاضل أهل العلم يسكن في قرية الديوانية القديمة ، وأبوه الشيخ حمود من رجال العلم والدين سكن النجف ، وهو ابن الشيخ اسماعيل بن درويش ينتمي ل- ( بني سلامة ) القبيلة العربية المشهورة في العراق ، وانما لقب بالظالمي لخؤله ومصاهرة بين أسرته واسرة آل الظالمي الذين هم من عشيرة الظوالم.

وللشيخ راضي شعر في بعض المناسبات منه قصيدة في الحسين (عليه السلام) أولها :

وما شفنى الا تشفى أمية *** بقتل ابن بنت المصطفى وصفاياه

وفي النجف اليوم عدد من عقب الشيخ راضي ، أما أبوه الشيخ حمود السلامي الظالمي النجفي المتوفى بعد 1228 ه- فقد ترجم له بعض الباحثين منهم الشيخ الطهراني في طبقات أعلام الشيعة وقال : رأيت من شعره في بعض المجاميع النجفية قصيدة في رثاء الوحيد البهبهاني المتوفى 1205 وذكر له الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره في ( العبقات العنبرية ) قصيدة في رثاء الشيخ الكبير جعفر بن خضر الجناجي المتوفى 1228 ه.

ص: 299

الشيخ عبد اللّه المشهدي

القرن الثالث عشر

قال في مطلع قصيدة في الامام الشهيد علیه السلام :

دعني فما لاح السرور بخاطري *** كلا ولا ألف السهاد بناظري

كيف التصبر والحسين بكربلا *** فتكت به عصب الدعي الكافر

وهو الامام أبو الأئمة أشرف *** الثقلين سبط للنبي الطاهر

بحر الندى علم الهدى مردي العدى *** بالسمهرية والحسام الباتر

وقال في أخرى في الامام علیه السلام :

دع العيد واذكر ما جرى بمحرم *** فما أسفي من بعده بمحرم

غداة حسين الطهر أضحى بكربلا *** وعترته من كل شهم وضيغم

ألا بأبي ذاك الطريد عن الحمى *** بأسرته في السهل والحزن يرتمي

الشيخ عبداللّه بن علي بن حسين بن علي بن مشهد بن محمد ابن مكتوم المعروف بالمشهدي. وآل مشهد قبيلة من القبائل العريقة في عروبتها ومنهم اليوم في القطيف رجال لهم المكانة ومسقط رأسهم قرية ( عنك ) المشهورة بتاريخها القديم ، وشاعرنا هو أحد أعلام هذه القرية وله ديوان مخطوط. قال توفي الشيخ عبد اللّه على التقريب في أوائل القرن الثالث عشر ، وديوانه كله في المراثي.

ص: 300

الشيخ موسى الكاظمي الأسدي

القرن الثالث عشر

الشيخ موسى بن جعفر بن محمود الكاظمي الاسدي من شعراء أهل البيت علیهم السلام وشعره ذكره ولده الشيخ محمد علي في كتابه ( حزن المؤمنين في مصائب آل ياسين ) طبع بمبى ، ألفه للسلطان أمجد علي شاه ، وفرغ من تأليفه سنة 1255 ه- ومما أورده من شعر أبيه قصيدة أولها :

مصابي بآل اللّه باق الى الحشر *** وحزني عليهم مستمر مدى العمر

وتزداد أشجاني بهم متذكرا *** مصاب فتى أودت به أسهم الكفر

لقد جرعته بالطفوف أمية *** كؤس المنايا من صوارمها البتر

ولم ترع ياللّه حرمة احمد *** ولا حرمة الكرار والبضعة الطهر

ومنها :

وزينب تبكي ثم تندب جدها *** وأدمعها كالسيل من عينها تجري

أيقتل ظلما غوثنا وملاذنا *** ويترك شلوا بالعراء بلا قبر

وقال في مطلع قصيدة أخرى في رثاء أبي الفضل العباس حامل راية الحسين (عليه السلام) :

على العباس يا عين اسعديني *** عزيز السبط مقطوع اليمين

ص: 301

السيد حسين بن الشمس

القرن الثالث عشر

السيد حسين بن الشمس الحسيني :

عالم فاضل وصفه الميرزا حسين النوري صاحب مستدركات الوسائل فيما علقه بخطه على هامش رجال أبي علي : بالسيد الحسيب النسيب ذي المجدين وقال : ان له ارجوزة في سني وفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والائمة علیهم السلام وتاريخ ولادتهم وبيان موضع قبورهم أولها :

قال أبو هاشم في بيانه *** ولفظه يخبر عن جنانه

الحمد لله على الايمان *** بالمصطفى والآل والقرآن

لقد حداني من له أطيع *** لنظم تاريخ له أذيع

فهاك تاريخ النبي المصطفى *** وآله المطهرين الخلفا

فمولد النبي عام الفيل *** بمكة والحرم الجليل

ومولد الوصي أيضا في الحرم *** بكعبة اللّه العلي ذي الكرم (1)

ص: 302


1- أعيان الشيعة للسيد محسن الامين.

عبد اللّه القطيفي

القرن الثالث عشر

العالم الكامل الشيخ عبداللّه بن احمد بن عبداللّه بن عمران قال الشيخ فرج القطيفي في كتابه ( تحفة أهل الايمان في تراجم آل عمران ) : كان من شعراء أهل البيت علیهم السلام وقفت له على قصيدة مقصورة في رثاء الحسين علیه السلام ، ذهب أكثرها ولا بأس بذكر الموجود منها ، قال قدس سره :

بين روض مونق أنفاسه *** يشبه المسك أريجا وشذى

كم سحبت الذيل فيها مارحا *** راتعا بين غزال ومهى

لم أخف واش ولا هجرا ولا *** أرقب البدر ولا نجم السهى

لا ولا أجزع للركب اذا *** قوض الرحل ولا خل ناي

غير أني بت كالملسوع من *** وقعة الطف وما فيها جرى

وأذبت القلب هما وأسى *** وأسلت الدمع حزنا عندما

لا نسيت السبط اذ حفت به *** زمر الاعدا وأولاد الخنا

بعد أن قد كانبوه ونحا *** نحوهم يوضح طرقا للهدى

أقول وذكره البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في ( الكرام البررة ) في القرن الثالث بعد العشرة.

ص: 303

الشيخ حسين القطيفي

القرن الثالث عشر

الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي ذكره البلادي البحراني في ( أنوار البدرين ) فقال : العالم الكامل الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي كان من الفضلاء وله حواش كثيرة على جملة من الكتب ولم أقف له على مصنف.

وكان من شعراء أهل البيت علیهم السلام ، وجدت بخطه له قصائد في رثاء الحسين علیه السلام ، وكان خطه في غاية الجودة والملاحة ، ولا أدري عمن يروي من المشايح واللّه العالم. انتهى

أقول هناك عشرات من الشعراء أشتهروا بالنظم وخصوصا في الامام الحسين علیه السلام ولكني لم أعتر على شعرهم بعد ، كما أن لدي وفي مخطوطاتي نضائد من الشعر في الموضوع نفسه لم أعثر على قائليه أو تاريخ حياتهم وعصورهم وما زلت في جد وبحث.

وقل من جد في أمر يحاوله *** - واستعمل الصبر - الا فاز بالظفر

ص: 304

المستدركات

اشارة

ص: 305

ص: 306

ابو طالب الجعفري

القرن الثالث الهجري

لي نفس تحب في اللّه واللّه حسينا ولا تحب يزيدا

يابن أكالة الكبود لقد أنضجت من لابسي الكساء الكبودا

أي هول ركبت عذبك الرحمن في ناره عذابا شديدا

لهف نفسي على يزيد وأتباع يزيد ضلوا ضلالا بعيدا

يا أبا عبد اللّه يا بن رسول اللّه يا أكرم البرية عودا

ليتني كنت يوم كنت فأمسي منك في كربلا قتيلا شهيدا (1)

* * *

أبو طالب الجعفري محمد بن عبداللّه بن الحسين بن عبداللّه ابن اسماعيل بن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب. قال المرزباني في معجم الشعراء ص 382 : شاعر مقل ، سكن الكوفة فلما جرى بين الطالبيين والعباسيين بالكوفة ما جرى وطلب الطالبيون قال أبو طالب :

بني عمنا لا تذمرونا سفاهة *** فينهض في عصيانكم من تأخرا

وان ترفعوا عنايد الظلم تجتنوا *** لطاعتكم منا نصيبا موقرا

وان تركبونا بالمذلة تبعثوا *** ليوثا ترى ورد المنية أعذرا

وله :

قد ساسنا الاهل عسفا *** وسامنا الدهر خسفا

ص: 307


1- الاقتباس من القرآن الكريم لابي منصور الثعالبي ص 85 و ( امالي ابن الشجري ) ص 186.

وصار عدل أناس *** جورا علينا وحيفا

واللّه لولا انتظاري *** برءا لدائي أشفى

ورقبتى وعد وقت *** تكون بالنجح أوفى

لسقت جيشا اليهم *** ألفا وألفا وألفا

حتى تدور عليهم *** رحى البلية عطفا

ورأيت في معجم شعراء الطالبيين مخطوط العلامة المعاصر السيد مهدي الخرسان : أبو طالب الجعفري : جده الحسين أخذه بكار الزبيري بالمدينة ايام ولايته عليها فضربه بالسوط ضربا مبرحا فمات. وأبوه عبداللّه امتنع من لبس السواد وخرقه لما طولب بلبسه فحبس بسر من رأى حتى مات في الحبس ، وذلك في ايام المعتصم. وكان شاعرا ويلقب هو أبوه الحسين ب- كلب الجنة كما كان حفيده أبو العوام أحمد يلقب بذلك. وكان أخو المترجم له اسماعيل بن عبداللّه ممن قتل بطبرستان فيمن قتل من وجوه الطالبيين.

أقول ومما رأيته في كتاب الاقتباس هذه الابيات في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) بقوله ، وقال بعضهم :

أيا قتيلا عليك *** كان النبي المعزى

قد أقرح الحزن قلبي *** كأن في القلب وخزا

اذا ذكرت حسينا *** ورأسه يوم حزا

الى اللعين يزيد *** سارت به البرد جمزا (1)

فظل ينكث منه *** ثغرا وينهز نهزا

فسوف يصلى سعيرا *** به يدور ويخزى

ص: 308


1- البرد : جمع بريد وسمي البغل يريدا والرسول الذي يركبه بريدا والجمز : ضرب من السير أشد من العنق.

ابن المستوفي الأربلي

المتوفى 637

المبارك بن احمد مستوفى اربل قال من جملة قصيدة يرثي بها الامام الحسين بن علي علیهماالسلام ، كما في ( تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون ) للصفدي :

أتجحد قتله وتراه اثما *** وقد أقبلته بالطف شمرا

وتقرع بالقضيب ثنيتيه *** أراك أتيتها نكراء بكرا

* * *

شرف الدين بن المستوفي. أبو البركات المبارك بن أبي الفتح احمد بن المبارك بن موهوب بن غنيمة بن غالب اللخمي ، الملقب شرف الدين ، المعروف بابن المستوفي الاربلي.

قال ابن خلكان في ( الوفيات ) كان رئيسا جليل القدر كثير التواضع واسع الكرم ، لم يصل الى اربل أحد من الفضلاء الا وبادر الى زيارته وحمل اليه ما يليق بحاله ، وخصوصا أرباب الادب وكان جم الفضائل عارفا بعدة فنون ، منها الحديث وعلومه وأسماء رجاله وجميع ما يتعلق به ، كان اماما فيه. وكان ماهرا في فنون الادب من النحو واللغة والعروض والقوافي وعلم البيان وأشعار العرب وأخبارها وأيامها ووقائعها وأمثالها. وكان بارعا في علم الديوان وحسابه وضبط قوانينه على الاوضاع

ص: 309

المعتبرة عندهم.

وجمع لاربل تاريخا في أربع مجلدات ، وله كتاب ( النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام ) في عشر مجلدات ، وله كتاب ( سر الصنعة ) وغير ذلك.

وله ديوان شعر أجاد فيه ، فمن شعره :

رعى اللّه ليلات تقضت بقربكم *** قصارا وحياها الحيا وسقاها

فما قلت ايه بعدها لمسامر *** من الناس الا قال قلبي آها

قال ابن خلكان في الوفيات : وكنت خرجت من اربل في سنة ست وعشرين وستمائة وشرف الدين مستوفي الديوان ، والاستيفاء في تلك البلاد منزلة عليه ، وهو تلو الوزارة ، ثم بعد ذلك تولى الوزارة في سنة تسع وعشرين وستمائة ، وشكرت سيرته فيها ولم يزل عليها الى أن مات مظفر الدين في التاريخ المذكور في ترجمته.

واخذ الامام المستنصر اربل في منتصف شوال من السنة المذكورة فبطل شرف الدين وقعد في بيته ، والناس يلازمون خدمته على ما بلغني ، ومكث كذلك الى أن أخذ التتر مدينة اربل في سابع عشر شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة وجرى عليها وعلى أهلها ما قد اشتهر فكان شرف الدين في جملة من اعتصم بالقلعة وسلم منهم ، ولما انتزح التتر عن القلعة انتقل الى الموصل وأقام بها في حرمة وافرة وله راتب يصل اليه وكان عنده من الكتب النفيسة شيء كثير. ولم يزل على ذلك حتى توفي بالموصل يوم الاحد لخمس خلون من المحرم سنة سبع وثلاثين وستمائة ودفن بالمقبرة السابلة خارج باب الجصاصة. ومولده في النصف

ص: 310

من شوال سنة اربع وستين وخمسمائة بقلعة اربل. وهو من بيت كبير كان فيه جماعة من الرؤساء الادباء ، ولما مات شرف الدين رثاه صاحبنا يوسف بن النفيس الاربلي :

أبا البركات لو درت المنايا *** بأنك فرد عصرك لم تصبكا

كفى الاسلام رزأ فقد شخص *** عليه بأعين الثقلين يبكى

انتهى باختصار ، وترجم له السيوطي في ( بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ) والزركلي في الاعلام.

ص: 311

الشيخ حسن النح

اشارة

الشيخ حسن النح ، شاعر قطيفي من علماء القرن الثامن الهجري

ويعرف بابن النح رأيت له شعرا كثيرا في رثاء الامام الحسين علیه السلام كما رأيت له في المخطوطات القديمة شعرا جيدا في مدح النبي الاعظم صلی اللّه علیه و آله . وهذه احدى قصائده انتسختها من مخطوطة قديمة قال كاتبها : ومما قاله الاديب العالم الشيخ حسن بن علي النح عليه الرحمة :

أوميض برق في الدجا يتوقد *** أم ضوء فرقك قد بدا أم فرقد

وضبا تجرد من جفونك أم ضبا *** يرمقن أم بيض حسان خرد

ومعاطف عطفت دلالا أم قنا *** تهتز عجبا أم غصون تأود

يا من به يحيى غرامي خالد *** وعليه جعفر مدمعي لا يحمد

نعمان خدك مالك لقلوبنا *** فعساك تصبح شافعي يا احمد

لي في هواك حديث وجد لم يزل *** متواتر لقديم وجدك مسند

ومن العجائب أن دمعي لم يزل *** يجري وقلبي ناره لا تخمد

عجبي لفاتر طرفه في فتكه *** يستل أبيض وهو لحظ أسود

لا شيء أمضى من مضاربه سوى *** سيف الوصي الطهر حين يجرد

الفارس البطل الهمام الاروع *** المقدام ولليث الهزبر الامجد

الحاكم العدل الرضي العالم *** العلم الولي الزاهد المتعبد

الماجد الندب الشجاع المجتبى *** الصادق المتصدق المتهجد

ص: 312

خلق أرق من النسيم وعزمة *** عند اللقا منها يذوب الجلمد

هو أشرف الثقلين في حسب وفي *** الهيجاء منصور اللواء مؤيد

بمهند ماض الغرار كغزمه *** في غير هامات العدى لا يغمد

حتى غدا نون الوقاية ساقطا *** عنهم بفعل من علاه يؤكد

يا من له الشرف الذي لا ينتهي *** معناه والفخر الذي لا ينفد

حسدوك لما أن علوت عليهم *** قدرا ومن رام المعالي يحسد

مولاي لو شهادت ما فعل العدا *** يوم الطفوف وأي ظلم جددوا

فعلوا بمولاي الحسين ورهطه *** فعلا تكاد لها الجبال تأود

والارض تخسف خشية مما جرى *** منهم وتضطرب السماء وترعد

والقصيدة تتكون من 103 بيت قال في آخر بيت منها :

مولاي نجل النح يرجو منكم *** حسن الجزاء وغيركم لا يقصد

وللشيخ حسن النح في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله :

بمنعرج الجرعاء عن أيمن الهضب *** مطالع أقمار بزغن على قضب

بها السفح من وادي العقيق جأذر *** نثرن دموع العين كاللؤلؤ الرطب

وبين ثغور المنحنى دون بارق *** بروق ثغور حسنها للورى يسبى

أسرن فؤادي حين أطلقن أدمعي *** فقلبي ودمعي بين صب ومنصب

ربارب لكن الاسود عرينها *** وغاباتها سود المحاجر والهدب

أرقن دمي عمدا وأنكرن ماجرى *** وأصدق شيء في الهوى شاهد الحب

بحك قف ان شمت عن أيمن الحمى *** سنا بارق قد لاح من ذلك الشعب

وسلعا اذا ما جئت سل عن حبائبي *** وان ملت من عجبي الى نحوهم عج بي

لعل اذا مر معتل نشرها *** يصح به جسمي وحيى به قلبي

منازل عرب خيموا حين يمموا *** بقلبي لا بين الاكلة والحجب

هم الطيبون الطاهرون ومن هم *** اذا جار صرف الدهر دون الورى حسبي

ص: 313

هم الحامدون الشاكرون لذي العلى *** هم الصادقون الصابرون لدى الكرب

محمد المختار من سائر الورى *** أبوهم وحسن الفرع عن أصله ينبي

نبي سمى كل النبيين رفعة *** وقد سار حتى صار في حضرة الرب

دنى فتدلى قاب قوسين عندما *** رقى وحباه اللّه بالانس والقرب

وخاطبه الرحمن من فوق عرشه *** خطاب محب هام وجدا الى حب

تقدم كل الانبياء بأسرها *** وصلى اماما بالملائكة النجب

فيا رتبة لو رام أن يلمس السها *** بها لم يكن ما رام بالموقف الصعب

من العرب كل أعجموا عند وصفه *** لذلك يدعى سيد العجم والعرب

كريم يد لو قيس بالبحر جوده *** لزاد على جدواه بالمورد العذب

ولو يحكه قطر الغمام لما غدت *** فجاج الثرى تبغي الامان من الجدب

محا رسم أهل الشرك قاطع عضبه *** بحد الى ايجابه نسبة السلب

ص: 314

ناصر بن أحمد المتوج

القرن التاسع الهجري

لقد مرت ترجمة والده الشيخ احمد في الجزء الرابع من هذه الموسوعة وفاتنا أن نتبعها بترجمة الولد وهو الشيخ ناصر فهو الجدير بأن يذكر ، يقول صاحب أنوار البدرين : كان نادرة عصره ونسيج وحده وقبره بجنب قبر أبيه وقد زرتهما مرارا ومشهدهما من المشاهد المتبرك به ، انتهى كلام شيخنا الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني.

وقد ذكر هذا الشيخ الجليل كل من تأخر عنه كالمحدثين البحرانيين والحر في الامل وخريت هذه الصناعة الملا عبداللّه أفندي في ( رياض العلماء ) والسيد المعاصر في ( روضاته ) والفاضل المعاصر في آخر المستدرك وأثنوا عليه بكل جميل ، وذكره تلميذه الفاضل السبعي الاحسائي شارح قواعد العلامة بما لا مزيد عليه وذكر ان له شروحا على مشكلات القواعد وله ايضا من المصنفات تفسير الكتاب المجيد وله رسالة الناسخ والمنسوخ وله أشعار كثيرة منها نظم مقتل الحسين (عليه السلام) رأيناه ومراثي كثيرة وله مدح حسن في أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام .

ومن تلامذته الشيخان الجليلان : الشيخ احمد بن فهد الحلي والشيخ احمد بن فهد المضري الاحسائي ولكل منها شرح على الارشاد فهو من غرائب الاتفاقات.

ص: 315

الشيخ ابراهيم الجيلاني

توفي سنة 1119

الشيخ ابراهيم بن عبداللّه الزاهدي الجيلاني :

بلاهيجان. ذكره ابن أخيه الشيخ محمد علي الحزين ابن الشيخ أبي طالب بن عبداللّه في تذكرته فقال ما تعريبه : المحقق الحقاني الشيخ ابراهيم بن الشيخ عبداللّه الزاهدي الجيلاني عم هذا الفقير مظهر شوارق الانوار والمؤيد بتأييدات الملك الجبار ، جامع العلوم الدينية والمعارف اليقينية وحاوى الكمالات الصورية والمعنوية ، قرأ على والده متوطن بلدة لاهيجان ومرجع أفاضل كيلان ، وصل صيت فضائله ومناقبه بالاعالي والاداني ، حسن التقرير والتحرير وفي الشعر والانشاء وكشف اللغز والمعنى بغير نظير ، يكتب انواع الخطوط الجيدة ، له مصنفات :

1 - حاشية على المختلف اسمها رافعة الخلاف.

2 - حاشية على الكشاف اسمها كاشفة الغواشي ، وصل في الى سورة الاحقاف.

3 - رسالة في توضيح كتاب اقليدس.

4 - القصائد الغراء في مدح أهل العباء.

ولما وصل خبر وفاته الى أصفهان رثاه ابن أخيه المذكور بأبيات فارسية. انتهى عن أعيان الشيعة ج 5 / 324.

ص: 316

ابن كنبار

المتوفى 1131

محمد بن يوسف بن علي بن كنبار البلادي البحراني : هو تلميذ الشيخ سليمان بن عبداللّه الماحوزي كذا ذكره صاحب ( الذريعة ) ج 9 / 990 وفي ص 28 ما نصه : الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الصيمري النعيمي البلادي الشهيد بيد الخوارج سنة 1131 ه- كما في ( الفيض القدسي ) أو سنة 1130 كما في اللؤلؤة ، وهو من تلاميذ الشيخ محمد بن ماجد البحراني والسيد المحدث الجزائري ، ويروي عنه الشيخ عبداللّه السماهيجي كما في اجازته. له ديوان شعر في المراثي كما ذكره في أنوار البدرين وغيره ، وله مقتل الحسين وشعر بليغ نفيس. توفي في بلدة ( القطيف ) فانه بعد أن كان فيها مضى الى البحرين وهي في أيدي الخوارج فاتفق وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم ، وقتل جميع العجم وجرح هذا الشيخ جروحا خطيرة ونقل الى القطيف فبقي أياما قليلة وتوفي ودفن في مقبرة ( الحباكة ) (1).

ص: 317


1- ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) للشيخ الطهراني.

السيد هاشم الصياح الستري

قم جدد الحزن في العشرين من صفر *** ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

يا زائري بقعة أطفالهم ذبحت *** فيها خذوا تربها كحلا الى البصر

والهفتا لبنات الطهر يوم رنت *** الى مصارع قتلاهن والحفر

رمين بالنفس من فوق النياق على *** تلك القبور بصوت هائل ذعر

فتلك تدعو حسينا وهي لاطمة *** منها الخدود ودمع العين كالمطر

وتلك تصرخ واجداه وا أبتا *** وتلك تصرخ وايتماه في الصغر

يا راجعين السبايا قاصدين الى *** أرض المدينة ذاك المربع الخضر

خذوا لكم من دم الاحباب تحفتكم *** وخاطبوا الجد هذي تحفة السفر

جاء في أنوار البدرين : من علماء البحرين السيد النجيب الاديب السيد هاشم المعروف ب- ( الصياح ) الستري البحراني ، كان رحمه اللّه شاعرا له يد طولى في علم التجويد ولهذا يلقب بالقاري ، سمعت من شيخنا الثقة العلامة المرحوم الشيخ احمد ابن المقدس الشيخ صالح أن له كتابا في القراءة سماه ( هداية القاري الى كلام الباري ).

وله القصيدة الغراء التي أولها :

قم جدد الحزن في العشرين من صفر *** ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

وهي مشهورة ، وعندنا كتاب ( مقنعة الشيخ المفيد ) رحمه اللّه نسخة قديمة جدا عليها تملكه ، وأنهى نسبه فيها للامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ولم أقف له على ترجمة تغمده اللّه بالرضوان والرحمة.

ص: 318

تصويب

جاء في ص 167 عند ترجمة الشيخ حمادي الكواز بيتان هما :

ليهن محاني مشهد الشمس انه *** ثوى بدر أنسي عندها بثرى القبر

وكان قديما مشهد الشمس وحدها *** فعاد حديثا مشهد الشمس والبدر

نسبناهما له سهوا والصحيح أنهما لأخيه الشيخ صالح الكواز المترجم ص 213 قالهما في رثاء ولد له صغير دفن في مقبرة ( مشهد الشمس ) بالحلة.

ص: 319

الى الادباء والباحثين

ضاق نطاق هذا الكتاب عن استيعاب شعراء المائة الثالثة بعد الالف فانتقلنا بالبقية الباقية الى الجزء الثامن ، وودعنا القرن الثالث عشر على كره منا ، فالنفس غير راضية بهذا الانتقال ولا مطمئنة لهذا الانفصال ، اذ هي ما زالت تتحسس أو تكاد تلمس أشباحا ممن تبتغي العثور عليهم وحتى نالها التعب في التقصي على آثارهم ، وعدت عليها بالتسلية فان المفقود متى عثر عليه يرجع به الى عصره ومصره. وان الانسان يجب أن يعمل مدى الحياة ما دامت الحياة وقد قيل : فتش تجد.

ص: 320

اعتذار من سهو

وصلتني رسالة من العلامة صاحب التوقيع ونصها :

الاستاذ الحبيب المجاهد الجواد من آل شبر دام مؤيدا سلام عليكم ورحمة اللّه. وبعد. تصفحت كتابكم الثمين وذخركم القيم ( أدب الطف ) فراقني ما فيه من ترتيب وجهد بالغين. وكم كانت هذه الفكرة تراودني من زمن بعيد حتى سمعت بذكر كتابكم فسارعت لاقتنائه ، فالحمد لله الذي جعل هذا العمل الجبار على يديكم وهل لهذا الميدان فارس غيركم. سدد اللّه خطاكم وبارك في جهودكم.

وهناك ملاحظات على الجزء الخامس :

أولا : نسبتم في ص 209 قصيدة مطلعها :

نظرت عيني فلم أدر ضباءا *** أو غصونا مائسات أم نساءا

نسبتموها للشيخ فرج بن محمد الخطى المعروف بالمادح المتوفى 1135 ه- والصحيح أنها للشيخ فرج بن حسن من آل عمران المعاصر صاحب ( الروضة الندية ).

ثانيا : جاء في ص 348 عبداللّه العوي الخطي والصحيح ( العوى ) بالالف المقصورة.

ثالثا : جاء في ص 383 الشيخ عبداللّه العوامي ، والصحيح الشيخ عبداللّه العوى.

ختاما تقبلوا فائق احتراماتي *** سعيد السيد أحمد الشريف

الخباز القطيفي

نشكر السيد الباحث على هذه الملاحظات ، انما الذي جرنا الى هذا السهو هو اتحاد الاسمين والبلدين للشاعرين.

المؤلف

ص: 321

عواطف أديب

سبق وأن تفضل الاستاذ الكبير ، الكاتب الشهير جعفر الخليلي فشمل موسوعة ( أدب الطف ) بمطالعتها والكتابة عنها في الصحف العراقية ، وهذه رسالة ضمنها عواطفه وانطباعاته عن الجزء السادس ، حررها بتاريخ 13 / 3 / 1976.

سيدي الخطيب اللامع والصديق الوفي الاستاذ السيد جواد شبر

أشكرك على كتابك النفيس ( أدب الطف ) الذي تلقيته قبل ايام وجدد لي ذكرى محبتك وعزيمتك وملكاتك الادبية التي كان من نتائجها اخراج هذه السلسلة التي بلغت بها الجزء السادس بدون كلل ولا ملل وليس الفضل فضلك منحصرا في قوة الاستمرار والدأب على هذا العمل وانما في هذا العرض الذي لم يسبقك اليه سابق ، وفي هذه التفلية في بطون الكتب والوثائق المخطوطة وبذلك كنت أول من يضع هذه اللبنة في هذا الصرح ، وكم كنت أود لو كانت هناك صحيفة تهضم مثل هذه المواضيع لاعتضت بها عن الكتابة لك برأي هذا في كتابك ، لذلك أكتفي بأن أذكر لك بأنني أعجبت بهذا الجزء كما أعجبت بالاجزاء الخمسة المتقدمة وأبديت اعجابي ونشرته ، وانا أبتهل الى اللّه أن يمنحك التوفيق لتمشي بهذه السلسلة الى النهاية ، وبذلك تسد فراغا كبيرا في هذا اللون من الادب ، والتراجم التي أغفلها مؤرخوا الادب من قبل.

فجزاك اللّه خير الجزاء. تقبل عاطر تحياتي ودم لمن يخلص لك ويعجب بك.

جعفر الخليلي

ص: 322

المصادر

تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون للصفدي

الاقتباس من القرآن الكريم للثعالبي

معجم الشعراء للمرزباني

الكامل لابن الاثير

تاريخ دمشق لابن عساكر

اعيان الشيعة للسيد محسن الامين

الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة للشيخ محسن الطهراني

نقباء البشر في القرن الرابع عشر للشيخ محسن الطهراني

الذريعة الى تصانيف الشيعة للشيخ محسن الطهراني

روضات الجنات للخونساري

القمقام فرهاد ميرزا القاجاري

معارف الرجال الشيخ محمد حرز الدين

نهضة العراق الادبية في القرن التاسع عشر الدكتور محمد مهدي البصير

الحالي والعاطل الدكتور عبدالرزاق محيي الدين

البابليات للشيخ محمد علي اليعقوبي

الجعفريات للشيخ محمد علي اليعقوبي

شعراء من كربلاء السيد سلمان هادي الطعمة

شعراء الحلة علي الخاقاني

شعراء الغري علي الخاقاني

رياض المدح والرثاء للشيخ حسين علي البلادي

الروضة الندية في المراثي الحسينية للشيخ فرج آل عمران

شعراء بغداد عبد القادر الشهراباني

المسك الاذفر للآلوسي

انوار البدرين للشيخ علي البلادي

ص: 323

قلائد الخرائد في اصول العقائد للسيد مهدي القزويني

حزن المؤمنين في مصائب آل ياسين للشيخ محمدعلي الكاظمي

الحصون المنيعة في تراجم شعراء الشيعة للشيخ علي كاشف الغطاء

سمير الحاظر وانيس المسافر للشيخ علي كاشف الغطاء

الكشكول للشيخ هادي كاشف الغطاء

المجالس الحيدرية في النهضة الحسينية للسيد حيدر العطار

ترجمة السيد عبد اللّه شبر للسيد محمد معصوم

معجم شعراء الطالبيين للسيد مهدي الخراسان

الدر المنظوم في الحسين المظلوم للسيد حسن البغدادي

رسالة في ترجمة السيد مهدي القزويني للسيد حسين القزويني

شعراء القطيف للشيخ علي منصور

البيوتات الادبية في كربلاء موسى الكرباسي

ديوان السيد حيدر الحلي

ديوان الشيخ صالح الكواز

ديوان الملا حسن القيم

ديوان الشيخ محسن الخضري

ديوان الشيخ صالح التميمي

ديوان الباقيات الصالحات عبد الباقي العمري

ديوان الحاج جواد بذكت

ديوان السيد جعفر الحلي

ديوان الشيخ محمد علي كمونة

ديوان السيد ابراهيم الطباطبائي

ديوان السيد ميرزا الطالقاني

ديوان الدررالغروية في مدح ورثاء العترة المصطفوية للسيد صالح القزويني النجفي

ديوان الشيخ جابر الكاظمي

ديوان السيد موسى الطالقاني

ديوان ميرزا ابو الفضل الطهراني

ديوان الشيخ عباس الملا علي

ديوان الشيخ عبد الحسين شكر

ديوان رطب العرب المير محمد عباس

ص: 324

الفهرس

شاعر يرثي الحسين في القرن الرابع الهجري ... 7

آخر يقول الشعر في الحسين في القرن الخامس الهجري... 8

عثمان الهيتي يذكر الحسين... 9

السيد علي السيد سلمان ينظم في غارة الوهابيين على كربلاء... 10

الشيخ احمد الدورقي الاحسائي علمه واثاره ، مكانته العلمية... 13

الشيخ صافي الطريحي حياته اثاره العلمية... 15

عبد المحسن الملهوف رائعته في الامام الحسين... 17

الشيخ صالح التميمي ، حياته وألوان من شعره ، ديوانه وروائعه... 21

السيد صدر الدين العاملي مكانته العلمية أقوال الباحثين عنه... 30

السيد حيدر العطار معارفه وكمالاته ، زهده وورعه ، اثاره العلمية... 34

السيد جعفر القزويني حياته ، موت الغربة... 39

السيد محمد بن علي الصحاف نبذة عن حياته ... 43

الشيخ عبد العزيز الجشي رثاؤه للحسين... 44

السيد محمد ابو الفلفل ولاؤه للحسين وأشعاره فيه... 47

السيد محمد السيد معصوم حياته ومؤلفاته ، ديوانه في المراثي... 53

الشيخ حسن الصفواني نبذة عن حياته ، شعره في الرثاء... 63

الحاج سليمان العاملي اشارة الي أشعاره... 65

الشيخ حسن الدورقي ، حياته العلمية اثاره ومؤلفاته... 66

ص: 325

السيد احمد الفحام ترجمته بعض اشعاره... 68

حاج صالح حجي الكبير حياته وأقوال العلماء ، ألوان من شعره... 71

الشيخ قاسم الهر ترجمته وشعره... 75

الشيخ عباس الملا علي أدبه العالي رقة غزله ، ألوان من شعره ، غرامياته... 77

الشيخ محمد بن عبد اللّه حرز حياته ومؤلفاته وبعض اشعاره... 89

الشيخ درويش علي البغدادي معارفه وكمالاته ، أقوال العلماء فيه... 93

الشيخ عبد اللّه الذهبة شاعريته ديوانه مؤلفاته... 98

الشيخ حسن قفطان قوة الشاعرية مكانته العلمية... 103

الشيخ الفتوني وعلومه ، تحقيق عن اليوم الذي استشهد فيه الحسين بحث وتحقيق عن رأس الحسين 114

الشيخ ابراهيم قفطان شاعريته ودراسته ومخطوطاته... 122

عبد الباقي العمري مكانته في الاوساط الادبية ، مجموعة من اشعاره في اهل البيت... 125

الشيخ حسين الشيخ علي قفطان نبذة عن حياته... 138

الشيخ موسى محي الدين أدبه وعلمه براعة الشاعرية ، مساجلاته... 139

الحاج جواد بدقت روائعه في الحسين ، مكانته الادبية ، جزالة الشعر... 144

الشيخ صالح بن طعان ، ديوانه في المراثي ، اثاره العلمية... 152

الشيخ محمد علي كمونة ، شهرته ومكانته ، جلالة قدره ، ديوانه الشعري... 155

الشيخ حمادي الكواز الشاعر الامي مفخرة الشعر العربي ، حياته ونوادره ومسجلاته 161

الشيخ ابراهيم صادق العاملي ، العالم الشاعر ، مدائحه للامام أميرالمؤمنين (عليه السلام)... 173

السيد عبد الرحمن الالوسي قصيدته في الامام الحسين وبعض شعره... 182

الشيخ عبد الحسين شكر حياته وديوانه ، مراثيه... 185

السيد راضي القزويني حياته بعض مراثيه... 195

السيد محمد بن عبد الصمد الاصفهاني مكانته العلمية ونبذة من حياته... 199

ص: 326

الشيخ علي آل عبد الجبار ، ترجمته شيء من شعره... 200

السيد مهدي السيد داوود الحلي العالم الشاعر ، تقواه وصلاحه ، رثاؤه للحسين... 201

عباس القصاب يذكر الحسين... 212

الشيخ صالح الكواز عملاق الشعر ونابغة العصر ، ديوانه مميزاته... 213

الشيخ محمد نصار اللملومي شاعر بالفصحي والدراجة ، غزله ، نوادره... 232

الشيخ احمد قفطان حياته وطائفة من أشعاره... 239

الشيخ سالم الطريحي الشاعر الجزل ، جملة من مراثيه للحسين... 242

السيد احمد الرشتي ، ألوان من شعره حياته العلمية والادبية... 249

الشيخ حمزة البصير حياته وشعره... 253

الشيخ مهدي حجي تلميح لحياته وشعره... 254

السيد موسى الطالقاني علمه وأدبه ، ديوانه والوان من شعره... 255

السيد ميرزا جعفر القزويني نبوغه وعلمه ، سخاؤه وفضله والجعفريات... 257

الشيخ صادق اطيمش ترجمته وأدبه... 268

الشيخ ناصر بن نصراللّه وولده الشيخ عبد اللّه مقتطفات من أشعاره... 270

العلامة الحجة السيد مهدي القزويني صاحب المصنفات ، حياته وكانته في المجتمع... 271

الشيخ لطف اللّه الحكيم حياته ونموذج من منظوماته... 279

الشيخ علي الناصر قطعة من شعره وجملة حياته... 281

الشيخ محسن الخضري ، أدبه ، تضلعه باللغة ، ديوانه ، مراسلاته... 282

الشيخ علي سبيتي نبذة عن حياته وفضله... 285

السيد كاظم الامين علمه ، ملحمته في الوعظ والتذكير... 287

الحاج يوشع البحارنة ، سيرته وشعره... 294

الشيخ عبد الرضا الشيخ حسن الخطى ، مرثيته للحسين (عليه السلام)... 295

الشيخ راضي الظالمي ، أسرته ، أبوه ومنزلته العلمية... 299

الشيخ عبد اللّه المشهدي القطيفي ترجمته ونبذة من شعره... 300

ص: 327

الشيخ موسى بن جعفر الكاظمي الاسدي ابيات من شعره... 301

السيد حسين بن الشمس الحسيني ، ارجوزته في المعصومين... 302

الشيخ عبد اللّه بن احمد القطيفي... 303

الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي... 304

المستدركات

ابو طالب الجعفري ، شعره ، ترجمته وحياته... 307

ابن المستوفي حياته ، منزلته العلمية ، مؤلفاته ، شعره... 309

الشيخ حسن النح رثاؤه للحسين وفي اخري يمدح النبي صلی اللّه علیه و آله ... 312

ابن المتوج أقوال الباحثين في حياته وعلمه... 315

الشيخ ابراهيم الجيلاني... 316

ابن كنبار محمد بن يوسف بن علي بن كنبار البلادي البحراني... 317

السيد هاشم الصياح الستري مرثيته الرقيقة... 318

ص: 328

المجلد 8

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 351

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء الثامن

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

المقدمة

منذ سنوات عشر كنت كلما واتتني الفرصة ووجدت متسعاً من الوقت طرت الى بيروت وعكفت في احدى المطابع وواصلت السهر على إخراج جزء من أجزاء هذه الموسوعة ( أدب الطف ) فلا يمرّ شهر واحد حتى يكون الكتاب قد نجز ، وبيروت يومئذ قائمة على قدم وساق تصل الليل بالنهار بمواصلة العمل ، أما اليوم وقد هبطت اليها لنفس الغرض وبتاريخ 27 / 5 / 1977 والمصادف 8 جمادي الثانية من سنة 1397 ه وإذا هي موحشة الجوانب خاوية على عروشها فذكرت قوله تعالى ( أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها ).

ايه يا عروس الشرق كيف ابيح حماك وصار عرضة للسلب والنهب.

هل تؤمنين بأن الأرض تشقى وتسعد ، وهل تؤمنين أن المعاصي تزيل النعم ( وضرب اللّه مثلاً قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً فكفرت بأنعم اللّه فاذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ).

استغرقت في تفكيري ورددت ما خطر ببالي من الوقوف على الاطلال ومخاطبة الديار. ثم هيأ اللّه بعد اللتيا والتي من يستجيب لتحقيق أمنيتي ، فنجز الجزء السابع واتبعته بالجزء الثامن والحمد لله. وهذا الجزء يتضمن البقية من شعراء القرن الثالث عشر وقسماً من الرابع عشر.

المؤلف

ص: 5

السيد حيدر الحلي

اشارة

المتوفى 1304

أهاشم لا يوم لك ابيضَّ أو ترى *** جيادك تزجي عارض النقع أغبرا

طوالع في ليل القتام تخالها *** وقد سدّت الافق السحاب المسخرا

بني الغالبيين الألى لست عالماً *** أأسمح في طعن اكفك أم قرى

إلى الآن لم تجمع بك الخيل وثقة *** كأنك ما تدرين بالطف ما جرى

هلمي بها شعث النواصي كأنها *** ذئاب غضاً يمرحن بالقاع ضمرا

وإن سئلتك الخيل اين مغارها *** فقولي ارفعي كل البسيطة عثيرا

فان دماكم طحن في كل معشر *** ولا ثار حتى ليس تبقين معشرا

ولا كدم في كربلا طاح منكم *** فذاك لأجفان الحمية أسهرا

غداة أبو السجاد جاء يقودها *** أجادل للهيجاء لحملن أنسرا

عليها من الفتيان كل ابن نثرة *** يعدّ قتير الدرع وشياً محبرا

أشمّ إذا ما افتض للحرب عذرة *** تنشقّ من أعطافها النقع عنبرا

من الطاعني صدر الكتيبة في الوغى *** إذا الصف منها من حديد توقرا

هم القوم اما اجروا الخيل لم تطأ *** سنابكها إلا دلاصاً ومغفرا

إذا ازدحموا حشداً على نقع فيلق *** رأيت على الليل النهار تكورا

كماة تعد الحيّ منها إذا انبرت *** عن الطعن من كان الصريع المقطرا

ص: 6

ومَن يخترم حيت الرماح تظافرت *** فذلك تدعوه الكريم المظفرا

فما عبروا إلا على ظهر سابح *** إلى الموت لما ماجت البيض ابحرا

مضوا بالوجوه الزهر بيضاً كريمة *** عليها لثام النقع لاثوه اكدرا

فقل لنزار ما حنينك نافع *** ولومتّ وجداً بعدهم وتزفرا

حرام عليك الماء ما دام مورداً *** لأبناء حرب أو ترى الموت مصدرا

وحجر على أجفانك النوم عن دم *** شبا السيف يأبى أن يطل ويهدرا

أللهاشمي الماء يحلو ودونه *** ثوت آله حرى القلوب على الثرى

وتهدأ عين الطالبي وحولها *** جفون بني مروان ريّا من الكرى

كأنك يا أسياف غلمان هاشم *** نسيت غداة الطف ذاك المعفرا

هبي لبسوا في قتله العار أسوداً *** أيشفي إذا لم تلبسوا الموت أحمرا

ألا بكر الناعي ولكن بهاشم *** جميعاً وكانت بالمنية أجدرا

فما للمواضي طائل في حياتها *** إذا باعها عجزاً عن الضرب قصرا

ثوى اليوم أحماها عن الضيم جانباً *** وأصدقها عند الحفيظة مخبرا

وأطعمها للوحش من جثث العدى *** وأخضبها للطير ظفرا ومنسرا

قضى بعد ما ردّ السيف على القنا *** ومرهفه فيها وفي الموت أثرا

ومات قريب العهد عند شبا القنا *** يواريه منها ما عليه تكسرا

فإن يمس مغبّر الجبين فطالما *** ضحى الحرب في وجه الكتيبة غبرا

وإن يقض ظمآناً تفطر قلبه *** فقد راع قلب الموت حتى تفطرا

وألقحها شعواء تشقى بها العدى *** ولود المنايا ترضع الحتف ممقرا

فظاهر فيها بين درعين نثرة *** وصبر ودرع الصبر أقواهما عرى

سطا وهو أحمى من يصون كريمة *** وأشجع من يقتاد للحرب عسكرا

فرافده في حومة الضب مرهف *** على قلّة الأنصار فيه تكثرا

تعثّر حتى مات في الهام حده *** وقائمه في كفه ما تعثرا

ص: 7

كأن اخاه السيف أُعطي صبره *** فلم يبرح الهيجاء حتى تكسرا

له اللّه مفطور من الصبر قلبه *** ولوكان من صم الصفا لتفطرا

ومنعطفاً اهوى لتقبيل طفله *** فقبل منه قبله السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردى *** ومن قبله في نحره السهم كبرا

وفي السبي مما يصطفي الخدر نسوة *** يعز على فتيانها أن تسيرا

حمت خدرها يقضى وودت بنومها *** ترد عليه جفنها لاعلى الكرى

مشى الدهر يوم الطف أعمى فلم يدع *** عماداً لها إلا وفيه تعثرا

وجشمها المسرى ببيداء قفرة *** ولم تدر قبل الطف ما البيد والسرى

ولم تر حتى عينها ظل شخصها *** إلى أن بدت في الغاضرية حسرى

فاضحت ولا من قومها ذو حفيظة *** يقوم وراء الخدر عنها مشمرا

* * *

ولد السيد حيدر في الحلة وينتهي نسبه الى الامام أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام - كان مولده (15) شعبان سنة 1246 ه الموافق سنة ( 1830 م ) وقبل أن يكمل عامه الثاني من عمره فقد والده فعاش يتيماً وتولى تربيته عمه السيد مهدي وكانت وفاته بالحلة يوم التاسع من ربيع الثاني وحمل إلى النجف فدفن في الصحن الشريف امام الرأس الشريف. كان شاعراً مجيداً من أشهر شعراء العراق أديباً ناثراً جيد الخط نظم فأكثر ولا سيما في رثاء الحسين علیه السلام فقد حلّق ، بالرغم من أن معاصريه من فحول الشعراء وأكابر الادباء فقد فاقهم حتى اعترفوا له بالفضل. قال السيد في الاعيان : وكان لغوياً عارفاً بالعربية شهماً أديباً ، وقوراً تقياً عليه سمات العلماء الأبرار كثير العبادة والنوافل كريم الطبع. في الطليعة اخبرني السيد حيدر الحلي قال رأيت في المنام فاطمة الزهراء علیهاالسلام فأتيت اليها مسلماً عليها مقبّلا يديها فالتفتت إلي وقالت :

أناعيَ قتلى الطف لا زلتَ ناعيا *** تهيج على طول الليالي البواكيا

ص: 8

فجعلت أبكي وانتبهت وأنا اردد هذا البيت وجعلت أتمشى وأنا أبكي ففتح اللّه علي أن قلت :

أعد ذكرهم في كربلاء إن ذكرهم *** طوى جزعاً طيّ السجل فؤاديا

ودع مقلتي تحمر بعد ابيضاضها *** بعد رزايا تترك الدمع داميا

ستنسى الكرى عيني كأن جفونها *** حلفن بمن تنعاه ان لا تلاقيا

وتعطي الدموع المستهلات حقها *** محاجر تبكي بالغوادي غواديا

واعضاء مجد ما توزعت الضبا *** بتوزيعها إلا الندى والمعاليا

لئن فرقتها آل حرب فلم تكن *** لتجمع حتى الحشر إلا المخازيا

ومما يزيل القلب عن مستقره *** ويترك زند الغيظ في الصدر واريا

وقوف بنات الوحي عند طليقها *** بحال بها يشجين حتى الأعاديا

لقد الزمت كف البتول فؤادها *** خطوب يطيح القلب منهن واهيا

وغودر منها ذلك الضلع لوعة *** على الجمر من هذي الرزية حانيا

أبا حسن حرب تقاضتك دينها *** إلى أن أسائت في بنيك التقاضيا

مضوا عطري الأبراد يأرج ذكرهم *** عبيراً تهاداه الليالي غواليا

غداة ابن ام الموت اجرى فرنده *** بعزمهم ثم انتضاهم مواضيا

واسرى بهم نحو العراق مباهياً *** بأوجههم تحت الظلام الدراريا

تناذرت الأعداء منه ابن غابة *** على نشرات الغيل اصحر طاويا

تساوره افعى من الهم لم يجد *** لسورتها شيئاً سوى السيف راقيا

واظمأه شوق إلى العز لم يزل *** لورد حياض الموت بالصيد حاديا

فصمم لا مستعدياً غير همة *** تفل له العضب الجراز اليمانيا

واقدم لا مستسقياً غير عزمة *** تعيد غرار السيف بالدم راويا

بيوم صبغن البيض ثوب نهاره *** على لابسي هيجاء أحمر قانيا

ترقت به عن خطة الضيم هاشم *** وقد بلغت نفس الجبان التراقيا

ص: 9

لقد وقفوا في ذلك اليوم موقفاً *** إلى الحشر لا يزداد إلا معاليا

هم الراضعون الحرب اول -ا *** ولا حلم يرضعن إلا العواليا

بكل ابن هيجاء تربى بحجرها *** عليه ابوه السيف لا زال حانيا

طويل نجاد السيف فالدرع لم يكن *** ليلبسه إلا من الصبر ضافيا

يرى السمر يحملن المنايا شوارعاً *** إلى صدره ان قد حملن الأمانيا

هم القوم اقمار الندي وجوههم *** يُضئن من الآفاق ما كان داجيا

مناجيد طلاعين كل ثنية *** يبيت عليها مُلبد الحتف جاثيا

ولم تدر ان شدوا الحبا احباهم *** ضمّن رجالاً أم جبالاً رواسيا

قال : ثم أوصى أن تكتب وتوضع معه في كفنه ترجم له الكثير وقرضوا شعره إذ هو الشاعر الذي لم يزل يحتفظ بمكانته السامية في نفوس الشعراء والعلماء والادباء ولم تضعضع الأيام ولا مرّ السنين من رفعته وجلالته وتقديره ، وما رأيت شاعراً من شعراء الحسين علیه السلام تتذوقه النفوس وتهوى تكرار قصائده كالسيد حيدر في جميع الأقطار الشيعية فهو مضرب المثل في هذه الصناعة. قال الزركلي في ( الاعلام ) : السيد حيدر شاعر أهل البيت في العراق أديب إمامي شعره حسن ، وكان مترفعاً عن المدح والاستجداء موصوفاً بالسخاء له ديوان شعر سماه ( الدر اليتيم ) وأشهر شعره حولياته في رثاء الحسين علیه السلام وترجم له الخطيب الأديب الشيخ اليعقوبي في البابليات فقال : ولد رحمه اللّه في الحلة ليلة النصف من شعبان سنة 1246 ه ومات أبوه سنة 1247 فاقترن السيد مهدي - عم المترجم له - بزوجة اخيه السيد سليمان وعمر ولدها حيدر أقل من عامين فنشأ في حجر عمه وربيب نعمته وخريج مدرسته ، قال : وقد وقفت يوم كنت في الحلة على نسخ كثيرة من قصائد عمه ورسائله النثرية التي كان يبعث بها لآل كبة وغيرهم وهي بخطة المترجم له وفي آخرها يقول : وحضر كاتب الحروف ولدنا حيدر يهديكم عاطر التحيات.

ص: 10

وطفق من أول نشأته يحفظ الشعر ويعالج النظم كأنه مطبوع عليه حتى أحرزت قصائده استحساناً عظيماً في أندية الأدب ، وتفاءل قراء شعره بنبوغه في الفن ، كما أنه في نثره لا يقل عن نظمه فصاحة وبلاغة حتى قال فيه شيخ ادباء بغداد عبد الباقي العمري :

لقد أبدع السيد المرتقى *** بتسميطه ذروة الابلق

وفاه بما فيه - لافظ فوه - *** لبيد الفصاحة لم ينطق

وبرّز في حلبة غيره *** اليها وإن طار لم يسبق

وقد كان أبيّ النفس ، واسع الجاه عظيم القدر يتمتع بمكانة سامية في الأوساط العلمية والأدبية بحيث يحتفى به حجة الاسلام الشيرازي إذا استزاره إلى سامراء ذكر الشيخ الأميني في ( الغدير ) ان السيد حيدر قصد سامراء لزيارة الإمامين العسكريين علیهماالسلام وبعد أداء الزيارة قصد السيد المجدد الشيرازي ، فعزم السيد المجدد على ردّ الزيارة له وحمل معه مائة ليرة ذهبية ودفعها له بكل إجلال وتقدير ، ثم قبّل يد السيد حيدر حيث أنه شاعر أهل البيت علیهم السلام ، وهذا منتهى التقدير.

وكان من أوعى رجال الأدب صدراً لمادته لغة وعلوم عربية ومن اكثرهم حفظاً للفوائد واستظهاراً للشوارد وأشدهم مزاولة لأشعار العرب وخطبهم ، جزل الألفاظ رقيق المعاني حسن الروية جيد الطبع فجاء شعره في الغالب متين التأليف عربياً فصيح المفردات والتراكيب ، وحسبك منه ( حولياته ) التي لم يقصر فيها عن شأو زهير في البلاغة وصحة اللفظ والمعنى وهي مرثياته للسبط الشهيد أبي عبد اللّه الحسين؟ التي خلدته خلوداً يبقى مع الزمن ، فلا شك أنه شقّ فيها غبار الشريفين الرضى والمرتضى ومهيار وكشاجم وكل من تعاطى رثاء الامام الشهيد علیه السلام من فحول شعراء الشيعة المتقدمين والمتأخرين وجاء باللون الجديد في الرثاء وتفنن فيه ما شاء له أدبه ومقدرته في الألفاظ والمعاني والأساليب ما هزّ المشاعر واستمطر الدموع.

ص: 11

قال الشيخ اليعقوبي : وحدثني المغفور له السيد هادي القزويني أن عمه السيد ميرزا جعفر كان يقترح على خطيب الذكرى الحسينية في المحفل الذي يعقده بداره في الحلة طيلة العشرة الاولى في المحرم أن لا ينشده غير المراثي الحيدرية ، ومجموع قصائد السيد حيدر الحسينية (23) عدا المقاطيع وكلها من الشعر المختار ، وقد جمعت وطبعت مستقلة عن ديوانه غير مرة في الهند والنجف وقد أحجم عن مجاراته فيها كثير من الشعراء المعاصرين له والمتأخرين عنه.

وأنبأني الأديب الحاج عبد المجيد الشهير ب ( العطار ) قال : دخلت على السيد يوماً وطلبتُ منه قصيدته النونية التي مطلعها :

إن ضاع وترك يابن حامي الدين *** لا قال سيفك للمنايا كوني

فاستدعى بمحفظة خشبية أخرج منها أكثر من ثمان نسخ من القصيدة نفسها ، وكل واحدة تختلف عن سابقتها في التقديم والتأخير والتنسيق حتى دفع إلي آخر نسخة كان قد أعاد النظر في تهذيبها وهي التي ارتضاها بعد إجهاد الفكر ، والى مراثيه هذه أشار المجاهد السيد السعيد الحبوبي بقوله في قصيدته التي رثاه فيها وهي أبلغ قصيدة رثي بها المترجم له :

أجوهرة الدنيا التي قد تزينت *** به واكتست من بشره اللمعانا

فمن للقوافي الغر بعدك حيدرٌ *** يساجل فيها دائنا ومدانا

فكم لك إذ تدعو ابن أحمد ندبة *** تزلزل رضوى أو تزيل أبانا

أطلتَ ولم تملل بكاك عليهم *** فطال ولم نملل عليك بكانا

ولا تظن أن إبداعه يقتصر على مراثي أهل البيت علیهم السلام فإن شعره في شتى النواحي مزدان بالإبداع مرصوص الجوانب كالسلاسل الذهبية فاستمع إلى قطعة من قصيدته التي قالها في رثاء الميرزا جعفر القزويني والتي مطلعها :

قد خططنا للمعالي مضجعا *** ودفنّا الدين والدنيا معا

عقدنا للمساعي مأتما *** ونعينا الفخر فيه أجمعا

ص: 12

صاحب النعش الذي قد رفعت *** بركات الأرض لما رفعا

وقوله من قصيدة يرثي بها علامة عصره الشيخ مهدي حفيد الشيخ الأكبر كاشف الغطاء :

يا من أضاء بنوره أفق الهدى *** أعلمتَ بعدك كل افق أظلما

أبكيك للاحسان غاض نميره *** قسراً وللآمال بعدك حوّما

رفعوك والبركات عن ظهر الثرى *** وطووك واللمعات عن وجه السما

دفنوك وانصرفوا بأعظم حيرة *** فكأنما دفنوا الكتاب المحكما

ولشاعرنا السيد حيدر آثار أدبية :

1 - كتاب دمية القصر في شعراء العصر ، جمع فيه ما قاله شعراء عصره في المرحوم الحاج محمد صالح كبة وأولاده وأحفاده وهو يقع في 556 صفحة ، لا توجد غير نسخة الاصل وهي في مكتبة الشيخ محمد مهدي كبة.

2 - العقد المفصل يجمع المحسنات البديعة والطرف الأدبية والنوادي والفكاهات واللغة والأدب ، طبع ببغداد في جزئين كبيرين سنة 1332.

3 - الاشجان في خير انسان يتكون من 95 صفحة جمع فيه ما قيل في رثاء السيد ميرزا جعفر القزويني وعدد الشعراء الذين ترجم لهم 23 شاعراً.

4 - ديوان شعره ، ولم يكن مجموعاً في حياة الناظم وإنما جمعه ابن اخيه السيد عبد المطلب باقتراح من الحجة السيد حسن الصدر قدس سره . وقد طبع في الهند سنة 1312 ه ثم أُعيد طبعه مرة ثانية بنفس الطباعة الحجرية فكانت كالاولى بكثرة اغلاطها النحوية والاملائية ، وفي سنة 1368 ه قامت مطبعة ( الزهراء ) بالنجف الأشرف بطبع الجزء الأول من ثلاثة أجزاء بتحقيق الاستاذ اللامع صالح الجعفري مدرّس الأدب العربي في ثانوية النجف بعدما قابله بعدة نسخ مخطوطة وأجودها نسخة الشيخ السماوي المخطوطة بقلم الشيخ حسن مصبح سنة 1306 ه كما قام

ص: 13

الاستاذ البحاثة على الخاقاني بتحقيق ونشر الديوان على نسخ مضبوطة محققة وأخرجه بأجمل اخراج في مطابع النجف أقول وقد ترجم له الشيخ عبد الرزاق البيطار في مؤلفه ( حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ) جزء 1 صفحة 566 وأسماه ب السيد حيدر الحلبي تصحيف ( حلي ) مع أن الكتاب طبع بمطبعة الترقي بدمشق بتحقيق الاستاذ محمد بهجة البيطار عضو مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1380 ه 1961 م.

كما جاء في كتاب ( نفس المهموم ) للمحدث الشيخ عباس القمي رحمه اللّه قصيدة تزيد على 20 بيتاً أولها :

أتربة وادي الطف حياك ذو العرش *** وروّت رباك المزن رشاً على رشّ

ونسبها للسيد حيدر الحلي ، والصحيح انها للشيخ حسن مصبح.

وجاء في ( اعيان الشيعة ) للسيد الأمين ج 29 عند ترجمة السيد حيدر ، هذه المقطوعة الغرامية التي مطلعها :

إلى م تسرّ وجدك وهو باد *** وتلهج بالسلوّ وانت صبّ

والصحيح انها للشيخ عباس بن الملا علي النجفي ، وهي مثبتة في ديوانه.

توفي السيد حيدر في مسقط رأسه - الحلة - عشية الاربعاء في الليلة التاسعة من ربيع الثاني وعمره 59 سنة ودفن في النجف الاشرف في الجهة الشمالية من الصحن الحيدري أول الساباط بين مرقدي السيد ميرزا جعفر القزويني والشيخ جعفر الشوشتري ، ورثاه فريق من الشعراء كالسيد الحبوبي والسيد ابراهيم الطباطبائي ، والشيخ حمادي نوح ، والحاج حسن القيم ، والشيخ حسون العبداللّه والشيخ محمد الملا ، وولده السيد حسين وابن اخيه السيد عبد المطلب ، وعقد له العلامتان السيد محمد القزويني وأخوه السيد حسين مأتم العزاء بدارهما في النجف ، ولذلك تخلص الحبوبي إلى مدحهما في آخر قصيدته التي مطلعها :

أبن لي نجوى إن أطقتَ بيانا *** ألست لعدنان فماً ولسانا

ص: 14

عندما ندرس السيد حيدر الحلي قدس سره نجد له صلة اكيدة بعبقرية الشاعرين الشريف الرضي والمهيار الديلمي وان لهما تأثيراً قوياً على شاعريته وذلك لأنه درس شعر الرضي دراسة تحليلية ودوّن معظم قصائده والمختار من ديوانه في مجاميعه الأدبية ونسخ ديوان مهيار بكامله في أربعة أجزاء بالقطع الكبير. كتبه وهو ابن 25 سنة وكتب في آخره :

تمّ الجزء الرابع من ديوان مهيار الديلمي على يد المحتاج إلى ربه الغني حيدر بن سليمان الحسيني يوم الاثنين وهو اليوم السابع عشر من شوال 1271 ه.

ومن ثمة تجده قد ألمّ بكثير من معاني الشريف ومهيار وأودعها في قصائده بقوالب من الألفاظ ربما تكون أحيانا أقوى وأجزل من الأصل ، وها نحن نثبت أمثله منها : (1)

قال الشريف الرضي :

ودعي الأعنة من أكفك إنها *** فقدت مصرفها ليوم مغار

وقال السيد حيدر :

لتلق الجياد السابقات عنانها *** فليس لها بعد الحسين مصرّف

وقال الشريف الرضي :

إلى جده تنمى شمائل مجده *** وهل ترجع الأشبال إلا إلى الأسد

وقال السيد حيدر :

كفى خلفاً عنه بأشبال مجده *** وهل تخلف الاساد إلا شبولها

وقال الشريف الرضي :

كالغيث يخلفه الربيع وبعضهم *** كالنار يخلفها الرماد المظلم

وقال السيد حيدر :

وبعضهم كالنار لا يخلفها *** منها سوى ما كان من رمادها

ص: 15


1- عن البابليات للشيخ اليعقوبي في ترجمة سيد حيدر الحلي.

وقال الشريف الرضي :

وهل ينفع المكلوم عضّ بنانه *** ولو مات من غيض الأسد الوردي

وقال السيد حيدر :

فعضضت البنان غيظاً ولكن *** لا يفيد المكلوم عضّ البنان

وقال الشريف الرضي :

إنما قصّر من آجالنا *** أننا نأنف من موت الهرم

وقال السيد حيدر :

عهدي بهم قصر الأعمار شأنهم *** لا يهرمون وللهيّابة الهرم

وقال الشريف الرضي :

وترى خفافا في الورى فاذا انتدوا *** وتلاغط النادي رأيت ثقالا

وقال السيد حيدر :

ان دعوا خفّوا إلى داعي الوغى *** وإذا النادي احتبى كانوا الثقالا

وقال الشريف الرضي :

متأوهاً تحت الخطوب *** تأوّه الجمل العقير

وقال السيد حيدر :

عججنا اليك من الظالمين *** عجيج الجمال من الناحر

وقال الشريف الرضي :

إن الجياد على المرابط *** تشتكي طول المقام

وقال السيد حيدر :

الخيل عندك ملّتها مرابطها *** والبيض منها عرا أغمادها السأمُ

وقال الشريف الرضي :

بضوامر مثل النسور *** وغلمة مثل الصقور

وقال السيد حيدر :

غداة ابو السجاد جاء يقودها *** أجادل للهيجاء يحملن أنسرا

ص: 16

وقال أبو الطيب المتنبي في أبي العشائر :

افرسُ مَن تسبح الجياد به *** وليس إلا الحديد امواه

وقال السيد حيدر :

فما عبروا إلا على ظهر سابح *** إلى الموت لما ماجت البيض أبحرا

وقال المهيار الديلمي :

إذا راق صبح فالحصان مصاحب *** وإن جنّ ليل فالحسام ضجيع

وقد أحسن السيد حيدر في أخذه حيث قال :

وله الطرف حيث سار أنيس *** وله السيف حيث بات ضجيع

وقال المهيار :

نعم هذه يا دهر أّمّ المصائب *** فلا توعدّني بعدها بالنوائب

وقال السيد حيدر :

يا دهر ما شئت فاصنع هان عظما *** هذا الذي للرزايا لم يدع ألما

وقال ابن هاني الاندلسي :

لا يأكل السرحان شلوطعينهم *** مما عليه من القنا المتكسّر

وقال السيد حيدر :

ومات كريم العهد عند شبا القنا *** يواريه منها ما عليه تكسرا

وقال الحاج هاشم الكعبي المتوفى سنة 1231 يصف سبايا أهل البيت :

عبراتها تحيي الثرى لو لم تكن *** زفراتها تدع الرياض همودا

وقال السيد حيدر :

فدمعها لو لم يكن محرقاً *** عاد به وجه الثرى معشبا

أقول ذكر الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) ترجمة السيد مهدي السيد داود الحلي - عم السيد حيدر الحلي - تربية هذا الشاعر لابن أخيه السيد حيدر وكفالته له وتهذيبه إياه وتثقيفه ثم قال :

ص: 17

فمن ثمة تجد السيد حيدر قد اقتبس كثيراً من معاني عمه وأودعها في قوالب من الألفاظ تفوق فيها على عمه في قوة التراكيب وجمال الأساليب واليك قسماً مما سجلناه من ذلك أثناء مطالعاتنا لديوانيهما.

1 - قال السيد مهدي :

يلقى الكتائب مفرداً بهياجها *** فكأنما هو في الهياج كتائب

وقال ابن أخيه :

فتلقى الجموع فرداً ولكن *** كل عضو في الروع منه جموع

2 - وقال السيد مهدي :

لقد وقفوا موقفاً لو به *** نصبن الجبال لأضحت هباءا

وقال ابن اخيه :

وقفوا والموت في قارعةٍ *** لو بها أرسي ثهلان لزالا

3 - وقال السيد مهدي :

بالقضب زوجت النفوس وطلّقت *** في اللّه دون إمامها أزواجها

وقال ابن أخيه :

ووفت بما عقدت فزوجت الطلى *** بالمرهفات وطلقت حوباءها

4 - وقال السيد مهدي :

وإذا شدوا حباهم لست تدري *** أرجال أم جبال في حباها

وقال ابن اخيه :

ولم تدر إن شدوا الحبا أحباهم *** ضممن رجالا أم جبالا رواسيا

5 - وقال السيد مهدي :

من تحتهم لو تزول الأرض لانتصبوا *** على الهوا هضبا أرسى من الهضب

وقال ابن اخيه :

دكوا رباها ثم قالوا لها *** وقد جثوا نحن مكان الربى

ص: 18

6 - وقال السيد مهدي :

وان غيّر الخطب ألوانها *** ترى وجهه في الخطوب طليقا

وقال ابن أخيه :

تزيد الطلاقة في وجهه *** إذا غيّر الخوف ألوانها

7 - وقال السيد مهدي :

فتوردها في طلاهم ظماءاً *** وتصدرها من دماهم رواءاً

وقال ابن اخيه :

فيصدرها ريانة من دمائهم *** ويوردها ظمأنة تتلهف

8 - وقال السيد مهدي :

وعليه عجّ كبارهم *** عجّة البازل من مُدية نحره

وقال ابن اخيه :

عججنا اليك من الظالمين *** عجيج الجمال من الناحر

9 - وقال السيد مهدي :

دفنوا كتب النبيين به *** أم به قد دفنوا علم الإمامه

وقال ابن اخيه :

دفنوا النبوة وحيها وكتابها *** بك والامامة حكمها وقضاءها

وبالرغم من اعترافنا للسيد حيدر الحلي بأنه مجدد في الشعر ، وأنه المجلّي بين أقرانه فان لنا عليه مؤخذات منها قوله في قصيدته التي مطلعها :

ان لم أقف حيث جيش الموت يزدحم *** فلا مشت بي في طرق العلى قدم

عندي من العزم سرٌ لا أبوح به *** حتى تبوح به الهندية الخذم

وهذا المعنى أخذه من الشاعر أبي فراس الحمداني إذ يقول في قصيدته الشهيرة :

يصان مهري لأمر لا أبوح به *** والدرع والرمح والصمصامة الخذم

ص: 19

ويقول السيد حيدر في قصيدته التي مطلعها :

تركت حشاك وسلوانها *** فخلٌ حشاي وأحزانها

إلى أن يقول في مصرع الحسين بن علي علیه السلام :

عفيراً متى عاينته الكماة *** يختطف الرعب ألوانها

وقد أخذ هذا المعنى من السيد الرضي في مرثيته للحسين علیه السلام :

تهابه الوحش ان تدنو لمصرعه *** وقد أقام ثلاثاً غير مقبور

وجاء في ( المنتخب ) للشيخ فخر الدين الطريحي المتوفي 1085 وهو من رجال القرن الحادي عشر الهجري قوله في الحسين :

ألاعج يوم الطف لا زلتَ واربا *** وللقلب لم تبرح على الصعب لاويا

كم انصدعت أمعاء مهجة أنفس *** فليس لها من جرحك الدهرآسيا

وما زال زند الغيظ للوجد مضرماً *** وضلعي على جمر الغضامنه حانيا

بك انطمست آثار دين محمد *** وأصبح فيك الكون بالحزن داجيا

وهدّ من المجد الأثيل قوامه *** فقوّض للعليا قباباً رواسيا

وفاضت عيون المكرمات كآبة *** وجفن العلا ما أنفك بالدمع جاريا

وقامت لحشر الأنبياء قيامة *** ترى الكل فيها للجريمة جاثيا

بها صورً صَعق الخلق حرّك للفنا *** فأصبح فيها حجة اللّه ثاويا

ألا أيها اليوم المشوم على الورى *** تركت جفون المكرمات دواميا

ضربت بسيف الجور كيوان عزها *** فغودر فيها العدل أجرد ضاحيا

سرت منك في جنح الظلام قوائم *** فكورن في ضوء النهار الدراريا

وسعّرن نيران الحروب فزعزعت *** قوى العرش حتى قد برحن الثوانيا

قضت فيك جوراً آل حرب ذحولها *** وساءت بآل الاكرمين التقاضيا

وشقّت على آل النبي ستورها *** وثجّت لها بحراً من الدم ساجيا

لقد أثكل الدنيا لواعجك التي *** صببن على كل الانام الدواهيا

ص: 20

وقدّ لها طود الهداية قلبه *** وأصبح من ثكل لرزئك واهيا

غداة قضى سبط النبي محمد *** على سغب طاوي الحشاشة ضاميا

حمى حوزة المجد المؤثل وانثنى *** يجلّي عنا لدين الحنيف الغواشيا

وقد جاراه السيد حيدر بقصيدته التي مرّت وذلك بعد وفاة الشيخ فخر الدين الطريحي بأكثر من مأتي عام فقال :

أناعيَ قتلى الطف لا زلت ناعيا *** تهيج على طول الليالي البواكيا

أعد ذكرهمه في كربلا ، إن ذكرهم *** طوى جزعاً طي السجل فؤاديا

ودع مقلتي تحمر بعد ابيضاضها *** بعدّ رزايا تترك الدمع داميا

وقال الشيخ عبد الحسين الاعسم المتوفى سنة 1247 ه سن قصيدة حسينية :

صرخن بلا لبٍّ وما زال صوتها *** يغضّ ولكن صحن من دهشة الرعب

وجاء السيد حيدر بعد 58 عاماً يقول في الموضوع نفسه وإن يكن البس المعنى ثوباً أجمل :

وقد كان من فرط الخفارة صوتها *** يُغضّ فغض اليوم من شدة الضعف

كما قال الشيخ الاعسم في القصيدة نفسها يصف سبايا آل الرسالة يوم عاشوراء :

فأبرزنَ من حجب الخدور تودّ لو *** قضت نحبها قبل الخروج من الحجب

فقال السيد حيدر في نفس القصيدة الحسينية :

ويا لوعه لو ضمني اللحد قبلها *** ولم أبد بين القوم خاشعة الطرف

ونظم الشيخ ابراهيم صادق العاملي المتوفي سنة 1284 ه أي قبل وفاة السيد حيدر بعشرين سنة فقال من قصيدة حسينية :

وأجلّ يوم راح مفخر هاشم *** فيه أجب الظهر والعرنين

يوم به تلك الفواطم سُيّرت *** أسرى تلفّ أباطحا بحزون

فأخذ هذا المعنى السيد حيدر فقال من قصيدة حسينية أيضاً :

وأجلّ يوم بعد يومك حلّ *** في الاسلام منه يشيب كل جنين

ص: 21

يوم سرت اسرى كما شاء العدى *** فيه الفواطم من بني ياسين

ويقول الشيخ سالم الطريحي المتوفى سنة 1295 في قصيدته التي قالها :

امية قد جاوزت حدها *** فقم فالظبا سئمت غمدها

وفي آخرها :

لان ضاع وتربني هاشم *** إذاً عدمت هاشم مجدها

ويقول السيد حيدر الحلي المتوفي 1304 ( اي بعد الشيخ سالم ب 13 سنة :

إن ضاع وترك يابن حامي الدين *** لا قال سيفك للمنايا كوني

وذكر الشيخ السماوي في ( الكواكب السماوية ) ان السيد حيدر دخل على العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني فقال له : قد قارب شهر المحرم فهل نظمت في الامام الحسين (عليه السلام) على عادتك ، قال نعم ثم أنشده :

قد عهدنا الربوع وهي ربيع *** أين لا أين انسها المجموع

حتى إذا بلغ الى قوله منها :

سبق الدمع حين قلت سقاها *** فتركت الحيا وقلت الدموع

قال له السيد : كلا ، انك من معشر لا يتركون الحيا فاستحيا ، السيد حيدر ثم أبدل لفظة ( الحيا ) بالسما وجعل البيت هكذا :

سبق الدمع حين قلت سقتها *** فتركت السما وقلت الدموع

* * *

نموذج من مراثي السيد حيدر للامام الحسين :

سجّلت حوليات الشاعر وهي كما قلت سابقاً 23 رائعة كلها من الشعر العالي الرصين القائم بنفسه ووددت أن اذكرها بهذه الموسوعة ، لكن ذلك خلاف ما صممنا عليه من الاختصار فاكتفينا بهذه القصائد الآتية :

قد عهدنا الربوعَ وهي ربيعُ *** أين لا أين أُنسها المجموع

درج الحيّ أم تتّبع عنها *** نجع الغيث أم بدهياءَ ريعوا

ص: 22

لا تقل : شملها النوى صدعته *** إنما شمل صبري المصدوع

كيف أعدت بلسعة الهمّ قلبي *** يا ثراها (1) وفيك يُرقى اللسيع

سبق الدمع حين قلت سقتها *** فتركت السما وقلت الدموع

فكأني في صحنها وهو قعبٌ *** أَحلِبُ المزن والجفون ضُروع

بت ليلَ التمام أنشد فيها *** هَل لماضٍ من الزمان رجوع

وادّعت حولي الشجا ذات طوقٍ *** مات منها على النياح الهجوع

وصفت لي بجمرتي مُقلتيها *** ما عليه انحنين مني الضلوع

شاطرتني بزعمها الداءَ حزناً *** حين أنّت وقلبي الموجوع

يا طروبَ العشيّ خلفك عني *** ما حنيني صَبابةٌ وولوع

لم يَرُعني نؤي الخليط ولكن *** من جوى الطف راعني ما يروع

قد عذلت الجزوعَ وهو صبور *** وعذرت الصبورَ وهو جزوع

عجباً للعيون لم تغد بيضاً *** لمصابٍ تحمرّ فيه الدموع

وأساً شابت الليالي عليه *** وهو للحشرفي القلوب رضيع

أيّ يوم بشفرة البغي فيه *** عاد أنف الاسلام وهو جديع

يوم أرسى ثقلُ النبي على الحتف *** وخفّت بالراسيات صدوع

يوم صكّت بالطف هاشم وجه *** الموت فالموت من لقاها مروع

بسيوفٍ في الحرب صلّت فللشو *** س سجود من حَولها وركوع

وقفت موقفاً تضيّفت الطير *** قِراه فحوّمٌ ووقوع

موقف لا البصير فيه بصير *** لاندهاشٍ ولا السميع سميع

جلّل الأفق منه عارض نقع *** من سنا البيض فيه برق لموع

فلشمس النهار فيه مَغيبٌ *** ولشمس الحديد فيه طلوع

أينما طارت النفوس شعاعاً *** فلطير الردى عليها وقوع

ص: 23


1- وفي نسخة : يا تراها.

قد تواصت بالصبرفيه رجالٌ *** في حشى الموت من لِقاها صدوع

سكنت منهم النفوس جسوماً *** هي بأساً حفائظ ودروع

سدّ فيهم ثغر المنيّة شهم *** لثنايا الثغر المخوف طَلوع

وله الطِرفُ حيث سار أنيسٌ *** وله السيف حيث بات ضجيع

لم يقف موقفاً من الحزم إلا *** وبه سنّ غيره المقروع

طمعت أن تسومه القوم ضيماً *** وأبى اللّه والحسام الصنيع

كيف يلوي على الدنيّة جيداً *** لسوى اللّه ما لواه الخضوع

ولديه جأشٌ أردّ من الدرع *** لضمأى القنا وهنّ شروع

وبه يرجعً الحفاظ لصدرٍ *** ضاقت الأرضُ وهي فيه تضيع

فأبى أن يعيشَ إلا عزيزاً *** أو تجلّى الكفاح وهو صريع

فتلقّى الجموعَ فرداً ولكن *** كلّ عضو في الروع منه جموع

رمحه من بَنانه وكأن مِن *** عزمه حدّ سيفه مطبوع

زوّج السيف بالنفوس ولكن *** مهرُها الموت والخضابُ النجيع

بأبي كالئاًعلى الطف خدراً *** هو في شفرة الحسام منيع

قطعوا بعده عُراه ويا حب *** لَ وريدِ الاسلام أنت القطيع

وسروا في كرائم الوحي أسرى *** وعداكَ ابنَ امها التقريع

لو تراها والعيسُ جشّمها الحا *** دي من السير فوق ما تستطيع

ووارها العَفافُ يدعو ومنه *** بدم القلبِ دَمعُه مَشفوع

يا ترى فوقه بقية وجدٍ *** ملء أحشائها جوى وصدوع

فترفق بها فما هي إلا *** ناضرٌ دامعٌ وقلبٌ مروع

لا تسمها جذب البرى أو تدري *** ربّة الخدر ما البرى والنسوع (1)

قوّضي يا خيامَ عليا نزارٍ *** فلقد قوّض العماد الرفيع

ص: 24


1- البرى : حلقات توضع في انف الناقة. النسوع : حبال طوال تشد بها الرحال.

واملأي العينَ يا أمية نوماً *** فحسينٌ على الصعيد صريع

ودعي صكّة الجباهِ لويٌ *** ليس يجديك صكّها والدموع

أفلطماً بالراحتين فهلا *** بسيوف لا تتقيها الدروع

وبكاءً بالدمع حزناً فهلا *** بدم الطعن والرماح شروع

قلّ ألا قراع ملمومة الحت- *** -ف فواهاً يافِهرُ أين القريع

وقال :

إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم *** فلا مشت بي في طرق العلا قدم

لا بدّ أن أتداوى بالقنا فلقد *** صبرتُ حتى فؤادي كله ألم

عندي من العزم سرٌ لا أبوحُ به *** حتى تبوحَ به الهندية الخذم

لا أرضعت لي العلى ابناً صفو درّتها *** إن هكذا ظلّ رمحي وهو منفطمُ

إليّةً بضبا قومي التي حَمَدت *** قدماً مواقعها الهيجاءُ لا القمم

لأحلِبنّ ثديّ الحرب وهي قناً *** لِبانها من صدور الشوسِ وهو دم

مالي أُسالم قوماً عندهم ترتي *** لا سالمتني يدُ الأيام إن سلِموا

من حاملٌ لوليّ الأمرِ مألكة *** تطوى على نفثات كلها ضرم

يابن الأولى يُقعدون الموت ان نهضت *** بهم لدى الروع في وجه الضبا الهمم

الخيلُ عندك ملّتها مرابطها *** والبيضُ منها عَرى أغمادَها السأم

هذي الخدور الأعدّاء (1) هاتكة *** وذي الجباه ألا مشحوذة تسم

لا تطهر الأرض من رجس العدى أبداً *** ما لم يَسِل فوقها سيل الدم العرم

بحيث موضع كلٍّ منهم لك في *** دماه تغسله الصمصامة الخذم

اعيذ سيفك أن تصدى حديدته *** ولم تكن فيه تجلى هذه الغِمم

قد آن أن يمطرَ الدنيا وساكنها *** دماً أغرّ عليه النقع مرتكم

حرّان تدمغ هامَ القوم صاعقةٌ *** من كفّه وهي السيف الذي علموا

نهضاً فمن بظباكم هامة فلقت *** ضرباً على الدين فيه اليومَ يحتكم

ص: 25


1- العداء : شديد العدو.

وتلك أنفالكم في الغاصبين لكم *** مقسومة وبعين اللّه تُقتسم

جرائم آذنتهم أن تعاجلهم *** بالانتقام فهلا أنت منتقم

وان أعجب شيء أن أبثكّها *** كأن قلبك خالٍ وهو محتدم

ما خلت تقعد حتى تستثارَ لهم *** وأنتَ أنتَ وهم فيما جنوهُ هم

لم تبقِ أسيافهم منكم على ابن تقىً *** فكيف تبقى عليهم لا أباً لهم

فلا وصفحك إنّ القوم ما صفحوا *** ولا وحلمكَ إن القومَ ما حلموا

فحمل امك قدما أسقطوا حنقاً *** وطفل جدك في سهم الردى فطموا

لا صبرَ أو تضع الهيجاء ما حملت *** بطلقةٍ معها ماءُ المخاض دمُ

هذا المحرّم قد وافتك صارخة *** مما استحلوا به أيامه الحرم

يملأن سمعكَ من أصوات ناعية *** في مسمع الدهر من إعوالها صمم

تنعي اليك دماءَ غاب ناصرها *** حتى اريقت ولم يخفق لكم علم

مسفوحة لم تجب عند استغاثتها *** إلا بأدمع ثكلى شفّها الألم

حنّت وبين يديها فتيةٌ شربت *** من نحرها نصب عينيها ، الضبا الخذم

موسدين على الرمضاءِ تنظرهم *** حرى القلوب على ورد الردى ازدحموا

سقياً لثاوين لم تبلل مضاجعهم *** إلا الدماء وإلا الأدمع السجم

أفناهم صبرهم تحت الضبا كرماً *** حتى قضوا ورداهم ملؤه كرم

وخائضين غمار الموت طافحة *** أمواجها البيض بالهامات تلتطم

مشوا الى الحرب مشي الضاريات لها *** فصارعوا الموت فيها والقنا أجم

ولا غضاضة يوم الطف أن قتلوا *** صبراً بهيجاء لم تثبت لها قدم

فالحرب تعلم إن ماتوا بها فلقد *** ماتت بها منهم الأسياف لا الهمم

أبكيهم لعوادي الخيل إن ركبت *** رؤوسها لم تكفكف عزمها اللجم

وللسيوف إذا الموت الزؤام غدا *** في حدّها هو والأرواح يختصم

وحائرات أطار القوم أعينها *** رعباً غداء عليها خدرها هجموا

ص: 26

كانت بحيت عليها قومها ضربت *** سرادقا أرضه من عزهم حرم

يكاد من هيبةٍ أن لا يطوفَ به *** حتى الملائك لولا أنهم خدم

فغودرت بين أيدي القوم حاسرةً *** تُسبى وليس لها مَن فيه تَعتصم

نعم لوت جيدَها بالعتب هاتفةً *** بقومها وحشاها ملؤه ضَرمُ

عجّت بهم مذ على أبرادها اختلفت *** أيدي العدوّ ولكن مَن لها بهم

نادت ويا بُعدهم عنها معاتبةً *** لهم ، ويا ليتهم من عتبها أمم

قومي الأولى عُقدت قدماً مآزرهم *** على الحميّة ما ضيموا ولا اهتضموا

عهدي بهم قصر الأعمار شأنهم *** لا يهرمون وللهيّابة الهرم

ما بالُهم لا عَفت منهم رسومهم *** قروا وقد حملتنا الأنيقُ الرسم

يا غادياً بمطايا العزم حمّلها *** همّاً تضيق به الأضلاع والحزم

عرّج على الحي من عمرو العلى وأرح *** منهم بحيث اطمأن البأس والكرم

وحي منهم حماة ليس بابنهم *** مَن لا يرفّ عليه في الوغى العلم

المشبعين قِرىً طيرَ السما ولهم *** بمنعة الجار فيهم يشهدُ الحرم

والهاشمينَ وكلّ الناس قد علموا *** بأن للضيف أو للسيف ما هشموا

كماة حربٍ ترى في كل باديةٍ *** قتلى بأسيافهم لم تحوها الرجم

كأن كل فلا دار لهم وبها *** عيالها الوحش أو أضيافها الرخم

قف منهم موقفاً تغلي القلوب به *** من فورة العتب واسأل ما الذي بهم

جفّت عزائم فهرٍ أم ترى بردت *** منها الحمية ام قد ماتت الشيم

ام لم تجد لذع عتبي في حُشاشتها *** فقد تَساقط جمراً من فمي الكلم

أين الشهامة أم أين الحفاظ أما *** يأبى لها شرفُ الأحساب والكرم

تسبى حرائرها بالطف حاسرةً *** ولم تكن بغُبار الموت تلتئم

لمن أُعدت عتاق الخيل إن قعدت *** عن موقف هُتكت منها به الحرم

فما اعتذراك يا فهرٌ ولم تثبي *** بالبيض تثلم أو بالسمر تنحطم

ص: 27

أجل نساؤك قد هزتك عاتبةً *** وأنت من رقدة تحت الثرى رهم

فلتلفت الجيد عنك اليوم خائبة *** فما غناؤك حالت دونك الرجم

وقال في اخرى مطلعها :

تركتُ حَشاك وسلوانها *** فخلّ حشايَ وأحزانها

ومنها :

كفاني ضناً أن تُرى في الحسين *** شفت آلُ مروان أضغانها

فأغضبت اللّه في قتله *** وأرضت بذلك شيطانها

عشيّة أنهضها بغيُها *** فجاءته تركبُ طغيانها

بجمع من الأرض سدّ العروج *** وغطّى النجود وغيطانها

وطا الوحشَ إذ لم يجد مهرباً *** ولازمت الطير أوكانها

وحفت بمن حيث يلقى الجموع *** يثني بماضيه وحدانها

وسامته يركبُ إحدى اثنتين *** وقد صرّت الحرب أسنانها

فإمّا يُرى مذعناً أو تموت *** نفسٌ أبى العزّ إذعانها

فقال لها اعتصمي بالإباءِ *** فنفسُ الأبيّ وما زانها

إذا لم تجد غير لبس الهوان *** فبالموت تنزعُ جُثمانها

رأى القتل صبراً شعار الكرام *** وفخراً يُزينُ لها شانها

فشمّر للحرب في معركٍ *** به عرك الموتُ فرسانها

وأضرمها لعنان السماء *** حمراء تلفح أعنانها

ركينٌ وللأرض تحت الكماة *** رجيفٌ يزلزل ثهلانها

أقرّ على الأرض من ظهرها *** إذا مَلمل الرعب أقرانها

تزيد الطلاقة في وجهه *** إذا غيّر الخوفُ ألوانها

ولما قضى للعُلى حقّها *** وشيّد بالسيف بُنيانها

ترجّل للموت عن سابقٍ *** له أخلت الخيل ميدانها

ص: 28

ثوى زائد البشر في صرعة *** له حبّب العزّ لقيانها

كأنّ المنية كانت لديه *** فتاة تواصل خلصانها

جلتها له البيض في موقف *** به أثكلَ السمرَ خرسانها

فبات بها تحت ليل الكفاح *** طروب النقيبة جذلانها

وأصبح مشتجراً للرماح *** تحلّي الدما منه مُرّانها

عفيراً متى عاينته الكماة *** يختطف الرعب ألوانها

فما أجلت الحرب عن مثله *** صريعاً يجبّن شجعانها

تريبَ المحيا تظنّ السماء *** بأنّ على الأرض كيوانها

غريباً أرى يا غريب الطفوف *** توسدَ خدك كثبانها

وقتلك صبراً بأيد أبوك *** ثناها وكسّر أوثانها

أتقضي فداك حشا العالمين *** خميصَ الحشاشة ضمآنها

ألستَ زعيمَ بني غالبٍ *** ومطعامَ فهرٍ ومطعانها

فلِم أغفلت بك أوتارها *** وليست تعاجل امكانها

وهذي الأسنّة والبارقات *** أطالت يد المطل هجرانها

وتلك المطهّمة المقرباتُ *** تجر على الأرض أرسانها

أجُبناً عن الحرب يا من غدوا *** على أول الدهر أخدانها

أترضى اراقمكم أن تُعدّ *** بنو الوزغ اليوم أقرانها

وتنصِب أعناقها مثلها *** بحيث تطاول ثعبانها

يميناً لئن سوّفت قطعَها *** فلا وصل السيف أيمانها

وإن هي نامت على وترها *** فلا خالط النوم أجفانها

تنام وبالطف علياؤها *** أمية تنقضُ أركانها

وتلك على الأرض من أُخدمت *** ورب السماوات سكانها

ثلاثاً قد انتبذت بالعراء *** لها تنسج الريح أكفانها

ص: 29

مصابٌ أطاش عقول الأنام *** جميعاً وحير أذهانها

عليكم بني الوحي صلى الإله *** ما هزّت الريح أفنانها

وقال يرثي الامام الحسين علیه السلام ويهجو قاتليه :

أميّة غوري في الخمول وانجدي *** فما لك في العلياء فوزة مَشهدِ

هبوطاً إلى أحسابكم وانخفاظها *** فلا نسبٌ زاك ولا طيب مولدِ

تطاولتموا لا عن عُلاً فتراجعوا *** إلى حيث أنتم واقعدوا شرّ مقعدِ

قديمكم ما قد علمتم ومثله *** حديثكم في خزيه المتجددِ

فماذا الذي أحسابكم شَرفت به *** فأصعدكم في الملك أشرف مصعد

صلابة أعلاكِ الذي بللُ الحيا *** به جفّ ، أم في لين أسفلك الندي

بني عبد شمسٍ لا سقى اللّه حفرةً *** تضمّك والفحشاء في شر مَلحدِ

ألمّا تكوني من فجورك دائماً *** بمشغلةٍ عن غصب أبناء أحمدٍ

وراءكَ عنها لا أباً لك إنما *** تقدّمتِها لا عن تقدم سؤدد

عجبت لمن في ذِلّة النعل رأسُه *** به يَترآى عاقداً تاج سيدِ

دعوا هاشماً والفخر يعقد تاجه *** على الجبهات المستينرات في الندي

ودونكموا والعار ضُمّوا غشاءَه *** إليكم إلى وجه من العار أسود

يرشّحُ لكن لا لشيء سوى الخنا *** وليد كم فيما يروحُ ويغتدي

وتترف لكن للبغاء نساؤكم *** فيدنس منها في الدجى كل مرقدِ

ويسقى بماءٍ حرثكم غيرُ واحدٍ *** فكيف لكم تُرجى طهارةُ مولدِ

ذهبتم بها شنعاءَ تبقى وصومها *** لأحسابكم خزياً لدى كل مشهد

فسل عبد شمس هل يرى جرم هاشم *** اليه سوى ما كان أسداه من يدِ

وقل لأبي سفيان ما أنت ناقم *** أأمنكَ يوم الفتح ذنبُ محمدِ

فكيف جزيتم أحمداً عن صنيعه *** بسفكِ دم الأطهار من آل أحمد

ص: 30

غداة ثنايا الغدر منها اليهم *** تطالعتموا من أشئم إثر أنكدِ

بعثتم عليهم كلّ سوداء تحتها *** دفعتم اليهم كلّ فقماء مؤيد (1)

ولا مثل يوم الطف لوعةُ واجدٍ *** وحرقة حران وحسرة مُكمدِ

تباريحُ أعطينَ القلوب وجيبَها *** وقلن لها قومي من الوجد واقعدي

غداة ابنُ بنتِ الوحي خرّ لوجهه *** صريعاً على حرالثرى المتوقّد

درت آل حرب أنها يوم قتله *** أراقت دم الإسلام في سيف مُلحد

لعمري لئن لم يَقضِ فوق وساده *** فموتُ أخي الهيجاء غيرموسّدِ

وإن أكلت هندية البيض شلوَه *** فلحم كريم القوم طعم المهنّدِ

وإن لم يشاهد قتله غير سيفه *** فذاك أخوه الصدق في كلّ مشهد

لقد مات لكن ميتةً هاشميةً *** لهم عُرفت تحت القنا المتقصّد

كريم أبى شمّ الدنيّة أنفه *** فأشمَمه شوك الوشيج المسدّد

وقال قفي يا نفسُ وقفةَ واردٍ *** حياض الردى لا وقفة المتردّدِ

أرى أن ظهر الذلّ أخشنُ مركباً *** من الموت حيث الموت منه بمرصد

فآثر أن يسعى على جمرة الوغى *** برجلٍ ولا يُعطي المقادة عن (2) يدٍ

قضى ابنُ عليّ والحفاظ كلاهما *** فلست ترى ما عشتَ نهضة سيدِ

ولا هاشميّاً هاشماً أنف واترِ *** لدى يوم روع بالحسام المهنّدِ

لقد وضعت أوزارها حربُ هاشم *** وقالت قيامَ القائم الطهر موعدي

إمام الهدى سمعاً وأنت بمسمع *** عتابَ مثير لا عتاب مُفندِ

فداؤك نفسي ليس للصبر موضعٌ *** فتُغضي ولامن مسكةٍ للتجلّدِ

أتنسى وهل ينسى فعال أميّةٍ *** أخو ناظر من فعلها جدّ أرمدِ

ص: 31


1- المؤيد : الامر العظيم.
2- وفي نسخة : من.

وتقعد عن حرب وأيّ حشاً لكم *** عليهم بنار الغيظ لم تتوقدِ

فقم وعليهم جرّد السيف وانتصف *** لنفسك بالعضب الجراز المجرّد

وقم أرهم شهبَ الأسنّة طلّعاً *** بغاشيةٍ من ليل هيجاء أربدِ

فكم ولجوا منكم مَغارة أرقِم *** وكم لكم داسوا عرينة مُلبدِ

وكم هتكوا منكم خباءً لحرةٍ *** عناداً ودقوا منكم عنقَ أصيدِ

فلا نصف حتى تنضحوا من (1) سيوفكم *** على كل مرعىً من دماهم وموردِ

ولا نصفَ حتى توطؤا الخيل هامهم *** كما أوطؤها منكم خير سيّدِ

ولا نصف إلا أن تقيموا نساءهم *** سبايا لكم في محشدٍ بعد محشدِ

وأخرى إذا لم تفعلوها فلم تزل *** حزازات قلب الموجع المتوجد

تبيدونهم عطشى كما قتلوكم *** ضماءَ قلوب حرّها لم يُبرّد

اما باقي حسينياته فاليك مطالعها :

1 - كم ذا تطارح في منى ورقاءها *** خفض عليك فليس داؤك داءها

2 - أهاشم تيمٌ جلّ منك ارتكابها *** حرام بغير المرهفات عتابها

3 - يا آل فهر أين ذاك الشبا *** ليست ضباك اليوم تلك الضبا

4 - كم توعد الخيل في الهيجاء أن تلجا *** ما آن في جريها أن تلبس الرهجا

5 - يا دار جائلة الوشاح *** حيتك نافحة الرياح

6 - نعى الروح جبريل بأن ذوي الغدر *** أراقوا دم الموفين لله بالنذر

7 - لا تحذرنّ فما يقيك حذار *** ان كان حتفك ساقه المقدار

8 - اللّه يا حامي الشريعه *** أتقر وهي كذا مروعه

9 - على كل واد دمع عينيك ينطف *** وما كل واد جزت فيه المعرّف

ص: 32


1- وفي نسخة : في.

10 - لتلوي لوي الجيد ناكسة الطرف *** فهاشمها بالطف مهشومة الأنف

11 - تروم مقام العزّ والذل نازل *** ولم يك في الغبراء منك زلازل

12 - عثر الدهر ويرجو أن يقالا *** تربت كفك من راجٍ محالا

13 - حلولك في محل الضيم داما *** وحدّ السيف يأبى أن يضاما

14 - إن ضاع وترك يابن حامي الدين *** لا قال سيفك للمنايا كوني

15 - أقائم بيت الهدى الطاهر *** كم الصبر فتّ حشا الصابر

16 - أنى يخالط نفسك الانس *** سفها ودهرك سعده نحس

* * *

ص: 33

السيد ميرزا صالح القزويني

المتوفى 1304

أيقعدني عن خطة المجد لائم *** قصير الخطى مَن أقعدته اللوائم

سأركبها مرهوبة سطواتها *** تطير خوافيها بها والقوادم

عليّ لربع المجد وقفة ماجد *** تناشده مني السيوف الصوارم

وأمطر من سحب البوارق هاطلا *** من الدم لا ما أمطرته الغمائم

وأبسم مهما أبرقت باكامه *** ولا برق حزوى إن سرى وهو باسم

وارتاح ان هبّت به ريح زعزع *** من الموت لا ماروّحته النسائم

فيا خاطب العلياء والموت دونها *** رويدك قد قاومت ما لا يقاوم

بخلت عليها بالحياة وإنها *** لأكرم مَن تُهدى اليها الكرائم

إذا علقت نفس امرء بوصالها *** ورام مراما دونه حام حائم

فخاطبها الهنديّ والموت عاقدٌ *** وعمرك مهرٌ والنثار الجماجم

لذاك سمت نحو المعالي نفوسنا *** وهانت عليها القارعات العظائم

فأي قبيل ما أُقيمت بربعه *** فأما عليه أو علينا المآتم

سل الطف عن أهلي وإن كنت عالماً *** فكم سائل عن أمره وهو عالم

غداة ابن حرب سامها الضيم فارتقت *** بها للمعالي الغرّ أيد عواصم

وقاد لها الجيش اللّهام ضلالة *** متى روعت اسد العرين البهائم

ص: 34

فشمّر للحرب العوان شمردلٌ *** نديماه يوم الروع رمح وصارم

رماها بأساد الكريهة فتية *** نماها إلى المجد المؤثل هاشم

مساعير حرب فوق كل مضمر *** مديد عنان لم تخنه الشكائم

مناجيد لا مستدفع الضيم خائب *** لديهم ولا مسترفد الرفد نادم

فما العيش إلا ما تنيل أكفهم *** وما الموت إلا ما تنال الصوارم

سرت كالنجوم الزهر حفّت بمشرق *** هو البدر لا ما حجبته الغمائم

وزارت عراص الغاضرية ضحوة *** ( وموج المنايا حولها متلاطم )

بيوم كظل الرمح ما فيه للفتى *** سوى السيف والرمح الرديني عاصم

تراكم داجي النقع فيه فأشرقت *** وجوه وأحساب لهم وصوارم

أبا حسن يهنيك ما أصبحوا به *** وان كان للقتلى تقام المآتم

لأورثتهم مجداً وان كان حبوةً *** ولكن نصفاً في بنيك المكارم

مشوا في ظلال السمر مشيتك التي *** لها خضعت أُسد العرين الضراغم

فلاشك من نالته أطراف سمرهم *** بأنك قد أرديته وهو آثم

وما برحوا حتى تفانوا ، ومن يقف *** كموقفهم لا تتبعنه اللوائم

وراحوا وما حلّت حُبا عزّهم يد *** وما وهنت في الروع منها العزائم

عطاشى على البوغا تمجّ دماءها *** فتنهل منها الماضيات الصوارم

رعوا ذمة المجد الرفيع عماده *** وما رعيت للمجد فيهم ذمائم

تُشال بأطراف الرماح رؤسها *** كزهر الدراري أبرزتها الغمائم

وتبقى ثلاثاً بالصعيد جسومها *** فتعدوا عليها العاديات الصلادم

تجرّ عليها العاصفات ذيولها *** وتنتابها وحش الفلا والقشاعم

وتستاق أهلوها سبايا أذلّة *** فتسري وأنف العز إذ ذاك راغم

أسارى على عجف النياق نوائحا *** كما ناح من فقد الأليف الحمائم

تداولها أيدي العلوج فشامتٌ *** بما نالها منهم وآخر شاتم

ص: 35

وتُهدى لمذموم العشيات أهوج *** دعيّ طليق لم تلده الكرائم

على حين لا من هاشم ذو حفيظة *** وهل بقيت بعد ابن أحمد هاشم

وقصيدته التي يرويها خطباء المنابر الحسينية والتي اولها :

طريق المعالي في شدوق الأراقم *** ونيل الأماني في بروق الصوارم

أمط عنك أبراد الكرى وامتط السرى *** فما في اغتنام المجد حظ لنائم

من الضيم أن يغضي على الضيم سيد *** نمته أباة الضيم من آل هاشم

هم شرعوا نظم الفوارس بالقنا *** كما شرعوا بالبيض نثر الجماجم

إذا نازلوا احمرّ الثرى من نزالهم *** وإن نزلوا اخضرّ الثرى بالمكارم

فلهفي عليهم ما قضى حتف أنفه *** كريم لهم إلا بسمّ وصارم

وهي 48 بيتاً.

السيد ميرزا صالح القزويني مثال العلم والأدب وقرة عين العجم والعرب ثاني أنجال العلامة معز الدين السيد المهدي وأحد أركان النهضة العلمية والحركة الادبية في الشطر الأخير من القرن الثالث عشر في الحلة وفي النجف ، ترجم له كثير من الباحثين والمترجمين وذكروا روائع من فضائله وفواضله وكرم أخلاقه وخلائقه ، قال العلامة البحاثة الشيخ علي آل كاشف الغطاء في موسوعة ( الحصون المنيعة ) إنه كان مجازاً من والده ومن غيره من علماء عصره ، واستقل بالزعامة بعد أبيه وأخيه ، وكان عالي الهمة كريم الطبع والأخلاق ، وسكن قضاء ( طويريج ) برهة من الزمن في حياتهما. كانت دراسته في الفقه واصوله على شيخ الطائفة الشيخ مرتضى الانصاري ثم استفاد كثيراً من دروس خاله العلامة الشيخ مهدي آل كاشف الغطاء كما وقد أجازه بالاجتهاد العالم الرباني ملا علي الخليلي المتوفى 1297 ه ولما وردت اليه الاجازة من شيخه المذكور أنشأ الاديب الشيخ علي عوض الحلي أبياتاً يهني بها السيد المترجم له ويمدحه ، ومنها :

ص: 36

وافت اليك من الغري إجازة *** أفضت اليك بأصدق الأنباء

والاجتهاد اليك ألقى أمره *** يا منتهى الأحكام والافتاء

مذ آنست منك الشريعة رشدها *** جاءتك خاطبة على استحياء

أنعم بها عيشاً برغم معاطس *** وجدتهم ليسوا من الأكفاء

تصدى للبحث والتدريس بعد والده المهدي فكان يحضر درسه الأفاضل من طلاب العلم ويزداد العدد يوماً بعد يوم ، وقد بذل عنايته لاتمام ما كان ناقصاً من مؤلفات والده ولكن القضاء لم يمهله وكتب رسالة عملية كبيرة في العبادات بطلب جماعة رجعوا اليه بالتقليد بعد وفاة والده لا تزال مخطوطة عند أحفاده ، وله كتاب ( مقتل أمير المؤمنين ) ألّفه ليقرأ خاصة بالمأتم الذي يعقد في دارهم ليلة 21 من رمضان بمناسبة وفاة الإمام علیه السلام وقد تصدى أخيراً الشاب المثقف السيد جودت السيد كاظم القزويني لتحقيقه ونشره جزاه اللّه خير الجزاء ووفقه لإحياء مأثر السلف. والسيد المترجم له كان خصب القريحة طول النفس رصين اللغة والاسلوب ولولا اشتغاله بالعلوم الدينية لكان أشعر الاسرة القزوينية ، وله في أخيه السيد ميرزا جعفر عدة مراث كلها نفثات وحسرات وشجون وعبرات وله مطارحات شعرية ونثرية ذكر الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) بعضها. وله في الإمام الحسين علیهم السلام ما تقرأه خطباء المنابر الحسينية ، منها قصيدته التي أولها :

وقائلة ماذا القعود وفي الحشا *** تلهب ناراً جمرها قد تسعرا

فقم أنت واضرب بالحسام وبالقنا *** وقدها اسوداً واملأ الأرضين عثيرا

38 بيتاً.

كان مولده في الحلة أوائل سنة 1257 ه وتوفي في النجف سنة 1304 ه وعمره 48 سنة كما ضبطه معاصره المؤرخ الشهير السيد البراقي في كتابه ( اليتيمة الغروية ) أو ( تاريخ النجف ) في جملة ما ضبطه من تاريخ وفيات علماء عصره

ص: 37

حيث قال : ومنهم السيد الأروع الحبر الضرغام مصباح الظلام السيد ميرزا صالح القزويني فانه توفي ليلة الثلاثاء في العشرين من المحرم من سنة اربع وثلثمائة والف في النجف ودفن مع أبيه. وقد رثاه شعراء عصره وفي طليعتهم السيد حيدر فقد بكاه بقصيدتين عامرتين هما في طليعة الشعر العربي. مطلع الاولى :

ومجدك ما خلت الردى منك يقرب *** لأنك في صدر الردى منه أهيب

ومطلع الثانية :

أفعى الأسى طرقت وغاب الراقي *** فأنا اللديغ وأدمعي درياقي

ورثاه العلامة الحبوبي بقصيدتين رائعتين ، مطلع الاولى :

نحى اليوم غاضت بالندى نجعة النادي *** لفقد الهدى لا بل لفقد أبي الهادي

ومطلع الثانية :

تضعضع جانب الحرم انصداعا *** أحقاً ركن كعبته تداعى

ورثاه الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي بقوله :

فلّ الزمان لهاشم صمصاما *** بل جبّ منها غارباً وسناما

ورثاه السيد ابراهيم الطباطبائي بقصيدة مثبتة في ديوانه ، كما رثاه الشيخ حسين الدجيلي.

* * *

ص: 38

الشيخ عباس زغَيب

المتوفى 1304

نسيم الصبا خلّ الفؤاد المعذّبا *** ودع مهجتي ترتاح من لوعة الصبا

فلا أم لي ان لم أثرها عجاجة *** تحجب وجه النيرين ولا أبا

وأوردها دون المحامد علقما *** رأته بعقباها من الشهد أطيبا

وابني بها بيتاً من المجد لا يرى *** لدى غيره الداعون اهلاً ومرحبا

رفيعاً عليه العز أرخى سدوله *** وخيّم في الأكناف منه وطنبا

ولا مجد حتى تأنف النفس ذلّها *** وتختار دون الضيم للحتف مشربا

كما شنّها يوم الطفوف ابن حيدر *** فأروى صدور السمر والبيض خضبا

وحين رحى الحرب استدارت بقطبها *** مشى للمنايا مشية الليث مغضبا

كريم أبت أن تحمل الضيم نفسه *** وأن يسلك النهج الذليل المؤنبا

أتنبو به عما يروم امية *** وفي كفه ماضي الغرارين ما نبا

وناضل عنه كل أروع لو سطا *** على الدهر يوم الروع للدهر أرعبا

تقول وقد عام الهياج رماحهم *** لاسيافهم لا كان برقك خلّبا

فلله كم سنوا من الحق واضحاً *** وشقوا بها من ظلمة الغي غيهبا

الشيخ عباس زغيب ابن الشيخ محمد بن عباس ، ولد في يونين من أعمال بعلبك وتوفي فيها سنة 1304 ه وله من العمر حوالي الثلاثين عاماً ، وكان في أول عمره سافر إلى النجف للدراسة ولضعفه ومرضه عاد راجعاً إلى لبنان. وله شعر رائع ومعاني بديعة.

ص: 39

الشيخ موسى شرارة

المتوفى 1304

دهى هاشماً ناع نعى في محرم *** بيوم على الإسلام اسود مظلم

بيوم جليل رزوه جلل السما *** وشمس الضحى فيه بأغبر أقتم

بيوم أحال الدهر ليلاً مصابه *** وأجج أحشاء العباد بمضرم

مصاب على آل النبي محمد *** عظيم مدى الأيام لم يتصرم

وخطب كسا الدنيا ثياباً من الأسى *** وطبق آفاق البلاد بمأتم

عشية جادت عصبة هاشمية *** بأنفسهم عن خير مولى مقدم

إلى أن قضوا والماء طام ضواميا *** يرون المنايا دونه خير مطعم

وأضحى فريداً سبط أحمد لا يرى *** نصيراً سوى عضب ولدن مقوّم

وصال بوجه مشرق وبعزمة *** تفلل ملتف الخميس العرمرم

إلى أن دعاه اللّه جلّ جلاله *** فألوى عنان العزم غير مذمم

قضوا دون حجب الطاهرات فأصبحت *** حواسر تسبى بين طاغ ومجرم

وكانت بخدر سجفه البيض والقنا *** محاط بجرد فوقها كل ضيغم

وكم ليث غاب دونها خاض غمرة *** إلى الموت حتى غادروها بلا حمي

فتلك رزايا تصدع الصم والصفا *** ويهمى لها رجع العيون من الدم

* * *

الشيخ موسى ابن الشيخ أمين العاملي الشهير بشرارة عالم كبير وشاعر

ص: 40

شهير ، ولد عام 1267 في جبل عامل ونشأ هناك وقرأ القرآن وهو ابن خمس سنين بخمسة أشهر ثم درس النحو والصرف فكان موضع اعجاب وتفوق حيث كان حاد الذهن وقاد الفكر وهاجر إلى النجف وهو ابن اثنتي عشرة سنة فدرس على أساطين عصره وحضر درس الشيخ الأخوند والسيد كاظم اليزدي وتلمذ عليه جملة من الفضلاء ذلك مما دعى السيد محمد سعيد الحبوبي أن يخصه بموشحة من موشحاته التي يقول فيها :

قل لمن جاراه يبغى القصبا *** حازها موسى فلا تستبق

فإذا ما البزل وافت خببا *** قصّرت عن شأوهنّ الحقق

وإذا البرذون جارى سلهبا *** ردّ مجراه حضيض زلق

وكان جبل عامل يتطلع اليه وينتظر قدومه اليه فتوجه واستقبله الوجوه والأعيان فكان قرة عين الجميع ذكره البحاثة الطهراني في ( نقباء البشر ) فقال :

العلامة الفقيه الجامع للفنون الإسلامية ، أصله من ( بنت جبيل ) ، أطرى في الثناء عليه سيدنا الصدر في التكملة فقال : انه كتب رسالة في اصول الدين من دون مراجعة كتاب ، وكان لا ينسى ما حفظه ، كثير الاستحضار للتواريخ وأيام العرب ، قرأ على الملا كاظم الخراساني ونظم مطالب الشيخ نظماً جيداً لطيفاً ، وكان يحضر بحث الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف حتى فاق أقرانه وعند رجوعه الى لبنان اشتغل بترويج الدين وتعليم المسلمين ، وله منظومة في المواريث بديعة في فنها تقع في 248 بيتاً ، ورسالة في تهذيب النفس ، كتب عنه وعن حياته العلمية الكاتب كامل شعيب في مجلة العرفان م 11 صفحة 45. كانت وفاته في بنت جبيل ليلة الخميس 11 شعبان عام 1304 ه عن عمر 37 سنة ودفن هناك ورثاه جمع من الشعراء منهم السيد نجيب فضل اللّه بقصيدة أولها :

هل يعلم الدهر مَن أودت فوادحه *** أو يعلم الرمس من وارت صفائحه

ص: 41

ترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) فأورد جملة من مساجلاته ومراسلاته ومراثيه لاخوانه فمن شعره يعاتب بعض أصدقائه :

كم ذا يقاطعني من لا اقاطعه *** وتشرب اللوم جهلاً بي مسامعه

ان مال عني لأوهام ووادعني *** فانني وذمامي لا اوادعه

ليس التلوّن من خيمي ومن شيمي *** إذا تلون من ساءت صنايعه

ولا اصانع اخوانا صحبتهم *** فما خليلك يوماً من تصانعه

ومن مرثية يرثي بها أخاه الشيخ محمد عندما وصل اليه نبأ وفاته في النصف من شعبان سنة 1303 :

ما لنفسي ذابت وطارت شعاعا *** ولقلبي أثر الضعائن ضاعا

ذهب الصبر والأسى يوم بانوا *** وتنادوا فيه الوداع الوداعا

وجاء في ترجمته ان السيد محمد سعيد الحبوبي كتب رسالة للمترجم له وكان من جملة عبارات الاطراء : قطب دائرة الفضل المستديرة الأفلاك ، وسر الحقيقة المتعالية عن حضيض الادراك ، قدوة الفضلاء الذي على أمثلته يحتذون ، والاستاذ الذي ترجع اليه المهرة في سائر الفنون ... وكان في آخر الرسالة قطعة شعرية :

كم يحتذيني الغيث غيث الأدمع *** وتشبّ نار البين بين الأضلع

كيف المنام ودون من أنا صبّه *** خرط القتاد وشوقه في مضجعي

وأروح يوحشني الأنيس كأنني *** وحدي وإن مارست حاشد مجمعي

يا نازحاً عني ومنزله الحشى *** القلب معك ونار لاعجه معي

والصبر بعدك شرعة منسوخة *** والوجد بعدك شرعة المتشرع

إلى قوله :

لو كنت بعد البين شاهد موقفي *** ( موسى ) لما شاهدت إلا مصرعي

ص: 42

وتأتي ترجمة الشيخ علي شرارة المتوفى 1335 وهو من الاسرة نفسها ، ولا يفوتنا أن نذكر مؤلفات المترجم له وتراثه العلمي :

1 - منظومة في الاصول واسمها ( الدرة المنظمة ) الحاوية لقوانين الاصول المحكمة وقد شرحها ولده الشيخ عبد الكريم.

2 - منظومة في المواريث تقع في 248 بيتاً.

3 - رسالة في تهذيب النفس.

4 - ديوانه المخطوط يضم العشرات من القصائد الحكيمة والفلسفية.

وهناك رسائل فقهية وعقائدية لم تتم.

* * *

ص: 43

الشيخ حسّون العبد اللّه

اشارة

المتوفى 1305

في رثاء الحسين :

علمتم بمسراكم أرعتم فؤاديا *** وأجريتم دمعي فضاهى الغواديا

ألا يا أحبائي أخذتم حشاشتي *** وخلّفتم جسمي من الشوق باليا

فيا ليتني قدمت قبل فراقكم *** وذاك لأني خفت أن لا تلاقيا

إذا ما الهوى العذري من نحو ارضكم *** سرى فغدا للقلب ريّاً وشافيا

ظللت أبثّ الوجدَ حتى كأنني *** لشجوي علّمتُ الحمام بكائيا

تناسيتم عصر الشباب بذي الغضا *** وكم قد سررنا بالوصال لياليا

فدع عنك يا سعد الديار وخلّني *** أُكابد وجداً في الأضالع ثاويا

لخطب عرا يوم الطفوف وفادح *** أمادَ السما شجواً ودك الرواسيا

غداة قضى سبط النبي بكربلا *** خميص الحشا دامى الوريدين صاديا

وقته لدى الحرب الزبون عصابة *** تخالهم في الحرب اسداً ضواريا

كماة إذا ما الشوس في الحرب شمّرت *** أباحوا القنا أحشائهم والتراقيا

اسود إذا ما جرّدوا البيض في الوغى *** غدت من دم الأبطال حمراً قوانيا

وقد قارعوا دون ابن بنت نبيهم *** إلى أن ثووا في الترب صرعى ظواميا

وعاد ابن خير الخلق بالطف مفرداً *** يكابد أهوالاً تشيب النواصيا

يرى آله حرّى القلوب من الظما *** وأسرته فوق الرغام دواميا

ص: 44

فيدعو ألا ، هل من نصير فلم يجد *** له ناصراً إلا حساماً يمانيا

هناك انثنى نحو الكفاح بمرهف *** أقام على الأعداء فيه النواعيا

وأُقسمُ لولا ما الذي خطّه القضا *** لغادر ربع الشرك إذ ذاك عافيا

إلى أن رمي في القلب سهم منيّةٍ *** فهدّم أركان الهدى والمعاليا

بنفسي بدراً منه قدغاب نوره *** وفرعا ًمن التوحيد أصبح ذاويا

أأنسى حسيناً بالطفوف مجدلاً *** على ظمأ والماء يلمع طاميا

وواللّه لا أنسى بنات محمد *** بقين حيارى قد فقدن المحاميا

إذا نظرت فوق الصعيد حماتها *** وأرؤسها فوق الرماح دواميا

هناك انثنت تدعو ومن حرق الجوى *** ضرام غدا بين الجوانح واريا

انادى ولا منكم أرى من مجاوب *** فما بالكم لا ترحمون صراخيا

ولم أنسَ حول السبط زينب إذ غدت *** تنادي بصوت صدع الكون عاليا

أخي لم تذق من بارد الماء شربة *** وأشرب ماء المزن بعدك صافيا

أخي لو ترى السجاد أضحى مقيداً *** أسيراً يقاسي موجع الضرب عانيا

أخي صرت مرمىً للحوادث والأسى *** فليتك حياً تنظر اليوم حاليا

عليّ عزيز أن أراك معفراً *** عليك عزيز أن ترى اليوم مابيا

أحاشيك أن ترضى نروح حواسراً *** سباياً بنا الأعداء تطوي الفيافيا

بلا كافل بين الأنام نوادباً *** خواضع ما بين الطغام بواكيا

عليّ عزيز أن أروح وتغتدي *** لقىً فوق رمضاء البسيطة عاريا

أيسترُ قلبي أم تجفّ مدامعي *** وانظر ربع المجد بعدك خاليا

فهيهات عيني بعدكم تطعم الكرى *** وأن يألف الأفراح يوماً فؤاديا

هو الشيخ حسون ( حسين ) بن عبد اللّه بن الحاج مهدي الحلي من مشاهير الخطباء في عصره. أديب شاعر معروف.

ولد في الحلة عام 1250 ه ونشأ بها وعرف بالخطابة فكان من أشهر

ص: 45

مشاهيرها وذاع صيته في الشعر فكان من أعلام الشعراء فيها وكان مرموق الشخصية نابه الذكر حميد الخصال يحترمه الكبير والصغير ويعظمه العالم والجاهل ويهواه الأعيان والوجوه مستقيم السيرة طيب السريرة كريم الطبع طاهر القلب مرح الروح من اعلام النساك وبارزي الثقاة ولقد اعرب عن منزلته الشاعر الخالد السيد حيدر الحلي عند تقدمته لتقرضيه كتابه ( العقد المفصل ) فقال : هو الذي تقتبس أشعة الفضل من نار قريحته وترتوي حائمة؟ والعقل من ري رويته.

وذكره أيضاً في كتابه ( الاشجان ) عند تقديمه مرثيته للسيد ميرزا جعفر فقال : حسنة العصر وانسان الدهر الكامل الألمعي الشيخ حسين بن عبداللّه الحلي.

وذكره الشيخ النقدي في الروض النضير صفحة 246 فقال : كان ( ره ) أديباً شاعراً فاضلاً خطيباً له شهرة واسعة بين الذاكرين وسيرة محمودة بين العلماء والمتعلمين لم يتكسب بشعره ولم يتاجر ببنات فكره ، أكثر نظمه في آل البيت وقد رأيت له قصائد طوالاً في رثاء الامام الحسين وأولاده المعصومين « ع » اتصل بالسادة الكرام آل المعز فكان في مقدمة أحبائهم وأودائهم.

وذكره الحجة الأميني في الجزء 13 من كتابه « الغدير » المخطوط فقال : كان خطيب الفيحاء الفذ على كثرة ما بها من الخطباء جهوري الصوت حلو النبرات وكان يسحر بمنطقة وعذوبة كلمه ، ولد عام 1250 ه وتوفي عام 1305 ه في الحلة ونقل الى النجف فدفن فيها ورثته عامة الشعراء. والشيخ حسون إذا ما قرأناه من شعره فإنه يبدو انساناً حرّ الضمير قوي القلب ذو مبدء واضح وشخصية قوية يعرب لك من خلاله أنه معتمد على نفسه غني عما في أيدي الناس ولعل ما ستقرؤه من شعره كاف لأن يوصلك إلى هذا الرأي فهو ان تحمس أفهمك أنه العربي الذي امتد نجاره الى أبعد حدود العروبة وأن تغزل فهو من اولئك العرب الذين كانت تستعبدهم العيون السود وأن لرقة طبعه أثر بارز في رقة ألفاظه وانسجام اسلوبه.

ص: 46

توفي رحمه اللّه بالحلة في العشر الأواخر من شهر رمضان عام 1305 ه ونقل جثمانه الى النجف ودفن بها وخلف ولداً اسمه الشيخ علي توفي بعده بثلاثين عاماً. ورثاه فريق من شعراء عصره بقصائد مؤثرة دلّت على سمو مكانته في نفوسهم ، منهم الشيخ حسن مصبح والسيد عبد المطلب الحلي والشيخ علي عوض والحاج حسن القيم. وربما رثاه بعضهم بقصيدتين أو ثلاث ، ولقد وقفت على مجموع عند أحد أحفاد أخيه اقتطفت منه ما سيجي من شعره وقد عرفني به صديقنا الشاعر عبود بن الحاج مهدي الفلوجي انتهى. أقول وممن تخرّج على يده الخطيب الكبير الشيخ جاسم الملا ابن الشيخ محمد الملا وكلاهما شاعران ناثران ، والمترجم له أروي له عدة قصائد في الامام الحسين علیه السلام منها قصيدته العامرة المشتملة على الوعظ والتحذير وأولها :

أشاقك من آرام يبرين ربرب *** فأصبحت صبّاً في هواه تعذبُ

والمرثية الثانية التي مطلعها :

نشدتك ان جئت خبت النقا *** فعرّج به واحبس الاينقا

مضافاً إلى انه طرق جميع أبواب الشعر ، واليكم نموذجاً من شعره في الإمام الحسين.

إلى مَ فؤادي كل يوم مروعُ *** وفي كل آن لي حبيبٌ مودع

وحتام طرفي يرقب النجم ساهراً *** حليف بكاء والخليون هجّع

أزيد التياعا كلما هبّت الصبا *** أو البرق من سفح الحمى لاح يلمع

وأطوي ظلوعي فوق نار من الجوى *** إذا ما سحيراً راحت الورق تسجع

أكاد لما بي أن أذوب صبابة *** متى هي باتت للحنين ترجّع

تنوح ولم تفقد أليفاً وبين مَن *** أودّ وبيني مهمه حال هجرع (1)

ص: 47


1- هو الطويل.

فلهفي وهل يجدي الشجي تلهف *** لعيش تقضّى بالحمى وهو مسرع

فيا قلب دع عهد الشباب وشرخه *** فليس لأيام نأت عنك مرجع

ومن يك مثلي لم تشقه كواعب *** ولم يصبه طرف كحيل وأربع

لئن راح غيري بالعذارى مولعاً *** فها انا في كسب العلاء مولع

وان يك غيري فخره جمع وفره *** فإني لما يبقى لي الفخر أجمع

سموت بفضلي هامة النسر راقياً *** سرادق عزّهنّ أعلى وأمنع

ولم أرض بالجوزاء داراً وان سمت *** لأن مقامي في الحقيقة أرفع

وكم لائمٍ جهلاً أطال ملامتي *** غداة رآني مدنفاً أتفجع

يظن حنيني للعذيب ولعلع *** وهيهات يشجيني العذيب ولعلع

فقلت له والوجد يلهب في الحشا *** وللهم أفعى في الجوانح تلسع

كأنك ما تدري لدى الطف ما جرى *** ومن بثراها - لا أباً لكَ صرعوا

غداة بنو حرب لحرب ابن أحمد *** أتت من أقاصي الأرض تترى وتهرع

بكثرتها ضاق الفضاء فلا يرى *** سوى صارم ينضى وأسمر يشرع

هنالك ثارت للكفاح ضراغم *** لها منذ كانت لم تزل تتسرع

تزيد ابتهاجاً كلما الحرب قطّبت *** وذلك طبع فيهم لا تطبّع

تعد الفنا في العزّ خير من البقا *** وما ضرّها في حومة الحرب ينفع

سطت لا تهاب الموت دون عميدها *** ولا من قراع في الكريهة تجزع

تعرّض للسمر اللدان صدورها *** وهاماتها شوقاً الى البيض تتلع

إذا ما بنو الهيجاء فيها تسربلت *** حديداً تقي الأبدان فيه وتدفع

تراهم اليها حاسرين تواثبوا *** عزائمها الأسياف والصبر أدرع

فكم روعوا في حومة الحرب أروعا *** وكم فرقاً للأرض يهوى سميدع

وراح الفتى المقدام يطلب مهربا *** ولا مهرب يغني هناك ويدفع

مناجيد في الجلّى عجالا الى الندى *** ثقالا لدى النادي خفافا إذا دعوا

ص: 48

إذا هتف المظلوم يا آل غالب *** ولا منجد يلفى لديه ومفزع

أجابوه من بعدٍ بلبّيك وارتقوا *** جياداً تجاري الريح بل هي أسرع

ولم يسألوه إذ دعاهم تكرما *** إلى أين بل قالوا أمنت وأسرعوا

فما بالهم قرّوا وتلك نساؤهم *** لصرختها صمّ الصفا يتصدع

عطاشى قضت بالعلقمي ولم تكن *** لغلتها في بارد الماء تنقع

وأبقت لها الذكر الجميل متى جرى *** بشرقٍ فمنه غربها يتضوع

يحامون عن خدر لهيبة مَن به *** - ولا عجب غرّ الملائك تخضع

فأصبح شمر فيه يسلب زينباً *** ولم ترَ من عنها يذبّ ويدفع

تدير بعينيها فلم ترَ كافلا *** سوى خفرات بالسياط تقنع

فكم ذات صون مارأت ظلّ شخصها *** ولا صوتها كانت من الغض تسمع

محجبة بين الصوارم والقنا *** عليها من النور الإلهي برقع

فأضحت وعنها قد أماطوا خمارها *** وبالقسر عنها بردها راح ينزع

واعظم خطب لو على الشم بعضه *** يحط لراحت كالهبا تتصدع

غداة تنادوا للرحيل وأحضرت *** نياق لهاتيك العقائل ضلّع

ومرت على مثوى الحماة إذا بهم *** ضحايا فمرضوض قرىً ومبضع

فكم من جبين بالرغام مرمل *** ومن نوره بدر السما كان يسطع

وكم من أكفٍّ قطعت بشبا الضبا *** وكانت على الوفاد بالتبر تهمع

وكم من رؤوس رامت القوم حفظها *** فراحت على السمر العواسل ترفع

فحنّت وألقت نفسها فوق صدره *** وأحنت عليه والنواظر همّع

تناديه من قلب خفوق ومهجة *** لعظم شجاها أوشكت تتقطع

أخي كيف أمشي في السباء مضامة *** وأنت بأسياف الأعادي موزع

وكيف اصطباري ان عدانا ترحلت *** وجسمك في قفر من الأرض مودع

وحولك صرعى من ذويك أكارمٌ *** شباب تسامت للمعالي ورضّع

ص: 49

لها نسجت أيدي الرياح مطارفا *** من الترب فانصاعت بها تتلفع

لمن منكم أنعى وكل أعزةً *** عليَّ ومن عند الرحيل اودّع

أجيل بطرفي لم أجد مَن يجيرني *** تحيّرت ما أدري أخي كيف أصنع

أترضى بأني اليوم أهدى ذليلة *** ووجهي بادٍ لا يواريه برقع

وحولي صفايا لم تكن تعرف السبا *** ولا عرفت يوماً تذل وتضرع

وقال يرثي العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) :

لو كنت تعلم ما في القلب من شجن *** ما ذاق طرفك يوماً طيّب الوسنِ

ولو رأيت غداة البين وقفتنا *** أذلتَ قلبكَ دمعاً كالحيا الهتن

ناديت مذ طوّح الحادي بظعنهم *** وراح يطوي فيافي الأرض بالبدن

يا راحلين بصبري والفؤاد معاً *** رفقاً بقلب محبٍّ ناحل البدن

كم ليلة بتّ مسروراً بكم طرباً *** طرفي قرير وعيشي بالوصال هني

أخفي محبتكم كيلا ينمّ بنا *** واشٍ ولكنّ دمع العين يفضحني

ظللت في ربعكم أبكي لبعدكم *** كما بكين حماماتٌ على فنن

طوراً أشمّ الثرى شوقاً وآونة *** أدعو ولا أحد بالردّ يسعفني

دع عنك يا سعد ذكر الغانيات ودع *** عنك البكاء على الاطلال والدمن

واسمع بخطب جرى في كربلاء على *** آل النبي ونح في السر والعلن

لم أنسَ سبط رسول اللّه منفرداً *** وفيه أحدق أهل الحقد والاحن

يرنو إلى الصحب فوق الترب تحسبها *** بدور تمّ بدت في الحالك الدجن

لهفي له إذ رأى العباس منجدلا *** فوق الصعيد سليبا عافر البدن

نادى بصوت يذيب الصخر يا عضدي *** ويا معيني ويا كهفي ومؤتمني

عباس قد كنتَ لي عضباً أصول به *** وكنتَ لي جنّة من أعظم الجنن

عباس هذي جيوش الكفر قد زحفت *** نحوي بثارات يوم الدار تطلبني

ص: 50

ومخمد النار إن شبّت لواهبها *** ومن بصارمه جيش الضلال فني

بقيت بعدك بين القوم منفرداً *** أُقلّب الطرف لا حام فيسعدني

نصبت نفسك دوني للقنا غرضا *** حتى مضيتَ نقيّ الثوب من درن

كسرتَ ظهري وقلّت حيلتي وبما *** قاسيتُ سرت ذوو الأحقاد والظغن

تموت ظامي الحشا لم ترو غلّتها *** في الحرب ريّاً فليت الكون لم يكن

* * *

ص: 51

الميرزا اسماعيل الشيرازي

المتوفى 1305

قال في جده الحسين (عليه السلام) :

نبا نزار من ضباك الشبا *** أم سمرك اليوم غدت أكعبا

أم عقرت خيلك أم جززت *** منها نواصيها فلن تركبا

ما كان عهدي بك أن تحملي *** الضيم وفي يمناك سيف الإبا

فهذه حرب وقد أنشبت *** فيك على رغم العلى المخلبا

فأين عنكم يا ليوث الوغى *** مخالب السمر وبيض الظبا

وفي الوغى لم تنشري راية *** ولم تجيلي خيلك الشزّبا

فحربك اليوم خبت نارها *** ونار حرب لهبت في الخبا

أتدخل الخيل خباء الأولى *** خباؤها فوق السما طنبا

نساؤها تسبى جهاراً ولا *** من سيفها البتار يدمى شبا

لهفي لآل اللّه إذ أبرزت *** من الخبا ولم تجد مهربا

تؤم هذي ولّها مشرق الشمس *** وهذي تقصد المغربا

وزينب تهتف بالمصطفى *** والمرتضى والحسن المجتبى

يا غائباً لا يرتجى عوده *** ولن تراه أبداً آئبا

ترضى بأن أسلب بين العدى *** حاشاك أن ترضى بأن أسلبا

فأيها الموت أرحني فما *** أهنأك اليوم وما أطيبا

* * *

ص: 52

السيد الميرزا أبو الحسين اسماعيل بن السيد رضا الحسيني الشيرازي : نزيل سامراء ابن عم الميرزا المجدد السيد محمد حسن الشيرازي المشهور وخال أولاده. توفي في 11 شعبان سنة 1305 في الكاظمية وكان قد جاء اليها من سامراء قبل شهرين وحمل الى النجف الأشرف فدفن هناك. كان عالماً فاضلاً جليلاً شاعراً ، قرأ على ابن عمه الميرزا الشيرازي في سامراء وكان من أفضل تلامذته وله اشعار في مدح أمير المؤمنين ورثاء الحسين علیهماالسلام .

أقول وهذه القصيدة مقتبسة من بائية السيد حيدر الحلي :

يا آل فهر اين ذاك الشبا *** ليست ضباك اليوم تلك الظبا

وجاء في ترجمته أن الشيخ حمادي نوح الحلي رثاه بقصيدة أثبتها السيد الأمين في الاعيان ، ولا بأس بالاشارة الى قصيدته في مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فمنها.

هذه فاطمة بنت اسد *** أقبلت تحمل لاهوت الأبد

فاسجدوا طراً له فيمن سجد *** فله الأملاك خرّت سجدا

مذ تجلّى نوره في آدم

إن تكن تجعل لله البنون *** - تعالى اللّه عما يصفون -

فوليد البيت أحرى أن يكون *** لوليّ البيت طراً ولدا

لا عزير ، لا ولا ابن مريم

حبذا آناء أنس أقبلت *** أدركت نفسي بها ما أملّت

ولدت أمّ العلى ما حملت *** طاب أصلاً وتعالى محتدا

حاملاً ثقل ولاء الامم

ص: 53

الشيخ محسن أبو الحب

المتوفى 1305

قال في الحسين :

فار تنور مقلتيَّ فسالا *** فغطى السهل موجه والجبالا

وطفت فوقه سفينة وجدي *** تحمل الهمّ والأسى أشكالا

عصفت في شراعها وهو نار *** عاصفات الضنا صباً وشمالا

فهي تجري بمزبد غير ساج *** ترسل الحزن والأسى ارسالاً

فسمعت الضوضاء في كل فج *** كل لحن يهيج الاعوالا

قلت ماذا عرى - اميم - فقالت *** جاء عاشور واستهل الهلالا

قلت ماذا عليَّ فيه فقالت *** ويك جدد لحزنه سربالا

لا أرى كربلا يسكنها اليوم *** سوى من يرى السرور محالا

سميت كربلاء كي لا يروم *** الكرب منها إلى سواها ارتحالا

فاتخذها للحزن داراً وإلا *** فارتحل لا كفيت داء عضالا

من عذيري من معشر تخذوا *** اللّهو شعاراً ولقبوه كمالا

سمعوا ناعي الحسين فقاموا *** مثل من للصلوة قاموا كسالا

أيها الحزن لا عدمتك زدني *** حرقة في مصابه واشتعالا

لست ممن تراه يوماً جزوعاً *** تشتكي عينه البكاء ملالا

أنا واللّه لو طحنتُ عظامي *** واتخذت العمى لعيني اكتحالا

ص: 54

ما كفاني وليس إلا شفائي *** هزة تجفل العدى اجفالا

فتكة الدهر بالحسين الى الحشر *** علينا شرارها يتوالا

لك يا دهر مثلها لاوربي *** انها العثرة التي لن تقالا

سيم فيها عقد الكمال انفصاماً *** ذي لئاليه في الثرى تتلالا

سيم فيها دم النبي انسفاكاً *** ليت شعري من ذا رآه حلالا

نفر من بنيه أكرم من تحت *** السما رفعة وأعلا جلالا

ضاق منها رحب الفضاء ولما *** لم تجد للكمال فيه مجالا

ركبت أظهر الحمام وآلت *** لا تعد الحيوة إلا وبالا

ما اكتفت بالنفوس بذلاً إلى أن *** اتبعتها النساء والأطفالا

ملكوا الماء حين لم يك إلا *** من نجوم السماء أقصى منالا

ثم لم يطعموه علماً بأن اللّه *** يسقيهم الرحيق الزلالا

ليتهم بعدما الوغى أكلتهم *** أرسلوا نظرة وقاموا عجالا

ليروا بعدهم كرائم عز *** زلزل الدهر عزها زلزالا

أصبحت والعدو أصبح يدعو *** اسحبي اليوم للسبا أذيالا

ذهب المانعون عنك فقومي *** والبسي بعد عزك الاذلالا

كم ترجّين وثبة من رجال *** لك كانوا لا يرهبون الرجالا

أنت مهتوكة على كل حال *** فانزعي العز والبسي الاغلالا

لك بيت عالي البناء هدمناه *** وحُزنا خفافه والثقالا

أين من أنزلوك باحة عز *** لا ترا كالعيون إلا خيالا

صوّتي باسم من أردتِ فإنا *** قد أبدناهم جميعاً قتالا

وكسوناهم الرمال ثياباً *** وسقيناهم المنون سجالا

وهي لا تستطيع مما عراها *** من دهى الخطب أن ترد مقالا

غير تردادها الحنين وإلا *** زفرة تنسف الرواسي الثقالا

ص: 55

وقال في قصيدة متضمناً للرواية التي تقول أن سبايا الحسين علیه السلام لما قاربوا دخول الشام دنت أمّ كلثوم بنت علي علیه السلام من شمر بن ذي الجوشن وقالت : يا بن ذي الجوشن لي اليك حاجة ، قال ما حاجتك قالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في طريق قليل نظاره وتقدم إلى حاملي الرؤوس أن يخرجوها من بين المحامل فقد خزينا من كثرة النظر الينا ، فأمر بعكس سؤالها بأن تجعل الرؤوس في أوساط المحامل ويُسلك بهم بين النظارة :

وأعظم شيء أن ربة خدرها *** تمدّ إلى أعدائها كفّ سائل

تقول لشمر والرؤس أمامها *** وقد أحدقت بالسبي أهل المنازل

فلو شئت تأخير الرؤوس عن النسا *** وإخراجها من بين تلك المحامل

ليشتغل النظّار عنا فإننا *** خزينا من النظار بين القبائل

ويقول في مفاداة أبي الفضل العباس لأخيه الحسين (عليه السلام) وكأن الحسين يخاطبه :

أبوك كان لجدي مثل كونك لي *** كلاهما قصب العلياء حاويها

أبوك ساقي الورى في الحشر كوثره *** وأنت أطفالنا بالطف ساقيها

الشيخ محسن خطيب بارع وشاعر واسع الافاق خصب الخيال ، ولد سنة 1235 ه ونشأ بعناية أبيه وتربيته وتحدر من اسرة عربية تعرف بآل أبي الحب ، وتمتُّ بنسبها إلى قبيلة خثعم ، وتدرج على نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم ، ولا سيما ومجالس أبي الشهداء مدارس سيارة وهي من أقوى الوسائل لنشر الأدب وقرض الشعر فلقد جاء في يوم الحسين علیه السلام من الشعر والخطب ما يتعذر على الأدباء والمعنين بالأدب جمعه أو الاحاطة به ، وشاعرنا الشيخ محسن نظم فاجاد وأكثر من النوح والبكاء على سيد الشهداء (عليه السلام) وصوّر بطولة شهداء الطف تصويراً شعرياً لا زالت الادباء ومجالس العلماء تترشفه وتستعيده وتتذوقه.

وفي أيام حداثتي وأول تدرجي على الخطابة استعرتُ ديوان الشاعر المترجم

ص: 56

له من حفيده وسميّه الخطيب الشيخ محسن وانتخبت منه عدة قصائد وهي مدونة في الجزء الثاني من مخطوطي ( سوانح الأفكار ) وكتب عنه الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : محسن بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرفاً في فنون الكلام إذا ارتقى الأعواد تنقّل في المناسبات ، إلى أن يقول : وله ديوان كبير مخطوط كله في الأئمة. توفي بكربلاء سنة 1305 ودفن بها ، وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال في بعض ما قال :

كان فاضلاً أديباً بحاثة ثقة جليلاً ومن عيون الحفاظ المشهورين والخطباء البارعين ، له القوة الواسعة في الرثاء والوعظ والتاريخ وكان راثياً لآل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وشاعراً مجيداً ، حضرتُ مجلس قراءته فلم أر أفصح منه لساناً ولا أبلغ منه أدباً وشعراً. وكتب عنه صديقنا الأديب السيد سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) وجاء بنماذج من نظمه وقال : توفي ليلة الاثنين 20 ذي القعدة عام 1305 ه ودفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد ابراهيم المجاب.

أقول ويسألني الكثير عن إبراهيم المجاب ، فهو إبراهيم بن محمد العابد ابن الإمام موسى الكاظم علیه السلام ، وإنما سمي بالمجاب لأنه سلّم على جدّه الإمام فخرج رد الجواب من داخل القبر ، وأبوه محمد العابد مدفون في ( شيراز ) وسمي بالعابد لتقواه وعبادته ، وهكذا كل أولاد الإمام علیه السلام .

ص: 57

فرهاد ميرزا القاجاري

المتوفى 1305 ه

من شعره في الحسين :

قلب يذوب اسى ووجدٌ مُعنف *** وجوانح تذكى وعينٌ تذرفُ (1)

ماكنتُ أحسب قبل طرفك سافحا *** حمر الدما أن النواظر ترعف

فكأنما بمذاب قلبك قد جرت *** تلك الدموع فبلّ منك الموقف

أفهل ترى أصما فؤادك أهيفٌ *** حاشاك أن يصمي فؤادك أهيف

بل قد دهاك مصاب آل محمد *** فعلتك منها زفرة وتلهّف

تاللّه لا أنسى الحسين بكربلا *** وعليه أجناد العراق تعطّفوا

يدعو وليس يرى له من ناصر *** إلا المثقف والحسام المرهف

والصائبات من السهام كأنها *** الاقدار لا تنبو ولا تتخلّف

لهفي على آل الرسول وحرمةٍ *** هتكت ورأس قد علاه مثقّف

وعلى الشفاه الذابلات وأضلع *** عجف يطير لهنّ نصلُ أعجف

لهفي على جثث تركن تزورها *** وحش الفلا وتحوزهنّ الصفصف

تاللّه لا أنسى الحسين وقد دنا *** بين الجحافل راكباً يستعرف

قال انسبوني في أبي ومحمد *** جدي وفاطمة البتول وانصِفوا

وكأن معجزة الكليم بكفه *** ما تلتقي من قوم موسى تلقف

ص: 58


1- اخذناها عن كتاب القمقام لمؤلفه المرحوم فرهاد ميرزا.

لما تنزّل نصر رب محمد *** صمّت حيارى والملائك وقّف

لم يرضه إلا الوفاء بعهده *** ولقاء مَن هو وعده لا يخلف

لهفي لزينب إذ رأته مرملا *** وبه جنود الأدعياء تكنّفوا

نادت بأعلى صوتها أمحمدٌ *** هذا حسينك بالعراء مدفف

عجباً لهذي الشمس لما أشرقت *** تلك الشموس حواسراً لا تكسف

* * *

يا أهل ذي البيت المقدس إنكم *** نور العوالم والسنام الأشرف

( فرهاد ) آنس حبكم فبحبكم *** لا زال يذكر فضلكم ويؤلف

كم كان عظّم من شعائر فيكم *** بمناقب ومأثر لا توصف

وبنى لموسى والجواد شعائراً *** تبنى بتلك له القصور ورفرف

اليوم الّف ذا الكتاب بحبكم *** يرجو غداً بيمينه يتخطّف

خضعت جبابرة الملوك لأمره *** لكنه بولائكم يتشرف

تنسوه أو تردوه أو تقصوه أو *** تحموه فهو بحبكم يتعرف

صلى الاله عليكم ما ناحت *** الورقاء أو نعب الغراب الأسدف

* * *

معتمد الدولة فرهاد ميرزا ابن ولي العهد عباس ميرزا ابن فتحعلي شاه القاجاري ، توفي سنة 1305 ه في ايران وحمل إلى الكاظمية ودفن فيها عالم فاضل له كتاب ( زنبيل ) في فوائد متفرقة بالعربية والفارسية جمعه الميرزا محمد حسين المنشي العلي آبادي المازندراني من خطوط المذكور أيام ولايته على فارس سنة 1293 « مطبوع » وله ( القمقام الزخار ) و ( الصمصام البتار ) في مقتل الحسين (عليه السلام) وأحواله ، فارسي في مجلدين « مطبوع » وله ( جام جم ) في الجغرافيا مترجم عن الانكليزية مع زيارات فارسي « مطبوع ».

وفي الكنى والالقاب : الحاج فرهاد ميرزا بن نائب السلطنة عباس بن فتح

ص: 59

علي شاه القاجار ، كان فاضلاً كاملاً أديباً مؤرخاً جامعاً للفنون له مصنفات كثيرة شهيرة منها ( القمقام ) و ( جام جم ) و ( هداية السبيل ) وغير ذلك. ذكره صاحب الذريعة وقال : من آثاره الخيرية تعمير صحن الكاظمين علیهماالسلام وتذهيب مناراته في سنة 1298 وتوفي سنة 1305 وبعد سنة حمل إلى مقبرته المشهورة بالمقبرة الفرهادية في سنة 1306 أقول : مقبرته في الباب الشرقي من أبواب صحن الكاظمين (علیهماالسلام) مدفون بجنب الباب المعروف باسمه في حجرة عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف.

ذكر الشيخ الطهراني في الذريعة فقال : جام جم في الجغرافية لتمام الكرة الأرضية وتواريخها في ماية واربعين بابا. والقمقام الزخار فارسي في سيرة الإمام الحسين علیه السلام وشهادته وفرهنك جغرافياي ايران.

* * *

ص: 60

الشيخ احمد الخطّي

اشارة

المتوفى 1306

هو الشيخ أحمد بن مهدي بن أحمد بن نصر اللّه آل السعود الخطي البحراني القطيفي عالم أديب. عقد الشيخ علي آل حاجي البحراني في كتابه ( أنوار البدرين ) فصلاً خاصاً لذكره ، وترجمه ترجمة مفصلة قال فيها : هو أحد أركان الدهر ونبلاء العصر وفصحاء المصر ، أفضل ما يكون في الأدب وأبصر ما يكون بسياسة الملك ، كان لأهل بلاده سيفاً وسناناً وظهراً ولساناً من أحسن حسنات زمانه وأفخر أبناء عصره وأوانه له ( السبع العلويات ) التي جارى بها ابن أبي الحديد ففاقه ، وله السبع التي جارى بها ( المعلقات السبع ) وله مائة قصيدة في رثاء الحسين علیه السلام ، وله مدائح كثيرة في آل اللّه ومثالب أعداء اللّه ، وديوان شعره يقع في أربعة أجزاء. توفي في ربيع الأول سنة 1306 ه ودفن بالحباكة وهي مقبرة معروفة بالقطب انتهى ملخصاً عن ( التكملة ).

وقال صاحب أنوار البدرين عند ذكره لعلماء الخط والقطيف ما يلي مختصراً : ومن ادبائها الفخام وبلغائها العظام ورؤسائها الحكام الشيخ أحمد بن الشيخ مهدي بن أحمد بن نصر اللّه أبو السعود الخطي ، له من الشعر والأدب الحظ الوافر عاصرناه مدة من الزمان فلم نرَ مثله في الرؤساء والأعيان ، إن جلس مع العلماء فهو كأحدهم في اللّهجة واللسان أو مع الشعراء المجيدين والادباء الكاملين كانت له التقدمة عليهم ، أو مع الرؤساء والحكام فهر المشار اليه بالبنان ، قد سلّم اللّه بسببه كثيراً من المؤمنين من القتل. وإلى الآن لم نقف

ص: 61

لأحد من الشعراء والأدباء مع كثرة تتبعنا واطلاعنا بمثل ما وقفنا له من كثرة الأدب والشعر البليغ المتين ولا سيما في المدائح والمرائي لمحمد وآله الطاهرين ، بالرغم من كثرة النكبات التي لاقاها بعد وفاة والده من حكام الوهابية حتى نهبت أمواله وأملاكه حتى نفي عن البلاد فهاجر للبحرين عن طريق قطر ثم إلى ( أبو شهر ) ثم اتصل بالدولة العثمانية وحرّضها على طرد الوهابية وهكذا كان ثم رجع إلى بلاده بالعز والهيبة والعظمة والسطوة إلى أن أجاب داعي ربه.

وهذه إشارة الى علوياته التي ذكرها صاحب أنوار البدرين. قال من قصيدة طويلة عدّد فيها فضائل الإمام أمير المؤمنين وتخلّص إلى رثاء الإمام الحسين علیه السلام :

فلله ظام حيل والماء دونه *** وسيق له بالزاخرات الشوادر

قضى ضامئاً ما بلّ بالماء ريقه *** ولا علّ إلا بالرماح القواطر

فقل للمعالى أسلسي وتنكبي *** هل انكفأت إلا بصفقة خاسر

وللعربيات الجياد تنبّدي *** ظلال العوالي واقتحام المغاور

فما للمعالي في علاهنّ باذخ *** ولا للعوادي قائد للمضامر

فهذي انوف المجد جذعاً وهذه *** أكفّ المعالي داميات الخناصر

تنوء العوالي منهم بأهلّة *** من الهام والأجساد رهن المعافر

وتجري عليهم كل جرداء هل درت *** بأن وطأت في جريها جسم طاهر

وفي آخرها :

اليك أمير المؤمنين مدائحي *** وفيك وإن لجّ اللواحي بضائري

وأنت معاذي في المعاد وإنما *** اليك مصير الأمر يوم المصائر

هل المدح إلا في معاليك رائق *** وهل راق بالأشعار مثل المأثر

وقال في مطلع قصيدة :

في كل يوم للحشاشة مصدع *** أرقٌ يلم وظا عن لا يرجع

ص: 62

وإلى أمير المؤمنين تجملّي *** وإلى علاه معاذنا والمفزع

ملك تصور كيف شاء إلى الورى *** يعطي به هذا وهذا يمنع

وتحلّقت عذباته بمعاقد *** يهوي لاخمصها المحل الأرفع

كم تستمد السحب منه سماحة *** فتلثّ منها ديمة ما تقشع

ولكم يمرّ به الغمام فينثني *** وطفا يسحّ ركامه يتدفع

سل عند يوم الخندقين ومصرع *** العمرين ذا عانٍ وذاك مصرّع

والقصيدة تربو على المائة بيتاً.

له ما يقرب من مائة قصيدة في رثاء الحسين (عليه السلام) وله شعر في أغراض أُخر وله ديوان يقع في مجلدين كبيرين كله في المدائح والمراثي ذكر جملة من شعره في أعيان الشيعة. توفي رحمه اللّه في شهر ربيع الأول سنة 1306 ه وصلّينا عليه مع شيخنا الوالد الروحاني ، وجاء في جملة أحواله أنه كان ينظم في عشر محرم الحرام كل ليلة قصيدة ويعطيها فتنشد في المأتم.

* * *

ص: 63

السيد صالح القزويني النجفي

المتوفى 1306

قال من قصيدة مطوّلة في رثاء الحسين (عليه السلام) :

لله آل اللّه تسرع بالسرى *** وإلى الجنان بها المنايا تسرع

منعوا الفرات وقد طما متدفعا *** يا ليت غاض عبابه المتدفع

أترى يسوغ به الورود ودونه *** آل الهدى كاس المنون يجرعوا

أم كيف تنقع غلة بنميره *** والسبط غلته به لا تنقع

ترحا لنهر العلقمي فانه *** نهر بأمواج النوائب مترع

وردوا على الظماء الفرات ودونه *** البيض القواطع والرماح الشرع

أسد تدافع عن حقايق أحمد *** والحرب من لجج الدما تتدفع

حفظوا وصية أحمد في آله *** طوبى لهم حفظوا به ما استودعوا

واستقبلوا بيض الصفاح وعانقوا *** سمر الرماح وبالقلوب تدرعوا

فكأنما لهم الرماح عرائس *** تجلى وهم فيها هيام ولع

يمشون في ظلل القنا لم تثنهم *** وقع القنا والبيض حتى صرعوا

تنقض من أُفق القتام كأنها *** فوق الرغام نجوم افق وقع

أجسادهم للسمهرية منهل *** ونحورهم للمشرفية مرتع

وجسومهم بالغاضرية جثم *** ورؤسهم فوق الأسنّة ترفع

لله سبط محمد ظامى الحشا *** فرداً يحوم على الفرات ويمنع

ص: 64

ما انقض كوكب سيفه إلا انطوى *** للنقع ثوب بالسيوف مجزع

يرتاح ان ثار القتام وللقنا *** مرح وورقاء الحمام ترجع

ما أحدث الحدثان خطبا فاضعا *** إلا وخطب السبط منه أفضع

دمه يباح ورأسه فوق الرماح *** وشلوه بشبا الصفاح موزع

بالمائدات مرضض بالمائسا *** ت مظلل بنجيعه متلفع

يا كوكب العرش الذي من نوره *** الكرسي والسبع العلى تتشعشع

كيف اتخذت الغاضرية مضجعا *** والعرش ودّ بأنه لك مضجع

لهفي لآلك كلما دمعت لها *** عين بأطراف الأسنة تقرع

تدمى جوانبها وتضرم فوقها *** أبياتها ويماط عنها البرقع

وإلى يزيد حواسراً تهدى على *** الأقتاب تحملها النياق الضلع

* * *

السيد صالح القزويني النجفي البغدادي ولد في النجف الأشرف 17 رجب سنة 1208 ه وتوفي 5 ربيع الأول سنة 1306 ه وبها نشأ وترعرع ودرس العلوم الدينية على جماعة من العلماء أكبرهم وأعمقهم أثراً في نفسه استاذه الشيخ محمد حسن صاحب جواهر الكلام. وشاعرنا من أعلام العلماء والشعراء نشأ على حبّ العلم إلا أنه اشتهر بمقارضة الشعر ، وكان وقوراً جميل الهيئة قوي العارضة حسن المعاشرة لطيف المحاظرة ولاجتماع الفضائل فيه صاهره مرجع الشيعة واستاذه صاحب جواهر الكلام وانتقل إلى بغداد سنة 1259 وتوفي بها ونقل جثمانه للنجف الأشرف فدفن في المقبرة المعدة لهم في وادي السلام وأعقب خمسة بنين وست بنات اشتهر من أولاده بالشعر اثنان : السيد راضي والسيد حسين المشهور بالسيد حسون ، كما اشتهر بالفضل والعلم ولده السيد مهدي. ولشاعرنا ديوان مخطوط في شتى المقاصد من مدح ورثاء وتهنئة ووصف وله كتاب ( تاريخ أحوال سيد الوصيين ). وهذه الاسرة عريقة في العراق نبغ فيها العلماء الأعلام والشعراء العظام واليكم سلسلة النسب : السيد صالح بن المهدي

ص: 65

ابن الرضا بن مير محمد علي بن أبي القاسم محمد بن محمد علي بن مير قبا بن أبي القاسم محمد بن عبد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسن بن ابي الحسن علي بن أبي الحسين بن علي بن زيد بن أبي الحسن علي الغراب بن يحيى المدعو عنبر بن أبي القاسم علي بن ابي البركات محمد بن أبي جعفر احمد بن محمد صاحب دار الصخرة في الكوفة بن زيد بن علي الحماني الشاعر بن محمد الخطيب بن جعفر الملقب بالشاعر ابن محمد بن زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وشاعرنا المترجم له هو ناظم ( الدرر الغروية في مدح ورثاء العترة المصطفوية ) تحتوي على أربعة عشر قصيدة مطولة في المعصومين الأربعة عشر ، أما ديوانه الكبير فقد جمعه العالم الشاعر الشيخ ابراهيم صادق العاملي وكتبه بخطه وترجم للشاعر ترجمة مُفصلة ، وهذه النسخة اشتراها الأب انستاس الكرملي ثم انتقلت بعد موته إلى مكتبة دار الاثار العامة ببغداد مع الف وخمسمائة ونيف من مخطوطات كتب انستاس ، رأيته في مكتبة دار الاثار برقم 1220 لعله يحتوي على عشرة آلاف بيت ، هذا وقد جمع ديوانه البحاثة الشيخ محمد السماوي أيضاً ، كما جمع ديوان السيد راضي ابن السيد صالح المتوفى في حياة أبيه سنة 1281 في جملة ما جمع من عشرات الدواوين.

وأخيراً طبعت خمس قصائد من شعره وهي التي تخص الخمسة أهل الكساء صلوات اللّه عليهم.

ص: 66

السيد حسين بحر العلوم

المتوفى 1306

قال في الحسين :

حيّ أطلالا بنعمان رماما *** واستلم فيه مقاما فمقاما

وإلى سلع ، سقى سلع الحيا *** عج وبلّغ لأحبائي السلاما

عرب من يعرب لكنها *** لشجاها كاد لم تعرب كلاما

هل درت تلك الدرارى أنني *** أجرع الصاب لها جاما فجاما

وغدت بعد نواهم أدمعي *** كغوادي المزن تنهلّ سجاما

ساهر الأجفان من شجو فما *** ذاق عيني ، لا وعينيها المناما

دام وجدي أمد العمر لها *** وإذا ما جلّ وجد المرء داما

كيف أردتهم يد الدهر وقد *** ملكت أيديهم منه الزماما

هل همت عبرتها من نوب *** نابت الغرّ الميامين الكراما

يوم أضحى سبطها بين العدى *** مفرداً لم يلف حام عنه حامى

ما عدى آحاد قوم ان عدت *** هدمت في بأسها الجيش اللّهاما

بذلت أنفسها حتى لقت *** دون حامي حومة الدين الحماما

من كرام لم تلد امّ العلا *** مثلها في سرمد الدهر كراما

كم بذاك اليوم من أعدائها *** جدّلت بالرغم أقواما طغاما

وشفت أحشاءها حتى قضت *** في سبيل اللّه يا لهفي هياما

فثوت في الأرض صرعى بعدما *** وزعتها أسهم البغي سهاما

ص: 67

كم عليها الدهر قد جار فلم *** يبق منها الدهر شيخا وغلاما

وغدا السبط فريداً بعدها *** بأبي ذاك الفريد المستظاما

فأجال الطرف في أطرافها *** فرآها ملئت جيشا ركاما

فأبت منعته الضيم ومن *** كان للكرار شبلا لن يضاما

ودعاه بأرئى الخلق إلى *** جنبه الأسنى محلا ومقاما

خرّ للموت وترعى عينه *** خفرات عينها تهمى انسجاما

عجبا يقضي سليلُ المرتضى *** وهو من حر الظما يشكو الأواما

أجرو الخيل على جثمانه *** ويح خيل رضضت منه العظاما

رجّت الأرض له بل ملئت *** بعد ذاك الظلم أرجاها ظلاما

واكتست امّ العلى ثوب الأسى *** وغدت أبناؤها الغر يتامى

فلعمرُ اللّه لولا شبله *** علة الكون لما الكون استقاما

لست أنسى خفرات المصطفى *** تشتكي في الطف أقواما لئاما

ساكبات الدمع ثكلى اتخذت *** دمعها الجاري شرابا وطعاما

* * *

السيد حسين بحر العلوم هو ابن السيد رضا ابن آية اللّه بحر العلوم. ولد في النجف سنة 1221 ه ونشأ فيها وكان آية في العلم وروعة في الأدب ومثالاً في الزهد والتقوى. قال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء رحمه اللّه في ( الحصون المنيعة ) : كان علامة زمانه وفهّامة أوانه ، محققاً مدققاً فقيهاً اصولياً لغوياً ، أديباً لبيباً ، شاعراً ماهراً حسن النظم والنثر.

وقال السيد الصدر في ( تكملة أمل الأمل ) : كان من أكبر فقهاء عصره وأعلمهم ، وأحد أركان الطائفة تفقه على صاحب الجواهر وصار من صدور تلامذته مرشحاً للتدريس العام ، وترجم له كثير من الباحثين وذكروا تلامذته من فطاحل العلماء.

ص: 68

وفي مقدمة الجزء الأول من ( رجال السيد بحر العلوم ) قال : وقد أصيب بعد وفاة استاذه - صاحب الجواهر - بوجع في عينيه أدى بهما الى ( الكفاف ) فأيس من معالجة أطباء العراق وذكر له أطباء ايران فسافر الى طهران سنة 1284 ه وآيسه أيضاً أطباء طهران فعرّج إلى خراسان للاستشفاء ببركة الإمام الرضا (عليه السلام) ، فمنذ أن وصل إلى خراسان انطلق بدوره إلى الحرم الشريف ووقف قبالة القبر المطهر وأنشأ قصيدته المشهورة - وهو في حالة حزن وانكسار - وهي طويلة مثبتة في ديوانه المخطوط ، ومطلعها :

كم أنحلتك - على رغم - يد الغير *** فلم تدع لك من رسم ولا أثر

إلى قوله :

يا نيّراً فاق كل النيرات سنى *** فمن سناه ضياء الشمس والقمر

قصدت قبرك من أقصى البلاد ولا *** يخيب - تاللّه - راجي قبرك العطر

رجوتُ منك شفا عيني وصحتها *** فأمنن عليّ بها واكشف قذى بصري

حتى م أشكو - سليل الأكرمين - أذىً *** أذاب جسمي وأوهى ركن مصطبري

صلى الاله عليك الدهر متصلا *** ما إن يسح سحاب المزن بالمطر

وما ان أنهى انشاء القصيدة حتى انجلى بصره وأخذ بالشفاء قليلاً قليلاً فخرج من الحرم الشريف إلى بيت اعدّ لاستقراره وصار يبصر الأشياء الدقيقة بشكل يستعصي على كثير من المبصرين وذلك ببركة ثامن الأئمة الإمام الرضا علیه السلام . وبقي مدة في خراسان ثم قفل راجعاً إلى العراق - مسقط رأسه وجعل طريقه على بلاد ( بروجرد ) وبقي هناك ينتهل أرباب العلم من فيوضاته مدة لا تقل عن السنتين وخرج منها الى العراق فوصل النجف الاشرف سنة 1287 ه وظل مواظبا على التدريس وإقامة الجماعة حتى ودّع الحياة يوم الجمعة 25 ذي الحجة الحرام 1306 ودفن بمقبرة جده السيد بحر العلوم. له من المؤلفات رسائل في الفقه والاصول ، وشرح منظومة جده بحر العلوم وديوان

ص: 69

شعر كبير أكثره في مدح ورثاء أهل البيت (1).

مدحه شعراء عصره كعبد الباقي العمري ، والشيخ عباس الملا علي ، والشيخ موسى شريف آل محي الدين ، والسيد صالح القزويني البغدادي ، والشيخ حسن قفطان ، والشيخ أحمد قفطان وغيرهم. كما رثاه جملة من الشعراء كالشيخ كاظم الهر ، والسيد محمد سعيد الحبوبي ، ورثاه ولده السيد ابراهيم الطباطبائي وحفيده السيد حسن بحر العلوم.

ترجم له البحاثة علي الخاقاني في شعراء الغرى وذكر جملة من أشعاره.

* * *

ص: 70


1- رأيت ديوانه بمكتبة الإمام أمير المؤمنين في النجف الأشرف - قسم المخطوطات تسلسل 1088 خزانة 4 وقد كتب بأجمل خط على أحسن ورق.

الأمير حامد حسين الهندي

المتوفى 1306 ه

السيد الأمير حامد حسين ابن الأمير المفتي السيد محمد قلي بن محمد حسين ابن حامد بن زين العابدين الموسوي النيسابوري الكنتوري الهندي اللكهنوئي. توفي في 18 صفر 1306 في لكهنوء من بلاد الهند ودفن بها في حسينية غفران مآب. قال السيد الأمين في الاعيان. كان من أكابر المتكلمين الباحثين عن أسرار الديانة والذابين عن بيضة الشريعة وحوزة الدين الحنيف علامة نحريراً ماهراً بصناعة الكلام والجدل محيطاً بالأخبار والآثار واسع الاطلاع كثير التتبع دائم المطالعة لم يرَ مثله في صناعة الكلام والإحاطة بالأخبار والآثار في عصره بل وقبل عصره بزمان طويل وبعد عصره حتى اليوم ، ولو قلنا أنه لم ينبغ مثله في ذلك بين الإمامية بعد عصر المفيد والمرتضى لم نكن مبالغين يعلم ذلك من مطالعة كتابه العبقات ، وساعده على ذلك ما في بلاده من حرية الفكر والقول والتأليف والنشر وقد طار صيته في الشرق والغرب وأذعن لفضله عظماء العلماء ، وكان جامعاً لكثير من فنون العلم متكلماً محدثاً رجالياً أديباً قضى عمره في الدرس والتصنيف والتأليف والمطالعة ، ومكتبته في لكهنؤ وحيدة في كثرة العدد من صنوف الكتب ولا سيما كتب غير الشيعة ، وكل من طالع كتابه عبقات الأنوار يعلم أنه لم يكتب مثله في الإمامة ، انتهى.

أقول وكتاب العبقات في إمامة الأئمة الأطهار بالفارسية في الرد على باب الإمامة من التحفة الاثنى عشرية للشاه عبد العزيز الدهلوي ، أثبت من طريق

ص: 71

أبناء السنة والجماعة إمامة أمير المؤمنين على ترتيب القرون والطبقات فكان المجلد الأول في حديث الطائر ومجلدان في الغدير ومجلد في الولاية ومجلد في مدينة العلم ومجلد في حديث التشبيه - حديث المنزلة - ومجلد في حديث الثقلين ومجلدات أُخر ، طبعت كلها ببلاد الهند.

وله موسوعة ( استقصاء الافحام واستيفاء الانتقام ) عشر مجلدات بالفارسية استقصى للبحث عن تحريف الكتاب وفي اثبات وجود المهدي علیه السلام .

وله شمع المجالس ، قصائد عربية وفارسية في مراثي الحسين علیه السلام من إنشائه مطبوع ، أما خزائن كتبه فهي من المكتبات المعدودة في الشرق مخطوطة ومطبوعة تحتوي على النفائس القديمة ولم تزل اليوم بيد أولاده.

* * *

ص: 72

السيد مير محمّد

المتوفى 1306

قال يرثي الحسين :

أتى شهر تسكاب الدموع محرم *** وان لذيذ العيش فيه محرم

تنعّم فيه آل مروان فرحة *** وآل رسول اللّه لم يتنعموا

لآل أبي سفيان دور مسرّة *** وفي بيت أهل البيت قد قام مأتم

وسبط نبيّ اللّه يُنكت ثغره *** وأولاد حرب ثغرها يتبسم

وكان له آيات فضل وسؤدد *** رأوها عيانا ثم من بعدها عموا

* * *

هذه الأبيات من قصيدة في الإمام الحسين علیه السلام ، تشتمل على 110 بيتاً من نظم السيد المفتى المير محمد عباس التستري الكهنوئي المتوفى 1306 ه له ديوان مطبوع بالهند بمطبعة الجعفري مرتباً على الحروف الهجائية يشتمل على النصائح والمواعظ ومدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبنائه المعصومين وفيه كثير من مدح العلماء والصلحاء يحتوي 430 صفحة وقد أسماه ( رطب العرب ) يشتمل على ثلاثة أبواب أطلق على كل مجموعة من الشعر اسم ( نخلة ) فكانت النخلة الثالثة ارجوزة في الإمام الحسين يعدد فيها مناقبه ومقتله وسماها ب ( شمع المجالس ) والشاعر يسكن ( كلكته ).

ص: 73

الشيخ محمد شرع الاسلام

اشارة

المتوفى حدود 1307

يرثى الحسين :

أما ومَن نوّر الأكوان في الظلم *** وأخرج الزهر من سفح ومن أكم

إني وان بكيت عيني بعبرتها *** دمعاً جرى شبه سيل سال من عرم

أو سال منحدراً في الخد يجرحه *** حتى غدى لونه المبيض لون دم

فلم أكن لحسين قد وفيت ولم *** أكن كمن بايعوه عند مصطدم

لحرب أهل عنادٍ كان شأنهم *** بغض الذي كان أوفى الخلق بالذمم

ولست أنسى حسينا حين راسله *** أهل النفاق وأهل الغدر والنمم

ان سر الينا وعجّل يابن بجدتها *** ويا بن حيدرة المخصوص بالعصم

فسوف تلحض منا حال متبع *** وسوف تنظرنا من أطوع الخدم

نوالي كل فتى والي وليّكم *** ومن أبى حبكم أو كان عنه عمي

نريد بالبيض ضربا ليس يحسبه *** إلا زلازل قد صيغت من النقم

واستمر ينظم الوقعة كما جاءت بها كتب المقاتل وفي آخرها قال :

ومنشيِ الشعر راثيكم له أمل *** بأن تزيدوه من علم ومن حكم

هو الملقب بالإسلام عبدكم *** ( محمد ) فهبوه أرفع الهمم

ص: 74

فإن قبلتم فيا طوبى لمنشئها *** وإن رددتم فقل يا زلة القدم (1)

قال الشيخ محمد حرز الدين في كتابه ( معارف الرجال ) : الشيخ محمد ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محسن الحلفي الحويزي النجفي المعاصر ، ولد ونشأ في النجف وكان من العلماء والفقهاء الأجلاء ، اشتهر بالأدب الواسع والظرافة وحسن الأخلاق والسيرة الجميلة بين الاخوان ، وكان شاعراً فقد رثى العلماء والوجوه وهنأهم ، وأرخ كثيراً من الحوادث والوقائع بشعره ، ويروى أنه أرخ باب الصحن الغروي - المعروف بباب الفرج - باسم السلطان ناصر الدين شاه بقوله :

قد فتح السلطان من يمنه *** لدى البرايا باب حصن أمين

باب حمى حامي الجوار الذي *** من حلّه كان من الآمنين

أن تدخلوها فادخلوا سجداً *** فتلك باب حطة المذنبين

أكمل نظمي الفرد تاريخها *** ذا باب سلطان الورى أجمعين

اساتذته ، مؤلفاته :

تتلمذ على علماء منهم اليشخ مهدي ابن الشيخ علي نجل كاشف الغطاء كما حضر على صاحب التأليف والتصنيف السيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1300 ألّف في الفقه والأصول كتباً ، وله الرحلة المحمدية والنقلة الإسلامية ابتدأ بها عام 1275 وفرغ منها 14 محرم الحرام 1276 ، ومن مؤلفاته مجموع أدبي علمي يشبه الكشكول بجزئين حدود 800 صفحة وقد اشتمل على نظمه وحكاياته في الحويزة والنجف في التهاني والمديح والرثاء والتواريخ والطرائف. هذه

ص: 75


1- عن الرحلة من مخطوطات الشاعر نفسه توجد بمكتبة كاشف الغطاء العامة رقم 875 قسم المخطوطات.

الرحلة أهدها للسلطان ناصر الدين شاه القاجاري.

وفاته : توفي في النجف حدود عام 1307 وأعقب الشيخ عبد الحسين يقيم في بلد ( قم ) المشرفة.

ترجم له في ( شعراء الغري ) فقال : وآل شرع الإسلام اسرة كريمة لها شهرة في العلم والأدب وقد لحق اللقب جدها الأعلى وهو الشيخ جعفر وكان من مشاهير الفقهاء ومن كتبه شرح شرايع الإسلام في عشرة مجلدات ولمقامه العلمي سافر إلى ايران واتصل بالسلطان القاجاري وتحدث معه فلقبه ب ( شرع الإسلام ).

كما ترجم له السيد الأمين في ( الأعيان ) وذكره الشيخ الجليل الشيخ هادي كاشف الغطاء في كشكوله قال : رأيناه آخر عمره وكان من أهل الكمال والضرف ومن شعره في المدفئة التي يصنعها الايرانيون المسماة ب ( الكرسي ) و ( البخاري ) :

صح عندي يا بن ودي *** باختيار واختبار

آية الكرسي خير *** من أحاديث ( البخارى )

* * *

ص: 76

شعراء القرن الرابع عشر

اشارة

ص: 77

ص: 78

الميرزا أبو الحسن الرضوي

المتوفى 1311

وديار آل محمد من أهلها *** بين الديار كما تراها بلقع

وبنات سيدة النساء ثواكل *** أسرى حيارى في البرية ضيّع

ماذا تقول اميّة لنبيها *** يوماً به خصمأوه تستجمع

* * *

الميرزا السيد أبو الحسن ابن الميرزا محمد ابن الميرزا حسين الملقب بالقدسي. كتب له السيد الأمين في الأعيان ترجمة وافية وقال : كان في الاصول والفقه والوثاقة والزهد والورع وطيب الأخلاق ما لا يمكن الإحاطة به ، درس في النجف على الشيخ مهدي ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء وعلى الشيخ مرتضى الانصاري وأجازه الشيخ مهدي ، وكان شغوفاً بمطالعة الكتب وعلّق حواشي على كتب كثيرة جيد الخط شاعراً أديباً ، عارض قصيدة ابن سينا التي أولها :

هبطت اليك من المحل الأرفع *** ورقاء ذات تعزز وتمنّع

بقصيدة نحو مائة بيت ، وفي آخر أمره اشتغل بعلم الصنعة والجفر ، توفي بمشهد الإمام الرضا علیه السلام سنة 1311 ه ودفن في دار الضيافة.

ص: 79

الشيخ عبد اللّه القاري

المتوفي 1312

خلّها تقطع البسيط وخيدا *** وتجوب القفار بيداً فبيدا

فهي حرف متى سرت لا تبالي *** أحزونا تجوبها أو نجودا

ما تراها لدى السرى تترامى *** طرباً كالنزيف تشأو وخيدا

ولعت بالسرى وبالسير حتى *** أمنت أن ترى اليها نديدا

بل ولولا الزمام يمسكها لم *** يعيها مفرق السماك صعودا

شفّها كثرة الوجيف فعادت *** مثل سنّ المزاد مرّاً زهيدا

وعلى رامة وأكناف حزوى *** لا تعرّج بها وجانب زرودا

وإلى كربلا فأمَ بها إذ *** ما سواها غدى لها المقصودا

وأنخها بها فثمّ مقام *** يحتذي النيرات فخراً مشيدا

وابتدر تربها بلثمك وأخضع *** وعلى عفره فعفّر خدودا

واسع رسلاً به لدارة قدس *** قد حوت نيّر الوجود الشهيدا

الحسين القتيل نجل عليٍّ *** خير من ساد سيداً ومسودا

واستلم قبره الشريف وسلّم *** وأبك شجوا حتى تروّي الصعيدا

يوم جاشت عليه فيها جيوش *** تخجل الرمل والعداد عديدا

حيث أن تسخط الاله وترضي *** ابن زياد بقتله ويزيدا

فانتضى همة لاحمد تُنمى *** وانتضى للوصي بأساً شديدا

غير ما أنه يزور صحابا *** أحرزوا المجد طارفا وتليدا

ص: 80

عاهدوه على الوفاء وعافوا *** دونه الأهل والداً ووليدا

وانثنوا للوغى سواغب اسد *** قد تراءت من النعام برودا

والتقى جيشهم بقوة بأس *** ثابت يرهق الجبال الميدا

مستميتين يلتقون المنايا *** مثل لقياهم الحسان الغيدا

لا ترى منهم سوى كل ندب *** أريحيٍّ يرى الملاحم عيدا

وتقيٍ سميدع لوذعيٍ *** فاضل يخجل السحائب جودا

لست أنساهم ونار الوغى لم *** تفتَ تذكو على الكماة وقودا

كلهم يصطلى لظاها إلى أن *** غادرتهم على الصعيد خمودا

لهف نفسي لقطب دائرة الأكوان *** إذ صار للطغاة فريدا

حرّ قلبي لصحبه مذ رأهم *** كالأضاحي على التراب رقودا

فاتكى بينهم على قائم *** السيف وناداهم وليس مفيدا

أأحباي ما لكم قد هجرتم *** لي وواصلتم ثرى وصعيدا

لمَ صيرتم التراب وساداً *** وافترشتم صحاصحا وكديدا

هل سئمتم لصحبتي أم سقاكم *** طارق الحتف من رداء ورودا

ومضى للوغى يدير رحاها *** بيد لم تزل تدير الوجودا

يلتقيها بهمة لو أرادت *** طوت الدهر غيبة وشهودا

مستطيلاً عليهم والعفرنى *** ليس يخشى وقد أهاج القرودا

لم يزل بالسنان يفري كبودا *** وبماضي الشبا يقدّ قدودا

وإذا بالنداء من حضرة القدس *** - الينا تجد مقاما حميدا

فرماه الدعيّ شلّت يداه *** عيطلا للهدى أصاب وريدا

فهوى للصعيد ملقى ولكن *** نال في المجد في الهويّ صعودا

يا مليك الأقدار والسيد المسدي *** إلى الخلق والعباد الجودا

عجباً للمهاد والشهب والسبع *** السماوات مذ غدوت فقيدا

ص: 81

كيف قرّت بأهلها واستنارت *** واستقامت وقد فقدن العميدا

لست أنسى العليل في الأرض ملقى *** ناحل الجسم لا يطيق القعود

بأبي بل وبي اقيه البلايا *** ضارعاً مبتلى يعاني القيودا

كم أراد العدا به الحتف لكن *** حفظ اللّه في بقاه الوجودا

حيث لولا بقاه في الأرض عادت *** نقطة الكائنات بالعدم عودا

حوله من نسائه ثاكلات *** بمقام تسيء فيه الحسودا

يتجاوبن بالمناح كأن قد *** علّم الورق نوحها التغريدا

من ثكول تبثّ شكوى لثكلى *** وولود تنوح حزناً وليدا

بينها زينب الفجائع ولهى *** غادرالحزن قلبها مقدودا

تكتم الحزن من حياء فتبديه *** دموع تخدّ منها الخدودا

تنظر السبط بالعرا ونساها *** في السبا لم تجد ولياً ودودا

وعليلا بأسره ، وخباها *** صار نهباً وللحريق وقودا

واليتامى بربقة الأسر غرثى *** قد أذاب الضماء منها الكبودا

أيها الراكب المجد بحرف *** ما لوت عن بلوغها القصد جيدا

قف لك الخير ساعة وتحمّل *** لي شكوى وسر بها لي بريدا

وامض حثاً إلى الغرى ففيه *** أصيد صاد بالفخار الصيدا

وإذا مان حللت ناديه سلّم *** وبه ناد لا تخف تفنيدا

يا عليّ الفخار والفارس *** المغوار لا هائباً ولا رعديدا

عظّم اللّه في الحسين لك الأجر *** فقد مات مستظاما شهيدا

أدركت منه وترها آل حرب *** حيث أشفت أظغانها والحقودا

قتلوه بغيّهم واستحلوا *** فيه لله حرمة وحدودا

قطعوا رأسه الشريف وعلّوه *** سنانا مثقفا أملودا

حوله من رؤوس أبنائك الغر *** نجوما تعلو العوالي الميدا

ص: 82

يتهادى أمامها مثل بدر *** التمّ يتلو بها الكتابَ المجيدا

والعوادي بجسمه تتعادى *** فوجت منه صدره المحمودا

يا لها العقر ما درت أيّ جسم *** تركته بوطئها مهدودا

ومعرّىً على الثرى ألبسته *** شفر البيض والرياح برودا

ونساه على النجائب مهما *** تُطوَ بيدٌ بها تقابل بيدا

معجلات بهن لابن زياد *** ويزيد أسرى تحاكى العبيدا

يا لها نكبة إلى الحشر لم يبلَ *** الجديدان من جواها جديدا (1)

* * *

هو عبد اللّه بن علي من شعراء القرن الرابع عشر. ترجم له صاحب أنوار البدرين في شعراء الاحساء فقال : هو من ادبائها الكاملين الخيرين الشيخ عبد اللّه بن علي الاحسائي رحمه اللّه ، كان من الأخيار الأتقياء الأبرار ومن شعراء أهل البيت الأطهار علیهم السلام ، له ديوان شعر في مجلدين أو أكثر ، وله قصيدة هائية جارى بها ملحمة الملا كاظم الأزري تبلغ ثلاثة آلاف بيت عدّد فيها مواقف أهل البيت في المغازي وذكر فضائلهم ، وأكثر أشعاره في مراثي الحسين علیه السلام وأنصاره. كان من المعاصرين ، توفي رحمه اللّه في سيهات ( قرية من قرى القطيف ) وصلى عليه شيخنا العلامة. ومن شعره في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) :

الا بأبي أفدي الغريب الذي قضى *** وما بلّ منه بالورود أوامُ

غداة عليه جاش في طف كربلا *** لهم جيش بغيٍ كالخضم لهام

ص: 83


1- هذه القصيدة واخرى مطلعها : برغم العلى يا بن النبيين تغتدي *** ثلاث ليال لا تُوارى بساتر رواهما الشيخ حسين الشيخ علي البلادي البحراني في ( رياض المدح والرثاء ) وقال : للتقي الأواه الشيخ عبداللّه القاري الاحسائي.

وذادوه عن ورد الفرات وما دروا *** بأن نداه للوجود قوام

وراموه قسراً أن يضام بسلمه *** يزيد وهل رب الأباء يضام

فهبّ للقياهم وجرّد عزمة *** لها الحتف عبدٌ والقضاء غلام

وقابلهم من نفسه بكتائب *** عليهم بها كادت تقوم قيام

وثارت لديه غلمة مضرية *** لها بقراع الدارعين غرام

اسود لها البيض المواضي براثنٌ *** كما أن لها السمر اللدان أُجام

تهش إلى الحرب العوان كأنها *** به البيض بيض والدماء مدام

وسمر العوالي إذ تاوّد عطفها *** قيان ونقع الصافنات خيام

لهم لفنا الهيجا ابتدار كأنهم *** خماص حداها للورود هيام

يخوضون تيار الحمام ضواميا *** وقد شبّ للحرب العوان ضرام

حماة أياديها شواظ لمعتد *** ولكنها للسائلين غمام

تفرّ الأعادي خيفة من لقائهم *** كما فرّ من خوف البزاة حمام

إذا ركعت في الدارعين سيوفهم *** سجدن لها الهامات وهي قيام

إلى أن اريقت في الصعاد دماؤهم *** وفاجأهم بالمرهفات حمام

وخروا على عفر التراب كأنهم *** بدور هوت في الترب وهي تمام

وآب فتى العلياء وابن زعيمها *** له عن حماه في الطعان صدام

فريد ونبل القوم من كل وجهة *** اليه فرادى رشقها وتُوام

إلى أن يقول :

فيا عجباً للدهر يسقيك حتفه *** ولولاك منه ما استقام نظام

ولم لا هوت فوق البسيط سماؤها *** وأنت لها يا بن الوصي دعام

وللأرض لم قرّت وأنت اشمتها *** وقد هدّ منه بالعراء شمام

وتقضي بجنب النهر ظام ولم تزل *** بجدواك تستجدي الفيوض أنام

ص: 84

فيا فلك العلياء كيف تحملت *** قواك وهادٌ للثرى واكام

برغم المعالي أن تظل على الثرى *** تريب المحيا قد كساك رغام

وتترك في حرّ الظهيرة ثاويا *** يسومك من لفح الهجير سوام

وفي الحصون المنيعة للشيخ علي كاشف الغطاء رحمة اللّه عليه في الجزء الثاني منه صفحة 168 ذكر مرثية أخرى رثى بها الإمام الحسين (عليه السلام) وأولها :

حتى مَ قلبكِ لا يرقّ لشاك *** ويعود ممنوحاً بوصل لقاك

* * *

ص: 85

الشيخ جابر الكاظمي

المتوفى 1312

قال يرثي الحسين (عليه السلام) :

عفت فهي من أهلها بلقع *** ولم يبق لي عندها مطمع

لقد قلّص الظل عن روضها *** وقوّض عن أرضها المجمع

تخاطب أطلالها ضلّة *** وليس لها اذن تسمع

أتطمع من مربع أن يجيب *** سؤالاً وهل جاوب المربع

وأين لذي خرس منطق *** وأين لذي صمم مسمع

وليس بها غير رجع الصدا *** يردّ لك القول أو يرجع

وتأمل منها شفاء الغليل *** ولم تشف غلّتها الادمع

أما علم المصطفى بعده *** بنو الكفرما بهم أوقعوا

تضيع ودائعه بينهم *** وطيب شذاه بهم مودع

واسرته في أكفّ العدا *** اسارى لأهل الخنا تضرع

تراهم لهم رنة في الدجى *** تكاد الرواسي لها تصدع

ونوح يذيب الصفا شجوه *** كنوح الحمائم إذ تسجع

ألا يا مذيق الحمام الهوان *** ويا أيها البطل الأنزع

أتسبى نساؤكم جهرة *** ومنها براقعها تنزع

وتهشم أضلاعها بالسياط *** وهاماتها بالقنا تقرع

ص: 86

ولا تدفع الضيم عنها ولا *** تكف يد الظلم أو تمنع

فأجسادهم ملعب للجياد *** وأكبادهم للضبامرتع

فيا سروات بني غالب *** وعدنان شكوى شجىً فاسمعوا

فلا حملتكم متون الجياد *** ولا ضمّ جمعكم مجمع

ألا فانهضوا بعد هذا الثوى *** وثوروا بثاركم واسرعوا

أيقتل سبط الهدى ضاميا *** ومن كفه عيلمٌ مترع

ويمسى محيطاً به ضرّه *** وفي ذكره الضرّ يستدفع

مصابٌ له الشمس إذ كوّرت *** تداعى له الفلك الأرفع

مصاب له الأرض إذ زلزلت *** يضعضع أركانها الأربع

فيا لمصاب يراع الندا *** له وفؤاد الهدى يصدع

يشلّ بها ساعد المكرمات *** وأنف المعالي به يجدع

الأقل لرواد روض الندا *** رويداً ذوى غصنه فارجعوا

* * *

الشيخ جابر الكاظمي ، ولد بالكاظمية سنة 1222 ونشأ بها وتولع بدراسة الأدب ولازم مجالس الشعراء ومساجلتهم ، وكان من طفولته مليح النكتة حاضر البديهة سريع الجواب حتى لقب في أواسط عمره ب ( أبي النوادر ) حفظ أكثر شعر العرب وكان ينشده ويجيد انشاده ، ويعتز بنسبه ويتغنى بمجد آبائه ، وسلسلة نسبه يذكرها الأعرجي في ( مناهل الضرب في انساب العرب ) ومن شعره قوله :

وإني من ربيعة غير أني *** ربيعهم إذا ذهب الربيع

وزاده شرفاً وافتخاراً أن والدته من سلالة علوية واسمها ( هاشمية ) وكانت جليلة القدر محترمة في الأوساط الدينية ، ذكر السيد البحاثة السيد حسن الصدر في ( التكملة ) قال : حدثني بعض الأجلة من العلماء أن صاحب كتاب الفصول والشيخ صاحب الجواهر كانا إذا جاءا لزيارة الإمامين الجوادين عليهما

ص: 87

السلام يقصدان دارها ويزورانها لجلالتها. وهي كريمة السيد جواد بن الرضا ابن المهدي البغدادي.

والشيخ جابر من فطاحل الادباء ، ملأ الاسماع بشعره متضلعاً في الكلام والتفسير والحديث والتاريخ مع ورع وتعفف وتقوى ونسك لم يرَ في الشعراء بورعه وتقواه ، وولاؤه لأهل البيت علیهم السلام مضرب المثل حلو الكلام عذب الألفاظ موزون النبرات.

ذكره صاحب الحصون فقال : كان فاضلاً كاملاً شاعراً ماهراً بالعربية والفارسية اديباً لغوياً عالماً بالعلوم العربية والأدبية وقد خمّس قصيدة الأزرية المشهورة فأحسن بتخميسه وأجاد. إلى آخر ما قال :

سافر إلى إيران مرتين وكان موضع حفاوة وتقدير من قبل الملوك والامراء وكان له ولد واحد وهو الشيخ طاهر عرف بالفضل والعلم والأدب وقد مات يوم كان أبوه في ايران في السفرة الثانية وبموت هذا الولد انقطع نسل الشيخ جابر من الذكور.

توفي بالكاظمية في صفر سنة 1312 ه 1895 م ودفن في الصحن الكاظمي في الغرفة الثالثة عن يمين الداخل من باب فرهاد ميرزا ، وطبع ديوانه في مطابع بغداد سنة 1384 ه بتحقيق البحاثة الشيخ محمد حسن آل ياسين سلمه اللّه وفي مقدمة الديوان ترجمة وافية لصاحب الديوان بقلم محقق الديوان قال فيها : ولد الشاعر في الكاظمية سنة 1222 ه وكان أبوه الشيخ عبد الحسين قد هاجر اليها من ( بلد ) لطلب العلم أيام الفقيه السيد محسن الأعرجي ، أي في اخريات القرن الثاني عشر الهجري.

ص: 88

سليمان الصولة

اشارة

المتوفى 1312

الشاعر المسيحي السوري سليمان بن ابراهيم الصوله ، جاء في ديوانه المطبوع في مصر صفحة 230 قال : دخلت مدينة صور - لبنان يوم عاشوراء والشيخ علي عز الدين - أحد أفاضل الشيعة - في مأتم الامام الحسين (عليه السلام) فلم يستطع أن يقابلني ، فبعثت له بهذه الأبيات والثلاثة وهي :

لا فارق الكرب المؤبد والبلا *** مَن لا ينوح على الشهيد بكربلا

إن لم تسل منا العيون ففي الحشا *** مهج يفتت نوحهنّ الجندلا

فعلى الشهيد وآله آل الرضا *** مني السلام متمماً ومكملا

فأسرع حفظه اللّه لزيارتي وبعث بالأبيات لحضرة والده بقية الأفاضل. وكوكب المحافل. العلامة الورع الإمام محمد عز الدين. بمقاطعة ( تبنين ) وإذ قد وردت من حضرته رسالة هذه صورتها.

من أطراف الهبات. وأظرف الصلات. ان تلا عليّ ولدي حسين ثلاثة أبيات ارسلت لأبيه الشيخ علي يوم عاشوراء فقلت لمن هم. فقال لأبي الطيبات. المتصف بأفضل الصفات. صاحب الغيرة والصوله. المعلم سليمان الصولة. فقلت هدهد الشعراء الآتي بالنبا. وآصفهم المتناول عرش بلقيس من سبا. بل سليمانهم الملبس امرئ القيس على بساطه بجاد العبا. ثم تناولتها فأعجبتني جداً. وأكثرتني شكراً وحمداً. وأذكرتني برقتها المرحوم والده المجيد. المعلم

ص: 89

ابراهيم الصولة الفريد. ولاعجابي بها وشغفي بما حوت من الإيجاز. والبلاغة والإعجاز. شطرتها وخمستها ، وذيلتُ التخميس. بخطاب نفيس. لحضرة ناظمها الأجل الأمثل. والجهبذ الأفضل الأكمل. راجياً أن يلحظني بعين الرضا. الكليلة عن العيب. وأجره على عالم الغيب.

( وهذا التشطير أثابه اللّه ونوّله مناه )

لا فارق الكرب المؤبد والبلا *** قلبا سليل المصطفى الهادي سلا

وبهبهبٍ يوم المعاد قد اصطلى *** من لا ينوح على الشهيد بكربلا

إن لم تنح منا العيون ففي الحشا *** نزّاعة لشوى الشؤون مع الكلا

الوجد أحرق مدمعي فتناوحت *** مهج يفتت نوحهنّ الجندلا

فعلى الشهيد وآله آل الرضى *** بكت الملائك لا الغرانيق العلى

وانا الذي اهدي لمن يهواهم *** مني السلام متمماً ومكملا

ثم تبادلت بيننا الزيارات مراراً. وبلغ جناب مخدومة الشيخ علي ما لأبنتي ليلى من الذكاء المفرط وحفظها الشعر من مرة واحدة وافراط شوقي اليها فقال :

لئن كنت قد فارقت ليلى بجلقٍ *** وأنت على بعدٍ لها غير صابر

فسلّم إلى الرحمن تسلم من الاذى *** ويقّن بأن ينجيك من شرّ غادر

ولا تجزعن مما لقيت فانه *** قضاء قضى من قبل ناهٍ وامرِ

وذلك لأني كنت ممنوعاً من الخروج من صور بأمر والي سوريا عزت باشا لأني أخبرت باستيلاء روسيا على أسكلة باطوم قبل أن تعلم بذلك عامة الناس فلم يمض على ذلك عشرون يوماً حتى صدر الأمر الكريم السلطاني باطلاقي وعودتي لمأموريتي ، فقال يمدحني حفظه اللّه ويعتذر من تأخير زيارته وهذه هي أبياته المذكورة :

قد جُمّعت فيك الفصاحة والعلى *** يا من به دست الفضائل قد علا

لا فضّ فوك ولا عدمتك فاضلا *** قد قلت خير القول في خير الملا

ص: 90

فشغفت من طربي وقلت لصاحبي *** إن لم يكن شعر الرجال كذا فلا

أنت المصلي في العلوم جميعها *** عند الحسود وإن سبقت الأولا

ما عاقني عن أن أراك منادمي *** إلا عزائي للشهيد بكربلا

ذاك الذي جبريل خادم جده *** والمدح فيه كالحصاة من الفلا

وفي أعيان الشيعة ج 42 ترجمة للشيخ علي عز الدين ابن الشيخ محمد عز الدين المتوفى 1304 الذي كان يقطن في صور - لبنان قال :

وكان رجل من المسيحيين اسمه ابراهيم الصولي شاعراً أديباً ، قد أرسلته الدولة العثمانية الى صور موظفاً في بعض الدوائر ، فكانت بينه وبين الشيخ علاقة أدب وشعر فما كاد يمر يوم حتى يجتمعان. وفي يوم العاشر من المحرم انقطع الشيخ للعزاء والمأتم فأرسل له الصولي الأبيات ( لا فارق الكرب المؤبد والبلا ) فأجابه الشيخ على البديهة ( قد جمعت فيك البلاغة والعلى ) الأبيات وقال : والشيخ علي عز الدين كان ذكياً حاذقاً نسابة عارفاً بأشعار العرب حافظاً للتواريخ ترجم له في ( منية الراغبين في طبقات النسابين ).

* * *

ص: 91

الشيخ عباس الأعسَم

اشارة

المتوفى 1313

ألا أن خطبا هائلا جلّ وقعه *** له تنثنى الأيام وهي غياهب

بافلاذ قلب المصطفى قد تنشبَت *** مخالبه والمدميات المخالب

وقارع سبط المصطفى في صروفه *** وأقراع خطيّ الخطوب غوالب

عشية جاءته يغصّ بها الفضا *** عصائب شرك تقتفيها عصائب

فشمّر للحرب الزبون طليقة *** نواجذه كالليث والليث غاضب

تحوط به فتيان صدق تشوقهم *** حسان المعالي لا الحسان الكواعب

تعوم بهم في موج مشتجر القنا *** عراب من الخيل العتاق سلاهب

إذا رفعت للنقع ظلمة غيهب *** فأسيافهم في جانبيها الكواكب

تتابع في الضرب الطعان فلا ترى *** سوى طاعن يقفوه في الطعن ضارب

تهاووا على الرمضاء صرعى تلفّهم *** عن العين من نسج السوافي جلابب

إلى أن قضوا حقّ المعالي وشيدت *** لهم في ذرى سامي الثناء مضارب

فقام باعباء الحروب مشمراً *** أخو همة تنحط عنها الثواقب

يخوض غمار الموت وهي زواخرٌ *** وتلك التي عن وردها الليث ناكب

بعزم يذيب الصم وهي صياخد *** وما كل عزم واري الزند ثاقب

ولولا قضاء اللّه لم يبق واحدٌ *** على الأرض ممن قارعوه وحاربوا

ولكنما أيدي المقادير سددت *** إلى قلبه سهم الردى وهو صائب

ص: 92

قضى فالمعالي الغرّ تنعى ثواكلا *** عليه وغرّ المكرمات نوادب

قضى فاستشاط الدين حزناً وأقذيت *** له مقل أجفانهنّ سواكب

قضى وهو مطوي الضلوع على ظما *** له شعلٌ في حرّها القلب لاهب

فليت عباب الماء غاض ولم تكن *** تدرّ بمنهل القطار السحائب

وإن أنسَ لا أنسى عقائل أحمد *** وقد نهبت أحشاءهن النوائب

تقاد برغم المجد أسرى حواسراً *** وتطوى بها أدم الفلاة النجائب

يجاذبها في مشرق الشمس جانب *** ويقذفها من مغرب الشمس جانب

تحنّ حنين النيب وهي ثواكل *** تنازع منهن القلوب المصائب

وما بينها مقروحة القلب زينب *** تنادى وما غير السياط مجاوب

وتدعو فتشجي الصم زينب حسرة *** بسافح دمع عنه تروى السحائب

أيا ثاوياً لم ترو غلّة صدره *** وقد نهلت منه القنا والقواضب

أبعدك أجفاني يمرّ بها الكرى *** ويهنأ لي عيش وتصفو مشارب (1)

وقال متوسلاً بالامام الحسين علیه السلام :

اليك ابن طه لا إلى غيرك انتحت *** ركائب قصدي والرجاء يسوقها

أتتك تؤم البيد تستعجل السرى *** وما عاقها عن قصدها ما يعوقها

عليك لها حق الضيافة والقرى *** وأي ضيوف لا توفى حقوقها

* * *

الشيخ عباس الأعسم بن عبد السادة النجفي الحيري ولد في النجف الأشرف عم 1253 ه وهاجر منها إلى الحيرة حوالي سنة 1290 ولما كانت سنة 1298 بلغه وهو في الحيرة وفاة طفلين له في النجف اصيبا بالطاعون الذي عم العراق تلك السنة. عاد الى وطنه النجف سنة 1307 وبقي فيها إلى أن توفي في شهر

ص: 93


1- الدر المنظوم في الحسين المظلوم مخطوط الخطيب السيد حسن البغدادي.

ذي القعدة من سنة 1313 وعمره ستون كانت له قريحة وقّادة وبديهة سريعة في النظم فعكف على العلم والأدب ولازم الحوزات العلمية والأوساط الأدبية ويقضي ايام الراحة والاستجمام في الحيرة عند السادة آل زوين.

قال السيد الأمين في الأعيان : رأينا له في النجف ديوان شعر مجموع بخطه. أقول ونسخة من ديوانه بمكتبة الشيخ السماوي واخرى عند ولده الشيخ محمد الذي كان قاضي الجعفرية في النجف والمتوفى 1366 أما نسخة خط الناظم عند ولده الآخر الشيخ عبد الحسين تقرب من ثلاثة آلاف بيت وقد رتّبه بنفسه على الحروف ، وسلسلة نسبه : فهو ابن الحاج عبد السادة ابن الحاج عبد ابن الحاج مرتضى بن الحاج قاسم بن ابراهيم بن موسى بن الحاج محمد الذي هاجر من ( خليص ) احدى ضواحي المدينة إلى النجف الأشرف.

فمن قوله في الغزل :

بكّر إلى الروض بصرف الطلا *** وامزج بها رضاب ريق الملاح

واجل دياجي الهم في ضوئها *** تقشع الليل بضوء الصباح

لا سيما من كف مجدولة *** مالئة الحجلين غرثى الوشاح

تفتك بالأكباد أجفانها *** كأنها تستلّ بيض الصفاح

فكل قلب من سهاماتها *** مسهّم أو مثخن بالجراج

يا بأبي المسكر من ريقها *** عند اغتباقي منه والاصطباح

وله :

ولما تجلّت بيننا كسروية *** من الحبب الدري تعقد تاجها

حكت أدمعي في لونها فكأنها *** عصارة خدي مَن أدار مزاجها

من الزنجبيل العذب كان مزاجها *** ويا ما أحيلاها وأحلى مزاجها (1)

ص: 94


1- عن مجلة الغرى السنة السادسة العدد 2.
وللشيخ عباس الأعسم مشطرا والاصل للقطامي :

يقتلننا بحديث ليس يعلمه *** من هنّ عنه بواد وهو في واد

وما الهوى غير سر ليس يفهمه *** من يتقين ولا مكنونه باد

فهن ينبذن من قول يصبن به *** قلب الشجي بتبريح وإيقاد

وهن يسخرن في قول يقعن به *** مواقع الماء من ذي الغلّة الصادي

وله أيضاً مخمساً والاصل للشيخ كاظم الازري :

أما والبيت والسبع المثاني *** لقد حكم الغرام على جناني

وفي برج الجمال من الحسان *** لنا قمرٌ سماوي المعاني

تشكل للعيون بشكل ريم

تملّك بالجمال على البرايا *** وأصبحت القلوب له رعايا

به اختلفت عناوين القضايا *** على عينيه عنوان المنايا

وفي خديه ترجمة النعيم

* * *

ص: 95

الباقر الخونساري

المتوفى 1313

من أكابر الفقهاء والمجتهدين. ولد سنة 1226 في قصبة خونسار ونشأ نشأة علمية روحية درس ودرّس وكتب وألّف فمن مؤلفاته كتابه الجليل المسمى ب ( روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ) موسوعة قيّمة نافعة وغيره مما يقارب العشرين مؤلفاً في مختلف العلوم والفنون.

توفي رحمه اللّه ببلدة اصفهان سنة 1313 كذا ذكر الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) وله ديوان شعر ذكره عندما ترجم نفسه وقال يشتمل على قصائد في مدائح المعصومين ، سمى كل قصيدة باسم خاص ( التحفة المحمودية ) عنبة عسكرية ( شعشة قمرية ) هدية فيروزجية ) وهكذا ، وكتب له مقدمة خالية من الحروف المعجمة أولها : الحمد لله الملك المالك المحمود والواحد الصمد ... يوجد عند حفيديه السيد محمد علي الروضاتي والسيد أحمد باصفهان ، وقد طبع لصاحب الروضات منظومة ( قرة العين في اصول الدين ) باصفهان وذلك سنة 1320 ه. انتهى عن ( الذريعة ج 9 قسم الديوان صفحة 575 ).

* * *

ص: 96

آغا أحمد النوّاب

اشارة

المتوفى 1311

جاء في مجموع الخطيب السيد عباس الموسوي قصيدة للسيد أحمد النواب قد نظمها في شهر المحرم سنة 1311 ه.

الدمع لا يرقى مدى الازمان *** لرزية المذبوح والعطشان

هذي المدامع سيلها متواصل *** من كل قاص في الأنام ودان

لهفي على العباس وهو مجدلٌ *** والسبط يدعو في رحى الميدان

ظهري انحنى من عظم ما قد حلّ بي *** يا أوصل الأصحاب والاخوان

ثم انثنى نحو الخيام منادياً *** هذا الوداع ولا وداع ثاني

نادته زينب والجوى بفؤادها *** روحي الفدا يا سيد الأكوان

أأخي كيف أراك في حرّ الثرى *** دامي الوريد مضرج الجثمان

يا ويلتا ، يا حسرتا ، يا لهفتا *** تبدو السبايا من بني عدنان

جئنا من الحرم المنيع بعزّة *** وحماية الفرسان والشجعان

ثم انثنينا راجعين بلا حمى *** غير اليتاما والأسير العاني

والسبط مطروح ثلاثا بالعرى *** ملقى بلا غسل ولا أكفان

* * *

السيد أحمد النواب ، ينتهي نسبه إلى ادريس بن جعفر التواب بن الإمام علي الهادي علیه السلام ، وكانت هذه الاسرة قبل هذا تتصل بزيد النار ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام). وآل النواب اسرة كبيرة ، وهم طائفتان : إحداهما علوية ومنها المترجم له والاخرى هندية ، وبين الاسرتين مصاهرة قديمة

ص: 97

ومن الصعب التمييز بين المنتمين اليهما.

والمترجم لم نعثر له على ترجمة سوى أن الخطيب السيد عباس البغدادي ، خطيب بغداد ذكر له في مجموعة قصيدتين في رثاء الإمام الحسين علیه السلام نقلهما من مجموع للشاعر المترجم له ، وقد كتب السيد عباس فوق القصيدتين ما نصه : مما قاله حضرة النواب الأكرم السيد أحمد اغا النواب أدام اللّه وجوده ، وذلك في أيام عاشوراء سنة 1312 ه.

أقول وذكر الشاب المعاصر السيد جودت السيد كاظم القزويني في مخطوطاته ان بين السيد أحمد النواب وبين السيد عباس صاحب المخطوطة نسبة قرابة من جهة النساء حتى أن في ديوان السيد عباس المخطوط قصيدة في تهنئة النواب المذكور بقران أحد أولاده. ويظهر من مجموعة الخطيب أن النواب كان حياً سنة 1312 ه كما هو مؤرخ في تاريخ نظم القصيدتين.

ومما قاله السيد احمد النواب :

تحية تغتدى من ربنا الداني *** على الحسين عظيم القدر والشأن

هو ابن مَن مِن رسول اللّه مكانته *** مكان هارون من موسى بن عمران

هو الذي فيه بل في والديه غدا *** مباهلاً جده أحبار نجران

هو ابن حيدرة الكرار يوم وغى *** مبيد شرك وفرسان وشجعان

هو ابن من نزلت في حقه سور *** الذكر المبين بايضاح وتبيان

هو ابن مَن أنزل الباري ولايته *** يوم الغدير بتبليغ وبرهان

أوحى الاله لخير الرسل قاطبة *** إن لم تبلّغ فما بلّغت قرآني

هو الأمير الذي كانت ولايته *** من الاله بأفضال وإحسان

خير الورى بعد خير الأنبياء عُلاً *** وسيد الخلق من إنس ومن جان

مهما نسيت فلا أنسى مواقفه *** ما بين شرّ الورى من آل كوفان

هو الذي قال فيه المصطفى شرفاً *** مني حسين ومن آذاه آذاني

ص: 98

السيد جعفر الحلّي

اشارة

المتوفى 1315

سادة نحن والأنام عبيد *** ولنا طارف العلى والتليد

فبايماننا اهتدى الناس طراً *** وبايماننا استقام الوجود

وأبونا محمد سيد الكل *** وأجدر بولده أن يسودوا

ماعشقنا غير الوغى وهي تدري *** انها سلوة لنا لا الخود

تتفانى شبابنا بلقاها *** وعليها يشب منا الوليد

لو ترانا بالحرب نلتف بالسمر *** عناقاً كأنهن قدود

ونحيي البيض الصقال بلثم *** فكأن الحدود فيها خدود

وإذا قرّت الملاحم قلنا *** يا منى القلب طال منك الصدود

نحشر الخيل كالوحوش ولكن *** خلفها الطير سائق وشهيد

كيف لم تقفها الطيور وفيها *** كل يوم لهن نحر وعيد

كل ملمومة إذا ما ارجحنت *** جللتها بوارق ورعود

غررٌ في خيولنا واضحات *** كنجوم يلوح فيها السعود

ولنا في الطفوف أعظم يوم *** هو للحشر ذكره مشهود

يوم وافى الحسين يرشد قوماً *** من بني حرب ليس فيهم رشيد

خاف أن ينقضوا بناء رسول *** اللّه في الدين وهو غض جديد

وأبى اللّه أن يحكّم في الدين *** طليق مستعبد وطريد

ص: 99

كيف يرضى بأن يرى العدل *** النقص والجائر المضل يزيد

فغدا السبط يوقظ الناس للرشد *** وهم في كرى الضلال رقود

ولقد كذبته أبناء حرب *** مثل ما كذب المسيح اليهود

فدعا آله الكرام إلى الحر *** ب فهبوا كما تهب الاسود

علويون والشجاعة فيهم *** ورثتها آباؤهم والجدود

لم يهابوا جمع العدى يوم صالوا *** وان أستنزروا وقل العديد

أفرغوهن كالسبائك بيضاً *** ضافيات ضيقن منها الزرود

ملأتها الأعطاف طولاً وعرضاً *** فكان صاغها لهم داوود

وأقاموا قيامة الحرب حتى *** حسب الحاضرون جاء الوعيد

يشرعون الرماح وهي ظوام *** ما لها في سوى الصدور ورود

وضباهم بيض الخدود ولكن *** زانها من دم الطلا توريد

ما نضوها بيض المضارب إلا *** صبغوها بما حباها الوريد

كم ينابيع من دم فجّروها *** فارتوى عاطش وأورق عود

قضب فلت الحدود وعادت *** جدداً ما فللن منها الحدود

لست أدري من أين صيغ شباها *** أكذا يقطع الحديد حديد

موقف منه رجت الأرض رجا *** والجبال اضطربن فهي تميد

وسكنّ الرياح خوفاً ولولا *** نفس الخيل ما خفقن البنود

فركود الأحلام فيهن طيش *** وعروق الحياة فيها ركود

لا خبت مرهفات آل علي *** فهي النار والأعادي وقود

عقدوا بينها وبين المنايا *** ودعوا ها هنا توفّى العقود

ملؤا بالعدى جهنم حتى *** قنعت ما تقول هل لي مزيد

ومذ اللّه جل نادى هلموا *** وهم المسرعون مهما نودوا

نزلوا عن خيولهم للمنايا *** وقصارى هذا النزول صعود

ص: 100

فقضوا والصدور منهم تلظى *** بضرام وما ابيح الورود

سلبوهم برودهم وعليهم *** يوم ماتوا من الحفاظ برود

تركوهم على الصعيد ثلاثاً *** يا بنفسي ماذا يقل الصعيد

فوقه لو درى هيا كل قدس *** هو للحشر فيهم محسود

تربة تعكف الملائك فيها *** فركوع لهم بها وسجود

وعلى العيس من بنات علي *** نوّح كل لفظها تعديد

سلبتها أيدي الجفات حلاها *** فخلا معصم وعطل جيد

وعليها السياط لما تلوّت *** خلفتها أساور وعقود

ووراها كم غرد الركب حدواً *** لثرى فوك أيها الغريد

أتجد السرى وهنّ نساء *** ليس يدرين ما السرى والبيد

أسعدتها النيب الفواقد لما *** نحن وجداً وللثرى ترديد

عجباً لم تلن قلوب الأعادي *** لحنين يلين منه الحديد

وقسوا حيث لم يعضّوا بناناً *** لعليل عضت عليه القيود

وله حنت الفصيل ولكن *** هيمته امية لا ثمود

ينظر الروس حوله زاهرات *** تتثنى بها العوالي الميد

* * *

السيد جعفر كمال الدين الحلي النجفي. عرفت هذه الاسرة بالانتماء الى الجد السادس لصاحب هذه الترجمة ، وهو السيد كمال الدين بن منصور فهو جد الاسرة الكمالية المنتشرة في الحلة وضواحيها والنجف والكوفة وقد كتب عنها مفصلاً الخطيب اليعقوبي في ( البابليات ) كما أقام الشواهد على شاعريته وسرعة البديهة عنده وديوانه أصدق شاهد على سموّ شعوره وكان من حقه أن يطلق اسم ( سحر بابل وسجع البلابل ) على ديوانه قبل أن يجمع والذي جمعه أخوه السيد هاشم بعد وفاة الشاعر. توفي فجأة في شعبان لسبع بقين من سنة 1315 ه-

ص: 101

ودفن في وادي السلام بالنجف الأشرف عند قبر والده على مقربة من مقام المهدي ورثاه جماعة من ذوي العلم والأدب منهم العلامة الشيخ عبد الحسين صادق العاملي والشيخ محمد حسن سميسم والأديبان الشيخ محمد الملا وولده الشيخ قاسم وأخوه السيد هاشم بقصيدتين واقتطفنا من ترجمته ما جاء في مقدمة ديوانه المطبوع في صيدا وهي بقلم المصلح الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ومنها : الشريف أبو يحيى جعفر بن الشريف حمد الحلي منشئاً ، النجفي مسكناً ومدفنا الشاعر المفوه الأديب يتصل نسبه بيحيى بن الحسين بن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين ، ولد رحمه اللّه يوم النصف من شهر شعبان المعظم من السنة السابعة والسبعين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية في احدى القرى اللصيقة بالحلة الفيحاء على شاطيء الفرات وتسمى بقرية السادة من رساتيقها الجنوبية التي تعرف بالعذار وأبوه السيد حمد سيدها في الفضل والصلاح وأحد المتخرجين على العلامة السيد مهدي القزويني طاب ثراه وكان له عدة أولاد أكبر من السيد جعفر كلهم أهل فضل وعلم وتقى ولما ترعرع السيد جعفر وبلغ أو كاد اقتفى أثر اخوته الكرام فهاجر إلى النجف من العذار قبل أن ينبت بعارضه العذار وكانت قد ساءت الحال على أهل تلك النواحي وذهبت مادة حياتهم وانقطعت أسباب رفاهيتهم بانقطاع ماء الفرات الذي عادت مجاري سيوله الذهبية سيل رمال وسلسلة تلال ومساحب أذيال مما ألجأ الحكومة العثمانية حينئذ للاهتمام بانفاق مبالغ من الأموال في عشرات من السنين حتى أعادت الماء إلى مجراه بواسطة هذا السدّ العظيم المهم في الفرات ويُدعى اليوم بسدة الهندية ، طفق ذلك السيد الحدث يطلب العلم في النجف وهو يستظل سماء القناعة ويلتحف أبراد الفقر والفاقة وما أحرّها من أبراد ولكن بين جنبيه تلك النفس الشريفة والروح اللطيفة والجذوة الوقادة والشيم الهاشمية والشمائل العربية فجعل يختلف إلى مجالس العلم ويحضر أندية الفضل ويتردد إلى محافل الأدب وناهيك بالنجف يوم ذاك وما ادراك ما النجف - البلدة تتجلى

ص: 102

لك بها الفضيلة بأتم مجاليها بل بتمام حقائقها ومعانيها هي تلك الدائرة التي جعلت مركزها باب مدينة العلم فاستقت من ينبوعه واستمدت من روحانيته وحلّقت في سماء المعارف الدينية والأخلاق الأدبية حتى بلغت ما شاءت هي وشاءت لها العناية.

نشأ السيد جعفر فاستطرف قدر حاجته من المباديء النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان ، وصار يختلف إلى مدارس العلماء وحوزاتها الحافلة بالفقه وهو في كل ذلك حلو المحاضرة سريع البداهة حسن الجواب نبيه الخاطر متوقد القريحة جريّ اللسان فهو يسير إلى النباهة والاشتهار بسرعة ويتقدم إلى النبوغ والظهور بقوة وبينا هو في خلال اشتغاله بطلب العلم كان يسنح على خاطره فيجري دفعاً على لسانه من دون أعمال فكر ومراجعة روية البيتان والثلاث والنتف والمقاطيع حسب ما يقتضيه المقام ويناسبه الوضع فيتلوها على الحضور أياًما كانوا قلة أو كثرة ضعة أو رفعة غير هيّاب ولا نكل فتستحسن منه وتستجاد وتستزاد وتستعاد ولكن نحو ما قال أحد الشعراء :

كلما قلت قال أحسنتَ زدني *** وبأحسنتَ لا يباع الدقيق

برع في نظم الشعر وهو دون الثلاثين وأصبح من الشعراء المعدودين الذين تلهج الألسن بذكرهم وتتغنى بشعرهم ، واقترن بأحد كرائم قومه وعاد ذا عيلة فاشتدت وطأة الدهر عليه وصارت تعتصره كل يوم عصّارة الحدثان وتكتظه صبّارة الصرفان وهو يتلوّم تارة ويتبرّم واخرى يصبر أو يتصبر وطوراً يضج في أشعاره ويتضجر وأعظم ما هنالك رزية أنه يجتلب مسكة رمقه ودرّة عيشه من ضرع قلمه وشق قصبته. وإذا كان الشعر مرآة الشعور ومظهر حقيقة قائلة وتمثال شمائله ومخائله فاقرأ ما شئت من ألوان شعره لتراه محلّقاً في جميع ضروب الشعر وآفاقه سباقاً إلى اختراق معانيه ومثالا لمصداقه سيما في الرثاء فقد قال من قصيدة عصماء يرثي المرحوم الميرزا حسن الشيرازي :

ص: 103

يا شعلة الطور قد طار الحِمام بها *** وآية النور عفّى رسمها الزمنُ

اليوم نمك طوى الإسلام قبلته *** فاللّه يحفظ من أن يعبد الوثن

تحركوا بك إرقالا ولو علموا *** أن السكينة في تابوتهم سكنوا

والقصيدة كلها بهذا اللون وهذه القوة ، وهكذا كان السيد جعفر من قوة العاطفة وصدق الاحساس وشدة الانفعال ، كما أنه على جانب كبير أيضاً من سعة الخيال وعمق التفكير وجودة التصوير وبلاغة التعبير ويرى البعض أنه يزاحم السيد حيدر في شهرته وشاعريته وكثيراً ما اشترك في حلبات شعرية فحاز قصب السبق.

ذكر الشيخ محمد السماوي في كتابه ( ظرافة الأحلام ) قال : أخبرني السيد الشريف العلامة السيد حسين بن معز الدين السيد مهدي القزويني رحمه اللّه قال : رأيت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في المنام ذات ليلة مباركة من ليالي رجب سنة 1312 جالساً في مقبرة والدي بالنجف على كرسي ، ووالدي بين يديه متأدب أمامه ، وكأن المقبرة روضة متسعة فسلّمت وأردت تقبيل يد الإمام فقال أبي امدحه أولاً ثم قبّل يده فأنشدته :

أبا حسن أنت عين الاله *** فهل عنك تعزب من خافية

وأنت مدير رحى الكائنات *** وإن شئت تسفع بالناصيه

وأنت الذي امم الأنبياء *** لديك إذا حشرت جاثية

فمن بك قد تمّ ايمانه *** يساق جنة عاليه

وأما الذين تولوا سواك *** يساقون دعّاً إلى الهاويه

قال فتبسم علیه السلام وقال لي أبي أحسنتَ ، فدنوت منه وقبّلت يديه ، وانتبهت وأنا أحفظ الأبيات ولما أصبحت حضر المجلس على العادة جماعة من فضلاء الادباء فذكرت ما رأيت وقلت :

من كان يهوى قلبه *** ثاني أصحاب الكسا

فلينتدب لمدحه *** مشطراً مخمسا

ص: 104

فانتدب جماعة للتشطير والتخميس ، فممن شطر الشيخ جواد الشبيبي والسيد عدنان ابن السيد شبر الحسيني الغريفي البحراني البصري المتوفى 1336 ومنهم السيد علي ابن السيد محمود الأمين العاملي الحسيني المتوفى 1328 في جبل عامل وقد نقل المدح إلى رثاء الحسين علیه السلام إذ وافق تخميسه أيام المحرم ، وممن شطر فقط العلامة السيد محسن الأمين كما نظم الشيخ محمد السماوي تشطيراً للابيات أقول والذي حلّق في هذه الحلبة هو الشاعر السيد جعفر السيد حمد الحلي فقال في التشطير - وهذا مما لم ينشر في ديوانه :

أبا حسن أنت عين الاله *** على الخلق والاذن الواعيه

تراهم وتسمع نجواهم *** فهل عنك تعزب من خافيه

وأنت مدير رحى الكائنات *** وقطبٌ لأفلاكها الجاريه

فإن شئت تشفع يوم الحساب *** وإن شئت تسفع بالناصيه

وأنت الذي امم الأنبياء *** تولتك في الأعصر الخاليه

وكل الخلائق يوم النشور *** لديك إذا حشرت جاثيه

فمن بك قد تمّ إيمانه *** فبشراه في عيشة راضيه

بحوضك يسقى ومن بعد ذا *** يساق إلى جنة عاليه

وأما الذين تولّوا سواك *** فما هم من الفرقة الناجية

يجيئون للحشر سود الوجوه *** يساقون دعّاً إلى الهاويه

ثم خمس الاصل والتشطير فقال : وهذا مما لم ينشر في ديوانه ايضا

براك المهيمن إذ لا سواه *** وبيّن باسمك معنى علاه

فكنت ترى الغيب لا بإشتباه *** أبا حسن أنت عين الاله

على الخلق والاذن الواعية

ترى الناس طراً وترعاهم *** وأقصى الورى منك أدناهم

ومهما أسروا خفاياهم *** تراهم وتسمع نجواهم

فهل عنك تعزب من خافيه

ص: 105

أقلّ معاجزك الخارقات *** حضورك للشخص حين الوفاة

فأنت المحيط بستّ الجهات *** وأنت مدير رحى الكائنات

وقطبٌ لأفلاكها الجاريه

لك الناس تحشر يوم المأب *** مطأطأة الروس خوف العذاب

فمنك الثواب ومنك العقاب *** فإن شئت تشفع يوم الحساب

وإن شئت تسفع بالناصيه

بك الحشر مهّد للاستواء *** وباسمك قامت طباق السماء

فأنت المحكّم يوم الجزاء *** وأنت الذي امم الأنبياء

تولتك في الأعصر الخالية

إذا بعث اللّه مَن في القبور *** ومن سفر الموت أضحوا حضور

فأنت الأمير بكل الامور *** وكل الخلائق يوم النشور

لديك إذا حشرت جاثيه

محبك تثقل ميزانه *** ويعلو بيوم الجزا شأنه

وهب فرضه بان نقصانه *** فمن بك قد تمّ إيمانه

فبشراه في عيشة راضيه

ينال الكرامة غبّ الأذى *** وعن ناظريه يماط القذى

فما بعد يشكو ظماه إذا *** بحوضك يسقى ومن بعد ذا

يساق إلى جنة عاليه

أبا حسن بك أنجو هناك *** وأرجو رضا خالقي في رضاك

فلم يُنج في الحشر إلا ولاك *** وأما الذين تولوا سواك

فما هم من الفرقة الناجيه

سيأتي الشقي ومن تابعوه *** بجمع عن الحوض قد حُلّؤه

جفاةٌ لحقك قد ضيّعوه *** يجيئون للحشر سود الوجوه

يساقون دعّاً إلى الهاويه

ص: 106

فإذا ضممت إلى ذلك أن السيد جعفر ما كان يملك كتاباً من الأدب ولا كان يحفظ ولا مقدار مائة بيت ولو متفرقة من شعر العرب أو من بعدهم الى عصره قلتَ هذا أعجب وأغرب ، ولسهولة قول الشعر عليه على ما عرفت من شدة محنه وابتلائه كان مكثراً منه فكان لا يجلس ولا يقوم على الأكثر إلا وقد قال الأبيات أو البيتين فما فوقها حسبما سنح في تلك المحاضرة والمحادثة من الدواعي وكان ربما طلب ماءً أو قهوة أو دخاناً أو داعب جليساً أو غير ذلك فيورد غرضه ببيتين من الشعر هما أجلا في أداء مراده من الكلام المألوف والقول المتعارف ، وربما كان يأتي إلى بيت من يريد فلا يجد ربّه فيكتب على الجدار حاجته أو سلامه ويذهب وهذا كثير له فمن ذلك بيتان كتبهما في دار السيد السند ثقة الإسلام وقدوة الاعلام السيد حسن الصدر يشفّعه عند استاده حجة الإسلام الشيرازي طاب ثراه وهما :

لقد بقيت بسامراء منفرداً *** مثل انفراد سهيل كوكب اليمن

والدهر لما رماني في فوادحه *** آليتُ لا أشتكي إلا إلى الحسن

وحدثني سماحة المغفور له الشيخ هادي نجل الشيخ عباس كاشف الغطاء أن السيد جعفر طلب منه الخروج إلى النزهة خارج النجف في أيام الربيع وهناك تكثر أغادير الماء ، فاعتذر إليه الشيخ فكتب له :

عذيري منك أن تأبى اتباعي *** على حقٍ ومَن لي بالعذير

ومن عجب وانك جعفري *** وترغب عن أحاديث الغدير

فالتورية ب ( جعفري ) انه جعفري المذهب وينتسب للشيخ جعفر الكبير جدّ الاسرة ، وفي كلمة الغدير تورية بيوم غدير خم الذي عقدت فيه البيعة للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، وقال مداعباً أستاذه الشيخ الشربياني.

أشيخ الكل قد أكثرت بحثاً *** بأصل براءة وباحتياط

ص: 107

وهذا وقت زوار و ( نوطٍ ) *** فباحثنا بتنقيح المناط

ومن نوادره قوله :

تسمّى بالقريض اليوم *** مَن ليس له أهلا

أتونا بالمقاطيع *** وكلٌ يدّعى وصلا

وقال يداعب الشربياني :

للشربيانيّ أصحاب وتلمذةٌ *** تجمّعوا فرقاً من هاهنا وهنا

ما فيهم مَن له بالعلم معرفة *** يكفيك أفضل كل الحاضرين أنا

وقال ممازحاً الخطيب الاديب ... لما تزوّج بامرأة ثيبة بعد ان تزوّج بامرأتين قبلها :

بشراك في لؤلؤة قد ثقبت *** أنفع من لؤلؤة لم تثقب

ومهرة وطّأ شخص ظهرها *** أحسن من جامحة لم تركب

ومنهج قد سلكت فيه الخطا *** أحسن من نهجٍ جديد متعب

وقد وجدنا في الكتاب آية *** قدّم فيها اللّه ذكر الثيّب

اسم العجوز في المقال طيب *** لأنه وصف لبنت العنب

مرت عليها أربعون حجة *** فهي إذاً كالصارم المجرب

عرّفها الدهر تقلباته *** فساتصفها عارفة التقلب

ومَن يسبّ الثيبات سائني *** لأنه قد سبّ ظلماً مذهبي

خديجة بنت خويلد على *** ما نقلوا أعزّ أزواج النبي (1)

بك الاثافي كملت ثلاثة *** ففز بها كالمرجل المنصّب

ص: 108


1- لا شك أن خديجة بنت خويلد هي أفضل زوجات النبي وام المؤمنين حقاً. إذ هي أول امرأة آمنت برسول اللّه وبيتها أول بيت بني في الاسلام وكان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كلما ذكرها بكى فقالت له السيدة عائشة : ما لك يا رسول اللّه وقد أبدلك اللّه بخير منها ، قال : واللّه ما أبدلني بخير منها ، آوتني إذ طردني الناس وصدقتني إذ كذبني الناس ورزقني منها الولد إذ حرمني من غيرها. وعلى ما يقول النسابة الشهير ابن أعثم الكوفي أن خديجة لم تتزوج بغير رسول اللّه ، وهي سيدة نساء قريش ولمكانتها في نفس رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه لم يتزوج بغيرها ما دامت هي في قيد الحياة ، ولما ماتت خديجة وأبو طالب في عام واحد حزن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسمى ذلك العام ب عام الحزن.

أضف إلى ذلك رقة غزله وخفة روحه فحينما تدرس غزله وتشبيبه تراه يسيل رقة وعاطفة ويبدع ما شاء له الابداع في الخيال والتصوير فاستمع اليه في حائيته الرائعة والتي تناهز التسعين بيتاً - وهذا مقطع منها :

هزوا معاطفهم وهنّ رماح *** ونضوا لواحظهم وهنّ صفاح

شاكين ما حملوا السلاح وإنما *** منهم عليهم أهبة وسلاح

ونشرن ألوية الشعور عليهم *** سوداً وكل طرفه السفاح

وتعمّدونا باللحاظ فلا ترى *** من عاشق ما أثخنته جراح

آرام وجرة لا يدون قتيلهم *** وأسيرهم لم يرج فيه سراح

فتح الجمال لهم وفي وجناتهم *** كتب ابن مقلتها هو الفتاح

بشراك يا من ذاق برد ثغورهم *** أعرفت ماروح الهوى والراح

ونعمت يامن شمّ طيب خدودهم *** أرأيت كيف الورد والتفاح

لا تحسبن لئالئاً في خده *** لكنه عرق الحيا الرشاح

قدحت خدودك في فؤادي جذوة *** والورد خير صنوفه القداح

وأضيق ذرعاً من خلاخلك التي *** ضاقت على ساقيك وهي فساح

وحشاء أخفق من جناحي طائر *** إن يخفقا لك قرطق ووشاح

ماذا يعيب بك النصوح ثكلته *** حاشاك بل غشتني النصاح

الطرف ساج ، والسوالف صلتة *** والجيد أتلع والجفون ملاح

يا يوسف الحسن البديع جماله *** لي مثل يعقوب عليك نياح

إن أوعدت بالصدّ فهي جهينة *** أو واعدت بالوصل فهي سجاح

وقال :

أخذ الريم منك سحر العيون *** وروت عنك مائسات الغصون

واستفاد الهلال منك ضياءاً *** حين قابلته بشمس الجبين

ص: 109

وسرت من لماك نفحة سكر *** أخذت بعضها ابنة الزرجون

ومن اللؤلؤ الذي بثناياك *** صفاء باللؤلؤ المكنون

أجل ، وإن شعره رحمه اللّه يبلغ - ولا شك - أضعاف ما نشر في ديوانه المطبوع وذلك لأن مثل تلك المقاطيع والنتف التي تتفق عرضاً وتجري سنوحاً مما لا يمكن تقييد شواردها ورهن أوابدها ، واهتم بجمع ديوانه شيخنا المصلح الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء وأخذه بنفسه في سنة 1331 ه حين سافر إلى لبنان والديار المصرية ووقف على طبعه في صيدا بمطبعة العرفان وصدره بمقدمة نفيسة وعلّق على الديوان حواشي هامة تتضمن بالإيجاز تراجم مَن جاءت أسماؤهم في الديوان مع تهذيب الديوان وتنقيحه.

وبعد أن يكن السيد جعفر أبدع في نواحي كثيرة من شعره فإن روائعه في شهداء الطف تمتاز على باقي أدبه ، فكأن ذكرى أولئك الشهداء الذين كرهوا الذل وأنفوا من الضيم وجادوا بنفوسهم الزكية ودمائهم الطاهرة في سبيل الحق والكرامة توقظ بين جوانحه شعلة الثورة الهاشمية وهل تدري أن إحدى هذه القصائد الحسينية بل أجودها وأشهرها نظمها بساعتين ، وهي رائعته التي مطلعها :

وجه الصباح عليّ ليل مظلم *** وربيع أيامي عليّ محرم

وكان ذلك في شهر المحرم فلا تسمع إلا ناع وناعية ونادب لسيد الشهداء ونادبة ، فمرّ الشاعر في هذا الجوّ وتمشى في الصحن العلوي واسترسل بنظم هذه القصيدة التي تزيد على السبعين بيتاً وكلها من الشعر المنسجم أمثال قوله في أصحاب الحسين :

متقلدين صوارما هندية *** من عزمهم طبعت فليس تكهم

إن أبرقت رعدت فرائص كل ذي *** بأس وأمطر من جوانبها الدم

ويصف بطولة أبي الفضل العباس حامل راية الحسين والأخ المواسي بأسمى ما تكون من أنواع المواساة ، ففي زيارته : أشهد أنك نعم الأخ المواسي لأخيه :

ص: 110

عبست وجوه القوم خوف الموت و *** العباس فيهم ضاحك يتبسم

قلب اليمين على الشمال وغاص في *** الأوساط يحصد بالرؤوس ويحطم

وثنى أبو الفضل الفوارس نكّصاً *** فرأوا أشدّ ثباتهم أن يهزموا

ماكرّ ذو بأس له متقدماً *** إلا وفرّ رأسه المتقدم

ثم يشير إلى فارس العرب ربيعة بن مكدم المعروف بحامي الضعينة فيقول :

حامي الضعينة أين منه ربيعة *** أم أين من عليا أبيه مكدّم

قسماً بصارمه الصقيل، وإنني *** في غير صاعقة السما لا أقسم

لولا القضا لمحا الوجود بسيفه *** واللّه يقضي ما يشاء ويحكم

ثم ينحدر إلى شجاء مصرع هذا البطل وفجيعة الحسين بهذا الأخ المحامي فيقول عن لسان الحسين :

أأخي يهنيك النعيم ولم أخل *** ترضى بأن أُرزى وأنت منعّم

أأخي من يحمي بنات محمد *** إن صرن يسترحمن مَن لا يرحم

لسواك يلطم بالأكف وهذه *** بيض الضبا لك في جبيني تلطم

ما بين مصرعك الفظيع ومصرعي *** إلا كما أدعوك قبل فتنعم

هذا حسامك من يذلّ به العدا *** ولواك هذا من به يتقدم

هوّنتَ يابن أبي مصارع فتيتي *** والجرح يسكنه الذي هو أألم

يا مالكاً صدر الشريعة إنني *** لقليل عمري في بكاك متمم

مشيراً إلى مالك بن نويره وحزن أخيه متمم عليه ورثائه له.

وهذه احدى روائعه في سيد الشهداء :

أدرك تراتك أيها الموتور *** فلكم بكل يد دم مهدور

عذبت دماؤكم لشارب علّها *** وصفت فلا رنق ولا تكدير

ولسانها بك يا ابن أحمد هاتف *** أفهكذا تغضي وأنت غيور

ص: 111

ما صارم إلا وفي شفراته *** نحر لآل محمد منحور

أنت الولي لمن بظلم قتّلوا *** وعلى العدى سلطانك المنصور

ولو أنك استأصلت كل قبيلة *** قتلا فلا سرف ولا تبذير

خذهم فسنة جدكم ما بينهم *** منسية وكتابكم مهجور

ان تحتقر قدر العدى فلربما *** قد قارف الذنب الجليل حقير

أو انهم صغروا بجنبك همة *** فالقوم جرمهم عليك كبير

غصبوا الخلافة من أبيك وأعلنوا *** ان النبوة سحرها مأثور

والبضعة الزهراء امك قد قضت *** قرحى الفؤاد وضلعها مكسور

وأبوا على الحسن الزكي بأن يرى *** مثواه حيث محمد مقبور

واسأل بيوم الطف سيفك إنه *** قد كلم الأبطال فهو خبير

يوم أبوك السبط شمّر غيرة *** للدين لما أن عناه دثور

وقد استغاثت فيه ملة جده *** لما تداعى بيتها المعمور

وبغير أمر اللّه قام محكّماً *** بالمسلمين يزيد وهو أمير

نفسي الفداء لثائر في حقه *** كالليث ذي الوثبات حين يثور

أضحى يقي العدل وهو مهدم *** ويجبّر الاسلام وهو كسير

ويذكر الأعداء بطشة ربهم *** لو كان ثمة ينفع التذكير

وعلى قلوبهم قد انطبع الشقا *** لا الوعظ يبلغها ولا التحذير

فنضى ابن حيدر صارماً ما سله *** إلا وسلن من الدماء بحور

فكأن عزرائيل خط فرنده *** وبه أحاديث الحمام سطور

دارت حماليق الكماه لخوفه *** فيدور شخص الموت حيث يدور

واستيقن القوم البوار كأن *** أسرأفيل جاء وفي يديه الصور

فهوى عليهم مثل صاعقة السما *** فالروس تسقط والنفوس تطير

شاكي السلاح لدى ابن حيدر أعزل *** واللابس الدرع الدلاص حسير

ص: 112

غيران ينفض لبدتيه كأنه *** اسدُ بآجام الرماح هصور

ولصوته زجل الرعود تطير بالأ *** لباب دمدمة له وهدير

قد طار قلب الجيش خيفة بأسه *** وانهاض منه جناحه المكسور

بأبي أبي الضيم صال وماله *** إلا المثقف والحسام نصير

وبقلبه الهم الذي لو بعضه *** بثبير لم يثبت عليه ثبير

حزن على الدين الحنيف وعربة *** وظماً وفقد أحبة وهجير

حتى إذا نفذ القضاء وقدّرا *** لمحتوم فيه وحتم المقدور

زجت له الأقدار سهم منية *** فهوى لقى فاندك منه الطور

وتعطل الفلك المدار كأنما *** هو قطبه وعليه كان يدور

وهوين ألوية الشريعة نكصاً *** وتعطل التهليل والتكبير

والشمس ناشرة الذوائب ثاكل *** والأرض ترجف والسماء تمور

بأبي القتيل وغسله علق الدما *** وعليه من أرج الثنا كافور

ظمآن يعتلج الغليل بصدره *** وتبلّ للخطيّ منه صدور

وتحكمت بيض السيوف بجسمه *** ويح السيوف فحكمهن يجور

وغدت تدوس الخيل منه أضالعا *** سر النبي بطيها مستور

في فتية قد أرخصوا لفدائه *** أرواح قدس سومهن خطير

ثاوين قد زهت الربى بدمائهم *** فكأنها نوارها الممطور

هم فتية خطبوا العلا بسيوفهم *** ولها النفوس الغاليات مهور

فرحوا وقد نعيت نفوسهم لهم *** فكان لهم ناعي النفوس بشير

فاستنشقوا النقع المثار كأنه *** ندّ المجامر منه فاح عبير

واستيقنوا بالموت نيل مرامهم *** فالكل منهم ضاحك مسرور

فكأنما بيض الحدود بواسماً *** بيض الخدود لها ابتسمن ثغور

وكأنما سمر الرماح موائلا *** سمر الملاح يزينهن سفور

ص: 113

كسروا جفون سيوفهم وتقحموا *** بالخيل حيث تراكم الجمهور

من كل شهم ليس يحذر قتله *** إن لم يكن بنجاته المحذور

عاثوا بآل امية فكأنهم *** سرب البغاث يعثن فيه صقور

حتى إذا شاء المهيمن قربهم *** لجواره وجرى القضا المسطور

ركضوا بأرجلهم إلى شرك الردى *** وسعوا وكل سعيه مشكور

فزهت بهم تلك العراص كأنما *** فيها ركدن أهلة وبدور

عارين طرزت الدماء عليهم *** حمر البرود كأنهن حرير

وثواكل يشجي الغيور حنينها *** لو كان ما بين العداة غيور

حرم لأحمد قد هتكن ستورها *** فهتكن من حرم الاله ستور

كم حرة لما أحاط بها العدى *** هربت تخف العد ووهي وقور

والشمس توقد بالهواجر نارها *** والأرض يغلي رملها ويفور

هتفت غداة الروع باسم كفيلها *** وكفيلها بثرى الطفوف عفير

كانت بحيث سجافها يُبنى على *** نهر المجرة ما لهن عبور

يحمين بالبيض البواتر والقنا *** السمر الشواجر والحماة حضور

ما لاحظت عين الهلال خيالها *** والشهب تخطف دونها وتغور

حتى النسيم إذا تخطى نحوها *** ألقاه في ظل الرماح عثور

فبدا بيوم الغاظرية وجهها *** كالشمس يسترها السنا والنور

فيعود عنها الوهم وهو مقيدٌ *** ويردّ عنها الطرف وهو حسير

فغدت تود لو انّها نعيت ولم *** ينظر اليها شامت وكفور

أما قصائده الخاصة بسيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) والتي يتعذر ذكرها كاملة فنكتفي بالاشارة اليها ، وأوائلها :

1 - ألا لا سقت كفى عطاشا العواسل *** إذا أنا لم أنهض بثار الأوائل

ص: 114

2 - في طلب العز يهون الفنا *** ولا يروم العزّ إلا أنا

3 - يا قمر التم إلى م السرار *** ذاب محبوك من الانتظار

4 - يغرّ الفتى بالدهر والدهر خائن *** ويصبح في أمن وما هو آمن

5 - ذكر المنازل وإلا حبه *** صبٌ أذاب الوجد قلبه

6 - اللّه أي دم في كربلا سفكا *** لم يجر في الأرض حتى أوقف الفلكا

7 - ما بال عينك لا تملّ هيامها *** وعصت بمبرح وجدها لوّامها

8 - أتغضي فداك الخلق عن أعين عبرا *** تودّ بأن تحضى بطلعتك الغرّا

* * *

ص: 115

الشيخ عباس كاشف الغطاء

المتوفى 1315

قال في الحسين مرثية ، مطلعها :

إذا لم أنل وترى با - المناصل *** فلا سار مهري تحت ظل العواسل (1)

هو الشيخ عباس كاشف الغطاء ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء النجفي المولد والمنشأ والمسكن والمدفن ، ذكره صاحب الحصون فقال : كان عالماً فاضلاً مجتهداً فقيهاً ، أصولياً محققاً مدققاً أديباً لبيباً بليغاً شاعراً ماهراً وجيهاً رئيساً عظيماً جليل القدر عظيم المنزلة مهيب المنظر حسن المخبر ، طلق اللسان فصيح البيان. إلى آخر ما قال. له مؤلفات : منها موارد الأنام شرح مبسوط على شرايع الإسلام ، رسالة في الشروط ، رسائل متفرقة في الاصول ، رسالة عملية في الطهارة والصلاة. توفي أول الغروب عندما قام لاداء الصلاة في طريقه الى كربلاء بقصد الزيارة للامام الشهيد الحسين سلام اللّه عليه وذلك على نهر الفرات ليلة الاثنين ثاني ربيع الأول عام 1315 ونقلت جنازته الى النجف في زورق مائي ودفن بمقبرة الاسرة ، ولم يخلف سوى ولده الهادي. رثاه فريق من الشعراء منهم : السيد رضا الهندي والشيخ عبد الحسين صادق ، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، والسيد جعفر الحلي ، والشيخ جواد الشبيبي بقصيدتين. وذكره الحجة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في هامشه على ( سحر بابل ) فقال : هو أحد الأساطين الأعاظم والععد والدعائم ، من الطائفة الجعفرية الذين نهضوا باعباء الزعامة والتحفوا بأبراد المجد والكرامة. ويسترسل شيخنا بالاطراء والثناء بما هو حق وصدق.

ص: 116


1- عن شعراء الغري.

الملا عباس الزيوري

المتوفى 1315

قال في الحسين (عليه السلام) :

إلى كم مداراة العدى من مذاهبي *** وحتى م سلطان الهموم مصاحبي

أما آن للوقت الذي توعدوننا *** به أن نرى فيه علوّ المراتب

ويظهر أمر اللّه ما بين أهله *** وتخفى أمور سنّها كل ناصب

نرى الشموس في شرق البلاد وغربها *** تجوب الفيافي في ظهور النجائب

يحفّ بهم من آل أحمد أصيدٌ *** تحفّ به الأملاك من كل جانب

إذا ما سطا خلت البسيطة والسما *** طواها وعبّا شرقها بالمغارب

يطالب في ثار الحسين وفتية *** قضت عطشا بالطف من آل غالب

وقد خلّفت في الغاضرية نسوة *** خماص الحشى وآهاً لها من سواغب

إذا رفعت رأساً إلى اللّه أبصرت *** رؤساً تعلّى كالنجوم الثواقب

وإن طأطأت راساً إلى الأرض أبصرت *** جسوماً كساها البين ثوب المصائب

أو التفتت من شجوها عن يمينها *** ويسرتها أو بعض تلك الجوانب

رأت صبية للمرتضى فوق هزّل *** من العيس تسبى مع نساء نوادب

فيا راكباً كوراً معوّدة على *** اقتطاع الفيافي في القفار السباسب

إذا أدلجت في السير تحسب نبلة *** قد انتزعت في القوس عن قوس حاجب

إذا لاحت الأعلام من سرّ من رأى *** فنادِ بأعلى الصوت يا آل غالب

ألا أين قوم لو تلاقت جموعهم *** لما رجعت إلا بجزر الكتائب

ص: 117

حسينكم أمسى وحيداً وحوله *** بنو هاشم والصحب كلٌ بجانب

ينادى ألا هل من نصير فلا يرى *** له ناصراً دون السيوف القواضب

ويدعوهم حاموا بنات محمد *** فليس يرى غير القنا من مجاوب

فقوموا غضابا وأدفعوا عن نسائكم *** فقد أصبحت اسرى بأيدي الأجانب

متى تملأون الأرض قسطا بعدلكم *** كما ملئت من جور ظلم النواصب (1)

* * *

الملا عباس الصفار الزيوري ابن القاسم بن ابراهيم بن زكريا بن حسين بن كريم بن علي بن كريم بن علي ابن الشيخ عُقلَه الزَيوري البغدادي المنشأ ، الحلي المسكن المتوفى سنة 1316 مولده بغداد مات أبوه وهو طفل صغير وكانت أُمّه حلية الأصل فانتقلت بولدها هذا إلى الحلة ونشأ في حجور أخواله وتعلّم الشعر عندهم ويزعم بعض أقاربه في بغداد وسوق الشيوخ أن أصلهم يرجع إلى المقداد بن الأسود الكندي الصحابي المشهور ، وفي أواخر العقد التاسع من القرن الثالث عشر استوطن كربلاء على عهد السيد أحمد بن السيد كاظم الرشتي المقتول سنة 1294 وله فيه مدائح وتهاني كثيرة ، وحج المترجم له مكة المكرمة مع السيد المذكور سنة 1290 وقام بنفقاته ذهاباً وإياباً ولما عرج السيد بعد حجه نحو الاستانة كان المترجم له في صحبته ثم جاب البلاد اليمانية للسياحة وفي ( عدن ) شرع بتخميس علويات ابن أبي الحديد. قال الشيخ اليعقوبي في البابليات : وسمعت من جماعة ممن عاصره من البغداديين والحليين أنه كان من الذاكرين الخطباء ولكن شهرته الأدبية تغلبت على شهرته المنبرية. وإن له تخميساً لقصيدة العلامة الفقيه الشيخ حسين نجف التي جارى فيها الهائية الأزرية الشهيرة في مدح أمير المؤمنين علیه السلام . وله تخميس لقصائد الكميت - الهاشميات - وسافر في آخر أيام حياته إلى ايران لزيارة المشهد الرضوي ولطبع منظوماته المذكورة هناك ففاجأه الأجل في طهران ودفن في بلدة ( قم )

ص: 118


1- عن الدر المنظوم في الحسين المظلوم مخطوط الخطيب السيد حسن الموسوي البغدادي.

عند الشاه عبد العظيم ، وقيل في خراسان وذهبت قصائده بذهابه وقد تجاوز عمره الستين عاماً ، ومن شعره قوله :

سمتك أُمك ( نجما ) *** لأن خدك ثاقب

فأكفف سهامك عني *** وارع الاله وراقب

وذكره الشيخ النوري في ( جنة المأوى ) وعبّر عنه بالفاضل اللبيب مادح أهل البيت وأثبت له أبياتاً من قصيدة طويلة يمدح بها الإمام المهدي ويذكر كرامة له اتفقت في 10 جمادى الاخرة سنة 1299 مع أخرس من أهالي ( برمة ) اسمه اغا محمد مهدي اطلق لسانه في ( مقام الغيبة ) بسامراء واحتفل في الصحن الشريف بأمر الإمام السيد ميرزا حسن الشيرازي بمناسبة ظهور تلك الكرامة ، وكان الزيوري مع الأخرس في الباخرة حين توجه من بغداد إلى سامراء وأشار إلى ذلك من الأبيات :

وفي عامها جئتُ والزائرين *** إلى بلدة سرّ مَن قد رأها

رأيت من الصين فيها فتى *** وكان سميّ إمام هداها

وقد قيّد السقم منه الكلام *** وأطلق من مقلتيه دماها

وفي هذه الكرامة نظم السيد حيدر الحلي قصيدته العامرة التي مطلعها :

كذا يظهر المعجز الباهر *** ويشهده البرّ والفاجر

وشاعرنا المترجم له ذكره الشيخ النوري في أول كتابه ( دار السلام ) وأثبت له أبياتاً يقرّض فيها ويؤرخ كتابه المذكور فيها :

الجهبذ النوري حسين ومَن *** شرّفه اللّه ببيت الحرام

أشرق نور العلم عن فكره *** فجاء في تصنيف دار السلام

خير كتاب جامع كاشف *** فيه عن الرؤيا حجاب الظلام

يعبّر الرؤيا وينبيك عن *** رؤيا نبيٍ صادق أو إمام

تاللّه لو أن ابن سيرين قد *** طالعه رأى له الاحترام

ص: 119

وكان عنه آخذاً ما به *** قد عبّر الرؤيا لكل الأنام

وخاطب النوري تاريخه *** إرقَ لقد فزتَ بدار السلام

ومن شعره تقريظه لكتاب ( العقد المفصل ) للسيد حيدر الحلي ، أثبته السيد حيدر في آخر الكتاب نظماً ونثراً :

كتابك تحت كتاب الاله *** وفوق كتابة كل الورى

أقول وعيناي ترنو اليه *** لقد جمع الصيد جوف الفرا

وأهتف إن قيس فيه سواه *** أين الثرَيّا وأين الثري

وقال أيضاً تقريض للكتاب المذكور :

وافى مذ وافاني غده *** ووفى لي فيما أقصده

رشاً بسيوف لواحظه *** شمل العشاق يبدده

يشدو فيرق لنغمته *** اسحاق اللحن ومعبده

يا ليلاً بتّ اسامره *** ما أسرع ما وافى غده

تركيٌ ناشٍ في عجم *** وصفاء اللون يبغدده

بتنا بقميصي عفّتنا *** والحيّ تولّت حسّده

ولهيب فؤاد أضرمه *** بزلال الريق أبرده

ويميت القلب وينشره *** سيف عيناه تجرده

زمن تجب النعماء له *** جحد الباري من يجحده

عجباً للخدّ بنار الورد *** جلا الأبصار توقده

أيعود زمان الفوز به *** ويشاهدني وأُشاهده

كمشاهدتي لكتابة من *** هو فرد الدهر وسيده

هو حيدر أهل العلم له *** ملك بالنظم يسدده

وله من خالقه نظرٌ *** ما بين الخلق يؤيده

ص: 120

مولى للنظم يكمّله *** فيقيم الملك ويقعده

نفحات الطي بعنصره *** تبدو ، والطيّب مولده

صلحت لله سريرته *** فالصالح ما كتبت يده

يا ثالث بدري عالمنا *** بل أنت لفضلك مفرده

مَن قاسك في أحد فأنا *** في وصف علاك افنّده

مولى يحلولي المدح به *** فلهذا رصت أُردده

ترجم له صاحب الذريعة وصاحب الحصون المنيعة وقال : كانت لي معه صحبة وصداقة وسافر إلى عدن ونال منها ثروة عظيمة ، وكان عالماً بالايقاع مشهوراً بصناعة الموسيقي وقد تخرج عليه جماعة ، وكان له ديوان شعر قد جمعه في حياته وله شعر كثير في مدح الأئمة علیهم السلام وله اليد الطولى في التشطير والتخميس أقول : ذكر أكثره الخاقاني في ( شعراء الحلة ) واليعقوبي في ( البابليات ) ، وقال يرثي أمير المؤمنين علیه السلام :

أيا عين جودي في دم الدمع واجمدِ *** ويا نار قلبي كيف لم تتوقّد

وهذا أمير المؤمنين أصابه ابن *** ملجم في محرابه بمهند

فيا شمس غيبي يا نجوم تساقطي *** فسرّ هداك مات في سيف ملحد

فمن لليتامى والأيامى ومَن به *** بنو مضر تعلو بمجدٍ وسؤدد

وصيّك يا خير النبيين رأسه *** لقد شجّ في المحراب في سيف معتدي

تهدم من ذاك الحمى اليوم سوره *** فقم وانشر الرايات في كل مشهد

ونادي بأعلى الصوت يا آل غالب *** غدا الدهر في قطع من الليل أسود

أيضرب بالمحراب رأس عميدكم *** ويلتذّ منكم هاشميٌ بمرقد

سيوفكم فلّت أم الخيل عطّلت *** أُم السمر أمست بينكم في تأوّد

فواللّه لا أنسى عليا وشيبه *** يخضب من قانى الدم المتورد

وحفّ به أبناؤه وتصارخت *** عليه اليتامى من ذرارى محمد

ص: 121

وأعول جبريل الأمين تهدمت *** من الدين أركان بها الدين يهتدى

الا إن أشقى الأشقياء بسيفه *** تعمّد أتقى الأتقيا صهر أحمد

وكبّرت الأملاك في أفق السما *** وكلٌ ينادي مات واللّه سيدي (1)

وقال مخاطباً أبا الفضل العباس ابن أمير المؤمنين علیهماالسلام :

أبا الفضل يا من به يُرتجى *** محط الخطايا من المذنبين

فحقّق رجائي بما رمته *** فأنت المشفع في العالمين

وأنت ابن قطب رحى الكائنات *** وصي النبي الكتاب المبين

فلا تتركني في حيرة *** فغيركم ليس لي من معين

وترجم له الشيخ محمد حرز الدين في ( معارف الرجال ) وأتى على طائفة من شعره وقال : توفي في طهران سنة (1320) واقبر هناك بمقبرة الشاه عبد العظيم الحسني.

ص: 122


1- عن مخطوط الدر المنظوم في الحسين المظلوم للسيد حسن الموسوي الخطيب.

السيد ميرزا الطالقاني

المتوفى 1315

من شعره في رثاء الحسين :

طربت وما شوقي لباسمة الثغر *** وهمتُ وما وجدي لساكنة الخدر

ولست بصب هاجه رسم منزل *** ورجعُ حمامات ترجّع في الوكر

وليس حنيني للركائب قوّضت *** فقوّض يوم البين من قبلها صبري

وليس بكائي للغوير وبارق *** ولكن لآل المصطفى السادة الغر

فكم لهم يوم الطفوف نوائب *** بكتها السما والأرض بالأدمع الحمر

غداة تداعت للحسين عصابة *** مدرعة بالشرك والغيّ والغدر

وجاءت لأخذ الثار طالبة بما *** سقاها علي في حنين وفي بدر

فثارت حماة الدين من آل غالب *** يهزهم شوق إلى البيض والسمر

فكم ثلموا البيض الصفاح وحطّموا *** الرماح وقاموا للكفاح على جمر

برغم العلى خروا على الأرض سجّداً *** وظل وحيداً بعدهم واحد الدهر

ومنها :

وراح إلى الفسطاط ينعى جواده *** ففرّت بنات الوحي شابكه العشر

فهذي تنادي يا حماي وهذه *** رجايَ وهذي لا تبوح من الذعر

( فواحدة تحنو عليه تضمه ) *** واخرى تنادي والدموع دما تجري

ألا في أمان اللّه يا مودع الحشا *** لهيباً به ذاب الأصم من الصخر

عزيز على الكرار أن ينظر ابنه *** يُخلّى ثلاثاً في الطفوف بلا قبر

ص: 123

السيد ميرزا ابن السيد عبد اللّه بن أحمد بن حسين بن حسن الشهير بمير حكيم الحسيني الطالقاني النجفي ، علامة كبير وأديب شهير وشاعر مقبول. ولد بالنجف عام 1246 ونشأ بها ونال حظا وافراً من الأدب وقرض الشعر ، لازم الزعيم الديني الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ ميرزا حبيب اللّه الرشتي وتخصص بالفقه ونال درجة الاجتهاد فرجع اليه بالرأي كثير من البلدان. وبالاضافة الى علمه الواسع كان مثالاً للخلق العالي فقد كان يساند الشيخ محمد طه نجف ويحضر بحثه تقوية لجانب الزعامة الروحية ، ذكره الشيخ علي كاشف الغطاء في الحصون والسيد حسن الصدر في التكملة والطهراني في نقباء البشر.

توفي بالنجف الأشرف يوم الخميس 13 رجب عام 1315 ودفن بمقبرة جده السيد مير حكيم في الصحن الحيدري ورثاه فريق من أصدقائه واقيمت له الفواتح في العراق وايران والهند من قبل مقلديه. وهذه احدى روائعه التي قالها في مدح جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام :

بحبك أيها الظبي الغرير *** فؤاد الصب مسجون أسير

تحيد مراوغاً عني نفوراً *** كذاك الظبي عادته النفور

ليالٍ أكؤوس الصهباء فيها *** علينا في مسرتها تدور

ونحن بها بلا كدرٍ وريب *** وحسن الحب أن عفّ الضمير

على وادٍ حصاه يشع نوراً *** ومن فيّاحه فاح العبير

يموج غديره بتولى عليٍ *** وصفو السلسبيل هو الغدير

وراءك يا حسود فمت بغيظ *** فإن أبا تراب هو السفير

* * *

شربت ولاءه بغدير خم *** زلالاً إنه العذب النمير

كفته خلافة من بعد طه *** بها للمؤمنين هو الأمير

ص: 124

تولاه الاله وقال بلّغ *** به وأبن ، فقد حان الظهور

فقام مبلّغاً يدعو بأمر *** وعاه ذلك الجمّ الغفير

أضاء الدين والإسلام فيه *** فحيدر كله ضوء ونور

وقد ظهرت مناقبه وبانت *** كما ظهرت شموس أو بدور

* * *

أبا حسن بصون المجد خذها *** مزايا في صفاتك تستنير

بتاج اللّه قد توجت قدراً *** وزيّن في خلافتك السرير

يحار العقل في معناك وصفاً *** ولا بدع إذا حار البصير

فضائلك النجوم وليس تحصى *** يقلّ بجنبها العدد الكثير

وسل أحداً وخيبر أو حنيناً *** بها هل غيرك الأسد الهصور

أجلّك - والورى لعلاك دنوا *** خضوعاً - أن يكون لك النضير

صفاتك كالجواهر ما استعيرت *** ومن عَرض سواك المستعير

ص: 125

الشيخ أحمد آل طعّان

المتوفى 1315

من قصيدة في الحسين :

على الطف عرّج ولا تعجلا *** ففيه التعجّل لن يجملا

وحُلّ وكا المدمع المستفيض *** وأجر المسلسل والمرسلا

ووشى بها عرصات الطفوف *** لتكسي بها خير وشيٍ حلا

على أن أفضل برّ الرسول *** بكاؤك قتلى ربى كربلا

ملوك الكمال الكماة الاولى *** بنوا إذ بنوا منزلاً أطولا

فمن باسل باسم ثغره *** إذا سهل الخطب أو أعضلا

* * *

العالم العامل الشيخ أحمد ابن الزاهد العابد الشيخ صالح بن طعان بن ناصر ابن علي الستري البحراني ، ولد سنة 1251 ه وكان جامعاً لأنواع الكمالات ومحاسن الصفات محبوباً لدى الخاص والعام وهو من الذين عاصرهم صاحب ( نور البدرين ) فقال : لم أرَ في العلماء ممن رأيناهم على كثرتهم مثله. كان من أهل ( سترة ) - جزيرة في البحرين - ثم انتقل مع والده إلى ( منامه ) وقرأ على السيد علي بن السيد اسحاق أكثر العلوم من نحو وصرف ومعاني وبيان وتجويد ومنطق وغير ذلك حتى أقر اقرانه له بالفضيلة واشتغل بالتصنيف والتأليف وأجوبة المسائل التي ترد عليه حتى منّ اللّه عليه بالتشرف بزيارة العتبات المقدسة فحضر ابحاث العلماء بالنجف الأشرف كالشيخ الانصاري والملا علي ابن الميرزا خليل ولما توفي الشيخ الانصاري رثاه بقصيدتين

ص: 126

ورجع إلى بلاده وتردد على القطيف مبلّغاً مرشداً إلى أن توفاه اللّه ليلة الاربعاء يوم عيد الفطر سنة 1315 ، وقبره المقدس في الحجرة التي فيها العالم الرباني الشيخ ميثم البحراني المتصلة بالمسجد بقرية ( هلتا ) من الماحوز من البحرين.

أقول وعدد صاحب أنوار البدرين جملة مؤلفاته الكثيرة وقال : وله ديوان شعر في مدح النبي والأئمة علیهم السلام ومراثيهم ، جمعه بعض الاخوان وطبعه بعد وفاته وسماه ب ( الديوان الأحمدي ) ولم يستوف جميع أشعاره ، وله في رثاء المرحوم الشيخ مرتضى الانصاري المتوفى 1281 ه.

ومن شعره في الحث على الانفاق :

يا فاعل الخير والاحسان مجتهداً *** أنفق ولا تخشَ من ذي العرش إقتارا

فاللّه يجزيك أضعافاً مضاعفة *** والرزق يأتيك آصالاً وأبكارا

وله قصيدة جارى بها الشيخ البهائي والشيخ جعفر الخطي في الإمام المنتظر مطلعها :

سقى عارض الانوا بوطفاء مدرار *** معاهد يهدي من شذا طيبها الساري

ولا برحت أيدي اللواقح غضة *** توشّي بروداً من رباها بأزهار

وفي الذريعة : الشيخ أحمد بن صالح بن طعان بن ناصر الستري البحراني المولود سنة 1251 والمتوفى 1315 صاحب التحفة الأحمدية طبع ديوانه الكبير وترجم له السيد الأمين في الأعيان فقال : كان عالماً علامة فقيهاً اصولياً متبحراً في الحديث والرجال من علماء آل محمد علماً ونسكاً وعبادة جليل القدر كثير التصنيف ، رأس في القطيف والبحرين ، وهو عالم القطيف والمرجع للدنيا والدين بتلك البلاد قصده الطلاب من كل فج ، وله منظومة في التوحيد ، قال ابن اخته في ( أنوار البدرين ) انها لم تتم (1) وترجم له الباحث المعاصر علي الخاقاني في ( شعراء الغرى ) ونقل عن أنوار البدرين جملة مؤلفاته وعدد منها 30 مؤلفاً وطائفة من أشعاره.

ص: 127


1- عن الذريعة 8 ج 23 صفحة 99.

أبو الفضل الطهراني

اشارة

المتوفى 1316

قال من قصيدة توجد بكاملها في ديوانه المطبوع :

هناء بميلاد فرخ البتول *** وسبط الرسول وريحانته

ومَن لاذ فطرس في مهده *** فعاد لما كان من عزته

ومَن عوّض اللّه عن قتله *** بأن الأئمة من عترته

وأن يستجاب دعاء الصريخ *** إذا ما دعا اللّه في قبته

وأن جعل اللّه من فضله *** شفاء البرية في تربته

فيا طيبها تربة أخجلت *** نوافج مسك على نفحته

فتى سنّ بين الكرام الاباء *** فسار الاباة على سنّته

فآثر سلّة بيض السيوف *** وورد الحتوف على ذلته

فصال كوالده صولة *** غدت ترجف الأرض في خيفته

* * *

الميرزا أبو الفضل الطهراني هو العالم الأديب الأريب يقول الشيخ القمي في ( الكنى ) : هو خاتم رقيمة الأدب والفضل الحاج ميرزا أبو الفضل صاحب كتاب شفاء الصدور في شرح زيارة عاشور ، قال من قصيدة يرثي أباه صاحب التقريرات في الاصول وهو أبو القاسم كلانتر :

دع العيش والامال واطوِ الأمانيا *** فما أنت طول الدهر واللّه باقيا

رمى الدهر من سهم النوائب ماجداً *** أغر كريماً طاهر الأصل زاكيا

وعلامة الدنيا وواحد أهلها *** ومَن كان عن سرب العلوم محاميا

ص: 128

الى أن قال :

وقد نلت من عبد العظيم جواره

جوارٌ له طول المدى كنت راجيا (1)

ويقول الشيخ القمي : والميرزا أبو الفضل عالماً فاضلاً فقيهاً اصولياً متكلماً عارفاً بالحكمة والرياضة مطلعاً على السير والتواريخ ، أديباً شاعراً حسن المحاضرة ينظم الشعر الجيد ، له ديوان شعر بالعربية ، ومن شعره في الحجة ابن الحسن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه :

يا رحمة اللّه الذي *** عمّ الأنام تطوّلا

وابن الذي في فضله *** نزل الكتاب مرتلا

لذنا ببيتك طائفين *** تخضعاً وتذللا

فعسى نفوز برحمة *** من ربنا رب العلى

وله أيضاً :

مولاي يا باب الحوائج إنني *** بك لائذ وإلى جنابك أرتجي

لا أرتجي أحداً سواك لحاجتي *** أحداً سواك لحاجتي لا أرتجي

توفي في طهران 1316 ونقل إلى النجف الأشرف ودفن في وادي السلام ، وديوانه يضم الكثير من مراثي أهل البيت علیهم السلام ومدائحهم وقسم كبير في النصائح والمواعظ كما له طائفة كبيرة من الشعر في مدح السيد المجدد السيد حسن الشيرازي. يشتمل ديوانه على 407 صفحات طبع في طهران سنة 1370 رأيته بمكتبة أمير المؤمنين العامة بالنجف برقم 554 / 40 وفيه قصيدة يجاري بها تائية دعبل بن علي الخزاعي ، وأولها :

شجاني نياح الورق في الشجرات *** فهاجت إلى عهد الحمى صبواتي

ولا يغيب عنا بأن المجارين لقصيدة دعبل بن علي الخزاعي هم عشرات من الشعراء وشرحت عدة شروح طبعت مستقلة.

ص: 129


1- لأنه دفن في جوار عبد العظيم الحسني بالري قرب طهران وفي صحن حمزة ابن الإمام موسى الكاظم علیه السلام في مقبرة أبي الفتوح الرازي. أقول : وعبد العظيم الحسني جليل القدر عظيم الشأن وعلى جانب عظيم من التقوى والعبادة ، أشاد إمامنا محمد الجواد بشأنه وجلالته وقد ترجمنا له ترجمة مفصلة في كتابنا ( الضرائح والمزارات ).

الشيخ حسن مصبّح

المتوفى 1317

من شعره في الحسين :

حيّ دار الأحباب بالدهناء *** كم بها طاب مربعي وثوائي

تلك دار عرفت فيها التصابي *** بعد ما قوّض الصبا عن فنائي

لست أنسى مهما نسيتُ ظباءً *** في حماها أخجلن ريم الظباءِ

بلحاظ ترمي سهاماً ولكن *** لم تصب غير فلذة الأحشاءِ

وثغور تضم لعسة ريق *** هي أحلى من راحة الصهباء

تلك تفترّ عن جمان أنيق *** إن بدا شقّ مهجة الظلماء

وخدود كأرجوانٍ عليها *** طاف ماء الشباب في لئلاء

وقدود تميس كالبان ليناً *** هي ريّانة بماء الصباء

وخصور تكاد تنقدّ مهما *** هبّ ريح الصبا بلين الهواء

يا خليليّ كم ليالٍ تقضّت *** مزهرات بروضة غناءِ

نادمتني الحسان فيها ونامت *** أعين العاذلين والرقباءِ

ليت شعري هل يسمح الدهر فيها *** بعدما أذعنت لجدّ انقضاء

لكن الدهر شأنه الغدر لا *** تلقاء إلا معانداً للوفاءِ

بل له الغدر بالأماجد حتى *** أشرقتهم صروفه بالعناء

ودهتهم بكل لأواء جلّت *** أن يرى مثلها بنو حواءِ

ص: 130

أي عذر له وآل رسول اللّه *** شتى مخافة الطلقاءِ

ملكت إمرة عليها ضلالا *** حسد الفضل والنهى والعلاء

وسقتها باكؤس الجور حتفاً *** فيه غصت شجى لهى العلياءِ

ضاق رحب الفلى بها حيث حلّت *** وترامت بها أكفّ البلاء

يوم جاء الحسين في خير صحب *** وكرام من آله النجباء

حلّقت فيهم عن الضيم عزاً *** أنفسٌ دونها ذرى الجوزاء

اسدُ غاب إن صرّت الحرب نابا *** أجمها في الهياج بيض الضُباءِ

تخذتها أبناء في يوم بؤس *** فرأتها من أكرم الأبناء

أضرموها وغىً بأمضى شفار *** أنحلتها غمداً طلى الأعداءِ

هي غرثى الشبا وقد أوردوها *** من رقاب الكماة بحر دماء

وثووا في الصعيد صرعى ولكن *** لم يبلّو الحشى بقطرة ماء

وغدا السبط مفرداً بين قوم *** كفروا بالكتاب والأنبياء

تارة للنساء يرنو وطوراً *** ينظر الماجدين رهن الثواء

* * *

الحسن بن محسن الملقب بمصبح (1) الحلي. كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً ، أخذ صبغة الشعر عن الكوازين الشيخ صالح والشيخ حمادي وعن الشيخ حمادي نوح وأقام بالنجف يطلب العلم عشرين سنة. له ديوان شعر في ستمائة صفحة جمعه بنفسه ونسخه بخطه ، ولد في الحلة حوالي سنة 1247 ودرس مبادئ النحو والصرف والمعاني والبيان على أبيه وغيره من مشايخ الفيحاء ثم بعث به والده إلى النجف وعمره لم يبلغ العشرين سنة للدراسة ولم يزل مقيماً بها حتى توفي أبوه فعاد إلى الحلة وأقام بها إلى أن توفي سنة 1317 وكان على محجة أسلافه من

ص: 131


1- نسبه إلى جده الأعلى الشيخ مصبح - بتشديد الباء الموحدة - يرجع أصله إلى قبيلة آل يسار التي يقطن معظمها بين سدة الهندية والحلة.

النسك والصلاح فقد حج مكة المكرمة 25 مرة متطوعاً تارة ونائباً ومعلماً اخرى حتى توفاه اللّه فنقل الى النجف ودفن فيها وكان على جانب عظيم من عزة النفس وعلو الهمة ، تعرف على امراء آل رشيد ومدحهم ولم يقبل عطاياهم لطيف المحاضرة حسن المحاورة ، كثير النظم شاعراً مبدعاً. قال الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) وللمترجم له ثلاث روضات - والروضة هي أن يلتزم الشاعر يجعل أول كل بيت من القصيدة وآخره على حرف واحد من الألف إلى الياء فيكون مجموعها (28) قصيدة ، وفي ذلك من التكلف والتعسف ما لا يخفى على أرباب هذه الصناعة.

أما روضات المترجم له فالاولى في الغزل ، والثانية في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، والثالثة في رثاء الحسين علیه السلام واليك نماذج من روضته الحسينية قال في حرف الباء :

بان العزاء وواصل الكربُ *** بالطف يوم تفانت الصحبُ

بلّغ بني فهر وقل لهم *** أودى بشامخ عزكم خطب

بعد ابن فاطمة يسوغ لكم *** من سلسبيل فراتها شرب

بدر إذا ما شعّ في غسق *** منه يضييء الشرق والغرب

بدرت اليه ضلالة ورمت *** تلك الأشعة بالخفا حرب

بأبي القتيل وحوله فئة *** أخنى عليها الطعن والضرب

بلغوا بموقفهم ذرى شرف *** من دونه العيوق والقطب

بك يا محانى كربلا غربت *** أقمار مجد ضمها الترب

بكت السماء دما وحقّ لها *** من جوّها تتساقط الشهب

بدرت تطارح نوح نسوتها *** ورق الحمى وأنينها ندب

بأبي عقائلهم وقد برزت *** حرى الفؤاد ورحلها نهب

بكرت تجاذبها براقعها *** حرب ولا من هاشم ندب

ص: 132

ومن روضته الحسينية في حرف التاء :

تجاذنبي فؤادي النائبات *** وتمضغه أسى منها لهاةُ

تعمدني من الأرزاء سهم *** به ثكلت حشاشتها الهداة

تحييها الملائك كل يوم *** وتغلبها على الأمر الطغاة

تمدّ لها الأكف بنو الأماني *** وتقطع كفها ظلماَ شباة

تبارك مبدع الألطاف فيها *** ومن وصف الاله بها صفات

تضييء بكربلا منهم بدورٌ *** برغم الدين تمحقها ظُباة

توفّوا بالفرات ولم يبلّوا *** أُواماً ليته غاض الفرات

تقلّبهم على الرمضاء عدواً *** بأرجلها الخيول الصافنات

ومن روضته الحسينية في حرف الثاء :

ثلّة قلّ عدّها وهي عزماً *** في الوغى لا تروعها الأحداثُ

ثكلت منهم الشريعة غلباً *** لهم وحيها القديم تراث

ثم جلّى الوحيد عزماً وحزماً *** فهو الصقر والكماة بغاث

ثغرة الدين سدّها وعليه *** فخر هذا الزمان طراً يُلاث

ثلج القلب في الكريهة لا *** يرهب قرناً ولا لديه اكتراث

ثلّث النيرين منه محيّاً *** فسنا الضوء بينها أثلاث

ثلّه صارم القضا ولعمري *** كان قدماً به القضاء يُغاث

ثغر دين الاله قطب فهذي *** محصنات النبي أسرى غراث

ثكلت صيدها فعادت نهابا *** للأعادي برودها والرعاث

ثوب هذا المصاب عمر الليالي *** ليس يبلى والحادثات رثاث

ومن روضته الحسينية في حرف السين :

سلّ الجوى قلبي ولا من آسِ *** والجسم أحرقه لظى أنفاسي

ص: 133

سارت ركائب آل بيت محمد *** تجتاز بين دكادك ورواسي

سل عنهم وادي الطفوف فقد زها *** خصباً بغيث نوالها الرجاس

سقت الروابي العاطشات من الدما *** وعلى الظما سبط النبي تواسي

سيان يوم الروع غرب سيوفها *** الموت كل مخمد الأنفاس

سئمت لقاءهم الكماة فأحجمت *** رعباً ولم تظفر بغير اليأس

سمحت بأنفسها انتصاراً للهدى *** والدين طعناً للقنا المياس

ومن روضته في حرف القاف :

قل للمقادير كفاك سبّة *** إذ خنتِ من آل النبي الموثقا

قد عفّر الصعيد منهم أوجهاً *** من نورها الليل البهيم أشرقا

قد غسّلتها جاريات دمها *** وكفنتها الريح برداً عبقا

قلب الهدى والدين والمجد معاً *** ذكا بواري حزنها واحترقا

قم يا أمين اللّه يا حيدرة الطه *** ر ويا حتف العدا في الملتقى

قد حلّ في الطف بنوك وبها *** ظِفر الردى انشبه كفّ الشقا

قام على ساق لها الحرب وقد *** جثت غضاباً ما تولّت فرقا

قوّمت السمر بكف عزمة *** قد أرعفتها بالطعان علقا

ومن روضته في حرف الكاف ويخص فيها العباس بن علي :

كيف أقوى على الأسى وحماكا *** يا إمام الورى أُبيح انتهاكا

كنت كالنيرين تهدى إلى الرشد *** بدين له الاله ارتضاكا

كلما أسدل الضلال ظلاما *** بعمود فلقته من هداكا

كفرت بالاله قوم أضاعت *** حرمات الهدى بسفك دماكا

كرّ شبل الوصي فيها أبو الفضل *** فطاشت لا تستطيع حراكا

كالئاً صفوة الاله أخاه *** من شأى في علائه الأفلاكا

ص: 134

ومن روضته في حرف اللام :

لا أراني سلوت رزءك كلا *** يا قتيلاً بفقده العيش ولّى

لمن العين تذخر الدمع بخلا *** بعد يوم أبكى منى والمصلّى

ليت شعري غداة خرّ صريعا *** سبط طه كيف النهار تجلى

لم أخل يصرع القضا مَن اليه *** كان حكم القضاء عدلاً وفصلا

لكن اللّه شاء أن يصطفيه *** شافعاً للورى فعزّ وجلا

لستَ أنت القتيل يا خير هاد *** بل قلوب الورى لرزئك قتلى

لست أنت العفير في الترب وجهاً *** بل محيّا الهدى تعفّر ذلا

لارقا للعيون دمع ، ودمع الدين *** من فوق وجينته استهلا

لست أنسى بنات أحمد لما *** فقدت عزّها فلم تر ظلا

لفّها الوجد بعد سلب رداها *** وكساها من البراقع ثكلا

ليت حامي الحمى يصوّب طرفا *** فيرى عزّها تحوّل ذلا

ومن الروضة الحسينية في حرف الصاد :

صدع الفؤاد بحادث غراصِ *** خطب به الداني انطوى والقاصي

صغرت به الارزاء بل شابت به *** ممن أضلّته السماء نواصي

صادٍ قضى ابن محمد في كربلا *** في ما حضيه مودة الاخلاص

صافته نصرتها بيوم مكدر *** والموت فيه جائل القنّاص

صدّت عن الخدر الطغام وأفرغت *** صبراً ودرع الصبر خير دلاص

صدعت صفاة الشرك ضامية الحشا *** وغدت تطالب خصمها بقصاص

صالت وقد لبس القتام ضحى الوغى *** تدعو النجاء - ولات حين مناص

صكت جموعهم بأية غارة *** شعواء تختطف الهزبر العاصي

صبرت كما صبر الكرام وطيبها *** فعلا تضوّع من شذا الاعياص

ص: 135

صرم القضاء بسيفه أرواحها *** ورمى بها جنح الهدى بحصاص

صمدت اليها القوم تبرد غلّها *** ضرباً يزيل كلا كلا ونواصي

صرعى بحرّ الشمس في صيخودةٍ *** رمضاؤها مشبوبة الأعراص

صدع المصاب بهم حشا ابن محمد *** لا غرو ، كل درة الغواص

صابته رامية المنايا غرة *** بسهام مَن لله فيها عاصي

صهلت عواديها وجالت فوقه *** من كل ممدود القرى رقاص

صكت خيام المحصنات بغارة *** حيث العدو بسلبها متواصي

صارت توزع رحلها وتسومها *** خسفاً ولم تظفر لها بخلاص

صعداء أزهر فوقها رأس الذي *** من فتية بيض الوجوه خماص

صانت امية في الخدور نساءها *** وبنات أحمد في متون قلاص

صفدت لشقوتها إمام زمانها *** زين العباد منزّه الأعياص

ومن روضته في حرف الغين :

غارت بحار الدين والشرك طغى *** لما على الحق الضلال نبغا

غماء أودت بحشاشات الهدى *** حزناً لارزاء الهداة البلغا

غير عجيب منك يا دهر الجفا *** تطرد آساداً وتأوي الوزغا

غادرت آساد الشرى فريسة *** للذئب حتى في دماها ولغا

غداة حفّت بالحسين عصب *** شيطانها للشرك فيها نزغا

غالبت الدين اجتهاداً للشقا *** هيهات ما في نفسها لن تبلغا

غنّى لها الشرك غروراً فصبت *** وارتاح مها القلب والسمع صغى

غدا اليها السبط في أراقم *** تنفث سماً في حشى مَن قد بغى

غارت ولولا ما قضى اللّه لها *** في الفوز بالحتف أبادت من طغى

غول المنايا غالها فانتثرت *** صرعى وحزناً بازل الدين رغى

ص: 136

غفت برغم المجد منها أعين *** كم سهرت ترتاح حباً للوغى

غمار هيجاها فريداً خاضها *** السبطُ وفيها زاخر الحتف طغى

غادٍ بها ورائح يختطف الارواح *** حتى لم يزل مبلّغا

غرائب الطعن أراها بغتة *** ونال بالصارم منها المبتغى

غارت مياه الأرض فالسبط قضى *** ظماً ومنها جرعةً ما بلغا

غلالة الذلّ لقد لبستها *** يا حرب ، والعار لها قد صغا

ومن الروضة الحسينية في حرف الهاء :

هان صعب الخطوب حيث تناهى *** لرزايا الهداة من آل طه

هم هداة الأنام علماً ونسكا *** وبها باريء النسائم باها

هدّ ركن الهدى غداة ألمّت *** بهم الحادثات من مبتداها

هدمت عزها أباطيل قوم *** كان في الغيّ والضلال اقتداها

هدرت للوغى فحول لويٍّ *** فأطارت من الكماة حشاها

هتفت باسمها المنايا بيوم *** فيه لم تبلغ النفوس مناها

هال أقدامها الكماة فطاشت *** لاندهاش بها فسيح خطاها

هي في حزمها أشدّ نفوذاً *** في حشا الخصم من نصول قناها

هجرت طيب عيشها واستطارت *** لوصال الحمام حين دعاها

هل أتى مثلها سمعت كرام *** قد سعت للردى بها قدماها

هاك مني جوى يزيل الرواسي *** وببرحائه يضيق فضاها

هبّ حامي الذمار للحرب فرداً *** صكّ داني الجموع في أقصاها

ومن رثائه في الإمام الحسين (عليه السلام) :

لتذكار يوم الطف عيشي منغصُ *** وطرف الهدى من صيّب الدمع أحوصُ

يمثّله قلبي لعيني فتنثني *** كأن لها داء العمى يتربص

ص: 137

فيا ليت شعري هل أُصيب حشى الهدى *** بقارعة منها الهدى يتقلّص

كنازلة في يوم حلّ ابن فاطم *** ثرى كربلا فيه الرواحل ترقص

باصحاب صدق ناهضين إلى العلا *** بأحساب مجد في علاها تقعصوا

تعالى بها فخراً سما المجد مذ غدت *** لنصر الهدى بالسيف والرمح تقعص

مساعير حرب فيهم تهتدى الوغى *** بكل محياً ما عن البدر ينقص

اسودٌ تحاماها الاسود بسالة *** بيوم لها داعي الردى يتربص

قساور في الهيجاء منها أراقمٌ *** لها نفثة الدرع المجهم تخلص

إلى أن جرى حكم الاله فغودرت *** ضحايا على وجه البسيطة تفحص

أُفدّيهم صرعى تضوّع نشرهم *** بأنوار قدس نحوها الشمس تشخص

فعاد فتى الهيجاء فرداً بعزمةٍ *** طموح الردى يعطو بها ويقلّص

يراودها ثبت الجنان فلم تخل *** سوى أنه باز المنايا مغرّص

أما ومساعيه الحسان تحفّها *** مزايا لها طرف الكواكب أحرص

فلو شاء أن يمحو بكف اقتداره *** سواد الورى فهو الحريّ المرخّص

ولكنه اختار المقامة راغباً *** بمقعد صدق بالنعيم يقمص

بسهم القضا قلب أُصيب فغاله *** على عجل من أسهم الشرك مشقص

بضاحية هيجاء يذكو شياحها *** وعين ذكاً من نور معناه ترمص

وأعظم ما لاقى الحشا بعد قتله *** جوىً فيه يغلو الصبر والدمع يرخص

دخولهم بالصافنات وبالقنا *** خدوراً تحاماها الاسود فتنكص

وقد كنّ قبل الطف غابات ملبد *** ببيض المواضي والقنا الخط تحرص

يطوف على أبوابها ملك السما *** خصوصاً ومن نور الإمامة يقبص

فأضحت تقاضاها الطغاة ديونها *** بنهب وإحراق ورحل يقلص

اسارى على عجف من النيب هزل *** صعاب إذا ما أمعن السير ترهص

فايّاً تقاسى من جوى ، أخدورها *** هتكن ولا حام يذب ويحرص

ص: 138

أم السبط والأطياب صرعى على الثرى *** لها نسجت من بارع الريح أقمص

أم الناهك السجاد والقيد عضّه *** وأغلاله جيد الإمامة تقرص

أألله حامي الدين كوكب عزه *** به لبني الزرقاء أعداه تشخص

تجرّعه صابا وإن هو يشتكي *** لغوباً اليه السوط بالقسر يخلص

إلى اللّه أشكو لوعه : ترقص الحشا *** جوىً ولديها أدمع العين ترخص

وقال في الامام الحسين علیه السلام :

القلب أزمع عن هواه وأعرضا *** لما نأى عنه الشباب مقوّضا

فالشيب داعية المنون وواعظ *** بمثاب حجة فاحص لن يدحضا

أو بعد ما ذهب الصبا أيدي سبا *** ترجو البقاء أسالمتك يد القضا

هيهات فاتك ما تروم فإنه *** وطرٌ تقضّى من زمانك وانقضى

وأقم لنفسك مأتماً حيث الذي *** أضحى يؤمّك عنك أمسى معرضا

فالجسم أنحله الفتور وعاث في *** أحشاك عضب النائبات المنتضى

روّح فؤادك بالتقى وأرح به *** نفساً بيوم معادها تلقى الرضا

وأندب أئمتك الكرام فقد قضى *** هذا الزمان عليهم ما قد قضى

ما بين من لعب السمام بقلبه *** فوهى وكان لشانئيه ممرضا

ومن اغتدى طعم السيوف بمعركٍ *** لقنا نفوس الدارعين تمخضا

حذر الدنية باذلاً حوباءه *** ومَن ارتدى بالعزّ لا يخشى القضا

فمتى اُباء الضيم حلّ بساحها *** ذلٌ وترضى طرفها أن يغمضا

فانظر بعين القلب قتلى كربلا *** حيث العدو بجمعه سدّ الفضا

لم تلو جيداً للدنية واصطلت *** هيجاء غرب لسانها قد نضنضا

بأبي الذين تسرعوا لحمامهم *** دون الحسين فاحرزوا عين الرضا

رووا صدى البيض الحداد وفي الحشا *** شعل الظما تشتد لا شعل الغضا

كم أنعش العافين فضل نوالهم *** واخصوصب الوادي بذاك وروّضا

ص: 139

وارتاح بالعز المؤيد جارهم *** ونزيلهم نال الكرامة والرضى

ما شاقهم زهر الجنان إلى الردى *** وحرير سندسها وعيش يرتضى

لكنما غضباً لدين آلهها *** قامت لنصر المجتبى ابن المرتضى

فقضوا كما شاؤا فتلك جسومهم *** فوق الصعيد بنورها الهادي أضا

وقال أيضاً في رثاء الامام علیه السلام :

يا دهر حسبك جائرا تسطو *** فاقصر أمالك بالوفا ربطُ

كم شامخ بالعز ملتمع *** بملاط فخر زانه ملط

بيدي صروفك لا بهدم يد *** سامي ذرى علياه ينحطّ

ومهذب فيه العلى شمخت *** سبط اليدين لسانه سلط

إن عطّ ملبسه لحادثة *** فقلوب أهل الفضل تنعط

وإذا العلى برزت بجليتها *** فعلاؤها لعقودها سمط

خبطت به الدنيا وكم بوغىً *** لحسامه إن زارها خبط

اللّه كيف جمعتَ غاشية *** يا دهر لما تجتمع قط

في كربلا من حيث جاش بها *** من حزب آل امية رهط

يوم به جمع ابن فاطمة *** عزماً له الأفلاك تنحط

بأماجد من دونه احتقبت *** أذراع حزم نسجها سبط

قامت على ساق عزائمها *** فجثت وبرق سيوفها يخطو

وعلى الظما شربت دماءهم *** بيض الضبا والذبّل الرقط

لم تنتهل من بارد عذب *** أحشاؤها وغليلها يعطو

حتى قضت والفخر يغبطها *** وإلى القيامة ذلك الغبط

فغدا ابن فاطمة ولا عضد *** إلا العليل وصارم سلط

بأبي الوحيد وطوع راحته *** يوم الهياج القبض والبسط

ص: 140

يسطو فتصعق من بوارقه *** وبعزمه كف الردى يسطو

يا روضة الدنيا وبهجتها *** ودليلها إن راعها خبط

تقضي ظماً والماء تشربه *** عصب الشقا والوحش والرط

اللّه أكبر أيّ نازلة *** بالدين قام بعبئها السبط

سلبت من الدنيا أشعتها *** وبها السماء اغتالها الشط

يقضي ابن فاطمة ولا رفعت *** سوداء ملؤ إهابها سخط

وهذا نموذج من شعره في الغزل - وهذه القطعة من الروضة :

سل عن جوى كبدي لظى أنفاسي *** تخبرك عنه وما له من آس

سفك الغرام دمي ولا من ثائر *** كمهلهل فيه على جساس

سيان حدّ السيف والمقل التي *** بسوادها يبيض شعر الراس

سرّ الهوى أودعت قلبا واثقاً *** لولا الدموع وحرقة الأنفاس

سأقول إن عدنا وعاد حديثنا *** واها لقلبك من حديد قاسي

ومن غزله قوله :

أهلاً بها بعد الصدود *** هيفاء واضحة الخدود

بكر كغصن البان *** باكره الصبا بربى زرود

تختال في برد الصبا *** أحبب بهاتيك البرود

فسكرتُ في نغماته *** وطربت فيه بغير عود

حتى إذا صال الصبا *** ح على الدجنّة في عمود

ألوى فقمتُ معانقا *** شغفا به جيداً بجيد

مضنى الحشاشة قائلاً *** حذر القطيعة والصدود

عُدلي بوصلك وادّكر *** يا ظبي ( أوفوا بالعقود )

حتى تريح من الجوى *** قلباً به ذات الوقود

فرنا إليّ بمقلة *** تصطاد هاصرة الاسود

ص: 141

متلفتاً كالريم حلأ *** ه الرماة عن الورود

حذر الوشاة فليتهم *** فزعوا لقاطعة الوريد

وتذكر العهد القديم *** فجاد بالوصل الجديد

ترجم له صاحب الحصون المنيعة ترجمة ضافية وقال : جمع ديوانه بنفسه وبخطه الجيد ويبلغ خمسة عشر الف بيت كله من الرصين المحكم وأكثره في مدايح ومراثي أهل البيت علیهم السلام كما ضمّنه مفاكهات ومراسلات مع العلماء من أحبابه والادباء والاشراف من أترابه ، أقول وكان الشيخ السماوي يحتفظ بنسخة من الديوان ويقول البعض أنها مستنسخة من نسخة المرحوم الحاج مهدي الفلوجي الحلي ، وترجم له الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة.

جاء في ( طبقات أعلام الشيعة ) ج 2 صفحة 430 : الشيخ حسين الحلي ، هو الشيخ حسين بن مصبح الحلي النجفي فاضل جليل. كان من فضلاء عصره في النجف ، ويظهر من بعض الخصوصيات أنه كان من الأجلاء. استعار بعض الكتب العلمية في حدود (1240) كما على ظهر ( إثبات الهداة ) في النصوص والمعجزات في مكتبة السيد اغا التستري في النجف ، فالظاهر أن وفاته بعد التاريخ ، وهو جد الشاعر الشهير الشيخ حسن مصبح الحلي ابن حسين ابن المترجم ، المولود في حدود (1246) المتوفى في 1317 ه كما ترجمناه في ( نقباء البشر ) م 1 صفحة 429.

ص: 142

الشيخ محمد نظر علي

المتوفى 1317

قال من قصيدة يرثي بها الحسين (عليه السلام) :

لهفي لزينب بعد الصون حاسرة *** بين اللئام ومنها الخدر مبتذل

تقول وآضيعتا بعد الحسين أخي *** من لي وقد خاب مني الظن والأمل

وأخرجوا السيد السجاد بينهم *** يساق قسراً وبالاغلال يعتقل

إذا وَنى قنّعوه بالسياط وإن *** مشى أضرّ به من قيده ثقل

وقد سروا ببنات المصطفى ذللا *** تسرى بها في الفيافي الأنيق البزل

ما بين باكية للخدّ لاطمة *** وبين ثاكلة أودى بها الثكل

وبين قائلة يا جدنا فعلوا *** بنا علوج بني مروان ما فعلوا

وقال :

يا قلب ذب كمداً لما *** قد ناب أبناء النبيّ

أيلومني الخالي بهم *** أين الخليّ من الشجيّ

قد جرعتني علقما *** أرزاء نهر العلقميّ

أجسامهم فوق الثرى *** ورؤوسهم فوق القنيّ

وعقائل المختار تسبى *** بعدهم لابن الدعيّ

وحملن من بعد الخدور *** سوافراً فوق المطيّ

* * *

هو ابن الشيخ جعفر بن نظر علي ، وبجده هذا يعرف بين الحليين فيعبرون عنه ب ( الشيخ محمد بن نظر علي ) ويلقبونه بالمحدث أيضاً لطول باعة وسعة

ص: 143

أطلاعه في علم الحديث ، فقد كان ذا إحاطة واسعة بأحاديث النبي وأهل بيته الأطهار خصوصاً ما ورد منها في صحاح الإمامية وما ألف بعدها من الكتب المعتبرة وقد استفاد كثيراً في هجرته من الحلة إلى النجف من منبر العلامة المتأله الشيخ جعفر التستري ومن ثمة اشتهر أمره بالصلاح والورع وحسن الأساليب في مواعظه وخطابته المنبرية ، ودرس عنده جماعة منهم الشيخ محمد حسين بن حمد الحلي ، وقد ترك جملة من الاثار والمجاميع المخطوطة كان قد دوّن فيها ما وعاه من مشايخه وما انتخبه من أُمهات الكثب في سيرة أهل البيت وآثارهم وقد تلف قسم منها وبقي بعضها عند صهريه على كريمتيه ، الأول منهما خطيب الفيحاء الشيخ محمد آل الشيخ شهيب ( والد الدكتور محمد مهدي البصير ) والثاني السيد جعفر ابن السيد محمد حسن آل السيد ربيع - من أطباء العيون في النجف - وكان المترجم له رحمه اللّه يحب العزلة ولا يغشى أندية الفيحاء على كثرتها يوم ذاك عدا نادي آل السيد سلمان في عهد المرحوم السيد حيدر وعمه السيد مهدي بن السيد داود لقرب بيته من بيوتهم. وما زال منقطعاً إلى التهجد والاذكار في مسجدهم الواقع تجاه داره وهو المعروف بمسجد ( أبو حواض ). كانت ولادة المترجم له في الحلة سنة 1259 على التقريب ونشأ وتأدب فيها وكان يقضي شهري المحرم وصفر في البصرة للوعظ والارشاد في المحافل الحسينية كغيره من الخطباء فعاد في آخر سنيّ حياته منها وقد أُصيب فيها بمرض الحمى النافضة ( الملاريا ) فلم تمهله إلا أياماً حتى أجاب داعي ربه سنة 1317 ه أو قبلها بسنة ، ورثاه جماعة من شعراء الفيحاء الذين كانوا معجبين بفضله ونسكه منهم الأديب الحاج عبد المجيد الشهير بالعطار والشاعر الفحل الحاج حسن القيم - فمن قصيدة القيم قوله :

بادرا في بردة النسك أدرجاه *** واعقدا اليوم على التقوى رداه

لي بقايا كبد بينكما *** بالبكا يا ناظريّ اقتسماه

وهذا الشيخ وان كان ذا موهبة شعرية ولكنه لا ينظم إلا في اهل البيت علیهم السلام . ( انتهى عن البلابليات )

ص: 144

الشيخ محمد العوّامي

اشارة

المتوفى 1318

مصائب عاشورا تهيج تضرمي *** فلله من يوم بشهر محرم

بها المجد ينعى مصدر الفيض إذ غدا *** بلا قيّم يأوى إليه وينتمى

ومن قصيدة أخرى :

فيا مضر الحمرا ويا أُسد الشرى *** ويا غوث مَن يبغي الندا ويريد

وأمنع مَن في الأرض جاراً وجانبا *** وأمنتح مَن أمّت اليه وفود

فيا مطعمي الأضياف يوم مجاعة *** ويا خير مَن يبنى العلا ويشيد

ويا مخمدي نار الوغى إن تضرّمت *** وشبّ إلى الحرب العوان وقيد

وبدر واحد يشهدان لهاشم *** ورب السما من فوق ذاك شهيد

ولما بدت من آل حرب ضغائن *** لثارات بدر أظهرت وحقود

وأخرجت المولى الحسين مروّعاً *** وقد سبقت منكم اليه عهود

فلهفي عليه من وحيد مضيّع *** على الماء يقضي وهو عنه بعيد

بني مضر ماذا القعود عن العدا *** وفي كربلا مولى الوجود فريد

وكيف بقى ملقى ثلاثاً على الثرى *** تواريه من نسج الرياح برود

* * *

ص: 145

الشيخ محمد بن عز الدين الشيخ عبد اللّه العوامي القطيفي. اشتهر بأبي المكارم لمكارم أخلاقه ، ولد رحمه اللّه سنة 1255 ه ثالث شهر شعبان وبدت طلائع النبوغ على أساريره ونمت مداركه ومعارفه فأصبح منهلاً ينتهل منه وبحراً يغترف السائلون من عبابه ، حج سنة 1317 ه فأبهر الحاج بعلمه وكرمه وسخائه وعطائه ، وعندما تشرف بزيارة الرسول صلی اللّه علیه و آله واستقرّ بالمدينة المنورة فاجأه السقام فمكث أياماً والمرض يلازمه حتى قبضه اللّه اليه في عصر يوم السابع والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 1318 وعمره ثلاث وستون سنة فدفع بالبقيع ، وأولاده أربعة كلهم من أهل الفضل ، أما آثاره العلمية فهي :

1 - أجوبة المسائل النحوية ، كتاب مختصر.

2 - المناظرات في مسائل متفرقة.

3 - المسائل الفقهية.

4 - ديوان شعره يحتوي على : منظومة في عقائد الاصول ، من توحيد وعدل ونبوة وإمامة ومعاد.

شكوى وعتاب :

ترجمت في هذه الموسوعة بأجزائها الثمانية لمجموعة كبيرة من ادباء البحرين والاحساء والقطيف ممن كانوا في زوايا النسيان ذلك لأن بلاد البحرين من أقدم بلاد اللّه في العلم والأدب والتشيع لأهل البيت وعريقة في الشعر. وأمامنا ردم من القصائد لم نقف بعد على ترجمة أربابها وكم كتبنا واستنجدنا بعلمائها وادبائها ليزودونا بمعلومات عن تراثهم وحياة أسلافهم ، ولكن لا حياة لمن تنادي.

ص: 146

الشيخ حسن القيِّم

اشارة

المتوفى 1318

قال يرثي الامام الحسين (عليه السلام) :

إن تكن جازعاً لها أو صبورا *** فلياليك حكمها أن تجورا

تصحبنك الضدين ما دمت حياً *** نوبا تارة وطوراً سرورا

ربما استكثر القليل فقير *** وغنيٌ بها استقل الكثيرا

فكأن الفقير كان غنياً *** وكأن الغني كان فقيرا

فحذاراً من مكرها في مقام *** ليس فيه تحاذر المحذورا

نذرت أن تسيء فعلاً فأمست *** في بني المصطفى تقضّي النذورا

يوم عاشور الذي قد أرانا *** كل يوم مصابه عاشورا

يوم حفت بابن النبي رجال *** يملؤن الدروع بأساً وخيرا

عمروها في اللّه أبيات قدس *** جاورت فيه بيته المعمورا

ما تعرّت بالطف حتى كساها *** اللّه في الخلد سندساً وحريرا

لم تعثّر أقدامها يوم أمسى *** قدم الموت بالنفوس عثورا

بقلوب كأنما البأس يدعو *** هالقرع الخطوب كوني صخورا

رفعت جرد خيلهم سقف نقع *** ألف الطير في ذراه الوكورا

حاليات يرشحن بالدم مرجاناً *** ويعرقن لؤلؤاً منثورا

عشقوا الغادة التي أنشقتهم *** من شذاها النقع المثار عبيرا

فتلقوا سهامها بصدور *** تركوهن للسهام جفيرا

ص: 147

لازموا الوقفة التي قطّرتهم *** تحت ظل القنا عفيراً عفيرا

فخبوا أنجماً وغابوا بدوراً *** وهووا أجبلا وغاضوا بحورا

من صريع مرمل غسّلته *** من دماء السيوف ماء طمورا

ومعرى على الثرى كفنته *** أُمّه الحرب نقعها المستثيرا

عفّر الترب منهم كل وجه *** علّم البدر في الدجا أن ينيرا

ونساء كادت بأجنحة الرعب *** شظايا قلوبها أن تطيرا

قد أداروا بسوطهم فلك الضرب *** عليهنّ فاغتدى مستديرا

صرن في حيث لو طلبن مجيراً *** بسوى السوط لم يجدن مجيرا

لو يروم القطا المثار جناحاً *** لأعارته قلبها المذعورا

يا لحسرى القناع لم تلف إلا *** آثماً من أمية أو كفورا

أوقفوها على الجسوم اللواتي *** صرن للبيض روضة وغديرا

فغمرن النحور دمعاً ولو لم *** يك قانٍ غسلن تلك النحورا

علّ مستطرقاً يرى الليل درعاً *** وعلى نسجه النجوم قتيرا

يبلغن المهديّ عني شكوى *** قلّ في أنها تضيق الصدورا

قل له إن شممت تربة أرض *** وطأت نعله ثراها العطيرا

وتزودت نظرة من محيّا *** تكتسي من بهائه الشمس نورا

قم فأنذر عداك وهو الخطاب *** الفصل أن تجعل الحسام نذيرا

كائناً للمنون هارون في البعث *** لموسى عوناً له ووزيرا

قد دجا في صدورهم ليل غي *** فيه يهوى نجم القنا أن يغورا

أو ما هزّ طود حلمك يوم *** كان للحشر شره مستطيرا

يوم أمسى الحسين منعفر الخد *** ين فيه ونحره منحورا

أفتديه مخدّراً صار يحمي *** بشبا السيف عن نساء الخدورا

ليس تدري محبوكة الدرع ضمّت *** شخصه في ثباته أم ثبيرا

ص: 148

أعدت السيف كفه في قراها *** فغدا في الوغى يضيف النسورا

صار موسى وآل فرعون حرباً *** والعصى السيف والجواد الطورا

وأصريعاً بثوب هيجاء مدرو *** جاً وفي درع صبره مقسورا

كيف قرت في فقد مسكنها الأر *** ض وقد آذنت له أن تمورا

وقضى في الهجير ظام ولكن *** بحشى حرها يذيب الهجيرا

صار سدراً لجسمه ورق البيض *** ونقع الهيجا له كافورا

أحسين تقضي بغير نصير *** مستظاماً فلا عدمت النصيرا

بأبي رأسك المشهرّ أمسى *** يحمل الرمح منه بدراً منيرا

* * *

الشيخ حسن ابن الملا محمد القيّم الحلي أحد نوابغ عصره. كان شاعراً بارعاً من اسرة كانوا قوّاماً في بعض المشاهد فلذلك لقّب بالقيّم ، في شعره يحذو حذو المهيار ويعارض قصائده. كان أبوه أيضاً شاعراً خفيف الروح. والشيخ حسن القيم عارض قصيدة المهيار التي أولها :

لمن الطلول كأنهنّ رقوم *** تصحو لعينك تارة وتغيم

بقصيدة شهيرة يرويها أكثر خطباء المنبر الحسيني وأولها :

عطن بذات الرمل وهو قديم *** حنّت بواديه الخماص الهيم

ولد سنة 1278 ه فاحتضنه أبوه ، وهو يومئذ استاذ الخطابة في بغداد والحلة ، حتى إذا نشأ وترعرع كان السيد حيدر الحلي ، والشيخ حمادي نوح من أوائل مَن تلقفوه وتعاهدوا ملكاته الأدبية. ثم كان له من حانوته الضيق الذي إذا أراد أن يدخله ينحني مع شدة قصره وضآلة جسمه ما يغنيه عن أن يمدّ يد الارتزاق لأحد ، حيث احترف فيه حياكة المناطق الحريرية المعروفة ب ( الحُيُص ) ولعلّ هذه المهنة المتواضعة هي الباعث على الاعتقاد بأنه أُميّ لا يقرأ ولا يكتب رغم أن الشيخ محمد علي اليعقوبي يعلق على هذا الزعم بقوله :

ص: 149

وقد رأينا كثيراً من مسودات قصائده بخط يده عند ولده المرحوم عبد الكريم ولقد توفق الاستاذ الخطيب الشيخ اليعقوبي لجمع وتحقيق ديوان الشاعر القيم ونشره في مطابع النجف الأشرف سنة 1385 ه وعثرت أخيراً على مخطوطة للخطيب السيد عباس البغدادي وفيه مرثية نظمها شاعرنا في رثاء سيدة من آل القزويني في سنة 1317 ويعزي العلامة الكبير السيد محمد القزويني قال :

هي نفس تقدست فحباها *** محض تقديسها عُلا لا يُضاهى

كيف منها الردى استطاع دنواً *** وبأسد الشرى يُحاط خباها

يا لنفس لها نفائس أوصاف *** بها اللّه للملائك باهى

سكنت خدرها المنيع إلى أن *** سكنت خير مرقد واراها

فهب اللحد في ثراه طواها *** أفهل يستطيع طيّ علاها

شكرت أجرها صحيفتها الملآى *** بما قدمت فيا بشراها

فمضت والعفاف يتبعها بالنوح *** والنسك ثاكلا ينعاها

يا خطوب الزمان إن خلت أن لا *** عاصم اليوم للعلى من أساها

فقد استعصمت ببأس ( أبي *** القاسم ) من كل معضل يغشاها

بدر علم وطودُ حلم ولجيّ *** صفات جلّت فلا تتناهى

نير المحتد الذي تتجلى الشمس *** فيه فيستشف ضياها

طاهر البرد معدن الرشد سامي *** المجد غوث الأنام في بأساها

فالقوافي بنعته انشقتنا *** نفحات يحيى النفوس شذاها

جمع اللّه فيه شمل المعالي *** وأعزّ الاله فيه حماها

سادة العالمين آل معز الدين *** فيكم سمت شريعة طه

فبكم تكشف الحوادث عنا *** وتنال النفوس أقصى مُناها

ولنا تُرسل السحائب من أنملكم *** حفّلا يفيض نداها

والينا شوارق العلم منكم *** تتجلّى فنهتدي بهداها

ص: 150

وجميل اصطباركم بشّر اللّه *** به الصابرين في أُخراها

قدس اللّه تربة عطّرتها *** بنت خير الورى بنشر تقاها

لا عداها صوب الغوادي لأني *** قلت أرخ ( صوب الغوادي سقاها )

وفي المخطوطة قصيدة اخرى يرثي بها السيد علي الموسوي ويعزي ولده السيد عباس الخطيب سنة 1316 وأولها :

تخطّى الردى في فيلق منه جرار *** اليه فأخلى أُجمة الأسد الضاري

كتب عنه الدكتور البصير في مؤلفه ( نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ) فقال : أخبرني شاهد عيان ثقة أن حانوته الصغير كان ندوة أدب خطيرة الشأن - ذلك لأنه كان يطلع تلاميذه من صغار الحاكة على خير ما يقرأ وخير ما ينظم ويرشدهم الى ما في هذا كله من سحر وجمال وفن وصناعة. وكان عارفو فضله من أهل العلم والأدب يختلفون إلى حانوته دائماً يستمتعون بحديثه العذب وأدبه الغض.

توفي رحمه اللّه سنة 1319 ولم يتجاوز الخامسة والأربعين. أما صفاته فقد كان أبيّاً وفياً ذكيّ القلب خفيف الروح بارع النكتة شديد التأمل في شعره كثير التنقيح له ، قرض الشعر وهو عامل بسيط فلم تحدثه نفسه في يوم من الأيام أن يتخذه وسيلة لجرّ المغانم وكسب الجوائز ولو أراد هذا لكان ميسوراً سهلاً ، ولكنه أبى إلا أن يصطنع الأدب للأدب وأن يقرض الشعر للشعر. ولذلك كان شعره رثاءً لأهل البيت أو غزلاً أو تهنئة لصديق أو مديحاً أو رثاء له ، أو نكتة تستدعيها مناسبة طريفة ، وللتدليل على ذلك نذكر إحدى طرفه وذلك أنه عاده في مرضه جمع من الأصدقاء وجاء أحد الثقلاء يهمّه أن يتكلم ولا يهمه أن يكون كلامه مفيداً ام غير مفيد مقبولاً أم غير مقبول ، فأكثر من الهذيان إلى أن قال : أكثر ما يؤذيك شدّة الحر - وكان الفصل صيفاً - فأجابه شاعرنا قائلاً : وكثرة الهذيان.

ص: 151

ومن درره هذه المرثية الحسينية التي أشرنا اليها :

عطن بذات الرمل وهو قديم *** حنت بواديه الخماص الهيم

وتذكرت بالأنعمين مرابعاً *** خضر الأديم ونبتهن عميم

أيام مرتبع الركائب باللوى *** خضل وماء الواديين جميم

ومن العذيب تخب في غلس الدجى *** بالمدلجات مسومات كوم

والركب يتبع ومضة من حاجر *** فكأنه بزمامها مخطوم

سل أبرق الحنّاء عن أحبابنا *** هل حيهم بالأبرقين مقيم

والثم ثرى الدار التي بجفونها *** يوم الوداع ترابها ملثوم

واحلب جفونك ان طفل نباتها *** عن ضرع غادية الحيا مفطوم

عجباً لدار الحي تنتجع الحيا *** وأخو الغوادي جفني المسجوم

ومولّع باللوم ما عرف الجوى *** سفهاً يعنف واجداً ويلوم

فأجبته والنار بين جوانحي *** دعني فرزئي بالحسين عظيم

أنعاه مفطور الفؤاد من الظما *** وبنحره شجر القنا محطوم

جمّ المناقب منه يضرب للعلا *** عرق بأعياص الفخار كريم

فلقد تعاطى والدماء مدامة *** ولقد تنادم والحسام نديم

في حيث أودية النجيع يمدّها *** بطل بخيل الدارعين يعوم

يغشى الطريد شبا الحسام ورأسه *** قبل الفرار أمامه مهزوم

لبّاس محكمة القتير مفاضة *** يندق فيها الرمح وهو قويم

يعدو وحبات القلوب كأنها *** عقد بسلك قناته منظوم

ومضى يريد الحرب حتى أنه *** تحت اللواء يموت وهو كريم

واختار أن يقضي وعمّته الضبا *** فيها وظِلته القنا المحطوم

وقضى بيوم حيث في سمر القنا *** قِصدٌ وفي بيض الضبا تثليم

ثاوٍ بظل السمر يشكر فعله *** في الحرب مصرعه بها المعلوم

ص: 152

فدماؤه مسفوكة وحريمه *** مهتوكة وتراثه مقسوم

عجباً رأى النيران بابن قسيمها *** برداً خليل اللّه ابراهيم

وابن النبي قضي بجمرة غلة *** منها يذيب الجامدات سموم

وكريمة الحسبين بابن زعيمها *** هتفت عشية لا يجيب زعيم

هتكوا الحريم وأنت أمنع جانباً *** بحميةٍ فيها تصان حريم

ترتاع من فزع العدو يتيمة *** ويأن من ألم السياط يتيم

تطوي الضلوع على لوافح زفرة *** خرساء تقعد بالحشا وتقوم

في حيث قدر الوجد يوقد نارها *** ملؤ الجوانح زفرة وهموم

فتعج بالحادي ومن أحشائها *** جمعت شظايا ملؤهن كلوم

إما مررت على جسوم بني أبي *** دعني ولولوث الأزار أقيم

وأرواح ألثم كل نحرٍ منهم *** قبلي بأفواه الضبا ملثوم

وأشمّ من تلك النحور لطائماً *** فيهن خفاق النسيم نموم

وبرغمهم أسري وأترك عندهم *** كبداً ترف عليهم وتحوم

أنعى بدوراً تحت داجية الوغى *** يطلعن فيها للرماح نجوم

أكل الحديد جسومهم ومن القنا *** صارت لأرؤوسهم تنوب جسوم

ماتوا ضرباً والسيوف بوقفة *** فيها لأظفار القنا تقليم

ومشوا لها قدماً وحائمة الردى *** لهم بأجنحة السيوف تحوم

وقضوا حقوق المجددون مواقف *** رعفت بهنّ أسنة وكلوم

* * *

ص: 153

وله في الامام الحسين علیه السلام :

بأيّ حمى قلب الخليط مولع *** وفي أي واد كاد صبرك ينزع

وقفن بها لكنها أيّ وقفة *** وجدن قلوباً قد جرت وهي ادمع

ترجّع ورقاء الصدى في عراصها *** فتنسيك مَن في الأيك باتت ترجّع

مضت ومضى قلب المشوق يؤمها *** فلا نأيها يدنو ولا القلب يرجع

فأسرعت دمعي فيهم حيث أسرعوا *** وودعت قلبي فيهم حيث ودعوا

كأن حنيني وانصباب مدامعي *** زلازل إرعاد به الغيث يهمع

جزعت ولكن لا لمن كان ركبهم *** ولولاك يوم الطف ما كنت أجزع

قضت فيك عطشى من بني الوحي فتية *** سقتها العدى كأس الردى وهو مترع

بيوم أهاجوا للهياج عجاجة *** تضيّع وجه الشمس من حيث تطلع

بفيض نجيع الطعن والسمر شرّع *** ويسود ليل النقع والبيض لمّع

بخيل سوى فرسانها ليس تبتغي *** وقوم سوى الهيجاء لا تتوقع

تجرد فوق الجرد في كل غارة *** حداد سيوف بينها الموت مودع

عليها من الفتيان كل ابن بجدة *** يردّ مريع الموت وهو مروع

أحب اليها في الوغى ما يضرها *** إذا كان من مال المفاخر ينفع

وما خسرت تلك النفوس بموقف *** يحافظ فيها المجد وهي تضيع

تُدفّع من تحت السوابق للقنا *** نفوساً بغير الطعن لا تتدفع

كأن رماح الخط بين أكفهم *** أراقم في أنيابها السمّ منقع

ولما أبت إلا المعالي بمعرك *** به البيض لا تحمي ولا الدرع تمنع

هوت في ثرى الغبرا ولكن سما لها *** على ذروة العلياء عزٌ مرفّع

فبين جريح فهو للبيض أكلة *** وبين طعين وهو للسمر مرتع

ثوت حيث لا يدري بيوم ثوائها *** اصيبت اسود ام بنو الوحي صرّع

فمنعفر خداً وصدر مرضض *** ومختضبٌ نحراً وجسم مبضع

ص: 154

كأني بها في كربلا وهي كعبة *** سجود عليها البيض والسمر ركع

فيا لوجوه في ثرى الطف غيبت *** ومن نورها ما في الأهلة يسطع

ولما تعرّت بالعراء جسومها *** كساها ثياباً مجدها ليس ينزع

وظمآنة كادت تروي غليلها *** بأدمعها لو كان يروي وينقع

فذا جفنها قد سال دمعاً وقلبها *** بكف الرزايا بات وهو موزع

هوت فوق أجساد رأت في هوّيها *** حشاشتها من قلبها فهي وقّع

تبيت رزايا الطف تأسر قلبها *** وتطلقه أجفانها وهي أدمع

فيا منجد الاسلام إن عز منجد *** ويا مفزع الداعي إذا عزّ مفزع

حسامك من ضرب الرقاب مثلّمٌ *** ورمحك من طعن الصدور مصدّع

فما خضت بحر الحتف إلا وقد طغى *** بهام الأعادي موجه المتدفع

إذا حسرت سود المنايا لثامها *** وللشمس وجه للغبار مقنع

ولم أدر يوم الطعن في كل موقف *** قناتك ام طير القرى فيه اطمع

فجمعت شمل الدين وهو مفرق *** وفرقت شمل الشرك وهو مجمع

إذا لم تفدهم خطبة سيفك اغتدى *** خطيباً على هاماتهم وهو مصقع

له شعلة لو يطلب الأفق ضوءها *** لأبصرت شمساً لم تغب حين تطلع

ولو كان سمعٌ للصوارم لاغتدى *** مجيباً إلى داعي الوغى وهو مسرع

وقفتَ وقد حمّلتَ ما لو حملنَه *** الجبال الرواسي أوشكت تتصدع

ورحّبتَ صدراً في امور لو أنها *** سرت بين رحب ضاق وهو موسّع

بحيث الرماح السمهريات تلتوي *** عليك وبيض المشرفيات تلمع

فلا عجب من هاشم حيث لم تكن *** تذب بيوم الطف عنك وتدفع

إذا ضيعوا حتى الوصي ولم تقم *** بنصرته فاليوم حقك أضيع

تشيّع ذكر الطف وقعتك التي *** بقيت لديها عافراً لا تشيّع

لقد طحنت أضلاعك الخيل والقنا *** بجنبك يوم الطعن فيهن ضلّع

ص: 155

فنحرك منحور وصدرك موطأ *** ورأسك مشهور وجسمك مودع

إذا لم تضيّع حق عهد جفوننا *** عليك فعهد الصبر منا مضيع

وإن جف صوب الدمع باتت قلوبنا *** لهن عيون في مصابك تدمع

وإن أدركت بالطف وترك هاشم *** فلا المجد منحط ولا الأنف أجدع

تروّي القنا الخطار وهي عواطش *** وتشبع ذؤبان الفلا وهي جوّع

تدافع عن خدر التي قد تقنعت *** بسوط العدى اذلا حماة تقنّع

أموقع يوم الطف أبقيت حرقة *** لها كل آن بين جنبيّ موضع

سأبكيك دهري ما حييت وإن أمت *** فلي مقلة عبرى وقلب مفجّع

بنفسي أوصال المكارم واصلت *** سيوف العدى حتى انحنت تتقطع

مصارعها في كربلا غير أنها *** لها كل آنٍ نصب عينيّ مصرع

* * *

ص: 156

الشيخ محمد سعيد السكافي

اشارة

المتوفى 1319

يقلّ لدمعي دماً أن يصوبا *** وللقلب مني أسىً أن يذوبا

لما قد ألمّ بآل النبي *** فأجرى الدموع وأورى القلوبا

ولا مثل يومهم في الطفوف *** فقد كان في الدهر يوماً عصيبا

غداة حسين وخيل العدى *** تسدّ عليه الفضاء الرحيبا

دعته لينقاد سلس القياد *** وتأبى حميته أن يجيبا

فهبّ لحربهم ثائراً *** بفتيان حرب تشبّ الحروبا

فمن كل ليث وغىً تتقي *** له في الوغى الاسد بأساً مهيبا

وأروع يغشى الوغى باسما *** ووجه المنية يبدي قطوبا

فكم ثلمت للمواضي شبا *** وكم حطمت للعوالي كعوبا

إلى أن ثوت في الثرى جثّما *** تضوّع من نشرها الترب طيبا

وأضحى فريداً غريب الديار *** بنفسي أفدي الفريد الغريبا

فراح يخوض غمار الحتوف *** ونار حشاه تشبّ لهيبا

وأضحى بجنب العرى عاريا *** كسته الأعاصير برداً قشيبا

وسيقت حرائره كالإماء *** تجوب حزونا وتطوي سهوبا

ويا رب نادبة والحشى *** يكاد بنار الجوى أن يذوبا

أريحانة المصطفى هل ترى *** درى المصطفى بك شلواً سليبا

يعز على المصطفى أن يرى *** على الترب خدك أمسى تريبا

ص: 157

يعزّ على المصطفى أن يرى *** بقاني الدما لك شيباً خضيبا

يعزّ على المصطفى أن يرى *** بأيدي العدى لك رحلاً نهيبا

ألانت قناتي يد الحادثا *** ت وقد كان عود قناتي صليبا

فهل لليالي بهم أوبة *** وهيهات ما قد مضى أن يؤوبا

* * *

الشيخ محمد سعيد الاسكافي ابن الشيخ محمود بن سعيد النجفي الشهير بالاسكافي شاعر مبدع وأديب له شهرته في عصره ، ولد في النجف الأشرف 14 رجب 1250 ه ترجم له صاحب الحصون المنيعة نقلاً عن ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) تأليف الشيخ أحمد بن الحاج درويش علي الحائري البغدادي المتوفى 1322 فقال : الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ محمود الشاعر ، الجامع لاشتات المفاخر ، كانت لابائه نيابة التولية والنظارة في الحضرة المنورة الحيدرية حينما كان الخازن لها هو المتولي للحكومة السنية في النجف برهة من الزمن وهو الملا يوسف ، ثم تغيرت الأحوال بعد وفاة أبيه وابن عم أبيه فصرفت عنهم هذه التولية. توفي والده الشيخ محمود بعد ولادة المترجم له بسنتين وشبّ الصبي وترعرع وتدرج على الأدب والعلم باللغتين الفارسية والعربية ومن أوائل نظمه قوله :

وأخ وفيٌ لا أُطيق فراقه *** حكم الزمان بأن أراه مفارقي

بان الأسى مذبان وابيضت أسى *** لنواه سود نواظري ومفارقي

ومما يجدر ذكره أنه من اسرة تعرف ب ( آل الحاج علي هادي ) ولم يكن من آل السكافي ( البيت النجفي المعروف ) وإنما يتصل بالقوم من طريق الخؤلة ، ومما يتحدث به المعمرون من أسرته التي أشرنا اليها أن أصلهم يرجع إلى الملوك البويهيين الذين ملكوا العراق في غرة القرن الرابع وأنشأوا العمارات الضخمة في النجف وغيرها من العتبات المقدسة ، وإذا صحّ ذلك فهم من أقدم البيوت

ص: 158

التي تقطن النجف زهاء الف عام ، وتوجد عند بقيتهم صكوك رسمية ( فرامين ) يتوارثونها خلفاً عن سلف قد صودق عليها من قبل الشاهات الصفويين والسلاطين العثمانيين تدل على قدمهم في النجف ورسوخ قدمهم في خدمة الروضة العلوية.

وشاعرنا المترجم له نال هذه الملكة الأدبية بحكما لتربية وأثرها من خاله الذي نشأ في حجره وهو الشاعر المعروف الشيخ عباس بن الملا علي المتوفى سنة 1276 ومن ثمة تجد شاعرنا هذا يسلك في شعره طريقة خاله في الرقة والجزالة وحسن السبك وسرعة البديهة ومن غزله قوله متغزلاً ومتحمساً وقد كتبه بخطه الجيد فانه خطاط مليح الخط قال :

تذكرت عهداً بالحمى راق لي دهرا *** فهاجت تباريح الغرام لي الذكرى

وأومض من وادي الغضا لمع بارق *** فأذكى لنيران الغضا في الحشا جمرا

فيا حبذا تلك المغاني وإن نأت *** وياما أُحيلى العيش فيها وإن مرّا

فيا طالما بالانس كانت أواهلا *** وان هي أمست بعد موحشة قفرا

عشية عاطاني المدامة شادن *** أغنّ غضيض الطرف ذو غرة غرا

حكى الغصن قداً والجأذر لفتة *** وعين ألمها عيناً وبيض الضبا نحرا

فبتنا وقد مدّ الظلام رواقه *** علينا وأرخى من جلابيبه سترا

وقد هدأت عنا العيون وهوّمت *** سوى أن عين النجم ترمقنا شزرا

من العدل يا ظبي الصريمة أن ترى *** وصالي حراماً في الهوى ودمي هدرا

لقد هنت قدراً في هواك وإنني *** لأعلى الورى كعباً وأرفعهم قدرا

ويا رب لاح قط ما خامر الهوى *** حشاه ولا فاضت له مقلة عبرى

يلوم فلم أرع المسامع عذله *** كأن باذني عند تعنيفه وقرا

وهيهات يصغى للملامة وامق *** معنّى الحشى مضنى أخو كبد حرى

وقائلة مالي أراك مشمراً *** لجوب القفار البيد توسعها مسر

تجوب الفلا أو تركب البحر جاهداً *** فلم تتئد أن تقطع البر والبحرا

ص: 159

فقلت لها كفيّ الملامة إنما *** هلال الدجى لولا السرى لم يكن بدرا

سأفرى نحور البيد شرقاً ومغربا *** وأقطع من أجوازها السهل والوعرا

لأمنية أحظى بها أو منية *** فان لم تك الاولى فيا حبذا الاخرى

وللشاعر ديوان جمعه في حياته وروى لنا الأخ الخاقاني في ( شعراء الغرى ) طائفة من روائعه ، أقول واختار شاعرنا لنفسه أن يسكن في إحدى المدارس الدينية ويعيش عيشة طلاب العلم الروحيين فقضى شطراً من حياته في مدرسة ( البقعة ) بكربلاء المقدسة حتى استأثرت بروحه الرحمة الالهية وحيداً لا عقب له ودون أن يتزوج وذلك ليلة الاربعاء سلخ ربيع الأول سنة 1319 ه ودفن في صحن الإمام الحسين (عليه السلام) وكان عمره 69 عاماً.

ومن رثائه للحسين (عليه السلام) :

معاهدهم بالسفح من أيمن الحمى *** سقاهن وجافّ الغمام إذا همى

وقفت بها كيما أبثّ صبابتي *** فكان لسان الدمع عنها مترجما

دهتها صروف الحادثات فلم تدعد *** بها أثراً إلا طلولاً وأرسما

بلى إنها الأيام شتى صروفها *** إذا ما رمت أصمت ولم تخط مرتمى

وليس كيوم الطف يوم فإنه *** أسال من العين المدامع عندما

غداة استفزت آل حرب جموعها *** لحرب ابن من قد جاء بالوحي معلما

فلست ترى إلا أصمّ مثقفاً *** وأبيض إصليتا وأجرد أدهما

أضلّت عداها الرشد والهدي والحجى *** وباعت هداها يوم باعته بالعمى

أتحسب أن يستسلم السبط ملقياً *** اليها مقاليد الامور مسلّما

ليوث وغىً لم تتخذ يوم معرك *** بها أجماً إلا الوشيج المقوّما

ولم ترض غير الهام غمداً إذا انتضت *** لدى الروع مشحوذ الغرارين مخذما

ومذ عاد فرد الدهر فرداً ولم يجد *** له منجداً إلا الحسام المصمما

رمى الجيش ثبت الجأش منه بفيلق *** يردّ لُهام الجيش أغبر أقتما

ص: 160

وكرّ ففرّت منه عدواً جموعهم *** فرار بغاث الطير أبصرن قشعما

تقاسم منه الطرف والقلب فاغتدى *** يكافح أعداءاً ويرعى مخيّما

تناهب مبيض الضبا فكأنما *** غدا لحدود البيض فيئاً مقسّما

ولما جرى أمر القضاء بما جرى *** وقد كان أمر اللّه قدراً محتما

هوى فهوى الطود الأشم فزلزلت *** له الأرضون السبع واغبرت السما

وأعولت الأملاك نادبة وقد *** أقامت له فوق السماوات مأتما

فأضحى لقى في عرصة الطف شلوه *** ترضّ العوادي منه صدراً معظما

ويهدى على عالي السنان برأسه *** لأنذل رجس في امية منتما

وينكته بالخيزران شماتة *** يزيد ويغدو ناشداً مترنما

( نفلّق هاماً من رجال أعزةٍ *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما )

فشلّت يداه حين ينكت مرشفاً *** لمرشف خير الرسل قد كان ملثما

ولهفي لآل اللّه بعد حماتها *** وقد أصبحت بين المضلين مغنما

إذا استنجدت فتيانها الصيد لم تجد *** برغم العلى غير العليل لها حمى

تجوم بها أجواز كل تنوفةٍ *** وتسبى على عجف المصاعب كالإما

حواسر من بعد التخدّر لا ترى *** لها ساتراً إلا ذراعاً ومعصما

وزينب تدعو والشجا يستفزها *** أخاها ودمع العين ينهلّ عندما

أخي يا حمى عزي إذا الدهر سامني *** هواناً ولم يترك لي الدهر من حمى

لقد كان دهري فيك بالأمس مشرقا *** فهاهو أمسى اليوم بعدك مظلما

وقد كنت لي طوداً ألوذ بظله *** وكهفاً متى خطب ألمّ فألما

أدير بطرفي لا أرى غير أيّمٍ *** تجاوب ثكلى في النياحة أيّما

رحلت وقد خلفتني بين صبية *** خماص الحشى حرّى القلوب من الظما

عدمت حياتي بعد فقدك إنني *** أرى بعدك العيش الرغيد مذمما

أرى كل رزء دون رزئك في الورى *** فلله رزء ما أجلّ واعظما

ص: 161

السيد ابراهيم الطباطبائي

اشارة

المتوفى 1319

في رثاء الحسين :

قطعتُ سهول يثرب والهضابا *** على شدنيّة تطوي الشعابا

سرت تطوي الفدافد والروابي *** وتجتاز المفاوز والرحابا

إذا انبعثتَ يثور لها قتام *** لوجه الشمس تنسجه نقابا

يجشمها المهالك مشمعلٌ *** يخوض من الردى بحراً عبابا

هزبر من بنى الكرار أضحى *** يؤلّب للوغى أُسداً غضابا

غداة تألبت أرجاس حرب *** لتدرك بالطفوف لها طلابا

فكّر عليهم بليوث غاب *** لها اتخذت قنا الخطي غابا

إذا انتدبت وجردت المواضي *** تضيّق في بني حرب الرحابا

وهبّ بها لحرب بني زياد *** لدى الهيجا قساورة صلابا

فبين مشمرٍ للموت يصبو *** صبوّ متيم ولها تصابى

وآخر في العدى يعدو فيغدو *** يكسّر في صدورهم الحرابا

إلى أن غودرت منهم جسوم *** ترى قاني الدماء لها خضابا

وضلّ يدير فرد الدهر طرفا *** ينادي بالنصير فلن يجابا

يصول بأسمر طوراً وطورا *** بأبيض صارم يفري الرقابا

وأروع لم تُروّعه المنايا *** إذا ازدلفت تجاذبه جذابا

يهزّ مثقفاً ويسلّ عضبا *** كومضِ البرق يلتهب التهابا

ص: 162

نضا للضرب قرضابا صنيعا *** أبى إلا الرقاب له قرابا

رمى ورموا سهام الحتف حتى *** إذا ما أخطأوا مرمىً أصابا

إلى أن خرّ منعفراً كسته *** سوافي الريح غادية ثيابا

فوافته الفواطم معولات *** بندب منه صمّ الصخر ذابا

وزينب ثاكل تدعو بقلب *** مصابٍ يملأ الدنيا مصابا

أيا غيث الورى إن عمّ جدب *** وغوثهم إذا ما الدهر نابا

لقد سلب العدى بالرغم منا *** رداء الصون قسراً والحجابا

على رغم العلى والدين أضحت *** بنو حرب تجاذبها النقابا

بفرط حنينها والدمع أمست *** تباري الرعد والغيث انسكابا

* * *

السيد ابراهيم ابن السيد حسين بن الرضا ابن السيد بحر العلوم. ولد قدس سره في النجف الأشرف سنة 1248 وتلمذ على أبيه في عامة العلوم الإسلامية من التفسير والفقه والأصول والكلام كما أخذ الأدب والشعر عن أبيه أيضاً وحتى إذا اشتد شبابه وقارب أو تجاوز العشرين من سنّيه برع في العلوم الأدبية وتضلع بها وتعمق في اللغة والمعاني والبيان والشعر ، ذكره صاحب الحصون المنيعة في الجزء السابع وقال في جملة ما قال : وكان يحذو في شعره حذو السيد الرضي ، والأبيوردي. وفي كتاب ( حلى الزمن العاطل ) : هو من أشهر شعراء هذا العصر بل من أفراد الدهر ، وهو على ما خوّله اللّه من شرف الحسب والنسب الركن العراقي لكعبة الفضل والأدب ، وأبيات قصائده مقام ابراهيم الذي ينسلون إليه من كل حدب ، كان قويّ الحافظة جزل الاداء يرتجل الشعر وربما دعي لمناسبة مفاجأة فيقول القصيدة بطولها ويمليها بعد حين على كاتبه الخاص باسترسال ، ورد مدحه على ألسنة الشعراء المعاصرين له كالسيد جعفر ابن السيد أحمد الخرسان النجفي ، والشيخ محمد السماوي ، والشيخ ابراهيم

ص: 163

صادق العاملي ، والشيخ عبد الحسين الحويزي ، والسيد محمد سعيد الحبوبي ، والسيد جعفر الحلي ، والسيد موسى الطالقاني ، والشيخ محسن الخضري وغيرهم وديوانه المطبوع بمطبعة صيدا - لبنان يحتوي على مختلف فنون الشعر ، وعدة مراثي لشهداء كربلاء. توفي رحمه اللّه في النجف الأشرف يوم الثلاثاء 6 محرم الحرام سنة 1319 ه.

فمن شعره قوله في العباس بن أمير المؤمنين علیهماالسلام :

قف بالطفوف وسل بها أفواجها *** وأثر أبا الفضل المثير عجاجها

إن أُرتجت باب تلاحك (1) بالقنا *** بالسيف دون أخيه فكّ رتاجها

جلّى لها قمراً لهاشم سافراً *** رد الكتائب كاشفاً إرهاجها

ومشى لهامشي السبنتى (2) مخدراً *** قد هاج من بعد الطوى فأهاجها

أو أظلمت بالنقع ضاحية الوغى *** بالبارقات البيض شبّ سراجها

فاستامها ضرباً يكيل طفيفها *** ولاجّ كل مضيقة فرّاجها

يلقى الوجوه الكالحات فينثني *** يفري بحدّ صفيحة أوداجها

كم سوّرت علقاً أساريب الدما *** فرقى بها علماً وخاض عجاجها

أسد يعدّ عداه ثلّة ربقة *** فغدا ببرثنه يشلّ نعاجها

ومطحطح (3) بالخيل في ملمومة *** حرجت فوسّع بالحسام حراجها

ما زلت تلقح عقم كل كتيبة *** حتى إذا نتجت أريت نتاجها

ولكم طغت غياً ولجّ بغيّها *** فقطعت بالعضب الجراز لجاجها

ضجت من الضرب الدراك فألحقت *** بعنان آفاق السماء ضجاجها

فإذا التوت عوجاً أنابيب القنا *** بالطعن قام مقوّما إعواجها

ركب الجياد إذا الصريخ دعابه *** معرية لم ينتظر إسراجها

ص: 164


1- لا حك الشيء بالشيء الزقه.
2- السبنتي : النمر.
3- طحطح القوم : بددهم وأهلكهم.

الباسم العباس ما من خطة *** إلا وكان نميرها واجاجها

ورد الفرات أخو الفرات بمهجة *** رشفت بمعبوط الدما زجاجها

قد همّ منه بنهلة حتى إذا *** ذكر الحسين رمى بها ثجّاجها

مزجت أحبته له بنفوسها *** نفساً من الصهباء خلت مزاجها

ما ضرّ يا عباس جلواء السما *** لو وشحت بك شهبها أبراجها

أبكيك منجدلاً بأرض قفرة *** بك قد رفعت على السماء فجاجها

أبكيك مبكى الفاقدات جنينها *** ذكرت فهاج رنينها من هاجها

أبكيك مقطوع اليدين بعلقم *** أجرت يداك بعذبه أمواجها

وبرغم أنف الدين منك بموكب *** تقضي سيوف بني امية حاجها

قد كنت درتها على إكليلها *** قد زينت بك في المفارق تاجها

ولحاجتي يا أنس ناظرة العلى *** لو قد جعلتك للعيون حجاجها

ومن شعره في رثاء جده الحسين :

أشجاك رسم الدار مالك مولع *** أم هل شجاك بسفح رامة مربع

وأراك مهما جزت وادي المنحني *** لك مقلة عبرى وقلب موجع

لا بل شجاك بيوم وقعة كربلا *** رزء له السبع الشداد تزعزع

يوم به كرّ ابن حيدر في العدى *** والبيض بالبيض القواضب تقرع

يعدو على الجيش اللّهام بفتية *** بالحزم للحرب العوان تدرعوا

يقتادهم عند الكريهة أغلب *** ثبت الحشا من آل غالب أروع

من كل مرهوب اللقاء إذا انبرى *** نحو الكتائب والذوابل شرع

يعدو فيغدو الرمح يرعف عندما *** والسيف في علق الجماجم يكرع

حتى هووا صرعى ترضّ لهم قرى *** بسنابك الجرد العتاق واضلع

وغدى ابن أمّ الموت فرداً لا يرى *** عوناً يحامي عن حماه ويمنع

فغدا يصول بعزمة من بأسه *** كادت له الشم الجبال تصدع

ص: 165

تلقاه إن حمي الوغى متهللا *** يلقى الوغى بأغرّ وجه يسطع

يسطو فيختطف النفوس بصارم *** كالبرق يقدح بالشرار فيلمع

وهوى برغم المكرمات فقل هوى *** من شامخ العلياء طود أمنع

شلواً تناهبه الصوارم والقنا *** والرأس منه على قناة يرفع

وابتزّ ضوء الشمس حزناً بعده *** فالافق مغبرّ الجوانب أسفع

لهفي لزينب وهي تندب ندبها *** وجفونها تهمي المدامع همع

تدعو من القلب الشجى بلهفة *** شجواً سكاد لها الصفا يتصدع

تدعو أُخيّ حسين يا غوث الورى *** في النائبات ومن اليه المفزع

أحسين من يحمي الفواطم حسراً *** أمست ومَن للشمل بعدك يجمع

أسرى تقنّع بالسياط متونها *** لهفي لآل اللّه حين تقنّع

سلبت براقعها العداة فعاذر *** لو أصبحت بأكفها تتبرقع

وقال أيضاً رحمه اللّه في رثاء حبيب بن مظاهر ( رض ) :

أحبيبُ أنت إلى الحسين حبيبُ *** ان لم ينط نسب فأنت نسيب

يا مرحباً بابن المظاهر بالولا *** لو كان ينهض بالولا الترحيب

شأن يشق على الضراح مرامه *** بعداً وقبرك والضريح قريب

قد أخلصت طرفي عُلاك نجيبة *** من قومها وأبٌ أغرّ نجيب

بأبي المفدّي نفسه عن رغبة *** لم يدعه الترهيب والترغيب

ما زاغ قلباً من صفوف امية *** يوم استطارت للرجال قلوب

يا حاملاً ذاك اللواء مرفرفا *** كيف التوى ذاك اللوى المضروب

لله من علم هوى وبكفه *** علم الحسين الخافق المنصوب

أبني المواطر بالأسنة رعّفا *** في حيث لا برق السيوف خلوب

غالبتم نفرا بضفة نينوى *** فغلبتم والغالب المغلوب

كنتم قواعد للهدى ما هدّها *** ليل الضلال الحالك الغريب

ص: 166

شاب وأشيب يستهل بوجهه *** قمر السما والكوكب المشبوب

فزهيرها طلق الجبين ويعده *** وهبٌ ولكن للحياة وهوب

وهلالها في الروع وابن شبيبها *** وبريرها المتنمر المذروب

والليث مسلمها ابن عوسجة الذي *** سلم الحتوف وللحروب حريب

آساد ملحمة وسمّ أساود *** وشواظ برق صوارم ولهيب

الراكبين الهول لم ينكب بهم *** وهنٌ ولا سأم ولا تنكيب

والمالكين على المكاشح نفسه *** والعاتقين النفس حين تؤوب

قوم إذا سمعوا الصريخ تدفقوا *** جرياً كما يتدفق الشؤبوب

وفوارس حشو الدروع كأنهم *** تحت الجواشن يذبل وعسيب

أو أنهم في السابقات أراقم ال- *** -وادي يباكرها الندى فتسيب

ساموا العدى ضرباً وطعناً فيهما *** غنّى الحسام وهلهل الانبوب

من كل وضاح الجبين مغامر *** ضرباً وللبيض الرقاق ضريب

إن ضاق وافي الدرع منه بمنكب *** ضخم فصدر العزم منه رحيب

مالان مغمز عوده ولربما *** يتقصّف الخطيّ وهو صليب

ومعمم بالسيف معتصب به *** واليوم يوم بالطفوف عصيب

ما زال منصلتا يذب بسيفه *** نمراً وأين من الأزلّ الذيب (1)

تلقاه في أولى الجياد مغامراً *** وسواه في اخرى الجياد هيوب

يلقى الكتيبة وهو طلق المجتلي *** جذلان يبسم والحمام قطوب

طرب المسامع في الوغى لكنه *** بصليل قرع المشرفيّ طروب

واهاً بني الكرم الاولى كم فيكم *** ندب هوى وبصفحتيه ندوب

أبكيكم ولكم بقلبي قرحة *** أبداً وجرح في الفؤاد رغيب

ومدامع فوق الخدود تذبذبت *** أقراطها وحشاً تكاد تذوب

ص: 167


1- الأزل : الذي يتولد بين الضبع والذئب.

حنّ الفؤاد اليكم فتعلمت *** منه الحنين الرازحات النيب

تهفو القلوب صوادياً لقبوركم *** فكأن هاتيك القبور قليب

قربت ضرائحكم على زوارها *** ومزورها للزائرين مجيب

وزكت نفوسكم فطاب أريجها *** في حيث نشر المسك فيه يطيب

جرّت عليكم عبرتي هدّابها *** فجرى عليكم دمعيَ المسكوب

بكرت اليكم نفحة غروية *** وسرت عليكم شمال وجنوب

حبيب بن مظاهر الأسدي زعيم بني أسد وصاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهد معه حروبه وهو موضع أسراره قد أطلعه على علم كثير. وهو قائد ميسرة الحسين (عليه السلام) وأجل أصحابه من حيث العلم والعبادة وكفى في جلالته قول الحسين : رحمك اللّه يا حبيب كنت تختم القرآن في ليلة ، ولجلالته أفرد له الإمام السجاد قبراً مما يلي رأس الحسين علیه السلام .

تلك الصفوة من أصحاب الحسين أصبحوا مضرب المثل في الاخلاص والتفادي وفضّلوا على جميع من تقدمهم لأن غيرهم باشر الحرب وهو يأمل الحياة وهؤلاء كانوا آيسين من الحياة مصممين على الموت ، وكفى بجلالتهم قول الحسين : اللّهم إني لا أجد أصحاباً أوفى من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ وأتقى من أهل بيتي. ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال : قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد ، ويحكم أقتلتم ذرية نبيكم ، قال : عضضتَ بالجندل ، أما إنك لو شهدتَ ما شهدنا لفعلتَ ما فعلنا ، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها تحطم الفرسان يميناً وشمالاً ، لا ترغب بالمال ولا تقبل بالأمان ، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنا صانعين لا أُمّ لك.

عدد الشاعر من أصحاب الحسين علیه السلام ستة وهم : زهير ، وهب ، هلال ، عابس بن شبيب ، برير ، مسلم بن عوسجة وها نحن نورد تراجمهم باختصار :

ص: 168

1 - زهير بن القين البجلي من بجيلة ، شريفاً شجاعاً فاتكاً ، له في المغازي والحروب مواقف مشهورة مشهودة حدث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين عند رجوعه من الحج في السنة التي أقبل فيها الحسين إلى العراق فكنا نساير الحسين ، فلم يك شيء أبغض على زهير من أن ينزل مع الحسين في مكان واحد أو يسايره في طريق واحد - لأن زهير كان أولاً عثمانياً - فكان إذا نزل الحسين سار زهير ، وإذا سار نزل زهير ، فنزلنا في مكان لم يك لنا بدٌ من النزول به ، فكنا في جانب والحسين في جانب فبينا نحن نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين ، فقال يا زهير إن الحسين يدعوك ، فطرح كل إنسان منا ما في يده كراهة أن يذهب زهير إلى الحسين ، فقالت زوجة زهير وهي ديلم بنت عمرو : يا سبحان اللّه أيبعث اليك الحسين بن فاطمة ثم لا تأتيه ، ما ضرك لو أتيته فسمعت كلامه ورجعت ، فذهب زهير على كره ، فما لبث أن عاد مستبشراً ضاحكاً سنّه ، فالتفت إلى أصحابه فقال : مَن شاء منكم أن يصحبني وإلا فهذا آخر العهد فإني قد عزمت على نصرة الحسين وأن أقيه بنفسي ، وقال لزوجته : الحقي بأهلك فإني لا احب أن يصيبك بسببي إلا خير. قالت خار اللّه لك اذكرني عند جدّ الحسين يوم القيامة. والتفت إلى أصحابه فقال احدثكم : إنا غزونا بلنجر (1) - وهي بلدة بالخزر - ففتح اللّه علينا وأصبنا غنائم كثيرة فقال لنا سلمان الفارسي : أفرحتم بما أصبتم فقلنا نعم ، قال إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم بين يديه.

ولازم نصرة الحسين ، ولشجاعته جعله الحسين على ميمنة أصحابه ولاخلاصه وإيمانه بالفكرة قوله للحسين لما أمر أصحابه بالتفرق عنه قال : واللّه يا أبا عبد اللّه لو علمتُ أني أقتل ثم أُحرق ثم أذر ، يُفعل بي هكذا سبعون مرة ما فارقتك ، وكيف لا أفعل وإنما هي قتلة واحدة ثم الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً. فجزاه الحسين خيراً ولما برز إلى القوم جعل يرتجز ويقول :

ص: 169


1- تقع في منطقة أردبيل ، والوقعة سنة 32 من الهجرة في زمن عثمان.

أنا زهير وأنا ابن القين *** أذودكم بالسيف عن حسين

إن حسينا أحد السبطين *** من عترة البرّ التقيّ الزين

2 - وهب بن عبد اللّه الكلبي ، ويقال أنه كان نصرانياً فأسلم على يد الحسين برز للقتال وهو يرتجز :

إني زعيم لك امّ وهب *** حسبي بيتي من عليم حسبي

وكانت زوجته تقول : لا تفجعني بنفسك يا وهب ، وامّه تقول : يا بني دع كلامها وانصر ابن بنت نبيك ، فقاتل حتى قطعت يده فقال : أرضيتِ يا اماه ، قالت لا واللّه حتى أراك مخضباً بدمك بين يدي الحسين ، فعاد إلى القتال وإذا بزوجته خلفه تنادي : قاتل يا وهب دون الطيبين آل رسول اللّه ، قال : الآن كنتِ تنهيني عن القتال ، قالت لا تلمني يا وهب ان واعية آل رسول اللّه صدعت كبدي وكسرت قلبي ، رأيت الحسين ينادي هل من ناصر. ولما قتل جاءت اليه زوجته في المعركة وجلست عنده تمسح الدم والتراب عن وجهه وتشكره ، فأمر الشمر بن ذي الجوشن غلامه قال له : ألحقها بزوجها فضربها بعمود على رأسها فماتت عند زوجها.

3 - هلال بن نافع البجلي أو الجملي ، والمراد به نافع بن هلال ذكره الجزري في أسد الغابة قال : كان سيداً شريفاً سريّاً شجاعاً من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين وحضر معه في حروبه الثلاث في العراق ، ولما خطب الحسين أصحابه في ذي حسم وثب اليه نافع بن هلال الجملي فقال : يابن رسول اللّه واللّه ما كرهنا لقاء ربنا فإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك فسر بنا راشداً معافاً شرقاً إن شئت وإن شئت غرباً ، وفي يوم العاشر جعل يقاتل ويرتجز :

إن تنكروني فأنا ابن الجملي *** ديني على دين حسين وعلي

4 - عابس بن شبيب الشاكري بطل المغازي والحروب ، نشرت صحيفة من صحف العراق أن مندوبها سأل الوزير صادق البصام؟ لو كنت حاضراً

ص: 170

يوم كربلاء مع الحسين ما كنت تتمنى أن تصنع ، قال : أتمنى أن أكون مثل عابس بن شبيب الشاكري. قال عز الدين الجزري : هو عابس بن شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك بن صعب. وبنو شاكر بطن من همدان.

في الحدائق : كان عابس من رجال الشيعة رئيساً شجاعاً خطيباً ناكساً متهجداً ، وكانت بنو شاكر من المخلصين بولاء أهل البيت. وفيهم قال أمير المؤمنين يوم صفين - على ما ذكره نصر بن مزاحم المنقري في كتابه - لو تمّت عدتهم ألفا لعبد اللّه حق عبادته - كانوا من شجعان العرب وحماتهم حتى لقبوا ب ( فتيان الصباح ) ويتجلى لك اخلاص هذا البطل وصراحته في المبدأ والعقيدة أن مسلم بن عقيل لما دخل الكوفة وأقبلت عليه الشيعة وهو يقرء كتاب الحسين وهم يبكون ثم جعلوا يبايعونه عندها قام عابس خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإني لا اخبرك عن الناس ولا أعلم ما في نفوسهم وما أغرك منهم ولكني واللّه اخبرك بما أنا موطن نفسي عليه ، واللّه لأجيبنكم إذا دعوتم ، ولاقاتلن معكم عدوكم ولأضربنّ بسيفي هذا دونكم حتى ألقى اللّه ولا اريد بذلك إلا ما عند اللّه ، ثم قام حبيب بن مظاهر وتكلم بنحو ذلك.

قال أرباب المقاتل : وتقدم عابس بن شبيب للقتال بين يدي الحسين وقال لمولاه شوذب (1) ما في نفسك أن تصنع اليوم ، قال اقاتل حتى أقتل ، قال ذلك الظن بك فتقدم بين يدي الحسين حتى يحتسبك كما احتسب غيرك ثم سلم على الحسين وقال : يا أبا عبد اللّه أما واللّه ما مشى على وجه الأرض قريب ولا

ص: 171


1- يظن البعض أن شوذب مولى لعابس والحال أن مقامه أجل من عابس من حيث العلم والتقوى ، وكان شوذب صحابياً - كما يقو المامقاني في ( تنقيح المقال ) وحضر مع أمير المؤمنين في حروبه الثلاث وكان شجاعاً عابداً من اكابر الشيعة وحافظاً للحديث ، وأخذ أهل الكوفة العلم والحديث منه ، قال صاحب الحدائق الوردية : وكان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث ، وكان وجهاً فيهم ، قال أبو مخنف : صحب شوذب عابساً مولاه في الكوفة إلى مكة بعد قدوم مسلم الكوفة وبعد بيعة الناس له.

بعيد أعزّ علي ولأ احبّ إلي منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبد اللّه أشهد أني على هداك وهدى أبيك.

ثم مضى بالسيف مصلتاً نحو القوم - وبه ضربة على جبينه من يوم صفين - فطلب البراز ، قال ربيع بن تميم لما رأيته مقبلاً عرفته - وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب - فقلت أيها الناس هذا أسد الاسود ، هذا ابن شبيب لا يخرجنّ اليه أحد منكم فأخذ عابس ينادي : ألا رجل. فلم يتقدم اليه أحد ، فنادى عمر بن سعد : ويلكم ارضخوه بالحجارة من كل جانب ، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره فنودي : أجننت يا عابس. قال حب الحسين أجنني :

يلقى الرماح الشاجرات بنحره *** ويقيم هامته مقام المغفر

ما إن يريد إذا الرماح شجرنه *** درعاً سوى سربال طيب العنصر

ثم شدّ على الناس فو اللّه لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من عسكر ابن سعد ، ثم أنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتلوه واحتزوا رأسه ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول أنا قتلته ، فأتوا عمر بن سعد ، فقال لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد ، كلكم قتلتموه. ففرق بينهم بهذا القول.

5 - برير بن خضير الهمداني ، شجاعاً ناسكاً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القراء من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وكان من أشراف الكوفة ، قال للحسين : يابن رسول اللّه لقد منّ اللّه بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة. دخل الحسين خيمته ليطلّي ليلة العاشر من المحرم ، فوقف برير بن خضير وعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري على باب الفسطاط تختلف مناكبهما ، أيهما يطلّي على أثر الحسين تبركاً به ، فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه ، فقال عبد الرحمن : واللّه

ص: 172

ما هذه بساعة باطل ، فقال له برير : واللّه لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ولكن واللّه إني لمستبشر بما نحن لاقون ، واللّه ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيفاهم ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم الساعة.

6 - مسلم بن عوسجة الاسدي ، قال ابن سعد في ( الطبقات ) كان صحابياً ممن رأى النبي ، وهو رجل شريف عابد ناسك قال أهل السير : حملت ميمنة ابن سعد على ميسرة الحسين ، وكان في الميسرة مسلم بن عوسجة وكانت حملتهم من نحو الفرات فقاتل قتالاً شديداً لم يسمع بمثله ، فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه ويقول :

إن تسألوا عني فاني ذو لبد *** وإن بيتي في ذرى بني أسد

ووقعت لشدة الجلاد غبرة شديدة فلما انجلت الغبرة وإذا بمسلم بن عوسجة صريع فتباشر أصحاب ابن سعد فمشى اليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر وإذا به رمق ، فقال الحسين : رحمك اللّه يا مسلم ، وتلى قوله تعالى « فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ». ودنا منه حبيب فقال : إبشر بالجنة قال بشرك اللّه بخير ثم قال : لو لم أعلم أني بالأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك ، قال : أوصيك بهذا ، وأشار إلى الحسين :

نصروه أحياءً وعند مماتهم *** يوصي بنصرته الشفيق شفيقا

أوصى ابن عوسجة حبيباً قال *** قاتل دونه حتى الحِمام نذوقا

ص: 173

الشيخ محمّد الملا

اشارة

المتوفى 1322

يرثي الحسين :

ومروعة تدعو ولا حام لها *** والقلب محتدم وأدمعها دم

يا فارياً كبد الفلاة بهوجل *** هيماء من طول السرى لا تسأم

قل عن لساني للنبي مبلّغاً *** خبراً به أحشاؤه تتضرم

يا جد أسواط العدى قد ألّمت *** متنى وشتمهم لحيدر أعظم

يا جد ما حال النسا لما دعى *** الرجس ابن سعد على مخيمها اهجموا

يا جدنا قد أضرموا بخيامنا *** ناراً ، وفي الأحشاء ناراً اضرموا

يا جدّ ما من مقلة دمعت لنا *** إلا تقنعنا السياط ونُشتم

يا جدّ ذاب حشا الرضيع من الظما *** وسقته عن ماء دماه الأسهم

يا جدّ حُرّمت المياه على أخي *** وأُبيح قسراً للظبا منه الدم

يا جدّ خلّفنا حبيبك عارياً *** والصدر منه مرضض ومهشم

يا جدّ غيرت الشموس وجوهنا *** في السبي والأعداء ليست ترحم

يا جدنا طافوا بنا الأمصار *** والأسواق فوق العيس فينا ترزم

يا جد إن يزيد يشتم والدي *** يا جدنا هذا المصاب الأعظم

يا جد ينكث ثغر سبطك بالعصا *** ثملاً يزيد شامت يترنم

او تصبرن وذي بنوك لحومها *** للسمر والبيض القواضب مطعم (1)

ص: 174


1- شعراء الحلة أو البابليات.

الشيخ محمد الملا ابن الشيخ حمزة بن حسين التستري الأهوازي الحلي المعروف بالملا ، ولد سنة 1243 وتوفي سنة 1322 وحمل إلى النجف الأشرف ودفن هناك. أخذ عن السيد مهدي ابن السيد داود والشيخ حمزة البصير والسيد حيدر والشيخ حمادي نوح وأكثر ما أخذ عن الشيخ الحمادي. كان وراقاً مليح الخط لبق اللسان كفّ بصره في أواخر أيامه ، وهو مكثر مجيد ، وجد من شعره خمس مجلدات بالحلة أكثرها بخطه وأكثر شعره في أهل البيت علیهم السلام .

قال الشيخ اغا بزرك في الذريعة ج 9 قسم الديوان : هو الشيخ محمد بن حمزة بن الحسين بن نور علي التستري الأصل والحلي المولد والمسكن ولد بها سنة (1245) وتوفي في جمادى الثانية سنة 1322 ترجمه السماوي في الطليعة مفصلاً وذكر أن قصائده طويلة بين ثلثمائة بيتاً إلى المائة والسبعين ، وفي جملة منها ، الصدر تاريخ والعجز تاريخ ، وقد نظم ما يزيد على خمسين ألف بيتاً واستقصى حروف الهجاء مرتين أو ثلاثاً في رثاء الحسين. انتهى

وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة وقال عنه : أديب كبير وخطيب مفوه ، طرق كافة النواحي بمحاضراته ومساجلاته ، وحصل على شهرة واسعة في الأوساط الأدبية عندما نظم رائعته في مدح الرسول الاعظم صلی اللّه علیه و آله وقد أجاد بها إذ جارى بها بديعية الصفى الحلي والسيد علي خان الشيرازي ، ونوادره وملحة مشهورة مذكورة ، وكان الشيخ على المعروف بأبي شعابذ يثور غضباً إذا قيل له ( مرحبا ) فنظم شاعرنا :

قال قوم لعليٍّ مرحبا *** فغدا يعرض عنهم مغضبا

قلت لما عجبوا لا تعجبوا *** فمتى حبّ ( عليٌ ) ( مرحبا )

ومن نتفه قوله :

مشوقك يخفيك أشواقه *** ويعلمهن اللطيف الخبير

فأجمل تفصيلهن اللسان *** وفصّل إجمالهنّ الضمير

ص: 175

وقال :

إني لأعجب أن تسييء *** وأنت بالاحسان أحرى

أحيا بقربك تارة *** وأموت بالهجران اخرى

وقال في الوعظ :

يا من غدا الشيب له زاجراً *** يذكره والجهل ينسيه

تطمع من عمرك في رجعة *** وقد مضى أمس بما فيه

وله :

أخفيت هواك وعلمني *** أن المخفيّ سيتضح

وأفاضت عيني أدمعها *** ويفيض إذا امتلأ القدح

وقال يصف داره الواقعة بشارع المفتي بجوار مرقد ابن عرندس الشاعر :

قد حوى منزلي خصالاً ثلاثاً *** حسنها فيه تعجب الأفكار

إنه ضيّق الفِناء ولكن *** في الشتا بارد وفي الصيف حار

وله من قصيدة في معارضة ( يا ليل الصب متى غده ) لأبي الحسن علي بن عبد الغني الحصري الضرير ، وقد نشرت في مجلة الحريه البغدادية سنة 1344.

الحب عظيم مقصده *** مرٌ لا يحلو مورده

إني قد همت بحب رشاً *** البدر النيّر يحسده

من بات الصبر يحاربه *** أرأيت العاذل ينجده

قل لي حتى مَ تعذبه *** وبنار الهجر تخلّده

قد صحّ حديث غرامي إذ *** عن عدل قوامك أسنده

أنواع الحسن بك اجتمعت *** ومحبك حزناً مفرده

أمن الانصاف يهيم هوى *** ويموت ولا تتفقّده

ومن قوله :

لو لاح لي شخص الزمان جهرة *** رويتُ منه ذابلي والمنصلا

لأنه يعطي العنان كل مَن *** لم يدرِ أيّ طرفيه أطولا

ص: 176

وقال :

فتنت بها من عالم الذرّ فتنة *** فأسكرني من قبل خلقي جامها

أشبهها بدراً وإني مخطيء *** فمن أين للبدر المنير ابتسامها

فلا الورد ورداً إن تراءت خدودها *** ولا الغصن غصناً إن تثنى قوامها

ولاغرو إما كنت مشتهراً بها *** وعاث بقلبي حبها وغرامها

فمن أين لي صبر وصبري أسيرها *** ومن أين لي عقل وعقلي غلامها

وذكره صاحب الحصون المنيعة وأطراه هذا الذي مرّ مقتطف منه. توفي بالحلة صباح يوم الخميس 13 جمادى الآخرة عام 1322 ونقلت جنازته إلى الغري ودفن في وادي السلام ورثاه جماعة من الشعراء فأبدعوا وأجادوا منهم الشيخ حمادي نوح بقصيدة مطلعها :

اليوم مجد شموس العترة انهدما *** فليستفض وكف دمع المشرقين دما

ومنها :

يا عترة المصطفى لم تبق جوهرة *** محمد لم يصغها فيكم كلما

وديوانه كان يحتفظ به ولده الخطيب الشهير والشاعر البليغ الشيخ قاسم الملا ، ومن شعر الشيخ محمد قال يرثي الإمام موسى الكاظم علیه السلام :

من ربع عزة قد نشقت شميما *** فأعادني حياً وكنت رميما

وعلى فؤادي صبّ أي صبابة *** هي صيرتني في الزمان عليما

ومرابع كانت مراتع للمها *** راقت ورقّت في العيون أديما

أعلمن يوم رحيلهنّ عن اللوا *** أن الهوى بالقلب بات مقيما

أسهرن طرفي بالجوى من بعدما *** أرقدنه في وصلهن قديما

كم ليلة حتى الصباح قضيتها *** معهن لا لغواً ولا تأثيما

فكأنني من وصلهنّ بجنة *** فيها مقامي كان ثمّ كريما

ماذا لقيتُ من الغرام وإنما *** فيه ارتكبت من الذنوب عظيما

ص: 177

خسرت لعمرك صفقه الدهر الذي *** فيه السفيه غدا يُعدّ حليما

أتروم بدر نسيمه وابى على *** الأحرار إلا أن يهبّ سموما

قد سلّ صارمه بأوجه هاشم *** فانصاع فيه أنفها مهشوما

فمن الذي يهدي المضلّ إلى الهدى *** من بعدهم أو ينصف المظلوما

وبسيبه يغنى الورى وبسيفه *** يجلو عن الدين الحنيف هموما

هذا قضى قتلاً وذاك مغيباً *** خوف الطغاة وذا قضى مسموما

من مبلغ الاسلام أنّ زعيمه *** قد مات في سجن الرشيد سميما

فالغيّ بات بموته طرب الحشا *** وغدا لمأتمه الرشاد مقيما

ملقى على جسر الرصافة نعشه *** فيه الملائك أحدقوا تعظيما

فعليه روح اللّه أزهق روحه *** وحشا كليم اللّه بات كليما

لا تألفي لمسرة فهرٌ فقد *** أضحى سرورك هالكاً معدوما

منح القلوب مصابه سقماً كما *** منع النواظر في الدجى التهويما

وقال في الحسين (عليه السلام) ولاول مرة تنشر هذه القصيدة :

كم ذا تحنّ لذلك السرب *** في الحالتين البعد والقرب

والنفس إن علق الغرام بها *** لا تنثني باللوم والعتب

أحسبت تنجو والهلاك بما *** ألقتك فيه بوادر الحب

شرقت جفونك في مدامعها *** وشرقت حين ظمأت بالعذب

فأنظر لنفسك نظرة ابن نهىً *** ظهرت له من باطن الحجب

فالمرء مرتهن بما ربحت *** حوباه في الدنيا من الكسب

واجزع لما نال ابن فاطمة *** في كربلا من فادح الخطب

نكثت بنو الزرقاء بيعته *** بعد العهود اليه والكتب

ولحربه زحفت فأرهبها *** ما طار أعينها من الرعب

بفوارس أسيافهم جعلت *** وحش الفلا والطير في خصب

ص: 178

ثبتوا ثبات عميدهم بوغىً *** طحنت رحاها أرؤس الغلب

ووفت وفاءهم رماحهم *** وسيوفهم بالطعن والضرب

بيض الوجوه تسل بيض ظباً *** جليت بهنّ حوالك الكرب

شهدت لهن بوقعهن على *** هامات حرب حومةُ الحرب

وتراكم النقع المثار وقد *** لمعت بأفق سماه كالشهب

حتى إذا سئمت معيشتها *** ما بين أهل الشرك والنصب

رامت لأنفسها بميتتها *** عزّاً به تحيى مدى الحقب

فاستسلمت لقضاء خالقها *** فهوت معفّرة على الترب

وسطا أبو الأشبال حين غدا *** في الجمع فرداً فاقد الصحب

ذُعر الجحافل منه ليث شرى *** يختال بين السمر والقضب

ذو عزمة إن ثار ثائرها *** في الشرق دكّ الشرق بالغرب

عدم المغيث فلم يغثه سوى *** أخوين : لدن الرمح والعضب

ملأى من القتلى الفضا ، فبهم *** قد ضاق منها واسع الرحب

فأتاه أمر اللّه حين أتى *** أدّيتَ ما حمّلت من صعب

فأجاب دعوة ربه فثوى *** نحو الشريعة ظامي القلب

وغدت على جثمانه حنقا *** تعدو بنو مروان بالقبّ

بسيوفهم أعضاؤه انتهبت *** وبرحله عاثت يد النهب

يعزز عليه أن نسوته *** تسري بها عَنقا بنو حرب

لا تنقع العبرات غلّتها *** وإن استهلّ بها حيا السحب

فتجيبها الست الجهات إذا *** ما أعولت بالنوح والندب

من خوفها تصفرّ أوجهها *** ومتونها تسودّ بالضرب

إن حاولت كتمان ما لقيت *** فالدمع عنه معلناً يُنبي

فالوجد منها قدّ أفئدة *** بثت شكاية ظمّأ سغب

ص: 179

فنوائب الدنيا على مضر *** دور الرحى دارت على القطب

عجباً لها بصفيحها احتجت *** ونساؤها مهتوكة الحجب

صبرت ، ولا صبر على الجلل *** جعل الأنام مطاشة اللب

وهذه الأخرى مما لم يسبق نشرها :

حتام قلبي يلقى في الهوى نصبا *** ولم ينل بلقى أحبابه إربا

ظنوا فيا ليت لا ظنوا بقربهم *** لما سرت - لا سرى أجمالها خببا

لم تنبعث سحب عيني في مدامعها *** إلا وقلبي في نار الأسى التهبا

قد كان غصن شبابي يانعاً فذوى *** والانس بعد شروق بدره غربا

ياجيرة الحيّ حيا الغيث معهدكم *** فليس ينفك فيه وأكفا سربا

إن تسألوا الحب لا تلفوه منتسبا *** إلا إليّ ، إذا حققتم النسبا

قلبتموني على جمر العباد وما *** رأيت قلبي إلى السلوان منقلبا

في كل آنٍ إليّ الدهر مقتحما *** من الخطوب يقود الجحفل اللجبا

فكيف اوليه حمداً في إسائته *** لأحمد وبنيه السادة النجبا

رماهم بسهام الحتف عن حنق *** وكلهن بقلب الدين قد نشبا

قاسى محمد من أعدائه كربا *** معشارهن شجاه ينسف الهضبا

فبالوصية للكرار بلّغ في *** خمٍّ وأسمع كل الناس مذ خطبا

فارتاب فيه الذي في قلبه مرض *** وفيه آمن مَن لا يعرف الريبا

حتى إذا صادف الهادي منيّته *** ونحو أكرم دار مسرعاً ذهبا

صدّت بنو قيلة عن نهجه حسداً *** والكل منهم لغصب الآل قد وثبا

أضحت تقود عليا وهو سيدها *** كرهاً لبيعة من غير الضلال أبى

ماذا الذي استسهلوا مما جنوه على *** مَن بالمناقب ساد العجم والعربا

إسقاطهم لجنين الطهر فاطمة *** أم وضعهم حول باب المنزل الحطبا

أم ضرب رأس علي بالحسام ومن *** دمائه شيبه قد راح مختضبا

ص: 180

أم شربة السم إذ دسّت إلى حسن *** منها ومن شربها كأس الردى شربا

قد جلّ رزء الزكي المجتبى حسن *** لكن رزء حسين قد سمى رتبا

إن قطّع السم منه في حرارته *** أحشاه والقلب منه كابد الوصبا

فإن حرّ الظما من صنوه قطع *** الأحشاء من حيث قد أذكى بها لهبا

وإن اصيب له في خنجر فخذ *** فالسبط بالباترات البيض قد ضُربا

أو صيّرت نعشه حرب لأسهمها *** مرمىً ولم يرعووا أو يرعوا النسبا

فإن جسم حسين يوم مصرعه *** درية لسهام القوم قد نُصبا

أو أنهم سلبوا منه عمامته *** فبعد قتل حسين جسمه سلبا

وإن قضى حسن تلقاء اسرته *** فالسبط بات بأرض الطف مغتربا

ومذ قضى حسن ألفت جنازته *** التشييع والندبَ حتى أودع التربا

والسبط لما قضى لم يلف من أحد *** سوى نساه تصوب الدمع منسكبا

أو دفنه القوم تلقا جدّه منعوا *** وغيره جاور المختار مغتصبا

فالسبط عن دفنه أعداءه منعوا *** حتى أقام ثلاثاً بالعرى تربا

وإن رآه حسين في الفراش لقىً *** وحوله معشر من قومه نجبا

فقد رأى السبط زين العابدين لقى *** وآله حوله صرعى بحرّ ربى

وله ثالثة مطلعها :

نقيبة رب المجد للذلّ تسأم *** وعيش الفتى بالذلّ عيشٌ مذمم

ص: 181

السيد عبد الوهّاب الوهّاب

اشارة

السيد عبد الوهّاب الوهّاب (1)

المتوفى 1322

قال يرثي الحسين :

خلت أربع ممن تحبّ وأرسمُ *** وأنتَ بها صبٌ مشوق متيّم

أمهما جرى ذكر العذيب وحاجر *** بهتّ فلا سمع لديك ولا فم

سقى الوابل الوكاف أكناف حاجر *** وأومض ثغر البرق فيهن يبسم

وما كنت أستجدي السحاب لربعها *** وسقياه لولا الدمع من أعيني دم

أرقت ولم ترق الدموع ولا خبت *** بجنبي نارٌ للجوى تتضرم

ذكرت السيوف الغر من آل هاشم *** غدت بسيوف الهند وهي تثلّم

ولم يبق إلا السبط في الجمع مفردا *** ولا ناصر إلا حسامٌ ولهذم

لئن عاد فرداً بين جيش عرمرم *** ففي كل عضو منه جيشٌ عرمرم

وخيّر بين الموت غير مذمم *** عزيزاً وبين العيش وهو مذمم

رمى جمرات الحرب منهم بفتية *** ليوث يراع الموت في الحرب منهموا

فصال وصالوا معلمين كأنهم *** وهم في ظلام النقع بدرٌ وأنجم

فما يذبلٌ إن هدّ من فوق شاهق *** بأدهى على الأعداء منهم وأعظم

فلم يرَ إلا السيف ينثر أرؤساً *** على الأرض والرمح الردينيّ ينظم

إلي أن ثووا صرعى على الأرض لم تجد *** سبيلاً عليهم للملامة لوّم

ص: 182


1- السبب في تسمية هذه الاسرة ب ( آل الوهاب ) تيمناً بذكرى شهدائها في الحادثة الوهابية المفجعة ، وهي غير آل الوهاب من آل طعمة : الفائزيين.

تساقوا كؤس الموت حتى انثنوا وهم *** نشاوى على وجه البسيطة نوّم

قضوا فقضوا حق المعالي أماجداً *** بيوم به الاسد الضراغم تحجم

ويصف بسالة الامام الحسين (عليه السلام) بقوله :

كأن لديه الحرب إذ شبّ نارها *** حدائق جنات وأنهارها دم

كأن المواضي بالدماء خواضبا *** لديه أقاح بالشقيق مكمم

كأن لديه السمهريات في الوغى *** نشاوى غصون هزهنّ التنسم

مُحّلاً سعى للحرب غير مقصّرٍ *** ولكنه عن بارد الماء محرم

بذي شفرة تبكي النحور له دماً *** إذا ما تبدى ثغره المتبسم

كأن الحسام المشرفيّ بكفه *** عذاب من الجبار يصلاه مجرم

كأن الرماح الخط أقلام كاتب *** يخط بها والموت يقضي ويحكم

إلى أن هوى فوق الصعيد فمذ هوى *** هوى عمد الدين الحنيف المقوم

هوى ضامياً لم يروَ منه غليله *** ومن نحره يروى الحسام المصمم

فراح به ظفر الغواية ضافراً *** وعاد به صبح الهدى وهو مظلم

أيدري قسيم النار أن سليله *** قضى وهو للارزاء فييء مقسّم

فلهفي لحذر المصطفى بعد نهبه *** وسلب أهاليه به النار تضرم

ولهفي لربات الخدور وقد غدت *** على خدرها الأعداء بالخيل تهجم

ولهفي لآل اللّه تسبى حواسراً *** ولا ساتر إلا لها الصون يعصم

تكفّ عيون الناظرين أكفّها *** ويعصمهم عن أعين الناس معصم

تشاهد رأس السبط فوق مثقف *** فينهل منها الدمع كالغيث يسجم

* * *

السيد عبد الوهاب بن علي بن سليمان بن عبد الوهاب من سلالة آل السيد يوسف الموسويين من آل زحيك الحائري الذين هم من سلالة الإمام الكاظم (عليه السلام)

ص: 183

ولد في كربلاء سنة 1291 وتوفي في رمضان سنة 1322 بالوباء في ضياع لهم خارج كربلاء ودفن هناك ثم نقل إلى كربلاء ودفن في الرواق الشريف بالقرب من مرقد صاحب ( الرياض ).

ذكره في الطليعة وقال : كان أبوه من خدمة الروضة الحسينية أباً عن جد فطلب هو العلم والفضل والأدب فناله بمدة قليلة ونال ملكة في أغلب العلوم مع تقى ونسك وعبادة ومن شعره ما أنشد نيه من لفظه :

وأغنّ يمنعه الحياء كلامه *** فتخاله لا يحسن التكليما

أعطى القلوب بوصله وبصدّه *** في حالتيها جنة ونعيما

وقوله مراسلا :

أحباي ما حيلتي فيكم *** ولستُ على هجركم صابرا

فكيف السبيل لسلوانكم *** وقد عاد لي عاذلي عاذرا

وقوله من ابيات :

أقل من اللوم أو فازدد *** فما موردي أمس بالمورد

وما ابيض مفرقه بالمشيب *** إلا بيوم النوى الاسود

فلا عذر وابيض منه العذار *** إن هام بالرشأ الأغيد

وأذهله عن سؤال الطلول *** سؤال المؤمل والمجتدي

أأقنع بالخفض فعل الذليل *** وأقعد عن نهضة السيد

لئن أنا لم تعل بي همة *** فترقى على هامة الفرقد

لرحت إذاً ورداء العقوق *** من امّ المعالي به أرتدي

ولست بواف ذمام العلى *** إذا خان قولي فعل اليد

ابا حوا حمى اللّه في ارضه *** وردوا الضلال كما قد بُدي

فمن غادر بعد يوم الغدير *** وما غاب عن ذلك المشهد

ومن ملحد خان عهد النبي *** والمصطفى بعد لم يُلحد

ترجم له السيد الأمين في الأعيان وذكر طائفة من شعره ، وكتب عنه صديقنا سلمان هادي الطعمة في مجلة ( العرفان ) فقال : كان قوي الحجة اشتهر بدراسته لعلم الكواكب وعلم الجفر مضافاً لدراسة الفقه والاصول.

ص: 184

ابن رمضان الاحسائي

المتوفى 1323

الحاج علي بن موسى بن رمضان القارئ الاحسائي

قال في الحسين (عليه السلام) :

باب الهدى الهادي عليٌ ذو التقى *** مجري القضا مهما تحدّر وارتقى

من نوره اقتبست مصابيح السما *** لما أضا والبدر منه أشرقا

وبدا لموسى منه نور ساطع *** بلغ السما لما على الجبل ارتقى

فدعاه وهو مترجم عن ربه *** إني أنا الباري فكن بي موثقا

وبسرّه نار الخليل قد انطفت *** من بعد ما كانت حريقاً محرقا

منها :

يا قبلة المتهجدين وكعبة *** المسترفدين ، ومَن تورّع واتقى

فلك العزا والأجر في السبط الذي *** لمصابه انصدع الهدى وتفرقا

يا ليت عينك شاهدته بكربلا *** عار بلاغسل على البوغا لقى

وبقية الأطهار من أهل العبا *** أضحى بجامعة الحديد مطوقا

منها :

يا صفوة الباري الذين ذواتهم *** قد وحّدته وآدم لن يخلقا

إن فاتني ادراك نصركم ولن *** أحضى به في كربلا وأوفقا

فلأنصرنكم بنشر قصائد *** هجرية ما دمت في رسم البقا

أرجو به مع والديّ واسرتي *** والمؤمنين الفوز يوم الملتقى

عن مخطوط العلامة الشيخ حسين الشيخ علي القديحي المسمى ب ( نجوم السماء في تراجم علماء وادباء الاحساء ) نقلاً عن مخطوطة لجده راضي بن محمد بن علي ، وللشاعر فيها قصائد غير هذه وفي ( الروضة الندية في المراثي الحسينية ) للشيخ فرج آل عمران مرثية اخرى للشاعر نفسه.

ص: 185

السيد علي الترك

المتوفى 1324

نهضاً فقد نسيت لُويّ شعارها *** فأزل بسيفك عن لويٍّ عارها

هدأت على حسك الردى موتورة *** فانهض فديتك طالباً أوتارها

فمتى تقرّ العين طلعتك التي *** حسدت مصابيح الدجى أنوارها

ومتى تشنّ على الأعادي غارة *** شعواء ترفع للسماء غبارها

ومتى أراك على الجواد مشمراً *** تحتَ العجاجة صارماً أعمارها

ومتى تصولُ على الطغاة مطهراً *** منها البسيطة ماحياً آثارها

وتحيل ليلَ النقع بالبيض الظبا *** صبحاً وليلاً بالقتام نهارها

لا صبرَ يابن العسكري فشرعة ال *** هادي النبي استنصرت أنصارها

هُدمت قواعدها وطاح منارها *** فأقم بسيفك ذي الفقار منارها

حتى مَ تصبر والعبيد طغت على *** السادات حتى استعبدت أحرارها

وإلى مَ تغضي والطغاة تحكّمت *** في المسلمين وحكّمت أشرارها

وبنت على ما أسست آباؤها *** من قبل حين تتبعت أخبارها

وبنت على ذاك الأساس امية *** غصب الإله ووازرت خمارها

وتواترت بالطف تطلب وترها *** عصب الضلال فأدركت أوتارها

ثارت على أبناء آل محمد *** في كربلا حتى أصابت ثارها

سلوا سيوف الشرك حتى جدّلوا *** فوق الصعيد صغارها وكبارها

ص: 186

نفسي الفداء لاسرة قد أرخصت *** دون ابن بنت نبيها أعمارها

ولفتية مضرية حمت العلى *** فقضت وما صبغ المشيب عذارها

صامت بيوم الطف لكن صيّرت *** عصب الضلالة بالدما إفطارها

ما جاءها الموت الزؤام مقطباً *** إلا رثى بوجوهها استبشارها

صيدٌ إذا اشتبكت أنابيب القنا *** وأطارت البيض الرقاق شرارها

والخيل تعثر بالجماجم والشوى *** والصيد رعباً أشخصت أبصارها

هزوا الردينيات حتى حطّموا *** بحشى الكماة طوالها وقصارها

حيث الظبا ترمي العدا جمراً كما *** بمنى رمت زمر الحجيج جمارها

خطبوا لبيضهم النفوس وصيّروا *** الاعمار مهراً والرؤس نثارها

غرسوا الصوارم بالطلى لكنما *** في جنة المأوى جنت أثمارها

ودعاهم داعي القضا لمراتب *** قد شاءها الباري لهم واختارها

ركبوا مناياهم ففازوا بالمنى *** أبداً وحازوا عزها وفخارها

وهووا على وجه الثرى ونفوسهم *** عرجت إذ الباري أحبّ جوارها

ثاوين تحسب أنهم صرعى وهم *** بجنان عدن عانقوا أبكارها

وغدا فريد المجد ما بين العدى *** فرداً يوبّخ ناصحاً أشرارها

فهناك هزّ من الوشيج مثقفاً *** واستلّ من البيض الظبا بتارها

ماضي المضارب ما اكفهرت غارة *** إلا تألق ومضه فأنارها

ضاق الفضا حتى انتضى ابن المرتضى *** عضباً به لولا القضا لأبارها

وسطا فقل بالليث أصحَر طاوياً *** والصقر شدّ على القطا فأطارها

يطفو ويرسب بالالوف بسيفه *** ويخوض من لجج الحتوف غمارها

غيران ثقّف بالمثقف أضلعاً *** منها وقدّ بذي الفقار فقارها

إن كرّ فرّت منه خيفة بأسه *** والخوف يمزج بالعثار فرارها

فكأنه تخذ الكريهة روضة *** تزهو ونقع الصافنات غرارها

ص: 187

أو خال مستنّ النزال حديقة *** من جلنار والدما أنهارها

ويرى صليل المرهفات غوانيا *** أمست تحرك للغنا أوتارها

وكأنما السمر الكعاب كواعبٌ *** رقصت لديه ورددت أشعارها

أو أنها أغصان بانٍ هزّها *** مرّ النسيم فأطربت أطيارها

لو شاء ما أبقى من الأعداء ديا *** راً وعَفى الحسام ديارها

لكن تجلت هيبة الباري له *** فهوى كليماً حين آنس نارها

ورأى المنية مذ أتته هي المنى *** كالصب شام من الدُما معطارها

فهوى على حرّ الظهيرة بالعرا *** واري الحشا وظماه زاد أوارها

لم تروَ غلّة صدره لكنما الا *** سياف روت من دماه شفارها

اللّه أكبر يا لها من نكبة *** فقماءَ لم تنسَ الورى تذكارها

اللّه أكبر يا لها من وقعة *** قدحت بأحناء الضلوع شرارها

أيبيت سرّ الكون عارٍ والعدى *** في كربلا أجرت عليه مهارها

رضّت صدور بني النبي وصيّرت *** ظلماً على صدر الحسين مغارها

صدرٌ به علم الامامة مودع *** وبه النبوة أودعت أسرارها

صدر تربّى فوق صدر محمد *** تخذته خيل امية مضمارها

وودايع الرحمن صيح برحلها *** نهباً ولم ترع الطغاة ذمارها

فتناهبت نوب الدهور فؤادها *** وأكفّ شاربة الخمور خمارها

برزت بعين اللّه تندب ندبها *** بمدامع يحكي الحيا مدرارها

وغدت تشوط لهولها مذعورة *** مثل الحمائم ضيعت أوكارها

ودنت إلى نحو الغري ونادت ال *** كرار فارس هاشم مغوارها

حامي الحمى طلاع كل ثنية *** مقدام كل كريهة مسعارها

هذا حبيبك بالتراب معفر *** فيه المنية أنشبت أظفارها

وكرائم التنزيل أضحت كالإما *** حسرى تطوف بها العدا أمصارها

ص: 188

سلب العدو سوارها وبسوطه *** قد صاغ - يا شلّت يداه - سوارها

تدعو بهاشمها ولم ترَ منعماً *** منهم وتندب فهرها ونزارها

وترى الرؤوس على الرماح وقد علا *** رأس الحسين من القنا خطّارها

بأبي رؤوساً طبقت أنوارها *** الدنيا وفاقت بالسنا أقمارها

بابي جسوماً وزعت أشلاءها *** عصب الضلال مطيعة أمارها

لم ترع فيهم ذمة الهادي ولا *** الشهر المحرم إذ قضت أوطارها

ولقد أحلت فيه سفك دمائها *** وهو الحرام وحرّمت إقبارها

يا أقبراً شيدت بعرصة كربلا *** أضحت ملائكة السما زوارها

حياك خفاق النسيم مواضباً *** وحدا اليك من السحاب عشارها

يا عترة الهادي النبي ومن بكم *** قبل الاله من الورى استغفارها

أنتم نجاة الخلق إن هي أقبلت *** للحشر تحمل للجزا أوزارها

نطق الكتاب بفضلكم وبمدحكم *** أهل الفصاحة وشحّت أشعارها

زهت المنابر والمنائر باسمكم *** وبمدحكم حدت الحداة قطارها

ولكم مزايا لو أخذت بوصفها *** حتى القيامة لم أصف معشارها

فعليكم صلى المهيمن كلما *** هزّ النسيم على الثرى أشجارها

وعليكم صلى المهيمن كلما *** روة الرواة بفضلكم أخبارها

* * *

ص: 189

السيد علي الترك هو ابن أبي القاسم بن فرج اللّه الموسوي الشهير ب ( الترك ) خطيب شهير وأديب بارع ، ولد في النجف الأشرف عام 1285 ونشأ بها بعناية والده العالم الكبير وبعد أن درس المقدمات اختار لنفسه أن يدرس فنّ الخطابة فتدرب على المنبري المعروف الشيخ محمد علي الجابري فعنى بتربيته لما يرى من لياقته ونباهته وحدة ذكائه ونبرات صوته وجلب انتناه الرأي العام اليه بإلمامه بعدة من اللغات كالفارسية والتركية بالاضافة الى العربية. سافر إلى إيران فأقام في طهران في عهد الشاه مظفر الدين القاجاري فحظى عنده وقدمه على مجموعة من الخطباء ومكث هناك اكثر من عامين كان فيها موضع احترام كافة الطبقات ثم قفل راجعاً إلى النجف ، وفي عام 1324 سافر إلى حج بيت اللّه الحرام وبعد اداء المناسك وتوجهه من منى إلى مكة في الرابع من عيد الأضحى توفي على اثر انتشار داء الهيضة الذي تفشّى في ذلك العام ، قال الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) جمع المترجم له مجموعة من الشعر الحسيني لمختلف الشعراء تقع في ثلاثة اجزاء ضخمة ، اقول : وخير المخلفات المؤلفات.

* * *

ص: 190

الشيخ علي عَوَض

اشارة

المتوفى 1325

علاقة حبّ لا يخف ضرامها *** ودمعة صبٍّ لا يجفّ انسجامها

ومهجة عان لا تزال مشوقة *** يزيد على نزر الوصال غرامها

بنفسي الخليط المدلجون لرامة *** وما رامة لولاهم ومرامها

فما كنت أدري قبل شدّ حدوجهم *** بأن الحشا بين الحدوج مقامها

فمن لي بقلبي أن يقرّ قراره *** ومَن لي بعيني أن يعود منامها

فلا عيش في الدنيا يروق صفاؤه *** ولم يك عذباً شربها وطعامها

فلو أنها تصفو صفت لابن احمد *** وما ناضلته في المنايا سهامها

أتته بنو حرب تجرّ جموعها *** مثال الدبى سدّ الفضاء جهامها

فثار لها ابن المرتضى بصفيحة *** ذعاف المنايا حدها وسمامها

وأثكل أمّ الحرب أبناءها ضحى *** فضجت عراقاها وريعت شئامها

على سابح قد كاد يسبق ظله *** ولما تحسّ الوطء منه رغامها

رماها أبو السجاد منه بعزمة *** يجبنّ آساد العرين اصطدامها

فأورد أولاها بكاس أخيرها *** وخرّت سجوداً طوع ماضيه هامها

هو ابن الذي أودى بمرحب سيفه *** وعاث بعمرو مذرءاه حمامها

فكيف يهاب الموت وهو حمامه *** ويخشى لظى الهيجاء وهو ضرامها

نعم قد رأى أن الحياة مذلة *** وعزته في القتل يسمو مقامها

ص: 191

هناك قضى نفسى الفداء لمن قضى *** وغلّته لم يطف منها أُوامها

بكته السما والأرض والجن كلها *** وناحت له وحش الفلا وحمامها

وكادت له تهوي السماء ومن بها *** وتندك غبراها ويهوي شمامها

فيا ثلمة في الدين أعوز سدّها *** ويا خطة شان الوجود اجترامها

كرائم بيت الوحي أضحت مهانة *** ترامى بها عرض الفلاة لئامها

يسار بها عنفاً على سوء حالة *** بها خفرت للمسلمين ذمامها

عفاء على الدنيا غداة أُسرتُم *** بني خير مبعوث وانتم كرامها

فلو كان لي صبرٌ لقلتُ عدمته *** بلى وقوى عادت هباء رمامها

ولما يفت ثار به اللّه طالب *** ولم تهن الدعوى وانتم خصامها

كأني بداعي الحق حان قيامه *** وقد حان منه للطغاة اخترامها

على حين لا وتر يضيع لواتر *** وفي كفّ مهديّ الزمان حسامها

فثمّ ترى نهج الشريعة واضحاً *** تقشع عنها ريبها وظلامها

فيا خير مَن يرجى لكل عظيمة *** إذا خيّب الراجي هناك عظامها

دعوناك في الدنيا لترأب صدعنا *** وفي عقبات لا يطاق اقتحامها

بيوم به كل رهين بذنبه *** سواء به اذنابها وكرامها

فأنت لنا في هذه الدار منعة *** وللنفس في يوم الحساب اعتصامها

* * *

ابو الأمين علي بن حسين بن علي العوضي نسبة إلى آل عوض من اقدم الاسر العربية الحلية ، ويصرح المترجم له في شعره ان نسبه يمت بامراء آل مزيد الاسديين - مؤسسي الحلة وامرائها في اخريات القرن الخامس إلى اواخر القرن السادس للهجرة ، قال الشيخ السماوي في ( الطليعة ) : علي بن الحسين من آل عوض الأسدي الحلي كان اديباً شاعراً ظريفاً حلو الحديث الى تقى ونسك وديانة قوية ، حاضرته فرأيت منه رجلاً صافي السريرة نقي القلب طاهر

ص: 192

الثوب وراسلني بشعر في المدح وأجبته بمثله ثم ذكر قطعة شعرية من غزله ، قال السماوي : وتوفي سنة 1325 ه في الحلة ودفن بالنجف ، وترجم له الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) وقال : يمتاز شعره بالرقة والعذوبة فمن غزله :

من لي بوصل مهفهف *** ينأى على قرب المزار

ذات الوقود بخده *** وبجفنه ذات الفقار

قال : وقد وقفت على ديوان شعره الذي جمعه ولده الأكبر الشيخ محمد أمين بعد وفاة والده ، وكان يحتفظ به ويبقية آثاره المخطوطة والمطبوعة ولكنها بعد وفاة ولده المذكور بيعت ، وللمترجم له رسالة صغيرة بخطه أودعها مقاطيع من شعره وبعض نوادر ( الكوازين ) وغيرهما كتبها باقتراح من العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء في إحدى زياراته الحلة ولا تزال في مكتبته بالنجف ولعلها هي التي أشار اليها شيخنا في ( الذريعة ) ج 4 / 62 بقوله : تراجم المعاصرين من علماء الحلة للشيخ علي عوض. وذكر في آخرها أن ولادته كانت في الحلة سنة 1253 وتوفي كما أخبرني ولده الأمين في ثاني جمادى الثانية سنة 1325 ونقل إلى النجف ، وهذه قطعة من شعره في الرثاء قالها يرثي بها العلامة الحجة السيد مهدي القزويني :

منك الفراق ومني الوجد والحرق *** وشأن شأني عليك الدمع والأرقُ

يا أمن كل حشا كانت مروعة *** عليك كل حشا أودى بها الفرق

لأنت واحد هذا العصر إذ عجزت *** عن نعتك البلغاء القالة النطق

علامة إن عرت شوهاء مشكلة *** كشفتها فكأن الصبح منفلق

كالبدر والبحر في يومي هدى وندى *** من كفك السيل أم من وجهك الشفق

يشع من غرة المهدي نور هدى *** للمدلجين إذا ما ضمها الغسق

قد كان للركب زاداً حينما نزلوا *** ومعقلاً إن تناهى الخوف والرهق

هذي فواضل لا تخفى صنايعها *** وذي فضائل لا تغشى وتنمحق

ص: 193

أأستقى لثراك الغيث مجتدياً *** وفيه قد حلّ منك الوابل الغدق

بلى سرت من نسيم الخلد نفحتها *** فعطّرت منك رمساً كله عبق

ومن نوادره ان جلس يوماً مع الشاعر الذائع الصيت الشيخ صالح الكواز. فعصفت ريح هوجاء أظلمت منها مدينة الحلة ، فقال الشيخ صالح مرتجلاً :

قد قلت للفيحاء مذ عصفت *** فيها الرياح وبات الناس في رعف

ما فيكِ مَن يدفع اللّه البلاء به *** إن شئتِ فانخسفي أو شئتِ فانقلبي

فقال له شاعرنا العوضي : أيها الشيخ إني نظمت هذين البيتين قبل مدة في مثل هذه العاصفة على غير هذه القافية وأنشد :

قد قلت للفيحاء مذ عصفت *** فيها الرياح وبات الناس في رعب

ما فيكِ مَن يدفع اللّه البلاء به *** إن شئت فانخسفي أو شئت فانقلبي

فقال له الكواز : أنت واللّه قلبتها هذه الساعة.

وله مهنياً العلامة السيد مهدي القزويني بقدوم السيد محمد حسين ابن السيد ربيع من مشهد الامام الرضا علیه السلام من قصيدة مطلعها :

هم بالعذيب فثمّ أعذب مورد *** وأشرب على ذكر الحبيب وغرّد

ومنها :

هيفاء قد لعب الدلال بقدّها *** لعب الشمول بقدّها المتأود

نظرت اليك بمقلة ريم الحمى *** وجلت لعينك غرة كالفرقد

أملت عليّ حديثها فحسبته *** سلكا وهي من لؤلؤ متنضد

ولقد أغار لنقطة من عنبر *** قد حكّمت في خدها المتورد

ولقد تشير بأنمل من فضة *** مصبوغة عند الوداع بعسجد

حتى فرغت إلى السلوّ فخانني *** فيه الضمير وعزّ ثمّة مسعدي

هل تلكم العتمات ثمّ رواجع *** فأنال منها بلغة المتزود

ص: 194

أيام لا صبغ الشبيبة ناصل *** منى ولا وصل الحسان بمنفد

فلتلح لوّامي وتكثر حسّدي *** وتشي وشاتي ، وليجدّ مفندي

أنا ذلك الصب الذي ألف الهوى *** قلبي وأعطيت الصبابة مقودي

لا أنثني أو أبلغ السبب الذي *** حاولته ولو أنه في الفرقد

وكذا محمد الحسين سرى به *** عزم لطوس وهو أكرم مقصد

فيها بأكرم مرقد بلغ الرضا *** بلغ الرضا فيها بأكرم مرقد

وغدا يطوف على ضريح كم به *** طاف الملائك ركعاً في سجّد

تعنو له صيد الملوك جلالة *** ومتى تعد نظراً اليه تسجد

هو ذاك غوث الناس وابن ربيعها *** وخضم جود قال للدنيا : رِدي

ساد الأنام بفضله وشآهم *** في حلمه ، وكذاك شأن السيد

ولكم أجار من الليالي خائفاً *** ما زال يرصده الزمان بمرصد

ولكم أسال على الوفود نواله *** كمسيل وادٍ بالمواهب مزبد

الطاهر الأعراق مَن شهدت له *** أفعاله الحسنى بطيب المولد

من مبلغ عني بشارة رجعة *** لجناب ( مهدي ) الزمان محمد

علامة العلماء شمس الملّة ال- *** -غراء غوث الدهرغيث المجتدي

الموقد النار التي بوقودها *** قد راح ساري الليل فيها يهتدي

هو ذاك بدر سماء العلاء وإنه *** لأبو أماجد كلهم كالفرقد

قلّدته ديني ، وقلّد أنعماً *** جيدي ، فراح مقلِدي ومقلّدي

وقال في قدوم السيد محمد القزويني من الحج سنة 1296 :

أضاءت ثنيات الغرى إلى نجد *** بأبيض طلاع الثنايا إلى المجد

فللذكوات البيض عندي صنيعة *** بتجديدها مافات من سالف العهد

أتت بابن ودٍّ لا عدمت وفاءه *** سواء على قرب من الدار أو بعد

كريم متى استجديته فاض جوده *** عليّ كفيض البحر مداً على مدّ

ص: 195

طليق المحيّا لم تصافح يمينه *** يمينك إلا باليسار وبالرفد

له شغف بالمكرمات ، وغيره *** له شغف لكن بملياء أو دعد

ترقّى لما لم يبلغ الفكر كنهه *** ولم تقف الأوهام منه على حد

أتى عرفات بعد ما عرفت له *** شميم فخار دونه فائح الند

ونالت مِني فيه المُنى بعدما رمى *** جمار الجوى في مهجة الخصم عن قصد

فيا كعبة أضحى يطوف بكعبة *** ولا عجب أن يقرن السعد بالسعد

أتتك فريدَ المكرمات فريدة *** تهادى بنظم راق من شاعر فرد

أتت والمعاني الغر تبهج لفظها *** كما تبهج الأيام في طلعة المهدي

غدت أربع الفيحاء من نشر علمه *** كاخلاقه فيحاء بالندّ والورد

فيا عالماً أعيت مذاهب فكرتي *** معانيه حتى لا أعيد ولا أُبدي

فدتك اناس أخطأ الرشد رأيهم *** وقد علموا معنى الاصابة والرشد

وإن علاً أمسيت بدر سمائها *** لتزهر فيها منكم أنجم السعد

نظمت بنيك لغر عقداً لجيدها *** وأنت برغم الخصم واسعة العقد

ص: 196

الشيخ حمّادي نوح

اشارة

المتوفى 1325

قال في احدى روائعه في الحسين :

أهاتفة البان بالأجرع *** مليّاً بفرع الاراك اسجعي

وأمنا فما ريع سرب القطا *** بنافحة الروض من لعلع

يقرّ المقيل لذات الهديل *** بدور البليل على المرتع

جزعنا التياعاً ليوم الحسين *** فإن كنت والهة فاجزعي

ليوم به انكسف المشرقان *** بغاشية الغسق الأسفع

وغودر في الطف سبط الرسول *** صريع الظما بالقنا الشرّع

سقى حفراً بثرى كربلا *** نمير الحيا غدق المربع

توارت بها أنجم المكرمات *** بأدراع غلب هوت صرع

بمصرعها يصدع الحامدون *** ثوت والمكارم في مصرع

تعفرها سافيات الرياح *** عصفن بآفاقها الأربع

تحف بعاقد أعلامها *** وملحقها بالذرى الأرفع

قضى عطشا ولديه الزلال *** تدفق عن طافح مترع

فيا ظامياً شكرت فيضه *** ظوامي ثرى الخصب الممرع

أيا غادياً بذرى جسرة *** متى اتقدت هضب تقطع

أمون تجانب لمع السراب *** إذا عبث اللمع بالألمعي

إذا جزت متقّد الحرتين *** وشمت سَنا يثرب فاخشع

ص: 197

وقبّل ثرى روضة المصطفى *** وصلّ وسلّم ولج واصدع

سقتك العدى يا نبيّ الهدى *** بكأس الردى رنق المنقع

أتاحت لأبناك ضنك الفناء *** وأفناهم ضنك الموقع

وصمّاء جعجع فيها بنوك *** نفوساً على أقتم جعجع

جلتها جسومهم النيرات *** ممزقة بالظبا اللمع

هوت وقّعاً من ذرى الصافنات *** كأقمار تمٍّ هوت وقّع

تمزّقها شفرات الضبا *** بكف ابن رافثة ألكع

وجوه كشارقة الزبرقان *** لها السمر منزلة المطلع

تناديك تحت مهاوي السيوف *** بآخر صوت فلم تسمع

أُريقت دماك فلم تنتقم *** وسيقت نساك فلم تهلع

مروّعة بصدى هجمة *** أطارت لها أعين الروع

فأبرزن من خيم أضرمت *** بذاكية اللّهب المسفع

تشدّ براقعها خيفة *** فتغلب قهراً على البرقع

وخائفة فزعت رهبة *** فاهوت على جسد المفزع

تلوذ به فتنحي بها *** بعنف يدا لُكع أكوع

ومرضعة نحرت طفلها *** من القوس نافذة المنزع

تلاقى السما بدما نحره *** أفي اللّه هان دم الرضّع

* * *

وثاكلة صرخت حوله *** تناديك عن كبد موجع

أيا جدّ صلّى عليك المجيد *** ونلت ثنا الافوه المصقع

حبيبك بين ذويك الكرام *** أضاحي منى بتن في موضع

تقلّبها حلبات الخيول *** سليبة ضافية المدرع

ومضنى يئنّ بثقل القيود *** مشالاً على جمل أضلع

ص: 198

يرى حرم الوحي إن أرسلت *** مدامعها بالقنا تُقرَع

أُسارى يكلفهنّ الحداة *** رسيما على هزلٍّ ضُلّع

تجشمّها ربوات الفلى *** وتحضرها مجلس ابن الدعي

ويُدنى القضيب لثغر الحبيب *** فان ضاء مبسمه يقرع

تسرّع فيك ابن مرجانة *** فنال المنى أمل المسرع

وساق عيالك سوق الإما *** تجوب فلى مربع مربع

أألله يا غضب الأنبياء *** لهتك الهدى بضبا الوضّع

* * *

فيا صفوة اللّه من خلقه *** ومن لشفاعتهم مرجعي

أُجلكم أن أزور القبور *** وحمل ذنوبي غدا مضلعي

أبى اللّه يخزي وليّ الكرام *** ويدعو بها يا كرام اشفعي (1)

أقول وكأن الشاعر كان متأثراً بقصيدة الشيخ حسن التاروتي القطيفي المتوفى سنة 1250 ه - والذي كان يعيش من صيد السمك - وأولها :

أللراعبية بالاجرع *** صبابة وجد فلم تهجع

فجاراه بها وزناً وقافية ، ذكرناها في ترجمته صفحة 310 من الجزء السادس من هذه الموسوعة. وستأتي - بعون اللّه في جزء آتٍ - رائعة محمد مهدي الجواهري - شاعر العرب اليوم - فهي على هذا الوزن والقافية والتي استوحاها من ضريح الإمام الحسين علیه السلام ومطلعها :

فداءً لمثواك من مضجع *** تبلّج بالأبلج الأروع

وهي من غرر أشعاره.

ص: 199


1- عن ديوانه المخطوط - مكتبة آل القزويني ، ولأول مرة تنشر هذه القصيدة بكاملها.

الشيخ حمادي نوح هو أبو هبة اللّه محمد بن سلمان بن نوح الغريبي الكعبي الأهوازي الأصل الحلي المعروف بالشيخ حمادي نوح والصحيح اسمه ( محمد ) كما كان يوقع. ولد سنة 1240 وتوفي في صفر 23 منه سنة 1325 بالحلة وحمل إلى النجف الأشرف فدفن فيها فيكون عمره خمسة وثمانين سنة.

والكعبي نسبة إلى قبيلة كعب التي تقطن في الأهواز ، أخذ عن السيد مهدي ابن السيد داود الحلي والشيخ حسن الفلوجي - الأديب الحلي - وخرج إلى الأهواز والجزائر مدة ومنها أصله. وكان يتنسك وأنشأ أوراداً وأذكاراً من الشعر لتعقيبه في الصلاة. وهو شاعر مفلق مكثر طويل النفس وكان أهله بزازين في الحلة وكان هو صاحب حانوت فيها يبيع البزّ ويجتمع اليه الادباء والشعراء يتناشدون أشعارهم وقد أخذ عن المترجم له جماعة، منهم الشيخ محمد الملا ، والحاج حسن القيم وابن أخيه الشيخ سلمان نوح ، والحاج مهدي الفلوجي. وكان كثير الاعجاب بشعره وإذا أنشده أحد شعراً لغيره نادى : كرب. كرب. أي هذا يشبه كرب النخل ، وجلّ ادباء الحلة يرون له فضل السبق والتقدم في صناعة القريض شغوفاً بغريب اللغة وشواردها ، مفضلاً لأساليب الطبقة الاولى على الأساليب الحديثة بعيداً عن استخدام البديع والصناعات اللفظية لذلك ترى الغموض غالباً على شعره ، ولا يعجبه من الشعراء الأقدمين أحد غير المتنبي ويفضله على شعراء العرب ويتأثر به.

لقد دوّن شعره في حياته وسماه ( اختبار العارف ونهل الغارف ) فجاء في مجلد ضخم يربو على 550 صفحة على ورق جيد بخط أحسن الخطاطين في الحلة آنذاك ، رتّبه على سبعة فصول : الفصل الأول في الالهيات والعرفانيات ، والفصل الثاني الحسينيات وهو ما قاله في أهل البيت عامة ، والحسين خاصة مدحاً ورثاءاً ويبلغ 31 قصيدة من غرر الشعر ، قال الخطيب الأديب الشيخ يعقوب في تقريضه قصيدة منها :

مدحت بني النبوة في قواف *** ترددهن ألسنة الرواة

ص: 200

فإن يكن ابن نوح قد تولى *** غريقاً في القرون الماضيات

فلا يخش ابن نوح العصر هولاً *** فقد آوى إلى سفن النجاة

وممن تأثر بالشاعر الشيخ حمادي هو الشاعر الفحل الحاج حسن القيم فقد لازمه ملازمة الظل وكان يعتز بهذا الاتصال وهذه التلمذة فقال يمدحه من قصيدة.

فلو كان ينمى جيد الشعر لانتمى *** إلى شاعر من آل نوح مهذب

ولو كان ينمى جيد الشعر لانتمى *** إلى مبدع في كل فنّ ومغرب

إذا دام لا تهوى من الناس صاحباً *** ففي الشمس ما يغنيك عن ضوء كوكب

ويقول شيخه المذكور في قصيدته التي أبّن فيها هذا التلميذ البار بعد وفاته :

فيا نجم العشيرة لحتَ بدراً *** فغيّبك الافول عن النجوم

سقيتك سلسل الكلم المصفّى *** تجنّبه قذى الهذر الذميم

إلى أن ظن ماهر كل علم *** بأنك حائز شتت العلوم

أبوك على المنابر بدر تمٍ *** وأنت اتمّ من قمري تميم (1)

فمن قصائده الحسينية قوله :

ومعرّض لشبا الأسنّة مهجة *** للوحي بين صدوعها إلهام

صدع الوغى متهللاً وكأنه *** صدع الوغى وله الهلال لثام

الراكب الخطرات وهي أسنة *** والخائض الغمرات وهي حمام

والمخصب الشتوات عارية الربى *** والفارج الكربات وهي عظام

ركب الوغى ولظى الهجير يشبّها *** من حرّ مهجته عليه ضرام

أمعطّر النكباء نفحة عافر *** ومردّع البوغاء وهي رغام (2)

ومجدّلاً نسفت لمصرعه العلا *** ومن الهداية دكدكت آكام

ص: 201


1- يشير إلى شاعري تميم الشهيرين : الفرزدق وجرير.
2- الردع : الزعفران.

سقطت لمصرعه النجوم كأنها *** من صدره عدداً سقطن سهام

ومجرداً نسج الاباء لشلوه *** جدداً برود الحمد وهي قتام

عجباً لجسمك كيف تأكله الظبا *** وبكل عضو فيه منك حسام

أكل الحديد أمضّ منه مضارباً *** عرفته من تحت التريك الهام (1)

طحنت بأضلعه الخيول ودائعاً *** يهدي الورى بعلومها العلام

تعدو على جسد يُغاث بنسكه *** محل الزمان إذا استسرّ غمام

ترباً تغيّره العواصف وانتهت *** أن لا تغيّر نشره الأيام

متميزاً قمراً بشاهقة القنا *** كسف الزمان ولم يفته تمام

صدعاً بواضحة الكتاب مبلّغاً *** فصل الخطاب إذا ألدّ خصام

ومرتّل الكلم المبين كأنه *** جبريل يصدع والأنام سوام

أعلى العواسل رأس سبط محمد *** جلبته من خطط العراق شئام

يتأوّد اليزنيّ في قمر الهدى *** والمسلمون لدى سناه قيام

وبحضرة الاسلام ينكت ثغره *** سوط ابن هند ولا يكاد يلام

ومنها في الشهداء من أهل بيته صحبه :

المنتضين سيوفهم ووجوههم *** وكلاهما شهب الظلام وسام

تتزلزل الأطواد من سطواتهم *** وتخف إن ذكرت لهم أحلام

وردت حياض الموت طافحة الردى *** وعن الزلال تموت وهي صيام

فأعارت الأرماح ضوء رؤوسها *** وأنارت البوغا لهم أجسام

وثوت بحر هجيرة لو يلتظي *** بذرى شمام ذاب منه شمام

صرعى تزمّلها الدماء ملابساً *** حمراً وتسلبها اللباس طغام

فكأن فيض نحورهم لقلوبهم *** برد بحفظ ذمارهم وسلام

ص: 202


1- التريك : جمع تريكة وهي بيضة الحديد.

وقال : وهو يذكر الحسين أثناء أداء مناسك حج بيت اللّه الحرام.

يا دهر شأنك والخلاف فما الحجى *** متوفرٌ والبغيُ فيك موفر

مُنع ابن فاطمة مناسك حجه *** ويزيد يؤمنه الشراب المسكر

لو أنصفت عرفات دكدك فرعها *** فقدانه منها وزال المشعر

يا حجر إسماعيل جاوزك الهدى *** مذبان عن غدك الحسين الأطهر

يفدي ذبيحك كبشه وعلى الظما *** حنقاً صفّى اللّه جهراً ينحر

أصفاء زمزم لا صفوت لشارب *** وحشا الهدى بلظى الظما تتفطر

يروي زلالك وارداً وذوو النهى *** بالطف يرويها النجيع الأحمر

اثلاثة التشريق من وادي منى *** لا تمّ في واديك حجٌ أكبر

هذي جسوم معاهديك بكربلا *** بقيت ثلاثاً بالعرا لا تقبر

يتشرف البيت الحرام بنسكهم *** وعميدهم مثل النسيكة ينحر

ما يشهد الحجر الشريف بفقدهم *** وبنسكهم في كل عام يزهر

فجسومهم تحت السنابك موطئ *** ورؤوسهم فوق الأسنة تشهر

عقدت بأطراف الرماح رؤوسهم *** ونساؤهم بظهور عجف تؤسرُ

وله من قصيدة تبلغ ثلثمائة وتسعة ابيات في الامام الحسين :

وجمت بناعية الحسين على الونى *** للبغي واضحة الحديث المرسل

وتصرفت فرطا برغم أمينه *** بشروطها يدُ ذي تمائم محول

برز ابن أحمد للزمان يقيله *** عثرات معلن غدره المتنصل

ومسوماً في الركب كلّ طمرةٍ *** غير المكارم فوقها لم تحمل

فتلت بأكعبها سواعد فتية *** أدنت مآربها بباع أفتل

من كل من تثنى الخناصر نحوه *** يرنو الزمان له بعين الأحول

يغشى النواظر في حياء عقيلة *** ومضاء ذي شطب وسبطة أنمل

ص: 203

مأمومة بأغرّ ينصدع الدجى *** بسناه ملء قرى أغر محجل

قد أشخصته عن المواطن بيعة *** من عنق صافقها يداً لم تحلل

فأبرّ داعية الشريعة موضحاً *** في المسلمين إمامة النص الجلي

يمضي ولا الأرماح نافذ حكمه *** ويرى ولا المصباح منه بأمثل

متوسماً إنقاذ داعية الهدى *** حير الضلالة وهي عنه بمعزل

حذقاً بمضمر كيدها يعتادها *** عن قلّبٍ وافي السريرة حوّل

يجري على سرّ المشيئة واطئاً *** ظهر الثنية وطأة المتمهل

الراكب الأخطار وهي منيعة *** وأمين ضيم الجار ساعة معقل

وممنع الأبرار بزّة نسكها *** ومجرّع الجبار رنقة حنظل

أذكت كريهته فقال لها انزلي *** ووفت حميته فقال لها اصطلي

وأبت سلامته فسلّ حفيظة *** فياضة كرم الاباء الأجمل

ومضت تناجز عن رواق فنائه *** أسد العرينة أردفت بالأشبل

نزعت لدفع عدوها آجامها *** وتفيأت أُجم القنيّ الذبل

قلّوا ولكن كل فرد منهم *** يغشى الكريهة مفرداً في جحفل

هي ساعة أنست مواقف مأزق *** أنفقن من جساس عمر مهلهل

وبضيقها لطم الصفيح وجوههم *** فهوت ولا غور النجوم الافل

وتجرّد الوافي بشافية الأذى *** من نجدة الكافي يصول بأعزل

تلقى الكماة أمامه ووراءه *** رهن الفلاة بغرب حدّ المنصل

يعدو على قلب الخميس فلا يرى *** قلب الخميس سوى الرعيل الأول

يلجي تفرده القبائل نحوه *** فتؤمّه خجلاً ولما تخجل

فيفلّ غاشية الكماة بعزمة *** يوم النزال كريهة لم تفلل

جذلان يأنس عن لهيب فؤاده *** متروّحاً بسنا الحديد المشعل

فكأن شارقة السيوف بوجهه *** الشمس شارقة بفعمة جدول

ص: 204

ينقضّ في رهج الظهيرة وارياً *** ماوى السريرة قطرة لم ينهل

يروي غرار السيف منهمر الدما *** ولسانه من ريقه لم يبلل

كرمت حفيظته على مضض الظما *** ريانة نيل الشفاء الأعجل

لو تبرز الدنيا بصورة واترٍ *** دامي الوريد بسيفه لم تقبل

فجعته في فئة بها انفجع الهدى *** ووثيقة أمل اللّهيف المرمل

وأعزّة سقيت أنابيب القنا *** أن لا يذوق الدين كاس مذلل

أجرام روحانية تنقضّ من *** ملكوت قدس في دلاص شمردل

نهضت بتكليف الإمامة إذ بها *** قمر الإمامة سار غير مخذّل

فلذاك أورد صدره سمر القنا *** واعار جبهته شفار الأنصل

وهوى بمنعقد القساطل ليتني *** من دونه الثاوي بظل القسطل

غيران يلتمس الظلامة فانثنى *** وهو الظلامة في التماس مؤجل

ثاوٍ تمنّعه الحمية تارة *** وهو الكريم شبا الحسام المصقل

عار تكفّنه محامد هاتف *** في الكائنات متى يعنّف يعول

أودى الحسين فيا سماء تكوري *** جزعاً عليه ويا جبال تهيلي

هد العماد فما لسمكك رافع *** ودهى النفاد فما لفرعك معتلي

فثقي بعترته البقية تأمني *** بقرار مسموك ومنع تزلزل

وتبرقعي بدجى الكآبة إنما *** غشيتك خطة ظلمة لا تنجلي

هذا ابن هند والحنيفة غضة *** ومقالة التوحيد لم تتبدل

قد سل شفرة مرهف في كربلا *** ماضٍ لفاطمة الصفية مثكل

وضع الظبا برقاب عترة أحمد *** هي تلك بين معفر ومجدل

نحرت على ظمأ بضفة نينوى *** حرى القلوب على شفير المنهل

لولا شهادتها بجنب زعيمها *** لغدت هناك موائداً للعُسّل

تأبى الوحوش دنوها وينوشها *** من خيل أعداها نعال الأرجل

ص: 205

عقرت فما وطئت بشدة جريها *** إلا لأسرار الكتاب المنزل

خلت الحمية يا امية فاخلعي *** حلل الحيا وبثوب بغيك فارفلي

سوّدتِ وجه حفائظ العرب التي *** كرمت إذا ظفرت برحل مفضّل

فهبي طويت قديم حقدك كامناً *** وضممته في طيّ لوعة نعثل

وهبي الوسيلة بحت في إظهارها *** بالطف في رهط النبي المرسل

وقطعت فرع أراكة نبوية *** بسيوف هند في يدي مستأصل

تلك الفلا غصت بآل محمد *** صرعى معفرة برمل الجندل

أكل الحديد جسومهم فكأنهم *** للدين قد جاؤا ببدع مشكل

يا خزية العرب انتهت ارب الشقا *** من وجد حقدك في بلوغ محصل

أو ما بطرت بنكبة شابت لها *** لُحم الأجنة في بطون الحمّل

حتى استبحت الدين إذ قهر السبا *** حرم النبي على ظهور الهزّل

فكأنما ظفرت يداك مضيفة *** للدين مكرمة بنسوة هرقل

أثكلت نسوة أحمد لينالها *** قهر العدو حياطة المتكفل

أبرزتها حسرى كما شاء المنى *** من غير مهجة راصد متحمل

تتصفح البلدان صورة سبيها *** أشكال بارزة بذلّ المثّل

هي في عيونك حسّرٌ وتبرقعت *** بحجاب قدس بالجلال مكلل

تسود من ضرب السياط جسومها *** ووجوهها بلظى الهواجر تصطلي

من كل زاكية تقنّع بالقنا *** وأمين وحي بالحديد مكبل

مضنى وجامعة القيود يشبّها *** لهب الهجير لظى بعنق مغلل

وأمضَ مما جرعته يد العدى *** غصصاً من الخطب الفظيع المهول

شتم الخطيب على المنابر جده *** أخطيبها فدحتك حزّة مفصل

أبسيفكم زهت المنابر أم بكم *** جبريل نادى في الزمان الأول

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى *** للمسلمين مجالد إلا علي

ص: 206

تتمهّد الأعواد غبّ فتوحه *** وبسبه الأوغاد لم تتعذل

لا بوركت قوم ترفّع شأنها *** بحسامه ، وبشانه لم تحفل

وله في رثائه (عليه السلام) وقد نظمها سنة 1265 كما في ديوانه ولعلها أول مراثيه الحسينية :

أحمى بابل سُقيت الغماما *** وتضوّعت في نسيم الخُزاما

كم لنا في عراص ربعك صيدٌ *** شيدوا فيك معهداً ومقاما

إن دعاهم داعي المنى والمنايا *** أكرموا وافداً وروّوا حساما

عمرك اللّه كم حويت بدوراً *** نورها يخجل البدور التماما

ولكم حلّ في طلوعك غيد *** أودعت في الحشا ضنى وسقاما

خُرّدٌ تفضح الغزالة وجهاً *** يوم تنضي براقعاً ولثاما

رب يوم به العواذل أضحت *** لا يملّون في ملامي الملاما

يا أخلاي لست فيما زعمتم *** زادني الشوق لوعة وغراما

لا ربوع ب ( الجامعين ) محيلات *** شجتني ولا طلول أماما

بل شجاني سليل أحمد لما *** أججت في وغاهُ حربٌ ضراما

يوم جاءت يقودها ابن أبي *** وقاص ظلماً يقفو اللّهام اللّهاما

قابلتها فتيان صدق لترعى *** لأبن بنت النبي فخراً ذماما

شمّرت للوغى ودون حسين *** حسبت أكؤوس المنايا مداما

هم أسود وما رأيت اسوداً *** تخذت غابة الرماح أجاما

فادلهمت تلك الكريهة التي *** قنّعوا الشمس عثيراً وقتاما

لم تزل تخطف النفوس ويلقى *** صدرها في اللقا قناً وسهاما

فدعتها حضيرة القدس لما *** شيد فيها لهم مقامٌ تسامى

بأبي أنجم سقطن انتثاراً *** صيّر الطعن برجهن الرغاما

ص: 207

يا لك اللّه أيّ خطب جسيم *** جللٌ هوّن الخطوب الجساما

يوم أذكت عصائب الشرك بغياً *** بحشا صفوة الجليل أواما

هو فردٌ لكن تراه الأعادي *** حين يسطو بهم خميساً لُهاما

سامياً صهوة الطمّر كأن الطر *** ف قد قل من هضاب شماما

ترجف الأرض خيفة حين يسطو *** مثل فلك في لجة البحر عاما

وتمور السما إذا شاهدته *** سلّ من بأسه الشديد حساما

لفّ أجنادها وكّهم منها *** البيض قسراً ونكّس الأعلاما

أسد اللّه ما رأى الأسد في *** الهيجاء إلا أعادها أنعاما

بطل أيسر العزائم منه *** إن عدا ساطياً يروع الحماما

فدعاه المولى إلى الملأ الأ *** على فلبّى طوعاً وكف احتجاما

ولذاك اختار الشهادة حتى *** نال فيها ما حيّر الأوهاما

فرمته العدا بأسهم حقد *** ليت قلبي عنه تلقّى السهاما

فهوى منه في سماء لويٍ *** بدر مجد يجلو سناه الظلاما

ونعاه الروح الأمين ونادى *** قتل اليوم مَن به الدين قاما

أي خطب قد هدّ من كعبة *** الاسلام في عرصة الطفوف دعاما

ورمى آل هاشم برزايا *** نكست من وقوعهن الهاما

يوم سارت من العراق عداهم *** بنساهم أسرى تؤم الشئاما

ثاكلات يندبن حزناً ويذرفن *** دموعاً تحكي السحاب انسجاما

وتجيل الألحاظ رعباً فلم تلق *** سوى كافل يقاسي السقاما

يا لقومي لفادح أورث القلب *** غليلاً وفيه أذكى ضراما

يوم ثارت حربٌ على آل طه *** فأبادتهم إماما إماما

أيّ يوم هالت عصائب هند *** عروة الدين بالقراع انفصاما

أي يوم جبّت لآل نزار *** بشبا البيض غارباً وسناما

ص: 208

أي يوم لخاتم الرسل فلّت *** مخذماً فيه شيّد الاسلاما

وأراقت دماء كل أبيٍّ *** جلّ يوم الهوان من أن يضاما

يابن بنت النبي إن فاتني نصر *** ك بالكف لم يفتني كلاما

لي فيه على عداكم حسام *** شفرتاه تحكي الحمام الزؤاما

مع أني لأخذ ثارك شوقاً *** أرقب المجتبى الامامَ الهماما

سوف أطفي الغليل من كاشحيكم *** في كفاح تزلزل الأعلاما

ولدى قائم الشريعة سيفي *** في اللقا يرشح الدما والحماما

وليوث خلفي لآل ( غريب ) *** منهم تغتدي الليوث سواما

تنشئ الموت في ظباها إذا ما *** أبصرتني للحرب أبدي ابتساما

يا بن طه اليك لؤلؤ نظم *** فاق في سمطه اللآلي نظاما

فاقبلن من ( محمد ) ما غدا في *** فم قاليك علقماً وسماما

وبثغر المحب نحلة شهد *** يفضح الشهد طعمها والمداما

وعليكم من ربكم صلوات *** وسلام يغشى علاكم دواما

وله :

عذرتك أن تعنفني نصوحا *** وقلبك لم يبت بأسى جريحا

تفاقم فانطوت جمل الرزايا *** يوازنه فيعدلها رجيحا

هو الخبر الذي اتقدت لظاه *** بجانحة الهدى لهباً صريحا

إذا ذبح ابن فاطمة عناداً *** فإن الدين قد أمسى ذبيحا

وميز رأسه بشبا العوالي *** قطيعاً يعرب الكلم الفصيحا

يرتل في السنان لكل واعٍ *** كتاب اللّه ترتيلاً صحيحا

تمرّ به الرياح وقد مراها *** بأطيب من أريج المسك ريحا

وجرده إباه الضيم نفساً *** إذا ذكر الهوان نأت نزوحا

لدى أبناء معركة وقته *** بمهجتها الذوابل والصفيحا

ص: 209

عشية لاذ عز الفخر فيه *** ومدّ له الهدى طرفاً طموحا

ثوى بثرى الطفوف تعلّ منه *** مهندة السيوف دماً سفوحا

فأوسع بيضة الدين انصداعا *** وعطل في القصاص لها جروحا

تكفنه العواصف بين قوم *** ثلاثاً لا تشق له ضريحا

وفاح شذى الامامة من محيّاً *** عليه دم الشهادة قد أفيحا

بيوم جرعته دماء حرب *** على ظمأ وحُرّم ما أبيحا

وزلزلها موطدة رعانا *** يميل بها له قدر أتيحا

أجلّك أيها البطل المسجّى *** ثلاثاً أن تبيت لقى جريحا

مسجّى بالثرى وعداك قسراً *** بصدرك أجرت الفرسَ الجموحا

عدىً أفنت ضلوعك بالعوادي *** لقد أفنت من التنزيل روحا

تمنّت أنها أفنتك ظلماً *** على حنق بها جسداً وروحا

وروح اللّه حين بكاك عيسى *** تشرّف فيك عند اللّه روحا

وله :

أيوم الطف طرت بها شعاعا *** نفوساً سلّها الجزع التياعا

وجزت ببكر خطبك كل خطب *** يسوم الطود أيسره انصداعا

سليباً تستمد الشمس منه *** إذا بزغت بضاحية شعاعا

صريعاً تشكر الهيجاء منه *** إذا التفت به البطل الشجاعا

فأصبح في جنادلها عفيرا *** يشرّف فضل مصرعه البقاعا

وأبنية يمنّع في حماها *** طريد بني الجرائم أن يراعا

فأمست والتهاب النار فيها *** يحط قواعداً علت ارتفاعا

أيدري الدهر أي دم أضاعا *** وأي حمى لآل اللّه راعا

وقال :

خولف المختار في عترته *** أهل بيت الوحي براً وولاءا

ص: 210

وأقام الدين فيهم فابى *** قومه في آله إلا الجفاءا

أوردوهم كدر العيش إلى *** أن أعدّوهم دم النحر ظماءا

وأجالوا الخيل حتى طحنت *** خامس الغر الالى حلّوا الكساءا

طحنت صدر ابن بنت المصطفى *** يوم في غرّ الهدى سنّ الأباءا

بأبي الثاوين لا يندبهم *** غير برح الحرب صبراً وبلاءا

وثوت والدين يدعو حولها *** هكذا من لبس الفخر رداءا

تلك أعلام الهدى سحب الندى *** وليوث الحرب عزماً ولقاءا

ومغاوير الحفيظات إذا *** قذفوا الرعب المغاوير وراءا

عانقت من دونه بيض الظبى *** لم يعانق رغدها البيض الظباءا

ووقته الطعن حتى قطّرت *** والقنا فيها اعتدالاً وانحناءا

في مراضي أغلب أوردها *** مورد العزة بدءاً وانتهاءا

بأبي الفادي سنا حوبائه *** دون ايضاح الهدى حتى أضاءا

واقرّوه على الرمضا لقى *** يتردى من ثرى الطف كساءا

نسج الريح عليه كفناً *** فاكتسى الرمل بمثواه بهاءا

ونواع حوله تدعو أسىً *** بقتيل لم يجب منها الدعاءا

وله :

يا راقداً عن بعثه بطراً *** أرأيت بعث معاشر رقدوا

بولاء آل محمد علقت *** لك يا رهين الموبقات يد

بالطيبين ولم يطب أبداً *** من في سواهم قط يعتقد

تأمين أقصى الصبر يوردهم *** محناً يزول لبعضها أحد

ما بين منفطر الحشا حرقاً *** أودى فغيّب جسمه الكمد

ودفينة سراً أبت سحراً *** من أن يشيّع نعشها أحد

دفنت وغصتها بمهجتها *** تغلي الفؤاد فينضج الكبد

ص: 211

وصريع محراب يعممه *** سيف ابن ملجم بالردى يفد

وبسمّ جعدة قطعت كبد *** يرنو اليها الواحد الصمد

وبكربلا نُحرت على ظمأ *** فئة عليها الماء قد رصدوا

من كل بدر تقى إذا انتصبت *** خيم الهدى فبه لها عمد

وركين معركة إذا رجفت *** فكأنه في قلبها وتد

ولجَ القتام كأنه قمر *** ونحا الصدام كأنه أسد

يرد الردى من دون سيده *** فكأنه صافي الروى يرد

صبروا نفوس أكارم سلبت *** تحت العجاجة والقنا قصدوا

بفناء منقطع القرين ثووا *** وبحفظ عزة مجده انفردوا

وبجنب مصرع قدسه نحروا *** فلذاك في درجاته صعدوا

حشدت عليه ألوفهم فأتى *** يفني القبائل وهو منفرد

في جحفل من نفسه شرق *** بالسيف لا يحصى له عدد

من معشر لم يخلفوا أبداً *** لله ما عهدوا وما وعدوا

أودى ولا في سيفه كلل *** وهوى ولا بقوامه أوَد

وقال :

وأقمار رشد لوعدا البغي تمّها *** لما عولجت في كربلا بخسوف

سليبة أبراد الشهادة في ثرى *** يمور عليها في هجير صيوف

يرمّلها فيض الدماء فتكتسي *** بسورة نكباء الرياح عصوف

لدى جسد صكّ الصناديد فانثنت *** ألوف توقّى بأسه بألوف

ألا قد قضى ابن المصطفى متلافياً *** بقايا الهدى صبراً بشمّ انوف

وسلّ سيوف الرشد ساخطة على *** بغاة على الشرك القديم عكوف

وينظر صرعى يعلم المجد أنهم *** معاقله من تالد وطريف

صريعاً تواريه الأسنة لمّعاً *** بأطراف مرّان عليه قصيف

ص: 212

وله :

قد خفروا من محمد ذمماً *** ما خفروها لغير محمود

وجرعوا آله ببيض ظبى *** كأس الردى في المواقف السود

كأن جاري دما نحورهم *** فيض نداهم بموطن الجود

من كل ذي غرة له جلبت *** كل المعالي بحشد محشود

بادي المحيا إذا الوغى التهبت *** خاض لظاها ببأس صنديد

يستعرض البيض في سنا قمر *** من وجه باديه غير رعديد

قد قلّد الدين من صنائعه *** يوم الوغى أشرف المقاليد

* * *

ص: 213

السيد علي الأمين

المتوفى 1328

قال مخمساً أبيات السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1325 وأصل الأبيات في مدح أمير المؤمنين علي :

بنفسي الحسين سقته عداه *** كؤوس المنون وساقت نساه

فقل للوصي وحامي حماه *** أبا حسن أنت عين الاله

فهل عنك تعزب من خافيه

أما هتفت بك بين الطغاة *** نساك وأنت حمى الضائعات

وأنت المرجّى لدى النائبات *** وأنت مدير رحى الكائنات

وإن شئت تسفع بالناصيه

أتقعد يا سيد الأوصياء *** ووترك بين بني الأدعياء

وتجثو وذا الكرب يقفو البلاء *** وأنت الذي امم الأنبياء

لديك إذا حشرت جاثية (1)

السيد علي السيد محمود الأمين كان عالماً محققاً مدققاً فقيهاً اصولياً قوي الحجة. ترجم له السيد الأمين في الأعيان فقال : كان ورعاً شاعراً أديباً نقاداً للشعر مهيباً مطاعاً نافذ الكلمة محمود النقيبة اتفقت على حبه وتعظيمه

ص: 214


1- ظرافة الأحلام في النظام المتلو في المنام ، للشيخ محمد السماوي ، مرّ في صفحة 104 قصة هذه الابيات والحلبة الشعرية حولها ومنهم السيد المترجم له.

جيمع الناس من جميع المذاهب. ولد في شقرا من قرى جبل عامل - لبنان في حدود سنة 1276 وتوفي ليلة السبت 11 شوال 1328 ه فيكون عمره نحواً من اثنين وخمسين سنة قضاها في خدمة العلم إفادة واستفادة وتأييد الدين وقضاء حوائج المؤمنين. وبعدما حفظ القرآن في مدة يسيرة ولما يبلغ السبع تفرغ لطلب العلم وتوجه للنجف في حدود سنة 1290 وعمره نحو 14 سنة وكان يقول : بلغت الحلم في النجف فقرأ علوم العربية والاصول على الشيخ احمد ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر - الذي كان وحيداً في توقد الذهن وطيب الأخلاق ، كما قرأ على الشيخ محمود ذهب ، هذا في السطوح وأما درس الخارج فقرأ في الفقه والاصول على الفقيه الشيخ اغا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه وغيره من المصنفات وعلى الشيخ محمد حسين الكاظمي صاحب هداية الأنام في شرح شرائع الاسلام ، وفي الاصول على الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وغيرها ، وتخرج على يده في العراق ولبنان عدد كثير من العلماء والفضلاء وكان يقول : باحثتُ المطول للتفتا زاني أربع عشرة مرة ، وبقي في النجف الأشرف في خدمة العلم نحواً من إحدى وعشرين سنة ، وهذه ألوان من شعره ، قال مخمساً بيتين لبعض المتقدمين في مشهد الحوراء زينب بنت امير المؤمنين (عليه السلام) بقرية راوية من دمشق الشام :

لبنت خير الورى طراً وبضعته *** قبرٌ ملوك الورى تعنو لهيبته

فقلت مذ فزت في تقبيل تربته *** مَن سره أن يرى قبرا برؤيته

يفرج اللّه عمن زاده كربه

فذا إذا الطرف من بُعد تبيّنه *** رأى من العالم العلوي أحسنه

ومن يرم إن دهاه الخوف مأمنه *** فليأت ذا القبر إن اللّه أسكنه

سلالة من رسول اللّه منتجبه

روى السيد الأمين في الأعيان جملة من مراسلاته وما قيل في رثائه من النظم تغمده اللّه برحماته.

ص: 215

الشيخ عبّود الطريحي

المتوفى 1328

الشيخ عبود الحاج سالم الطريحي شاعراً أديباً ظريفاً حاضر النكتة فكه الحديث ، ولد بالنجف عام 1285 وشبّ ونمى بين أديب وعالم ومؤرخ وتدرج على الخطابة مضافاً إلى الكسب ويلازم ديوان أبيه الشاعر الكبير الحاج سالم وهو حافل كل ليلة بالادباء والعلماء فمن حيث يريد ولا يريد نظم الشعر وبرع فيه ، فمن مرتجلاته في شهر رمضان :

أقبل شهر اللّه قم واستعد *** لصومه مع التقى والصلاح

شهر به الرحمة قد أنزلت *** فأطلب به الرحمة وأرج السماح

دع الملاهي عنك وادعو به *** دعا لنهار ، ودعا الافتتاح

ومرّ يحمل كمية من ( الخيار ) وذلك في تموز فجاء به لأهله وارتجل :

قد ذاب قلبي من هوى تموز *** من حرّه قد جفّ ماء الكوز

في السوق ( رقيٌ ) وإني مفلس *** بردته بخيارة العطروز

نظم في الغزل قصيدة مطلعها :

رق ماء الحسن في الخدّ الأسيل *** من غزال ناعس الطرف كحيل

ترجم له عبد المولى الطريحي في ( الاسرة الطريحية ) والخاقاني في شعراء الغري وذكر له مقطوعة شعرية في الإمام الحسين (عليه السلام) أولها :

إذا شئت النجاة من العقاب *** ومن هول القيامة والحساب

فبادر للحسين وقف وسلّم *** عليه بانكسار وانتحاب

ص: 216

الشيخ حسين الكربلائي

المتوفى 1328

قال من قصيدة في رثاء الامام الحسين علیه السلام مطلعها :

ألا مَن مجيري من عيون فواتر *** لعبن بألباب الكماة القساور

إلى أن يتخلص لفاجعة كربلاء فيقول : *** قضى ضامياً في الطف سبط محمد

خميص الحشا تحت القنا المتشاجر *** بأهلي ونفسي صادي القلب طاوياً

ومن دمه تروى شفار البواتر *** رمته بنو حرب بأسهم بغيها

وليس لديه من محام وناصر *** نسوا جده الهادي النبي وضيعوا

- بقتلهم السبط - قربى الأواصر *** بعتبة جاؤا يطلبون بثأرهم

من اللّه لا من حيدر يوم عاشر

* * *

ترجم له صديقنا الأديب سلمان هادي الطعمة وذكر له جملة من النوادر وشيئاً من الشعر في الغزل ويكفينا أن أشرنا اليها ، كما ترجم له الشاب الاستاذ موسى الكرباسي في مؤلفه : البيوتات الأدبية في كربلاء ، ويؤسفنا أن هذا الكتاب لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته من أغلاط مطبعية أما الشعر فيكاد أن يكون ممسوخاً. أملنا العناية بالكتاب في الطبعة الثانية بعون اللّه.

ص: 217

السيد مهدي البغدادي

اشارة

المتوفى 1329

شاهد هلال المحرم فقال :

تنهلّ أدمع مقلتي *** إن قيل لي هلّ المحرم

ما إن ذكرت مصيبة *** لكنما ذكراه مأتم

وشاهد مأتما لعزاء الإمام الحسين قد أقامه أحد العلويين وضرب خيمة على المأتم فقال :

ضرب الرواق يقيم مأتم جده *** وهو الحقيق بأن يقيم المأتما

متصدراً في دسته فكأنه *** شخص النبي مخاطباً ومكلما

* * *

السيد مهدي البغدادي النجفي الشهير بأبي الطابو ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام). ولد ببغداد عام 1277 ه وهاجر أبوه إلى النجف فحمله معه ونشأ بها فدرس المقدمات من نحو وصرف ومنطق وبلاغة ، ذكره جمع من الاعلام منهم ( صاحب الحصون ) ومال إلى قرض الشعر ، وكان رحمه اللّه رقيق الروح خفيف الطبع ، ولع آخر حياته بالزراعة ، ومن آثاره الأدبية منظومة في المعاني والبيان أسماها ( اللؤلؤ والمرجان ) ومن ملحه ونوادره أن الخطيب الشيخ كاظم سبتي لما هاجر من النجف إلى بغداد حصلت منافسة بينه وبين خطيب بغداد السيد عباس الموسوي وانقسم البغداديون شطرين بين هذين الخطيبين واحتكموا إلى المترجم له فقال :

ص: 218

أترجوا الخير من همج رعاع *** قد ابتدلوا بعباس ( ابن سبتي )

فكانوا يسجدون إذا رأوه *** ولا عجب فهم أبناء سبت

ومن مرتجلاته أن السلطان ناصر الدين شاه لما زار النجف أهدى ( عصى ) إلى بعض العلماء فقال السيد مهدي :

عصاً كعصى موسى ولكن تقلها *** يدٌ طالما أحيت مكارمها الخضرا

وقد قال قوم إنها سحر ساحر *** فقلت اخسؤا هذي التي تلقف السحرا

ترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري فذكر جملة من بنوده ورسائله ومحاسن تواريخه التي نظمها في مناسبات تاريخية وحوادث ذات شأن وألواناً من شعره في الغزل والفخر والحماسة فهو يتحمس في قصيدة جاء في أولها :

بماضي رهيف العزم أقتحم الصعبا *** وبالهمة القعساء أقتلع الهضبا

عليّ أثام العرب إن ضلّ صارمي *** ولم يحتلب غلب الرقاب له شربا

وله الكثير من أدب المراسلات وأكثرها مع المرحوم السيد حسين القزويني ، فقد قال في مراسلة عام 1320 هذا أولها :

صنت سمعي عن عاذل فيك لاحي *** ظن بالعذل يستلين جماحي

تربت كفه فقد رام أمراً *** دونه وقع داميات الصفاح

أين حال الخليّ من ذي صبا *** بات برت جسمه كبري القداح

قد رمته يد الغرام سهاماً *** بات منها على أمضّ جراح

لا تلمني فلست أول صبٍّ *** دنف القلب وهو في جسم صاح

إن صبا فهو لا إلى المقل النجل *** وإن هام لا بذات الوشاح

عمرك اللّه هل تعود ليال *** هي أصفى من الزلال القراح

وأما والهوى وخمر ثناياك *** ولالاء جيدك الوضاح

ص: 219

ما بأرض الغري بعدك يحلو *** في عبوقي ولا يلذّ اصطباحي

أرقب الثاقبات والليل داج *** لم أخله ينشق عن إصباح

وإذا ناحت الحمامات في فرع *** أراك شاطرتها بالنياح

أترى أجلب الليالي صفاءاً *** ومن الهم أترعت أقداحي

ذهبت بهجة الزمان وولّت *** جدّة العمر وانطفى مصباحي

أيها الممتطي جسوراً من النيب *** تلفّ الحزون لفّ البطاح

لا يشق النسيم منها غباراً *** بغدوٍّ إن أدلجت ورواح

خض بها غامض السرى واقتعدها *** وأقمها بالمندل النفاح

بربوع شقيقهن خدود *** بغوان يبسمن لا عن أُقاح

جدّ قلب المشوق فيها ولوعاً *** بنفور لا بالحسان الملاح

علم الصبر أنني فيه حرٌ *** لم أدع ما عليه ضمت جناحي

ولو أني جزعت ما غلبتني *** ببكاء حمامة أو نياح

إن قلبي من الزمان جريح *** وجريح الزمان صعب الجراح

سل ربوع الغري هل لاح فيها *** بعد فقد الحبيب ضوء الصباح

أين شملي أم أين مجمع أُنسي *** فكأني قد كنت في ضحضاح

تعليق :

أقول والضحضاح هو القليل من الماء الذي لا يغمر القدم ، فلا تطلق العرب كلمة : ضحضاح إلا على الماء القليل ، ولكن المغيرة بن شعبة وهو المعروف ببغضه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، اختلق حديثاً كاذباً فزعم أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : إن عمي أبا طالب في ضحضاح من نار. أبو طالب هو المحامي الأول عن بيضة الاسلام وهو الكافل للنبي والمدافع عنه بالنفس والمال والأهل والعشيرة وهو القائل كما رواه الالوسي في شرح القصيدة المطولة :

كذبتم وبيت اللّه نخلي محمداً *** ولما نطاعن دونه ونناضل

ص: 220

لعمري لقد كلّفتُ وجداً بأحمد *** وأحببته حب الحبيب المواصل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

تطوف به الهلاك من آل هاشم *** فهم عنده في نعمة وفواضل

ويقول :

إصدع بأمرك ما عليك غضاضة *** وافرح وقرّ بذاك منك عيونا

واللّه لن يصلوا اليك بجمعهم *** حتى أُوسدّ في التراب دفينا

ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا

ودعوتني ، وعلمت أنك صادق *** فيما تقول ، وكنتَ ثمّ أمينا

ويقول - كما رواه البخاري في تاريخه الصغير :

لقد أكرم اللّه النبي محمداً *** فاكرم خلق اللّه في الناس احمد

وشقّ له من اسمه ليجلّه *** فذو العرش محمود وهذا محمد

ثم يخاطب أخاه الحمزة بن عبد المطلب ويقول :

صبوراً أبا يعلى على دين احمد *** وكن مظهراً للدين وفّقتَ صابرا

فقد سرني إذ قيل أنك مؤمن *** فكن لرسول اللّه في اللّه ناصرا

ثم يخاطب ولديه ، علي وجعفر :

إن عليا وجعفراً ثقتي *** عند ملمّ الخطوب والنوب

واللّه لا أخذل النبي ولا *** يخذله من بنيّ ذو حسبِ

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما *** أخي لامي من بينهم وأبي

تتمة ترجمة الشاعر :

الظاهر من شعره - والشعر مرآة قاله - انه كان قوي الشخصية صارم الارادة يقول الخاقاني في شعراء الغري : وله قصص تعرب عن ذلك ، ومن العجيب صلته بالعلامة السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني فان أكثر بنوده

ص: 221

ورسائله وشعره ومراسلاته هي في السيد حسين ولكن يخفف العجب أن هذه الاسرة الكريمة أعني آل القزويني تتحلى بالظرف والأدب وسماحة النفس وطيب السريرة وحسن السيرة. مضافاً إلى أن المترجم له كان تلميذاً للسيد العلامة السيد حسين فهو يحفظ له هذا الحق وهو حق التلمذة. ذكر الخاقاني للمترجم له ثمانية بنود وجملة من الرسائل وعشرات من التواريخ والمراسلات ولنستمع اليه يؤرخ حبيبه وأليفه العلامة السيد حسين القزويني بقوله :

مررت على قبر الحسين وإنني *** لفي عجب كيف التراب يواريه

ومَن وسع الدنيا علوما ونائلا *** فكيف استطاعت هذه الأرض تحويه

تضمن هذا القبر بحرين : من ندى *** وعلم وكل منهما مدّه فيه

فما إن تغشاه التراب وإنما *** بأنواره باريه أرخ ( يغشيه )

وأورد نماذج من رجزه ومنظومته في ( الشطرنج ) ومدح ورثاء وغزل يتكون منها ديوان قائم بنفسه ، ومن ثنائياته قوله في مقام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمسجد الكوفة ، وهو المكان الذي استشهد فيه علیه السلام :

وعجبت من قوم قد ادعت الولا *** للمرتضى صنو النبي محمد

أن لا تسيل نفوسهم في موضع *** سالت عليه دماء أكرم سيد

أو لم تكن تدري بأن إمامها *** لاقى الحمام هنا بسيف الملحد

ص: 222

السيد باقر الهندي

اشارة

المتوفى 1329

قال يرثي مسلم بن عقيل بن أبي طالب :

بكتك دماً يابن عمّ الحسين *** مدامع شيعتك السفاحه

ولا برحت هاطلات العيون *** تحييك غادية رائحه

لأنك لم ترو من شربة *** ثناياك فيها غدت طائحة

رموك من القصر إذ أوثقوك *** فهل سلمت فيك من جارحه

وسحبا تجرّ بأسواقهم *** ألستَ أميرهم البارحه

قُتلتَ ولم تبكك الباكيات *** أمالك في المصر من نائحه

قُتلتَ ولم تدرِ كم في زرود *** عليك العشية من صائحه

وصدرها الخطيب الأديب الشيخ قاسم ابن الشيخ محمد الملا ب 14 بيتاً ، وذيّلها ب 4 أبيات ، وأتمها الشاعر الشيخ محمد رضا الخزاعي ب 9 أبيات على الوزن وهذا تصدير الشيخ قاسم :

لحيّكم مهجتي جانحه *** ونحوكم مقلتي طامحه

واستنشق الريح إن نسّمت *** فبالأنف من نشركم فائحه

وكم لي على حيكم وقفة *** وعينيَ في دمعها سابحه

تعاين أشباح تلك الوجوه *** فلا برحت نحوكم شابحه

وكم ضبيات بها قد رعت *** بقيصوم قلبي غدت سارحه

ص: 223

وكم ليلة بسمار الحبيب *** شؤون الغرام لها شارحه

تقضّت ومن لي بها لو تعود *** فكيف وقد ذهبت رائحه

وعدت غريباً بتلك الديار *** أرى صفقتي لم تكن رابحه

كما عاد مسلم بين العدا *** غريباً وكابدها جائحه

رسول حسين ونعم الرسول *** اليهم من العترة الصالحه

لقد بايعوا رغبة منهم *** فيا بؤس للبيعة الكاشحه

وقد خذلوه وقد أسلموه *** وغدرتهم لم تزل واضحه

فيا بن عقيل فدتك النفوس *** لعظم رزيتك الفادحه

لنبك لها بمذاب القلوب *** فما قدر أدمعنا المالحه

والتذييل :

وكم طفلة لك قد أعولت *** وجمرتها في الحشى قادحه

يعززها السبط في حجره *** لتغدو في قربه فارحه

فأوجعها قلبها لوعة *** وحست بنكبتها القارحه

تقول مضى عمّ مني أبي *** فمن ليتيمته النائحه

* * *

السيد باقر ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الهندي الموسوي النقوي الرضوي النجفي ، عالم فاضل وأديب شاعر ظريف لطيف حسن الأخلاق حلو المعاشرة ذكي لامع نظم فأبدع وسابق فحلّق وله مراثي كثيرة في أهل البيت لا زالت تقرأ وتعاد في مجالس العزاء ويحفظها الجمّ الكثير من رواد المجالس حتى العوام ، سمعت من علماء النجف أنه كان إذا حدّث لا يملّ حديثه وينظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ، فمن شعره قوله :

بزغت فلاح البشر من طلعاتها *** والسعد مكتوب على جبهاتها

بيض كواعب في شتيت ثغورها *** قد كان للعشاق جمع شتاتها

ص: 224

وافت كأمثال الظباء وبينها *** ذات الدلال دلالها من ذاتها

نجدية بدوية أجفانها *** سرقت من ألارام لحظ مهاتها

نشرت على أكتافها وفراتها *** شمسِ سمات الحس دون سماتها

كالبيض في سطواتها والسحر في *** وخزاتها والريم في لفتاتها

سلّت صحيفة مقلة وسنانة *** حتى رأينا الحتف في صفحاتها

وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فقال : هو أبو صادق ينتهي نسبه إلى الإمام علي الهادي علیه السلام ، شاعر شهير وأديب كبير وعالم مرموق. ولد في النجف الأشرف 1284 ونشأ بها على أبيه وفي عام 1298 سافر بصحبة والده إلى سامراء لتلقى العلم من الإمام الشيرازي ثم رجع مع أبيه سنة 1311 وعندما حلّ في سامراء أخذ الفقه والاصول من بعض الأساتذة.

ذكره فريق من الباحثين منهم صاحب الحصون المنيعة ونعته بالعالم الفاضل الأديب الكامل ، المنشيء الشاعر وذكر جملة من أساتذته ، أقول وأعطاني المرحوم السيد حسين ولد المترجم له ورقة فيها ترجمة شاعرنا وقال لي : إني كتبتها بخطي وحسب ما أعرف عن المترجم له وفيها : العلامة الفقيه الحكيم المتكلم السيد باقر نجل آية اللّه السيد محمد الهندي. ولد في غرة شعبان 1284 ونشأ منشأ طيباً في زمن صالح وتعلّم القرآن والكتابة في مدة يسيرة وكان مولعاً بالامور الاصلاحية وله في ذلك مواقف مشهودة وله مؤلفات لم تزل مخطوطة نحتفظ بها ، منها رسالة في ( حوادث المشروطة ) فيها ما يهم رجال الاصلاح والدعاة المصلحين كما كتب في الأخلاق. وكان شديد الولاء لأهل البيت علیهم السلام عظيم التعلّق بمودتهم ، وفي الليلة الثالثة من جمادى الثانية في سني إقامتنا بسر من رأي ، رأى في المنام كأنه جالس بحضرة وليّ الأمر وصاحب العصر وهو في قصر مشيد فجعل يخاطبه قائلاً : سيدي هل يغيب عنك ما حلّ باسرتك الطاهرة ولو لم يكن إلا ما جرى على امك الزهراء ، فحنّ الإمام علیه السلام والتفت اليه قائلاً :

ص: 225

لا تراني اتخذتُ لا وعلاها *** بعد بيت الأحزان بيت سرور

ثم بكيا معاً حتى انتبهنا من النوم بصوت بكائه ونبهناه فقص علينا الرؤيا فاستشعر الوالد من ذلك صحة هذه الرواية ( يعني وفاة الصديقة في الثالث من جمادى الثانية ) لذا نظم على وزن هذا البيت قصيدته الشهيرة والتي أولها :

كل غدر وقول إفك وزور *** هو فرع عن جحد نص الغدير

واشار الى ذلك بقوله :

أفصبراً يا صاحب الأمر والخطب *** جليل يذيب قلب الصبور

كيف من بعد حمرة العين منها *** يا بن طه تهنأ بطرف قرير

فكأني به يقول ويبكي *** بسلوٍّ نزر ودمع غزير

لا تراني اتخذت لا وعلاها *** بعد بيت الاحزان بيت سرور

واليك المقطع الأول من القصيدة :

كل غدر ، وقول إفك وزور *** هو فرع عن جحد نصّ الغدير

فتبصّر تُبصر هداك إلى الحق *** فليس الأعمى به كالبصير

ليس تعمى العيون لكنما تعمى *** القلوب التي انطوت في الصدور

يوم أوحى الجليل يأمر طه *** وهو سار أن مُر بترك المسير

حطّ رحل السرى على غير ماء *** وكلا في الفلى بحرّ الهجير

ثم بلّغهم وإلا فما بلّغتَ *** وحياً عن اللطيف الخبير

أقم المرتضى إماماً على الخلق *** ونوراً يجلو دجى الديجور

فرقى آخذاً بكفّ علي *** منبراً كان من حدوج وكور

ودعا والملا حضور جميعاً *** غيّب اللّه رشدهم من حضور

إن هذا أميركم ووليّ الأ *** مر بعدي ووارثي ووزيري

هو مولىً لكل مَن كنت مولاه *** من اللّه في جميع الامور

ص: 226

فأجابوا بألسن تظهر الطاعة *** والغدر مضمر في الصدور

بايعوه وبعدها طلبوا البيعة *** منه ، لله ريب الدهور

وقوله في مدح الإمام أمير المؤمنين علیه السلام من رائعة تتكون من 90 بيتاً وهذا المقطع الأول :

ليس يدري بكنه ذاتك ما هو *** يا بن عمّ النبي إلا اللّه

ممكن واجب حديث قديم *** عنك تنفى الأنداد والأشباه

لك معنى أجلى من الشمس لكن *** خبط العارفون فيه فتاهوا

أنت في منتهى الظهور خفيّ *** جلّ معنى علاك ما أخفاه

قلت للقائلين في أنك اللّه *** أفيقوا فاللّه قد سوّاه

هو مشكاة نوره والتجلّي *** سرّ قدس جهلتم معناه

قد براه من نوره قبل خلق *** الخلق طراً وباسمه سماه

وحباه بكل فضل عظيم *** وبمقدار ما حباه ابتلاه

أظهر اللّه دينه بعلي *** أين لا أين دينه لولاه

كانت الناس قبله تعبد الطاغوت *** رباً ، والجبتُ فيهم اله

ونبيّ الهدى إلى اللّه يدعو *** هم ولا يسمعون منه دعاه

سله لما هاجت طغاة قريش *** مَن وقاه بنفسه وفداه

مَن جلا كربه ومَن ردّ عنه *** يوم فرّ الأصحاب عنه عَداه

مَن سواه لكل وجه شديد *** عنه مَن ردّ ناكلا أعداه

لو رأى مثله النبي لما *** وآخاه حياً وبعده وصّاه

قام يوم الغدير يدعو ، ألا من *** كنت مولى له فذا مولاه

ما ارتضاه النبي من قِبلِ النفس *** ولكنما الاله ارتضاه

غير أن النفوس مرضى ويأبى *** ذو السقام الدوا وفيه شفاه

ص: 227

وقوله مفتخراً من قصيدة ضاع أكثرها وهذا مطلعها :

لو لم تكن جُمّعت كل العلى فينا *** لكان ما كان يوم الطف يكفينا

يوم نهضنا كأمثال الأسود به *** وأقبلت كالدبى زحفاً أعادينا

جاؤا بسبعين ألف سل بقيتهم *** هل قاومونا وقد جئنا بسبعينا

وقال في إحدى روائعه رائياً آية اللّه العظمى الميرزا حسن الشيرازي وأولها :

خلا العصر ممن كان يصدع بالأمر *** فدونك دين اللّه يا صاحب العصر

أيحسن أن يبقى كذا شرع أحمد *** بلا نهي ذي نهيٍ مطاع ولا أمر

عَفاً لكِ سامراء كم فيك غيبة *** تغضّ جفون الدين منها على جمر

ففي الغيبة الاولى ذعرنا ولم نقم *** وفي الغيبة الاخرى أقمنا على الذعر

مرض في أواخر شهر ذي الحجة الحرام من سنة ثمان وعشرون بعد الثلثمائة والألف من الهجرة وانتقل إلى جوار ربه أول يوم من المحرم من السنة التاسعة والعشرين بعد الثلثمائة والألف ودفن بجوار والده في دارنا التي نحن فيها الآن (1) وإلى ذلك أشرتُ بقولي في رثائه :

نفسي فداؤك من قريب نازح *** أوحشتني إذ صرتَ من جيراني

أعقب من الأولاد : العلامة السيد صادق والعلامة السيد حسين وهذان السيدان عاصرتهما وزاملتهما وهما من أطيب الناس سيرة وأسلمهم سريرة سألتهما عن عمر أبيهما فقالا : قضى وعمره 45 عاماً ورثاه الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة أولها :

أتى الافق مبرياً فقيل هلاله *** ولو قيل قوس صدّقته نباله

ورثاه شقيقه العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي بقصيدة أولها :

ما كا ضرّ طوارق الحدثان *** لو كان قبلك سهمهن رماني

يا ليت أخطاك الردى أو أنه *** لما أصابك لم يكن أخطاني

ص: 228


1- أقول وتقع بمحلة الحويش إحدى محالّ النجف الأشرف.

ومنها :

يا أولاً في المكرمات فما له *** فيها وعنها في البرية ثاني

يا واحداً فيه اتفقن مكارم *** لم يختلف في نقلهن اثنان

يا لهجة المداح بل يا بهجة *** الارواح بل يا مهجة الايمان

بمَ يشمت الأعداء بعدك لا غفوا *** إلا على حسك من السعدان

ببقاء ذكرك في الزمان مخلّداً *** أم بالفناء ، وكل حيٍ فان

فليشمتوا فمصاب آل محمد *** مما يسرّ به بنو مروان

فارقتنا في شهر عاشوراء *** فاتصلت به الأحزان بالأحزان

نبكي المغسّل بالقراح وتارة *** نبكي المغسلَ بالنجيع القاني

وننوح للمطويّ في أكفانه *** أو للطريح لقىً بلا أكفان

ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة قال : كان فاضلاً في جملة من العلوم حسن المعاشرة مع طبقات الناس فمن قوله :

أُحدّث نفسي إنني إن لقيته *** أبثّ اليه ما أُلاقي من الضرّ

فلما تلاقينا دهشت فلم أجد *** عتاباً فأبدلت المعاتيب بالعذر

وأرخ وفاة والده الحجة السيد محمد بقوله :

يا زائراً خير مرقد *** له الكواكب حُسّد

سلم وصلّ وأرخ *** وزر ضريح محمد 1323

ص: 229

الشيخ يعقوب النجفي

المتوفى 1329

من شعره في الحسين :

لقد ضربت فوق السماء قبابها *** بنو مَن سما فخراً لقوسين قابها

فكانت لعلياها الثريا هي الثرى *** غداة أناخت بالطفوف ركابها

وثارت لنيل العز والمجد وامتطت *** من العاديات الضابحات عرابها

لقد أفرغت فوق الجسوم دلاصها *** كأن المنايا ألبستها إهابها

وقد جردت بيض الصفاح أكفها *** وهزت من السمر الصعاد كعابها

أعدت صدور الشوس مركز سمرها *** طعاناً وأجفان السيوف رقابها

سطت وبها ارتجت بأطباقها الثرى *** وكادت رواسي الأرض تبدي انقلابها

ولما طمت في الحرب للموت أبحرٌ *** غدت خيلها منها تخوض عبابها

وحين عدت منقضة في عداتها *** تولّت كطير حين لاقى عُقابها

فكم أطعمت أرماحها مهج العدا *** فما كان أقرى طعنها وضرابها

إلى أن بقرع الهام فلّت شبا الظبا *** ودقت من الأرماح طعناً حرابها

هوت وبرغم الدين راحت نحورها *** تعدّ الأسياف الظلال قرابها

قضت عطشاً ما بلّ حرّ غليلها *** شراب وفيض النحر كان شرابها

ألا يا برغم الدين تنشب ظفرها *** أمية في أحشاء طه ونابها

فما عذرها عند النبي وآله *** وقد صرعتهم شيبها وشبابها

فيا بأبي أشلاء آل محمد *** عوار نسجن الذاريات ثيابها

ص: 230

فتلك بأرض الطف صرعى جسومها *** وارؤسها بالميد تتلو كتابها

ورأس ابن بنت الوحي سار أمامها *** وشيبته صار النجيع خضابها

يميل به المياد يمنى ويسرة *** فقل للويّ فيه تلوي رقابها

وأعظم خطب للعيون أسالها *** كما سال يمٌ ، والقلوب أذابها

ركوب النساء الفاطميات حسراً *** على النيب إذ ركبن منها صعابها

إذا هتفت تدعو بفتيان قومها *** فبالضرب زجر بالسياط أجابها

تعاتبهم والعين تهمي دموعها *** فيا ليت كانوا يسمعون عتابها

بني غالب هلا ترون نساءكم *** وقد هتكت آل الدعي حجابها

فيا ليتكم كنتم ترون خدورها *** غداة أباح الظالمون انتهابها

أترضون بعد الخدر تسبى كأنكم *** بتلك المواضي لم تحوطوا قبابها

وهاتيكم من آل أحمد صبية *** رأت من عداها بعدكم ما أشابها

مصائبكم جذت سواعد هاشم *** وقد دكدكت لما أطلّت هضابها

فهل يصبرن قلب على حمل بعضها *** ولو أنه مسّ الصفا لأذابها

بني أحمد يا من بهم شرعة الهدى *** أقيمت وأوتوا فصلها وخطابها

وما الناس يوم الحشر إلا بأمركم *** تنال ثواباً أو تنال عقابها

ألا فأغيثوني هناك فانكم *** غياث البرايا كلما الدهر نابها

* * *

الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر ابن الشيخ حسين ابن الحاج ابراهيم النجفي الأصل والمولد والنشأة. ولد في النجف سنة 1270 ه وكان سادس اخوته وأصغرهم سناً وأقربهم إلى أبيه مكانة ، توسم أبوه فيه الذكاء والرغبة بطلب العلم فسهر على تربيته ، ويرجع الفضل للعلامة الحجة السيد مهدي القزويني في تنمية ملكاته العلمية والأدبية ثم لازم حضور منبر الواعظ الشهير والعلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري فقد كان من النفر الذين دونوا الكثير من إملاته

ص: 231

وارشاداته ومن المنتفعين بفوائده وفرائده وهو الذي شجعه على تعاطي الخطابة وممارسة الوعظ لما لمسه فيه من تضلعه في علمي الحديث والفقه وأخبار أهل البيت. ترجم له ولده الخطيب الأديب الشيخ محمد علي في مؤلفه ( البابليات ) وذكر مراحل حياته كما ترجم له صاحب الحصون وقال : هو من خيار الوعاظ في العراق ومن شيوخ قرائها وادبائها ، نجفي المولد والنشأة والمدفن. كان شاعراً بليغاً وأديباً لبيباً ، تخرج في الوعظ على يد العلامة الشهير الشيخ جعفر الشوشتري ، وفي الأخلاق على الملا حسين قلي الهمداني. وترجم له العلامة السماوي في ( الطليعة ) وقال فيما قال : رأيته واجتمعت به وطارحته ، ونظم في الإمام الحسين علیه السلام ( روضة ) مرتبة على الحروف تناهز كل قصيدة منها مائتي بيتاً وتنيف. وفي ( البابليات ) أن للمترجم له ثلاث روضات الاولى في اللغة الفصحى وهي التي أشار اليها السماوي والثانية باللغة الدارجة والثالثة في النوحيات وهي أيضا باللغة الدارجة ، وقد عنيت بنشرهما مطابع النجف ، وأشار شاعرنا للروضة الاولى بقوله من أبيات :

إن تسمو بالمال رجال فقد *** سمت لأوج الفخر بي همتي

نشأت في حجر المعالي إلى *** أن لاح وخط الشيب في لمتي

حسبي نظمي فهو لي شاهد *** عدلٌ وقد قامت به حجتي

إني تنبأت بشعري فما *** من شاعر لم يك من امتي

فليغرفوا من أبحري كلهم *** وليقطفوا الأزهار من ( روضتي )

قام بجمع ديوانه ولده الخطيب الشهير الشيخ محمد علي ورتبه على الحروف حتى إذا ما وقف على حرف الدال حدثت وقعة عاكف وذلك في الحلة أوائل محرم من سنة 1335 فتلف ما جمع وما لم يجمع. توفي المترجم له بالنجف الأشرف عشية الأربعاء ليلة الخميس رابع عشر ربيع الثاني من سنة 1329 ودفن في وادي السلام ، وهذه طائفة من أشعاره. قال في الموعظة وذم الدنيا.

ص: 232

من بات في غفلة والموت طالبه *** فهل يفوت وينجو منه هاربه

جانب هواك لتحضى بالنعيم فهل *** يصلى الجحيم سوى مَن لا يجانبه

إن رمتَ مَنّاً فإن اللّه منزله *** أو رمت صفحاً جميلاً فهو واهبه

أو شئت تأمن من يوم المعاد فبت *** والجفن كالغيث إذ ينهل ساكبه

ففي غد ليس ينجو غير من صحب *** التقوى ومن غدت التقوى تصاحبه

فكيف يلهو امرءٌ عما يراد به *** وللمنية قد سارت ركائبه

هل يؤمن الدهر من مكر ومن خدع *** وتلك طبقت الدنيا مصائبه

وليس يصرفه عما يحاوله *** عذل ويثنيه عنه من يعاتبه

فكن من اللّه في خوف وفي حذر *** إذ لم ينل عفوه إلا مراقبه

وأرخ جملة من الحوادث المهمة فأجاد وأُبدع منها تاريخه لانتصار الجيوش العثمانية على ليونان بقيادة المشير أدهم باشا في عهد السلطان عبد الحميد سنة 1314 ، قال :

سلطاننا عبد الحميد الذي *** صان حمى الاسلام والمسلمين

أعزّ دين اللّه في موقف *** أذل فيه الشرك والمشركين

حرب بها اليونان قد شاهدت *** عاقبة الطغيان عين اليقين

فيها أعان اللّه أجناده *** على العدا واللّه نعم المعين

أوحى له الذكر بتاريخها *** لقد فتحنا لك فتحاً مبين

وقال في صورة للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وجدت في متحف من متاحف اليونان ، أهديت للعلامة السيد محمد القزويني :

ملأ العوالم منه حيدر هيبة *** وبوصفه حارت عقول الناس

عجباً لمن ملأ البسيطة نوره *** وتراه في التصوير في قرطاس (1)

ص: 233


1- لقد نظم جماعة من الشعراء في هذه الصورة تجدون بعضها في ترجمة السيد باقر القزويني المتوفى 1333 في ترجمته الآتية في هذا الكتاب.

وقال مؤرخاً وفاة استاذ العلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري سنة 1303 :

قضى جعفر فالعلم يبكيه والتقى *** ويرثيه محراب ويندب منبر

بكت رزءه شهب السما فتناثرت *** وحق على أمثاله الشهب تنثر

إلى الواحد الفرد التجأنا فجعفرٌ *** قضى شرعه أرخت مذ راح جعفر (1)

وله :

تجود عيوني بالدموع فتغرقُ *** ونار جوى قلبي تشب فتحرقُ

لركب سروا والقلب قد سار إثرهم *** فيا ركبهم مهلاً عسى القلب يلحق

وظل فؤادي من نواهم كأنه *** جناح حمام إذ يرفّ ويخفق

وقد راح يهفو حيث يستاقه الهوى *** اليهم وشوقاً كادت النفس تزهق

وسيان وجدي في الأحبة إن مضوا *** بهم شحطت عين الديار وإن بقوا

لئن عاد شمل الهمّ مجتمعاً بهم *** فقد راح شمل الصبر وهو مفرق

فبتّ ولي قلبٌ يقطّع بالنوى *** وطرف على الأحباب دام مؤرق

ص: 234


1- الشيخ جعفر الشوشتري عالم كبير وواعظ شهير ، طبق العلم على العمل وهو أول من لقب ب ( العالم الرباني ) كان يعظ في صحن الامام أمير المؤمنين علیه السلام فتحضر لاستماع مواعظه مختلف الطبقات حتى الحكام والولاة والقضاء في العهد العثماني وما زال العلماء والوعاظ والخطباء يستشهدون بأقواله ، وله جملة من المؤلفات أشهرها ( الخصائص الحسينية ) يذكر فيه مميزات الامام الحسين وأثر نهضته وفيه من الفلسفة حول ذلك ما لا يوجد في غيره من الكتب التي أُلّفت في الحسين. ولقد تخرج على منبره جماعات من فطاحل العلماء وأكابر الوعاظ وكتبوا مؤلفات واسعة عن منابره وتأثيرها على المجتمع ولا عجب فما خرج من القلب دخل في القلب وما خرج من اللسان لم يتجاوز الأذان ، وقد قيل : ما أحسن الدر ولكن على نحو للفتاة أحسن وما أحسن الموعظة ولكن من المتعظ أحسن وفي الآية الشريفة ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ) وفي الآية الاخرى (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)

وطلّق جفني النوم من غير رجعة *** فبان ولو عادوا يعود المطلق

ووارق عودي يوم فرقتنا ذوى *** فما هو من بعد التفرق مورق

ومدّ دموعي عن دم ذوب مهجتي *** وكيف يمدّ العين ما هو يحرق

لذا احمرّ مني الدمع وابيض مفرقي *** أسى وبعيني اسودّ غربٌ ومشرق

أحنّ وإن بانوا وأحنوا وإن جفوا *** وأبكي وإن ناموا وللصب أرقوا

وأهوى الحمى إذ كان معهدهم به *** وأقلوا النقا إذا منه ساروا وأعنقوا

فإن أشأموا وخداً فاني مشئم *** وإن أعرقوا شوقاً بهم أنا معرق

فلا الماء يحلو بعدهم ويلذّ لي *** ولا العيش مهما عشت وهو منمق

أقول لدهري يوم فرّق بيننا *** أيا دهر للاحباب أنت المفرق

فهل لخليط أسهر الجفن إذ نأى *** إياب وهل للنوم في العين مخفق

فقال ألا للناس طول زمانهم *** لكل اجتماع بعد حين تفرق

فقلت لعينيّ اسكبا أدمعاً دماً *** على جيرة مني صفا العيش رنقوا

ومَن لي بصحب كم هنا لي سائغاً *** بهم مصبح قبل الثنائي ومغبق

فيا عاذلي فيهم ألم تدرِ أنني *** بهم واليهم مستهام وشيق

* * *

ص: 235

الشيخ احمد درويش

المتوفى 1329

الشيخ أحمد درويش علي. برع في مختلف الفنون الأدبية وألّف وصنّف وأصبح أحد أقطاب الأدب في الأوساط العلمية ترجم له السيد الأمين في الأعيان والأديب سلمان هادي الطعمة قال عنه أنه بغدادي الأصل وكان أديباً فاضلاً له كتاب ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) (1) وله ارشاد الطالبين في معرفة النبي والأئمة الطاهرين ، وأثنى عليه الشيخ اغا بزرك الطهراني فقال : هو الشيخ أحمد بن الشيخ درويش علي بن الحسين بن علي بن محمد البغدادي الحائري ، عالم متبحر وخبير ضليع ، ولد في كربلاء عصر عاشوراء 1262 كما رأيته بخطه نقلاً عن خط والده. نشأ محبا للعلم والأدب فجدّ في طلبهما حتى حصل على الشيء الكثير وكان الغالب عليه حبّ العزلة والانزواء وأصبح على أثرهما مصنفاً مكثراً في أبواب المنقول من السير والتواريخ والأحاديث والمواعظ مما يبهج النفوس ويبهر العقول فمن تصانيفه كتابه الكبير ( كنز الأديب في كل فنٍّ عجيب ) سبع مجلدات ضخام ذكر أنه ألّفه في مدة ثلاثين سنة رأيته بخطه الجيد عند ابن اخته وله الدرة البهية في هداية البرية جزئين أحدهما في المواعظ والثاني في الأخلاق وهما بخطه أيضاً عند ابن اخته أيضاً. وكتب عنه البحاثة خير الدين الزركلي في الاعلام. وجاء له من الشعر سواء في رثاء أهل البيت أو في أغراض أُخر أعرضنا عن ذكره أما قصيدته في الإمام الحسين (عليه السلام) التي رواها الكثير فنكتفي بذكر مطلعها وهي تزيد على الثلاثين بيتاً :

عجباً لعين فيكم لا تدمع *** عجباً لقلب كيف لا يتصدع

ص: 236


1- أقول ورأيت من هذا الكتاب في مكتبة الآثار ببغداد عدة مجلدات ضخام ، وفي الجزء الأول منه - ترجمة لجدنا الأكبر السيد عبد اللّه شبر صاحب المؤلفات الكثيرة.

الشيخ كاظم الهر

المتوفى 1330

لكن يوم الطف أشجى فادح *** وأمضّ يوم بالأسى مشحون

لم أنسَ في أرض الطفوف مصائبا *** بقيت وأفنت سالفات قرون

تفنى الليالي وهي باق ذكرها *** في كل وقت لا تزال وحين

يوم به سبط النبي محمد *** تبكي له حزناً عيون الدين

يوم به نادى الحسين ولم يجد *** بين العدا من ناصر ومعين

يوم به شمر الخنا يرقى على *** صدر إلى علم النبي مكين

يوم به قد زلزلت زلزالها *** سبق الطباق ودك كل رصين

لا غرو إن مطرت سحائب مقلتي *** بدم كمنهل السحاب هتون

وبقية اللّه الذي ينمى الى *** جدٍّ لأسرار الكتاب مبين

يبقى ثلاثاً بالتراب معفراً *** دام بحدّ حسامها المسنون

ملقى ولكن نسج أنفاس الصبا *** أضحى له بدلاً من التكفين

آل الهر اسرة ادبية علمية لها شهرتها ومكانتها (1) ولعل أشهرهم هو الشيخ كاظم المولود في كربلاء عام 1257 ه شب وترعرع على حب العلم والكمال فقد درس المقدمات وسهر على علمي الفقه والاصول بالدراسة على أفذاذ عصره فكان مثالاً صالحاً ومفخرة تعتز به كربلاء ، يقول الشيخ السماوي في إرجوزته :

ص: 237


1- تنحدر من اسرة عربية عريقة بعروبتها تعرف ب ( آل عيسى ).

وكالأديب الكاظم بن الصادق *** ظريف آل الهر في الحقائق

فشعره كان لأهل البيت *** مشتهر كغرّة الكميت

كان عالماً فقيهاً وكانت له حوزة للتدريس في مدرسة حسن خان ، وله ديوان شعر جلّه في مدح آل البيت صلوات اللّه عليهم ، لم يزل مخطوطاً ، كتب عنه الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) والسيد الأمين في ( الأعيان ) وترجم له أخيراً الأديب سلمان هادي الطعمة في مؤلفه ( شعراء من كربلاء ) واستشهد بشيء من غزله ورثائه ومراسلاته وقال : توفي سنة 1330 عن عمر يقدّر بالستين ودفن بكربلاء.

أقول رأيت له قصائد مطولة ومنها مرثية في الإمام الحسن السبط ، وثانية في الامام السجاد علي بن الحسين ، وثالثة في رثاء الامام جعفر بن محمد الصادق ، ورابعة في الامام باب الحوائج موسى بن جعفر ، وخامسة في الامام محمد الجواد علیه السلام مما جعلني أعتقد أنه رثى جميع أئمة أهل البيت صلوات اللّه عليهم. وهذه قطعة غزلية من شعره :

وسيتك من خود الغواني غادة *** فيها دماء العاشقين تباح

تختال من مرح الدلال بقدّها *** ويروق في ذات الدلال وشاح

نشوانة الأعطاف من خمر الصبا *** رجراجة الأرداف فهي رداح

للكاعب النهدين شوقي وافر *** ومديد طرفي نحوها طماح

ريحان الصب المشوق وروحه *** سيان عذب رضابها والراح

رقّت شمايلها وراقت منظراً *** وزها بروض خدودها التفاح

مالت كغصن البان رنحه الصبا *** قلبي عليه طائر صداح

نشرت ذوائب جعدها وكأنما *** نشر العبير بنشرها فياح

ص: 238

الشيخ محمد رضا الخزاعي

المتوفى 1331

يا منزل الأحباب والمعهدا *** حيّاك وكافّ الحيا مرعدا

وانهلّ منك الروض عن ناظر *** إن ظلّ يبكي يُضحك المعهدا

وافترّ ثغر الروض واسترجعت *** فيك ليالي الملتقى عوّدا

أنى وسلمى قرّبت للنوى *** عيساً وللتوديع مدّت يدا

ما بالها لا رُوّعت روعت *** قلبي لدى المسرى برجع الحدا

بانت فما ألفيت في عهدها *** إلا فتيت المسك والمرودا

هلا رعت عهد الصبا وارعوت *** كيلا تجوب البيد والفد فدا

صدّت وظني أنها أنكرت *** منى بياض الشيب لما بدا

لم تدر أن الشيب في مفرقي *** قد بان مذ بانت بنو أحمدا

بانوا ولي قلب أقام الجوى *** فيه وجنبي جانب المرقدا

كم أعقبوا لي يوم ترحالهم *** وجداً بأكناف الحشا موقدا

إن لم أمت حزناً فلي مدمع *** يحي الثرى لو لم أكن مكمدا

يهمي رباباً في ربا زينب *** يروي شعاب الطف أو يجمدا

كم صبية حامت بها لا ترى *** إلا مقاماة الظما موردا

يا قلب هلا ذبت في لوعة *** قد كابدوها تقرح الأكبدا

فاجزع لما لاقت بنو أحمد *** بالطف إن الصبر لن يحمدا

ص: 239

حيث ابن هند أمّ أن تنثني *** للموت أو تلقي له مقودا

فاستأثرت بالعز في نخوة *** كم أوقدت نار الوغى والندا

قامت لدفع الضيم في موقف *** كادت له الأبطال أن تقعدا

شبوا لظى الهيجاء في قضبهم *** لما تداعوا أصيداً أصيدا

يمشون في ظل القنا للوغى *** تيهاً متى طير الفنا غرد

من كل غطريف له نجدة *** يدعو بمن يلقاه لا منجدا

يختال نشواناً كأن القنا *** هيف تعاطيه الدما صرخدا

سلوا الضبا بيضاً وقد راودوا *** فيها المنايا السود لا الخرّدا

حتى قضوا نهب القنا والضبا *** ما بين كهل أو فتى امردا

أفدي جسوماً بالفلا وزعت *** تحكي نجوماً في الثرى ركّدا

أفديهم صرعى وأشلاؤهم *** للسمر والبيض غدت مسجدا

هذي عليها تنحني ركعاً *** وتلك تهوى فوقها سجدا

وانصاع فرد الدين من بعدهم *** يسطو على جمع العدى مفردا

يستقبل الأقران في مرهف *** ماض بغير الهام لن يغمدا

أضحت رجال الحرب من بعده *** تروي حديثاً في الطلا مسندا

ما كلّ من ضرب ولا سيفه *** ينبو ولو كان اللقا سرمدا

يهنيك ياغوث الورى أروع *** غيران يوم الروع فيك اقتدى

لا يرهب الأبطال في موقف *** كلا ولا يعبأ بصرف الردى

ما بارح الهيجاء حتى قضى *** فيها نقيّ الثوب غمر الردى

ولو تراه حاملاً طفله *** رأيت بدراً يحمل الفرقدا

مخضباً من فيض أوداجه *** ألبسه سهم الردى مجسدا

تحسب أن السهم في نحره *** طوق يحلّي جيده عسجدا

ومذ رنت ليلى اليه غدت *** تدعو بصوت يصدع الجلمدا

ص: 240

تقول عبد اللّه ما ذنبه *** منفطماً آب بسهم الردى

لم يمنحوه الورد إذ صيروا *** فيض وريديه له موردا

أفديه من مرتضع ظامياً *** بمهجتي لو أنه يفتدى

فطر من فرط الصدا قلبه *** يا ليت قد فطر قلبي الصدا

الشيخ محمد رضا بن ادريس بن محمد بن جنقال بن عبد المنعم بن سعدون ابن حمد بن حمود الخزاعي النجفي ، ولد بالنجف عام 1298 ونشأ بها وتوفي سنة 1331 عن عمر يناهز الثلاثين سنة. وجده حمد هذا هو شيخ خزاعة المشهور المعروف ب ( حمد ال حمود ) ترجم له صاحب ( الحصون المنيعة ) وجاء في الطليعة : كان فاضلاً مكباً على الاشتغال في النجف لتحصيل العلم ملتزماً بالتقى وكان أديباً مقلّ الشعر في جميع أحواله فمن شعره :

سقتني الأماني الهنا والسرورا *** فكان شرابي شراباً طهورا

وأزهر كوكب روض الفخار *** وغصن العلى عاد غضّاً نضيرا

والقصيدة محبوكة القوافي على هذا النفس العالي رواها الخاقاني في شعراء الغري وروى له غيرها في التشبيب والغزل والفخر والحماسة والمراسلات ، ويقول إن والد المترجم له كان من ذوي الفضل وترجم له السيد الأمين في ( أعيان الشيعة ) ج 44 / 343 وذكر من مراثيه للحسين قصيدته التي أولها :

مشين يلئن الأزر فوق قنا الخط *** ويسحبن في وجه الثرى فاضل المرط

ص: 241

السيد عباس البغدادي

المتوفى 1331

يرثي الحسين (عليه السلام) عام 1297 :

دهى الدين خطب فادح هدّ ركنه *** ودكّ من الشم الرعان ثقالها

غداة بأرض الطف حرب تجمعت *** وحثّت على الحرب العوان رجالها

لتنحر أبناء النبي محمد *** بأسيافها ما للنبي وما لها

أما كان يوم الفتح آمنها وقد *** أعزّ ببيض المرهفات حجالها

فكيف جزته في بنيه بغدرها *** عشية جاءتهم تقود ضلالها

كأني باسد الغاب من آل غالب *** وقد تخذت مر المنون زلالها

فياما أُحيلاهم غداة تقلدوا *** من البيض بيض المرهفات صقالها

فايمانهم تحكي ندىً سحب السما *** وأوجههم في الحرب تحكي هلالها

فثاروا وأيم اللّه لولا قضاؤه *** لما نالت الأعداء منهم منالها

فسل كربلا تنبيك عما جرى بها *** فحين التقى الجمعان كانوا جبالها

نعم ثبتوا فيها إلى أن ثووا بها *** فعطّر نشر الأكرمين رمالها

وعاد فريد الدهر فرداً يرى العدى *** تجول وقد سلّت عليه نصالها

فصال بسيف ثاقب مثل عزمه *** ورمح ردينيٍّ يشبّ نزالها

فتعدوا فراراً حين يعدو وراءها *** وتنثال حيث السيف منه أمالها

وقد ملأ الغبرا دما من جسومهم *** وضيّق بالكفر الطغام مجالها

فوافاه منهم في الحشى سهم كافر *** فليت بقلبي يال قومي نبالها

ص: 242

ألا منجد ينحو البقيع بمقلة *** تهل كغيث المزن منها إنهلالها

فيحثو الثرى مستنهضاً أسد الثرى *** من اتخذت نقع الجياد اكتحالها

ومَن ضربت فوق الضراح قبابها *** فمرّت على شهب السماء ظلالها

بني مضر الغرّ التي سادت الورى *** وقد ملأت ستّ الجهات نوالها

ألستم بها ليل الوغى يوم معرك *** وفرسانها عند اللقا ورجالها

فكيف قعدتم والفواطم حسراً *** وأنتم إذا جار العدو حمىًٍ لها

فواللّه لا أنسى المصونة زينباً *** غداة استباح الظالمون رحالها

لها اللّه من ولهانة بين نسوة *** ركبن من النيب العجاف هزالها

تجوب بها شرق البلاد وغربها *** وتنحو بها سهل الفلا وجبالها

تحنّ فيجري من دم القلب دمعها *** حنين نياق قد فقدن فصالها

وأعظم رزء صدّع الصخر رزؤه *** وأخمد من شمس الوجود اشتعالها

وقوف بنات الوحي حسرى بمجلس *** به سمعت آل الطليق مقالها

السيد عباس الموسوي البغدادي ، ابن علي بن حسين بن درويش بن أحمد بن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد نصر اللّه بن ربيع ابن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي بن محمد بن جعفر ( الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه بنو الطويل ) ابن علي بن الحسين شيتي ( ويكنى بأبي عبد اللّه ) ابن محمد الحائري وقبره في واسط وهو المعروف ب ( العكار ) ابن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم بن الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين علیهم السلام .

كان من خطباء بغداد البارزين بل خطيبها الأول ، اشتهر بالفضل والصلاح. ولد سنة احدى وسبعين ومائتين بعد الألف هجرية 1271 بمدينة بغداد ونشأ

ص: 243

فيها. درس النحو والمنطق وقد سجل المترجم له مبدأ تدرجه على الخطابة في كتابه ( المآتم المشجية لمن رام التعزية ) فقال :

كنت في عنفوان الشباب شديد الاشتياق إلى استماع المراثي الحسينية وأتطلب المجالس التي تعقد لمصابه فتبيّن أبي مني ذلك فقال : أتحب أن تكون ذاكراً لمصاب سيد الشهداء فأطرقت براسي حياءً منه ، وعرف مني الرغبة فجعلني عند سلطان الذاكرين وعز المحدثين الملّه محمد بن ملّه يوسف الحلي الشهير بآل القيم وذلك سنة 1284 ه فبذل إلى الجد والجهد والقصائد الغرر وأفاض من بحر تلك الدرر ، وكان عندنا يومئذ ببغداد فبقيت ملازماً له حتى بلغت من العمر سبعة عشر سنة فزوجني أبي من ابنة معلمي المزبور وذلك سنة الف ومائتين وسبع وثمانين 1287 ه ( (1) وبقيت معه التقط من نائله ست سنوات ، ثم مضى بعدها للحلة الفيحاء وفيها قومه وعشيرته ، وهم يعدون من اشرافها فمكث فيها ستة أشهر وتوفي فيها سنة الف ومائتين وثلاث وتسعين 1293 ه تغمده اللّه برحمته. أقول كتب الشاب المهذب السيد جودت السيد كاظم القزويني ترجمة وافية للسيد عباس الخطيب وعدد فيها مآثره وذلك في مخطوطه ( الروض الخميل ) وأن وفاته عصر السبت 14 شعبان سنة 1331.

ص: 244


1- وهي شقيقة الشاعر الشيخ حسن القيّم ، فكان القيّم يعتزّ بهذه المصاهرة فلما توفي السيد علي والد السيد عباس نظم في رثائه وذلك سنة 1316 فقال : تخطّى الردى في فيلق منه جرار *** اليه فأخلى أُجمة الأسد الضاري وفلّ شبا عضب يصمم في العدا *** بأقطع من ماضي الغرارين بتار أبا أحمد جاورت في ذلك الحمى *** أخا المصطفى غوث الندا حامي الجار لقد حملوا بالأمس نعشك والتقى *** فيا لك نعشاً والتقى معه ساري ووسدت فيها حفرة جاء نشرها *** بمسكيّة من نافح الطيب معطار أبا حسن صبراً وإن مضّ داؤها *** رزايا سقاكم صرفها رنق أكدار فكم حازم في الخطب يبدي تجلّداً *** وزند الجوى من نار مهجته واري تسيء الليالي للكرام كأنما *** تطالبهم في النائبات بأوتار بقيت برغم الحاسدين بنعمة *** يوفرها عمر الزمان لك الباري فكم أفوه أخرسن منك لسانه *** شقاشق فحل بالفصاحة هدار دعوه وغايات الفخار فإنه *** جرى سابقاً كم يكبُ قط بمضمار تطيب بك الأفواه ذكراً كأنما *** بكل فم أودعت جونة عطار فلا زال نوء اللطف يسقي ضريحه *** بمنسكب من هاطل العفو مدرار

ورثاه جمع من الادباء منهم السيد حسون ابن السيد صالح القزويني البغدادي بقصيدة مطلعها :

مصاب عرا قد أرعب الكون هائله *** به المجد عمداً قد أُصيبت مقاتلة

ورثاه الشيخ قاسم الحلي نجل المرحوم الشيخ محمد الملا بقصيدة عامرة في 35 بيتاً ، مطلعها :

عصفت على الدنيا بأشأم أنكد *** صرّ بها نسفت جبال تجلدي

ورثاه ولده السيد حسن بقوله :

تزلزلت الدنيا وساخت هضابها *** غداة انطوى تحت التراب كتابها

وهذه المراثي موجودة في ديوانه المخطوط الذي جمعه ولده السيد حسن وفرغ منه في آخر صفر سنة 1345 ه ومعها قصائد في مدائحه وخاصة ما قيل فيه عند رجوعه من حج بيت اللّه مع والده السيد علي.

مؤلفاته :

ترك المترجم له من الاثار : 1 - المجالس المنظمة في مقاتل العترة المحترمة.

ص: 245

2 - ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين 3 - معاجز الائمة 4 - مقتل الحسين علیه السلام 5 - سلسلة الأنوار في النبي المختار 6 - الرحلة الرضية - منظومة تبلغ الألف بيتاً نظمها عند زيارته للامام الرضا (عليه السلام) سنة 1300 ه.

أقول وله قصيدة تنشد في المجالس الحسينية ومنها :

فيا راكباً مهرية شأت الصبا *** كأن لها خيط الخيال زمام

كنت أرويها كثيراً وأنشدها.

وهو أبو الأشبال الأربعة : 1 - السيد حسين ، 2 - السيد حسن ، 3 - السيد صالح ، 4 - السيد هاشم ، رأيتهم واستمعت إلى خطبهم وأحاديثهم. وبعد لقد قضى السيد عباس عمراً في خدمة المنبر الحسيني واعظاً ومرشداً ومحدثاً وناصحاً ، ومنابر بغداد تشهد له ومحافلها تذكره بكل إعزاز وفخر.

ص: 246

الشيخ علي الجاسم

المتوفى 1332

إن جزتَ نعمان الاراك فيمم *** حيي به الحيّ النزيل وسلّم

فالروض في مغناه يضحك نوره *** ببكاء غادية السحاب المرزم

قد رصعته بقطرها فكأنما *** نثرت عليه لآلئاً لم تنظم

واسأل بجرعاء اللوى عن جيرة *** رحلوا ولم يروا ذمام متيم

بانوا فأبقوا لوعة من بينهم *** قد أرقصت قلب المشوق المغرم

وارحمتاه لتائق كتم الهوى *** فأذاعه رجاف دمع مسجم

تتصاعد الزفرات من أنفاسه *** عن حرّ نار في الفؤاد مكتّم

نضح الحشى من ناضريه أدمعا *** يوم النوى لكنما هي من دم

يا بعد دارهم على ابن صبابة *** قد زودته أمضّ داء مسقم

فكأنهم مذ شطّ عنه مزارهم *** تركوا حشاه بين نابي أرقم

لم ينسه عهد الديار وأهلها *** إلا مصاب بني النبي الأكرم

بالطف كم معها أريق دم وكم *** منها استحلّ محرّم بمحرم

يوم أتت حرب لحرب بني الهدى *** في فيلق جمّ العديد عرمرم

فاستقبلته فتية من هاشم *** من كل ليث للقراع مصمم

منه يراع الموت بابن حفيظة *** حامي الحقيقة باللواء معمم

قوم إذا سلّوا السيوف مواضياً *** صقلوا شباها بالقضاء المبرم

ص: 247

لو قارعت يوماً بقارعة الوغى *** صعب القياد ربيعة بن مكدم (1)

لتقاصرت منه خطاه رهبة *** وانصاع منقاداً بأنف مرغم

لم تدرّع ما كان أحكم نسجها *** داود من حلق الدلاص المحكم

لكنها أدرعت بملحمة الوغى *** حلق الحفاظ بموقف لم يذمم

في موقف ضنكٍ يكاد لهوله *** ينهدّ ركنا يذبل ويلملم

يمشون تحت ظلال أطراف القنا *** نحو الردى مشي العطاش الهوّم

يتسارعون إلى الحتوف ودونه *** جعلوا القلوب دريّة للاسهم

وهووا على حرّ الصعيد بكربلا *** صرعى مضرجة الجوارح بالدم

فكأنما نجم السماء بها هوى *** وكأنها كانت بروج الأنجم

وبقي ابن امّ الموت فرداً لم يجد *** في الروع غير مهند ومطهم

فنضا حساماً أومضت شفراته *** ومضَ البروق بعارض متجهم

وتكشفت ظلمات غاشية الوغى *** عن وجه أبلج بالهلال ملثم

وسقى العدى من حرّ طعنة كفه *** كأساً من السم المداف بعلقم

وعن الدنية أقعدته حمية *** نهضت به من عزة وتكرم

شكرت له الهيجاء نجدته التي *** تردي من الأقران كل غشمشم

حمدت مواقفه الكريمة مذ بها *** لفّ الصفوف مؤخراً بمقدم

ومعرّض للطعن ثغرة نحره *** ليس الكريم على القنا بمحرم

فهوى صريعاً والهدى في مصرع *** أبكى به عين السماء بعندم

منه ارتوت عطشى السيوف وقلبه *** من لفح نيران الظما بتضرم

وعليه كالأضلاع بين ضلوعه *** مما انحنين من القنا المتحطم

وأمض خطب قد تحكمت العدى *** بكرائم التنزيل أي تحكم

من كل محصنة قعيدة خدرها *** لا تستبين لناظر متوسم

ص: 248


1- ربيعة بن مكدّم يضرب به المثل في الجاهلية في حمايته للظعن بعد مقلته.

قد أصبحت بعد الخفارة تتقي *** ضرب السياط بكفها والمعصم

ومروعة جمعت على حرق الأسى *** منها شظايا قلبها المتألم

تدعو ودفاع الحريق بقلبها *** من حرّ ساعرة الجوى المتضرم

وتقول للحادي رويدك فاتئد *** هذي معاهد كربلاء فيمم

قف بي أُقيم على مصارع إخوتي *** نوحاً كنوح الثاكلات بمأتم

أنعاهم فرسان صدق لم تكن *** هيابة عند اللقا في المقدم

وتعج تنفث عن حشى حرانةٍ *** عتباً نوافذة كوخز الأسهم

هتفت بعليا هاشم من قومها *** شمّ الانوف لها المكارم تنتمي

لا عذر أو تزجي الجياد إلى الوغى *** من كل أشقر سابح أو أدهم

حتى تجول بها على هام العدى *** وتعوم من دمها ببحر مفعم

أتسومها ضيماً امية بعدما *** كانت لها قدماً مواطئ منسم

أكلت ضباها البيض شلو زعيمها *** ما آن تهتف هاشم بالصيلم (1)

قوموا فكم ولجت ذئاب امية *** لكم غداة الطف أُجمة ضيغم

كم حرمة بالطف قد هتكت لكم *** من سلب أبراد وحرق مخيم

كم منكم من ثاكل عبرى ولا *** من ثاكل منهم ولا من أيّم

ومخدرات الوحي بين امية *** تسبى برغمكم كسبي الديلم

* * *

الشيخ علي بن قاسم الأسدي ولد سنة 1240 بالحلة وامتد عمره إلى 93 سنة وكان في ريعان شبابه وعنفوان كهولته معدوداً في جملة قراء الحلة وذاكريها في المحافل الحسينية وله في انشاد الشعر من الرثاء وغيره تلحين خاص وطريقة معروفة امتاز برقة نغمتها على غيره ، وتعرف حتى اليوم ب ( الطريقة القاسمية )

ص: 249


1- 1 - الصيلم هو الهقاف بحلف الفضول أشرف حلف أُسس في الجاهلية لنصرة المظلوم وردع الظالم ، ولما جاء الاسلام أيّده وأقرّه ، وسمي بالفضول لفضله أو لأن الذين قاموا به أسماؤهم فضل وفضيل وفاضل وكان الذي دعى لتأسيسه الزبير بن عبد المطلب لقصة حدثت في مكة

وكان هو المنشد الوحيد يومئذ لأكثر قصائد معاصريه في الحلة والنجف وبصورة خاصة لشعر السيد حيدر الحلي (1).

لم يكن مكثراً من نظم الشعر وتوجد من شعره في الغزل والمدح والنسيب والرثاء جملة في مجموعة عند ابن اخت له في الحلة يعرف بالشيخ أحمد الراضي ، لأن المترجم له لم تك له ذرية حيث لم يتزوج قط وتوفي في جمادى الأولى سنة 1332 ونقل إلى النجف ودفن في وادي السلام ، نقل الشيخ اليعقوبي عن مجموعته طائفة من غزله ومديحه ورثائه واليكم هذه القطعة في الغزل وهي من قصيدة :

لله من رشأ قد زارنا سحراً *** كأنما فرعه من جنحه الداجي

إذا رنا ينفث السحر الحلال فلم *** يترك لهاروت سحراً طرفه الساجي

فيا له قمراً تسبيك طلعته *** يغشى العيون بنور منه وهاج

فهزّ أعطافه دلاً على نغم *** واختال يخطر من زهو بديباج

وطاف في أُخت خديه موردة *** ممزوجة بملّث القطر ثجاج

ما راق للعين شيء مثل منظره *** في الحسن إي وسماء ذات أبراج

لو أن إكليله المعقوص من شعر *** يراه كسرى قد تاه في التاج

وللشاعر عدة قصائد في رثاء أهل البيت علیهم السلام رأيتها في مخطوطة الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي والتي هي اليوم في حيازة ولده الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي واليك مطالعها :

1 - يا غادياً يطوي *** بمسراه السهولة والوعورة

2 - أيها الممتطي الشملة يطوي *** في سراه أديم تلك النواحي

3 - أبا الفضل يا ليث الكريهة إن سطا *** يُراع الردى منه بضنك الملاحم

4 - أقم المطي بساحة البطحاء *** في خير حيٍّ من بني العلياء

5 - ما بال هاشم عن بني الطلقاء *** قعدت ولم توقد لظى الهيجاء

6 - انتثري يا شهب أبراج السما *** لقد أطلّ فادح قد عظما

ص: 250


1- البابليات للشيخ اليعقوبي.

السيد ناصر البحراني البصري

المتوفى 1332

لم لا نجيب وقد وافى لنا الطلب *** وكم نولّي ومنا الأمر مقترب

ماذا الذي عن طلاب العز يقعدنا *** والخيل فينا وفينا السمر واليلب

تأبى عن الذل أعراق لنا طهرت *** فلا تلمّ على ساحاتها الريب

هي المعالي فمن لم يرق غاربها *** لم يجده النسب الوضاح والحسب

أكرم ببطن الثرى عن وجهه بدلاً *** إن لم تنل رتبة من دونها الرتب

كفاك في ترك عيش الذل موعظة *** يوم الطفوف ففي أبنائه العجب

قطب الحروب أتى يطوي السابسب من *** فوق النجائب أدنى سيرها الخبب

يحمي حمى الدين لا يلوي عزيمته *** فقد النصير ولا تعتاقه النوب

وكيف تثني صروف الدهر عزمته *** وهي التي من سناها تكشف الكرب

أخلق بمن تشرق الدنيا بطلعته *** ومن لعلياه دان العجم والعرب

ركن العبادة فيها قام يبعثه *** داعي المحبة لا خوف ولا رغب

قد ذاق كاس حميا الحبّ مترعة *** وعنه زال الغطا وانزاحت الحجب

لم أنسه لمحاني الطف مرتحلاً *** تسري به القود والمهرية النجب

حتى أناخ عليها في جحاجحة *** تهون عندهم الجلّى إذا غضبوا

أسود غاب يروع الموت بأسهم *** ولا تقوم لهم اسد الوغى الغلب

الضارب الهام لا يأدي قتيلهم *** والسالب الشوس لا يرتدّ ما سلبوا

ص: 251

أيمانهم في الوغى ترمي بصاعقة *** وفي الندى من حياها تخجل السحب

واسوا حسيناً وباعوا فيه أنفسهم *** ووازروه وأدّوا فيه ما يجب

حتى تولوا وولّى الدهر خلفهم *** وما بقي للعلى حبل ولا سبب

وظل سبط رسول اللّه منفرداً *** لا إخوة دونه تحمي ولا صحب

يا سيداً سمت الأرض السماء به *** وأصبحت تغبط الحصبا بها الشهب

إن تبق ملقى على البوغاء منجدلاً *** مبضع الجسم تسفي فوقك الترب

فربّ جلاء قد جلّيت كربتها *** ورب هيجا خبا منها بك اللّهب

فيك المدايح طابت مثلما حسنت *** فيك المراثي وفاهت باسمك الندب

أرى المعالي بعد السبط شاحبة *** منها الوجوه ومنها الحسن مستلب

وكيف لا تنزع العلياء جدّتها *** ومفخر الدين قد أودى به العطب

السيد ناصر السيد أحمد ابن السد عبد الصمد البحراني البصري. يتصل نسبه بالسادة آل شبانه وينتهون بنسبهم غلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام . كان من العلماء الأعلام هاجر إلى النجف وحضر بحث الشيخ مرتضى الانصاري رحمه اللّه فاعجب الشيخ به وطلب من أبيه إبقاءه في النجف الأشرف للاشتغال ولو مقدار سنتين ثم سافر للبصرة وكان الطلب من أهلها بالبقاء عندهم إذ كانت مؤهلات رجل الاصلاح متوفرة فيه وهكذا أصبحت شخصيته الوحيدة في البصرة ونال بها زعامة الدين والدنيا وخضع له الامراء والوزراء وهابه الملوك والسلاطين وامتثل أمره القاصي والداني ، وكان قاعدة رصينة للفضيلة وتحقيق الحق وان صدى احاديثه وسيرته حديث الأندية وسيبقى لأنه مثال من أمثلة الاستقامة والعدالة.

قال صاحب أنوار البدرين : للسيد من المصنفات كتاب في التوحيد على قواعد الحكماء والمتكلمين ، استعرته منه وطالعته في بعض أسفاري ولا أنسى

ص: 252

أني قرضته بخطي ، وله منظومة في الإمامة ولا سيما في يوم الغدير ، قرأ عليّ سلمه اللّه جملة منها وله قصائد جيدة في رثاء الحسين علیه السلام بليغة. انتهى

ولد بالبحرين سنة 1260 ه. وتوفي يوم الجمعة 22 رجب سنة 1331 في البصرة وعمره أكثر من سبعين سنة ونقل إلى النجف الأشرف في الفرات (1) وقال فيه السيد جعفر الحلي عدة قصائد مثبتة مشهورة. ومن شعره ما أجاب به السيد جعفر معتذراً عن تأخير رسالة :

يا جيرة الحي وأهل الصفا *** قد برح الوجد بنا والخفا

قد لاح لي من أرضكم بارق *** ذكرني رسماً لسلمى عفا

فقلت أهلاً بأهيل النقا *** وإن بدا منهم أشدّ الجفا

هيهات أجفوهم وقلبي لهم *** لم ير عنهم أبداً مصرفا

جاء كتاب منك تشكو به *** جفاه خلٍّ عنك لم يصدفا

لكنما جشمتني خطة *** كلفتني فيها خلاف الوفا

فحيث أدليت بعذر لنا *** قلنا عفا الرحمن عمن عفا

جرحت جرحاً ثم آسيته *** فأنت منك الدا ، وأنت الشفا

وقال أحد مترجميه : عالم البصرة والرئيس المطاع فيها وفي نواحيها ، حكي عنه أن كل آبائه إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام علماء فضلاء ادباء. وقد تخرج في النجف على الشيخ مهدي الجعفري والشيخ راضي النجفي ثم انتقل إلى البصرة وأقام فيها علماً ومرجعاً ، وكان آية في الذكاء وقوة الحافظة والملح والنوادر مع الجلالة والعظمة والوقار والهيبة وحسن المعاشرة لا يمل جليسه ، محمود السيرة محسناً إلى الفقراء والغرباء والمترددين شاعراً أديباً لم يعقب. وكان مولده رحمه اللّه بالبحرين ومن أجمل ما أروي له من الشعر قوله :

ص: 253


1- دفن في أحدى غرف الساباط في الصحن الحيدري الشريف ، وهي حجرة السيد محمد خليفة.

مني تعلمت السحائب وكفها *** وبي اقتدت في نوحها الورقاء

أنّى لها ببلوغ شأوي في الهوى *** وأنا الفصيح وها هي العجماء

رأيتها في كتاب ( أحسن الوديعة ) ويتناقل الناس باعجاب عظمته وحسن سيرته وخشونته بذات اللّه وكيف كان لا تأخذه في اللّه لومة لائم حتى نقل لي بعض المؤمنين أن فلاحاً فقيراً ضربه أكبر اقطاعي بالبصرة وصدفة جاء هذا الثري لزيارة السيد فانتفض السيد غاضباً واقتص منه لذلك الفقير ، فما كان من هذا الثري المختال إلا أن يعتذر ويقبل يد السيد.

وعندما نقرأ ما دار من المراسلة بينه وبين الشيخ محمد جواد الشبيبي نعرف عظمة هذه الشخصية ونفوذها الاجتماعي. ذكره الشيخ النقدي في الروض النضير فقال : عالم علامة في علوم شتى من الرياضية والطبيعية والأدبية والدينية وكانت له حافظة غريبة قلّ ما توجد في مثله من أهل هذا العصر ، وكان على جلالته يباحث حتى المبتدئين من طلاب العلم ، ملك أزمّة قلوب الشرق عموماً حتى الملوك والحكام ، وكانت الدولة التركية تحترمه غاية الاحترام ، وكان لكلامه نفوذ تام لديهم ، وكان له توفيق غريب في الزعامة مع ديانة وأمانة ورصانة وعبادة وتقوى لإظهار أبهة العلم ، حسن الملبس والمأكل والمشرب ، يكره التقشف وأهله. وذكره السيد الصدر في ( التكملة ) فقال : حكي عن السيد ناصر أن كل آبائه إلى الامام موسى بن جعفر علیه السلام علماء فضلاء ادباء. وذكره المصلح الكبير الشيخ كاشف الغطاء في هامش ديوان ( سحر بابل ) فاطراه بما هو أهله.

وذكره صاحب الدرر البهية فقال : نزيل البصرة وعالمها والرئيس المطاع فيها وفي نواحيها ، وهو من آل شبانة - بيت كبير من بيوت الشرف والعلم والرياسة قديم في البحرين ذكر صاحب ( السلافة ) جماعة منهم.

وله خزانة كتب كبيرة ولكن لم يبق لها أثر حيت كان عقيما ومات ولم يعقب. توفي في رجب بالبصرة. أرخ وفاته السيد حسن بحر العلوم بقوله :

ص: 254

اليوم ناصر آل بيت محمد *** أرخ بجنات النعيم مخلد

وقال الشاعر الكبير مفخرة الحلة الفيحاء الشيخ حمادي نوح يمدح السيد بهذه القصيدة الغراء وقد أهداها له ، وهذا ما وجدناه منها :

أيسحرني عن غاية الشرف الهوى *** ويقمرني عن مركز الفخر قامر

عليّ لنعت الدار فياضة العلا *** فرائد ذكر دونهن الجواهر

إذا غاب عن آفاق بابل ناصري *** فلي من أعالي البصرة اليوم ( ناصر )

له سطعت أفعال أروع ماجد *** إذا غيبت شهب المنى فهو حاضر

وأرقلت الركبان في أمر رشده *** إذا عاج منها وارد هاج صادر

وإن جاهدتني في القريض عصابة *** تبادرني في جهدها وأُبادر

تصوّر أتقاني فردّ مقالها *** حميداً بذكري وهو جذلان شاكر

كأن معاليه على الدهر أنجم *** بسود الأماني ناصعات زواهر

وذكر اليعقوبي في البابليات أن مقطعاً من هذه القصيدة يخصّ الإمام الحسين (عليه السلام) ومنه :

ليومك يابن المصطفى انصدع الهدى *** فما لصدوع الفخر بعدك جابر

ومَن لسماء العلياء يرفع سمكها *** ودارت بقطب الكائنات الدوائر

عفاءً على الدنيا إذا ماد عرشها *** وقد ثلّه سيف من البغي باتر

تراق دماء الأصفياء عداوة *** ودينهم عن كل فحشاء زاجر

وتُنحر قسراً في الطفوف كأنها *** أضاع عراها في منى النسك جازر

وتهدى بأطراف الرماح رؤوسها *** ليمرح مأفون ويفرح فاجر

ويقدمها رأس ابن بنت محمد *** به تتجلّى للسراة دياجر

منيراً يراعي نسوة بعد قتله *** به لذن حسرى ما لهنّ معاجر

محجبة قبل الزوال بسيفه *** فما زال إلا والصفايا حواسر

ص: 255

عبد المهدي الحافظ

المتوفى 1332

هي صعدة سمراء أم قد *** هي وردة حمراء أم خد

وافى بهنّ غزيّل *** غنج خفيف الطبع أغيد

متقلّد من لحظه *** سيفاً يفوق على المهند

كالبدر إلا أنه *** أبهى وأسنى بل وأسعد

شفتاه قالت للعذار *** فما العقيق وما الزبرجد

وافترّ مبسمه فلاح *** خلاله الدرّ المنضد

فضح الضباء بأتلع *** من جيده ، والغصن بالقد

ما مرّ إلا والجمال *** يصيح : صلوا على محمد

عاتبته يوماً وقلت *** إلى متى التعذيب والصد

أيحلّ قتلُ متيم *** غادرته قلقاً مسهد

أدنى هواك له السقام *** ومنه صفو العيش نكّد

فأجاب هل لك شاهد *** في ذاك قلت الحال يشهد

فأزور من قولي واعرض *** مغضباً عني وعربد

فزجرت قلبي قائلاً *** أرأيت كيف أساء بالرد

ما آن أن تثني عنان *** الغيّ عنه عساك ترشد

فاعدل بنا نحو الغري *** وعُد بنا فالعود أحمد

ص: 256

وامدح به سرّ الآءله *** وبابه والعين واليد

مَن مهّد الايمان صارمه *** وللاسلام شيّد

لولا صليل حسامه *** لرأيت لات القوم يعبد

من خاض غمرتها *** غداة حنين والهامات تحصد

إلا أبو حسنٍ أمير النحل *** والتنزيل يشهد

أم مَن تصدّى لابن ودّ *** ومَن لشمل القوم بدد

ومنها :

وأهتف بخير الخلق *** بعد المصطفى المولى المؤيد

وأطلق له العتب الممض *** وقل له أعلمتَ ما قد

فعلت بنو الطلقاء في *** أبناء فاطمة وأحمد

قد جمّعوا لقتالهم *** من كل أشئم إثر أنكد

جيشاً تغضّ به البسيطة *** مستحيل الحصر والعد

وقفت لدفعهم كماةٌ *** - لا تهاب الموت - كالسد

من كل قرم لا يرى *** للسيف إلا الهام مغمد

فيهم أبو السجاد يقدمهم *** على طِرفٍ معوّد

إن عارض الأبطال قطّ *** وإن علاهم سيفه قد

فرماه أشقى الأشقياء *** هناك بالسهم المحدد

فاغبرّت الأكوان منه *** وعاد طرف الشمس أرمد

وتجاوبت بالنوح أملاك *** السماء على ابن أحمد

وغدت بنات الوحي *** حسرى فوق مصرعه تردد

عبراتها تنهلّ والأحشاء *** من حزن توقّد

تتصفح القتلى وتدعو *** حرّة الأكباد يا جد

ص: 257

هذا حسينك في عراص *** الطف مقتول مجرد

أنصاره مثل الأضاحي *** أصيد في جنب أصيد (1)

الحاج عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ الحائري المتوفى بكربلاء سنة 1334 ودفن بها ، كان أديباً من أعيان تجار كربلاء وملاكهم يعرف التركية والفارسية والفرنسية ، انتخب مبعوثاً في زمن الدولة التركية كما انتخب رئيساً لبلدية كربلاء ، ترجم له السيد الأمين في الأعيان والأديب المعاصر سلمان هادي الطعمة وقال : إنه من ألمع شخصيات الأدب والسياسة في مطلع قرن العشرين ، ولد بكربلاء ونشأ في اسرة عربية تعرف ب آل الحافظ تنتسب إلى قبيلة خفاجة ، هاجر جدها الأعلى - حافظ - من قضاء الشطرة واستوطن كربلاء في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ولمع منها في الأوساط التجارية والأدبية رجال عديدون منهم شاعرنا المترجم له.

درس شاعرنا في معاهد كربلاء العلمية وتلمذ في العروض على الشاعر الشيخ كاظم الهر وساعده ذكاؤه وفطنته فحفظ عيون الشعر وكان مجلسه المطل على الروضة الحسينية المقدسة محط أنظار رجالات البلد وملتقى أهل الأدب ، وشعره يمتاز بالرقة ودقة الفكر فمن ذلك قوله :

إلى اللّه أشكو ما أُقاسي من الجوى *** غداة استقلّت بالحبيب ركائبه

وأقفر ربع طالما كان خالياً *** به فخلت اكنافه وملاعبه

فبتّ أُقاسي ليلة مكفهرة *** وليس سوى الشعرى بها مَن اخاطبه

اكفكف فيها الدمع والدمع مرسل *** كغيث همى لما ارجحنّت كتائبه

وأذكر داراً طالما بتّ آنساً *** بها بأغنٍّ ما طل الوعد كاذبه

غريراً إذا ما قصّر الليل وصله *** أمدّت ليالينا القصار ذوائبه

أهمّ بلثم الغصن من ورد خده *** فيمنعني من عقرب الصدغ لاسبه

ص: 258


1- سوانح الأفكار في منتخب الاشعار ج 2 / 193.

وهناك مراسلات أدبية من شعر ونثر مع الأديب الكبير الحاج محمد حسن أبو المحاسن فقد كتب للمترجم له يستدعيه لحضور مجلس انس يضم نخبة من الادباء فقال :

من مبلغ عني أبا صالح *** قول محب صادق الودّ

ما بال مشتاق إلى وصله *** معذّب بالهجر والصد

لا يهتدي الانس إلى مجلس *** تغيب عنه طلعة ( المهدي )

ونحن كالعقد إنتظمنا فهل *** يزينه واسطة العقد

كتب عنه الخاقاني في شعراء الغري وذكر مراسلة الشيخ محمد جواد الشبيبي له.

ص: 259

الشيخ مهدي الخاموش

المتوفى 1332

الشيخ مهدي ابن الشيخ عبود الحائري الشهير ب الخاموش وهي كلمة فارسية تعني خفوت الصوت فيقال : خاموش شد (1).

ولد بكربلاء حدود سنة 1260 وتوفي بها سنة 1332 وتدرج على مجالس العلم وأندية الأدب فبرع في الخطابة بحسن التعبير وجميل الاسلوب ونظم في كثير من المناسبات من مدح ورثاء وتهان وأعظم حسنة له أن تخرّج على يده السيد جواد الهندي خطيب كربلاء ، وعمّر المترجم له حتى تجاوز السبعين من العمر ومن قصائده المشهورة قصيدته في الإمام الحسين علیه السلام - وأكثر شعره في أهل البيت :

أما والهوى والغانيات الكواعب *** بغير ذوات الدل لستُ براغب

وفي آخرها يصف ندبة عيال الحسين على مصارع القتلى :

تناديه مذ ألفته في الطف عارياً *** بأهلي مرضوض القرى والجوانب

فمن لليتامى يابن امّ وللنسا *** إذا طوّحت فيها حداة الركائب

ص: 260


1- يقال أنه عرضت له بحّة في صوته فصار إذا تحدث للناس لا يسمع صوته كاملاً ، فكان بعض الايرانيين يقول عنه : خاموش شد - أي خفي صوته ، وسلاح الخطيب نبرات الصوت ، ولذا نجد الناجح من الخطباء هو ذو الصوت الجهوري. يقول ايليا أبو ماضي : الصوت من نعم الآءله ولم تكن *** ترضى السما إلا عن الصداح

السيد جواد الهندي

اشارة

المتوفى 1333

رحلتم وما بيننا موعد *** وإثركم قلبيَ المكمد

وبتّ بداري غريب الديار *** فلا مونس لي ولا مسعد

وفارق طرفيَ طيب الرقاد *** وفي سهده يشهد المرقد

أُعللّه نظرة في النجوم *** وشهب النجوم له تشهد

أقوم اشتياقاً لكم تارة *** واخرى على بعدكم أقعد

بكفي اكفكف دمعي الغزير *** فيرسله طرفي الأرمد

يطارح بالنوح ورق الحمام *** بتذكاركم قلبي المنشد

وما كان ينشد من قبلكم *** فقيداً فلا والذي يعبد

سوى من بقلبي له مضجع *** ومن بالطفوف له مشهد

ومن رزؤه ملأ الخافقين *** وان نفد الدهر لا ينفد

فمن يسأل الطف عن حاله *** يقصّ عليه ولا يجحد

بأن الحسين وفتيانه *** ظمايا بأكنافه استشهدوا

أبا حسن يا قوام الوجود *** ويا من به الرسل قد سددوا

دريت وأنت نزيل الغري *** وفوق السما قطبها الأمجد

بأن بنيك برغم العلى *** على خطة الخسف قد بددوا

مضوا بشبا ماضيات السيوف *** وما مُدّ للذلّ منهم يد

ص: 261

السيد جواد بن السيد محمد علي الحسيني الأصفهاني الحائري الشهير بالهندي الخطيب. ولد سنة 1270. وتوفي بعد مجيئه من الحج في كربلاء سنة 1333 ودفن فيها كان فاضلاً تلمذ على الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري في الفقه وكان من مشاهير الخطباء طلق اللسان أديباً شاعراً. نقرأ شعره فنحسّ منه بموالاة لأهل البيت وتفجّع ينبع من قلب جريح ينبض بالألم لما أصاب أجداده وأسياده ، حدثني الخطيب المرحوم الشيخ محمد علي قسام - وهو استاذ الفن (1) - قال : كانت له القدرة التامة على جلب القلوب وإثارة العواطف وانتباه السامعين سيما إذا تحدث عن فاجعة كربلاء فلا يكاد يملك السامع دمعته ، ونقل لي شواهد على ذلك وكيف كان يصوّر الفاجعة أمام السامع حتى كأنه يراها رأي العين ، والخطيب قسام كان متأثراً به كل التأثر ويتعجب أن يكون مثل هذا من خطيب لم تزل اللكنة ظاهرة على لسانه.

رأيت له عدة مراثي لأهل البيت فاخترتُ منها ما وقع نظري عليه يقول الأخ السيد سلمان هادي الطعمة في ( شعراء من كربلاء ) كان مولد المترجم له في كربلاء في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ، ونشأ وترعرع في ظل اسرة علوية تنتسب للامام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام ، بدأ تحصيله العلمي بدراسة الفقه على العالم الكبير الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري وغيره من علماء عصره ، وحين ما وجد في نفسه الكفاءة والقدرة على الخطابة تخصص بها وأعانه صوته الجهوري مضافاً إلى معلوماته التاريخية وجودة الالقاء فدعته بيوت العلماء للخطابة فيها واعتزّت به وأكرمته ، قال الشيخ السماوي في إرجوزته المسماة ( مجالي اللطف بأرض الطف ) :

وكالخطيب السيد الجواد *** والصارم الهندي في النجاد

فكم له شعر رثى الحسينا *** أورى الحشى فيه وأبكى العينا

بكى وأبكى وحوى الصفات *** فأرخوه ( أكمل الخيرات )

ص: 262


1- خطيب شهير خدم المنبر الإسلامي ردحاً من الزمن كما خدم المبدأ وهو من شعراء الحسين علیه السلام .

وذكره السيد الأمين في الأعيان ، قال : رايته في كربلاء وحضرت مجالسه ، وجاء إلى دمشق ونحن فيها في طريقه إلى الحجاز لاداء فريضة الحج ومن شعره قوله :

الا هل ليلة فيها اجتمعنا *** وما إن جاءنا فيها ثقالُ

ثقال حيثما جلسوا تراهم *** جبالا ، بل ودونهم الجبال

ترجم له الخطيب اليعقوبي في حاشية ديوان أبي المحاسن وقال في بعض ما قال : وما رأيتُ ولا سمعت أحداً من الخطباء أملك منه لعنان الفنون المنبرية على كثرة ما رأيت منهم وسمعت ، فقد حاز قصب السبق بطول الباع وسعة الاطلاع في التفسير والحديث والأدب واللغة والأخلاق والتاريخ إلى غير ذلك ، توفي ليلة الأحد عاشر ربيع الأول 1333 وعمره يربو على الستين ، له ديوان شعر حاوياً لجميع أنواع الشعر وخير ما فيه رثاؤه لأهل البيت فاستمع إلى قوله في سيد الشهداء ابي عبد اللّه من قصيدة مطوّلة :

غريب بأرض الطف لاقى حمامه *** فواصله بين الرماح الشوارع

أُفدّيه خواض المنايا غمارها *** بكل فتى نحو المنون مسارع

كماة مشوا حرّى القلوب إلى الردى *** فلم يردوا غير الردى من مشارع

فمن كل طلاع الثنايا شمردل *** طلوب المنايا في الثنايا الطوالع

ومن كل قرم خائض الموت حاسراً *** ومن كل ليث بالحفيظة دارع

تفانوا ولما يبق منهم أخو وغىً *** على حومة الهيجا لحفظ الودائع

فلم أنس لما أُبرزت من خدورها *** حرائر بيت الوحى حسرى المقانع

سوافر ما أبقوا لهن سواتراً *** تسترّ بالأردان دون البراقع

وسيقت إلى الشامات نحو طليقها *** نكابد أقتاب النياق الظوالع

وكافلها السجاد بين عداته *** يصفّد في أغلالهم والجوامع

تلوح له فوق العواسل أرؤسٌ *** تعير ضياها للنجوم الطوالع

ص: 263

وله جملة من المراثي يجمعها ديوانه المخطوط ، وحين وافاه الأجل رثاه جملة من شعراء عصره منهم الشاعر الكبير محمد حسن أبو المحاسن ومطلع قصيدته :

ليومك في الأحشاء وجدٌ مبرّح *** برحت ولكن الأسى ليس يبرح

سبب اشتهاره بالهندي لسمرة في لونه أو لأنه ينحدر من سلالة كانت تسكن الهند واللّه أعلم ، وكان يجيد الخطابة باللغتين العربية والفارسية ، وأعقب ولداً وهو السيد كاظم المتوفى 1349 ه وهو أيضاً من خطباء المنبر الحسيني وقد شاهدته بكربلاء.

وللسيد جواد الهندي في الحسين :

اقاسي من الدهر الخؤن الدواهيا *** ولم ترني يوماً من الدهر شاكيا

لمن أظهر الشكوى ولم أرَ في الورى *** صديقاً يواسي أو حميماً محاميا

وإني لأن أُغضي الجفون على القذى *** وأمسي وجيش الهم يغزو فؤاديا

لأجدر من أن أشتكى الدهر ضارعاً *** لقوم بهم يشتد في القلب دائيا

ويا ليت شعري أيّ يوميه اشتكى *** أيوماً مضى أم ما يكون أماميا

تغالبني أيامه بصروفها *** وسوف أرى أيامه واللياليا

إباءً به أسمو على كل شاهق *** وعزماً يدك الشامخات الرواسيا

وإني من الأمجاد أبناء غالب *** سلالة فهر قد ورثت إبائيا

أباة أبوا للضيم تُلوى رقابهم *** وقد صافحوا بيض الضبا والعواليا

غداة حسين حاربته عبيده *** ورب عبيد قد أعقت مواليا

لقد سيرتها آل حرب كتائباً *** بقسطلها تحكي الليالي الدياجيا

فناجزها حلف المنايا بفتيةٍ *** كرام يعدون المنايا أمانيا

فثاروا لهم شمّ الأنوف تخالهم *** غداة جثوا للموت شماً رواسيا

ولفّوا صفوفاً للعدو بمثلها *** بحدّ ظبى تثني الخيول العواديا

ص: 264

بحيث غدت بيض الظبا في أكفهم *** بقاني دم الأبطال حمراً قوانيا

واعطوا رماح الخط ما تستحقها *** فتشكر حتى الشحر منهم مساعيا

إلى أن ثووا صرعى ملبين داعياً *** من اللّه في حرّ الهجير أضاحيا

وعافوا ضحى دون الحسين نفوسهم *** ألا أفتدي تلك النفوس الزواكيا

وماتوا كراماً بالطفوف وخلّفوا *** مكارم ترويها الورى ومعاليا

وراح أخو الهيجا وقطب رجائها *** بأبيض ماضي الحد يلقى الأعاديا

وصال عليهم ثابت الجأش ظامياً *** كما صال ليثٌ في البهائم ضاريا

فردت على أعقابها منه خيفة *** وقد بلغت منها النفوس التراقيا

وأورد في ماء الطلى حدّ سيفه *** وأحشاه من حرّ الظماء كما هيا

إلى أن رُمي سهماً فأصمى فؤادَه *** ويا ليت ذاك السهم أصمى فؤاديا

فخرّ على وجه الصعيد لوجهه *** تريب المحيا للاله مناجيا

وكادت له الأفلاك تهوي على الثرى *** بأملاكها إذ خرّ في الأرض هاويا

تنازع فيه السمر هندية الظبا *** ومن حوله تجري الخيول الأعاديا

وما زال يستسقي ويشكو غليله *** إلى أن قضى في جانب النهر ضامياً

قضى وانثنى جبريل ينعاه معولاً *** ألا قد قضى من كان للدين حاميا

فلهفي عليه دامي النحر قد ثوى *** ثلاث ليال في البسيطة عاريا

وقد عاد منه الرأس في ذروة القنا *** منيراً كبد التمّ يجلو الدياجيا

وللسيد جواد الحائري مرثية مطولة اخترنا منها :

أيّ طرف يلذّ طيب الرقاد *** في مصاب أقرّ طرف الأعادي

ما أرى للكرام أذكى لهيب *** في الحشا من شماتة الحساد

ولذا منهم النفوس الزاكي *** طربت للجلاد يوم الجلاد

سيما المصطفين فتيان فهر *** سادة الخلق حاظراً بعد بادي

ص: 265

الملاقون بابتسام وبشر *** وابتهاج ركائب الوفاد

وأولوا العزم والبسالة والحزم ، *** وحلم أرسى من الأطواد

إن ريب المنون شتتهم في الأرض *** بين الأغوار والأنجاد

من طريح على المصلى شهيد *** قد بكته أملاك سبع شداد

يا بن عمّ النبي يا واحد الدهر *** وكهف الورى ويا خير هادي

أنت كفؤ البتول بين البرايا *** يا عديم الأشباه والأنداد

عجباً للسماء كيف استقرت *** ولها قد أُميل أقوى عماد

والثرى كيف ما تصدّع شجواً *** وبه خرّ أعظم الأطواد

وقلوب الأنام لم لا أُذيبت *** حين جبريل قام فيهم ينادي

هدّ ركن الهدى وأعلام دين *** اللّه قد نكست بسيف المرادي

واصيب الإسلام والعروة الوثقى *** وروح التقى وزين العباد

إن أتقى الأنام أرداه أشقى الخلق *** ثاني أخي ( ثمودَ وعاد )

فلتبكّيه عين كل يتيم *** وعيون الأضياف والوفاد

يا لرزء قد هدّ ركن المعالي *** حيث سرّ العداة في كل نادي

عدّه الشامتون في الشام عيداً *** أموياً من أعظم الأعياد

ومصاب أبكى الأنام حقيق *** فيه شق الأكباد لا الأبراد

وقتيل بالسيف ملقى ثلاثاً *** عافر الجسم في الربى والوهاد

لستُ أنساه إذ أتته جنود *** قد دعاها لحربه ابن زياد

فغدا يحصد الرؤوس ويؤتي *** سيفه حقه بيوم حصاد

كاد أن يهلك البرية لولا *** أن دعاه الآءله في خير نادي

بأبي ثاويا طريحاً جريحاً *** فوق أشلائه تجول العوادي

وبأهليَ من قد غدا رأسه للشام *** يهدى على رؤوس الصعاد

ونساء تطارح الورق نوحاً *** فوق عجف النياق حسرى بوادي

ص: 266

السيد باقر القزويني

اشارة

المتوفى 1333

أفدي قتيلاً بالعرى *** مُلقى على وجه الثرى

يا أكرم الناس أباً *** وواحد الدهر إبا

رزؤك يا بن النُجبا *** أوهى من الدين عُرى

أوهى عُرى الدين وقد *** هزّ من العرش العَمد

لم يجدني فيه الجَلد *** فكيف والدمع جرى

وأعظم الرزء كمد *** نساء خير الخلق جد

تُسبى لذي كلّ أحد *** تُهدى إلى شرّ الورى

لا كافلٌ ، ولا ولي *** قد سلبوهنّ الحلي

تندبُ نوحاً يا ( علي ) *** هذا حسينٌ بالعرى

هاتيك يا رب الابا *** عترة أصحاب العَبا

أفناهم حزّ الضبا *** يا ليت عينيك ترى

لهنّ ما بني العدى *** نَوحٌ يُذيبُ الجلمدا

تدعو إذا الصبح بَدا *** يا صبح لا عُدتَ تُرى

وله هذا البند في الإمام الحسين (عليه السلام) وقد قرئ في دارهم بالحلة والهندية في العشرة الاولى من المحرم في مجلس عامر بمختلف الطبقات.

ص: 267

ألا يا أيها الراكب يفري كبد البيد ، بتصويب وتصعيد ، على متن جواد أتلع الجيد ، نجيب تخجل الريح بل البرق لدى الجري ، إلى الحلبة في السبق ذراعاه مغاراً ، عج على جيرة أرض الطف ، وأسكب مزن الطرف ، سيولاً تبهر السحب لدى الوكف ، وعفر في ثراها المندل الرطب بل العنبر خديك ، ولجها بخضوع وخشوع بادي الحزن قد ابيضت من الأدمع عيناك ، فلو شاهدت من حلّ بها يا سعد منحوراً شهيداً لتلظيت أُوارا ، فهل تعلم أم لا يا بن خير الخلق سبط المصطفى الطهر ، عليه ضاق برّ الأرض والبحر ، أتى كوفان يحدو نحوها النجب ، وقد كانوا اليه كتبوا الكتب ، وقد أمّهم يرجو بمسراه إلى نحوهم الأمن ، فخفّت أهلها بابن زياد وحداها سالف الضغن ، وأمّت خيرة الناس ضحى بالضرب والطعن ، هناك ابتدرت للحرب أمجاد بهاليل ، تخال البيض في أيديهم طيراً ابابيل ، فدارت بهم دائرة الحرب وبانت لهم فيها أفاعيل ، وقد أقبلت الأبطال من آل علي لعناق الطعن والضرب ، ونالت آل حرب بهم الشؤم بل الحرب ، كما قد غبروا في أوجه القوم وغصت منهم بالسمر والبيض رحى الحرب ، كرام نقباء نجباء نبلاء فضلاء حلماء حكماء علماء ، وليوث غالبية ، وحماة هاشمية ، بل شموس فاطمية وبدور طالبية ، فلقد حاموا خدورا ، ولقد أشفوا صدورا ، ولقد طابوا نجاراً أسد مذ دافعوا عن حرم الرحمن أرجاس ، فما تسمع إلا رنة السيف على الطاس ، من الداعين للدين هداة الخلق لا بل سادة الناس ، ولو تبصر شيئاً لرأيت البيض قد غاصت على الرأس ، ففرت فرق الشرك ثباً من شدة البأس ، ولا تعرف ملجى لا ولا تعقل منجى ، لا ولا تدري إلى أين تولي وجهها منهم فرارا ولم يرتفع العثير إلا وهم صرعى مطاعين ، على الرمضاء ثاوين ، بلا دفن وتكفين تدوس الخيل منهم عقرت أفئدة المجد ، ومجّت منهم البوغا دماً عزّ على المختار أحمد ، ففازوا بعناق الحور إذ حازوا علاءً وفخارا ، ولم يبق سوى السبط وحيداً بين

ص: 268

أعداه ، فريداً يا بنفسي ما من يتفداه ، وإذ قد علم السبط بأن لا ينفع الأقوام إنذار ، ولا وعظ وتحذير وإزجار ، تلقاهم بقلب ثابت لا يعرف الرعب وسيف طالما عن وجه خير الخلق طراً كشف الكرب ، وناداهم إلى أين عبيد الامة اليوم تولون ، وقد أفنيتم صحبي وأهلي فإلى أين تفرون.

وقد ذكرهم فعل علي يوم صفين ، وفي جمعهم قد نعبت أغربة البين ، وما تنظر أن صال على الجمع سوى كف كميٍّ نادر أو رأس ليث طائر في حومة البيد ، ترى أفئدة الفرسان والشجعان والأقران من صولته في قلب رعديد ولما خطّ في اللوح يراع القدر المحتوم أن السبط منحور ، هوى قطب رحى العالم للارض كما قد خرّ موسى من ذرى الطور ، صريعاً ضامياً والعجب الأعجب أن يظمى وقد سال حشاه بالدم المهراق حتى بلغ السيل زبى الطف ، لقىً ينظر طوراً عسكر الشرك وطوراً لبنات المصطفى يرمق بالطرف ، هناك الشمر قد أقبل ينحو موضع اللثم لخير الخلق يا شلت يدا شمر ، فكان القدر المقدور واصطك جبين المجد إذ شال على الرمح محيّا الشمس والبدر ، وداست خيلهم يا عرقبت من معدن العلم فقار الظهر والصدر ، طريحاً بربى الطف ثلاثاً يا بنفسي لن يوارى ، وأدهى كل دهماء بقلب المصطفى الطاهر توري شرر الوجد ، هجوم الخيل والجند ، على هتك خدور الفاطميات وإضرام لهيب النار في الرحل بلا منع ولا صدّ ، وقد نادى المنادى يا لحاه اللّه بالنهب ، وقد جاذبت الأعداء أبراد بنات الوحي بالسلب ، فيا لله للمعشر من هاشم كيف استوطنوا الترب ، وقرّت فوق ظهر الذل والهون وقد أبدت نساهم حاسرات بربى البيد بنو حرب ، على عجف المطايا بهم تهتف بالعتب ، أفتيان لوي كيف نسري معهم ليس لنا ستر ، ومنا تصهر الشمس وجوها بكم لم تبرح الخدر ، ألا أين الحفاظ اليوم والغيرة والباس ، ألا أين أخو النخوة والغيرة عباس ، أتسبى لكم مثل سبايا الترك والديلم ربات خدور ما عهدنا لكم عن مثله صبر ،

ص: 269

ونستاق أُسارى حسراً بين عداكم ليزيد شارب الخمر ، لقد خابت فغضّت بصراً عن عتبهم إذ حال ما بينهم الموت ، ونادت بعلي هتفاً مبحوحة الصوت ، على مثل بني المختار يا عين فجودي واسكبي أدمعك اليوم غزارا ، ويا قلب لآل المرتضى ويحك فاسعدني أوارا ، فعليهم عدد الرمل سلام ليس يحصى وثناء لا يُجارى.

* * *

هو السيد باقر ابن السيد هادي ابن السيد ميرزا صالح ابن السيد مهدي القزويني. ودوحة آل القزويني كل أغصانها شعراء وعلماء وادباء فكلهم أهل فضل وأدب وكرم. أرسله والده مع اخوته في عنفوان صباه إلى النجف لتحصيل العلم وما كانوا يفارقونها إلا في شهور التعطيل ، وقد برع المترجم له فأتقن العلوم العربية بمدة وجيزة على جماعة من الأساتذة وكان آية في الذكاء مؤهلاً لنيل المقامات العالية التي بلغها أسلافه الكرام ، وجلّ ما حصل عليه من الأدب هو من عمه السيد أحمد وعم أبيه السيد محمد ، ولما اقترن بإحدى كرائم خاله السيد موسى بن جعفر عقدت له مهرجانات أدبية ألقيت فيها القصائد والتهاني.

ولد في ربيع الاول سنة 1304 وتوفي في جمادى الثانية سنة 1333. قال عنه أخوه العلامة السيد مهدي القزويني في مقدمة ديوانه المخطوط الذي سماه ب اللؤلؤ النظيم والدر اليتيم - كان عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً ، حديد الذهن جيد الفهم ، حلو التعبير وسل مَن به خبير : له منظومة في الصرف محلاة بأحلى بيان ، ومتن مختصر في المعاني والبيان ومنظومة في نسبه الشريف. قال الشاب البحاثة السيد جودت القزويني : وقفت على نسخة بالية طمست أكثر أوراقها من منظومته في الصرف وهي تنيف على 500 بيتِ ، أولها :

قال فقير الزاد للمعاد *** محمد الباقر نجل الهادي

ص: 270

ومن مؤلفاته مجموع في ( الأدعية والاحراز ) جمع فيه ما رواه عن مشايخه في الحديث والاجازة وعلى رأسهم عمّ والده أبو المعز السعيد محمد القزويني وجدّه الميرزا صالح القزويني ، ويروي عنه بواسطة :

أوله : قد جمعت في هذه الأوراق صور أدعية واحراز وبعض الأخبار المروية جميعاً عن أهل بيت العصمة الواصلة إليّ إجازة روايتها وقراءتها حذراً على شموسها من الافول وإشفاقاً على أوراقها من الذبول.

أخبرني السيد جودت القزويني أن نسخة الأصل عند السيد عبد الحميد القزويني التي أضاف اليها ما استجدّ له من الاحراز ، قال رأيته في مكتبته في قضاء ( طويريج ) وله أرجوزة في المنطق لم يعثر عليها ، أما ديوانه الذي ينيف على الألف وخمسمائة بيت في أغراض مختلفة فتوجد نسخة منه أو أكثر في مكتبات آل القزويني ، فمن نتفه ونوادره قوله في العتاب متضمناً قاعدة منطقية :

أمن المروءة أن تبيح لعاذل *** وصلا وتهجر مدنفاً مشتاقا

خلفتني بجفاك ( مفهوم ) الضنى *** وغدا فؤادي للجوى ( مصداقا )

وقال متضمناً قاعدة اصولية :

وآعد بالوصل إذ تحقق *** أني بطول الهوى مطوق

فقمتُ بالانتظار حولا *** لعلّ باب الوفاء يطرق

تعبداً بالدليل ( صرفا ) *** لأن لفظ الدليل ( مطلق )

وله في الجناس :

وشادن قلت له *** صلني ، فلما وصلا

لم يُبق ، لي لا والهوى *** بالوصل صومٌ ( وصلا )

ومن ثنائياته قوله :

السيف قد ينبو - أخا المجد - وال- *** جواد قد يكبو ، وقد يعثر

والماجد الحبر إذا زلّت ال- *** أقدام في صاحبه يعذر

ص: 271

وله :

لما رأى نار وجدي *** قد أضرمتها شجوني

أباح رشف لماه *** وقال ( يا نار كوني )

ومن طرائفه قوله مشطرا :

( يقول أنا الكبير فوقروني ) *** وأكبر منه جثمان البعير

أكلّ كبير جسم عظموه *** ( ألا ثكلتك أمك من كبير )

( إذا لم تأت يوم الروع نفعاً ) *** ولا في السلم تسمح باليسير

ولا تسمو بعلم أو بخلق *** ( فما فضل الكبير على الصغير )

وقال مخمساً ، والاصل لبعض الادباء :

عاشرت أبناء الورى فهجرتهم *** وبلوت جلّ قبيلتي فعرفتهم

فغدوت منفرداً وقد ناديتهم *** يا إخوة جرّبتهم فوجدتهم

من إخوة الأيام لا من إخوتي

فاخترت من حسن التجنب عنهم *** ما لو سئلت لكنت أجهل مَن هم

هيهات أطمع بعد ذلك فيهم *** فلأنفضنّ يديّ يأساً منهم

نفض الأنامل من تراب الميت

ومن نوادره ما رسمه بخطه قائلاً : تطرق ديارنا تصوير سيدنا ومولانا أمير المؤمنين وسيد الوصيين معكوساً عما وجد في خزائن اليونان ، مصوراً بالقلم في ماضي الأزمان ، فأمر عمي السيد محمد (1) سلمه اللّه جمعاً من الادباء بأن ينظم كل بيتين. وبعد أن نظم هو حرسه اللّه ، أمرني وأمر ابن عمي السيد محسن بأن ينظم كلانا ، فخدمنا تلك الحضرة إذ امتثلنا أمره ، والذي يحضرني منها بيتاه - حفظه اللّه وهي هذه :

ص: 272


1- هو أبو المعز السيد محمد القزويني المتوفى 1335 ه.

هو تمثال حيدر الطهر فأعجب *** ليدٍ صوّرت له تمثالا

زره وألثمه واستلمه وعظّم *** شكل تمثاله تنل آمالا

وبيتاي هما :

قيل لي في مثال حيدر شرّف *** نور عينيك إنه نبراس

قلتُ عن ضمّه العوالم ضاقت *** عجباً كيف ضمه القرطاس

وتقدم في هذا الكتاب بيتان للشيخ يعقوب النجفي المتوفى 1329 حول هذا التصوير المقدس.

ومن شعره في الغزل :

كم تمنيت والمحال قريني *** أن يكون الحبيب طوع يميني

كم تحدثت باسم ليلى شجوناً *** وهو القصد في حديث شجوني

ما تخيلت أن فيه شبابي *** ينقضي بين زفرة وأنين

فلي اللّه من قتيل لحاظ *** من عيون فديتها بعيونِ

وله :

ضاقت عليَّ مساكن البلد *** مذ بان عني منية الكبد

أحبيب بعدك لم أجل أبداً *** عينيّ من وجد على أحد

ما كنت أعلم قبل بينكم *** أن النوى يوهي قوى جلدي

هل لي بأوباتٍ أفوز بها *** منكم وابذل جلّ ما بيدي

وأرسل كتاباً إلى والده الهادي من النجف عن لسانه ولسان إخوته يستعطفونه فيه بزيادة رواتبهم التي خصصها لهم في كل شهر ، أثناء دراستهم وذلك سنة 1325 نثبت قدر الحاجة منه : أدام اللّه مولانا وحرسه وحفظ ذلك الغصن الذي أثمر العز مذ غرسه وجعله مفتاحاً لكل فضل ارتجت أبوابه ومصباحاً تستضيء به أرباب العلم وطلابه ، أي ومننك السابقة وأياديك اللاحقة لأنت الذي لبست للندى غلالته واللّه أعلم حيث يجعل رسالته ، نعوذ

ص: 273

بك من إفلاس صال علينا بجنوده ، وفاجأنا بعدته وعديده ، يبتغي قتل كل معسر ويرتّل ربي يسر ولا تعسر ، فتحصّن منه مَن تحصن وما لنا حصن سواك ، وتطامن للذل من تطامن وكيف يتطامن مَن يؤمل جدواك :

وأنت لنا درع حصين وصارم *** بهن على الدهر الشديد نصول

ونلقى جيوش العدم فيك فتنثني *** رماح لها مفلولة ونصول

فيا بقيت يا جمّ المناقب وزعيم العز من آل غالب منهلاً للوارد ومنتجعاً للوافد ، ترشد بهداك الساري وتكسو بفيض أناملك العاري ، فوفر أرزاقنا بما أنت أهله فإنك فرع الكرم وأصله ، فإنا لا نرجو بعد اللّه سواك ولا نقبل إكرام كل مكرم إلاك ، ولك الفضل أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً :

وارع لغرس أنت أنهضته *** لولاك ما قارب أن ينهضا

وقد صدر هذه الرسالة بقصيدة طويلة مدرجة في ديوانه المخطوط. وهذه قطعة من شعره الذي أبّن فيه عمّ والده وهو السيد حسين ابن السيد مهدي قدس سره :

اعاتب دهراً ليس يصغي لعاتب *** بجيش المنايا لا يزال محاربي

اعاتب دهراً جبّ غارب هاشم *** وغالب غلباً من نزار وغالب

ولفّ لواء من لويٍّ ونال من *** قصيّ العلا أقصى المنى والمآرب

وغار على بيت المكارم والهدى *** فأرداه ما بين النوى والنوائب

وأفجع في فقد الحسين محمداً *** وآل أبيه خير ماش وراكب

مصائبنا لم تحص عداً وهونت *** مصيبتك الدهماء كل المصائب

نعتك السما يا بدرها نعي ثاكل *** إلى البلد القاصي بدمع السحائب (1)

فقدناك عيشاً إن تتابع جد بها *** فقدناك غوثاً للامور الصعائب

ص: 274


1- يشير إلى هطول الأمطار يوم وفاته.

الشيخ باقر حيدر

المتوفى 1333

قال في مطلع قصيدة في الامام الحسين 7 وهي من القصائد المطولة :

إن لم أكن باكياً يوم الحسين دما *** لا والهوى لم أكن أرعى له ذمما

لا أشكر العين إلا إن بكت بدم *** أولا فياليتها تشكو قذى وعمى

وأنت يا قلب إن لم تنتثر قطعاً *** في أدمعي لم تكن في الحب منتظما

إن كنت مرتضعاً من حبّ فاطمة *** لا تترك الدمع من أحشاك منفطما

فقد جرت لحسين دمعها بدم *** فجارها في البكا وابك الحسين دما

ونكبة زلزلت في الارض ساكنها *** وأوقفت في السما أفلاكها عظما

تنسي الحوادث في الدنيا إذا قَدُمت *** وحادث الطف لا يُنسى وإن قدما

يا بن النبي الذي في نور طلعته *** زان الهدى وأزال الظلم والظلما

أصات ناعيك في الدنيا فأوقرها *** مسامعاً واشتكت أسماعها صمما

قد جلّ رزؤك حتى ليس يعظم لي *** في الدهر من بعد رزءٌ وإن عظما

لك الفرات أباح اللّه مورده *** ففيم تصدر عنه ظامياً ولما

إن كال قيل - ولا ذنب أتيت به - *** فما لطفلك منه لم يبلّ ظما

* * *

الشيخ باقر حيدر هو ابن الشيخ علي بن حيدر ولد في النجف ونشأ على الفضيلة واشتغل بطلب العلم الديني ورحل إلى سوق الشيوخ وهذه المنطقة تدين

ص: 275

بالولاء لهذا البيت ، فكان المترجم له موضع تقدير واحترام من كافة الطبقات. ترجم له صاحب الحصون ، وفي الطليعة : كان فاضلاً مشاركاً مصنفاً هاجر من بلده سوق الشيوخ إلى النجف فحضر على علمائها ثم هاجر إلى سامراء فحضر على السيد ميرزا حسن الشيرازي ثم عاد إلى النجف بعد وفاة السيد الشيرازي ثم عاد إلى محله واستقلّ بالزعامة وكان أديباً له مطارحات مع بعض الشعراء وله مراث للائمة الأطهار ، ومن آثاره حاشية على القوانين في مجلدين ، وتقريرات استاذه الشيرازي ومنظومة في الأصول. توفي في سوق الشيوخ سنة 1333 ونقل نعشه إلى النجف الأشرف وأعقب ثلاثة أولادهم ، الشيخ جعفر ، والشيخ محمد حسن والشيخ صادق ، وللمترجم له ديوان شعر يحوي فنون النظم وهذا نموذج من نظمه. مرثية للشهيد الحسين 7 وهذا المقطع الأول منها.

سرى البرق يحدو المثقلات من الوطف *** فأقلت عزاليها وخفّت على الطف

ولو أن ماء العين يشفي ربوعها *** بكيت دماً لكنّ دمعي لا يشفي

فلله ما ضمته أكناف كربلا *** من الجود والمجد المؤثل والعرف

لقد حسد المسك الفتيت ترابها *** فما مثله الداري من المسك في العرف

فلهفي لقوم صرعوا في عراصها *** عطاشى على الشاطي وقلّ لهم لهفي

بها أرخصوا الأرواح وهي عزيزة *** فدىً لهم روحي وما ملكت كفي

فما تضرب الهامات إلا تنصّفت *** وخير الظبا ما يقسم الهام بالنصف

بأيمانهم يستأنس السيف في اللقا *** كما في التلاقي يأنس الالف بالالف

ص: 276

الشيخ طاهر السوداني

المتوفى 1333

هلّ المحرم فاستهل بكائي *** فيه لمصرع سيد الشهداء

ماعدت يا عاشور الا عاد لي *** كمدي وهجتَ لواعج البرحاء

لهفي على تلك الجسوم على الثرى *** تصلى بحرّ حرارة الرمضاء

أسفاً على تلك الوجوه كأنها *** الأقمار قد تُربِّن في البوغاء

من كل وضاح الجبين لهاشم *** يُنمى لرأس الفخر والعلياء

الشيخ طاهر ابن الشيخ حسن أديب معروف وعالم فاضل ، ولد في النجف 1260 ونشأ بها ودرس عند الشيخ حسن المامقاني وكانت عشيرة السودان في لواء ميسان تعتز به وتفتخر بعلمه وأدبه ، وكان ولده الشاعر الشهير الشيخ كاظم يتحدث عن شعر أبيه وعن ديوانه الذي يضم أكثر من ستة آلاف بيت غير أنه فقد في بعض أسفاره ولم يبق لديه إلا سبع قصائد في رثاء الإمام الحسين 7 ، وللمترجم له شهرة أدبية. توفي في ميسان سنة 1333 ه ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في وادي السلام ، ذكره الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) فقال : كان من أهل الفضل والأدب ، جميل اللفظ حسن المحاورة بديهي النظم وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وروى جملة من أشعاره من رثاء وغزل ومراسلات.

أقول ورأيت في مخطوطة بمكتبة ( حسينية الشوشترية ) رقم 132 خزانة 131 جملة من المراثي الحسينية من نظم الشاعر المترجم له وهذه أوائل القصائد :

1 - أمن دمنتي نجران عيناك تهمل *** لك الخير لا يذهب بحلمك منزل

2 - فيا ثاوياً والذل لم يلو جيده *** وردت الردى كالشهد عذب الموارد

3 - لا غمضت هاشم أجفانها *** إن لم تسل بالطعن إنسانها

4 - اليك الوغى يابن الوغى تعلن الندبا *** فلبّ الندا منها فيا خير مَن لبّى

ص: 277

الشيخ جواد الحلي

المتوفى 1334

من شامخات المجد دك رعانها *** خطب أطاش من الورى أذهانها

ومنها :

ما آمنت باللّه لمحة ناظر *** مذ خالفته وحالفت أوثانها

ودعت لبيعتها ابن مَن بحسامه *** لله أذعنت الورى إذعانها

من معشر لهم العلى ووليدهم *** يسقى غداة رضاعه ألبانها

لهم الفواضل والفضائل ناطق *** فيها الكتاب مفصّل تبيانها

في هل أتى جاءت نصوص مديحهم *** ما كان أوضح للمريب بيانها

وبآية التطهير محكم ذكرها *** قد خصها شرفاً وأعلى شانها

يا ما أجلّ مكانها بذرى العلى *** بذرى العلى يا ما أجلّ مكانها

فسرى لحربهم بأكرم فتية *** يذكي لهيب سيوفهم نيرانها

مرهوبة السطوات إن هي جردت *** بيض السيوف وكسّرت أجفانها

كرهوا الحياة على الهوان وإنما *** يتصعب الشهم الأبيّ هوانها

فجلوا دجى الهيجاء بالغرر التي *** قد علّمت شمس الضحى لمعانها

بأبي الاولى قد عانقوا أسل القنا *** والبيض حتى وزعت جثمانها

وثوت كما يهوى الحفاظ لأنفس *** دون الهدى قد فارقت أبدانها

نهبت جسومهم الصفاح ومنهم *** تخذت رؤوسهم القنا تيجانها

ص: 278

وفي آخرها :

ما بال اسد نزار وهي إذا سطت *** تخشى الأسود ضرابها وطعانها

رقدت وما ثارت إلى ثاراتها *** بالخيل تحمل للوغي فرسانها

لا أدركت بشبا القواضب مطلباً *** في المجد إن هي حاولت سلوانها

لم يغنها عن قرع واتر مجدها *** بالبيض قرع بنانها أسنانها

ألويّ دونك فالبسي حلل الجوى *** وبفيض دمعك فاصبغي أردانها

هذا أبو السجاد غير مشيع *** بثرى الطفوف مصافحاً كثبانها

الشيخ جواد ابن الشيخ عبد علي ترجم له اليعقوبي في ( البابليات ) فقال : سمعت من جماعة من شيوخ الحلة ان هذا الشاعر انحدر من اصل فارسي وإنما استوطن أجداده الحلة قبل قرنين أو أكثر وكانت ولادة المترجم له ونشأته في الحلة ، وحين رأى أبوه استعداده ورغبته بالعلم والأدب أرسله إلى النجف وهو ابن خمس عشرة سنة من اجل طلب العلم الديني فسكن مدرسة ( المهدية ) قرب مسجد الطوسي ومكث فيها مدة حياته الدراسية فحظي بقسط وافر من الفضل والأدب ثم هو يتردد على مسقط رأسه الحلة حتى إذا كانت سنة 1334 قدم الفيحاء جرياً على عادته وعداته فمرض ولازم الفراش وتوفي آخر ذي الحجة من السنة المذكورة وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف ، وعمره يوم وفاته يقارب الخمسين سنة.

كان المترجم له ناظما مكثراً جمع ديوان شعره في حياته وصار الديوان في حيازة أخيه الشيخ كاظم ، وله قطعة يهنيء بها العلامة الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء بزفاف ولده الشيخ محمد رضا ، وقصيدة يتوسل فيها بالنبي وآله أولها :

أبيتُ ونار الوجد ملء الحيازم *** أكفكف من فيض الدموع السواجم

تساورني أفعى الهموم بناقع *** من السم تخشى منه رقش الأراقم

ص: 279

وله اخرى لامية في التهنئة أيضاً رواها الخاقاني في ( شعراء الحلة ).

وترجم له هناك فقال : كانت له صحبة وعلاقة مع الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسام وبينهما مساجلات شعرية ، والمترجم له كان لبقاً سريع الجواب قوي البديهة قال الخطيب قسام : كنت احتفظ له بمجموعة من الشعر أكثرها في مراثي الامام الحسين ، وكان قصير القامة نحيف البدن خفيف العارضين.

ذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) في كتابه ( سمير الحاضر ) وروى له طائفة من أشعاره في مختلف المناسبات ، وهذه إحدى روائعه :

كم تغاضيك على الجور احتمالا *** ولقد هدّ تغاضيك الجبالا

أيها الغائب كم تشكو الورى *** لك من طول تخفّيك اعتلالا

قطعت أكبادها الشكوى أما *** آن أن تمنحها منك وصالا

أترى الأرض عليك اتسعت *** وعليها ضاقت الدنيا مجالا

أين عنها لك قد طاب الثوى *** ولماذا دونك المقدار حالا

كل يوم لك منها ألسنٌ *** بفنون العتب ينشرن المقالا

كلما زادتك عتباً في النوى *** زدتها في وَعدِ لقياك مطالا

هل للقياك لها من منهج *** كيف علّمها للقياك احتيالا

أو ما ترنو إلى صبح الهدى *** فوقه امتدّ دجى الغيّ وطالا

لك كم ضجّ الهدى يا غوثه *** وشكا الدين الحنيفيّ انتحالا

يستغيثان إلى عدلك من *** أهل جور فيهما ساؤوا فعالا

يستثيرانك في ثارهما *** ومن الضرّ يبثانك حالا

صرخا عن لوعة واستنهضا *** خير ندب ثبتا فيه اعتدالا

أو ما ينهضك العزم الذي *** ناره أذكى من الجمر اشتعالا

هل أبى سيفُك في يوم الوغى *** والقنا الخطيّ سلّا واعتقالا

ص: 280

كيف تغضي وعداك انتهرت *** محكم الدين وساموه زوالا

أخرّت أكرم مقدامٍ به *** يوم ( خم ) بلغ الدين الكمالا

أمنت سطوة مرهوب اللقا *** فاستقادته على الأمن اتكالا

ولتيمٍ وعدّيٍ أمره *** آل يوم اغتصبوا لله آلا

وبه من عبد شمس لعبت *** فتية منها شكا الداء العضالا

أترى حقك ما بين العدا *** تتهاداه يميناً وشمالا

وشبا عضبك مغمود ولا *** ينتضي عن غضب اللّه انسلالا

يا لموتورٍ على أوتاره *** يتردى بردة الصبر اشتمالا

غرّ إمهالك جبّار الورى *** وبه الغيّ على الرشد استطالا

ناكلاً عن مدرج الحق ولم *** ير من بطشك بأساً ونكالا

أعلى ثارك في طيب الكرى *** تمنح الجفن وحاشاك اكتحالا

والظبا ما ألفت أجفانها *** طمعاً في طلب الثار نصالا

والمذاكي يتصاهلن وكم *** لك من طول الثوا تشكو ملالا

زعجت في صوتها بيض الظبا *** وعليه هزّت السمر الطوالا

فأثرها للوغي ضابحة *** في ذراها هبة الاسد صيالا

بالمواضي والقنا السمر التي *** نفثة الموت يعلّمن الصلالا

ينثني القرم عن الطعن بها *** خوف لقياه من الروح انفصالا

والمنايا تسبق الطعن إلى *** نفسه من قبل أن يلقى القتالا

والملأ البيداء عدلاً بعدما *** ملئت ظلماً وجوراً وضلالا

واحتكم بالسيف فيمن بشبا *** ظلمها جرح الهدى عزّ إندمالا

وانتقم من فتية أفناكم *** ظلمها في الحكم سمّاً وقتالا

كم لكم في الأرض مطلول دم *** طبق الآفاق نوحاً يوم سالا

والذي قد طلّ بالطف له *** مادت الخضرا وركن العز مالا

ص: 281

أو ما وافاك ما في كربلا *** من حديث ينسف الشمّ الثقالا

نزل الكرب بها إذ دعيت *** آلك الأطهار للحرب نزالا

يوم حرب ملأت صدر الفضا *** عصباً يقتادها الغيّ عجالا

سادها نشوان في أدنى الورى *** رأسه لو قيس ما ساوى النعالا

فرأى من بأس خواض الوغى *** شدة قد فنيت فيها انذهالا

لم يكن إلا على شوك القنا *** ماشياً في منهج العز اختيالا

حاملاً ألوية العزّ إلى *** موقف فيه يراهنّ ظِلالا

لذرى العزّ به همّته *** قوضت عن مهبط الضيم ارتحالا

بقروم شحذت في عزمها *** قضب الهنشد وسنّوها صقالا

أنهلوها يوم سلّوها دماً *** فيه قد درّت طلى الشوس سجالا

فهم الآساد في الحرب وقد *** كان يوم السلم يدعوها رجالا

وهم غاية طلاب الندى *** ولهم راجية قد شدّ الرحالا

ما دعاها لنزال أو ندى *** هاتفٌ إلا أجابته عجالا

فهي للداعي وللراجي لها *** تمنح القصد نزالاً ونوالا

أرضعت طفلهم الحرب سوى *** أنه يأبى عن الدرّ فصالا

عوذت بالبيض من شبّ لها *** أمّه الهيجاء أن يلقى اكتهالا

يعقد العز لناشيها على *** راية قد زانها الفخر جمالا

ما تثنت في اللقشا إلا رأى *** غادة قد هزّت العطف دلالا

زفّها المجد لكفؤ إن سرى *** يقدم الجمع بها جلّ فعالا

وجلاها لكريم نفسه *** كرمت في ملتقى الموت خصالا

خضبت من بعد ما زفّت له *** بدم الأبطال طعناً ونصالا

ولها طاب اعتناقاً في دجا *** معرك فيه منى حوباه نالا

وجثت في موقف دقّت به *** أنف مَن بالسوء يبغيها اغتيالا

ص: 282

موقف قد حلقت رهبته *** بحشا الأسد وأنستها المصالا

ليس تشكو سأم الحرب وإن *** شكت البيض من الضرب الكلالا

لم تزد إلا نشاطاً في وغى *** جدها ألفى ضواريها كسالى

عزةً حنّت إلى ورد الردى *** دون أن تسقى على الهون الزلالا

فأشادوها معالٍ لم يصب *** طائر الوهم لأدناها منالا

وبها قد هتف اللطف الى *** حضرة القدس فلبّته امتثالا

فتداعوا وهم هضب حجىً *** وتهاووا قمراً يتلو هلالا

لم تجد حرّى على لفح الظما *** وهجير الشمس ريّاً وظلالا

كم صريع عثرت فيه الظبا *** عثرةً عزّ عليها أن تقالا

والعوالي وسدته بعدما *** قطرته عن ذرى الخيل الرمالا

ومعرّى لم يجد برداً سوى *** صنعة الريح جنوباً وشمالا

يا قتيلاً ثكلت منه وقد *** عقمت عن مثله الحرب ثمالا

وجديلاً شرقت بيض الظبا *** بدماه والقنا السمر انتهالا

وقفت بعد أفلاك الوغى *** في ملمٍ قطبُها الثابت غالا

فهوى والكون قد كاد له *** جزعاً يفنى بمن فيه اختلالا

ثاوياً نحت القنا في صرعة *** قصرت عن شكرها الحرب مقالا

يتشكى صدره من غلّةٍ *** لو تلاقي زاخراً جفّ وزالا

جرت الخيل عليه بعدما *** قُظُباً لاقى وسمراً ونبالا

فهو طوراً للعوالي مركز *** وهو طوراً صار للخيل مجالا

بأبي من بكت الخضرا له *** بدم عن لونه الافق استحالا

وعليه الملأ الأعلى بها *** حرقاً لازمه الحزن انفصالا

فغدى النوح له شأناً وقد *** كان تقديساً وحمداً وابتهالا

وعليه قمراها لبسا *** ثوب خسف أفزع الكون وهالا

وبكته الأرض بالمحل وما *** كاد يجري فوقها الغيث انهلالا

يا مريد الرفد لا تعقل فمن *** تبرك النجب بمغناه عقالا

ص: 283

قد مضى من لم يزل يوقرها *** يوم تأتي تحمل الآمال مالا

إن ترد تثقلها آمالها *** فبوفر الجود يصدرن ثقالا

فلتقطّع فيه أحشاها جوىً *** مَن على نائله كانت عيالا

وذوى روض الأماني بعدما *** كان يخضلّ بجدواه اخضلالا

وجهه ينهلّ بالبشر كما *** يده بالجود تنهلّ انهلالا

يلثم الوافد منه أيدياً *** سحباً تسبق بالوكف السؤالا

يا لخطب نسف البيداء مذ *** زلزل الأجبال منها والتلالا

كم قتيل من بني الهادي به *** عند حرب دمُه طلّ حلالا

واسير عضّه قيد العدى *** ويتيم في السبى يشكو الحبالا

ونساء سجَفَ اللّه لها *** حرم المنعة عزاً وجلالا

قد أحاطت هيبة اللّه به *** فهو بالطرف منيع أن ينالا

بل لو ان الوهم في إدراكه *** جدّ لم يدرك لمعناه مثالا

حجبت فيه التي ما شامها *** أبداً إلاه شخصاً أو خيالا

طاشت الأوهام فيه فرأت *** كونها في عالم الدنيا محالا

أصبحت بارزة منه على *** رغم عليا مضر حسرى وِجالا

ذعرتها هجمة الخيل على *** خدرها أمّته امّاً ورعالا

فانجلت عنه وقد سُد الفضا *** دونها تطلب كهفاً ومآلا

وبعين اللّه أضحت في السبى *** تمتطي قسراً عن الخدر الجمالا

نصلت وخداً ومن طول السرى *** عنقاً كادت بأن تفني هزالا

كلما قد هتفت في قومها *** إذ حدا الحادي بها والركب شالا

زجرت بالشتم من آسرها *** وعليها السوط بالضرب توالى

غادرتهن الرزايا وُلّها *** إذ ترادفن عليهن انثيالا

يا لها نادبة تدعو ولم *** تلف للمنعة من فهر رجالا

قد مضى عنها المحامون الأولى *** دونها يوم الوغى ماتوا قتالا

كلما حنّت لقتلاها شجى *** أنست النيب من الثكل الفصالا

ص: 284

الشيخ حسن البدر

اشارة

المتوفى 1334

ومن ينظر الدنيا بعين بصيرة *** يجدها أغاليطا وأضغاث حالم

ويوقظه نسيان ما قبل يومه *** على أنها مهما تكن طيف نائم

ولا فرق في التحقيق بين مريرها *** وما يُدّعى حلواً سوى وهم واهم

فكيف بنعماها يُغرّ أخو حجى *** فيقرع إذ عنه انزوت سنّ نادم

وهل ينبغي للعارفين ندامة *** على فائتٍ غير اكتساب المكارم

وما هذه الدنيا بدار استراحة *** ولا دار لذّاتٍ لغير البهائم

ألم تر آل اللّه كيف تراكمت *** عليهم صروف الدهر أيّ تراكم

أما شرقت بنت النبي بريقها *** وجرعها الأعداء طعم العلاقم

أما قتل الكرار بغياً بسيف مَن *** بغى وطغى فيما أتى من مآثم

عدوّ إله العالمين ابن ملجم *** واشقى جميع الناس من دور آدم

وإن أنس لا أنس الحسين وقد غدا *** على رغم أنف الدين نهب الصوارم

قضى بعدما ضاقت به سعة الفضا *** فضاق له شجواً فضاء العوالم

فما لنزار لا تقوم بثأرها *** فترضع حرباً من ضروع اللّهاذم

فهل رضيت عن سفك آل أمية *** دماها بإجراء الدموع السواجم

هبوا القتل فيكم سيرة مستمرة *** فهل عرفت كيف السبى ابنة فاطم

أهان عليكم هجمة الخيل جدرها *** كأن لم يكن ذاك الخبا خدر هاشم

ص: 285

لها اللّه من مذعورة حين اضرموا *** خباها ففرت كالحمام الحوائم

فما بال قومي لا عدمت انعطافهم *** وكانوا أباة الضيم شحذ العزائم

أعاروني الصما فلم يسمعوا الندا *** ألم يعلموا أني بقيت بلاحمي

أعيذكم أن تستباح حريمكم *** وتسبى نساكم فوق عجف الرواسم

أيرضى إباكم أن تساق حواسراً *** كما شاءت الأعدا إلى شرّ غاشم

جاء في شعراء القطيف : هو العلامة الحجة الشيخ عبد اللّه بن محمد بن علي ابن عيسى بن بدر القطيفي كان مولده سنة 1278 في النجف الأشرف ونشأ بها وترعرع وتفيأ ظل والده المغفور له فقد كان من مشاهير عصره علماً وفقهاً وتحقيقاً ومن هذا النمير الصافي نهل مترجمنا ثم فوجيء بفقده في أيام صباه وسافر إلى وطنه القطيف وتلمذ على يد أعلامها كالشيخ علي القديحي وأمثاله ولم يزل حتى بلغ الغاية القصوى وإذا هو ذلك المجتهد الكبير والمصلح العام ثم كرّ راجعاً إلى النجف الأشرف وبقي مدة مواصلاً للطلب بين درس وتدريس وتأليف حتى طلبه عمّه إلى القطيف وبعد أن تزوج بأحد أكفائه توجه إلى مكة لاداء فريضة الحج وبعده أبحر من مكة المكرمة إلى النجف الأشرف من طريق جدّه ولا زال موئلاً لرواد العلم والحقائق مستقلاً بحوزة علمية لما عليه من النضوج العلمي والورع والتقى والصلاح وقد ارتوى من نمير علمه الصافي كثيرون من رواد العلم والحقائق كوالدنا المرحوم والشيخ حسين القديحي وأمثالهما.

توفي رحمه اللّه بالكاظمية سنة 1334 ودفن في جوار الكاظميين علیهماالسلام وكان رحمه اللّه يقول الشعر بالمناسبات وأكثره في أهل البيت ومنه هذه المرثية :

متى فقدت أبنا لوي بن غالب *** إباها فلم ينهض بها عتب عاتب

ص: 286

أما قرعت أسماعها حنّة النسا *** اليها بما يرمى الغيور بثاقب

فكم نظمت جمر العتاب قلائداً *** على السمع من قلب من الوجد ذائب

وكم نثرت كالجمر في صحن خدها *** مذاب حشا من زفرة الغيظ لاهب

وضجت اليها بالشكاية ضجة *** تميل بأرجاء الجبال الأهاضب

أيا إخوتي هل يرتضي لكم الإبا *** بأن تعرضوا عتى بأيدي الأجانب

أيا إخوتي لانت قناتي على العدى *** فلم يخش بطش الانتقام محاربي

أيا إخوتي هل هنت قدراً عليكم *** فهانت عليكم - لا حييت - مصائبي

أيا إخوتي تدرون قد هجم العدى *** علي خبائي واستباحوا مضاربي

أيا إخوتي تدرون أني غنيمة *** غدوت ورحلي راح نهبة ناهب

أهان على أبناء فهر مسيرنا *** إلى الشام حسرى فوق خوص الركائب

أهان عليكم أن نكون حواسراً *** كما شاءت الأعدا بأيدي الأجانب

أهان على أبناء فهر دخولنا *** على مجلس الطاغي بغير جلابب

أتغضي على هضمي ، ألست الذي حمى *** بسمر القنا خدري وبيض القواضب

اتغضي على سبي وسلبي وهتكهم *** حماي كأني ليس حامي الحمى أبي

أأسبى ولا سمر الرماح شوارع *** أمامي ولا البيض الرقاق بجانبي

أأسبى ولا فتيان قومي عوابس *** يرف لواها في متون السلاهب

بها من بني عدنان كل ابن غابة *** يرى الصارم الهندي أصدق صاحب

كميٌ يردّ الموت من شزر لحظه *** مروع حشى من شدة الخوف ذائب

همام إذا ما همّ بالكر في الوغى *** تدكدكت الأبطال تحت الشوازب

فتأتي بها شعث النواصي ضوابحاً *** تقلّ بها مثل الجبال الأهاضب

يجيؤون كي يستنقذوني وصبيتي *** من الأسر أو واذل أبناء غالب

ص: 287

( وله في رثاء أبي الفضل العباس عن لسان الحسين علیهماالسلام ) :

طويت على مثل وخز الرماح *** ضلوعي أو مثل حزّ الصفاح

ورحت كما بي تمنّى الحسود *** وقد لان للدهر مني الجماح

وبتّ على مثل شوك القتاد *** أردد أنفاس دامي الجراح

تغيبت فاظلمّ وجه النهار *** بعيني واسود وجه الصباح

فقدتك درعاً به أتقي *** من الدهر طعن القنا والرماح

أبا الفضل رحت فروح التقى *** عقيبك قد آذنت بالرواح

عجيب مقيلك فوق الثرى *** أليس مقيلك فوق الضراح

من العدل تمسي ببطن اللحود *** وانشق بعدك عذب الرياح

من العدل يألف جفني الكرى *** وبالترب إنسان عينيّ طاح

من العدل يألف قلبي السلو *** وأنت الفقيد وأنت المناح

ترانيَ إن أقض وجدا عليك *** عليّ بذا حرج أو جناح

تراني إن أحترق بالزفير *** عليك ألامُ وتلحو اللواح

أأصغي وقد شل عضب الخطوب *** كلا ساعديّ ، إلى قول لاح

أأصغي وقد فلّ مني الزمان *** صفيحة عزم تفلّ الصفاح

خلعت سلويّ لما سطا *** على صبري الدهر شاكي السلاح

سأسكب ماء عيوني عليك *** لميت صبري ماءً قراح

ص: 288

السيد محمد القزويني

اشارة

المتوفى 1335

أحلما وكادت تموت السنن *** لطول انتظارك يابن الحسن

وأوشك دين أبيك النبي *** يمحى ويرجع دين الوثن

وهذي رعاياك تشكو اليك *** ما نالها من عظيم المحن

تناديك معلنة بالنحيب *** اليك ومبدية للشجن

وتذري لما نالها أدمعاً *** جرين فلم تحكهنّ المزن

ولم ترم طرفك في رأفةٍ *** اليها ولم تصغِ منك الاذن

لقد غرّ إمهالك المستطيل *** عداك فباتوا على مطمئن

توانيت فاغتنموا فرصة *** وأبدوا من الضغن ما قد كمن

وعادوا على فيئكم غائرين *** وأظهرت اليوم منها إلاحن

فطبّق ظلمهم الخافقين *** وعمّ على سهلها والحزَن

ولم يغتدوا منك في رهبة *** كأنك يا ابن الهدى لم تكن

فمذ عمّنا الجور واستحكموا *** بأموالنا واستباحوا الوطن

شخصنا اليك بأبصارنا *** شخوص الغريق لمرّ السفن

وفيك استغثنا فإن لم تكن *** مغيثاً مجيراً وإلا فمن

إلى مَ تغضّ على ما دهاك *** جفنا وتنظر وقع الفتن

أتغضي الجفون وعهدي بها *** على الضيم لا يعتريها الوسن

ثناك القضا أو لست الذي *** يكون لك الشيء إن قلت كن

أم الوهن أخرّ عنك النهوض *** أحاشيك أن يعتريك الوهن

ص: 289

أم الجبن كهم ماضيك مذ *** تراخيت حاشا علاك الجبن

أتنسى مصائب آبائك *** التي هدّ مما دهاها الركن

مصاب النبي وغصب الوصي *** وذبح الحسين وسمّ الحسن

ولكنّ لا مثل يوم الطفوف *** في يوم نائبة في الزمن

غداة قضى السبط في فتية *** مصابيح نور إذا الليل جن

تغسّل أجسامهم بالنجيع *** وتسدي لها الذاريات الكفن

تفانوا عطاشا فليت الفرات *** لما نالهم ماؤه قد أجن

وأعظم ما نالكم حادث *** له الدمع ينهلّ غيثاً هتن

هجوم العدو على رحلكم *** وسلب العقايل أبرادهن

فغودرن ما بينهم في الهجير *** وركبنّ من فوق عجف البدن

تدافع بالساعدين السياط *** وتستر وجهاً بفضل الردن

ولم ترَ دافع ضيم ولا *** مغيثاً لها غير مضنى يحن

فتذري الدموع لما ناله *** ويذري الدموع لما نالهن

السيد محمد القزويني نجل الحجة الكبير السيد مهدي القزويني ، ينتهي نسبه الشريف إلى محمد بن زيد بن علي بن الحسين ، وأمه كريمة الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير. كان رحمه اللّه موسوعة علم وأدب فإذا تحدث فحديثه كمحاضرة وافية تجمع الفقه والتفسير والأدب واللغة والنقد والتاريخ مضافاً إلى الفصاحة واللباقة وعذوبة الحديث وقوة الذاكرة ، تزينه سمات العبادة والورع فمن مميزاته أن يأمر بتقسيم الحقوق وهي عند أهلها دون أن يتسلّمها بيده ، يحرص كل الحرص على مصلحة الامة والرأفة بالضعيف فلا تأخذه في اللّه لومة لائم. كتب عنه الشيخ محمد علي اليعقوبي في ( البابليات ) وباعتباره تتلمذ عليه ولازمه مدة لا تقل عن عشر سنوات فقد أعطى صورة صادقة عنه وهو متأثر به كل التأثر فذكر أنه ولد في الحلة سنة 1262 وفيها نشأ وحين راهق البلوغ

ص: 290

هاجر للنجف الأشرف مع أخويه الكبيرين السيد ميرزا جعفر والسيد ميرزا صالح فدرس المعاني والبيان والمنطق على الكبير منهما وشطراً من الاصول عى الفاضلين الشيخ محمد والشيخ حسن الكاظميين والشيخ علي حيدر ثم رجع للحلة واشتغل بالتدريس فهذّب جملة من شباب الفيحاء وأعاد الكرّة للنجف لاستكمال الفضيلة مع أخويه المذكورين فاغترف من منهل الشريعة ما به ارتوى حتى أصبح معقد الأمل ونال رتبة الاجتهاد بشهادة المجتهدين وزعماء الدين وبعد وفاة والده السيد المهدي قدس اللّه نفسه وأخويه الكبيرين قام باعباء الزعامة الدينية في الحلة الفيحاء فكان المرجع في الأحكام الشرعية وموئلاً للمرافعات وفصل الخصومات وصلاة الجماعة في المسجد العام مواضباً على التدريس في الفقه والاصول وتربية النشء التربية الصالحة وقام باصلاحات عامة من تشييد مراقد علماء الحلة التي كادت أن تنطمس معالمها كمراقد آل طاووس في داخل البلد وخارجه ومرقد الشيخ المحقق أبي القاسم الهذلي ، وابن ادريس صاحب السرائر وابن فهد والشيخ ورام المالكي النجفي ، وآل نما ومقام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في آخر بساتين ( الجامعين ) على طريق ( الكفل ) وتاريخ الفراغ منه جملة ( ظهر المقام ) سنة 1317 وبالقرب منه مرقد السيد عبد الكريم ابن طاووس صاحب ( فرحة الغري ) ، ومنها تجديد عمارة مشهد الشمس وكان السيد المترجم له يقيم فيه الجماعة منتصف شوال من كل عام وتعطل الأسواق والأعمال بأمره للحضور والصلاة هناك إحتفاء بذكري ذلك اليوم الذي ردّت الشمس فيه للامام 7 ، وخلّف كثيراً من الآثار العلمية منها منظومة في المواريث ، ورسالة في علم التجويد والقراءات ، ورسالة في مناسك الحج وغيرها وفي الترجمة ألوان من أدبه نثراً ونظماً تدلّنا على مواهبه ، اختاره اللّه ودعاه اليه فلبّى النداء فجر يوم الخميس خامس محرم الحرام أول سنة 1335 ه في مسقط رأسه - الحلة - ونار الحرب العالمية الاولى مستعرة في وادي الرافدين بين الانكليز والأتراك - حُمل إلى النجف ودفن مع اسرته في مقبرتهم الواقعة في محلة العمارة. وترجم له صاحب الحصون المنيعة ترجمة وافية

ص: 291

استقى منها كل من تأخر عنه ، وكتب البحاثة علي الخاقاني في شعراء الحلة ملماً بالشارد والوارد عن حياته ومما قال : وكتب المترجم له إلى أخيه الميرزا صالح يطلب منه ( راوية ماء ) على أثر انقطاع الماء عن النجف وقد وعده أن يبعثها مع غلام اسمه ( منصور ) ليحمل بها الماء من شريعة الكوفة فقال :

فديناك إن البركة اليوم ماؤها *** لقد غاض حتى مسّ من أجله الضرّ

وليس سوى البحر الذي تعهدونه *** على أنه واللّه لا يشرب البحر

فان لم تغثنا من نداك عجالة *** براوية ملأى ويحملها المهر

بحيث بها منصور نحوي يستقي *** من الجسر ماءً ، ليت لا بَعُد الجسر

وإلا فإني قد هلكت من الظما *** ( وإن متّ عطشانا فلا نزل القطر )

واستمع إلى رقة عاطفته حيث يرثي أخاه الميرزا جعفر - وهو ممن يستحق الرثاء - إنه كتب بهذه القطعة إلى أخيه الآخر وهو الميرزا صالح ، واليك بعضها : *** ومن عجب أني أبيتُ ببلدة

بها لشقيق الروح قد خط مضجع (1) *** أحاول أن أستاف تربته التي

هي المسك ، لا واللّه بل هي أضوع *** وينهض لي وجدي لمرقده الذي

به ضمّ بدر التم ، بل هو أرفع *** لكيما أُطيل العتب لو كان مصغياً

وأشكو له بلواي لو كان يسمع *** فلما نشقت الطيب من أيمن الحمى

كبوت فلا أدنو ولا أنا أرجع *** يخيّل لي كل ( الغري ) له ثرى

وفي كل نادٍ منه للعين موضع

وقال في جده الحسين (عليه السلام) :

بنفسي بنات المصطفى بعد منعة *** غدت في أعاديها تهان وتضرب

وتسلب حتى بالأنامل يغتدي *** لها عن عيون الناظرين التنقّب

ومذ أبصرت فوق الثرى لحماتها *** جسوماً بأطراف الأسنة تنهب

فعارٍ عليه الخيل تعدو وعافر *** على الأرض من فيض النجيع مخضب

ص: 292


1- يقصد بلد النجف الأشرف حيث دفن أخوه فيه.

غدت تمزج الشكوى اليهم بعتبها *** عليهم وتنعى ما عراها وتندب

( أحباي لو غير الحمام أصابكم *** عتبتُ ولكن ما على الموت معتب )

وحضر السيد أبو المعز المترجم له في مجلس السيد عبد الرحمن النقيب ببغداد عام 1322 ه فجرى حديث ردّ الشمس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 فأورد النقيب شكوكه حول صحة الحديث ، وأبو المعز يدلي بالبراهين الجلية والأخبار المتواترة من طرق الفريقين ، وعلى الأثر قال السيد أبو المعز :

قد قلتُ للعلوي المحض كيف ترى *** حديث ردّ ذكاءٍ للامام علي

فقال في النفس شيء منه قلت له *** الأمر في ذاك ما بين الرواة جلي

فقال قد قلت تقليداً فقلت له *** أنت المقلّد في علم وفي عمل

وقل له يا عديم المثل مجتهداً *** فيوشع قبله في الأعصر الأول

وكلما صحّ أن تلقاه مكرمة *** للانبياء عدا اكرومة لولي

ومشهد الشمس في الفيحاء إن تره *** كأنه في العلى نار على جبل

وما رواه الطحاوي (1) وابن مندة من

حديث ( أسما ) شِفاً فيه من العلل

وعند وصول هذه الأبيات أجابه النقيب برسالة يقول فيها :

قسماً بشرفك يا شمس المعارف والعلوم التي أنارت بنورها الفجاج واهتدى بها السالكون في كل منهاج ، لقد أعجبني بل أطربني وأنعشني بل أهزني ما أحكمه فكرك من الآيات البينات والأبيات الأبيّات ، التي تعجز الفصحاء عن مباراتها والبلغاء عن الاتيان بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، ولله درك لقد أقمت على المدعى عليه برهاناً حتى صار لدى الداعي عياناً ، لا شك فيه واطمأنت له النفس بلا ريب يعتريه ولا بدع ، فحضرة مولانا أمير المؤمنين

ص: 293


1- الطحاوي هو الفقيه الحنفي أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي. وطحا قرية بصعيد مصر. وابن مندة أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن محمد ولد باصبهان سنة 434 وتوفي سنة 513 وهو محدث إلى خمسة آباء كلهم علماء.

باب مدينة علم الرسول واسد اللّه الغالب في ميدان تحجم من الدخول فيه الأبطال الفحول ، فمن أجل ذلك لا يستبعد ردّ ذكاء له بعد الافول ولا سيما وهو في طاعة مولاها ومَن كان في طاعة مولاه لا بدّ أن يخصه ويتولاه. والسلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته (1) ومن روائعه قوله ناظماً حديث الكساء وهو من الأحاديث الشريفة المروية في كتب الفريقين والصحاح المعتبرة ، وأوله :

روت لنا فاطمة خير النسا *** حديث أهل الفضل أصحاب الكسا

تقول إن سيد الأنام *** قد جائني يوماً من الأيام

فقال لي إني أرى في بدني *** ضعفا أراه اليوم قد أنحلني

قومي ، علي بالكسا اليماني *** وفيه غطيني بلا تواني

قالت فجئته وقد لبّيته *** مسرعة وبالكسا غطيته

ص: 294


1- وحديث ردّ الشمس من المتواتر ، ذكره الفريقان في كتبهم ونظمه الشعراء في قصائدهم يقول عبد الحميد بن أبي الحديد في إحدى علوياته الشهيرة : يا من له ردّت ذكاء ولم يفز *** بنضيرها من قبل إلا يوشع ويقول عبد الباقي العمري : وتضيق الأرقام عن خارقات *** لك يا من ردّت اليه الذكاء ويقول الشيخ ابن نما في اطعام أهل البيت لليتيم والمسكين والأسير ومنهم علي عليهم السلام : جاد بالقرص والطوى ملأ جنبيه *** وعاف الطعام وهو سغوبُ فاعاد القرص المنيرَ عليه القرص *** ، والمقرض الكرام كسوب وقال بعض شعرائهم : بحب علي غلا معشر *** وقالوا مقالاً به لا يلي فحاميم في مدحه أُنزلت *** وردت له الشمس في ( بابل ) وقال حسان بن ثابت : يا قوم مَن مثل علي وقد *** ردّت عليه الشمس من غائب أخو رسول اللّه بل صهره *** والأخ لا يعدل بالصاحب

وكنت أرنو وجهه كالبدر *** في أربع بعده ليال عشر

فما مضى الا يسير من زمن *** حتى أتى أبو محمد الحسن

فقال يا أُماه إني أجدُ *** رائحة طيبة أعتقدُ

بأنها رائحة النبي *** أخي الوصي المرتضى علي

قلت نعم ها هو ذا تحت الكسا *** مدثّر به تغطى واكتسى

فجاء نحوه ابنه مسلّماً *** مستأذناً قال له ادخل مكرما

فما مضى إلا القليل إلا *** جاء الحسين السبط مستقلا

فقال يا ام أشمّ عندك *** رائحة كأنها المسك الذكي

وحق من أولاك منه شرفاً *** أظنها ريح النبي المصطفى

قلت نعم تحت الكسا هذا *** بجنبه أخوك فيه لاذا

فأقبل السبط له مستأذناً *** مسلّماً قال له ادخل معنا

وما مضى من ساعة إلا وقد *** جاء أبوهما الغضنفر الأسد

أبو الأئمة الهداة النجبا *** المرتضى رابع أصحاب العبا

فقال يا سيدة النساء *** ومَن بها زوجتُ في السماء

إني أشمّ في حماك رائحه *** كأنها الورد النديّ فايحه

يحكي شذاها عرف سيد البشر *** وخير من لبّى وطاف واعتمر

قلت نعم تحت الكساء التحفا *** وضمّ شبليك وفيه اكتنفا

فجاء يستأذن منه سائلاً *** منه الدخول قال فادخل عاجلا

قالت فجئت نحوهم مسلّمه *** قال ادخلي محبوّة مكرّمه

فعندما بهم أضاء الموضع *** وكلهم تحت الكساء اجتمعوا

نادى اله الخق جلّ وعلا *** يُسمع أملاك السموات العلى

أقسم بالعزة والجلال *** وبارتفاعي فوق كل عالي

ما من سما رفعتها مبنيّه *** وليس أرض في الثرى مدحيّه

ولا خلقتُ قمراً منيراً *** كلا ولا شمساً أضاءت نورا

وليس بحر في المياه يجري *** كلا ولا فلك البحار تسري

ص: 295

إلا لأجل من هم تحت الكسا *** من لم يكن أمرهم ملتبسا

قال الأمين قلت يا رب ومن *** تحت الكسا بحقهم لنا أبن

فقال لي هم معدن الرساله *** ومهبط التنزيل والجلاله

وقال هم فاطمة وبعلها *** والمصطفى والحسنان نسلها

فقلت يا رباه هل تأذن لي *** أن أهبط الأرض لذاك المنزل

فأغتدي تحت الكساء سادسا *** كما جُعلت خادماً وحارسا

قال نعم فجاءهم مسلّماً *** مسلّماً يتلو عليهم ( إنما ) (1)

يقول إن اللّه خصكم بها *** معجزة لمن غدا منتبها

أقرأكم رب العلا سلامه *** وخصكم بغاية الكرامه

وهو يقول معلناً ومفهما *** أملاكه الغر بما تقدما

قال عليٌ قلت يا حبيبي *** ما لجلوسنا من النصيب

قال النبي والذي اصطفاني *** وخصني بالوحي واجتباني

ما إن جرى ذكر لهذا الخبر *** في محفل الإشياع خير معشر

إلا وأنزل الاله الرحمه *** وفيهم حفت جنود جمّه

من الملائك الذين صدقوا *** تحرسهم في الدهر ما تفرقوا

كلا وليس فيهم مهموم *** إلا وعنه كشفت همومُ

كلا ولا طالب جاجة يرى *** قضاءها عليه قد تعسرا

إلى قضى اللّه الكريم حاجته *** وأنزل الرضوان فضلاً ساحته

قال عليٌ نحن والأحباب *** أشياعنا الذين قدماً طابوا

فزنا بما نلنا ورب الكعبه *** فليشكرنّ كل فرد ربّه

* * *

يا عجباً يستأذن الأمين *** عليهم ويهجم الخؤن

قال سليم قلت يا سلمان *** هل دخلوا ولم يك استأذانُ

فقال إي وعزّة الجبار *** ..........

ص: 296


1- آية « إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ».

الشيخ عبد الحسين الجواهر

المتوفى 1335

حقّ أن تسكبي الدموع دماء *** يا جفوني وأن تسيلي بكاء

زاد كرب البلا بهم فكأن *** القلب فيهم مشاهد كربلاء

شدّ ما قد لقي بها آل طه *** من رزايا تهوّن الأرزاء

مزقتهم بها الحوادث حتى *** عاد أبناء أحمد أنباء

جمعت شملهم ضحى فعدا الخطب *** عليهم ففرقتهم مساء

وأبوا لذّة الحياة بذلٍّ *** ورأوا عزة الفناء بقاء

يتهادون تحت ظل العوالي *** كالنشاوى قد عاقروا الصهباء

أوجب المصطفى عليهم حقوقاً *** أحسنوها دون الحسين أداء

وقضوا تشرب القنا السمر والبيض *** دماهم حول الفرات ظِماء

يا بنفسي لهم وجوها يودّ *** البدر منها لو استمد السناء

الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ عبد علي ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ولد في النجف سنة 1282 وتوفي فيها سنة 1335 ودفن بمقبرة آبائه. وكان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً مشاركاً في الفنون له شهرته العلمية والأدبية متبحراً في الفقه والاصول قوي الذهن حادّ الفكر حلو اللفظ ، حضر على الحاج ميرزا حسين الخليلي وعلى الملا كاظم صاحب الكفاية وكان أخص أصحابه به. أعقب أربعة أولاد أشهرهم الشاعر الكبير - اليوم - محمد مهدي الجواهري أما الثلاثة فهم : عبد العزيز ، هادي ، جعفر.

ص: 297

وهذه قطعة من شعره هنأ بها الشيخ عباس بن الشيخ حسن بزفاف ولده الشيخ مرتضى :

غناً عن الراح لي في ريقك الخصر *** وفي محياك عن شمس وعن قمر

وفي خدودك ما ماج الجمال بها *** للطرف أبهج روض يانع نضر

يانبعة البان لا تجنى نضارتها *** للعاشقين سوى الأشجان من ثمر

لي منك لفتة ريم عن هلال دجى *** بغيهب من فروع الجعد مستتر

يهتزّ غصن نقاً يعطو بجيد رشاً *** يرنو بذي حَوَر يفترّ عن درر

توقّدت كفؤاد الصب وجنته *** فماج ماء الصبا منها بمستعر

وأطلع السعد بدراً من محاسنه *** بجنح ليل جعود منه معتكر

ما أسفر الصبح من لألاء غرته *** إلا وهمّ هزيع الليل بالسفر

أو سلّ صارم غنج من لواحظه *** إلا احتقرت مضاء الصارم الذكر

والقصيدة مطولة ، وقال في المناسبات كثيرة من الشعر والنثر ما تحتفظ به مجاميع الادباء وخمس قصيدة السيد حسين القزويني في مدح الامامين الكاظمين علیهماالسلام . وآل الجواهري من مشاهير الاسر العلمية في النجف واشتهرت بهذا اللقب بموسوعة ضخمة من أضخم الموسوعات الفقهية سميت ب ( جواهر الكلام ) الفقيه الكبير الشيخ محمد حسن ، اجتمعت فيه زعامة روحية وزمنية (1) ونبغ علماء وشعراء فطاحل بهذه الاسرة وما زالت تحتفظ بمجدها وتراثها العلمي وشخصياتٍ هي قدوة في الورع والتقوى والسلوك الطيب.

ص: 298


1- هو ابن الشيخ باقر ابن الشيخ عبد الرحيم ابن العالم العامل الاغا محمد الصغير ابن الاغا عبد الرحيم المعروف بالشريف الكبير ، ولما شرع بتأليف ( جواهر الكلام ) كان عمره 25 سنة. طبعت هذه الموسوعة عدة طبعات ، كان مولد المؤلف سنة 1202 تقريباً ووفاته غرة شعبان 1266 ه ورثاه كثير من الشعراء منهم السيد حيدر الحلي وعمه السيد مهدي والشيخ صالح الكواز والشيخ ابراهيم صادق اوالشيخ عباس الملا علي والسيد حسين الطباطبائي وغيرهم من شعراء العراق ودفن بمقبرته الخاصة المجاورة لمسجده المعروف وذكر تفصيل ترجمته الشيخ اغا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة.

قال السيد الأمين في الأعيان وكتب المترجم له إلى صاحب سمير الحاظر وأنيس المسافر (1) :

أوضحت لي بهواك عذرا *** لو استطيع عليه صبرا

وشرعت لي نهجاً سلكت *** من الصبابة فيه وعرا

وأذاقني طعم الهيام *** هواك فاستحليت مرا

وجلوت لي كأس الغرام *** فلن أفيق الدهر سُكرا

كم عبرة أطلقتها فغدت *** بأسر الشوق أسرى

ميل النزيف أميل من *** شغفي وما عاقرت خمرا

تذكي لواعج صبوتي ذكرى *** الحمى والشوق ذكرا

وزمان أنس مرّ ما أمرى *** زمان فيه مَرّا

ولياليا شقّ السرور على *** الندامى منك فجرا

مع كل منكسر الجنون اليه *** أهدى الغنج كسرا

قد أطلعت شمس الطلا *** منه بليل الجعد بدرا

ص: 299


1- هو العلامة البحاثة الشيخ علي الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء وكتابه ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ست مجلدات ضخمة بالقطع الكبير مخطوط بخطه ، فيه من كل ما لذّ وطاب ، طالعته ورويت عنه ، فيه من التفسير والحديث والمسائل الفقهية والمنطقية والكلامية والنوادر الأدبية والقصائد الشعرية وقد ملأ بالعلم والأدب.

الشيخ محمد حسن الجواهر

المتوفى 1335

وأكبداً كظها حرّ الظما فغدت *** تغلي بقفر بحرّ الشمس مستعر

ما مسّها بارد ساغت موارده *** للجن والانس بين الورد والصدر

كم حرة لك يابن المصطفى هتكت *** بين المضلين من بدو ومن حضر

مذهولة من عظيم الخطب حائرة *** لم تبق كفّ الجوى منها ولم تذر

وكم رؤوس لكم فوق القنا رفعت *** مثل الأهلة تتلو محكم السور

وكم رضيع لكم يا ليت تنظره *** يُغني محياه عن شمس وعن قمر

بالسهم منفطم بالخيل منحطم *** بالسمر منتظم بالبيض منتثر

الشيخ محمد حسن ابن الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، ولد في حدود 1293 وتوفي سنة 1335 في النجف الأشرف ودفن إلى جنب جده الشيخ محمد حسن في مقبرتهم. كان عالماً فاضلاً تقياً ورعاً شديد الذكاء سريع الفطنة بهي الصورة رائق الحديث له خط رائق وشعر رصين في شتى المناسبات خصوصاً في مراثي الأئمة الأطهار وله ارجوزتان الاولى في الكلام سماها ( جواهر الكلام ) والثانية في اصول الفقه. تتلمذ على الشيخ اغا رضا الهمداني والملا كاظم الخراساني قدس اللّه روحيهما ومنح اجارات عديدة تنص باجتهاده وأهليته لمجلس الفتوى من أساتذته وغيرهم بالرغم من عمره القصير فقد ودع الحياة في العقد الرابع من عمره ، نظم فأبدع في النظم. قال في مطلع إحدى قصائده :

ص: 300

لي بين تلك الضعون أغيد *** مهفهف القدّ ناعم الخد

غصن نقاً فوق دعص رمل *** على رهيف يكاد ينقد

وله في اهل البيت علیهم السلام وما نالهم من حيف :

أبا صالح كلّت الألسنُ *** وقد شخصت نحوك الأعين

نعجّ اليك وأنت العليم *** فيما نُسرّ وما نُعلن

أتغضي وقد عزّ أنف الضلال *** وأنف الرشاد له مذعن

ويملك أمر الهدى كافر *** فيغدو وفي حكمه المؤمن

وأهل التقى لم تجد مأمناً *** وأهل الشقا ضمها المأمن

فهذي البقية من معشر *** قديماً لكم بغيهم أكمنوا

هم القوم قد غصبوا فيئكم *** وغيركم منه قد أمكنوا

أزاحوكم عن مقام به *** برغم الهدى شرهم اسكنوا

أفي اللّه يظعن عنه الوصي *** وشرّ دعيٍّ به يقطن

تداعوا لنقض عهود الألى *** أسروا النفاق ولم يؤمنوا

فأين إلى أين نصّ الغدير *** ألم يغنهم ذلك الموطن

فيا بئسما خلفوا أحمداً *** بعترته وهو المحسن

لقد كتموه شقاق النفوس *** فلما قضى نحبه أعلنوا

كأن لم يكونوا أجابوا دعاه *** ولم يرعوا الحق إذ يذعنوا

وأعظم خطب يطيش الحلوم *** وكل شجى دونه هيّن

وقوف ابنة المصطفى بينهم *** وفي القلب نار الأسى تكمن

وقد أنكروا ما ادعت غاصبين *** وكل بما تدعي موقن

وتقضي فداها نفوس الورى *** وتدفن في الليل إذ تدفن (1)

ص: 301


1- سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ج 3 / 173.

الشيخ علي شرارة

اشارة

المتوفى 1335

قال يرثي علي الاكبر ابن الحسين وقد استشهد مع أبيه بكربلاء

إذا ما صفاك الدهر عيشاً مروّ- قا *** أصابك سهم الدهر سهماً مفوّقا

فلا تأمن الدهر الخؤون صروفه *** حذاراً وان يصفو لك الدهر رونقا

وجار على سبط النبي بنكبة *** فأردى له ذاك الشباب المؤنقا

على الدين والدنيا العفا بعد سيدٍ *** شبيه رسول اللّه خَلقا ومنطقا

وخُلقاً كأن اللّه أودع حسنه *** اليه انتهى وصلا وفيه تعرّقا

حوى نعته والمكرمات بأسرها *** فحاز فخاراً والمكارم والتقى

تخطى ذرى العلياء مذ طال في الخطى *** فحاز سما العلياء سمتاً ومرتقى

ومن دوحة منها النبوة أورقت *** فطاها لها أصل وذامنه أورقا

فمن ذا يدانيه إذا انتسب الورى *** له المجد ذلاً لاوي الجيد مطرقا

ولم أنس شبل السبط حين أجالها *** فقرّب آجالاً وفرّق فيلقا

يصول عليهم مثلما صال حيدر *** فكم لهم بالسيف قد شجّ مفرقا

كأن قضاء اللّه يجري بكفه *** ومن سيفه يجري النجيع تدفقا

ولما دعاه اللّه لبّاه مسرعاً *** فسارع فيما قد دعاه تشوقا

فخرّ على وجه الصعيد كأنه *** هلال أضاء الافق غرباً ومشرقا

فنادى أباه رافع الصوت معلناً *** أرى جدّي الطهرَ الرسولَ المصدّقا

ص: 302

سقاني بكأس لست أظمأ بعدها *** سقاني زلالاً كوثرياً معبّقا

فجاء اليه السبط وهو برجوة *** يرى إبنه ذاك الشباب المؤنقا

رآه ضريباً للسيوف ورأسه *** كرأس عليٍّ شقّه السيف مفرقا

فخرّ عليه مثلما انقضّ أجدلٌ *** وأجرى عليه دمعه مترقرقا

فقال على الدنيا العفا بتلهف *** لمن بعدك اخترتُ الرحيلَ على البقا

أرى الدهر أضحى بعدك اليوم مظلما *** وقد كان دهري فيك أزهر مشرقا

فأبعدت عن عيني الكرى وتركتني *** فريداً وجفن العين مني مؤرقا

وأودعتني ناراً تؤجج في الحشا *** لها شعلٌ بين الشغاف تعلّقا

مضيت إلى الفردوس حُزتَ نعيمها *** وملكاً رقيت اليوم أعظمُ مرتقى

الشيخ علي شرارة ابن الشيخ حسن كان عالماً فاضلاً ملمّاً بكثير من العلوم ، ومن اسرة علمية دينية أصلها من جنوب لبنان - بنت جبيل - ولهم هناك أثر كبير على توجيه الناس نحو الخير ، والمترجم له أحد أعلام هذه الاسرة وصفة أحد المعاصرين فقال : أدركت أواخر أيامه وهو شيخ كبير معتدل القامة ، يقيم في إحدى حجرات الصحن العلوي الشريف وفي الزاوية الشرقية من جهة باب القبلة ويجتمع عنده العلماء والادباء كالسيد الحبوبي والشيخ محمد جواد الشبيبي وأمثالهما وكانت حجرته ندوة العلم والأدب وهو من الشعراء المكثرين طرق أبواب الشعر ونظم في الأئمة علیهم السلام ورثى أعلام عصره. قال الشيخ الطهراني في نقباء البشر : رأيت بخطه شرحاَ على اللمعة. وترجم له صاحب ( ماضي النجف وحاضرها ) وذكر جملة من شعره وقال : توفي حدود سنة 1330 في النجف وترجم له المعاصر علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر مرثيته المرحوم المجدد الميرزا حسن الشيرازي واخرى في مراسلاته مع السيد المجدد وجملة من رثائه لأهل البيت علیهم السلام .

ص: 303

الحاج محمد حسن كبّة

المتوفى 1336

عجباً وتلك من العجائب *** والدهر شيمته الغرائب

ويل الزمان وقلّما *** يصفو الزمان من الشوائب

ما أنت إلا آبقٌ *** يا ذا الزمان فمن أُعاتب

فلكم وكم من غدرة *** أوليتها الشمّ الأطائب

أفهل تراتك عند حا *** مية الذمار بها تطالب

إن الشهيد غداة يوم *** الطف أنسانا المصائب

لم أنس ساعة أفردوه *** يصول كالليث المحارب

قرم رأى مرّ المنون *** لدى الوغى حلو المشارب

فبرى الرؤوس بسيفه *** بريَ اليراع لخطّ كاتب

فالأرض من وثباته *** مادت بهم من كل جانب

حيث التلاع البيض *** من فيض الدما حمرٌ خواضب

فردٌ يروع الجمع ليس له *** سوى الصمصام صاحب

منها :

مَن للرعيل إذا تزاحمت *** الكتائب بالكتائب

مَن ذا يردّ إلى الحمى *** تلك المصونات الغرائب

من يطلق العاني الأسير *** مكبلاً فوق النجائب

أين الغطارفة الجحاجح *** والخضارمة الهواضب

ص: 304

أين الالى بوجوهها *** وسيوفها انجلت الغياهب

أم أين لا أين السراة *** المنتمون علاً لغالب

منها :

سرت الركائب حيث لا *** تدري بمن سرت الركائب

تسري بهنّ اليعملات *** حواسراً والصون حاجب

وغرائب بين العدى *** بشجونهن بدت غرائب

هتفت بخير قبيلة *** من تحت أخمصها الكواكب

قوموا عجالا فالحسين *** ورهطه صرعى ضرائب

قطعوا له كفاً على *** العافين تمطر بالرغائب

منعوه من ماء الفرات *** وقد أُبيح لكل شارب

لا أضحك اللّه الزمان *** ووجه دين اللّه قاطب

* * *

الحاج محمد حسن بن الحاج محمد صالح كبة البغدادي. ولد في شهر رمضان سنة 1269 في الكاظمية هو ابن القصر والثروة والنعمة فأصبح ابن العلم والشعر والأدب والثقافة. كان مثالاً للبر والاحسان والعطف والحنان وهو تلميذ الميرزا حسن الشيرازي (1) ثم الميرزا محمد تقي الشيرازي ، له أكثر من عشرة آلاف بيت شعر وقد نشر أكثره في ( العقد المفصل ) تأليف السيد حيدر الحلي وفي ديوان السيد محمد سعيد الحبوبي وفي ديوان السيد حيدر الحي.

ص: 305


1- السيد ميرزا حسن الشيرازي مرجع الطائفة الامامية في عصره ، أذعنت له الملوك هيبة وإجلالا ، مولده 1230 ه بشيراز وهاجر إلى النجف عام 1259 ه ودرس على الشيخ مرتضى الأنصاري فكان اللامع من تلامذته على كثرتهم وعند وفاة الشيخ رشح للرياسة. وانتقل إلى سامراء حيث اتخذها مقراً فازدهت به ازدهاء لم يسبق لها أن شاهدت مثله. وانتقل إلى جوار ربه سنة 1312 وكان يومه يوماً مشهوداً ارتجت له أرجاء العالم الاسلامي وحمل نعشه على الأكتاف من سامراء إلى النجف يتسلّمه فريق بعد آخر من عشائر العراق وبلدانه ودفن بجوار مشهد الامام أمير المؤمنين في مدرسته الواقعة في الجهة الشمالية وقبره لا يزال يزار.

توفي سنة 1336 ، كان مجلس آل كبة ندوة العلم والأدب وملتقى الأشراف وأرباب الفكر مضافاً إلى أنه مجتمع التجار فكان الحاج مصطفى ممن تدور عليه رحى التجارة في بغداد ورئاسة الجاه والمال وهو أخو المترجم له.

كتب رسالة للسيد ميرزا جعفر القزويني جمع فيها بين المنظوم والمنثور ، يتشوق بها اليه ويتقاضاه وعداً سبق منه في زيارته لبغداد ، واليك قسم المنظوم منها :

لوعة الوجد أحرقت أحشائي *** وفؤادي في الحلة الفيحاء

خامرتني الأشواق في مجلس الذ *** كر فكان السهاد من ندمائي

أنا لم يصفُ لي الهنا بهواء *** مذ تناءيتم ولا عذب ماء

ومحال صفاء دجلة مالم *** يجرِ ماء الفرات في الزوراء

فعليك السلام ما سجع الورق *** سحيراً في بانة الجرعاء

من مشوق إلى علا علوىٍّ *** جاز هام السماك والجوزاء

وفي نفس تلك الرسالة قوله :

فسل دراري الافق عن محاجري *** هل غير بُعد نورها أرقها

وسل مغاني الكرخ عن مدامعي *** هل غير قاني مزنها أغرقها

تلك مغاني لم تزل مزهرة *** لو لم يكن حرّ الجوى أحرقها

وسل حمامات تئن لوعةً *** في الدوح بالهديل من أنطقها

ومن غداة راعني يوم النوى *** بذائب من الحشا طوّقها

فأجابه السيد علي روي مقطوعتيه وقافيتيهما ضمن رسالة تركنا نشر المنثور منها ، جاء في الاولى قوله :

أرجٌ من معاهد الزوراء *** نشره فاح في حمى الفيحاء

أم عروس زفّت من الكرخ تمشي *** لي على الدل لا على استحياء

ص: 306

ونجوم من الرصافة أُلبسن *** حمى بابل برود ضياء

أم سطور بها حباني حبيب *** هو من مهجتي قريب نائي

أسكرتني ألفاظها ومعا *** نيها فقل في الكؤوس والصهباء

وسبتني صدورها وقوا *** فيها فقل في المشوق والحسناء

هيجت لي شوقاً بها كان قدماً *** كامناً في ضمائر الأحشاء

لفتىً ينتمي إذا انتسب النا *** س فخاراً لأكرم الآباء

وفي الثانية :

فكم أهاجت في الأسى لي مهجة *** إلى حمى الزوراء ما أشوقها

وكم أذالت في الهوى لي مقلة *** إلى مغاني الكرخ ما أرمقها

وكم روت لي عنك في أسنادها *** مودّةً في الدهر ما اصدقها

وكم دعت بالفضل من ذي لهجة *** عليك بالثناء ما أنطقها

استوطنت هذه الاسرة مدينة بغداد منذ العهد العباسي ، وتنسب اسرتهم إلى قبيلة ( ربيعة ) قال الشيخ حمادي نوح فيهم :

مسحت ربيعة في خصال زعيمها *** في الافق ناصية السماك الأعزل

ويقول الشيخ يعقوب من قصيدة فيهم :

اشارة

من القوم قد نالت ربيعة فيهم *** علا نحوها طرف الكواكب يطمح

ولهم يد بيضاء في تشجيع الحركة العلمية والأدبية ، وكانت مواسم أفراحها وأتراحهم مضامير تتبارى بها شعراء العراق ، ومن مشاهيرهم في القرن الثالث عشر الحاج مصطفى الكبير المتوفى سنة 1232 ه واشتهر بعده ولده الحاج محمد صالح المولود سنة 1201 ه وكان على جانب عظيم من الورع والنسك ، له حظ وافر من العلوم العربية وقسط من علوم الدين غير أن مزاولته للتجارة صرفه عن مواصلة الدراسة ، وكان محباً للعلم والأدب والعلماء والشعراء لهم

ص: 307

عليه عِدات يتقاضونها شهرياً وسنوياً ، ومن أعماله الخالدة الحصون والمعاقل والملاجئ التي بناها للزائرين وقوافل المسافرين بين بغداد وكربلاء ، وبين كربلاء والنجف ، وبين بغداد والحلة ، وبين بغداد وسامراء ، وكانت وفاته سنة 1287 ه وحمل باحتفال عظيم إلى النجف ودفن مع ابيه المصطفى في مقبرة لهم قرب باب الطوسي ، وهذه دواوين معاصري آل كبة تطفح بمديحهم والثناء عليهم ، كديوان السيد حيدر والشيخ صالح الكواز والشيخ حمادي نوح والسيد مهدي السيد داود والملا محمد القيم والشيخ عباس الملا علي النجفي وأمثالهم ، فهذا الشيخ صالح الكواز يهنيء الحاج محمد صالح كبة بقدوم ولديه : الحاج محمد رضا والحاج مصطفى من الحج سنة 1286 بقوله من قصيدة :

طربت فعمّ الكرام الطرب *** وضوء ذكاء يمدّ الشهب

كأن سرورك في العالمين *** يجاري نوالك أنّى ذهب

إلى قول قائلهم صادقاً *** كأنا رياض ومنك السحب

فمن كان ذا شأنه في الزمان *** كان حقيقاً على أن يحب

ومَن شاطر الناس أمواله *** فقد شاطرته الرضا والغضب

ليهنِ ابا المصطفى والرضا *** رضا اللّه والمصطفين النجب

وقد شكر اللّه سعييهما *** وأعطاهما منه نيل الارب

وقد ألّف السيد حيدر الحلي كتاباً جمع فيه ما قيل في هذه الاسرة لحدّ سنة 1275 ه وسماه ( دمية القصر ) وهذا الشيخ حمادي نوح يقول من قصيدة وهي في ختان العلامة الحاج محمد حسن كبة :

فتورة اللحظ تتلو آية الوسن *** إن الظبا أنحلتها سورة الفتن

وقرطك انتثرت دلاً سلاسله *** أم اتخذت الثريا حلية الاذن

يبين فيه صفاء الخد منطبعاً *** ومن سنا الخد إن عاينته يبن

ص: 308

بالصالح العمل ابيضّ الدجى ورعاً *** وفيه أشرقت الأيام بالمنن

وفيه أشرقت الدار التي لبست *** صنيع أخلاقه لا صنعة اليمن

أبا الرضا ونفيس الذكر ينحته *** من الحشا لك حباً جهد مفتتن

واحرّ قلباه كم أحني على كمدٍ *** هذي الضلوع وأطويها على شجن

يدي من المال صفر لم تنل إرباً *** وهذه فضلاء العصر تحسدني

ومن شعر السيد حيدر يخاطب المترجم له الحاج محمد حسن كبة :

ودار علاً لم يكن غيرها *** لدائرة الفخر من مركز

بها قد تضمّن صدر النديّ *** فتى ليديه الندى يعتزي

صليب الصفاة صليب القناة *** عود معاليه لم يُغمز

أرى المدح يقصر عن شأوه *** فاطنب إذا شئت أو أوجز

فلست تحيط بوصف امرء *** نشا هو والمجد في حيّز

ربيب المكارم ترب السماح *** قرى المعتفي ثروة المعوز

تراه خبيراً بلحن المقال *** بصيراً بتعمية المُلغز

نسجن المكارم أبراده *** وقلنا لأيدي الثنا : طرزي

وقال يخاطبه في اخرى ، مطلعها :

قل لأم العلى ولدت كريما *** رقّ خُلقا وراقَ خلقا وسيما

بدر مجد مدحته فكأني *** من مساعيه قد نظمت النجوما

وقال فيه :

كم مقامات نُهى حررها *** ليس فيها للحريريّ مقامه

وأنيقات بهى لو شاهها *** جوهريّ الشعر ما سام نظامه

ص: 309

وقال في مدحه :

باتت تعاطيني حُمياها *** بيضاء كالبدر محياها

جاءت من الفردوس تهدي لنا *** نفحة كافور بمسراها

لو لم تكن من حورها لم يكن *** رحيقها بين ثناياها

بتّ كما شئت بها ناعما *** معانقاً مرتشفاَ فاها

في روضة تَروي صباها الشذا *** عن ( حسن ) لا عن خزاماها

من لم يدع الفخر من غاية *** إلا وقد أحرز أقصاها

تنميه من حيّ العلا اسرة *** أحلى من الشهد سجاياها

هم أنجم الأرض بأنوارهم *** أضاء أقصاها وأدناها

وخمس قصيدة الحاج محمد حسن التي اولها :

ناديتُ مَن سلب الكرى عن ناظري *** وتجلدي بقطيعة وفراق

من أخجل الغزلان في لفتاته *** والشمس من خدّيه بالاشراق

وللسيد حيدر في المترجم له مدائح على عدد حروف الهجاء 28 قصيدة عدا ما قاله في أفراد آل كبة من القصائد المطولة فانه لصلته الوثيقة بهم وبالحاج محمد حسن خاصة فقدم قدّم له من شعره بكل مناسبة تكون.

والحاج محمد حسن ابن الحاج محمد صالح عالم كبير ومجتهد يؤخذ عنه الرأي الفقهي هذا بالاضافة إلى النماذج الأدبية التي قدمناها ، نشأ ببغداد ورباه والده تربية عالية ولما هاجر إلى النجف انكبّ على التحصيل واتصل بالشيخ اغا رضا الهمداني والشيخ عباس الجصاني وأخذ عنهما ثم هاجر إلى سامراء يحضر حوزة السيد المجدد الشيرازي وبعد وفاة السيد لازم أبحاث الشيخ ميرزا محمد تقي الشيرازي وهو مثال عالٍ في التقى والورع والتضلع في الفقه والاصول وعلى جانب كبير من رياضة النفس حتى قال معاصروه ومعاشروه أنه لم يكلّف

ص: 310

كل أحد بأي أمر حتى الزوجة والخادم وكان يتولى اموره بنفسه ، ففي كل ليلة يستمر في مراجعة دروسه إلى منتصف الليل فكانت عجوز إيرانية تقصد وجه اللّه في خدمته فاذا رأته قام ليحضر طعام العشاء قالت : اجلس فأنا آتيك بطعامك ، فيجلس. وبعد فهو صاحب الثورة العراقية التي أكسبت العراق إستقلاله ، وبفتواه المباركة نهض العراق واستبسلت العشائر حتى أرغموا الانكليز على إعطاء العراق استقلاله ، لقد كان تلميذه ومرافقه الحاج محمد حسن كبة يتلقى منه دروساً عملية تزيد وتنمو معه كلما ازداد تعلقاً باستاذه هذا وأخذ منه سيرة صالحة وسريرة طيبة وقد أجاز بالفتوى ورواية الحديث. له مؤلفات تبلغ الستين.

فقد كتب رسالة في الطهارة وفي الصلاة والصوم وشرح كتاب الحج من دروسه التي تلقاها وله حاشية على المكاسب وحاشية على المعالم والفوائد الرجالية والرحلة المكية أُرجوزة نظمها لما سافر للحج سنة 1292.

وفاته بالنجف الأشرف في أواخر شعبان ومدفنه بمقبرتهم الشهيرة بباب الطوسي. خلف أولاداً ثلاثة : محمد صالح ، رشيد ، معالي محمد مهدي كبة ، وأربعة عشر بنتاً.

* * *

ص: 311

الحاج حَبيب شعبان

اشارة

المتوفى 1336

أتقعد موتوراً برأيك حازم *** وفي يدك العليا من السيف قائم

متى تملأ الدنيا بهاءً وبهجة *** وعدلاً ولا يبقى على الأرض ظالم

فلله يوم الطف لا غرو بعده *** مدى الدهر حزناً أن تقام المآتم

غداة أبيّ الضيم جهّز للوغى *** كراماً اليها الدهر تنمى المكارم

بدور هدى قد لاح في صفحاتها *** من النور وسم للهدى وعلائم

وخرّوا على وجه الثرى سغب الحشا *** وأجسادهم للمرهفات مطاعم

عطاشا يبلّ الأرض فيض دمائهم *** وقد يبست أكبادها والغلاصم

وأضحى فريداً في الجموع شمردل *** بصارمه الوهاج تطفى الملاحم

وروى الضبا من جسمه وهو عاطش *** وأطعمها من لحمه وهو صائم

شديد القوى ما روعت عزمه العدا *** وقد وهنت منه القوى والعزائم

آل شعبان من البيوت القديمة في النجف ، ومن الاسر التي كانت لها نيابة سدانة الروضة الحيدرية في عهد ( آل الملا ) أما اليوم فلهم الحق في خدمة الحرم الحيدري فقط وفي أيديهم صكوك ووثائق رسمية ( فرامين عثمانية ) هي التي تخولهم الحق في تلك الخدمة.

أما المترجم له فقد كان أبوه بزازاً فمالت نفسه هو إلى طلب العلم فاشتغل

ص: 312

به ودرس وتأدب في النجف وكان فاضلاً كاملاً شاعراً أديباً وانتقل إلى كربلاء فقرأ على السيد محمد باقر الطباطبائي في الفقه مدة ، وكان من أخص ملازميه ثم سافر إلى الهند وذلك حوالي سنة 1325 وانقطعت أخباره إلى سنة 1336 فوردت كتب من رامبور تنبيء بوفاته هناك وكانت له هناك منزلة سامية عند أهلها.

أما ولادته كانت في حدود 1290 بالنجف. ترجم له صاحب الحصون فقال : فاضل ذكي وشاعر معاصر ، وأديب حسن المعاشرة ظريف المحاورة ، وترجم له السيد الأمين في الأعيان والشيخ السماوي في ( الطليعة ) وبعد الثناء عليه قال : وهو اليوم في الهند وقد انقطع عني خبره وكان أليفاً لي في النجف وشريكاً في بعض الدروس وله شعر في الطبقة الوسطى ولا يمدح غير أهل البيت علیهم السلام .

فمن شعره قوله يعدد فضائل الصديقة فاطمة الزهراء :

هي الغيد تسقي من لواحظها خمرا *** لذلك لا تنفك عشاقها سكرى

ضعايف لا تقوى قلوب ذوي الهوى *** على هجرها حتى تموت به صبرا

وما أنا ممن يستلين فؤاده *** وينفثن بالألحاظ في عقله سحرا

ولا بالذي يشجيه دارس مربع *** فيسقيه من أجفانه أدمعا حمرا

أأبكي لرسم دارس حكم البلى *** عليه ودار بعد سكانها قفرا

وأصفي ودادي للديار وأهلها *** فيسلو فؤادي ودّ فاطمة الزهرا

وقد فرض الرحمن في الذكر ودّها *** وللمصطفى كانت مودتها أجرا

وزوّجها فوق السما من أمينه *** علي فزادت فوق مفخرها فخرا

وكان شهود العقد سكان عرشه *** وكانت جنان الخلد منه لها مهرا

فلم ترضَ إلا أن يشفّعها بمن *** تحبّ فاعطاها الشفاعة في الاخرى

ص: 313

حبيبة خير الرسل ما بين أهله *** يقبّلها شوقا ويوسعها بشرا

ومهما لريح الجنة اشتاق شمّها *** فينشق منها ذلك العطر والنشرا

إذا هي في المحراب قامت فنورها *** بزهرته يحكي لأهل السما الزهرا

وإنسية حوراء فالحور كلّها *** وصائفها يعددن خدمتها فخرا

وإن نساء العالمين إماؤها *** بها شرّفت منهن مَن شرفت قدرا

فلم يك لولاها نصيب من العلى *** لأنثى ولا كانت خديجة الكبرى

لقد خصّها الباري بغرّ مناقب *** تجلّت وجلّت أن نطيق لها حصرا

وكيف تحيط اللسن وصفاً بكنه مَن *** أحاطت بما يأتي وما قد مضى خبرا

وما خفيت فضلاً على كل مسلم *** فيا ليت شعري كيف قد خفيت قبرا

وما شيّع الأصحاب سامي نعشها *** وما ضرّهم أن يغنموا الفضل والأجرا

بلى جحد القوم النبي وأضمروا *** له حين يقضي في بقيته المكرا

لقد دحرجوا مذ كان حياً دبابهم *** وقد نسبوا عند الوفاة له الهجرا

فلما قضى ارتدوا وصدّوا عن الهدى *** وهدّوا - على علم - شريعته الغرا

وحادوا عن النهج القويم ضلالة *** وقادوا عليا في حمايله قهرا

وطأطأ لا جبناً ولو شاء لانتضى *** الحسام الذي من قبل فيه محا الكفرا

ولكنّ حكم اللّه جارٍ وإنه *** لأصبر مَن في اللّه يستعذب الصبرا

ومن قوله :

يا أمّة نبذت وراء ظهورها *** بعد النبي إمامها وكتابها

ماذا نقمتِ من الوصي ألم يكن *** لمدينة العلم الحصينة بابها

أم هل سواه أخ لأحمد مرتضى *** من دونه قاسى الكروب صعابها (1)

ص: 314


1- عن أعيان الشيعة ج 20 صفحة 83.

ومن روائعه قصيدته الشهيرة التي لا زالت تتلى في المحافل الفاطمية والمقطع الأول منها :

سقاك الحيا الهطال يا معهد الإلف *** ويا جنة الفردوس دانية القطف

فكم مرّ لي عيش حلا فيك طعمه *** ليالي أصفى الودّ فيها لمن يصفى

بسطنا أحاديث الهوى وانطوت لنا *** قلوب على صافي المودة والعطف

فشتتنا صرف الزمان وإنه *** لمنتقد شمل الأحبّة بالصرف

كأن لم تدر ما بيننا أكؤوس الهوى *** ونحن نشاوى لا نملّ من الرشف

ولم نقض أيام الصبا وبها الصبا *** تمرّ علينا وهي طيبة العرف

أيا منزل الأحباب مالك موحشاً *** بزهرتك الأرياح أودت بما تسفي

تعفيت يا ربع الأحبة بعدهم *** فذكرتني قبر البتولة إذ عُفيّ

رمتها سهام الدهر وهي صوائب *** بشجو إلى أن جُرّعت غصص الحتف

* * *

ص: 315

أسطا علي البنّاء

المتوفى 1336

قف على تلك المغاني والربا *** واسك الأدمع غيثاً صيبا

واسأل الربع الذي كنّا به *** نسحب الأذيال فيه طربا

واعقل الوجناء في أكفانه *** وانتشق من تربه طيب الكبا

لا عدا مرتبعاً في رامة *** بالحيا الوسميّ أمسى معشبا

مربع اللذات قد عنّ لنا *** في حماه ذكر أيام الصبا

وبنفسي ظبيات سنحت *** تخذت بين ضلوعي ملعبا

آه من برق على ذي رامة *** هبّ في جرعائه ثم خبا

ذهبوا والصبر عن ذي لوعة *** يا أعاد اللّه لي مَن ذهبا

أيها المغرم في ذكر الحمى *** ومغانيه وهاتيك الظبا

دع مناح الورق والغصن وخذ *** بالبكا في رزء أصحاب العبا

واندب الفرسان من عمرو العلى *** وابلغ الشكوى لهم عن زينبا

تلك أشياخكم في كربلا *** أجروا الخيل عليها شزّبا

ونساكم بعد ذياك الحما *** سبيت لم تلق خدراً وخبا

نكست راياتكم في موقف *** جدّلت فيه الكرام النجبا

ثم تدعو قومها من غالب *** جردوا للثار مصقول الشبا

حرّة الأحشاء لكن دمعها *** ساكب يحكي الغمام الصيّبا

أيها الراكب هيما في للسري *** تقطع الآكام حثّاً والربى

نادهم إن جئتَ من وادي قبا *** يا أُباة الضيم يا أهل الإبا

حلّ فيكم حادث في كربلا *** طبّق الشرق أسى والمغربا

* * *

اوسطا على البناء الشاعر الأمي البغدادي. جاء في الدر المنتثر في رجال القرن الثاني عشر والثالث عشر للحاج علي علاء الدين الألوسي إن هذا الشاعر

ص: 316

كان اعجوبة بغداد في هذا العصر فإنه ينظم الشعر مع كونه أُمياً لا يقرأ ولا يكتب ومشغول بصنعة البناء بعمله وهو من أبناء الشيعة ، ومن شعره قوله في الحسين :

لمن الجنود تقودها امراؤها *** لقتال مَن يوم اللقا خصماؤها

قد غصت البيدا ببعض خيولهم *** وببعض أجمعهم يضيق فضاؤها

وبنو لويٍّ للكريهة شمّرت *** عن ساعد قد قرّ فيه لواؤها

سقت المواضي من دماء أمية *** وكبودها ظمأى يفيض ظماؤها

من بعد ما أردوا قساورة الوغى *** سقطوا تلفّ جسومهم بوغاؤها

وبقي حمى الإسلام بين الكفر إذ *** همّازها في رمحه مشاؤها

وحمى شريعة جده في مرهف *** منه تشيّد في شباه بناؤها

وأورد له جملة من الشعر وقال : كانت ولادته في سنة 1265 ه وتوفي اوسطا على الشاعر المذكور يوم الاربعاء الثاني عشر من شهر رجب الفرد سنة 1336 ه.

ثم قال في الهامش صفحة 166 من الدر المنتثر ما يلي : جاء في هامش صفحة 57 من مخطوطة الأصل ما نصه : إن هذا الشاعر أوسطا علي المذكور كان لا يجيد النظم إنما كان هناك شخص اسمه الشيخ جاسم بن الملا محمد البصير الذي كان ينظم له ، وهو في الحلة ، انتهى. أقول وروى لي الخطيب المعاصر السيد حبيب الأعرجي أنه سمع من خاله الشيخ جاسم الملة بأنه كان ينظم القصائد وينسبها للمترجم له - الاوسطا على البناء - ولكني وجدتُ جملة من القصائد الرائعة في رثاء الحسين 7 تنسب لهذا الرجل وكلها في مخطوط المرحوم السيد عباس الموسوي الخطيب المسمى ب ( الدر المنظوم في الحسين المظلوم ) والمنقول لي أيضاً أن المرحوم السيد حسن - خطيب بغداد - ابن السيد عباس كان يقول : كنا ننظم شعراً في رثاء أهل البيت علیهم السلام وننسبه إلى اوسطا علي البناء ، وكان يبذل المال في سبيل ذلك. وللشاعر المترجم له ديوان شعر يملكه عبد الوهاب ابن الشيخ جاسم الملة خطيب الحلة - اليوم.

ص: 317

محمود سبتي

اشارة

المتوفى 1336

قال مخمساً ، والاصل للشيخ محسن أبو الحب :

خيّب الدهر فيكم لي ظنّا *** يوم ناديتكم وعنكم ظعنّا

صاح شمر وقد شفى القلب منا *** صوّتي باسم من أردتِ فإنّا

قد أبدناهم جميعاً قتالا

قد تركنا الجسوم فوق رمال *** ورفعنا الرؤوس فوق عوالي

فاعولي بعد منعة وجلال *** أنت مسبية على كل حال

فاخلعي العز والبسي الإذلالا

وقال مخمساً ، والاصل لعبد الباقي العمري :

يا من إذا ذكرت لديه كربلا *** لطم الخدود ودمعه قد أسبلا

مهما تمرّ على الفرات فقل ألا *** بعداً لشطك يا فرات فمرّ لا

تحلو فإنك لا هنيٌ ولا مري

أيذاد نسل الطاهرين أباً وجد *** عن ورد ماء قد ابيح لمن ورد

لو كنتَ يا ماء الفرات من الشهد *** أيسوغ لي منك الورود وعنك قد

صدر الإمام سليل ساقي الكوثر

وقال مخمساً :

بوجد فقد أضحى فؤادي مضرما *** لمن أصبحت بعد التخدّر مغنما

فنادت وقد فاضت مدامعها دما *** أقلّب طرفي لا حمىٌ ولا حمى

سوى هفوات السوط من فوق عاتقي

ص: 318

لقد سيّرت تطوي الضلوع على لظى *** وقد تركت جسم الحسين مرضضا

فنادت ولكن لا تطيق تلفظا *** أأسبى ولا ذاك الحسام بمنتضى

أمامي ولا ذاك اللواء بخافق

الشاب النابغ محمود ابن الخطيب الشهير الشيخ كاظم سبتي ، ولد بالنجف الأشرف سنة 1311 وقد أرخ أبوه عام ولادته بقوله :

أتاني غلام وضييء أغر *** أضاء لعيني ضياء القمر

حمدتُ الاله وسميته *** بمحمود أشكر فيمن شكر

منير به ظلمات الهموم *** تجلّت فأرخ ( بدر ظهر )

كان ذكياً فطناً حسن الخلق جميل الصورة بهيّ المنظر ، معتدل القد صبيح الوجه ، حلو الكلام لطيف الشمائل خفيف الروح ، أقبلت عليه القلوب وأحبته النفوس لما جبل عليه من لطف المعاشرة وطيب المفاكهة ، وحسن الشكل ، توسم فيه أبوه حدة الفهم والنبوغ وبرع بنظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ودرس المباديء من النحو والصرف وحفظ الشعر الرصين ولمع بين الذاكرين فكانت محافل خطابته تغصّ بالسامعين لجودة إلقائه وعذوبة حديثه فكان محط آمال أبيه ولكن المنية عاجلته وهو في ريعان الشباب وغضارة العمر فقد توفي ليلة الجمعة 26 جمادى الثانية 1336 وكانت النجف محاصرة بن قبل الانكليز ففتحت الأبواب ودفن في الصحن الحيدري بالقرب من إيوان السيد كاظم اليزدي. ترجم له في ديوان والده المطبوع بالنجف.

ص: 319

الشيخ حسن الحمود

اشارة

المتوفى 1337

أقيما بي ولو حَلّ العقال *** على ربع بذي سلم وضال

قفا بي ساعة في صحن ربعٍ *** محت آثاره نوبُ الليالي

وشدّا عقل نضوكما وحلا *** وكاء العين بالدمع المذال

هو الربع الذي لم يبق منه *** سوى رمم وأطلالٍ بوال

مضى زمن عليه وهو حال *** بأهليه فأضحى وهو خالي

لو أنك قد شهدت به مقامي *** إذاً لبكيت من جزع لحالي

وقفتُ به ودمعي كالعزالي *** يصوبُ دماً وقد عزّ العزا لي

أُسرّح في معاهده لحاظي *** وقلبي في لظى الأحزان صلي

اسائله وأعلم ليس إلا *** صدى صوتي مجيباً عن سؤالي

ذكرت به بيوت الوحي أضحت *** بطيبة من بني الهادي خوالي

غدت للوحش معتكفاً وكانت *** قديماً كعبة لبني السؤالِ

نأى عنها الحسين فهدّ منها *** بناء البيت ذي العمد الطوالِ

سرى ينحو العراق بأسدِ غابٍ *** تعدّ الموت عيداً في النزالِ

تعادى للكفاح على جياد *** ضوامر أنعلتها بالهلال

عجبت لضمّرٍ تعدو سراعاً *** وفوق متونها شمّ الجبال

نعم لولا عزائم مَن عليها *** رماها العجز في ضنك المجال

تسابق ظلّها فتثير نقعاً *** به سلك القطا سبل الضلال

ص: 320

عليها غلمة من آل فهر *** شمائلها أرقّ من الشمال

تمدّ إلى الطعان طوال أيد *** إذا قصرت عن الطعن العوالي

تسابق للمنية كالعطاشى *** قد استبقت إلى الورد الزلال

وما برحت تحيي البيض حتى *** هوت مثلَ البدور على الرمال

تساقط عن متون الخيل صرعى *** كما سقطت من السلك اللئالي

غدت أشلاؤهم قطعاً وأضحت *** صدورهم جفيراً للنبال

وأصبح مفرداً فرد المعالي *** يُثني عضبه جمع الضلال

عدا فأطار قلب الجيش رعباً *** ثنى قلب اليمين على الشمال

يكاد الرمح يورق في يديه *** لما في راحتيه من النوال

فما بأس ابن غيلٍ وهو طاوٍ *** رأى شبليه في أيدي الرجال

بأشجع من حسين حين أضحى *** بلا صحب يدير رحى القتال

سطا فاقتضّها بالرمح بكراً *** والقحها عوانا عن حيال

ولما اشتاق للاخرى ووفى *** بحدّ حسامه حق المعالي

هوى للترب ظامي القلب نهباً *** لبيض القضب والأسل الطوال

وثاوٍ في هجير الشمس عارٍ *** تظلله أنابيب العوالي

أبى إلا الإبا فقضى عزيزاً *** كريم العهد محمود الفعال

قضى عطر الثياب يفوح منها *** أريج العزّ لا أرج الغوالي

وأرخص في فداء الدين نفساً *** يفدّيها القضاء بكل غالي

وما سلبت عداه منه إلا *** رِداً أبلته غاشية النبال

وسيفاً فلّ مضربه قراع *** الطلى ومحزّق الدرع المذال

لهيف القلب تُروى من دماه *** - برغم الدين - صادية النصال

تفطر قلبه وعداه ظلماً *** تحلئه عن الماء الحلال

صريعاً والعتاق الجرد تقفو *** الرعال بجسمه إثر الرعال

ص: 321

وثاكلة تناديه بصوت *** يزلزل شجوه شمّ الجبال

عزيز يا بن امّ عليّ تبقى *** ثلاثاً في هجير الشمس صال

أخي انظر نساءك حاسرات *** تستّر باليمين وبالشمال

سرت أسرى كما اشتهت الأعادي *** حواسر فوق أقتاب الجمال

* * *

الشيخ حسن الحمود أديب موهوب يتحدر نسبه من اسرة عربية تنتمي إلى قبيلة ( طفيل ) ووالده العالم الجليل والفقيه الكبير الشيخ علي هاجر من الحلة إلى النجف وهو علي بن الحسين بن حمود توجه وهو في سنّ الكهولة وأكبّ على طلب العلم حتى نال درجة الاجتهاد مضافاً الى تقاه وورعه وموضع ثقة المجتمع على اختلاف طبقاته فكان يقيم الصلاة وتأتم به في الصحن العلوي الشريف مختلف الطبقات إلى أن توفي 7 شوال 1344 بعد مرض ألزمه الفراش أعواماً ولقد رزقه اللّه ولدين فاضلين هما الحسن والحسين أما الثاني وهو الأصغر فكان من المجتهدين العظام وممن يشار اليهم بالبنان وقد توفي قريباً وهو من المعمرين ، وأما الأول وهو المترجم له فقد كان من نوابغ عصره ومولده كان حوالي سنة 1305 في النجف ونشأ بها في كنف والده ، ومن أشهر أساتذته الذين اتصل بهم واستفاد منهم في العربية وآدابها هو الشيخ محمد رضا الخزاعي والشيخ عبد الحسين بن ملا قاسم الحلي والسيد مهدي الغريفي البحراني ثم هو من خلال ذلك شديد الملازمة لحضور نادي العلامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي وقد كتب بخطه الجميل ديوان الشيخ محمد رضا الخزاعي وهناك مخطوطات أدبية كتبها بخطه ، توفاه اللّه يوم الثلاثاء 11 ربيع الثاني سنة 1337 الموافق 1 كانون الثاني 1919 ودفن في الصحن الحيدري أمام الإيوان الذهبي وجزع عليه أبوه جزعاً شديداً بان عليه أثره كما أسف عليه عارفوه وأقام له مجلس العزاء الفاضل الأديب السيد علي سليل العلامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي ورثاه بقصيدة مطلعها :

أو بعد ظعنك تستطاب الدار *** فيقرّ فيها للنزيل قرار

ص: 322

وظهرت شجاعته الأدبية يوم دعي إلى بغداد لأداء الامتحان في عهد الدولة العثمانية بدل من أن يساق لخدمة الدفاع المصطلح عليها ب ( القرعة ) وكان رئيس اللجنة السيد شكري الألوسي وعندما استجوب بمسائل دينية وعربية نحوية وصرفية أكبره الرئيس الالوسي فمنحه ساعة ذهبية فارتجل المترجم له قصيدة أولها.

يا فكر دونك فانظمها لنا دررا *** من المدائح تتلوها لنا سورا

ويا لساني فصّلها عيون ثنى *** تزان فيه عيون الشعر والشعرا

ويا قريحة جودي في مديح فتى *** تجاوز النيرين الشمس والقمرا

خلف آثاراً منها رسالة في علم الصرف وهي اليوم عند ولده الشيخ أحمد وديوان شعره الذي جمعه ولده المشار اليه يقارب 1500 بيتاً وهو مرتب على حروف الهجاء ومن أشهر قصائد رائعته التي نظمها في الصديقة الطاهرة فاطمة بنت النبي محمد صلی اللّه علیه و آله ، وملاؤها شجاء وأولها :

سل أربعا فطمت أكنافها السحب *** عن ساكنيها متى عن افقها غربوا

وهي مشهورة محفوظة وقد ترجم له الكاتب المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة ترجمة ضافية وذكر طائفة من أشعاره ونوادره وغزلياته ومراسلاته أما قصائده الحسينية فاليك مطالعها :

1 - هنّ المنازل غيّرت آياتها *** أيدي البلى وطوت حسان صفاتها

69 بيتاً

2 - لست ممن قضى بحبّ الملاح *** لا ولا هائماً بذات الوشاح

54 بيتاً

3 - ما شجاني هوى الحسان الغيد *** لا ولا همتُ في غزال زرود

58 بيتاً

4 - من هاشم العلياء جبّ سنامها *** خطب أحلّ من الوجود نظامها

42 بيتاً

ص: 323

5 - ألا دع عيوني لهتانها *** وخلّ حشاي لنيرانها

50 بيتاً

وله من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) :

خلت أربع اللذات واللّهو والانس *** ولم يبق منها غير أطلالها الدرسِ

وقفت بها والوجد ثقّف أضلعي *** ومن حرقي كادت تفيض بها نفسي

اسائلها اين الذين عهدتهم *** تضيئين فيهم كنت يا دار بالأمس

فلم تطق التعبير عمّا سألتها *** لتخبرني آثار أطلالها الخرس

فأجريتُ دمعي في ثراها تذكراً *** لأربع طه سيد الجنّ والانس

لقد أقفرت مذ غاب عنها ابن فاطم *** وأضحت مزار الوحش خاوية الاسّ

سرى نحو أرجاء العراق تحوطه *** أسودٌ لورد الموت أظما من الخمس

أفاعي قناهم تنفث الموت في العدا *** إذا اعتقلوها وهي ليّنة اللمس

وبيض ضباهم يدهش الحتف ومضها *** ويترك أسد الغاب خافتة الحسّ

تهادى كأمثال النشاوى إلى الردى *** إذا غنّت البيض الرقاق على الترس

أباحوا جسوم القوم بيض سيوفهم *** فلم تر غير الكف في الأرض والرأس

ولما دعاهم ربهم للقائه *** هلموا أحبائي إلى حضرة القدس

هووا للثرى نهب الصفاح جسومهم *** عراة على البوغاء تصهر بالشمس

تجول عليها العاديات نهارها *** وتأتي عليها الوحش تنحب إذ تمسي

كرام تفانوا دون نصر ابن أحمد *** وأقصى سخاء المرء أن يسخ بالنفس

وله في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومصرعه قصيدة مطلعها :

عج بسفح اللوى وحيّ الربوعا *** وأذل قلبك المعنّى دموعا

واخرى في الصديقة فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) أولها :

لا رعى اللّه قيلة وعراها *** سخط موسى وحلّ منها عراها

ص: 324

وله من قصيدة في مدح السيد محمد القزويني وهذا غزلها :

أتى زائراً والليل شابت ذوائبه *** يرنحه غصن الصبا ويلاعبه

تزرّ على البدر المنير جيوبه *** وتضفو على الغصن النضير جلاببه

يقابل ليلاً صدره افق السما *** فترسم فيه كالعقود كواكبه

على وجنتيه أنبت الحسن روضة *** حمتها أفاعي فرعه وعقاربه

وفي فمه ماء الحياة الذي به *** يعيش - إلى أن ينقضي الدهر - شاربه

( ولعت به غضّ الشبيبة ناشئاً ) *** جرى الماء في خديه واخضرّ شاربه

فغادرني ( قوساً ) مثقّف قدّه *** وصيّرني رهن الكآبة ( حاجبه )

وقلت له زر. قال يفضحني السنا *** فقلت له ذا ليل شعرك حاجبه

فقال ظلام الليل لم يخف طلعتي *** فقلت له أردى الكرى مَن تراقبه

فجاء وقد مدّ الظلام رواقه *** تمانعه أردافه وتجاذبه

فبتنا وأثواب العفاف تلفّنا *** وسادته زندي وطوقي ذوائبه

ونروي أحاديث الصبابة بيننا *** فيعذلني طوراً وطوراً اعاتبه

إلى أن أغار الصبح في نوره على *** دجى الليل وانجابت برغمي غياهبه

فودعني والدمع يغلب نطقه *** وقد غمر الأرض البسيطة ساربه

وفارقته لكن قلي من جوى *** جرى أدمعاً من غرب عيني ذائبه

بديع جمال عن معانيه قاصر *** بياني وقد ضاقت عليّ مذاهبه

غدائره سودٌ وحمر خدوده *** وصفر تراقيه وبيض ترائبه

وخطّ يراع الحسن لاماً بخده *** فسبحان باريه ويا عزّ كاتبه

رقيق أديم الوجه يجرح خده *** إذا ما النسيم الغضّ هبّت جنائبه

إذا مرّ في وادي الأراك تغارُ من *** محاسنه أغصانه ورباربه

ص: 325

الحاج مصطفى ميرزا

اشارة

المتوفى 1338

يا راكب القود تجوب الفلا *** وتقطع الأغوار والأنجدا

عرّج على الطف وعرّس بها *** عني وقف في أرضها مكمدا

وانشد بها من كل ترب العلا *** من هاشم مَن شئت أن تنشدا

فكم ثوت فيها بدور الدجى *** وكم هوت فيها نجوم الهدى

وكم بها للمجد من صارم *** عضبٍ على رغم العلى أغمدا

كل فتى يعطي الردى نفسه *** ولم يكن يعطي لضيم يدا

يخوض ليل النقع يوم الوغى *** تحسبه في جنحه فرقدا

يصدع قلب الجيش إما سطا *** ويصدع الظلماء إما بدا

تلقاء مثل الليث يوم الوغى *** بأساً ومثل الغيث يوم الندى

إن ركع الصارم في كفه *** خرّت له هام العدى سجّدا

لم يعترض يوم الوغى جحفلاً *** إلا وثنّى جمعه مفردا

سامهم الذل بها معشر *** والموت أحلى لهم موردا

ومذ رأوا عيشهم ذلة *** والموت بالعز غدا أرغدا

خاضوا لظى الهيجاء مشبوبة *** واقتحموا بحر الردى مزبدا

وقبّلوا خدّ الظبا أحمراً *** وعانقوا قدّ القنا أغيدا

وجرّدوا من عزمهم مرهفاً *** أمضى من السيف إذا جرّدا

يفدون سبط المصطفى أنفساً *** قلّ بأهل الأرض أن تفتدى

ص: 326

عجبت من قوم دعوه إلى *** جند عليه بذله جنّدا

وواعدوه النصر حتى إذا *** وافى اليهم أخلفوا الموعدا

وأوقدوا النار على خيمة *** وتّدها بالشهب مَن وتّدا

يا بأبي ظمآن مستسقياً *** وما سقوه غير كأس الردى

ويا بروحي جسمه ما الذي *** جرى عليه من خيول العدا

وذات خدر برزت بعده *** في زفرات تصدع الأكبدا

وقومها منها بمرأىً فما *** أقربهم منها وما أبعدا

فلتبك عين الدين من وقعة *** أبكت دماً في وقعها الجلمدا

وقال من قصيدة في الامام الحسين (عليه السلام) :

وقائلة لي عزّ قلبك بعدهم *** فقلت أصبت القول لو كان لي قلبُ

فقد أرخصت مني الدموع ولم أزل *** اغالي بدمعي كلما استامه خطب

رزية قوم يمموا أرض كربلا *** فعاد عبيراً منهم ذلك الترب

أكارم يروي الغيث والليث عنهم *** إذا وهبوا ملأ الحقائب أوهبّوا

إذا نازلوا الأعداء أقفر ربعها *** وإن نزلوا في بلدة عمّها الخصب

تخفّ بهم يوم اللقاء خيولهم *** فتحسبها ريحاً على متنها الهضب

إذا انتدبوا يوم الكريهة أقبلوا *** يسابق ندباً منهم ما جد ندب

يكلفهم أبناء هند مذلة *** وتوصيهم بالعزّ هندية قضب

فيا لهفة الاسلام من آل هاشم *** ووا حرباً للدين مما جنت حرب

فأضحى إمام المسلمين مجرداً *** وحيداً فلا آل لديه ولا صحب

وظلّ وليل النقع داجٍ تحفه *** نصول القنا كالبدر حفّت به الشهب

وقد ولي الهنديّ تفريق جمعهم *** فصحّ ( لتقسيم ) الجسوم به الضرب

إلى أن قضى ظمآن والماء دونه *** ( مباح على الرواد منهله العذب )

بنفسي يا مولاي خدك عافر *** وجسمك مطروح أضرّ به السلب

* * *

ص: 327

الشيخ اغا مصطفى ابن الاغا حسن ابن الميرزا جواد ابن الميرزا أحمد التبريزي من اسرة مجتهد الشهيرة بتبريز ، ولد سنة 1295 وتوفي فيها في أواسط شهر رمضان 1337 وجاءت جنازته إلى النجف الاشرف سنة 1338 درس بالنجف مدة حتى نال حظاً وافراً من العلم ورجع لمسقط رأسه.

كان كما يقول الشيخ الأميني في ( شهداء الفضيلة ) أحد أفذاذ الامة وعباقرة العصر الحاظر. ولد بتبريز سنة 1297 وتخرّج على الخراساني وشيخ الشريعة الأصبهاني وآية اللّه الطباطبائي اليزدي. له حاشية على الكفاية في الاصول لم تتم. رسالة في اللباس المشكوك ، أرجوزة في علمي العروض والقافية ، رسائل مختلفة في الفلكيات والرياضيات ، اما في الأدب فكان فارس ميدانه ، ولقد قال فيه الحجة المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :

تركت سيوف الهند دونك في الفتك *** على العرب العربا وأنت من الترك

تبرّزت من تبريز رب فصاحة *** بها مدنياً قد حسبناك أو مكي

فكم لك من نثر ونظم تزيّنت *** بنفسهما المسكيّ كافورة المسك

سبكتَ مياه الحسن في حسن سبكها *** فيها لأبيك الخير من حسن السبك

لو الملك الضليل يهدى لمثلها *** لظلّ يفاديها وإن عزّ بالمسك

وتسليه عن ( ذكرى حبيب ومنزل ) *** ويضحك إعجاباً بها من ( قفا نبك )

إذا رحت تتلوها غداً وهو قائل *** فديتك واللسن الأعاريب يا تركي

لباب معان يسحر اللب لفظها *** فيحسبه نظم اللئالي بلا سلك

ولكن آي المصطفى آية العلى *** أثارت فآثرت اليقين على الشك

فتى زاد أيام الصبا سمك رفعة *** تقاصر شأو الشيب عن ذلك السمك

وتلقاه قبل الاختبار مهذباً *** مخائله تغني اللبيب عن المسك

وللعلامة الشيخ محمد رضا الأصبهاني هذه الأبيات كتبها اليه :

علوت في الفضل السهى والسماك *** فأنت بدر والمعالي سماك

لاغرو إن فقت الثريا علاً *** فأنت في ذلك تقفو أباك

ومذ حللت القلب أكرمته *** وكيف لا يكرم مثلي حماك

ص: 328

وله من الشعر معارضاً قصيدة الشيخ محمد السماوي التي أولها :

وجهك في حسنه تفنن *** أنبت حول الشقق سوسن

قال في أولها :

سبحان من صاغه وكوّن *** في غصنٍ وردةً وسوسن

أحنّ من ثغره ومَن ذا *** رأيته لليتيم ما حن

شطّر بالوجد بيت قلبي *** وفيه كل الغرام ضمّن

اللّه كم من دقيق معنى *** للحسن ذاك الوشاح بيّن

ضمّن قلبي الأسى وعهدي *** بمتلف الحب لا يضمّن

لولا ثناياه ما حسبنا *** أن صغار الجمان أثمن

وكانت بينه وبين الشيخ اغا رضا الأصبهاني والشيخ جواد الشبيبي مراسلات ومما أرسل اليهما قصيدة أولها :

شهدت ليس الشهد غير ريقها *** ما ذاقها سواك يا سواكها

وغير أخلاق الرضا فهي التي *** ما أدركت أو لو النهى إدراكها

المرتدي ببردة العلم التي *** سدى التقى لحمتها وحاكها

تعوّدت أنمله البسط فلو *** همّ ببخل لم يطق إمساكها

يابن الاولى قد وطأت أقدامهم *** هام السما فشرّفوا أملاكها

وترجم له في ( الحصون المنيعة ) فقال : كان شاباً ظريفاً حسن الأخلاق طيب الاعراق ، جميل المعاشرة ، عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً ، أديباً لبيباً ، شاعراً ماهراً ، وله شعر جيد السبك رائق اللفظ وله مطارحات ومراجعات مع شعراء عصره من شعراء النجف وغيرهم ، وكان من أصدقاء الشيخ اغا رضا الأصفهاني فكم دارت بينهما من مطارحات ومراسلات شعرية وأدبية. انتهى

ص: 329

السيد عبد المطلب الحي

اشارة

المتوفى 1339

قم بنا ننشد العيس الطلاحا *** عن بلاد الذلّ نأياً وانتزاحا

الى ان يتخلص لموقف الحسين وبطولته فيقول :

بأبي الثابت في الحرب على *** قدم ما هزّها الخوف براحا

كلما خفّت بأطواد الحجا *** زاد حلماً خفّ بالطود ارتجاحا

مسعر إن تخبو نيران الوغى *** جرّد العزم وأوراها اقتداحا

لم يزل يرسي به الحلم على *** جمرها صبراً وقد شبّت رماحا

كلما جدّت به الحرب رأى *** جدّها في ملتقى الموت مزاحا

إن يخنه السيف والدرع لدى *** ملتقى الخيل إتقاءً وكفاحا

لم يخنه الصبر والعزم إذا *** صرّت الحرب إدّراعاً واتشاحا

رب شهباء رداح فلّها *** حين لاقت منه شهباء رداحا

كلما ضاق به صدر الفضا *** صدره زاد اتساعاً وانشراحا

فمشى قدماً لها في فتية *** كأسود الغاب يغشون الكفاحا

يسيقون الجرد في الهيجا إذا *** صائح الحي بهم في الروع صاحا

ويمدّون ولكن أيدياً *** للعدى تسبق بالطعن الرماحا

أيدياً في حالة تنشي الردى *** وبأخرى تمطر الجود سماحا

فهي طوراً بالندى تحيي الورى *** وهي طوراً أجلٌ كان متاحا

بأبي أفدي وجوهاً منهم *** صافحوا في كربلا فيها الصفاحا

ص: 330

أوجهاً يشرقن بشراً كلما *** كلح العام ويقطرن سماحا

تتجلى تحت ظلماء الوغى *** كالمصابيح التماعاً والتماحا

أرخصوا دون ابن بنت المصطفى *** أنفساً تاقت إلى اللّه رواحا

فقضوا صبراً ومن أعطافهم *** أرج العز بثوب الدهر فاحا

لم تذق ماءً سوى منبعثٍ *** من دم القلب به غصت جراحا

أنهلت من دمها لو أنه *** كان من ظامي الحشا يطفي التياحا

أعريت فهي على أن ترتدي *** بنسيج الترب تمتاح الرياحا

وتبقّوا أجدلاً من عزّه *** لسوى الرحمن لم يخفض جناحا

يتلقى مرسل النبل بصد *** رٍ وسع الخطب وقد سدّ البطاحا

فقضى لكن عزيزاً بعدما *** حطم السمر كما فلّ الصفاحا

ثاوياً ما نقمت منه العدى *** صرعة قد أفنت الشعر امتداحا

ونواعيها مدى الدهر شجى *** يتجاوبن مساءً وصباحا

وآ صريعاً نهبت منه الضبا *** مهجة ذابت من الوجد التياحا

يتلظى عطشاً فوق الثرى *** والروى من حوله ساغ قراحا

هدموا في قتله ركن الهدى *** واستطاحوا عمد الدين فطاحا

بكت البيض عليه شجوها *** والمذاكي يتصاهلن نياحا

أيّ يوم ملأ الدنيا أسىً *** طبّق الكون عجيجاً وصياحا

يوم أضحى حرم اللّه به *** للمغاوير على الطف مباحا

أبرزت منه بنات المصطفى *** حائرات يتقارضن المناحا

أيها المدلج في زيافة *** تنشر الأكم كما تطوي البطاحا

فإذا جئت الغريين أرح *** فلقد نلتَ بمسراك النجاحا

صل ضريح المرتضى عني وخذ *** غرب عتب يملأ القلب جراحا

قل له يا أسد اللّه استمع *** نفثةً ضاق بها الصدر فباحا

ص: 331

كم رضيع لك بالطفى قضى *** عاطشاً يقبض بالراحة راحا

أرضعته حُلُم النبل دماً *** من نجيع الدم لا الدرّ القراحا

ولكم ربة خدر ما رأى *** شخصها الوهم ولا بالظن لاحا

أصبحت ربّة كور وبها *** ترقل العيس غدواً ورواحا

سلبت أبرادها فالتحفت *** بوقار صانها عن أن تباحا

واكتست برداً من الهيبة قد *** ردّ عنها نظر العين التماحا

لو تراها يوم أضحت بالعرى *** جزعاً تندب رحلاً مستباحا

حيث لا من هاشم ذو نخوة *** دونها في كربلا يدمي السلاحا

* * *

السيد عبد المطلب الحسيني ، ابن السيد داود بن المهدي بن داود بن سليمان الكبير. علم من أعلام الأدب ، كريم الحسب والنسب ، فجدّه لأبيه السيد مهدي بن داود وقد مرت ترجمته وعمّه السيد حيدر بن سليمان الذائع الصيت ، تجد مسحة حيدرية على شعره اكتسبها منه ، يقول الشيخ اليعقوبي في ترجمته : كان فصيح البيان جري اللسان كثير الحفظ ذكي الخاطر خصب القريحة مرهف الحس ، كان يعرض شعره على عمّه في حياته ورثاه بعد وفاته بثلاث قصائد ، وقد أطراه الشيخ محمد الجواد الشبيبي - شيخ الأدب في العراق - واليك نص ما قاله :

وقد أغرب مذ أعرب سيد بطحائها ( عبد المطلب ) عن رثاء لو وعته الخنساء لأذهلها عن صخر. ولد المترجم في الحلة حوالي سنة 1280 ونشأ فيها وكان جلّ تحصيله الادبي من عمه السيد حيدر وخاض المعارك السياسية وكان صوته يجلجل بشعره وخطبه داعياً لجمع الكلمة والوحدة الإسلامية وأثار حماسة العشائر الفراتية بنظمه باللغتين الفصحى والدارجة حتى احرقت داره بعد ما نهبت ، وهذه قصائد الوطنية المنشورة يومذاك في صحف بغداد تشهد بذلك.

ص: 332

آثاره الادبية :

1 - جمع ديوان عمه السيد حيدر ووضع له مقدمة ضافية طبعت مع الديوان سنة 1313.

2 - جمع ديوان جده السيد مهدي في جزئين كبيرين.

3 - ديوانه الذي يجمع مجموعة أشعاره.

4 - شرح ديوان المهيار الديلمي بثلاثة أجزاء ، وهو من أسمى شروح ديوان المهيار.

اليك نبذة من روائعه فهذه قصيدته التي أنشأها سنة 1331 في الحرب الايطالية :

أيها الغرب منك ماذا لقينا *** كل يوم تثير حرباً طحونا

تظهر السلم للأنام وتخفي *** تحت طيّ الضلوع داء دفينا

أجهلتم بأننا مذ خلقنا *** عرب ليس ينزل الضيم فينا

ولنا نبعة من العزّ يأبى *** عودها أن يلين للغامزينا

قد قفونا آباءنا للمعالي *** واليها أبناؤنا تقتفينا

علّمونا ضرب الرقاب دراكا *** وعلى الطعن في الكلى درّبونا

نحن قوم إذا الوغى ضرستنا *** لم نبدّل بشدة البأس لينا

وإذا ما رحى الحروب استدارت *** نحن كنا أقطابها الثابتينا

ما شربنا على القذا مذ وردنا *** وسوى الصفو لم نكن واردينا

لاندي الوتر للعدا إن وترنا *** وعلى الوتر لا نغضّ الجفونا

وإذا ما نسبتنا يوم روع *** لوغىً فهي أمّنا وأبونا

شمل الجور شعبنا فائتلفنا *** لدفاع العدو متحدينا

قل لايطاليا التي جهلتنا *** بثبات الاقدام هل عرفونا

كيف ترجو كلاب ( رومة ) منا *** أن ترانا لحكمها خاضعينا

دون أن تفلق الجماجم والهام *** بضرب يأتي على الدارعينا

ص: 333

نبحونا مهوّلين فلما *** ان زأرنا عاد النباح أنينا

حيث لم تجدها المناطيد نفعاً *** كلما حلّقوا بها معتدينا

سائلوها بنا غداة التقينا *** والمنايا يخطرن فيهم وفينا

كيف رعناهم الغداة بضرب *** جعل الشك في المنايا يقينا

زاحفونا بجيشهم فزحفنا *** وقلبنا على الشمال اليمينا

كشلما صلّت القواضب خروا *** للضبا لا لربهم ساجدينا

ملأوا البرّ بالجيوش كما قد *** شحنوا مثلها البحور سفينا

كلما صاحت المدافع ثُبنا *** بصليل الضبا لها مسكتينا

ونقضنا صفوفهم بطعان *** لم يدع للطليان صفاً مكينا

أنكرونا أنا بنو تلكم الأسد *** فلما ثرنا لها عرفونا

سل ( طرابلسا ) التي نزلوها *** كيف ذاقوا بها العذاب المهينا

كلما بالفرار جدّوا ترانا *** بالضبا في رؤوسهم لاعبينا

يا رسولي للمسلمين تحمّل *** صرخة تملأ الوجود رنينا

وتعمّد بطحاء مكة واهتف *** ببني فاطم ركينا ركينا

وعلى الحي من نزار وقحطان *** فعج وامزج الهتاف حنينا

الحراك الحراك يا فئة اللّه *** إلى الحرب لا السكون السكونا

أبلغا عني الخليفة قولاً *** غثّه في المقال كان سمينا

أبجدٍّ بالصلح نرضى فنمسي *** نقرع السن بعده نادمينا

كيف ترضى على ( الهلال ) نراهم *** وهُم في صليبهم باذخونا

فارفض الصلح يابن مَن دوخوها *** بشبا المرهفات روماً و ( صينا )

يا بن ودي عرّج بإيران فينا *** إنها اليوم نهزة الطمعينا

قف لنبكي استقلالها بعيون *** ننزف الدمع في الخدود سخينا

وعلى مشهد الرضا عج ففيه *** فَعلَ الروس ما أشاب الجنينا

تركوا المسلمين فيه حصيداً *** واستباحوا منه الرواق المصونا

لا تحدّث بما جرى فيه إعلا *** ناً فإن الحديث كان شجونا

ص: 334

وشعره بهذا المستوى العالي سواءاً نظم في السياسة أو في الغزل أو المدح والرثاء ، ودّع الحياة بضواحي الحلة يوم 13 ربيع الأول سنة 1339 وعمره قد قارب الستين ونيران الثورة العراقية لم تخبو بعد في الفرات الأوسط. وحمل نعشه إلى النجف ودفن بوادي السلام ، كتب عنه السيد محمد علي كمال الدين في كتابه ( الثورة العراقية الكبرى ) وذكر قصيدة عبد الكريم العلاف في رثائه وهنا نورد رائعة اخرى من روائعه في رثاء جده الإمام الحسين (عليه السلام) :

أيقظته نخوة العزّ فثارا *** يملأ الكون طعاناً ومغارا

مستميتاً للوغى يمشي على *** قدم لم تشك في الحرب عثارا

يسبق الطعنة بالموت الى *** أنفس الأبطال في الروع ابتدارا

ساهراً يرعى ثنايا غزّه *** بعيون تحتسي النوم غرارا

مفرداً يحمي ذمار المصطفى *** وأبيّ الضيم من يحمي الذمارا

منتضٍ عزماً إذا السيف نبا *** كان أمضى من شبا السيف عرار

ثابت إن هزت الأرض به *** قال قِريّ تحت نعليّ قرارا

طمعت أبناء حرب أن ترى *** فيه للضيم انعطافاً وانكسارا

حاولت تصطاد منه أجدلاً *** نفض الذل على الوكر وطارا

ورجت للخسف أن تجذبه *** أرقماً قد ألف العزّ وِجارا

كيف يعطي بيد الهون إلى *** طاعة الرجس عن الموت حذارا

فأبى إلا التي إن ذكرت *** هزّت الكون اندهاشاً وانذعارا

تخلق الأيام في جدّتها *** وهي تزداد علاءً وفخارا

فأتى من بأسه في جحفل *** زحفه سدّ على الباغي القفارا

وليوث من بني عمرو العلى *** لبسوا الصبرَ لدى الطعن دثارا

كل مطعام إذا سيل القرى *** يوم محل نَحرَ الكوم العشارا

وطليق الوجه يندى مشرقاً *** كلما وجه السما جفّ اغبرارا

هو ترب الغيث إن عامٌ جفا *** وأخو الليث إذا ما النقع ثارا

أشعروا ضرباً بهيجاء غدا *** لهم في ضنكها الموت شعارا

ص: 335

غامروا في العز حتى عبروا *** للعلى من لجج الموت غمارا

وعلى الأحساب غاروا فقضوا *** بالضبا صبراً لدى الهيجا غيارى

فقضوا حق المعالي ومضوا *** طاهري الأعراض لم يدنسن عارا

قصرت أعمارهم حين غدا *** لهم القتل على العزّ قصارا

عقدوا الاخرى عليهم ولها *** فارقوا الدنيا طلاقاً وظهارا

جعلوا أنفسهم مهراً لها *** والرؤوس الغالبيات نثارا

والمصابيح التي تجلى بها *** صيروهنّ رماحاً وشفارا

يا له عقداً جرى في كربلا *** بجزيل الأجر لم يعقب خسارا

أقدموا في حيث آساد الشرى *** نكصت عن موكب الضرب فرارا

وتدانوا والقنا مُشرعة *** يتلمظنّ إلى الطعن انتظارا

بذلوها أنفساً غالية *** كبرت بالعز أن ترضى الصغارا

أنفساً قد كضّها حرّ الظما *** فاسالوها عن الطعن حرارا

تاجروا لله بها في ساعة *** لم تدع فيه لذي بيع خيارا

أيها المرقل فيها جسرة *** كهبوب الريح تجتاب القفارا

صل إلى طيبة وأعقلها لدى *** أمنع الخلق حريماً وجوارا

وأنخها عنده موقرةً *** بالشجا قد خلعت عنها الوقارا

وله لا تعلن الشكوى وإن *** كبر الفادح أن يغدو سرارا

حذراً من شامت يسمعها *** كان بالرغم لخير الرسل جارا

فلقد أضرم قدماً فتنة *** كربلا منها غدت تصلى شرارا

قل له عن ذي حشاً قد نفذت *** أدمعاً سال بها الوجد انهمارا

يا رسول اللّه ما أفضعها *** نكبةً لم تبق للشهم اعتذارا

كم لكم حرّ دم في كربلا *** ذهبت فيه المباتير جُبارا

يوم ثار اللّه في الأرض به *** آلُ حربٍ أدركت بالطف ثارا

والذي أعقب كسراً في الهدى *** ليس يلقى أبد الدهر انجبارا

حرم التنزيل والنور الذي *** بسناه غاسق الشرك استنارا

ص: 336

وصفاياك اللواتي دونها *** ضرب اللّه من الحجب ستارا

أبرزت حاسرةً لكن على *** حالةٍ لم تبق للجلد اصطبارا

لا خمارٌ يستر الوجهَ وهل *** لكريمات الهدى أبقوا خمارا

لا ومن ألبسها من نوره *** أُزراً مذ سلبوا عنها الأزارا

لم تدع أيدي بني حرب لها *** من حجاب فيه عنهم تتوارى

لو تراها يوم فرّت وعلى *** خدرها في خيله الرجس أغارا

يتسابقن إلى الحامي وهل *** يملك الثاوي على الترب انتصارا

تربط الأيدي من الرعب على *** مهجٍ طارت من الرعب انذعارا

تتوارى بثرى الرمضا أسىً *** لقتيل بالعرا ليس يوارى

وهو ملقى بثرى هاجرة *** يصطلى من وهج الرمضا أوارا

كلما صعّدت الوجدَ أبى *** دمعها من لوعةٍ إلا انحدارا

لم تجد من كافل إلا فتى *** مضّه السقم وأطفالا صغارا

بالظما أعينها غارت وما *** ذاقت الماء فليت الماء غارا

تحرق البوغاء منهم أرجلاً *** أنعلتها أرؤوس النجم فخارا

أفزعتها هجمة الخيل فرا *** حت تتعادى بثرى الرمضا فرارا

كل مذعور كبا رعباً على *** حرّ وجهٍ كسنا البدر أنارا

كلما كضّ الظما أحشاءها *** ألصقت بالترب أكباداً حراراً

كلما يلذعها حرّ الثرى *** راوحت فيها يميناً ويسارا

يا لها فاقرة قد قصمت *** من نبيّ اللّه ظهراً وفقارا

بكر خطبٍ كل آنٍ ذكرها *** للورى يبتكر الحزن ابتكارا

وله مرثية من غرر الشعر جاء في أولها :

لتبق الضبا مغمودة آل هاشم *** فما هي بعد الطف منها لقائم

وتلقي القنا منزوعة النصل عن يد *** ستقرع منها حسرة سنّ نادم

ومجموعها 77 بيتاً.

ص: 337

السيد ميرزا آل سليمان

المتوفى 1339

حتى مَ هاشم لا يرف لواها *** فالسيل قدبلغ الزبى وعلاها

والخيل من طوال الوقوف قد اشتكت *** فبأي يوم هاشم ترقاها

سل اسرة الهيجاء من عمرو العلى *** مَن يوقد الحرب العوان سواها

ما نومها عن كربلا وعميدها *** نهبته بيض امية وقناها

في يوم حرب فيه حرب ألّبت *** أو غادها واستنهضت حلفاها

واستنفرت جيش الضلال وقصدها *** يوم النفير تذكرت آباها

وسرت به للطف حتى قابلت *** فيه الحسين وضاق فيه فضاها

وعلى الشريعة خيّمت بجموعها *** كي لا تذيق بني النبي رواها

ظنت بعدة جيشها وعديدها *** والماء في يدها بلوغ مناها

يلوي الحسين على الدنية جيده *** لطليقها خوف الردى ولقاها

فأبى أبيّ الضيم أن يعطي يداً *** للذل أو يهوي صريع ثراها

وسطا بعزم ما السيوف كحدّه *** يوم اللقا هو في الطلى أمضاها

وترى الكماة تساقطت من سيفه *** فوق البسيطةقبل أن يغشاها

وأمات شمس نهارها بقتامها *** وبسيفه ليل القتام ضحاها

وثنى الخيول على الرجال ولفّها *** ورجالها فوق الخيول رماها

يسطو ونيران الظما في قلبه *** ما بين جنبيه تشبّ لظاها

حتى دعاه اللّه أن يغدو له *** ويجيب داعيه لأمر قضاها

فهوى على وجه الثرى لرماحها *** وسهامها نهباً وطعم ظباها

ومضى الجواد إلى المخيم ناعياً *** لبنات فاطم كهفها وحماها

ص: 338

فبكت بنات المصطفى مذ جاءها *** وبكت ملائكة السما لبكاها

وفررن للسجاد من خوف العدى *** تشكو فصدّعت الصفا شكواها

( دع عنك نهباً صيح في أبياتها ) *** والنارلما أضرمت بخباها

لكن لزينب والنساء تلهفي *** من خدرها من ذا الذي أبداها

أُبرزن من حجب النبوة حاسراً *** ( وتناهبت أيدي العدو رداها )

لهفي لربة خدرها مذعورة *** أنى تفرّ إذ العدى تلقاها

إن تبكي أطفال لها أو تشتكي *** بالسوط زجر في المتون علاها

مَن مخبر عني بني عمرو العلى *** أين الشهامة يا ليوث وغاها

نهضاً فآل الوحي بين عداكم *** لا كافل من قومها يرعاها

تحدو حداة اليعملات بثقلكم *** للشامتين بها وهم طلقاها

وإلى أبن هند للشئام سروا بها *** أفهل علمتم كيف كان سراها

ويزيد يهتف تارة في أهله *** ويسب اخرى قومها وأباها

* * *

السيد مرزه ابن السيد عباس مشهور بشرف النسب والحسب ، ولد حوالي سنة 1265 بالحلة وتدرج على الكمال والأدب ، واسرة آل سليمان الكبير يتوارثون الشعر والنبوغ. كان ابوه العباس من وجوه هذه الاسرة وأعيان ساداتها ، وأبو السيد عباس هو السيد علاوي - جدّ المترجم له - زعيم مطاع في الحلة وأطرافها ، ترأس فيها بعد عمه وأبيه السيدين : علي والحسين ولدي السيد سليمان الكبير. وله مكانة سامية عند حكام الحلة وولاة بغداد وخاصة في عهد الوزير داود باشا ، وشاعرنا الذي نتحدث عنه نبعة من تلك الدوحة فهو أبو مضر مثال الاباء والسيادة حيث أنه من تلك القادة ، محترم الجانب له مكانة عالية في الأوساط ، يسحرك بحديثه ويعجبك بطلعته وهندامه ، شديد المحافظة على تقاليده ومعتقداته ، ساهم مساهمة كبرى في الثورة العراقية وجاهد الانكليز بيده ولسانه ، في طليعة الثوار المحاربين ، وعندما تدرس الثورة العراقية تعرف الموقف البطولي للسيد ميرزا حتى احرقت داره ونهب

ص: 339

ما فيها وهو يواصل الهتاف بخطابه وبشعره باللغتين الفصحى والدارجة فقد كان فيهما وفي الخطابة المنبرية له القدح المعلّى ، يقول الشيخ اليعقوبي : وله باللغة العامية مطولات في أهل البيت بأوزان شتى من البحور الدارحة التي لا يكاد يجاريه فيها احد من معاصريه فقد كان يجيد فيها إجادة ابن عمه السيد حيدر الحلي في الفصحى. مدحه الحاج عبد المجيد المشهور بالعطار بأبيات يهنيه فيها بولادة ولده الأصغر محمد سنة 1329 ويؤرخ ذلك العام ، قال :

أبا مضر لا يلحق اللوم من دعا *** أبا مضر عند الحفيظة والندا

لأنت وإن طالت قصار معاصم *** لأطولها باعاً وأبسطها يدا

وأمنعها جاراً وأبذلها ندى *** واقربها رحماً وأبعدها مدى

من الآل آل المصطفى خير معشر *** جلت ظلمات الغي بالبأس والهدى

تهنّ به شبلاً نمته ضراغم *** تخرّ له الاساد في الحرب سجدا

وفرحاً أصاب المجد أيمن طائر *** بميلاده مذ جاور النسر مصعدا

سلالة فخر الكائنات محمد *** وأكرم مَن في الكون يدعى محمدا

فما جهلت أعوامه حين أَرخوا *** وليلة ميلاد الرسول تولدا

تغيب المترجم له عن وطنه وكان أكثر سكناه في ( الحصين ) قرب الحلة ولما عاد وذلك سنة 1339 علم بوفاة ابني عمّيه : السيد عبد المطلب الحلي الحسيني والسيد حسين ابن السيد حيدر جزع لفقدهما فاختار اللّه له اللحاق بهما فودّع الحياة وعمره 74 سنة على التقريب. وتأتي في جزء آتٍ من هذه الموسوعة ترجمة ولده السيد مضر ، وكل آتٍ قريب.

ص: 340

الشيخ عبّاس قفطان

المتوفى 1339

قال من قصيدة :

وأصبح قطب دائرة المعالي *** عليه محيط هيجاها استدارا

إذا رعدت همت هام الأعادي *** فتحسبها إذا انهلّت قطارا

ولما للقضا داع دعاه *** هوى صعقاً ولبّاه ابتدارا

ثلاثاً بالعرى عار عفيراً *** فديتك من عفير لا يُوارى

واعظم ما دهى علياء فهر *** رزايا زدن أحشاها استعارا

عقائلها الحرائر حين فرّت *** من الأطناب ذاهلة حيارى

قد استلبوا ملاحفها ولكن *** كساها نور هيبتها أزارا

* * *

الشيخ عباس ابن الشيخ عبود الشهير ب ( قفطان ) أديب خطيب هاجر من النجف في شبابه وسكن الحيرة وكانت الحيرة يومئذ ولم تزل تعتز بخطباء المنبر الحسيني فامتزج الشيخ عباس بأبناء المنطقة وصار ينظم ويخطب بأكثر المناسبات وجمع ديوانه ومحاضراته الدينية في مجموع بخطه. كتب عنه البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري. توفي سنة 1339 تقريباً ودفن بالنجف ونعاه عارفوه.

ص: 341

ضاق نطاق الكتاب عن استيعاب المواد التي أعددناها له فاكتفينا بالاشارة والاختصار فذلك اولى من الاهمال ثم الاعتذار وموعدنا مع القراء الجزء التاسع ، وسيمتاز عن الاجزاء السابقة بتصاوير الشعراء الذين يضمهم الكتاب :

الشيخ محمد الزهيري : المتوفى سنة 1329 من شعراء القطيف ، ترجم له صديقنا الشيخ علي المرهون فقال : الفاضل الشيخ محمد بن عبد اللّه بن حسن بن عبد اللّه بن عبد الحسين آل زهير. وآل زهير اسرة كريمة من قطان سيهات من قرى القطيف ، وطائفة منهم تسكن قرية الملاحة وبها تولد الشاعر الزهيري ، ونشأ ميالاً لحب العلم ومجالسة العلماء والادباء وسكن البصرة مدة من الزمن ثم انتقل إلى الكاظمية إلى أن توفي بها في شهر جمادى الاولى سنة 1329 وخلف ولده الشهم الحاج عبد الجليل وهو شخصية لامعة محترمة. له ديوان شعر في أهل البيت يوجد عند بعض الادباء. وللشاعر المترجم له قصيدتان في الرثاء في كتاب ( شعراء القطيف ) اقتطفنا منهما البعض فمن الاولى قوله :

غداة أبيّ الضيم ألوى على الردى *** ونادت حواديه بحيّى على الوخد

ظهيرة قالوا تحت مشتبك القنا *** تباركت من حتف وبوركت من ورد

وقام أبو السجاد يجلو بسيفه *** ظلام ظلال كان في الأرض ممتد

فأحجمت الصيد الصناديد خيفة *** المنية حتى جاء جبريل بالعهد

ويقول في اخرى :

يا عين جودي بانسكاب *** لمصاب آل أبي تراب

وحشاي ذوبي حرقة *** لقتيل سيف ابن الضبابي

وعجبت ممن حاولت *** صبري على عظم المصاب

أو بعد وقعة كربلا *** يصبو المحب إلى التصابي

الشيخ محمد صالح آل طعان : الشيخ محمد صالح ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح آل طعان القديحي. توفي سنة 1333 ه وكان رحمه اللّه علامة ثقة عند جميع الطبقات وهو كأبيه علماً وعملاً واخلاقاً وأدباً ، وأول تلمذته على يده وكانت ولادته 1281 قال صاحب شعراء القطيف : وله آثار ومآثر علمية

ص: 342

وأدبية فمنها ديوانه الذي جاء أكثره تخاميس في اهل البيت ، وذكر تخميسه لقصيدة السيد حيدر الحلي. وسبق أن ترجمنا في الجزء السابق من هذه الموسوعة لجده الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي الستري المتوفى بالطاعون في مكة المكرمة 1281. كما ترجمنا بهذا الجزء لوالده الشيخ أحمد بن صالح المتوفى سنة 1315 ه وهذه ترجمة مختصرة للحفيد الشيخ محمد صالح الشيخ أحمد الشيخ صالح تغمدهم اللّه جميعاً برحماته الواسعة.

الحاج محمد البراهيم : هو الوجيه الحاج محمد بن أحمد البراهيم - قبيلة من القبائل العربية المعروفة بالخير والصلاح ، اشتهرت بالتجارة مضافاً إلى الكمال والأدب والأعمال الخيرية ، يسكن الكثير منهم بلاد صفوي ، والكويكب ، والمسعودية ، يقول صاحب شعراء القطيف وكلهم من الأخيار وأماثل الرجال ، وجدهم المغفور له الحاج محمد كان على جانب عظيم من حبّه للخير ، وما في الاباء ترثه الأبناء ، توفي رحمه اللّه سنة 1335 وخلّف مدائحه لأهل البيت ، وذكر الشيخ جملة من رثائه للامام الحسين (عليه السلام).

الشيخ محسن بن خميس : هو الشيخ محسن بن علي بن سلمان بن رضا بن خميس. المتوفى سنة 1335 وآل خميس قبيلة عربية تتحلى بسمعة طيبة في الأوساط التجارية والأدبية يسكنون قلعة القطيف - البلدة القديمة العهد البعيدة الأثر ، فقد دلّت الاثار والوثائق التاريخية على تأريخ تأسيس سورها وأنه كان في سنة 216 ه ومن آل خميس في عصرنا رجال أخيار يتحلّون بالدين والأدب ورثوا الخصال الطيبة عن سلفهم كابراً عن كابر ، وجدهم الشاعر المشار اليه مشهور بالتفى والفضل والأدب وخلف من تراثه الروحي روائع في أهل البيت علیهم السلام منها قصيدة يرثي بها علي الأكبر ابن الحسين (عليه السلام) ويذكر جهاده بين يدي أبيه يوم كربلاء.

الشيخ عبد علي الماحوزي : هو ابن محمد بن علي بن محمد بن عبد علي ابن حسين بن جعفر الماحوزي ، المتوفى سنة 1337 ه أحد أعلام القرن

ص: 343

الرابع عشر الذين خدموا خدمة روحية وأدّوا رسالتهم كما يجب ، تحدّر من اسرة شريفة عريفة في النسب ، وآل الماحوزي قبيلة نزحت من البحرين قبل قرنين تقريباً إلى القطيف ، ونبغ منهم علماء وادباء وشعراء وحتى اليوم تتمتع هذه الاسرة بالسمعة الطيبة ويسكنون قرية الدبابية والكويكب. والمترجم له نظم في أهل البيت فأجاد ، وذكر المعاصر الشيخ علي المرهون له أرجوزة في حديث الكساء غير أنه فقد أكثرها ولم يعثر إلى على 33 بيتاً فقط ، أقول وسبق أن ذكرنا منظومة جليلة في حديث الكساء من نظم المرحوم العلامة الجليل السيد محمد القزويني وسنذكر بعون اللّه في الجزء الآتي أرجوزة في هذا الحديث الشريف من نظم العلامة التقي السيد عدنان البصري ، واليكم مقتطفات من نظم الماحوزي أسكنه اللّه جنته :

أفتتح الكلام باسم الخالق *** مصلّياً على النبي الصادق

وآله الأطهار سادات الورى *** ما حلّ في السماء نجم وسرى

* * *

روى الثقاة من رواة الخبر *** خير حديث مسند معتبر

عن أفضل النساء ذات المحن *** فاطمة الزهراء أمّ الحسن

قالت عليها أفضل السلام *** بينا أنا يوماً من الأيام

في منزلي إذ النبي قد دخل *** فأشرق البيت بخاتم الرسل

* * *

فقال يا فاطم يا ستّ النسا *** مسرعة قومي وهاتي لي الكسا

بلا توانٍ وبه غطيني *** ثم اسالي اللّه بأن يشفيني

فقالت الزهراء ثم جئته *** بما اراد وبه غطّيته

وصرت نحوه اكرر النظر *** ووجهه كالبدر في رابع عشر

ومن أجمل الصدف أن يختتم الكتاب بحديث الكسا ، الحديث الذي يشتمل على آية كريمة يرتلها المسلمون آناء الليل وأطراف « إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً » هذه الآية نزلت في النبي وعلي وفاطمة

ص: 344

والحسنين علیهم السلام خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم. روتها كتب السنة بطرق كثيرة عن ام سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد وواثلة بن الأسقع وابي الحمراء وابن عباس وثوبان مولى النبي وعبد اللّه بن جعفر وعلي والحسن بن علي في قريب من أربعين طريقاً.

إن كثيراً من هذه الروايات - وخاصة ما رويت عن ام سلمة - وفي بيتها نزلت الآية تصرح باختصاصها بهم. في ( الدر المنثور ) قال : أخرج الطبراني عن أم سلمة أن رسول اللّه قال لفاطمة ائتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم فألقى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليهم كساء فدكّيا ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللّهم إن هؤلاء أهل محمد - وفي لفظ ، آل محمد - فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل ابراهيم إنك حميد مجيد. قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير.

وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال لما دخل علي بفاطمة جاء النبي أربعين صباحاً إلى بابها يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته. الصلاة رحمكم اللّه إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً. أنا حرب لمن حاربتم ، أنا سلم لمن سالمتم.

وفيه أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال شهدنا رسول اللّه تسعة اشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول : السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته أهل البيت ( إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.

والروايات في ذلك كثيرة من طرق أهل السنة ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع غاية المرام للبحراني.

ص: 345

فهرس

الصفحة / سنة الوفاة

6 1304 السيد حيدر الحلي حياته ، تفوقه في الرثاء ، مؤلفاته ، المعاني التي امتاز بها ، مؤاخذاتنا عليه ، نموذج من رثائه للحسين.

34 1304 السيد ميرزا صالح القزويني وشرف بيته ، لون من شعره.

39 1304 الشيخ عباس زغيب نبذة من حياته.

40 1304 الشيخ موسى شرارة العاملي حياته العلمية ، نموذج من شعره.

44 1305 الشيخ حسون العبد اللّه ، شاعريته وحياته الأدبية نماذج من أشعاره.

52 1305 الميرزا اسماعيل ابن السيد رضا الحسيني الشيرازي جملة أحواله.

54 1305 الشيخ محسن أبو الحب شاعريته ، ديوانه وأدبه مقتطفات من مراثيه.

58 1305 معتمد الدولة فرهاد ميرزا القاجاري مؤلفاته بالعربية والفارسيه.

61 1306 الشيخ أحمد الخطي البحراني القطيفي ال أبي السعود - شهرته وزعامته.

64 1306 السيد صالح القزويني النجفي قصائده المطولة في رثاء أهل البيت.

67 1306 السيد حسين بحر العلوم ، حياته واثاره العلمية.

71 1306 السيد الأمير حامد حسين الهندي وجهاده ، موسوعة العبقات.

73 1306 السيد مير محمد نبذة عن حياته وديوانه.

74 1307 الشيخ محمد شرع الاسلام وأدبه ، الرحلة.

79 1311 الميرزا أبو الحسن الرضوي شهرته العلمية ولمحة من شعره.

80 1312 الشيخ عبد اللّه الحسائي القاري ، ديوانه واثاره.

86 1312 الشيخ جابر الكاظمي ظرفه وأدبه ، تخميسه للأزريه ، نموذج من رثائه.

89 1312 سليمان الصولة ابن ابراهيم الصولة شاعر سوري مسيحي أبياته في الحسين.

92 1313 الشيخ عباس الأعسم ، حياته أشعاره ذريته واسرته.

96 1313 الميرزا باقر الخونساري صاحب روضات الجنات ، حياته.

97 بعد 1311 أحمد النواب أغا. نموذج من شعره ، اسرة ال النواب.

ص: 346

الصفحة / سنة الوفاة

99 1315 السيد جعفر كمال الدين المعروف بالحلي الشاعر الشهير ، أدبه العالي وذوقه الشعري نوادره ومراسلاته ، نموذج من رثائه للحسين.

116 1315 الشيخ عباس كاشف الغطاء زعيم ديني ، مؤهلاته وعلومه.

117 1315 الملا عباس الزيوري أديب لامع ، ألوان من شعره.

123 1315 السيد ميرزا الطالقاني مكانته العلمية والادبية ، شاعر بالفصحي والدراجة.

126 1315 الشيخ أحمد بن صالح بن طعان فقيه متبحر ، درجته في العلوم.

128 1316 ميرزا أبو الفضل الطهراني ديوان شعره ، درجته العلمية ، الاشارة الي والده.

130 1317 الشيخ حسن مصبح شاعر فحل متفنن في النظم ، روضته في الحسين ، روضته في الغزل ، أشعاره في أغراض اخر.

143 1317 الشيخ محمد نظر علي عالم عامل ، محدث متبحر ، منبره ومواعظه.

145 1318 الشيخ محمد العوامي المشهور بأبي المكارم ، مناظراته العلمية.

147 1318 الملا حسن القيم مفخرة الفيحاء ، شاعر طائر الصيت من رثائه للحسين.

157 1319 الشيخ محمد سعيد السكافي حياته الأدبية مميزاته ، ألوان من شعره.

162 1319 السيد ابراهيم الطباطبائي ، أدبه وحسبه ، منزلته العلمية وتضلعه في اللغة ، قصائده الحسينية ، ترجمته لأصحاب الحسين ، حبيب بن مظاهر ، زهير بن القين ، وهب بن عبداللّه الكلبي ، نافع بن هلال البجلي ، عابس بن شبيب الشاكري ، شوذب مولي عابس ، برير بن خضير الهمداني ، مسلم بن عوسجة الاسدي.

174 1322 الشيخ محمد الملا شاعر محلق ، نوادره وملحة ، حياته وأثر منابره ، رثاؤه للامام.

182 1322 السيد عبد الوهاب آل الوهاب ، حياته وشعره ، تخصصه ببعض العلوم.

185 1323 الحاج علي بن موسى بن رمضان المعروف بالقاري الاحسائي.

ص: 347

الصفحة / سنة الوفاة

186 1324 السيد علي الترك خطيب أديب ، رائعته في يوم الحسين.

191 1325 الشيخ علي عوض أديب واسع الشهرة بين أدباء الفيحاء.

197 1325 الشيخ حمادي نوح دعامة من دعائم الشعر ، جوانب من أدبه الحي ، رائعه الحسينية.

214 1328 السيد علي الأمين عالم واسع الادراك.

216 1328 الشيخ عبود الشيخ سالم الطريحي أديب وشاعر المناسبات.

217 1328 الشيخ حسين الكربلائي من أدباء كربلا.

218 1329 السيد مهدي البغدادي ، اثاره ، نوادره ، ملحة ومراسلاته دفاع عن أبي طالب عمّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم).

223 1329 السيد باقر الهندي عبقريته وشاعريته ، اراؤه ومواقفه الاصلاحية.

230 1329 الشيخ يعقوب الحلي النجفي ، حياته وأشعاره روضته الحسينية ، ديوانه باللغة الدراجة ، ارشادته المنبرية.

236 1329 الشيخ أحمد درويش علي عالم ومؤرخ بحاثة ومؤلف.

237 1330 الشيخ كاظم الهر دراسته وأدبه ، أقوال المترجمين له.

239 1331 الشيخ محمد رضا الخزاعي علمه وأدبه ، رائعته في الحسين.

242 1331 السيد عباس البغدادي خطيب وأديب ، نسبه وشهرته.

247 1332 الشيخ علي الجاسم رائعته في الحسين ، حياته ، لون من غزله.

251 1332 السيد ناصر البحراني البصري ، شهرته العلمية حياته الاصلاحية.

256 1332 عبد المهدي الحافظ أديب لبيب ، اتقانه لعدة لغات.

260 1332 الشيخ مهدي الخاموش أديب من كربلاء.

261 1333 السيد جواد الهندي خطيب شهير ، منبري ممتاز ، أشعاره.

267 1333 السيد باقر القزويني شاعر ناثر ، طريف ظريف.

275 1333 الشيخ باقر حيدر دراسته واثاره العلمية قصائده في الحسين (عليه السلام).

277 1333 الشيخ طاهر السوداني وحياته الأدبية.

ص: 348

الصفحة / سنة الوفاة

278 1334 الشيخ جواد الحلي أديب شاعر ، روائعه في الحسين.

285 1334 الشيخ حسن علي البدر ، نماذج من شعره ونبذة عن حياته.

289 1335 أبو المعز السيد محمد القزويني ، مكانته العلمية أدبه الحي ، زعامته الروحيه.

297 1335 الشيخ عبد الحسين الجواهر ، عالم متبحر ، اثاره وروائعه.

300 1335 الشيخ محمد حسن الجواهر ، أرجوزته في الكلام ، منظومته في الفقه.

302 1335 الشيخ علي شرارة حياته ودراسته ، نموذج من شعره.

304 1336 الحاج محمد حسن كبه بيته وشرفه دراسته وعلومه ما قيل فيه وفي اسرته.

312 1336 الحاج حبيب شعبان ولاؤه لأهل البيت قصائده فيهم.

316 1336 أسطا علي البنا الشاعر الأميّ شعره وديوانه.

318 1336 محمود سبتي الشاب الأديب والمنبري الظريف.

320 1337 الشيخ حسن الحمود شاعر ذائع الصيت ، ديوانه المخطوط ، شعره.

326 1338 الحاج ميرزا مصطفى التبريزي وشهرته العلمية ، ديوانه.

330 1339 السيد عبد المطلب الحلي ، نابغة عصره ، قصائده الوطنية ومواقفه الاصلاحية ، روائع من شعره في الحسين.

338 1339 السيد مرزة آل السيد سليمان ، شرفه وحسبه ، جهاده وبطولته أشعاره بالفصحي والدراجة.

341 1339 الشيخ عباس قفطان نبذة عن حياته.

342 1329 الشيخ محمد الزهيري ترجمته ونبذة من حياته.

342 1333 الشيخ محمد صالح آل طعان ، حياته.

343 1335 حاج محمد البراهيم ، مختصر سيرته.

343 1335 الشيخ محسن بن خميس الاشارة اليه.

343 1337 الشيخ عبد علي الماحوزي ، نتف من ترجمته.

ص: 349

المصادر المخطوطة

الحصون المنيعة في شعراء الشيعة للشيخ علي كاشف الغطاء

سمير الحاظر وأنيس المسافر للشيخ علي كاشف الغطاء

الكشكول للشيخ هادي كاشف الغطاء

المجالس الحيدرية في النهضة الحسينية للسيد حيدر العطار

المآتم المشجية لمن أراد التعزية للسيد عباس البغدادي

ترجمة السيد عبد اللّه شبّر للسيد محمد معصوم

الدر المنظوم في الحسين المظلوم للسيد حسن البغدادي

معجم شعراء الطالبيين للسيد مهدي الخرسان

ترجمة السيد مهدي القزويني للسيد حسين القزويني

الروض الخميل للسيد جودت القزويني

الخبر والعيان للسيد رضا الخطيب

الرائق للشيخ مهدي اليعقوبي

الرحلة للشيخ محمد شرع الاسلام

مخطوطة للسيد عبد الرحمن الالوسي

الاسرة الطريحية للشيخ عبد المولى الطريحي

مجموع للشيخ جواد الشرقي

مجموع للشيخ صافي الطريحي

مجموع للسيد هادي طعمة

مجموع الشيخ كاظم سبتي محمد زكي سبتي

ديوان الشيخ حمادي نوح

ديوان الشيخ محسن أبو الحب

ديوان السيد حسين الطباطبائي

ديوان اللؤلؤ النظيم والدر اليتيم للسيد باقر القزويني

ص: 350

نجوم السماء في تراجم علماء وادباء الاحساء للشيخ حسين علي القديحي

سوانح الأفكار في منتخب الأشعار للمؤلف

الضرائح والمزارات للمؤلف

شواهد الأديب للمؤلف

المقتطفات أو المختارات للمؤلف

المصادر المطبوعة

الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي

الغدير في الكتاب والسنة والأدب للشيخ عبد الحسين الاميني

شهداء الفضيلة للشيخ عبد الحسين الاميني

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد

ظرافة الأحلام في النظام المتلو في المنام للشيخ محمد السماوي

مجالي اللطف بأدب الطف للشيخ محمد السماوي

اليتيمة الغروية أو تاريخ النجف للسيد حسون البراقي

المنتحب للشيخ فخر الدين الطريحي

القمقام الزخار فرهاد ميرزا ابن نائب السلطنة

الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد للسيد محسن الأمين

جلاء العيون للسيد عبد اللّه شبّر

الحسين عيرة المؤمنين جواد شبر

أحسن الوديعة للشيخ الكاظمي

مجلة البلاغ للشيخ محمد حسن آل ياسين

مجلة العرفان احمد عارف الزين

مجلة الاعتدال محمد علي البلاغي

مجلة العدل الاسلامي محمد رضا الكتبي

ص: 351

المجلد 9

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1398 ه.ق

الصفحات: 366

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء التاسع

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف

ص: 2

ص: 3

الطبعة الأولی

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

1398ه - 1987م

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة على أفضل من علِم وعلّم سيد الخلق والصادق بالحق وعلى آل الميامين.

بهذا الجزء وهو التاسع من موسوعة ( ادب الطف ) أحسست بأن عملي قد تحقق نجاحه وأن البذرة قد أثمرت وآتت أكلها ، فكثيراً ما سألني الادباء والعلماء عن عدد أجزاء هذه الفكرة وعندما يكون الجواب انها عشرة كاملة يستبطئ البعض تحقيق هذا الأمل وصعوبة انجاز العمل ولهم الحق بذلك إذ كثيراً ما نوى الباحثون والمؤلفون القيام بمهام كثيرة كبيرة وعندما واجهوا الحقيقة واصطدموا بالواقع تراجعوا أو وقفوا.

ولكن اليوم وقد أتمت هذه الموسوعة أجزاءها التسعة ورمت عن كاهلها ما كنت تنوء به من أثقال السنين الماضية وأدت رسالتها بأمانة واخلاص ولم يبق لها إلا جزء واحد يختص بالمعاصرين الذين ما زالوا على قيد الحياة فقد أحرزت نجاحها وحققت مستقبلها وبدأ الباحثون يحرصون على اقتنائها والاعتزاز بها والحمد لله أولاً وآخرا.

المؤلف

ص: 5

تقريض سماحة العلامة السيد حسين نجل المغفور له السيد محمد هادي الصدر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

فضيلة الاخ الكريم الخطيب الكبير البحاثة السيد جواد شُبّر المحترم

تحياتي وأشواقي ودعائي. وبعد فإن أبسط ما تفرضه عليّ أعراف الاخاء الصادق هو أن أبعث اليك بهذه السطور لاهنئك وأُهنئ بك. اهنيك بهذا الجهد الأدبي الضخم الذي بذلته في موسوعتك النفيسة ( أدب الطف ) فجاءت بتوفيق اللّه وتسديده فريدة الفصول رائعة البنود متكاملة الحلقات ، نقية اللون ، حلوة البيان ، غزيرة المادة ، عذبة الاسلوب. وهذا ما تستحق عليه التهنئة.

وإني لأثمّن وأُقدّر ما عانيت في هذا السبيل من متاعب وصعاب لم تثنك عن مواصلة السير حتى قاربت نهاية الشوط بصبر عجيب ، وجلد نادر ، وعزيمة ماضية ، والمهم عندي ان عناءك المتواصل وأتعابك المضنية قد انصبت على موضوع هو في غاية الخطورة والأهمية ، وهل هناك شيء أثمن من أن يجنّد المرء طاقاته وإمكاناته ويصل الليل بالنهار ليطلع على الامة بموسوعة جليلة كموسوعتك لا تستهدف إلا خدمة الحسين علیه السلام وقضيته ولا تعنى إلا بنفض الغبار المتراكم على تراث ولائي ثمين حجب عن رواد المعرفة والأدب هو في سُداه ولحمته انتصار للحق والفضيلة وتعظيم لأئمة الهدى والرشاد ، ودعوة صريحة لانتهاج خط حياتي مشرق يستمد ينابيعه وأصوله من سيرة أبي الأحرار الحسين الشهيد علیه السلام ، ولست مبالغاً إذا قلت أن التهنئة لا تصلح إلا على مثل هذا العمل الهادف الجبار.

ثم أن كتابك الفريد هذا صدر من أهله ووقع في محله على حدّ تعبير الفقهاء

ص: 6

وهذا ما يدعونا إلى أن نهنئ بك ، فالمكتبة العربية كانت تفتقر إلى كتاب يتسم بلون من الاستيعاب والشمول لتراث شعراء العصور عبر امتداداتها الطويلة وعَبر الركام الهائل من انتاج أبنائها ينتقي اللآلئ من الفرائد والقصائد جاعلاً قضية الطف غرضه الرئيس ومطمحه الوحيد ، وحين وفقتَ لذلك فقد ملأت فراغاً كبيراً وأسديت للمعنيين بقضايا الطف يداً لا تنسى تضاف إلى بيض أياديك وخدماتك الدينية المشكورة. وهناك شيء آخر لا بد أن أقف عنده قليلاً ، ذلك أنك اخترت ( ادب الطف ) موضوعاً لموسوعتك ومن أولى منك بالنهوض بهذا العبء ، فما تملكه من القدرات والامكانات لا يملكه الكثيرون من غيرك لممارستك المنبرية الطويلة وخبرتك العريضة.

وشيء جميل والعصر عصر الاختصاص أن يعكف المختصون من رجالنا كل في حقله وميدانه على موضوعات حيوية نافعة ليخرجوا لنا مثل هذه الروائع ، لأن ذلك مما يتناغم مع اختصاصاتهم أولاً ومع روح العصر ثانياً ولا أملك في الختام إلا أن أشكرك جزيل الشكر على هديتك الثمينة ضارعاً اليه سبحانه أن يمدّك بكل ألوان التأييد لا كمال هذه الموسوعة القيمة.

واليك ازجي هذه القصيدة تقديراً لجهودك وجهادك :

( عطاء الجواد )

ضمخت منك بالهدى الابرادُ *** وزكت همة وطاب جهاد

ان تكن عدتَ باحثاً ألمعياً *** فبعلياك تنطق الاعواد

وتساميت مصدراً ( ادب الطف ) *** فراق الاصدار والايراد

روضة تزدهي بعطر المروءات *** فتندى الاغصان والاوراد

وينابيعك الاصيلة رفّت *** فاستقى من معينها الوراد

قد ملكت القلوب بالادب السمح *** فباهت بجهدك النقّادُ

إن موسوعة الطفوف عطاءٌ *** ليس يقوى عليه إلا ( الجواد )

* * *

ص: 7

موّن الدين بالخلود ( حسين ) *** وبلألائه استنار العباد

فدماء الحسين أرسته صرحاً *** وهي من شامخ البناء عماد

وفصول الفداء خطّت مساراً *** بفتوحاته انتشت أمجاد

صورٌ تجتلى فتمتلئ النفسُ *** رواءً ويستطاب الزاد

وبطولات كربلاء نشيد *** كل يوم لحونه تستعاد

لوّن الطف صفحة الدهر ألواناً *** وللظالمين منها السواد

* * *

في حنايا التاريخ ألف أُوارٍ *** ليس يخبو لجمره إيقاد

محن الطف تستبيح البرايا *** فتذوب القلوب والاكباد

وجراح الطفوف تدمي ومنها *** عبرة إثر عبرة تستفاد

* * *

للحسين الشهيد في كل عصر *** شعراء عن نهجه الحق ذادوا

يُستثارون والملاحم غرّ *** ويصوغون والنثار رشاد

ولآلي البيان تلمع كالنجم *** وضيئاً ويخلد الانشاد

لم يريقوا دماً زكياً ولكن *** قد يصون الدم الزكيّ مداد

ولقد ضمّهم كتاب « جوادٍ » *** فغدا حافلاً بما يُستجاد

بغداد - الكرادة الشرقية

29 شوال 1397 ه.

حسين السيد

محمد هادي الصدر

ص: 8

غزوة القزويني

المتوفاة 1331

قالت في رثاء الامام سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) من قصيدة :

أيها المدلج في زيافة *** قصدت في سائقيها النجفا

إن توصلت إلى حامي الحمى *** في الغريين فأبدي الأسفا

قل له إن حسينا قد قضى *** في شفار الكفر محزوز القفا

* * *

هناك جملة من النساء النابهات والأديبات الشهيرات اللاتي ترجمت لهن الكاتبة عائشة تيمور في ( طبقات ربات الخدور ) أما اللاتي هنّ في عصرنا أو قريبات من عصرنا ولهن المكانة المرموقة بالأدب والشعر والكتابة من بينهن صاحبة الترجمة العلوية ( غزوة ) المتوفاة سنة 1331 ه. والحاجة هداية بنت العلامة الكبير الشيخ محمد حسن كبّة المتوفى سنة 1336 وقد ترجمنا له سابقاً له وذكرنا شهرة هذا البيت الرفيع الذي خدم الأدب والعلم أكثر من قرن ، والحاجة هداية هي والدة الشاعرة ( سليمة الملائكة - ام نزار ) المتوفاة سنة 1373 ه. والمصادف 1953 م. وجدة الشاعرة نازك الملائكة ، والحاجة هداية تعيش اليوم في بغداد وتنظم الشعر العالي وقد وقفت على باقة فواحة من شعرها مدّ اللّه في حياة سليلة الأمجاد وسلالة الكرماء الأجواد.

والأديبة المصونة ( آمنة الصدر ) المعروفة ب ( بنت الهدى ) فهي ما زالت

ص: 9

تتحف المكتبة العربية بمؤلفاتها القيّمة وقد طبعت لها ما أنتجه قلمها وبيانها مما يستحق الدراسة.

أما الشاعرة غزوة فهي بنت السيد راضي ابن السيد جواد ابن السيد حسن ابن السيد أحمد القزويني ، وجدها السيد جواد هذا هو أخو العلامة الكبير والمجتهد الشهير السيد مهدي الحلي القزويني صاحب التصانيف الكثيرة المتوفى سنة 1300 ه. وامها العلوية نازي بنت السيد مهدي المذكور.

ولدت في الحلة في حدود سنة 1285 ه. ونشأت في كنف أخوالها الأعلام وأنكبت على الدراسة فدرست العلوم العربية الفقهية وتتبعت مصادر الأدب والشعر بحكم بيئتها وتربيتها ، فكانت تحفظ من أخبار العرب وقصصهم الشيء الكثير وتربّت بتربيتها جملة من نساء الاسرة وما يتعلق بها ، وقد اقترنت بابن خالها السيد أحمد بن الميرزا صالح القزويني وهو عالم فاضل وأديب شاعر فوجهها بصورة أعمق وجعلها قابلة لهضم محاوراته العلمية في شتى المجالات.

وغزوة شاعرة مقبولة سريعة البديهة مشهود لها بطرافة الأدب وكان لها بذلك كل الفخر إذ أنها عاشت في عصر أشبه بالعصر الجاهلي وحكمه على المرأة ومما أعتقد أنها لم تشاهد في بلدها ومحيطها مَن تحسن الكتابة والقراءة ولا واحدة ، وعزّت الكتابة والقراءة على الرجال آنذاك فما حال النساء.

توفيت رحمها اللّه في شعبان 1331 ه. ودفنت في مقبرة الاسرة وأبّنها الشعراء بما يليق بها.

ص: 10

السيد عيسى الأعرجي

المتوفى 1333

السيد عيسى ابن السيد جعفر ابن السيد محمد ابن السيد حسن ابن السيد محسن صاحب المحصول الحسيني الاعرجي الكاظمي ، ترجم له في اعيان الشيعة فقال :

توفي في أواخر شوال سنة 1333 ه. في الكاظمية ودفن بها في بعض حجر الصحن الشريف. كان فاضلاً أديباً شاعراً فمن شعره قوله من قصيدة حسينية طويلة :

إلى كم أُمني بالطلا والغلاصم *** عطاشى القنا والمرهفات الصوارم

وحتى متى أطوي على الضيم أضلعاً *** وأغضي وفي كفّي رمحي وصارمي

ألست إلى البيت المشيد رواقه *** نمتني اباة الضيم من آل هاشم

فإن لم أثب في شزّب الخيل وثبة *** مدى الدهر يبقى ذكرها في المواسم

فلست الذي في دوحة المجد والعلى *** تفرّع قدماً من علي وفاطم

وإن لم أثرها في العجاج ضوامراً *** عليها مثار النقع مثل الغمائم

فلست قديماً بالذي راح ينتمي *** لعبد مناف في العلى والمكارم

هم القوم إما ان دعوا لفضيلة *** فما لهم في فضلهم من مزاحم

ومهما ترى في الدهر منهم مسالماً *** فما لابن حرب فيهم من مسالم

بني هاشم أبناء حرب ببغيها *** قد ارتكبت منكم عظيم الجرائم

ص: 11

نسيتم غداة الطف أبناء أحمد *** على الأرض صرعى من علي وقاسم

فقوموا غضاباً واشرعوها أسنّة *** تلوّى على الاكتاف مثل الاراقم (1)

قال الشيخ السماوي في ( الطليعة ) : وهي طويلة وله غيرها ، توفي في أواخر شوال سنة الف وثلثمائة وثلاث وثلاثين في الكاظميين ودفن بها عند جده المحسن.

وفي مخطوطنا ( سوانح الافكار في منتخب الأشعار ) جزء ثالث صفحة 51 قصيدة في الزهراء فاطمة علیهاالسلام وهي للسيد عيسى الكاظمي ، وأولها :

خطب يذيب من الصخور صلابها *** ويزيل من شمّ الجبال هضابها

ويقول الشيخ في كتابه ( الطليعة ) : انه كان فاضلاً خفيف الروح أديباً ، رأيته واجتمعت به فرأيت منه الرجل الحصيف الرأي العالي الهمة المنبسط الوجه واليد وكان شاعراً في الطبقة الوسطى ، فمن شعره قوله :

تراءت بليل مشرقات كواكبه *** بصبح محياها تجلّت غياهبه

مهفهفة الاعطاف عقرب صدغها *** على ملعب القرطين تبدو عجائبه

فبتّ أبث العتب بيني وبينها *** وإن هي لا تصغي لما أنا عاتبه

أمخجلة الارام في لفتاتها *** سألتك هل أت من العيش ذاهبه

فكم لجّ قلبي يوم بنت بزورة *** إذا أفلس المديون لجّ مطالبه

وللشيخ عبد الحسين اسد اللّه المتوفى 1336 ه. والآتية ترجمته مؤرخاً وفاة السيد عيسى إبن السيد جعفر الاعرجي الكاظمي قال :

لله طارقة في الدين ما طرقت *** سمع امرئ في الورى إلا وقد فزعا

مذ أقبلت رجّت الغبراء زلزلةٌ *** منها وكادت بها الخضراء أن تقعا

قالوا قضى نحبه عيسى قفلت لهم *** كلا لقد أخطأوا مرأى ومستمعا

ارخته ( بأبي حياً بهيكله *** عيسى بن مريم روح اللّه قد رفعا )

ص: 12


1- عن الطليعة من شعراء الشيعة.

حسين عوني الشمري

المتوفى 1334

قال من قصيدة في رثاء الامام الحسين علیه السلام :

رزء تصاغرت الرزايا دونه *** المجد يندب والمكارم تعول

والمقربات على تنوّع جنسها *** تبكي خواشع عينهنّ وتهمل

تاللّه في صدري من الأحزان ما *** عنه الجبال الراسيات تزلزل

* * *

هو الشيخ حسين بن ملا عبد اللّه بن محمد بن أحمد الشمّري نسبة إلى العشيرة المعروفة ب ( شمّر ) الحنفي المذهب البغدادي المولد.

أديب فاضل له نظم في أغراض متعددة طريفة ، وله مؤلفات جليلة في مباحث متفرقة. منها متن في النحو كتبه لولده علاء الدين ووسمه ب ( العلائية ) كما له رسائل في الفقه مختصرة رأيت بعض أوراقها الخطية.

ولد ببغداد سنة 1270 ه. ونشأ على يد والده المرحوم وكانت له دروس فيما أتقن من المباحث والعلوم يمليها على طلابه ، وقد توفي بمسقط رأسه بغداد سنة 1334 ودفن في مسجد الشيخ الشبلي في الاعظمية ، ومن شعره ما قاله في غرض لطيف :

ذهبنا نبتغي والقوم مالاً *** لنقضي للمعالي بعض دين

ففاز القوم في مال كثير *** واني عدتُ في خفيّ حنين

وما ذنبي سوى اني ( حسين ) *** ( يزيد ) الدهر ظلماً في ( حسين )

فلا تعجب لأيام رمتني *** فأهل الفضل اقذى كل عين (1)

ص: 13


1- عن كتاب الرجال ، ح- 1 ( المخطوط ) للباحث السيد جودت القزويني.

الشيخ عبد الحسين أسد اللّه

المتوفى 1336

ما للعيون قد استهلّت بالدم *** أفهلّ - لا أهلاً - هلال محرم

حيّا بطلعته الورى نعياً وقد *** ردوا عليه تحية بالمأتم

ينعى هلالاً بالطفوف طلوعه *** قد حفّ في فلك الوغى بالانجم

يوم به سبط الرسول استرسلت *** نحو العراق به ذوات المنسم

أدّى مناسكه وأفرد عمرة *** ولعقد نسك الحج لما يحرم

ومن الحطيم وزمزم زمّت به *** الأيام وهو ابن الحطيم وزمزم

في فتية بيض الوجوه شعارهم *** سمر القنا ودثارهم بالمخذم

يتحجبون ظلال سمرهم إذا *** ما الشمس ابيض وجهها للمحرم

يتلمضون تلمض الأفعى متى *** نفثت اسنتهم بشهب الانجم

بلغوا بها أوج العلا فكأنها *** لصعودهم كانت مراقي سُلّم

متماوجي حلق الدروع كأنها *** ماء تزرد بالصبا المتنسم

من كل مفتول الذراع تراه في *** وثباته وثباته كالضيغم

جعلوا قسيّ النبل من أطواقهم *** وبروا من الاهداب ريش الأسهم

وتسنّموها شمائلاً ما إن بدا *** برق تعنّ له ولمّا يعلم

ان أوخدت زفّت زفيف نعامة *** واذا خدت سفّت سفيف القشعم

حفوا وهم شهب السماء بسيد *** بدر بأنوار الإمامة معلم

حتى اذا ركزوا اللوى في نينوى *** وإلى النوى حنّوا حنين متيم

ص: 14

وحمى الوطيس فأضرموا نار الوغى *** وهووا عليها كالطيور الحوّم

وتقلّدوا بيض الضبا هندية *** وبغير قرع الهام لم تتثلّم

والى الفنا هزوا قناً خطية *** بسوى صدور الشوس لم تتحطّم

فكأن في طرق السنان لسمرهم *** سراً بغير قلوبهم لم يكتم

وثنوا خميس الجيش وهو عرمرم *** بخميس بأس في النزال عرمرم

حتى ثوت تحت العجاج كأنها الأ *** قمار تحجب بالسحاب المظلم

نشوانة بمدام قانية الدما *** لغليل أفئدة صواد أوّم

والعالمان تقاسما فرؤوسهم *** تنحو السما والارض دامي الاجسم

فثنى ابن حيدرة عنان جواده *** طلقا محياه ضحوك المبسم

وسما بعزمته على هام العلا *** بسنابك المهر الاغرّ الادهم

ان سلّ متن المشرفي تتابعت *** لعداه صاعقة البلاء المبرم

ذا الشبل من ذاك الهزير وإنما *** تلد الضياغم كل ليث ضيغم

فسقاهم صاب الردى وسقوه من *** راح الدماء عن الفرات المفعم

حتى إذا ما المطمئنة نفسه *** بالوحي ناداها الجليل أن اقدمي

أضحى يجود بنفسه ، وفؤاده *** بمشعّب السهم المحدد قد رُمي

فتناهبوه فللظبا أشلاؤه *** وحشا الفؤاد لسمرها والاسهم

ملقى ثلاثاً في الهجير تزوره *** الاملاك بين مقبّل ومسلّم

وأجال جري الصافنات رحىً بها *** من صدره طحنت دقيق الاعظم

بأبي عقائله الهواتف نوّحاً *** ما بين ثاكلة واخرى أيّم

سلبت رداها واللثام أُميط عن *** وجه بأنوار الجلال ملثّم

ومن الحديد عن الحليّ استبدلت *** طوقاً لجيد أو سوار المعصم

وتصيح يا للمسلمين ألا فتى *** يحمي الذمار ولا ترى من مسلم

مسبية مسلوبة مهتوكة *** حملت على عجف النياق الرسّم

فتخال أوجهها الشموس وإنما *** صبغت بحمر مدامع كالعندم

ومن الطفوف لارض كوفان إلى *** نادي دمشق بها المطايا ترتمي

ص: 15

بأبي رضيع دم الوريد فطامه *** في سهم حرملة ولما يفطم

فكأن نبلته محالب امه *** وكأن ما درّت لبان من دم

إذ أنس لا أنسى العفرني ثاوياً *** حلو الشمائل حول نهر العلقمي

ثاو وعين الشمس لم ترَ شخصه *** مذ غاب في صعد القنا المتحطم (1)

آل اسد اللّه اسرة علمية برز فيها خلال القرنين الأخيرين عدد من رجال العلم والأدب وفي طليعتهم جدهم الاعلى فقيه عصره المعروف الشيخ اسد اللّه الكاظمي التستري المتوفى سنة 1234 ه. الذي عرفوا به وانتسبوا اليه. وكان من جملة من اشتهر منهم مترجمنا الفقيه الاديب الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد تقي ابن الشيخ حسن ابن الشيخ اسد اللّه الكاظمي. ولد في النجف الأشرف سنة 1283 ه. أيام كان أبوه يسكنها للدراسة وطلب العلم وقضى سني الطفولة هناك ، ثم حل في الكاظمية - تبعاً لأبيه - وهو في الحادية عشرة من العمر ، وبدأ فيها دراسته وتعلّمه على ضوء المنهج الدراسي السائد حينذاك وكان والده العلامة الشيخ محمد تقي هو الاستاذ الأكبر له خلال هذه المرحلة ، وبدافع من ذكائه وألمعيته وجد في نفسه القدرة على البحث والتأليف فكتب رسالة في الاستثناء سماها ( المقابيس الغراء ) كما كتب كرّاساً في تفسير حديث ( اتباع النظرة النظرة ) وفي سنة 1310 ه. عاد إلى النجف لغرض الدراسة العليا والتخصص في علوم الدين على يد اعلام الشريعة فدرس على الفقيه الشيخ رضا الهمداني وغيره وكتب خلال مكثه في النجف حاشية على مباحث القطع من كتاب القطع من كتاب الرسائل في اصول الفقه للشيخ مرتضى الانصاري. وعاد إلى الكاظمية بعد إكمال دراسته العالية في سنة 1324 ه. فاذا به الفقيه البارز والمدرّس المرموق والفاضل المشهود له بالفضيلة ، واتجهت به همته بعد عودته فقام بشرح كتاب استاذه الآخوند الخراساني في اصول الفقه شرحاً يقوم بمهمة ايضاح غوامض الكتاب وتبيان دقائقه وتفصيل ما أجمل فيه وفي غرة ربيع الثاني سنة 1330 ه أتمّ كتابة الجزء الأول من الشرح المذكور وسماه ( الهداية في شرح

ص: 16


1- مجلة البلاغ الكاظمية ، السنة الخامسة.

الكفاية ) ثم عرض مسوّدة الكتاب على فقيه العصر الشيخ محمد تقي الشيرازي إمام الثورة العراقية فاعجب به وكتب له تقريضاَ ، وقد تمّ طبع الجزء الأول من الكتاب بمطبعة الآداب ببغداد سنة 1331 ه. وكتب المؤلف على صفحته الاولى هذه الأبيات :

ما انفك يا بن العسكري تمسكي *** أبداً بحبلٍ من ولاك متين

أقسمت أن أهدي اليك هدية *** ولقد عزمت بأن أبرّ يميني

هذا الكتاب هدية مني لكي *** أُعطى كتابي سيدي بيميني

نظم الشعر في مقتبل عمره وعالج أكثر ألوان الشعر من غزل ونسيب ووصف إلى تهان ومدائح ومراث ، ومن اجتماعيات واخوانيات إلى اخريات في المناسبات الدينية ، ومن قصائد عمودية وموشحة إلى مقطعات مخمّسة ومشطرة ، وفي مجموع شعره نماذج رائعة تدل على شاعريته وسلامة ذوقه. ترجم له البحاثة الشيخ محمد حسن آل ياسين في مجلة البلاغ الكاظمية وجمع ما تسنّى له العثور عليه من شعره من غزل ومديح ورثاء وتخاميس وتشاطير وما جاء في أهل البيت وفي الحسين خاصة كما ترجم له الشيخ السماوي في ( الطليعة من شعراء الشيعة ) وذكر قصيدة من غزله واليكم بعض ما جاء في الترجمة ، قال الشيخ السماوي :

فاضل أخذ الفضل عن أب فأب وتنقل اليه بالنسب وزانه بالحسب وضمّ اليه الأدب فهو فقيه اصولي صميم غير فضولي له كتب مصنفة في العلمين ومدائح في آل البيت النبوي كثيرة وأكثر منها مراثي الحسين ، عاشرته فرأيت منه امرءاً سليم الجانب صافي النية كثير الحافظة متنسكاً تقياً فمن شعره قوله مصدراً ومعجزاً قصيدة في مديح النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مهملة.

وله كثير من التصدير والتعجيز في الأئمة علیهم السلام وقصائد غرر في مراثي الحسين (عليه السلام) ولد سنة الف ومايتين وسبع وثمانين وتوفي في أواسط ربيع الآخر من سنة الف وثلثمائة وستة وثلاثين في الكاظميين ودفن بها مع أبيه رحمه اللّه .

الطليعة ج 237 / 1

ص: 17

السيد مصطفى الكاشاني

المتوفى 1336

السيد مصطفى بن الحسين الحسيني الكاشاني الطهراني النجفي. ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة فقال : فاضل العصر علماً وبحره فضلاً وطوده حلماً واديب باللسانين نثراً ونظماً ، رأيته شيخاً قد حلّ الدهر سبكه وترك له تقاه ونسكه ولكن لم يستطع مقاومة همته العالية فهو اليوم واقف نفسه لقضاء حوائج الاخوان عند السلطان دافع نفسه في مضائق لا يصلها كل انسان ، له ديوانا شعر : ديوان بالفارسية وديوان بالعربية كله مديح لأهل بيت النبوة علیهم السلام فمنه قوله :

شمت برق الحمى وآنست نارا *** فاحبسا العيس كي نحيي الديارا

يا نسيم الحمى أفضت دموعي *** وفؤادي رميت فيه شرارا

فذكرت الحمى ومعهد انس *** وشذى من نسيمه اسحارا

وزماناً بالرقمتين تقضى *** فجرت أدمعي له مدرارا

كم قلوب بليل جعدك ضلّت *** وهي فيه مكبلات أسارى

خلّ عنك النسيب يا صاح كم ذا *** تذكر الحي والحمى والديارا

وحسن الفخر والعلى بعلي *** واقضين في مديحه الاوطارا

انت شرفت زمزماً والمصلى *** بل وركن الحطيم والمستجارا

حازت الكعبة التي خارها اللّه *** بميلادك السعيد فخارا

ص: 18

لو على الارض منك قطرة علم *** نزلت عادت القفار بحارا

انت مولى الورى بما نصّ خير *** الرسل يوم الغدير فيك جهارا

ايها المرتضى فداؤك كل الكون *** لا زلت للورى مستجارا

رمد قد أذلني عند عام *** وتداويت فيه منه مرارا

لم يزدني الدواء إلا سقاما *** لم يفدني العلاج إلا خسارا

فأعد نورها فانك مولى *** قد ملكت الاسماع والابصارا

قال : وهي طويلة اخبرني ولده الفاضل السيد ابو القاسم ان اباه السيد مصطفى رمدت عيناه وعجز الأطباء عنها وأيسوا منها حتى استجار بأمير المؤمنين وولده الحسين فأخذ من تراب قبريهما واكتحل به فبرئتا كما ذكر في شعره وكما رأيته أنا صحيحاً سوياً ومن شعره :

أشمس افق تبدت أم محياك *** والمسك قد ضاع لي أم نشر رياك

سريت والليل داج جنح ظلمته *** ثم اهتديت ببرق من ثناياك

رميت قلبي بسهم اللحظ فاتكة *** اما علمت بأن القلب مثواك

فتكت بالصب من هذا الصدود فمن *** بالصد أوصاك او بالفتك افتاك

كذي فقار عليٍّ يوم سلّ على *** اصحاب بغي وإلحاد واشراك

مولى الأنام الذي طافت بحضرته *** كرام رسل اولي عزم واملاك

معارج المصطفى الافلاك يصعدها *** ومنكب المصطفى معراجه الزاكي

وكل قصائده طوال وله غير ذلك من مراث حسينية. ولد سلمه اللّه في حدود سنة الف ومائتين وستين كما اخبرني به ولده المذكور وقد جاء نعيه إلى النجف وانه توفي بالكاظمين لليلتين بقيتا من شهر رمضان من سنة 1332.

أقول : ترجم الكثير من الباحثين وذكروا أن وفاة المترجم له كانت في سنة 1336 ه. ليلة الثلاثاء 19 رمضان وذلك في بلد الكاظمية ولعل الشيخ السماوي اشتبه عليه أو زلّت جرّة القلم ، فالسيد ممن خرج في سنة 1333 ه.

ص: 19

إلى الجهاد متجهاً البصرة والشعيبة وقد أبلى بلاءاً حسنا هناك كاخوانه أمثال السيد الداماد وشيخ الشريعة والسيد مهدي الحيدري واخوانهم المؤمنين وكان المترجم ممن يؤخذ برأيه وتدبيره وعند رجوعه أقام بالكاظمية وكان الوجه الناصع في البلد تأتم به الناس في صلاته ، ترجم له الشيخ حرز الدين في ( معارف الرجال ) فقال : السيد مصطفى ابن السيد حسين بن محمد علي بن محمد رضا الحسيني الكاشاني الطهراني المولود حدود سنة 1266 ه. في كاشان ونشأ في بيت والده العالم الجليل كما قرأ بعض المقدمات عليه وانتقل إلى أصفهان لطلب العلم ثم إلى طهران ثم بعد اداء فريضة الحج حط رحله في النجف الأشرف وفي اخريات أيامه أصبح مشهوراً بالتحقيق في الاصول وفي نظري أنه اصولي أعمق منه فقيهاً واستقل بالتدريس بالنجف. وكان شاعراً أديباً نظم الشعر العربي الجيد والفارسي في المديح والرثاء للأئمة المعصومين. وكانت داره بالنجف حافلة بالعلماء والوجهاء دمث الأخلاق لين الجانب بعمق وتفكير ودهاء وعلى جانب عظيم من السخاء والمروءة والذوق العربي والسليقة الممدوحة.

أقول : وذكر الشيخ جملة من مؤلفاته.

* * *

ص: 20

السيد عدنان الغريفي

المتوفى 1340

استجار بأبي الفضل العباس (عليه السلام) يوم مرضه وقال :

ندبت أبا الفضل الذي هو لم يزل *** قديماً حديثاً في النوائب يقصد

يمدّ على جسمي السقيم بكفه *** وإن لم تكن يوم الطفوف له يد

* * *

السيد عدنان الغريفي : ابن السيد شبر بن السيد علي المشعل الأصغر ابن السيد محمد الغياث بن السيد علي المشعل الأكبر بن السيد احمد المقدس بن السيد هاشم البحراني بن السيد علوي عتيق الحسين علیه السلام بن السيد حسين الغريفي البحراني.

ولد في البصرة في غرة جمادي الثانية سنة 1283 ه. وتوفي في الكاظمية في الخامس من شعبان سنة 1340 ه. ونقل إلى النجف الأشرف ودفن في إحدى حجر الصحن العلوي الشريف عن يسار الداخل من الباب السلطاني. وهو العلم الشهير الغني عن التعريف أجيز في الاجتهاد والفتوى ولم يبلغ الثلاثين من عمره وكان آية في الحفظ والذكاء. وله شعر كثير ورائق. وقد ترجمه أرباب المعاجم وكتب الدكتور حسين علي محفوظ رسالة في أحواله سمّاها ( النابغة البحراني ).

ص: 21

ومن شعره قوله مؤرخاً إصلاح مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) :

مثوى أبو الفضل العباس ثوى فيه *** مثوى تودّ الثريا أن تدانيه

قصر مشيدٌ وبيت عزّ جانبه *** من أن يساويه بيت أو يضاهيه

عبد المجيد علا سلطانه شرفاً *** وزاده بسطة في الحكم باريه

أرسى على الشرف الأوفى قواعده *** فجازت الفلك الأعلى أعاليه

أنى يضاهى علاً قل يا مؤرخه *** ( مثوى أبي الفضل والسلطان بانيه )

أقول : زوّدنا بهذه الترجمة صديقنا العلامة الورع السيد محيي الدين الغريفي سلمه اللّه كما تفضّل بتراجم أعلام الاسرة وستأتي قريباً إن شاء اللّه ، وكتب البحاثة شيخنا الشيخ اغا بزرك الطهراني عن المترجم له وقال : مات أبوه وهو صغير فربّاه خاله السيد سلمان ، وكانت دراسته في النجف على عمه السيد علي والد السيد مهدي البحراني ، والميرزا حبيب اللّه ، والسيد محمد سعيد الحبوبي. وتلمذ عليه السيد ناصر الاحسائي والخطيب السيد صالح الحلي ، وأخصهم به الشيخ عيسى ابن الشيخ ناصر الخاقاني القائم مقامه ووصيه والقيم على أولاده الصغار وهم : علي ، حسن ، محمد علي وشبير.

مؤلفاته وآثاره : قبسة العجلان ، حاشية على العروة ، حاشية على القوانين ، ارجوزة في الحج ، الأنساب المشجرة وهو عند ولده السيد حسن في المحمرة. وترجم له الخاقاني في دليل الآثار المخطوطة ، قال : وقد جمعت ديوانه من مختلف المجاميع المخطوطة ويبلغ مائة وستين صفحة ، وفرغت من جمعه في النجف 10 ذي القعدة سنة 1361 ه. وترجم له تلميذه وابن عمه السيد مهدي في بعض إحازاته. وذكر لنا الدكتور حسين علي محفوظ أنه جمع أشعاره في مجلد ضخم وأسماه ( النابغة البحراني ) ومؤلفه ( قبسة العجلان ) مطبوع طباعة حجرية وعلى هامشه قصيدته المتضمنة لحديث الكساء الشريف ، وأولها :

دع عنك حزواء واترك شعب سعدان *** واستوقف العيس في أكناف كوفان

ص: 22

وحدثني العلامة الجليل المغفور له السيد عباس شبر عن سيرة المترجم له شيئاً كثيراً ، قال : وجاء في تاريخ وفاته على لسان الشيخ جمعة الحائري :

ونعى به الروح الأمين مؤرخاً *** عدنانُ قوّض بعدك الاسلام

وللحاج عبد المجيد العطار مؤرخاً :

بوركت من تربة ضممت فتى *** كان لعين الزمان انسانا

فما تعدّى الحجا مؤرخها *** جنات عدن مثوى لعدنانا

ذكره صاحب الحصون المنيعة فقال : هو فاضل معاصر تركه أبوه بسن الطفولة وقد كفلته امه وسعت في تربيته فهاجر إلى النجف ودخلها وهو ابن الأربعة عشرة سنة وكان بهذا السن يحفظ أربعة عشر الف بيت من الشعر ، ويحفظ القصيدة طالت أو قصرت بمجرد تلاوتها.

ومن شعره قوله وقد أرسلها للحجة الكبير الشيخ عبد الكريم الجزائري :

على الجزع حيث الجزع بالبيض مونق *** مراح بأطراف الرماح مسردق

نعان لظمياء الوشاحين لم تزل *** حذاراً إذا مرت به الريح تخفق

تعان بعين الشهب حصباء أرضه *** ويفضح طوق البدر بدر مطوق

فكم غاضت الكف الخضيب خضيبة *** وكم دق قاب القوس قوس مفوق

أعاريب لا ذل الحضارة نافق *** لديها ولا عزّ البداوة مخلق

أواسط يحميها عن الضيم خلقها *** وعن شظف الألفاظ منها التخلق

غيارى فلا ذكر النساء بجائز *** لديها ولا يلفى لديها التعشق

إذا عبرت بالغرب زفرة عاشق *** تنفس منها بالظبا البيض مشرق

وماشية مشي النزيف كأنما *** يميل بعطفيها السلاف المروق

مهذبة الأطراف تحسب أنها *** كما تتشهى صوّرت يوم تخلق

منعمة لو لا تورّد خدها *** لأيقنت أن الحسن إذ ماج زيبق

ص: 23

أتت وجبين الغرب بالشمس أحمر *** لنا وفؤاد الشرق بالنجم أبلق

على حين لا قلب الصبور بواجف *** عليها ولا ظهر الطريق مطرق

فظلت تدير الطرف وهو مقسّم *** وظلت أرم القلب وهو مفرق

وما أنس للأشياء لا أنس قولها *** أفق انما أنت اللبيب الموفق

رويدك ان الأمر قد جدّ جده *** وان فؤاد الدهر بالسر ضيق

تجاوزت مقدار الشهامة فاتئد *** فغير الذي يممته بك ألق

فقلت عداك الشر لم يبق منزع *** لقوس الهوى لولا الحيا والتخلق

طغى الأمر حتى لست أستطيع حمله *** وما بي لولا الحلم أبدا وأخرق

جزتك الجوازي يا بثينة ما الذي *** يضرك لو اعتقت من ليس يعتق

أفي الحق أن أقضي الزمان ولا أرى *** رسولاً يمنى أو كتاباً يشوق

ومن قوله في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) :

إمام الهدى وغياث الورى *** وحاكمها السيد المقسط

إمام به هلك المبغضون *** وفي حبّه هلك المفرط

كلا الجانبين عدوٌ له *** وشيعته النمط الأوسط (1)

* * *

وسئل يوماً عما يحفظ من الشعر فأجاب انه يستحضر ثلاثين الف بيت من الشعر ، وكان يحفظ أغلب المتون وشرح ابن الناظم على الألفية متناً وشرحاً ، معروف بالذكاء والفطنة وسرعة البديهة.

وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فذكر غرائب عن ذكائه وفطنته مما يدل أنه نابغة العصور ، قال وكان لا يسمع شيئاً إلا حفظه حتى اللغة الأجنبية من مرة واحدة على الأكثر ، ومن مرتين نادراً كاللغة التركية والفارسية والهندية

ص: 24


1- ديوان السيد عدنان البحراني المخطوط.

والانجليزية. قال الخاقاني : بهذا أصبحت اصدق ما ذكره التاريخ عن ذكاء أبي العلاء المعري وحماد عجرد وأبي تمام. وقال مقترحاً على الشاعرين : السيد جعفر الحلي والسيد محمد سعيد الحبوبي تشطير هذه الأبيات الثلاثة من نوع لزوم ما لا يلزم قال :

واعجبا منك يا فؤادي *** يسعرك الدمع وهو غيث

وانت يا قلب تختشيه *** وهو غزال وأنت ليث

مرّ يريث الخطى وئيداً *** كذاك مشي القطاة ريث

وفي مجموع اللغة خمس قوافي من هذا النوع ، فعجز كل واحد منهما عن التشطير وسجل الخاقاني مجموعة كبيرة من شعره على الحروف الهجائية (1).

وفي كتاب ( الرجال ) المخطوط للباحث السيد جودت القزويني :

اجتمع ذات يوم الشاعر المعروف السيد جعفر الحلي ، والعلامة الشهير السيد محمد سعيد الحبوبي في الصحن الحيدري الشريف ، فجاء المرحوم السيد عدنان ، فقال السيد جعفر ( للاتحاد الروحي بينهما ) : جاءتنا ريح السمك من البحرين!

فوصل ، وسلم وقال : خير من الباقلاء فانها لا رائحة لها!

فقال السيد جعفر له : إن رائحة الشعر لتتنسم من الحلة الفيحاء من مسير خمسة فراسخ!

فقال له السيد عدنان :

إذا سالت دموع في خدود *** تبيّن من بكى ممن تباكا

فأما ان تنظم ابياتاً ، وانا اشطرها في الحال ، واما ان انظم ابياتاً وامهلك إلى سنة ، فاستغرب قوله ، وقال قل : فقال السيد عدنان :

ص: 25


1- كما قام الاستاذ هاشم محمد الغريفي البصري يجمع شعره أيضاً ، ولا يزال مجموعه مخطوطاً. وفقه اللّه لنشره.

واعجباً منك يا فؤادي *** يسعرك الدمع وهو غيث

وانت يا قلب تختشيه *** وهو غزال وانت ليث

مرّ يريث الخطى وئيداً *** لذاك مشي القطاة ريث

فقال المرحوم الحبوبي للسيد جعفر : ولا عمرك تستطيع تشطرها لأن في اللغة العربية خمس كلمات نظم السيد ثلاثاً ، وابقى اثنين ، وهنّ غيث ، وليث ، وريث!!

نقل هذه القصة الخطيب المرحوم السيد محمد سعيد العدناني في الترجمة الضافية التي سميتها عن حياة الامام السيد عدنان البحراني ، وقد نقلها شفاهاً إلى العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ، وعند انتهائه من سردها قال : فكّر الشيخ كاشف الغطاء وقال : لو كنت حاضراً لشطرتها فان هناك كلمة سادسة غابت عن فكرة السيد الحبوبي وهي ( غيث ، حيث ، ليث ، ريث ، ميث ، جيث ).

فقال له العدناني : مرحباً بك يا سيدي كم ترك الأول للآخر!!

ومن تخميساته التي لم تنشر قوله :

وغيداء بالليل البهيم تسترت *** فلم ترني كفاً ولا هي أُبصرت

فلما برزنا للمصاب وشمّرت *** بدا لي منها معصمٌ حين شمّرت

وكفٌ خضيبٌ زينت ببنان

جنيتُ على نفسي ، وما كنتُ جانيا *** فملكتها بالطوع مني بنانيا

وقمتُ إلى رمي المحصب ساهيا *** فو اللّه ما أدري ، وإن كنتُ داريا

بسبعٍ رميت الجمر أم بثمانِ

ومن المهم أن أُشير إلى أن الخاقاني اشتبه في نسبة بعض الشعر إلى البحراني المذكور كما في شعراء الغري ج 6 ، ومن ذلك أبياته في ( هلال محرم ) صفحة 213 والتي أولها :

ص: 26

قيل ما بال السما مغبرة *** بعد صفو وهي ذات الحبك

والصواب أنها للشاعر الكربلائي الحاج محمد علي كمونة وهي مطبوعة في ديوانه الذي حقّقه الاستاذ محمد كاظم الطريحي فراجعه إن أحببت.

كما نسبَ له الخاقاني تخميساً لأبيات أبي نواس الشهيرة في الصفحة (228) من كتابه السالف الذكر ، وأول التخميس :

هات الصبوح ، وسارع فالاخلاءُ *** من شدة السكر أمواتٌ وأحياءُ

ألم أقل لك إذ حارَ الأطباءُ *** دَع عنك لومي فإنّ اللوم إغراءُ

وداوني بالتي كانت هي الداءُ

والصواب إن هذا التخميس للشاعر العبقري الحاج محمد رضا النحوي ، وهو مما لم يُطبع من شعره. وقد وقفتُ على مجموعة تخميساته ( مفردةً في كتاب ) ضمن مخطوطات مكتبة العلامة المرحوم الشيخ محمد حسن كبّة البغدادي المتفرقة ومن ضمنها التخميس المذكور. ولا تخفي عليك قُبح هذه النسبة وبشاعتها (1)!!

ص: 27


1- الرجال / مخطوط - الجزء الرابع للسيد جودت القزويني.

الشيخ علي البلادي

المتوفى 1340

الشيخ علي بن حسن بن علي بن الشيخ سليمان البلادي البحراني.

من منظومته المسماة ( جامعة الأبواب ) لمن هم لله خير باب (1) :

ومولد السبط شهيد كربلا *** ثالث شعبان على قول علا

وقيل في الخامس منه بعد أن *** مضت من الهجرة ج فافهمن

قد ختم اللّه له الشهادة *** كما له قد ختم السعادة

بعاشر المحرم المشوم *** بكربلا بالحائر المعلوم

مصابه قد هدّ اركان العلا *** وجلبب الأكوان شجواً وبلا

فلعنة اللّه على مَن قتله *** ومَن رضي بفعل من قد فعله

الشيخ علي بن حسن بن علي بن سليمان البلادي البحراني المتوفى سنة 1340.

ترجم نفسه في كتابه ( أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين ) قال : توفي والدي الشيخ حسن عند رجوعه من الحج بالمكان المعروف ب ( رابغ ) سنة 1281 ولي من العمر حينذاك ثمان سنوات ، وكان مولدي سنة 1274 ه. فدرست مبادئ العلوم في بلاد القطيف من نحو وصرف وبلاغة ثم

ص: 28


1- وهي في مكتبتي بخطه.

هاجرت إلى النجف لتحصيل العلوم ودرست على المرحوم الشيخ محمد حسين الكاظمي والسيد مرتضى الكشميري والشيخ محمود ذهب وقد أجازني استاذي الورع الزاهد التقي السيد مرتضى الكشميري إجازة رواية الكتب الأربعة وكتب جميع الأصحاب بل كتب جميع علماء الإسلام من الخاص والعام.

ولي من الكتابات : 1 - منظومة في الاصول الخمسة أسميتها جواهر المنظوم. 2 - ومنظومة ثانية في معرفة الكبائر. 3 - منظومة في مواليد النبي والأئمة والزهراء ووفياتهم علیهم السلام سميتها ( جامعة الأبواب لمن هم لله خير باب ) ومنظومة سميتها ( جامعة البيان في رجعة صاحب الزمان ). 4 - حواش كثيرة على شرح إبن أبي الحديد. 5 - كتاب ( رياض الأتقياء الورعين في شرح الأربعين وخاتمة الأربعين ) يشتمل على 52 حديثاً مشروحة مبسوطة في الاصول والفروع والمواعظ والمناقب وغير ذلك من المؤلفات.

توفي قدس سره صبيحة يوم الحادي عشر من شهر جمادى الاولى سنة 1340 وجاء تاريخ وفاته :

بدر سماء الدين لما اختفى *** دجا بأفق الحق ديجور

فانبجست عيني دماً عندما *** أرخته غاب لنا نور

أقول : وقد عثرت على إجازة كتبها بخطه لجدي السيد محمد شبّر قدس اللّه سره سنة 1327 ه. وها هي بختمه وتوقيعه وخط يده ، قال : بسم اللّه الرحمن الرحيم وبه نستعين. أما بعد حمد اللّه الكريم على سبوغ أفضاله وجسيم آلائه والشكر لله على جزيل نواله وعموم نعمائه ، والصلاة والسلام على خيرته من بريته محمد وآله خزنة وحيه وامنائه. وبعد فيقول العبد الجاني علي بن المرحوم الشيخ حسن ابن المقدس الشيخ علي ابن المرحوم الشيخ سليمان البلادي البحراني عفى اللّه عنه وعنهم وعن جميع المؤمنين وأعطاهم بمنّه ولطفه خير الدنيا والدين بحق محمد المصطفى الأمين وآله الطاهرين الميامين صلى اللّه عليه

ص: 29

وعليهم أجمعين ، انه لما وفقني اللّه الكريم رب العالمين لزيارة مولاي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وامام المتقين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين سهم اللّه الصائب وسيفه الضارب قمر بني هاشم أبي الحسن علي بن أبي طالب سلام اللّه عليه وعلى الطاهرين من بنيه الأطائب ، وتشرفت بالوقوف على ابوابه ولثم اعتابه ومنّ اللّه علينا بالاجتماع في أفضل البقاع ، الوادي المقدس الغروي والنادي الأقدس المرتضوي بالمولى الإمام صدر جريدة الأماجد الكرام وبيت قصيدة السادات العظام وزبدة العلماء الأعلام الورع اللوذعي التقي النقي العالم الكامل الزكي غصن الدوحة الأحمدية وفرع السلالة العلوية وثمر الجرثومة الفاطمية ، المولى والزكي الأنور السيد السند والركن المعتمد سيدنا السيد محمد ابن المرحوم المبرور المقدس العلي السيد علي ابن المرحوم المبرور الزكي السيد حسين ابن المقدس المبرور خدين الولدان والحور السيد الأيّد الأمجد العلامة الفهامة الأوحد ، العالم الرباني المجلسي الثاني صاحب التصانيف الكثيرة والعلوم الغزيرة ، المعجب ملائكة السماء بتقواه سيدنا السيد عبداللّه المعروف ب ( شُبّر ) ابن المرحوم المقدس الرضي السيد محمد رضا ابن السيد محمد ابن السيد محسن ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد ناصر الدين ابن السيد شمس الدين محمد ابن السيد محمد ابن السيد نعيم الدين ابن السيد رجب بن الحسن ابن السيد محمد ابن السيد حمزة ابن السيد احمد ابن السيد أبي علي علي ابن السيد عمر بن برطلّه ابن الحسن الأفطس ابن علي الأصغر بن الإمام زين العابدين بن الإمام السبط السعيد أبي عبد اللّه الحسين الشهيد ابن الإمام أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب علیهم السلام .

نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى *** نوراً ومن فلق الصباح عمودا

الكاظمي النجفي ، أمدّه اللّه بالتوفيقات الربّانية وأيّده بالألطاف السبحانية والعنايات الصمدانية ، سألني وأنا احق بسؤاله وأن اكون من جملة تلامذته ورجاله لا من شكله وأمثاله ، لكن أمره المطاع واجب الاتباع ، أن

ص: 30

اجيزه ما صحت إليّ روايته وثبتت لديّ إجازته من كتب اصحابنا الأبرار ومؤلفات اسلافنا الثقات الأخيار المتصلة اسانيدهم بالأئمة الأطهار ، الآخذين علومهم عن جدهم وسيدهم المصطفى المختار ، المتلقاة من جبرائيل الأمين من الرب الملك القهار صلى عليه وآله الأكرمين الأبرار ، ولا سيما الكتب الأربعة التي عليها المدار المشتهرة في جميع الأزمان والأمصار اشتهار الشمس في رابعة النهار وهي : الكافي الوافي ، ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار ، للمحمدين الثلاثة الأوائل الثقاة العلماء الأخيار والجوامع الأربعة وهي : الوسائل ، والوافي ، والحدائق ، وبحار الأنوار للمحمدين الثلاثة المتأخرة الأبرار ، والمحدث المحقق البحراني جليل المقدار ، وغيرها من مؤلفات اصحابنا الأعيان ومصنفات ثقاتنا الأخيار ذوي الايقان والاتقان ، بل اللّه أجداثهم بمياه الرضوان وأحلّهم من الجنان أعلا مكان ، بل وجميع كتب علماء الإسلام من العربية واللغوية والأدبية والرياضية والهندسية مما عُلم نسبة الجميع إلى مؤلفيها الأعيان. فأجزتُ له ادام اللّه ايامه واسبغ عليه أنعامه ان يروي جميع ذلك عني ، عن السيد الرضي العالم العابد ، العامل الكامل الزاهد ، المعرض عن الدنيا وأهلها المقبل على الآخرة وشغلها التقي النقي المتتبع اللوذعي الزكي سيدنا المبرور المحبور السيد مرتضى ابن المرحوم المبرور العالم السيد مهدي الكشميري النجفي تغمده اللّه برحمته وغفرانه وأحلّه دار كرامته ورضوانه ، عن جملة من المشايخ العظام والعلماء الأعلام وأساطين الايمان والإسلام وذوي النقض والابرام. وقد أجازه اكثر علماء زمانه وفضلاء عصره وأوانه عرباً وعجماً وهم كثيرون ، فلنذكر منهم المشاهير منهم تبركاً بذكرهم وتشرفاً بنشر فضلهم وفخرهم ، فمنهم فخر الشيعة وركن الشريعة حجة الاعلام وعلم الاعلام الذي أذعنت له إجلالاً واعظاماً الملوك والحكام وألقت له فضل الزمام ، العلم العلامة الحبر الفهامة المرحوم المبرور الميرزا محمد حسن الشيرازي قدس اللّه تربته ، ومنهم العالم السري والعامل الزكي صاحب المصنفات الكثيرة والتحقيقات

ص: 31

الشهيرة السيد السند السيد محمد مهدي القزويني النجفي المجاور بالحلة السيفية برهة من الزمان قدس اللّه سره ونور قبره ، ومنهم العالم الامين والامام المحقق المكين الزاهد العابد صاحب هداية الانام في شرح شرايع الإسلام الاوحد الامين شيخنا المبرئ من كل شين الشيخ محمد حسين ابن المرحوم الشيخ هاشم الكاظمي النجفي روّح اللّه روحه وتابع فتوحه ، ومنهم العالم العامل الفاضل الكامل ذي الفضل والشرف شيخنا الشيخ محمد طه نجف ، ومنهم العالم الرباني والعالم الصمداني الشيخ لطف اللّه المازندراني قدس اللّه نفسه وطهر رمسه ، ومنهم العالم المحقق المدقق الكامل الأمين المرحوم المبرور الحاج الميرزا محمد حسين ابن المرحوم الحاج ميرزا خليل الطهراني تغمده اللّه برحمته وحباه بدار كرامته ، ومنهم المولى العلامة المحقق المدقق الفهامة الميرزا حبيب اللّه الرشتي النجفي قدس سره ، ومنهم العالم العامل الرباني المحقق الصمداني الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري.

وهؤلاء العلماء الاعلام والاجلاء العظام كلهم ما عدا سيدنا التقي السيد مهدي القزويني وشيخنا ذا الشرف الشيخ محمد طه نجف كلهم يروون عن الإمام العلامة الفقيه المحقق صاحب الجواهر الذي ثبتت له المنّة على علمائنا الأواخر ، عن المحقق الأفخر والشيخ الأكبر كاشف الغطاء عن الشريعة العَراء شيخنا الشيخ جعفر النجفي ، عن الوحيد المجدد الرباني الاغا باقر البهبهاني عن والده الأفضل الأكمل الشيخ محمد ، عن شيخنا غواص بحار الأنوار وراصد أسرار الأئمة الأطهار الشيخ محمد باقر المجلسي عن أبيه التقي النقي المحقق المدقق جامع العلوم والمعارف واليقين الشيخ محمد بهاء الملة والدين عن والده المحقق المدقق عز الدين الشيخ حسين ابن الشيخ عبد الصمد العاملي الجباعي الحارثي عن شيخنا العالم الرباني الشيخ زين الدين الشهيد الثاني - ح - وعن سيدنا العلامة الزكي الصفي السيد محمد مهدي القزويني الحلي النجفي عن عمه العالم العامل ذي الكرامات والمآثر السيد باقر القزويني عن خاله بحر العلوم والمحيي من آثار

ص: 32

آبائه الدروس والرسوم السيد مهدي الطباطبائي ، عن جملة من مشايخه الاعلام ، منهم المحدث المحقق الرباني الشيخ يوسف العصفوري البحراني صاحب الحدائق الناضرة وغيرها من المصنفات الفاخرة ، عن جملة من المشايخ العظام منهم العالم الأفخر والمحقق الأكبر الشيخ حسين إبن الشيخ محمد بن جعفر الماحوزي البحراني ، عن شيخه علامة البشر والعقل الحادي عشر العالم الرباني والمحقق الذي ليس له ثاني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني عن شيخه الفقيه والحبر النبيه الشيخ سليمان ابن الشيخ علي بن أبي ظبية الشاخوري البحراني ، عن العلامة المحدث النبيه الوحيد الفقيه الشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني الملقب بأم الحديث ، عن شيخنا العلامة البهائي رضي اللّه تعالى عنهم وأرضاهم وجعل الجنة مثواهم.

- ح - وعن شيخنا ذي المجد والشرف الشيخ محمد طه نجف عن العالم التقي سلمان زمانه الزاهد العابد الحاج شيخ ملا علي ابن المرحوم الحاج ميرزا خليل الطهراني النجفي قدس اللّه سره ، عن شيخه العلم الظاهر الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر.

- ح - وعن شيخنا الفقيه الأمين الازهد الشيخ محمد حسين الكاظمي النجفي والتقي الشيخ لطف اللّه المازندراني كلاهما عن شيخنا علم الأعلام الإمام المرتضى المحقق المدقق الشيخ مرتضى الأنصاري ( والنسبة للانصاري لكونه من ذرية جابر بن عبد اللّه بن حزام الأنصاري ) عن شيخه العالم الأمجد الشيخ أحمد النراقي صاحب المستند وغيره ، عن أبيه العالم المحقق الشيخ محمد مهدي النراقي صاحب مشكاة العلوم وتجريد الاصول وجامع السعادات في تهذيب النفس ومكارم الأخلاق ( وهو من ذرية أبي ذرّ الغفاري الصحابي ) عن شيخه المحقق المدقق الشيخ يوسف البحراني رضي اللّه عنهم.

- ح - وعن شيخنا العلامة الشيخ سليمان الماحوزي البحراني عن السيد السند السيد هاشم ابن المرحوم السيد سليمان التوبلي الكتكتاني البحراني صاحب

ص: 33

البرهان الكبير في التفسير ، ومدينة المعاجز ، ومعالم الزلفى ، وغاية المرام ، وغيرها عن جملة من المشايخ الكرام منهم الفقيه النبيه التقي الشيخ فخر الدين ابن طريح النجفي الرماحي صاحب مجمع البحرين والمنتخب.

- ح - وعن شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي البحراني عن شيخه طود التحقيق ومركز التدقيق الشيخ احمد ابن الشيخ محمد بن يوسف المقابي المقشاعي البحراني عن أبيه المذكور وعن المولى المجلسي وابيه عن شيخنا البهائي.

- ح - وعن شيخنا العالم الرباني الشهيد الثاني عن جملة من المشايخ منهم المحقق الشيخ علي الميسي العاملي عن المحقق الثاني شمس الدين الشيخ علي بن عبد العال الكركي العاملي عن المحقق الفقيه العابد الزاهد الشيخ علي بن هلال الجزائري عن العالم العامل شمس الدين الشيخ محمد المعروف بابن المؤذن العاملي عن الشيخ الفاضل ضياء الدين علي عن أبيه وشيخه المحقق الأجل شمس الملة والدين أبي عبد اللّه الشيخ محمد بن مكي الشهيد الأول صاحب الذكرى واللمعة وقواعد الاصول وغيرها عن جملة من المشايخ العلماء الاعلام منهم السيد المحقق السيد عميد الدين صاحب شرح تهذيب الاصول ومنهم فخر المحققين ابو طالب الشيخ محمد عن ابيه العلامة على الاطلاق شيخ مشايخ الدنيا فضلاً عن العراق آية اللّه في العالمين جمال الملة والدين الشيخ حسن عن والده المحقق الافخر الشيخ يوسف ابن المطهر الحلي عن المحقق شيخ مشايخ العراق نجم الدين الشيخ جعفر بن سعيد الحلي الهذلي صاحب الشرائع والمعتبر والنافع وغيرها.

- ح - وعن العلامة عنه وعن السيدين الجليلين النبيلين الأعلمين الأفضلين رضي الدين ذي الكرامات السيد علي صاحب كتاب الاقبال والطرائف والمهج وغيرها ، وأخيه جمال الدين المحقق السيد احمد صاحب المصنفات الكثيرة التي من جملتها بشرى الشيعة في احكام الشريعة ، في مجلدات كثيرة ابني آل أبي طاووس قدس اللّه ارواحهم ونوّر أشباحهم.

ص: 34

- ح - وعن العلامة الحلي عن المحقق الحكيم المتكلم نصير الملة والدين الخواجه محمد بن محمد بن الحسن الطوسي.

- ح - وعن العلامة الحلي قدس اللّه سره عن الفيلسوف الحكيم العالم الرباني الشيخ ميثم ابن الشيخ علي ابن الشيخ ميثم بن المعلا البحراني الماحوزي صاحب الشروح الثلاثة على نهج البلاغة وكتاب البحر الخضم وقواعد العقائد وغيرها.

- ح - وعن العلامة الحلي عن الفاضل الفقيه التقي الشيخ حسين ابن المحقق المدقق الشيخ علي بن سليمان الستري البحراني ، وهو والمحقق الشيخ ميثم كلاهما عن أبيه الشيخ علي المذكور عن العلامة محقق الحقائق الشيخ أحمد بن سعادة البحراني الستري ايضاً صاحب كتاب قواعد العقائد في علم الكلام وقد شرحها المحقق والخواجه شرحاً جيداً.

- ح - وعن المحقق الحلي عن العلامة الفهامة الشيخ بن نما عن الفاضل أبي عبداللّه محمد بن ادريس الحلي العجلي صاحب كتاب السرائر.

- ح - وعن المحقق الحلي عن السيد الجليل السيد فخار الدين عن الفقيه الشيخ شاذان بن جبرائيل القمي عن ابي القاسم الشيخ محمد بن جرير الطبري الامامي عن المفيد الثاني ابي علي الحسن عن والده شيخ الطائفة المحقة وعماد الفرقة الحقة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي صاحب تهذيب الأحكام والاستبصار والمبسوط والنهاية وغيرها عن الشيخ الامام السعيد أبي عبداللّه الشيخ محمد بن النعمان المفيد البغدادي عن الامام أبي القاسم الشيخ جعفر بن قولويه صاحب كامل الزيارات وغيره عن الشيخ الامام رئيس المحدثين الفقيه ابي جعفر محمد ابن علي بن موسى بن بابويه القمي عن أبيه الفقيه علي بن بابويه وعن جملة مشايخه المذكورين في مشيخة من لا يحضره الفقيه أعلى اللّه درجاتهم وضاعف حسناتهم.

ص: 35

- ح - وعن شيخ الطائفة عن سيدنا الامام المرتضى علم الهدى وعن الشيخ المفيد عن علم الاعلام وحجة الاسلام أبي جعفر الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ثقة الاسلام صاحب الكافي الوافي بالأحكام وجميع الطرق التي لأصحابنا ترجع إلى شيخ الطائفة الطوسي وقد ذكرها في الفهرست وغيره وعن شيخنا الشيخ المفيد طاب ثراه عن مشايخه ورجاله الذين ذكرهم ثقة الاسلام في الكافي إلى أن تنتهي أسانيد هؤلاء الثقاة الأعلام عن أئمتنا الطاهرين الكرام المتصلة أخبارهم الى جدهم وسيدهم الرسول المصطفى عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام عن جبرئيل الأمين عن رب العالمين.

ثم ليعلم سيدنا وعمادنا ومولانا وملاذنا ان لهؤلاء المشايخ الكرام المذكورين من المبدأ إلى الختام طرقاً كثيرة وروايات وفيرة لو أردنا استقصاءها لكانت في مجلد ضخم ، وفي هذا كفاية واللّه ولي التوفيق والهداية. وأحسن ما جمعهم على الترتيب الأنيق والاسلوب الرشيق الشيخ الفاضل صاحب الحدائق في لؤلؤته ، والمحدث الشيخ عبداللّه بن صالح السما هيجي البحراني في اجازته الكبرى التي أجازها الفاضل الشيخ ناصر الجارودي القطيفي والفاضل المتتبع ثقة الاسلام الحاج ميرزا حسين النوري في المجلد الثالث من مستدرك الوسائل وغير ذلك جزاهم اللّه خير الجزاء وحباهم أفضل الحباء ، من أراد ذلك فليرجع إلى ما هنالك.

ولنختم هذه الاجازة الشريفة بحديث متصل الاسناد إلى سادات العباد أئمتنا الأمجاد حتى ينتهي إلى الرسول المصطفى خيرة الملك الجواد وأفضل من برأه اللّه من جميع الخلق والعباد ، فنقول بالسند المتقدم إلى رئيس المحدثين أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي أعلى اللّه مقامه في دار المقامة قال حدّثنا محمد بن القاسم الجرجاني قال حدثنا محمد بن يوسف بن زياد وعلي بن

ص: 36

محمد بن سنان عن ابويهما عن مولانا وسيدنا أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه أمير المؤمنين عليهم الصلاة والسلام قال قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لبعض أصحابه ذات يوم يا عبد اللّه : أحبب في اللّه وأبغض في اللّه ووالِ في اللّه وعادِ في اللّه فانه لا تنال ولاية اللّه إلا بذلك ، ولا يجد رجل طعم الايمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك ، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا على علاء الدنيا عليها يتواددون وعليها يتباغضون وذلك لا يغنى عنهم عن اللّه شيئاً ، قال الرجل يا رسول اللّه كيف لي أن أعلم أني واليت في اللّه وعاديت في اللّه ، ومَن وليّ اللّه حتى أواليه ، ومن عدوّه حتى أعاديه. فأشار رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى علي علیه السلام ، وقال : أترى هذا ، قال بلى ، قال صلی اللّه علیه و آله : وليّ هذا وليّ اللّه وعدوّ هذا عدوّ اللّه ، فوالِ وليّ هذا ولو أنه قاتل أبيك ، وعادِ عدوّ هذا ولو أنه أبوك وولدك. انتهى كلامه عليه وآله الطاهرين صلوات اللّه وسلامه.

فليرو سيدنا ومولانا أدام اللّه ظلاله وأصلح أحواله وأزاد في الصالحات والطاعات اقباله وكثر في الفرقة الناجية أمثاله لمن شاء وأحب محتاطاً في ذلك سلك اللّه به وبنا وباخواننا المؤمنين أحسن المسالك وجنبنا جميعاً جميع المهالك انه وليّ ذلك سائلاً من ذاته السليمة وأخلاقه التي هي على نهج الهداية مستقيمة أن يمدّنا بصالح الدعوات ولا سيما في مظان الاجابات.

وكتب العبد الجاني علي بن حسن بن علي بن سليمان البلادي البحراني عفى اللّه عن ذنوبهم أجمعين وأعطاهم خير الدنيا والدين بحق محمد وآله الطاهرين صلوات اللّه عليهم كل آن وحين والحمد لله رب العالمين. باليوم 18 من شهر

ص: 37

جمادي الثانية من السنة 1327 السابعة والعشرين بعد الثلثمائة والألف هجرية على مُهاجرها وآله آلاف الصلوات والتحية.

الختم

ظن علي بربه حسن

وترجم له صديقنا المعاصر الشيخ علي المرهون في ( شعراء القطيف ) وذكر له من المراثي للامام الحسين علیه السلام قصيدته التي يقول في أولها :

يا لخطب زلزل السبع الشدادا *** ولقد أوهى من الدين العمادا

ورمى الاسلام سهماً صائباً *** فأصاب القلب منه والفؤادا

واخرى مطلعها :

هلّ المحرم فاخلع حُلّة الطرب *** والبس به حلل الارزاء والكرب

واحرم وطف كعبة الأحزان منتحراً *** هدي السرور مدى الاباد والحقب

ص: 38

الشيخ عبداللّه باش أعيان

المتوفى 1340

الشيخ عبداللّه ضياء الدين باش أعيان العباسي ، قال مشطراً البيتين الشهيرين وهما من نظم عثمان الهيتي المترجم في الأجزاء السابقة من هذه الموسوعة :

رميت الخيزرانة من يميني *** ولو كانت من الدنيا حطامي

سأتركها ولا أصبو اليها *** وأكره أن أُشاهدها أمامي

ولستُ بحامل ما عشتُ عوداً *** مدى الأيام أو يأتي حمامي

أأحمل في يدي عوداً غشوماً *** بها قرعوا ثنايا ابن الامامِ

* * *

الشيخ عبداللّه ضياء الدين باش أعيان : هو ابن الشيخ عبد الواحد باش أعيان البصرة ترجم له الأديب المعاصر حسون كاظم البصري في مؤلفه المسمى ( ذكرى الشيخ صالح باش اعيان العباسي ) فقال : كان سماحته مثال المروءة ودماثة الخلق وكرم النفس واليد ، يتفقد الصغير والكبير والغني والفقير ، درس على علماء زمانه مثل الشيخ أحمد نور الدين الأنصاري والشيخ عبد

ص: 39

الوهاب الأنصاري والشيخ اسماعيل الكردي والشيخ أحمد الكوهجي والشيخ احمد الحلبي وأجازه أحد العلماء الألوسيين فأصبح عالماً فاضلاً وأديباً وشاعراً ونال رتبة من الحكومة العثمانية ، هي رتبة ( بلاد خمس ) وتعيّن في مناصب منها :

1 - عضواً في محكمة التمييز بالبصرة سنة 1292 ه.

2 - عضواً في المحاكم العدلية سنة 1297 ه.

3 - وكيلاً لرئاسة محكمة الجزاء الشرعية والحقوق ومدعي عموم البصرة وعضواً في مجلس المعارف والأوقاف ، وعضواً في مجلس إدارة الولاية مدة خمس سنوات.

وكان كثير القراءة والتتبع ، فترى معظم كتب الاسرة تحمل تعليقات وهوامش بخطه ، وألّف بضعة رسائل منها :

1 - رسالة عن تراجم أعيان البصرة ، محفوظة في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد.

2 - رسالة صغيرة عنوانها ( الفتوحات الكوازية في السياحة إلى الأراضي الحجازية ) وقد طبعت.

3 - بحوث ورسائل في مختلف العلوم.

وأنجب من الاولاد : (1) الشيخ عبد الواحد (2) الشيخ صالح الذي طبعت له ذكرى بقلم حسون كاظم البصري (3) الشيخ محمد أمين عالي وتوفي سنة 1340 ه.

وهذا ثاني أنجاله وهو الشيخ صالح باش أعيان الذي لمع نجمه واشتهر فضله ، وذاع صيته واستوزر اكثر من مرة وتنقل في المناصب العالية. وكان مولده عام 1291 ه. ووفاته سنة 1946 م. 1365 ه. وكان من نظمه في مدح الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام :

ص: 40

وأقول للساقي فديتك هاتها *** فاذا سكرت من المدام إليّ غن

أيام نلتُ بها المسرة مثل ما *** نلتُ المسرّة في ولاء ابي حسن

قل للذي نظم القريض لغيره *** متمثلاً في الصيف ضيّعتَ اللبن

أجهلتَ حق محمد في حيدر *** قل لي بحقك ( هل أتى ) نزلت لمن

واسرة آل باش تنحدر من صلب عمود الخلفاء العباسيين الذين تربعوا دست الحكم في بغداد ، إذ ان الأمير هاشم بن أبي محمد الحسن المستضيئ باللّه العباسي هو رأس هذه الاسرة ومنه اخذت ترتفع بحلقات متينة متصلة بدقة واحكام إلى يومنا هذا. وترجم له الخاقاني فقال :

عبداللّه ابن الشيخ عبد الواحد ( باش أعيان ) العباسي الملقب بضياء الدين. ولد في البصرة 1263 ه. ونشأ بها محباً للخير والعلم والأدب ، كان مهيب الطلعة جليل القدر سمح النفس يتفقد الفقير. درس العلوم الدينية على جده لأمه الشيخ أحمد نور الأبصاري وعلى فريق من أعلام البصرة ، ولازم الحجة السيد ناصر ابن السيد عبد الصمد والعلامة السيد محمد شبّر الكاظمي ، وكانت مجالسه لا تخلو من الحوار العلمي والأدبي. اجتمع بالرحالة السيد محمد رشيد بن داود السعدي فكتب عنه في رحلته ( قرة العين في تاريخ الجزيرة والعراق والنهرين ). تقلّد عدة مناصب في الدولة العثمانية ، فقد عُيّن في سنة 1297 عضواً في المحاكم العدلية إلى سنة 1320 ه. ووُلي خلالها عدة وظائف منها وكيلاً لرئاسة محكمة الجزاء والشرعية والحقوق ومدعي العموم في البصرة. وعضواً في مجلس المعارف والأوقاف ، وعضواً في ادارة الألوية ، وتلقى عدة فرامين من السلطان عبد الحميد خان توفي بمسقط رأسه - البصرة - سنة 1340 ه. ودفن بمقبرة الاسرة الخاصة في جامع الكواز. له آثار منها رسالة في تراجم أعيان البصرة - توجد في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد ، وكتاب ( الفتوحات

ص: 41

الكوازية في السياحة إلى الأراضي الحجازية ) مطبوع ، ورسائل اخرى لم تكمل. وله تعليقات كثيرة على مئات الكتب المخطوطة بمكتبة الاسرة الخاصة. خلف أنجالاً ثلاثة : 1 - الشيخ عبد الواحد ، 2 - معالي الشيخ صالح المتوفى 1365 ه. والد الشيخ عبد السلام ، 3 - معالي الشيخ محمد أمين المتوفى 1340 ه.

وفي ديوان السيد حيدر قصيدة يهنئ بها الشيخ عبد اللّه بزواج ولده الشيخ عبد الواحد وأولها :

عجل الصب وقد هبّ طروبا *** فتعدّى لتهانيك النسيبا (1)

ص: 42


1- عن ديوان السيد حيدر تحقيق الباحث على الخاقاني.

الملا على الخيري

المتوفى 1340

قال من قصيدة في الامام الحسين علیه السلام :

وراءك عني حسبي اليوم ما بيا *** وكُفّي ملامي لا عليّ ولا ليا

أمن بعد يوم ابن النبي بكربلا *** يجيب فؤادي للصباية داعيا

غداة ابن هند شبّها نار فتنة *** بها عاد جمر الوجد للحشر ذاكيا

وقاد لحرب ابن النبي جحافلا *** وأوقدها حرباً تشيب النواصيا

فهبّ لها حامي حمى الدين مفردا *** بأهلي وبي أفدي الفريد المحاميا

وما زال للأرواح يخطف سيفه *** إلى أن هوى شلواً على الأرض ثاويا

تظلله سمر الرماح وتارة *** تهيل عليه العاصفات السوافيا

تريب المحيا في الصعيد معفراً *** ثلاثاً على وجه البسيطة عاريا

ومن حوله أشلاء أبناء مجده *** دوام بنفسي أفتديها دواميا

وسارت بأطراف الأسنة والقنا *** رؤوسهم يجلو سناها الدياجيا

علي بن الملا حمزة الملقب بالخيري ، بغدادي الأصل حليّ النشأة والتربية ، يقول الشيخ اليعقوبي أن مولده سنة 1270 ه. توفي أبوه وهو لم يبلغ الحلم فهبط الحلة وأقام فيها مرتزقاً من كتابة الصكوك والوثائق الشرعية وما شاكل ذلك ، قال وفيه ذكاء غريزي وميل فطري لتحصيل الأدب ومعاشرة الادباء

ص: 43

فاتصل بآل السيد سليمان وطفق يختلف إلى ندوة شاعر الفيحاء السيد حيدر وتأثر بأدبه فكان من ملازمي داره ورواة أشعاره حتى نسخ الكثير من نظمه ثم صحب ولده السيد حسين وابن أخيه السيد عبد المطلب ، ولهما معه مسامرات ومراسلات. وسكن في أواسط عمره قرية ( ذي الكفل ) (1) واتصل بزعيمها يومذاك وهو الحاج ذرب بن عباس وهو السادن الرسمي لمرقد ذي الكفل فجعله كاتبه الخاص ونائبه على ادارة الأملاك والوقوف التي تحت تصرفه وتوليته.

وكان رحمه اللّه بطل الرواية في قصة ( منارة الكفل ) التي هي مضرب المثل ، فيقال لكل شيء يغتصب علانية ( ما أشبهه بمنارة الكفل ) وخلاصة القصة كما نقلها اليعقوبي في ( البابليات ) عن المترجم له هي : تقدم الحاج ذرب بعريضة إلى السلطان عبد الحميد في سنة 1305 ه. بأن جامع ذي الكفل يعود للمسلمين بدليل وجود منبر ومحراب اسلامي ومنارة للأذان ، وأن اليهود تملكوه وبنوا فيه مخازن وبيوتاً وغرفاً يأوى اليها الزائرون منهم في عيد رأس السنة وعيد الكفارة وغيرهما من المواسم ، فأنكر اليهود كل ذلك فندبت الحكومة ببغداد رجلاً من موظفيها للكشف عن ذلك فجاء إلى قرية ذل الكفل وجلس في ظل المنارة وكتب تقريراً خلاصته ( أن لا منارة هناك ) فكتب الحاج ذرب إلى الاستانة كراسة صغيرة بحث فيها عن المسجد وحدوده القديمة ومساحته وما فيه الآن من بنايات حديثة لليهود وتاريخ المنارة وموضع المحراب والمنبر وما إلى ذلك ( بخط المترجم له وإملائه ) ورفع ذلك إلى الباب العالي في عهد السلطان عبد الحميد فأوفدت من الاستانة لجنة لحل النزاع واستيضاح الحقيقة ولكنها

ص: 44


1- بلدة قائمة على ضفة الفرات اليسرى تقع في منتصف الطريق بين الحلة والكوفة ، فيها مدفن نبي اللّه حزقيال المسمى ب ( ذي الكفل ) وتعرف القرية في المعاجم القديمة ( بئر ملاحة ) ونقل الدكتور مصطفى جواد في مجلة الاعتدال السنة الرابعة عن مزارات السائح الهروي : قبر ذي الكفل وهوحزقيل النبي في موضع يقال له ( برّ ملاحة ) شرقي قرية يقال لها ( قسونات ) وبهذه القرية قبر باروخ استاذ حزقيل ومعلمه ، وبها قبر يوسف الربان ، واليهود يزورونه ، وبها قبر يوشع وليس هذا ابن نون ، وبها قبر عزرا وليس هذا عزرا ناقل التوراة الكاتب.

عند وصولها بغداد توصل اليها اليهود بالمال وذلك بتوسط صالح دانيال فأيدت التقرير الأول ونفت وجودالمنارة في الكفل من دون أن تصل اليها وبعثت في تأييد قرارها من أخذ صورة فوتوغرافية للقرية في احدى جهاتها التي لا يظهر فيها شكل المنارة التي لا تزال باقية إلى الآن.

وقد دوّن المترجم له في مجموعة له كتبها بنفسه لنفسه طائفة من أشعار جماعة من أدباء الحلة كان قد عاصرهم كالكوازين والسيد حيدر وابن عوض وبعض منظوماته في صباه وقليلاً من شعر المتقدمين ويصدر كل قصيدة يثبتها لمعاصريه بقوله :

وقال سلمه اللّه تعالى ، مما يؤكد لنا أنها كتبت في أواخر القرن الثالث عشر ولم يزل مقيماً بالكفل إلى أن توفي يوم الثلاثاء 28 رجب من سنة 1340 ه وحمل إلى النجف الأشرف ودفن فيها وعمره قد أناف على السبعين ، ذكر له الشيخ اليعقوبي في البابليات بعض منظوماته ومراسلاته وقصيدتين في الإمام الحسين علیه السلام ذكرنا في صدرالترجمة واحدة أما الثانية فمنها :

قذيت لآل محمد عين الهدى *** والشرك قد أمسى قرير عيون

فمخضب بالسيف عند سجوده *** في كف أشقى العالمين لعين

ومكابد سمّ العدو بمهجة *** تفدى النفوس لسرّها المكنون

ص: 45

الملا حبيب الكاشانى

المتوفى 1340

قال في مطلع ملحمته التي يرثي بها سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) :

أبسبق القضاء جفّ مدادي *** أم بجمر الغضا أُذيب فؤادي

لا ولا للهوى يرفّ فؤادي *** أو لليلى وزينب وسعاد

ما تعديت عن طريق السداد

ان قلبي على الحسين قريح *** مدمعي بالبكا عليه جريح

وولائي له صحيح صريح *** وضجيجي مع الأنين فصيح

رزؤه قد أذاب مني فؤادي

الملا حبيب اللّه الكاشاني ، الفقيه الكبير حبيب اللّه بن علي مدد الشهير بالكاشاني المتوفى صبيحة يوم الثلاثاء 23 جمادى الآخرة سنة 1340 ه. دفن بكاشان وعمره 87 سنة. قال السيد الأمين في الأعيان : له عدة مؤلفات.

توضيح البيان في تسهيل الأوزان ، تفسير سورة الاخلاص ، تفسير سورة الفاتحة ، تفسير سورة الفتح مطبوع ، تسهيل المسالك إلى المدارك في القواعد الفقهية وقد الحق هذه المنظومة المتقدمة بالكتاب المذكور.

ص: 46

وترجم له البحاثة الطهراني في ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) فقال : عالم فقيه ورئيس جليل ومؤلف مروج مكثر ، اشتغل بالتصنيف والتأليف في أنواع العلوم وفنونها وكان مكثراً فقد بلغت عدة تصانيفه مائة وثلاثين كتاباً ورسالة وذلك إلى سنة 1319 ه. وقد عاش بعد هذا التاريخ 21 سنة واللّه العالم بما ألّفه خلال تلك المدة فمن مؤلفاته ، لباب الألقاب ، رجوم الشياطين في ردّ البابية و ( منتقد المنافع في شرح المختصر النافع اثنا عشر مجلداً فرغ منها في سنة 1294 ه. ( توضيح البيان في تسهيل الأوزان ، رياض الحكايات في الأمثال والقصص ، عقايد الايمان في شرح العديلة ، ومن منظوماته الفارسية ( نصيحة نامه ، وشكاية نامه ) ومن منظوماته العربية منية الاصول في الدراية ، ومنظومة في علم المناظرة واخرى في علم الصرف واخرى في النحو اسمها ( درة الجمان ) إلى غير ذلك من المنظوم والمنثور الفارسي والعربي.

ص: 47

السيد أبو بكر بن شهاب

المتوفى 1341

براءة برٍّ في براء محرم *** عن اللّه والسلوان من كل مسلم

فأيّ جنان بين جنبي موحد *** بنار الأسى والحزن لم يتضرّم

وأي فؤاد دينه حب أحمد *** وقرباه لم يغضب ولم يتألم

على دينه فليبكِ من لم يكن بكى *** لرزء الحسين السيد الفارس الكمي

توجه ذو الوجه الأغر مؤدياً *** لواجبه لم يلوه لحيُ لوّم

فوازره سبعون من أهل بيته *** وشيعته من كل طلق مقسّم

فهاجت جماهير الضلال وأقبلت *** بجيش لحرب ابن البتول عرمرم

وحين استوى في كربلاء مخيماً *** بتربتها أكرم به من مخيّم

وساموه إعطاء الدنية عندما *** رأوا منه سمت الخادر المتوسم

وهيهات أن يرضى ابن حيدرة الرضا *** بخطة خسف أو بحال مذمّم

أبت نفسه الشماء إلا كريهة *** يموت بها موت العزيز المكرّم

هو الموت مرّ المجتنى غير أنه *** ألذّ وأحلى من حياة التهضم

وقارع حتى لم يدع سيف باسل *** بمعترك الهيجاء غير مثلّم

وصبّحهم بالشوس من صيد قومه *** نسور الفيافي من فرادي وتوأم

أتاح له نيل الشهادة راقياً *** معارج مجدٍ صعبة المتسنم

هي الفتنة الصماء لم يلف بعدها *** منار من الايمان غير مهدم

فيا أسرة العصيان والزيغ من بني *** أمية من يستخصم اللّه يخصم

ص: 48

هدمتم ذى أركان بيت نبيكم *** لتشييد بيت بالمظالم مُظلم

ولم تمحَ حتى الآن آثار زوركم *** وتصديقه ممن عن الحق قد عمي

ولا بدع أن حاربتم اللّه إنها *** لشنشنه من بعض أخلاق أَخزم

ونازعتم الجبّار في جبروته *** ولكنه من يرغم اللّه يرغم

نبيّ الورى بعد انتقالك كم جرى *** ببيتك بيت المجد والمنصب السمي

دهتهم ولما تمضِ خمسون حجة *** خطوب متى يلممن بالطفل يهرم

فكم كابد الكرار بعدك من قلىً *** وخلف إلى فتك الشقي ابن ملجم

وصبّت على ريحانتيك مصائب *** شهيد المواضي والشهيد المسمم

ضغائن ممن أعلن الدين مكرهاً *** ولولا العوالي لم يوحد ويسلم

أضاعوا مواثيق الوصية فيهم *** ولم يرقبوا إلا ولا شكر منعم

فسق غير مأمور إلى النار حزبهم *** إذا قيل يوم الفصل ما شئت فاحكم

حبيبي رسول اللّه إنا عصابة *** بمنصبك السامي نعز ونحتمي

لنا منك أعلى نسبة باتباعنا *** لهديك في أقوى طريق وأقوم

ونسبة ميلاد فم الطعن دونها *** على الرغم مغتصٌ بصاب وعلقم

نعظم من عظمت ملئى صدورنا *** ونرفض رفض النعل من لم تعظم

لدى الحق خشن لا نداجي طوائفاً *** لديهم دليل الوحي غير مسلم

سراعاً إلى التأويل وفق مرادهم *** لرفع ظهور الحق بالمتوهم

هل الدين بالقرآن والسنة التي *** بها جئت أم أحكامه بالتحكم

ولكن عن التمويه ينكشف الغطا *** لدى الملك الديّان يوم التندم

السيد أبو بكر بن شهاب العلوي الحسيني الحضرمي ينتهي نسبه إلى الإمام أبي عبداللّه الحسين علیه السلام .

ولد سنة 1262 ه. بقرية حصن آل فلوقة أحد مصائف تريم من بلاد

ص: 49

حضر موت وتوفي ليلة الجمعة 10 جمادى الأول سنة 1341 ه ( بحيدر اباد دكن ) من بلاد الهند. كان عالماً جليلاً حاوياً لفنون العلوم مؤلفاً في كثير منها ، قوي الحجة ساطع البرهان ، أديباً شاعراً مخلصاً في ولائه لأهل البيت علیهم السلام ، ونظم منظومته المسماة ( ذريعة الناهض إلى علم الفرائص ) وعمره نحو 18 سنة وله مصنفات في العلوم تناهز الثلاثين. هو شاعر اليمن الأول في زمانه وترك بعده ديواناً ضخماً يضم مختلف أنواع الشعر ، فمن مدائحه للرسول الأعظم قصيدته التي مطلعها.

لذي سلم والبان لولاك لم أهوى *** ولا ازددت من سلع وجيرانه شجوى

وفيها يقول :

ألا يا رسول اللّه يا من بنوره *** وطلعته يستدفع السوء والبلوى

ويا خير من شدّت اليه الرحال من *** عميق فجاج الأرض تلتمس الجدوى

اليك اعتذاري عن تأخر رحلتي *** إلى سوحك المملوء عمّن جنى عفوا

على أن خمر الشوق خامرني فلم *** يدع فيّ عرقاً لا يحنّ ولا عضوا

وأني لتعروني لذكراك هزة *** كما أخذت سلمان من ذكرك العروا

وما غير سوء الحظّ عنك يعوقني *** ولكنني أحسنت في جودك الرجوا

وها أنا قد وافيت للروضة التي *** بها نيّر الايمان ما انفك مجلّوا

وقفت بذلي زائراً ومسلماً *** عليك سلام الخاضع الرافع الشكوى

صلاة وتسليم على روحك التي *** اليها جميع الفخر أصبح معزوا

عليك سلام اللّه يا من بجاهه *** ينال من الآمال ما كان مرجوا

عليك سلام اللّه يا من توجهت *** إلى سوحه الركبان تطوي الفلا عدوا

سلام على القبر الذي قد حللته *** فأضحى بأنوار الجلالة مكسوا

اليك ابن عبد اللّه وافيت مثقلاً *** بأوزار عمرٍ مرّ معظمه لهوا

* * *

ص: 50

وكقصيدته المهملة التي أولها :

ساد رسلَ اللّه طه أحمد *** مصدر الكل له والمورد

كما يضم هذا التيار في أطوائه مراثيه ومدائحه لآل البيت الكرام ، فمن جياد مراثيه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام قصيدته التي أولها :

قفا وانثرا دمعا على الترب أحمراً *** وشقّا لعظم الخطب أقبية الكرى

ومن جيد مديحه لأمير المؤمنين (عليه السلام) قصيدته التي أولها :

خذوا الحذر أن تطوّفوا بخيامها *** وأن تجهروا يوماً برد سلامها

ومن جيد مراثيه للامام الحسين علیه السلام قصيدته التي أولها :

براءة برّ في براء محرم *** عن اللّهو والسلوان من كل مسلم

وكذلك مدائحه لآل البيت الطاهر المنبّه في ديوانه في الصفحات : 41 و 46 و 49 و 51 و 52 وسواها. ومما يصنف في هذا التيار قصائده الطائفية ومحاججاته المذهبية. وهذه القصائد وأغلبها برهان عقلي يطفح بها الديوان.

في بعض قصائده الدينية يكشف عن عميق إيمانه بوحدة المسلمين على اختلاف طوائفهم :

ها كل طائفة من الإسلام مذعنة *** بوحدة فاطر الأكوان

وبأن سيدنا الحبيب محمداً *** عبد الاله رسوله العدناني

وامام كل منهم في دينه *** أخذاً ورداً محكم القرآن

فإلهنا ونبينا وكتابنا *** لم يتّصف بالخلف فيها اثنان

والكعبة البيت الحرام يؤمها *** قاصي الحجيج لنسكه والداني

وصلاة كل شطرها وزكاته *** حتم وصوم الفرض من رمضان

أفبعد هذا الاتفاق يصيبنا *** نزغ ليفتننا من الشيطان

ص: 51

واستمع اليه في هجاء السلفية والذين سُمّوا بالوهابية يقول :

أرشد اللّه شيعة ابن سعود *** لاعتقاد الصواب كي لا تعيثا

فرقة بالغرور والطيش ساروا *** في فجاج الضلال سيراً حثيثا

جسّموا شبّهوا وبالأين قالوا *** لوّثوا أصل دينهم تلويثا

من يعظم شعائر اللّه قالوا *** إنه كان مشركاً وخبيثا

ولهم بعد ذاك خبط وتهو *** يس تولى مجدهم والمريثا

أو يقل ضرني فلان ونجّا *** ني فلان يرونه تثليثا

وإذا ما استغاث شخص بمحب *** وبٍ إلى اللّه كفروا المستغيثا

لابن تيمية استجابوا قديماً *** وابن عبد الوهاب جاء حديثا

اعرضوا عن سوا الحقيقة يبغ *** ون بما يدعون مهداً أثيثا

وتعاموا عن التجوز في الأسن *** اد عمداً فيبحثون البحوثا

أوليس المجاز في محكم الذكر *** أتانا مكرراً مبثوثا

وتسموا أهل الحديث وها هم *** لا يكادون يفقهون حديثا

ويقول في ( البخاري ) :

قضيه أشبه بالمرزئه *** هذا البخاريّ أمامُ الفئه

بالصادق الصدّيق ما احتج في *** صحيحه واحتجّ بالمرجئه

ومثل عمران ابن حطان أو *** مروان وابن المرأة المخطئه

مشكلة ذات عوار إلى *** حيرة أرباب النُهي ملجئه

وحق بيت يممته الورى *** مغذّه في السير أو مبطئه

إن الإمام الصادق المجتبى *** بفضله الآيُ أتت منبئه

أجلّ مَن في عصره رتبةً *** لم يقترف في عمره سيئه

قلامة من ظفر إبهامه *** تعدل من مثل البخاري مئه

ص: 52

وله من قصيدة أسماها ( النبأ اليقين في مدح أمير المؤمنين الإمام علي علیه السلام ) :

علي أخي المختار ناصر دينه *** وملّته يعسوبها وإمامها

وأعلم أهل الدين بعد ابن عمه *** بأحكامه من حلّها وحرامها

وأوسعهم حلماً وأعظمهم تقى *** وأزهدهم في جاهها وحطامها

وأولهم وهو الصبي اجابة *** إلى دعوة الإسلام حال قيامها

فكل امرئ من سابقي امة الهدى *** وان جلّ قدرا مقتد بغلامها

أبي الحسن الكرار في كل مأقطٍ *** مبدد شوس الشرك نقّاف هامها

فتى سمته سمت النبي وما انتقى *** مواخاته إلا لعظم مقامها

فدت نفسه نفس الرسول بليلة *** سرى المصطفى مستخفياً في ظلامها

له فتكات يوم بدر بها انثنت *** صناديد حرب أدبرت في انهزامها

سقى عتبة كاس الحتوف وجرّع *** الوليد ابنه بالسيف مرّ زؤامها

وفي أحد أبلى تجاه ابن عمه *** وفلّ صفوف الكفر بعد التئامها

بعزم سماويٍ ونفسٍ تعودت *** مساورة الأبطال قبل احتلامها

أذاق الردى فيها ابن عثمان طلحة *** أمير لواء الشرك غرب حسامها

وعمرو بن ود يوم أقحم طرفه *** مدى هوّة لم يخش عقبى ارتطامها

دنا ثم نادى القوم هل من مبارزٍ *** ومن لسبنتي عامر وهمامها

تحدّى كماة المسلمين فلم تجب *** كأن الكماة استغرقت في منامها

فناجزه من لا يروع جنانه *** إذا اشتبّت الهيجاء لفح ضرامها

وعاجله من ذي الفقار بضربةٍ *** بها آذنت أنفاسه بانصرامها

وكم غيرها من غمة كان عضبه *** مبدّد غماها وجالي قتامها

به في حنين أيّد اللّه حزبه *** وقد روّعت أركانه بانهدامها

سل العرب طراً عن مواقف بأسه *** تجبك عراقاها ونازح شامها

ص: 53

وناشد قريشاً من أطلّ دماءَها *** وهدّ ذرى ساداتها وكرامها

أجنّت له الحقد الدفين وأظهرت *** له الودّ في اسلامها وسلامها

ولما قضى المختار نحباً تنفست *** نفوس كثيرٍ رغبة في انتقامها

أقامت ملياً ثم قامت ببغيها *** طوائف تلقى بعد شرّ أثامها

قد اجتهدت قالوا وهذا اجتهادها *** لجمع قوى الإسلام أم لانقسامها

أليس لها في قتل عمّار عبرة *** ومزدجر عن غيها واجترامها

أليس نجمٍ عزمه اللّه أمضيت *** إلى الناس إنذاراً بمنع اختصامها

بها قام خير المرسلين مبلغاً *** عن اللّه أمراً جازماً بالتزامها

هو العروة الوثقى التي كلُ مَن بها *** تمسك لا يعروه خوف انفصامها

أما حبه حب النبي محمد *** بلى وهما واللّه أزكى أنامها

شمائل مطبوع عليها كأنها *** سجايا أخيه المصطفى بتمامها

حنانيك مولى المؤمنين وسيد ال- *** -منيبين والساقي بدار سلامها

فلي قلب متبول ونفس تدلّهت *** بحبك يا مولاي قبل فطامها

وداد تمشي في جميع جوارحي *** وخامرها حتى سرى في عظامها

هو الحب صدقاً لا الغلوّ الذي به *** يفوه - معاذ اللّه - بعض طغامها

ولا كاذب الحب ادعته طوائف *** تشوب قلاها بانتحال وئامها

تخال الهدى والحق فيما تأوّلت *** غروراً وترميني سفاهاً بذامها

وتنبزني بالرفض والزيغ إن صبا *** إليك فؤادي في غضون كلامها

تلوم ويأبى اللّه والدين والحجى *** وحرمة آبائي استماع ملامها

فاني على علمٍ وصدق بصيرةٍ *** من الأمر لم أنقل بغير زمامها

ألا ليت شعري والتمني محببٌ *** إلى النفس تبريداً لحرّ أوامها

متى تنقضي أيام سجني وغربتي *** وتنحل روحي من عقال اغتمامها

وهل لي إلى ساح الغريين زورة *** لأستاف رياً رندها وبشامها

ص: 54

إذا جئتها حرمت ظهر مطيتي *** وحرّرتها من رحلها وخطامها

واني على نأي الديار وبينها *** وصدع الليالي شعبنا واحتكامها

منوط بها ملحوظ عين ولائها *** قريب اليها مرتوٍ من مدامها

اليك أبا الريحانتين مديحة *** بعلياك تعلو لا بحسن انسجامها

مقصرة عن عشر معشار واجب الث *** ناء وإن أدّت مزيد اهتمامها

ونفثة مصدور تخفق بعض ما *** تراكم في أحنائه من حمامها

وأزكى صلاة بالجلال تنزلت *** من المنظر الأعلى وأزكى سلامها

على المصطفى والمرتضى ما ترنمت *** على عذبات البان ورق حمامها

وقال من قصيدة في مدح أهل البيت علیهم السلام :

من غرامي بقرطها والقلاده *** ان أمت مغرماً فموتي شهاده

غادة حلّ حبها في السويدا *** ورمى سهمها الفؤاد فصاده

وإذا عرّج النسيم عليها *** هزّ تلك المعاطف الميّاده

زارني طيفها ومنّ بوعد *** هل ترى الطيف منجزاً ميعاده

ليس إلا لها وللنفر البيض *** بنظم القريض يجري جياده

يا غريباً بأي وادٍ أقاموا *** من فسيح البلاد صاروا عهاده

آل بيت الرسول أشرف آل *** في الورى أنتم وأشرف ساده

أنتم السابقون في كل فخرٍ *** أسس اللّه مجدكم وأشاده

أنتم للورى شموس وأقما *** ر إذا ما الضلال أرخى سواده

أنتم منبع العلوم بلا ريب *** وللدين قد جعلتم عماده

أنتم نعمة الكريم علينا *** إذ بكم قد هدى الإله عباده

لم يزل منكم رجال وأقطا *** ب لمن اسلموا هداةً وقاده

أنتم العروة الوثيقة والحبل *** الذي نال ماسكوه السعاده

سفن النجاة أن هاج طوفا *** ن الملمات أو خشينا ازدياده

ص: 55

وبكم أمن أمة اخير إذ أن *** تم نجوم الهداية الوقاده

اذهب اللّه عنكم الرجس أهل *** البيت في محكم الكتاب أفاده

وبتطهير ذاتكم شهد القر *** آن حقاً فيا لها من شهاده

مَن يصلي ولم يصلّ عليكم *** فهو مبدٍ لذي الجلال عناده

معشرٌ حبكم على الناس فرض *** أوجب اللّه والرسول اعتماده

وبكم أيها الأئمة في يو *** م التنادي على الكريم الوفاده

يوم تأتون واللواء عليكم *** خافقٌ ما أجلها من سياده

والمحبون خلفكم في أمان *** حين قول الجحيم هل من زياده

فاز واللّه في القيامة شخصٌ *** لكم بالوداد أدى اجتهاده

كل من لم يحبكم فهو في الن *** ار وان أوهنت قواه العباده

هكذا جاءنا الحديث عن الها *** دي فمن ذا الذي يروم انتقاده

كل قالٍ لكم فأبعده الل *** ه وعن حوضكم هنالك ذاده

خاب من كان مبغضاً أحداً من *** كم ومن قد أساء فيه اعتقاده

ضلّ من يرتجي شفاعة طه *** بعد أن كان مؤذياً أولاده

آل بيت الرسول كم ذا حويتم *** من فخار وسؤددٍ وزهاده

أنتم زينة الوجود ولا زل *** تم بجيدِ الزمان نعم القلاده

فيكم يعذب المريح ويحلو *** وبه يسرع القريض انقياده

كيف يحصي فخاركم رقم أقلا *** م ولو كانت البحار مداده

أُنتم أُنتم حلول فؤادي *** فاز واللّه من حللتم فؤاده

وأنا العبد والرقيق الذي لم *** يكن العتق ذات يوم مراده

أرتجي الفضل منكم وجدير *** بكم المنّ بالرجا وزياده

فاستقيموا لحاجتي ففؤادي *** مُخلص حبّه لكم ووداده

إنّ لي يا بني البتول اليكم *** في انتسابي تسلسلاً وولاده

خلفتني الذنوب عنكم فريداً *** فارحموا عجز عبدكم وانفراده

فلكم عند ربكم ما تشاؤو *** ن وجاه لا تختشون نفاده

ص: 56

السيد هاشم كمال الدين

المتوفى 1341

المرء يحسب أنه مأمون *** والموت حق والفناء يقين

لا تأمن الدنيا فإن غرورها *** خدع الأوائل والزمان خؤن

ما مرّ آن من زمانك لحظة *** إلا وعمرك بالفنا مرهون

وإذا غمرت بنعمة وبلذة *** لا تنسينك حوادثا ستكون

وإذا بكيت على فراق أحبة *** فلتبك نفسك أيها المسكين

لا بدّ من يوم تفارق معشراً *** كنت الوجيه لديهم وتهون

والناس منهم شامت لم يكترث *** فيما دهاك ومنهم محزون

وترى من الهول الذي لاقلّه *** تذرى الدموع محاجر وعيون

فكأنه اليوم الذي في كربلا *** يوم به طاها النبي حزين

يوم به السبع الطباق لعظمه *** قد دكها بعد الحراك سكون

وتجلببت شمس الضحى بملابس *** سوداً تجلبب مثلهن الدين

يوم به فرد الزمان قد اغتدى *** فرداً وليس له هناك معين

ما بين أعداء عليه تجمعت *** منها الجوانح ملؤهن ضغون

طمع العدو بأن يسالم مذعنا *** فأبى الوفاء وسيفه المسنون

وسطا يفرق جمعهم بمهند *** فيه الرؤوس عن الجسوم تبين

ص: 57

ظمآن يمنع جرعة من مائها *** والماء للوحش السروب معين

حفت به اسد العرين وما سوى *** سمرالعواسل والسيوف عرين

ضعفوا عديداً والعدا أضعافهم *** وبدوا جسوما والقلوب حصون

تركوا الحياة بكربلاء وأرخصوا *** تلك النفوس وسومهن ثمين

وحموا خدوراً بالسيوف وبالقنا *** فيها ودائع أحمد والدين

لم أنسهن إذ العدا هتكت ضحى *** منها الخبا وكفيلهن طعين

حسرى تجاذبها الطغاة مقانعاً *** من تحتها سرّ العفاف مصون

وتعجّ تندب ندبها وحميّها *** والجسم منه في الصعيد رهين

من للنساء الحائرات بمهمه *** لم تدر موئلها وأين تكون

السيد هاشم هو الأخ الأكبر ، للشاعر الشهير السيد جعفر ، المترجم له في جزء سابق من هذه الموسوعة ، جاء مع أخيه إلى النجف لاستكمال الفضيلة ، فدرس على جماعة من علماء عصره علمي الفقه والاصول ، ولما توفي أخوه السيد جعفر سنة 1315 ه. انتقل بعده بسنتين إلى الكوفة حوالي سنة 1318 ه. فكان أحد أفاضلها الذين يرجع اليهم في المسائل الشرعية وأحد أئمة الجماعة بها في مسجد قريب من داره يعرف بمسجد النجارين ، وكان وقوراً حسن الطلعة بهي المنظر مهيباً في مجلسه وحديثه. ولد في قرية السادة - من أعمال الحلة الفيحاء - سنة 1269 ه. فهو أكبر من شقيقه السيد جعفر بثمان سنين ولأخيه المذكور فيه مدائح وله معه مراسلات مثبتة بديوانه منها قوله وقد بعث بها اليه من النجف إلى الحلة كما في الديوان.

يا أيها المولى الذي أصفيته *** ودي وإخلاصي وصفو سرائري

يا هاشماً ورث العلى من هاشم *** فسما على بادي الورى والحاظر

أهوى لقاك وبيننا بيداء لا *** بالخفّ نقطعها ولا بالحافر

وتهزني الذكرى اليك محبة *** فكأن قلبي في جناحي طائر

ص: 58

وكانت وفاته بالكوفة آخر شعبان سنة 1341 ه. وله أراجيز ومنظومات عديدة في الفقه كالطهارة وأحكام الأموات وغير ذلك ذكرها الشيخ آغا بزرك في ( الذريعة ) وقد جمع ديوان أخيه السيد جعفر المطبوع في صيدا - لبنان سنة 1331 ه. ورثاه بقصيدتين مطلع الاولى :

ببينك لا بالماضيات القواضب *** أبنت فؤادي بل أقمت نوادبي

ومطلع الثانية :

مضيت وخلّفت القذا بمحاجري *** وأججت نيران الأسى بضمائري

ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر ألواناً من شعره ونثره ومراسلاته وأدبياته.

ص: 59

السيد جواد مرتضى

المتوفى 1341

حتى مَ مِن سكر الهوى *** أبداً فؤادك غير صاحي

فنيَ الزمان ولا أرى *** لقديم غيّك من براح

يمّم قلوصك للسرى *** واشدد ركابك للرواح

ما الدهر إلا ليلة *** ولسوف تسفر عن صباح

قم واغتنمها فرصة *** كادت تطير بلا جناح

مت قبل موتك حسرة *** فعساك تظفر بالنجاح

أو ما سمعت بحادث *** ملأ العوالم بالنياح

حيث الحسين بكربلا *** بين الأسنة والرماح

يغشى الوغى بفوارس *** شوس تهيج لدى الكفاح

متقلدين عَزائماً *** أمضى من البيض الصفاح

وصل المنية عندهم *** أحلى من الخود الرداح

يتدافعون إلى الوغى *** فكأنهم سيل البطاح

هتفت منيتهم بهم *** فتقدموا نحو الصياح

وثووا على وجه الصعي *** د كأنهم جزر الأضاحي

قد غسلوا بدم الطلا *** بدلاً عن الماء القراح

ص: 60

أمست جسومهم لقى *** ورؤوسهم فوق الرماح

لا تنشئي يا سحب غي *** ثاً ترتوي منه النواحي

فلقد قضى سبط النبي *** بكربلا صديان ضاحي

أدمع المدامع رزؤه *** ورمى الأضالع بالبراح

فلتلطم الأقوام حزناً *** حُرّ أوجهها براح

ولتدرع حلل الأسى *** أبداً ولا تصغي للاحي

ساموه إما الموت تح *** ت البيض أو خفض الجناح

عدمت أمية رشدها *** وتنكبت نهج الفلاح

فمتى درت أن الحسي *** ن تقوده سلس الجماح

وقال يرثي الحسين علیه السلام أيضاً :

أيدري الدهر أي دم أصابا *** وأي فؤاد مولعةٍ أذابا

فهلا قطعت أيدي الأعادي *** فكم أردت لفاطمة شبابا

وكم خدر لفاطمة مصون *** أباحته وكم هتكت حجابا

وكم رزء تهون له الرزايا *** ألمّ فالبس الدنيا مصابا

وهيج في الحشى مكنون وجدٍ *** له العبرات تنسكب انسكابا

وأرسل من أكف البغي سهما *** أصاب من الهداية ما أصابا

أصاب حشى البتول فلهف نفسي *** لظام لم يذق يوماً شرابا

قضى فالشمس كاسفه عليه *** وبدرالتم في مثواه غابا

وكم من موقف جمّ الرزايا *** لو أن الطفل شاهده لشابا

به وقف الحسين ربيط جأش *** وشوس الحرب تضطرب اضطرابا

يصول بأسمر لدن سناه *** كومض البرق يلتهب التهابا

وبارقه يلوح الموت منها *** إذا ما هزها مطرت عذابا

ص: 61

السيد جواد مرتضى ، ينتهي نسبه الشريف إلى الشهيد زين بن علي بن الحسين (عليه السلام) . ولد في قرية عيتا من أعمال صور - لبنان سنة 1266 ه. ودرس مبادئ العلوم على علماء لبنان وارتحل إلى النجف الأشرف لطلب العلوم الدينية والمعارف الربانية فاقام بها ثمانية عشرة سنة كلها بين مفيد ومستفيد ، درس الفقه والاصول على أساطين العلماء كالشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف ، وكان يقضي جلّ أوقاته في الدرس والتدريس ثم سار إلى دمشق - الشام لما تكاملت فيه الكفاءة ولحاجة الناس إلى أمثاله ومنها توجه إلى مسقط رأسه ( عيتا ) فكانت عنده حوزة تدريس حتى تخرّج الكثير من علماء جبل عامل على يده ، ولما رأى حاجة أهالي بعلبك إلى أمثاله سار بطلب منهم حتى أقام فيهم مدرساً ومصلحاً ومرشداً وألّف كتاب ( مفتاح الجنات ) وبمساعيه أسس الجامع الكبير المعروف ب جامع النهر ومدرسة بالقرب منه ثم رجع إلى عيتا.

توفي ضحوة يوم الخميس ثاني جمادى الأول سنة 1341 ه. ودفن هناك إلى جنب أخيه المرحوم العلامة السيد حيدر مرتضى المتوفى سنة 1336 ه. كان لوفاته رنة أسى وحزن عميق وقد اقيمت له مجالس التعزية وذكريات التأبين ورثاء جمع من شعراء عصره.

وقد جمع الاستاذ العلامة السيد عبد المطلب مرتضى جميع ما أُلقي من الشعر في تأبينه وما قاله المؤبنون في مجالس ذكراه وأسماه ب ( شجى العباد في رثاء الجواد ) وطبع في مطبعة العرفان - صيدا سنة 1341 ه.

ص: 62

قال يمدح السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي علیه السلام في دمشق سنة 1330 ه.

حرم لزينب مشرق الاعلام *** سام حباه اللّه بالإعظام

حرم عليه من الجلال مهابة *** تدع الرؤوس مواضع الاقدام

في طيه سر الاله محجب *** عن كل رائدة من الأوهام

بادي السنا كالبدر في افق السما *** متجلياً يزهو بأرض الشام

فإذا حللت بذلك النادي فقم *** لله مبتهلاً بخير مقام

في روضة ضربت عليها قبة *** كبرت عن التشبيه بالاعلام

يحوي من الدر الثمين جمانة *** لمّاعة تعزى لخير إمام

صنو النبي المصطفى ووصيه *** وأبو الهداة القادة الأعلام

أسنى السلام عليه ما هبّت صبا *** وشدا على الأغصان ورق حمام

وعلى بنيه الغر أعلام الهدى *** ما أنهل قطر من متون غمام

ص: 63

الحاج مجيد العطار

اشارة

المتوفى 1342

شهر المحرم فاتك العذر *** أوجعت قلب الدين يا شهر

فكأن شيمتك الخلاف على *** آل النبي وشانك الغدر

يا شهر هل لك عندهم ترة *** أنى وعندك كم لهم وتر

لا ايبضّ يومك بعد نازلة *** منها يكاد الدمع يحمرّ

غشيت هلالك منه غاشية *** بالطف يكسف عندها البدر

سلب الأهلة بشرها فغدا *** أيامها الأعياد والبشر

أيطيب عيش وابن فاطمة *** نهبت حشاه البيض والسمر

تاللّه لا أنساه مضطهداً *** حتى يضم عظامي القبر

ومشرداً ضاق الفضاء به *** فكأن لا بلد ولا مصر

منع المناسك أن يوديها *** بمنى فكان قضاءها النحر

أفديه مستلماً بجبهته *** حجراً إذا هو فاته الحجر

أو فاته رمي الجمار فقد *** أذكى لهيب فؤاده الجمر

يسعى لاخوان الصفا وهم *** فوق الصعيد نسائك جزر

ويطوف حول جسومهم وبه *** انتظم المصاب ودمعه نثر

حتى إذا فقد النصير وقد *** نزل البلاء وأُبرم الأمر

سئم الدنية أن يقيم بها *** لوث الإزار وعيشها نكر

ص: 64

وعظ الكتائب بالكتاب وفي *** آذانهم من وعظه وقر

فانصاع يسمعهم مهنده *** آيات فصل دونها العذر

فأبوا سوى ما سنّه لهم *** الأحزاب يوم تتابع الكفر

حتى جرى قلم القضاء بما *** بلغ المرام بفتكه شمر

اللّه أكبر أي حادثة *** عظمى تحير عندها الفكر

يا فهر حيّ على الردى فلقد *** ذهب الردى بعلاك يا فهر

هذا حسين بالطفوف لقى *** بلغت به آمالها صخر

حفّت به أجساد فتيته *** كالبدر حين تحفها الزهر

أمن المروءة أن أُسرتَكم *** دمهم لآل امية هدر

أمن المروءة أن أرؤسهم *** مثل البدور تقلّها السمر

أين الأباء وذي حرائركم *** بالطف لا سجف ولا خدر

أسرى على الأكوار حاسرة *** بعد الحجال يروعها الأسر (1)

هو الحاج عبد المجيد بن محمد بن ملا أمين البغدادي الحلي الشهير بالعطار ، ولد ببغداد في شهر ذي القعدة عام 1282 ه. في محلة صبابيغ الآل ، وهاجر به وبأبيه جده ملا أمين وهو طفل صغير ، فنشأ في الحلة.

وبعد وفاة والده ، وبلوغه سن الرشد فتح حانوتاً في سوق العطارين في الحلة ، وصار يمتهن بيع العقاقير اليونانية حتى غلب عليه لقب ( العطار ) وقد اتصل بأهل العلم والأدب وأكثر من مطالعة دواوين الشعر وكتب الأدب ، حتى استقامت سليقته وتقوّمت ملكته الأدبية ، وكانت الحلة آنذاك سوق عكاظ كبير ، ومجمع الادباء والشعراء في تلك الحقبة الزاهية من تاريخها ، يختلف اليها النابهون والمتأدبون.

ص: 65


1- سوانح الافكار ج 3 / 196.

قال اليعقوبي : « سألته يوماً وقلت له : عن أي شيخ أخذت ، وعلى أي استاذ تخرجت. فقال : على اللّه » (1).

ولكن ابنه المرحوم الحاج عبد الحسين أخبرني يوماً ، قال : « ان أباه كان قد درس في المدارس الحكومية أيام الحكم العثماني ، وانه تخرج فيها ، كما أنه كان قد أتقن اللغة التركية والفارسية وتأدب بهما ، كما أتقن الفرنسية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية ، وكان أن عُرضت عليه وظيفة حكومية بدرجة عالية ، إبان الحكم العثماني بناءً على ثقافته ودراسته ، إلا أنه امتنع عن اشغالها لاعتقاده بعدم جواز التعاون مع حكومة لا تقوم على أساس الإسلام الصحيح ، وان ما سيتسلمه من مرتب هو غير حلال ».

وقد كان المترجم له « فائق الذكاء ، سريع الخاطر ، متوقد الذهن ، حاضر البديهة ، أجاد في النظم ، وأتقن الفارسية والتركية ، وترجم عنهما كثيراً (2) كما ترجم كثيراً من مفردات ومثنيات الشعر الفارسي والتركي ، إلى العربية شعراً.

وقد امتاز ( رحمه اللّه ) بسمو أخلاقه وعفه نفسه ، ووفائه لأصدقائه ، لذا كان حانوته ندوة أدب ، ومنتدى فكر ، ومدرسة شعر ، يختلف اليه الادباء والعلماء ، كما يؤمّه الشعراء والمتأدبون ...

ولما ثار الحليون على السلطة التركية 1334 ه. وسادت الفوضى فيها خشي المترجم له سوء العاقبة ، وخشي هجوم الأتراك لارجاع سلطتهم ثانية ، وفتكهم فيها ( كما وقع فعلاً بعد ذلك في واقعة عاكف ) انتقل بأهله الي الكوفة التي كان قد « بنى فيها داراً وعقاراً قبل هذه الحوادث » (3) وأقام فيها حتى

ص: 66


1- البابليات ج 3 / القسم الثاني / ص 69.
2- طبقات اعلام الشيعة : اغا بزرك الطهراني. وهو « للكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة » ج 1 / ق 3 / 1226.
3- البابليات ج 3 / القسم الثاني / ص 69.

توفي فيها في السادس عشر من ذي القعدة سنة 1342 ه. ودفن في النجف الأشرف.

كان ( رحمه اللّه ) قد تضلع في فن التاريخ ، وأتقن منه ألواناً ، كان ينظمه ارتجالاً ، مما كان يثير استغراب أهل الفن.

قال اليعقوبي : « ولم اشاهد أبرع من المترجم له ولا أبدع منه في هذا الفن ، فقد كان ينظم التاريخ الذي يقترح عليه مع ما يناسبه من الأبيات قبله دون اشغال فكرة ، أو إعمال روية ، كأنه من كلامه المألوف وقوله المتعارف ، وله فيه اختراعات لم يسبقه اليها أحد » (1) ، « وقد برع في نظم التواريخ الشعرية وتفوّق في هذا الفن على معاصريه » (2).

وأكثر شعره ( رحمه اللّه ) في رثاء آل البيت ومدحهم علیهم السلام مما كان يتناقله الخطباء والقراء والذاكرون ، لجزالته وسلاسته ، وقليل ما يتجاوز ذلك في مناسبات خاصة في تهنئة أو مديح بعض الفضلاء من العلماء ، أو ممن تربطه بهم وشائج الاخوة والوفاء.

أما تواريخه الشعرية ، فانها لو جمعت كلها لكانت ديواناً مستقلاً ، وسجلاً تاريخياً تؤرخ تلك الحقبة من ذلك الزمن.

فمن ذلك البيتان اللذان ضمنهما (28) تاريخاً في الحساب الأبجدي يؤرخ فيها عمارة تجديد مقام الإمام علي (عليه السلام) في الحلة سنة 1316 ه :

بباب مقام الصهر مرتقبا نحا *** أخو طلب بالبر من علمٍ برا

مقام برب البيت في منبر الدعا *** أبو قاسم جرّ الثنا عمها أجرا

وله مثلهما أيضاً في تاريخ زفاف المرحوم السيد أحمد إبن السيد ميرزا صالح القزويني وفيهما (28) تاريخاً وذلك سنة 1318 ه :

ص: 67


1- البابليات ج 3 - ق 2 - ص 70.
2- طبقات اعلام الشيعة : « الكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة » ج 1 / ق 3 / 1226.

أكرم بخزّان علم أمّ وارده *** منكم لزاخر بحر مد آمله

زفت إلى القمر الأسنى بداركم *** شمس لوار وزان البشر حامله (1)

« وعلى أثر هذه التواريخ سماه العلامه السيد محمد القزويني ب ( ناسخ التواريخ ) » وقد سماه الآخرون ( شيخ المؤرخين ).

قال اليعقوبي في البابليات : وله مثلهما في السنة نفسها يؤرخ عمارة مقام المهدي في الحلة المعروف بالغيبة ، وفيهما (28) تاريخاً :

توقع جميل الأجر في حرم البنا *** بفتحك بالنصر العزيز رواقا

بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا *** نجد اقترابا ما أجار وراقا

وقال يؤرخ الشباك الفضي الذي عمل بنفقة المرحوم الشيخ خزعل أمير المحمّرة على قبر القاسم ابن الإمام موسى الكاظم علیهماالسلام :

للامام القاسم الطهر *** الذي قدس روحا

خزعل خير أمير *** أرخوا شاد ضريحا

وله مؤرخاً وفاة العالم الزاهد السيد ياسين ابن السيد طه سنة 1341 ه :

يا لسان الذكر ردد أسفا *** وأبك عن دمع من القلب مذاب

وانع ياسين وارخ من له *** فقدت ياسينها ام الكتاب

ص: 68


1- 1 - البيتان على النمط التالي : صدر الأول . عجزه . صدر الثاني . عجزه . مهمل البيت الاول . معجمة . مهمل صدر الأول مع معجم عجزه . معجم صدر الأول مع مهمل عجزه . مهمل البيت الثاني . معجمه . مهمل صدره مع معجم عجزه . معجم صدره . مع مهمل عجزه . مهمل الصدرين . معجم الصدرين . مهمل صدر الأول . مع معجم صدر الثاني. مهمل العجزين . مهمل عجز الأول مع معجم عجز الثاني . معجم عجز الأول مع مهمل عجز الثاني . معجم صدر الأول مع معجم عجز الثاني . مهمل صدر الأول مع معجم عجز الثاني . معجم صدر الأول مع مهمل عجز الثاني . مهمل عجز الأول مع مهمل صدر الثاني . معجم عجز الأول مع معجم صدر الثاني . مهمل عجز الأول مع مهمل صدر الثاني .

وقال يؤرخ موت بعض المعاندين بقوله :

وناع تحمّل إثما كبيرا *** غداة نعى آثما أو كفورا

وقد أحكم اللّه تاريخه *** ليصلى سعيرا ويدعو ثبورا

وله في عصا من عوسج اهديت للسيد الجليل السيد محمد القزويني :

وإن عصا من عوسج تورق الندى *** وتثمر معروفاً بيمنى محمد

لتلك التي يوم القيامة جده *** يذود بها عن حوضه كل ملحد

ومن روائعه ما قاله في احدى زياراته للإمام الحسين (عليه السلام) عندما تعلق بضريحه الشريف :

يدي وجناحا فطرس قد تعلقا *** بجاه ذبيح اللّه وابن ذبيحه

فلا عجب أن يكشف اللّه ما بنا *** لأنا عتيقاً مهده وضريحه

وقال مخاطباً للإمام علیه السلام :

لمهدك آيات ظهرن لفطرس *** وآية عيسى أن تكلّم في المهدِ

لئن ساد في أُمٍّ فأنت ابن فاطم *** وان ساد في مهد فأنت أبو المهدي

وفطرس اسم ملك من ملائكة اللّه قيل قد جاء به جبرائيل إلى النبي محمد صلی اللّه علیه و آله عندما بعثه اللّه لتهنئة النبي بالحسين ليلة ولادته ، فتبرك الملك بمهد الحسين علیه السلام ومضى يفتخر بأنه عتيق الحسين كما ورد في الدعاء يوم الولادة : وعاذ فطرس بمهده ونحن عائذون بقبره.

وقوله ( وإن ساد في مهدٍ فأنت أبو المهدي ) لئن كان عيسى قد تكلم في المهد صبياً فالحسين أبو أئمة تسع آخرهم المهدي حجة آل محمد والذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

وقد ضاع أكثر شعره ، حيث أنه كان ممن لا يعنون بجمع أشعاره أو تدوينها ، مما نُسيَ أكثره ولم يبق منه غير ما حفظته الصدور ، ومما سُجّل

ص: 69

له في بعض المجاميع الشعرية الخاصة ممن كانوا يعنون بجمع أدب تلك الفترة مما هو مبعثر الآن في النجف والحلة والهندية وبغداد وكربلاء.

وقد ترجم للحاج مجيد رحمه اللّه في الآثار المطبوعة كثيرون ، أشهرهم : الشيخ محمد علي اليعقوبي في ( البابليات ) في ج 3 / القسم الثاني / ص 69 - 82. والشيخ علي الخاقاني في ( شعراء الحلة ) في ج 4 / ص 283 - 299 ، والشيخ اغا بزرك الطهراني في ( طبقات أعلام الشيعة ) في ج 1 / ق 3 / ص 1226 ، وقد دوّن هؤلاء نماذج لا بأس بها من شعره يمكن مراجعتها والاغتراف منها. توفي رحمه اللّه في 17 ذي القعدة سنة 1342 في النجف الأشرف ودفن بها.

ويقول الخاقاني في ( شعراء الحلة ) كان رحمه اللّه معتدل القامة عريض المنكبين أبيض الوجه مستطيله ، اختلط سواد لحيته بالبياض ، شعار رأسه ( الكشيدة ) مهيب الطلعة وقوراً له شخصية محبوبة لدى الرأي العام يحب الخير ويبتعد عن الشر يتردد إلى مجالس العلماء ويألف أهل التقوى ويستعمل صدقة السر.

وروى له جملة من تواريخه البديعة وأشعاره الرقيقة منها قصيدته في الإمام موسى الكاظم علیه السلام وأولها :

سل عن الحي ربعه المأنوسا *** هل عليه أبقى الزمان أنيسا

واخرى يرثي بها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويصف مصرعه بسيف ابن ملجم ليلة 19 من شهر رمضان وأولها :

شهر الصيام به الإسلام قد فجعا *** وفي رزيته قلب الهدى انصدعا

وثالثة في الإمام الحسين علیه السلام وأولها :

هلّ المحرم والشجا بهلاله *** قد أرقّ الهادي بغصة آله

ومن نوادره قوله :

عليٌ من الهادي كشقي يراعة *** هما واحد لا ينبغي عدّه اثنين

فما كان من غطش على الخط لايح *** فمن شعرات قد توسطن في البين

ص: 70

وقال مخمساً والأصل للخليعي - وقد مرت ترجمته :

اراك بحيرة ملأتك رينا *** وشتتك الهوى بيناً فبينا

فلا تحزن وقر باللّه عينا *** إذا شئت النجاة فزر حسينا

لكي تلقى الاله قرير عين

إذا علم الملائك منك عزما *** تروم مزاره كتبوك رسما

وحرمت الجحيم عليك حتما *** لأن النار ليس تمسّ جسما

عليه غبار زوار الحسين

وله في استجارته بحامي الجار قسيم الجنة والنار حيدر الكرار :

من حمى المرتضى التجأت لحصنٍ *** قد حمى منه جانب العز ليث

فحيانا أمناً وجاد بمنٍّ *** فهو في الحالتين غوث وغيث

مما لم ينشر من شعر العطار :

ومن تواريخه التي لم تُنشر ما قاله مؤرخاً ولادة السيد محمد طه ابن العلامة السيد حسين السيد راضي القزويني :

يُهني الحسين فتىً زكى ميلادُه *** مَن قد أنابَ لدى الثناء وأخلصا

عمّ الوجود ببشرهِ في ساعةٍ *** ارختُ « بالتنزيل - طه - خُصّصا »

وقوله في الجوادين علیهماالسلام ، ( وقد التزم الجناس في القافية ) :

لي بالإمامين ( موسى ) و ( الجواد ) غنىً *** إن أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس

الذاكرين جميل الصُنع إن وعدا *** والناسُ للوعد ما فيهم سوى الناسي

وقد شطّرهما العلامة أبو المعز السيد محمد القزويني ارتجالاً بقوله :

( لي بالإمامين ( موسى ) و ( الجود ) غنىً ) *** إن لم يجد لي زماني عند افلاسي

وفيهما تكمل الحاجات من كثبٍ *** ( ان أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس )

( الذاكرين جميل الصنع إن وعدا ) *** والنافيين جميع الذل واليأسِ

والمنجزين مواعيداً لفضلهم *** ( والناس للوعد ما فيهم سوى الناسي )

ص: 71

ومن تواريخه أيضاً قوله مقرضاً ومؤرخاً « بغية المستفيد في علم التجويد » لأبي المعز السيد محمد القزويني وذلك سنة 1327 ه. ( وقد أحسن وأجاد ) :

فضّ نجلُ المُعزّ لا فضّ فوهُ *** عن رحيق مِن لفظه المختومِ

( عاصمُ ) الذهن في مراعاته مِن *** خطأ الفكر ، ( نافعُ ) التعليمِ

( مدّ ) كفاً مِن لينها في الندى ( تش *** بعُ ) ( بالوصل ) ( لازم ) ( التفخيمِ )

فصلت للتنزيل أبهى برودٍ *** من معاني الترتيل لا من أديمِ

قُلتُ مُذ أرخوا « مقاصدَ كلمٍ *** فُصّلت من لدن حكيمٍ عليمِ » (1)

وله مُؤرخاً ولادة المحروس ( هادي ) ابن السيد ( حمد ) آل كمال الدين الحلي سنة ( 1326 ه ) :

( حمد ) بن ( فاضل ) أنتَ أعظم عالمٍ *** فيه المكارم قد أنارَ سبيلُها

غذتك مِن درّ المعارف فطنةٌ *** وعليك من غرر العُلى اكليلها

هي ليلة فيها أتتك بشارةٌ *** بولادة ( الهادي ) فعزّ مثيلُها

قد عمّت البشرى بها كل الورى *** فلذاك يُحسن أرخوا « تفضيلها »

ص: 72


1- نقلاً عن كتاب « الرجال » - المجلد الرابع - مخطوط للسيد جودت القزويني.

الشيخ كاظم سبتي

المتوفى 1342

برغم المجد من مضر سراةُ *** سرت تحدو بعيسهم الحداةُ

سرت تطوي الفلا بجبال حلم *** تخفّ لها الجبال الراسيات

كرام قوضت فلها ربوع *** خلت فغدت تنوح المكرمات

وبانت فالمنازل يوم بانت *** طوامس والمدارس دارسات

تحنّ لها وفي الأحشاء نار *** تأجج والمدامع واكفات

أطيبة بعدها لا طبت عيشاً *** وكنت حمى الورى وهي الحماة

وكنت سما العلى وبنو علي *** بدور هدى بافقك ساطعات

أُباة سامها الحدثان ضيماً *** ولم تهدأ على الضيم الأباة

أتهجر دار هجرتها فتقوى *** وتأنس بالطفوف لهم فلاة

بدت فتأججت حرباً لحرب *** ضغائن في الضمائر كامنات

يخوض بها ابن فاطمة غماراً *** تظل بها تعوم السابحات

أُصيب وما مضى للحتف حتى *** تثلمت الصفاح الماضيات

وقد ألوى عن الدنيا فظلت *** تنوح بها عليه النائحات

تعجّ الكائنات عليه حزناً *** وحق بأن تعج الكائنات

ص: 73

إلى جنب الفرات بنو علي *** قضت عطشا ألا غاض الفرات

تسيل دماؤها هدراً وتمسي *** تغسّلها الدماء السائلات

وتنبذ في هجير الصيف ، عنها *** سل الرمضاء وهي بها عراة

* * *

أهاشم طاولتك اميّ حتى *** تسل عليك منها المرهفات

فأنتم للمخوف حمى ومنكم *** تروع في الخدور مخدرات

أحقاً أن بين القوم جهراً *** كريمات النبي مهتكات

بلوعة ذات خدر لو وعتها *** لصدعت الجبال الشامخات

الشيخ كاظم سبتي هو أول شاعر ادركته ولا أقول عاصرته فاني لا أتصوره ولم أرَ شخصه لكني أتصور جيداً أني مضيت بصحبة أبي - وكنت في العقد الأول من عمري - إلى مأتم حسيني عقد في دار الخطيب السيد سعيد الفحام بمناسبة تجديد داره الواقعة في محلة المشراق في النجف الأشرف وكان الوقت عصراً ، ولما دخلنا الدار وجدناها تغصّ بالوافدين فقال لي أبي : إصعد أنت إلى الطابق العلوي ، فكنت في مكان لا يمكنني من الاطلالة على الطابق الأرضي المنعقد فيه المحفل فسمعت خطيباً ابتدأ يهدر بصوته الجهوري ونبراته المتزنة قائلاً : ومن خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام : دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة ، لا تدوم أحوالها ولا يسلم نُزّالها ، أحوال مختلفة وثارات متصرفة ، العيش فيها مذموم والأمان منها معدوم ... إلى آخر الخطبة. ثم حانت مني التفاتة وإذا بصاحب الدار الخطيب الفحام جالس معنا مذهولاً يضرب على فخذه ويردد : ما هذا الافتتاح يا شيخ كاظم ، ما هذا الفأل يا شيخ كاظم ، وإلى جنبه أحد أقاربه يُهدّء عليه. ولما أتمّ الشيخ خطابه لاموه على هذا الافتتاح والتشاؤم وفعلاً هو معيب ، فاعتذر قائلاً : شيء جرى على لساني وكأن كل شيء غاب عني إلا هذه الخطبة فافتتحت بها. وكأن تفؤّله وتشؤمه

ص: 74

حقاً فلقد أُصيب الخطيب الفحام بمرض عضّال عجز عنه الأطباء حتى قضى عليه وعمت النكبة جميع من في الدار وأصبحوا كأمس الدابر ، ويظهر لي أن الخطيب سبتي كان مؤمناً تتمثل فيه صفات المؤمن الكامل الايمان إذ اني لا أكاد استشهد منبرياً بشيء من شعره إلا ويترحم عليه السامعون ، هذا ما حدث أكثر من مرة ليس في محافل النجف خاصة بل في سائر البلدان ، وهذا ما يجعلني أعتقد أن له مع اللّه سريرة صالحة ونية خالصة كما يظهر أن الرجل كان واسع الاطلاع فكثيراً ما كنت أجلس مع ولده الخطيب الأديب الشيخ حسن سبتي واسأله عن مصدر لبعض الأحاديث والروايات فكان أول ما يجبيني به قوله : كان أبي يروي هذا منبرياً. وحفظت له شعراً ورددته مراراً فمنه قوله في التمسك بأهل البيت والحسين خاصة :

يا غافلاً عما يراد به غداً *** ويؤول مقترف الذنوب اليه

خذ بالبكاء على الحسين ففي غد *** تلقى ثوابك بالبكاء عليه

ترجم له ولده الشيخ حسن في صدر الديوان الموسوم ب ( منتقى الدرر في النبي وآله الغرر ) كما ترجم له الشيخ المصلح كاشف الغطاء وغيرهما وهذا ما جاء في سيرته على قلم مترجميه :

الخطيب الأديب الشيخ كاظم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي ابن الشيخ سبتي السهلاني الحميري. توفي عنه والده وهو صغير فأودعته امه عند السيد حسن السلطاني الصائغ ليحترف الصياغة ولكنه رغب عن صياغة الذهب والفضة إلى صياغة الكلام ومجلوّ النظام وسرعان ما مالت به نفسه لطلب العلم فأخذ ينتهل منه برغبة وشوق فدرس المقدمات وساعدته لباقته وحسن نبراته على تعاهد الخطابة وارتقاء الأعواد ، وكان المنبري ذلك اليوم لا يتعدى غير رواية قصة الحسين علیه السلام ومقتله يوم عاشوراء ، وإذا بهذا المتكلم يروي خطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ظهر غيب فعجب الناس واعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة ثم قام يروي السيرة النبوية وسير أهل البيت وربما روى

ص: 75

سيرة الأنبياء السابقين وقصصهم فكان بهذه الخطوة يراه الناس مجدداً حيث حفظ وقرأ وهكذا من يحفظ ويقرأ يرونه مجدداً لأنهم كانوا لا يحسنون اكثر من قراءة المقاتل في ذلك الحين سمّي كل من يقوم بقراءة كتاب ( روضة الشهداء ) للشيخ الكاشفي ( روضة خون ) ان يقرأ الروضة ، ويمتاز الخطيب المترجم له انه لا يروي إلا الصحيح فلا يروي الأخبار غير المسندة او الضعيفة السند.

وكان المنبريون قبله لا يحسنون اكثر من أن يتناول الواحد منهم كتاب ( روضة الشهداء ) ويقرأه نصاً ثم تطوّرت إلى حفظ ذلك الكتاب ورواية ما فيه فقط كالسيد حسين آل طعمة المتوفى سنة 1270 ه. وهو ممن ولد ونشأ ومات بكربلاء المقدسة ، وسلسلة نسبه رحمه اللّه هكذا : حسين بن درويش ابن احمد بن يحيى بن خليفة نقيب الاشراف ، ويتصل نسبه بالسيد ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى بن جعفر. وهكذا كان من معاصريه وهو السيد هاشم الفائزي المتوفي سنة 1270 ه. ايضا ولد ونشأ وتوفي بكربلاء وهو ابن السيد سلمان ابن السيد درويش ابن السيد احمد ابن السيد يحيى آل طعمة ، وكان في اسلوبه لا يخرج عن قصة الحسين علیه السلام ومصرعه ومصارع اهل بيته. فجاء خطيبنا الشيخ كاظم وقد تطور منبره إلى رواية سيرة النبي والأئمة وحفظ خطب الإمام فكان انفتاحاً جديداً في المنبر الحسيني.

ولهذه الشهرة التي حازها ، طلبه جماعة من وجهاء بغداد وأكابرهم ليسكن هناك ، فهاجر اليها سنة 1308 ه. وبقي سبع سنين يرقى الأعواد في المحافل الحسينية ويومئذ كانت المحافل تغص بالسامعين فلا اذاعة تشغلهم ولا تلفزيون يلهيهم ، وفي سنة 1315 ه. ألزمه جماعة من علماء النجف بالعودة للنجف فكان خطيب العلماء وعالم الخطباء يلتذ السامعون بحديثه ويقبلون عليه بلهفةوتشوق ولهم كلمات بحقه تدل على فضله ونبله. ترجم له معاصروه فقالوا : كان مولده في النجف عام 1258 ه. والمصادف 1842 م. وشبّ ، وهوايته العلم فدرس على الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ ملا لطف اللّه المازندراني وأمثالهما.

ص: 76

قال صاحب الحصون : فاضل معاصر وأديب محاضر ، وشاعر ذاكر ، تزهو بوعظه المنابر ، إن صعد المنبر خطيباً ضمخ منه طيباً (1) حسن المحاورة ، وله ديوان كبير في مراثي الأئمة وفي غير ذلك كثير.

وقال السيد صالح الحلي خطيب الأعواد - وهو المعاصر للمترجم له : الشيخ كاظم هو الرجل الوحيد الذي يقول ويفهم ما يقول.

ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة وذكر طائفة من أشعاره ومنها قوله :

أما والحمى يا ساكني حوزة الحمى *** وحاميه إن أخنى الزمان وإن جارا

فان أمير المؤمنين مجيركم *** وان كنتم حمّلتم النفس أوزارا

ومن يك أدنى الناس يحمي جواره *** فكيف لحامي الجار أن يسلم الجارا

وقوله مشطراً البيتين المشهورين :

بزوار الحسين خلطت نفسي *** ليشفع لي غداً يوم المعاد

وصرتُ بركبهم أطوى الفيافي *** لتحسب منهم عند العداد

فان عدّت فقد سعدت وإلا *** فقد أدّت حقوقاً للوداد

وإن ذا لم يعدّ لها ثوابا *** فقد فازت بتكثير السواد

وقال مخمساً :

زكا بالمصطفى والآل غرسي *** وحبّهم غدا دأبي وانسي

لحشري قد ذخرتهم ورمسي *** بزوار الحسين خلطت نفسي

لتحسب منهم عند العداد *** نظرت إلى القوافل حيث تتلى

حثثتُ مطيتي والقلب سلا *** تبعتُ الركب شوقاً حيث حلا

فان عدت فقد سعدت والا *** فقد فازت بتكثير السواد

ص: 77


1- اشار الشيخ الى قول محمد بن نصر المعروف بابن القيسراني المتوفى 548 ه. يمدح خطيباً : فتح المنبر صدراً *** لتلقيك رحيبا أترى ضم خطيبا *** منك ام ضمخ طيبا

وقوله في كرامة للامام موسى الكاظم سنة 1325 ه. وقد سقط عامل كان ينقش في أعلى الصحن بقبة الإمام الكاظم علیه السلام ، وقد شاهدها الشيخ بعينيه :

إلهي بحب الكاظمين حبوتني *** فقويت نفسي وهي واهية القوى

بجودك فاحلل من لساني عقدة *** لأنشر من مدح الإمامين ما انطوى

هوى إذ أضاء النور من طوره امرء *** كما أن موسى من ذرى الطور قد هوى

ولكن هوى موسى فخرّ إلى الثرى *** ولما هوى هذا تعلّق بالهوى

أقول : كنتُ في سنة 1377 ه. قد دعيت للخطابة في بغداد بالكرادة الشرقية في حسينية الحاج عبد الرسول علي ، وفي ليلة خصصتها للامام الكاظم فتحدثت منبرياً بهذه الكرامة وإذا بأحد المستمعين يبادرني فيقول : انها حدثت معي هذه الكرامة فقلت له : أرجو أن ترويها لي كما جرت ، قال : كنت في سنّ العشرين وأنا شغيل واسمي داود النقاش فكنت مع استاذي في أعلى مكان من الصحن الكاظمي ننقش بقبة الامام الكاظم والبرد قارس وقد وقفت على خشبة شُدّ طرفاها بحبلين فمالت بي فهويت فتعلق طرف قبائي بمسمار فانقلع وفقدت احساسي فما أفقتُ إلا والصحن على سعته مملوء بالناس والتصفيق والهتاف يشق الفضاء وخَدَمَة الروضة يحامون عني ويدفعون الناس لئلا تمزق ثيابي وقمت فلم أجد أي ألم وضرر ، أقول ونظمها الشيخ السماوي في أرجوزته ( صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد ) وآخرها قوله :

قالوا وقد زيّنت البلادُ *** من فرح وابتدأت بغدادُ

طبع ديوانه في النجف عام 1372 ه. وعليه تقاريض لجماعة من الفضلاء ، كما طبع له ديوان آخر باللغة الدارجة وكله في أهل البيت علیهم السلام ولا زال يحفظ ويردد على ألسنة ذاكري الحسين وتعرض نسخة في أسواق الكتب باسم ( الروضة الكاظمية ) أما ديوانه المتقدم ذكره فهو ( منتقى الدرر في النبي وآله الغرر ). أجاب داعي ربه يوم الخميس آخر ربيع الأول سنة 1342 ه. ودفن في الصحن الحيدري قرب ايوان العلامة الشيخ الشريعة.

ص: 78

الشيخ حمزة قفطان

المتوفى 1342

هواك أثار العيس تقتادها نجد *** ويحدو بها من ثائر الشوق ما يحدو

تجافى عن الورد الذميم صدورها *** لها السير مرعىً واللغام لها ورد

تمرّ على البطحاء وهي نطاقها *** وتعلو على جيد الربى وهي العقد

عليها من الركب اليمانيّ فتية *** ينكّر منها الليل ما عرف الودّ

أعدّوا إلى داعي المسير ركابهم *** وأعجلهم داعي الغرام فما اعتدوا

تقرّب منهم كل بعد شملّة *** عليها فتىً لم يثن من عزمه البعد

وما المرء بالانساب إلا ابن عزمه *** إذا جدّ أنسى ذكر آبائه الجد

يردّ الخصوم اللد حتى زمانه *** على أن هذا الدهر ليس له ردّ

ويغدو فاما ان يروح مع العلى *** عزيز حياة أو إلى موته يغدو

ويغضى ولا يرضى القذى بل عن الكرى *** جفوناً عن التهويم أشغلها السهد

الى قوله :

وهل قصرت كف تطول إلى العلى *** لها ساعد من شيبة الحمد يمتدّ (1)

ص: 79


1- عن شعراء الغري يرويها عن الخطيب الشيخ سلمان الانباري قال : وهي في الامام الحسين (عليه السلام) .

الشيخ حمزة ابن الشيخ مهدي الشهير بقفطان شاعر مطبوع وشخصية مرموقة ، ولد بحي واسط سنة 1307 ه. ونشأ بها ودرس المقدمات على أخيه الشيخ محمد صالح الذي كفله منذ الصغر ولما وجد في نفسه القابلية هاجر إلى النجف وأكبّ على دراسة العلوم الإسلامية ولازم العلامة الشيخ عبد الحسين الحياوي ينتهل من علومه حتى فرغ من دراسة كفاية الاصول وكتب الفقه الاستدلالي ، وفي أثناء تلقي العلوم كان يتعاهد ملكته الشعرية كما درس علمي الحكمة والكلام على السيد عدنان الغريفي فبرع فيهما وساجل جماعة من العلماء الفضلاء أمثال الشيخ جعفر النقدي والشيخ عيسى البصري والسيد عدنان الغريفي فكان لديهم موضع التقدير والاجلال أما الذي استفاد منه فهو الخطيب الشيخ سلمان الأنباري وهو الذي يروي عنه المقطع الأول من القصيدة الحسينية التي هي في صدر الترجمة ، وقد جمع له أخوه الشيخ محمد صالح ديواناً حافلاً بروائع الشعر الذي كان قد نشر قسماً منه في الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك ومنها مجلة اليقين البغدادية فقد نشرت له عدة قصائد في سنتها الاولى بتاريخ 1341 ه. ومنها قصيدة عنوانها : العلم والحجاب ، وله اخرى عنوانها راية العز قال فيها :

راية العز شأنها الارتفاع *** تتسامى منصورة إذ تُطاع

راية يقرأ المفكر فيها *** ما روى مجدنا القديم المضاع

حيّ أعلامنا وحيّ قناها *** يوم كانت تندك منها القلاع

يوم كانت بنو معدّ بن *** عدنان مهيباً جهادها والدفاع

يوم كان العقاب يخفق في *** الجوّ ومنه نسر الأعادي يراع

يوم أردى كسرى وقيصر منه *** زجلٌ لا تطيقه الاسماع

ما اكتسى لون خضرة النصر إلا *** بعدما احمرّ بالدماء اليفاع

ذاك عصرٌ بنوره ملأ الأرض *** التي ضاء في دجاها الشعاع

ذاك عصر النبي والامناء الغرّ *** إذ أمرهم مهيب مطاع

ص: 80

ثم عمّ السلام والعدل ظلٌ *** لم يكدّر به الصفاء نزاع

ثم وافى عصر العلوم بفضل *** أشرقت من سناه تلك البقاع

فاستطاعوا بسيرهم للمعالي *** في المساعي ونعم ذاك الزماع

واستطاعوا بوحدة العزم والآراء *** من حفظ مجدهم ما استطاعوا

أبّهذا المذكري مجد قومي *** حين فاض الونى وجفّ اليراع

تلك أعلامهم بألوانها الأربع *** مرفوعة وهذي الرباع

أين لا أين هم ، وأين علاهم *** أسلامٌ ذكراهم أم وداع

فبرغمى أن الديار طلول *** حين راحوا ومنتدى الحيّ قاع

طمعت فيهم الأعادي لوهنٍ *** فأذاعوا ما بينهم ما أذاعوا

رقدوا والمخاتلون قيام *** وتوانوا والحادثات سراع

رُب ظلم بالحزم أشبه حقاً *** وحقوقاً أضاعها الانخداع

* * *

أيها الغرب هل تصورت يوماً *** كيف تعلو على الهضاب التلاع

سترى الضغط كيف يضرم ناراً *** يصطلى حرّها الكمّي الشجاع

لم تزل تظهر التلطف حتى *** شفّ عن سوء ما نويت القناع

قف معي ننظر الحياة بعين *** لا تغشى جفونها الأطماع

لنرى ما الذي ملكت به الشرق *** فأضحى يشرى لكم ويباع

أنت والشرق في الوجود سواء *** لم يميزك دونه الابداع

لكما في الحياة حرية العيش *** سواء لكم بها الانتفاع

فلماذا تمتاز بالحكم فيه *** وعليه لأمرك الاستماع

الفضل أضحت تدار لديه *** بيديك الشؤون والأوضاع

كل ما تدعيه أنك أقوى *** وبذا تدعي الوحوش السباع

ما لهذي النفوس تضرى مع القسوة *** في ظلمها وتجفوا الطباع

فيخال القويّ أن له الحق *** ومن واجباته الاخضاع

ص: 81

الشيخ جعفر العوامي

المتوفى 1342

أفدي الحسين سري لعرصة كربلا *** في اسرة شادوا العلاء وقوموا

ان جردت بيض الصفاح أكفهم *** تلقى بها هام العدو يحطم

وعدوا على الأعداء اسداً مالهم *** من منجد إلا الصقيل المخذم

فكأنهم تحت العجاج لدى الوغى *** شمس طوالع والرماح الأنجم

بذلوا نفوسهم لسبط محمد *** فسموا غداة على المنية أقدموا

ومنها في مصرع الحسين علیه السلام :

من مبلغنّ بني لوى أنه *** في كربلا جسم الحسين مهشم

من مبلغن بني نزار وهاشماً *** جذّت أكفهم وشلّ المعصم

أعلمتم أن الحسين على الثرى *** للبيض والسمر الخوارق مطعم

أعلمتم أن الحسين بكربلا *** أكفانه البوغاء والغسل الدم

والرأس في رأس السنان كأنه *** بدر تجلّى عنه أفق مظلم

ونساؤه أسرى يشفهم الطوى *** فوق الهزال تساق أم لم تعلموا

هبوا من الأجداث إن بناتكم *** بين الأعادي تستهان وتشتم

الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد ( أبي المكارم ) العوامي. ترجم له حفيده البحاثة الشيخ سعيد الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه ( أعلام العوامية في

ص: 82

القطيف ) ونعته بوحيد العصر وعلامة الزمن ، ولد سنة 1281 ه. 15 جمادي الاولى في العوامية. وتوفي عشية ليلة الاثنين 13 محرم 1342 ه. في البحرين ودفن مع الشيخ ميثم البحراني في صحن مسجده. نشأ في ظل أبيه أبي المكارم وورث منه السماحة والفصاحة والكمال والجلال وهاجر إلى النجف ودرس على أساتذة ، وهجرته كانت في سن مبكر وبقي في النجف 18 عاماً وعندما عاد كان ابن 32 سنة فاعتزت به القطيف وافتخرت وأقبلت عليه تغترف من علومه وتنهل من فيوضاته ، وعدّد صاحب الاعلام العوامية مؤلفاته في مختلف العلوم فذكر من مؤلفاته في الفقه 19 كتاباً وأربعة كتب في الاصول وثلاثة في البيان وأربعة في الاستدلال وكتابين في المنطق وسبعة كتب في أهل البيت علیهم السلام ودواوين شعره التي أسماها ب ( جرائد الأفكار ) وآخر باسم ( نهاية الادراك ) على حسب حروف الهجاء إلى غير ذلك من مناظراته ومحاججاته عن المبدأ والمذهب وخطبه ومواقفه الاصلاحية.

أقول وأورد نماذج من مناظراته وأتى على أقوال معاصريه في حق هذا العالم الجليل من شعر ونثر كما ذكر منظومة له في العقائد وجملة من القصائد جزاء اللّه خير جزاء العاملين ، وترجم له صديقنا المعاصر الشيخ علي المرهون في شعراء القطيف وذكر ما اختاره من شعره في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) .

ص: 83

سليمان آل نشرة

المتوفى 1342

الشيخ سليمان ابن الحاج أحمد بن عباس آل نشرة البحراني المتوفى 1342 ه.

مشوا وفؤادي إثر ظعنهم مشى *** فلم يصح قلب بالغرام قد انتشى

ومازلت أخفى الشوق والوجد والجوى *** ولكن سقمي بالهوى والجوى فشى

واكتم شيباً في فؤادي شعلته *** عن الناس لكن شيب فودي به وشى

وظلت اميم تستطيب ملامتي *** واكره منها لومها والتحرشا

فقلت دعي عني الملام فأنني *** على غير حب الآل جسمي ما نشى

فقالت على من سال دمعك في الثرى *** فقلت على من في ثرى الطف عرشا

فقالت وماذا بعد ذلك قد جرى *** عليه فلا تكتم وقل فيه ما تشا

فقلت لها أخشى عليك من الأسى *** فقالت لي أفصح ان قلبي تشوشا

فقلت سأتلو منه أفجع حادث *** عليك فشقي الجيب أو مزقي الحشا

أتاها وفيها حرب قد حشدت له *** من الجيش ما سد الفلا والفضا حشا

وسامته إما أن يبايع ضارعاً *** أو الموت فاختار الردى دون ما تشا

وشد عليهم بعد صحب تصرعت *** له كهزبر شد في غنم وشا

وصال مكراً طعنه ورد مهلك *** سقى فيه بالقاني من السمر عطشا

وأوردهم مكراً صولة حيدرية *** غشتهم بها في الصبح قارعة العشا

ولا غرو ان فل الجموع ولفها *** بأمثالها أو طال فيها وابطشا

ففي كل عضو منه جيش عرمرم *** من البأس يقفو إثره حيث ما مشى

ص: 84

وما زال يحمي خدر بنت محمد *** الى ان وهت منه القوى واشتكى العشا

فكيف ولا يشكو العشاء بعينه *** ومن ظمأ منه الفؤاد تحمشا

ورام بأن يرتاح في أخذ فاقة *** له وأبى فيه القضا غير ما يشا

فسددت الأعدا بحبة قلبه *** فلا سددت سهماً مشوماً مريشا

فخر به يهوى إلى الأرض ساجداً *** كبدر كسا قاني الدما وجهه غشا

عجبت لشمر كيف شمر ساعداً *** لذبح الحسين السبط واللّه ما اختشى

فان ضحكت سن اليه فأنما *** لتبكي له عين الجوائز والرشا

وان سلبت منه الثياب امية *** فقد البست ثوباً من العار مدهشا

وان فتشت ما في خباه فأنما *** به كل وغد عن مساويه فتشا

وان قتلته وهو لم يطف غلة *** بماء فمن قال لها الأرض رششا

وان نصبت فوق السنان كريمه *** لخفض فان اللّه يرفع من يشا

فيا بأبي أفدي على الأرض جسمه *** ورأساً برمح بالبها العقل ادهشا

ويا بأبي أفدي نساء ثواكلاً *** على فقده في الدمع أرسلت الحشا

كأن يدها إذ كفكفت دمع عينها *** دلاء وأهداب الجفون لها رشا

كأن سياط المارقين وقد مشت *** على متنها كانت أفاعيَ رقشا

مشين بها للشام عجف وفي البكا *** عليها لما قد نالها الركب أجهشا

فزعن لضوء الصبح وارتحن من حياً *** إلى ساتر يحمى إذا الليل أغطشا

فأخرجن من خدر وداخلن مجلساً *** به الفسق والفحشاء باضا وعشعشا

وظل يزيد يقرع الرأس شامتاً *** بها بقضيب فيه للنفس أنعشا

وإن زجرته بالمواعظ غاضها *** وكيف يرى في الشمس من كان أعمشا

ص: 85

أسماء القزويني

المتوفاة 1342

العلوية اسماء بنت العلامة السيد الميرزا صالح ابن العلامة الفقيه الحجة السيد مهدي القزويني ، قالت في رثاء جدها الحسين علیه السلام من قصيدة :

وإن قتيلا قد قضى حق دينه *** وزاحم في شماء همته نسرا

فذاك لعمري لا توفّيه أعيني *** وإن أصبحت للرزء باكية عبرى

اسمها الذي اشتهرت به ( سومة ) للتحبب ، وكان عمها أبو المعز السيد محمد المتوفى سنة 1335 ه. يخاطبها ب ( اسماء ) وعرفت بعدئذٍ بالحبابة تكريماً لمقامها.

ولدت في الحلة الفيحاء حدود سنة 1283 ه. ونشأت في كنف والدها ، وكان للبيئة في نفسها أثر في بلوره ذهنيتها ، فالأجواء العلمية التي كانت تعيشها والمجالس الأدبية التي تعقد في مناسبات كانت تؤثر أثرها وتدفع بهذه الحرة للشعر والأدب فلا تفوتها النادرة الأدبية أو الشاردة المستملحة فهي تكتب هذه وتحفظ تلك وتتحدث بالكثير منها.

وقد اقترنت بابن عمها الميرزا موسى ابن الميرزا جعفر القزويني وأنجبت منه. وابنتها ( ملوك (1) ) وهي لم تزل في قيد الحياة ولا زالت تتحدث عن

ص: 86


1- والعلوية ملوك اقترنت بابن خالها السيد باقر السيد هادي القزويني المتوفى سنة 1333 ه. وهي أديبة فاضلة ، ووجه اجتماعي محبب لا زال مجلسها العامر في الحلة موئلاً للقاصدين على أنّ السن قد تقدم بها حفظها اللّه.

امها وكيف كانت واسطة لحل النزاعات العائلية ، فكثيراً ما قصدت العوائل المتنافرة ولطّفت الجو وأماتت النزاع والخصام حتى ساد الوئام ، وتتحدث عن امها وملكتها الأدبية وتروى شعرها باللغتين : الفصحى والدارجة.

واشتهر عن اسماء أنها تميزت بشخصية قوية وباسلوب جميل في الحديث وكان مجلسها في الحلة عامراً بالمتأدبات وذوات المعرفة. أُصيبت بمرض لازمها شهوراً متعددة وتوفيت بعده سنة 1342 ه. ونقلت بموكب كبير إلى النجف الأشرف لمقرها الأخير واقيمت الفاتحة على روحها الطاهرة صباح مساء وسارع الشعراء إلى رثائها وللتدليل على ما روينا نثبت نموذجاً من رسائلها الأدبية وهي كثيرة. كتبت على صديقة لها تعزيها بوفاة والدتها :

صبراً على نوب الزمان وإنما *** شيم الكرام الصبر عند المعضل

لا تجزعي مما رزيت بفادح *** فاللّه عوّدك الجميل فأجملي

خطب نازل ومصاب هائل ورزية ترعد منها المفاصل وتذرف منها الدموع الهوامل ، وينفطر منها الصخر ولا يحمد عندها الصبر ، ويشيب منها الوليد ولا يفتدى فيها بالطارف والتليد وعمّت كل قريب وبعيد ، ويشيب منها الوليد ولا يفتدى فيها بالطارف والتليد وعمّت كل قريب وبعيد ، غير ان الذي أطفى لهيبها وسكن وجيبها التسليم للقدر والقضاء ، وأنك الخلف عمن مضى ، فلم تفتقد مَن انت البقية ولم تذهب مَن فيك شمائلها والسجية ، فذكراها بك لم تزل مذكورة وكأنها حيةٌ غير مقبورة ، فلا طرقت بيتك الطوارق ولا حلت بساحة ربعك البوائق ، ودُمتِ برغم أنف كل حقود لا نرى فيك إلا ما يغيظ الحسود.

1 رجب المرجب 1322 هجرية

الداعية العلوية

اسماء

ص: 87

الرسالة الثانية كتبتها إلى شقيقها السيد هادي لنجاته من حادثة رعناء سنة 1328 ه. وكانت يومئذ في الحلة وهو في ( الهندية ) :

أ ( هادي ) دجى الظلما بنور جبينه *** وأحسا به يجلوه ان أظلم الخطب

لقد أضرم الأعداء نار حقودهم *** وما علموا في رشح جودك قد يخبو

غمام جود الواقدين إذا أمحل النادي وشمس صباح السارين وبدرها ( الهادي ) حفظك الرحمن من طوارق الأسواء بمحمد صلی اللّه علیه و آله النجباء.

أما بعد فنحن بحمد اللّه المتعال وما زلنا في السرور ولا نزال ، سيما بورود حديث فرح من ذوي شرف قديم وخصوص مسرود من ذوي فضل عميم يشعر أن اللّه قد حياك بنعمته الوافية وخصّك بسلامته الكافية ونجاك من هذه الرائعة فيا لها من قارعة ، فحمدنا اللّه على ذلك وشكرناه على ما هنالك ، وإلا لتركت مقلة المجد عبرى ومهجة الفخر حَرّا ، وأحنيت على وجد منا الضلوع ومنعت من عيوننا طيب الهجود والهجوع فتمثلنا بقول من قال :

فُديت با ( لمحصول ) كي يغتدي *** أصلك محفوظاً لآل الرسول

اقول وسبب كتابة هذه الرسالة كما روى الخطيب السيد محمد رضا في مؤلفه ( الخبر والعيان في أحوال الأفاضل والأعيان ) ص 64 في ترجمة السيد باقر ابن السيد هادي المذكور ما نصه :

ان السيد هادي دعاه بعض رؤساء العشائر إلى وليمة ليلاً ، فخرج على فرسه تحدق به جريدة من الخيل منهم ولده الباقر وجماعة من خاصته وخدمه وأخوه المرحوم السيد الحسن وكان الوقت صيفاً فانعقد المجلس في الفضاء بجنب ( مضيف ) من قصب فبينا الناس قد شغلوا بنصب الموائد واذا بصوت الرصاص يلعلع من فئة لها تراث مع صاحب المضيف ، ففزع القوم واضطربوا ، وكان

ص: 88

على رأس السيد الهادي خادم واقف يقال له ( محصول ) فأصابته رصاصة سقط على أثرها جديلاً كما قتل ساقي الماء وأُصيب آخرون ثم ثار الحي ومَن كان مدعواً للوليمة فانهزم الغزاة راجعين ، أما السيد الهادي فقد ثبت بمكانه لم يتحرك ولم ينذعر ، وعندما رجع السيد إلى البلد سجد ولده الباقر شكراً لله على سلامة والده وكتب من فوره إلى عمَ أبيه في الفيحاء أبي المعز السيد محمد هذين البيتين :

بشراك في فاجعة أخطأت *** وما سوى جدك خطّاها

فدت مقادير إله الورى *** أبي ، ومحصول تلقّاها

فأجابه السيد يخاطب السيد الهادي :

فُديت بالمحصول كي يغتدي *** اصلك محفوظاً لآل الرسول

والمثل السائر بين الورى *** خير من المحصول حفظ الاصول

ص: 89

الشيخ محمد حسن سميسم

المتوفي 1343

يرثي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة المرادي المذحجي رحمة اللّه عليهما :

لو كان غيرك يا بن عروة مسلما *** في مصر كوفان لاوي مسلما

اويته وحميته وفديته *** في مهجة ابت الحياة تكرما

ان لم تكن من ال عدنان فقد *** ادركت فخر الخافقين وان سما

قد فقدت من يحمي الضعائن شيمة *** حتي ربيعة بل اباه مكدما

ما بال بارقة العراق تقاعست *** عن نصر من نال الفخار الاعظما

لم لا تسربلت الدماء كأميرها *** كاميرها لم لا تسربلت الدما

بايعت مسلم بيعة علويه *** ابدا فلم تنكث ولن تنندما

فلذا عيون بني النبي تفجرت *** لما اتي الناعي اليه عليكما

بشراكم طلب ابن فاطم ثاركم *** طلب ابن فاطم ثاركم بشراكما

خرج الحسين من الحجاز بعزة *** رغم العدا لا خائفا متكتما

ونحا العراق بفتية مضرية *** كل تراه باسمه مترنما

قوم اكفهم لمن فوق الثري *** كرما تكلفت الروى والمطعما

قوم بيوم نزولهم ونزالهم *** لم يكسبوا غير المكارم مغنما

رام ابن هند ان يسود معاشرا *** ضربوا علي هام السماك مخيما

هبت هناك بنو علي وامتطت *** من كل مفتول الذراع مطهما

ص: 90

وتضرمت أسيافها بأكفهم *** فكأنها نار القرى حول الحمى

حتى إذا اصطدم الكماة وحجّبت *** شمس الضحى والافق أضحى مظلما

عبست وجوه الصيد مهما أبصروا *** العباس أقبل ضاحكاً متبسما

متقدماً بالطف يحكي حيدراً *** في ملتقى صفين حين تقدّما

وكأنه بين الكتائب عمه الطي *** ار قد هزّ اللواء الأعظما

وتقاعست عنه الفوارس نكصاً *** فغدا مؤخرها هناك مقدما

بكت الصبايا وهي تطلب شربة *** تروي بها والفاطميات الظما

منعوه نهر العلقمى وورده *** فسقاهم ورد المنية علقما

حتى إذا حسمت يداه بصارم *** وأخاه أسمعه الوداع مسلّما

فانقضّ سبط المصطفى لوداعه *** كالصقر إذ ينقضّ من افق السما

أهوى عليه ليلثم الجسد الذي *** لم تبقَ منه السمهرية ملثما

ناداه يا عضدي ويا درعي الذي *** قد كنت فيه في الملاحم معلما

فلأبكينك بالصوارم والقنا *** حتى تبيد تثلّما تحطّما

اسرة آل سميسم ، اشتهرت بهذا اللقب لان جدها سميسم بن خميس بن نصار بن حافظ لهم الزعامة في بني لام بن براك بن مفرج بن سلطان بن نصير أمير بني لام حيث نزح من الشام حدودسنة 902 ه. وأسس مشيخة بني لام في لواء العمارة - ميسان فأعقب حافظ وهو أعقب ولدين : نصار ونصر وفيهما زعامة بني لام.

وفي اسرة آل سميسم - اليوم - علماء وادباء وحقوقيين. وكان المترجم له علم الاسرة وعنوانها لما يتحلى به من فضل وأدب وسخاء مضافا إلى ديانته وزهادته وطيب سريرته وحسن سيرته يتحلى بإباء وشمم ويعتزّ بقوميته

ص: 91

وعروبته لا عن عصبية فقد قال الامام زين العابدين علي بن الحسين السجاد علیه السلام : ليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه ولكن العصبية أن يرى شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين ، واليك قطعة من اعتزازه بنفسه وتمدحه بأهله وقومه :

قسماً بغارب سابحي وهو الذي *** في العدو لم يطأ الثرى بمناسم

جمحت فخفت الافق يصدع هامها *** فمسكت فاضل عزمها بعزائمي

لا ابتغي خلعاً بشعري لا ولا *** صفراً دنانيراً وبيض دراهم

كلا ولا أخشى تهكّم جاهل *** أبداً ولا أرجو وكالة عالم

عيشي بحمد اللّه طاب ولم يكن *** عيشي بتدليس وردّ مظالم

ومن شعره معرضاً بمن عرفوا بالمنسوبية والمحسوبية :

قالوا الأديب يمدّ الكف قلت لهم *** أنا الأديب ولكن لا أمدّ يدا

كي لا أُصعّر خدي بعد عزته *** إلى اناس يسمون الإله ( خدا )

وقال :

أترك سبيل الشعر في نيل الغنى *** فالشعر في هذا الزمان هوان

علماؤنا فرس وتلك ملوكنا *** ترك وجلّ سراتنا معدان

وديوانه المخطوط الذي رأيته عند ولده فضيلة الشيخ عمار ابن الشيخ محمد حسن ابن الشيخ هادي يجمع مختلف ألوان الشعر وأكثره في أهل البيت صلوات اللّه عليهم.

ولنستمع إلى لون من غزله :

منى النفس ما بين العذيب وحاجر *** بحيث تهاب الأسد بطش الجأدر

أرى الشمس لا يمتاز ساطع نورها *** إذا سفرت ما بين غيد سوافر

فمسن غصوناً وابتسمن كواكبا *** وأشرقن أقماراً بليل غدائر

ص: 92

مررت على الوادي فلما رأينني *** نفرن كأمثال الظباء النوافر

وفيها التي أرجو طروق خيالها *** كما يرتجي التأمين قلب المخاطر

حمت خدرها لا بالمواضي البواتر *** ولكن حمته بالجفون الفواتر

تقسمت من شوقي لها في رياضها *** لعلّي الاقيها بسيماء زائر

فبالمنحني جسمي وبالجزع مهجتي *** وفي ذا الغضا قلبي وبالغور ناظري

وأقذف نفسي طالباً رسم دارها *** وبي للنوى ما بالرسوم الدواثر

على ظهر مفتول الذراعين أتلع *** حبيك القرى قبّ الأضالع ضامر

وغرته في وجهه وهو أدهم *** مقالة حق في عقيدة كافر

إذا ما عدا ليلا يصك بأنفه *** نجوم الثريا والثرى بالحوافر

أطأطئ رأسي حين اركب سرجه *** مخافة تعليق السهى بمغافري

فلا أطرق الحيين حيّي وحيّها *** فيعلم تغليس لها في الدياجر

وان هوّمت جاراتها رحت غائراً *** ونجم الدياجي بين باد وغائر

أُسيب انسياب الصل بين خيامها *** واسري مسير النوم بين المحاجر

ولما أحسّت بي اريعت وحوّلت *** بناظرها نحو الاسود الخوادر

وقالت أما هبت الاسود التي غدت *** مخالبها بيض السيوف البواتر

فقلت لها لا تذعري إنني امرؤ *** قصارى مناي اللثم ، لستُ بفاجر

فما جمحت إلا وأمسكت شعرها *** كذاك شكيم الخدر فضل الغدائر

فلما اطمأنت لي شكوت لها الهوى *** وفي بعض شكوى الحب نفثة ساحر

دنت وتدلّت من فمي وتبسمت *** وقالت فخذ مني قُبيلةَ زائر

رشفت ثناياها فقالت بعينها *** ( هنيئاً مريئاً غير داء مخامر )

فضاجعتها والسيف بيني وبينها *** وسامرتها والرمح كان مسامري

ص: 93

ترجم له الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) والشيخ محمد حرز الدين في ( معارف الرجال ) فقال : فاضلاً كاملاً لبيباً أديباً شاعراً ، له نوادر أدبية وشعرية جيدة ومراث في سيد الشهداء رثى بعض معاصريه وهنأهم ، ولد سنة 1279 ه. كما ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر جملة من نثره ونظمه. وافاه الأجل في 25 جمادى الاولى سنة 1343 ه. وكان لنعيه رنة أسف على عارفيه وأبّنه جماعة من الشعراء منهم الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة عامرة كان مطلعها :

أيعرب قد فقدتِ أبا الجواد *** فلا للجود انتِ ولا الجياد

وللمترجم له قصيدة في الزهراء فاطمة بنت النبي صلى اللّه عليهما وسلّم جاء في اولها :

مَن مبلغ عني الزمان عتابا *** ومقرّعٌ مني له أبوابا

لا زلت أُرددها في المحافل الفاطمية. تغمده اللّه برحماته واسكنه فسيح جناته.

ص: 94

السيد مهدي الطالقاني

المتوفى 1343

عجّ بي على تلك الربوع *** ننشق بها نشر الربيع

قف بي ولو لوث الأزا *** ر ، بذلك الكهف المنيع

بتلاعها لي أتلعُ *** لم تروه إلا دموعي

يرعى ، ولا يرعى الذما *** مَ ، بشيح قلبي والضلوع

متنفراً كالنوم أو *** كالأمن في قلب المروع

كم قد نصبت له الجفو *** ن ، حبائلاً عند الهجوع

فنجا وما زُوّدتُ منه *** سوى التزفّر والصدوع

وبقيتُ من أسفي أعضّ *** بنانَ إبهامٍ قطيع

مَن لي بذاك الثغر وال *** خصر المخصّر من شفيع؟

ما بتّ إلا بات من *** ه خيال شخص لي ضجيع

يعتادني ليلاً فاغ *** دو منه في ليل اللسيع

نشر الربيعُ على الربوع *** نشراً له تطوى ضلوعي

ومن البلية في الحمى *** داري وفي نجدٍ ولوعي

يا سعد قد حدثتني *** عن ذلك الحسن البديع

فصغى لما حدّثته *** لك مسمعي ، لا بل جميعي

زدني فقد زادت جنو *** ني من حديثك عن ربوعي

يا حسرتي وتزفري *** وخفوق قلبٍ لي وجيع

ص: 95

أمسي وأصبح لم أجد *** هماً سوى فيض الدموع

إن جفّ دمعي بعدهم *** رعفت جفوني بالنجيع

همّ الفؤاد بأن يطي *** ر اليهم لو لا ضلوعي

لهفي وما لهفي لغي *** ر السبط ما بين الجموع

أمسى مروعاً بالطفو *** ف وكان أمناً للمروع

يسطو بأبيض صارمٍ *** كالشمس والبرق اللموع

أبداً تراه فاريَ الأو *** داج صادٍ للنجيع

وبأسمرٍ كالصلّ يل *** وي نافث السمّ النقيع

ريّان من مهج العدا *** ينهلّ كالغيث المريع

فيخيط أسمره وأب *** يضه يفصّل في الدروع

خاض الحِمام بفتيةٍ *** كالأسد في سغب وجوع

أن يدعهم لمسلمةٍ *** لبسوا القلوب على الدروع

طلعوا ثنيات الحت *** وف وهم بدور في الطلوع

خير الأصول أصولهم *** وفروعهم خير الفروع

حتى إذا ما صرّعوا *** أرخى المدامع بالدموع

ضاق الفضاء بصدره *** والرحب لم يك بالوسيع

فمشى إلى الموت الزؤا *** م مشَمراً مشي السريع

فأتاه سهمٌ في الحشا *** أحناه إحناء الركوع

فكبا على وجه الثرى *** أفديه من كاب صريع

دامي الوريد معفر ال *** خدين خُضّب بالنجيع

ملقىً على وجهِ البسي *** طة وهو ذو المجد الرفيع

اللّه أكبر يا له *** من حادث جلل فضيع

يلقى الحسينَ الشمرُ في *** ذيالك الملقى الشنيع

ويحزّ منه الرأس ين *** صبه على رمح رفيع

كالبدر في الظلماء أو *** كالشمس في وقت الطلوع

ص: 96

رضّت أضالعه الخيو *** ل فليتها رضّت ضلوعي

وسرت نساه حُسّراً *** تهدى إلى رجسٍ وضيع

من فوق جائلة النُسو *** عِ شملةً هوجا شموع

أين النسوع وأين رب *** ات الخدور من النسوع؟؟

تسري الغداة بهن وه *** ي ودائع الهادي الشفيع

هجموا عليهن الخبا *** ء وكان كالحرم المنيع

تُحمى ببيض صوارم *** وبسمر خطّى شروع

السيد مهدي ابن السيد رضا ابن السيد أحمد الطالقاني النجفي ولد سنة 1265 ه. وتوفي سنة 1343 ه. بالنجف الأشرف ودفن بها. أديب مرموق وشاعر متفوق ، ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة فقال : رأيته وسمعت أوصافه فكنت أرى منه الرجل الظريف العفيف فمن شعره قوله :

يميناً قدّن الرمح الرديني *** ولحظك حد ماضي الشفرتينِ

هما جرحا حشاي بغير ذنب *** وكان كلاهما لي قاتلينِ

نايت فلم تنم عيناي ليلاً *** كأنك كنت نوم المقلتين

فرفقا بي والا صحت اني *** قتلت وأنت مخضوب اليدين

وهبتك مهجتي حتى إذا ما *** ملكت مطلتي وعدي وديني

فحسبك أدمعي ونحول جسمي *** فقد كانا بذلك شاهدين

فصلني قبل بينك أو فعد *** فقد حان السلام عليك حيني

وله رثائه علیه السلام :

قف بي ونح كيما نطا *** رح بالنياح حمائمه

واستوقف الحادي به *** ننعى الطلول الطاسمه

نندب فتىً سفك الطغا *** ة بيوم عاشورا دمه

وسبت حلائله على *** رغم العلى ومحارمه

أصمت سهام ضلالها *** علمَ الزمان وعالمه

ص: 97

ذاك الذي أحيا الرشا *** د وشاد منه دعائمه

سبط النبي المصطفى *** وابن الزكية فاطمه

ربّ المعالي الغرّ من *** جبريل أضحى خادمه

فأقام أملاك السما *** فوق السماء مآتمه

تلك المآتم لم تزل *** حتى القيامة قائمه

وأظلّت السبع الطبا *** ق شجونه المتراكمه

أضحت رزيّته لأر *** كان المكارم هادمه

أوردت خوافي الروح في *** نيرانها وقوادمه

يا ويح دهرٍ سلّ في *** أبناء فاطم صارمه

كم فلّ منهم صارماً *** فلّ الإله صوارمه

وكم اجترى يوم الطفو *** ف فما أجلّ جرائمه

حسمت يداه يد العلى *** حسمت يداه الحاسمه

جزرت جحاجحه الورى *** جزر المواشي السائمه

لهفي لفتيان قضت *** حول الشرائع حائمه

وسبت عقائل خير مَن *** وطأ الثرى وكرائمه

فغدت بنات المصطفى ال *** هادي النبي غنائمه

وله في رثائه أيضاً :

كم على سبط النبي المصطفى *** جلبت ظلماً يدا عدوانها

نصرته عصبة نالت به *** شرف العزّ على أقرانها

يوم أضحت لا ترى عوناً سوى ال *** مرهفات البيض في أيمانها

وإذا ما زحفت يوم الوغى *** كأسود الغاب في ميدانها

فترى الهامات من أسيافها *** سجداً خرّت على أذقانها

بذلت أنفسها في نصره *** فلها الحسن على إحسانها

وارتقت أطواد مجدٍ وحجىً *** وسمت فخراً على كيوانها

ليتني واسيتهم في الطف إذ *** أزمع الناس على خذلانها

ص: 98

صرعتهم عصبة الغيّ فلم *** تغض عن شيب ولا شبانها

وبقت أجسادهم تصهرها ال *** -شمس لا تدرج في أكفانها

فإذا مرّت بهم ريح الصبا *** حملت طيب شذا أبدانها

هل درت ، يوم حسين ، هاشم *** أيّ ركن هدّ من أركانها

وبه أسرى غدت نسوتها *** وأُبيدَ الشُم من غرّانها

وعلاها الضيم حتى عاد ، لا *** ينجلي عنها مدى أزمانها

أيُعلّى رأس سبط المصطفى *** يا له خطباً ، على خرصانها؟

منعوه الماء ظلماً فقضى *** ظمأ لهفي على ظمآنها

بكت السبع السموات له *** ليتها أروتها من هتّانها

وبنفسي نفس قمقام عدت *** خيل أعداها على جثمانها

من يُعزّي بضعة الهادي فقد *** أصبحت ثكلى على فتيانها

وغدا مفخرها السامي عُلىً *** جدلاً ملقىً على كثبانها

ويسيل الدم من أعضائه *** في الثرى كالسيل من بطنانها

قتلوه وهو يستسقيهم *** فسقوه الطَنّ من مُرّانها

لست أنسى زينباً بين العدى *** تندب الأطهار من عدنانها

وكريمات النبي المصطفى *** تشتكي الأعداء من طغيانها

كم دهتها نوبٌ من بعدما *** شُرّدت بالرغم عن أوطانها

لهف نفسي لوجوهٍ برزت *** لا يواريها سوى أردانها

أركبوهن على عجف المطا *** وأداروهنّ في بلدانها

سبيت سبي الأما من بعدما *** أُثكلت بالشوس من فرسانها

كم رزايا أخلقت جِدتها *** ورزايا الطف في ريعانها

وانطوت في الطف منها حرقة *** ذابت الأحشاء من وقدانها

من يرم عنها لنفسي سلوةً *** زادها شجواً على أشجانها

يا حماة الدين كم حاربكم *** آل حرب وبنو مروانها؟

فمتى ينتقم اللّه لكم *** بالفتى القمقام من عدنانها؟

ص: 99

السيد مهدي الغريفي

المتوفى 1343

قال من قصيدة يرثي بها علي الأكبر ابن الامام الحسين (عليه السلام) :

بُنيّ اقتطعتك من مهجتي *** علامَ قطعتَ جميل الوصالِ

بُنيّ عراك خسوف الردى *** وشأن الخسوف قبيل الكمالِ

بُنيّ حرامٌ عليّ الرقاد *** وأنت عفير بحرّ الرمالِ

بُنيّ بكتك عيون الرجال *** ليوم النزيل ويوم النزالِ

السيد مهدي ابن السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد اسماعيل ابن السيد محمد الغياث ابن السيد علي المشعل ابن السيد أحمد المقدس (1) ابن السيد هاشم البحراني ابن السيد علوي عتيق الحسين (عليه السلام) ابن السيد حسين الغريفي البحراني النجفي. صاحب الغنية وينتهي نسبه الى السيد ابراهيم المجاب بن محمد العابد ابن موسى الكاظم علیه السلام ، شاعر وعالم وتقي يشهد الجميع بتقواه.

ص: 100


1- هو السيد احمد الغريفي الموسوي المعروف ب ( الحمزة الشرقي ) ترجم له السيد الامين في الاعيان والشيخ الاميني في شهداء الفضيلة وكتبت عنه فصلاً مسهباً في ( الضرائح والمزارات ) بعد ما قصدت مزاره ورأيت قبته الشاهقة من القاشاني الازرق وقد ملأ الرواق والحرم والصحن بالزائرين مع سعة ذلك الصحن ، ان هذا السيد الجليل والعالم النبيل والذي ختم اللّه له بالشهادة وهو متوجه الى زيارة مشاهد أجداده الطاهرين بالعراق فقتله اللصوص هو وزوجته وولده في مكان قبره اليوم - شرقي الديوانية في أراضي لملوم - مساكن قبيلتي جبور والأقرع وكان ذلك في المائة الثانية عشرة وقد جدد بعض أهل الخير بناء ضريحه سنة 1355 ه.

ولد في النجف الأشرف سنة (1301) ه. وتوفي فيه في شهر ذي الحجة الحرام سنة 1343 ه. وخلف مؤلفات متنوعة لا زالت مخطوطة. وقد ترجم في كثير من المعاجم. وله ديوان شعر رائق يقع في جزئين : الأول يتضمن مدح ورثاء أهل البيت. والثاني في المديح والتهاني والغزل والنسيب.

فمن شعره قصيدة طويلة استنهض فيها بني هاشم ورثى بها جده سيد الشهداء (عليه السلام) مطلعها :

الحرب هذي وهذي السمر والخذم *** والخيل تلك عليها اللحم والحزم

ويقول فيها :

قرّت على الضيم يا ويلي لها عدد *** لم يغن يوماً فكم منها أريق دم

ضاقت بها الأرض عن إدراك ما وعدت *** به وكانت بعين اللّه تلتطم

يا عصبة ما أهاجتها ، على دمها *** يوماً سهام كلام لا ولا كلم

كم أدعو بالويل فيكم يا لفهر دمي *** هدر ورحلي منكم راح يغتنم

فالويل لي ولكم إن لم نقم زمراً *** نشنّ غاراتها فيهم وننتقم

فالكل منا وإن كنا نغضّ على ال *** بيض الجفون غداة الروع معتصم

فيها نلبي نساءً قد سبين على *** عجف المطا حيث نادت والدموع دم

ويقول فيها أيضاً مخاطباً للامام المنتظر عجل اللّه فرجه.

بقية اللّه إني لا أبثكها *** عطفاً عليك وأن تنتاشك الغمم

المجد يأبى وغن سيقت له حرم *** حسرى على هزل أن تذكر الحرم

وله قصيدة اخرى يقول فيها :

يقولون لي والنفس تكتم ما بها *** لقد خف منك الطبع من فوق اسحم

تلبي دماء رحن هدرا ونسوة *** على هزل اسرى طوت كل منسم

ترجم له الخاقاني في شعراء الغري فقال : مات أبوه وعمر المترجم له سنتان فكفله أخوه النسابة السيد رضا المعروف بالصائغ وكان منذ الصغر يتسم بالذكاء

ص: 101

فقد فرغ من العلوم العقلية والنقلية وهو في الثلاثين من عمره وكانت دراسته على أعلام منهم السيد محمد بحر العلوم صاحب البلغة والسيد علي الداماد والسيد محمد كاظم اليزدي وفي الاصول على الشيخ ملا كاظم الخراساني والشيخ أحمد كاشف الغطاء والشيخ مهدي المازندراني والشيخ حسن صاحب الجواهر ، وتخرج على يده جماعة من العلماء. ولما توفي ابن عمه السيد عدنان - عالم البصرة - جاء وفد مؤلف من وجهاء البصرة وأشرافها يطلبونه للقيام بمقام السيد عدنان فلبّى الطلب وأقام بالبصرة إلى أن حل به المرض فانتقل إلى النجف الأشرف وتوفي فيه في يوم 16 ذي الحجة سنة 1343 ه. ودفن في حُجرةٍ بالصحن الشريف بجنب مرقد السيد عدنان الغريفي والملاصقة لباب الفرج الغربية وكانت هذه الغرفة تُعرف ب مقبرة آل شبر حيث دفن عدد منهم وكانت فاتحة المترجم له تغصّ برجال العلم والأدب والشعر حيث رثاه فريق من الشعراء بقصائد منهم الشيخ محمد رضا فرج اللّه والخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة مطلعها :

أتدري لادرت نوب الزمان *** مضت بسنان هاشم واللسان

فمن يوم الخصام يذود عنها *** ويدرأ عنهم يوم الطعان

لقد ذهبت بفرد العصر فضلاً *** وهل في العصر للمهدي ثان

مضت بأجل أهل العصر شأنا *** وشأن العلم أكبر كل شأن

ومنها :

بني الهادي وأنتم أهل بيت *** أتت بمديحه السبع المثاني

تهون النائبات إذا علمنا *** بأن جميع من في الأرض فاني

وله ديوان مخطوط يقع في جزئين عند ولده السيد عبد المطلب ، يختص الجزء الأول بأهل البيت مدحاً ورثاء في 240 صفحة بخط الشيخ حسن الشيخ علي الحمود الحلي فرغ من نسخة عام 1322 ه. والجزء الثاني بخط الناظم في 250 صفحة يتضمن المديح والرثاء والتهاني والغزل والنسيب والوصف ، وآثاره العلمية ومؤلفاته المخطوطة كثيرة جداً ومنها ما أذكره هنا :

ص: 102

1 - هداية المضل في الامامة.

2 - الأشهر الحرم فيما وقع على سادات الحرم.

3 - عين الفطرة في الرد على من غالى في العترة.

4 - زينة الاذان والاقامة في ذكر علي بالولاية والامامة.

5 - أرجوزة في الكبائر من الذنوب.

6 - التحفة في المبدأ والمعاد أرجوزة ، فرغ منها سنة 1343 ه. طبعت بالنجف.

7 - منظومة سمّاها ب ( الدرة النجفية ) ، في الرد على القائلين بالتثليث.

8 - كتاب ( الانصاف ) في علم الحديث.

9 - كتاب ( الرشحات ) في التوحيد والنبوة والامامة ، فرغ منه 1329 ه.

10 - رسالة في أحوال الصحابة.

11 - رسالة في التراجم ، ورسالة في الاجازات.

12 - كتاب ( الولاية الكبرى ).

13 - كتاب ( انساب الهاشميين ) ... مع كتب ورسائل كثيرة متنوعة مطبوعة وغير مطبوعة.

ص: 103

محمد حسن أبو المحاسن

المتوفى 1344

قال سنة 1325 ه :

دع المنى فحديث النفس مختلق *** واعزم فإن العلى بالعزم تستبقُ

ولا يؤرقك إلا همّ مكرمة *** إن المكارم فيها يجمد الأرق

والسيف أَصدق مصحوب وثقت به *** ان لم تجد صاحباً في ودّه تثق

وأَمنعُ العزّ ما أرست قواعده *** سمر الأسنة والمسنونة الذلق

وإنما ثمر العلياء في شجر *** لها الرماح غصون والضبا ورق

وليس يجمع شمل الفخر جامعه *** إلا بحيث ترى الأرواح تفترق

وللردى شرك بثّت حبائله *** على الأنام وكل فيه معتلق

فما يجير الردى من صرف حادثه *** كهف ولا سلّم ينجى ولا نفق

إذا دجى ليل خطب أو بنا زمن *** فاستشعر الصبر حتى ينجلي الغسق

فكل شدة خطب بعدها فرج *** وكل ظلمة ليل بعدها فلق

فلا يغرنك عيش طاب مورده *** فرب عذب أتى من دونه الشرق

دنياً رغائبها في أهلها دول *** وما استجدت لهم من نعمة خلق

وليس في عيشها روح ولا دعة *** وان بدا لك منها المنظر الانق

ص: 104

دنياً لآل رسول اللّه ما اتسقت *** انى تؤملها تصفو وتتسق

تلك الرزية جلت أن يغالبها *** صبر به الواجد المحزون يعتلق

فكل جفن بماء الدمع منغمر *** وكل قلب بنار الحزن محترق

بها اصابت حشا الإسلام نافذة *** سهام قوم عن الإسلام قد مرقوا

واستخلصت لسليل الوحي خالصة *** من الورى طاب منها الأصل والورق

أَصفاهم اللّه اكراماً بنصرته *** فاستيقنوها وفي نهج الهدى استبقوا

من يخلق اللّه للدنيا فأنهم *** لنصرة العترة الهادين قد خلقوا

كأنهم يوم طافوا محدقين بهم *** محاجر وهم ما بينهم حدق

رجال صدق قضوا في اللّه نحبهم *** دون الحسين وفيما عاهدوا صدقوا

وقام يومهم بالطف إذ وقفوا *** بيوم بدر وان كانوا بها سبقوا

وفي اولئك في بدر نبيهم *** وهؤلاء بهم آل النبي وُقوا

من كل بدر دجى يجرى به مرحاً *** إلى الكفاح كميت سابق أفق (1)

ينهل في السلم والهيجاء من يده *** وسيفه الواكفان الجود والعلق

تقلدوا مرهفات العزم وادرعوا *** سوابغ الصبر لا يلوي بهم فرق

والصبر اثبت في يوم الوغى حلقاً *** إذا تطاير من وقع الضبا الحلق

رسوا كأنهم هضبٌ بمعترك *** ضنك عواصفه بالموت تختفق

ولابسين ثياب النقع ضافية *** كأن نقع المذاكي الوشي والسرق (2)

مستنشقين من الهيجاء طيب شذا *** كأن ارض الوغى بالمسك تنفتق

عشق الحسين دعاهم فاغتدى لهم *** مر المنية حلواً دون من عشقوا

جاءوا الشهادة في ميقات ربهم *** حتى إذا ما تجلى نوره صعقوا

وما سقوا جرعة حتى قضوا ظمأ *** نعم بحدّ المواضي المرهفات سقوا

ص: 105


1- الكميت والافق بضمتين صفة للفرس للذكر والانثى.
2- السرق محركة : شقق الحرير.

عارين قد نسجت مور الرياح لهم *** ملابساً قد تولى صبغها العلق

حاشا اباءهم أن يؤثروا جزعاً *** على المنية ورداً صفوة رنق

مضوا كرام المساعي فائزين بها *** مكارماً من شذاها المسك ينتشق

واغبرّ من بعدهم وجه الثرى وزها *** ببشرهم في جنان الخلد مرتفق

هنالك اقتحم الحرب ابن بجدتها *** يطوى الصفوف بماضيه ويخترق

يطاعن الخيل شزراً والقنا قصدٌ *** ويفلق الهام ضربا والضبا فلق

طمآن تنهل بيض الهند من دمه *** فيستهل لها بشراً ويعتنق

دريئة لسهام القوم مهجته *** كأنه غرض يرمى ويرتشق

لو ان بالصخر ما قاساه من عطش *** كادت له الصخرة الصماء تنفلق

نفسي الفداء لشاك حرّ غلته *** والماء يلمع منه البارد الغدق

موزع الجسم روح القدس يندبه *** شجواً وناظره بالدمع مندفق

والشمس طالعة تبكي وغائبة *** دماً به شهد الاشراق والشفق

تجري على صدره عدواً خيولهم *** كأن صدر الهدى للخيل مستبق

تبدو له طلعة غراء مشرقة *** على السنان وشيب بالدما شرق

فما رأى ناظر من قبل طلعته *** بدراً له من أنابيب القنا افق

وفي السباء بنات الوحي سائرة *** بها المطي وأدنى سيرها العنق

يستشرف البلد الداني مطالعها *** ويحشد البلد النائي فيلتحق

تزيد نار الجوى في قلبها حرقاً *** بماء دمع من الآماق يندفق

فلا تجف بحر الوجد عبرتها *** ولا تبوخ بفيض الأدمع الحرق

وسيد الخلق يشكو ثقل جامعة *** تنوء دامية من حملها العنق

تهفو قلوب العدى من عظم هيبته *** لكنهم برواسي حلمه وثقوا

ما غض من بأسه سقم ولا جدة *** ان الشجاعة في اسد الشرى خُلُق

ص: 106

الشيخ محمد حسن إبن الشيخ حمادي بن محسن بن سلطان آل قاطع الجناجي الحائري ولد في مدينة كربلاء سنة 1293 ه. وبها نشأ وترعرع ودرس الأدب والفقه على جماعة من ادبائها وعلمائها ، ويمتاز بالذكاء المفرط وسرعة البديهة كما كان بهي الطلعة جميل المحيا نقي المظهر متسماً بالوقار جميل المعاشرة غير متصنع في بشاشته وهو أحد ابطال الثورة العراقية الكبرى عام 1919 م.

وبعد تأسيس الحكم الوطني في العراق عيّن المترجم له وزيراً للمعارف في وزارة جعفر العسكري.

أجاب داعي ربه بالسكتة القلبية صبيحة الخميس 13 من ذي الحجة الحرام في قضاء الهندية عام 1344 ه. وحمل نعشه إلى النجف الأشرف بطريق النهر ودفن في الصحن الحيدري بين ايوان ميزاب الذهب ومقبرة العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي ترجم له السماوي في الطليعة قال : هو اديب شاعر وكاتب ناثر حسن البديهة سيال القريحة ، جلس معي في الصحن العلوي وجلس الينا غلام وسيم فسألني : ما النرجس فداعبته وقلت له : جفنك ، فخجل وقال : وما الاقاح ، فقلت : ثغرك ، فنظم المترجم له ذلك على البديهة فقال :

وشادن يسال ما النرجس *** قلت له اجفانك النعّس

فقال لي والاقحوان الجنى *** فقلت هذا ثغرك الألعس

ومن شعره قوله :

كم لعيني ليل النوى من جميل *** وافر ضاق دونه باع شكري

مذ رأتني انفقت كنز اصطباري *** ملأت من لئالئي الدمع حجري

وقال يرثي سيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) وذلك في سنة 1333 ه.

أيرجع عهد بالشقيقة سالف *** سقى العهد منهل من الغيث واكف

خليلي هذا موقف الوحد والأسا *** وخير الخليلين المعين المساعف

فعوجا عليه بالدموع فانما *** تحيته منا الدموع الذوارف

ص: 107

منازل كانت للنعيم معرّسا *** وكانت بها للعاشقين مواقف

ترف الأقاحي وهي فيها مباسم *** وتثنى بها الأغصان وهي معاطف

فلا تنكرا بالدار فرط صبابتي *** فما كل قلب بالصبابة عارف

فلا ذعرت يا دار آرامك التي *** بها للظباء الآنسات معارف

ألِفنَ الحسان الغانيات فأكرمت *** وتكرم من أجلِ الأليف الآلائف

لئن جرعتني الحزن اطلال دارهم *** فكم ارشفتني الراح فيها المراشف

وان تعف بعد الظاعنين ربوعهم *** فقلبي منها آهل الربع آلف

وقفت به والدمع يجري كأنني *** وان جل رزء الطف بالطف واقف

على مربع روت دماء بني الهدى *** ثراه ولم تروِ القلوب اللواهف

فكم غيبت فيه نجوماً وحجّبت *** بدو رُعُلا فيها المنايا الخواسف

إلى الطف من أرض الحجاز تطلعت *** ثنايا المنايا ما ثنتها المخاوف

ترحل أمن الخائفين عن الحمى *** مخافة ان لا يأمن البيت خائف

وقد كان شمساً والحجاز بنوره *** مضئ فأمسى بعده وهو كاسف

وصوّح بعد الغيث نبتُ رياضه *** وقلّص ظلٌ بالمكارم وارف

قد استصرخته بالعراق عصابة *** تحكم فيها جائر الحكم عاسف

فانجدهم غوث اللّهيف وشيمة *** الكريم إذا داع دعاه يساعف

سرى والمنايا تستحثّ ركابه *** إلى موقف تنسى لديه المواقف

تحف به الخيل الكرام وفوقها *** من الهاشمين الكرام الغطارف

بنو مطعمي طير السماء سيوفهم *** لهن مقاري في الوغى ومضائف

إذا اعتقلوا سمر الرماح تضيّفت *** يعاسيبها العقبان فهي عواكف

بهم عرف المعروف واليأس والندى *** وفاضت على المسترفدين العوارف

وقد نازلوا الكرب الشديد بكربلا *** وكل بحدّ السيف للكرب كاشف

فدارت بأبناء النبي محمد *** عصائب أبناء الطليق الزعانف

ص: 108

وما اجتمعت إلا لتطفئ عنوة *** مصابيح نور اللّه تلك الطوائف

وما كان كتب القوم إلا كتائباً *** تمج دماً فيها القنيّ الرواعف

وقد أخذ الميثاق منهم فما وفى *** اخو موثق منهم ولا برّ حالف

أبى اللّه والنفس الأبية ضيمه *** فمات كريماً وهو للضيم عائف

ونفس علي بين جنبي سليله *** فللّه هاتيك النفوس الشرائف

وراموا على حكم الدّعي نزوله *** فقال على حكم النزال التناصف

نفوس أبت إلا نفائس مفخر *** اليها انتهى مجد تليد وطارف

بنفسي من أحيى شريعة جده *** على حين قد كادت تموت العواطف

أبوه الذي قد شيّد الدين سيفه *** وهذا ابنه والشبل لليث واصف

أمير المنايا ذو الفقار بكفه *** إذا ما قضى أمراً فليست تخالف

ويجري به بحر وفي الكف جدول *** تمر على من ذاق منه المراشف

طوى بصفيح الهند نشر جموعهم *** كما طويت بالراحتين الصحائف

وفلّ البغاة الماردين كأنه *** سليمان لكن المهند آصف

يكر على جمع العدى وهو بينهم *** فريد فترفضّ الجموع الزواحف

جناحهم من خيفة الصقر خافق *** وقلبهم من سطوة الليث راجف

يفلّ قراع الدارعين حسامه *** فيحمل فيهم وهو بالعزم سائف

وقائمه ما بارح الكف في الوغى *** إلى أن خبا برق من السيف خاطف

صريعاً يفدى بالنفوس وسيفه *** كسير تفدّيه السيوف الرهائف

قضى عطشاً دون الفرات فلا جرى *** بورد ولا بلّ الجوى منه راشف

وظمأن لكل من نجيع فؤاده *** تروى المواضي والرماح الدوالف

ومرتضع بالسهم أضحى فطامه *** فذاق حمام الموت والقلب لاهف

اتى ابن رسول اللّه مستسقياً له *** فما عطفت يوماً عليه العواطف

فأهوت على الجيد المخضب امه *** تقبّله والطرف بالدمع واكف

ص: 109

جعلتك لي يا منية النفس زهرة *** ولم أدر أنّ السهم للزهر قاطف

فللّه مقدام على الهول ما له *** سوى المرهف الماضي عضيد محالف

إذا اشتد ركب زاد بشراً وبهجة *** كأن المنايا بالأماني تساعف

وفي الأرض صرعى من بنيه ورهطه *** وفي الخدر منه المحصنات العفائف

فلا هو من خطب يلاقيه ناكِل *** ولا هو فيما قد مضى منه آسف

واعظم ما قاسى خدور عقائل *** بها لم يطف غير الملائك طائف

وعز عليه ان تهاجمها العدى *** وهن بحامي خدرهنّ هواتف

ينوء ليحمي الفاطميات جهده *** فيكبو به ضعف القوى المتضاعف

لأن عاد مسلوب الثياب مجرداً *** فللحمد ابراد له ومطارف

فلم يرَ أحلى من سليب قد اكتسى *** من الطعن ما تكسو الجروح النواطف

وفي السبي من آل النبي كرائم *** نمتها إلى المجد الأثيل الخلائف

يسار بها من منهل بعد منهل *** وتطوي على الأكوار فيها التنائف

وليس لها من رهطها وحماتها *** لدى السير الا ناحل الجسم ناحف

تمثلها العين المنيرة للعدى *** ويسترها جفن من الليل واطف

وهن بشجو للدموع نواثر *** وهنّ بندب للفريد رواصف

هواتف يبكين الحسين إذا بكت *** هديلا حمامات الغصون هواتف

وفوق القنا تزهو الرؤوس كأنها *** أزاهير لكن الرماح القواطف

وما حملت فوق الرماح رؤوسهم *** ولكنما فوق الرماح المصاحف

وله :

أدار الحي باكرك الغمام *** وان أقوى محلك والمقام

ولو لم تنزف الأشجان دمعي *** لقلت سقتك أدمعي السجام

مررت بدارهم فاستوقفتني *** على الدار الصبابة والغرام

ص: 110

فيا عهد الأنيس عليك مني *** وان حلت التحية والسلام

أُسائلها ولي قلب كليم *** وهل تدري المنازل ما الكلام

أعائدة لنا أيام وصل *** فينعم بالوصال المستهام

بزهر كواكب وشموس حسن *** وأقمار مطالعها الخيام

متى يسلو صبابته كئيب *** بليّته اللواحظ والقوام

إذا ملك الهوى قلب المعنى *** فأيسر ما يعانيه الملام

يهيج لي الغرام شذى نسيم *** يشم وومض بارقة تشام

ويشجين الحمام إذا تغنى *** وكل شجٍّ يهيجه الحمام

ويقدح لي الأسى يوم اصيبت *** به أبناء فاطمة الكرام

وخطب قادح في كل قلب *** بقادحة الجوى فيه ضرام

فيابن الضاربين رواق فخر *** سمت فوق الضراح له دعام

أيخضب بالسهام وبالمواضي *** محياً دونه البدر التمام

فليت البيض قد فلت شباها *** وطاشت عن مراميها السهام

كأنك منهل والبيض ظمأى *** لها في ورد مهجتك ازدحام

وقال أبو المحاسن أيضا :

نعلل النفس بالوعد الذي وعدوا *** أنى وقد طال في انجازه الأمد

ان كان غيّر بعد العهد ودهم *** فودّنا لهم باق كما عهدوا

وان يكن لهم في هجرنا جلد *** فأن أبعد شيء فاتنا الجلد

أما وطيب ليالينا التي سلفت *** والعيش غض كما شاء الهوى رغد

ان العيون التي كانت بقربهم *** قريرة جار فيها الدمع والسهد

ما انصفونا سهرنا ليلنا لهم *** صبابة وهم عن ليلنا رقدوا

تبكيهم مقلتي العبرى ولو سعدت *** بكت مصاب الاولى في كربلا فقدوا

مصالت كسيوف الهند مرهفة *** فرندها كرم الاحساب والصيد

المرتقين من العلياء منزلة *** شماء لا يرتقيها بالمنى أحد

الطاعنين إذا أبطالها انكشفت *** والمطعمين إذا ما اجدب البلد

ص: 111

من معشر ضربت فوق السماء لهم *** أبيات فخر لها من مجدهم عمد

سادوا قريشاً ولولاهم لما افترعت *** طود الفخار ولولا الروح ما الجسد

تخال تحت عجاج الخيل أوجههم *** كواكباً في دجى الظلماء تتقد

يمشون خطراً ولا يثنيهم خطر *** عن قصدهم وأنابيب القنا قصد

وافى بها الأسد الغضبان يقدمها *** اسداً فرائسها يوم الوغى اسد

كأن مرهفه والضرب يوقده *** شمس الهجير وأرواح العدى برد

كأنما رقمت آي السجود به *** فكلما استله من غمده سجدوا

فحاولت عبد شمس أن يدين لها *** قوم لها ابن رسول اللّه منتقد

حتى إذا جالت الخيلان صاح بهم *** ضرب يطيش به المقدامة النجد

فأحجموا حيث لا ورد ولا صدر *** والسمهرية في أحشائهم ترد

يا عين لا تعطشي خدي فأنهم *** قضوا عطاشا وماء النهر مطرد

وقال أيضاً :

أقّلا عليّ اللوم فيما جنى الحبّ *** فان عذاب المستهام به عذب

وصلت غرامي بالدموع وعاقدت *** جفوني على هجر الكرى الانجم الشهب

تقاسمن مني ناظراً ضمنت له *** دواعى الهوى ان لا يجفّ له غرب (1)

فليت هواهم حمّل القلب وسعه *** فيقوى له أو ليت ما كان لي قلب

فابعد بطيب العيش عني فليس لي *** به طائل ان لم يكن بيننا قرب

الا في ذمام اللّه عيس تحملت *** بسرب مهاً للدمع في أثرها سرب

وكنا وردنا العيش صفوا فأقبلت *** حوادث أيام بها كدر الشرب

عدمناك من دهر خؤون لأهله *** إذا ما انقضى خطب له راعناً خطب

على أن رزء الناس يخلق حقبة *** ورزء بني طه تجدده الحقب

حدا لهم ركب الفناء آبائهم *** وسار بمغبوط الثناء لهم ركب

لحى اللّه يا أهل العراق صنيعكم *** فقد طأطأت هاماتها بكم العرب

ص: 112


1- الغرب : مسيل الدمع والغروب الدموع.

دعوتم حسيناً للعراق ولم تزل *** تسير اليه منكم الرسل والكتب

ان اقدم الينا يا بن بنت محمد *** فانك ان وافيت يلتئم الشعب

فلما أتاكم واثقاً بعهودكم *** اليه إذا مرعى وفائكم جدب

فلم يحظَ إلا بالقنا من قراكم *** وضاق عليه فيكم المنزل الرحب

فلم أر أشقى منكم إذ غدرتم *** بآل علي كي تسود بكم حرب

فللّه أجسام من النور كونت *** تحكم في أعضائها الطعن والضرب

فيا يوم عاشوراء أوقدت في الحشا *** من الحزن نيراناً مدى الدهر لا تخبو

وقد كنت عيداً قبل يجنى بك الهنا *** فعدت قذى الأجفان يجنى بك الكرب

قضى ابن رسول اللّه فيك على الظما *** وقد نهلت منه المهندة القضب

وحفت به سمر القنا فكأنه *** لدى الحرب عين والرماح لها هدب

فكم قد أُريقت فيك من آل أحمد *** دماء سادات وكم هتكت حجب

وعبرى أذاب الشجو جامد دمعها *** تنوح وللأشجان في قلبها ندب

إذا عطلت أجيادها من حلّيها *** تحلت بدمع سقطه اللؤلؤ الرطب

تعاتب صرعى لو يساعدها القضا *** إذاً وثبوا غضبى وعنها العدى ذبوا

وله :

أرى امية بعد المصطفى طلبت *** أخاه بالثار مذ هبّت بصفين

ثم انثنت للزكي المجتبى حسن *** فجرعته ذعاف الذل والهون

أوتار بدر بيوم الطف قد أخذت *** وباء في آل حرب آل ياسين

من النبي قضوا ديناً كما زعموا *** ولا ديون لهم إلا على الدين

راس ابن فاطمة خير الورى نسباً *** يا للعجائب يهدى لابن ميسون

ص: 113

السيد علي العلاق

المتوفى 1344

أقوت فهنّ من الأنيس خلاء *** دمن محت آثارها الأنواء

درست فغيّرها البلا فكأنما *** طارت بشمل أنيسها عنقاء

يا دار مقرية الضيوف بشاشة *** وقراي منك الوجد والبرحاء

عبقت بتربك نفحة مسكية *** وسقت ثراك الديمة الوطفاء

عهدي بربعك آنسا بك آهلا *** يعلوه منك البشر والسراء

وثرى ربوعك للنواظر اثمداً *** وكعقد حلي ظبائك الحصباء

أخنى عليه دهره والدهر لا *** يرجى له بذوي الوفاء وفاء

أين الذين ببشرهم وبنشرهم *** يحيا الرجاء وتأرج الارجاء

ضربوا بعرصة كربلاء خيامهم *** فأطلّ كرب فوقها وبلاء

لله أيّ رزيةٍ في كربلا *** عظمت فهانت دونها الارزاء

يوم به سل ابن أحمد مرهفاً *** لفرنده بدجى الوغى لألاء

وفدى شريعة جده بعصابة *** تفدى وقلّ من الوجوه فداء

صيدٌ إذا ارتعد الكميّ مهابة *** ومشت إلى أكفائها الاكفاء

وعلا الغبار فأظلمت لو لا سنا *** جبهاتها وسيوفها الهيجاء

عشت العيون فليس إلا الطعنة الن *** جلا وإلا الحقلة الخوصاء

عبست وجوه عداهم فتبسموا *** فرحاً وأظلمت الوغى فأضاؤا

ولها قراع السمهريّ تسامر *** وصليل وقع المرهفات غناء

ص: 114

يقتادهم للحرب أروع ماجد *** صعب القياد على العدى أبّاء

صحبته من عزماته هندية *** بيضاء أو يزتيّة سمراء

تجري المنايا السود طوع يمينه *** وتصرّف الاقدار حيث يشاء

ذلت لعزمته القروم بموقف *** عقّت به آباءها الأبناء

كره الكماة لقاءه في معرك *** حسدت به أمواتها الأحياء

بأبي أبي الضيم سيم هوانه *** فلواه عن ورد الهوان اباء

يا واحدا للشهب من عزماته *** تسري لديه كتيبة شهباء

تشع السيوف رقابهم ضرباً وبالأ *** جسام منهم ضاقت البيداء

ما زال يفنيهم الى أن كاد أن *** يأتي على الايجاد منه فناء

لكنما طلب الإله لقاءه *** وجرى بما قد شاء فيه قضاء

فهوى على غبرائها فتضعضعت *** لهويه الغبراء والخضراء

وعلا السنان برأسه فالصعدة *** السمراء فيها الطلعة الغراء

ومكفن وثيابه قصد القنا *** ومغسل وله المياه دماء

ان تمس مغبر الجبين معفراً *** فعليك من نور النبي بهاء

يا ليت لا عذب الفرات لواردٍ *** وقلوب أبناء النبي ظماء

لله يوم فيه قد أمسيتم *** اسراء قوم هم لكم طلقاء

حملوا لكم في السبي كل مصونة *** وسروا بها في الأسر أنى شاؤا

آل النبي لئن تعاظم رزؤكم *** وتصاغرت في وقعه الارزاء

فلأنتم يا أيها الشفعاء في *** يوم الجزا لجناته الخصماء (1)

ومقيد قام الحديد بمتنه *** غلاً وأقعد جسمه الأعياء

وهن الضنى قعدت به اسقامه *** وسرت به المهزولة العجفاء

وغدت ترق على بليته العدى *** ما حال من رقت له الأعداء

لله سرّ اللّه وهو محجب *** وضمير غيب اللّه وهو خفاء

أنى اغتدى للكافرين غنيمة *** في حكمها ينقاد حيث تشاء

ص: 115


1- الروض الخميل مخطوط السيد جودت القزويني ، أقول ورأيت في ( الطليعة ) تتمة غراء لهذه القصيدة مع نقل كرامة تدل على قبولها عند أهل البيت صلوات اللّه عليهم.

وله في الإمام الحسين (عليه السلام) :

يا دار أين ترحل الركب *** ولأي أرض يمم الصحب

أبحاجر فمحاجري لهم *** من فيضهن سحائب سكب

أم بالغضا فبمهجتي اتقدت *** نيرانه شعلا فلم تخب

وإلى العقيق تيامنوا فهمت *** عيني به وجرى لها غرب

وبأيمن العلمين قد نزلوا *** منه بحيث المربع الخصب

وعلت بداجي الليل نارهم *** فذكا الكبا والمندل الرطب

لا يبعدن النازلون به *** ان ضاق منه المنزل الرحب

فمن الأضالع منزل لهم *** ومن المدامع مورد عذب

ساروا وحفت في هوادجهم *** منهم أسود ملاحم غلب

حملتهم النجب العتاق ويا *** لله من حملتهم النجب

من كل وضاح الجبين به *** يسقى الثرى ان عمه الجدب

عقاد ألوية الحروب إذا *** عضت على أنيابها الحرب

ان قال فالخطي مقوله *** أو صال فهو الصارم العضب

وسروا لنيل المجد تحملهم *** نجب عليها منهم نجب

وبكربلا ضربوا خيامهم *** حيث البلايا السود والكرب

ودعاهم للموت سيدهم *** والموت جدٌ ما به لعب

فتسابقوا كل لدعوته *** فرحاً يسابق جسمه القلب

حشدوا عليه وهو بينهم *** كالبدر قد حفت به الشهب

تنبوا الجماجم من مهنده *** وحسامه بيديه لا ينبو

وتطايرت من سيفه فِرقا *** فَرقا يضيق بها الفضا الرحب

وغدا أبو السجاد منفردا *** مذبان عنه الأهل والصحب

وعليه قد حشدت خيولهم *** وبه أحاط الطعن والضرب

فثوى على وجه الصعيد لقى *** عار تكفن جسمه الترب

ومصونة في خدرها رفعت *** عن صونها الأستار والحجب

فهبّ الرجال بما جنوا قتلوا *** هل للرضيع بما جنى ذنب

ص: 116

السيد علي ابن السيد ياسين ابن السيد مطر الحسني العلاق النجفي. ولد سنة 1297 ه. وتوفي في ذي الحجة سنة 1344 ه. ودفن بالنجف الأشرف. شاعر أديب تقرأ في محياه آثار السيادة والنجابة ، تأدب وتفقه في النجف وحاز على شهرة علمية إلى تُقى وورع ، حسني النسب له شعر يروى ومطارحات يتناقلها الادباء ، ورأيت في مصدر آخر أن ولادته سنة 1293 ه. ووفاته بالنجف الأشرف غرة رمضان ذكره صاحب الحصون فقال : السيد علي العلاقي الأصل ، النجفي المولد والمسكن. فاضل ملأ ظرافة ولطفاً وشريف يفوق على الشرف ، مشتغل في النجف بتحصيل العلوم وحضر على علمائها ، ذو قريحة وقادة وفكرة نقادة سخياً كريماً مع حسن أخلاق وطيب أعراق وصفاء سريرة وحسن سيرة. ذكر البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري لوائح من أشعاره ورسالة له أجاب بها جملة من أقرانه واخدانه وهم : الشيخ عباس ابن الشيخ علي كاشف الغطاء ، والسيد محمد القزويني ، والسيد حسين القزويني ، وقد صدرها بمقطوعة شعرية منها :

وافتك من أقصى مغانيها *** مذ بلغت فيك أمانيها

فهنّها بالبشر وأهنأ به *** وقرّط السمع بما فيها

عذراء زارتك على غفلة *** محجوبة من خوف واشيها

تطوي اليك البيد منشورة *** غرّ اللآلي بمطاويها

يأرج بالمسك شذا لفظها *** وتنثر الدر معانيها

سرح بها اللحظ تجد روضة *** غناء قد رقت حواشيها

لقد تمنت عاطلات المها *** أن تتحلى بدراريها

نرجسها زاه بنوارها *** والنور زاه بأقاحيها

ودّت نجوم الأفق لو أنها *** تقلدت غرّ لآليها

يعيد ميت الشوق من رمسه *** منتشراً نظم قوافيها

ما روضة باكرها عارض *** أو ديمه تهمي عزاليها

ورنحتها نسمات الصبا *** فماس دانيها بعاليها

ص: 117

وصفقت بالبشر أزهارها *** لما غدا الرعد يغنيها

والغيث إن مرّ بها راقصاً *** يضحكها من حيث يبكيها

ومذ همى دراً على تبرها *** سال لجيناً في سواقيها

وللندامى حولها اكؤس *** لذّ لهم فيها تعاطيها

تسعى بها نحوهم غادة *** يقيمها الدل ويثنيها

إذا تهاوت بكؤس الطلا *** ضلوا حيارى من تهاديها

تديرها ممزوجة قد غدا *** مزاجها القرقف من فيها

يوماً بأبهى نفحة من شذا *** مألكة أصبحت منشيها

رسالة كم معجز قد حوت *** مذ رتّل الآيات تاليها

أحيت بقايا كبد فيكم *** يميتها الشوق ويحييها

أهديتماها والهدايا كما *** قالوا على مقدار مهديها

وترجم له الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : فاضل ملأ من الفضل إهابه ومن الأدب وطابه ، وشريف يبدو على سمته أثر النجابة ، مشارك في الفنون محاظر بالمحاسن والعيون ، حاضرته فرايت منه فضلاً وعلماً وكرماً جمّاً وتقى إلى ظرف وديانة إلى لطف وصفاء قلب ونزاهة برد وغضّ طرف عن أدنى وصف وله شعر حسن ومطارحات جيدة وقريض تغلب عليه الجزالة فمنه قوله.

أورى الهوى بحشاي جمرا *** وجرت دموع العين حمرا

ليل الهموم دجى فمن *** لي أن أُطالع منك بدرا

لك مغرم هتك اشتياقك *** ستره فأذاع سرّا

يا من لصب سوف يقتله *** نوى الأحباب صبرا

لله وصلك ما احيلاه *** وهجرك ما أمرا

يقول الشيخ السماوي في ( الطليعة من شعراء الشيعة ) : أخبرني عبد الحسين ابن القاسم الحلي - تقدمت ترجمته - قال رأيت ليلة في منامي كأني في مجلس يناح فيه على الحسين ، فقرأ محمد بن شريف النائح النجفي قصيدة همزية مضمومة حتى إذا وصل منها إلى قوله :

ص: 118

والهف قلبي يا بن بنت محمد *** لك والعدا بك أدركوا ما شاؤا

كثر البكاء واصطفقت الأيدي وتكررت الاستعادات استحساناً لهذا البيت فانتبهت وأنا أبكي وأُردد البيت ، فما مرّ عليّ شهر إلا وسمعت النائح المذكور يقرأ هذه القصيدة في بيت المترجم له فسالته عنها فقال هي له سلمه اللّه تعالى - ومنها :

فلخيلها أجسامكم ولنبلها *** أكبادكم ولقضبها الأعضاء

وعلى رؤس السمر منكم أرؤس *** شمس الضحى لوجوهها حرباء

يا بن النبي أقول فيك معزياً *** نفسي وعزّ على الثكول عزاء

ما غضّ من علياك سوء صنيعهم *** شرفاً وإن عظم الذي قد جاؤا

إن تمس مغبر الجبين معفراً *** فعليك من نور النبي بهاء

أوَ تبق فوق الأرض غير مغسّل *** فلك البسيطان الثرى والماء

أو تغتدي عارٍ فقد صنعت لكم *** برد العلاء الخط لا صنعاء

أو تقض ظمآن الفؤاد فمن دما *** أعداك سيفك والرماح رواء

فلو أن أحمد قد رآك على الثرى *** لفرشن منه لجسمك الأحشاء

أو بالطفوف رأت ظماك سقتك من *** ماء المدامع أمك الزهراء

يا ليت لا عذب الفرات لواردٍ *** وقلوب أبناء النبي ظماء

كم حرة نهب العدى أبياتها *** وتقاسمت أحشاءها الارزاء

تعدو وتدعو بالحماة ولم يكن *** بسوى السياط لها يجاب دعاء

هتفت تثير كفيلها وكفيلها *** قد أرمضته في الثرى الرمضاء

يا كعبة البيت الحرام ومن سمت *** بهم على هام السما البطحاء

لله يوم فيه قد أمسيتم *** أسراء قوم هم لكم طلقاء

حملوا لكم في السبي كل مصونة *** وسروا بها في الأسر ان شاؤا

تنعى ليوث البأس من فتيانها *** وغيوثها إن عمّت البأساء

تبكيهم بدم مَقل بالمهجة الحرّا *** تسيل العبرة الحمراء

حنّت ولكن الحنين بكاً وقد *** ناحت ولكن نوحها إيماء

ص: 119

الشيخ عبد الحسين الحيّاوي

المتوفى 1345

يا كالئي الدين الحنيف *** والامن من خطر الظروف

ومجلياً داجي الضلال *** بنور رشد منه موفي

شرف الابا ورثته أُسرتكم *** ، شريفاً عن شريف

أترى تقرّ على الهوان *** وأنت من شمّ الأنوف

وترى حقوقك في يدي *** قوم على وثن عكوف

والدين كوكب رشده *** الدريّ آذن بالخسوف

فأنر بطلعتك المنيرة *** للورى ظلم السدوف

واملأ بصاعقة الضبا *** وجه البسيطة بالرجيف

واترك خيول اللّه تعطف *** بالذميل على الوجيف

عربية تستن في العدوات *** كالريح العصوف

بجحاجح تزن الجبال *** الشمّ في اليوم المخوف

وألحِظ بنيك بعطفة *** أو لست خير أبٍ عطوف

وارأف بهم عجلاً فقد *** وصفوك بالبرّ الرؤوف

فإلامَ أكباد الورى *** لنواك دامية القروف

حنّت اليك حنين ذي *** إلف على فقد الأليف

أوَ ما علمت - وأنت أعلم *** ما جرى يوم الطفوف

حيث الحسين درية *** للسمهرية والسيوف

ص: 120

حشدت عليه جحافل *** عضت بهن لُهى الشنوف

فسطا عليهم زاحفاً *** في كل مقدام زحوف

ومدربين لدى الكفاح *** على مصادمة الألوف

يمشي بمعترك النزال *** إلى الردى مشي النزيف

ويخال مهزوز القنا *** يوم الوغى أعطاف هيف

وقفوا بها فاستوقفوا *** الأفلاك في ذاك الوقوف

خفوا وهم هضب الجبال *** لنيل دانية القطوف

فتلفعوا بنجيعهم *** مثل البدور لدى الكسوف

وانصاع فرداً لم يجد *** عضداً سوى العضب الرهيف

فهناك صال على الكتائب *** صولة الليث المخيف

فثنى مكردسها وثنّى *** فعله يوم الخسيف

حتى جرى القدر المحتم *** فاغتدى غرض الحتوف

لهفي عليه وطفله *** بيديه ما بين الصفوف

قد أرشفته دماؤه *** بسهامها بدل الرشيف

لهفي عليه مجدلا *** لو كان يجديني لهيفي

من بعد خفرانه *** أسرى على عجف الحروف

وإذا اشتكت عنف المسير *** تجاب بالضرب العنيف

ربات خدر ما عرفن *** سوى المقاصر والسجوف

تدعو وتهتف بالحماة *** الصيد كالورق الهتوف

وتكاد منهن القلوب *** تطير من فرط الرفيف

الشيخ عبد الحسين بن قاعد الواسطي الحياوي ، نسبة إلى حي واسط ، ولد في قضاء الحي سنة 1295 ه. وتوفي فيها في 24 رجب سنة 1345 ه. ونقل إلى النجف ودفن في جوار المشهد الشريف.

ص: 121

نشأ في النجف وطلب العلم بها ونظم الشعر فأجاد وله مؤلفات في العلم والتاريخ وديوان شعر ، فاضل أديب شاعر حسن الحديث مشهور بالتقوى والايمان. ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في معارفه فقال : حضر الفقه والاصول على مدرسي النجف حتى نال رتبة عالية من العلم ولا زالت النوادي العلمية تجمعنا واياه في النجف وكان شاعراً بليغاً جيد النظم وقد رثا الحسين علیه السلام بقصائد عديدة وحضر عليه في الفقه والاصول والأدب جماعة منهم الشيخ حمزة ابن الشيخ مهدي ابن الشيخ أحمد قفطان النجفي المتوفى سنة 1342 ، وترجم له صاحب الحصون فقال : عالم فاضل سمت همته إلى كسب الفضائل فهاجر إلى النجف وعكف على الاشتغال بتحصيل الفقه والاصول وله إلمام بباقي العلوم ، وأديب أريب وشاعر بارع حسن المحاضرة حلو المذاكرة حسن السيرة صافي السريرة وله فينا بعض المدائح ، وترجم له الشيخ النقدي في الروض النضير.

ومن شعره الذي يرويه خطباء المنبر الحسيني قصيدته في الإمام موسى الكاظم علیه السلام .

جانب الكرخ شأن أرضك شيّد *** قبر موسى بن جعفر بن محمد

بثرى طاول الثريا مقاماً *** دون أعتابه الملائك سجد

ضمّ منه الضريح لاهوت قدس *** ليديه تلقى المقادير مقود

من عليه تاج الزعامة في الدين *** امتناناً به من اللّه يعقد

قد تجلّى للخلق في هيكل النا *** سِ لكنه بقدس مجرد

هو معنى وراء كل المعاني *** صوّب الفكر في علاه وصعّد

سابع الصفوة التي اختارها *** اللّه على الخلق أوصياء لأحمد

هو غيث إن أقلعت سحب الغيث *** ، وغوث إن عزّ كهف ومقصد

كان للمؤمنين حصناً منيعاً *** وعلى الكافرين سيفاً مجرّد

أخرجوه من المدينة قسراً *** كاظماً مطلق الدموع مقيد

ص: 122

حر قلبي عليه يقضي سنينا *** وهو في السجن لا يزار ويقصد

مثل موسى يُرمى على الجسر ميتاً *** لم يشيعه للقبور موحّد

حملوه وللحديد برجليه *** دويٌ له الاهاضب تنهد

وقال في رثاء الحسين علیه السلام :

خليلي هل بعد الحمى مربع نظر *** يذاع بناديه لأهل الهوى سر

وهل بعد معناه تروق لناظري *** خمائل يذكوا من لطائمها عطر

قد ابتزه صرف الردى أي بهجة *** فأمسى وناديه لطير البلى وكر

رعى اللّه عهداً نوره متبسم *** وحجب الحيا تبكي وأدمعها القطر

وقفنا به مثل القنى أسى وقد *** تساهمن زاهي ربعه الحجج الغبر

حلبنا به ضرع المدامع لو صفا *** لأخصب من أكنافه الماحل القفر

ونندب أكباداً لنا بربوعه *** أطيحت غداة البين واغتالها الدهر

تشاطرها ربع المحصب والحمى *** ففي ربع ذا شطر وفي سفح ذا شطر

فيا سعد دع ذكر الديار وانني *** لعهد الرسوم الدثر لم يشجني الذكر

ولا هاج وجدي ذكر حزوى وبارق *** ولا أنهل مني باللوى مدمع غمر

ولكن شجاني ذكر رزؤ ابن فاطم *** غداة شفى فيه ضغائنه الكفر

بأحقاد بدر قد عدا من بني الشقا *** إلى حربه في الطف ذو لجب محر

ضغائن أخفتها بطي بنودها *** فأظهر ما يخفيه في طيها النشر

أتته عهود منهم ومواثق *** وقد غدرت فيه وشيمتها الغدر

أرادت به ضرّاً وتعلم أنه *** بطلعته الغراء يستدفع الضر

وسامته ذلاً وهو نسل ضراغم *** لها الصدر في نادي الفخار والقبر

فقال لها يا نفس قري على الردى *** فما عز إلا معشر للردى قروا

لنصر الهدى كأس الحمام له حلى *** على أن كأس الموت مطعمه مر

فقام بفتيان كأن وجوههم *** بدور دجى لكن هالاتها الفخر

مساعير حرب تمطر الهام صيباً *** إذا برقت منها المهندة البتر

على سابحات في بحار مهالك *** لها البيض أمواج وفيض الطلا غمر

ص: 123

محجلة غر على جبهاتها *** بأقلام خرصان القنا كتب النصر

تجول بحلي اللجم تيهاً كأنها *** ذئاب غضى يمرحن أو ربرب عفر

غرابية مبيضة جبهاتها *** سوى أنها يوم الكريهة تحمر

وهم فوقها مثل الجبال رواسخ *** بيوم به الأبطال همتها الفر

إذا ما بكت بيض الضبا بدم الطلا *** ترى الكل منهم باسم الثغر يفتر

تهادى بمستن النزال كأنها *** نشاوى طلا أضحى يرنحها السكر

تفر كأسراب القطا منهم العدى *** كأن الفتى منهم بيوم الوغى صقر

لنيل المعالي في الجنان تؤازروا *** فراحوا ولم يعلق بأبرادهم وزر

فماتوا كراماً بعد ما أحيوا الهدى *** ولم يدم في يوم الجلاد لهم ظهر

فجرد فرد الدهر أبيض صارماً *** به أوجه الأقران بالرعب تصفر

فيا ليمين قد أقلت يمانيا *** إذا قد وتراً عاد شفعاً به الوتر

وظمآن لم يمنح من الماء غلة *** وقد نهلت في كفه البيض والسمر

جرى عضبه حتفاً كأن يمينه *** بها الموت بحر والحسام له نهر

تروح ثبات في القفار إذا دنا *** له نحو أجياد العدى نظر شزر

يكر عليهم كرة الليث طاوياً *** على سغب والليث شيمته الكر

لأكبادها نظم بسلك قناته *** وللهام في بتار صارمه نثر

إذا ما دجا ليل العجاج بنير *** تبلج من لئلاء طلعته فجر

عجبت له تظمى حشاشته ومن *** نجيع الطلا في صدر صعدته بحر

ولو لم يكن حكم المقادير نافذاً *** لعفت ديار الشرك قتلته البكر

إلى أن هوى ملقى على حر وجهه *** بمقفرة في حرها ينضج الصخر

هوى علة الايجاد من فوق مهره *** فأدبر ينعاه بعولته المهر

هوى وهو غيث المعتفين فعاذر *** إذا عرضت يأساً عن السفر السفر

فلا الصبر محمود بقتل ابن فاطم *** وليس لمن لم يجر مدمعه عذر

بنفسي سخياً خادعته يد القضا *** فجاد بنفس عن علاها كبا الفكر

يعز على الطهر البتول بأن ترى *** عزيزاً لها ملقى واكفانه العفر

ص: 124

يعز عليها أن تراه محرماً *** عليه فرات الماء وهو لها مهر

يعز على المختار أن سليله *** يرض بعدو العاديات له صدر

فيا ناصر الدين الحنيف علمت إذ *** لجدك جد الخطب واعصوصب الأمر

لقد كسرت بالطف حرب قناتكم *** فهلا نرى منها القنا وبها كسر

فمالي أراك اليوم عن طلب العدى *** صبرت وللموتور لا يحمد الصبر

أتقعد يا عين الوجود توانياً *** وقد نشبت للبغي في مجدكم ظفر

أتنسى يتامى بالهجير تراكضت *** وصالية الرمضاء يغلى لها قدر

وربات خدر بعد ما انتهبوا الخبا *** برزن ولا خدر يوارى ولا ستر

وعيبة علم قيدوه بحلمه *** بأمر طليق دأبه اللّهو والخمر

سرت تتهاداها الطغام أذلة *** فيجذبها مصر ويقذفها مصر

تجوب الموامي فوق عجف أيانق *** ويزجرها بالسوط إما ونت زجر

تحن فتشجى الصخر رجع حنينها *** وملأ حشاها من لواعجها جمر

يعز على الشهم الغيور بأنها *** تغير منها في السبا أوجه غر

يعز على الهادي الرسول بأنها *** قد استلبت منها المقانع والأزر

ومستصرخات بالحماة فلم تجد *** لها مصرخاً إلا فتى شفه الأسر

نحيفاً يقاسي ضر قيد وغلة *** ينادي بني فهر وأين له فهر

فيا غيرة الإسلام هبي لمعضل *** به الملة البيضاء أدمعها حمر

أتغدوا مقاصير النبي حواسراً *** وآكلة الأكباد يحجبها قصر

وله في رثاء مسلم بن عقيل علیه السلام :

لو لم يكن لك من ضباك قوادم *** ما حلقت للعز فيك عزائم

العز عذب مطعماً لكنه *** حفت جناه لها ذم وصوارم

يبني الفتى بالذل دار معيشة *** والذل للمجد المؤثل هادم

من لم يعود بالحفاظ وبالأبا *** لسعت حجاه من الصغار أراقم

ان شئت عزاً خذ بمنهج مسلم *** من قد نمته للمكارم هاشم

شهم ابى إلا الحفائظ شيمة *** فنحى العلا والمكرمات سلالم

ص: 125

أو هل يطيق الذل من وشجت علا *** منه بأعياص الفخار جراثم

فمضى بماضي عزمه مستقبلاً *** أمراً به ينبو الحسام الصارم

بطل تورث من بني عمرو العلا *** حزماً يذل له الكمى الحازم

للدين أرخص أي نفس مالها *** في سوق سامية المفاخر سائم

لقد اصطفاه السبط عنه نائباً *** وحسام حق للشقا هو حاسم

مذ قال لما أرسلت جند الشقا *** كتباً لها قلم الضلالة راقم

أرسلت أكبر أهل بيتي فيكم *** حكماً وفي فصل القضا وهو حاكم

فاتى ليثبت سنة الهادي على *** علن وتمحي في هداه مظالم

أبدت له عصب الضلالة حبها *** والكل للشحنا عليه كاتم

قد بايعته ومذ أتى شيطانها *** خفت اليه وجمعها متزاحم

فانصاع مسلم في الأزقة مفرداً *** متلدداً لم يتبعه مسالم

قد بات ليلته باشراك الردى *** وعليه حام من المنية حائم

وتنظمت بنظام حقد كامن *** للقاه ينظمها الشقا المتقادم

فأطل معتصماً بأبيض صارم *** من فتكه لعداه عز العاصم

قد خاض بحر الموت في حملاته *** وعبابه بصفاحهم متلاطم

فتخال مرهفة شهاباً ثاقباً *** للماردين أنقض منه راجم

وركام يمناه يصبب حاصباً *** ان كر منها جيشها المتراكم

ان أوسع الأعداء ضرباً حزمه *** ضاقت بخيل الدارعين حيازم

وتراه أطلاع الثنايا في الوغى *** تبكي العدى والثغر منه باسم

غيران للدين الحنيف مجاهداً *** زمراً بها أفق الهداية قائم

من عصبة لهم الحتوف مغانم *** بالعز والعيش الذميم مغارم

قد آمنته ولا أمان لغدرها *** فبدت له مما تجن علائم

سلبته لامة حربه ثم اغتدى *** متأمراً فيه ظلوم غاشم

أسرته ملتهب الفؤاد من الظما *** وله على الوجنات دمع ساجم

لم يبك من خوف على نفس له *** لكنه أبكاه ركب قادم

ص: 126

يبكي حسيناً ان يلاقى ما لقى *** من غدرهم فتباح منه محارم

فبعين باري الخلق يوقف ضارعاً *** وله ابن مبتدع المآثم شاتم

وينال من عليا قريش سادة *** البطحاء وهو لها طليق خادم

ويدير عينيه فلم ير مسعفاً *** يلقي اليه بسره ويكاتم

فرمته مكتوفاً من القصر الذي *** قامت على الطغيان منه قوائم

والهفتاه لمسلم يرمى من *** القصر المشوم وليس يحنو راحم

ويجر في الأسواق جهراً جسم من *** تنميه للشرف الصراح ضراغم

قد مثلت فيه وتعلم أنه *** بعلي أبيه للمماثل قائم

أوهى قوى سبط النبي مصابه *** وبه تقوت للضلال دعائم

شمخت انوف بني الطغام بقتله *** كبراً وأنف بني الهداية راغم

ظفر الردى نشبت بليث ملاحم *** لله ما أسدى القضاء الحاتم

فلتبكين عليه ظامية الضبا *** إذ كان ينهلها غداة يقاوم

يا نفس ذوبي من أسى لملمة *** غالت بها ليث العرين بهائم

قد هدّ مقتله الحسين فأسبل *** العبرات وهو لدى الملمة كاظم

ص: 127

السيد علي آل سُليمان

المتوفى 1345

أبكيت جبريل عشياً فناح *** بالملأ الأعلى فعجّوا صياح

يا واحداً ليس له ناصر *** غير نساء ما عليها جناح

ينشد في القوم ألا مسلم *** فلم يجبه غير طعن الرماح

فيا لها من نكبة أعقبت *** في كبد المختار منها جراح

ووقعة دهياء قد طوحت *** عماد علياء قريش فطاح

واستأصلت أبناء عمرو العلا *** شيباً وشباناً بحد الصفاح

اللّه كم لله من حرمة *** بالطف قسراً أصبحت تستباح

وكم حريم لنبي الهدى *** أصبح في أمر ابن سعد مباح

وكم له من نسوة قد غدت *** للشام تسبى فوق عجف رزاح

لها على السبط علت صرخة *** أضحت بها شجواً تغصّ البطاح

قد خلفته في الثرى عارياً *** يستره في الترب سافي الرياح

يشرق في فيص دماه وما *** بلّت حشاه بالزلال القراح

وحوله من آله فتية *** قد عانقوا البيض بليل الكفاح

كلُ شبيه البدر في وجهه *** يجلى سنا البدر إذا البدر لاح

السيد علي آل السيد سليمان هو ابن السيد داود ابن السيد مهدي ابن السيد داود ابن السيد سليمان الكبير. وهو أصغر من اخيه السيد عبد المطلب المترجم له في الجزء السابق من هذه الموسوعة.

كانت وفاته بعد أخيه عبد المطلب حوالي سنة 1345 ه. ولم يكن مكثراً من النظم بل كان الشعر يجري عفواً على لسانه كذا قال الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ).

ص: 128

الشيخ جعفر الهر

المتوفى 1347

قال يرثي علي بن الحسين الأكبر شهيد الطف :

بقلبي أوقدت ذات الوقود *** رزايا الطف لا ذات النهود

شبابٌ بالطفوف قضى شهيداً *** يشيب لرزئه رأس الوليد

شبيه محمد خَلقاً وخُلقاً *** وفي نطق وفي لفتات جيد

وفي وجه يفوق البدر نوراً *** وفي سيمائه أثر السجود

ومنها :

شباب ما رأى عرساً ولكن *** تخضب كفه بدم الوريد

ولم أنسَ النساء غداة فرّت *** إلى نعش الشهيد ابن الشهيد

فقل ببنات نعش قد أقامت *** مناح جوى على بدر السعود

تقبّل هذه وتشم هذي *** خضيب الكف أو ورد الخدود

وزينب قابلت ليلى وقالت *** أعيدي يا ليلى أعيدي

فهنّ على البكا متساعدات *** ألا فاعجب لذي ثكل سعيد

الشيخ جعفر ابن الشيخ صادق بن أحمد الحائري الشهير بالهر ، أحد أعلام كربلاء وأفاضلها. ولد سنة 1267 وتوفي سنة 1347 بكربلاء ودفن بها

ص: 129

في الرواق الشريف الحسيني قريباً من قبر صاحب الرياض وعمره ثمانون سنة ، درس على الشيخ زين العابدين المازندراني ولما نال الحظوة الكافية من العلم انفرد بالتدريس وتخرج على يده جماعة. قال صاحب ( الطليعة ) كان فاضلاً مشاركاً في العلوم أديباً شاعراً هو اليوم مدرس بكربلاء وإمام جماعة تقام به الصلاة في حرم العباس علیه السلام ومن شعره :

زارني والليل قد أرخى الستارا *** بدر تمٍّ غادر الليل نهارا

فارسي ليس يدري ذمماً *** لا ولا يرعى عهوداً وذمارا

فإذا حاولت منه قبلة *** هزّ لي الجيد دلالاً ونفارا

وإذا ما قلت صلني قال لي *** قد عددنا صلة الاعراب عارا

يوسفيُّ الحسن لما أن بدا *** قطع الأيدي يميناً ويسارا

وقوله مشطراً البيتين المنسوبين إلى قيس العامري :

أمرّ على الديار ديار ليلى *** ونار الشوق تستعر استعارا

أشمّ ترابها طوراً وطوراً *** اقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبّ الديار شغفن قلبي *** ولا أضرمن في جنبيّ نارا

ولا ربع الغوير وساكنيه *** ولكن حب من سكن الديارا

وجاء في ( مجالي اللطف بأرض الطف ) للشيخ السماوي عندما ذكر الشيخ كاظم الهر ثم عطف على أخيه الشيخ جعفر قائلاً :

وكأخيه جعفر بدر التقى *** وهضبة العلم التي لا ترتقى

عاش حميداً ومضى سعيدا *** وازداد فضلاً إذ رثى الشهيدا

فاخر في رثا الشهيد فخرا *** فأرخوا جعفر أعلى فخرا

وديوانه المخطوط طافح بألوان من الشعر.

ص: 130

الشيخ محمد النمر العوامي

المتوفى 1348

هاشم يوم الطف ثارٌ مضيّع *** وفي أرضه للمجد جسم موزع

هجعتِ فلا ثار طلبتيه هاشم *** ونمتِ فلا مجد لكِ اليوم يرفع

حتى يقول في وصف سبايا الحسين علیه السلام :

وعاطشة ودّت بأن دموعها *** تبلّ بها حرّ الغليل وتنقع

ومدهشة بالخطب حتى عن البكا *** أذيب به منها فؤاد موزع

ومزعجة من هجمة الخيل خدرها *** تضمّ الحشا بالراحتين وتجمع

وباكية تخفي المخافة صوتها *** ويظهره منه الشجاء فتفزع

وموحشة باتت على فقد قومها *** تنوح كما ناح الحمام وتسجع

وعاتبة لم تستجب بسوى الصدى *** يعيد لها منه الجواب ويرجع

تصبّ الحشا في العتب ناراً تحوّلت *** من الغيض لفظاً في المسامع يقرع

أيرضيكم أنّا نُساق حواسراً *** ولا علم منكم يرفّ ويرفع

الشيخ محمد بن ناصر بن علي ، علامة في علمي الفقه والاصول مضافاً إلى تبحّره في الطب والحكمة الالهية ، ولد سنة 1277 ه. وتوفي في 9 شوال سنة 1348 ه. تلقى دروسه النحوية والصرفية والمنطقية والبيانية على الحجة الشيخ

ص: 131

ابن الشيخ صالح آل طعان القطيفي البحراني ، وعلى العلامة الشيخ علي مؤلف ( أنوار البدرين ) ثم هاجر إلى النجف فحضر دروس العلماء الاعلام أمثال الشيخ محمود ذهب والملا هادي الطهراني فأكمل دراسة الاصول والكلام والعلوم الرياضية كما درس علم الطب عند الميرزا باقر ابن الميرزا خليل وقرأ الهندسة على الشيخ اغا رضا الأصفهاني وعند عودته لوطنه فتح مدرسة دينية تخرّج منها العشرات من أرباب الفضل ونظم الكثير من أبواب الفقه والعقائد بأراجيز لم تزل تحفظ كمنظومته في علم التصريف وفي الرضاع والدر النظيم في معرفة الحادث والقديم وله تعليقة على الاشارات لابن سينا والتعليقات الكافية على القوانين والكفاية لذلك كان صدى نعيه له رنة أسى وأسف وأبّنه الكثير بالمنثور والمنظوم ولم يزل قبره مزاراً في مقبرة العوامية. كتب له ترجمة مفصلة صديقنا الشيخ سعيد آل أبي المكارم في ( اعلام العوامية في القطيف ) وذكر عدة قصائد من مراثيه للامام الحسين علیه السلام ومنها قصيدته الشهيرة وأولها :

قوّموا السمر هاشم والكعابا *** وامتطوا للنزال جرداً صعابا

ص: 132

الشيخ حسن آل عيثان

المتوفى 1348

تذكرت المعاهد والربوعا *** ففارقت المسرة والهجوعا

منازل أقفرت من ساكنيها *** فيما ترجو لساكنها رجوعا

وقفتُ بها فما وقفت دموعي *** أُسائلها كأن بها سميعا

وماذا تنكر العرصات مني *** وقد أرويتُ ساحتها دموعا

سقى اللّه الديار مُلثّ وبلٍ *** سحابا مغدقاً خضلا هموعا

وما برحت بروق المزن تهدي *** إلى الأطلال بارقة لموعا

وركب من سرات بني علي *** عن الأوطان قد رحلوا جميعاً

يؤمهم فتى العليا حسينٌ *** قد اتخذ الحسامَ له ضجيعا

وأسمر ناصر مهج الأعادي *** بعين تنفث السمّ النقيعا

بدورٌ أشرقت والنقع ليل *** وقد جعلوا القلوب لهم دروعا

تخالهم على الجرد العوادي *** كواكب حلّت الفلك الرفيعا

متى انقضّت لرجم بني زياد *** تكاد تطيرُ أنفسهم نزوعا

ومما أثكل الدنيا وأجرى *** مدامعها دماً قانٍ نجيعا

تساهمهم سجال الحرب حتى *** تهاووا في ثرى الرمضا وقوعا

هوى بهويّه عمدُ المعالي *** وحبلُ الدين قد أمسى قطيعا

دعاهُ مليكه الجوار قدس *** وجنات فلبّاه مطيعا

ولما أنشبت فيه المنايا *** مخالبها وقد ساءت صنيعا

أراشَ له القضا سهاماً فأدمى *** فؤاد الدين بل حطم الضلوعا

ص: 133

وربّ مروعة برزت ولما *** تجد غير السياط لها منيعا

وتهتف بالسرات بني نزار *** فما وجدت لدعوتها سميعا

عناها ما تُعاين من أيامى *** وأيتام كسرب قطاً أريعا

الشيخ حسن ابن الشيخ عبد اللّه ابن الشيخ علي بن أحمد آل عيثان الاحسائي القاري ، هو شقيق آية اللّه المقدس الشيخ محمد آل عيثان. ترجم له الشاب المعاصر السيد هاشم الشخص في مخطوطه ( نفائس الأثر في تراجم علماء وأدباء هجر ) قال : أديب بارع وخطيب من خطباء المنبر الحسيني ، ولد في قرية ( القارة ) من الإحساء عام 1276 ه. ونشأ بها وزاول طلب العلم الديني ودرس على ابن عمه الحجة الكبير الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ علي آل عيثان المتوفى حدود 1340 ه. فقد كانت أكثر دراسته عليه حتى اشتهر بالفضل كما اشتهر بالخطابة الحسينية وتشهد له منابر الاحساء والبحرين وغيرها. توفي قدس سره في الاحساء عام 1348 ه. وقد بلغ من العمر 72 عاماً ، هكذا ذكر ولده الخطيب الحاج ملا عبد الحسين آل عيثان ويقال له شعر كثير وتخميس ومن شعره القصيدة الحسينية المذكورة في صدر الترجمة ..

ص: 134

الشيخ مرتضى كاشف الغطاء

المتوفى 1349

قال من قصيدة حسينية :

سل الدار عن سكانها أين حلت *** وأين بها أيدي المطايا استقلت

نزحت ركي العين في عرصاتها *** فعزّ اصطباري والمدامع ذلّت

وقفت بها أستنقذ الركب مهجة *** تولّت مع الاضعان يوم تولّت

ومنها :

بيوم به البيض البوارق والقنا *** تثلّم في الهامات حتى اضمحلت

تجاول فيه الخيل حتى لو أنها *** مفاصلها كانت حديداً لكلّت

اسرة آل كاشف الغطاء تفيض علماً وأدباً وتزخر فضلاً وكمالاً والعالم الكبير الشيخ مرتضى ابن الشيخ عباس ابن الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء هو أحد أعلامها المبرزين. ولد عام 1281 ه. في النجف الأشرف ونشأ بها ومنذ نعومة أظفاره تعشق العلم والكمال ودرس على أساتذة عصره وأخذ الحكمة والفلسفة عن الشيخ أحمد الشيرازي المدرّس في مدرسة ( القوام ) وحضر في الفقه والاصول على الشيخ اغا رضا الهمداني والملا كاظم الخراساني والسيد كاظم اليزدي ثم استقل بالتدريس وصلاة الجماعة. من

ص: 135

مؤلفاته ( فوز العباد في المبدأ والمعاد ) طالعته واستفدت منه ، وله منظومة في أحكام الزكاة نشرت في آخر العروة الوثقى طبع بغداد ، ورسالة في ردّ الوهبانية وغيرها من الكتب النافعة. ترجم له الشيخ الطهراني في ( نقباء البشر ) وأطراه بما هو أهله وعدد مؤلفاته وأذكر أني طالعت في فترات رسالته المطبوعة التي يرجع اليها بعض مقلديه ولكنه كان في عصر اشتهر الكثير من اسرته بالمرجعية للأمة أمثال الشيخ أحمد والشيخ محمد حسين والشيخ هادي والشيخ عباس وهم من الأساطين. أما شعره فهو من النمط العالي ولكنه كان يكتمه لأن الشعر بالعلماء يزري ، قال في قصيدة أرسلها إلى ابن عمه الشيخ هادي آل كاشف الغطاء من قضاء الهندية سنة 1310 ه. يوم 28 ربيع الثاني :

سفرت فقلت الشمس في وجناتها *** ورنت فقلت السهم في لحظاتها

هيفاء ان خطرت بلدن قوامها *** واخجلة الأغصان من قاماتها

عطفت وما علم العذول بأنها *** غصن وان العطف من عاداتها

قد قلت للورق على بان النقا *** إذ رددت بغنائها نغماتها

غني بمن طرق الهداية إن عفت *** أضحى لها الهادي إلى طرقاتها

عالم له شهد العدو بأنه *** لو يملك الدنيا استغلّ هباتها

الطارد الليث الصؤول بطرفه *** والناهب الأشبال من لبواتها

وله منظومة جارى بها ملحمة الشيخ كاظم الأزري وكلها في مدح أهل البيت علیهم السلام وله في الإمام الحسين رائعة مطلعها :

خلّ ناراً نشب بين ضلوعي *** تطفها مقلتي بفيض دموعي

ص: 136

الشيخ ناجي خميِّس

المتوفى 1349

أبى العزم أن يلوى على اللوم حازم *** فحسبك وهناً أن يصدك لائم

إذا النفس لم تأخذ من العقل زينة *** حكتها بشوهاء الخصال البهائم

ومن لم يحارب نفسه طال حربه *** وليس له بين الأنام مسالم

وان هو لم يكظم على النفس غيظها *** شفت غيضها منه العدوى وهو كاظم

ومن لم يدار الناس كبراً فإنه *** يداريهم من خيفة وهو راغم

أبى اللّه أن ترسو قواعد دينه *** إذا لم يقم من آل أحمد قائم

فيا بن الألى لولا بروق سيوفهم *** لما ضاء من ليل الضلالة فاحم

ولو لم تقوّم للنزال صعادها *** لما قام للدين الحنيف قوائم

أصبراً وقد مدت على الدين ضلة *** فلا أفق إلا وهو في الظلم قاتم

أصبراً ودين اللّه ثلت عروشه *** وهدّت على الأرزاء منه الدعائم

لقد جنّ هذا الدهر ليلاً فحقّ أن *** تشق عمود الصبح منه الصوارم

يباح من الإسلام كل محرم *** وتهتك قسراً من بنيه المحارم

متى تطلع الأيام منك ابن نجدةٍ *** تعاف له أغيالهن الضراغم

وتبرز من أقمار هاشم طلعة *** تطير شعاعاً في سناها الغمائم

حنانيك يا بن المصطفى أي بقعة *** تبيتُ بها خلواً وعيشك ناعم

ص: 137

وهل بقعة ما أسهرتكم طغاتها *** فأنت بها يا غيرة اللّه نائم

فيوم حسين ليس يحصيه ناثر *** ولم يستطع تعداد بلواه ناظم

يلاقي العدا ثلج الفؤاد وللوغى *** على الشوس نار أوقدتها الصوارم

يذب بسيف اللّه عن دين جده *** وعن عزّ خدر فيه تحيي الفواطم

تجاذبك الأسياف نفساً كريمة *** وتسمعك الشكوى نساء كرائم

فللّه يوم قمت فيه مصابراً *** لما جزعت في اللّه منه العوالم

بحيث القنا باتت عليك حوانيا *** وتبكيك لكن من دماك الصوارم

إلى أن قضيت النحب صبراً وما انقضت *** من الملأ الأعلى عليك المآتم

توزع منك البيض جسم محمد *** وتجري دم الكرار منك اللّهاذم

وتمسى لدى الهيجا توسدك الثرى *** رغاماً به أنف الحمية راغم

وترفع منك السمر رأسك وللظبا *** عليك كما شاء الاباء علائم

وأعظم شيء مضّ في الدين وقعه *** وما دهيت في مثله قط هاشم

صفايا رسول اللّه بين امية *** برغم الهدى اصبحن وهي غنائم

سوافر بعد الخدر اضحت ثواكلا *** لها فوق اكوار البياق مآتم

فواقد عزٍّ بالمعاصم تتقي *** عن الضرب إذ لم يبق في القوم عاصم

هواتف من شمّ الانوف بعصبة *** ثوت حيث أولتها الهتاف الملاحم

إذا نظرت منهم على الرغم أرؤساً *** تميس بهن الذابلات اللّهاذم

تطير قلوباً نحوهن كأنها *** حمام على ميد الغصون حوائم

فتوسعهم عتباً وتندبهم شجى *** تضيق به أضلاعهم والحيازم

أيرضى لكم عز الكرام بأن يرى *** على ذلل الأجمال منكم كرائم

يعزّ على الزهراء فاطم أن ترى *** تهان بمرأى الناظرين الفواطم

ص: 138

الشيخ ناجي بن حمادي بن خميّس ( بالتصغير والتشديد ) الحلي من ادباء عصره. ولد في الحلة عم 1311 ه. ونشأ بها منفرداً عن اسرته التي تمتهن المهن الحرة ، ففي أول شبابه لازم الخطيب الشيخ محمد شهيب الحلي في التدرج على منابر الخطابة وحصل له من يعتني بتربيته فدرس النحو والصرف وعلمي المنطق والبلاغة ، وعندما تجاوز العشرين هاجر إلى النجف للتحصيل فدرس الفقه والاصول والكلام على المرحوم الشيخ كاظم الشيرازي واختلف على حلقتي الميرزا حسين النائيني والسيد أبو الحسن الأصفهاني زمناً طويلاً أنتج خلاله تقريراتهما وتدوين آرائهما في الفقه والاصول باسلوب محكم رصين فكان مرموقاً بين أقرانه. يقول الباحث المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري : حضرت عنده كتاب ( معالم الاصول ) مع جماعة من المتعلمين فكان مثال المعلم اليقظ وكان رقيق الروح مرح النفس حلو الحديث دمث الأخلاق وديع الشخصية ولكنه خشن تجاه كرامته وعقيدته لا تأخذه في اللّه لومة لائم كانت وفاته بالحلة 15 ذي القعدة عام 1349 ه. وحمل جثمانه إلى النجف فدفن في الصحن الحيدري الى جنب مرقد السيد عدنان الغريفي في الحجرة التي تلاصق باب الفرج من أبواب الصحن الشريف ولا يفوتنا ان شطراً من توجيه هذا الأديب كان بسبب أخيه العلامة الشيخ عبد المجيد الحلي ، ترجم له الشيخ اليعقوبي في البابليات والخاقاني في شعراء الحلة وذكرا نماذج من نظمه وادبه.

ص: 139

شوقي امير الشعراء

المتوفى 1351

وأنتَ إذا ما ذكرت الحسين *** تصاممتُ لا جاهلا موضعه

أحبّ الحسين ولكنني *** لساني عليه وقلبي معه

حبست لساني عن مدحه *** حذار أمية أن تقطعه

أمير الشعراء وشاعر الامراء أحمد شوقي بن علي بن أحمد شوقي ، مولده ووفاته بالقاهرة نشأ في ظل البيت المالك بمصر ودرس في بعض المدارس الحكومية وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق ، وأرسله الخديوي توفيق سنة 1887 م. إلى فرنسا فتابع دراسة الحقوق واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891 م. فعيّن رئيساً للقلم الافرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896 م. لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجنيف ولما نشبت الحرب العالمية الاولى ، ونُحي عباس حلمي عن ( خديوية ) مصر أوعز إلى صاحب الترجمة باختيار مقام غير مصر ، فسافر إلى إسبانيا سنة 1915 م. وعاد بعد الحرب فجعل من أعضاء مجلس الشيوخ إلى أن توفي عالج أكثر فنون الشعر : مديحاً وغزلاً ورثاءً ووصفاً ثم عالج الأحداث السياسية والاجتماعية في مصر والشرق والعالم الإسلامي فجرى شعره مجرى المثل. كتب عن شعره وشخصيته كثير من أرباب القلم منهم أمير البيان شكيب أرسلان والعقاد والمازني والنشاشيبي وعمر فروخ وغيرهم كثير وكثير. وهذه

ص: 140

( الشوقيات ) تعطينا أوضح الصور عن شاعريته فهو صاحب نهج البردة التي مطلعها :

ريم على القاع بين البان والعلم *** أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

وصاحب الهمزية النبوية التي مطلعها :

ولد الهدي فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم وثناء

وصاحب ذكري المولد التي مطلعها :

سلوا قلبي غداة سلا وتابا *** لعل على الجمال له عتابا

وهو الذي يقول في مطلع احدى روائعه :

رمضان ولّى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تهفو إلى مشتاق

وله :

حفّ كأسها الحبب *** فهي فضة ذهب

وهو القائل في مطلع قصيدة تكريم :

قم للمعلم وفّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا

فنراه محلّقاً بكل ألوان الشعر وضروبه وهو مسلم مقتنع بالإسلام ومتأثر به تأثراً كلياً هتف بأعلى صوته وردد أنغامه وحرك الأحاسيس وأثار الشعور وملك العواطف وهاك قطع ينقد بها المجتمع :

رأيت قومي يذم بعض *** بعضاً إذا غابت الوجوه

وان تلاقوا ففي تصاف *** كأن هذا لذا أخوه

كريمهم لا يسدّ سمعاً *** ووغدهم لا يسدّ فوه

وكلهم عاقل حكيم *** وغيره الجاهل السفيه

وذا ابن من مات عن كثير *** وذا ابن مَن قد سما أبوه

وذا بإسلامه مدلٌ *** وذا بعصيانه يتيه

ص: 141

وكلهم قائم بمبدأ *** ومبدأ الكل ضيّعوه

فمذ بدا لي أن قد تساوى *** في ذلك الغرّ والنبيه

وليس من بينهم نزبه *** ولا أنا الواحد النزيه

جعلت هذا مرآة هذا *** أنظر فيه ولا أفوه

وشوقي - كما قال مترجموه - عاش في نعمة وترف وسعة في الحال والمال لما كان يغدق عليه الامراء والأثريا فجاء شاعر من شعراء لبنان وهو الشيخ نجيب مروة يقول :

ولو أني جلست مكان شوقي *** لفاض الشعر من تحتي وفوقي

وهي أُمنية شاعر والتمني رأس مال المفلس.

وشوقي يجلّ أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وأي مسلم لا يحبهم وهل تقبل الأعمال بغير حبهم ومودتهم التي هي فريضة من اللّه ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) فتراه في ثنايا أشعاره يتفجع لما أصابهم ويتفجر ألماً لرزاياهم فتراه في منظومته الرائعة ( دول العرب وعظماء الإسلام ) يقول :

هذا الحسين دمه بكربلا *** روّى الثرى لما جرى على ظما

واستشهد الأقمار أهل بيته *** يهوون في الترب فرادى وثُنا

ابن زياد ويزيدُ بغيا *** واللّه والأيام حربُ مَن بغى

لولا يزيد بادئاً ما شربت *** مروانُ بالكاس التي بها سقى

ويقول في رواية ( مجنون ليلى ) : كان الحسين بن علي كعبة القلوب والأبصار في جزيرة العرب بعد أن قتل أبوه علي ومات أخوه الحسن. وكذلك ظل الحسين قائماً في نفوس الناس هناك صورة مقدسة لبداوة الإسلام تستمد أنضر ألوانها من صلته القريبة بجده رسول اللّه وبنوّته لرجل كان أشدّ الناس زهداً واستصغاراً لدنياه ، وكذلك ظهرت بلاد العرب وقلبها يخفق بإسم الحسين.

ص: 142

ويقول أيضاً في مسرحيته ( مجنون ليلى ) :

حنانيك قيسُ إلى مَ الذهول *** أفق ساعة من غواشي الخبَل

صهيلُ البغال وصوتُ الحداء *** ورنة ركب وراء الجبل

وحاد يسوق ركاب الحسين *** يهزّ الجبال إذا ما ارتجل

فقم قيسُ واضرع مع الضارعين *** وأنزل بجنب الحسين الأمل

ويطيب له أن يربط الحوادث بيوم الحسين الذي لا يغيب عن خاطره فتراه في رثاء الزعيم مصطفى كامل باشا مؤسس الحزب الوطني والمتوفى سنة 1908 م. يقول :

المشرقان عليك ينتحبان *** قاصيهما في مأتم والداني

ومنها :

يُزجون نعشك في السناء وفي السنا *** فكأنما في نعشك القمران

وكأنه نعش الحسين بكربلا *** يختال بين بكىً وبين حنان

ويقول في اخرى عنوانها ( الحرية الحمراء ) :

في مهرجان الحق أو يوم الدم *** مهج من الشهداء لم تتكلم

يبدو عليها نور نور دماتها *** كدم الحسين على هلال محرم

يوم الجهاد بها كصدر نهاره *** متمايلُ الأعطاف مبتسمُ الفم

وهناك عبارات لا يطلقها إلا المتشيع لأهل البيت تجري على لسانه وقلمه كقوله : رضيع الحسين علیه السلام ، فان كلمة علیه السلام من متداولات شيعة أهل البيت وقوله :

ما الذي نفرّ عني الضبيات العامرية *** ألأني أنا شيعيٌ وليلى أموية

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيّه

وعندما يخاطب الرسول الأعظم يطيب له أن يقول :

ابا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

وعندما يمرّ بالخلفاء الراشدين ويأتي الدور للامام علي يقول :

العمران يرويان عنه *** والحسنان نسختان منه

ص: 143

الشيخ محمد حسين الحُلّي

المتوفى 1352

خليلي هل من وقفة لكما معي *** على جدث أسقيه صيّب أدمعي

ليروى الثرى منه بفيض مدامعي *** لأن الحيا الوكاف لم يك مقنعي

لأن الحيا يهمي ويقلع تارة *** وإني لعظم الخطب ما جفّ مدمعي

خليليّ هبّا فالرقاد محرم *** على كل ذي قلب من الوجد موجع

هلُما معي نعقر هناك قلوبنا *** إذا الحزن أبقاها ولم تتقطع

هلما نقم بالغاضرية مأتما *** لخير كريم بالسيوف موزع

فتىً أدركت فيه علوج امية *** مراماً فألقته ببيداء بلقع

وكيف يسام الضيم مَن جده ارتقى *** إلى العرش حتى حل أشرف موضع

فتى حلّقت فيه قوادم عزه *** لاعلى ذرى المجد الأثيل وأرفع

ولما دعته للكفاح أجابها *** بأبيض مشحوذ وأسمر مشرع

وآساد حرب غابها أجم القنا *** وكل كميٍ رابط الجأش أروع

يصول بماضي الحدّ غير مكهّمٍ *** وفي غير درع الصبر لم يتدرع

إذا ألقح الهيجاء حتفاً برمحه *** فماضي الشبا منه يقول لها ضعي

وإن أبطأت عنه النفوس إجابة *** فحدّ سنان الرمح قال لها اسرعي

إلى أن دعاهم ربهم للقائه *** فكانوا إلى لقياه أسرعَ مَن دُعي

وخروا لوجه اللّه تلقا وجوههم *** فمن سجّد فوق الصعيد وركع

وكم ذات خدر سجفتها حماتها *** بسمر قنا خطية وبلمّع

ص: 144

أماطت يد الأعداء عنها سجافها *** فاضحت بلا سجف لديها ممنّع

لقد نهبت كفّ المصاب فؤادها *** وأيدي عداها كل برد وبرقع

فلم تستطع عن ناظريها تستراً *** بغير أكفٍّ قاصرات وأذرع

وقد فزعت مذ راعها الخطب دهشة *** وأوهى القوى منها إلى خير مفزع

فلما رأته بالعراء مجدلاً *** عفيراً على البوغاء غير مشيّع

دنت منه والأحزان تمضغ قلبها *** وحتّت حنين الواله المتفجع

عليّ عزيز أن تموت على ظمأ *** وتشرب في كأس من الحتف مترع

تلاكُ بأشداق الرماح وتغتدي *** لواردة الأسياف أعذب مكرع

وفي آخرها :

بني غالب هبّوا لأخذ تراثكم *** فلم يُجدكم قرع لناب بأصبع

امثل حسين حجة اللّه في الورى *** ثلاث ليال بالعرا لم يشيّع

ومثل بنات الوحي تسرى بها العدى *** إلى الشام من دعي إلى دعي

الشيخ محمد حسين ابن الشيخ حمد الحلي وربما يعرف ب ( الجباوي ) احدى محلات الحلة ، عالم معروف يشهد عارفوه له بالفضل والتضلّع. ولد في الحلة سنة 1285 ه ودرس على جملة من أفاضلها منهم الشيخ محمدبن نظر علي وفي سنة 1303 غادر الحلة مهاجراً إلى النجف لاكمال الدراسة وأقام فيها أكثر من ثلاثين سنة فحضر عند الشيخ آية اللّه الشيخ حسن المامقاني والفاضل الشربياني ثم لازم العالم الشهير الشيخ علي رفيش فكان من أول أنصاره والملازمين له أثناء مرجعيته ثم بعد انكفاف بصره ، وفي خلال ذلك تخرّج على يده جملة من الطلاب الروحيين إلى أن كانت سنة 1337 ه. عاد إلى مسقط رأسه الحلة بطلب من وجهائها وأقام فيها مرجعاً دينياً محترم الجانب تستفيد الناس من

ص: 145

معارفه وكمالاته وفي آخر أيامه مرض ولازم الفراش حتى الوفاة ، ذكره الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) فقال : عالم مشهور في الفضل والكمال والمعرفة وله اليد الطولى في صناعتي النظم والنثر والنصيب الوافر في علمي الفصاحة والبلاغة. توفي في الحلة عام 1352 ه. ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في الصحن الشريف ورثاه جمع من العشراء منهم الشيخ ناجي خميّس.

كتب وألّف في الفقه والأصول وكتب رحلته إلى الحج ورسالة في التجويد والقراءات وجملة من تقريرات أستاذته العلماء الأعلام ولم ينشر له سوى ( الرحلة الحسينية ) وهي التي روى فيها رحلته مع جماعة من الفضلاء إلى زيارة الإمام الحسين علیه السلام سنة 1321 ه. ومنها يظهر ذوقه الأدبي ورقة طبعه وأريحيته ، طبعت هذه الرحلة بمطبعة ( الحبل المتين ) بالنجف سنة 1329 ه. وختمها بالقصيدة التي هي في صدر الترجمة.

ص: 146

الشيخ جواد البلاغي

المتوفى 1352

شعبان كم نعمت عين الهدى فيه *** لولا المحرم يأتي في دواهيه

وأشرق الدين من أنوار ثالثه *** لولا تغشاه عاشور بداجيه

وارتاح بالسبط قلب المصطفى فرحاً *** لو لم يرعه بذكر الطف ناعيه

رآه خير وليد يستجار به *** وخير مستشهد في الدين يحميه

قرت به عين خير الرسل ثم بكت *** فهل نهنيه فيه أو نعزيه

ان تبتهج فاطم في يوم مولده *** فليلة الطف أمست من بواكيه

أو ينتعش قلبها من نور طلعته *** فقد اديل بقاني الدمع جاريه

فقلبها لم تطل فيه مسرّته *** حتى تنازع تبريح الجوى فيه

بشرىً أبا حسن في يوم مولده *** ويوم أرعب قلب الموت ماضيه

ويوم دارت على حرب دوائره *** لولا القضاء وما أوحاه داعيه

ويوم أضرم جو الطف نار وغىً *** لو لم يخر صريعاً في محانيه

يا شمس أوج العلى ما خلت عن كثب *** تمسى وأنت عفير الجسم ثاويه

فيا لجسم على صدر النبي ربي *** توزعته المواضي من أعاديه

ويا لرأس جلال اللّه توجّه *** به ينوء من المياد عاليه

وصدر قدس حوى أسرار بارئه *** يكون للرجس شمرمن مراقيه

ص: 147

ومنحر كان للهادي مقبله *** أضحى يقبله شمر بماضيه

يا ثائراً للهدى والدين منتصراً *** هذي أُمية نالت ثارها فيه

أنى وشيخك ساقي الحوض حيدرة *** تقضي وأنت لهيف القلب ضاميه

ويا إماماً له الدين الحنيف لجا *** لوذاً فقمت فدتك النفس تفديه

أعظم بيومك هذا في مسرته *** ويوم عاشور فيما نالكم فيه

يا من به تفخر السبع العلى وله *** إمامة الحق من إحدى معاليه

أعظم بمثواك في وادي الطفوف علاً *** يا حبذا ذلك المثوى وواديه

له حنيني ومنه لوعتي وإلى *** مغناه شوقي واعلاق الهوى فيه

الشيخ جواد أو الشيخ محمد جواد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ طالب البلاغي النجفي ينتهي نسبه إلى ربيعة. مولده ووفاته في النجف ولد سنة 1285 ه. وتوفي سنة 1352 ه. ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شعبان في النجف الأشرف ودفن فيها في المقبرة المقابلة لباب المراد.

وآل البلاغي بيت علم وفضل وأدب ، كان المترجم له نابغة من نوابغ العصور وجهاده بقلمه ولسانه يذكر فيشكر ، له عشرات المؤلفات وكلها قيّمة ذات فائدة لا زالت تتلاقفها الأيدي ويعتز بها أهل العلم اذكره يحضر مجالس العلم فاذا اشتد الجدال حول مسألة من مسائل العلم كان يقول : عندي بيان أرجو أن تسمحوا لي باستماعه فإني مريض وإذا رفعت صوتي أخاف أن أقذف من صدري دماً.

كانت تأتيه المسائل من بلاد الغرب فيجيب عنها. وبين أيدينا من مؤلفاته : الرحلة المدرسية ، الهدى إلى دين المصطفى جزآن ، تفسير القرآن ، أنوار الهدى ، رسالة التوحيد والتثليث ، البلاغ المبين رسالة في الرد على الوهابية.

تعلم العبرية وأتقنها خطاً وقراءة ونطقاً حتى تمكن من المقارنة بين اصولها وبين المترجم إلى اللغة العربية فأظهر كثيراً من مواقع الاختلاف في الترجمة

ص: 148

التي قصد بها التضليل. كانت ترد عليه الرسائل والأسئلة باللغة الانجليزية فشرع يتعلمها لولا أن يفاجأه الأجل المحتوم. كان تحصيله ودراسته على أعلام عصره أمثال الملا كاظم الخراساني والشيخ اغا رضا الهمداني ومن تراثه الأدبي قصيدته التي عارض بها الرئيس ابن سينا في النفس.

نعُمت بأن جاءت بخلق المبدع *** ثم السعادة أن يقول لها ارجعي

خلقت لأنفع غاية يا ليتها *** تبعت سبيل الرشد نحو الأنفع

اللّه ( سواها وألهمها ) فهل *** تنحو السبيل إلى المحلّ الأرفع

ورائعته التي شارك بها في الحلبة الأدبية عن الحجة المهدي صاحب العصر والزمان التي أثبتها في كتابه الفقهي (1) وأثبتها السيد الأمين في ترجمته في الأعيان. ترجم له صاحب الحصون المنيعة والشيخ اغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر ) والشيخ السماوي في ( الطليعة ) وله مراسلات شعرية مع الشيخ توفيق البلاغي رحمه اللّه ورثاء للسيد محمد سعيد الحبوبي والكثير من شعره يخص أهل البيت ومنه نوحيته الشهيرة التي يرددها الخطباء في شهر المحرم ومطلعها :

يا تريب الخد في رمضا الطفوف *** ليتني دونك نهباً للسيوف

وله من الشعر في ميلاد الحجة المهدي المولود ليلة النصف من شعبان سنة 1256 ه. وأولها :

حي شعبان فهو شهر سعودي *** وعد وصلي فيه وليلة عيدي

ترجم له الزركلي في ( الاعلام ) وعدد بعض مؤلفاته وقال : وله مشاركة في حركة العراق الاستقلالية وثورة عام 1920 م ، انتهى. أقول وآل البلاغي من أقدم بيوت النجف وأعرقها في العلم والفضل والأدب ، أنجبت هذه الأسرة عدة من رجال العلم والدين وسبق أن ترجمنا في هذه الموسوعة للشيخ محمد علي البلاغي المتوفى سنة 1000 ه. ويقول الشيخ اغا بزرك الطهراني في نقباء البشر أن المترجم له ولد سنة 1282 كما أخبره صاحب الترجمة نفسه بمولده

ص: 149


1- وهو تعليقة على مباحث البيع من مكاسب الشيخ الانصاري.

وحيث أن الشيخ الطهراني من أخدانه واخوانه وكانت تجمعهما وحدة البلد في سامراء أولاً عند استاذهما المغفور له الميرزا محمد تقي الشيرازي ثم النجف ثانياً فقد ألّم بترجمته إلمامة كافية وافية كما كتب عنه الكثير من الباحثين ونشرت المجلات والصحف عن جهاده ومؤلفاته وأكبروا منتوجه العلمي ودفاعه عن الإسلام ومواقفه الصلبة بوجه المادية ودعاتها والطبيعيين وآرائهم.

وشيخنا البلاغي كان على جانب من عظيم من الخلق الاسلامي الصحيح فهو لا يماري ولا يداهن ولا تلين له قناة في سبيل الحق ، وكان مع علوّ نفسه متواضعاً يكره السمعة ويشنأ الرفعة ، وفي أغلب مؤلفاته يغفل اسمه الصريح فكانت الرسائل تأتيه باسم ( كاتب الهدى النجفي ) ومن العجيب أنه نشر جملة من الرسائل والمقالات باسم غيره ، ومؤلفاته تزيد على الثلاثين ، ترجم بعضها إلى الفارسية والانجليزية ، وقد ذكر الشيخ اغا بزرك في ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) أكثر هذه الكتب.

ولا زالت أندية النجف تتحدث عن قوة إيمانه وصلابة دينه وشدة ورعه ومنها موقفه في مجلس عقد في النجف ويقتصر على القادة أمثال الشيخ محمد جواد الجواهري والشيخ عبد الكريم الجزائري وفي مقدمتهم الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس سره كما حضر المرحوم السيد محمد علي بحر العلوم والشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي قدس اللّه أرواحهم وذلك حول الدخول في وظائف الدولة ونظام المدارس الرسمية فكان صوته المجلّي ينبعث عن قلب مكلوم مطالباً باصلاح المدارس والاشراف عليها والتركيز على الأخلاق قبل العلم. انطفأ ذلك المصباح ليلة الاثنين 22 شعبان سنة 1352 ه. وكان لنعيه أثر عظيم في العالم الإسلامي وعقدت له مجالس التأبين في البلاد الاسلامية وفي النجف خاصة في جامع الهندي وأنشدت القصائد الرنانة وقد دفن في احدى غرف الصحن الحيدري من الجهة الجنوبية وفي مقدمة القصائد قصيدة المرحوم السيد رضا الهندي وأولها :

إن تمس في ظلم اللحود موسدا *** فلقد أضأت بهن ( أنوار الهدى )

ص: 150

السيد حسن بحر العلوم

المتوفى 1355

شطر بيتين في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فقال :

( قل لمن والى علي المرتضى ) *** نلت في الخلد رفيع الدرجات

أيها المذنب إن لذت به *** ( لا تخافنّ عظيم السيئات )

( حبه الاكسير لو ذرّ على ) *** رمم حلّت بها روح الحياة

وإذا ما شملت ألطافه *** ( سيئات الخلق صارت حسنات )

ثم ذيلها برثاء الحسين علیه السلام ومدح الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) :

حبّه فرض على كل الورى *** وهو في الحشر أمان ونجاة

كل من والاه ينجو في غد *** من لظى النار وهول العقبات

فهو الغيث عطاءً وهبات *** وهو الليث وثوباً وثبات

وهو نور الشمس في رأد الضحى *** وهو نبراس الهدى في الظلمات

كم بوحي الذكر في تفضيله *** صدعت آيات فضل بيّنات

آية التصديق من آياته *** حين أعطى في الركوع الصدقات

فهو بالنص وصي المصطفى *** وأبو الغر الميامين الهداة

ثم يذكر مصاب الحسين (عليه السلام) بقوله :

لهف نفسي حينما استسقاهم *** جرعوه من أنابيب القناة

خرّ للموت على وجه الثرى *** عينه ترعى النساء الخفرات

ص: 151

ثم رضّوا حنقاً صدر الذي *** فيه أسرار الهدى منطويات

بأبي ملقى ثلاثاً بالعرى *** عارياً تسقي عليه الذاريات

ورضيع يتلظى عطشا *** قد رَمى منحره أشقى الرماة

لهف نفسي لربيبات الابا *** أصبحت بعد حماها ثاكلات

هجم القوم عليهن الخبا *** فغدت بين الأعادي حاسرات

السيد حسن ابن السيد ابراهيم بن الحسين بن الرضا ابن السيد مهدي الشهير ببحر العلوم أديب معروف وعالم جليل ولد في النجف عام 1282 ونشأ على والده المشهور بأدبه وفضله وعلمه وكماله ، ومن يشابه أبه فما ظلم ، لقد ورت أكثر سجايا أبيه من عزة وإباء وعفة وورع حضر على علماء النجف أمثال شيخ الشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ذلك إلى جنب براعته الأدبية وديوانه يعطينا صورة عن نبله وفضله وبراعته في التاريخ مشهود بها. ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر ألواناً من شعره من مديح ورثاء وتهان وتواريخ. توفي بالنجف 19 جمادى الاولى سنة 1355 ه. ودفن بمقبرة الاسرة وهو والد العلامة التقي الورع السيد محمد تقي بحر العلوم والعلامة الجليل البحاثة السيد محمد صادق بحر العلوم.

ص: 152

الحاج محمد الخليلي

المتوفى 1355

يا رب عوّضتَ الحسين *** بكربلا عما أصابه

إن الذي من تحت قبته *** دعاك له استجابه

يممت مرقده لما *** أيقنت باب اللّه بابه

صُبّت على قلبي الهموم *** وناظري أبدى انسكابه

وتمثّلت لي كربلا *** وحسين ما بين الصحابه

مثل الأضاحي في الثرى *** سلب العدى حتى ثيابه

مالي دعوتُ بها فلم *** أرَ منك يا رب الإجابه

والقلب مني لاهب *** هلا تسكّن لي التهابه

الحاج محمد ابن الحاج ميرزا حسين الخليلي ، عالم ورع وأديب شاعر ولد في النجف ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات على اساتذة مشهورين فنال حظوة كبيرة من العلم واتصل بحلقة الامام الخراساني مضافاً إلى دراسته عند والده العالم الجليل حتى حصل على إجازة اجتهاد من جملة من اعلام عصره واشتهر بالزهد والورع حتى خلف أباه في إمامة الصلاة بالناس واءتمّ به الأتقياء والأولياء والصلحاء ثم انصرف عن ذلك لأنه خاف الرياء والزهو وعكف على الطاعة في زوايا المساجد وحرم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وحفظ القرآن من كثرة

ص: 153

تلاوته له ، وإلى جنب ذلك فهو مرح إلى أبعد حدود المرح ولا يكاد جليسه يملّ مجلسه ألّف في الفقه كتاب الطهارة ، والخمس ، وغريب القرآن رتّبه على حروف المعجم وبناه على ثلاثة أعمدة : الأول اسماء السور ، الثاني الكلمات العربية ، الثالث التفسير المستقى من أشهر التفاسير.

نظم الشعر في صباه وتطرق إلى فنونه وأغراضه وأكثر من النظم في أهل البيت علیهم السلام فمن قوله في الإمام الحسين علیه السلام :

هل بعد ما طرد المشيب شبابي *** أصبو لذكر كواعب أتراب

وأروح مرتاحاً بأندية الهوى *** ثملاً كأبناء الهوى متصابي

وتئنّ نفسي للربوع وقد غدا *** بيت النبوة مقفر الأطناب

بيت لآل محمد في كربلا *** قد قام بين أباطح وروابي

وقال متوسلاً بالعباس بن علي علیهماالسلام :

أبا الفضل هل للفضل غيرك يرتجى *** وهل لذوي الحاجات غيرك ملتجى

قصدتك من أهلي وأهلي لك الفدا *** وهل يقصد المحتاج إلا ذوي الحجى

وقال يعاتب بعض أصدقائه في رسالة أرسلها إلى النجف :

لي بالغري أحبّةٌ *** ما أنصفوني بالمحبه

أخذوا الفؤاد وخلّفوا *** جثمانه في دار غربه

يا دهر ما أنصفتني *** كلفتني الأهوال صعبه

حملتني بُعد الديار *** وبُعد من أشتاق قربه

قسماً بأيام مضت *** في وصل مَن أهواه عذبه

لم يحلُ لي غير الغري *** وغير أندية الاحبه

أوّاه هل لي للحمى *** من بعد بُعد الدار أويه

لأقبّل الأعتاب من *** مولى الورى وأشمّ تربه

ص: 154

حرمٌ ملائكة السما *** لطوافها اتخذته كعبه

وبه نشاوى العارفون *** قد احتسوا كأس المحبه

وله مستنهضاً أبناء يعرب :

بني يعرب أنتم أقمتم بعزكم *** قواعد دين المصطفى أول الأمر

وشيدتم منه مبانيه بالضبا *** وسجفتموه بالمثقفة السمر

يهون عليكم ما اشدتم بناءه *** تهدده بالهدم رغما يد الكفر

وله راثيا ولده :

فمن مخبري عن نبعة قد غرستها *** بقلبي حتي اينعت جذها القضا

ومن مخبري عن فلذة من حشاشتي *** برغمي قد حزت وما لي سوي الرضا

اريحانه الروح التي ان شممتها *** وبي نزل الهم المبرح قوضا

ومصباح انسي ان علي تراكمت *** حطوب بعيني سودت سعة الفضا

رحلت وقد خلفت بين جوانحي *** لهيب جوي من دونه لهب الغضا

ورحت ولي قلب يقطعه الاسي *** وطرف علي اقذي من الشوك غمضا

تمثلك الذكرى كأنك حاظرٌ *** فانظر بدراً في الدياجر قد أضا

وقال من قصيدة :

شاقها الراح فجدّت في سراها *** أملا تبلغ بالسير مناها

قرّبت كل بعيد شاسع *** مذ غدت تذرع في البيد خطاها

قطعت قلب الفلا مذ واصلت *** بالسرى سهل الفيافي برباها

يعملات ما جرت في حلبة *** والصبا إلا الصبا ظلّ وراها

يا رعاها اللّه من سارية *** كم رعت في سيرها من قد علاها

ص: 155

ويتخلص إلى ركب الإمام الحسين علیه السلام :

سادة كادت مصابيح الدجى *** يهتدي فيها الذي في الغيّ تاها

وولاة الأمر في الخلق ومن *** فرض اللّه على الخلق ولاها

غدرت فيهم بنو حرب وهم *** أقرب الناس إلى المختار طاها

أخرجتهم عن مباني عزّهم *** وبيوت طهّر اللّه فِناها

بالفيافي شتت شملهم *** وعليهم ضيقت رحب فضاها

أنزلوهم كربلا حتى إذا *** نزلوها منعوهم عذب ماها

بينهم والماء حالت ظلمة *** من جموع عدّها لا يتناهى

توفي بالنجف ليلة الخميس 13 ذي الحجة سنة 1355 ه. ودفن بمقبرة والده رحمهما اللّه.

ص: 156

ملا علي الزاهر العوّامي

المتوفى 1355

قال يصف حالة الإمام الحسين (عليه السلام) عند فجيعته بأخيه العباس يوم عاشوراء :

أنست رزيتك الأطفال لهفتها *** بعد الرجاء بأن تأتي وترويها

أراك يا بن أبي في الترب مُنجدلاً *** عليك عين العلى تهمي أماقيها

هذا حسامك يشكو فقد حامله *** إذ كنت فيه الردى للقوم تسقيها

وذا جوادك ينعى في الخيام وقد *** أبكى بنات الهدى مَن ذا يسليها

شلّت يمين برت يمناك يا عضدي *** وذي يسارك شل اللّه باريها

نامت عيون بني سفيان وافتقدت *** طيب الكرى اعين كانت تراعيها (1)

الخطيب علي بن حسن بن محمد بن أحمد بن محسن الزاهر المتولد سنة 1298 ه. والمتوفى سنة 1355 ه. نائحة أهل البيت وداعيتهم وجاذب القلوب نحو واعيتهم فقد اشاد مؤسسة باسم ( الحسينية ) ولم تزل تعرف باسمه في ( العوامية ) نظم باللغتين : الفصحى والدارجة ومن قصائد قوله في مطلع حسينية نظمها من قلب قريح :

يا ليوث الحروب من آل طاها *** أسرجوا الخيل يا ليوث وغاها

وديوانه المخطوط يضم جملة من أشعاره ..

ص: 157


1- اعلام العوامية في القطيف.

الشيخ موسى العِصامي

اشارة

المتوفى 1355

قال في قصيدة حسينية :

أحاطت به وبست الجهات *** أحاط بها الخطر المرعبُ

فخيرها قبل حكم الضيا *** ونقط الاسنة ما استصوبوا

فإما يعود إلى يثرب *** ومن حيث جاء لها يطلب

واما الجبال وشعب الرمال *** وظهر الفيافي لها يركب

واما يسير لبعض الثغور *** يقيم بها مع من يصحب

فما رغبت منه في واحد *** ولو أنصفت لم تكن ترغب

رأت منه قلّة أنصاره *** فظنت بكثرتها ترعب

وسامته يخضع وهو الأبي *** وأنى يقاد لها المصعب

فناجزها الحرب في فتية *** لهم باللقا شهدت يعرب

بها ليل تحسب ان الردى *** إذا جدّ ما بينها ملعب

لها الموت يحلو خلال الصفوف *** وما مرّ من طعمه يعذب

سواء عليها الفنا والحياة *** إذا استرجع التاج والمنصب

لهم دون مركزهم موقف *** إلى الحشر ناديه يندب

أشادوا الهدى فوق تاج الأثير *** ومبنى الضلال به خرّبوا

ص: 158

فما حزب طالوت ذو البيعتين *** ولا أهل بدر وإن أنجبوا

ولا يوم احزابها يومهم *** واحدٍ وما بعدها يعقب

ولا الجاهلية ذات الحروب *** بحربهم حربها يحسب

بسبعين ألفاً خلال الوغى *** تجول وأمدادها تلعب

رسوا كالجبال وهم واحد *** وستين لكنهم ذرّب

أجالوا الوغى جولان الرحى *** وللحشر نيرانها تلهب

سل الشام عنها وأهل العراق *** فهل سلمت منه إذ تهرب

الشيخ موسى بن محسن بن علي بن حسين بن محمد بن علي بن حماد الشهير بالعصامي نسبة إلى بني عصام بطن من هوازن ، لامعاً في عصره خطيب وشاعر ، ولد في النجف الأشرف سنة 1305 ه. ونشأ بها يتعاهد تربيته أعمامه فدرس العربية والمنطق على أساتذة معروفين منهم السيد جواد القزويني كما درس البلاغة على العالم الجليل الشيخ يوسف الفقيه والشيخ عبد الرسول الحلبي والسيد حسين ابن السيد راضي القزويني.

ودرس الفقه والاصول على الشيخ عبد الكريم شرارة والشيخ صادق الحاج مسعود والشيخ المصلح الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ، وحضر عند الشيخ حسين الدشتي فأخذ عنه علم الحساب والهندسة والكلام والحكمة واشتهر بين أخدانه بالفضل وعرفه جمهور الناس من مواقفه الخطابية إذ كان خطيباً جماهيرياً ومرشداً مصلحاً يخطب ويكتب ويعظ ويرشد أينما حل ، ولكن مجتمعه مصاب بداء الأنانية وأمة كما قيل فيها : لا تعمل ولا تحب أن يعمل أحد ، لذاك ناوأه الكثير ووقفوا في طريق اصلاحه حتى ودع الحياة بكربلاء في آخر يوم من شهر رمضان عام 1355 ه. ونقل جثمانه للنجف حيث دفن رحمه اللّه.

ص: 159

آثاره العلمية :

1 - منظومة في الإمامة تناهز الثمانمائة بيتاً.

2 - البراءة والولاية ، بحث دقيق.

3 - تاريخ الثورة العراقية.

4 - الدعوة الحسينية وأثرها.

5 - الضالة المنشودة في الحياة.

6 - الهدى والاتحاد ، أهداه إلى أبطال الدستور في الاستانة بتوسط الصدر الأعظم طلعت باشا.

7 - الدراية في تصحيح الرواية.

8 - بحث في الحجاب ، وغيرها مما يزيد على العشرين مؤلفاً ، وديوانه الحافل بمختلف المواضيع وطرق سائر الأبواب ومن مراسلاته قصيدته التي أرسلها للشيخ خزعل خان أمير المحمرة ومطلعها :

لك الهنا ولي الأفراح والطرب *** مذ ساعفتني بك الأيام والأرب

فقل لساقي الطلى نحيّ الكؤوس وإن *** انيط عني في راحاتها التعب

هذا لماك وهذا ثغرك الشنب *** فما الحميا وما الأقداح والحبب

أعطاف قدك تصمي لا القنا السلب *** وسهم عينيك لا نبعٌ ولا غرب

ووجهك الصبح لكن فاته وضحاً *** وثغرك البرق لكن فاته الشنب

ويلاي لا منك يا ريم العذيب فمن *** عينيّ جاء لقلبي في الهوى العطب

وكلها بهذه القوة والمتانة والرقة والسلاسة ، ومن مشهور غرامياته قوله :

طاف بكاس المدام أغيد *** من فضة والسلاف عسجد

وزفّها في الدجى عروساً *** توجّها اللؤلؤ المنضد

تلهبت في يديه لكن *** بوجنتيه السنا توقد

ص: 160

صاليت نار الخليل فيه *** لكن على ريقه المبرّد

بدرٌ واقراطه الثريا *** والراح في راحتيه فرقد

شقّ لها في الدجى عموداً *** من وجنتيه استنار وامتد

فأسفر المشرقان افقاً *** بالنيرين : السلاف والخد

وانصدع الغيهبان جنح *** الظلام أو شعره المجعد

وهزّ من معطفيه لدنا *** صوّب حتفي به وصعّد

يانع غصن وقد تثنّى *** طائر قلبي عليه غرّد

مذ ريّش الهدب قلت قلبي *** دونك يا سهمه المسدد

أدمى فؤادي سلوه عما *** في راحتيه الخضاب يشهد

كيف تصبّرتَ يا فؤادي *** عن عذب ريق له تشهد

أمرد في تيهه يرينا *** بلقيس في صرحها الممرد

قال له الحُسن مذ تناهى *** أنت بجمع الملاح مفرد

ص: 161

السيد محمد حسين الكيشوان

المتوفى 1356

لأصبر أو تجري على عاداتها *** خيل تشنّ على العدى غاراتها

وتقودها شعث الرؤوس شوائلا *** قبّ البطون تضج في صهلاتها

وتثيرها شهباء تملأ جوّها *** نقعاً يحط الطير عن وكناتها

فإلامَ يقتدح العدو بزنده *** نار الهوان فتصطلى جذواتها

أو ما دريتِ بأن آل أمية *** ثارت لتدرك منكم ثاراتها

واتت كتائبها يضيق بها الفضا *** حشداً تسدّ الأفق في راياتها

جاءت ودون مرامها شوك القنا *** كيما تسود بجهلها ساداتها

عثرت بمدرجة الهوان فأقلعت *** نهضاً بعبء الحقد من عثراتها

فهناك أقبل والحفاظ بفتية *** ما خطّ وخط الشيب في وفراتها

بمدربين على الحروب إذا خبت *** للحرب نار أوقدوا جمراتها

وثبت بمزدلف الهياج كأنها *** الآساد في وثباتها وثباتها

هيجت بمخمصة الطوى ولطالما *** اتخذت أنابيب القنا أُجماتها

يوم به الأبطال تعثر بالقنا *** والموت منتصب بست جهاتها

برقت به بيض السيوف مواطراً *** بدم الكماة يفيض من هاماتها

فكأن فيه العاديات جآذر *** تختال من مرح على تلعاتها

وكأن فيه البارقات كواكب *** للرجم تهوي في دجى ظلماتها

وكأن فيه الذابلات أراقمٌ *** تنساب من ظمأ على هضباتها

وكأن فيه السابغات جداول *** أضحى يخوض الموت في غمراتها

ص: 162

غنّت لهم سود المنايا في الوغى *** وصليل بيض الهند من نغماتها

فتدافعت مشي النزيف إلى الردى *** حتى كأن الموت من نشواتها

وتطلعت بدجى القتام أهلّة *** لكن ظهور الخيل من هالاتها

تجري الطلاقة في بهاء وجوهها *** إن قطّبت فرقاً وجوه كماتها

نزلت بقارعة المنون بموقف *** يستوقف الأفلاك عن حركاتها

غرست به شجر الرماح وإنما *** قطفت نفوس الشوس من ثمراتها

حتى إذا نفذ القضاء وأقبلت *** زمر العدى تستنّ في عدواتها

نشرت ذوائب عزّها وتخايلت *** تطوي على حرّ الظما مهجاتها

وتفيأت ظلل القنا فكأنما *** شجر الأراك تفيأت عذباتها

وتعانقت هي والسيوف وبعدذا *** ملكت عناق الحور في جناتها

وتناهبت أشلاءها قِصد القنا *** ورؤوسها رفعت على أسلاتها

وانصاع حامية الشريعة ظامياً *** ما بلّ غلته بعذب فراتها

أضحى وقد جعلته آل أمية *** شبح السهام رميّةً لرماتها

حتى قضى عطشاً بمعترك الوغى *** والسمر تصدر منه في نهلاتها

وجرت خيول الشرك فوق ضلوعه *** عدواً تجول عليه في حلباتها

* * *

ومخدرات من عقائل أحمد *** هجمت عليها الخيل في أبياتها

من ثاكل حرّى الفؤاد مروعة *** أضحت تجاذبها العدى جبراتها

ويتيمةٍ فزعت لجسم كفيلها *** حسرى القناع تعجّ في أصواتها

أهوت على جسم الحسين وقلبها *** المصدوع كاد يذوب من حسراتها

وقعت عليه تشمّ موضع نحره *** وعيونها تنهلّ في عبراتها

ترتاع من ضرب السياط فتنثني *** تدعو سرايا قومها وحماتها

أين الحفاظ وفي الطفوف دماؤكم *** سفكت بسيف أمية وقناتها

أين الحفاظ وهذه أشلاؤكم *** بقيت ثلاثاً في هجير فلاتها

ص: 163

أين الحفاظ وهذه فتياتكم *** حملت على الأكوار بين عداتها

حملت برغم الدين وهي ثواكل *** حسرى تردد بالشجى عبراتها

فمن المعزي بعد أحمد فاطماً *** في قتل أبناها وسبي بناتها

السيد محمد حسين ابن السيد كاظم ابن السيد علي بن أحمد الموسوي القزويني الشهير بالكيشوان النجفي. ولد في النجف عام 1295 ه. مشهور بعلمه وتحقيقه ، ذو نظر صائب وفكر وقاد ، أديب له الصدارة في المجالس والمكانة السامية عند العلماء وأهل الدين ذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال : فاضل مشارك في العلوم سابق في المنثور والمنظوم له فكرة تخرق الحجب وهمة دونها الشهب ، وشعر يسيل رقة وخط يشبه العذار دقة ، إلى حسن أخلاق وطيب اعراق وحلو محاضرة مع الرفاق ، ونسك وتقى بعيد عن الرياء والنفاق ، وله شعر كثير بديع التركيب.

لا زلت أتمثله سيداً وقوراً مربوع القامة حسن الهندام بهي المنظر والعمة السوداء متناسبة مع وجهه ومنسجمة معه كل الانسجام رأيته عشرات المرات في عشرات من المجالس الحسينية وقد طلب منه أبي مقابلة نسخة ( مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار ) للجد الأكبر السيد عبداللّه شُبّر على نسخة المؤلف وبخطه ، فأجاب في حين لم تكن بينه وبين أبي صلة قوية أو لأبي عليه دالة تستوجب الاجابة لكنه لخلقه العالي وسجاحة أخلاقه تنازل لرغبته فكان يحضر كل يوم عصراً إلى دارنا وتكون بيده نسخة الأصل ومع الوالد نسخة أخرى فيقرأ أحدهما مرة ومرة فلم أسمع صوته ولا أقدر أن أُميّز نبراته ولكني أتصور كلامه ، لقد كان هادئ الطبع وديع النفس إلى أبعد ما تتصور. وقال لي أحد الأذكياء يوماً ونحن في محفل غاص بالمعممين في دار المرحوم الشيخ مرتضى الخوجه ، والسيد المترجم له في صدر المجلس : هل رأيت ذلك السيد ( وأشار عليه ) زجّ نفسه في كلام أو خاض في مسألة دون

ص: 164

أن يُسأل فيجيب بالرغم من أنه أعلم الموجودين والكل يعلم بذلك ، يقول البحاثة المعاصر علي الخاقاني عنه : لقد أفنى زمناً طويلاً في إحياء كثير من الكتب النادرة بخط جميل وضبط قوي وأتذكر أنه كتب تحرير المجسطي بدوائره وأشكاله فكانت مخطوطته من أروع المخطوطات ، وكتب الأصول الأربعمائة وكثيراً من مؤلفات الشيخ المفيد والصدوق وألّف وصنّف كثيراً منها : تحفة الخليل في العروض والقوافي ورسالة في علم الجبر ، منهج الراغبين في شرح تبصرة المتعلمين في جزئين ، منظومة في علم الحساب تقع في 221 بيتاً وغيرهما مما دوّنها مترجموه ، نشأت وأنا أسمع أساتذة المنبر الحسيني يروون شعره ويعطرون به المحافل ويرون شعره من الطراز العالي ورثاءه من النوع الممتاز على كثرة الراثين للحسين علیه السلام ، وحذراً من أن يقال أن الشاعر لا يحسن إلا الرثاء فاني أروي مقطوعة واحدة من غزله من ديوانه المخطوط الحافل بما لذّ وطاب من مسامرة الأحباب ، قال :

وغادة نادمتها *** في غلس الليل الدجى

غازلت منها مقلة *** ترنو بعيني أدعج

أحنى عليه الحسن *** خط حاجب مزجج

لم أدرِ إذ تكسر خف *** نيها لكسر المهج

أمن حياء أم نعا *** س فيهما أم غنج

لهوت فيها أجتلي *** روض محياً بهج

دبجه البهاء مث *** ل السندس المدبج

أرخت عليها صدغها *** منعطفاً ذا عوج

كأنه ورد علي *** ه قطعة من سبج

والحسن أذكى خدّها *** بجمره المؤجج

وعنبر الخال به *** يذكو بطيب الأرج

داعبتها وما على *** أهل الهوى من حرج

حتى اختلست رشفة *** من ريقها المثلّج

ص: 165

ثم عضضت خدّها *** عضة حران شجي

فماج حسناً فوق ما *** فيه من التموّج

ولاح مثل الذهب الم *** نقوش بالفيروزج

أو ثمر التفاح بي *** ن طاقتي بنفسج

وبعد ذا حنوت فو *** ق ردفها المندمج

أضمّه يرتجّ مث *** ل الزيبق المرجرج

حضنته وهو من الل *** ين يروح ويجي

عبلٌ به ضاق مجال *** حضني المنفرج

بلغت فيه لذة *** أربت على ما أرتجي

أما رسائله وأدبه النثري ونوادره وملحه فمنها يتألف مؤلف قائم بنفسه. توفي ليلة الأحد 28 ذي القعدة الحرام سنة 1356 ه. ودفن في الصحن العلوي في الجهة الغربية الشمالية رحمه اللّه رحمة واسعة وبقيت روائعه ترددها ألسنة الخطباء ومنها ما يعتز به مخطوطنا ( سوانح الأفكار في منتخب الاشعار ) الجزء الأول منه :

1 - رائعته الحسينية التي تتكون من 72 بيتاً وأولها :

هي الدار لاوردي بها ريّقٌ غمرُ *** ولا روض آمالي بها مورق نضرُ

2 - قصيدته في رثاء شهداء كربلاء وتتكون من 42 بيتاً وأولها :

لعلّ الحيا حيّا ببرقة ثهمد *** معاهد رسم المنزل المتأبد

3 - الثالثة في الزهراء علیهاالسلام وهي 57 بيتاً وأولها :

مالك لا العين تصوب أدمعا *** منك ولا القلب يذوب جزعا

وقال مشطراً أبيات عبد الباقي العمري لما جاء لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) :

وليلة حاولنا زيارة حيدر *** وقد رجّع الحادي بترديد أشعاري

ص: 166

وسامرت نجم الافق في غلس الدجى *** وبدر سماها مختف تحت أستار

بأدلاجنا ضلّ الطريق دليلنا *** وقد هوّمت للنوم أجفان سماري

تحريتُ أستهدي بأنوار فكرتي *** ومن ضلّ يستهدي بشعلة أنوار

ولما تجلّت قبة المرتضى لنا *** بأبهى سناً من قبّة الفلك الساري

قصدنا السنا منها ومذ لاح ضوؤها *** وجدنا الهدى منها على النور لا النار

4 - الرابعة في السبط الأكبر الإمام الحسن بن علي علیهماالسلام وتتكون من 58 بيتاً ، ويقول فيها :

أترى يسوغ على الظما لي مشرع *** وارى أنابيب القنا لا تشرع

ما آن أن تقتادها عربية *** لا يستميل بها الروى والمرتع

تعلو عليها فتية من هاشم *** بالصبر لا بالسابغات تدرّعوا

فلقد رمتنا النائبات فلم تدع *** قلباً تقيه أدرع أو أذرع

فإلى مَ لا الهندي مُنصلتٌ ولا *** الخطي في رهج العجاج مزعزع

ومتى نرى لك نُهضة من دونها *** الهامات تسجد للمنون وتركع

يا ابن الألى وشجت برايته العلى *** كرماً عروق أصولهم فتفرّعوا

جحدت وجودك عصبة فتتابعت *** فرقاً بها شمل الضلال مجمّع

جهلتكَ فانبعثت ورائد جهلها *** أضحى على سَفهٍ يبوع ويذرع

تاهت عن النهج القويم فظالع *** لا يستقيم وعاثر لا يُقلع

فأنِر بطلعتك الوجود فقد دجى *** والبدر عادته يغيب ويطلع

متطلّباً أوتاركم من أمة *** خفّوا لداعيةِ النفاق وأسرعوا

خانوا بعترة أحمد من بعده *** ظلماً وما حفظوهم ما استودعوا

فكأنما أوصى النبي بثقله *** أن لا يُصان فما رعوه وضيّعوا

جحدوا ولاء المرتضى ولكم وعى *** منهم له قلب وأصغى مسمعُ

وبما جرى من حقدهم ونفاقهم *** في بيته كُسرت لفاطم أضلع

وغدوا على الحسن الزكي بسالف *** الأحقاد حين تالبوا وتجمعوا

ص: 167

وتنكبوا سنن الطريق وإنما *** هاموا بغاشية العمى وتولعوا

نبذوا كتاب اللّه خلف ظهورهم *** وسعوا لداعية الشقا لما دعوا

عجباً لحلم اللّه كيف تأمروا *** جنفاً وأبناء النبوّة تُخلع

وتحكموا في المسلمين وطالما *** مرقوا عن الدين الحنيف وأبدعوا

أضحى يؤلب لابن هندٍ حزبه *** بغياً وشرب ابن النبي مذعذع

غدروا به بعد العهود فغودرت *** أثقاله بين اللئام توزع

اللّه أي فتىً يكابد محنة *** يشجى لها الصخر الأصم ويجزع

ورزيّة جرّت لقلب محمد *** حزناً تكاد له السما تتزعزع

كيف ابن وحي اللّه وهو به الهدى *** أرسى فقام له العماد الأرفع

أضحى يسالم عصبة أموية *** من دونها كفراً ثمود وتُبّع

ساموه قهراً أن يضام وما لوى *** لولا القضا به حنان طيّع

أمسى مضاماً يستباح حريمه *** هتكاً وجانبه الأعز الأمنع

ويرى بني حرب على أعوادها *** جهراً تنال من الوصي ويسمع

ما زال مضطهداً يقاسي منهم *** غصصاً بها كأس الردى يتجرّع

حتى إذا نفذ القضاء محتّماً *** أضحى يُدس اليه سُمّ منقع

وغدا برغم الدين وهو مكابد *** بالصبر غلّة مكمّد لا تنقع

وتفتت بالسُمّ من أحشائه *** كبد لها حتى الصفا يتصدّع

وقضى بعين اللّه يقذف قلبه *** قطعاً غدت مما بها تتقطّع

وسرى به نعش تودّ بناته *** لو يرتقي للفرقدين ويرفع

نعش له الروح الأمين مشيّع *** وله الكتاب المستبين مودّع

نعش أعز اللّه جانب قدسه *** فغدت له زمر الملائك يخضع

نعش به قلب البتول ومهجة *** الهادي الرسول وثقله المستودع

نثلوا له حقد الصدور فما يُرى *** منها لقوسٍ بالكنانة منزع

ورموا جنازته فعاد وجسمه *** غرض لرامية السهام وموقع

ص: 168

شكوه حتى أصبحت من نعشه *** تستل غاشية النبال وتنزع

لم ترم نعشك إذ رمتك عصابة *** نهضت بها أضغانها تتسرّع

لكنها علمت بأنك مهجة *** الزهراء فابتدرت لحربك تهرع

ورمتك كي تصمى حشاشة فاطم *** حتى تبيت وقلبها متوجع

ما أنت إلا هيكل القدس الذي *** بضمره سرّ النبوة مودع

جلبت عليه بنوا الدعي حقودها *** وأتته تمرح بالضلال وتتلع

منعته عن حرم النبي ضلالة *** وهو ابنه فلأي أمرٍ يمنع

فكأنه روح النبي وقد رأت *** بالبعد بينهما العلائق تقطع

فلا قضت أن لا يخطّ لجسمه *** بالقرب من حرم النبوة مضجع

لله أي رزية كادت لها *** أركان شامخة الهدى يتضعضع

رزء بكت عين الحسين له ومن *** ذوب الحشا عبراته تتدفع

يوم انثنى يدعو ولكن قلبه *** وآمروا مقلته تفيض وتدمع

أترى يطيف بي السلو وناظري *** من بعد فقدك بالكرى لا يهجع

أُخي لا عيشي يجوس خلاله *** رغد ولا يصفو لوردي مشرع

خلفتني مرمى النوائب ليس لي *** عضد أرد به الخطوب وأدفع

وتركتني أسفاً أردد بالشجى *** نفساً تصعّده الدموع والهمّع

أبكيك يا ريّ القلوب لو أنه *** يجدي البكاء لظامئٍ أو ينفع

الأسر القزوينية المعروفة بالعلم في العراق ثلاث : 1 - الاسرة النجفية ، وقد اقام قسم من رجالها في بغداد. 2 - الحِلية ، التي ذكرنا منها جملة من الاعلام ومنها السيد مهدي وأنجاله الأربعة وأولادهم ، وهاتان الاسرتان ينتمون للامام الحسين علیه السلام وهما فرع واحد تلتقيان في بعض الأجداد. 3 - الكاظمية ، وهي موسوية النسب منها العلامة السيد مهدي نزيل البصرة بعصره وأخوه السيد جواد نزيل الكويت في عصره ولقب بعض رجالها بالكيشوان ومنهم المترجم له.

ص: 169

الحاج مهدي الفلّوجي

المتوفى 1357

إلى م وقلبي من جفوني يسكب *** ونار الأسى ما بين جنبي تلهبُ

أبيتُ وليلي شطّ عنه صباحه *** كأن لم يكن لليل صبح فيرقب

أُحارب فيه النجم والنجم ثائرٌ *** متى غاب منه كوكب بان كوكب

وعلمت بالنوح الحمام فأصبحت *** على ترح في الدوح تشدو وتندب

فما هي إلا زفرة لو بثثتها *** على البحر من وجد يجف وينضب

تجهّم هذا الدهر واغبرّ وجهه *** بدهماء لا يجلى لها قط غيهب

لقتلى الألى بالطف لما دعاهم *** إلى الحرب سبط المصطفى فتأبهوا

ومذ سمعوا الداعي أتوا حومة الوغى *** تعلم أيديها الضبا كيف تضرب

فإن وعظت عن ألسن البيض وعظها *** وإن خطبت عن ألسن السمر تخطب

كرام تميت المحل غمرة وفرهم *** فتحيا بها الأرض الموات وتعشب

على كثرة الأعداء قلّ عديدهم *** وكم فئة قلّت وفي اللّه تغلب

مواكب أعداهم تعدّ بواحد *** وواحدهم يوم الكريهة موكب

مضوا يستلذون الردى فكأنه *** رحيق مدام بالقوارير يسكب

كأن المنايا الخرّد العين بينهم *** فجدّوا مزاحاً دونها وهي تلعب

ومن بعدهم قام ابن حيدر والعدى *** جموع بها غصّ الفضا وهو أرحب

ص: 170

فألبس هذا الأفق ثوب عجاجة *** به عاد وجه الشمس وهو منقب

وكيف يحلّ الذل جانب عزه *** وفي كفه سيف المنية يصحب

وكيف حسين يلبس الضيم نفسه *** ونفس علي بين جنبيه تلهب

إلى أن أراد اللّه بابن نبيّه *** يبيت بفيض النحر وهو مخضب

فأصبح طعماً للضبا وهو ساغبٌ *** وأصبح ريّاً للقنا وهو معطب

بنفسي اماماً غسله فيض نحره *** وفي أرجل الخيل العتاق يقلب

بنفسي رأساً فوق شاهقة القنا *** تمرّ به الأرياح نشراً فتعذب

كأن القنا الخطار أعواد منبر *** ورأس حسين فوقها قام يخطب

فوا أسفي تلك الكماة على الثرى *** ونسوة آل الوحي تسبى وتسلب

وراحت بعين اللّه أسرى وحواسراً *** تساق وأستار النبوة تنهب

دعت قومها لكنها لم تجدهم *** على عهدها فاسترجعت وهي تندب

أيا منعة اللاجين والخطب واقع *** ويا أنجم السارين والليل غيهب

أليست حروف العز في جبهاتكم *** تحررها أيدي الجلال فتكتب

فأين حماة الجار هاشم كي ترى *** نساها على عجف الأضالع تجلب

وفي الأسر ترنو حجة اللّه بينها *** عليلاً إلى الشامات في الغل يسحب

سرت حسراً لكن تحجب وجهها *** عن العين أنوار الإله فتحجب

إلى أن أتت في مجلس الرجس أبصرت *** ثنايا حسين وهي بالعود تضرب

الحاج مهدي الفلوجي ابن الحاج عمران ابن الحاج سعيد من الطبقة العالية في الشعر وممن تفتخر به الفيحاء وتعتز بأدبه ، حسن الأخلاق طاهر الضمير عف اللسان تخرّج في الأدب على الشيخ حمادى نوح المتقدمة ترجمته. حفظ الكثير من شعر العرب القدامى ، ترجم له اليعقوبي في ( البابليات ) وقال :

ص: 171

مولده في الحلة سنة 1282 ه. وكان يتعاطى التجارة ويحترف بيع البز ويرتدي برأسه العمة السورية ويعدّ من ذوي الثروة والمكانة المرموقة في البلد. يحتوي ديوانه المخطوط على ضروب الشعر من الاجتماع والسياسة والوصف والغزل والنسيب ولا عجب فعصره يموج بالادباء والشعراء وتلك النوادي العلمية الأدبية تصقل المواهب ، قال يرثي استاذه الشيخ حمادى نوح بقصيدة - مطلعها :

حق يا قبر أن تباهي النجوما *** فيك قد ضمنوا البليغ الحكيما

دفنوا المرتضى الرضي لعمري *** هو في جنبك اتخذه نديما

فيك قد غيضوا البحار فأمست *** في قوانينها تريك العلوما

ذاك غواصها الذي كان فينا *** يجتني درّها النضيد النظيما

ترجم له الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) كما ترجم له الخاقاني في ( شعراء الحلة ) وروى له نماذج من الشعر والتواريخ ، ولتعلقه بآل البيت (عليهم السلام) كان اكثر ما نظم فيهم فمنها قصيدته التي يعدد فيها فجائع يوم كربلاء ويخص أبا الفضل العباس علیه السلام بقسم وافر منها وأولها :

هي دنياً وللفنا منتهاها *** لعب جدّها وواهٍ قواها

وهي تناهز الستين بيتاً وقال عندما لاح هلال محرم الحرام قصيدة مطلعها :

كم فيك من حرم أُبيح ومن دم *** من آل أحمد يا هلال محرم

وقال وقد زار الإمام الحسين علیه السلام ليلة النصف من شعبان :

لقد أيقنت أن اللّه لطفا *** محا عني الصغائر والكبائر

لأني جئت في شعبان أسعى *** لمرقد سيد الشهداء زائر

وقال في جواب مَن سأل عن مدفن رأس الحسين علیه السلام :

لا تطلبوا رأس الحسين فإنه *** لا في حمى ثاوٍ ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدلّكم *** في أنه المقبور وسط فؤادي

ص: 172

وقد تقدم في الجزء السابق تحقيق عن موضع رأس الإمام الحسين (عليه السلام) .

كانت وفاته بمدينة الكاظمية يوم الثلاثاء خامس جمادى الثانية سنة 1357 ه. المصادف 3 آب سنة 1938 م. ونقل جثمانه إلى الحلة بموكب حافل ثم شيّع لمرقده الأخير في النجف الأشرف ودفن في الايوان الذهبي أمام الحرم الحيدري وتهافتت الوفود لتعزّي الأسرة وتعاقب الشعراء على منصة المحفل لتأبينه أمثال الشيخ قاسم الملا والشيخ عبد الرزاق السعيد والشيخ باقر سماكه ومحمد علي الفلوجي وغيرهم رحمه اللّه عدد حسناته.

ص: 173

الشاعر اقبال

المتوفى 1357

في الكعبة العليا وقصتها *** نبأ يفيض دماً على الحجر

بدأت باسماعيل عبرتها *** ودم الحسين نهاية العبر

وللدكتور محمد اقبال :

ارفعوا الورد والشقائق إكليل *** ثناءً على ضريح الشهيد

ذاك لون الدم الذي أنبت *** المجد وروّى به حياة الخلود

« محمد اقبال فيلسوف باكستاني ، ولد في مدينة سيالكوت سنة 1873 م. وتوفي سنة 1938 م. سافر إلى عدة بلدان طلباً للعلم ثم عاد إلى وطنه سنة 1908 م. حيث عمل بالمحاماة وقرض الشعر. وقد ذاع صيته في الهند وكثر عشاق أدبه ومريدو فلسفته. وقد دعا في شعره إلى نبذ التصوف العجمي الذي يؤدي إلى إماتة الأمة وبشّر بالتصوف العملي الذي يدعو إلى العمل والجهاد. وتدل أشعاره وقصائده على تمجيد الشخصيات الإسلامية كلها.

وتقوم فلسفة إقبال على ( الذات ) التي هي عنده حق لا باطل وهدف الانسان الديني والاخلاقي اثبات ذاته لا نفيها ، وعلى قدر تحقيق ذاته أو

ص: 174

واحديته يقرب من هذا الهدف ، وتنقص فردية الانسان على قدر بعده عن الخالق ، والانسان الكامل هو الأقرب إلى اللّه وليس معنى ذلك أن يفنى وجوده في اللّه كما ذهبت إليه فلسفة الاشراق ووحدة الوجود عند ابن العربي واسبينوزا ، بل هو عكس هذا يمثل الخالق في نفسه والحياة عنده رقي مستمر وهي تسخر كل الصعاب التي تعترض طريقها وقد خلقت من أجل اتساعها وترقيها آلات كالحواس الخمس والقوة والمدركة لتقهر بها العقبات. وإذا قهرت الذات كل الصعاب التي في طريقها بلغت منزلة الاختيار فالذات في نفسها فيها اختيار وجبر.

وحسبنا أن نقول أن اقبال يدعو إلى ادراك الذات وتقويتها وإلى العمل الدائب والجهاد الذي لا يفتر ، ويرى أن الحياة في العمل والجهاد والموت في الاستكانة والسكون » (1).

ومما جاء من شعر اقبال في السيدة فاطمة الزهراء علیهاالسلام كما رواه الكاتب المصري توفيق أبو علم في كتابه ( أهل البيت ) قول :

نسب المسيح بنى لمريم سيرة *** بقيت على طول المدى ذكراها

والمجد يشرق من ثلاث مطالع *** في مهد فاطمة فما أعلاها

هي بنتُ مَن ، هي زوج مَن ، هي أمّ مَن *** مَن ذا يداني في الفخار أباها

هي ومضة من نور عين المصطفى *** هادي الشعوب إذا تروم هداها

هو رحمة للعالمين وكعبة الآمال *** في الدنيا وفي أخراها

مَن أيقظ الفطر النيام بروحه *** وكأنه بعد البلى أحياها

وأعاد تاريخ الحياة جديدة *** مثل العرائسى في جديد حلاها

ولزوج فاطمة بسورة هل أتى *** تاج يفوق الشمس عند ضحاها (2)

ص: 175


1- مجلة العربي الكويتية عدد 115 / 142.
2- كتاب اهل البيت لتوفيق ابو علم.

وحدثني الشاب المهذب الشيخ شريف نجل العلامة المصلح المغفور له الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء أنه عندما دعي أبوه لحضور المؤتمر الاسلامي في الباكستان ، ذهب إلى هناك وزار قبر الشاعر الفيلسوف اقبال وذلك في 26 جمادى الاولى عام 1371 ه. وارتجل أبيات منها :

يا عارفاً جلّ قدراً في معارفه *** حياك مني إكبار وإجلال

إن كان جسمك في هذا الضريح ثوى *** فالروح منك لها في الخلد إقبال

تحية لك من خِلٍّ أتاك على *** بعد المزار بقول مثل ما قالوا

لا خيل عند تهديها ولا مال *** فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

ولد محمد اقبال في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة 1289 ه. أدخله أبوه إلى مكتب ليتعلم القرآن ففاق أترابه لذكائه ونال جوائز كثيرة ثم انتقل إلى مدارس عالية وكليات شهيرة فانتدب لتدريس التاريخ والفلسفة في الكلية الشرقية في لاهور ثم اختير لتدريس الفلسفة واللغة الانكليزية بكلية الحكومة التي تخرّج فيها. ونال اعجاب تلاميذه وزملائه بسعة علمه وحسن خلقه وسداد رأيه ، واتجهت الأبصار اليه وذاع ذكره حتى صار من أساتذة لاهور النابهين. ولبث فيها عشر سنوات ثم سافر إلى أوربا بعد ما دوّى صوت إقبال في محافل الأدب ينشد قصائده وقد حرصت الصحف على نشر شعره ، وايقن الشعراء والعلماء أن لهذا الشاب شأنا ، وأول قصائده الرنانة التي أُلقيت في جمع حاشد قصيدته التي أنشدها في الحفل السنوي لجماعة حماية الإسلام في لاهور ( أنجمن حماية إسلام ) سنة 1899 م. وعنوانها أنين يتيم.

سافر إلى انكلترا والتحق بجامعة كمبردج لدرس الفلسفة ونال من هذه الجامعة درجة في فلسفة الأخلاق ثم سافر إلى ألمانيا فتعلم الألمانية في زمن قليل والتحق بجامعة مونخ وكتب رسالته ( تطور ما وراء الطبيعة في فارس ) ثم عاد اقبال إلى لندن فدرس القانون وحاز امتحان المحاماة والتحق كذلك

ص: 176

بمدرسة العلوم السياسية زمناً ورجع إلى بلاده ومكث ولبث سنين عميداً لكلية الدراسات الشرقية ورئيساً لقسم الدراسات الفلسفية ، وفي سنة 1933 دعي هو والشيخ سليمان الندوي والسير راس مسعود إلى كابل للنظر في التعليم عامة ، وفي نظام جامعة كابل خاصة. وعملت حكومة الأفغان بأكثر ما أوصى به ، وكان دائم الاتصال بمعاهد العلم في لاهور وغيرها ، وكانت الجامعات تدعوه إلى زيارتها والمحاضرة فيها. دعي إلى مدارس سنة 1928 م. فألقى محاضرات هناك فجمعت وسميت ( اصلاح الأفكار الدينية في الإسلام ) وهي أعظم ما كتب اقبال في الفلسفة.

كانت حياة اقبال حافلة بالصالحات وودّع الحياة بقوله :

آية المؤمن أن يلقى الردى *** باسم الثغر سروراً ورضا

وكان عمره سبعاً وستين سنة وشهراً وستة وعشرين يوماً وستبقى الأجيال تقرأه من وراء فلسفته وآرائه ونبوغه. كتب الدكتور عبد الوهاب عزام سفير مصر في باكستان ( محمد اقبال ، سيرته وفلسفته وشعره ) وألمّ بحياته إلمامة وافية كافية وعرض نماذج من حياته وسيرته وفلسفته وألوان من شعره ، كما ترجم الدكتور عبد الوهاب عزام إلى العربية رسالة المشرق من شعر محمد اقبال وهي جواب لديوان ( كوته ) الشاعر الالماني.

محمد اقبال شاعر نابغة وفيلسوف مبدع وتحتفي الباكستان بذكراه كل عام لأنه فيلسوف وشاعر ومؤمن ، قال الدكتور عبد الوهاب عزام : في اليوم الحادي والعشرين من شهر نيسان سنة 1938 م. والساعة خمس من الصباح ، في مدينة لاهور ، مات رجل كان على هذه الأرض عالماً وروحياً يحاول أن ينشيء الناس نشأة اخرى ، ويسنّ لهم في الحياة سنّة جديدة. مات محمد اقبال الفيلسوف الشاعر الذي وهب عقله وقلبه للمسلمين وللبشر أجمعين ..

ص: 177

وقد نشرت جريدة الجمهورية البغدادية بعددها 3067 الصادر بتاريخ 20 ايلول سنة 1977 م. والمصادف 7 شوال سنة 1397 ه. تحت عنوان : ذكرى الشاعر اقبال ، ما نصه : تحتفل الباكستان خلال شهر كانون الأول المقبل بالذكرى المئوية لميلاد شاعرها القومي محمد اقبال ، وقد وجهت الدعوة إلى أكثر من 200 عالم وشاعر من جيمع أنحاء العالم للمشاركة في مؤتمر دولي يستمر أسبوعاً لاحياء ذكرى الشاعر الذي ألّف حول حياته أكثر من ثلاثين كتاباً. ومن جميل الوقائع أن تكون كتابة هذه الترجمة في 9 نوفمبر ( كانون الأول ) عام 1978 م. حيث تصادف الذكرى المئوية لميلاد هذا الفيلسوف العظيم ، فقد احتفلت الباكستان وأكثر الدول بذكرى مولد الدكتور محمد اقبال.

إذ هو شاعر وفيلسوف وممّن شغفوا بحبّ الإسلام فهو خالد بعقيدته وأعماله الجبّارة وخدماته لشعبه خاصة ، وللمسلمين عامة. رحمه اللّه وأثابه على ذلك.

ص: 178

السيد خضر القزويني

المتوفى 1357

ما بال هاشم لا تثير عرابها *** نسيت رزية كربلا ومصابها

أو لم تسق أبناء حرب زينباً *** حسرى وقد هتكت بذاك حجابها

حسرى بلا حام لنغل سمية *** والوجد أنحل جسمها وأذابها

أين الحمية من نزار وبيضها *** كانت ولم تزل الرقاب قرابها

أفهل بها قعدت حميتها وكم *** هذا القعود وقد أذلّ رقابها

وإلى مَ تغضي والعدو بجنبها *** يمسي قريراً وهي تقرع نابها

وهل الحفاظ بها يثور وعزمها *** يحيي فتدرك بالطفوف طلابها

اللّه أكبر كيف تقعد هاشم *** والقوم بالطف استباحت غابها

نسيت وهل تنسى غداة تجمعت *** وعلى ابن طاها حزبت أحزابها

حتى أحاطت بالحسين ولم تكن *** حفظت بذاك نبيها وكتابها

وعدت عليه فغادرته وآله *** وذويه صرعى كهلها وشبابها

فتخالها الأقمار وهي على الثرى *** صرعى وقد أضحى النجيع خضابها

والطهر زينب مذ رأتهم صُرّعاً *** حنّت وقارضت الحسين عتابها

أأخي ترضى أن تجاذب زينباً *** أيدي بني حرب الطغاة نقابها

السيد خضرالقزويني هو ابن السيد علي بن محمدبن جواد بن رضا أبو الأسرة القزوينية الحسينية النجفية. ولد المترجم له 1323 ه. في النجف. خطيب أديب ولوذعيّ لبيب وغرّيد فريد نظم فأجاد ، له ديوان اسمه ( الثمار ) يشتمل على أبواب : الحماسيات ، الاجتماعيات ، الرثاء ، الغزل ، النسيب. مجموع

ص: 179

صفحاته 124 صفحة ، نبغ كثير من هذه الأسرة في العلم والأدب منهم الشاعر الشهير السيد صالح القزويني الشهير بالبغدادي وولده السيد راضي وهم غير الاسرة القزوينية في الحلة الفيحاء والنجف والهندية ، والخطيب أبا الياس كان غريد المحافل سيما في الأعراس وفي عصره يعدّ من المجددين ولا زلت أتذكره وأحادثه فكان أدبه أكثر من خطابته إذ كان في مواسم الخطابة يكتفي بالرساتيق والقرى ومثل هذه الزوايا لا تشحذ الذهن ولا تربي الملكة الخطابية بل تجعله راض بما عنده إذا كان مجتمعه راض عنه. إن الخطيب الجوّال في الأقطار والأمصار يضطر لتقديم النافع من الكلام إذ يحسّ بما يحتاجه المجتمع من معالجة أمراضه والخطيب كالطبيب فالسيد خضر تعلّق بالمشخاب وهو قطر منزوي لا ثقافة عنده ولا تحسس سوى الزرع والسقي وما دام هذا الخطيب تطربهم نغماته وتؤثر في أحاسيسهم نبراته فهو المرغوب فيه وهو المطلوب عندهم. وكانت أريحيته تسحرهم وهو ممن تسحرهم مناظر الفرات والريف الضاحك ، قال في شاب اسمه حسن ويتصف بالوطنية.

كيف لا يصبح قلبي وطناً *** لك والقلب لمن يهوى وطن

فجدير بك لو تدعى بنا *** وطنياً مثلما تدعى ( حسن )

ومن روائعه قصيدته في رثاء صديقه الشاعر الشيخ جواد السوداني وأولها :

كيف يقوى على رثاك لساني *** والأسى كفّ منطقي وبياني

ليت شعري وكيف يسلوك خلّ *** ولقد كنت سلوة الخلان

ومن غزله قصيدته التي عنوانها بنت كسرى :

من عذيري من غادة كسرويه *** فتنت بالجمال كل البريه

يا بنفسي فديتها من فتاة *** لم ترَ العين مثلها أريحيه

فجدير بالعاشقين إذا ما *** سجدت بكرة لها وعشيه

توفي السيد خضر القزويني سنة 1357 ه. ودفن في ايوان الذهب من الصحن الحيدري الشريف.

ص: 180

السيد جواد القزويني

المتوفى 1358

هلا تعود بوادي لعلع وقبا *** مرابع ذكرها في القلب قد وقبا

أيام لهو مضت فيمن أحب وقد *** أبقت معنى إلى تلك العهود صبا

تعذبت مهجتي يوم الرحيل بهم *** كأن طعم عذابي عندهم عذبا

لا تحسبوا أعيني تجري مدامعها *** عليك بل لآل المصطفى النجبا

أبكيهم يوم حلّوا بالطفوف ضحى *** وشيدوا في محافي كربلا الطنبا

وأقبلت آل حرب في كتائبها *** تجرّ حرباً لرحب السبط واخربا

ساموه إما كؤوس الحتف يجرعها *** أو أن يذل ولكن الاباء أبى

نفسي الفداء لظامي القلب منفرداً *** وغير صارمة في الحرب ما صحبا

لهفي له مذ أحاطت فيه محدقة *** أهل الضلال وفيه نالت الإربا

رموه في سهم حقد من عداوتهم *** مثلثاً في شظايا قلبه نشبا

من بعده هجمت خيل الضلال على *** خدر النبوة باللّه فانتهبا

أبدوا عقائل آل الوحي حاسرة *** لم يتركوا فوقها ستراً ولا حجبا

اللّه كم قطعت لابن النبي حشى *** في كربلاء وكم رحل بها نهبا

وكم دم قد أراقوا فوق تربتها *** وكم يتيم بكعب الرمح قد ضربا

سروا بهن على الأقتاب حاسرة *** إلى ابن هند تقاسي الوخد والنصبا

* * *

ص: 181

الجواد بن الهادي ابن السيد ميرزا صالح ابن الحجة الكبير السيد مهدي القزويني :

هداة اباة في سما المجد أشرقت *** وحسبك من هادٍ بشير إلى هادي

ولد سنة 1297 ه. في قضاء الهندية قبل وفاة جده الكبير بثلاث سنوات نشأ على حب العلم والكمال ودرس مبادئ العلوم على عمه السيد أحمد ثم أرسله أبوه إلى النجف وألحقه بأخويه : السيد محيي والسيد باقر وهما أصغر منه سناً فنالوا قسطاً كبيراً من الفقه على جملة من اعلام النجف كالحاج ميرزا حسين الحاج خليل والشيخ مهدي المازندراني وآية اللّه الخراساني والملا كاظم إلى أن حدثت الحرب العالمية الاولى سنة 1332 ه. عاد المترجم له إلى الهندية مزوّداً بجملة من شهادات مشايخه الاعلام التي تخوله نشر الأحكام. وكانت أيام العطل الصيفية هي مواسم المطارحات الأدبية والمبارات الشعرية مضافاً إلى ولعه الشديد بمطالعة كتب الأدب والشعر والأخبار وسيرة أهل البيت حتى ألّف من ذلك مجاميع تضم النوادر والفوائد والشواهد. رأيت بخط الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسام جملة من الرسائل الأدبية والمقاطيع الشعرية والذوق الأدبي ، أبرق للسيد محمد علي القزويني بمناسبة تعيينه عضواً في مجلس الأعيان :

تفرست الملوك بك المعالي *** وقد أحرزتها بعلوّ شان

فلا عجب إذا أصبحت ( عينا ) *** لأنك عين انسان الزمان

وله مفردات ومقاطيع قالها في مناسبات شتى وقصائد رثى بها سيد الشهداء أبا عبد اللّه الحسين علیه السلام منها قصيدة التي مطلعها :

هلا دروا بمحبٍّ عندما ذهبوا *** تجري مدامعه دمعاً وتنسكب

ص: 182

واخرى أولها :

أحباي لا أصغي للومة لائم *** ولا انثني عن ودكم باللوائم

وقوله :

ما للأحبة لا يأوون خلانا *** هلا دروا أننا حانت منايانا

وديوانه المخطوط معظمه في الإمام الشهيد كما كتبَ وخلّف من الآثار كتاب ( لواعج الزفرة لمصائب العترة ) يقع في ثلثمائة صفحة استعاره بعض المتأدبين ولم يُرجعه ، وكتاب « الفوادح الملمة في مصائب الأئمة » حققه حفيده السيد جودت القزويني ، توفي السيد جواد أوائل شعبان سنة 1358 ه. في الهندية وحمل نعشه على الأعناق مسافة أميال ثم حمل إلى النجف حيث دفن في مقبرة آبائه الخاصة بالاسرة ورثاه فريق من الشعراء كالشيخ قاسم الملا والسيد محمد رضا الخطيب والشيخ عبد الحسين الحويزي وغيرهم.

ص: 183

الشيخ عبد الغنى الحر

المتوفى 1358

أنختُ بباب باب اللّه رحلي *** محط رحال كل رجا وسؤلِ

وقد يممت بحر ندى وجود *** ومعروفاً بمعروف وفضل

ولذت بظل كهف حمى حسين *** لجى اللاجين في حرم وحِلّ

بنائله الظما يروى وروداً *** وغيث نداه منهل كوبل

وفدت عليك يحدوني اشتياقي *** وأحشائي بنار جواي تغلي

رجاءً أن تحط الثقل عني *** فأنت القصد في تخفيف ثقلي

وغوثك فيه يكشف كل خطب *** وغيثك فيه يخصب كل محل

وغفران الذنوب وكل وزر *** بدا مني بقولٍ أو بفعلِ

ونصري يا ملاذ على الأعادي *** وإعزازي على ما رام ذلّي (1)

الشيخ عبد الغني الحر المتوفى سنة 1358 ه. ترجم له البحاثة الطهراني في نقباء البشر فقال : هو الشيخ عبد الغني ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي بن أحمد بن محمد بن محمود بن محمد الحر العاملي.

عالم فاضل وأديب شاعر. كان في النجف الأشرف من أهل العلم والفضلاء

ص: 184


1- عن مجموع خطي يحتوي على اربعين قصيدة كلها في رثاء الامام الحسين وأخيه العباس ابن علي علیهم السلام وهي بخط الناظم.

الأجلاء وكان على طريقة الاخيارية ، وهو شاعر مكثر لا سيما في مدح أهل البيت ورثائهم وهو سريع البديهة جداً وشعره متوسط ، طبع له ( منتظم الدرر في مدح الإمام المنتظر ) طبع بالمطبع الحيدرية بالنجف سنة 1339 ه. يحتوي على 72 صفحة. توفي يوم الثلاثاء منتصف محرم الحرام سنة 1358 ه. ودفن في الايوان الذهبي في الصحن العلوي الشريف. وله شعر كثير وله تخميس التائية الشهيرة لدعبل بن علي الخزاعي والتي أولها :

تجاوبن بالأرنان والزفرات *** نوائح عجم اللفظ والنطقات

وله تخميس قصيدة السيد جعفر كمال الدين الحلي والتي أولها :

يا قمر التمّ إلى مَ السرار *** ذاب محبّوك من الانتظار

ومن ذكرياتي عن المترجم له أني كنت أجتمع بجملة من اللبنانيين الأفاضل ورجال العلم في الاسبوع مرة في دار العلامة المرحوم الشيخ عبد الكريم الحر وهو صهر الشيخ المترجم له فكنا نقضي ساعات من الليل في الاستماع إلى شعره الذي كان يحفظه ويردده بانشودته ونبراته ولا أنسى أن كل ما ينظم ويقرأ هو في مدح حجة آل محمد صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن سلام اللّه عليهما. أمّا ما رواه لي ولده العلامة الشيخ محمد الحر سلمه اللّه عن سيرة والده رحمه اللّه قال : كان لا يمرّ يوم من الأيام إلا ونظم من الشعر عشرات الأبيات وقد ألزم نفسه بنظم كل يوم قصيدة كاملة وملكته الشعرية وحافظته القوية وسرعة البديهة مضرب المثل ، يقول ما كنت أسمع بديوان شعر إلا واقتنيته وحفظت أكثره عنه أخدانه ومعاصروه كنا نقرأ عليه القصيدة الكاملة مرة واحدة فيحفظها ويقول ولده سلمه اللّه : أما الذي أدركته منه في أواخر عمره فقد قرأتُ عليه قصيدة تتكون من ستين بيتاً وهو يرغب أن يحفظها قال : إقرأ عليّ منها ثلاثين بيتاً فقط ، فقرأتُ فأعادها عليّ حفظاً ، ثم قرأت عليه ثلاثين بيتاً بعدها فأعادها عليّ حفظاً ، ويقول ولده ان مجموع ما نظمه لا يقل عن أربعة آلاف قصيدة وأكثرها في صاحب الأمر حجة آل

ص: 185

محمد وحدّث العلامة الجليل السيد عبد الرؤوف فضل اللّه أنه قد سمع من المرجع الديني الورع السيد عبد الهادي الشيرازي رحمه اللّه كان يتحدث عن المترجم له ويقول : إن ولاء الشيخ عبد الغني الحر وحبّه لآل محمد لو وزّع على جميع أهل البلد لما دخل أحد منهم النار.

وحدّث أحد تلاميذه عن سرعة البديهة وقوة الحافظة عند الشيخ الغني فقال : كان يدرّسنا رسائل الشيخ الأنصاري عن ظهر غيب وحفظ العبارة بنصّها ، كما كان يحفظ أحاديث الكتب الأربعة ويستظهرها تماماً كما كان يحفظ القرآن الكريم ونهج البلاغة ومقامات الحريري ومقامات بديع الزمان الهمداني. وعندما يتلو بعض الفصول يهتز لها إعجاباً بها ، واذكر صوته الجهوري مضافاً إلى بسطته في العلم والجسم ونقل لي ولده بعض الاكتشافات والتجليات والكرامات التي تدل على روحانيته وشدة ولائه وعقيدته ومنها يظهر إيمانه الراسخ بالفكرة والمبدأ.

ص: 186

السيد ناصر الاحسائي

المتوفى 1358

هذي مضاجع فهر أم مغانيها *** أم السماء تجلت في معانيها

فحط رحل السرى فيها وحي بما *** يجري من العين دانيها وقاصيها

ودع قلوصك فيها غير موثقة *** وخلّ عنها عساها أن تحييها

ولا تلمها إذا ألوت معاطفها *** يوماً لتقبيل باديها وخافيها

فما دهاك دهاها من أسى وجوى *** وما دعاك لسكب الدمع داعيها

كلا كما ذو فؤاد بالهوى كلف *** وأنتما شركا في ودّ مَن فيها

قوم على هامة العلياء قد بنيت *** لهم بيوت تعالى اللّه بانيها

ومعشر للمعاني الغر قد شرعوا *** طرقاً بأخلاقهم ما ضلّ ساريها

وأسره قد سمت كل الورى شرفاً *** فلم يكن أحد فيه يدانيها

لووا عن العيش أعطافاً أبين لهم *** مسّ الدنية تكريماً وتنزيها

فقاربت بين آجال لهم شيم *** إذ المنايا طلاب العز يدنيها

رأوا حياتهم في بذل أنفسهم *** في موقف فيه حفظ العز يحييها

ولا يعاب امرؤ يحمي مكارمه *** بنفسه فهو حر حيث يحميها

في الهام أمست تغني بيضهم طرباً *** وسمرهم تتثنى في الحشا تيها

والخيل من تحتهم فلك جرى بهم *** في موج بحر دم واللّه مجريها

والنقع قام سماءً فوق أرؤسهم *** آفاقها أظلمت منه نواحيها

لكن أجرامهم قامت بها شهباً *** لولا ضياء شباها ضل ساريها

ص: 187

ترمي العدى بشواظ من صواعقها *** فلا ترى مهرباً منه أعاديها

رووا بماء الطلا بيض الظبى ولهم *** أحشاء ما ذاق طعم الماء ظاميها

حتى إذا ما أقام الدين واتضحت *** آياته وسمت فيهم معانيها

وشيدوا للهدى ركناً به أمنت *** أهل الرشاد فلا لافى مساعيها

وشاء أن يجزي الباري فعالهم *** من الجزاء بأوفى ما يجازيها

دعاهم فاستجابوا إذ قضوا ظمأ *** بأنفس لم تفارق أمر باريها

فصرعوا في الوغى يتلو مآثرهم *** في كل آن مدى الأيام تاليها (1)

حجة الإسلام السيد ناصر الاحسائي ، مولده في الاحساء سنة 1291 ه. ووفاته سنة 1358 ه. نشأ نشأة صالحة وتربى على يد أبيه الفقيه الكبير ، وبعد وفاة أبيه هاجر إلى النجف الأشرف موطن العلم والعلماء وأكبر جامعة في الفقه فدرس على المرحوم الشيخ محمد طه نجف والشيخ محمود ذهب والشيخ هادي الطهراني ثم عاد إلى الاحساء مرشداً عالماً تقياً ورعاً ثم عاد إلى النجف مرة ثانية فدرس على الشيخ ملا كاظم الأخوند وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد أبو تراب ولما كثر الطلب عليه من أهالي الاحساء لحاجتهم اليه وجعلوا مراجع الطائفة وسائط له عاد ومكث بينهم يفيض من معارفه ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم حتى وافاه الأجل ليلة الاربعاء ثالث شهر شوال سنة 1358 ه.

تشرفت برؤية محياه الأنور واستمعت إلى حديثه الشهي وتزودت من نصائحه ومعارفه ، صباحته ونور أساريره يشهدان له بأنه من ذرية الرسول ومن حَمَلة علومهم ، مثالاً للورع والتقى والعبادة والزهادة كنتُ كلما ارتقيت الأعواد أصغى إلى بكله ويستجيد ويستحسن فضائل أهل البيت ومآثرهم ويرتاح لسماع مناقبهم ، يعظم الكبير والصغير ولا يستخف بأحد وأذكر أني فرغتُ

ص: 188


1- عن الذكرى التي قام بتأليفها الخطيب السيد محمد حسن الشخص.

من خطابي مرةً فجلست - وكان حديثي عن سيرة الإمام الصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام . فقال السيد رحمه اللّه ما نصه :

ومن أقوال الإمام الصادق علیه السلام : العاقل لا يستخف بأحد وأحق من لا يستخف به ثلاثة : العالم والسلطان والإخوان فمن استخف بالعالم أفسد دينه ، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه ، ومن استخف بالإخوان أفسد مروأته. وكان موضع تجلّة واحترام من جميع الطبقات وكان لوفاته رنة حزن وأسف وقد أبّنته بقصيدة نشرت في ( الذكرى ) التي قام بطبعها وتحقيقها الخطيب الجرئ السيد محمد حسن الشخص سلمه اللّه وكان مطلع قصيدتي في رثائه :

نعى البرق رمز التقى والهدى *** فقلنا لقد طاح ركن الهدى

ومن رثائه للامام الحسين (عليه السلام) :

كم قد تؤمل نفسي نيل منيتها *** من المعالي وما ترجو من الاربِ

كما تؤمل أن تحظى برؤية من *** يزيح عنها عظيم الضر والكرب

ويملأ الأرض عدلاً مثل ما ملئت *** بالظلم والجور والابداع والكذب

يا غائباً لم تغب عنا عنايته *** كالشمس يسترها داج من السحب

حتى مَ تقعد والإسلام قد نقضت *** عهوده بسيوف الشرك والنصب

ويرتجيك القنا العسال تورده *** من العداء دماءً فهو ذو سغب

والبيض تغمدها أعناق طائفة *** منهم مواليك نالوا أعظم العطب

وتوعد الخيل يوماً فيه عثيرها *** سحائب برقها من بارق القضب

تهمى بماء الطلا من كل ناحية *** حتى تروي منه عاطش الثوب

فانهض فديتك ما في الصبر من ظفر *** فقد يفوت به المطلوب ذا الطلب

أما أتاك حديث الطف إن به *** آباءك الغر قاسوا أعظم النوب

غداة رامت أمي أن يروح لها *** طوع اليمين أبيٌ واضح الحسب

ويركب الضيم مطبوع على همم *** أمضى من السيف مطبوعاً من اللّهب

ص: 189

فأقبلت بجنود لا عداد لها *** تترى كسيل جرى من شامخ الهضب

من كل وغدٍ لئيم الأصل قد حملت *** به العواهر لا ينمى إلى نسب

وكل رجس خبيث قد نماه إلى *** شر الخلائق والأنساب شرأب

حتى تضايق منها الطف وامتلأت *** رحابه بجيوش الشرك والنصب

فشمرت للوغى إذ ذاك طائفة *** لم تدر غير المواضي والقنا الرطب

قوم هم القوم لم تفلل عزائمهم *** في موقف فل فيه عزم كل أبي

من كل قرم كأن الشمس غرته *** لو لم يحل بها خسف ولم تغب

وكل طود إذا ما هاج يوم وغى *** فالوحش في فرح والموت في نصب

وكل ليث شرى لم ينج منه إذا *** ما صال قرم باقدام ولا هرب

مشوا إلى الحرب من شوق لغايتها *** مشي الظماة لورد البارد العذب

فأضرموها على الأعداء نار وغى *** تأتي على كل من تلقاه بالعطب

وأرسلوها بميدان الوغى عرباً *** كالبرق تختطف الأرواح بالرهب

وجردوها من الأغماد بيض ضباً *** تطوي الجموع كطي السجل للكتب

وأشرعوها رماحاً ليس مركزها *** سوى الصدور من الأعداء واللبب

صالوا فرادى على جمع العدى فغدت *** صحاحه ذات كسر غير منأرب

وعاد ليلهم يمحونه بضبى *** لا يتقى حدها بالبيض واليلب

حتى إذا ما قضوا حق العلا ووفوا *** عهد الولى وحموا عن دين خير نبي

وجاهدوا في رضى الباري بأنفسهم *** جهاد ملتمس للأجر محتسب

دعاهم القدر الجاري لما لهم *** أعد من منزل في أشرف الرتب

فغودروا في الوغى ما بين منعفر *** دامى ومنجدل بالبيض منتهب

ظامين من دمهم بيض الضبى نهلت *** من بعد ما أنهلوها من دم النصب

لهفي لهم بالعرى أضحى يكفنهم *** غادى الرياح بما يسفى من الترب

وفوق أطراف منصوب القنا لهم *** مرفوعة أرؤس تعلو على الشهب

ونسوة المصطفى مذ عدن بعدهم *** بين الملا قد بدت أسرى من الحجب

وسيّرت ثكلا أسرى تقاذفها *** الأمصار تهدى على المهزول والنقب

ص: 190

ان تبكي اخوتها فالسوط واعظها *** وفي كعوب القنا إن تدعهم تجب

وبينها السيد السجاد قد وثقت *** رجلاه بالقيد يشكو نهشة القتب

يبكي على ما بها قد حلّ من نوب *** وتبكي مما عليه حلّ من كرب

واحر قلباه أن تدعُ عشيرتها *** غوث الصريخ وكهف الخائف السغب

تدع الأولى لم يحلّ الضيم ساحتهم *** من لم يضع بينهم ندب لمنتدب

تدعوهم بفؤاد صيرته لظى الأحزان *** ناراً فأذكى شعلة العتب

تقول ما لكم نمتم وقد شهرت *** نساؤكم حسراً تدعو بخير أب

حتى متى في عناق الضيم همتكم *** وللمواضي عناق الماجد الحسب

ونومكم في ظلال العز عن دمكم *** والنوم تحت القنا أولى بكل أبي

ما أنتم أنتم إن لم يضق بكم *** رحب الفضاء على المهرية العرب

وتوقدوها على الأعداء لاهبة *** حتى يكون بها من أضعف الحطب

فكم لكم في قفار الأرض من فئة *** صرعى ومن نسوة أسرى على القتب (1)

ص: 191


1- عن ذكرى السيد الاحسائي.

السيد مهدي الأعرجي

المتوفى 1359

سقت ربعاً بسلع فالغميم *** غوادي الدمع لا الغيث العميم

وقفتُ به أُجيل الطرف فيه *** على تلك المعالم والرسوم

أُكلّمه وليس يردّ قولاً *** فأصدر عنه في قلب كليم

فكم لي فيه من زمن تقضّى *** بشرب سلافة وعناق ريم

بحيث العيش للأحباب رغدٌ *** ووجه الأرض مخضرّ الأديم

وشمس الراح في يمنى هلال *** يطوف بها على مثل النجوم

رشاً رقّت محاسنه فأضحى *** يؤلم خدّه مرّ النسيم

فكم من ليلة مرّت علينا *** إلى الاصباح وهو بها نديمي

أريه الدمع منثوراً إذا ما *** أراني درّ مبسمه النظيم

أرخّم دمع عيني إذ أراه *** كحيل الطرف كالظبي الرخيم

فياربع الأحبة طبت ربعاً *** وطاب ثراكِ يا دار النعيم

محاك الدهر يا ربع التصابي *** وخانك حادث الزمن المشوم

وفيك الدهر لم يحفظ ذمامي *** لحاه اللّه من دهر ذميم

كما لم يرع للهادي ذماماً *** بأهليه ذوي الشرف القديم

رماهم بالخطوب فمن شريد *** نأى عمّن يحب ومن سميم

ومقتول بجنب النهر ظام *** سليب الثوب مسبيّ الحريم

ص: 192

تساق نساه أسرى من ظلوم *** على عجف النياق إلى ظلوم

تحفّ بها العداة فمن لئيم *** يعنّفها وأفّاكٍ أثيم

وإن يبكي اليتيم أباه شجواً *** مسحن سياطهم رأس اليتيم

وليس لها حميّ يوم سارت *** يلاحظها سوى مضنى سقيم

براه السقم حتى صار مما *** به سقماً يميل مع النسيم

ورأس ابن النبي على قناةٍ *** يرتّلُ آي أصحاب الرقيم

وينذر في النهار القوم وعظاً *** ويهدي الركب في الليل البهيم

فلم أرَ قبله بدراً تجلّى *** له برج من الرمح القويم

وأعظم ما تسحّ له المآقي *** بدمع دونه وكف الغيوم

وقوف بنات خير الخلق طراً *** أمام طليقها الرجس الزنيم

السيد مهدي الأعرجي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد علي الحسيني الأعرجي البغدادي. ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة 1322 ه. درس فن الخطابة على خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحلي زاول نظم الشعر وعمره أربعة عشر سنة. وأول قصيدة نظمها هي قصيدته في رثاء الإمام الحسن السبط (عليه السلام) .

قضى الزكي فنوحوا يا محبيه *** وابكوا عليه فذى الأملاك تبكيه

درس العربية والعروض على العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي رحمه اللّه . توفي السيد مهدي سنة 1359 ه. غريقاً بشطّ الفرات في الحلة يوم الخامس من شهر رجب. جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب وتزيد صفحاته على الثلثمائة وله مخطوطات كتبها بيده وخطه الجميل في المراسلات والتواريخ وغيرها وأرجوزة في تواريخ المعصومين أكبر من أرجوزة الشيخ الحر العاملي ، أصيب بانحلال في الأعصاب تعتريه غفوات مع سكتة لكنه يقظ

ص: 193

حي الشعور ، فطن يقوم بواجبه أحسن قيام متدين ورع لم يعبأ بالعسر الذي لازمه وألح عليه ومن شعره في ذلك :

وكأن دهري سيبويه فكم له *** بالعالمين تحرك وسكون

وكأنني إسم مضاف دائماً *** ودراهمي بين الورى تنوين

أتصوره جيداً وأتمثله نصب عيني ، طيب القلب إلى أبعد حدود الطيب ولم يك في البشر ممن رآه ولم يهواه ويحبه لصفائه إذ هو لا يستخف بأحد ولا يحقد على مخلوق مازحته مرة وأكثرت فتألم وتبرّم وفي لقاء آخر إعتذرت اليه فأجابني : أنا راضي بن راضي. لأن أباه هو السيد راضي الأعرجي ، وداعبه الشيخ ضياء الدخيلي فاستاء منه وارتجل :

طبعي يقول بأني *** أمجّ كل ثقيل

وقد يهون ثقيل *** إلا ضياء الدخيل

كانت محافل الأدب مستمرة في النجف فلا يكاد يقترن أحد الادباء إلا وتقام له المحافل الشعرية كل يوم عصراً لمدة ربما استمرت شهراً واحداً أو أكثر لذا تجد الكثير من الأدباء يحتفظ بمجموع أدبي شعري وكان الأعرجي خصب القريحة يشارك في أكثر الحلبات مجلٍّ في مواقفه ومن مميزاته سرعة البديهة والقدرة على نظم الشعر بسرعة فإذا طالبته بنظم قصيدة إعتزل ساعة ثم أخذ يطبق جفنيه ويفتحهما ويكتب ، وكثيراً ما يسبق شعوره قلمه. لقد رويت للأخ الخاقاني مرة عن نبوغ هذا الشاعر وسجّل ما رويت له في شعراء الغري.

ذلك أن جلس مرة في الصحن العلوي وجلس إليه الشاعر محمود الحبوبي وجواد قسّام ومَن لا يحضرني اسمه وذلك في فصل الربيع ففاجأتنا غمامة بعزاليها فالتجأنا إلى إحدى غرف الصحن فاقترح أحدهم أن يشترك الجميع بنظم قطعة بوصف الغيث وقال : هطل السحاب على الربى ملثانا

فأجازه السيد الأعرجي بقوله : فغدت حبال المحل منه رثاثا

ص: 194

وقال أحدهم : أنظر إلى لطف الكريم ومنّه

فقال : يوليك غيثاها جلاً وغياثا

وقالوا : الأرض تبسم والزهو تضاحكت

فقال : فكأن ذي عطشى وتلك غراثا

وهكذا استمرّ حتى تضاحكوا وشهدوا له بالتفوق. وحضرت معه في مجلس وكان يقرأ احد الحاضرين موضوعاً للمنفلوطي مصطفى في كتابه ( النظرات ) وعنوان المقال ( الغد ) وعندما فرغ أخذ السيد الأعرجي مضمون المقال وحوّله إلى شعر فقال :

يا ناسج الرداء أنت آمنٌ *** من أن يكون كفناً لك الردا

ولابس الثوب لتختال به *** قل لي متى أمنتَ نزعه غدا

...

يا صاح إن المرء لا يعلم ما *** يجيء فيه غده كأمسه

من داره يخرج لا يدرى إلى *** العتبة أم إلى شفير رمسه (1)

ويغرس البستان لا علم له *** أن لا يكون آكلاً من غرسه

ويجمع المال ولكن كله *** يكون بعده لزوج عرسه

...

كانني بالغد وهو رابضٌ *** ينظر بالهزء إلى آمالنا

يرى على الدنيا تكالباً لنا *** فينثني يضحك من أحوالنا

ثم يرانا لم نزل في غفلة *** ليس نفيق قط من إغفالنا

فينثني يصفق راح كفه *** تعجباً للسوء من أفعالنا

ص: 195


1- إذ أن من قول المنفلوطي : لقد غمض الغد عن العقول حتى لو أن انساناً رفع قدمه ليضعها في خروجه من باب قصره لا يدري أيضعها على عتبة القصر أم على حافة القبر.

كم مُمتلٍ من الغنى في يومه *** أصبح في غد فقيرا مملقا

وكم وضيع لم يكد يعرف في *** الناس إلى أوج الثريا حلّقا

وكم أناس جمع اليوم لهم *** شملاً فأضحى في غد مفترقا

هذا هو الدهر تراه تارةً *** مغرّباً وتارةً مشرقا

وفي حفلة أدبية بمناسبة قران أحد الأدباء تقدم الاستاذ ابراهيم الوائلي في داره الواقعة في النجف محلة الحويش ينشدنا عصراً قصيدته التي يتحامل بها على القديم وتقاليد الآباء ويسخر من اللحية فيقول :

قالوا اللحى قلت احلقوها إنها *** هي للمدلّس صرام وسنانُ

وفي اليوم الثاني يطلع السيد الأعرجي بقصيدته التي أولها :

كم بالتمدن تملأ الأشداق *** ولدى الحقيقة ما له مصداق

قد أجحفوا بحقوق شعبهم كما *** بلحاهُم قد أجحف الحلاق

ويشفعها برائعته المطربة وينشدها الخطيب خضر القزويني وأولها :

في ذمة التمدن الكاذب *** حلقك للحية والشارب

وللسيد الأعرجي ظرف وخفة روح بالرغم من الجهمة التي لا تفارق محياه فلا تكاد تفوته النادرة والنكتة ، فقد دار الحديث مرة عن البلهاء والمغفلين فروى لنا أن أحدهم كان يدير بمسبحته ويذكر اللّه ويريد أن يقول في الجزء الأول اللّه أكبر ، وفي الجزء الثاني : سبحان اللّه ، وفي الجزء الثالث : الحمد لله ولكنه غفل في الجزء الثاني وضلّ يردد سبحان اللّه ثم انتبه فأراد أن يسترجع الزائد فجعل يقول : لا سبحان اللّه ، لا سبحان اللّه ولنستمع إلى ترانيمه المطربة وغزله الرقيق من قصيدة :

بات على غنا الهزار في السحر *** يصفق النهر ويرقص الشجر

وبات ثغر الاقحوان باسماً *** والنرجس الغض يحدّه النظر

والليل بحر والهلال زورق *** والنجم قد طفى عليه كالدرر

أو أنه ملك من الزنج أتى *** وعرشه الجوّ وتاجه القمر

ص: 196

وقال يداعب الخطيب خضر القزويني :

يا خضر أنت خليلي في الأنام كما *** أنت المؤمل للمعروف من بعدي

تُرى معي كل آن في ملازمة *** والخضر ليس يرى إلا مع المهدي

وكتب للحجة الكبير الشيخ هادي ابن الشيخ عباس كاشف الغطاء يطلب منه ( سبيلا ) وهو ما يشرب به التبغ :

يا بن عباس همومي كثرت *** في الحشى حتى غدا القلب عليلا

فأنا التائه في سبل الهوى *** فاهدني - يا هادي الناس - سبيلا

وكتب للأديب العلامة السيد أحمد السيد رضا الهندي :

أأحمد يا ابن خير الخلق طراً *** ومن كان الحريّ بكل مجد

لئن لُقّبتَ بالهندي فينا *** فإن السيف يقطع وهو هندي

فأجابه :

أَمهديَّ الورى أطريت وصفي *** فكنتَ به جدير الذكر عندي

لئن ضلّ الورى سنن المعالي *** فإنك يا ابن خير الخلق مهدي

وقال في وردة بيد صديق :

وزهرة طيبها من طيب صاحبها *** تفوح كالعنبر المسحوق بالطيب

من طبعه اكتسبت نشراً لصحبته *** والطبع مكتسب من كل مصحوب

ولأن الأعرجي لا يرتضي من الشعر إلا ما كان منبعثاً عن الشعور ، فيندفع قائلاً :

ما الشعر إلا شعور *** تجيش فيه العواطف

وخيره ما تراه *** عن الحقيقة كاشف

ومن ألطف ما أروي له تاريخ وفاة الخطيب المحبوب الشيخ محمد حسين الفيخراني وقد توفاه اللّه ببغداد على أثر عملية جراحية.

ص: 197

مات في الكرخ حسين *** نائي الدار كئيب

فابكه واندب وأرخ *** واحسين واغريب

وأرخ عام سحب الماء للنجف على نفقة معين التجار وصديقه رئيس التجار سنة 1343 ه.

أجرى المعين من الرئيس عليهما *** كل الثنا ماء الفرات إلى الغري

فأقام طير البشر فيه مؤرخاً *** ان المعين له معين الكوثرِ

وإلى جنب إعجابي به فإن لي عليه مؤاخذات لا أودّ ذكرها ومن تلك المؤاخذات قوله كما رواه الخاقاني في شعراء الغري :

زار يختال كغصن *** في الصَبا إذ يتحرك

فافتضحنا بسناه *** يا جميل الستر سترك

والمعنى للشيخ البهائي كما روى الشيخ علي كاشف الغطاء في الجزء الرابع من مخطوطه ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ص 308 :

زارني ليلاً فبتنا *** في ظلام ليس يدرك

وأدرنا الكاس حتى *** كادت الحشمة تترك

فأتى الواشي فقلنا *** يا جميل الستر سترك

أما ولاؤه لأهل البيت وتفانيه في حبّهم فهو من ألمع ميزاته ولا زلت أتمثله في المآتم الحسينية يجهش بالبكاء وقد أفنى عمره في خدمة المنبر الحسيني وهذه روائعه ومراثيه تذيب الصخر إذ أنها تنصبّ من منبع الألم والثكل وقلب مكلوم.

ومقتول بجنب النهر ظام *** سليب الثوب مسبيّ الحريم

تساق نساه أسرى من ظلوم *** على عجف النياق إلى ظلوم

وإن يبكي اليتيم أباه شجواً *** مسحن سياطهم رأس اليتيم

ص: 198

وإلى جانب هذه الموهبة بالفصحى فهو ذا ملكة قوية بالنظم باللغة الدارجة متفنن فيها ففي الموال والأبوذية والشعر الدارج لا يُجارى وهناك ميزة يتفرّد بها وهي قدرته على نظم الهزل فكان في شهر ربيع الأول يوم الرابع عشر منه وهو يوم هلاك يزيد بن معاوية يسمعنا من نظمه ما يضحك الثكلى فهناك اصطلاحات تختص بها الأقطار والأمصار والبلدان وترى البعض ينتقد البعض ويضحك منها فهو ينظمها ثم ينوّع القصيدة فبيت بالفارسية وآخر بالتركية وثالث بالكردية ورابع بالهندية ومصطلحات الشرقي والغربي وهكذا ، وهذا مما يكاد ينفرد به :

ومن حسينياته :

ما بال فهر أغفلت أوتارها *** هلا تثير وغى فتدرك ثارها

أغفت على الضيم الجفون وضيعت *** يا للحمية عزها وفخارها

عجباً لها هدأت وتلك أمية *** قتلت سراة قبيلها وخيارها

عجباً لها هدأت وتلك نساؤها *** بالطف قد هتك العدى أستارها

من كل ثاكلة تناهب قلبها *** كف الأسى ويد العدو خمارها

لهفي لها بعد التحجب أصبحت *** حسرى تقاسي ذلها وصغارها

تدعو أمير المؤمنين بمهجة *** فيها الرزية أنشبت أظفارها

أبتاه يا مردي الفوارس في الوغى *** ومبيد جحفلها ومخمد نارها

قم وانظر ابنك في العراء وجسمه *** جعلته خيل أمية مضمارها

ثار تغسله الدماء بفيضها *** عار تكفنه الرياح غبارها

وخيول حرب منه رضت أضلعاً *** فيها النبوة أودعت أسرارها

وبيوت قدس من جلالة قدرها *** كانت ملائكة السما زوّارها

يقف الأمين ببابها مستأذناً *** ومقبلاً أعتابها وجدارها

أضحت عليها آل حرب عنوة *** في يوم عاشورا تشن مغارها

ص: 199

كم طفلة ذعرت وكم محجوبة *** برزت وقد سلب العدو أزارها

ويتيمة صاغ القطيع لها سواراً *** عندما بز العدو سوارها

أين الكماة الصيد من عمرو العلي *** عنها فترخص دونها أعمارها

أين الكماة الصيد من عمرو العلي *** لتثير للحرب العوان غبارها

وله من التخاميس والتشاطير شيء كثير وقد أثبتّ في مؤلفي ( سوانح الأفكار ) جملة من ذلك ، حتى أنه خمّس بعض القصائد بكاملها ومنها قصيدة السيد جعفر الحلي الحسينية وأولها :

وجه الصباح عليّ ليلٌ مظلم *** وربيع أيامي عليّ محرم

وهي 75 بيتاً. كما روي لي من نظمه تخميس ميمية السيد حيدر الحلي التي أولها :

إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم *** فلا مشت بي في طرق العلا قدم

وروي لي من نظمه تخميسه بيتين للسيد رضا الهندي في وداع زينب الكبرى لجثة أخيها الحسين (عليه السلام) :

مرّت بهم زينب لما نووا سفرا *** بها العدى فأطالت منهم نظرا

ومذ رأت صنوها في الترب منعفرا *** همّت لتقضيَ من توديعه وطرا

وقد أبى سوط شمر أن تودعه

إذا دنت منه سوط الشمر أرجعها *** ورمح زجر متى تبكيه قنّعها

فلم تودّع محاميها ومفزعها *** ففارقته ولكن رأسه معها

وغاب عنها ولكن قلبها معه

ومن روائعه في الولاء قوله في الشهيد مسلم بن عقيل :

يكفيك يا ابن عقيل فخراً في الورى *** فيه سموت إلى السماك الأعزل

إذ في رسالته الحسين لك ارتضى *** حيث الرسول يكون عقل المرسل

ص: 200

وقال :

أزائر أكتاف الحمى إبدء بمسلم *** وعج لعليِ غوث كل دخيل

فإن علي المرتضى باب أحمد *** وباب عليٍ مسلمُ بن عقيل

ويقصد الإمامين الكاظمين ويقف على المرقد ويقول :

لموسى والجواد أتيت أسعى *** لأشكو ما بقلبي من لواعج

فذا باب المراد لمن أتاه *** وهذا للورى باب الحوائج

ومن قصائده الشهيرة قصيدته في الشهيد مسلم بن عقيل وأولها :

هذي مرابعهم فحيّ وسلّم *** واعقل وقف فيها وقوف متيم

وأخرى في زيد الشهيد إبن الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأولها :

خليليّ عوجا بي على ذلك الربع *** لأسقيه إن شحّ الحيا هاطل الدمع

وثالثة يذكر فيها أبا الفضل العباس حامل لواء الحسين (عليه السلام) يوم كربلاء ، أولها :

كم ذا على الأطلال دمعك يسجم *** وإلى مَ بالتذكار قلبك مغرم

ورابعة في الصديقة الزهراء (عليهاالسلام) بنت الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أولها :

يا أيها الربع الذي قد درسا *** باكرك الغيث صباحاً ومسا

وخامسة في الامام موسى الكاظم علیه السلام ، أولها :

رحلوا وما رحلوا أهيل ودادي *** إلا بحسن تصبري وفؤادي

ولنقتطف من ديوانه بعض الروائع ، قال مخمساً :

شبّ الهوى في الفؤاد نارا *** وهيّم القلب فاستطارا

لشادن يشبه العذارى *** وأهيف من بني النصارى

بسهم ألحاظه رميتُ

ص: 201

له يدٌ تبهج النفوسا *** بيضاء قد فاقت الشموسا

فهو وإن كان مثل موسى *** خالف في المعجزات عيسى

فذاك يحيي وذا يميتُ

ومن مراسلاته الأدبية رسالة للمرجع الديني السيد أبو الحسن الاصفهاني قوله فيها :

جاء الشتا وليس لي من عدة *** أعتدّ فيها من طوارق الزمن

وها أنا أريد لي عباءة *** وإن من أهل العبا أبو الحسن

ومن روائعه قصيدته في الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء عند رجوعه من المؤتمر الإسلامي بفلسطين وأولها :

طلعت علينا طلوع القمر *** فأهلاً بهذا المحيّا الأغر

فهذي نوادي العلا أشرقت *** وأفق الكمال ازدهى وازدهر

ولقد تحدثتُ منبرياً عن حياة زيد الشهيد إبن علي السجاد إبن الإمام الحسين علیه السلام وكان حاظراً فارتجل قائلاً :

أبا يحيى ويا مَن فاق قدراً *** على هام السهى والفرقدين

لموقفك الذي استشهدت فيه *** كموقف جد السبط الحسين

وقال مقرضاً كتاب ( ثمرات الأعواد ) للخطيب السيد علي الهاشمي :

ولقد بكيت على الحسين بناظر *** أدمت مآقي جفنه عبراته

حتى سقيت بأدمعي شجر الأسى *** فنما وطال وهذه ثمراته

وقال في مريض لاذ بحرم أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي علیه السلام :

لقد كنتُ بالسلّ المبرح داؤه *** فشافاني العباس من مرض السل

ففضّلت بين الناس قدراً وإنما *** لي الفضل إذ أني عتيق ( أبي الفضل )

وقال في رثاء الحسين علیه السلام ، وأولها :

ما بكائي لرسم ربع بالي *** قد محاه مرّ السنين الخوالي

ص: 202

وقال في مطلع قصيدة عند مطلع شهر المحرم :

ليت الهلال هلال شهر محرم *** عجل الخسوف له ولم يتمم

وسجّلتُ في مؤلفي ( سوانح الأفكار ) قصيدته في شباب كربلاء يوم الحسين (عليه السلام) ، وأولها :

لا تركنن إلى الحياة *** إن المصير إلى الممات

وقال في مطلع مرثية للإمام الحسين (عليه السلام) :

هذي الطفوف فقف بها واستوقف *** واسقي ثراها بالدموع الذرف

وقال في الحسين علیه السلام وأولها :

حتى متى أجفاننا عبرى *** وإلى متى أكبادنا حرّى

كتب عن الشاعر وترجم له جملة من الباحثين وقالوا : كانت سنة وفاته هي الثامنة والخمسين بعد الثلثمائة والألف ، والصحيح هي التاسعة والخمسين بعد الثلثمائة والألف وكان تاريخ وفاته ( مهدي غرق ) كما نظم الخطيب الشيخ حسن الشيخ كاظم سبتي في تاريخ وفاته :

قد هجر الدنيا أبو صالح *** مهاجراً لله أوّابا

أعماله صالحة لا يرى *** قط بدين اللّه مرتابا

أفديه ليثاً غاب عن أهله *** واتخذ القبرَ له غابا

عوّذ بالخمسة مذ أرخوا *** مهديّ آل المصطفى غابا

وسلسلة نسب الشاعر كما في الديوان : السيد مهدي بن راضي بن حسين بن علي بن محمد بن جعفر بن مرتضى بن شرف الدين بن نصر اللّه بن زروز بن ناصر بن منصور بن أبي الفضل النقيب عماد الدين موسى بن علي بن أبي الحسن محمد بن أحمد البن إبن الأمير محمد الأشتر نقيب الكوفة والحائر الحسيني إبن عبيد اللّه بن علي الصالح بن عبيد اللّه الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين الشهيد (عليه السلام) .

ص: 203

السيد صالح الحلّي

المتوفى 1359

يرثي علي بن الحسين الأكبر شهيد الطف :

يا نيراً فيه تجلى ظلمة الغسق *** قد غاله الخسف حتى انقضّ من أفق

ونبعة للمعالي طاب مغرسها *** رقت وراقت بضافي العز لا الورق

حرّ الظبا والظما والشمس أظمأها *** وجادها النبل دون الوابل الغدق

يا ابن الحسين الذي ترجى شفاعته *** وشبه أحمد في خلق وفي خُلُق

أشبهتَ فاطمة عمراً وحيدرة *** شجاعة ورسول اللّه في نطق

يا خائضاً غمرات الموت حين طمى *** فيض النجيع بموج منه مندفق

لهفي عليه وحيداً أحدقت زمر *** الأعدا به كبياض العين بالحدق

نادى عليك سلام اللّه يا أبتا *** فجاء يعدو فألفاه على رمق

نادى بنيّ على الدنيا العفا وغدا *** مكفكفاً دمعه الممزوج بالعلق

قد استرحت من الدنيا وكربتها *** وبين أهل الشقا فرداً أبوك بقي

أبو المهدي السيد صالح ابن السيد حسين ابن السيد محمد حسيني النسب حليّ المحتد والمولد وتناديه عامة الناس أبو مهيدي خطيب أو أشهر خطباء المنبر الحسيني إذ أن شهرته الخطابية لم يحصل على مثلها خطيب حتى اليوم يتحلى بجرأه قوية وبسطة في العلم والجسم. ولد سنة 1289 ه. في الحلة وهاجر منها إلى النجف 1308 ه. وهو في التاسعة عشرة من عمره وأكمل دروسه في

ص: 204

العربية والمعاني والبيان عند الشيخ سعيد الحلي والشيخ عبد الحسين الجواهري ودرس كتابي المعالم والقوانين في الأصول على العلامة الشهير السيد عدنان ابن السيد شبر الغريفي الموسوي ، وكتابي الرسائل والمكاسب عند الشيخ علي ابن الشيخ باقر الجواهري وعلى الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وهو في كل ذلك يتعاهد ملكته الأدبية ولم تكن له يومئذٍ صلة بالخطابة وفي سنة 1318 ه. أحسّ من نفسه القدرة على الخطابة وقوة البيان وطلاقة اللسان فتوجّه أول ما توجه إلى حفظ الكثير من ( نهج البلاغة ) من خطب الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ولم يك في عصره من الخطباء المجددين في الفن إلا المرحوم الشيخ كاظم سبتي فهو أظهر الخطباء وأبرزهم فنبغ السيد صالح وأخذ يجاريه ويزاحمه ومن حسن الصدف أن يولي العالم الكبير والمؤرخ الخبير السيد باقر الهندي عنايته خطيبنا الصالح فيسهر على توجيهه وإرشاده ، وهناك لمع نجمه واشتهر اسمه فقد كان من المتعارف أن يجتمع خطيبان في محفل واحد بالتعاقب وصادف أن دُعي الخطيبان : سبتي والحلي ولحداثة سنّ السيد صالح والأصول المتبادلة في إحترام الخطباء للأكبر سناً فقد رضي السيد صالح أن يكون هو الأول كمقدمة للشيخ كاظم. أما المعروف بين الناس أن الخطيب الثاني إنما تظهر براعته إذا تناول نفس الموضوع الذي طرقه الخطيب الأول بإضافة شيء جديد وتتمة للموضوع الأول. فكان حديث السيد صالح عن سيرة أبي الفضل العباس وهكذا تقدم الشيخ كاظم وتكلم فأجاد ولم يك بحسبان شيخنا الخطيب أن السيد صالح قد أعدّ نفسه وهيأ من المادة الكافية للتحدث عن أبي الفضل العباس في الليالي العشر كلها وهذه براعة منبرية وقدرة تؤهله للتقدم والبروز وهكذا استمر في أدوار حياته بطلاً منبرياً وخاض غمرات سياسية وإصلاحية فكان المنتصر في أكثرها وفي الثورة العراقية عام 1920 م. في الفرات الأوسط ومطالبة الشعب بالحكم الوطني كان صوت السيد صالح أعلى الأصوات واستمر يحرض القبائل حتى قبض عليه الإنكليز في بعقوبة وأبعدوه إلى البصرة ثم إلى المحمرة فآواه أميرها الشيخ خزعل خان وأحسن وِفادته

ص: 205

واستمر في صراعه مع اللادينيين الذين يتسترون بإسم التهذيب والتنظيم ومن المؤسف أن تنجح مؤامرة اولئك الذين يظهرون خلاف ما يبطنون فيروّجون إشاعة سبه للعلماء وتنقسم كلمة رجال الدين فمن مناصر له ومن محارب وتنتعش تلك الطغمة التي لا يطيب لها العيش إلا في الأوحال والقيل والقال. لقد ضعفت قوته وضعف عزمه ولبث ملازماً بيته إلى أن توفاه اللّه ليلة السبت 29 شوال 1359 ه. في الكوفة فحُمل على الرؤوس تعظيماً له حتى دفن بوادي السلام في مقام المهدي ونعاه المنبر وبكته الخطابة ورثاه العلامة الجليل الشيخ عبد المهدي مطر بقصيدة فاخرة منها :

نعتك الخطابة والمنبر *** وناح لك الطرس والمزبر

وفيك انطوت صفحة للبيان *** بعير لسانك لا تنشر

إهتم الخطيب الأديب السيد محمد حسن الشخص سلمه اللّه بجمع ديوانه وسجّل له كل شاردة وواردة ، وهذه رائعة من روائعه في أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) :

من هاشم سلبت أمية تاجها *** وفرت بسيف ضلالها أوداجها

تخلو عرينة هاشم من أُسدها *** وتكون ذئبان الفلا ولاجّها

قوم إذا الهيجا تلاطم موجها *** خاضوا بشزّب خيلهم أمواجها

ما بالها أغضت وعهدي أنها *** كانت لكل ملمة فرّاجها

ومنها :

للشوس عباس يريهم وجهه *** والوفد ينظر باسماً محتاجها

باب الحوائج ما دعته مروعة *** في حاجة إلا ويقضي حاجها

بأبي أبي الفضل الذي من فضله *** السامي تعلّمت الورى منهاجها

قطعوا يديه وطالما من كفّه *** ديم الدما قد أمطرت ثجاجها

أعمود أخبيتي وحامي حوزتي *** وسراج ليلي إن فقدت سراجها

أعزز عليك بأن تراني مفرداً *** فاجأت من جيش العدى أفواجها

أفدي محيّاً بالتراب قد اكتست *** من نوره شمس الضحى أبهاجها

ص: 206

الشيخ عبد اللّه الخضري

المتوفى 1359

يستنهض في أولها حجة آل محمد ويتخلص برثاء الحسين علیه السلام :

أبا صالح حتى متى أنت غائب *** وليس لهذا الدين غيرك صاحب

لقد خفضتنا نصب عينك عصبة *** البغاة وثُلّت من حماكم جوانب

يريدون منا أن نفضّل عصبة *** لها الكفر دين والمعاصي مذاهب

على مَن أقام الدين في سيفه الذي *** له قد أطاعت من قريش كتائب

أباد قريشاً يوم بدر بسيفه *** ويوم حنين ليس إلاه ضارب

فكم كفّ عن وجه النبي جيوشهم *** وكم ظهرت منه بأحد عجائب

ويوم تبوك حين ناداه أحمد *** وقد هربوا منه هُم والأقارب

أغثني فأنت اليوم كهفي وناصري *** فلبّاه لا وانٍ ولا هو راهب

فداؤك نفسي ها أنا اليوم قادم *** وكان كما ينحط للرجم ثاقب

فأرداهم صرعى وفلّق هامهم *** همام بماضيه تفلّ القواضب

ولما أراد اللّه لقيا رسوله *** فأوحى له بلّغ فإنك غالب

فقام رسول اللّه يخطب فيهم *** ألا بلغوا يا قوم من هو غائب

بأن علياً وارثي وخليفتي *** على الناس بعدي وهو للأمر صاحب

ص: 207

ومنها :

دعوه أن اقدم إننا لك شيعة *** نجاهد أفواج العدى ونضارب

فأقبل والأنصار كالأسد خلفه *** تقلّهم للطّف جردٌ سلاهب

ومذ خيّموا بالطف دارت عليهم *** كتائب تقفو إثرهن كتائب

فصالوا عليهم كالليوث وجرّدوا *** سيوفاً بها للظلم هدّت جوانب

هم الأسد لكن الرماح أجامها *** وليس سوى عوج السيوف مخالب

ومذ خطبوا العليا ولما يكن لها *** سوى النفس مهر والمهند خاطب

أبى عزّهم إلا الردى حيث أنه *** تنال به عند الإله المراتب

وما مات منهم واحد غير أنه *** تموت بكفّيه القنا والقواضب

ومذ عانقوا بيض الصفاح وبعد ذا *** تعانقهم في الخلد حور كواعب

الشيخ عبد اللّه هو ابن الشاعر الفحل الشيخ محسن ابن الشيخ محمد الخضري كان من العلماء والفضلاء ولد في النجف سنة 1297 ه. ونشأ بها بكفالة جدّه لأمه الشيخ إسماعيل فهو الذي وجّهه نحو العلم ، وتدرّج على أندية آل كاشف الغطاء وهم أعمامه الأدنون منه فبرع في الفقه والأصول مضافاً إلى تقوى وورع ودين وكان يذهب إلى العشائر الفراتية فيعظ ويرشد ويذكرهم بالآخرة حتى أثر أكبر الأثر على نفوسهم واتجهوا لطاعة اللّه واجتناب المعاصي والتورع عن الحرام وسبق له أن حمل سلاحه وجاهد دفاعاً عن إستقلال العراق وطرد الكافر عن بلاد الإسلام. توفي فجأة عام 1359 ه. ببغداد ونقل للنجف فدفن في الإيوان الذهبي من صحن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام وخلّف أربعة ذكور الأستاذ عبد الصاحب ، والاستاذ نصر ، والعلامة الشيخ كاظم ، والاستاذ عبد المنعم. وهم يحتفظون بمجموعة من قصائده فمنه قوله متغزّلاً :

ص: 208

وبدر السعادة لما استهل *** ونحس النجوم وشيكاً أفل

وزالت عن القلب أسقامه *** بوصل الحبيب عقيب الملل

وزار الحبيب برغم الرقيب *** وكان الطبيب لتلك العلل

رشاً قد سبى الغصن في قدّه *** وقد علّم البان ذاك الميل

فوجنته الشمس لما بدت *** وطلعته البدر لما اكتمل

ومبسمه الدر لما ابتسم *** وما الشهد من ريقه والعسل

يزجّ الاسود برمح القوام *** ويصمي القلوب بسيف المقل

فحاجبه قوسه ، والحمل *** سهام له والقوام الأسل

فيا عاذلي كفّ عنك الملام *** فقد ضلّ قلبك مَن قد عذل

ص: 209

الشيخ مهدي الظالمي

المتوفى 1359

كانت الهيئة الروحية تقيم مأتم العزاء لذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) في مسجد آل الجواهري بالنجف الأشرف في المحرم فكانت هذه القصيدة الحسينية قد خصصت لها ليلة من الليالي :

متى مُضر الحمراء تطلب ثارها *** فتسمع آذان الزمان شعارها

وحتى مَ تستقصي البلاد بجولة *** على الأرض تهدي للسماء غبارها

إلى مَ بدار الذل تبقى وما لها *** على الضيم دهراً لا تملّ قرارها

أتحسب أن غضت عن الحرب طرفها *** بغير وصال الموت تقطع عارها

فلا عذر حتى تورد القوم بالظبا *** حياض المنايا أو تخوض غمارها

فيا من بها يستدفع الضر والعدى *** حذاراً من البلوى تعزز جارها

دعي البيض في ليل القتام سوافراً *** إذا حجبت خيل الكماة نهارها

وزفّي لنيل المجد نفساً أبية *** ولا تجعلي إلا الرؤوس نثارها

أديري رحى الهيجاء يوماً لعلّها *** عليكِ بوادي الطف تنسى مدارها

غداة حسين خرّ للأرض فانثنت *** عليه تشنّ العاديات مغارها

فجرّت اليه المحصنات ذيولها *** وقدسلبت أيدي العدو ستارها

فطافت به لما سعت بين قومها *** تفاديه والأحشاء ترمي جمارها

وأهوت عليه تلثم النحر والعدى *** تجاذبها بين الجموع أزارها

أتستر بالأيدي الوجوه وقومها *** أعدّت لدفع الضيم عنها شفارها

فليت أبيّ الضيم ساعة أبرزت *** من الخدر حسرى تستقيل عثارها

يرى زينباً بين الأجانب بعدما *** أماطت يد الأعداء عنها خمارها

ص: 210

ويا ليتَ مَن في الليل كان يصونها *** من الوهم مهما كلفته مزارها

يقوم من الأجداث حيّاً وعينه *** ترى بين أيدي الظالمين فرارها

تمنّيتُهُ لما استجارت بقومها *** ليسمع منها كيف تدعو نزارها

تقول لهم والخيل من كل جانب *** أحاطت بها لما استباحت ديارها

أيا إخوتي كيف التصبر والعدا *** أعارت خدور المحصنات صغارها

فإن لم تقوموا للكفاح عوابساً *** فمَن بعدكم في الروع يحمي ذمارها

فكم طفلة لما أُقيمت بخدرها *** عليها العدى قامت تأجج نارها

فيا لخدور قد أُبيحت ونسوة *** أُريعت وعين السبط ترعى انذعارها

فأمست بلا حام عقائل حيدر *** أزالت ضروب الهائلات قرارها

وأضحت تحيل الطرف بعد حماتها *** فلم ترَ إلا مَن يريد احتقارها

وراحت على عجف النياق أسيرة *** تجوب الفيافي ليلها ونهارها

الشيخ مهدي الظالمي هو أحد الفضلاء المشهورين بالجدّ والفضل والعلم والأدب نظم باللغتين : الفصحى والدارجة وكتبتُ ديوانه يوم كانت كل محفوظاتي هي الشعر والشعر فقط ولا أُدوّن إلا الشعر عثرت على ديوانه فكتبته ولم يزل في مخطوطاتي ولا زلت أتصوّرُه جيداً طويل القامة حسن الهندام هادئ الطبع يزدحم الشباب على حلقة درسه ويشار اليه بالبنان. ترجم له الخاقاني في شعراء الغري فهو المهدي بن الهادي بن جعفر بن راضي بن حمود بن اسماعيل ابن درويش بن حسين بن خضر بن عباس السلامي ، من أسرة علمية نجفية وسبق وأن مرّت ترجمة الشيخ حمود الظالمي ، ولد في النجف سنة 1310 ه. ونشأ ذواقة للعلم والأدب والدرس والبحث ولم يعمّر كثيراً فقد وافاه الأجل عصر الخميس الثاني من ربيع الثاني عام 1359 ه. ودفن في الصحن الحيدري الشريف في الإيوان الذهبي ورثاه فريق من تلامذته وعارفي فضله وأبّنوه شعراً ونثرً وخلّف ولداً أديباً لا زالت قريحته تفيض بالأدب الحي.

ص: 211

الحاج حسين الحرباوي

منتصف القرن الرابع عشر

لنا جيرةٌ بالأبرقين نزول *** سقى ربعهم غيثٌ أجشّ هطول

تواعدني الأيام بالقرب منهم *** فتلك ديون والزمان مطول

أجيراننا ما القلب من بعد بينكم *** بسالٍ ولا الصبر الجميل جميل

أجيراننا بالخيف ما زال بعدكم *** لنا الدمع جارٍ والعزيز ذليل

فهيهات صفو العيش منا وللهدى *** تبدّد شمل واستقلّ قبيل

تحمّل أضعان الطفوف عشية *** وأقفرن منهم أربع وطلول

ألا قاصداً نحو المدينة غدوة *** يبلّغ عني مسمعاً ويقول

أيا فتية بان السّلو بينهم *** وجاور قلبي لوعة وعويل

رأيت نساء تسأل الركب عنكم *** تلوح عليها ذلة وخمول

تطلّع من بعد إلى نحو داركم *** بطرف يصوب الدمع وهو كليل

نوادب اقذين الجفون من البكا *** وأعشبن مغنى الطف وهو محيل

نوادب أمثال الحمام سواجعاً *** لها فوق كثبان الطفوف هديل

حملن على عجف النياق حواسراً *** لها كل يوم رحلة ونزول

تجاذبها السير العنيف عصابة *** لها الشرك حاد والنفاق دليل

تشيم رؤوساً كالبدور على القنا *** لهن طلوع فوقها وأفول

وتبصر مغلول اليدين مصفّداً *** يراه من السير العنيف نحول

ص: 212

وتنظر ذياك العزيز على الثرى *** له الليل سترٌ والهجير مقيل

فتدعو حماة الجار من آل هاشم *** بصوت له شمّ الجبال تزول

أهاشم هبّي وامتطي الصعب انه *** لك السير إن رمت العراق ذلول

أهاشم قومي وانتضي البيض للوغى *** فوِترك وترٌ والذحول ذحول

أصبراً وأنجاد العشيرة بالعرا *** على الترب صرعى فتية وكهول

أصبراً ورحل السبط تنهبه العدا *** فموتك ما بين السيوف قليل

أصبراً وآجام الأسود بكربلا *** بها النار شبّت والهزبر قتيل

وتلك على عجف النياق نساؤكم *** لها اللّه تسبى والكفيل عليل

عهدتكم تأبى الصغار أنوفكم *** وأسيافكم للراسيات تزيل

فما بالكم لم تنض للثار قضبكم *** فتحمّر من بيض الصفاح نصول

كأن لم يكن للجار فيكم حمية *** ولا كان منكم جعفر وعقيل

ألم يأتكم أن الحسين رمية *** على الترب ثاوٍ والدماء تسيل

وكم لكم في السبي حرّى من الجوى *** ثكول وفي أسر العدو عليل

وكم لكم في الترب طفل معفر *** صريع وفي فيض الدماء رميل

وكم طفلة لليتم أمست رهينة *** وليس لها يوم الرحيل كفيل

وحسرى تدير الطرف نحو حميّها *** فتبصره في الأرض وهو جديل

فتذهل حتى عن تباريح وجدها *** وتنحاز للدمع المصوب تذيل

وأبرح ما قد نالكم أن زينباً *** لها بين هاتيك الشعاب عويل

شكت وانثنت تدعو الحسين بعبرة *** تصدع مها شارف وفصيل

تنادي بصوت صدع الصخر شجوة *** وكادت له السبع الطباق تزول

أخيّ عيون الشرك أمست قريرة *** بقتلك قرّت والمصاب جليل

أراك بعيني دامي النحر عافراً *** عليك خيول الظالمين تجول

نعم أيقنت بالسبي حتى كأنها *** لما نابها وهي الوقور ذهول

ص: 213

الحاج حسين الحرباوي ، هو شاعر بغدادي رأيت له عدة قصائد يمدح بها أمير المحمرة الشيخ خزعل خان المتوفى سنة 1355 ه. فلا بد وأن يكون من معاصريه ، ولقد أثبتها الشيخ جواد الشبيبي في مؤلفه المخطوط عن أمير المحمرة. وذكره الباحث علي الخاقاني في شعراء الحلة وهو ليس بحلّي حيث أنه وجد له شعراً مع شعراء الحلة وذكر له مقطوعة في الغزل أولها :

تشعشعت فتولّت عندها الظلم *** شمس براحة بدر جاء يبتسم

أهلاً به مقبلاً كالبدر حين غدا *** بين السحائب يبدو ثم ينكتم

ص: 214

درويش الصحّاف

منتصف القرن الرابع عشر

عن ناظري بان الكرى ورقادي *** وتسعّرت نار الأسى بفؤادي

وتمكنت كل الهموم بمهجتي *** والجسم أنحله السقام البادي

لما ذكرت شباب عصر قد مضى *** في غفلة ونفى المشيب سوادي

أيقنت بالترحال عن دار بها *** أنفقت فيها العمر في الأعياد

ومنها في الإمام الحسين علیه السلام :

قالت له الأصحاب يا مولى الورى *** نفديك بالأرواح والأولاد

فجزاهم خيراً وأقبل للعدى *** والسيف مسلول من الأغماد

وبقي يصول عليهم في عزمة *** فكأنه ليث هزبر عاد

ضاها أباه المرتضى ليث الشرى *** لم يختشِ أحداً من الأضداد

مذ كرّ فرّوا خشية من بأسه *** كالحمر إذ فرّت من الآساد

ومنها :

يا آل بيت محمد المختار يا *** ذخري ومَن فيهم صفا ميلادي

أنتم ملاذ المذنبين من الورى *** وبكم أصول على الزمان العادي

أنا عبدكم ( درويش بن محمد ) *** أرجو السلامة في غد بمعادي

ص: 215

والسامعين قصيدتي يا سادتي *** والكاتبين لطرسها بمداد

صلى عليكم ربكم يا سادتي *** ما غرّد القمري في الأعواد

والقصيدة طويلة وهذا جيّدها :

درويش الصحّاف ابن الحاج محمد الصحاف البغدادي ، شاعر أديب له مجموعة مخطوطة جمع فيها بعض القصائد في رثاء الإمام الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) . ووالده أديب شاعر.

والذي يظهر أن المجموعة كتبت حدود سنة 1350 ه. قال الباحث السيد جودت القزويني : إستعرت هذه المجموعة من الخطيب السيد أحمد المؤمن البصير وفيها شيء من نظمه.

ص: 216

الشيخ محمد حسين الأصفهاني

المتوفى 1361

قال في أرجوزته الغرّاء المسماة ب ( الأنوار القدسية ) المطبوعة بمطابع النجف ، في فصل تحت عنوان مولد السبط الشهيد :

أسفر صبح اليُمن والسعادة *** عن وجه سرّ الغيب والشهادة

أسفر عن مرآة غيب الذات *** ونسخة الأسماء والصفات

تعرب عن غيب الغيوب ذاته *** تفصح عن أسمائه صفاته

يُنبئ عن حقيقة الحقائق *** بالحق والصدق بوجه لائق

لقد تجلّى أعظم المجالي *** في الذات والصفات والأفعالِ

روح الحقيقة المحمديه *** عقل العقول الكمّل العليّه

فيض مقدّس عن الشوائب *** مفيض كل شاهدٍ وغائب

تنفّس الصبح بنور لم يزل *** بل هو عند أهله صبح الأزل

وكيف وهو النفس الرحماني *** في نفس كل عارف رباني

به قوام الكلمات المحكمة *** به نظام الصحف المكرّمه

تنفّس الصبح بالاسم الأعظم *** محى عن الوجود رسم العدم

بل فالق الإصباح قد تجلّى *** فلا ترى بعد النهار ليلا

فأصبح العلم ملاء النور *** وأي فوز فوق نور الطور

ونار موسى قبس من نوره *** بل كل ما في الكون من ظهوره

أشرق بدر من سماء المعرفة *** به استبان كل إسم وصفه

ص: 217

به استنار عالم الإبداع *** والكل تحت ذلك الشعاع

به استنار ما يرى ولا يُرى *** من ذورة العرش إلى تحت الثرى

فهو بوجهه الرضي المرضي *** نور السماوات ونور الأرض

فلا توازي نوره الأنوار *** بل جلّ أن تدركه الأبصار

غرّته بارقة الفتوّة *** قرة عين خاتم النبوّة

تبدو على غرّته الغراء *** شارقة الشهامة البيضاء

بادية من آية الشهامة *** دلائل الإعجاز والكرامة

من فوق هامة السماء همته *** تكاد تسبق الفضاء مشيته

ما هامة السماء من مداها *** إن إلى ربك منتهاها

أم الكتاب في علوّ المنزله *** وفي الإبا نقطة باء البسمله

تمّت به دائرة الشهاده *** وفي محيطها له السياده

لو كشف الغطاء عنك لا ترى *** سواه مركزاً لها ومحورا

وهل ترى لملتقى القوسين *** أثبت نقطة من الحسين

فلا وربّ هذه الدوائر *** جلّ عن الأشباه والنظائر

* * *

بشراك يا فاتحة الكتاب *** بالمعجز الباقي مدى الأحقاب

وآية التوحيد والرسالة *** وسرّ معى لفظة الجلاله

بل هو قرآن وفرقان معا *** فما أجلّ شأنه وأرفعا

هو الكتاب الناطق الإلهي *** وهو مثال ذاته كما هي

ونشأة الأسماء والشؤون *** كل نقوش لوحه المكنون

لا حكم للقضاء إلا ما حكم *** كأنه طوع بنانه القلم

رابطة المراد بالإرادة *** كأنه واسطة القلادة

ناطقة الوجود عين المعرفة *** ونسخة اللاهوت ذاتاً وصفة

في يده أزمّة الأيادي *** بالقبض والبسط على العباد

ص: 218

بل يده العليا يد الافاضة *** في الأمر والخلق ولا غضاضة

وفيه سرّ الكل في الكل بدا *** روحان في روح الكمال اتحدا

لك العروج في السماوات العلى *** له العروج في سماوات العلا

مخايل النبوة في الحسين

أنت من الوجود عين العين *** فكن قرير العين بالحسين

شبلك في القوة والشجاعة *** نفسك في العزة والمناعة

منطقك البليغ في البيان *** لسانك البديع في المعاني

طلعتك الغرّاء بالإشراق *** كالبدر في الأنفس والآفاق

صفاتك الغرّ له ميراث *** والمجد ما بين الورى تراث

لك الهنا يا غاية الإيجاد *** بمدّه الخيرات والأيادي

وهو سفينة النجاة في اللجج *** وبابها السامي ومَن لجّ ولج

سلطان إقليم الحفاظ والإبا *** مليك عرش الفخر اماً وأبا

رافع راية الهدى بمهجته *** كاشف ظلمة العمى ببهحته

به استقامت هذه الشريعة *** به علت أركانها الرفيعة

بنى المعالي بمعالي هممه *** ما اخضرّ عود الدين إلا بدمه

بنفسه اشترى حياة الدين *** فيا لها من ثمن ثمين

أحيى معالم الهدى بروحه *** داوى جروح الدين من جروحه

حفّت رياض العلم بالسموم *** لو لم يروّها دم المظلوم

فأصبحت مورقة الأشجار *** يانعة زاكية الثمار

أقعد كل قائم بنهضته *** حتى أقام الدين بعد كبوته

قامت به قواعد التوحيد *** مذ لجأت بركنها الشديد

وأصبحت قومية البنيان *** وعزمه عزائم القرآن

غدت به سامية القباب *** معاهد السنّة والكتاب

ص: 219

أفاض كالحيا على الوراد *** ماء الحياة وهو ظام صادي

وكضّه الظما وفي طيّ الحشا *** ريّ الورى واللّه يقضي ما يشا

والتهبت أحشاؤه من الظما *** فأمطرت سحائب القدس دما

وقد بكته والدموع حمر *** بيض السيوف والرماح السمر

تفطّر القلب من الظما وما *** تفترّ العزم ولا تثلّما

ومن يدكّ نوره الطور فلا *** يندكّ طود عزمه من البلا

تعجب من ثباته الأملاك *** ومن تجولاته الأفلاك

لا غرو إنه ابن بجدة اللقا *** قد ارتقى في المجد خير مرتقى

شبل علي وهو ليث غابه *** نعم وكان الغاب في إهابه

كرّاته في ذلك المضمار *** تكوّر الليل على النهار

سطا بسيفه فغاضت الربى *** بالدم حتى بلغ السيل الزبى

قام بحق السيف بل أعطاه *** ما ليس يعطي مثله سواه

كأن منتضاه محتوم القضا *** بل القضا في حدّ ذاك المنتهى

كأنه طير الفنا رهيفه *** يقضي على صفوفهم رفيقه

أو صرصر في يوم نحس مستمر *** كأنهم أعجاز نخل منقعر

الرأس الكريم

وفي المعالي حقها لما علا *** على العوالي كالخطيب في الملا

يتلو كتاب اللّه والحقائق *** تشهد أنه الكتاب الناطق

قد ورث العروج في الكمال *** من جدّه لكن على العوالي

هو الذبيح في منى الطفوف *** لكنه ضريبة السيوف

هو الخليل المبتلى بالنار *** والفرق كالنار على المنار

تاللّه ما ابتلى نبيّ أو وليّ *** في سالف الدهر بمثل ما ابتلي

له مصائب تكل الألسن *** عنها فكيف شاهدتها الأعين

ص: 220

أعظمها رزء على الإسلام *** سبي ذراري سيّد الأنام

ضلالة لا مثلها ضلاله *** سبي بنات الوحي والرساله

وسوقها من بلد إلى بلد *** بين الملا أشنع ظلم وأشد

وأفظع الخطوب والدواهي *** دخولها في مجلس الملاهي

ويسلب اللب حديث السلب *** يا ساعد اللّه بنات الحجب

تحمّلت أمية أوزارها *** وعارها مذ سلبت أزارها

وأدركت من النبي ثارها *** وفي ذراريه قضت أوتارها

واعجبا يدرك ثار الكفرة *** من أهل بدر بالبدور النيّرة

فيا لثارات النبي الهادي *** بما جنت به يد الأعادي

الشيخ محمد حسين الاصفهاني نابغة دهره وفيلسوف عصره وفقيه الامة ، اتجهت الأنظار اليه وتخرّج على يده جملة من العلماء الأعلام ومن الكمال والأدب بمكان منشأ بليغاً باللغتين العربية والفارسية وخطه من أجمل الخطوط وهذه جملة من مؤلفاته :

1 - كتاب في الفقه والأصول بأجمل اسلوب.

2 - حاشية على كفاية الاصول أسماها ( نهاية الدراية ) طبع الجزء الأول منها في طهران.

3 - رسالة في الصحيح والأعم.

4 - رسالتان في المشتق.

5 - رسالة في الطلب والإرادة.

6 - رسالة في علائم الحقيقة والمجاز.

7 - رسالة في الحقيقة الشرعية.

8 - رسالة في تقسيم الوضع إلى الشخصي والنوعي.

ص: 221

9 - عدة رسائل في مختلف أبواب الفقه تزيد على الثلاثين ، وديوان شعر فارسي في مدائح ومراثي آل بيت الوحي وكل شعره مشحون بالفلسفة والعرفان كما له ديوان ثاني في العرفانيات والحكميات وله أرجوزة بالعربية وهي التي أسماها ب ( الأنوار القدسية ) فيها أربع وعشرون قصيدة في تاريخ حياة النبي صلی اللّه علیه و آله والأئمة الإثنى عشر وأولادهم صلوات اللّه عليهم أجمعين.

كان بعد الفراغ من دروسه في الحكمة والفقه والأصول يتلو قطعة من نظمه فتلتذ العقول وترتاح النفوس وتعدّ تلامذته وجود هذه الذات من أعظم الرحمات مضافاً إلى سيرته التي هي مثال عملي عن خلقه وأدبه.

وانطفأ هذا المشعل النيّر ليلة الخامس من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1361 ه. عن عمر يناهز الستة والستين عاماً إذا كانت ولادته سنة 1296 ه.

ص: 222

الشيخ هادي كاشف الغطاء

المتوفى 1361

ربع محى الحدثان رسمه *** أجرى عليه الدهر حكمه

كم رمت كتمان الغرام *** به ويأبى الوجد كتمه

أوحشت يا ربع الهدى *** ولبست بعد النور ظلمه

ولقد أشابت لمّتي *** نوب تشيّب كل لمّه

بملمة طرقت فأنست *** كل طارقة ملمة

يوم أبيّ الضيم فيه *** أبى المذلّة والمذمّه

وسقى الثرى بدم العدوّ *** وأطعم العقبان لحمه

وافى لعرصة كربلا *** من هاشم في خير غلمه

أقمار تمٍّ أسفرت *** بدجى الخطوب المدلهمه

وليوث حرب صيّرت *** سمر العوالي اللدن أجمه

من كل فارس بهمة *** ما همّه إلا المهمة

حتى إذا نزل القضا *** ء وأنقذ المقدور حتمه

نهبتهم بيض الضبا *** وتقاسمتهم أي قسمه

يا صدمة الدين التي *** ما مثلها للدين صدمه

هدّمت أركان الهدى *** وثلمت في الإسلام ثلمه

قتل الإمام إبن الإمام *** أخو الإمام أبو الأئمة

ما ذاق طعم الماء حتى *** صار للأسياف طعمه

ملقى على وجه الصعيد *** تدوس جرد الخيل جسمه

ص: 223

لا يرحم اللّه الأولى *** قطعوا من المختار رحمه

لم يرقبوا لنبيهم *** في آله إلا وذمّه

خسرت تجارة من يكون *** شفيعه في الحشر خصمه

أبَني أمية أنتم *** في الناس كنتم شرّ أمّة

الشيخ الهادي ابن الشيخ عباس بن علي بن جعفر صاحب كشف الغطاء قدس سره . ولد بالنجف سنة 1289 ه. منشأه بيت العلم والكمال والهيبة والجلال فالدر من موطنه والذهب من معدنه ، كنت إذا نظرت إلى وجهه المبارك رأيت في أساريره النور وروعة العلم وهيبة العلماء وملامح النسك والعبادة ، نظم الشعر في حداثة سنّه مع أخدانه أبطال اشعر ونوابغ الفن أمثال الشيخ جواد الشبيبي والشيخ آغا رضا الأصفهاني والسيد جعفر الحلي وأضرابهم وتتلمذ على الملا كاظم الآخوند كثيراً والشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ويروي إجازةً عن السيد حسن الصدر والشيخ آغا رضا الهمداني ونال من الحظوة العلمية مرتبة الإجتهاد وأصبحت قلوب الناس متعلقة به منجذبة اليه لفضله وعلمه وورعه وتقواه وتواضعه وسيرته الطيبة ، ما جلس اليه أحد إلا وانجذب اليه لروحانيته وأفاض عليه من نميره العذب. كنا نجلس في طرف المجلس احتراماً له وهو يدنينا اليه ويحدثنا بما يخص المنبر الحسيني وعن أثر وقعة الطف ويستشهد بشيء من منظومته المسماة ب ( المقبولة الحسينية ) وهو صاحب مستدرك نهج البلاغة وكتاب ( مصادر نهج البلاغة ومداركه ) ، وشرح شرائع الإسلام ، وشرح تبصرة العلامة الحلي ، ورسالة تضم فتاواه وآراءه الفقهية أسماها ( هدى المتقين ) طبعت سنة 1342 ه. وله منظومة في النحو وأخرى في الإمامة ، أما المنظومة المسماة بالمقبولة فلا زال خطباء المنبر الحسيني يجعلونه موضع الشاهد لأحاديثهم الحسينية ومما قال في مدح النجف من قصيدة :

ص: 224

قف بالنياق فهذه النجف *** أرض لها التقديس والشرف

ربع ترجلت الملوك به *** وبفضل عزّ جلاله اعترفوا

حرم تطوف به ملائكة الربّ *** الجليل وفيه تعتكف

وله أرجوزة في سيرة الزهراء سلام اللّه عليها ، ومنها :

ومَن بهم بأهل سيد الورى *** ( وقل تعالوا ) أمرها لن ينكرا

وهل أتى في حقها وكم أتى *** من آية ومن حديث ثبتا

لما رووه في الصحيح المعتبر *** من أنها بضعة سيد البشر

وبضعة المعصوم كالمعصوم *** في الحكم بالخصوص والعموم

لانها من نفسه مقتطعه *** فحقها في حكمه أن تتبعه

إلا الذي أخرجه الدليل *** فإننا بذاك لا نقول

ولم يرد في غيرها ما وردا *** في شأنها فالحكم لن يطردا

وآية التطهير قد دلّت على *** عصمتها من الذنوب كملا

توفي رحمه اللّه ليلة الاربعاء في 9 محرم الحرام سنة 1361 ه. وكان يوما مشهوداً واشترك سائر الطبقات بمواكب العزاء حتى أودع في مقبرتهم مع والده وجدّه رحمهم اللّه جميعاً وتعاقبت الشعراء على منصة الخطابة ترثيه بما هو له أهل وتندبه وكما أقيم له حفل أربعيني إشترك فيه كبار الكتّاب والخطباء والشعراء.

ومن نتفه وملحه قوله :

قول إن الذي يموت يراني *** حار همدان - عن علي رواه

فتمنيت أن أموت مراراً *** كل يوم وليلة لأراه

يشير إلى حديثنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) للحارث الهمداني إذ يقول : وأُبشرك يا حارث ليعرفني وليّ وعدوّي في مواطن شتى ، يعرفني عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة قال : وما المقاسمة يا سيدي قال : مقاسمة

ص: 225

الجنة والنار أقسمهما قسما صحاحا ، أقول هذا وليّ وهذا عدوّي ، ونظم السيد الحميري في ذلك فقال :

قول علي لحارث عجب *** كم ثَمّ أعجوبة له حملا

يا حار همدان مَن يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه *** بنعته وإسمه وما فعلا

وأنت عند الصراط تعرفني *** فلا تخف عثرة ولا زللا

أقول للنار حين تعرض للعرض *** ذرية لا تقبلي الرجلا

ذريه لا تقبليه إن له *** حبلاً بحبل الوصي متصلا

وتوهم إبن أبي الحديد حيث نسب هذا الشعر للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أقول قد نطقت صحاح الأخبار بأن الإمام علي علیه السلام يشاهده شيعته في خمسة مواطن : عند خروج الروح ، ,عند سؤال القبر ، وعند الحوض ، وعند الحساب ، وعند الصراط.

وقد روى الهيتمي في معجمه وأبو نعيم في حلية الأولياء والخطيب البغدادي والمحب الطبري في الرياض النظرة والمتقي الهندي في كنز العمال وإبن حجر في الصواعق والمناوي في كنوز الحقائق وغيرهم علماء السنّة أن الإمام علیه السلام يُرى عند الحوض وعند الحساب وعند الصراط فيكون الاتفاق حاصلاً من الفريقين على هذه الرؤى الثلاث ، وأما ما يخص الرؤية عند خروج الروح وعند سؤال القبر فقد حصل فيها بعض الأخذ والرد من علماء الفريقين.

ص: 226

الشيخ عبد الحسين صادق

المتوفى 1361

قال يرثي علي بن الحسين شهيد كربلاء علیه السلام :

عهدي بربعهم أغنّ المعهَد *** وندّيه يفتر بالروض الندي

ما باله درس الجديدُ جديدَه *** ومحا محاسن خدّه المتورد

أفلّت أهلّته وغابت شهبه *** في رائح للنائبات ومُغتدي

زمّت ركاب قطينه أيدي سَبا *** تفلي الفلاة بمتهِم وبمنجد

* * *

ولقد وقفت به ومعتلج الجوى *** بجوانحي عن حبس دمعي مقعدي

فتخالني لضناي بعض رسومه *** ولحرّ أحشائي أثافي مَوقَد

أرنوا اليه وناظري مُتقسّم *** بطلوله لمصوب ومُصعّد

ما أن أرى إلا الحمائم هُتّفاً *** ما بين غِرّيد وصيداح شَدي

ناحت ونحت وأين مني نوحُها *** شتان نَوح شجٍ وسجع مُغرّد

لي لا لها العين المرقرق دمعها *** والمهجة الحراء والقلب الصَدي

حجر على عيني يمر بها الكرى *** من بعد نازلة بعترة ( أحمد )

أقمار تمٍّ غالها خسف الردى *** واغتالها بصروفه الزمن الردي

شتى مصائبهم فبين مكابدٍ *** سُمّا ومنحور وبين مُصفّد

سل كربلا كم مُهجَة ( لمحمدٍ ) *** نُهبت بها وكم إستجذت من يد

ص: 227

ولكم دم زاكٍ أُريق بها وكم *** جثمان قُدسٍ بالسيوف مُبدّد

وبها على صبر الحسين ترقرقت *** عبراته حُزناً لأكرم سيّد

* * *

وعلّي قدر من ذوابة هاشم *** عبقت شمائله بطيب المحتد

أفديه من ريحانة رَيّانة *** جفّت بحر ظَما وحرّ مُهند

بكر الذبول على نَضارة غُصنه *** إن الذبول لآفة الغصن الندي

ماء الصبا ودم الوريد تجاريا *** فيه ولاهب قلبه لم يخمد

* * *

لم أنسه متعمّما بثبا الضيا *** بين الكماة وبالأسنّة مرتدي

يَلقى ذوابلها بذابل معطفٍ *** ويشيم أنصلها بجيد أجيَد

خضبت ولكن من دم وفراته *** فاحمرّ ريحان العِذار الأسود

جمع الصفات الغُرو هي تراثه *** من كل غطريف وشهم أصيد

في بأس حمزة في شجاعة حيدر *** بإبا الحسين وفي مهابة ( أحمد )

وتراه في خلق وطيب خلائق *** وبليغ نطق كالنبي ( محمد )

يرمي الكتائب والفلا غصّت بها *** في مثلها من عزمه المتوقد

فيردّها قَسرا على أعقابها *** في بأسٍ عِرّيس العرينة مُلبد

ويؤب للتوديع وهو مجاهدٌ *** لظما الفؤاد وللحديد المجهد

* * *

صادي الحشى وحسامه ريّان من *** ماء الطلا وغراره لم يبرد

يشكو لخير أب ظمآه وما اشتكى *** ظماء الحشى إلا إلى الضامي الصدي

فانصاع يُؤثره عليه بريقه *** لو كان ثَمّة ريقة لم تجمد

كل حشاشة كصالية الغضا *** ولسانه ظماء كشقة مبرد

ص: 228

ومذ انثنى يلقى الكريهة باسما *** والموت منه بمسمَع وبمشهد

لفّ الوغى وأجالها جول الرحا *** بمثقّفٍ من بأسه ومُهنّد

عثر الزمان به فغادر جسمه *** نهب القواضب والقنا المتقصد

ومحى الردى يا بئس ما غال الردى *** منه هِلال دُجاً وغرة فرقد

يا نجعة الحيين هاشم والعُلى *** وحِمى الذمارين العُلى والسودد

كيف ارتقت هم الردى لك صعدة *** مطرورة الكعبين لم تتأود

فلتذهب الدنيا على الدنيا العفا *** ما بعد يومك من زمانٍ أرغد

الشيخ عبد الحسين إبن الشيخ إبراهيم إبن الشيخ صادق العاملي والمتقدم ذكر جملة من اسرته. ولد في النجف الأشرف في حدود سنة 1282 ه. وفيها نشأ ثم خرج إلى جبل عامل وعاد إلى النجف الأشرف بعد وفاة أبيه فأخذ عن علمائها مثل الشيخ ميرزا حسين إبن ميرزا خليل ، وهو في الطبقة الأولى من الشعراء. قال السماوي في الطليعة : رأيته يتفجر فضلاً ويتوقد ذكاء إلى أخلاق كريمة. توفي في أوائل ذي الحجة سنة 1361 ه. في النبطية ودفن فيها.

قال ولده الشيخ حسن رأى أبي ليلة أحد الصادقين علیهماالسلام - الشك منه - فقال لأبي أجز هذا البيت :

لا عذر للعين إن لم تنفجر علقا *** وللحشاشة إن لم تنفطر حرقا

فنظم القصيدة الحسينية الآتية في الترجمة وشهرته العلمية وملكته الأدبية مما لا ينازع فيه وشهد العالمان الكبيران الملا كاظم الآخوند صاحب الكفاية والحاج ميرزا حسين ميرزا خليل له بالاجتهاد ، وأدبه عريق أخذه عن أب عن جد وهذه دواوينه المطبوعة بلبنان وهي ( سقط المتاع ) ( عرف الولاء ) ( عقر الظباء ) وكلها من الشعر العالي وولاؤه أهل البيت (عليهم السلام) يذكر فيشكر ونجد بلدة النبطية - اليوم - ونواحيها كالنجف الأشرف في شعائر أهل

ص: 229

البيت (عليهم السلام) ، فالمأتم والمواكب التي تقيمها مؤسسته التي تسمى ب ( الحسينية ) هي ركن من أركان التشيع ولا عجب فهو من اسرة شعارها الولاء وأنجبت الشعراء والعلماء وهذه باقة فواحة من شعره في الإمام الحسين أما باقي ألوان شعره فحسبك أن ترجع إلى دواوينه التي ذكرت أسماءها وترى خياله الواسع وأفقه النيّر أمثال قصيدته التي يصف بها الباخرة وأولها :

روت الفلك في متون البحار *** نبأ البرق عن صحيح البخار ( ي )

وأخرى في وصف ( التلغراف ) وثالثة في صفة ( القطار ) ورابعة في وصف ( السيارة ) أو تقرأ له ( البدويات والأعاريب ) وملحمته الكبرى ( الشمس وبنو عبد شمس ) ففيها الوصف الكامل للشمس وخواصها وآثارها في الكون ثم يأتي على ذكر بني عبد شمس وأتباعهم في الجاهلية والإسلام وما جروه على الإسلام والأمة الاسلامية من المنكرات والفظايع ، ومن غرر أشعاره مدائحه النبوية ومطارحاته ورثاؤه لجملة من أعلام معاصريه.

توفي بالنبطية في 12 ذي الحجة الحرام عام 1361 ه. ودفن هناك ورثاه الشعراء بقصائد كثيرة تعرب عن مقامه الرفيع وأبّنته الصحافة العربية ومن مخلفاته العلمية كتاب ( سيماء الصالحين ) وهو على صغر حجمه موفق في اسلوبه كل التوفيق.

ومن روائعه التي سارت مسير الأمثال قصيدته التي عنوانها ( عمّ الفساد ) :

بدعٌ تشب فتلهبُ المحنُ *** وهوىً يهب فتُطفأ السُنن

وثلاثةٌ غمر البسيطُ بها *** فتنٌ وفتّانٌ ومُفتَتن

ومنها :

القومُ سرّهم معاويةٌ *** وقميص عثمان لهم عَلَن

ويظهر أن نظم الشعر لدى المترجم له أسهل عليه من النثر فإنه لما أسّس الحسينية بالنبطية سنة 1329 ه. وأراد إجراء صيغة الوقف قال :

ص: 230

أنا عبد الحسين والصادق الودّ لآل النبي ثبت الولاء

أمروا بالعزا لهم فبذلت الجهد حتى أقمت بيت العزاء

فهو وقفٌ مؤبد أنا واليه وبعدي ذوالفضل من أبنائي

ولدى الانقراض منا يناط الأمر فيه لأورع العلماء

وقال في رثاء الحسين علیه السلام :

سل كربلا والوغى والبيضَ والأسلا *** مستحفياً عن أبيّ الضيم ما فعلا

أحلّقت نفسه الكبرى بقادمتي *** إبائه أم على حكم العدا نزلا

غفرانك اللّه هل يرضى الدنية مَن *** لقاب قوسين أو أدنا رقى نزلا

يأبى له الشرف المعقود غاربه *** بذروة العرش عن كرسيه حولا

ساموه إما هواناً أو ورود ردىً *** فساغ في فمه صاب الردى وحلا

خطا لمزدحم الهيجاء خطوته ال *** فسحاء لا وانياً عزما ولا كسلا

يختال من جده طه ببرد بهاً *** ومن أبيه عليٍّ في بجاد علا

فالكاتبان له في لوح حومتها *** ذا ناظم مهجاً ذا ناثر قللا

يمحو بهذين من ألواحها صوراً *** أجل ويثبت في قرطاسها الأجلا

يحيكُ فيها على نولي بسالته *** من الحمام إلى أعدائه حللا

ما عَضبه غير فصّال يداً وطلا *** ولدنه غير خياط حشاً وكلا

هما معاً نشرا من أرجوانها *** ما جلل الأرحبين السهل والجبلا

تقلّ يمناه مشحوذ الغرار مضاً *** مواجه علقاً وهاجة شعلا

ما بين مضطرب منه ومضطرم *** نار تلظّى وماء للمنون غلى

طوراً يقدّ وأحياناً يقط وفي *** حاليهما يقسم الأجسام معتدلا

فهو المقيم صلاة الحرب جامعة *** لم يبق مفترضاً منها ومنتفلا

تأتمّ فيه صفوف من عزائمه *** تستغرق الكون ما استعلا وما سفلا

بالنحر كبّر ماضيه وعامله *** بالصدر فاتحة الطعن الدراك تلا

ص: 231

فالسيف يركع والهامات تسجد والخطي *** في كل قلب أخلص العملا

أقام سوق وغى راجت بضائعها *** فابتاع لله منها ما علا وغلا

تعطيه صفقتها بيض الصفاح وسمر *** الخط تربح منه العلّ والنهلا

والنبل تنقده ما في كنانتها *** والقوس تسلفه عن نفسه بدلا

والبيعان جلاد صادق وردى *** فذاك أنشأ إيجاباً وذا قبلا

قضى منيع القفا من طعن لائمة *** مذ للقنا والمواضي وجهه بذلا

قضى تريب المحيا وهو شمس هدى *** من نوره كم تجلّى الكون بابن جلا

قضى ذبول الحشا يبس اللّهى ظمأ *** من بعد ما أنهل العسالة الذبلا

قضى ولو شاء أن تمحى العدا محيت *** أو يخليَ اللّه منها كونه لخلا

لكن ولله في أحكامه حكم *** كبابه القدر الجاري فخرّ إلى

لله ما انفصلت أوصاله قطعاً *** لله ما انتهبت أحشاؤه غللا

لله ما حملت حوباؤه محناً *** بثقلها تنهض النسرين والحملا

أفديه من مصحر للحرب منشئة *** عليه عوج المواضي والقنا طللا

والصافنات المذاكي فوقه ضربت *** سرادقا ضافي السجفين منسدلا

بيتاً من النقع علوياً به شرف *** وكل بيت حواه فهو بيت علا

ضافته بيض الظبا والسمر ساغبة *** عطشى فألفته بذال القرى جذلا

لله ماشرب الخطي من دمه *** لله ما لحمه الهندي ما أكلا

أحيا ابن فاطمة في قتله أُمماً *** لولا شهادته كانت رميم بلا

تنبهت من سبات الجهل عالمة *** ضلال كل امرء عن نهجه عدلا

لولم تكن لم تقم للدين قائمة *** ولا اهتدى للهدى من أخطأ السبلا

ولا استبان ضلال الناكثين عن المث- *** -لى ولا ضربوا في غيهم مثلا

ولا تجسم نصب العين جعلهم *** خلافة المصطفى ما بينهم دولا

ولا درى خلفٌ ماذا جنى سلفٌ *** في رفضه أولاً ساداته الأولا

ص: 232

ولا تحرر من رق الجهالة وثا *** با إلى العلم يأبى خطة الجهلا

سن الأبا لإباة الضيم منتحراً *** وتلك شنشنة للسادة الفضلا

لله وقفته في كربلا وسطا *** بين الوغى والخبا يحمي به الثقلا

يعطي النسا والعدا من وفر نجدته *** حظيهما الأوفرين الأمن والوجلا

عبّ الأمرّين فقدان الأعزة وا *** لصبر الجميل ومج الوهن والقشلا

ورب ظام رضيع ذابل شفة *** وفاغر لهوات غائر مقلا

أدناه من صدره رفقاً ومرحمة *** لحاله وهي حال تدهش العقلا

فاستغرق النزع رامي الطفل فانبجست *** أوداجه مذ له السهم المراش غلا

فاضت دماً فتلقاه براحته *** وللسماء رمى فيه فما نزلا

وهوّن الخطب إن اللّه ينظره *** وفي سبيل رضاه خفّ ما ثقلا

ونسوة بعده جلت مصيبتها *** وإن يكن كل خطب بعده جللا

على النبي عزيز سبيها علناً *** وسلبها الزينتين الحلي والحللا

تدافع القوم عنها وهي حاسرة *** مصفرّة وجلا محمرّة خجلا

ما حال دافعة مبتزها بيد *** تود مفصلها من قبل ذا فصلا

رأت فصيلتها صرعى وصبيتها *** من الظما بين من أشفى ومن قتلا

رأت نجوم سما عمرو العلى غربت *** عنها وبدر سماء المصطفى أفلا

وقال يرثي قمر الهاشميين أبا الفضل العباس شهيد كربلا :

بكر الردى فاجتاح في نكبائه *** نور الهدى ومحا سَنا سيمائه

ودهى الرشاد بناسفٍ لأشمّه *** وبخاسفٍ لأتمّ بدر سمائه

ورمى فأصمى الدين في نفاذة *** وارحمتاه لمنتهى أحشائه

يوماً به قمر الغطارف هاشم *** صكّت يد الجُلّى جبين بهائه

سيم الهوان بكربلاء فطار للعز *** الرفيع به جناح إبائه

أنّى يلين إلى الدنية مَلمَسا *** أو تنحت الأقدار من ملسائه

هو ذلك البسّام في الهيجاء وا *** لعباس نازله على أعدائه

ص: 233

هو بضعة من حيدر وصفيحة *** من عزمه مشحوذة بمضائه

وأسى أخاه بموقف العزّ الذي *** وقفت سواري الشهب دون علائه

ملك الفرات على ظماه وأسوة *** بأخيه مات ولم يذق من مائه

لم أنسهُ مذ كرّ منعطفاً وقد *** عطف الوكاء على مَعين سقائه

ولوى عنان جواده سرعان نحو *** أخيه كي يُطفي أوار ظمائه

فاعتاقه السَدّان من بيض ومن *** سُمر وكل سدّ رَحب فضائه

فانصاع يخترق الصوارم والقنا *** لا يَرعوي كالسهم في غلوائه

يفري الطلا ويخيط أفلاذ الكِلا *** بشباة أبيضه وفي سمرائه

* * *

ويجول جولة حيدرٍ بكتائب *** خضراؤها كالليل في ظلمائه

حتى إذا ما حان حين شهادة *** رُقمت له في لوح فصل قضائه

حسم الحسام مُقلة لسقائه *** في ضربة ومُجيلة للوائه

آمن العدى فتكاته فدنا له *** مَن كان هيّاباً مهيب لقائه

وعلاه في عَمد فخرّ لوجهه *** ويمينه ويساره بإزائه

نادى أخاه فكان عند لقائه *** كالكوكب المنقض من جوزائه

وافى اليه مُفرّقاً عنه العدى *** ومجمّعاً ما انبتّ من أعضائه

وهوى يُقبّله وما من موضع *** للثم إلا غارق بدمائه

* * *

يا مبكياً عين الإمام عليك *** فلتبك الأنام تأسّياً لبكائه

ومقوّساً منه القوام وحانيا *** منه الضلوع على جوى بُرحائه

فلتنحني حزناً عليك تأسيا *** بالسبط في تقويسه وحنائه

أنت الحري بأن تقيم بنو الورى *** طُراً ليوم الحشر سوق عَزائه

ص: 234

ومن حسينياته :

أذا غرب سيف أم هلال المحرم *** تضرج منه الشرق في علق الدم

أهذي السما أم كربلا وبروجها *** القباب وبرج الليث ظهر المطهم

أشهبٌ بها تنقض أم آل ( أحمد ) *** تهادت تباعاً عن مِطا كل شيضَم

أأقمار تم غالها الخسف أم هي ا *** لمصابيح سادات الحطيم وزمزم

أبدر الدياجى أم محيّا ابن فاطم *** تبلج في ديجور جيش عرمرم

أجل هو سبط المصطفى شبل حيدر *** وناهيك منه ضيغم شبل ضيغم

فما نابه إلا مثقّف صعدة *** ولا ظفره إلا محدّب مخذم

له لُبَدٌ من نجدة وبسالة *** تخرّ له الأبطال للأنف والفم

* * *

هو السيف مطبوع الشَبا من صرامة *** الوصي ومن صبر النبي المعظم

تثلم من قرع الكتائب حدّه *** وما آفة الأسياف غير التثلم

تزوّد مملوء المزاد حفيظة *** وحزماً سما فيه سموّ يلملم

وهبّ إلى عزّ الممات محلّقاً *** بخافقتيه من إباً وتكرّم

تعانق منه السمر أعدل قامة *** وتثلم منه البيض أشنب مبسم

وتشبك أوتار القسي نبالها *** مُروقاً به شبك المسدّى بملحم

تقلبه صدراً ونحراً وجبهة *** وما موضع التقبيل غير المقدم

سقته الظبا نهلاً وعلا نطافها *** على ظماء أفديه من ناهلٍ ظمي

مجفّفة ماء الحياة بجسمه *** ومجرية فيه جداول من دم

* * *

أباذلها لله نفساً أبيّة *** تصعّر خداً عن مذلّة مُرغم

ترى الخدرِ خدر الفاطميات عرضة *** لمقتلعيه محرق ومهدِم

ترى الخفرات الهاشميات غودرت *** مقانعها نهباً وسلباً لمجرم

ص: 235

السيد مير علي أبو طبيخ

المتوفى 1361

أهاشم إن لم تمتطي الخيل ضمرا *** فكل حديث في معاليك مفترى

وإن لم تفه بالطعن ألسنة القنا *** فلا فرعت منك الخطابة منبرا

وإن لم تخض منك الضبا بدم الطلا *** فيا لا طمى وادي نداك ولا جرى

لئن قعدت سود الليالي بمرصد *** فهذي الليالي البيض أحمد للسرى

فصولي بمصقول الشبا حيثما هوى *** يفلّق مصقول الجوانب مرمرا

إذا لعلعت في القاصفات بروقه *** فصيد الأعادي الصيد وهو لها قرى

أو انتثرت منه الجماجم خلتها *** كُرىً يلطم اللاهي بها أوجه الثرى

لجوجٌ فلولا الغمد يمسك بأسه *** لسالت به شتى المدائن والقرى

أخو نجدة يبدو بهيئة راكع *** فإن هو أهوى للضريبة كبّرا

يتيه به زهو الملوك إذا انثنى *** يمجّ بفياض النجيع مظفرا

عسى تدركي الثار الذي ملؤه دم *** متى عصفت فيه المنايا تفجرا

وتستأصلي من عبد شمس طغاتها *** بذي لجب لم يبق ظفراً ومنسرا

تمرّ كأمثال البروق جياده *** يلوح على أعرافها الموت أحمرا

مؤللة الأطراف ناحلة الشوى *** موقرة الأرداف محبوكة القرا

إذا اقتعدت حمس الوغى صهواتها *** أرتك الكميّ الليث والصهوة الشرى

تمثل صولان ابن حيدر مذ غدوا *** يظنون في صدر الكتائب حيدرا

ص: 236

جرى والقضاء الحتم دون يمينه *** يفصل أبراد المنايا إذا جرى

على سابح راقته في السلم ميعة *** فلاح بها يوم الوغى متبخترا

يعوم بهاد أماء ماء لعابه *** إذا ما طغى غير الأسنة معبرا

فطافت به أمواجه وهي أنصلٌ *** ترامت فألقته بضاحية العرى

ولم أدري ما خرّت صحيفة بجدل *** أكان وريد المجد أم كان خنصرا

رأى الليث أشلاء فهان ابتزازه *** وهل يسلب الضرغام إلا معفرا

وبالصفا يا هاشم مذ تناوبت *** عليها الرزايا وهي تندب حسّرى

بضرب تروع الجامدات سياطه *** وسير على الأقتاب تُبرى به البُرا

ولولا جلال اللّه لم يبق حاجب *** به يرتدين الصون عن أعين الورى

بنفسي مرهوب الحمى شبه أحمد *** سطا ضيغماً والحرب مشبوبة الذرى

يُروي شبا ماضيه لكن قلبه *** من الطعن أوراه الظما فتسعّرا

ولم أنس مذ أرداه سهم منية *** هوى وهو باب اللّه منفصم العُرى

هو البدر قد أخني عليه محاقه *** وإقبال دهر ناضوه فأدبر

وغرة شمس غيبتها دجى الوغى *** وآية قدس أغفلت عين مَن قرا (1)

السيد مير علي ابن السيد عباس ابن السيد راضي بن الحسن بن مهدي بن عبد اللّه بن محمد إبن العلامة السيد هاشم ، يرجع نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر علیهماالسلام . وهو من اسرة البوطبيخ المعروفة بمحتدها ومكانتها في الشرف. ولد في النجف في غضون العشرة الاولى من القرن الرابع عشر الهجري ، وتوفي في شهر شوال من سنة 1361 ه. وهو لم يتجاوز الخمسين إلا قليلاً. تدرجت على المنبر والخطابة وأنا ابن اثنتي عشرة سنة فكنت أرى السيد المترجم له ملازماً لدارنا فلا يمر يوم إلا وهو عندنا يتذاكر مع والدي

ص: 237


1- عن سوانح الأفكار للمؤلف وهي من الشعر الذي لم ينشر في الديوان.

وتجمعهما وحدة الدرس وربما جاءنا صبحاً وعصراً ، وأذكر أن تقريرات المجتهد الكبير السيد محمد تقي البغدادي قد كتبها والدي بخطه فاستعارها السيد مير علي وكتبها أيضاً وبحكم هذه الصلة فقد كنت أعيد عليه ما أحفظه من شعر في الإمام الحسين وأستوضح منه معناه وأطلب منه تشكيل القصيدة فلقد كانت ملكته الأدبية أقوى منها عند أبي ، وكان رحمه اللّه على جانب عظيم من الورع والتقى وعفة اللسان فما سمعته ذكر مخلوقاً بسوء ويحفظ للمجلس وللجليس كرامته فقد كان يقول : إني لأعجب ممن يجالس الناس وهو حاسر الراس وكنت أشاهده لا ينطق إلا إذا سُئل فإذا أجاب عن المسألة يكون جوابه قدر الحاجة خالياً من الفضول ، ولا زلت أتصوره جيداً عندما يترنم بالشعر على الطريقة المعروفة ب ( المثكل ) وهي من الشجاء بمكان وكثيراً ما سأل المغنون والملحنون عنها إذ أنها لم تنتزع من الأطوار المعروفة عند الملحنين وكان يجيدها فكنت أصغي اليه بكلّي ، أما نظمه للشعر فلم يزاوله إلا عندما أصبح مقعداً في بيته بمرض ( الروماتيزم ) فكان يتسلى به ولم أكن أسمع له من الشعر قبل ذلك إلا نادراً فقد عزم والدي على طبع مؤلف جدنا الأكبر السيد عبداللّه شبّر في العقائد وهو كتاب ( حق اليقين في معرفة أصول الدين ) فنظم السيد بيتين فكانا على صدر الكتاب الذي طبع بلبنان بمطبعة العرفان ، صيدا سنة 1356 ه. وهما :

إذا ما خفت تسقط في عثار *** بمزلق هوّة وضلال دين

وجدتَ به الدلائل واضحات *** إذا شاهدته حق اليقين

وإني أحتفظ برسالتين قيمتين كتبهما لوالدي عندما سافر إلى ( حيدر آباد دكن ) وفي الرسالتين من النظم الرائق والنثر الفائق ما يعجب وقد نشر شيء من إحداهما في الديوان أما الثانية فقد صدّرها بقطعة من روائعه جاء فيها :

إلى الهند أصبو كلما طلع النجم *** لعلّ له فيما ألمّ بكم علم

نحيلا تحداني السقام فراعني *** فلا كيف يضوبني ولم يحوني كمّ

ص: 238

نزحت فشاقتني اليك نوازعي *** وقد بنتَ فاستولى على كبدي الهمّ

تضاءل مني كل معنى لبينكم *** فلم يبق لي في صفحة الكون إلا اسم

يردد ذكراكم لساني فينتشي *** فؤادي ولا خمرٌ لديّ ولا كرم

ويكحل عيني منك نور ألوكة *** تنمّقها منك البراعة والفهم

وهذا ديوانه الأنواء الذي أصدرته مطبعة الراعي في النجف بعد وفاته بعام واحد ، وقد قدّم له الاستاذ الكبير جعفر الخليلي ، ورتبه إلى ثلاثة أبواب وهي :

1 - خواطر وأحلام ضمّت جميع شعره الإجتماعي ورأيه الأدبي.

2 - عواطف وأنغام متضمنة تقاريضه وتهانيه وعواطفه الأخوية.

3 - شجون وآلام وقدضمت مراثيه ومنظوم دموعه الحارة.

أما ما احتفظ به بخطه الجميل فهي القطعة التي يرثي بها نفسه وهي أيضاً مما لم ينشر :

أهوت به علّته فانتدب الحيلة *** يثنيها فأعياه السبب

قالوا النطاسي فألقى فخّه *** مقتنصاً جاء ليصطاد النشب

حتى إذا استفرغ ما ظنّ به *** من فضة يكنزها ومن ذهب

تعاظم الداء عليه فالتوى *** واستعضل النازل فيه فانسحب

وللرفاق حوله ولولة *** وللبنين والبنات مصطخب

يلطم هذا وجهه توجّعاً *** وذاك حانٍ فوق جسمه حدب

فلا حميم لحماه يلتجي *** ولا ابن أمٍ نافع ولا ابن أب

وهو على بصيرة من أمره *** منتبهاً يرنو لسوء المنقلب

ينظر فيما ذهبت أيامه *** وما اكتسى من عمل وما اكتسب

طغت عليه لجج الموت فما *** أقام في تيارها حتى رسب

فاستكّ منه سمعه وأخرست *** شقشقة تزري بفصحاء العرب

وأغمضت أجفانه لا عن كرىً *** وأسبل الأيدي من غير وصب

ص: 239

وسيقت النفس على علاتها *** إلى الجنان أو إلى النار حطب

إني أعوذ بولاء حيدر *** وصفوة الطف البهاليل النجب

من فزع الموت وشرّ ما اعتقب *** وشرّ كل غاسق إذا وقب

هم الرعاة لا عدمت فيئهم *** وهم سفائن النجاة في العبب

هم عرفات الحج هم شعاره *** هم كعبة البيت وهم أسنى القرب

يا بأبي السبط غداة وزّعت *** أشلاؤه ما بين أشفار القضب

وقد تضمن ديوانه جملة من الرثاء للإمام الحسين علیه السلام منها قصيدته التي ختمها بقوله :

يا بن النبي وخير مَن *** أهدى وحلّ مني وخيّف

وابن الحطيم وزمزم *** وابن المشاعر والمعرّف

لا قلت رأسك في القنا *** بدر فرأسك منه أشرف

كلا ولا هو في الضحى *** شمس فعين الشمس تكسف

بل أنت وجه اللّه في *** أفق الوجود غداة توصف

أضحوا لفقدك آسفين بما *** جنوه ولات مأسف

ولا زلت أتذكر أني يوم فقدته رأيت نفسي كأني فقدت أباً عطوفاً وعبّرتُ عن ألمي بقصيدة نشرتها جريدة الهاتف النجفية في سنتها الثامنة عدد 318 ومطلعها :

فمي وطرفي على تأبينك استبقا *** بالنثر والنظم كلٌ منهما اندفقا

ما هذه قطع شعرية سبكت *** هذي شظايا فؤادي قطّعت حرقا

طوارق الدهر أظنتني وأعظمها *** هذي التي علمتني بالرثا طرقا

هل نافعي فرط وجدي أو جوى كبدي *** هيهات فيك قضاء اللّه قد سبقا

وهي تزيد على العشرين بيتاً. تغمده اللّه برحماته وأسكنه فسيح جناته.

ص: 240

السيد رضا الهندي

اشارة

المتوفى 1362

قال مؤنباً سفير الحسين مسلم بن عقيل أول الشهداء :

لو أن دموعي استهلت دما *** لما أنصفت بالبكا مسلما

قتيلٌ أذاب الصفا رزؤه *** وأحزن تذكاره زمزما

وأورى الحجون بنار الشجون *** وأشجى المقام وأبكى الحِما

أتى أرض كوفان في دعوةٍ *** لها الأرض خاضعة والسما

فلبّوا دعاه وأمّوا هداه *** لينقذهم من غشاءِ العمى

وأعطوه من عهدهم ما يكا *** د إلى السهل يستدرج الأعصما

وما كان يحسب وهو الوفي *** أن ينقضوا عهده المبرما

فديتك من مفرد أسلموه *** لحكم الدعي فما استسلما

وألجأه عذرهم أن يحل *** في دار طوعة مستكتما

ومذ قحموا منه في دارها *** عريناً أبا الليث أن يقحما

إبان لهم كيف يضرى الشجاع *** ويشتد بأساً إذا أسلما

وكيف تهب اسود الشرى *** إذا رأت الوحش حول الحِما

وكيف تفرق شهد الزات *** بغاتاً تطيف بها حوّما

ولما رأوا بأسه لا يطاق *** وماضيه لا يرتوي بالدما

أطلّوا على شرفات السطوح *** يرمونه القصب المضرما

ولولا خديعتهم بالأمان *** لما أوثقوا ذلك الضيغما

ص: 241

وكيف يحس بمكر الأثيم *** من ليس يقترف المأثما

لأن ينسني الدهر كل الخطوب *** لم ينسني يومك الأيوما

أتوقف بين يدي فاجرٍ *** دعيٍّ إلى شرها منتما

ويشتم أسرتك الطاهرين *** وهو أحقّ بأن يُشتما

وتقتل صبراً ولا طالبٌ *** بثارك يسقيهم العلقما

وترمى إلى الأرض من شاهق *** ولم ترمِ أعداك شهب السما

فإن يحطموا منك ركن الحطيم *** وهدوا من البيت ما استحكما

فلستَ سوى المسك يذكو شذاه *** ويزداد طيباً إذا حطّما

لإن تخلو كوفان من نادبٍ *** عليك يقيم لك المأتما

فإنّ ضبا الطالبين قد *** غدت لك بالطف تبكي دما

ذها منهم النقع في أنجم *** أحالوا صباح العدى مظلما

السيد رضا الهندي شيخ الأدب في العراق والعالم الجليل المؤرخ والبحاثة الشهير وهو ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الموسوي الهندي (1) ، ولد قدس سره في الثامن من شهر ذي القعدة سنة 1290 ه. وهاجر إلى سامراء بهجرة أبيه سنة 1298 ه. حين اجتاح النجف وباء الطاعون ، وكان خامس اخوته الستة ومكث يواصل دروسه في سامراء وكان موضع عناية من آية اللّه المجدد الشيرازي لذكائه وسرعة البديهة وسعة الاطلاع ، وفي النجف واصل جهوده العلمية على أساطين العلم حتى نال درجة الاجتهاد وعندما انتدبه المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني للارشاد وذلك بعد أن شهد سابقاً له مراجع الطائفة كالشيخ محمد حسن آل صاحب الجواهر والشيخ الشربياني والملا محمد كاظم الخراساني ويروي إجازة عن أبيه وعن الشيخ أسد اللّه الزنجاني والسيد حسن الصدر والسيد أبو الحسن والشيخ آغا بزرك الطهراني.

ص: 242


1- ينتهي نسب الاسرة الى الامام العاشر من أثمة أهل البيت علي الهادي علیه السلام .

مؤلفاته :

1 - الميزان العادل بين الحق والباطل في الرد على الكتابيين - مطبوع.

2 - بلغة الراحل في الأخلاق والمعتقدات.

3 - الوافي في شرح الكافي في العروض والقوافي.

4 - سبيكة العسجد في التاريخ بأبجد ، ( وقد فُقِدَ ).

5 - شرح غاية الايجاز في الفقه.

ترجم له في الحصون المنيعة فقال : فاضل معاصر وشاعر بارع وناثر ماهر له إلمام بجملة من العلوم ، ولسانه فاتح كل رمز مكتوم ومعرفته بالفقه والاصول لا تنكر وفضائله لا تكاد تحصر ، رقيق الشعر بديعه ، سهله ممتنعه خفيف الروح حسن الأخلاق طيب الأعراق ، طريف المعاشرة لطيف المحاورة ، جيد الكتابة وأفكاره لا تخطئ الاصابة.

وترجم له السيد الأمين في الأعيان والشيخ الطهراني في نقباء البشر والسماوي في الطليعة والخليلي في ( هكذا عرفتهم ) والخاقاني في شعراء الغري وغيرهم من الباحثين. وكان يدعوني للخطابة في داره بالمشخاب وأقضي ساعات بالمحادثة معه فكان حديثه دروساً جامعة مملوءة بالفوائد وكنت في منابري أتلو شعره الذي قاله في أهل البيت عامة وفي الحسين خاصة ومما حدثني به أن داراً للشيخ مولى اغتصبها الشيخ حرج فأعلن المرجع غصبيتها وعدم جواز الدخول اليها فتحاماها الناس فرجع الغاصب عن رأيه وردّ الدار إلى صاحبها فنظم السيد :

صبرت يا مولى فنلت المنى *** والصبر مفتاح لباب الفرج

فالحمد لله الذي لم يكن *** يدخلني الدار وفيها ( حرج )

كما روى لي قوله :

غزا مهجتي بصفاح اللحاظ *** ولوع بظلمي لا يصفح

ولم أرى من قبل أجفانه *** جنوداً إذا انكسرت تفتح

ص: 243

ومن روائعه التي اشتهرت وحفظها القاصي والداني قصيدته ( الكوثرية ) والمقطع الأول منها في الغزل وباقيها في مدح الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :

أمفلّج ثغرك أم جوهر *** ورحيق رضابك أم سكر

قد قال لثغرك صانعه *** انا اعطيناك الكوثر

والخال بخدك أم مسك *** نقطّتَ به الورد الأحمر

أم ذاك الخال بذاك الخدّ *** فتيت الندّ على مجمر

عجبا من جمرته تذكو *** وبها لا يحترق العنبر

وقال من قصيدة رقيقة :

الخال في وجنتيك قد لثمك *** والشعر أهوى مقبلاً قدمك

ولم تنلني الذي أنلتهما *** فليتني قد لثمت مَن لثمك

نحلت مثل السواك فيك فما *** ضرك لو أنني رشفت فمك

يا كشحة طال عدل قامته *** فأشك اليه من الذي هضمك

يا جفنه اعتاد بالضنى جسدي *** فليحتمل فوق سقمه سقمك

يا غصن طاولت قدّه فلئن *** يقصفك ريح الصبا فما ظلمك

ويا عنيقيد قست وفرته *** فيك ، فان استطع شربت دمك

يا كعبة الحسن ليس يحسن أن *** تريع بالصد من أتى حرمك

يا أسعد الخال فوق وجنته *** لقد قضى حجه من استلمك

يا آس فوق الشقيق مَن رقمك *** يا در بين العقيق من نظمك

من ملأ الريق بالرحيق ومن *** بمسك خال عليه قد ختمك

من فيك أجرى نواظري سحباً *** لما رأت كالوميض مبتسمك

بميسم الشوق قد كوى كبدي *** مَن بسمات الجمال قد وسمك

أنشاك لي نشوة ومنتزهاً *** من أودع الراح والأقاح فمك

مولاي هل أنت راحم كلفا *** لو كنت يوماً مكانه رحمك

ص: 244

وقال من قصيدة :

الدهر أبدع فيك فعله *** حتى حباك الحسن كله

ولقد ملكت نصابه *** أفلا تزكّيه بقبله

انا توجهنا اليك *** وأنت للعشاق قبله

عجباً لدين هواك شا *** ع نظامه في كل ملّه

ولهّتَ قلبي في الهوى *** عطفاً على قلبي المولّه

ارحم عزيزاً لم يكن *** لولاك يرضى بالمذله

دنفاً إذا نام الورى *** سهر الدجى إلا أقلّه

وتحدثتُ يوماً في موقف من مواقف الخطابة عن ميلاد أمير المؤمنين علیه السلام فروى لي من شعره قوله :

لما دعاك قدماً لأن *** تولد في البيت فلبيته

جزيته بين قريش بأن *** طهّرت من أصنامهم بيته

ومن محاسن التواريخ قوله مؤرخاً وفاة الزعيم السيد نور السيد عزيز الياسري :

هذا ضريح فيه نور الهدى *** وهو بنور اللّه مغمور

وكيف يخشى ظلمات الثرى *** أرخ ضريح ملؤه نور

وكتب على الصورة :

انظر إلى هذا المثال فكل ذي *** بصر يراه يقول هذا نورُ

ومن نوادره قوله لما كتب السيد محسن الأمين ( التنزيه لأعمال الشبيه ) وهي مجموعة ظنون نقلت اليه فبنى عليها واعتقد بصحتها فاندفع يكتب قال السيد رضا :

ذرية الزهراء ان عددت *** يوماً ليطري الناس فيها الثنا

فلا تعدّوا محسناً منهم *** لأنها قد أسقطت محسنا

ص: 245

وأرخ عام مقتل الإمام الحسين علیه السلام :

صرخ النادبون باسم ابن طاها *** وعليه لم تحبس الدمعُ عينُ

لم يصيبوا الحسين إلا فقيداً *** حينما أرخوه ( أين الحسين )

وقال مؤرخاً تجديد باب الإمامين العسكريين في سامراء سنة 1345 ه.

قل لمن يمموا النقى وأمّوا *** من حمى العسكري أفضل خطه

جئتم سر من رأى فاقيموا *** أبد الدهر في سرور وغبطه

زرتم لجتي عطاء وفضل *** يغتدي في يديهما البحر نقطه

خيرة الناس هم ومَن ذا يساوي *** في المزايا آل النبي ورهطه

قيل أرخ باب التقي فأرخّت *** ببيت في قلبي الوحي خطه

( ادخلوا الباب سجداً إن باب *** العسكريين دونه باب حطه )

وذكر الشيخ السماوي في ( الطليعة ) نماذج من أدبه الحي وألوان من غزله الرقيق ما تطرب له القلوب وتهفو له الأسماع وتسيل له القرائح ولولا الإطالة لنقلت كل ما ذكره الشيخ في مخطوطته ولكني أروي ما علق بالذاكرة من تلك الدرر ، قال لي مرة : كتبت رسالة إلى ولدي السيد أحمد - وكان مصطافاً في صيدا - لبنان - وفيها :

وكنا إن أردنا منك وصلا *** أصبناه ولو نمشي رويدا

قصرنا نستعين على التلاقي *** باشراك الكرى لنصيد ( صيدا )

الحلبة الأدبية التي اشترك بها السيد ورائعته المملوءة بالاحتجاج في أيام السلطان عبد الحميد وردت من بغداد قصيدة لعدد من علماء النجف والقصيدة تتضمن الانكار على وجود صاحب الأمر حجة آل محمد وأولها :

أيا علماء العصر يا من له خبر *** بكل دقيق حار في مثله الفكر

لقد حار مني الفكر في القائم الذي *** تنازع فيه الناس والتبس الأمر

فمن قائل في القشر لبّ وجوده *** ومن قائل قذ ذب عن لبّه القشر

وأول هذين الذين تقررا *** به العقل يقضي والعيان ولا نكر

ص: 246

وكيف وهذا الوقت داع لمثله *** ففيه توالى الظلم وانتشر الشر

وما هو إلا ناشر العدل والهدى *** فلو كان موجوداً لما وجد الجور

وإن قيل من خوف الطغات قد اختفى *** فذاك لعمري لا يجوّزه الحجر

إلى أن يقول :

وإن قيل إن الاختفاء بأمر مَن *** له الأمر في الأكوان والحمد والشكر

فذلك أدهى الداهيات ولم يقل *** به أحدٌ إلا أخو السفه الغمر

أيعجز رب الخلق عن نصر حزبه *** على غيرهم حاشا فهذا هو الكفر

فحتام هذا الاختفاء وقد مضى *** من الدهر آلاف وذاك له ذكر

وما أسعد السرداب في سر من رأى *** له الفضل عن أمّ القرى وله الفخر

فيا للأعاجيب التي من عجيبها *** ان اتخذ السرداب برجاً له البدر

فيا علماء المسلمين فجاوبوا *** بحق ومن رب الورى لكم الأجر

وغوصوا لنيل الدر أبحر علمكم *** فمنها لنا لا زال يستخرج الدر

فانبرى للجواب جماعة من فطاحل الأدب وفرسان الشعر ولغة العرب :

1 - الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بقصيدة تربو على 300 بيتاً ، على الوزن والقافية نظمها سنة 1317 ه. وهي السنة التي وردت بها القصيدة ، والقصيدة مثبتة في مخطوطنا ( سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ) ج 4 / 230.

2 - السيد محسن الأمين العاملي بقصيدة على القافية والروي ب 309 بيتاً وشرحها شرحاً مبسوطاً وأسماها ( البرهان على وجود صاحب الزمان ) طبعت بالمطبعة الوطنية بالشام عام 1333 ه.

3 - قصيدة الشيخ محمد جواد البلاغي المتوفى 1352 ه. أيضاً على الوزن والقافية طبعت في آخر كتابه ( حاشية البيع ) كما أثبتها السيد الأمين في ترجمته في أعيان الشيعة.

ص: 247

4 - كتاب كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار للعالم الكبير الحاج ميرزا حسين النوري ، طبع سنة 1318 ه.

5 - قصيدة الشيخ رشيد الزبديني العاملي المتوفى بالنجف سنة 1317 ه.

6 - قصيدة الشيخ عبد الهادي شليلة ابن الحاج جواد البغدادي المعروف بالهمداني والمتوفى سنة 1333 ه.

7 - ارجوزة للسيد علي محمود الأمين العاملي المتوفى سنة 1328 ه. في ماية وتسعة عشر بيتاً ذكره السيد الحجة السيد حسن الصدر في ( التكملة ).

8 - قصيدة الشيخ محمد باقر الهمداني البهاري.

9 - قصيدة السيد رضا الهندي المترجم له وهذه قصيدته :

يمثلك الشوق المبرح والفكر *** فلا حجبٌ تخفيك عني ولا ستر

ولو غبتَ عني ألف عام فإن لي *** رجاء وصال ليس يقطعه الدهر

تراك بكل الناس عيني فلم يكن *** ليخلوَ ربعٌ منك أو مهمه قفر

وما أنت إلا الشمس ينأى محلّها *** ويشرق من أنوارها البر والبحر

تمادى زمان البعد وامتدّ ليله *** وما أبصرت عيني محياك يا بدر

ولو لم تعللني بوعدك لم يكن *** ليألف قلبي من تباعدك الصبر

ولكن عقبى كل ضيق وشدة *** رخاءٌ وإن العسر من بعده يسر

وان زمان الظلم ان طال ليله *** فعن كثب يبدو بظلمائه الفجر

ويُطوى بساط الجوز في عدل سيدٍ *** لألوية الدين الحنيف به نشر

هو القائم المهدي ذو الوطأة التي *** بها يذر الأطواد يرجحها الذر

هو الغائب المأمول يوم ظهوره *** يلبيه بيت اللّه والركن والحجر

هو ابن الإمام العسكري محمد *** بذا كله قد أنبأ المصطفى الطهر

كذا ما روى عنه الفريقان مجملا *** بتفصيله تفنى الدفاتر والحبر

فأخبارهم عنه بذاك كثيرة *** وأخبارنا قلّت لها الأنجم الزهر

ومولده ( نور ) به يشرق الهدى *** وقيل لظامي العدل مولده ( نهر )

ص: 248

فيا سائلي عن شأنه اسمع مقالة *** هي الدر والفكر المحيط لها بحر

ألم تدر أن اللّه كوّن خلقه *** ليمتثلوه كي ينالهم الأجر

وما ذاك إلا رحمة بعباده *** وإلا فما فيه إلى خلقهم فقر

ويعلم أن الفكر غاية وسعهم *** وهذا مقام دونه يقف الفكر

فأكرمهم بالمرسلين أدلة *** لما فيه يرجى النفع أو يختشى الضر

ولم يؤمن التبليغ منهم من الخطا *** إذا كان يعروهم من السهو ما يعرو

ولو أنهم يعصونه لاقتدى الورى *** بعصيانهم فيهم وقام لهم عذر

فنزهم عن وصمة السهو والخطا *** كما لم يدنس ثوب عصمتهم وزر

وأيّدهم بالمعجزات خوارقا *** لعاداتنا كي لا يقال لها سحر

ولم أدرِ لم دلّت على صدق قولهم *** إذا لم يكن للعقل نهيٌ ولا أمر

ومن قال للناس انظرو في ادعائهم *** فإن صح فليتبعهم العبد والحر

ولو أنهم فيما لهم من معاجز *** على خصمهم طول المدى لهم النصر

لغالى بهم كل الأنام وأيقنوا *** بأنهم الأرباب والتبس الأمر

لذلك طوراً ظافرين تراهُم *** وآخر فيهم ينشب الناب والظفر

كذلك تجري حكمة اللّه في الورى *** وقدرته في كل شيء له قدر

وكان خلاف اللطف واللطف واجب *** إذا من نبيٍّ أو وصيٍّ خلا عصر

وجوب عصمة الأنبياء :

أينشيء للانسان خمس جوارح *** تحسّ وفيها يدرك العين والأثر

وقلباً لها مثل الأمير يردها *** إذا أخطأت في الحسّ واشتبه الأمر

ويترك هذا الخلق في ليل ضلّةِ *** بظلمائه لا تهتدي الأنجم الزهر

( فذلك أدهى الداهيات ولم يقل *** به أحدٌ إلا أخو السفه الغمر )

فأنتج هذا القول إن كنت مصغياً *** وجوب إمام عادل أمره الأمر

ص: 249

الإستدلال بكتبهم :

وإمكان أن يقوى وإن كان غائباً *** على رفع ضرّ الناس إن نالها الضر

وإن رمت نجح السؤل فأطلب ( مطالب *** السؤال ) فمن يسلكه يسهل له الوعر

ففيه أقرّ الشافعي ابن طلحة *** برأي عليه كل أصحابنا قرّوا

وجادل من قالوا خلاف مقاله *** فكان عليهم في الجدال له النصر

وكم للجوينيّ انتضمن فرائد *** من الدر لم يسعد بمكنونها البحر

فرائد سمطين المعالي بدرّها *** تحلّت لأن الحلي أبهجه الدر

فوكّل بها عينيك فهي كواكب *** لدرّيها أعياني العدّ والحصر

* * *

ورد من ينابيع المودة مورداً *** به يشتفي من قبل أن تصدر الصدر

وفتّش على كنز الفرائد واستعن *** به فهو نعم الذخر إن أعوز الذخر

ولاحظ به ما قد رواه الكراجكيّ *** من خبر الجارود إن أغنت النذر

وقد قيل قدماً في ابن خولة إنه *** له غيبة والقائلون بها كثر

وفي غيره قد قال ذلك غيرهم *** وما هم قليل في العداد ولا نزر

وما ذاك إلا لليقين بقائم *** يغيب وفي تعيينه التمس الأمر

وكم جدّ في التفتيش طاغي زمانه *** ليفشىَ سرّ اللّه فانكتم السر

وحاول أن يسعى بإطفاء نوره *** وما ربحه إلا الندامة والخسر

وما ذاك إلا أنه كان عنده *** من العترة الهادين في شأنه خبر

* * *

وحسبك عن هذا حديث مسلسل *** لعائشة ينهيه أبناؤها الغر

بأن النبي المصطفى كان عندها *** وجبريل إذ جاء الحسين ولم يدروا

فأخبر جبريل النبي بأنه *** سيقتل عدوانا وقاتله شمر

وأن بنيه تسعة ثم عدّهم *** بأسمائهم والتاسع القائم الطهر

وأن سيطيل اللّه غيبة شخصه *** ويشقى به من بعد غيبته الكفر

ص: 250

وما قال في أمر الإمامة أحمد *** وأن سيليها اثنان بعدهما عشر

فقد كاد أن يرويه كل محدث *** وما كاد يخلو من تواتره سفر

وفي جلّها أن المطيع لأمرهم *** سينجو إذا ما حاق في غيره المكر

ففي أهل بيتي فلك نوح دلالة *** على من عناهم بالإمامة يا حبر

فمن شاء توفيق النصوص وجمعها *** أصاب وبالتوفيق شُدّ له أزر

وأصبح ذا جزم بنصب ولاتنا *** لرفع العمى عنا بهم يجبر الكسر

وآخرهم هذا الذي قلت أنه *** ( تنازع فيه الناس والتبس الأمر )

وقولك ان الوقت داع لمثله *** إذا صحّ لم لا ذبّ عن لبّه القشر

وقولك ان الإختفاء مخافة *** من القتل شيء لا يجوّزه الحجر

فقل لي لماذا غاب في الغار أحمد *** وصاحبه الصديق إذ حسُن الحذر

ولِم أُمرت امّ الكليم بقذفه *** إلى نيل مصر حين ضاقت بها مصر

وكم من رسول خاف اعداه فاختفى *** وكم انبياء من اعاديهم فرّوا

( أيعجز رب الخلق عن نصر حزبه *** على غيرهم كلا فهذا هو الكفر )

وهل شاركوه في الذي قلت انه *** يؤول الى جبن الإمام وينجرّ

فقل فيه ما قد قلت فيهم فكلهم *** على ما أراد اللّه أهؤاؤهم قصر

وإظهار أمر اللّه من قبل وقته *** المؤجل لم يوعد على مثله النصر

وإن تسترب فيه لطول بقائه *** أجابك إدريس والياس والخضر

ومكث نبي اللّه نوح بقومه *** كذا نوم أهل الكهف نصّ به الذكر

وإني لأرجو أن يحين ظهوره *** لينتشر المعروف في الناس والبر

ويحيى به قطر الحيا ميّت الثرى *** فتضحك من بشر إذا ما بكا القطر

فتخضرّ من وكّاف نائل كفه *** ويمطرها فيض النجيع فتحمرّ

ويطهر وجه الأرض من كل مأتم *** ورجس فلا يبقى عليها دم هدر

وتشقى به أعناق قوم تطاولت *** فتأخذ منها حظها البيض والسمر

ص: 251

وخذه جواباً شافياً لك كافياً *** معانيه آيات وألفاظه سحر

وماهو إن انصفته قول شاعر *** ولكنه عقد تحلّى به الشعر

ولو شئت إحصاء الأدلة كلها *** عليك لكل النظم عن ذاك والنثر

وفي بعض ما أسمعته لك مقنع *** إذا لم يكن في اذن سامعه وقر

وان عاد إشكال فعد قائلاً لنا *** ( أيا علماء العصر يا من لهم خبر )

ومن اشعاره حيث يطلب الرحمة من اللّه يوم النشور فيقول :

إلهي إذا أحضرتني ونشرت لي *** صحائف لاتبقى علي ولا تذر

فقل لا تعدّوه وان كان حاضراً *** فقد كان عبدي لا يعد إذا حضر

ومن اشعاره :

أرى الكون أضحى نوره يتوقد *** لأمر به نيران فارس تخمد

وإيوان كسرى انشق أعلاه مؤذناً *** بأن بناء الدين عاد يشيد

أرى امّ الشرك أضحت عقيمةً *** فهل حان من خير النبيين مولد

نعم كاد يستولي الضلال على الورى *** فأقبل يهدي العالمين ( محمد )

نبي براه اللّه نوراً بعرشه *** وما كان شيء في الخليقة يوجد

وأودعه من بعد في صلب آدم *** ليسترشد الضلال فيه ويهتدوا

ولو لم يكن في صلب آدم مودعاً *** لما قال قدماً للملائكة اسجدوا

له الصدر بين الأنبياء وقبلهم *** على رأسه تاج النبوة يعقد

لأن سبقوه بالمجئ فأنما *** أتوا ليبثوا أمره ويمهدوا

رسول له قد سخّر الكون ربه *** وأيده فهو الرسول المؤيد

ووحده بالعز بين عباده *** ليجروا على منهاجه ويوحّدوا

وقارن ما بين اسمه واسم أحمد *** فجاحده لاشك لله يجحد

ومن كان بالتوحيد لله شاهداً *** فذاك ( لطه ) بالرسالة يشهد

ولولاه ما قلنا ولاقال قائل *** لما لك يوم الدين أياك نعبد

ص: 252

ولا أصبحت أوثانهم وهي التي *** لها سجدوا تهوي خشوعاً وتسجد

لآمنة البشرى مدى الدهر إذ غدت *** وفي حجرها خير النبيين يولد

به بشر الانجيل والصحف قبله *** وان حاول الاخفاء للحق ملحد

بسينا دعا موسى وساعير مبعث *** لعيسى ومن فاران جاء محمد

فمن أرض قيذار تجلّى وبعدها *** لسكان سلع عاد والعود أحمد

فسل سفر شعيا ماهتافهم الذي *** به أمروا أن يهتفوا ويمجّدوا

ومن وعد الرحمن موسى ببعثه *** وهيهات للرحمن يخلف موعد

وسل من عنى عيسى المسيح بقوله *** سأنزله نحو الورى حين أصعد

لعمرك أن الحق أبيض ناصع *** ولكنما حظ ( المعاند ) أسود

أيخلد نحو الأرض متّبع الهوى *** وعما قليل في جهنم يخلد

ولولا الهوى المغوي لما مال عاقل *** عن الحق يوماُ كيف والعقل مرشد

ولا كان أصناف النصارى تنصروا *** حديثاً ولا كان اليهود تهودوا

أبا القاسم أصدع بالرسالة منذراً *** فسيفك عن هام العدى ليس يغمد

ولاتخشى من كيد الأعادي وبأسهم *** فإنّ ( علياً ) بالحسام مقلد

أيحذر من كيد المضلّين من له *** ( أبو طالب ) حام وحيدر مسعد

علي يد الهادي يصول بها وكم *** لوالده الزاكي على أحمد يد

وهاجر بالزهراء عن أرض مكة *** وخلّ ( علياً ) في فراشك يرقد

عليك سلام اللّه يا خير مرسل *** اليه حديث العز والمجد يسند

حباك إله العرش منه بمعجز *** تبيد الليالي وهو باق مؤبّد

دعوت قريشاً أن يجيئوا بمثله *** فما نطقوا والصمت بالعيّ يشهد

وكم قد وعاه منهم ذو بلاغة *** فأصبح مبهوتاً يقوم ويقعد

وجئت إلى أهل الحجى بشريعة *** صفا لهم من مائها العذب مورد

شريعة حق ان تقادم عهدها *** فما زال معنى حسنها يتجدد

عليك سلام اللّه ما قام عابد *** بجنح الدجى يدعو وما دام معبد

ص: 253

أما قصائده الحسينية التي تتكرر في المحافل والتي تتردد على كل لسان من خطباء وغيرهم فهذه مطالعها :

1 - كيف يصحو لما تقول اللواحي *** مَن سقته الهموم أنكد راح

2 - أيّان تنجز لي يا دهر ما تعد *** قد عشّرت فيك آمالي ولا تلد

3 - أو بعدما ابيضّ القذال وشابا *** أصبو لوصل الغيد أو أتصابى

4 - إن كان عندك عبرة تجريها *** فأنزل بأرض الطف كي نسقيها

5 - يا دمع سح بوبلك الهتن *** لتحول بين الجفن والوسن

أما الرائعة التي ختم بها حياته وطلب أن تكون معه في قبره فهي هذه القطعة الوعظية :

أرى عمري مؤذناً بالذهاب *** تمرّ لياليه مرّ السحاب

وتفجأني بيض أيامه *** فتسلخ مني سواد الشباب

فمن لي إذا حان مني الحمام *** ولم أستطع منه دفعاً لما بي

ومن لي إذا قلبتني الأكف *** وجردني غاسلي من ثيابي

ومن لي إذا سرت فوق السرير *** وشيل سريري فوق الرقاب

ومن لي إذا ما هجرت الديار *** وعوضت عنها بدار الخراب

ومن لي إذا آب أهل الودا *** دعني وقد يئسوا من ايابي

ومن لي إذا منكر جد في *** سؤالي فأذهلني عن جوابي

ومن لي إذا درست رمتي *** وأبلى عظامي عفر التراب

ومن لي إذا قام يوم النشور *** وقمت بلا حجة للحساب

ومن لي إذا ناولوني الكتاب *** ولم أدرِ ماذا أرى في كتابي

ومن لي إذا امتازت الفرقتان *** أهل النعيم وأهل العذاب

وكيف يعاملني ذو الجلال *** فأعرف كيف يكون انقلابي

أباللطف وهو الغفور الرحيم *** أم العدل وهو شديد العقاب

ص: 254

ويا ليت شعري إذا سامني *** بذنبي وواخذني باكتسابي

فهل تحرق النار عيناً بكت *** لرزء القتيل بسيف الضبابي

وهل تحرق النار رجلاً مشت *** إلى حرم منه سامى القباب

وهل تحرق النار قلباً أُذيب *** بلوعة نيران ذاك المصاب

كانت وفاته بالمشخاب فجأة بالسكتة القلبية وذلك بعد ظهر يوم الاربعاء 22 جمادى الأولى سنة 1362 ه. المصادف 26 مارس سنة 1943 م. وحمل جثمانه على الأعناق إلى قضاء أبي صخير فالنجف في صبيحة اليوم الثاني وكان يوماً مشهوداً حتى دفن بمقبرة الاسرة الخاصة ، وأقام زعيم الحوزة الدينية السيد أبو الحسن الفاتحة على روحه في مسجد الشيخ الانصاري بالقرب من دار الفقيد وكنت أقوم بتأبينه في الأيام الثلاثة التي عقدت بها على روحه الفاتحة.

وللسيد رضا الهندي نتف نوادر تكتب بمداد من نور ، فمنها هذان البيتان وقد كتبهما بمداد أحمر في صدر كتاب :

إذا جرى أحمراً حبري فليس لما *** أني حبست سواد العين عن قلمي

لكن لأخبر كم أن الفراق نضا *** عليّ أسيافه حتى أراق دمي

وقال متضمناً :

غير موصوف لكم ما نالنا *** فصفوا لي بعدنا ما نالكم

وأرعووا العهد الذي ما بيننا *** واذكرونا مثل ذكرانا لكم

وكتب إلى أحد الأفاضل وكان قد وعده بزجاجة عطر :

أبا الفضل يا من غدت في الورى *** نوافح أخلاقه نافحه

وعدت بشيشة عطر ولا *** أشمّ لوعدك من رائحه

وقال :

غزا مهجتي بصفاح اللحاظ *** ولوعٌ بظلمي لا يصفحُ

ولم أر من قبل أجفانه *** جنوداً إذا انكسرت تفتح

ص: 255

ومن براعته الشعرية النادرة الأدبية وذلك أن بعض الادباء كتب اليه :

لأن فارقتكم جسماً فاني *** تركت لديكم قلبي رهينا

سلوت حشاشتي أن أسلُ منكم *** شموس هدايتي دنيا ودينا

فقال السيد ملحقاً متضمناً كل شطر منهما بكلمات في أول البيت وآخره بحيث يكون بيتاً من بحر الكامل وهو مما لم يعهد لغيره مثل ذلك :

قسماً بمجدك ( لأن فارقتكم *** جسماً فإني ) لا أزال متيما

ولأن بقيت ( فلقد تركت لديكم *** قلبي رهينا ) للصبابة مغرما

هيهات أسلوكم ( سلوت حشاشتي *** إن أسلُ منكم ) عهدنا المتقدما

كم حين غبتم يا ( شموس هدايتي *** دنياً وديناً ) بتّ أرعى الأنجما

وقال ملغزاً في القلم :

ما رهيف إذا أسروا اليه *** بعض أمر لم يستطع كتمانه

قد جزاهم عن الاساءة لما *** قطعوا رأسه وشقّوا لسانه

وقال في الدواة :

ما أداة عجماء لكن روت لي *** من حديث القرون ما قد تقادم

راضع من لُبانها فارسيٌ *** آدم اللون ليس ينميه آدم

مستمدّ من درّها كلما قال *** ( بده ) قلب درّها قال ( دادم ) (1)

لم يزل ساعياً على الراس يمشي *** إن سعى بان فيه شجٌ بلا دم

وقال ملغزاً في ابريق الشاي والمسمى ب ( قوري ) :

ما آلة ان تشك نفسي علّةً *** أو غلة يوماً ففيها طبّها

في قلبها ما يشتهيه من المنى *** قلبي فليس ( يروق ) إلا قلبها

فإذا عكسنا الأحرف من ( يروق ) تكون ( قوري )

ص: 256


1- بده : أي أعطني. دادم : أي أعطيتك باللغة الفارسية.

ورأيت في الجزء الرابع من ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) مخطوط العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء - ص 242 قال : حلّ عندنا في ( البصيرة ) جناب السيد رضا الموسوي الهندي فقال :

نزلنا في البصيرة عند مولى *** سما الجوزاء بالفخر الجليّ

فقل للدهر كفّ أذاك عني *** فإني قد نزلت حمي عليّ

ومن رقيق غزله قوله وذلك عام 1344 ه.

يا نديمي وللشراب حقوقٌ *** عاجز عن أدائها المتواني

اترع الكأس خمرة واسقنيها *** وابتدر للصبوح قبل الأذانِ

عاطنيها حتى تثقّل بالسكر *** لساني فلا أقول : كفاني

فالصبا هبّ والقماريّ غنّت *** بفنون الغنا على الأفنان

وحبانا بوصله قمر يصبو *** إلى حسن وجهه القمران

يوسفيٌ له بديع معان *** ضاق عن وصفها نطاق البيان

وقال :

مدّ الربيع مطارف الزهر *** وكسى الصعيد بسندس خضر

فترى السحاب يطيل عبرته *** وترى الأقاحي باسم الثغر

وحدّث ولده الأديب الشاعر السيد أحمد قال : اقترح أحد الادباء تشطير بيتين لأبي نؤاس فشطرهما جماعة من الشعراء ومرّ السيد الوالد فطللب منه النظر في هذه المسابقة فجلس عند أقرب مكان واقف إلى جنبه ونظر فيها فلم تعجبه ثم ارتجل مشطراً وذلك في سنة 1344 ه.

( ورايته في الطرس يكتب مرة ) *** فيكاد يزهو الطرس من إعجابه

وتباهت الكلمات حيث يخطّها *** ( غلطاً فيمحو خطّه برضابه )

( فوددت لو أني أكون صحيفة ) *** ليعيد لي رمقي بشمّ خضابه

ووددت أني أحرف قدخطّها *** ( ووددت أن لا يهتدي لصوابه )

ص: 257

ومن نوادره أيضاً قوله :

بما حوَت أعينُكَ السودُ *** أيقنتُ أن اللّه موجودُ

يا مُتقنَ الصنعة ما لي سوى *** مُتقنِ هذا الصنع معبودُ

دخلتُ في حبك طوعاً ، فهل *** من رجعةٍ ، والبابُ مسدودُ

ردّ فؤاداً عبتَه بالجفا *** والهجر ، ( والمعيوب مردودُ )!

دخل رحمه اللّه إلى مقبرة السيد نور الياسري رحمه اللّه وبعد قراءة الفاتحة رأى صورة الفقيد على الجدار فارتجل :

النور لا يخفى وإن طمع العدى *** جهلاً بأن ترخي عليه ستور

انظر إلى هذا المثال فكل ذي *** بصرٍ يراه يقول هذا ( نور )

ومن تواريخه قوله في المرحوم السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1325 ه. والتاريخ من قصيدة :

عذرتك إذ ينهل دمعك جاريا *** لمثل حسين فأبك إن كنت باكيا

سأبكي حسيناً ثاوياً في ثرى الحمى *** بكائي حسيناً في ثرى الطف ثاويا

وأبكي حسيناً في قميصيه مدرجا *** بكائي حسيناً من قميصيه عاريا

ويا قلمي أمسك فقد أبرم القضا *** وأرخ عظيم بالحسين مصابيا

ص: 258

أغا رضا الأصفهاني

المتوفى 1362 (1)

في الدار بين الغميم والسند *** أيام وصل مضت ولم تعد

ضاع بها القلب وهي آهلة *** وضاع مذ أقفرت بها جلدي

جرى علينا جور الزمان كما *** من قبلها قد جرى على لُبد

طال عنائي بين الرسوم وهل *** للحرّ غير العناء والنكد

ألا ترى ابن النبي مضطهداً *** في الطف أضحى لشر مضطهد

يوم بقي ابن النبي منفرداً *** وهو من العزم غير منفرد

بماضي سيفه ومقوله *** فرق بين الضلال والرشد

لما قعدتم عن نصر دينكم *** وآل شمل الهدى إلى البدد

بقائم السيف قمت أنصره *** مقوماً ما دهاه من أود

ولست أعطي مقادة بيدي *** وقائم السيف ثابت بيدي

واليوم وصل الحبيب موعده *** فكيف أرضى تأخيره لغد

واصنع اليوم في الطفوف كما *** صنعت في خيبر وفي أحد

أفديه من وارد حياض ردى *** على ظمأ للفرات لم يرد

فيا مطايا الآمال واخدة *** قفي وبعد الحسين لا تخدي

ويا جفون العدى الا اغتمضي *** فطالما قد كحلت بالسهد

ص: 259


1- الحصون المنيعة ج 1 / 489 مكتبة كاشف الغطاء - قسم المخطوطات.

الشيخ أبو المجد الآقا رضا ابن الشيخ محمد حسين ابن الشيخ محمد باقر ابن الشيخ محمد تقي صاحب حاشية المعالم الأصفهاني النجفي. ولد في النجف في 20 محرم الحرام سنة 1287 ه. وتوفي بأصفهان سنة 1362 ه. وأقام له مجلس الفاتحة السيد أبو الحسن الأصفهاني في النجف ، درس على السيد كاظم اليزدي والشيخ ملا كاظم الخراساني ودرس العلوم الرياضية بأجمعها على الميرزا حبيب اللّه العراقي ، وكانت له صداقة مع الشاعر السيد جعفر الحلي وله مساجلات ومطارحات مع شعراء عصره كالسيد ابراهيم الطباطبائي والشيخ جواد الشبيبي.

ومن مؤلفاته نقض فلسفة داروين في مجلدين مطبوع وملفاته تزيد على 16 مؤلفاً ، ترجم له صاحب ( الحصون ) وقال في بعض ما قال : فهو سلمه اللّه عالم فاضل فقيه اصولي رياضي فلسفي شاعر ناثر وهو حي موجود ، وفي هذه السنة وهي سنة 1333 ه. رجع قافلاً إلى أصفهان بسبب اغتشاش العراق ، وهو أحد أقاربنا من قبل جدنا الشيخ جعفر وهو من ذريته من طرف البنات وكم له فينا من مدائح وتهاني متعنا اللّه والمسلمين بطول بقائه ، وترجم له الشيخ السماوي فقال : الرضا بن محمد الحسين بن محمد باقر الأصفهاني النجفي أبو المجد فاضل تلقى الفضل عن أبٍ فجد ونشأ بحجر العلم ولم يكفه ذلك حتى سعى في تحصيله فجد ، إلى ذكاء ثاقب ونظر صائب وروح خفيفة ، أتى النجف فارتقى معارج الكمال حتى بلغ الآمال فمن نظمه :

سلطان حسن طرفه عامل *** بالكسر في قلبي فكيف الحذار

أدرك في عامل أجفانه *** ضعفاً فقوّاه بلام العذار

وله في الساعة :

وذات لهو رغناء معاً *** وما درت للقصف أوضاعه

لها فؤاد خافق دائماً *** ولم تكن بالبين مرتاعه

ص: 260

تحمل بالرغم على وجهها *** عقاربا ليست بلساعه

جاهلة بالوقت كم عرّفت *** أثلاثه الوقت وأرباعه

وان تكن تحملها ساعة *** يسألك الناس عن الساعه

وله مساجلات شعرية ومراسلات أدبية مع الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي والشيخ جواد الشبيبي والسيد ابراهيم الطباطبائي والشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهم ومن روائعه وبدائع غزله قوله :

قلبي بشرع الهوى تنصر *** شوقاً إلى خصره المزنر

كنيسة تلك أم كناس *** وغلمة أم قطيع جؤدر

وكم بهم من مليك حسن *** جار على الناس إذ تأمر

له بأجفانه جنود *** تظفر بالفتح حين تكسر

ورب وعد بلثم خد *** جاد به بعدما تعذر

سقاه ماء الشباب حتى *** أينع نبت العذار وأخضر

عرّفه لام عارضيه *** عليّ لم بعدها تنكّر

هويت أحوى اللثاث ألمي *** أهيف ساجي الجفون أحور

كالليث والظبي حين يسطو *** وحين يعطو وحين ينظر

عناي منه ومن عذولٍ *** يهجر هذا وذاك يهجر

هل ريقه الشهد قلت أحلى *** أو وجهه البدر قلت أنور

صغّره عاذلي ولما *** شاهد ذاك الجمال كبّر

والقصيدة كلها على هذا الروي والرقة. وقال في فتاة اسمها ( شريعة ).

هذي شريعة في تدللها *** ظنّت على العشاق في قُبله

يا ليت شعري أين قولهم *** إن الشريعة سمحة سهله

وله مداعباً بعض الشيوخ :

تزوج الشيخ على سنّة *** جاريةً عذراء تحكي الهلال

قلت له دعني افتضّها *** ما يفتح الباب سوى ابن الحلال

ص: 261

وقال ملغزاً باسم أمين :

وبمهجتي من قد تسلّم مهجتي *** نقداً وألوى بالوصال ديوني

عجباً لقلبي كيف ضاع وإنني *** أودعته في الحب عند ( أمين )

ومن نوادره :

تولّى أصفهان أمير جور *** ولم يعزله إكثار الشكاية

فأظهر في الولاية كل جور *** إلهي لا تمته على الولايه

وله غير هذا كثير وقد كتب بقلمه ترجمته بطلب من العلامة الشيخ محمد علي الأورد بادي وفصّل فيها مراحل حياته بصورة مقتضبة وذكر فيها أنه سيفرد كتاب عن حياته وذكرياته بعنوان : أنا والأيام.

ص: 262

الشيخ عبد اللّه معتوق

المتوفى 1362

غليل فؤادي لا يبردُ *** ونار الجوى منه لا تخمدُ

وقلبي من الوجد لا يستريح *** وعيشي ما عشت لا يرغد

لذكرى مصاب رمى العالمين *** بحزن مدى الدهر لا ينفد

مصاب الحسين ابن بنت النبي *** ومن هو في العالم المرشد

مصاب اصيبت به المكرمات *** أصيب به المجد والسؤدد

أصيب به الدين دين الاله *** اصيب به المصطفى أحمد

اصيب به المرتضى حيدر *** وفاطم والحسن والامجد

اصيب به الأنبياء الكرام *** قديماً فحزنهم سرمد

فمن سائل دمعه بغتة *** ومن واجدٍ قلبه مكمد

الشيخ عبداللّه بن معتوق القطيفي ، هو العلامة الحجة المتولد في بلاد آبائه وأجداده ( تاروت ) حدود سنة 1274 ه. من قرى القطيف. تتلمذ على والده ثم هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1295 ه. فدرس على فطاحل العلم حتى حصل على اجازة اجتهاد من الحجة السيد الكبير السيد أبو تراب وهناك اجازات من علماء آخرين.

كانت بلاد القطيف طوال رحلته إلى النجف تنتظره بفارغ الصبر ليكون المرشد والموجّه فطلع عليها كطلعة الهلال فساسها بخلقه وسماحة نفسه وأصبح

ص: 263

الأب الروحي لذلك القطر عنده تحل المشاكل وعلى يده تنتهي المنازعات ثم هو القدوة لهم في الأخلاق والآداب والكمالات وعلى درجة عالية من العبادة والتقوى. ترجم له في شعراء القطيف وذكر نماذج من أشعاره.

آثاره العلمية ، كتب في الفقه حاشية على العروة الوثقى ، ورسالة في علم الهيئة. كانت وفاته غرة جمادى الاولى ليلة الخميس سنة الثانية والستين بعد الثلثمائة والألف من الهجرة عن عمر قارب التسعين عاماً. اقيمت له الفواتح وأبّنه الشعراء والخطباء.

جاء في أنوار البدرين : ومن شعراء القطيف العالم الفاضل التقي الصدوق الأواه الشيخ عبداللّه ابن المرحوم معتوق التاروتي ، من الأتقياء الورعين الأزكياء ، زاهداً عابداً تقياً ذكياً ، قرأ رحمه اللّه في القطيف عند الفقير لله صاحب الكتاب علمي النحو والصرف ، كما قرأ عند شيخنا العلامة ثم سافر إلى النجف الأشرف للاشتغال في العلوم وبقي فيها مدة من الزمان ثم انتقل إلى كربلاء واستقل بها وهو من العلوم ملآن إلى هذا الآن ، له بعض التصانيف ، على ما سمعت - ومن جملتها رسالة في الشك اسمها ( سفينة المساكين ) وهو كثير المكاتبة والمراسلة لنا كل آن ، وقد اجازه كثير من علماء النجف الأشرف وغيرها من العرب والعجم ، أدام اللّه توفيقه وسلامته وأفاض عليه أمداده ورعايته ، ومن شعره في الرثاء :

لا مرحباً بك يا محرم مقبلا *** بك يا محرم مقبلا لا مرحبا

فلقد فجعت المصطفى وأسأت *** قلب المرتضى والمجتبى بالمجتبى

وتركت في قلب الزكية فاطم *** ناراً تزيد مدى الزمان تلهبا

لله يومك يا محرم أنه *** أبكى الملائك في السماء وأرعبا

وأماط أثواب الهنا من آدم *** فغدا بابراد الأسى متجلببا

حيث الحسين به استقل بكربلا *** فرداً تناهبه الأسنة والظبا

من عصبة قدماً دعته لنصره *** فعدت عليه عداوة وتعصبا

فهناك جاد بفتية جادت بأ *** نفسها وجالدت العدى لن تذهبا

ص: 264

فترى إذا حمى الوطيس قلوبها *** أقسى من الصخر الأصم وأصلبا

فالوعد أعرب عن طراد عرابها *** والبرق عن لمع البوارق أعربا

وغدت تنثر من امية أرؤساً *** ولها السما رعباً تنثر أشهبا

وتعانق البيض الصفاح ولم ترد *** منها سوى ورد المنية مطلبا

حتى إذا حان القضاء وغودرت *** صرعى على تلك المفاوز والربى

أمسى الحسين بلا نصير بعدها *** والقوم قد سدوا عليه المذهبا

ساموه ان يرد المنية او بأن *** يعطي الدنية والابي بذا ابى

فغدا يريهم في النزال مواقفاً *** من حيدر بمهند ماضي الشبا

لله صارمه لعمرك أنه *** ما كل يوماً في الكفاح ولا نبا

من ضربه عجبت ملائكة السماء *** من فوقه ويحق أن تتعجبا

باللّه لو بالشم همّ تهايلت *** دكاً وصيرها بهمته هبا (1)

ومن شعره في الرثاء :

يا ذوي العزم والحمية حزما *** لخطوب دهاكم أدهاها

فلقد أصبحت أميمة سوء *** ثوبها البغي والرداء رداها

جدعت منكم الانوف جهاراً *** فاشتفت إذ بذاك كان شفاها

فانهضوا من ثراكم واملأوا الأر *** ض جياد العتاق تطوي فلاها

وأبعثوا السابحات تسحب ذيلا *** من دلاصٍ لكم برحب فضاها

وامتطوا قُبّها ليوم نزال *** وانتضوا من سيوفكم أمضاها

لستُ أدري لمَ القعود وبالطف *** حسينٌ أقام في مثواها

ألجبنِ عراكم أم لذلٍ *** أم لخوفٍ من الحروب لقاها

لا وحاشاكم وأنتم إذا ما *** ازدحمت في النزال قطب رحاها

إن زجرتم بأرضها العرب غضباً *** أعربت عن زجير رعد سماها

أو تشاؤن خسفها لجعلتم *** بالمواضي علوّها أدناها

ص: 265


1- عن الديوان المطبوع في النجف الأشرف.

أفيهنا الرقاد يوماً اليكم *** وامي أتت بظلم تناها

فلعمر الورى لقد جرّعتكم *** كربلا كأس كربها وبلاها

يوم أمسى زعيمكم مستضاماً *** يصفق الكف حائراً بفلاها

حوله فتية تخال المنايا *** دونه كالرحيق أُذبلّ فاها

وترى الحرب حين تدعى عروساً *** خطبتها الصفاح ممن دعاها

ولها الروس إذ تناثر مهر *** وخضاب الأكف سيل دماها

ما ثنت عطفها مخافة موت *** لا ولا استسلمت إلى أعداها

لم تزل هكذا إلى أن دعتها *** حكمة شاء ربّها أمضاها

فثوت كالبدور يتبع بعضاً *** بعضها أُفلا فغاب ضياها

وبقي مفرداً يكابد ضرباً *** بعدها من أمية شبل طاها

بأبي علة الوجود وحيداً *** يصطلي في الحروب نار لظاها

إن غدا في العدا يكر تخال *** الموت يسعى أمامه ووراها

حالف المشرفيّ أن لا يراه *** في سوى الروس مغمداً إذ يراها

وحمى دينه فلما أتته *** دعوة الحق طائعاً لبّاها

فرماه الضلال سهماً ولكن *** حل في أعين الهدى فعماها

فهوت مذ هوى سماء المعالي *** وجبال المهاد هدّ ذراها

أد لهمّ النهار وانخسف البدر *** ونال الكسوف شمس ضحاها

بأبي ثاويا على الأرض قد ظلّ *** لهيب الفؤاد في رمضاها

ما له ساتر سوى الريح منها *** قد كساه دبورها وصباها

وبنفسي حرائراً ادهشت من *** هجمة الخيل بعد فقد حماها

برزت والفؤاد يخفق شجواً *** حسرها بعد خدرها وخباها

بيدٍ وجهها تغطيّه صوناً *** وبأخرى تروم دفع عداها (1)

ص: 266


1- رياض المدح والرثاء.

الشيخ جواد الشبيبي

المتوفى 1363

قال يرثي الإمام الحسين علیه السلام ، وأوائل الأبيات على حروف الهجاء :

أما آن أن تجري الجياد السوابق *** فتندك منها الراسيات الشواهق

بعيدات مهوى اللجم يحملن فتية *** عليهم لواء النصر بالفتح خافق

تطلّع فيها قائم بشروطها *** إذا عارضتها بالوشيج الفيالق

ثوابت يجريها شوارق بالدما *** وكيف تسير الثابتات الشوارق

جرى الأمر أن تبقى لأمر حبائساً *** إلى أمدٍ إن يقض فهي طلائق

حرام عليها السبق إن هي أزمنت *** رباطاً وصدر الدهر بالجور ضائق

خفاءً وليّ الأمر ما إن موقف *** تسلّ به منك السيوف البوارق

دع البيض تُنشي الموت اسود في الوغى *** بها من دم القتلى المراق طرائق

ذوابح إلا أنهن أهلّة *** صوائح إلا أنهن صواعق

رقاق تعلّقن الطلى فكأنما *** لها عند أعناق الكماة علائق

زهت ظلمات الحرب منها بأنجم *** يشق بها فجر من الضرب صادق

سقت شفق الهيجاء أحمر أمرعت *** به من رؤوس الناكثين شقائق

ص: 267

شقائقها في منبر الهام أفصحت *** وما أفصحت عند الهدير الشقاشق

صِل النصل بالنصل المذرب مدركاً *** تراثٍ لها بيضاً تعود المفارق

ضحى وقعة بالطف جلّت ودكدكت *** مغاربها من هولها والمشارق

طوائحها قد طوّحت بملمةٍ *** على مثلها تقذى العيون الروامق

ظلام مثار النقع فيها سحابة *** دجت وحراب السمهريات بارق

عفت صاحب الخطب الطروق منازلاً *** لآل عليٍّ لم تطأها الطوارق

غدت ابن حرب شبّ حرباً تسجّرت *** به حرمات الوحي وهي حدائق

فجاء بها تستمطر الصخر عبرة *** ومن وقعها يلوي الشباب الغرانق

قضى ظمأ فيها الحسين وسيفه *** بدا بارق منه وأرسل وادق

كفى الطير أن ترتاد طعماً وكفّها *** بأسرابها أنى استدار خوافق

له الصعدة السمرا فقل قلم القض *** جرى بالمنايا والصدور المهارق

مضى ومضى أصحابه عاطري الثنا *** ومصرعهم بالحمد لا الندّ عابق

نحو وجهة الموت الزؤام بأوجه *** وضاحٍ لها تصبو النبال الرواشق

هموا مذ قضوا عادت بنات محمد *** قلائدها مبتزّةً والمناطق

ينُحنَ ولا حامٍ ويعطفن هتّفاً *** بكل محام فيه تحمى الحقائق

الشيخ جواد الشبيبي شيخ الأدب ومفخرة العرب الشاعر الخالد وجامع الشوارد ، الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن ابراهيم بن صقر البطايحي الشهير بالشبيبي الكبير من أفذاذ الزمان في أدبه وكماله وظرفه وأريحيته.

ولد ببغداد في شهر شعبان عام 1284 ه- (1) وتوفي أبوه وعمره اسبوع وكان والده من الشخصيات المرموقة ببغداد ، فانتقلت امه بمولودها إلى النجف بجنب الاسرة وهي بنت الشيخ صادق أطيمش وهو من المشهورين بالفضل والعلم وله ضياع في قضاء الشطرة ويقضي أكثر أيامه هناك فكان ينتقل بسبطه

ص: 268


1- ويقول الشيخ السماوي في الطليعة انه ولد سنة 1280 ه. كما أخبره المترجم له نفسه.

إلى هناك في كل سفراته ويحدب عليه ويغذيه ، وساعدته مواهبه الفياظة فبرع بالشعر والأدب ومختلف العلوم العربية والإسلامية إلى أن توفي جده عام 1296 ه. وقد قارب المائة عام في العمر فعاد المترجم له إلى النجف وواصل دراسته وتميز بالإنشاء والكتابة حتى عدّه البعض بأنه أكتب عصره قال عنه الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : قبلة الأدب التي تحج وريحانته التي تشم ولا تزج ، وجواده السابق في مضماري النثر والنظم ، عاشرته فوجدته حسن العِشرة مليح النادرة صافي النية حلو الفكاهة قوي العارضة مع تمسك بالدين والتزام بالشرع ، وذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال : عالم فاضل وأديب كامل ، شاعر ماهر فصيح بليغ لغوي مؤرخ حسن المحاورة جيد المحاظرة ، فطن ذكي ذو ذهن وقاد وفكر نقاد ، وألّف كتاباً في المراسلات بينه وبين أحبابه سماه ( اللؤلؤ المنثور ) وديوان شعره ، وهو مكثر من الشعر والنثر سريع البديهة في كليهما وترجم له كل من كتب عن الشعر والأدب في العراق إذ أن الكثير من المتأدبين تخرجوا على مدرسته وما زالت النوادي تتندّر علمه وأدبه وقد عمّر طويلاً فأدرك الدورين : التركي والوطني وشعره مقبول في الدورين وكأنه يتجدد مع الزمن ففي رسائله ومقاماته يجاري مقامات الهمداني والخوارزمي وبشعره السياسي ونقده اللاذع كشاب يحس بمتطلبات البلاد واستقلالها والعجيب أنه مكثر في الشعر ومجيد في كل ما يقول ، وقد داعب جماعة من أعضاء ندوته منهم الشيخ ابراهيم أطيمش لما تزوج زوجة بالإضافة إلى زوجاته السالفات وكان في السبعين من عمره ، بعث الشيخ له قصيدة أولها :

صواهل ما بلغن مدى الرهان *** فدى لك أولٌ منها وثان

وتلاه الحجة الكبرى السيد أبو الحسن الأصفهاني الموسوي حيث قد تزوج وهو ابن السبعين وتلاهما زعيم النجف الديني الشيخ جواد الجواهري ثم الشيخ جواد عليوي وكلهم قد تجاوزوا السبعين في أعمارهم فكتب المترجم له إلى الأخير منهم وقال :

ص: 269

( جوادك ) من بعد الثمانين صاهل *** فمن ذا يجاريه ومن ذا يطاول

وسائلة ماذا تحاول نفسه *** فقلتُ لها فتح الحصون تحاول

فقالت أبا السيف الذي هو حامل *** وما سيفه في الروع إلا حمائل

ثقيل حديد العضب تبكى لضعفه *** حراب العوالي والحداد المناصل

ومن عجب أن الصياقل لم تكن *** تعالجه بل عالجته الصيادل

وعند اقتران الثاني من هؤلاء الاعلام كتب لسماحة الشيخ عبد الرضا آل راضي :

أتاك الصاهل الثاني *** يباري الصاهل الأول

كلا الطِرفين لم يعثر *** وإن خبّ على الجندل

ولكن طرفنا استعصى *** على السائس فاسترسل

أردنا منه إمهالاً *** عن الوثبة فاستعجل

وقال يداعب الآخر منهم :

أُهنّي الشرع والشارع *** بهذا الصاهل الرابع

ثلاثون لتسعين *** فأين القدر الجامع

ومن مداعباته لأحد زملائه وكان في رأسه قرع وهو الشيخ عبد الحسين الجواهري والد محمد مهدي الجواهري قال :

لك رأس مرضع ومدبّج *** دوحة الجسم أنبتت فيه بستج

روضة تنبت الشقائق فيها *** جلناراً وسوسناً وبنفسج

قد قرأنا حديثه من قديم *** فوجدناه عن جعود مخرّج

خطّ ياقوت فيه جدول تبر *** نقطوه من قيحه بزبردج

فوق كافوره من الشعر مسك *** كل من شمّ نشره يتبنّج

فيه بحر للقار من ظلمات *** ضرب الشف يمّة فتموج

أرضه عسجد وحصباه درٌ *** لو أُزيلت أصدافه لتدحرج

ص: 270

كم بموسى الحجام عاد كليما *** صعقاً خرّ بالدماء مضرج

لو على ابن الهموم ضاق خناق *** وكشفنا عنه لقلنا تفرج

عمموه بلؤلؤ وعقيق *** فهو ملك معمم ومتوّج

وهو وادي العقيق كم جمرات *** عنه ترمى معصومة ساعة الحج

موقد شعلة كعلوة عمرو *** من سناها نار البروق تأجج

ذو بيان لو خاصم الجمر فيه *** لانطفا حرّه وباخ وأثلج

وأديب لا بابلي ولكن *** فمه في فم المقبّل قد مج

أنا ضام ولم أرد نهر فيه *** حيث فيه من العوارض كوسج

وسمعت الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء يتحدث عن شاعرية الشبيبي الكبير ويقول كنا بصحبة والدي الهادي في شريعة الكوفة واتخذنا المسجد مقراً لنا فزارنا الشيخ الجواد وكان نازلاً على النهر فشكونا عدم وجود حليب البقر ، والطبيب يوصي باستعماله فقال الشيخ : إنه متوفر بالقرب منا وأخذ يرسل لنا كل يوم زجاجة مملوءة وكان يختم رأسها ببطاقة فيها قصيدة من نظمه.

وكتب للعالم الجليل الشيخ أحمد كاشف الغطاء على سبيل المداعبة :

يمن لذاتك بيت من علاً سمكا *** صيّر غداي غداة الاربعا سمكا

وخصّني فيه فرداً لا يشاركني *** سواك ، فالنفس تأبى الشرك والشُركا

أما اعتبرتَ بهم يوم الهريسة مذ *** ألقوا أناملهم من فوقها شَبَكا

قالوا لنا سرر البُنيّ نقسمها *** ما بيننا والبقايا والجلود لكا

وسمك ( البُنيّ ) هو المفضّل من الأسماك في شط الفرات وموضع السُرّة منه أطيب المواضع.

وفي مجلس ضمّ نخبة من الادباء العلماء وهم الشيخ الشبيبي والشيخ آغا رضا الأصبهاني والشيخ هادي آل كاشف الغطاء والسيد جعفر الحلي صاحب ديوان ( سحر بابل ) وفي يد أحدهم كتاب ( العقد الفريد ) لابن عبد ربه إذ مرّت

ص: 271

فقرة من كلام العرب وهي : نظرت بعيني شادنٍ ظمأن. فاقترح أحدهم أن يشترك الجميع في جعل هذه الفقرة مطلع قصيدة ، فاستهلها لسماحة الشيخ الهادي بقوله :

نظرت بعيني شادن ظمأن *** ظمياء بالتلعات من نعمان

فقال سماحة الشيخ الشبيبي :

وتمايلت أعطافها كغصونها *** ما أشبه الأعطاف بالأغصان

وقال السيد جعفر الحلي :

وشدا بذاك الربع جرس حلّيها *** فتمايلت طرباً غصون البان

وتبعهم سماحة الشيخ الأصفهاني بقوله :

هيفاء غانية لها من طرفها *** أسياف غنج فقن كل يمان

وإذا هي قصيدة عامرة في 56 بيتاً مثبتة بكاملها في ديوان سحر بابل.

وقال :

لا أكثر اللّه من قومي ولا عددي *** إن لم يكونوا لدى دفع الخطوب يدي

لي قاتلٌ فوق خدّيه دمي وله *** حُكمٌ يُخوّله أنّ القتيل يدي

وخادعٍ جاء فتّاناً بنغمته *** حتى استقرّ فكانت زأرةُ الأسد

مُصفدي بقيود لا فكاكَ لها *** واضيعةَ النفس بين القيد والصَفد

حسا البحارَ وفي أحشائه طمعٌ *** إلى امتصاص بقايا النزرِ والثمد

واستوعبَ الماء لا من غُلةٍ وظماً *** وصاحب الماء ظمآن الفؤاد صدي

* * *

البس لخصمك - إن لاقاك مفترساً - *** مطروقةَ الصبر لا منسوجةَ الزرد

فها هي النثرةُ الحصداء تخرقها *** يد القوي التي تعي عن الجلد

وقل لشعبك يجمع شمله لعلاً *** فلا تُنال العلا في شمله البدد

ص: 272

ولينتفض من غبار الموت متحداً *** فالموتُ أولى بشعب غير متحد

سرّ التقدم أن القومَ سعيهم *** لغاية وحدوها سعيَ منفرد

إجعل لنفسك من معقولها عُدداً *** فعُدة العقل كم تأتي على العدد

قد ضعّف الحق مَن تُطوى طويته *** على البغيضين ، سوء الخُلق والحسد

ركّن مقرّك تأمن كل قارعة *** إن العواصفَ لا تقوى على أحد

وذُمّ كل فرار من مبارزةٍ *** إلا فرارك من غيٍّ إلى رشد

لا تقرب الحشد مرفوعاً به زجلٌ *** إن لم يكن لصلاح الشعب والبلد

أحلى الحديث حديثٌ قال سامعُه *** لمجتليه اسقني مشمولَه وزِد

شتان بين خطيبي أمةٍ خَطبا *** سارٍ على القصد أو ناءٍ على الصدد

هذا يجيء بزُبد القولِ ممتخضاً *** وذاك يجمعُه من ذاهب الزَبَد

* * *

يا من يسودُ قبيلا وهو سؤدده *** أسدد طريقَ العلا من هظمه وسُد

واختر رجال المساعي الغر مدخراً *** منهم بيومك هذا معقِلا لغد

وارصُد بهم من كنوز السر أثمنها *** فقد تباح إذا أمست بلا رصد

إن الرجال دنانيرٌ وأخلصها *** من كذّب السبكُ فيه قول منتقد

ولا يغرنّك من تحت الردا جسدٌ *** فالمرء قيمتُه بالروح لا الجسد

لا يكسب الطوق حسناً جيد لابسه *** وإنما حسنه الذاتيّ بالجيد

والناس كالنبتِ منه عرفجٌ وكباً *** والشعر كالناس منه جيّدٌ وردي

والشعر كالسحر في مهد الخيال معاً *** تجاذباً حلمةً واستمسكا بثدي

لكنما السحر مطبوعٌ على عُقَد *** والشعر مطبوعه الخالي عن العُقَد

* * *

كان الضعيف إذا مدّ القوي يداً *** لظِلمه ردّها مدفوعةً بيد

واليوم ظلّ ضعيف القوم مضطهداً *** وارحمتاه لمظلومٍ ومضطهد

كم شجّة أوضحته وهو معتدلٌ *** كما تعاقبَ طُرّاق على وَتد

ببيت مضطرباً في موطن قلق *** كأنه زئبقٌ في كفّ مرتعد

ص: 273

وقال أيضاً :

بكّر على صيدك فالوقت فرص *** ولا تجئ في أُخريات مَن قنص

وابتدع الآثار يُقفى نهجها *** فخير آثار الفتى ما يُستقص

واجعل لهذي النفس منك قوةً *** يمكنها الصبر على صاب الغصص

ولا تقل كان أبي فإنما *** حديثه الماضي أساطير قصص

إعمل فما بعد الصبا من عمل *** والبدر إما بلغ التمّ نقص

إذا تكاسلت فما تربح سوى *** ما تترك الموسى بعارض الأحص

وطامع لم تكفه جفنته *** وكم ذبيح في حواشيها فحص

تطاحنت محالك الدنيا له *** وقسّمت من أجله تلك الحصص

فهل تراه قانعاً أم أنه *** يثرد قرص الشمس مع تلك القرص

فلا يلومنّ سوى لهاته *** من جاوز المقدار في المضغ فغص

ما أجهل الإنسان اما تستوي *** بلاجة الوجه لديه والبرص

* * *

مَن لي من الفتيان بابن حرةٍ *** ما نكّس البند ولا يوماً نكص

يفتح للقتام عينَ أجدل *** كأنما العثير كحل للرمص

إن تدعه لبّاك منه ناشيء *** قد نشر الوفرة بعد ما عقص

يقطع بالرأي وريد خصمه *** وقوله في موقف الأحكام نص

يا ربة الفسطاط :

تسافل الصدق بأرقى العصور *** واحتجب الحق بعهد السفور

وانتشر الرعب بهذا الفضا *** فكل يوم هو يوم النشور

واشتمل الدهر حداد الأسى *** مذ عوفي الحزن ومات السرور

فوادح عمّت فأضحت لها *** جداول تعمى وعين تغور

وصوّحت أرياف هذي الدنا *** فأين - لا أين - رياض الزهور

وانتبه الفاجرُ من نومه *** إلى الدعارات ونام الغيور

ص: 274

وباغت الخلق انعكاس ولا *** يعتدل العيش بعكس الامور

صدور قوم أصبحت في القفا *** وأظهر حلّت محلّ الصدور

لا يفخر الداني إذا ما علا *** إن اللباب المحض تحت القشور

* * *

آلفة القبة أين الخبا ، *** وربة الفسطاط أين الخدور

طبعك طبع الريم لو أنه *** دام على عادته في النفور

لكنما نسمةُ هذا الهوى *** ما قويت إلا لرفع الستور

لا ترفعي الرُقع في موكب *** وجهك فيه يا ابنة العرب ( نور )

ولا تزوري في الدجى جارة *** ففي غواشي الليل إفك وزور

بلادك :

بلادك إنها خير البقاع *** فقم ثبّت بها قدم الدفاع

بلادك أرضعتك العز فاحفظ *** لها حق الامومة والرضاع

بلادك أصبحت لحماً غريضاً *** تمطق فيه أشداق السباع

فقل للضاريات ألا اقذفيه *** ففي أوصاله سمّ الأفاعي

أرى ضرماً وليس له لهيب *** وهل نار تكون بلا شعاع

وأنسمة يسبل السمنُ منها *** توزع بين أفواه جياع

وقطعانا تلاوذ وهي سغب *** وتمنع عن مداناة المراعي

فما زالت على فزع ورعب *** تفرّ من الذئاب إلى الضباع

نظرنا في السياسة فاجتهدنا *** وخضنا في القياس وفي السماع

فألفينا بحيرتها سَراباً *** يحوم الوهم منه على التماع

إذا كالت فقيراط بصاع *** أو اكتالت فقنطار بصاع

ص: 275

ومن روائعه قوله :

يا ما طل الوعد ما هذي الأساطيرُ *** زادت على السمع هاتيك المعاذير

العدل منك سمعناه ولم نره *** والجور منك أمام العين منظور

إن قلت عصري عصر النور مفتخراً *** فظلمة الظلم ما في فجرها نور

وهل يفيد جمال الوجه ناظره *** والبرقع الدكن فيه الحسن مستور

أفراد قومك عاشوا عيشة رغداً *** وما دروا أنها ماتت جماهير

بيوتهم من بيوت الشعب مدخلها *** ومن عمايره تلك المقاصير

تمسي سواءً لو أن الحال أنصفها *** لكنما هي مهدوم ومعمور

أقول للغرف اللاتي ستائرها *** لها بمسح جبين الشمس تأثير

تواضعي واعرفي قدر البُناة فمن *** صنايع الشعب رصتك المقادير

فأين ما ثبت البانون من أُطم *** وأين ما شاده كسرى وسابور

هذا الخورنق مطموس بلا أثر *** وذي المدائن لا بهوٌ ولا سور

يا حارث الأرض والساقي وباذرها *** قتّر إذا نفع المحروم تقتير

إذا أتاك رجال الخرص فألقهم *** بطلعة برقت منها الأسارير

إن باغتوك بنار شبّها غضب *** وسعّرتها من العسف الأعاصير

فأحفظ بقايا حبوب منهم سقطت *** فللبقايا ببغداد مناقير

طارت من الغرب والأطماع أجنحة *** والغاية الشرق واللقط الدنانير

ألا نكيرَ على أعلام حاضرة *** قضت بتعريفهم تلك المناكير

كالعبد صبغته السوداء ثابتةٌ *** على المسمى بها والاسم كافور

تقدموا فانتظر يوماً تأخرهم *** والدهر يومان تقديم وتأخير

لا تعجبن إذا راجت لهم صور *** فالعصر رائجة فيه التصاوير

ولا تخل أنهم حرّاس مملكة *** فطالما تسرق الكرم النواطير

من الغرائب أن الهرّ في وطني *** ليثٌ يدلُّ وان الليث سنّور

ص: 276

جرياً على العكس كم وجه يكون قفاً *** وكم قفاً وله وجهٌ وتصدير

يا لانقلابٍ به العصفور صقر ربى *** والصقر ذو المخلب المعوج عصفور

تبدل الناس والأرض الفضاء على *** أديمها لاح تبديل وتغيير

يا من رأى الدير والخابور من قدم *** لا الدير ديرٌ ولا الخابور خابور

خوفي على الوطن المحبوب ألجمني *** فلم يذع لي منظومٌ ومنثور

كأنني مذ غدا حتماً على شفتي *** ليث يكظ على أشداقه الزير (1)

أفحص فؤادي يا دهر تجد حجراً *** صلداً ولكنه بالخطب منقور

يُرمى البرئ نزيه النفس طاهرها *** بالموبقات وذنب اللص مغفور

مثل البغية يطوي العهر رايتها *** وبندُها فوق ذات الخدر منشور

فيا سيوفاً قيون الغدر تشهرها *** ما هكذا تفعل البيض المشاهير

نحرتم وطعنتم قلبَ موطنكم *** حتى يقال مطاعين مناحير

لا تستهينوا بضعف في جوارحنا *** فكم دم قد أسالته الأظافير

كبرتم الأنفس اللاتي مشاعرها *** لها وان طال فيها العمر تقصير

زجاجة الخط ان أمست تكبّرها *** فالذرّ ليس له في العين تكبير

مطاول الفلك الأعلى قصرت يداً *** فالآن أيسر ما حاولت ميسور

ما في يديك خسوف البدر مكتملاً *** وليس فيها لقرص الشمس تكوير

انظر إلى القبة الزرقاء عالية *** وسقفها بنجوم الزهر مسمور

واستغرق الفكر في مجرى مجرّتها *** فذاك بحرٌ يفيض اللطف مسجور

موج من النور عال لا يسكّنه *** إلا الذي من سناه ذلك النور

كأنه والنجوم الزهر طالعة *** سجنجل نبتت فيها الأزاهير

يا طائرين على بيض مجنحة *** حطوا على الوكنات الجوّ أو طيروا

ص: 277


1- الزير : الدن.

ما هذه الأرض تبقى وكر طيركم *** ولا الوقوف لها في الجور مقدور

لقد أمنتم على خفّاقها خطراً *** وكم تجيءُ من الأمن المخاطير

هوى من الجهة العليا لهوتها *** والصور منحطمٌ والظهر مكسور

رحى تدور لهذا القطر طاحنة *** ومن مطاعمها الديار والدور

الشرق يبكي وسنّ الغرب ضاحكة *** لصوتها أهو رعد أم مزامير

يا ربة الخدر عن نظارك احتجبي *** إن الحجاب لمنصوصٌ ومأثور

وطهّر النفس بالأخلاق فاضلة *** فانها لك تنزيه وتطهير

شُذّي أزارك ممدوداً فكم نظري *** على الخيانة أضحى وهو مقصور

ومن شعره أيضاً :

هذه خيلنا الجياد الصفوافن *** أنفت أن تقاد في يد راسن

لا تسسها فكم بها ذات متن *** يدرك الحس من يمينك ماين

نفرت عن منابت الهون مرعىً *** ويداها ما خاضتا الماء آجن

أن تفض في الرمال فهي سيول *** أو تخض في الدماء فهي سفائن

تطحن الشوس في رحاها دقيقاً *** والدم الماء والنسور العواجن

لست أدري مطاعم من كرام *** الطير للوحش في الوغى أم مطاعن

كيف تظمى والبيض مثل السواقي *** مائجات يفعمن غدر الجواشن

عبرت لجة المنايا وجازت *** ساحليها مياسراً وميامن

ورأت من صنايع البيض فيها *** بأكف الجرحى الرماح محاجن

يا له موقف اختلاط فسهم *** في قراب وانصل في كنائن

ومخاليب أجدل في سييبٍ *** ونواصي طمرةٍ في براثن

أين لا أينها أخافت فأمسى *** سبّها في الوكون ليس بآمن

باعدت مشرع الفراتين طوعاً *** وعلى الكره تحتسي النزر آسن

ما ظننا أن السوابق منها *** ملحقات بما اقتناه المراهن

ما أراها هانت فذلّت ولكن *** درست حال شعبها المتهاون

ص: 278

فبكته الآمال دوح خلاف *** لم يقم تحت ظله متضامن

أي دوح في أصله عذل لاحٍ *** وعلى فرعه ترنّم لاحن

ضعفت أنفسٌ ترى في دواها *** وهو الداء حفظها بمعاون

وإذا صارع المريض المنايتا *** والطبيب العدو فالموت حاين

كيف يرجى إشفاق أعدى طبيب *** حرّك الداء طبعه وهو ساكن

يصف الهدم للجسوم علاجاً *** فكأن البناء نقض المساكن

ناعم البال ليس تزهو بشيء *** نعمة لا يذبّ عنها مخاشن

إن من بات فوق لين الحشايا *** غير موف عهداً عليه لخاين

قد يعين العِدا عليه برأي *** وبسيف مصالح ومهادن

ظهرت للعيان منك خفايا *** ومن الستر إن يكنّ كوامن

قلت اني للمحسنين مساو *** والمساوي تقول أنت مباين

يا دريس الآثار جدد حديثاً *** مرسلاً عنك لا حديث العناعن

أحزم الناس ناهض بعظام *** من مساعيه لا عظام الدفائن

كم ركبنا ليستظل ابن فجّ *** من هجير الضحى ويعصم راكن

كم صروح تبلّطت برخام *** طحنتها رحى الخطوب الطواحن

قل لأهل السواد لا جاورتهم *** في البوادي شقايق وسواسن

ضربتكم أيديكم فافترقتم *** وخلا معبد وفارق سادن

وضيع قضي عليها ضياع *** وكنوز تحوّلت لخزائن

فلقتكم فواحصٌ مذ رأتكم *** هضباً قد ركدن فوق معادن

وبي ألمٌ :

طبيبي ما عرفتَ عياء دائي *** وأنت معالج الداء العياء

أنا أدري بدائي فهو ضعف *** السواعد عن صراع الأقوياء

وبي ألمٌ يؤرقني فتعي *** يميني فيه عن جذب الرداء

وحمّى خالطت عرقاً بجسمي *** فباتا مزمعين على اصطلائي

ص: 279

وكنتُ خلقتُ من ماء وطين *** فها أنا صرتُ من نارٍ وماء

مللت العائدين وقد أمالوا *** إليّ رقابَ إخوان الصفاء

وقالوا : إن صحته ترقّت *** فقلت : أرى انحطاطي بارتقائي

وقالوا : قد شفيت فقلت كفوا *** فمن عللي تعاليل الشفاء

أرى شبحاً يسير أمامَ عيني *** لغايته فأحسبه ورائي

وآخر عن مظالمه تنحّى *** وأكره في مغادرة الشقاء

تبكّيه المواعظ لا اختياراً *** فأين الضحك في زمن العناء

مشى في غير عادته الهوينى *** ولكن لا يسابق بالرياء

وقد ألف السكينة لا صلاحاً *** كلصٍ تاب أيام الوباء

فيا كبراء هذا العصر كونوا *** يداً تطوي لباس الكبرياء

وسيروا في تواضعكم بشعب *** تواضعكم له درج ارتقاء

وأنقى ربوة في الأرض قلب *** أعدّ لغرس فسلان الأخاء

ولا مثل القناعة كنز عزٍ *** يدوم وكل كنز للفناء

ويا عصر الحديد أوثق وصفّد *** وكهرب يا زمان الكهرباء

ويا مطر القذائف كم شواظٍ *** لو دقك في نفوس الأبرياء

وأذيال المعاسير الحيارى *** بها كم لاذ أرباب الثراء

وعقبى الظلم ان حانت نزولاً *** جرى منها العقاب على السواء

فلا الكاسي تحصّنه دروعٌ *** ولا العاري يلاحظ للعراء

حياة المرء أطيبها حياء *** فلا تطب الحياة بلا حياء

وأنفس ما يخلّف معجزات *** يرتل آيها دانٍ ونائي

ومَن غالى وأغرق في مديح *** وفرط حين أفرط في الثناء

كمدخرٍ جواهره الغوالي *** لشدته فبيعت في الرخاء

وربّ ممدّح إفكاً وزوراً *** أتاه المدح من باب الهجاء

وما بنت القوافي بيت مجد *** لمن قد بات منقضّ البناء

وما أثر الفتى بالشعر يبقى *** ولكن بالعفاف وبالاباء

ص: 280

ومصطنع الرجال بما توالت *** عليهم راحتاه من العطاء

إذا دهمته نازلة فدوه *** فسابقهم إلى شرف الفداء

كذا الانسان مهما شاء يعلو *** وإلا فهو من إبل وشاء

ألا قتل الانسان ..

تباعدت عن ريحان ريفك والعصف *** وأعرضت يا لمياء عن نفحة العرف

توسطتِ أزهار الربيع جديبة *** وكيف يكون الجدب في الكلأ الوحف

خيال الكرى ما مرّ منك بمقلة *** فرحت من الأشجان مطروفة الطرف

سهرت وغلمان الحدائق نوّمٌ *** أهم حرس الأزهار أم فتية الكهف

وجاورت هاتيك القصور شواهقاً *** بدار بلا بهو وبيت بلا سقف

طوى السائح المقتص صفحة ذكرها *** وأصبح مكسوراً لها قلم الصحفي

ومرّ عليها الشاعر الفحل مطرقاً *** كأن لم يكن في شعره بارع الوصف

أجارة هذا القصر نوحك مزعجٌ *** لآنسةٍ فيه أكبّت على العزف

أدرتِ الرحى في الليل يقلق صوتها *** وجارتك الحسناء تنقر بالدفّ

تطوف عليها بالكؤوس نواصعاً *** كواعب أتراب طبعن على اللطف

يُرشّفنها ما ساغ بالكأس شربه *** وشربك من ضحٍّ وكأسك من كف

لو اسطاع هذا الصرح شحّ بظله *** على بيتك العاري عن الستر والسجف

إلى أين يعلو في قرون حديده *** أهل يأت في أمن من الهدّ والنسف

يحاول نطح الكبش وهو ببرجه *** ويذهل عما راع قارون بالخسف

ألا قتل الإنسان ماذا يريده *** وقد جاز حدّ المسرفين أما يكفي

أبى أن يساوي نوعه في شؤونه *** فجار على صنفٍ ورقّ على صنف

وعالج لاعن حكمة ضعف نفسه *** متى عولج الضعف المبرّح بالضعف

فيا بنتَ حيّي الركائب والدجى *** على صهوات الحي منسدل السدف

ومَن نبّة الجزار من سنة الكرى *** لينحرها غير المسنات والعجف

سمعت الأغاني فاستمالك لحنها *** وملت - وحاشا - للخلاعة والقصف

ص: 281

نشدتك ما أحلى وأحسن موقعاً *** أنغمة هذا اللحن أم نغمة الخشف

لك اللّه ما أحلاك من غير حلية *** فجيدٌ بلا طوق واذنٌ بلا شنف

إذا طرق الجاني عريشك لابساً *** فضاضة وجه قُدّ من جلدة العسف

أيرجع في خُفّى حنين كما أتى *** بغير حنان أم تراجع في خف

ترومين منه العطف أنى ولم نكن *** سمعنا لصماء الحجارة من عطف

تنسمت نشر الورد وهو لأهله *** وما لك منه غير شمك بالأنف

ولو علموا أن النسيم يسوقه *** لساقوكم يا أبرياء إلى « العرفي »

حتى نبلغ الغايات سعياً بأرجل *** تعامت خطاها عن مقاومة الرسف

إذا ما قطعنا للأمام فراسخاً *** نردّ مسافات من الخلف للخلف

وقفنا نرى ما لا يصح ارتكابه *** وليس لنا أمر فنثبت أو ننفي

ترى يا مريض القلب منك ابن علة *** يعالجها جهلاً بمشمولة صرف

وتختار موبوء المواطن للشفا *** ومن ذا الذي من موطن الداء يستشفي

ومن فرّ في لذاته عن بلاده *** كمن فرّ عن طيب الحياة إلى الحتف

سواء فرار المرء في شهواته *** إلى حيث يردى أو فرارٌ من الزحف

فمن لك يا هذي البلاد بمصلح *** يقول لأيدي العابثين ألا كُفي

ويجعلهم صفاً لرأي وراية *** فإن خالفوه يضرب الصف بالصف

تنهدات ..

عبر الزمان استجلبت عبراتي *** والانت الأيام صدر قناتي

انى أعان على الجهاد بواحد *** وخطوبها يملأن ستّ جهاتي

انى التفتُ رأيت خطباً هائلاً *** فكأنما الأهوال في لفتاتي

وإذا أردت صراعها في نهضة *** عاقتني الأيام عن نهضاتي

نفسي لماء الرافدين يسيلها *** نفس يصعّده جوى الزفرات

يحيا به خصمي فأشرق بالردى *** وأذاد عنه وفيه ماء حياتي

لا دجلتي أمّ السيول بدجلتي *** كلا ولا هذا الفرات فراتي

ص: 282

لي من جناي - وما اقترفت جناية - *** أشواكه والقطف عند جناتي

واضيمة الأكفاء بعد مناصب *** حفظت مقاعدَها لغير كُفاة

ولوا الامور ولو أطاعوا رشدهم *** لسعوا وراء الحق سعيَ ولاة

من كل كأس يستجد لنفسه *** حللاً ولكن من جلود عراة

الناهبي رمق الضعيف وقوته *** والقاتلي الأوقات بالشهوات

قطعوا البلاد ومنهم أوصالها *** والقطع يؤلم من أكف جُفاة

سكروا بخمر غرورهم والعامل - *** المجهود بين الموت والسكرات

غزوا المصايف والهوى يقتادهم *** لمسارح الفتيان والفتيات

هم أغنموا مغذّوهم وتراجعوا *** أفهذه العقبى من الغذوات

مال تكلفت الجباة بعسفهم *** إحضاره لخزائن اللذات

نهبٌ من الحجرات صيح به وفى *** عزف القيان يردّ للحجرات

طارت شعاعاً فيه أيد لم تزل *** مخضوبة بالراح في الحانات

أدريت « عالية » المصايف إنه *** مالٌ تحدّر من عيون بُكاة

سهرت عيون العاملين لحفظه *** فأضاعه الأقوام في السهرات

بذل القناطير الكرام وما دروا *** أو ساقها يُجمعنَ من ذرّات

فهم كمن يهب المواشي لم يكن *** فيها له من ناقة أو شاة

يا مفقر العمال إن يك غيرهم *** سبباً لاثراء البلاد فهات

هم عدة السلطان في الأزمات *** هم حاملوا الأعباء في الحملات

هم ماله المخزون والحرس الذي *** يفديه يوم الروع في الهجمات

انظر لحالتهم تجد أحياءَهم *** صوراً مشين بأرجل الأموات

باتوا وسقفهم السماء وأصبحت *** خيل الجباة تغيرُ في الأبيات

وتستروا بين الكهوف فأين ما *** رفعوه من طرف ومن صهوات

غرقى وأمواج الهموم تقاذفت *** بهم لشاطي الظلم والظلمات

ص: 283

هذي الضرائب لا تزال سياطها *** تستوقف الزعماء للضربات

لو يدرك الوطن الذي ضيموا به *** ماذا لقوا لأنهال بالحسرات

ما هذه الأصوات ضعضعت الربى *** واستبكت الآساد في الأجمات

أصدى الحجيج وقد أناب لربه *** طلباً لعفو اللّه في عرفات

أم هذه الاسر الكريمة أوقفت *** من هذه الأبواب بالعتبات

أصوات مهتضمين في أوطانهم *** وارحمتاه لهذه الأصوات

وعت الملائك في السماء صراخهم *** ومن انتجوا في الأرض غير وعاة

عقدات رمل الرافدين تضاعفي *** بعواصف الأرزاء والنكبات

قلّ اصطبار النازليك وغلّهم *** يزداد بالابرام والعقدات

أرثي لحاضرهم فأحمل بؤسه *** والهم أحمله لجيل آت

قهرتهم أُم السفور وذللت *** للناشئات مصاعب العادات

أصبحن يقعدن الحصيف عن الحجى *** ويقفن أغصاناً على الطرقات

ما هذه الوقفات وهي خلاعة *** تفضي بهن لموقف الشبهات

ما ان مشين وراء سلطان الهوى *** إلا سقطن بهوّة العثرات

منع السفور كتابنا ونبيّنا *** فاستنطقي الآثار والآيات

تلك الوجوه هي الرياض بها ازدهت *** للناظرين شقائق الوجنات

كانت تكتّم في البراقع خيفة *** من أن تمس حصانة الخفرات

واليوم فتّحها الصبا فتساقطت *** بقواطف الألحاظ والقبلات

صوني جمالك بالبراقع إنها *** ستر الحسان ومظهر الحسنات

وإذا يلاحقك الحديث ولو أب *** فتراجعي عن غنّة النبرات

خير الحديث إذ جرى مصبوبه *** للسامعين بقالب الاخفات

اياك والجهر الذي حصياته *** يقذفن حول مسامع الجارات

فالجهر للرجل المحاجج خصمه *** أو للخطيب يقوم في الحفلات

ص: 284

فضل الفتى إخوانه بعفافه *** وفضلتِ أنت عفائف الأخوات

وضعي الصدار على الترائب انه *** حق عليك فحق نهدك ناتي

وتماثلي في البيت صورة دمية *** مكنونة الأعضاء في الحبرات

قد تعشق الحسناء لم ينظر لها *** إلا المثال بصفحة المرآة

والعشق أطهر ما يكون لسامع *** الأخلاق لا بتبادل النظرات

والوجه مثل الورد لم يك عرضة *** للشم أصبح ذابل الزهرات

وبروق ثغرك للمغازل أسقطت *** درر الحيا بتألق البسمات

أحدائق الزوراء لاطفك الهوى *** بعبائر الأرواح والنسمات

قصدوك يقتنصون سربك سانحاً *** فأزور وجهك مشرق القسمات

حتى إذا نصبوا الحبال تواثبوا *** ووقعت يا زوراء في الشبكات

لعبت مقابيس الطِلابك دورها *** فأذابت الجمرات في الكاسات

ورأيتها عجباً فقلت لصاحبي *** ما هذه النيران في الجنات

كان المؤمّل أنها نارُ القرى *** يا عرب أو هي جذوةُ العزمات

فإذا هي النار التي سطع السنا *** منها على الأقداح والجامات

أتخوضها ذمر الشباب بدافع *** من جهلهم لنتائج النشوات

هبهم أضاعوا المال في لذاتهم *** أيضاع مثل العقل في الشهوات

ما كان أضعفها نفوساً أذعنت *** للجائرين الوقت والقوات

عجز الدليل بأن يقرّ سفينها *** يوماً بساحل راحة ونجاة

وإذا النفوس تلبست في جهلها *** لا تطمئن لحكمة وعظات

قالوا : التمدن ساح واختبر الثرى *** فرأى « العراق » سريعة الأنبات

غرس الخلاف بأرضها فتهدلت *** منها قطوف الويل والهلكات

سالت بها عين الحياة بزعمهم *** وهل الحياة تجئ من حيات

يا ظالمين أما لكم من نزعة *** عن هذه الأطوار والنزعات

ص: 285

سممتم الأفكار وهي صحيحة *** وخنقتم الأقطار بالغازات

يا حقب أيام « الرشيد » ذواهباً *** بمحاسن الآصال والبكرات

يهنيك انك قد ذهبت ولم ترى *** نوباً جرين بهذه السنوات

حق يضاع وأمة نكصت على *** الأعقاب بعد بلوغها الغايات

ولقد سألت مواطني بمدامعي *** عن هذه الحركات والسكنات

هل حرمة بك للعلوم وأهلها *** أنّى ودهرك هاتك الحرمات

فمدارس الأسلاف لا لفوائد *** ومساجد الاسلام لا لصلاة

فاستعبرت بدم الفؤاد وقد رمت *** بالجمر تخرجه مع الكلمات

فصمت عرى الرحم القريبة عصبتي *** واستمسكت إيمانها بعداتي

فبأي سابغة ارد سهامهم *** و النبلُ نبلي والرماةُ رماتي

زعموا حمايتنا بهم وتوهموا *** ان تستظل حماتنا بحماة

ماذا السكوت هو الخضوع وإنه *** لو يعلمون تربص الوثبات

أعدوة الانصاف اذنك مالها *** رتقت عن الاصغاء والانصات

كم قد نفيت المدعين بحقهم *** والنفي آيتهم على الاثبات

ومن القضاء على البلاد خصومها *** لو رافعوها منهم لقضاة

بليت بآفات البحار بلادنا *** وشبابها من أكبر الآفات

رقطا حوينَ المال في وجه الثرى *** فمتى يتاح لقبضها بحواة

لم نام ثائركم وواتركم مشت *** خيلاؤه منكم على الهامات

أنسيتم الآراء أجمع أمرها *** أن لا يظلكم سوى الرايات

ارفعتم عقبانهم وجعلتم *** الأوكان منها في جسوم عتاة

وأطار أسراباً عليكم حوّماً *** شبه البزاة ولم تكن ببزاة

بيضاً تناذرها النسور بجوّها *** وتخافها الآساد في الأجمات

فصعدتم والموت منها نازل *** ووقفتم في أرفع الدرجات

ص: 286

بيّتموهم فاستفذّهم الردى *** وتنقلوا من ظلمة لسبات

وضربتم شرك الحصار عليهم *** فارتدّ هاربهم عن الافلات

واستقتم مثل الربائق منهم *** اسرى يدار بهم على الجبهات

حتى أتوا لحمى الوصي فرنجة (1) *** سحبتهم الأغلال للذكوات

شادت بعاصمة العراق سيوفكم *** عرشاً قواعده من الهمات

بلطتموه فاستقرّ قراره *** واعدتموه أبلج الجنبات

توجع وحنين ..

كتم الهوى والدمع أعلن *** صبٌ بأهل الريف يفتن

عانى الصبابة من صبا *** ه وداؤها في القلب أزمن

تبكي الحمامة إن بكى *** وتئن فوق الغصن إن أن

ذكر الذين تريفوا *** والسحب حول الحي هتّن

والعيس أطربها الحدا *** ء وخيلهم للسبق تعتن

والروض ألبسه الحيا *** حللاً من الورد الملوّن

وسري هذا الحي سيطره *** الإبا فيهم وهيمن

هزّ النَديّ حديثُه *** عن محتد العرب المعنعن

يكفي من التاريخ ما *** ملأ القلوب به ودوّن

داعي الصلاة بجنبه *** داعي صلات الوفد أذن

يترسل البطل الفصيح *** وصوته في الجوّ قد رَن

بنصائح لبلاغها *** قلبُ العلند الصلب أذعن

ورق الأراك غطاؤهم *** ومهادُهم شيحٌ وسَوسَن

الطاعنون وما يهم *** لأسنة الوصمات مطعن

والجاعلون بيوتهم *** للخائف المطرود مأمن

لا يتبعون عطاءهم *** وصنايع المعروف في من

ص: 287


1- يشير إلى وصول قسم من اسرى الانكليز الى النجف بعد ثورة سنة 1920 م.

غالوا بقيمة جارهم *** والجار عقد لا يُثمّن

لو أعطى الدنيا لما *** جذبته زينتها فيظعن

من أين أقبل ما وعت *** أذن له ، أو قول ممن

كم أحسنوا وسكوتهم *** عن ذكريات المنّ أحسن

والمرء يرجح فضله *** ما دام بالحسنات يوزن

أنفق حطامك ما استطععت *** تجده في الآثار يُخزن

ربح الصفا متريف *** لا مَن تمصر أو تمدين

إن المدائن أصبحت *** لنتائج الآمال مدفن

ومن الغرائب سائحٌ *** وصف العراق الرحب بالظن

هَنّا البلادَ برغدها *** ولو اهتدى للحق أبّن

هل ترغد الامم التي *** بديارها الأخطار تستن

ما للسياسة ما لها *** لمراسم الأوهام تركن

تبنى على متن الهبا *** في سحرها الصرح المحصن

وعلى الخُداع تمرنت *** حقباً ففاتت من تمرن

فسحت ميادين الرهان *** وعندها القصبات ترهن

وبرأيها الفرس الكريم *** به هجين الأصل يقرن

اللّه بالوطن الذي *** فيه الذياب علا وطنطن

يا ما ضغين خراجه *** من مغرسي زاكٍ ومعدن

أتلفتموه وقلتم *** منا الدمار وأنت تضمن

فسلوا البواخر هل غدت *** من غير هذا النهب تُشحن

وسلوا القوافل ما على *** تلك الظهور وما تبطن

وسلوا المناصب هل بها *** من أهلها أحد تعنون

وسلوا المراسيم التي *** أقلامها للحق تطعن

يا ذا الأجم انكص فقد *** لاقاك كبش النطح أقرن

أو فاتخذ لك في دما *** غك من نسيج الصبر جوشن

ص: 288

لا تركدن كهضبة *** فالماء إن لم يجر يأسن

حاجج مجاورك الذي *** خلط الجدال المحض بالفن

ماذا انتفاعك بالدخيل *** إذا تقحطن أو تعدنن

متصاغراً حتى إذا *** ثنيت وسادته تفرعن

كم فتنة حمراء في *** إيقاد شعلتها تفنن

فانشر له النسب الصريح *** وقل لأ لكنه : ترطّن

ما خانك النائي الغريب *** أتاك مهزولاً ليسمن

لكنما الأدنى القريب *** لحقك المنصوص أخون

وللشيخ الشبيبي ديوان ضخم عدا ما ضاع من شعره ، أما شعره في أهل البيت علیهم السلام فكثير ، وبعد بحث وتنقيب عثرت له على ثلاث قصائد في الإمام الحسين (عليه السلام) يبتدء بحرف من حروف الهجاء في أوائل أبيات القصائد الثلاث : فواحدة منهن جعلناها في صدر الترجمة ، والقصيدتان نذكر المطلع منهما فقط ، قال يخاطب حجة آل محمد صاحب الزمان علیه السلام :

أما هاجتك للوتر الطفوف *** فيدمي الأرض منصلك الرعوف

والثانية أولها :

أمقيم قاعدة الهدى والدين *** حان انهزاع قواعد التكوين

وله تخميس وتشطير لأبيات السيد حسين القزويني في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. كما له تخميس لقصيدة السيد المذكور في مدح الإمامين الكاظمين علیهماالسلام ، ذكر التخميس الشيخ السماوي في ترجمته في كتابه ( الطليعة من شعراء الشيعة ) ج 1 / 75.

ومن روائعه رثاؤه للسيد محمد سعيد الحبوبي بطل العلم والأدب والجهاد ، ومطلع القصيدة :

ص: 289

لواء الدين لفّ فلا جهادُ *** وباب العلم سُدّ فلا اجتهادُ

تخارست المقاول والمواضي *** فليس لها جدال أو جلاد

بكيت معسكر الإسلام لما *** أُتيح عميدها وهوى العماد

ورائعته التي عنوانها ( قمرية الدوح ) وقد نظمها بمناسبة وصول ام كلثوم إلى العراق وعلى أثر الاحتفال الذي أقيم لها في بغداد ، وأولها :

قمرية الدوح يا ذات الترانيم *** مع النسور على ورد الندى حومي

توفى رحمه اللّه في بغداد عام 1363 ه. ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في مقبرة بجنب داره ، وأُقيمت له ذكرى أربعينية في مدرسة الصدر من أضخم الذكريات تبارى فيها فحول الشعراء.

ص: 290

السيد مضر الحلي

المتوفى 1363

قال في قصيدة حسينية :

إلى مَ أغض الطرف والهم لازم *** ولي عزم صدق عنه تنبو الصوارم

إذا لم أقدها ضابحات بقفرها *** عليها من الفتيان غلب عواصم

فلا عرّفت بي من لوي عصابة *** ولا كان لي من غالب الغلب هاشم

إلى أن يقول :

ألا أيها الساري بحرف لدى السرى *** تزف زفيفاً لم تخنها القوائم

إذا أنت أبصرت الغري فعج به *** ونادع عليا والدموع سواجم

أبا حسن إني تركت بكربلا *** حسيناً صريعاً وزعته الصوارم

قضى ضامياً دامي الوريد وبعدذا *** عقائلكم سارت بهن الرواسم

الخطيب الأديب السيد مضر ابن السيد مرزة - المتقدمة ترجمته في الجزء الثامن من هذه الموسوعة - ابن السيد عباس بن علي المعروف بالسيد علاوي ابن الحسين بن سليمان الكبير من اسرة الشعر والأدب والاباء والشمم تمثل السيادة حق تمثيلها وتطفح على شمائلها الشمائل العلوية تعرف هذه النفسية من شعرهم وقد قيل : الشعر شعور.

ولد شاعرنا في قرية ( الحصين ) قرب الحلة 22 شعبان من سنة 1319 ه. وأرخ أبوه عام ولادته بأبيات والتاريخ منها جملة :

ص: 291

أعوامه أرخت ( غرٌ حسان ). ونشأ مطبوعاً بطابع الاسرة الشريفة ، وكما رباه أبوه ( ومن يشابه أبه فما ظلم ) وشعره يعطيك صورة عن نفسه وما جبل عليه من فخر وكرم وإباء وشمم وذلك ما حبب هذه الاسرة في الأوساط فكان ناديهم في ( الحصين ) محط الادباء والمتأدبين ، ومن شعره قصيدته التي عارض بها قصيدة البارودي التي أولها :

سواي بتحنان الأغاريد يطرب *** وغيري باللذات يلهو ويلعب

فقال :

إلى مَ التمني والأمانيّ خلّب *** فليس بغير العضب ما أنت تطلب

من العار تغضي راغماً غير راكبٍ *** من العزم طرقاً للمهمات يركب

عجبت لعمرو المجد ترضخ للتي *** تشين وترك الخصم جذلان أعجب

ألست الذي لم يكترث لملمة *** وأنت لدى الجُلّى عذيق مُرجّب (1)

سواء لديه ان رنا طرف عينه *** إلى غاية شرق البلاد ومغرب

حرام إلى غير المعالي محاجري *** تصدّ ولا في غيرها لي مأرب

ولولا العلى لم أرتض العيش والبقا *** ولكن سبيل المجد ما أنا أدأب

ولست بمن إن حيل دون مرامه *** يصعّد لا يدري الهدى ويصوّب

فان أنا لم أبلغ بجدى مساعيا *** لنا سنّها قدماً نزار ويعرب

فلا ضمنى من هاشم بيت سؤدد *** سما شرفاً فوق الضراح مطنب

ولا وخدت بي للوغى بنت أعوج *** ولا اهتزّ في كفي الحسام المشطب

فما أنا ممن همه صر خدية *** وعود إذا ما ينتشي فيه يضرب

وخود تغنّيه وتسقيه نشوة *** ويصبح لا يدري إلى أين يذهب

ولكنني ممن تقرّ له العدا *** لدى الهول لا ألوي ولا أتنصّب

وما الفخر في لهو وعودٍ وقينة *** وكاس بها يطفو الحباب ويرسب

ص: 292


1- العذيق مصغر عذق. والمرجب : المحفوف بالشوك.

بل الفخر في ضرب وطعن ونائل *** وحلم رزين لا يطيش ويشعب

ولي شيمة تأبى الدنايا وعزمة (1) *** وقلب بأفواج الآباء محجب

وقول كوخز السمهري مسدد *** وقلب جرئ ثابت ليس يرهب

قبيح لعمري ان أكون مخاتلا *** وأقبح من ذا أن يقال مذبذب

فخاطر بنفس إنما أنت واحدٌ *** فاما حياة أو حمام محبب

فلم أرَ خلاً في المودة صادقاً *** إذا قلب هذا كاذب ذاك أكذب

وقال من قصيدة يرثي بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام :

أبا حسن في فقدك اليوم أصبحت *** ربوع الهدى والدين قفر الجوانب

وجار على أطرافه كل ظالم *** وغار على أبياته كل ناهب

فما زلت ترعاه بعين بصيرة *** كما كنت تحميه بماضي المضارب

لتبك اليتامى والأرامل مطعماً *** لها والندى والدين أصدق صاحب

وتبك معدٌ ليثها وعمادها *** وتبك نزار غوثها في النوائب

وتبك الجياد القبّ أعظم فارس *** يقحمها في الروع من آل غالب

وتبك غمار الحرب خواض بحرها *** وتبك الضبا والسمر مردي الكتائب

فقد قوّض المعروف وانطمس التقى *** ولم يبق بحر للندى غير ناضب

وبالافق نادى جبرئيل تهدمت *** قواعد أركان الهدى والمناقب

فيا نفس مهلاً ان للثار قائماً *** عن الدين يجلو داجيات الغياهب

فيدرك ثار المرتضى ووصيه *** الزكي وثار الماجدين الأطائب

لقد منعوا يوم الطفوف مضارباً *** لهم بحدود الماضيات القواضب

وأجروا بحاراً من دماء تلاطمت *** سفائنهم فيها ظهور الشوازب

وهي طويلة تقع في مائة بيت.

ص: 293


1- صدور البيت لشاعر مصر الكبير محمود سامي البارودي التي كانت هذه القصيدة جواباً لتلك.

كانت وفاته في القرية التي ولد فيها بالسكتة القلبية ، ليلة الأحد سابع جمادى الاولى من سنة 1363 ه. المصادف 30/4/1944 م. وحمل جثمانه إلى الحلة بموكب حافل ومن ثم شيع إلى النجف تشييعاً يليق وكرامته ورثاه جمع من أصدقائه ومواطنيه باللغتين : الفصحى والدارجة (1) ومنهم أخوه السيد سليمان بقصيدة مطولة جاء فيها :

أبا شاكر لا راق لي بعدك الدهر *** ولا لذّ لي عيش وقد ضمك القبر

أُقلّبُ طرفي في دجى الليل ساهراً *** ويقلقني في كل آن لك الفكر

ذكرتك لما غصّ بالقوم مجلسي *** وكنت تُرى فيه لك النهي والأمر

أقول : وعند الرجوع إلى صحف بغداد ونشراتها نجد للمترجم له بعض النوادر الأدبية والمراسلات الودية أمثال رسالته لصديقه المرحوم ابراهيم صالح شكر - الأديب الشهير بقوله من قصيدة :

ما سليمى وما هناك سعاد *** فعليك السلام يا بغداد

من محب ناءٍ به شطت البين *** فأدنى دياره الابعاد

ساهر الليل لم ترَ النوم عيناه *** نديماه يقظة وسهاد

وقال يشكر هاني بن عروة - زعيم مذحج - على موقفه المشرّف دون سفير الحسين بن علي بن أبي طالب وهو مسلم بن عقيل بن أبي طالب :

جزى اللّه خيراً هانياً في صنيعه *** مع ابن عقيل نعم شيخ المكارم

غداة دعوه أن يسلّم مسلما *** فقال بعيد منك نيل ابن هاشم

اسلّم ضيفي وابن عم محمد *** ولم ترتوي مني حدود الصوارم

سأدفع عنه ما حييت بمرهف *** وقومي لدى الهيجا طوال المعاصم

ص: 294


1- نشرت نبأ وفاته صحف بغداد وأبنته وكتبت عنه جريدة الأهالي كلمة مؤثرة.

كلمة في هاني بن عروة :

كان هاني بن عروة بن نمراذ المذحجي الغطيفي صحابيا كأبيه عروة وكان معمّراً ، وهو وأبوه من وجوه الشيعة ، وحضر مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حروبه الثلاث وهو القائل يوم وقعة الجمل :

يا لكِ حرباً حثّها جمالها *** يقودها لنقصها ضلالها

هذا عليٌ حوله أقيالُها

قال ابن سعد في الطبقات كان عمره يوم قتل بضعا وتسعين سنة وكان يتوكأ على عصى بها زجّ وهي التي ضربه ابن زياد بها ، وهو شيخ مراد وزعيمها يركب في أربعة آلاف دارع ، فإذا تلاها أحلافها من كنده ركب في ثلاثين ألفاً. ولسيدنا بحر العلوم الطباطبائي كلام ضاف في ترجمته في ( رجاله ) وقد أغرق نزعاً في اثبات جلالته والدفاع عنه والجواب عما قيل فيه وتابعه على رأيه السديد السيد المحقق الأعرجي في ( عدة الرجال ) وبالغ شيخنا الحجة المامقاني في ( تنقيح المقال ) بترجمته في مدحه والثناء عليه.

قال أهل السير لما دخل ابن زياد الكوفة وتفرق الناس عن مسلم بن عقيل بعدما بايعوه خرج مسلم من دار المختار التي كان قد نزلها إلى دار هاني بن عروة وفهم ابن زياد بذلك أرسل محمد بن الأشعث وأسما بن خارجة وقال لهما : ائتياني بهاني آمناً ، فقالا وهل أحدث حدثاً حتى تقول آمناً قال لا ، فأتياه به فلما رآه ابن زياد قال : أتتك بخائن رجلاه تسعى. قال هاني وما ذاك أيها الأمير ، قال يا هاني أما تعلم ان أبي قتل هذه الشيعة غير أبيك وأحسن صحبته فكان جزائي منك أن خبأت رجلاً في بيتك ليقتلني - وطال الكلام بينهما إلى أن أخذ المعكزة من يد هاني وضرب بها وجه هاني حتى ندر الزج واتزّ بالجدار ثم ضرب وجهه حتى هشم أنفه وجبينه وسمع الناس الهيعة فأطافت مذحج بالقصر ، فخرج اليهم شريح القاضي فقال لهم إن أميركم حي وقد حبسه الأمير ، فقالوا لا بأس بحبس الأمير وتفرقوا.

ص: 295

قال أهل السير ولما قتل مسلم بن عقيل ورمي من أعلا القصر أمر ابن زياد باخراج هاني وقتله ، فأخرج إلى السوق التي يباع فيها الغنم مكتوفاً فجعل يقول : وامذحجاه وأين مني مذحج ، فلما رأى أن لا أحداً ينصره نزع يده من الكتاف وقال أما من عصى أو سكين يدافع به رجل عن نفسه ، فتواثبوا عليه وشدوه كتافاً ثم قيل له : مدّ عنقك ، فقال : ما انابها بسخي فضربه رشيد التركي على رأسه فلم تعمل به شيئاً ، فقال هاني : إلى اللّه المعاد اللّهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه ثانياً فقتله ، فقام أهل الكوفة وربطوا الحبال في رجلي مسلم وهاني وجعلوا يسحبونهما في الأسواق. وفي ذلك يقول عبداللّه ابن الزبَير الأسدي كما روى ابن الأثير في الكامل :

فان كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري *** إلى هاني في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف أنفه *** وآخر يهوي من طمار قتيل

ص: 296

السيد عباس آل سليمان

المتوفى 1363

بوادر دمع لا يجف انسكابها *** ونيران حزن ليس يطفى التهابها

خليلي ما هاجت على الشوق لوعتي *** ولا اسهرت مني العيون كعابها

ولكن عرتني من جوى الطف لوعة *** يشبّ بأحناء الضلوع التهابها

غداة انتضت أبناء حرب مواضباً *** أراق دم الإسلام هدراً ضرابها

وقد أودعت في مهجة الدين حرقة *** فلم يلتئم طول الزمان انشعابها

لقد غصبت آل الرسالة حقها *** بكفٍ مدى الدهر استمرّ اغتصابها

تجاذب أيديها إلى صفقة بها *** يعزّ على الهادي الرسول انجذابها

فقل للعدى امناً قضى الضيغم الذي *** يردّ الكماة الغلب تُدمى رقابها

وأصبح ذاك الليث بين امية *** تناهشه ذؤبانها وكلابها

أصبراً وآل اللّه تمسى على الظما *** ذعاف المنايا في الطفوف شرابها

أصبراً وأمن الخائفين بكربلا *** يروّع حتى فيه ضاقت رحابها

إمام الهدى نهضا فإن دماءكم *** على الأرض هدرا يستباح انصبابها

أصبراً وفي الطف الحسين تناهبت *** قواضبها اشلاءه وحرابها

أصبراً وتلك الفاطميات أصبحت *** يباح جهاراً سبيها وانتهابها

كما شاءت الأعداء تسبى حواسراً *** تطوف بها البيداء وخداً ركابها

ص: 297

فمن مبلغ المختار عني ألوكة *** على نشر رزء الطف يطوى كتابها

شفت حقد بدر في بنيك بوقعة *** أصاب جميع المسلمين مصابها

السيد عباس ابن السيد حسين ابن الشاعر الذائع الصيت السيد حيدر الحلي المشهور بآل السيد سليمان. ولد في الحلة حوالي سنة 1299 ه. وكان عمره يوم وفاة جده خمس سنوات ، أوفده أبوه إلى النجف وهو دون العشرين فمكث أربع سنين مكباً على الدراسة والتحصيل ولما توفي أبوه سنة 1339 ه. قام مقامه في مهماته الزراعية يقول الشيخ اليعقوبي : وكانت ترى آثار النجابة على أسارير وجهه مزيجة بالأريحية والنبل وكرم الطباع وخفة الروح ، وله شغف شديد وولع عظيم بمطالعة الكتب الأدبية ودواوين الشعراء ، ولقد ساهم في نشر ( العقد المفصل ) أحد آثار جده السيد حيدر حين طبع ببغداد سنة 1331 ه. ومن روائعه العصماء قصيدته في تأبين العلامة السيد حسين القزويني المتوفى سنة 1325 ه.

قم ما على مضض المصاب مقام *** قد حان من يوم القيام قيام

وانظم سويداء الفؤاد مراثياً *** فالدين منه اليوم حلّ نظام

علم الهدى الراسي تدكدك بعدما *** منه توقّر في الندي شمام

سار تخف به الرجال وقبله *** ما خلت أن تتدكدك الأعلام

بحر الندى الزخار غاض عبابه *** فلتغتدِ الآمال وهي حيام

أدرى ( المفيد ) فلا مفيد ( مرتضى ) *** بنداه ( لابن نما ) الرجاء قوام

ذهب الحمام ( بعدّة الداعي ) التي *** هي كالصوارم للعدو حمام

يا مبرماً تقضى الحلوم بفقد مَن *** قد كان منه النقض والابرام

في ليلة صبغت بحالك لونها *** وجه النهار فعاد وهو ظلام

ولدت فلا لقحت بها الأعوام *** رزءً يشيب الدهر وهو غلام

قد أنكرت سود الليالي وقعه *** وتبرأت عن مثله الأيام

رزء له جبريل أصبح نادياً *** بمآثم فوق السماء تقام

ص: 298

بجوى كمنقدح الشواظ زفيره *** قد كاد يورى الشمس منه ضرام

لا غرو إن بكت الملائك شجوها *** في أدمع تنهلّ وهي سجام

فالميّت الإسلام والمفجوع فيه *** الدين والثكلى هي الإحكام

والنادب التوحيد والناعي الهدى *** وبه الفضائل كلها أيتام

أأبا محمد العليّ فخاره *** لا راع قلبك حادث مقدام

من حط ذاك الطود وهو ممنعٌ *** وأباد ذاك العضب وهو حسام

أبذلك العاديّ طحن طوائح *** وبنا بذاك المشرفيّ كهام

أم حلّت الأقدار حبوة ماجد *** في بردتيه الطود والصمصام

كم أنفس غاليت في إعزازها *** أضحت رخاصاً في الهوان تسام

وأخا وما ضمنت برودك من حجى *** خفّت لوزن ثقيله الاعلام

ما زالت الأحلام فيك رواجحاً *** حتى حملت فطاشت الأحلام

حملوا سريرك والملائك خشّعٌ *** فبهم تساوت تحته الأقدام

يتمسكون بفضل بردك وقّعاً *** فلهم قعود حوله وقيام

حتى أتوا جدثاً تقدّس تربة *** فيها توارى منك أمس إمام

جدث يموج البحر تحت صفيحه *** ويصوب فيه الغيث وهو ركام

والقصيدة كلها بهذه المتانة والروعة واكتفينا ببعضها.

وله في مدح والده السيد حسين ابن السيد حيدر قصيدة في مطلعها :

بادر بنا نتعاطى أكؤوس الطرب *** عن ثغر أغيد معسول اللمى شنب

واخرى في مدح والده اولها :

محياك ام بدر على الافق اشرقا *** ورياك ام نشر من المسك عبقا

وله في الإمام الحسين مرثية جاء فيها :

غداة استهاج الرجس جيش ضلالة *** على ابن هداها بالطفوف تهاجمه

اراع قلوب المسلمين بمدهش *** تجدد حزناً كل آن مآثمه

أصبراً وقد آلت امية لا ترى *** لآل الهدى عزاً تشاد دعائمه

ص: 299

فيا مقلة الإسلام دونك والبكا *** بدمع من الأحشاء ينهل ساجمه

فان ابن بنت الوحي بين امية *** بحدّ المواضي تستحل محارمه

له اللّه دام بالطفوف مجرداً *** كسته بابراد الثناء مكارم

وقال اخرى في رثاء الحسين (عليه السلام) :

طرقت تزلزل أرضها وسماءها *** نكباء تقدح بالحشا إيراءها

اللّه أكبر يا لها من نكبة *** أسدت على افق الهدى ظلماءها

عمّت جميع المسلمين بقرحة *** للحشر لا زالت تعالج داءها

وبها اقتدى التوحيد يشكو لوعة *** طول الليالي لا يرى إبراءها

سامته إما ان يسالم في يد *** ما سالمت في ذلة أعداءها

أو أن يموت على ظماً في كربلا *** تروي الضبا من نحره إظماءها

وقال يفتخر بنسبه ويمدح أهل البيت :

خليليّ ما هاج اشتياقي صبا نجد *** ولا طربت نفسي لشيء سوى المجد

وإني فتى بي يشهد الفضل والعلى *** بأني فريد بالمفاخر والحمد

وإني فتى ليست تلين جوانبي *** لداهية دهماء توهي قوى الصلد

ولي عزماتٌ يحجم الليث دونها *** تورثتها عن حيدر الأسد الوردي

فتى يقطر الموت الزوام حسامه *** إذا استلّه يوم الكفاح من الغمد

هو البطل الفتاك عزمة بأسه *** تغل بيوم الحرب حد ضبا الهندي

حمى حوزة الإسلام خائض دونها *** كفاحاً بنار الحرب تلفح بالوقد

وله في الحسين من قصيدة اخرى :

ما لفهر هجرت ماضي ضباها *** فلتصل بالموت أرواح عداها

أتناست فعل حرب أم على *** حسك الضيم أقرّت مقلتاها

وفاته بالحلة الفيحاء سنة 1363 ه. ونقل إلى النجف ودفن بها ورثاه أخوه السيد محمد وارخ عام وفاته.

ص: 300

الشيخ علي العوّامي

المتوفى 1364

لا تخسر الحرة الحسناء ميزانا *** فالشيب بان ومنك العمر قد بانا

يفتتح هذه القصيدة بالموعظة الحسنة ويتخلص لمدح الحسين بن علي شهيد الإباء بقوله :

أفدي نفوساً تسامت في العلى رخصت *** فسامها الكفر يوم الروع نقصانا

تجلببت برداء الصبر واستبقت *** لنصرة المصطفى شيباً وشبّانا

حتى تهاووا وكلٌ نفسه شربت *** من نقطة الفيض بالتقديس قد حانا

وخلفوا واحد الهيجاء منفرداً *** يذري الدموع حريق القلب لهفانا

يرى الصحاب على البوغاء جلببها *** فيض المناحر أبراداً وقمصانا

ومنها :

أيقتل السبط عطشاناً بلا ترة *** والماء طام فليت الماء لا كانا

أروح طاها بلا دفن ترضضه *** الأعداء حتى غدا للخيل ميدانا

الشيخ علي ابن الشيخ جعفر آل أبي المكارم العوامي. ترجم له الباحث الأديب الشيخ سعيد الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه ( أعلام العوامية في القطيف ) وقال في حقه : عظيم من عظماء الانسانية وبحر من بحور السماحة والفضل وإمام من أئمة الجماعات والجمعات ، أخلص للإسلام وأبنائه. وُلد في غرة شهر رمضان المبارك سنة 1313 ه. وارخ مولده أبوه الشيخ جعفر المترجم له سابقاً ، فقال :

ص: 301

يا خليلي غنني *** فلقد زال الألم

وأدر كأس الهنا *** وأزح عنا السقم

فعليٌ قد أتى *** وبه الشمل انتظم

شمس مجد أرخت *** نورها يجلو الظلم

تلقى على أبيه ومربيه في العلوم الأولية كالنحو والصرف والمنطق والبيان وقرأ الفقه والاصول ثم قصد النجف الأشرف فحضر هناك عند ثلة من العلماء الاعلام وحجج الإسلام العظام كالعلامة السيد مهدي الغريفي النجفي والحجة الشيخ عبداللّه المعتوق القطيفي المتوفى سنة 1362 ه. والحجة الكبير والمرجع الديني الشهير الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء ، فأتم قراءة الفقه والاصول وقرأ الحكمة الإلهية والكلام وتملك زمام سائر العلوم الرياضية وغيرها كالهيئة والحساب والجغرافية والهندسة حتى نال درجة الاجتهاد بشهادة أساتذته الذين درس عليهم. وهكذا قضى عمره في درس وتدريس وجدّ واجتهاد حتى توفاه اللّه يوم الخميس 6/5/1364 ه. ودفن في ( سيهات ) من مدن القطيف ، واقيمت له الفواتح في القطيف والبحرين وغيرهما وأبّنه الكثير من الادباء والشعراء وخلف من الآثار العلمية تبلغ 13 مؤلفاً منها :

1 - اللؤلؤ المنظوم في تاريخ الحسين (عليه السلام) جزءان.

2 - الجامع الكبير في الفقه الاستدلالي.

3 - أوضح دليل فيما جاء في علي وآله من التنزيل.

4 - الوجيزة في الصلاة اليومية.

5 - المستدرك على الفوائد في شرح الصمدية.

6 - علية الوعظ وهي مجموعة خطبة التي أنشأها في الجمع والأعياد التي تحث المسلمين على الالفة وتوحيد الكلمة.

7 - ديوان شعره إلى غيرها من التعليقات والمراسلات وأجوبة السائلين عن مهمات امور الدين. أورد له صاحب ( الاعلام ) عدة قصائد وعظية ورثاء للإمام الحسين علیه السلام وفي أغراض أُخر.

ص: 302

الشيخ محمد حرز الدين

المتوفى 1365

رسوماً عفتها الذاهبات العوائد *** بها اندرست فاستوطنتها الأوابد

فسل دمنة قد خفّ عنها قطينها *** وأبيات عزٍّ بالحريق مواقد

ستنبيك عن تلك الديار طلولها *** وأعلام صم في الديار خوالد

ولم يبق حول الدار إلا ثمامها *** ونؤياً بها قد غيّرته الرواعد

وقفت بها والدمع أدمى محاجري *** اناشد رسماً عزّ فيه المناشد

واسألها عن ساكنيها وإنها *** وان جاوبت لم تشف ما أنت واجد

كأني بفتيان تداعب إلى الردى *** ورحب الفلا بالخيل والجند حاشد

عوابس تعدو للحفاظ كأنها *** لدى الروع في الهيجا ليوثٌ لوابد

أقامت بجنب النهر صرعى جسومهم *** عليها من النقع المطل مجاسد

وأقبل كالليث العبوس بمرهف *** همام على ظهر المطهم ماجد

به أحدقت من آل حرب كتائب *** يضيق الفضا عنها وقلّ المساعد

فلهفي له يلقى الكتائب ظامياً *** إلى ان قضى والماء جار وراكد

الشيخ محمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ عبد اللّه ابن الشيخ حمد اللّه ابن الشيخ محمود حرز الدين النجفي من مشاهير علماء عصره ، وآل حرز من البيوت العلمية في النجف ، فان والد المترجم له وجده من العلماء المشهورين وكذلك

ص: 303

أعمامه واخوته وأكثرهم مترجمون في مؤلفه الموسوم ب ( معارف الرجال ) ولكنه هو واسطة عقد القلادة له شهرته العلمية والأدبية والتاريخية وكذلك اولاده وأحفاده. ولد في النجف الأشرف سنة 1273 ه. ودرس مبادئ العلوم في سنّ مبكرة ، وقد منحه اللّه موهبة الذكاء والفطنة فقرأ الكتب الأربعة المشهورة : الشرائع واللمعتين والمسالك والمدارك كما قال هو رحمه اللّه : قرأنا الكتب الأربعة على عدة من فضلاء العصر وجهابزة الفقه ، وكان الفقه في عصرنا مديد الباع طويل الذراع ، وكان أكثر تحصيله على المجتهد الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي ، وعلى العالم الاصولي البارع الشيخ المامقاني قدس سره وغيرهم ممن ذكرهم هو أثناء ترجمته لهم ، وعكف على الدرس والتدريس حتى جاوز التسعين عاماً ودوّن في مختلف العلوم أكثر من سبعين مؤلفاً ، قام حفيده العلامة الشيخ محمد حسين بنشر بعضها منها ( معارف الرجال ) بثلاثة أجزاء ومنها مراقد المعارف في جزئين ، وعدّد حفيده أسماء مؤلفاته وذكر منها 44 مؤلفاً. كنت أُشاهده في مجالس سيد الشهداء وأين ما حلّ فله صدر النادي ، وأبرز مميزاته تقشفه وزهده في الدنيا ورضي بالقليل من شظف العيش. ذكره السيد الحجة السيد حسن الصدر في ( التكملة ) فقال : عالم فاضل كامل أديب متبحر في جميع العلوم العقلية والنقلية والرياضية ، حسن المحاظرة حلو المفاكهة والمناظرة ، متضلع في السير والتواريخ وأيام العرب ووقائعها وحافظ لأخبار العلماء وقصصهم له اليد الطولى في العلوم الغريبة ، وذكره المحقق الطهراني في نقباء البشر بنحو ذلك.

توفي بالنجف الأشرف عند الزوال من يوم الخميس غرة جمادى الاولى من سنة 1365 ه. ودفن بمقبرته الخاصة المجاورة لداره ومسجده ، وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وذكر جملة من أشعاره. وهناك ملاحظات على كتاب ( معارف الرجال ) بالرغم من أني لم استقصه مطالعة ولكني أرجع إليه في بعض كتاباتي :

ص: 304

1 - ذكر في الجزء الأول منه في صفحة 327 ترجمة للشيخ زين العابدين العاملي المتوفى سنة 1175 ه. ونسب له القصيدة الشهيرة التي يرثي بها الحسين بقوله :

يا أيها الغادون مني لكم *** شوق أذاب الجسم مني أرقا

والصحيح ان هذه القصيدة للسيد الشريف الميرزا جعفر القزويني المتوفى سنة 1298 ه. كما في ( الجعفريات وغيرها ) وأولها :

سل عن اهيل الحي من وادي النقا *** مغرّباً قد يمموا أم مشرقا

2 - وفي صفحة 358 من الجزء الأول ترجم للسيد شبر الموسوي الحويزي رحمه اللّه وعلّق حفيده سلمه اللّه فقال : وهو غير السيد شبر الذي ينتسب اليه السيد محمد رضا وابنه السيد عبداللّه شبر القاطنين في الكاظمية.

أقول وليس من أجدادنا من يسمى بالسيد شبر ، إنما هو لقب من جدنا الأعلى السيد حسن الملقب بشُبّر وقد عاش في القرن الثامن الهجري.

3 - جاء في الجزء الثاني من معارف الرجال صفحة 314 قصيدة السيد شريف بن فلاح الكاظمي المتوفى سنة 1220 ه. والمؤلف نسبها للشيخ محمد علي كمونة المتوفى سنة 1282 ه. والقصيدة أولها :

قف بالطفوف وجد بفيض الأدمع *** ان كنت ذا حزن وقلب موجع

وأظن ان الذي أوقعه بهذا الاشتباه هو المرحوم السيد الأمين فقد ذكر القصيدة مرتين في ( الأعيان ) ففي جزء 36 من أعيان الشيعة صفحة 74 جعلها من نظم السيد شريف بن فلاح الكاظمي وهو الصحيح ثم في جزء 46 صفحة 110 نسبها لابن كمونة وهو غير صحيح.

4 - ترجم للشاعر السيد مهدي الأعرجي المتوفى سنة 1358 ه. فقال : انه دفن في الصحن العلوي والحقيقة انه دفن بوادي السلام.

5 - رجائي من المحقق الحفيد أن لا تفوته بعض الأخطاء اللغوية ففي الجزء الثاني صفحة 277 عند ترجمة الشيخ محمد رضا النحوي قال : فأوعده السيد بحر العلوم. والصحيح وعده لأن ( أوعد ) للتهديد.

ص: 305

محمد امين شمس الدين

المتوفى 1366

يمثل روح الحب مني محمد *** وابنته وابناه والصهر حيدرُ

هم عدتي حتى نهاية مدتي *** بهم لست أخشى هولها حين انشر

علي تعالى من كبير على الملا *** وفي السبعة الافلاك أعلى وأكبر

فعن سيفه سل يوم أحد وخندقا *** وبدراً وسل ما البئر عنه وخيبر

حقائق يكبو دونها طرف واصل *** وفيها بأهل الغور طال التفكر

يقال على عثمان ضنّت صلاته *** وسلمان منها حظه متوفر

فلا زلت في أمريهما فاقد الهدى *** وليس لهذا اللبس كشف محرر

وسائلتي مالي أخالك مكثراً *** فقلت وهل في حيدر قال مكثر

ألا فدعي عنكِ مقالة ملحد *** لقد قالها من قبل قوم فكُفّروا

ألم تعلمي أن العلي قسيمها *** ومنه لنا القدح المعلى الموفر

علي حباه اللّه أمر معاده *** نقيباً على مثقال ذرة يحضر

فقالت يرى في القبر قلت لها أجل *** على حكمه يأتي نكير ومنكر

فقالت ومن ذا يوم لا ذو شفاعة *** فقلت لها ان الشفيعين حضّر

فقالت يرى يوم الظما قلت كفكفي *** فعن كفه الحوض النمير والكوثر

فقالت إذا ما قيل غُلّوه ما ترى *** فقلت يولى حلّ غليّ حيدر

ص: 306

فقالت أبا لا كسير شبهت حبهم *** فقلت نعم ذرية في النار تنفر

فقالت ( وآتوني ) فقلت فلم يكن *** سوى قولهم ان النبي ليهجر

فقالت وهل من سبة سن مثلها *** فقلت لها لا فهي للحشر تشهر

فقالت أعجزاً حينما قيد عنوة *** فقلت لها لا ذاك شيء مقدر

فقالت وما شأن البتول وضلعها *** فقلت غداً في موقف اللّه تظهر

فقالت وما السبط الزكي وقبره *** فقلت دعي قلباً لها يتفطر

فقالت وما السبط الشهيد بكربلا *** وما حاله وهو الصريع المعفّر

فقلت بكته الشمس والافق والسما *** دماً فهو في خدّ السما يتحدر

فيا لدماء قد أُريق بها الهدى *** وضلت لها في الدين عمياء تعثر

على رغم أنف الدين سارت حواسراً *** سبايا على عجف المطايا تسير

على الهون لم تلغى لها من يجيرها *** وحرب على أعوادها تتأمر

لها اللّه حسرى لم تجد من يصونها *** وهند بأذيال الخلاعة تحظر

لها اللّه حسرى لم تجد من يصونها *** سوى انها في صونها تتستر

فيا لمصاب هدد الذكر وقعه *** لديه عظيمات المصائب تصغر

ويا حب أهل البيت بتّ معانقي *** فدم فعليك اللّه يجزي ويشكر

كتاب الضمير البارد يبحث في العقائد واصولها تصنيف العلامة الجليل الشيخ محمد أمين شمس الدين العاملي طبع سنة 1353 ه.

وقد نقلت عنه هذه القصيدة.

وجاء في الذريعة ج 15 صفحة 118 :

كتاب الضمير البارد نثر ونظم للشيخ محمد أمين آل شمس الدين الشهيد الأول العاملي المعاصر المتوفى بلا عقب سنة 1366 ه. في بلدة عرب صاليم

ص: 307

من قرى جبل عامل في ثلاثة أجزاء ، طبع منه جزءان في سنة 1353 ه. في بيروت ، وفي أول الكتاب تصويره ، وفي آخره نسبه هكذا :

محمد أمين بن مهدي بن الحسين بن علي بن أحمد بن حيدر الجوني ابن شمس الدين بن محمد بن ضياء الدين محمد المهاجر بن جزّين بن علي السبط بن الشهيد محمد بن مكي المنتهى إلى سعد بن معاذ أباً ، وإلى الشريف المطلب أُماً.

ص: 308

الشيخ محمد تقي المازندراني

المتوفى 1366

بن الشيخ محمد حسن ابن الحاج علي الطبري المازندراني الحائري ، أديب شاعر ، ولد بكربلاء يوم 24 شوال سنة 1289 ه. ونشأ نشأة دينية ودرس الفقه والاصول على العالم الجليل الشيخ غلام حسين المرندي واتصل بادباء عصره وحضر مجالس الأدب كآل الوهاب والسيد الحجة الطباطبائي ونظم وساجل وشارك في حلبات أدبية حتى جمع ديوان شعر ضخم رأيت نسخة منه في مكتبة الأديب الشاعر السيد سلمان السيد هادي الطعمة يحتوي على ألوان من الشعر وفيه الكثير في أهل البيت وفي الإمام الحسين خاصة فمنها قصيدة أولها :

أحاميَ دين البشير النذير *** ومحيي منهاجه المستنير

واخرى في أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علیه السلام أولها :

أبى أبو الفضل إلا الفضل والكرما *** وجاد بالنفس يوم الحرب مبتسما

توفي بكربلاء سنة 1366 ه.

ص: 309

السيد مهدي القزويني

المتوفى 1366

هبّ الصبا وفؤاد المستهام صَبا *** إلى الحمى فأزال الغمّ والوصبا

مرابع قد مضى شرخ الشباب بها *** طلق العنان سوى الأفراح ما صحبا

أخنى الزمان عليها فهي موحشة *** من بعدما أنست في أهلها حقبا

أمست خلاءً بها الأرواح خافقة *** وفي ثراها غراب البين قد نعبا

ولّى الشباب وأيام الصبا درست *** وشعلة الشيب منها مفرقي التهبا

والدهر شنّ عليّ اليوم غارته *** كأنما ترة عندي له طلبا

وصيرتني يد الغمّى لها هدفاً *** وريّشت لي سهماً في الحشى نشبا

ولا ملاذ ولا ملجا ألوذ به *** من الزمان إذا طرف الزمان كبا

سوى إمام الهدى المهدي معتصمي *** وجنّة أتقي عني بها النوبا

من يملأ الأرض عدلاً بعد ما ملئت *** جوراً ، ويوردنا تياره العذبا

متى نراه وقد حفت به زمر *** من آل هاشم والأملاك والنقبا

من كل أشوس غطريف كذي لبد *** يوم الطعان يعدّ الراحة التعبا

من فوق كل سبوح في بحار وغى *** يوم الرهان يلاقي رأسها الذنبا

حتى مَ تصبر يا غوث الأنام وقد *** أبصرت فيئك في أيدي العدى نهبا

يا ثائراً غضّ جفنيه على مضض *** هلا أتاك بأخبار الطفوف نبا

غداة حلّ أبو السجاد ساحتها *** وأسد هاشم للهيجا قد انتدبا

ص: 310

وشمّر ابن علي للوغى طرباً *** يخال ضرب المواضي عنده الضَربا

تصيخ كل نفوس القوم مذعنةً *** له إذا ما عليها سيفه خطبا

يميل بشراً غداة الروع مبتسما *** لم يرهب الموت بل منه الردى ارتهبا

يأبى الدنية سبط المصطفى فلذا *** عن ذلة العيش في عزّ الوغى رغبا

وبعدما لفّ أولاهم بآخرهم *** وسامهم فسقاهم أكؤساً عطبا

أصابه حجر قد شج جبهته *** وشيبه من محياه قد اختضبا

وكم رضيع فرى منه الظما كبداً *** قضى وغير لبان النحر ما شربا

السيد مهدي ابن السيد هادي ابن الميرزا صالح ابن العلامة الكبير السيد مهدي الحسيني القزويني الحلي. علم من الاعلام وفذٌ من أفذاذ الاسرة القزوينية ويطلق عليه لقب الصغير تمييزاً له عن جده الأعلى. ولد في بلدة طويريج ( الهندية ) عام 1307 ه. ونشأ فيها منشأ العز والفخار متفيأ ظل والده الهادي عليه الرحمة وبعد ذلك أخذ يتملى من دروس اخوته الاعلام فحضر عند أخويه : الباقر والجواد واستفاد منهما كثيراً وهاجر إلى بلد جده أمير المؤمنين فأتمّ علومه اللسانية والبيانية كما حضر على السيد كاظم اليزدي في الفقه والاصول كما حضر عند الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهما من الأساطين ثم هاجر إلى مسقط رأسه ليسدّ الثغرة ويرشد الضال ويهدي المجتمع ، وكان على جانب من دماثة الخلق والتواضع رحب الصدر يودّ جليسه أن يطيل معه الجلوس وان لا ينتهي المجلس مهما امتدت ساعاته الطوال حيث كان لطيف المعشر خصب المعلومات ، والحديث عنه وعن أدبه من أرق الأحاديث. حضر الهندية عمّ والده وهو العلامة الكبير السيد محمد أبو المعز المتوفى سنة 1335 ه. واستنشده فقرأ له من شعره ألواناً - وكانت في لسانه تمتمة حلوة تزيد منطقه حسناً وحلاوة فنظم أبو المعز بيتين خاطبه بهما ملمحاً بحبسة لسانه ومشيراً إلى طريقة سالفة للشيخ صالح الكواز رحمه اللّه وقوله :

ص: 311

أخسرت أخرس بغداد وناطقها *** وما تركت لباقي الشعر من باقي

أقول : ضمن شطر هذا البيت في بيتيه فقال :

قولوا لأخرس قزوين إذا تليت *** فرائد فكره قد صاغ رائقها

لم تبق ناطق شعر في الورى ولقد *** ( أخرست أخرس بغداد وناطقها )

هذا وكانت وفاة المترجم له عشية الاربعاء 13 ربيع الأول من سنة 1366 ه. وقد شيع إلى مرقده الأخير في مقبرة الاسرة بالنجف الأشرف ، ولم يعقب من الذكور ذرية.

ومن فرائد شعره قوله راثياً جده أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة طويلة :

يا لائميّ تجنّبا التفنيدا *** فلقد تجنبت الحسان الخودا

و صحوت من سكر الشباب ولهوه *** لما رأيت صفاءه تنكيدا

ما شفّ قلبي حب هيفاء الدمى *** شغفاً ولا رمت الملاح الغيدا

أبداً ولا أوقفت صحبي باكياً *** من رسم ربع بالياً وجديدا

كلا ولا اصغيت سمعي مطرباً *** لحنين قمريّ شدا تغريدا

لكنني أصبحت مشغوف الحشا *** في حب آل محمد معمودا

المانعين لما وراء ظهورهم *** والطيبين سلالة وجدودا

قوم أتى نص الكتاب بحبهم *** فولاهم قد قارن التوحيدا

فلقد عقدت ولايَ فيهم معلناً *** بولاء حيدرة فكنت سعيدا

صنو النبي وصهره ووصيه *** نصاً بفرض ولائه مشهودا

هو علّة الإيجاد لولا شخصه *** وعلاه ما كان الوجود وجودا

هو ذلك الشبح الذي في جبهة *** العرش استبان لآدم مرصودا

هو جوهر النور الذي قد شاقه *** موسى بسينا فانثنى رعديدا

يا جامع الأضداد في أوصافه *** جلّت صفاتك مبدءاً ومعيدا

ص: 312

لم يفرض اللّه الحجيج لبيته *** لو لم تكن في بيته مولودا

للأنبياء في السر كنت معاضداً *** ومع النبي محمد مشهودا

ولكم نصرت محمداً بمواطن *** فيها يعاف الوالد المولودا

مَن أبهر الأملاك في حملاته *** ولمن تمدّح جبرئيل نشيدا

( لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى *** إلا علي ) حيث صاد الصيدا

ومن اغتدى في فتح خيبر مقدماً *** وسواه كان الناكص الرعديدا

ولكم كفى اللّه القتال بسيفه *** الإسلام يوم الخندق المشهودا

أردى بها عمرو بن ودّ بضربة *** قد شيدت دين الهدى تشييدا

أسنى من القمرين كان وإنما *** عميت عيون معانديه جحودا

والقصيدة طويلة يذكر فيها مصرع الإمام أمير المؤمنين. ذكرها الباحث السيد جودت القزويني في كتاب ( مقتل أمير المؤمنين ) للمرحوم السيد ميرزا صالح القزويني.

ص: 313

الشيخ حسن الدجيلي

المتوفى 1366

هل الدار من بعد سكانها *** تريك الخليطَ بعنوانها

فرحت تقبل منها الطلول *** وتعتنق الغصن من بانها

وتذرف في ربعها مدمعاً *** وتستاف ملعب غزلانها

هو الدهر أخنى على ربعها *** فحطم شامخَ بنيانها

وقفت به ومذاب الفؤاد *** من العين يهمي بهتانها

ذكرتُ به ربع آل الرسول *** فسالت عيوني بأجفانها

لقد كان مهبط وحي الإله *** ومصدر آيات قرآنها

ومنبع أحكام دين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) *** ومعدن حكمة ديّانها

ومطلع شمس هدى العالمين *** بها أبصرت نهج إيمانها

* * *

أطاحت امية منه العماد *** وباحت بمضمر كفرانها

وقادت جيوشاً لحرب الهدى *** وجاءت تهادى بطغيانها

تحاول اطفاء نور الإله *** ونشر عبادة أوثانها

ص: 314

وحامي الشريعة هاجت به *** عليها حمية غضبانها

فهبت لينقذ دين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) *** من تحت أنياب ثعبانها

سرى بالبهاليل من هاشم *** يؤمُ العراق بأضعانها

اسودُ وغىً فوق جردٍ عتاق *** صوافن أمثال عقبانها

ضوامرُ ان حفزت للوثوب *** بجمع تصرّ بآذانها

عليها ليوثُ بني غالب *** يضوع الفخار بأردانها

وشيدت خيامهم في الطفوف *** ونجم السما دون أشكانها

أحاطت بهم فرق الظالمين *** احاطة عينٍ بإنسانها

* * *

تحاول اذعانها لابن هند *** وقطعُ الطُلى دون اذعانها

تموتُ كراماً ولا تلتوي *** لبّو الصغار برثمانها

هل الموت إلا إذا جردت *** رقاف المواض بأيمانها

إذا غنت البيض فوق الرؤوس *** تميل نشاوى بألحانها

وتحسب فوق الظبا في الجباه *** لدى الروع معقد تيجانها

إذا الجحفل المجر ستر الفجاج *** عليها وضاقت بشجعانها

أمالته نثراً ببيض الصفاح *** ونظماً بأطراف خرصانها

أراقمُ مندلعات اللسان *** تلوكُ المنايا بأسنانها

فوالهفتاه لها إذ غدت *** معفرةً فوق كثبانها

ولم تلوها غير كف القضا *** إذ القوم ليسوا بأقرانها

* * *

ولم يبقَ غير امام الهدى *** وحيداً بحومة ميدانها

يعاني الظما وعجيج النساء *** يذيب الصفا وقع أرنانها

يعاني على الأرض أنصاره *** وعفرُ الثرى نسجُ أكفانها

يعاني العدى مثل سيل البطاح *** وفقد النصير للقيانها

ص: 315

يعاني على يده طفله *** ذبيحاً بأسهم وغدانها

فلله نفسك يا علة الوجود *** ويا قطب أكوانها

وتلك الفطائم لم تثنها *** عن الفكر في أمر رحمانها

تدرع بالصبر في موقف *** يزلزل موقف تهلانها

وشدّ على جمعهم مفرداً *** كما شدّ ليثٌ على ضانها

فأروى الظبا من دماء الكماة *** ولفّ الرجال بفرسانها

وأطعمها مهج الدار عين *** فخرّت سجوداً لأذقانها

فلم ترَ في الأرض غير الجسوم *** وخيل تجرّ بأرسانها

يحي الضبا والقنا والسهام *** طروباً بمهجة ظمآنها

* * *

أصابوا الشريعةً لمّا اصيبَ *** وهُدّت قواعد أركانها

وطاح فأظلمت النيرات *** والأرض مادت بسكانها

وكم طفلة بهجوم العدى *** وطفل يراع بحرانها

فررن النساء كرب اهيج *** مروعاً بعدوة ذؤبانها

حيارى تعجّ بأكبادها *** اذيبت بالهب نيرانها

تقوم فتكبو لما نالها *** وتعثر في ذيل أحزانها

وتهتف باسم أبيها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) *** وطوراً بأسمتاء فتيانها

وسيقت برغم اللّه حسراً

تلفُ النجودَ بغيطانها (1)

الشيخ حسن ابن الشيخ محسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد اللّه الدجيلي النجفي ، عالم مرموق مشهور بالتحصيل ومن المعدودين من الفقهاء ، ولد في النجف الأشرف عام 1309 ه. نشأ على الدرس والتدريس وحلقات

ص: 316


1- أنشدت في مأتم الحسين (عليه السلام) المقام من قبل الهيئة العلمية بالنجف الأشرف في 23 محرم الحرام سنة 1359 ه.

الفقهاء مضافاً إلى شهرة والده العالم الشهير على تدريسه والاعتناء به ، كنت كثيراً ما اشاهده مسرعاً قاصداً جامع الهندي - وهو أكبر مسجد في النجف وكان المرحوم الميرزا حسين النائيني يلقي دروسه على تلامذته هناك ومنهم المترجم له ، وكان إذا حضر في المحافل تكون له صدارة المجلس وتطرح المسألة العلمية ويشتدّ النقاش حوله فكان من المجلّين في تحقيقه وخبرته وممن يؤخذ برأيه ويحترم قوله ، طلب مني أن أسهر على ولده الشيخ صالح ليكون منبرياً مرموقاً بين الخطباء فلازمني هذا الولد حرسه اللّه ملازمة الظل مدة لا تقل عن عشر سنوات فكان كما أراد أبوه فهو اليوم من خطباء النجف اللامعين وبحكم هذه الصلة فقد كانت المودة أكيدة مع الوالد والثقة أصيلة فعرفت منه طيب القلب وسلامة الذات وحسن المعاشرة والنصح لكل أحد من قريب وبعيد ويحب الخير لكل مخلوق مع رجاحة عقل واتزان كامل وربما تذاكرنا ما بيننا بمسألة نحوية وهو يصغي فيفيض علينا من معارفه وكأنه قد راجعها وأتقنها في تلك الآونة ، كان يخرج في السنة مرة واحدة إلى الريف حول النجف والمسماة بمنطقة ( المشخاب ) بطلب من أهالي تلك المنطقة لأجل التعليم الديني والارشاد والوعظ وصادف مرة ان كنتُ هناك فرأيت من تواضعه ولطف أخلاقه ما جذبني إليه وجعلني أثق به كل الوثوق سيما وقد دار البحث بيني وبينه حول معنى بيت من الشعر للسيد مير علي أبو طبيخ قاله في رثاء المرحوم الشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي من قصيدة وهو :

ولم لا تعذب الأخلاق منه *** وكان ابن العراق هوىً وماءا

وهل ان الضمير يعود على الممدوح بنصب ( ابن ) أو أنها جملة مستأنفة فتكون ( ابن ) مرفوعة لأنها اسم لكان. وقد كرر الذهاب إلى تلك المنطقة حتى توفي بها فجأة سنة 1366 ه. ونقل إلى النجف فدفن بها فرثاه جمع من الشعراء لا زلت أتذكر مطلع قصيدة أكبر أولاده وهو العلامة الشيخ أحمد سلمه اللّه قال :

ص: 317

أبي لست أدري كيف أرثيك في نظمي *** وقد سامني من بعدك الدهر باليتم

وأعلم أن الموت لفّك بغتة *** وغيّض ينبوع الفضيلة والعلم

آثاره : 1 - حاشية على ( كفاية الأصول ).

2 - منظومة في المنطق.

3 - ديوان شعره مضافاً إلى رسائله من منثور ومنظوم.

أصارحة الغصنِ الأخضر ..

أنشأها على ضفة دجلة في حديقة غناء ذات أشجار يانعة وأطيار صارحة في ( قلعة سكر ) على شط الفرات ، وفيها يمدح الغري ( النجف ) ومرقد الإمام علي علیه السلام :

أصارحةَ الغصنِ الأخضر *** هناك نعيمك فاستبشري

تسيرين سابحةً في الفضاء *** ووكرك في الشجر المثمر

فإن شئت تقتطفين الورود *** وان شئت سنبلة البيدر

ملكت الهواء ملكت الفضاء *** ملكت الجنان مع الأنهر

وليس لذي سلطة امرة *** عليك ولا نهيُ مستهتر

ولم تسمعي أنةً من ضعيف *** يضام ولا صوت مستنصر

وقلبك من قبح هذا الزمان *** وأهليه في مهمهٍ مقفر

فما للمحاسنِ من آمرٍ *** ولا للقبائح من منكر

تبيتين رافلةً في النعيم *** وقلبي يبيت على مجمر

أحاطت به حالكات الهموم *** فكان لها نقطة المحور

بضفة دجلة جسمي مقيم *** وقلبي يرفرف فوق الغري

محل سما ذروة الفرقدين *** علاً وسما ذروة المشتري

تضمن مرقد سرّ الإله *** ومطلع شمس الهدى حيدر

وباب مدينة علم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) *** وساقي العطاشا في الكوثر

وحامل رايته في غدٍ *** إذا سيقت الناس للمحشر

ص: 318

وقد شيّد الدين في سيفه *** فتمّ ولولاه لم يذكر

ومن حارب الجن يوم القليب *** ومن قلع الباب في خيبر

ومن ناطح الشرك حتى انجلى *** الضلال بنور الهدى المسفر

ومن لم ترد الشمس إلا اليه *** ويوشع في سالف الأعصر

ومن طهّر البيت لما ارتقى *** على كتف المصطفى الأطهر

* * *

امام يقول لنار الجحيم *** خذي ذا اليك وهذا ذري

ولم أخشَ بعدَ ولائي له *** سؤال نكيرٍ ولا منكر

به أكمل الدين ( يوم الغدير ) *** وأعلن طه على المنبر

وقال فمن كنت مولىً له *** فمولاه بعدي أبو شبّر

وقدك كان ذلك في مسمعٍ *** من الحاضرين وفي منظر

فتباً لهم خالفوا المصطفى *** وجثمانه بعدُ لم يقبر

وقد عدلوا بعد عرفانهم *** من مورد العلم والمصدر

لبيعة تيم ومن بعده *** اديلت ضلالاً الى حبتر

* * *

وله أيضاً في رثاء سيد الشهداء وقد اشتملت على مدح العترة الهداة علیهم السلام ، وقد تليت في محفل الملائية الذي اقيم لعزاء الحسين علیه السلام في العشرة الثالثة من المحرم سنة 1360 ه. وكان انشاد القصيدة يوم 26 محرم من السنة المذكورة :

هي النفسُ رصنها بالقناعة والزهد *** وقصّر خطاها بالوعيد وبالوعد

وجانب بها المرعى الوبيل ترفقاً *** عن الذل واحملها على منهج الرشد

فما هي إلا آية فيك اودعت *** لترقى بها أعلى ذرى الحمدِ والمجد

وما علمت إلا يدُ اللّه كنهها *** وان وصفت بالقول بالجوهر الفرد

ففجّر ينابيع العلوم وغذّها *** من المهدِ بالعلم الصحيح إلى اللحد

ص: 319

وحبّ الهداة الغرّ من آل أحمدٍ *** هم الأمن في الاخرى من الفزع المردي

هم عصمة اللاجي وهم باب حطةٍ *** وهم أبحر الجدوى لمستمطر الرفد

هم سفراء اللّه بين عباده *** ولاؤهم فرضٌ على الحرّ والعبد

فأولهم شمسُ الحقيقةِ حيدر *** وآخرهم بدر الهدى القائم المهدي

* * *

فلا تقبل الأعمال إلى بحبهم *** وبغض معاديهم على القرب والبعد

وليس لهذا الخلق عن حبهم غنىً *** كما لا غنىً في الفرض عن سورة الحمدِ

عمىً لعيون لا ترى شمس فضلهم *** فضلت بليل الجهل عن سنن القصد

تعيب لهم فضلاً هو الشمس في الضحى *** وكيف تعاب الشمس بالمشعل الرمد

ويكفي من التنزيل آية ( إنما ) *** و ( قل لا ) لاثبات الولاية والودّ

وذا خبر الثقلين يكفيك شاهداً *** وبرهان حق قامعاً شبهة الجحد

رمتهم يد الدهر الخؤون بحادثٍ *** جسيم ألا شلت يد الزمن النكد

وقامت عليهم بعدما غاب أحمد *** عصائب غي أظهرت كامن الحقد

وقد نقضت عهد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بآله *** الهداة وقلّ التائبون على العهد

* * *

وأعظم خطب زلزل العرشَ وقعه *** وأذهل لبّ المرضعات عن الوُلد

غداة ابن هندٍ أظهر الكفر طالباً *** بثارات قتلاه ببدرٍ وفي أُحد

ورام بأن يقضي على دين أحمدٍ *** ويرجع دين الجاهلية والوأد

فقام الهدى يستنجد السبط فاغتدى *** يلبّيه في عزم له ماضي الحدّ

وهبّ رحيب الصدر في خير فتيةٍ *** لها النسب الوضاح من شيبة الحمدِ

يشب على حبّ الكفاح وليدهم *** ولم يبد ريحانُ العذار على الخد

ولو يرتقي المجدُ السماكين لارتقوا *** اليه بأطراف المثقفة الخُلدِ

* * *

إذا شبّت الحرب العوان تباشروا *** وصالوا على أعدائهم صولة الأسد

اسودُ وغىً فيض النجيع خضابهم *** وطيبهم نقع الوغى لا شذا النَدّ

رجال يرون الموتَ تحت شبا الظبا *** ودون ابن بنت الوحي أحلى من الشهد

ص: 320

فراحوا يحيونَ المواضي بأنفسٍ *** صفت فسمت مجداً على كل ذي مجد

وقد أفرغوا فوق الجسوم قلوبهم *** دروعاً بيومٍ للقيامة محتدّ

ولما قضوا حق المكارم والعلى *** ببيض المواضي والمطهمة الجردِ

وخطّوا لهم في جبهة الدهر غُرةً *** من الفخر في يوم من النفع مسودِ

تهاووا على وجه الصعيد كواكباً *** وقد أكلتهم في الوغى قضب الهُندِ

ضحىً قبّلتهم في النحور وقبّلوا *** عشياً نحور الحور في جنة الخلد

* * *

ولم يبق إلا قطب دائره العُلى *** يدير رحى الهيجاء كالأسد الورد

وحيداً أحاطت فيه من كل جانب *** جحافل لا تحصى بحصرٍ ولا عدّ

فدىً لك فرداً لم يكن لك ناصرٌ *** سوى العزم والبتار والسلهب النهد

وقفت لنصر الدين في الطف موقفاً *** يشيب له الطفل الذي هو في المهدِ

وأرخصت نفساً لا توازن قيمة *** بجملة هذا الكون للواحدِ الفردِ

ترد سيول الجحفل المجر والحشى *** لقرط الظما والحرّ والحرب في وقد

بعضب الشبا ماضٍ كأنّ فرنده *** سَنا البرق في قط الكتائب والغدِ

وتحسب في الهامات وقع صليله *** بكل كميّ دارعٍ زجل الرعد

فيكسو جسومَ الدارعين مطارفاً *** من الضرب حمزاً ان تعرّى من الغمد

ولما دنا منه القضا شام سيفَه *** وليس لما قد خطه اللّه من ردّ

هوى للثرى نهبَ الأسنة والظبا *** بغلة قلب لم تذق بارد الورد

هوى فهوى ركن الهداية للثرى *** وأمسى عماد المجد منفطم العقد

وقام عليه الدين يندب صارخاً *** ويلطم في كلتا يديه على الخدّ

* * *

تحامته ان تدنو عليه عداته *** صريعاً فعادوا عنه مرتعش الأيدي

فيا غيرة الإسلام أين حماته *** وذي خفراتُ الوحي مسلوبة البرد

تجول بوادي الطف لم تلف مفزعاً *** تلوذ به من شدة الضرب والطرد

وتستعطف الأنذال في عبراتها *** فتجبهُ يا لله بالسبّ والردّ

برغم العُلى والدين تُهدى أذلةً *** فمن ظالمٍ وغدٍ إلى ظالمٍ وغدِ

ص: 321

السيد حسن البغدادي

المتوفى 1367

يا قلب زينب ما لاقيت من محن *** فيك الرزايا وكل الصبر قد جُمعا

لو أنّ ما فيك من حزن ومن كمد *** في قلب أقوى جبال الأرض لأنصدعا

يكفيك فخراً قلوب الناس كلهم *** تقطعت للذي لاقيته جزعا

وكل رضيع يغتذي درّ أمه *** ويرضع من ألبانها ثم يُفطَم

سوى أن عبد اللّه كان رضاعه *** دماه وغذّته عن الدرّ أسهم

تبسّم لما جاءه سهم حتفه *** وكل رضيع للحلوبة يبسم

تخيّله ماء ليروي غليله *** ففاض عليه الغمر لكنه دم

السيد حسن ابن السيد عباس ابن السيد علي بن حسين بن درويش بن أحمد ابن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد بن نصر اللّه بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي ابن محمد بن جعفر ( الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه ببني الطويل ) ابن علي بن الحسين شيتي ويُكنى بأبي عبد بن محمد الحائري ( وقبره في واسط وهو المعروف بالعكار ابن الإمام محمد الباقر إبن الإمام زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

ص: 322

نظم والده السيد عباس المتوفى سنة 1331 ه. هذا النسب في ارجوزة له وهي مذكورة في ترجمته. ولد المترجم له سنة 1298 ه. ونشأ في ظل والده حيث وجهه للخطابة والخدمة الروحية من طريق المنبر الحسيني ، وكان كريم الطلعة بهي المنظر تنمّ عليه السيادة وتزدهيه الشمائل العلوية قد أوتي بسطة في العلم والجسم واسع الاطلاع ملماً بالتاريخ العربي والإسلامي بل والتاريخ الاممي وعقيدتي انه بزّ اقرانه فكان منبره من أغزر المنابر مادةً ، استمعتُ اليه اكثر من مرة فرأيته متثبتاً كل التثبّت فيما يقول وكلامه كاللؤلؤ المنظوم فإنه يذكر الآية الشريفة ثم يأتي بما يناسبها من الأحاديث النبوية والأقوال الحكمية والشواهد الشعرية ، وكان يحفظ الكثير من شعر العرب اما ديوان المهيار الديلمي فيكاد ان يستظهره حفظاً وقال لي مرة ان هذا الديوان الذي طبعته دار الكتب بمصر وزعمت انها شرحته وحققته ودققته فإني سجّلت أغلاطها والمؤاخذات عليها ولعله في كل صفحة من الصفحات عشر مؤاخذات ، واستمعتُ اليه يتكلم منبرياً في موضوع الإمامة وإذا ممن اشبع الموضوع بحثاً ، وصادف مرة أن قصد زيارة الإمامين العسكريين بسامراء وكان هناك المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني وأكثر الحوزة العلمية بخدمته ، فجاء خطيبنا للسلام عليه فطلب منه التحدث منبرياً فاستجاب وتحدث أكثر من ساعة بما لذّ وطاب عن الآل الأطياب وسلالة داحي الباب وشنف الأسماع والألباب وهكذا استمر كل يوم صباحاً يحضر ويرقى المنبر حتى أكمل شهراً كاملاً كله حول أهل بيت الرحمة السادة الأئمة وفي كل يوم يزداد السيد ابو الحسن اعجاباً به أكثر من سابقه.

مؤلفاته :

1 - الدر المنظوم في الحسين المظلوم وهو مقتل الحسين وما يدور حول فاجعة الطف والشعر الذي قيل فيها ب 1500 صفحة رويتُ عنه في الجزء السابق من هذه الموسوعة ، فرغ من تأليفه 15 جمادى الأولى سنة 1339 ه.

ص: 323

2 - المطالب النفيسة. اخبرني هو عنها وقال تجمع تراجم عظماء الإسلام.

3 - سفينة النجاة في الأئمة الهداة ، ابتدأ بجمعه في 15 شهر رمضان 1325 ه. وانتهى منه في 5 ذي القعدة سنة 1334 ه.

4 - الدر النضيد في رثاء الشهيد يشتمل على مجموعة كبيرة من القصائد في الإمام الحسين (عليه السلام) .

5 - كنانة العلم اشبه بالكشكول يضم النوادر الأدبية والتاريخية بدأ به بتاريخ 11 صفر 1346 ه. وانتهى منه 26 رمضان سنة 1351 ه.

6 - مجموع كبير يجمع الشعر والنثر وفيه ( انجيل برنابا ) المطبوع والممنوع قد كتبه بخطه بالرغم من ان ايطاليا قد جمعت هذا الانجيل ومنعت نشره.

وله مخطوطات تقارب 12 مخطوط كلها علم وادب وشعر ونثر محفوظة عند ولده السيد شمس الدين الخطيب.

توفي ببغداد يوم الجمعة 19 صفر سنة 1367 ه. على أثر انفجار في الدماغ وكان موته في مستشفى المجيدية ونقل إلى كربلاء وذلك ليلة زيارة الأربعين وكانت هناك مواكب الزائرين من جميع العراق فاشتركت جميع المواكب بتشييعه وشيّعه ما لا يقل عن ربع مليون نسمة ، وقد أظهر البصريون في تلك الليلة حبهم وولاءهم له فكانوا في طليعة المشيعين لانه كان خطيبهم في محرم الحرام لمدة 36 عاماً ثم نقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن عند رأس الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت الساباط من جهة يمين الداخل إلى المسجد هناك بقرب قبر الشاعر السيد حيدر الحلي رحمهما اللّه. كتب عنه البحاثة السيد الشريف المعاصر السيد جودت القزويني وجمع أكثر شعره ونثره قال : وله في وصف ( نهج البلاغة ) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام :

نهجٌ له كل الأنام قد غدت *** خرساً وأهدى للطريق الأعدل

فلم نجد أفصح منه منطقاً *** سوى لئالى المصحف الغض الجلي

فذا كلام قاله المولى العلي *** وذا كلام قاله المولى علي

ص: 324

ومن رثائه للإمام الحسين علیه السلام :

تبسم باللوى ثغر الأقاح *** ومنه الأرض ضاحكة النواحي

وقد نسج الربيع له رداءً *** تفوّق وشيه أيدي الرياح

قد اعتنق البشام به الخزامى *** معانقة المتيم للملاح

إلى أن يقول :

لعمرو أبيك ما جزعي لركب *** أغذّ على ذرى النيب الطلاح

ولكن للاولى جزروا عطاشا *** بعرصة كربلا جزر الاضاحي

بيوم ليس استأ منه يوم *** علا فيه الفساد على الصلاح

لقد صبروا بذاك اليوم صبراً *** به ظفروا بجامحة النجاح

تأسوا في أبيّ الضيم مَن قد *** أقام الدين حيّ على الفلاح

ولما أن دنا المقدار منهم *** هووا ما بين مشتبك الرماح

وعاد ابن النبي هناك فرداً *** يعالجها ابن معتلج البطاح

جلا ليل القتام بحرّ وجه *** كأن جبينه فلق الصباح

ومذ نور الإله له تجلّى *** وناداه فلبّى بالرواح

بوادي الطف آنس نار قدس *** فخرّ مكلّماً دامي الجراح

وبات معانقاً سمر العوالي *** وبيض الهند في ليل الكفاح

وقال مذيلاً أبيات ابنة حجر بن عدي الكندي في رثاء أبيها والتي رواها المسعودي :

تُرفّع ايها القمر المنير *** لعلك أن ترى حجراً يسير

يسير إلى معاوية بن حرب *** ليقتله كما زعم الأمير

ترفّعت الجبابر بعد حجر *** وطاب لها الخورنق والسدير

وأصبحت البلاد له محلاً *** كأن لم يغنها مزنٌ مطير

ألا يا حجر حجر بني عديٍّ *** تلقتك السلامة والسرور

فان تهلك فكل زعيم قوم *** عن الدنيا إلى هلك يصير

ألا يا ليت حجراً مات موتاً *** ولم يُنحر كما نحر البعير

ص: 325

فقال :

وذبح السبط شابه ذبح حجر *** وكلٌ ذبحه إثمٌ كبير

ولكن اين حجرٌ من حسين *** وهل رضت لمن معه صدور

وهل سلبوا إلى حجر نساءً *** وهل هتكت لنسوته خدور

وهل ذبحوا له طفلاً صغيراً *** ألا بأبي وبي الطفل الصغير

وهل تركوه في الرمضا ثلاثاً *** تريب الجسم يصهره الهجير

وهل حملوا له رأساً قطيعاً *** كأن جبينه القمر المنير

وهل قادوا له مضنى عليلاً *** على الأقتاب في غلٍّ يسير

وهل نكثوا له بالعود ثغراً *** وهل سكبت بجانبه الخمور

حجر بن عدي الكندي رحمة اللّه عليه من فضلاء الصحابة ويُعدّ من الأبدال وكان صاحب راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو رئيس زاهد محب وإخلاصه لأمير المؤمنين أكثر مما يذكر ، وله مواقف مشرفة في مغازي المسلمين وقائد مظفر في الفتح الإسلامي ومن أكبر قواد المسلمين يوم حرب المسلمين مع الروم وهو الذي فتح مرج عذراء (1) جعله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يوم صفين على كندة وفي يوم النهروان على ميسرة الأجمع. وقد قُتل حجر وأصحابه بمرج عذراء صبراً بأمر من معاوية بن أبي سفيان حيث لم يتبرأوا من علي بن أبي طالب علیه السلام ودفنوا هناك. وقد أوثر عنه في ساعة شهادته قوله : أما واللّه لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين سلك في واديها ، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها.

ص: 326


1- عذراء بفتح المهملة وسكون المعجة. قرية بغوطة الشام.

الشيخ محمد حسن دِكسن

المتوفى 1368

حتامَ يا دنيا التصبر للكرب *** وانت على البغضا أقمت على حربي

كأنك من أعدى العدى لابن حرة *** فكيف تواخيني وما أنت من صحبي

طبعت على البلوى إلى أن ألفتها *** وقلت لصحبي لا يهولنكم كربي

تجرعتُ للدنيا مرارة كأسها *** إلى أن حلى عندي ولذّ به شربي

فقابلتُ في صبري جهات ثلاثة *** رغبن باتلافي تشاركن في سلبي

ففرقة أوطان وفقد أحبة *** وجور زمان حار منه ذوو اللب

فطرتُ على الضراء ما ريع لي حشى *** ولكن يوم الطف روّع لي قلبي

فلله يوم طبق الدهر شجوه *** وأجرى دماً فيه له أعين السحب

فذلك يوم قام فيه ابن أحمد *** خطيباً بدرع الصبر واللدن القضب

أبوه علي لا يقاس بغيره *** بحرب وهذا الندب من ذلك الندب

فلولاه قضاء اللّه يمسكه قضى *** بحرب على كوفانها وبني حرب

فلم تره إلا على ظهر سابح *** يشق غبار الحرب في صدره الرحب

إلى أن اتاه السهم من كف كافر *** فخرّ به من صهوة المهر للترب

فكوّر نور الشمس حزناً لفقده *** وأعولت الأملاك ندباً على ندب

ص: 327

وقل ليتامى المسلمين ألا اعولي *** عطوفاً عليك حلؤه عن الشرب

ويا زعماء الدين لا تتفيئوا *** ظِلالاً وفي الشمس الحسين بلا ثوب

الخطيب الأديب الورع التقي الشيخ محمد حسن بن عيسى بن مال اللّه بن طاهر بن أحمد بن محسن بن حبيب بن ياسين الأسدي البصري نال شهرة واسعة في الخطابة. ولد في النجف سنة 1296 ه. ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات وأخذ الخطابة عن الشيخ علي المعروف ب ( ابن عياش ) فكان من ألمع أقرانه وتوالى عليه الطلب من البصرة والمحمرة للخطابة هناك وإحياء مآتم سيد الشهداء وعلى منبره مسحة من قبول فلا يكاد يخطب ويتخلص للمصيبة حتى تجري دمعته ، وألّف مجالس العلماء هناك كالسيد ناصر ابن السيد عبد الصمد البحراني ومن بعده السيد عدنان الغريفي ولمع نجم الشيخ دكسن وطلبه أمير المحمرة وحاكمها المرحوم الشيخ خزعل الكعبي فكانت له المنزلة السامية عنده وفي أيام التحصيل يكون النجف الأشرف مقره مهاجراً اليها بعياله وينكب على الدراسة إلى جنب الخطابة وكنت استمع اليه يقرأ القصائد الطوال في رثاء الحسين علیه السلام واكثر ما يقرأ من المراثي للحاج هاشم الكعبي فكان يحتفظ بديوانه المخطوط الذي يحتوي على المراثي والغزل والمديح والتهاني ، أما أساتذته في الدراسة فهم كما يلي :

1 - العلامة السيد مهدي البحراني في النحو والمنطق.

2 - العلامة السيد محمد علي الصائغ في الفقه.

3 - العلامة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء معالم الاصول.

4 - العلامة الشيخ نعمة اللّه الدامغاني الأسفار والحكمة.

مضافاً إلى انضمامه في حوزة المجتهد الكبير الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري. وله آثار مخطوطة منه : شرح الصحيفة السجادية ، مخطوط جمع فيه النوادر والأدب والعلم والذي طبع له ( الروضة الدكسنية ) وهو ديوانه

ص: 328

باللغة الدارجة وكله في مراثي أهل البيت من أرقّ الشعر وأعذبه نستشهد به في مجالسنا الحسينية فيهزّ العواطف ويثير الدمعة ، وله ديوان باللغة للفصحى ومنه قوله في النبي الأعظم صلی اللّه علیه و آله :

عج بالنياق ليثرب يا حادي *** نبك الاولى من أهل ذاك النادي

وأذرى الدموع وخلّني ولواعج *** وحشاشتي وزفيرها الوقاد

ما لي أرى الدار التي قد أشرقت *** بالبشر دهراً جلببت بسواد

فأجاب بالدمع الهطول لحادث *** أهل الحمى وبنفثة الأكباد

فاليك عني لا تسل عما جرى *** فالأمر صعب والخطوب عوادي

وأمضّ ما لاقى الحمى يومٌ به *** طرقته طارقة النوى بالهادي

ما مرّ يوم مثل يوم محمد *** أشجى الأنام اسى إلى الميعاد

يوم به جبريل أعلن قائلاً *** اللّه أكبر أكبر والدموع بوادي

ويح الزمان ويا له من غادر *** أبكى الأمين وفتّ بالأعضاد

وأمض شيء في الحشي صدع الحشا *** صوت البتولة من حشي وقاد

ابتاه من لي بعد فقدك سلوة *** فلأبكينك يقظتي ورقادي

كيف اصطباري أن أراك مفارقي *** فالعين عبرى والأسى بفؤادي

لله صبر المرتضى مما رأى *** فقد النبي وفرحة الحساد

لم أدري أي رزية أبكي لها *** ألغصب حقي أم لفقد الهادي

اللّه أكبر يا لها من فجعة *** قامت نوادبها بسبع شداد

وبقبره قد أُلحدت أكبادنا *** وتراجعت ثكلى بلا أكباد

توفاه اللّه يوم الأحد في قرية الدعيجي من لواء البصرة سنة 1368 ه. ونقل جثمانه إلى النجف وارخ وفاته الخطيب الشيخ علي البازي بقوله :

ومنبر السبط بكى تاريخه *** لما توفي الخطيب الحسن

وسبب تلقيبه با ( الدكسن ) يقول هو رحمه اللّه عندما سئل عن ذلك قال : لما كنتُ قصير القامة جهوري الصوت شبهني الناس بالبندقية المعروفة ب ( الدكسن ) لامتيازها بالقصر وقوة الصوت.

ص: 329

السيد حسن قشاقش

المتوفى 1368

قال يصف شهداء الطف :

وردوا على الهيجا ورود الهيم *** ورأوا عظيم الخطب غير عظيم

وتنازعوا كأس المنية بينهم *** في غير ما لغوٍ ولا تأثيم

يتسابقون إلى الهجوم وكأنهم *** خلقوا ليوم تسابق وهجوم

وكأنهم والحرب تزفر نارها *** من انسهم في جنة ونعيم

و كأنما بيض الظبا بيض الدمى *** لاقتهم برحيقها المختوم

تروي حديث الموت عن عزماتهم *** بيض الصفاح على القضا المحتوم

من كل أصيد قد نماه أصيد *** وكريم قوم ينتمي لكريم

يستعجلون البذل قبل أوانه *** ويسارعون لدعوة المظلوم

نثروا كما نظموا الجماجم والطلى *** فتشابه المنثور بالمنظوم

وجدوا الحياة مع الهوان ذميمة *** والموت في العلياء غير ذميم

وتقدموا للموت قبل إمامهم *** ولقد يجوز تقدّم المأموم

السيد حسن بن محمود بن علي بن محمد الأمين بن أبي الحسن موسى بن حيدر بن إبراهيم بن أحمد الحسيني الشقرائي العاملي المعروف ب ( قشاقش ) والشهير بالأمين وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن علي بن

ص: 330

الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام عالم جليل وشاعر مطبوع. ولد عام 1299 ه. في قرية عثرون التي انتقل اليها أبوه من شقراء ، قرأ على أخيه السيد علي وفي مدرسته ست سنوات ، قال السيد الأمين في الأعيان : هاجر إلى العراق عام 1316 ه. فقرأ فيها عليّ علمي الأصول والفقه إلى أن خرجت من النجف عام 1319 ه. وكان يسكن معي في دار واحدة نحواً من ثلاث سنوات كان فيها مكباً على التحصيل والدرس والتدريس ، وقرأ على الشيخ أحمد كاشف الغطاء ، وعلى الشيخ علي ابن الشيخ باقر آل الجواهر ثم سافرت إلى الشام وبقي هو في النجف نحواً من عشر سنين يحظر دروس الخارج ويقرأ عليه الطلاب ، وعاد إلى جبل عامل عام 1330 ه. وأراد السكنى في مسقط رأسه عثرون فذهب اليها فلم تستقر به الدار فخرج منها إلى شقراء وبقي فيها عدة سنين استفاد منه جماعة وانتهلوا من علومه منهم الشيخ محمد جواد الشري قبل ذهابه للعراق ثم انتقل إلى خربة سلم بطلب من أهلها فاكرموا وفادته وقاموا بما يجب حياً وميتاً. وكان عالماً فاضلاً فقيهاً بارعاً محققاً مدققاً حاد الفهم وأديباً شاعراً متميزاً في حسن نظمه ورصانة شعره ، وترجم له صاحب الحصون المنيعة ، وخلّف من الآثار العلمية رسالة في الرد على الوهابية ، مجلد في الطهارة ، منظومة في الرضاع أسماها ( فصيلة اليراع في مسائل الرضاع ) ، منظومة في الاجتهاد والتقليد ، فمن شعره وهو يتشوق إلى الوطن عندما توجه العراق سنة 1316 ه.

لئن كنت مأسور الفؤاد بنأيكم *** فطرفي في قاني المدامع مطلق

ومن عجب قلبي وجسمي تباعدا *** فهذا شئاميٌ وذلك معرق

أنام إذا ما هزني الشوق حيلة *** لعلّ خيالاً منكم اليوم يطرق

وكنا جميعاً فرّق الدهر بيننا *** وما خلتُ يوماً أننا نتفرق

فيا دارنا بالشام هل لك رجعة *** لصبٍ يصب الدمع طوراً ويغدق

سقاك الحيا اما تذكرت جيرة *** بك استوطنوا أو شكت بالريق أشرق

ص: 331

وبين ضلوعي نار وجد تسعّرت *** ولولا دموعي كدت بالوجد أحرق

لحقت بقومي في المكارم والعلى *** وما كل من رام المكارم يلحق

وأصبحت لا أبغي سوى العز متجراً *** وكل امرء لا يبتغي العزّ أحمق

أراب وقلبي قد تعلّق في ولا *** أبي حسن الكرار والقلب يعلق

وصرت له جاراً ومن كان جاره *** عليٌ أبو السبطين ذاك الموفق

ترجم له علي الخاقاني فذكر مراسلاته ومجموعة من أشعاره وقال : توفي بمدينة بيروت جمادى الآخرة عام 1368 ه. ودفن في ( خربة سلّم ) بموكب مهيب مشى فيه أكثر من مائة سيارة اشترك فيه جميع الأعيان والوجوه ورثاه جمع من الشعراء في اليوم السابع وهو يوم اسبوعه ، وعدّدوا مزاياه ومميزاته وعدد الشعراء والخطباء 26.

وترجم له السيد الأمين في الأعيان وذكر طائفة من أشعاره فمنها قوله :

لي جسم أضناه ذكر المغاني *** وفؤاد أصماه حب الغواني

وضلوع من الغرام تثقّفن *** فها هنّ كالقسي حواني

ص: 332

الشيخ محسن ابو الحب

المتوفى 1369

سبط النبي أبو الأئمة *** من للخلائق جاء رحمه

هذا الحسين ومن بساق *** العرش خطّ اللّه إسمه

وبقلب كل موحد *** قد صوّر الرحمن رسمه

هذا سليل محمد *** لبني الولا كهفٌ وعصمه

هذا ابن بنت المصطفى *** مولى له شأن وحرمه

من أهل بيت زانهم *** كرم ومعروف وحشمه

في شهر شعبان علينا *** الخيرَ خالقنا أتمّه

ولد الحسين ونوره *** مذ شعّ أذهب كل ظلمه

جبريل هنّأ جدّه *** وأباه والزهراء أمه

كان النبي إذا رآه *** اليه أدناه وضمّه

غذّاه من إبهامه *** لبناً وقبّله وشمّه

فيه تبرّك فطرس *** وبه محى الرحمن جرمه

وكذاك دردائيل اعتقه *** وأذهب عنه إثمه

وله أجلّ مناقب *** وفضائل في الدهر جمّه

كم قد أفاض على الورى *** من جوده فضلاً ونعمه

وإذا أتاه لاجيء *** يوماً كفاه ما أهمّه

ص: 333

وله ضريح طالما *** تتعاهد الزوار لثمه

قد شعّ نوره جبينه *** فجلى الليالي المدلهمه

رام العدى إطفاءه *** واللّه شاء بأن يُتمّه

بشراكم بولادة السبط *** الحسين أبي الأئمه

لهفي عليه لقد غدى *** جثمانه للبيض طعمه

ما راقبوا لمحمد *** في آله إلا وذمه

الخطيب الشهير الشيخ محسن ابن الشيخ محمد حسن ابن الشاعر الشهير الشيخ محسن أبو الحب صاحب القصائد الحسينية المعروفة والذي سبق وأن ترجمنا له. واسرة آل أبي الحب من الاسر العربية التي تنتسب إلى خثعم وكان مبدأ هجرتها من الحويزة إلى كربلاء بقصد طلب العلم الديني. ولد المترجم له في سنة 1305 ه. وهي السنة التي مات فيها جده ونشأ بتوجيه والده ودرس المقدمات وتخصص بالخطابة حتى نال شهرة واسعة واحتضنته كربلاء واعتبرته خطيبها الأول وشارك في الحفل الحسيني الكبير الذي عقدته الشبيبة الكربلائية يوم 13 من محرم الحرام سنة 1367 ه. أي 1947 م. لذكرى استشهاد الإمام الحسين علیه السلام في الروضة الحسينية المقدسة وقد ألقى قصيدته ويوم أنشد شاعر العرب محمد مهدي الجواهري رائعته الخالدة ، وللمترجم له مواقف أدبية وسياسية وطبع له ديوان بعد وفاته والديوان يضم طائفة كبيرة من النتف والقصائد في أغراض شتى قد قالها بمناسبات مختلفة. وكان نشر الديوان بسعي وتحقيق الأديب الاستاذ السيد سليمان هادي الطعمة وبالمناسبة أقول ان هذا السيد الطاهر خدم بلاده بكل ما يقدر وسخّر قلمه ومواهبه لخدمتها كثّر اللّه من أمثاله الغيارى وكان طبع الديوان بمطبعة الآداب بالنجف الأشرف سنة 1385 ه. 1966 م.

وتوفي المترجم له في كربلاء فجأة صباح اليوم الخامس من ربيع الأول سنة 1369 ه. ودفن في مقبرة خاصة له في روضة أبي الفضل العباس علیه السلام واقيم له حفل تأبيني رائع في الصحن الشريف يوم اربعينيه ساهم فيه ثُلّة من الادباء ، ورجال الفكر.

ص: 334

المستدركات

اشارة

ص: 335

ص: 336

عبد المحسن الصوري

المتوفى 419

حيّ ولا تسأم التحيات *** وناج ما اسطعت من مناجاتِ

حيّ دياراً أصخت معالمها *** بالطف معلومة العلامات

وقل لها يا ديار آل رسول *** اللّه يا معدن الرسالات

وقل عليك السلام ما انبرتِ *** الشمس أو البدر للبريات

نِعم مناخ الهدى ومنتجع *** الوحي ومستوطن الهدايات

نِعم مصلى الأرض المضمّن مَن *** صلى عليهم رب السماوات

إن يتل تالِ الكتاب فضلهم *** يتل صنوفاً من التلاوات

خصوا بتلك الآيات تكرمة *** أكرم بتلك الآيات آيات

هم خير ماش مشى على قدم *** وخير من يمتطي المطيات

قد علّموا العالمين أن عبدوا *** اللّه وألغوا عبادة اللات

عجتُ بأبياتهم اسائلها *** فعجتُ منهم بخير أبيات

على قبور زكيةٍ ضمنت *** لحودُها أعظما زكيات

أزكى نسيماً لمن تنسمّها *** من زاهرات الربى الذكيات

وآصلها الغيث بالغدوّ ولا *** صارمها الغيث بالعشيات

الشافعون المشفعون إذا *** ما لم يُشفع ذوو الشفاعات

ص: 337

من حين ماتوا أُحبوا وليس كمن *** أحباؤهم في عداد أموات

جلّت رزاياهم فلست أرى *** بعد رزياتهم رزيات

نوحاً على سيدي الحسين نعم *** نوحا على سيدي ابن سادات

نوحا تنوحا منه على شرف *** مجدّل بين مشرفيات

ذيدَ حسين على الفرات فيا *** بليّة أحدثت بليات

ما لك ما غرت يا فرات ولم *** تسق الخبيثين والخبيثات

كم فاطميين منك قد فطموا *** من غير جرم وفاطميات

ويل يزيد غداة يقرع با *** لقضيب من سيدي الثنيات

الجن والانس والملائكة *** الكرام تبكى بلا محاشاة

على خضيب الأطراف من دمه *** يا هول أطرافه الخضيبات

في لمّة من بني أبيه حوت *** طيب الأبوات والبنوات

من يسلُ وقتاً فان ذكرهم *** مجدد لي في كل أوقاتي

بهم أُجازي يوم الحساب إذا *** ما حوسب الخلق للمجازات

تجارتي حبهم وحبّهم *** ما زال من أربح التجارات (1)

عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون أبو محمد الصوري شاعر بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام مشهور بالاجادة بين شعراء أهل الشام ، من حسنات القرن الرابع الهجري جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى ، وله ديوان شعر يحتوي على خمسة آلاف بيت تقريباً وهو خير شاهد على ما نقول رأيته بمكتبة دار الآثار - بغداد قسم المخطوطات (2) برقم 14622 وهو من أقوى النصوص على تشيعه وعدّه ابن شهر آشوب من شعراء أهل البيت المجاهدين ، ذكره في اليتيمة وذكر من محاسنه قوله :

ص: 338


1- الطليعة من شعراء الشيعة للشيخ محمد السماوي.
2- وتوجد نسخة من الديوان بخط الشيخ جواد الشبيبي استنسخها عن نسخة كتبت في القرن السادس كانت بمكتبة السيد عيسى العطار ببغداد.

عندي حدائق شكر غرس جودكم *** قد مسّها عطش فليسق من غرسا

تداركوها وفي أغصانها رمق *** فلن يعود اخضرار العود إن يبسا

ومن شعره قوله :

يا غزالاً صاد قلبي *** بلحاظ فاصابا

بالذي ألهمَ تعذيبي *** ثناياك العِذابا

والذي صيّر حظي *** منك هجراً واجتنابا

والذي ألبس خديك *** من الورد نقابا

ما الذي قالته عيناك *** لقلبي فأجابا

ومن تلويحاته اللطيفة قوله في صبي اسمه عمر.

نادمني مَن وجهه روضة *** مشرقة يمرح فيه النظر

فانظر معي تنظر إلى معجز *** سيف علي بين جفني عمر

وعقد ابن خلكان له ترجمة ضافية أطراه ووصف شعره كما ترجم له ابن كثير في تاريخه ، ومن شعره :

سفرن بدوراً وانتقبن أهلّةً *** ومسن غصوناً والتفتن جآذرا

وأبدين أطراف الشعور تستراً *** فاغدرت الدنيا علينا غدائرا

وربّتما أطلعن والليل مقبلٌ *** شموس وجوه توقف الليل حائرا

فهنّ إذا ما شئن أمسين أو إذا *** تعرضن أن يسبحن كنّ قوادرا

وقال يرثي الشيخ المفيد محمد بن محمد بن نعمان المتوفى 413 :

تبارك مَن عمّ الأنام بفضله *** وبالموت بين الخلق ساوى بعدله

مضى مستقلاً بالعلوم محمد *** وهيهات يأتينا الزمان بمثله

وقال في صبي اسمه مقاتل وله فيه شعر كثير :

احفظ فؤادي فأنت تملكه *** واستر ضميري فأنت تهتكه

هجرك سهل عليك أصعبه *** وهو شديد عليّ مسلكه

ص: 339

بسيف عينيك يا مقاتل كم *** قتلت قبلي ممن كنت تملكه

أمّا عزائي فلستُ آمله *** فيك وصبري ما لست أدركه

وقال تمدح بها علي بن الحسين المغربي والد أبي القاسم الوزير :

أترى بثار أم بدينِ *** علقت محاسنها بعيني

في لحظها وقوامها *** ما في المهند والرديني

وبوجهها ماء الشبا *** ب خليط نار الوجنتين

بكرت عليّ وقالت اختر *** خصلة من خصلتين

إما الصدود أو الفراق *** فليس عندي غير ذين

فأجبتها ومدامعي *** تنهلّ مثل المازمين

لا تفعلي إن حان صدك *** أو فراقك حان حيني

فكأنما قلت انهضي *** فمضت مسارعة لبيني

ثم استقلّت أين حلّت *** عيسها ورمت بأين

ونوائب أظهرن أيامي *** إلي بصورتين

سوّدنها وأطلنها *** فرأيت يوماً ليلتين

ومنها :

هل بعد ذلك مَن يعرّفني *** النضار من اللجين

فلقد جهلتهما لبعد *** العهد بينهما وبيني

متكسّباً بالشعر يا *** بئس الصناعة في اليدين

كانت كذلك قبل أن *** يأتي علي بن الحسين

فاليوم حال الشعر *** حالية كحال الشعرتين

ومن شعره الذي رأيته في ديوانه المخطوط قوله :

وأخ مسّه نزولي بقرح *** مثلما مسني من الجوع قرح

بتّ ضيفاً له كما حكم الدهر *** وفي حكمه على الحرّ قبح

ص: 340

فابتدائي يقول وهو من السكرة بالهمّ طافح ليس يصحو

لم تغرّبتَ قلت قال رسول اللّه والقول منه نصح ونجح

سافروا تغنموا فقال وقد قال تمام الحديث صوموا تصحوا (1)

ونسبها السيد الأمين في الأعيان ج 53/80 لأبي الفرج ابن القاضي أبي الحصين علي بن عبد الملك الرقي ، نقلاً عن الثعالبي في تتمة اليتيمة ما نصه : أبو الفرج ابن أبي الحصين الحلبي من أظرف الناس وأحلاهم أدباً ، وابوه الذي كاتبه ابو فراس وساجله ومدحه السري وأخذ جائزته ولم أسمع لأبي الفرج أصلح من قوله فيمن أبى أن يضيفه ( الأبيات ) ، ومن شعره :

آل النبي هم النبي وإنما *** بالوحي فرّق بينهم فتفرقوا

أبت الإمامة ان تليق بغيرهم *** ان الإمامة بالرسالة أليق

وله من قصيدة في أهل البيت علیهم السلام :

هي دار الغرور قصّر باللوام *** فيها تطاول العشاق

وأراها لا تستقيم لذي الزهد *** إذا المال مال بالاعناق

فلهذا أبناء أحمد أبناء *** علي طرايد الآفاق

فقراء الحجاز بعد الغنى الأكبر *** أسرى الشئام قتلى العراق

جانبتهم جوانب الأرض حتى *** خلت ان السماء ذات انطباق

إن اقصّر بآل أحمد أو اغرق *** كان التقصير كالاغراق

لست في وصفكم بهذا وهذا *** لاحقاً غير أن تروا إلحاقي

ان أهل السما فيكم وأهل *** الأرض ما دامتا لأهل افتراق

عرفت فضلكم ملائكة اللّه *** فدانت وقومكم في شقاق

ص: 341


1- ويرويها العلامة الشيخ محمد رضا الشبيبي للشاعر عبد المحسن الصوري وانه عملها في اخيه عبد الصمد ، كذا في مقال كتبه في مجلة العرفان م 32/20.

يستحقون حقكم زعموا ذلك *** - سحقاً - لهم من استحقاق

وأرى بعضهم يبايع بعضاً *** بانتظام من ظلمكم واتساق

واستثارو السيوف فيكم فقمنا *** نستثير الأقلام في الأوراق

أي عين لولا القيامة والمرجوّ *** فيها من قدرة الخلاق

فكأني بهم يودون لو أن *** الخوالي من الليالي البواقي

ليتوبوا إذا يُذادون عن أكرم *** حوض عليه اكرم ساق

وإذا ما التقوا تقاسمت النار *** علياً بالعدل يوم التلاق

قيل هذا بما كفرتم فذوقوا *** ما كسبتم يا بؤس ذاك المذاق

توفي يوم الأحد تاسع شوال سنة 419 عن ثمانين من العمر ، وترجم له في أمل الآمل مفصلاً.

ص: 342

فارس بن محمد بن عنان

المتوفى 437

بمحمد وبحب آل محمد *** علقت وسائل فارس بن محمد

يا آل احمد يا مصابيح الدجى *** ومنار منهاج السبيل الأقصد

لكم الحطيم وزمزم ولكم منى *** وبكم إلى سبل الهداية نهتدي

يا زائراً ارض الغري مسدداً *** سلّم سلمتَ على الإمام السيد

بلّغ أمير المؤمنين تحيتي *** واذكر له حُبّي وصدق توددي

وزر الحسين بكربلاء وقل له *** يا بن الوصي ويا سلالة أحمد

قتلوك وانتهكوا حريمك عنوة *** ورموك بالأمر الفظيع الأنكد

لو أنني شاهدت نصرك اولاً *** روّيتُ منهم ذابلي ومهندي

مني السلام عليك يا بن المصطفى *** أبداً يروح مع الزمان ويغتدي

وعلى أبيك وجدّك المختار والثاوين *** منكم في بقيع الغرقد

وبأرض بغداد على موسى وفي *** طوس على ذاك الرضاء المفرد

وبسرّ من را والسلام على الهدى *** وعلى التقى وعلى العلى والسؤدد

بالعسكريين اعتصامي من لظى *** وبقائم من آل أحمد في غد

إن ابن عنان بكم كبت العدى *** وعلا بحبكم رقاب الحسّدِ

فلان تأخر جسمه لضرورة *** فالقلب منه مخيّم بالمشهد

إني سعدتُ بحبكم أبداً ومن *** يحببكم يا آل أحمد يسعد (1)

ص: 343


1- عن الطليعة من شعراء الشيعة مخطوط الشيخ محمد السماوي ج 2/50.

الأمير حسام الدولة أبو الشوك فارس بن محمد بن عنان توفي سنة 437 ه. بقلعة السيروان ذكره في الكامل ، وفي تاريخ آل سلجوق توفي في شهر رمضان من السنة المذكورة ، وذكره ابن شهر اشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين. قال الشيخ السماوي في ( الطليعة ) مالك الجبل من الدينور وقرميسين وغيرهما. كان أميراً فارساً أديباً شاعراً مادحاً للأئمة علیهم السلام ممدحاً لمن سواهم من الانام. وفي تاريخ ابن الأثير : في سنة 342 ه. أرسل الخليفة المطيع رسلاً إلى خراسان للاصلاح بين نوح بن أحمد الساماني صاحب خراسان وركن الدولة بن بويه فلما وصلوا حلوان خرج عليهم ابن أبي الشوك الكردي وقومه فنهبوهم وقافلتهم وأسروهم ثم أطلقوهم فارسل معز الدولة عسكراً إلى حلوان فأوقع بالأكراد. انتهى.

ص: 344

الشيخ صالح الحريري

المتوفى 1305

قال من قصيدة حسينية :

ألا إن رزء أودع القلب غلة *** مدى الدهر في إيقادها ليس تنقع

وأضحت به جمّ الخطوب كأنها *** ليال بها وجه البسيطة أسفع

غداة بها آل النبي بكربلا *** تجاذبها أيدي المنون وتسرع

بيوم غدا زند الأسنة وارياً *** ضراماً به يصلى الكميّ السميدع

إذ البيض في ليل القتام كواكب *** تغيب بهامات الرجال وتطلع

تقيم فروض الحرب في سبط أحمد *** فتسجد فيه البيض والسمر تركع

إلى أن هوى فوق الصعيد مزملاً *** تروح عليه العاديات وترجع

صالح بن محمد الجواد الحريري البغدادي الشهير بالشيخ صالح الحريري ، كان أديباً ملماً ببعض العلوم الآلية ، يتحرف بصناعة الأدب وكان شاعراً متوسط الطبقة ينزل بغداد والكاظميين فمن شعره قوله :

قد جلونا من الكؤوس عروسا *** فتجلّت على الأكف شموسا

واستحالت بأن تراها عيون *** بعيان لو لم تحلّ الكؤوسا

فاذا ذاق عاشق من طلاها *** تركته لم يدرك المحسوسا

ص: 345

وقوله :

كل يوم لك رزق *** أي فرخ لا يزق

فلكم من قبل عاشت *** أمم شتى وخلق

مرّت الدنيا عليهم *** مثلما قد مرّ برق

فوّض الأمر إلى من *** هو بالأمر أحق

ان تكن للصبر رقّاً *** فبه للرقّ عتق

أي يوم قد تقضى *** ليس فيه لك رزق

فأرض فيما أنت فيه *** انت مملوك ورق

ولقد يكفيك مما *** ملكت يمناك مذق

فدع الحرص فإن *** الحرص عصيان وفسق

سوف تاتيتك المنايا *** بغتة فالموت حق

أيها المغرور رفقاً *** ليس بعد اليوم رفق

إنما الشوكة تُدميك *** كما يؤذيك بق

لك في أنفك يوماً *** من تراب الأرض نشق

هذه الدنيا لعمري *** للورى فتق ورتق

إن صفا للعيش كأس *** فصفاء الكأس رنق

إنما الدنيا كبابٍ *** فيه للافات طرق

فدع الباطل فيها *** كم به قد دق عنق

واجتنب صحبة من في *** طبعه للغدر عرق

واغتنم فرصة يوم *** رب يوم فيه رهق

كل آن في البرايا *** لسهام الموت رشق

ان خير الناس فضلاً *** مَن له في الخير سبق

كن بدنياك صموتاً *** آفة الانسان نطق

حلية الانسان فيها *** عفة منه وصدق

وقصارى الخلق يوماً *** لهم لحد يشق

ص: 346

ومن شعره قوله :

ولايتي لأمير النحل تكفيني *** عند الممات وتغسيلي وتكفيني

وطينتي عجنت من قبل تكويني *** بحبّ حيدر كيف النار تكويني

توفي سنة الف وثلثمائة وخمس ببغداد ونقل إلى النجف فدفن بها ورثاه بعض الشعراء رحمه اللّه وكان مولده سنة 1265 ه. ولم تزل اسرته معروفة ببغداد تتعاطى التجارة وتعرف ب ( آل الحريري ) ، وقد ترجمه العلامة السماوي في ( الطليعة ).

ص: 347

لطف اللّه العاملي

المتوفى 1035

أهلال شهر العشر مالك كاسفاً *** حتى كأنك قد كسبت حدادا

أفهل علمت بقتل سبط محمد *** فلبست من حزن عليه سوادا

وأنا الغريب ببلدة قد صيرت *** أيام حزن المصطفى أعيادا

فليبلغ الأعداء عني حالة *** ترضي العداة وتشمت الحسادا

أألمّ شمل الصبر بعد عصابة *** راحوا فرحن المكرمات بدادا

سبقوا الانام فضائلاً وفواضلا *** ومآثراً ومفاخراً وسدادا

من كل وتر إن يسل حسامه *** راحت جموع عداته آحادا

وأخي ندى إن سال فيض بنانه *** غمر الزمان مفاوزاً ونجادا

فهم الأكاثر في المعالي عدة *** بين الورى وهم الأقل عدادا

لطف اللّه بن عبد الكريم بن ابراهيم بن علي بن عبد العالي العاملي الميسي الأصفهاني. قال السماوي في ( الطليعة ) : كان فاضلاً جامعاً ومصنفاً أديباً بارعاً وكان معتمداً عند الشيخ بهاء الدين العاملي رحمه اللّه في الفتوى ، وكان حسن التصنيف وحسن الشعر ، وله في الأئمة شعر عثرت له على عدة قصائد في الأئمة علیهم السلام في مجاميع وفي كنز الأديب فمن شعره قوله في حسينية :

أهلال شهر العشر مالك كاسفاً *** حتى كأنك قد كسبت حدادا

ص: 348

وهذه الأبيات قالها في سفر له إلى بعض الجهات.

توفى رحمه اللّه سنة الف وخمس وثلاثين كما ذكره في ( الروضات ) على ما استظهره من تاريخ فارسي ذكره صاحب مجالس المؤمنين ، ودفن في أصفهان رحمه اللّه تعالى ورضي عنه. انتهى.

أقول : راجعت موسوعة ( اعيان الشيعة ) للمرحوم السيد محسن الأمين عسى أن أجد ترجمة للشاعر فرأيت أن المرحوم الأمين لما سار بموسوعته على حسب الحروف نسي ( حرف اللام ) برمّته ولم يترجم لكل مبدئ باللام وانما ذكر حرف الكاف وعبر إلى الميم.

وترجم له الخونساري في ( الروضات ) فقال : كان عالماً فاضلاً فقيهاً متبحراً عظيم الشان جليل القدر أديباً شاعراً معاصراً لشيخنا البهائي يعترف له بالفضل والعلم والفقه ويأمر بالرجوع اليه ، كذا في أمل الآمل ، وقال المحدث النيسابوري بعد الترجمة : ومسجده معروف بميدان الشاه باصبهان ، وفاته بعد وفاة الشيخ البهائي المعاصر له بخمس سنين.

يقول صاحب روضات الجنات عند ترجمة والده عبد الكريم : ثم ان لهذا الشيخ ولدين عالمين فاضلين صالحين مذكورين في أمل الآمل وغيره ، احدهما الحسن والآخر عبد الكريم وهو والد الشيخ لطف اللّه. قال وقد رأيت للشيخ عبد الكريم هذا إجازة أبيه الشيخ ابراهيم وكان هو ايضاً حسن الخط ، رأيت بخطه كتاب تفسير جوامع الجامع للطبرسي في مجلد صغير. وهو ابو الشيخ لطف اللّه بن عبد الكريم العاملي المنتقل في اوائل عمره من ( ميس ) ضيعة في جنوب لبنان. إلى المشهد الرضوي المقدس والمشتغل هناك بالتحصيل عند مولانا عبد اللّه التستري وغيره إلى أن انتظم في سلك مدرّسي تلك الحضرة المقدسة والموظفين بوظائف التدريس ، بل الناظرية لخدام تلك الروضة المنورة من قبل سلطان الوقت ، ثم انتقل إلى دار السلطنة قزوين برهنة من الزمن ثم المتوطن بعد ذلك في دار السلطنة اصفهان بأمر ذلك السلطان وهو الذي ذكر

ص: 349

في امل الامل بعد وصف علمه وصلاحه وتبحره وتحقيقه وجلالة قدره ، ان شيخنا البهائي كان يعترف له بالفضل والعلم ويأمر بالرجوع اليه. وذكر صاحب رياض العلماء انه كان فاضلاً ورعاً تقياً عابداً زاهداً مقبولاً قوله وفتواه في عصره ، وقد بنى له السلطان شاه عباس الصفوي المسجد والمدرسة المنتسبين اليه باصفهان في مقابلة عمارة علي قابو في ميدان نقش جهان ، وكان هو وابنه الشيخ جعفر ووالده وجده الأدنى وجده الأعلى أعني الشيخ ميس من مشاهير فقهاء الإمامية إلى أن قال : وبالجملة هذا الشيخ يعني به الشيخ لطف اللّه ممن فاز بعلوّ الشأن في الدنيا وفي الآخرة وكان معظماً مبجلاً جداً عند السلطان المذكور ، ممن يعتقد وجوب صلاة الجمعة عيناً في زمن الغيبة ، وكان يقيمها في مسجده المذكور ويواظب عليها وكان رحمه اللّه في جوار ذلك المسجد ، وله رسائل كثيرة في مسائل عديدة ، ويظهر ان وفاته كانت باصبهان في اوائل سنة اثنين وثلاثين والف قبل وفاة ذلك السلطان بخمس سنوات تقريباً وقبل فتحه لبغداد بقليل.

ص: 350

الشيخ عبد اللّه آل نصراللّه

المتوفى 1341

قال متوسلاً إلى اللّه بمحمد وآله بدفع البلاء والوباء ويتخلّص إلى رثاء سيد الشهداء :

صاح ان الصبر مفتاح الفرج *** فلكم بالصبر تنحلّ الرتج

ما على الصابر طوعاً من حرج *** فاشكر اللّه على ما وعدا

من عطاياه لدى الصبر الجميل

وتوسل ان عرتك الحادثات *** ودهتك الفادحات المعضلات

باناس حبهم ينجي العصاة *** من لظى النار ومن كل ردى

يوم لا يشفع خلٌ لخليل

وعند رثاء الإمام يقول :

فَنِساهُ أبرزوها حاسرات *** من خباها حائرات عاثرات

فَسعت نحو حماها نادبات *** من لها كان الحمى والعضدا

بل عمادٌ وسنادٌ ودليل

أبعدوها عنه بالعنف الشديد *** ضربوها بسياط كي تحيد

وهي تأبى نادبات واشهيد *** كنت بالأمس لدينا عمدا

فبقينا اليوم من غير كفيل

اركبوهن جمالاً هازلات *** لم تزل نحو حماها ناظرات

بحنين وأنين باكيات *** قائلات كيف نسري والعدا

قيّدوا السجاد بالقيد الثقيل

ص: 351

لهف نفسي لعليل أسرا *** فوق قتب النيب يشكو الضررا

جسمه أنحله طول السرى *** داعياً قوماً سقوا كأس الردى

فلذا من بعدهم أمسى ذليل

العلامة الورع الزاهد العابد الشيخ عبداللّه ابن الشيخ ناصر بن احمد بن نصراللّه آل أبي السعود ، ترجم له الشيخ المعاصر الشيخ فرج آل عمران في ( الأزهار الارجية ) وقال : هو أول عالم اتصلت به وتلقيت منه التوجيه نحو العلم والدراسة وكان مطبوعاً على حب الخير والارشاد فقد أرشدني إلى الفقه والعلوم الإسلامية ويحثني على التقوى ويستشهد بقول القائل :

لا يجتلي الحسناء من خدرها *** إلا امرء ميزانه راجح

فأسمو بعينيك إلى نسوة *** صورهن العمل الصالح

وهو موضع ثقة عند جميع الطبقات وعلى يديه تجري العقود والايقاعات وسائر المعاملات وعنده تحسم الخصومات والمنازعات ، وقد زوّده مراجع الطائفة بشهادات ووكالات محترمة أمثال آية اللّه الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف ، وكان يجلس في داره لقضاء حوائج الناس فيحضر عنده مختلف الطبقات وتحرر في مجلسه المسائل الدينية وكان يهيئ السحور طيلة شهر رمضان لمن يحضر ويقرأ معه دعاء السحر ، ويتعاطى الخطابة في المآتم الحسينية وقراءته مشجية محزنة وله شعر كثير وقد رثى استاذه الشيخ احمد ابن الشيخ صالح آل طعّان البحراني المتوفى صبيحة عيد الفطر سنة 1315 ه. بقصيدة. وترجم له صاحب انوار البدرين باختصار عندما ترجم اباه وقال : إن له منظومة في اصول الدين ومنظومة في الحجة المهدي سلام اللّه عليه.

توفي رحمه اللّه يوم الثلاثاء 16 جمادى الاول سنة 1341 ه. وشيع جثمانه إلى مقبرة الحباكة الشرقية بتشييع باهر ..

ص: 352

تقدير وتقريظ

السيد المجاهد الجواد آل شبر المحترم

السلام عيك بقدر شوقي اليك. وبعده فقد تسلمت بيد الشكر الجزء الثامن من موسوعتك الخالدة ( أدب الطف ) وقد قضيت معه ساعات متصلة درّت عليّ ملامح تاريخية صافية ، وصفاء قرائح متقدة بلهب الموالاة الحقة لأئمة أهل البيت الأطهار - سلام اللّه عليهم - واني إذ اهنئك بهذا الجهد الجهيد الذي تحملته ، ووصلتَ من أجله ليلتك بنهارها أرفع كفَ المُناجاةِ متضرّعاً اليه جلّ اسمه أن يزيدَ مننَه عليكَ لاتمام بقية الأجزاء الآتية ليتم المخطط ، ويُحفظ شعراء الحسين في سجل الباقيات الصالحات. وكان عليّ - أيها السيد المفضال - أن اطيلَ في تقريض الكتاب ؛ بيدَ أني لست بحاجة إلى التعريف به بعد ما نطق هو عن ذاته وأشار إلى مكنونات صفاته ولا عجب فان سطوره تنمّ عن ذوقٍ ، وترتيبَه يفصح عن مجهود ، وجمعه يَدلّ على خبرة وممارسة في الغناء بحب الحسين علیه السلام وأهل بيته الطاهرين وخدمتهم طوال سنين عدة وأعوام طوال. وإني لما عدلت عما سلف لجأت إلى بيان بعض الموارد التي استوقفتني على صفحات الكتاب أحببت أن اسطرها خدمة للحقيقة ، وبياناً لما يترتب عليها من أمرٍ وهي بطبيعتها لا تؤثر على عمل كبير مثل هذا ولا تنال من أهميته شيئاً!!

1 - ذكرتم أسماء الشعراء الذين رثوا الشاعر الخالد الذكر السيد حيدر الحلي ، واحب ان اضيف إلى أن حلبة رثاء السيد الشيف المذكور وقفت

ص: 353

عليها كاملة ضمن مجاميعنا المخطوطة وهي ملحقة بمراثي جدنا العلامة السيد الميرزا صالح القزويني المتوفى في السنة التي توفى بها السيد الحلي وكلها تنتهي بتعزية عمنا العلامة أبي المعز السيد محمد القزويني المتوفى سنة ( 1335 ه. ( وأخيه العلامة الحسين المتوفى ( 1325 ه. ( وفيها من المقدمات النثرية ما لم يشر اليها أحد. كما لا يفوتني ان الشاعر الأديب السيد عبد المطلب الحلي رحمه اللّه ذكر قسماً منها في مقدمة ديوان السيد حيدر المطبوع طباعة حجرية في مستهل هذا القرن.

2 - ذكرتم في ترجمة الميرزا صالح القزويني الحلي المتوفى ( 1304 ه. ( قصيدةً له مطلعها :

طريق المعالي في شدوق الأراقم *** ونيل الأماني في بروق الصوارم

والصواب أنها للسيد صالح القزويني البغدادي المتوفى سنة ( 1306 ه. ( وقد اشتبه الخاقاني أيضاً كما في شعراء الحلة ، كما اشتبه في قصائد اخر نبهتُ عليها في مقدمة مقتل أمير المؤمنين علیه السلام الذي طبع بتحقيقنا سنة ( 1394 ه. ).

3 - ذكرتم في ترجمة ( آغا أحمد النواب ) انه توفي سنة ( 1311 ه. ) والصواب انه وفاته كانت في الثلاثينات على ما ظهر لنا ، وقد حقق نسبه الصديق عبد الستار الحسني كما رأيته بخطه.

4 - أوردتم في ترجمة اسطا علي البنّاء المتوفى سنة ( 1336 ه. ( قول الآلوسي ؛ السيد علي علاء الدين رحمه اللّه فيه كما في ( الدر المنتثر ) : بأنه كان اعجوبة بغداد ؛ ينظمُ الشعر مع كونه امّياً لا يقرأ ولا يكتب!!

ثم ذكرتم أنه جاء في هامش ( الدر المنتثر ) صحيفة (166) ما يلي. « جاء في هامش صفحة (57) من مخطوطة الأصل ما نصّه : انّ هذا الشاعر اوسطا

ص: 354

علي المذكور كان لا يُجيد النظم ؛ إنما كان هناك شخص اسمه الشيخ جاسم ابن المُلا محمد البصير الذي كان ينظم له » انتهى.

والذي يتبادر من هذا القول انه للسيد علي الآلوسي نفسه ، ولكنّ الصواب انه للاستاذ يوسف عز الدين - الدكتور - وقد سجّل اسمه مع تاريخ كتابته لهذه الأسطر في سنة ( 1953 م. ). ولم يُشر محققاً « الدر المنتثر » الاستاذان جمال الدين الآلوسي وعبداللّه الجبوري إلى ذلك رغم اعتمادهما على هذه النسخة ، ونقلهما كلام عز الدين عنها!!

واحبّ أن اشيرَ إلى أنّ النسختين اللتين اعتمد عليها محققاً الدر لا تخلوان من اشتباهات تختلفُ عن الأصل المكتوب بخط الآلوسي وفيهما زيادات لا تمتُّ إلى أصل الكتاب بشيء!

وقد أوردتُ على الكتاب « المُنتثر » مستدركاً لم يُنشر من قبل جمعته عن مجموعة الآلوسي المخطوطة ، وذكرتُ ما سلفَ كله في النقد الموسّع للدر المنتثر الذي لم يزل في عداد المخطوطات!!

بقي شيءٌ متعلقٌ بشاعرية البنّاء ؛ حيث أنه كان يستعين بالشاعر الأديب ، الخطيب المفوّه ، فارس حلبات البلاغة والبيان ؛ الشيخ جاسم المُلا الحلي - نظماً بعض الأحيان في مراسلات الشخصيات ، وليس ذلك على الدوام. فله نفسه الشعري المتميز ، واسلوبه السافر ، ويظهر ذلك جلياً في شعره المحفوظ في مجموعة مراثي السيد عباس الخطيب البغدادي المتوفى سنة ( 1333 ه- ) المخطوطة المحفوظة في مكتبتي ، ففيها من الشعر الذي لا يمكن أن يُنسب إلا اليه ، وقد أطراه السيد حسن الخطيب نجل السيد عباس السالف ذكره فيما أنشأه من مقدماتٍ لمراثي والده ومدائحه. وقد سجّلتُ ذلك في كتابي « الرجال » المخطوط في ترجمة البنّاء.

ص: 355

5 - كان بودّي لو قمتم بدراسةٍ تحليليةٍ عن عصور أدب الطف ، واستجلاء الصور المتباينة في التعبير ، ومقارنتها بكل عصرٍ من العصور. ولا شك أنّ هذه الدراسة ستكشف عن امورٍ بعيدة الغور في جانبي السياسة والاجتماع مع لحاظ التطور « الأدائي » و « الفني » لشعراء الحسين (عليه السلام) .

هذا ما أردتُ بيانه بهذه العجالة ، تاركاً بقية الملاحظات لضيق الوقت.

وبالختام أتمنى للسيد « الجواد » مزيداً من « العطاء » ، ويا دام في مضمار البحث مظفراً.

بغداد

غرّة ذي القعدة 1397 ه.

جودت القزويني

ص: 356

وتفضل الاستاذ الاديب الشيخ عبد الامير الحسيناوي بتاريخ الجزء السادس من هذه الموسوعة بقوله :

فاق الجواد - الكلّ في سفره *** فحاز سبقا وخطى بالرهان

ذا - أدب الطف - شهيدٌ له *** فقد سما فيه بسحر البيان

في طيّه ترجم مَن ناصروا *** بشعرهم مذ فات نصر السنان

إن فات نصر السبط تأريخهم *** فان هذا نصرهم باللسان

ص: 357

المصادر المخطوطة

الطليعة من شعراء الشيعة للشيخ محمد السماوي

سمير الحاظر ومتاع المسافر للشيخ علي كاشف الغطاء

الدر المنظوم في الحسين المظلوم للسيد حسن البغدادي

كتاب الرجال للسيد جودت القزويني

سوانح الافكار للسيد جودت شبر

الضرائح والمزارات للسيد جودت شبر

مجموع الشيخ هادي كاشف الغطاء

مجموع للسيد احمد المؤمن

ديوان الشيخ محمد حسن سميسم الشيخ عماد سميسم

ديوان السيد مهدي الاعرجي السيد حبيب الاعرجي

مخطوط للسيد محي الدين الغريفي

ص: 358

المصادر المطبوعة

الذريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ آغا بزرك الطهراني

نقباء البشر للشيخ آغا بزرك الطهراني

الكنى والالقاب للشيخ عباس القمي

سفينة البحار للشيخ عباس القمي

لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني

اعيان الشيعة للسيد محسن الامين

منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والامان للشيخ جعفر النقدي

الاعلام لخير الدين الزركلي

البابليات للشيخ محمد علي اليعقوبي

رياض المدح والرثاء للشيخ علي البلادي

الروضة الندية في المراثي الحسينية للشيخ فرج آل عمران

شعراء الحلة للشيخ علي الخاقاني

شعراء الغري للشيخ علي الخاقاني

شعراء القطيف للشيخ علي منصور

تحفة اهل الايمان في تراجم آل عمران للشيخ فجر القطيفي

معارف الرجال للشيخ محمد حرز الدين

شعراء من كربلاء للسيد سلمان هادي الطعمة

ذكرى السيد ناصر الاحسائي للسيد محمد حسن الشخص

ص: 359

ذكرى الشيخ صالح باش اعيان لحسون كاظم البصري

الاعلام العوامية للشيخ سعيد ابي المكارم

الشوقيات لأحمد شوقي

محمد اقبال للاستاذ عدنان مردم بك

ديوان اقبال للاستاذ عدنان مردم بك

الانوار القدسية للشيخ محمد حسين الاصفهاني

سقط المتاع للشيخ عبد الحسين صادق

عفر الظباء للشيخ عبد الحسين صادق

عرف الولاء للشيخ عبد الحسين صادق

ديوان السيد ابو بكر بن شهاب

ديوان الشيخ كاظم سبتي

ديوان الشيخ محمد حسن ابي المحاسن

الانواء ديوان السيد مير علي ابو طبيخ

ديوان ابن معتوق

ص: 360

الفهرس

سنة الوفاة / الصفحة

المقدمة 5

تقريض السيد حسين الصدر 6

1331 العلوية غزوة القزويني 9

1332 السيد عيسى الاعرجي ، حياته ، لون من غزله ، طائفة من اشعاره 11

1334 حسين عوني الشمّري الحنفي 13

1336 الشيخ عبد الحسين بن محمد التقي بن الحسن بن اسد اللّه 14

1336 السيد مصطفى الكاشاني ، منزلته العلمية شعره باللغتين 18

1340 السيد عدنان الغريفي نسبه وترجمته ، جملة من اشعاره ، ذكاؤه وقوة الحافظة ، نوادره 21

1340 الشيخ علي البلادي ، علمه وأدبه ، اجازته للجد السيد محمد شبر 28

1340 الشيخ عبداللّه باش اعيان البصرة ، شخصيته وعلمه 39

1340 الملا علي الخيري أديب الفيحاء : علمه ، نوادره ودراسته 43

1340 الملا حبيب الكاشاني ترجمته وجملة احواله 46

1341 السيد أبو بكر بن شهاب ، ديوانه واشعاره 48

1341 السيد هاشم كمال الدين ، أدبه وألوان من شعره ، بعض نوادره 57

ص: 361

سنة الوفاة / الصفحة

1341 السيد جواد مرتضى ، صلاحه واصلاحه ، أدبه وعلمه 60

1342 الحاج مجيد العطار ، نبوغه وسمو أدبه ، تواريخه العجيبة ، مميزاته 64

1342 الشيخ كاظم سبتي ، خطابته ومنبره ، ديوانه ونماذج من شعره 73

1342 الشيخ حمزة قفطان ، تاريخ حياته وبعض اشعاره 79

1342 الشيخ جعفر العوامي ، حياته وسيرته ، أشعاره 82

1342 سليمان الحاج احمد آل نشره ، نموذج من شعره 84

1342 العلوية أسماء القزويني ، اديبه شاعره 86

1343 الشيخ محمد حسن سميسم ، نسبه واسرته ، ادبه والوان من شعره 90

1343 السيد مهدي الطالقاني ، حياته ، اشعاره ونوادره 95

1343 السيد مهدي الغريفي ملكاته الادبيه ، مجموعه من اشعاره 100

1344 الشيخ محمد حسن أبو المحاسن ، الوزير الاديب ، ديوانه ، اشعاره 104

1344 السيد علي العلاق رائعته في الامامة الحسين وفيها كرامة 114

1345 الشيخ عبد الحسين الحياوي علامة ورع وشاعر مجيد 120

1345 السيد علي آل سليمان الحلي ، شعره ونبذة من احواله 128

1347 الشيخ جعفر الهر ، اديب كربلاء وشاعر شهير ، ألوان من شعره 129

1348 الشيخ محمد النمر العوامي ، فقهه واصوله وحكمته مع بعض من شعره 131

ص: 362

سنة الوفاة / الصفحة

1348 الشيخ حسن آل عيثان ، أديب بارع وزاهد صالح 133

1349 الشيخ مرتضى كاشف الغطاء ، عالم فقيه ومؤرخ ضليع 135

1349 الشيخ ناجي خميّس ، اديب من الفيحاء ، ظرفه وادبه ، نوادره وفكاهته 137

1351 أمير الشعراء أحمد شوقي ، شاعريته وامارة الشعر ، تعلقه باهل البيت 140

1352 الشيخ محمد حسين الحلي الجباوي ، دراسته وادبه ، رحلته الادبية 144

1352 الشيخ محمد جواد البلاغي ، علمه وورعه جهاده ومؤلفاته القيمة ، جمله واحواله 147

1355 السيد حسن بحر العلوم ، لمحة من حياته وشعره 151

1355 الحاج محمد الخليلي حياته وعلمه وبعض شعره 153

1355 ملا علي الزاهر العوامي ، خطيب والشاعر الحسيني 157

1355 الشيخ موسي العصامي ، خطيب مصلح ، وعالم اديب وشاعر شهير 158

1356 السيد محمد حسين الكيشوان ، علمه واخلاقه ، تواضعه ودراساته العالية 162

1357 الحاج مهدي الفلوجي شاعر قوي الشاعريه وأديب كبير من ادبا الحلة 170

1357 الشاعر محمد إقبال ، شعره وفلسفته ، ديوانه 174

1357 السيد خضر القزويني ، ظريف أديب ، حياته 179

1358 السيد جواد القزويني ، حياته ومقتطفات من شعره 181

ص: 363

سنة الوفاة / الصفحة

1358 الشيخ عبد الغني الحر ، عالم فاضل شديد الحب والولاء لأهل البيت (عليهم السلام) 184

1358 السيد ناصر الاحسائي ، اخلاقه وورعه ، علمه واصلاحه وجاهته الاجتماعية 187

1359 السيد مهدي الأعرجي ، نسبه وأدبه ، ذكاؤه وروائعه ، خطابته 192

1359 السيد صالح الحلي ، خطيب شهير ، مواقفه السياسية والاصلاحية ، أدبه 204

1359 الشيخ عبد اللّه الخضري ، شاعر فحل ، نشاطة الديني وارشاداته 207

1359 الشيخ مهدي الظالمي ، علامة مشهور واديب باللغتين الفصحي والدراجة 210

منتصف القرن الحاج حسين الحرباوي ، شاعر بغدادي في منتصف القرن الرابع عشر 212

منتصف القرن درويش الصحاف ، شاعر منسي 215

1361 الحجة الفيلسوف آية اللّه الشيخ محمد حسين الأصفهاني ، نابغة عصره 217

1361 الشيخ الحجة الهادي من آل كاشف الغطاء وزعامته الروحية وثروته العلمية 223

1361 الشيخ عبد الحسين صادق ، شاعر ضخم مبدع وعالم كبير محلق ، اثاره ودواوينه 227

1361 السيد مير علي أبو طبيخ ، عالم فاضل وأديب كبير ، ديوانه وأشعاره 236

ص: 364

سنة الوفاة / الصفحة

1362 السيد رضا الهندي شيخ الأدب ، شاعر ثائر ، نوادره ، روائعه 241

1362 الشيخ آغا رضا الاصفهاني ، علمه ومعارفه ، مساجلاته ونوادره ، شعره وأدبه 259

1362 الشيخ عبد اللّه معتوق القطيفي ، مصلح ، مرشد ومؤلف شاعر 263

1363 الشيخ جواد الشبيبي ، شيخ الادب ومفخرة العرب 267

1363 السيد مضر السيد ميرزا الحلي ، علوي ذو شمم ، شعره في الاباء 291

1363 السيد عباس آل السيد سليمان ، حفيد السيد حيدر الحلي الشاعر 297

1364 الشيخ علي العوامي ، شعره ومراثيه للامام الحسين 301

1365 الشيخ محمد حرز الدين ، معارفه وزهده ، علمه ومؤلفاته ملاحظاتنا عليه 303

1366 محمد امين شمس الدين العاملي ، حياته وأشعاره 306

1366 الشيخ محمد تقي المازندراني ، كلمة مختصرة عن حياته وأشعاره 309

1366 السيد مهدي القزويني ، حياته ، دراسته وأشعاره 310

1366 الشيخ حسن الدجيلي ، حياته ، أشعاره وبعض مؤلفاته 314

1367 السيد حسن البغدادي ، نسبه الطويل وشعره الغزير 322

1368 الشيخ محمد حسن دكسن ، حياته الدراسية والشعريه 327

1368 السيد حسن الأمين المعروف ب ( قشاقش ) مؤلفاته وعلومه 330

ص: 365

سنة الوفاة / الصفحة

1369 الشيخ محسن ابو الحب الصغير ، حياته وبعض أشعاره 333

المستدركات 335

419 عبد المحسن الصوري شاعر قوي الشاعرية 337

437 فارس بن محمد بن عنان ، شاعر امير في الدولة السلجوقية 343

1305 الشيخ صالح الحريري ، عالم شاعر ، ألوان من شعره 345

1035 لطف اللّه العاملي صاحب الجامع في اصفهان 348

1341 الشيخ عبد اللّه آل نصر اللّه 351

تقدير وتقريض ، للسيد جودت القزويني 353

تاريخ الجزء السادس من موسوعة ( أدب الطف ) للأديب الشيخ عبد الأمير الحسيناوي 357

المصادر المخطوطة 358

المصادر المطبوعة 359

ص: 366

الصورة

ص: 367

الصورة

ص: 368

المجلد 10

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1400 ه.ق

الصفحات: 320

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء العاشر

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

الطبعة الأولی

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

1398ه - 1987م

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

والحمد لله على ما وهب ، ما خط قلم وما كتب ، والصلاة على محمد وآله زينة العجم والعرب.

بهذه الحلقة تكون موسوعة ( أدب الطف ) قد اجتازت العاشرة من خطواتها ف- ( تلك عشرة كاملة ).

وكنت أتمنى أن أصل بهذه الموسوعة إلى الاعلام الذين عاصرتهم وعاشرتهم حتى أكتب ما شاهدت منهم لا ما سمعت عنهم ، وقد حقق اللّه أمنيتي وأعطاني رغبتي فله الشكر والفضل ما كر الجديدان انه ولي الاحسان.

المؤلف

ص: 5

ص: 6

الشيخ جعفر النقدي

المتوفى 1370

قال يندب حجة آل محمد الامام المهدي علیه السلام :

طالت بغيبتك الاعوام والحجج *** فداك نفسي متى يأتي لنا الفرج

ماذا اعتذارك للدين الحنيف اذا *** وافاك يشكو الرزايا وهو منزعج

الدهر جرد فينا من مصائبه *** عضبا غدت فيه منا تسفك المهج

وقام يشمت منا كل ذي حنق *** جمر العداوة في أحشاه معتلج

حتى متى الصبر والدنيا قد امتلأت *** جورا وقد زاد في آفاقها الهرج

نهضا فركن الهدى من بعد رفعته *** قد هدمته رعاع الناس والهمج

هذي امية ظلما دك بينهم *** من طود مجدكم في كربلا ثبج

غداة طبقت الدنيا بمارقة *** في ظلمة الغي بعد الرشد قد ولجوا

وقال في هلال شهر المحرم :

حسدت أمية هاشما بنبيها *** خير البرية سيد الامجاد

ويزيدها قد رام يمحو ذكره *** ويبدل التوحيد بالالحاد

وبنهضة السبط الشهيد وقتله *** قام الهدى واسم النبي الهادي

فعلى جميع بني الهدى أن يلبسوا *** في يوم مصرعه ثياب حداد

ص: 7

الشيخ جعفر ابن الحاج محمد بن عبد اللّه بن محمد تقي بن الحسن بن الحسين بن علي التقي الربعي المعروف بالنقدي عالم خبير متبحر وأديب واسع الاطلاع ومؤلفاته تشهد بذلك لقد طالعت كتابه ( منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والامان ) بجزئيه فوجدته مشحونا بالادب والعلم وفيه ما لذ وطاب ولو لم يكن له الا هذا المؤلف لكان أقوى شاهد على سعة اطلاعه. ولد في مدينة العمارة - ميسان - ليلة 14 رجب 1303 ه نشأ على أبيه الذي كان من المثرين وذوي اليسار فعني بتربيته واحس منه الرغبة الكاملة بالعلم فبعثه الى النجف الأشرف للتحصيل العلمي فنال الحظوة الكافية ودرس دراسة جدية وحضر في الاصول على الشيخ محمد كاظم الخراساني وفي الفقه على السيد محمد كاظم اليزدي ولمع نجمه واشتهر بين أقرانه فوفد اهالي بلدته يطلبونه للاقامة عندهم وذلك عام وفاة أبيه سنة 1332 وألزمه العلماء بذلك فأجاب طلبهم وسار إلى هناك مرشداً مصلحا وكانت حكومة الاحتلال تكلفه بملاحظة الدعاوى الشرعية التي كانت ترد عليها فكان الواجب يقضي عليه بالنظر فيها وفي خلال ذلك آثار حسنة منها بناء جامع لم يزل يعرف باسمه ورشحته حكومة الاحتلال للقضاء الشرعي فامتنع لكن الزام العلماء ووجهاء البلد اذ قرروا عدم قبول غيره فقبل وذلك سنة 1337.

واستمر في القضاء الى سنة 1343 ه ونقل الى بغداد ثم الى عضوية التمييز الشرعي الجعفري وكان لا يفتر عن الكتابة والتأليف والتوفيق يحالفه بكل ما يكتب فمنها :

1 - مواهب الواهب في ايمان ابي طالب طبع في النجف.

2 - الانوار العلوية والاسرار المرتضوية طبع في النجف.

3 - وسيلة النجاة في شرح الباقيات الصالحات للعمري ، طبع في ميسان.

4 - الحجاب والسفور طبع أكثر من مرة ببغداد.

ص: 8

5 - الاسلام والمرأة طبع مرات ببغداد.

6 - الدروس الاخلاقية طبع ببغداد.

7 - خزائن الدرر شبه الكشكول في ثلاث مجلدات.

8 - ذخائر العقبى.

9 - تاريخ الكاظمين.

10 - اباة الضيم في الاسلام.

11 - الروض النضير في شعراء وعلماء القرن المتأخر والاخير.

12 - ذخائر القيامة في النبوة والامامة.

13 - الحسام المصقول في نصرة ابن عم الرسول.

14 - غرة الغرر في الائمة الاثني عشر.

أما شعره فهو من الطبقة الممتازة وأكثره في مدح أهل البيت علیهم السلام ، وكتب في الصحف كثيرا ونشر في مجلات وجرائد العراق ومصر ولبنان وسوريا ففي مجلة ( العرفان ) والمرشد والهدى والاعتدال والاستقلال والنجف وغيرها. ترجم له الشيخ محمد السماوي في الطليعة فقال : فاضل مشارك في جملة من العلوم واديب حسن المنثور والمنظوم فمن قوله متغرلا :

لحاظك أم سيوف مرهفات *** وقدك في الغلالة أم قناة

أتنكر فتك طرفك بي وهذي *** خدودك من دماي مضرجات

جفونك قد رمت قلبي نبالا *** فيا لله ما فعل الرماة

فديتك هل تصدق لي الاماني *** وان قيل الاماني كاذبات

تسلسل في هواك حديث دمعي *** فاسنده عن البحر الرواة

ص: 9

اشبب في ربي نجد وقصدي *** ربوعك لا الطلول الدارسات

اسكان الحمى رفقا بصب *** تغنت في صبابته الحداة

فلا برق سوى نيران شوقي *** وليس سوى جفوني معصرات

ومن عجب تخاف الاسد بأسي *** وتسفك مهجتي الريم المهاة

وقوله :

أشمس الرصافة لا حجبت *** غيوم الحيا من محياك نورا

مدحت الحجاب الى أن رأت *** خدودك عيني مدحت السفورا

ومن نظمه وعنوانه - الحياة.

واني لاختار الحياة التي بها *** فوائد منها يستفيد بنو جنسي

فان لم تبلغني الحياة ماربي *** تخيرت موتا فيه يسترني رمسي

ولي همة شماء لم ترض منزلا *** لها في العلى الا على هامة الشمس

يقلب بالآمال قلبي وتنثني *** تنافسني في كل مكرمة نفسي

وقال أيضا :

مونسي العلم والكتاب الجليس *** لم يرقني من الانام انيس

يا نفوس الورى دعيني ونفسي *** انما آفة النفوس النفوس

حبذا وحدة بها لي تجلى *** من زماني المعقول والمحسوس

علمتني ان الحياة كتاب *** خطه الكون والليالي دروس

نلت فيها ما لم ينله رئيس *** حل في دسته ولا مرؤوس

* * *

يا رئيسا ذلت لديه نفوس *** رغبة وانحنت اليه رؤوس

كل نفس ما قدستها المزايا *** لم يفدها من غيرها التقديس

يا عقولا بالجهل يعبث فيها *** من بني الدهر سائس ومسوس

فيك قد أشرقت أشعة قدس *** وأضاءت كما تضيء الشموس

ومن عرفانياته قوله وقد نشرتها مجلة الاعتدال النجفية :

ص: 10

يا من سكن القلب وما فيه سواه *** رفقا بمحب بك قد طال عناه

شوقا لمحياك الى البدر صبوت *** وجدا ودجى الليل بذكراك لهوت

في اثر محبيك للقياك عدوت *** في بادية العشق وقد تهت وتاهوا

في مدرسة الحب تلقيت دروسا *** أحييت من الدارس فيهن نفوسا

كم أبصرت العين بدورا وشموسا *** لم تحك محياك ولا لمع سناه

ما أسرف في نعتك من قال وغالى *** بل قصر اذ مثلك قد عز جمالا

من مظهر معناك تصورت خيالا *** فاعتل به القلب وما الطرف رآه

اشتاق الى قربك والقرب منائي *** لا صبر على البعد وقد عز عزائي

ما انظر في الكون أمامي وورائي *** من يعقل الا وأرى أنت مناه

في المسجد والدير وفي البيعة أمسى *** عشاقك يلقون على العالم درسا

من نافذة الكون بهم تهتف همسا *** أوصافك كفوا فلقد جل علاه

ومن نوادره قوله :

شوقي اليك عظيم *** لا شيء أعظم منه

ان كان عندك شك *** فاسأل فؤادك عنه

وقال :

يا منية القلب رفقا *** كفاك هذا التجني

هواك أضرم نارا *** بين الجوانح مني

ان كان عندك شك *** فاسأل فؤادك عني

وقال :

ما بال نشوان بماء الدلال *** الا صبا قلبي اليه ومال

مهفهف القد له وجنة *** تشرق كالبدر بأوج الكمال

ديباجة الحسن لعشاقه *** قد أوضحت عنوان شرح الجمال

نقطة مسك فوق كافورة *** يخالها الجاهل في الخد خال

قد خفقت اقراطه مثلما *** يخفق قلبي ان مشى باختيال

تسبي لحاظ الظبي الحاظه *** وجيده يفضح جيد الغزال

والشعر داج كليالي الجفا *** والوجه زاه كصباح الوصال

ص: 11

عهدي بفيه وهو ياقوتة *** فمن به نظم هذي اللئال

من ذاق من ريقته شهدة *** بشراه قد ذاق الرحيق الزلال

جالت وشاحاه على خصره *** وكلما جالت بها القلب جال

لك العنايا واصفا خصره *** اكفف فقد رمت بلوغ المحال

ومن روائعه في الاخلاق :

اذا رزق الانسان في الجسم صحة *** وكان قنوعا بالذي حل في اليد

وعاشره في بيته من يحبه *** فذاك الغنى لا كنز تبر وعسجد

وله شعر كثير لو جمع لكان ديوانا يجمع القصائد المطولة وبعضها في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والتشوق إلى النجف - موطن دراسته - ومن قوله في الإمام المهدي علیه السلام :

أما وعينيك ان القلب مكمود *** من ساءني رزؤكم ما سرني عيد

ما العيد الا بيوم فيه انت ترى *** تلقى اليك من الدنيا مقاليد

وتملأ الأرض قسطا بعدما ملئت *** جورا وقد حل في أعداك تنكيد

يا صاحب العصران العصر قد نقصت *** أخياره وبن والأشرار قد زيدوا

وصارم الغدر في اعناق شيعتكم *** قد جردته الاعادي وهو مغمود

اللّه أكبر يا ابن العسكري متى *** تبدو فيفرح ايمان وتوحيد

فديت صبرك كم تغضي وأنت ترى *** شمل الزمان به قد حل تبديد

وذي نواظرنا تجري مدامعها *** وملؤهن من الارزاء تسهيد

تاللّه ما انعقدت يوما محافلنا *** الا بها مأتم للسبط معقود

وروى له الشيخ السماوي في ( الطليعة ) قصيدة في الامام الحسين علیه السلام وأولها :

سرى يخبط البيدا بهم ذلك الركب *** وسار من المشتاق في اثرهم قلب

ومنها :

هوى للثرى من سرجه فتزلزلت *** له السبعة الافلاك وارتجت الحجب

ص: 12

قضى نحبه ظامي الحشا بعدما ارتوى *** بفيض دماء القوم صارمه العضب

وما انكشفت من قبله الحرب عن فتى *** بمصرعه منه العدى نابها الرعب

كنت مشغولا بالكتابة عن المترجم له في يوم 17 - 10 - 1977 وهو يوم تعداد العام لسكان العراق فدخل الشاب المحامي محسن الشيخ جواد الشيخ محمد حسن سميسم ليقوم بتسجيل افراد العائلة ولما رأى الترجمة قال : ان المترجم له أرخ ولادتي بقوله :

بشرى الجواد بمولد *** فقدومه بالخير معلن

ولد بتاج العز وال *** علياء توجه المهيمن

آل السميسم داركم *** ارختها ضاءت بمحسن

وفي مخطوطاتي قصيدة من نظم المترجم له يرثي بها السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين علي وشريكة الحسين في النهضة وأولها :

ما جف دمع المستهام المغرم *** بعد الوقوف ضحى بتلك الارسم

وفي أواخرها :

أشقيقة السبطين دونك مدحة *** قس الفصاحة مثلها لم ينظم

تمتاز بالحق الصريح لو أنها *** قيست بشعر البحتري ومسلم

بيمين اخلاصي اليك رفعتها *** ارجو خلاصي من عذاب جهنم

وعليك صلى اللّه ما رفعت له *** أيدي محل بالدعاء ومحرم

وهي 53 بيتا ما زلت احتفظ بها وبخطه والتوقيع : نظم عبد ذوي الولاء جعفر نقدي :

توفي رحمه اللّه فجأة في اليوم التاسع من محرم الحرام 1370ه- في حسينية آل الياسين بالكاظمية في المأتم الحسيني فارتجت الكاظمية لفقده وحمل الى النجف فدفن يوم تاسوعا في الصحن العلوي الشريف ، وكان قد سبقه البحاثة الشيخ محمد السماوي الى دار البقاء بخمسة ايام كما ذكر الشيخ الطهراني في النقباء.

ص: 13

الشيخ حسين شهيب

المتوفى سنة 1370

لقد هاج في قلب الشجي غرام *** لركب بجرعاء الغميم أقاموا

سروا فأذلت الدمع اثر مسيرهم *** دما والحشا منى عراه سقام

وقد قوض الصبر الجميل لبينهم *** وشب عليهم في الفؤاد ضرام

ظللت أنادي في الربوع فلم يجب *** ندائي وأنى للربوع كلام

أأحبابنا هل من سبيل لوصلكم *** فيحيى فؤاد لج فيه هيام

وهل نلتقي بعد الفراق سويعة *** فيطفى من القلب الشجي أوام

فيا سعد دع عنك الصبابة والهوى *** وعرج على من بالطفوف أقاموا

وحي كراما من سلالة هاشم *** نمتها الى المجد الاثيل كرام

بنفسي افدي اسرة هاشمية *** لها قد سما فوق السماك مقام

رأت ان دين اللّه بين أمية *** تلاعب فيه ما تشاء طغام

فقامت لنصر الدين فرسان غالب *** عليها من البأس الشديد وسام

وقد جردت عضبا من الحزم لو رمت *** شماما به لا نهد منه شمام

الى أن ثووا في الترب بين مبضع *** ومنعفر منه تطاير هام

فجاءهم سبط الرسول مناديا *** احباي هبوا فالمنام حرام

رضيتم بأن ابقى وحيدا وانتم *** ضحايا على وجه الصعيد نيام

الى أن قضى حق العلى بمواقف *** بها قام للدين الحنيف دعام

فأردوه بالبيض الصفاح وبالقنا *** ولم يرع فيه للنبي ذمام

فخر على وجه الثرى عن جواده *** وفيه احاطت بالسيوف لئام

فأقبلن ربات الخدور حواسرا *** وليس لها الا العفاف لثام

ص: 14

أحطن به مستصرخات كأنها *** حمام على أوكارهن حيام

واعظمها وجدا عقيلة حيدر *** تنادي أخاها والدموع سجام

علي عزيز أن أراكم على الثرى *** تداس لكم بالصافنات عظام

خطيب توارث الخطابة عن اب عن جد من أسرة عربية تعتز بخدمة المنبر الحسيني فهو الشيخ حسين ابن الشيخ محمد خطيب الحلة الفيحاء ابن الخطيب الشيخ عبد الحسين وكذلك جد والده الشيخ شهيب. ولد في الحلة حوالي سنة 1322 ه ونشأ في كنف والده فكان عونا له في أداء مهمته الخطابية كما مرنه اخوه الدكتور محمد مهدي البصير على تعاطي الادب ونظم الشعر. توفي فجأة بالحلة بالسكتة القلبية وحمل نعشه الى النجف ودفن بها سنة 1370 وجزع ابوه لفقده جزعا شديدا حتى ذهب بصره ، وأقام له الاستاذ السيد علي القزويني المحامي معتمد فرع حزب الاستقلال بالحلة حفلا اربعينيا في مقر فرع الحزب حيث كان من أعضائه وأبنه جماعة من شعراء اللغتين الفصحى والدارجة. ترجم له الشيخ اليعقوبي في البابليات والخاقاني في شعراء الحلة قال وله شعر كثير في السياسة والاجتماع وهو من النوع المقبول.

ص: 15

الشيخ محمد رضا ياسين

المتوفى 1370

قال قدس اللّه نفسه الطاهرة عندما زار مرقد مسلم بن عقيل سلام اللّه عليه :

ان جئت كوفان يوما *** وطفت تلك المغاني

زر مسلم بن عقيل *** وحي مرقد هاني

تفز بما ترتجيه *** من المنى والاماني

اسرة آل ياسين عريقة بالعلم والفضل وتعتبر الاسرة الموجهة للناس الى الخير والكمال وقد توارثت الزعامة الروحية وتولت القيادة الدينية فأحسنت القيادة ، وشيخنا المترجم له كان بركة الارض بتقواه وورعه وقداسة ذاته وطيب أعراقه.

ولد في الكاظمية ضحوة الاربعاء سابع ربيع الاول 1297 ه من ابوين كريمين فكان مثال الوداعة في طفولته واشتغل بالدراسة منذ نعومة اظفاره وتفرست الناس فيه النبوغ والعبقرية وعقدوا عليه الآمال وما كاد يتخطى العقد الثاني حتى شهد له اعلام

ص: 16

عصره بالاجتهاد ، واستوطن النجف عام 1336 ه فكان فيها من شيوخ الفقه وملتقى رجال الفكر وابطال العلم وعرف بتحقيقه وغزارة فقهه ، ما جلست اليه مرة الا وتملكتني الهيبة فقد كان أضوء من المصباح لصباحة وجهه وما أحلى تلك الشيبة البهية يجلله الوقار والعظمة وافضل مميزاته زهده في الدنيا وانصرافه عنها. رجع اليه الناس عن عقيدة صميمة واحبه الخاص والعام وتوافدت عليه وجهاء الاقطار.

وفي كل ذلك يحاول أن يزوي نفسه ويفسح لمن يرغب في الشهرة ومع كل ذلك فقد طبعت رسالته ( بلغة الراغبين في فقه آل ياسين ) مرارا كثيرة ، ولقد دعيت مرة إلى مأتم يختص بالسيد الجليل السيد محمد بن الإمام علي الهادي سلام اللّه عليه وبعد الفراغ من الحديث انشدنا رحمه اللّه من نظمه :

يا أبا جعفر اليك لجأنا *** ولمغناك دون غيرك جئنا

فعسى تنجلي لنا آي قدس *** فنرى بالعيان ما قد سمعنا

وقل ما رأيت مرجعا من المراجع يخلو من ناقم عليه أو ناقد له ولحاشيته ولكن شيخنا المترجم له أكاد ان اقول اجمع الناس على حبه والثقة به.

توفي بالكوفة يوم السبت في الساعة السابعة والنصف عصرا 28 من رجب سنة 1370 وكان يوما مشهودا ونعته الاذاعة وعطلت الاسواق وحمل النعش للنجف بأعلام مجللة بالسواد والاناشيد المحزنة ترددها مختلف الطبقات رحمه اللّه رحمة واسعة وقد اصدر صاحب مجلة البيان النجفية عددا خاصا حافلا بالشعر والنثر.

ص: 17

الشيخ محمد السماوي

المتوفى 1370

من قصيدة طويلة للشيخ محمد السماوي وقد تضمنت الابيات المعروفة لجعفر بن ورقاء (1).

كم دمع عينك يهمع *** أفما تكف الادمع

وتوثب الحقد الحسين *** فسار فيه يجعجع

حتى رماه بكربلا *** حيث الجيوش تجمع

والمشرفية شهر *** والسمهرية شرع

والنبل قد ملأ الفضا *** ء مخطف أو وقع

ص: 18


1- جعفر بن ورقاء الشيباني هو ابو محمد كان فاضلا اديبا مصنفا وكان أمير بني شيبان وتقلد عدة ولايات للمقتدر ، وكان شاعرا جيد البديهة يأخذ القلم ويكتب ما يريد من نثر ونظم كأنما هو محفوظ له ، وله مع سيف الدولة مكاتبات ، ذكره النجاشي والعلامة وغيرهما. ولد بسامراء سن مائتين واثنتين وسبعين وتوفي في رمضان سنة ثلثمائة واثنتين وخمسين كما في فوات الوفيات. انتهى عن الطليعة من شعراء الشيعة للشيخ السماوي كما نسب له الابيات المشهورة والتي أولها : رأس ابن بنت محمد ووصيه *** للناظرين على قناة يرفع وقد تقدم في الجزء الأول من هذه الموسوعة ان هذه الابيات للشاعر دعبل بن علي الخزاعي كما يقول الحموي في معجم الادباء.

والنقع يدجو والبوا *** رق في دجاه لمع

فثنى على القربوس رجلا *** وانثنى يتطلع

وهداهم وعظا فلم *** يصغوا اليه ولم يعوا

فاستل صارمه فهام *** لا تعد وأذرع

مهما محا جمعا تكتب *** آخر متجمع

ضاق الفضاء وسيفه *** ان ضاق فيهم يوسع

غرثان لا يروى بغير *** دمائهم أو يشبع

صافي الحديدة لا يزال *** فرنده يتشعشع

مما يكونه الاله *** له ومما يصنع

حتى دعاه اللّه واز *** دهى المقام الارفع

فأجاب داعي ربه *** لبيك ها أنا طيع

ورمى الحسام فعاد و *** هو الى المواضي مرتع

صلت عليه المرهفات *** فسجد أو ركع

وتشابكت فيه النبا *** ل فخر وهو مدرع

وتناكصت عنه الحجا *** رة ليس فيه موضع

فاقل رأس بالسنان *** له وديست أضلع

يا للرجال لحادث *** منه الجبال تصدع

( رأس ابن بنت محمد ) *** فوق الاسنة يرفع

( والجسم منه على الثرى ) *** ثاو هناك مبضع

( والمسلمون لهم هنا ) *** لك منظر أو مسمع

( لا منتكر فيهم ولا ) *** منهم له متوجع

( كحلت بمنظرك العيون ) *** عماية لا تقلع

( وأصم رزؤك في البر *** ية ) كل اذن تسمع

( أسهرت اجفانا ) *** وكنت لها كرى يتمتع

( وأنمت أخرى لم تكن ) *** من خوف بأسك تهجع

نم كيفما شاؤا فأنت *** الضيغم المستجمع

يخشى وثوبك في الحيا *** ة وفي الممات ويفزع

ما بقعة الا تمنت *** أنها لك موضع

ص: 19

ولسر علمك مدفن *** ولطيب جسمك مضجع

ءأبا علي لا يزل *** يجري لرزئك مدمع

ويذوب قلب من مصا *** بك ذا وتخفق أضلع

والهفتاه تقطع الا *** حشا وليست تقطع

ما ان يبرد اصبع *** تدمى وسن يقرع

كلا ولا اللبات تلد *** م والجباه تبضع

ان الاسى ذاك الاسى *** معها فماذا نصنع

الشيخ محمد ابن الشيخ طاهر بن حبيب بن الحسين بن محسن الفضلي السماوي كان أبوه عالما فاضلا والمترجم له ولد في السماوة بتاريخ 27 ذي الحجة عام 1292 ه ونشأ بها وبعد عشر سنوات من ولادته توفي ابوه فهاجر الى النجف لطلب العلم فقرأ المبادئ على العلامة الشيخ شكر البغدادي والشيخ عبد اللّه بن معتوق القطيفي ودرس الرياضيات على الشيخ آغا رضا الاصفهاني وأصول الفقه على الشيخ علي ابن الشيخ باقر صاحب الجواهر كما درس على الشيخ آغا رضا الهمداني والسيد محمد الهندي والشيخ حسن المامقاني وشيخ الشريعة وممن زوده باجازة الاجتهاد الحجة السيد حسن الصدر والشيخ علي الشيخ باقر ثم عين قاضيا في المحكمة الشرعية الجعفرية في النجف الاشرف طيلة زمن الاحتلال وعامين من الحكم الوطني ثم نقل الى كربلاء فبقي سنتين ومنها الى بغداد فبقي عشر سنين بين القضاء والتمييز الشرعي وأخيرا طلب نقله الى النجف وبقي يشغل منصب القضاء سنة واحدة ثم استقال على أثر خلاف بينه وبين فخامة السيد محمد الصدر ونظم الخطيب محمد علي اليعقوبي :

قل للسماوي الذي *** فلك القضاء به يدور

الناس تضربها الذيو *** ل وأنت تضربك الصدور

يقول صاحب شعراء الغري : والسماوي مارس الصحافة واشتغل كمحرر في صحيفة ( الزوراء ) الرسمية والتي كانت ببغداد باللغتين : التركية والعربية مدة سنتين وذلك في أواخر العهد التركي

ص: 20

حتى سقوط بغداد ومن النوادر الادبية أنه دخل على مدير المال وعنده كاتب يهودي يرتاح الى كماله وجماله فأنشد الشيخ السماوي مرتجلا - واسم اليهودي ( يعقوب ).

يا آل موسى ان يعقوبكم *** جارت معانيه على العالمين

حكم لحظيه وأردافه *** فأفسدت محكمة المسلمين

مال مدير المال من لحظه *** واتخذ الارداف صندوق أمين

ومن غزله قوله :

أبدلي مم احورار المقل *** أهو من كحل بها أم كحل

بت منها وهي سكرى ثملا *** هل سمعتم ثملا من ثمل

تلفت نفسي أما يرأف بي *** ساحر الاجفان أو يعطف لي

ثغره الاشنب لو عللني *** لشفى لي عللي أو غللي

جائر الاعطاف كم قد هزها *** فأسال النفس فوق الاسل

ترجم له الزركلي في ( الاعلام ) فقال :

الشيخ محمد بن طاهر السماوي بحاثة كبير وأديب لبيب وفقيه بارع شغل منصب القضاء الشرعي ردحا من الزمن ، ولد ونشأ بالسماوة على الفرات شرقي الكوفة ، وهي غير السماوة القديمة ، وتعلم بالنجف ، اكثر في شبابه من نظم الغزل والاخوانيات وانقطع في كهولته الى المدائح النبوية وما يتصل بها من مدح الحسين السبط والائمة الطاهرين وهو عضو من أعضاء المجمع العلمي العراقي ، صنف كتبا منها ( ابصار العين في انصار الحسين ) انتهى ، الكواكب السماوية ، عنوان الشرف في تاريخ النجف وهو أرجوزة في 500 بيتا ، تأريخ الطف أرجوزة في 1250 بيتا ، صدى الفؤاد في تاريخ الكاظم والجواد ارجوزة في 1120 بيتا ، وشائح السراء في تاريخ سامراء ارجوزة في 700 بيتا وهذه الاربعة طبعت في كتاب واحد ، ظرافة الاحلام فيمن نظم شعرا في المنام ، بلوغ الامة في تأريخ النبي والائمة ارجوزة في 120 بيتا ، رياض الازهار فيما نظمه في النبي وآله الاطهار ، الترصيف في التصريف ، مناهج الوصول الى علم الاصول ، فرائد الاسلاك في الافلاك ، الطليعة من شعراء الشيعة وغير هذه كثير

ص: 21

فقد كتب عشرات الكتب وكان شديد الشغف بالاستنساخ والتأليف كنت اسأله واستفيد منه ودخلت عليه مرة فرأيته يكتب تفسير القرآن استنساخا فقال لي اني كتبت وجمعت من الدواوين لشعراء لم يجمع شعرهم مما يربو على الخمسين شاعرا ، أما من التفاسير فهذا التفسير السادس الذي اكتبه بخطي ، واذكر ان التاجر السيد حسن زيني قال لي مرة : يوجد ديوان جدنا السيد محمد زيني في مكتبة الشيخ السماوي ولعلك تستطيع شراءه لي ، ولما أبديت ذلك للشيخ قال لي هاك الديوان فاسرته أولى به ولما سألته عن الثمن ، قال : خذ منه ما تجود به يده ، وكانت مكتبة السماوي مضرب المثل وأمنية هواة الكتب واذكر أنه حاول ان تشترى منه وتوقف وقفا محبسا حتى ولو تنازل عن بعض ثمناها وقال : اتمنى ان تقدر هذه المكتبة وأتبرع بثلث قيمتها اذا حصل من يوقفها وقفا خيريا ، واعتقد انه لو كان يملك القوت لاوقفها هو ولكنه كان مملقا ، وبعد وفاته باعها الورثة وتفرقت في عشرات من المكتبات اخص المخطوطات التي تنيف على الالفي مخطوط ، ومن ذكرياتي انه لما أصدر كتبه الثلاثة ( عنوان الشرف ) ظرافة الاحلام ، الكواكب السماوية قرضتها بقطعة شعرية نشرتها جريدة ( الهاتف ) في سنتها الثامنة عدد 306 ومنها :

الا هكذا فليك المنتجون *** وفي مثل هذا يكون الشغف

وهذا الذي يستحق الثناء *** وعنوانه يستحق الشرف

جدير اذا قيل بحاثة *** له بالكمال الكمال اعترف

له طرف في أحاديثه *** ظرافتها تزدري بالطرف

وان راح يعرب عن نطقه *** ويروي نوادره والنتف

لقلت هو البحر لكنه *** لئاليه فاقت لئالي الصدف

ومقتطفات له كالهلال *** وقل ما الهلال وما المقتطف

يقول الكاتب المعاصر في شعراء الغري : كتب السماوي بخطه أكثر من مأتي كتاب مضافا إلى انه ينتقي الكتب القيمة وطبعاتها القديمة : الصحيحة حتى ارتفعت طبعات بولاق بسبب كثرة طلبه لها وكتب عن مكتبته جرجي زيدان في كتابه ( تاريخ آداب اللغة العربية ) أما مؤخذاتنا عليه رحمه اللّه فقد كان ينتحي القوافي

ص: 22

الصعبة فتعوزه السلاسة كما انه لو اتحفنا بتاريخ النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء نثرا لكان أنفع من نظمه في أرجوزة واليكم قصيدة في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله وقد التزم فيها بالحروف المهملة دون المعجمة.

أهواه سمح الوعود أمرد *** أعطى مرام الورود أم رد

هلال سعد ودعص رمل *** حلاهما عوده المؤود

أطال صدا وحال عهدا *** ومل ودا وواصل العد

سطا وعود الاراك رمح *** عدله والسهام سدد

أما لاهل الهوى محام *** وهل لصرعى الوداد عود

الى أن يقول :

وصائم الوصل لو رآه *** راء لصلى على محمد

الاطهر المرسل الموطى *** طاها عماد العلى الموطد

ملك سما للسماء لما *** أوحى له اللّه عد واصعد

وهي طويلة نكتفي منها بهذا ، وله من قصيدة في الامام الحسين علیه السلام .

كم طلعة لك يلا هلال محرم *** قد غيبت وجه السرور بمأتم

ما انت الا القوس في كبد السما *** ترمي قلوب المسلمين بأسهم

ذكرتهم يوم الطفوف وما نسوا *** لكن تجدد ذكره المتصرم

يوم به زحف الضلال على الهدى *** وبه تميز جاحد من مسلم

بعثت بنو حرب كتائب تقتفي *** بكتائب وعرمرما بعرمرم

ونحت بها عزم ابن حيدر فاستوى *** منها يلف مؤخرا بمقدم

سدت بها صدرالفضا فأزالها *** منه بصاعقة الحسام المخذم

وأعاضت الماء الفرات بوردها *** فأفاضها بندى يديه وبالدم

كم من خميس جال في أوساطه *** فدعاه ملقى لليدين وللفم

قص الجناح له وأنشب قلبه *** بمخالب البازي وظفر الضيغم

تتقصف الاصلاب في يوم الوغى *** ما ان يقول انا الحسين وينتمي

وتهافت الارواح مثل فراشها *** دفعا ببارق سيفه المتضرم

أترى أمية يوم قادت جيشها *** ظنته يعطيها يد المستسلم

هيهات ما أنف الابي بضارع *** للحادثات من الخطوب الهجم

ص: 23

فقضى بحكم حسامه ، أجسادها *** لاوابد ، ونفوسها لجهنم

في فتية يتلونه فكأنه *** من بينهم قمر يحف بأنجم

ويستمر في نظمه الى رثاء الحسين ومصرعه.

وله قصيدة في علي الاكبر شهيد الطف منها :

يا أشبه الناس بنفس المصطفى *** خليقة وخلقا ومنطقا

بمن اذا اشتاقوا النبي أبصروا *** وجها له يجلو سناه الغسقا

لله من ظام ولكن سيفه *** من الدما راو يمج العلقا

يرشف من ثغر أبيه بضعة *** لاتستطيع بالظما أن تنطقا

ثم يعود للقتال جاهدا *** يقط كشحا ويقد مفرقا

يستقبل البيض بوجه ويرى *** ان الفنا خير له من البقا

حتى هوى على الثرى موزعا *** بين المواضي والقنا مفرقا

يستحمل الريح سلاما لاب *** بر فينقض عليه صعقا

يا زهرة الدنيا على الدنيا العفا *** وزهرة الافق وليت أطبقا

ونبعة ريانة من دوحة *** بها النبي والوصي اعتنقا

فمن نحاك بالحسام ضاربا *** جسما تغذى بالتقى وما اتقى

وأي سيف حز منك منحرا *** جرى به دم الهدى مندفقا

وللشيخ السماوي شعر كثير في الامام الحسين يجده المطالع في كتاب ابصار العين وغيره وتحس بلوعته لفاجعة أهل البيت بأبياته التي صدر بها كتابه بقوله :

فاجعة ان أردت اكتبها *** مجملة دكرة لمدكر

جرت دموعي فحال حائلها *** ما بين لحظ الجفون والزبر

وقال قلبي بقيا علي فلا *** واللّه ما قد طبعت من حجر

بكت لها الأرض والسماء وما *** بينهما في مدامع حمر

وقوله مخمسا بيتا واحدا من قصيدة الشيخ كاظم الازري السالفة الذكر :

ص: 24

ان يقتلوك على شاطي الفرات ظما *** فقد تزلزل كرسي السما عظما

وقد بكتك دما حتى العدى ندما *** أي المحاجر لا تبكي عليك دما

أبكيت واللّه حتى محجر الحجر

وله في رثاء الحسين علیه السلام قصيدة ، مطلعها :

أدموع عين أم مخيله *** هطلت على تلك الخميلة (1)

واخرى في أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) أولها :

بكرت تصب اللوم مزنه *** لما رأت قلبي وحزنه

وثالثة في ( عيد الغدير ) أولها :

أضئ يا أيها البرق التماعا *** لعلي ان أرى تلك الرباعا

وقال في رثاء الامام أمير المؤمنين علیه السلام :

تذكر بالرمل جلاسه *** فهاج التذكر وسواسه

وأفرده الوجد حتى انثنى *** يعاقر من حزن كاسه

فصار اذا رمقته العيون *** يطأطئ من ذلة راسه

وليل دجوجي برد الصبا *** تولت همومي الباسه

أقام فخيم في أعيني *** وسد بقلبي أمراسه

تململت فيه أناجي الجوى *** وأدرس يا ربع أدراسه

أيا وحشة ما وعاها امرئ *** وآنس في الدهر ايناسه

تمثل ليلة غال الشقي *** بها علم القسط قسطاسه

وأرصده في ظلام الدجى *** بحيث العدى آمنت باسه

أتاه وقد اشغلته الصلاة *** وأهدأت النفس أنفاسه

على حين قد عرجت روحه *** ولم تودع الجسم حراسه

فلو أنه داس ذاك العرين *** بحيث يرى الليث من داسه

لفر الى الموت من نظرة *** وألقى الحسام وأتراسه

ولكنه جاءه ساجدا *** وقد وهب اللّه احساسه

ص: 25


1- المخيلة جمعها مخائل : السحب المنذرة بالمطر.

فقوى عزيمته واجترى *** فشق بصارمه راسه

وهد من الدين أركانه *** وجذ من العدل أغراسه

وغيض للعلم تياره *** وأطفأ للحق نبراسه

فيا طالب العلم خب فالكتاب *** قد مزق الكفر قرطاسه

ويا وافد العرف عد بالسحاب *** غب وغيب رجاسه

ويا رخم الطير سد فالعقاب *** قد مهد الموت أرماسه

فمن للعلوم يرى فكره *** ومن للحروب يرى باسه

ومن لليتيم ومن للعديم *** يبدل عن ذاوذا ياسه

قضى المرتضى بعدما قد قضى *** ذمام القضا بالذي ساسه

قضى حيدر العلم فالعالمون *** أضاعوا الصواب بمن قاسه

أعني على النوح يا صاحبي *** فقد جاوز الحزن مقياسه

ألسنا فقدنا امام المهدي *** وبدر الفخار ومقياسه

أتبكي الاوزة في وجهه *** واصبر ان فلقوا رأسه

وقال في مدح الحسين الشهيد :

أدهق ساقي الهوى له قدحه *** فشب زند الجوى بما قدحه

بات يجن الهوى ويستره *** لكن صوت البكاء قد فضحه

ترثي له الناس رقة وهم *** لم ينظروا قلبه ولا قرحه

ثل الجوى عزمه بحب رشا *** لو مر عذب الصبابه جرحه

جؤذر رمل ومهر سابقة *** ألا ترى جيده ومتشحه

حاز من الزبرقان لمحته *** وباع من مشتري السما ملحه

خطا قناة وما خطى كبدي *** ومال صفحا سيفا وما صفحه

دعاه قلبي للحزن لازمه *** فلم يزل همه ولا ترحه

ذاك لان الفؤاد هام به *** ولم يطع فيه قول من نصحه

رق لمن لم يرق سواك له *** وارث لمن لا تزال مقترحه

زايلت وصفيك ثم عدت الى *** ( الحسين ) أجلو من وصفه مدحه

سبط النبي الهادي وبهجته *** وثقله الاكبر الذي طرحه

شاد عماد الهدى وأطلعه *** بدرا يوازي بدر السما وضحه

صرف في دين جده فكرا *** له وأوحى الى الهدى لمحه

ص: 26

ضاقت يد المسلمين عن رجل *** يقيم للمسلمين منفسحه

طلاب حق ركاب مخطرة *** حيي وجه بالسيف منه قحه

ظلوا حيارى به فلم يجدوا *** سواه يعطي الاسلام ما اقترحه

عاذ به خائفا فآمنه *** ومستميحا فبثه منحه

غدا يشيد الهدى ويرفع ما *** كان أبوه النبي قد فتحه

فكم دريس أعاد رونقه *** وكم مشوب قد رده صرحه

قاتل عنه بصاحب خذم *** لو صادم الطود حده نفحه

كهم بيض الظبى بموقفه *** الحرج وأنسى عن قوسه قزحه

لما انثنى في الكفاح مبتسما *** كأن في حومة الوغا فرحه

ماز الهدى وانجلت حقائقه *** و عدن سبل الاسلام متضحه

نال المنى في وقوفه ومضى *** لله ذبحا فويح من ذبحه

ورد ضوء الكتاب منتشرا *** يجلو على مسمع الهدى فصحه

هدى به اللّه من أضل هدى *** ومن للإسلام صدره شرحه

يقصر وصفه الطويل ثنا *** فقل بمثن يقيم منسرحه

ص: 27

الشيخ ابراهيم حموزي

المتوفى 1370

رجعي يا بلابل الاغصان *** واستثيري بلابل الاشجان

رددي لي بكل لحن شجي *** واستجيدي مهيج الاحزان

انت مثلي في عالم الشجو الا *** أنني عالم بما قد شجاني

والشجي الجهول فيما شجاه *** كالمعزي وجدا من الثكلان

كم كتمت الهوى لذات صدود *** قد شجاني فراقها وبراني

لي بحبي لها الذ نعيم *** وعذابي بها النعيم الثاني

قدحباني بها الاله ولكن *** قد رماني بهجرها وابتلاني

ذكرتني بهجرها لي هجري *** واجتوائي لمنهج الرضوان

اغفلتني بزهوها وكأني *** ما احتسبت المعاد في حسباني

كنت أصبو الى السعادة لكن *** فرط جهلي على الشقا أغواني

جرأتني على التمرد نفسي *** في هواها وقادني شيطاني

بالرقيبين قد علمت ولكن *** سوء حظي عن الهدى أعماني

لست أدري اذا استطار فؤادي *** يوم بعثي بجسمي العريان

ما اعتذاري لدى الحساب اذا ما *** نشرا ما اقترفت طول زماني

ما اعتذاري وقد جنيت ذنوبا *** أثقلتني وسودت ديواني

ما اعتذاري اذا دعيت وخفت *** حسناتي بكفة الميزان

مااعتذاري اذا سئلت بماذا *** قد تقضى بك الزمان الفاني

ما اعتذاري اذا نشرت وعدت *** ماجنته يداي والرجلان

وأقيمت علي مني شهود *** باجترامي جوارحي ولساني

لهف نفسي اذا أخذت كتابي *** بشمالي وأبت بالخسران

ص: 28

واستتمت علي حجة حق *** عن قضاء المهيمن المنان

من مجيري من العذاب اذا ما *** قيدتني سلاسل الخذلان

من مجيري على الصراتط اذا ما *** أرعشتني عواقب العصيان

عقبات وربما كنت ادري *** ما الاقي بها وما يلقاني

ان عدتني بهاحسان فعال *** وتخوفت ضيعتي وهواني

وأذيق العصاة حر عذاب *** واستحقوا المصير للنيران

فنجاتي بسيدالرسل طه *** وبكائي لسبطه الظمآن

أظمأته عصابة الشرك ظلما *** وسقته الردى يد العدوان

منعوه من الورود لماء *** وبكفيه يلتقي البحران

وأثاروا عليه حربا عوانا *** واستثاروا كوامن الاضغان

فاستدارت عليه سبعون ألفاً *** وتنادت عليه بالخذلان

ألبوها عليه من كل فج *** من شآم تجري الى كوفان

واستخفوا لحربه بثلاث *** بين سهم وصارم وسنان

حر قلبي له وروحي فداه *** من وحيد يجول في الميدان

بفؤاد مؤجج يتلضى *** بين حر الظما وحر الطعان

مستغيثا بجده وأبيه *** مفردا بينهم بلا أعوان

وينادي مذكرا وهو نور اللّه *** أجلى مذكرا في بيان

قائلا فيهم أنا ابن علي *** المرتضى وابن خيرة النسوان

وابن طه محمد خير خلق *** طرا وآية الرحمن

فلماذا دمي يحل ولحمي *** من نبي الهدى نما بلبان

فأتاه من العدى سهم حتف *** ليته شق مهجتي وجناني

وانتحى قلبه فرن صداه *** في حشى الدين صرة الآذان

فهوى للصعيد خير امام *** ساطع النور طيب الاردان

ضارعا للاله فيما ابتلاه *** في سبيل التسليم والاذعان

ونحاه القضا بضربة سيف *** من خولى وطعنة من سنان

ورقى الشمر صدره بحسام *** هد ركن الهدى وصرح الأماني

ومضى يقطع الوريد بعضب *** سله البغي في يدي شيطان

فاكتسى الكون بالظلام حدادا *** لمصاب بكت له الثقلان

ونعاه الوجود والعرش أن قد *** فل عضب الهدى مع الايمان

قتلوه وما رعوا فيه حق *** المصطفى لا ولا علي الشان

تركوه مرملا بدماء *** فوق حر الثرى بلا أكفان

ص: 29

فابك شجوا له بحر فؤاد *** وزفير بأنة الثكلان

واجر حزنا عليه دمعك لكن *** من نجيع بمدمع هتان (1)

* * *

الشيخ ابراهيم ابن العالم الجليل الشيخ عبد الرسول حموزي فقيه فاضل ومن رجال الفضل والكمال لا زلت اتصوره جيدا وأذكر أحاديثه العذبة في ديوان الحاج عباس دوش ، كان بعدما نفرغ من تلاوة قصة الحسين علیه السلام يسترسل فيتحدث عن مواقف الاسلام وبطولات اعلام الاسلام ساعات من الليل والكل يصغي اليه بشوق ولهفة لحسن بيانه وفصاحة لسانه.

ولد في النجف الاشرف سنة 1315 ه ونشأ بها على أبيه الشيخ الوقور فعني بتربيته وكان فطنا ذكيا ثم درس على فريق من الاعلام ونمت ملكاته العلمية والادبية مضافا الى خلقه العالي وتمسكه بآداب الاسلام وكنت أتذكره والابتسامة لا تفارق شفتيه وقد حباه اللّه بوجه مقبول تقرأ عليه اللوذعية والوداعة معا. كانت وفاته فجأة بدون سابق مرض وذلك في الثامن من شهر اللّه المبارك شهر رمضان عام 1370 ه خارج مركز بلد الناصرية - محافظة ذي قار - وكان هناك من أجل التبليغ والارشاد في شهر الصيام. فحمل الى النجف ودفن واقيمت له الفاتحة ثلاث ليالي في اقرب جامع الى داره وهو جامع الشيخ الطريحي رحمه اللّه رحمة واسعة.

ص: 30


1- سوانح الافكار ج 3.

الشيخ عبد اللّه الستري

الشيخ عبد اللّه الستري ترجم له صاحب انوار البدرين فوصفه بالعالم العامل والفقيه الكامل وهو الشيخ عبد اللّه ابن المرحوم الشيخ عباس الستري البحراني كان من بقايا علماء البحرين الاتقياء الورعين الزاهدين كثير النوافل والصيام يشتغل بالتدريس في قريته الخارجية من جزيرة ( ستره ) يحضر عنده جملة من الطلبة والعلماء ، كثير المواظبة على البحث والتصنيف متواضع النفس. حدثني شيخنا الثقة الشيخ احمد ابن الشيخ صالح وكان أبوه من جملة تلامذته ، وهو أيضا ادركه وقرأ عنده - انه كان قبل اشتغاله بالدرس يشتغل هو والحاضرون معه بفتل الحبال وتمييلها لاجل صنعة الفرش المسماة ب ( المداد ) وكانت معايشتهم منها ولاولاده دكاكين لصنعتها بالاجرة.

ودرسه لتلامذته ، شرح اللمعة وشرح الشرائع وتهذيب الاحكام وقطر الندى وألفية ابن الناظم وحتى درس ( الاجرومية ) فلا يأنف من تدريس كبير أو صغير ، وصنف كتاب ( معتمد السائل ) في الفقه وله شرح ( مختصر النافع ) مجلدان وتفسير القرآن وله كتاب ( الخلافيات ) وهو المسائل الخلافية بين الاصحاب في الفقه ، وله ( منية الراغبين ) في الطهارة والصلاة وله رسالة سماها

ص: 31

( الجوهرة العزيزة ) وله شرح على شرح السيوطي للالفية في النحو ، ورسالة في حكم الجهر والاخفات بالتسبيح في الاخيرتين وثالثة المغرب وحكم البسملة.

وله مراثي سيد الشهداء وامام السعداء ابي عبد اللّه الحسين علیه السلام ، توفي وعمره في الثمانين ودفن في جانب مسجده من الجنوب في قرية الخارجية وقد زرت قبره ودفن اولاده بعده معه ، وقرأ عند جماعة منهم الشيخ حسين بن عصفور وبعده على ابنه العالم الشيخ حسن وله الاجازة عنه. وله تلامذة صلحاء منهم العالم الشيخ صالح بن طعان الستري البحراني والد العلامة الارشد الشيخ احمد.

ص: 32

السيد محسن الأمين

المتوفى 1371

هذه كربلا فقف في ثراها *** واخلع النعل عند وادي طواها

فهي وادي القدس التي ودت *** الشهب الدراري بأنها حصباها

حل فيها النور الذي نار موسى *** صاحب الطور من سناه سناها

فاخرت كعبة الحجيج فكانت *** أشرف الكعبتين قدرا وجاها

يا اماما لولاه ما خلق الخلق *** ولا كان أرضها وسماها

هو من أحمد وأحمد منه *** طينة شرفت على ما سواها

خيرها بعد جده وأبيه *** خير من قد داس الحصى ووطاها

قف بها واسكب الدموع دماء *** وابك طول المدى على قتلاها

أي قتلى في اللّه ما من نبي *** أو وصي من قبل الا بكاها

وبكت بالدم السموات والار *** ض وقد قل بالدماء بكاها

أي عين في الناس تبخل بالدم *** -ع وعين النبي باد قذاها

السيد محسن ابن السيد عبد الكريم الحسيني عالم شهير خدم بقلمه فأجاد الخدمة مما أوجب له الشكر من الامة ولد في قرية ( شقرا ) في جنوب لبنان وذلك في حدود 1282 ه ودرس المقدمات في مدارس جبل عامل على المشاهير من فضلائها وبرع بين اقرانه ثم هاجر الى النجف للتحصيل الفقهي وذلك عام 1308 وأكب على التحصيل واستقى من الاعلام : الشيخ اغا رضا الهمداني والملا كاظم الخراساني وشيخ الشريعة وقد أجازه معظم هؤلاء ، وهاجر من النجف الى الشام سنة 1319 ه بطلب من أهلها وكانت آثارة الطيبة

ص: 33

وحسناته الخالدة تذكر وتشكر ولم تزل مدرسته المعروفة بالمدرسة المحسنية تشهد له بالفضل مضافا الى منتوجاته الفكرية ومؤلفاته الكثيرة في مختلف العلوم وهذه موسوعة ( أعيان الشيعة ) شاهد صدق على ما نقول ، والجزء الاربعون من هذه الموسوعة يتضمن سيرته وهو بقلمه وأقلام آخرين وفي صدر الكتاب صورته وخطه وأبيات من منظومة في رحلته العراقية الايرانية عام 1352 - 1353 هجري وهي :

حيا الحيا بمحاني الشام أوطانا *** وجاد أربعها سحا وتهتانا

مرابع كن للآرام مرتبعا *** وكان غصن الصبا فيهن ريانا

يا ساكني الهضب من اكناف عاملة *** والنازلين على ارجاء لبنانا

حيث النسيم سرى غضا يموج به *** قطر الندا ويهز الرند والبانا

لم تنظر العين مذ فارقت أرضكم *** في طيبها كبلاد الشام بلدانا

والكتاب يزيد على الثلثمائة صفحة يتدرج مراحل حياته رحمه اللّه ومشاهداته للحوادث التي رافقها طيلة هذا العمر المحفوف بالبركات واليكم تعداد مؤلفاته :

1 - الدر الثمين في اهم ما يجب معرفته على المسلمين.

2 - ارشاد الجهال الى مسائل الحرام والحلال.

3 - أساس الشريعة في الفقه.

4 - الدر المنظم في حكم تقليد الاعلم.

5 - البرهان على وجود صاحب الزمان.

6 - حق اليقين في التأليف بين المسلمين.

7 - لواعج الاشجان.

8 - اصدق الاخبار في قصة الاخذ بالثأر.

9 - الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد ويتضمن الكثير من شعره في اهل البيت.

ص: 34

10 - المجالس السنية في خمسة أجزاء.

11 - السحر الحلال في المناظرة بين العلم والمال.

12 - الرحيق المختوم في المنثور والمنظوم - ديوان شعره.

13 - معادن الجواهر في أخبار الأوائل والاواخر ، ثلاثة اجزاء.

14 - مفتاح الجنات في الادعية ، ثلاثة أجزاء.

15 - نقض الوشيعة.

16 - ابو فراس الحمداني.

17 - ابو تمام الطائي.

18 - دعبل الخزاعي.

19 - المسائل الدمشقية في الفروع الفقهية.

20 - منظومة في الرضاع وأخرى في المواريث الى غير ذلك.

توفي ببيروت وشيع تشييعا فخما مشى فيه رجال السلك الدبلوماسي من الجمهوريتين اللبنانية والسورية وذلك يوم الرابع من شهر رجب 1371 ه. ونعته دور الاذاعات الاسلامية والعربية.

ص: 35

الشيخ محمد حسين المظفر

المتوفى 1371

أنجد حادي العيس أم أتهما *** أم أمّ نجد الغور ام يمما

سار وأبقاني أسير الضنى *** مرتهنا ارعى نجوم السما

لم يبق لي الف ولا مألف *** الاحمامات به حوما

قد شفها وجدي فناحت لما *** قاسيته من ألم ألما

وأشعث ثاو به لا يرى *** الا الاثافي حوله جثما

حتى اذا ما الركب زمت به *** كوم ترامت بالفلا أسهما

من نار احشائي جرت أدمعي *** فاجتمع الضدان نار وما

لا النار تطفيها دموعي ولا *** دمعي بنيران الحشى أضرما

من ناشد لي يوم ترحالهم *** قلبا بنيران الاسى مضرما

أودى به فرط الجوى فاغتدى *** في كل لحن يندب الارسما

أخنى عليها الدهر من بعدما *** كانت لمن وافى حماها حمى

لما انجلى عنها حسين وبالطف *** على رغم العدى خيما

حفته من فتيانه عصبة *** كل له الموت الزؤام انتمى

تخاله بدر على طالعه *** في أفق المجد وهم أنجما

ما بين عباس اذا قطبت *** رعبا مصاليت الوغى بسما

والقاسم القاسم حق العلى *** بالسيف لما بالمعالي سما

وذا هلال طالعا في سما *** الهيجاء ان بدر السما أظلما

حتى يقول فيها :

ص: 36

يا راكبا يطوي أديم الفلا *** في جسرة للسير لن تسأما

شملالة حرف أمون اذا *** مرت تخال الريح قد نسما

عرج على مثوى الامام الذي *** في سيفه ركن الهدى قوما

والثم ثرى اعتابه قائلا *** قم ياحمى اللاجي وحامي الحمى

هذي بنو حرب الى حربكم *** قادت جموعا جمعت من عمى

ثارت لاخذ الثأر لما رأت *** من يوم بدر يومها مظلما

ظنت أبي الضيم مذ أحدقت *** فيه جنود الشرك مستسلما

ضاقت عليها الارض في رحبها *** لما رأته مشهرا معلما

ان كر فر الجيش من بأسه *** كالحمر لما أبصرت ضيغما

لم يبق في الكوفة بيت ولا *** في غيرها الا ترى مأتما

ما هز في يوم الوغى رمحه *** الا لارماح العدى حطما

أو سل فيه سيفه لا ترى *** سيفا لهم الا وقد كهما

اما ومشحوذ الغرار الذي *** في حده حتف العدى ترجما

لولا القضا ما كان ريحانة *** المختار يوم الطف يقضي ظمى

وآله الغر وأصحابه الامجاد *** صرعى حوله جثما

وحائرات لم تجد ملجأ *** تأوي اليه بعد فقد الحمى

ترى خباها أحرقته العدى *** وثقلها صار لهم مغنما

الشيخ محمد حسين ابن الشيخ يونس ابن الشيخ أحمد ولد في قرية الشرش - قرية تابعة لقضاء الغورنة تبعد عنها ما يقرب من 3 كيلومترات ، وكان ميلاده سنة 1293 ه. نشأ ذواقة للعلم والأدب واخذ عن أبيه مقدمات العلوم وهاجر إلى النجف فدرس الفقه وحضر درس الملا كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي والشيخ ملا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه ولما أتم دروسه رجع الى القورنة فكان فيها امام المحراب والخطيب المصقع والمدرس الخبير وأخذ يغذي الناس سيما المتفين حوله مباديء العلوم من نحو وصرف وأدب وفقه حتى نشأ جملة من المهذبين وهواة الكمال وكانت رسائله ترد النجف وفيها القطعة الشعرية والمقالة الادبية والتأريخ المعجب وقد امتاز بنظم التاريخ للحوادث التي يعاصرها ومنها تاريخه العشري يوم تأسست جمعية منتدى النشر بالنجف ومن نوادره قوله في قاض للمحكمة الشرعية السنية اسمه علي جاء الى قضاء القورنة ، قال يؤرخ عام تعيينه فيها.

ص: 37

قل للذي رام القضا *** من آخر وأول

من حنفي وشافعي *** ومالكي وحنبلي

كفوا فقد تواترت *** اخبار خير مرسل

بالصدق تنبي ارخوا *** يا قوم اقضاكم علي

وأهدى له كتاب الكامل للمبرد فأخذ يقرأ فيه ورأى أنه عند ذكر النبي صلی اللّه علیه و آله يصلي عليه الصلاة المبتورة ، يذكره ولم يذكر آله فقال :

ان كتابا لم يكن يبتدى *** فيه بذكر الآل بعد النبي

ولم يكن يختم في ذكرهم *** فليس ب ( الكامل ) في مذهبي

ومن شعره في أهل البيت سلام اللّه عليهم قوله :

آل النبي فما للناس شأوهم *** ولا يضاههيم بالفضل كل نبي

وله في الامام الحسين عدة قصائد عامرة منها قوله في مطلع القصيدة

أماط الدجى عن صبح طلعته الغرا *** فنادى منادي الحي حي على المسرى

نووا ظعنا والقلب بين رحالهم *** يناديهم مهلا قفا نبك من ذكرى

والقصيدة ذكرها المعاصر الخاقاني في شعراء الغري.

وكان جميل الشكل حسن الهندام لطيف البزة سريع الجواب حاضر النكتة توفي في قضاء القورنة في شهر صفر سنة 1371 ونقل جثمانه الى النجف الاشرف. وله آثار علمية منها كتاب في الفقه ، وآخر في فاطمة الزهراء وديوان شعر وقام بمقامه ولده فضيلة الشيخ يونس بعدما درس في النجف ونضجت مواهبه.

وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فذكر له جملة من المراسلات الأدبية والنتف الشعرية.

قال : ومن شعره قوله يؤرخ عام ذهابه لحج بيت اللّه الحرام عام 1337 ه.

ص: 38

تسير بنا السلامة حيث سرنا *** وأمن اللّه ممدود الرواق

فطورا في بواخر سابحات *** وطورا فوق اكوار النياق

وجاوزنا تخب بنا المطايا *** لطيبة باشتياق واحتراق

فزرنا المصطفى وبنيه حتى *** سقينا الارض بالدمع المراق

وأقبلنا جميعا في سرور *** نسير من الحجاز الى العراق

رجعنا بالمسرة قم فأرخ *** لقد ذهب العنا والاجر باق

وارخ وفاة سيدة من الفضليات من آل القزويني وذلك عام 1336.

يا ابن الاطائب لا تكن جزعا *** لكريمة بضريحها استترت

البنت ان ماتت جرى مثلا *** تاريخها هي عورة سترت

ولا يفوتنا ان نذكر أنه ابتلي في أواخر ايامه بمرض أقعده خمسة عشر عاما حتى وافاه الاجل. ترجم له الشيخ الطهراني في نقباء البشر وقال : رأيت له كتاب ( حلية المرتلين ) في التجويد ورسالة ( التجويد ) للسيد محمد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة فرغ من كتابتهما عام 1310 ومن حسن خطه في التأريخ يظهر أنه يومئذ من أبناء العشرين تقريبا.

ص: 39

الشيخ مهدي اليعقوبي

المتوفى 1372 ه

عج والتثم حرما ملا *** ئكة السماء تطيل لثمه

وزر الامام ابن الامام *** أخا الامام أبا الائمة

واشمم شذا الارج الذي *** كان النبي يطيل شمه

خير البرية بالطفوف *** عدت عليه شر أمه

أبكى أباه وجده *** وأخاه والزهراء أمه

نور برغم الشرك يأ *** بى اللّه الا أن يتمه

الشيخ مهدي اليعقوبي خطيب أديب وواعظ متعظ ، عذب الكلام حلو العبارة لطيف الانسجام جمعتني معه بلدة الرميثة بمناسبة محرم الحرام فكنت أخطب شرقي البلد وهو يخطب في الجانب الغربي فكنت استعذب اقواله وأراه ورعا متثبتا حسن الاداء تنم على خطابته روح الاخلاص وبوادر الايمان. كتب عنه أخوه الشيخ محمد علي في البابليات ، فقال : ولد بالنجف الاشرف سنة 1302 ونشأ على المحافل بحكم مهنة والده وتدرج على الخطابة فكان لم يبارح أباه في حضر ولا سفر ، وقلما يخطب ولم يذكر

ص: 40

خطبة من خطب الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب فقد كان ، كما يقول اخوه يحفظ ثلاثة ارباع نهج البلاغة.

لقد رأيت في مخطوطات الشيخ اليعقوبي جملة من مؤلفات المترجم له وكلها بخطه ومنها مجاميع خطية تجمع المختار من الشعر في رثاء الامام الحسين علیه السلام ومنها المجموع ( الرائق ). ما كنت أشاهده في محافل النجف الا نادرا وفي الصحن العلوي أحيانا منزويا ولا زلت اذكر مواقفه الخطابية ومجالسه المنبرية ووعظه الديني وقد أنشد ولده يعقوب بين يديه في مأتم الحسين تخميسا لابيه وهو قوله مخمسا ابيات السيد جعفر الحلي.

لست أنسى عقائل الطهر طه *** قد دهاها من العدى ما دهاها

مذ جفاها ملاذها وحماها *** سلبتها أيدي الجفاة حلاها

فخلا معصم وعطل جيد

هتفت والدموع تنهل شجوا *** وغدت تستجير لم تلف مأوى

وبها العيس تقطع البيد عدوا *** ووراها كم غرد الركب حدوا

للثرى فوك أيها الغريد

سيروهن حاسرات بوادي *** هاملات الدموع شبه الغوادي

هذه تشتكي وتلك تنادي *** عجبا لم تلن قلوب الاعادي

لحنين يلين منه الحديد

وله من قصيدة في الامام موسى الكاظم سابع الائمة من أهل البيت صلوات اللّه عليهم.

تنام عيون بني نثلة

وهاشم قرت على وترها (1)

ص: 41


1- نثيلة بنت كليب بن خباب ام العباس بن عبد المطلب كانت أمة لفاطمة بنت عمرو المخزومية أم عبد اللّه ابي النبي « ص » وام ابي طالب والزبير أولاد عبد المطلب ويقول ابو فراس في ميميته : ولا لجدكم معشار جدهم *** ولا نثيلتكم من أمهم امم

الى م على الضيم تغضي الجفون *** وقد حكم العبد في حرها

تناست ببغداد ماذا جنت *** على عزها وذرى فخرها

فقد غادرته رهين السجون *** ودست له السم من غدرها

أباب الحوائج للقاصدين *** ومن كفه الغيث في وفرها

أذلت فجيعتك المسلمين *** وأذكت حشا الدين في حجرها

اتقضي ببغداد رهن القيود *** ونعشك يرمى على جسرها

وله من قصيدة في رثاء والده الخطيب الشهير الشيخ يعقوب.

ما ان ذكرتك ساعة الا جرى *** بمذاب قلبي مدمع هتان

بالامس كنت لكل ناد زينة *** واليوم فيك ثرى القبور يزان

من بالندي اليه بعدك تشخص *** الابصار او تصغي له الآذان

أسفا على الاعواد بعدك اصبحت *** ينزو فلان فوقها وفلان

قد كنت أفصح من تسنمها فمن *** قس بن ساعدة ومن سحبان (1)

ولكم نصرت بني النبي بمقول *** ما البيض أمضى منه والخرصان

بفرائد لك كالخرائد غردت *** فيها الحداة وغنت الركبان

ما شيعوا للقبر نعشك وحده *** بل شيع المعروف والعرفان

كلا ولا دفنوك وحدك انما *** دفن التقى والفضل والايمان

ان اوحشت منك الديار فقد زهت *** بك في جوار بني النبي جنان

ص: 42


1- قس بن ساعدة الايادي احد حكماء العرب في الجاهلية ، واول من قال في كلامه ( أما بعد ) عاش حتى أدرك زمن النبي « ص » ورآه في سوق عكاظ وسئل عنه فقال : يحشر امة وحده. وسحبان وائل خطيب يضرب به المثل ، يقال : أخطب من سحبان ، اشتهر في الجاهلية وعاش زمنا في الاسلام ، كان اذا خطب لا يعيد كلمة ولا يتوقف ولا يقعد حتى يفرغ ، اقام في دمشق ايام معاوية ومات سنة 54 ه.

أدوار مرقص

المتوفى 1372 ه 1952 م

ركب الحسين الى الفخار الخالد *** بيض الصفاح فكان اكرم رائد

حشد الطغاة عليه كل قواهم *** وحموا عليه ورد ماء بارد

وتخيلوه يستجيب اليهم *** اما احس من الظما بالرافد

تأبى البطولة أن يذل لبغيهم *** من لم يكن لسوى الاله بساجد

أيهابهم سبط النبي وعنده *** جيش من الايمان ليس بنافد

حسب الفتى من قوة ايمانه *** ولكربلاء عليه أصدق شاهد

ولان قضى بين الاسنة ظاميا *** فلسوف يلقى اللّه أكرم وافد

ولسوف يسقيه النبي محمد *** كأسا تفيض من المعين البارد

قدم الزمان وذكره متجدد *** في كل قلب بالفضيلة حاشد

وخلود كل فضيلة بخلود من *** لولاه لم يكن الزمان بخالد

ايه دم الشهداء سل متدفقا *** واسق القلوب ببارق وبراعد

ان القلوب الممحلات اذا ارتوت *** منه زهت بمكارم ومحامد

يا غرة الشهداء من عليائها *** لوحي عليهم كالضياء العاقد

موسومة بدم الشهادة فهي لا *** تنفك تدمي مثل زند الفاصد

كيما يسيروا في الحياة بنهجه *** لا يخضعون لغاصب ومعاند

أديب سوري ، كاتب ، شاعر ، ناثر اجاد الكتابة والبحث والفوص في فقه اللغة وادبياتها ، وهو صحافي منشئ نشيط ،

ص: 43

حرر في كثير من كبريات الجرائد والمجلات في سوريا ومصر ولبنان وراسلها ، كما انه انشأ بعضها في بلدته. وهو محاضر لبق كثيرا ما دعي للتحاضر في النوادي والجمعيات العلمية والادبية ، وخطيب عرف بقدرته على الخطابة والتصرف بفنون الكلام.

ولعل ميزته البارزة هي ما له من أثر وجهد عظيمين في حقل التربية والتعليم فهو يعد بحق من كبار المعلمين الذين افنوا ريق العمر في تهذيب الناشئة وتنشئتها على العلم والاخلاق. اشتهر بمقدرته اللغوية وغوصه على شوارد اللغة واوابدها كما جهد نفسه في تيسير الاخذ بأسبابها ، وذلك بما وضع من كتب ومؤلفات مسبطة مخدومة.

وهو من كبار النقلة والمترجمين في النصف الاول من القرن العشرين. عرب أكثر ما عربه عن الفرنسية وادبياتها. وهو مترجم دقيق ، حذق اصول التعريب وعمل على التعريف بها بضبط قواعدها وتحديد شروطه ومقتضياته. كان عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق.

ولد في اللاذقية وفيها تلقى علومه الاولية وأتمها. قضى سحابة عمره المديد الى سنة 1940 تاريخ احالته على المعاش. معلما تارة في مصر وطورا في بلدته او مدرسة كفتين بالقرب من طرابلس.

خص قسما كبيرا من وقته في تحبير المقالات ومراسلة المجلات وتدبيج الابحاث التاريخية والادبية واللغوية. حرر وهو في مصر وراسل بعد عودته منها كثيراً من جرائد الوادي. الاهرام. المقطم. الجوائب المصرية. البصير. المؤيد. اللواء. المقتطف. المنار. الضياء. الرابطة العربية كذلك كتب كثيرا من جرائد ومجلات سوريا ولبنان : البيرق. البشير. المشرق. مجلة المجمع العلمي. الاماني. وله في هذه وتلك من البحوث والمقالات. ما يجعل منه بحق من كبار كتاب المقالة الصحفية البارزين في العصر الحديث.

ص: 44

مؤلفاته :

1 - الادب العربي في ما له وما عليه.

2 - ديوان ادوار مرقص.

3 - ذخيرة المتأدب.

4 - فن التعريب عن اللغة الفرنساوية.

5 - في سبيل العربية.

6 - كفيل الاملاء.

7 - كفيل البيان والشعر.

8 - كفيل العروض والقافية.

9 - نحن ولغتنا في هذا العصر.

وله كتب مترجمة كثيرة.

عن كتاب ( مصادر الدراسة الادبية )

تأليف يوسف اسعد داغر

الجزء 2 ص 699 - 702

ص: 45

الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء

المتوفى 1373 ه

خذوا الماء من عيني والنار من قلبي *** ولا تحملوا للبرق منا ولا السحب

ولا تحسبوا نيران وجدي تنطفي *** بطوفان ذاك المدمع السافح الغرب

ولا أن ذاك السيل يبرد غلتي *** فكم مدمع صب لذي غلة صب

ولا أن ذاك الوجد مني صبابة *** لغانية عفراء أو شادن ترب

نفى عن فؤادي كل لهو وباطل *** لواعج قد جرعنني غصص الكرب

ابيت لها أطوي الضلوع على جوى *** كأني على حجر الغضا واضع جنبي

رزاياكم يا آل بيت محمد *** أغص لذكراهن بالمنهل العذب

عمى لعيون لا تفيض دموعها *** عليكم وقد فاضت دماكم على الترب

وتعسا لقلب لا يمزقه الاسى *** لحرب به قد مزقتكم بنو حرب

فواحرتا قلبي وتلكم حشاشتي *** تطير شظاياها بواحرتا قلبي

أأنسى وهل ينسى رزاياكم التي *** ألبت على دين الهداية ذولب

أأنساكم هوى القلوب على ظمى *** تذادون ذود الخمس عن سايغ الشرب

أأنسى بأطراف الرماح رؤوسكم *** تطلع كالاقمار في الانجم الشهب

أأنسى طراد الخيل فوق جسومكم و *** ما وطأت من موضع الطعن والضرب

أأنسى دماء قد سفكن وادمعا *** سكبن واحرارا هتكن من الحجب

أأنسى بيوتا قد نهبن ونسوة *** سلبن وأكبادا اذبن من الرعب

أأنسى اقتحام الظالمين بيوتكم *** تروع آل اللّه بالضرب والنهب

ص: 46

أأنسى اضطرام النار فيها وما بها *** سوى صبية فرت مذعرة السرب

أأنسى لكم في عرصة الطف موقفاً *** على الهضب كنتم فيه أرسى من الهضب

تشاطرتم فيه رجالا ونسوة *** - على قلة الانصار - فادحة الخطب

فأنتم به للقتل والنبل والقنا *** ونسوتكم للاسر والسبي والسلب

اذا أوجبت أحشاءها وطأة العدى *** علا ندبها لكن على غوثها الندب

وان نازعتها الحلي فالسوط كم له *** على عضديها من سوار ومن قلب

وان جذبت عنها البراقع جددت *** براقع تعلوهن حمرا من الضرب

وان سلبت منها المقانع قنعت *** اذا بثت الشكوى عن السلب بالسب

وثاكلة جنت فما العيس في الفلا *** وناحت فما الورقاء في الغصن الرطب

تروي الثرى بالدمع والقلب ناره *** تشب وقد يخطي الحيا موضع الجدب

تثير على وجه الثرى من حماتها *** ليوث وغى لكن موسدة الترب

نيام على الاحقاف لكن بلا كرى *** ونشوانة الاعطاف لكن بلا شرب

فكم غرة فوق الرماح وحرة *** لآل رسول اللّه سيقت على النجب

وكم من يتيم موثق ليتيمة *** ومسبية في الحبل شدت الى مسبي

بني الحسب الوضاح والنسب الذي *** تعالى فأضحى قاب قوسين للرب

اذا عدت الانساب للفخر أو غدت *** تطاول بالانساب سيارة الشهب

فما نسبي الا انتسابي اليكم *** وما حسبي الا بأنكم حسبي

الشيخ محمد الحسين ابن شيخ العراقين البحاثة الشيخ علي ابن الحجة الشيخ محمد رضا ابن المصلح بين الدولتين الشيخ موسى ابن شيخ الطائفة الشيخ الاكبر جعفر ابن العلامة الشيخ خضر بن يحيى بن سيف الدين المالكي الجناجي النجفي.

من كبار رجالات الاسلام ومن أشهر مشاهير علماء الشيعة ومن الشخصيات العالمية التي دوت في الخافقين.

ص: 47

ولد في النجف الاشرف 1294 في بيئة طافحة بالعلم والعلماء ولم يتجاوز العقد الاول من عمره المبارك حتى كرع من العلوم وانغمس بالدراسات الاسلامية بعد العلوم العربية وأتم دراسة الفقه والاصول وهو بعد شاب ولازم حلقات دروس الاعلام كالملا كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي والشيخ اغا رضا الهمداني حتى عد من المبرزين وشهد له الجميع بالتفوق وتلمذ في الفلسفة والكلام على الميرزا محمد باقر الاصطهباناتي والشيخ أحمد الشيرازي والشيخ علي محمد النجف ابادي وغيرهم من أساطين الحكمة والفلسفة ، وشرع بالتأليف والتدريس فكانت حوزة محاضراته لا تقل عن مائة عالم من خيرة المحصلين وكتب ( شرح العروة الوثقى ) كما ألف ( الدين والاسلام او الدعوة الاسلامية ) الذي طبع ببغداد ولماهاجمته وداهمته سلطة الاتراك بأمر الوالي ناظم باشا وبايعاز المفتي الشيخ سعيد الزهاوي فصمم على طبعه خارج العراق فسافر الى الحج وكتب في سفرته رحلة ممتعة اسماها ( نزهة السمر ونهزة السفر ) وبعد عودته من الحج عرج على لبنان فطبع الكتابين بمطبعة العرفان - صيدا ، واتصل بكبار العلماء وقادة الفكر كما جرت له مناظرات مع فيلسوف الفريكة امين الريحاني وتم طبع ( المراجعات الريحانية ) كما نشرت له الصحف والمجلات من المناظرات مع الاب انستاس الكرملي وجرجي زيدان وما دار بينه وبين علماء الازهر الشيء الكثير ، وفي الحرب العالمية الاولى والحركة الوطنية سنة 1332 كان في طليعة المجاهدين بالسيف والقلم ، ولم يزل اسمه يلمع وشهرته تتسع في الاوساط حتى اصبح المفزع للامة في كل مهمة ، وطالبه الناس عامة وخصوصا مقلدوه بنشر رسالته العملية فنشر ( وجيزة الاحكام ) باللغتين العربية والفارسية ، و ( السؤال والجواب ) و ( التبصرة ) و ( حاشية العروة الوثقى ) الى غير ذلك. يتحلى بهمة عالية فقد قام بكثير من المهام والاسفار التي احجم الكل عن القيام بها وما ذاك الا لاعتماده على اللّه واعتداده بنفسه ، ولما انعقد المؤتمر الاسلامي العام في القدس الشريف في شهر رجب سنة 1350 ه والمصادف كانون الاول سنة 1931 م دعي من قبل لجنة المؤتمر عدة مرات فأجاب وسافر الى القدس وهناك ما روته الصحف وكتبت عنه الكتب من نصر واقبال في خطبه التاريخية واذعان المسلمين عامة لآرائه وافكاره بكلمته حول كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.

ص: 48

وبعد الفراغ من خطبته الارتجالية التي دامت ساعتين أو أكثر تقدم للصلاة فائتم به في الصلاة أكثر من عشرين الفا بينهم اعضاء المؤتمر وهم مائة وخمسون عضوا من أعيان العالم الاسلامي.

زار ايران سنة 1352 ه فمكث نحو ثمانية اشهر متجولا في مدنها داعيا الى التمسك بالمبادئ الاسلامية والأخلاق المحمدية ، فكان أين ما حل التفت حوله القلوب ولخطبه النارية في المدن الاسلامية حرارة يحسها السامعون فقد خطب باللغة الفارسية في همدان وطهران وخراسان وشيراز وكرمانشاه والمحمرة وعبادان واجتمع يومذاك بملك ايران رضا شاه بهلوي وعاد من طريق البصرة فكانت له مواقف خطابية في البصرة والناصرية والحلة ما تحدثك عنه كراسة ( الخطب الاربع ) وفي سنة 1371 ه 1952 م دعي لحضور المؤتمر الاسلامي في كراجي فاحتفلت به الباكستان واذاعت دار الاذاعة خطبته الاصلاحية وعند عودته استقبلته النجف على اختلاف طبقاتها على بعد 30 كيلومترا وكنت في جملة المستقبلين فحييته في منتصف طريق - كربلاء - النجف بقصيدة وذلك يوم 22 جمادى الثانية 1371 ه وكان في مقدم الرتل للسيارات المستقبلة متصرف كربلاء والمفتش في وزارة الداخلية العراقية امين خالص فانشدت :

كذا يلمع القمر النير *** كذا ينهض المصلح الاكبر

كذا ترتقي عاليات النفوس *** وهام الاثير لها منبر

كذا يعذب العمر في مثل ذا *** والا فما قدر من عمروا

كذا يشمخ العلم فوق السهى *** فما عرش كسرى وماقيصر

أشيخ الشريعة بل رمزها *** ومفخرها عشت يا مفخر

أقدس شخصك اذ أنه *** مثال الكمال متى يذكر

اذا ما انتسبت الى جعفر *** فحسبك منتسبا جعفر

لئن حسبتك الورى واحدا *** ( ففيك انطوى العالم الاكبر )

نهضت فبوركت من ناهض *** فما وثبة الليث اذ يزأر

وابلغت في النصح في مجمع *** تردد تاريخه الاعصر

تحدث ابا الصالحات التي *** تعالت سناء فلا تستر

تحدث الينا فكل الحواس *** شعور وأكبادنا حضر

أتينا لنصدر عن مورد *** ومنك حلى الورد والمصدر

تلقتك تفرش أكبادها *** وخفت للقياك تستبشر

ابا الشرع هذي يد برة *** يوافيك فيها الفتى شبر

ص: 49

اذا جمع الناس نيروزهم (1) *** فنيروزنا وجهك الانور

فطرت ولكن بآمالنا *** ورحت بارواحنا تعبر

قال رحمه اللّه في مقدمة كتابه ( الدين والاسلام ) : ليس الشرف الا أن يكدح الانسان في معركة الحياة حتى يكتسب امتلاك مال أو ملكة كمال اياما كان ، علما او صناعة ، خطابة او شجاعة او غير ذلك من ماديات الشرف وطلايعه ثم يخدم المرء بمساعيه تلك ومكتسباته امته وملته خدمة تعود بالهناء والراحة عليهم ، أو دفع شيء من الشرور عنهم. الشرف حفظ الاستقلال وتنشيط الافكار وتنمية غرس المعارف ، والذب والمحاماة عن نواميس الدين وأصول السعادة ، الشريف من يخدم أمته خدمة تخلد ذكره وتوجب عليهم في شريعة التكافؤ شكره ، كل يؤدي جهده وينفق مما عنده.

حياته مليئة بالحسنات وختمها بكتابيه القيمين ( الفردوس الاعلى ) و ( جنة المأوى ) طبع الاول في الارجنتين وما زلت احتفظ بنسخة الاهداء منه رحمه اللّه بأنامله المرتعشة قبل وفاته بشهرين فقط ، اشار عليه البعض بالسفر الى كرند للاستجمام والراحة فوافاه الاجل فجر يوم الاثنين 18 ذي القعدة الحرام 1373 ونقل جثمانه الى النجف بحفاوة قل ما شوهد نظيرها ودفن بمقبرة خاصة أعدها لنفسه في وادي السلام ، وكانت الخسارة فادحة وبقي مكانه شاغرا وتجاوبت اذاعات الشرق تنعاه ويجدر بنا أن نذكر أسماء مؤلفاته لا على سبيل الحصر :

1 - اصل الشيعة وأصولها ، طبع أكثر من عشرين طبعة.

2 - الارض والتربة طبع اكثر من مرة.

3 - الآيات البينات.

4 - العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية مخطوط.

5 - تحرير المجلة في الفقه كتاب ممتع تحتاجه جميع الطبقات

ص: 50


1- كان قدوم الشيخ قبل عيد النيروز بيوم واحد.

وانما ألفه حيث رأى ( مجلة العدلية ) أو ( مجلة الاحكام ) المقرر تدريسها في كلية الحقوق ببغداد من زمن الاتراك وهي بحاجة الى التنقيح والتحرير ، فألف تحرير المجلة بخمسة أجزاء :

6 - المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون وبهذا الكتاب أوجد وعيا عاما.

7 - الميثاق العربي الوطني.

8 - مختارات الاغاني.

9 - ديوان شعره. الى غير ذلك.

وهناك من أدبه المنثور والمنظوم ما تتألف منه المجلدات اذ أنه كان دائرة معارف وهذه رائعة من روائعه نظمها في ( كرند ) ليلة وفاته وقبل أن يوافيه الاجل بعشر ساعات.

يدهش اللب من كرند جبال *** مثل قلب البخيل جلمود صخره

غير أن العيون منها جوار *** وعيون البخيل لم تند قطره

كم دروس منها استفدت فكانت *** فكرة ثم عبرة ثم عبره

يا جبال الاجيال والدهر يعدو *** للفنا وهي للبقا مستقره

وقفت والزمان يمشي عليها *** راكضا وهي في العلى مشمخره

قد سبقن ( الشعرى العبور ) عبورا *** لجة الكون واحترزن المجرة (1)

هي مثل الحديد صم ولكن *** قد كستها الاشجار أينع خضره

وينابيعها تفيض زلالا *** صفق الريح بالعذوبة نهره

وعليها الطيور تشدو بلحن *** جالب للثكول كل مسره

نطحت جبهة السماء ولاحت *** في جبين التاريخ للارض غره

وحدة والسيول قد فرقتها *** قطعا فهي وحدة وهي كثرة

كل طود كالشيخ قد غالب الكون *** عراكا فقوس الدهر ظهره

سائلوها عن الملوك الخوالي *** أين تيجانها وأين الاسره

ص: 51


1- الشعرى العبور : كوكب. قال في القاموس : الشعرى العبور ، والشعرى الغميصاء من اخوات سهيل.

قصر شيرين هاهنا وعليها *** ذاب ( فرهاد ) حسرة بعد حسره

كم ملوك تنعمت في ذراها *** ثم راحت في عالم الذرذره

وبهذي الشعاب كم عاش شعب *** قد جهلنا حتى بناه وذكره

أين ( شبديز ) حين يعلو ( أبروي *** ز ) عليه فيسبق العدو فكره (1)

أين ساسان والسلاطين منه *** ملأوا الارض بسط علم وقدره

قد أقمنا بها زمانا نعمنا *** برده والعراق يلفح حره

نحن في الصيف والشتاء علينا *** قارص يجلب الاذى والمضره

خير أوقاتنا الظهيرة فيها *** نتسلى ظهر النهار وعصره

أوقفتنا تلك الجبال حيارى *** نتحرى سر الجلال وسفره

يذهب الفكر صاعدا ثم يهوي *** واجدا في طريقه كل عثرة

يابديع الجمال في كل قلب *** نور ذاك الجمال أودع جمره

قد سقتنا تلك الشمائل كأسا *** فسكرنا ولم نذق قط خمره

ان هذا الوجود بحر ولكن *** اين من في الوجود يسبر قعره

ولهذي الاكوان لب ولكن *** ما عرفنا حتى لحاه وقشره

ولهذي الحياة معنى ولكن *** علنا بالممات نعرف سره

كتب عنه الكثير وترجموا له ولعل خير من كتب وأسهب الكاتب على الخاقاني في موسوعته شعراء الغري فقد ذكر له جملة من المنظوم والمنثور واثبت انطباعاته عنه واليكم نتفا من شعره ، قال في قصيدة عنوانها : ساعة الوداع.

سر على اليمن والشرف *** ودع النفس والكلف

أيها الظاعن الذي *** أخذ القلب وانصرف

ص: 52


1- شبديز اسم فرس خاص كان قد أهدي للملك خسرو ابرويز من الروم ، وكلمة ( شبديز ) في الفارسية معناها لون الليل ، والتسمية تشعر بسواده الغامق ، ولهذا الفرس خصائص منها قوته الخارقة حتى انه كان عندما يرسل الى البيطار لا يقوى عليه أقل من عشرة رجال لامساكه ، ومنها انه كان أطول من مستوى ارتفاع خيول العالم بأربعة أشبار ، ولشدة اعتزاز الملك به كان يطعمه من كل ما يطعم منه ، ولما مات شبديز أمر الملك بتغسيله وتكفينه ودفنه ونقش صورته على الحجر تخليدا لذكراه. عن فرهنك برهان قاطع ج 2 / 859.

سر معافى كما تشا *** ناعم البال والكنف

فلك الفوز بالهنا *** ولنا بعدك الاسف

سار عدوا وليته *** لو قليلا لنا وقف

فتلفت عساك أن *** تنعش النفس من تلف

يا كراما سروا وما *** زودوني سوى الدنف

في وداع ولم نضع *** فيه كفا لنا بكف

لهف نفسي لساعة *** منك لو ينفع اللّهف

ساعة للوداع ما *** نلت منها ولا طرف

فرحلتم مع الاسى *** وبقينا مع الاسف

يا مصابيح أوجه *** لا عدمناك في السرف

يا مفاتيح السن *** لا فقدناك للغلف

لاعدمناك للخطابة *** للحكم للنصف

انت ريحانة العلوم *** وريحانة الظرف

انت ريحانة المشوق *** اذا شفه الشغف

انت يا شمس لا كسفت *** ويا بدر لا انخسف

انت تلك العصا التي *** قال ( خذها ولا تخف )

انت يا جملة الجمال *** ويا شرفة الشرف

انت حر كما عرفت *** وحر وما عرف

لؤلؤ انت قد صفا *** فحكاه لنا الصدف

اين لبنان والعراق *** وأمريك والنجف

فسلام لك البقاء *** وللباطل التلف

وقال وقد وقف على قبر اقبال الشاعر الفيلسوف عام 1371 ه عندما زار الباكستان.

يا عارفا جل قدرا في معارفه *** حياك مني اكبار واجلال

ان كان جسمك في هذا الضريح ثوى *** فالروح منك لها في الخلد اقبال

تحية لك من خل اتاك على *** بعد المزار بقول مثل ما قالوا

لا خيل عندك تهديها ولا مال *** فليسعد النطق ان لم يسعد الحال

هذا البيت مطلع قصيدة من شعر المتنبي ، وقال : وعنوانها ( عزمات العرب ) وقد بعث بها الى امين الريحاني.

ص: 53

يا عزمات العرب البواسل *** هبي لحل هذه المشاكل

قومي فلا موضع للقعود أو *** يسكن غلي هذه المراجل

انت رعيت الملك في شبابه *** حتى احتملته على الكواهل

فكيف لا تحتمليه كاهلا *** مهدد الحوزة بالغوائل

هذي الذئاب اعترضت لغابكم *** تعرض البغاث للاجادل

ما الملك الا صارم وانتم *** من صدره بموضع الحمائل

أين الحميات التي تسعرت *** منكم بتلك الاعصر الاوائل

دكدكتم أمس عروش قيصر *** وطاق كسرى وصروح بابل

فيا بقايا يعرب حسبكم *** من رقدة الجهل او التجاهل

عودوا لاصل عنصر العرب الذي *** كنتم به من اشرف السلائل

انتم فروع دوحة واحدة *** فكيف قطعتم عرى التواصل

ما فرقت اديانكم بينكم *** لكنها سياسة من خاتل

ألا مساعير يثورون لها *** بسلة البيض وهز الذابل (1)

ترقص عند الحرب مهما سجعت *** من الحديد سجعة العنادل

على الاخاء العربي اجتمعوا *** فيا لها اخوة لعاقل

ان كان لا بد من الموت فمت *** بالعز تحت عثير القساطل

تموت كي تحيا وتحيا امة *** أودت بها سخيمة التواكل

تطامنت للذل بعد عزة *** هزت رواسي الارض بالزلازل

واليوم عادت فضلة من بعدما *** كانت لها سابقة الفواضل

يا دارهم أين بنوك والاولى *** بنوك بالعلوم والفضائل

وقفت في آثار آبائي الاولى *** أسأل والدمع كنهر سائل

اسألها عن باهر المجد الذي *** قطوفه دانية العثاكل

اسألها عن قاهر العز الذي *** أغنى عن الحصون والمعاقل

فكيف أضحى خاملا من بعدما *** زها كروض الروض في الخمائل

أضاءت الشرق مصابيح له *** واستشرق الغرب من الفتائل

دونكها هدية من واقف *** بين رجاء آيس وآمل

تزف من مصر الى نيورك *** من نجفي بهواك حافل

من خالص الاخاء لامداهن *** وصادق الولاء لا مصاقل

ومن شعره الذي لم ينشر ( حماسيات روض الحزين ) وقد نظم

ص: 54


1- اقتبس هذا البيت من شعر منصور النمري حيث قال : الا مصاليت يغضبون لها *** بسلة البيض والقنا الذابل

على حروف الهجاء.

يا أمنا الدنيا التي لم تزل *** أعق من ضب لاولاده

تستهدف الطفل وترميه *** بالازراء من ساعة ميلاده

غايتنا الموت ولا يعرف *** الانسان ما حكمة ايجاده

نحن بنو الارض وكل امرء *** اصداره من عين ايراده

من جسمه تأخذ عند البلى *** كل الذي اعطته من زاده

* * *

يا زمني اعطيتني وردة *** ارتاح منها بالنسيم الشذي

وعدت فاسترجعتها آخذا *** ليتك لم تعط ولم تأخذ

قذفت بي في غمرات الاسى *** ولجة الوجد فمن منقذي

أودعتني السجن وقيدتني *** وقلت لي ان تستطع فانفذ

وهكذا القوة والضعف والناس *** على ناموسها تحتذي

* * *

أقرة عيني قصمت القرى *** غداة رحلت معا والكرى

رحلت فاجريت دمعي دما *** وليتك تعلم ماذا جرى

تحامل جورا علي الزمان *** فاسقط من أفقي نيرا

ولم يكف حتى سطا ثانيا *** فألحق بالاكبر الاصغرا

خطوب تمزق صبر الحليم *** وتأمرني بعد أن أصبرا

* * *

بغداد ما سحرك عال ولا *** ببالغ الذروة في الافك

لكن رجال الشعب الوانهم *** في حمق تضحك بل تبكي

خدعتم في الخدع أمثالكم *** فالتأم الحاكي مع المحكي

دعهم وما جروا على شعبهم *** من قاصمات الظهر بالضنك

ستنجلي الغبرة عما جنوا *** وخبثهم يظهر بالسبك

* * *

تحمل ولداننا للرحيل *** ونحن غدا بعدهم نرحل

أتونا ضيوفا وقد أبطأوا *** ولكن برحلتهم عجلوا

ثلاث سنين وكانوا بها *** من ابن ثلاثين هم أكمل

وما أفضل القوم كبارها *** ولكنما الاكبر الافضل

فدى لهم تالدي والطريف *** لو أن الردى بالفدا يقبل

ص: 55

الى كم على الدنيا الدنية تحرص *** وظلك منها لم يزل يتقلص

تكد لكي تزداد بالمال ثروة *** وفي كل يوم حبل عمرك ينقص

بني المال قد أخلصتم لحسابه *** وأنى لكم يوم الحساب التخلص

تفحصت عن سر القضاء تيقنا *** فما زادني غير الشكوك التفحص

ودنياكم ما متعتني بخيرها *** ويا ليتني من شرها اتخلص

سر الحقيقة في الخليقة غامض *** تنبو المعاني عنه والالفاظ

ان كان آدم قد نسي ميثاقه *** أيكون في ابنائه حفاظ

لا الانبياء عظاتهم قد أثرت *** فيهم ولا النصحاء والوعاظ

والناس سكرى من مدامة جهلهم *** لا نائمون هم ولا أيقاظ

خفض عليك فليس فيهم مبصر *** عمت العيون وأعشت الالحاظ

وقال يرثي الامام الحسين علیه السلام :

في القلب حر جوى ذاك توهجه *** الدمع يطفيه والذكرى تؤججه

أفدي الاولى للعلى اسرى بهم ظعن *** وراه حاد من الاقدار يزعجه

ركب على جنة المأوى معرسه *** لكن على محن البلوى معرجه

مثل الحسين تضيق الارض فيه فلا *** يدري الى أين ملجاه ومولجه

ويطلب الامن بالبطحا وخوف بني *** سفيان يقلقه عنها ويخرجه

وهو الذي شرف البيت الحرام به *** ولاح بعد العمى للناس منهجه

يا حائرا لا وحاشا نور عزمته *** بمن سواك الهدى قد شع مسرجه

وواسع الحلم والدنيا تضيق به *** سواك ان ضاق خطب من يفرجه

ويا مليكا رعاياه عليه طغت *** وبالخلافة باريه متوجه

يا عاريا قد كساه النور ثوب سنى *** زما بصبغ الدم القاني مدبجه

يا ري كل ظمى واليوم قلبك من *** حر الظما لو يمس الصخر ينضجه

يا ميتا مات والذاري يكفنه *** والارض بالترب كافورا تؤرجه

ويا مسيح هدى للراس منه على *** الرماح معراج قدس راح يعرجه

ويا كليما هوى فوق الثرى صعقا *** لكن محياه فوق الرمح أبلجه

ويامغيث الهدى كم تستغيث ولا *** مغيث نحوك يلويه تحرجه

فأين جدك والانصار عنك ألا *** هبت له أوسه منهم وخزرجه

وأين فرسان عدنان وكل فتى *** شاكي السلاح لدى الهيجا مدججه

وأين عنك ابوك المرتضى أفلا *** يهيجه لك اذ تدعو مهيجه

ص: 56

يروك بالطف فردا بين جمع عدى *** البغي يلجمه والغي يسرجه

تخوض فوق سفين الخيل بحر دم *** بالبيض والسمر زخار مموجه

حاشا لوجهك يا نور النبوة أن *** يحمي على الأرض مغبرا مبلجه

وللجبين بأنوار الامامة قد *** زها وصخر بني صخر يشججه

أعيذ جسمك يا روح النبي بأن *** يبقى ثلاثا على البوغا مضرجه

عار يحوك له الذكر الجميل ردى *** ايدي صنايعه بالفخر تنسجه

والراس بالرمح مرفوع مبلجه *** والثغر بالعود مقروع مفلجه

حديث رزء قديم الاصل اخرج اذ *** عن الاولى صح اسنادا مخرجه

تاللّه ما كربلا لولا سقيفتهم *** ومثل ذا الفرع ذاك الاصل ينتجه

ففي الطفوف سقوطا لسبط منجدلا *** من سقط محسن خلف الباب منهجه

وبالخيام ضرام النار من حطب *** بباب دار ابنة الهادي تأججه

لكن أمية جاءتكم بأخبث ما *** كانت على ذلك المنوال تنسجه

سرت بنسوتكم للشام في ظعن *** قبابه الكور والاقتاب هودجه

من كل والهة حسرى يعنفها *** على عجاف المطي بالسيرمدلجه

كم دملج صاغه ضرب السياط على *** زند بأيدي الجفاة ابتز دملجه

ولا كفيل لها غير العليل سرت *** ترثي له ألم البلوى وتنشجه

تشكوعداها وتنعى قومها فلها *** حال من الشجو لف الصبر مدرجه

فنعيها بشجى الشكوى تؤلفه *** ودمعها بدم الاحشاء تمزجه

ويدخل الشجو في الصخر الاصم لها *** تزفر من شظايا القلب تخرجه

فيا لارزائكم سدت على جزعي *** بابا من الصبر لا ينفك مرتجه

يفر قلبي من حر الغليل الى *** طول العويل ولكن ليس يثلجه

أود أن لا أزال الدهر انشئها *** مراثيا لو تمس الطود تزعجه

ومقولي طلق في القيل أعهده *** لكن عظيم رزاياكم يلجلجه

ولا يزال على طول الزمان لكم *** في القلب حر جوى ذاك توهجه

وقال يرثي الامام الحسين علیه السلام :

لك اللّه من قلب بأيدي الحوادث *** لعبن به الاشجان لعبة عابث

تمر به الافراح مرة مسرع *** وتوقفه الاتراح وقفة ماكث

تذكر من أرزاء آل محمد *** مصائب جلت من قديم وحادث

عشية خان المصطفى كل غادر *** وبز حقوق المرتضى كل ناكث

ص: 57

إلى ان يقول :

الى أن دبت تسري بسم نفاقهم *** الى كربلا رقش الافاعي النوافث

فأخنت على آل النبي بوقعة *** بها عاث في شمل الهدى كل عابث

غداة استغاث الدين بابن نبيه *** فهب له من نصره خير غايث

بحلم اذا اشتد البلا غير طايش *** وعزم اذا الداعي دعى غير رايث

ونجدة عزم من لوي وجوههم *** تعد لكشف النائبات الكوارث

رمى لهوات الخطب فيهم فجردوا *** من العزم أمثال الرقاق الغوارث

وهاجوا اشتياقا للهياج كأنما *** لهم في الوغى خود الظباء الرواعث

وأطربهم وقع الظبى فكأنه *** رنين المثاني عندهم والمثالث

لقد ثبتوا في موقف هان عنده *** زوال الجبال الراسيات المواكث

ولما قضوا من ذمة المجد حقها *** وصانوا حمى التوحيد من شعث شاعث

مضوا تأرج الارجاء من طيب ذكرهم *** وتستدفع اللأوا بهم في الهنابث

والقصيدة بكاملها خمسون بيتا.

وقال أيضا في رثاء الامام ، وهذا المقطع الاول من القصيدة.

دع الدنيا فما دار الفناء *** بأهل للمودة والصفاء

متى تصفو وتصفيك الليالي *** وقد كونت من طين وماء

تروقك في مسرتها صباحا *** وتطرق بالمساءة في المساء

تناهى كل ذي أمل فهلا *** لعينك يا شباب من انتهاء

وفازت في سعادتها نفوس *** وليتك لو قصرت عن الشقاء

فويلي ما أشد اليوم ضعفي *** واعصائي لجبار السماء

ويا خجلي ولم أعبأ بذنب *** وأهل مودتي أهل العباء

هداة اللّه خص بهم لواء *** الهدى والحمد بورك من لواء

كفتهم ( انما ) في الذكر فاكفف *** فعنك لهم بها خير اكتفاء (1)

أريد بأن أوفيهم ثناءا *** وان عظموا وجلوا عن ثناء

قضوا ما بين مقتول بسم *** ومحزوز الوريد من القفاء

برغم الدين أولاد الزواني *** تشفت من ذراري الانبياء

ص: 58


1- اشارة لقوله تعالى « انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل اليبت ويطهّركم تطهيرا ».

ولا يوم أشد بلا وكربا *** كيومهم بعرصة كربلاء

غداة اتت تحف أبا علي *** فوارس من بني عمرو العلاء

تسارع كالشهاب الى هياج *** وتنبت كالهضاب لدى اللقاء

أبوا الا الى العز انتسابا *** فليس لهم أب غير الاباء

وله في رثاء الامام الشهيد ما تزيد على السبعين بيتا وهذه قطعة منها :

نفس أذابتها أسى زفراتها *** فجرت بها محمرة عبراتها

وتذكرت عهد المحصب من منى *** فتوقدت بضلوعها جمراتها

وأنا العصي من الابا وخلائقي *** في طاعة الحر الكريم عصاتها

بأبي وبي من هم أجل عصابة *** سارت تؤم من العلى سرواتها

عطرى الثياب سروا فقل في روضة *** غب السحاب سرت به نسماتها

وبعزمها من مثل ما بأكفها *** قطع الحديد تأججت لهباتها

فكأن من عزماتها أسيافها *** طبعت ومن أسيافها عزماتها

آحادهم ألف اذا ضمت على *** الف المعاطف منهم لاماتها

يسطون في الجم الغفير ضياغما *** لكنما شجر القنا أجماتها

كالليث أو كالغيث في يومي وغى *** وندى غدت هباتها وهباتها

حتى اذا نزلوا العراق فأشرقت *** بوجودهم وسيوفهم ظلماتها

وينتهي به المطاف فيقول :

واحر قلبي يا ابن بنت محمد *** لك والعدى بك أنجحت طلباتها

منعتك من نيل الفرات فلا هنا *** للناس بعدك نيلها وفراتها

وعلى الثنايا منك يلعب عودها *** و برأسك السامي تشال قناتها

ونساؤكم أسرى سرت بسراتها *** تدعو وعنها اليوم أين سراتها

هاتيك في حر الهجير جسومها *** صرعى وتلك على القنا هاماتها

بأبي وبي منهم محاسن في الثرى *** للحشر تنشر فخرهم حسناتها

وله في رثاء علي الاكبر ابن الامام الحسين (عليه السلام) أول الشهداء من بني هاشم ، مطلعها :

هو الوجد يذكيه الجوى في الجوانح *** فيجري بمنهل الدموع السوافح

ص: 59

66 بيتا.

وقال في مطلع مرثية في الحسين علیه السلام :

بناء المجد في شرف المساعي *** وعز النفس في كرم الطباع

تأس بآل احمد يوم خفوا *** اليها وثبة الاسد المراع

37 بيتا.

وأخرى يرثي بها العباس بن علي تحتوي على 74 بيتا مثبتة في مخطوطنا ( سوانح الافكار ) أولها.

أبا صالح ان العزا لمحرم *** ومنكم بني الزهرا استحل به الدم

ومن قصائد الشيخ كاشف الغطاء في الحسين علیه السلام وتنشر لاول مرة.

ماذا يذم المرء من أخلاقها *** دنيا ذعاف السم در فواقها (1)

بينا تريك بشاشة واذا بها *** حشدت عليك الرزء من آفاقها

ما راق منها مشرب الا وقد *** سلت عليه بارقات رقاقها

معشوقة لم ترتض في مهرها *** الا ببذل العمر من عشاقها

خضراء تهواها العيون ولم تكن *** في الخبر الا حنظلا بمذاقها

ما تم بدر مشرق في جوها *** الا رمته بخسفها ومحاقها

كم من وفي العهد قد غدرت به *** والغدر خير سجية بخلاقها

طرقت علي بمستقر ملمة *** ما خلت أن ابقى على استطراقها

نزلت بأقصى الري الا أنها *** قد سودت بالحزن وجه عراقها

لهفي على الظعن المجد الى العلى *** متحمل الاقمار فوق نياقها

سيقت ظعائنهم تخب وما دروا *** أن الحتوف تساق اثر مساقها

حتى اذا بلغوا وما بلغ المنى *** عثر القضا فكبت على أعناقها

ص: 60


1- الفواق فرع الناقة أو ثديها.

واستنزل البدر المشعشع مشرقا *** منه البدور تغار في اشراقها

واستخطف الاسد الملبد باسلا *** تعنوا له الآساد من اشفاقها

وانحط عن أوج الفخار بنسرها *** مردي نسور الجو في آفاقها

من سام هضب علاك يا سامي الذرى *** هضما فحطك عن سماء رواقها

هذا الذي خطبته أبكار العلى *** عن رغبة في مجده بصداقها

ذا حائز قصب المفاخر أن جرى *** كان المجلي فائزا بسباقها

وفي كتاب جنة المأوى من مؤلفات المترجم له قصيدة في يوم الغدير نظمها قبل أربعين سنة وتحتوي على 25 بيتا مثبتة في ديوانه الموجود في مكتبته العامة ، أولها.

امام الهدى هل أبدع اللّه آية *** لمعناه أسمى منك شأنا وأشمخا

كم استصرخ الاسلام يدعو فلم يجد *** لصرخته الا حسامك مصرخا (1)

ص: 61


1- أثبتناها في سوانح الافكار في منتخب الاشعار ج 4.

الشيخ محمد علي قسّام

المتوفى 1373 ه

يا راكبا هيماء اجهدها السرى *** تطوي مناسمها ربى ووهادا

عرج على وادي البقيع معزيا *** أسد العرين السادة الامجادا

اسد فرائسها الاسود اذا سطت *** ولرب اسد تفرس الآسادا

ماذا القعود وجسم سيدكم لقى *** في كربلا تخذ الرمال وسادا

تعدو عليه العاديات ضوابحا *** جريا فتوسع جانبيه طرادا

وتساق نسوتكم على عجف المطي *** أسرى تكابد في السرى الاصفادا

قوموا فقد ظفرت علوج أمية *** بزعيمكم وشفت به الاحقادا

رامت ودون مرامها بيض الضبا *** مشحوذة لم تألف الاغمادا

رامت تقود الليث طوع قيادها *** وأبى أبو الاشبال ان ينقادا

فسطاعليهم كالعفرني مفردا *** وأبادهم وهم الرمال عدادا

يسطو فيختطف النفوس بعضبه *** الماضي الشبا ويوزع الاجسادا

فتراه يخطب والسنان لسانه *** فيهم وظهر جواده أعوادا

فجلا عجاجتها ولف خيولها *** وطوى الرجال وفرق الاجنادا

وأباد فيلقها ابن حيدر بالظبى *** والسمر طعنا مخلسا وجلادا

حتى اذا شاء القضا انجازه *** العهد القديم فأنجز الميعادا

ومضى نقي الثوب تكسوه العلى *** فخرا طرائف عزة وتلادا

سهم أصابك يا ابن بنت محمد *** قلبا أصاب لفاطم وفؤادا

وأمض داء اي داء معضل *** أوهى القلوب وزعزع الاطوادا

سبي الفواطم للشام حواسرا *** أسرى تجوب فدافدا ووهادا

ولرب زاكية لاحمد ابرزت *** حسرى فجلببها الحيا أبرادا

ص: 62

تدعو أباها الندب نادبة له *** والطرف منها بالمدامع جادا

أتغض طرفا والحرائر أبردت *** من كربلا نحو الشام تهادى

الشيخ محمد علي قسام خطيب شهير ، فارس المنابر شارك في الثورة العراقية وجلجل صوته الجهوري وكنا نستمد من براعته واساليبه ونتعلم منه أساليب الخطابة ويظهر من أسلوبه الخطابي أنه درس المبادئ وأتقن النحو والصرف والمنطق والبلاغة والفقه والاصول وأضاف الى ذلك مطالعة الكتب الحديثة فأكسبته مرونة وعذوبة فكان يمتاز بتجسيد القصة وتجسيم الوقعة التي يتحدث عنها كواقعة كربلاء أو غيرها حتى كأنك تشاهدها وهو أقدر الخطباء على التأثير في النفوس.

كتب كثيرا والف ولا زلنا نحتفظ بمجاميع من خطه الجيد الذي يفوق ببراعته على الخطاطين وكل مؤلفاته في التاريخ والاخلاق والسيرة وقد طبع له بعد وفاته ( الدروس المنبرية ) ونظم الشعر في شبابه وراسل اخوانه وأخدانه وقد وقفت على مجموع له فيه عدة قصائد في آل الجواهر وآل القزويني وآل السيد صافي وال الكيشوان وفي قصاصات بخطه احتفظ بقصيدة له قالها في زواج السيد محمد الكيشوان مادحا بها عمه السيد كاظم الكيشوان ومطلعها :

قد قلب الصب في لحظ وقد *** ريم صقيل العارضين ذو غيد

وأخرى في زفاف الشيخ محمد حسين نجل المرحوم الشيخ علي آل الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر وأولها :

برزت لنا من خدرها تتهادى *** بيضاء تعطف اسمرا ميادا

ورنت بمقلة جؤذر متذعر *** في مسقط الوادي رأى صيادا

نار الجمال توقدت في خدها *** شعلا فشبت بالحشى ايقادا

ص: 63

وله في زفافه أيضا مهنيا بها ابن عمه الشيخ محمد حسن مطلعها :

أهاج قلبي بارق على أضم *** ألم في جنح من الليل ادلهم

وقد أثبت في مؤلفي سوانح الافكار في منتخب الاشعار ، الجزء الثالث صفحة 73 قصيدته التي يرثي بها الامام الحسين علیه السلام ، ومنها :

قلبي تصدع من وجد ومن ألم *** ومهجتي لم تزل مشبوبة الضرم

وها فؤادي بعد الظاعنين وها *** انسان عيني بعد البين لم ينم

كم لي وقد صوت الحادي بركبهم *** مدامع قد جرت ممزوجة بدم

يا راكبا حرة هيماء قد طبعت *** على المسير وقطع البيد والاكم

تشق قلب الفيافي في مناسمها *** فلا تكاد ترى من خفة القدم

عج بالمدينة واندب اسد غابتها *** من طبق الكون في باس وفي كرم

والضاربين بيوت العز فوق ذرى *** العلياء مثبتة الاطناب والدعم

هبو بني مضر الحمراء وانبعثوا *** كالاسد تحت شبا الهندية الخذم

لا صبر حتى تقودوا الخيل مسرجة *** جردا عليها من الفرسان كل كمي

لا صبر حتى تهزوا السمر مشرعة *** من كل أسمر في اللبات منحطم

فما لكم قد قعدتم والحسين لقى *** في كربلا قد قضى صادي الفؤاد ظمي

ورأسه فوق رأس الرمح مرتفع *** كالبدر اشرق في داج من الظلم

ما بال هاشم قد قرت ونسوتها *** بين العدى لم تجد من كافل وحمي

تغض طرفا وقدما كنت أعهدها *** على المذلة لم تهجع ولم تنم

وفي آخرها خطاب للامام الحسين علیه السلام :

ان تمس منعفرا فوق الصعيد لقى *** دامي الوريد برغم المجد والكرم

فقد قتلت نقي الثوب من دنس *** مهذبا من مسيس العار والوصم

والخطيب قسام يستحق أن يكتب عنه أكثر من هذا لان هناك جوانب من حياته مليئة بالعبقرية وما ظنك بخطيب جال أكثر المدن وملأها يقظة وكمالا ، ولد سنة 1299 بالنجف الاشرف في اسرة شريفة معروفة في الاوساط ولاشتهاره بالخطابة فقد حبب الى ابني

ص: 64

اخيه الشيخ جعفر والشيخ جواد ان يسلكا مسلكه فكانا خطيبين ناجحين مرموقين. عاش الخطيب قسام 74 عاما فقد وافاه الاجل ببغداد في المستشفى الملكي ليلة الجمعة 24 جمادي الاولى 1373ه- 29 كانون الثاني 1954 م وكان يوم مجيء جثمانه للنجف من الايام المشهودة فقد اقيمت على روحه عدة فواتح كما تبارى الخطباء والشعراء يوم أربعينه في مسجد الهندي بالنجف وكنت ممن شارك بقصيدة مطلعها :

سند الشريعة في جميع الاعصر *** هذي الروائع من خطيب المنبر

ذاك الذي يمسي ويصبح ناشرا *** علم الجهاد كقائد في عسكر

أمعلم الاجيال تنثر جوهرا *** فكأن صدرك معدن من جوهر

يا منبر الاسلام دمت متوجا *** بالانجبين وكل ليث قسور

يا منبر الاسلام دمت منورا *** طول الزمان بكل عقل انور

يا منبر الاسلام دمت مضمخا *** بالرائعات من الفم المتعطر

ومجالس هي كالمدارس روعة *** أم لكل مهذب متنور

المنبر العالي حكيم مبصر *** يصف الدواء بحكمة المتبصر

يا فارس الميدان عز علي أن *** تهوي وحولك سابغات الضمر

يا من اذا أرسلت لفظك لؤلؤا *** جرت العيون بلؤلؤ متحدر

أو قمت في أعلى المنابر خاطبا *** فكأن قولك ريشة لمصور

والقصيدة بكاملها نشرتها مجلة العرفان اللبنانية م 41 / 1164 وكانت رائعة الاستاذ حسن الجواهري - أمين مكتبة النجف يومذاك هي من أفخر الشعر ويحضرني مطلعها :

قالوا نعيت فقلت المنبر اضطربا *** غاض البيان ومصباح الندي خبا

ص: 65

الشيخ عبد الكريم العوامي

المتوفى 1373

هل المحرم فاستهلت ادمعي *** وورى زناد الحزن بين الاضلع

مذ أبصرت عيني بزوغ هلاله *** ملأ الشجا جسمي ففارق مضجعي

وتنغصت فيه علي مطاعمي *** و مشاربي وازداد فيه توجعي

اللّه يا شهر المحرم ما جرى *** فيه على آل الوصي الانزع

اللّه من شهر اطل على الورى *** بمصائب شيبن حتى الرضع

شهر لقد فجع النبي محمد *** فيه واي موحد لم يفجع

شهر به نزل الحسين بكربلا *** في خير صحب كالبدور اللمع

فتلألات تلك الربوع بنوره *** و علت على هام السماك الارفع

هو أحد الفضلاء وعلماء المنطق والبيان يتحلى بالنباهة والفقاهة ، ولد سنة 1319 وتوفي سنة 1373 ودفن بكربلاء المقدسة وكانت دراسته في النجف الاشرف اكثرها عند المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه اللّه ، ومن آثاره وتآليفه كتاب ( الدر النضيد في رد مستنكر مأتم الامام الشهيد ) وديوان شعره الذي اسماه ب ( سبحات القدس ) و ( تعليقة على الكفاية ) للسيد الخونساري. ترجم له الخطيب الاديب صديقنا الشيخ سعيد آل ابي المكارم في مؤلفه ( اعلام العوامية في القطيف ) وذكر جملة من القصائد التي قيلت في تأبينه كما ذكر عدة قصائد من شعره في الامام الحسين علیه السلام جزاه اللّه خير الجزاء.

ص: 66

محمد هاشم عطية

المتوفى 1372

سما فوق النجم محتده الاسمى *** وحير في آثاره النظم والنثرا

وأرمد أجفان العلا من طلابه *** معاقد مجد توهن العزم والحزما

وجارته هوج الريح تبغيه ضلة *** فما أدركت شأوا ولا بلغت مرمى

حسين ومن مثل الحسين وانه *** لمن نبعة الوحي المقدس اذ يسمى

أبوه علي نافح الشرك قبله *** ورد على أعقابه الجور والظلما

بناها فأعلى والسوابق ترتمي *** بابطال بدر دونها تعلك اللجما

وصبحها هيجاء من حيث شمرت *** فانسى الجبان الحرب والبطل القدما

فصار له ذاك الفخار الذي به *** علت شوكة الاسلام دون الورى قدما

ولم يخش يوم الغار ان أرصدوا له *** على الحتف سيفا او يرشوا له سهما

فقام وفي برديه أنوار غرة *** يكاد لدى اشراقها يبصر الاعمى

فلما رأوه عاينوا الموت جاثما *** فطاروا شعاعا لم يجد لهم عزما

وقالوا : علي سله اللّه صارما *** ليوسع دار الكفر من بأسه هدماً

علي بناه اللّه اكرم ما بنى *** وعلمه من فضله العلم والحلما

حوى بالحسين الحمد والمجد والندى *** ونور الهدى والبأس والجسد الضخما

ولكن قوما تبر اللّه سعيهم *** أرادوا به حربا وكان لهم سلما

فاخفوا دبيب الكيد عنه وجردوا *** كتائب تستسقي الدماء اذا تظمى

فلما رأى أن لا مقام وانها *** لنفس الابي الحر لا تحمل الضيما

تيمم من ارض الفراتين مزجيا *** قلائص لم يعرفن في دوها وسما

عليهن من آل الرسول عصابة *** تدانى عليها من يمانية رقما

كواكب حول ابن البتول اذا اعتزوا *** توسمته من بينهم قمرا تما

ص: 67

ومن مثله في الناس أكرم والد *** ومن هي كالزهراء فاطمة اما

مشى ركبه لو تعلم البيد أنه *** الحسين لعلت من مواطئه لثما

كما مسحت ركن الحطيم يد ابنه *** فكاد اشتياقا يمسك الراحة العظمى

فالقى على الطف الرحال ومادرى *** بأن القضاء الحتم في سبطه حما

فيا بؤس يوم الطف لم يبق مشرق *** ولا مغرب لم يسقه الحزن والهما

ولا بقعة الا مضرجة دما *** ولا قلب الا وهو منفطر يدمى

ومال الضحى بالشمس فيه وبدلت *** من النور في الافاق أرديه سحما

لمستشهد في كربلاء زهت به *** مفاخر عدنان لخير الورى ينمى

لافضل من لبى وأكرم من سعى *** وأطهر من ضم الحجيج ومن أما

فشلت يمين أيتمت من بناته *** عقائل لم يعرفن من قبله اليتما

من الخفرات البيض ماذقن ساعة *** هوانا ولا بؤسا رأين ولا عدما

رأتها الفيافي سادرات ومارعوا *** لهن ذماما لا ولا عرفوا رحما

عتاقا على الاقتاب يخمشن أوجها *** ملوحة تشكو بأعينها السقما

وفيهن مرنان النحيب تولهت *** فأنحت بكفيها على خدها لطما

اذا رجعت منها الحنين تقطعت *** نياط وهزت من قواعدها الشما

ومن يك مثلي بالحسين متيما *** فلا عجب أن يحرز النصر والغنما

مناط مثوبات ومهبط حكمة *** وكنز تقى تمت به وله النعمى

محمد هاشم عطية استاذ بارع وأديب كبير له شهرته في مصر والعراق والعالم العربي فهو أستاذ الادب العربي بجامعة فؤاد الاول بالقاهرة ، وهو استاذ الادب العربي بدار المعلمين العالية في بغداد يعجبك أسلوبه وأدبه ظهر ذلك في مواقف له منها رائعته التي نشرتها مجلة الاعتدال النجفية عنوانها : النجف الاغر وهذه هي :

أمن بغداد أزمعت الركابا *** وخليت المنازل والصحابا

وأنت بغيدها كلف تمنى *** لو أنك قد لبست بها الشبابا

وانك كنت لا تقني حياء *** ولا تخشى على فند عتابا

لخود قد زهاها الحسن حتى *** خلعن له من الدل النقابا

يرحن موائسا ويفحن عطرا *** وما ضمخن من عطر ثيابا

ص: 68

يساقطن الحديث كأن سلكا *** نثرن به لآلئه الرطابا

وانك اذ ترجيها لوعد *** لكا الضمأن اذ يرجوالسرابا

وان لبست عبائتها وأرخت *** مآزرها وآثرت الحجابا

ارتك اذا انثنت للحين كفا *** تزين من أناملها الخضابا

وجيدا حاليا ورضاب ثغر *** تذم لطعمه الشهد المذابا

تسائلني وانت بها عليم *** كأنك لست معمودا مصابا

أجدك هل سألت بها حفيا *** فصدق عن دخيلتها الجوابا

وهل أخفيت شجوك عن مليم *** تهانف حينما شهدت وغابا

وهل ارسلت من زفرات قلب *** تعلقها على مقة (1) وتابا

وأقصر عنه باطله وماذا *** يرجي المرء ان قوداه شابا

وليس له على الستين عذر *** اذا قالوا تغازل أو تصابى

فعد عن الصبا والغيد واطلب *** الى الاشياخ في النجف الرغابا

ففي النجف الاغر أروم صدق *** حلا صفو الزمان بها وطابا

عشقت لهم - ولم أرهم - خلالا *** تر الاحساب والكرم اللبابا

متى ماتأث منتجعا حماهم *** تربعت الاباطح والهضابا

لقيت لديهم أهلى وساغت *** الى قلبي موتهم شرابا

وهل انا ان أكن أنمى لمصر *** لغير نجارهم أرضى انتسابا

عجبت لمادح لهم بشعر *** ولا يخشى لقائلهم معابا

وان ينظم وليدهم قريضا *** أراك السحر والعجب العجابا

غرائب منهم يطلعن نجدا *** ويزحمن الكواكب والسحابا

أولئك هم حماة الضاد تعزى *** عروقهم لاكرمها نصابا

واوفاها اذا حلفت بعهد *** واطولها اذا انتسبت رقابا

وكيف وفيهم مثوى علي *** بنوا من فوق مرقده قبابا

وقدما كان للبطحاء شيخا *** وكان لقبة الاسلام بابا

نجي رسالة وخدين وحي *** اذا ضلت حلومهم أصابا

وماكأبي الحسين شهاب حرب *** اذا الاستار ابرزت الكعابا

وليس كمثله ان شئت هديا *** ولا ان شئت في الاخرى ثوابا

ولا كبنيه للدنيا حليا *** ومرحمة اذا الحدثان نابا

متى تحلل بساحتهم تجدها *** فسيحات جوانبها رحابا

وان شيمت بوادقهم لغيث *** تحدر من سحائبه وصابا

ص: 69


1- المقة : الحب.

هم خير الائمة من قريش *** واذكاهم وأطهرهم اهابا

حباهم ربهم حلما وعلما *** ونزل في مديحهم الكتابا

وحببهم الى الثقلين طرا *** وزادتهم لسدته اقترابا

فمن يك سائلا عنهم فاني *** أنبئه اذا احتكم الصوابا

فلن تلقى لهم ابدا ضريبا *** اذا الداعي لمكرمة أهابا

مصابيح على الافواه تتلى *** مدائحهم مرتلة عذابا

وما دعي الاله بهم لامر *** تعذر نيله الا استجابا

نشرت مجلة البيان النجفية في سنتها الاولى صفحة 521 تحت عنوان : الاستاذ هاشم عطية في النجف. وقال زار سعادة الاستاذ الكبير هاشم عطية الاديب الكبير والاديب المصري المشهور وأستاذ الادب العربي بدار المعلمين العالية ببغداد وزار جمعية الرابطة الادبية وقوبل بالترحاب والتقدير وحفاوة بالغة وكانت زيارته مساء 4 / 4 / 1947 وقد دعت الجميعة طبقات الادباء والشعراء والشباب المثقف وكان مع المحتفى به الاستاذ حسين بستانة فحياه من أعضاء الرابطة الاستاذ صالح الجعفري بكلمة والعلامة الشيخ علي الصغير بقصيدة والشاعر عبد الرسول الجشي بقصيدة والشاعر الرفيق السيد محمودالحبوبي سكرتير الجمعية بقصيدة ثم تقدم المحتفى به الاستاذ هاشم عطية فألقى قصيدة عنوانها : تحية النجف وكانت من الشعر العالي. ولا عجب فالشاعر عطية أديب كبير وشاعر فحل وعالم فذ ، وأعقبه الشاعر هادي الخفاجي بقصيدة جارى بها قصيدة المحتفى به وزنا وقافية وفكرة فكانت مفاجئة بديعة سارة ، وفي صباح اليوم الثاني زار الاستاذ عطية مرقد الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانجذب كثيرا لتلك الروحانية.

توفي بتاريخ 13 / 10 / 1953 ترجم له الاستاذ يوسف اسعد داغر في كتابه ( مصادر الدراسة الادبية في البلاد العربية ) المطبوع ببيروت سنة 1972.

ص: 70

الشيخ قاسم المُلا

المتوفى 1374 ه

هل العيش بالدهناء يا مي راجع *** وهل بقيت للشوق فيك مطامع

ربوع عفت من ساكنيها فأصبحت *** برغم أهيل الحي وهي بلاقع

وقفت بها والقلب يقطر عندما *** من الجفن اذ عزت عليه المدامع

اسائلها والوجد يذكي أواره *** وقد حنيت مني عليه الاضالع

عراص الغضا أقوت ربوعك بعدما *** بهن لارباب الغرام المجامع

كأن لم يجدك الغيث بعدي بدره *** ولا روضت منك الربى والاجارع

ولا رفرف النسم الشمالي موهنا *** ولا أو مضت فيك البروق اللوامع

ولا خطرت فيك الظباء سوانحا *** وغنت على البانات منك السواجع

ولآئمة قد صارعتني بلومها *** غداة رأتني للهموم أصارع

وقالت أتبكي أرسما بان أهلها *** وطوح فيها السير والسير شاسع

اميم فما أبكي لحي ترحلوا *** ولا أنا للدارات والجزع جازع

ولكن بكائي للحسين ورهطه *** ومن لهم بالطف جلت مصارع

بيوم به هبت الى الضرب غلمة *** عزائمهم والماضيات قواطع

بكل فتى ما بارح الطعن رمحه *** ولا بارحت منه النزال الوقايع

* * *

اذا ما دعاه صارخ بعد هجعة *** فقبل انقطاع الصوت منه يسارع

تغذى بثدي الحرب إذ هي امه *** وكلهم من ذلك الثدي راضع

يروعون اما اقدموا في نزالهم *** وما راعهم في حومة الموت رائع

كأن الردينيات بين اكفهم *** صلال ذعاف الموت فيهن ناقع

لقد رفعت من عثير النقع خيلهم *** سماء بها نجم الاسنة طالع

ص: 71

الى أن هووا صرعى وما لغليلهم *** بهاجرة الرمضا سوى الدم ناقع

فعاد ابن طه لم يجد من مدافع *** فديتك يا من بان عنك المدافع

فأيقضت الاعداء منه ابن نجدة *** على الضيم منه الطرف ما قط هاجع

تراه الاعادي دارعا في مضافة *** ولكنه بالصبر في الروع دارع

اذا رن طبل الحرب غنى حسامه *** قفا نبك من رقص الطلى يا قواطع

وان أظلم الميدان من نقع طرفه *** فأحسابه والماضيات نواصع

وان غيمت يوما سحائب عزمه *** بماء الطلى تنهل فهي هوامع

الى أن هوى فوق الثرى وجبينه *** بلألائه للشمس والبدر صادع

وغودر في عفر الرغام رمية *** ورضت بقب الخيل منه الاضالع

فضجت له السبع الطباق وأعولت *** وعجت على الآفاق سود زعازع

يعلى على الخطي جهرا كريمه *** فيبصر بدر منه في الافق طالع

عجبت له رأسا بأبرجة القنا *** ترائى خطيبا فهو بالذكر صادع

وعادت نساه للمغاوير مغنما *** تجاذب ابراد لها وبراقع

يعز على الندب الغيور سباؤها *** يجاب بها فج الفلا والاجارع

وهاك استمع ما يعقب القلب لوعة *** وتسكب فيه للعيون المدامع

يفاوضها شتما يزيد بمجلس *** وما هي الا للنبي ودائع

ويوضع راس السبط تحت سريره *** فيا شل اذ يغدو له وهو قارع

بني الوحي لا أحصي جميل ثنائكم *** وقد خرست فيه الرجال والمصاقع

عليكم سلام اللّه ما بعزاكم *** من العين تهمي فيه سحب هوامع

الشيخ قاسم من خطباء الحلة ناظما وناثرا وخطيبا محققا له شهرته الخطابية ، واذكر أني راسلته مرة مستوضحا منه عن قائل القصيدة الهائية التي تنسب لاحد أشراف مكة فأجابني بأنها تنسب لاكثر من واحد منهم ولا شك أنها لهم ومنهم خرجت. ولد سنة 1290 ه وقد تقدمت ترجمة والده المرحوم الشيخ محمد الملا وقد سار هذا الولد على ضوء الوالد وتأدب على يده ومنه تلقى فن الخطابة ورواية الشعر ، ويقول اليعقوبي في البابليات : وكان جل تحصيله الادبي من الشاعر المجيد الحاج حسن القيم فكان يعرض عليه كثيرا من قصائده ورأيت في هذه السنة وهي سنة 1398 ه وأنا في الحلة في منزل ولد المترجم له ، الملا عبد الوهاب ابن الشيخ قاسم الملا أقول رأيت من آثاره الادبية والشعرية مخطوطات كثيرة

ص: 72

تدل على أدب واسع وتضلع في الاخبار والعقائد والمناظرات كما حدثني ابن اخته السيد حبيب الاعرجي - احد خطباء النجف - بكثير من روائعه ومواقفه الخطابية.

عاش 84 سنة حيث ودع الحياة ليلة الاربعاء رابع ربيع الثاني 1374 ه وحمل الى النجف بموكب من الحليين ودفن بوادي السلام واقيمت له الفواتح ورثي بكثير من القصائد ، وقد استعرت ديوانه من الاخ البحاثة السيد جودت القزويني وتصفحته ونقلت عنه بعض ما اردت اذ أن الديوان يضم كثيرا من الشعر وهو وثيقة تأريخية مفيدة والجدير بالذكر أن أكثر ما في الديوان هو في الاسرة القزوينية المشهورة بعلمها وأدبها وشرفها في الحلة الفيحاء.

ومن شعره في علي الاكبر بن الحسين شهيد الطف :

وحق الهوى العذري لست ارى عذرا *** لصب يواتي بعد بعدكم الصبرا

ولست أرى يحلو لعيني منامها *** وما عاشق من لم تكن عينه سهرى

يقولون لي بالعرف صابر هواهم *** واني أرى صبري بشرع الهوى نكرا

أجيرتنا بالجزع جار غرامكم *** وجرعتموني يوم ودعتم مرا

سلوا الليل عني هل أذوق رقاده *** وهل انا قد سامرت الا به الزهرا

ولم يشجني ركب أجد مسيره *** كركب حسين حين جد به المسرى

سروا عن مغاني طيبة وحدت بهم *** نجائب تطوي في مناسمها القفرا

الى ان اناخوا بالطفوف قلاصهم *** وحادي نواهم بعد شقشقة قرا

فما عشقوا فيها سوى البيض رونقا *** ولا سامروا الا المثقفة السمرا

فواثكل خيرالرسل اكرم فتية *** بهم عرقت للفخر فاطمة الزهرا

فيا راكب الوجناء تسبق طرفه *** اذا ما فلت اخفافها السهل والوعرا

تجوب الفيافي لا تمل من السرى *** اذا غرد الحادي وحنت الى المسرى

أقم صدرها ان جئت اكناف طيبة *** ومن طيبها تستنشق الند والعطرا

هنالك فاخضع واخلع النعل والتثم *** ثراها وقل والعين باكية عبرى

اليك رسول اللّه جئت معزيا *** بقاصمة للدين قد قصمت ظهرا

شبيهك في الاخلاق والخلق أودعت *** محاسنه في كربلا بثرى الغبرا

ذوى غصنه من بعدما كان يانعا *** وبالرغم ريح الحتف تقصمه قسرا

فيا ليل طل حزنا فليلى بنوحها *** وأجفانها ان جنها ليلها سهرى

ص: 73

تعط الحشا لا البرد حزنا على ابنها *** وأدمت اديم الخد من خدشها الظفرا

فما أم خشف أدركته على ظما *** وخوف حبالات نأت في الفلا ذعرا

بأوجد منها حين للسبط عاينت *** ومنه صقيل الوجه حزنا قد اصفرا

أعيدي دعاء الام يا ليل انني *** أرى ابنك في اعداه يغتنم النصرا

فأرخت على الوجه المصون اثيثها *** وطرف أبيه السبط من طرفها أجرى

ولم أنسه لما عليه قد انحنى *** واحشاؤه حزنا مسعرة حرى

ينادي على الدنيا العفا ونداؤه *** عليه عظيم شجوه يصدع الصخرا

بني جرحت القلب مني فلم أجد *** لجرحك طول الدهر غورا ولا سبرا

بني تركت العين غرقى بدمعها *** وجذوة قلبي حرها يضرم الجمرا

اذا رمت أن اسلو مصابك برهة *** تهيجني فيه الكئابة بالذكرى

ومن شعره في أهل البيت يذكر مصائبهم :

أغار الاسى بين الضلوع وأنجدا *** فصوب طرفي الدمع حزنا وصعدا

ولي كبد رفت لفقد احبتي *** غداة نأوا والعيس طار بها الحدا

وقد كنت رغد العيش في قرب دارهم *** فمذ بعدوا عني غدا العيش أنكدا

اسرح طرفي في ملاعب حورهم *** فلم أر لا خودا هناك وخردا

وما كان يعشو الطرف قبل فراقهم *** لانهم كانوا لطرفيه اثمدا

وبالتلعات الحمر من بطن حاجر *** غرام أقام القلب مني وأقعدا

ظللت أنادي والركائب طوحت *** بصبري وماري الندا بسوى الصدى

أأحبابنا هل أوبة لاجتماعنا *** أم الشمل بعد الظاعنين تبددا

ولم يشجني ربع خلا مثل ماشجى *** فؤادي ربع قد خلا من بني الهدى

نوى العترة الهادين أضرم مهجتي *** وبين حنايا أضلعي قد توقدا

خلت منهم تلك العراص فأقفرت *** وقد عصفت فيهن عاصفة الردى

وكانوا مصابيحا لخابطة الدجى *** اذا قطعت في الليل فجا وفدفدا

تنير به أحسابهم ووجوههم *** فبعدهم ياليت أطبق سرمدا

ونار قراهم قد رآها كليمه *** فعاد بها في أهله واجدا هدى

وسحب أياديهم يسح ركامها *** ومنهلهم للوفد قد ساغ موردا

قضوا بين من أرداه سيف ابن ملجم *** فأبكى أسى عين البتول واحمدا

ومابين من أحشاه بالسم قطعت *** وقد نقضوا منه عهودا وموعدا

وصدوه عن دفن بتربة جده *** وأدنوا اليه من له كان أبعدا

ص: 74

ولم تخب نيران الضغائن منهم *** ولا قلب رجس من لظى الغيظ ابردا

الى أن تقاضوا من حسين ديونهم *** فروت دماه المشرفي المهندا

أتته بجند ليس يحصى عديده *** ولكنه من يوم بدر تجندا

وساموه ذلا أن يسالم طائعا *** يزيد وأن يعطي لبيعته يدا

فهيهات ان يستسلم الليث ضارعا *** ويسلس منه لابن ميسون مقودا

فجرد بأسا من حسام كانما *** بشفرته الموت الزؤام تجردا

اذا ركع الهندي يوما بكفه *** تخر له الهامات للارض سجدا

وأعظم ما أدمى مآقيه فقده *** أخاه ابا الفضل الذي عز مفقدا

رآه وبيض الهند وزع جسمه *** وكفيه ثاو في الرغام مجردا

فنادى كسرت الآن ظهري فلم اطق *** نهوضا وجيش الصبر عاد مبددا

وعاد الى حرب الطغاة مبادرا *** عديم نصير فاقد الصحب مفردا

ومازال يردي الشوس في حملاته *** الى أن رمي بالقلب قلبي له الفدا

فمال على الرمضا لهيف جوانح *** بعينيه يرنو النهر يطفح مزبدا

مصاب له طاشت عقول ذوي الحجى *** اذا ما تعفى كل رزء تجددا

وما بعده الا مصاب ابي الرضا *** كسا الدين حزنا سرمديا مخلدا

أتهدأ عين الدين بعد ابن جعفر *** وقد مات مظلوما غريبا مشردا

فعن رشده تاه الرشيد غواية *** وفارق نهج الحق بغيا وأبعدا

سعى بابن خير الرسل يا خاب سعيه *** فغادره رهن الحبوس مصفدا

ودس له سما فأورى فؤاده *** فكل فؤاد منه حزنا توقدا

وهاك استمع ما يعقب القلب لوعة *** وينضحه دمعا على الخد خددا

غداة المنادي اعلن الشتم شامتا *** على النعش يا للناس ما أفضع الندا

أيحمل موسى والحديد برجله *** كما حمل السجاد عان مقيدا

وللشيخ جاسم الملة خطيب الفيحاء يهنئ الشيخ شمعون في عرسه ويهنئ به السيد ابراهيم السيد محمد رحمه اللّه .

اسفرت تخجل ضوء القمر *** بنت حسن بين أقمار الكلل

طاف قلبي في هواها وسعى *** حين الفاه طريقا مهيعا

ولها لبى فؤادي مسرعا *** فأظلته بليل الشعر

فاهتدى التشبيب فيها والغزل

ص: 75

نشأت بين سجوف وستور *** ونمت انسية في زي حور

أكؤس السحر بعينيها تدور *** فحبتني من لماها المسكر

قرقفا صرفا بعل ونهل

ان رنت في لحظها قلت الحسام *** أوبدت قلت هي البدر التمام

اسقمتني فعلى جسمي السلام *** ورمت عيني بداء مسهر

اي وما في الرأس شيبي اشتعل

يا خليلي انشرا ذكر الدمى *** واطويا عني تذكار الحمى

وارحما صبا بليلى مغرما *** ودعاني اليوم اقضي وطري

ولام العاذل اليوم الهبل

اقول ويستمر في التشبيب والغزل الى أن يقول :

همت في ذكر المعالي شغفا *** وزلال الوصل لي منها صفا

حيث في عرس ابن حمون الصفا *** تنثني العليا كغصن نضر

قد كساها حسنها أبهى الحلل

نال بالتقوى وبالزهد المرام *** واليه العلم قد القى الزمام

فارتقى من غارب المجد السنام *** وزكا فيه زكي العنصر

وسما فيه الى اسمى محل

منطق التصريح فيه أعلنا *** حيث قد كان اللبيب الفطنا

قمع الغي وأحيا السننا *** وبه جاء صحيح الخبر

انه في العلم فرد والعمل

وقال وقد اهدى نبقا الى أحد اخوانه :

مكارمك البيض التي لا أطيقها *** بعد وقد جازت بك الغرب والشرقا

فأهديت نبقا نحوكم متفائلا *** به اننا في لطفكم ابدا نبقى

ص: 76

رثاؤه للامام الحسين في مطلع قصيدة حسينية :

أهاجك برق كاظمة لموعا *** فزدت به على شغف ولوعا

وقال في مطلع هلال محرم الحرام قصيدة مطلعها :

غب يا هلال محرم بحداد *** حزنا على آل النبي الهادي

وأخرى في الامام الحسن الزكي السبط الاكبر وأولها :

هجرت الكرى ولذيذ الوسن *** لما ناب سبط النبي الحسن

وله رائعة في عقيلة الوحي زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين أولها :

تجنى علي الحب وهو محبب *** وأمرضني وهو الطبيب المجرب

ومنها في تعيين قبرها في ضيعة ( راوية ) بالشام :

لمرقدها بالشام تروي ثقاتها *** وقيل بمصر ، ان هذا لاعجب

لمرقدها بالشام دلت خوارق *** بها ينجلي من ظلمة الشك غيهب

وفي آخرها :

واني ارجو أن أزورك قاصدا *** فمنك ومن آبائك الخير يطلب

عليكم سلام اللّه ما دام ذكركم *** أفوه به بين الانام واخطب

للشيخ قاسم الملا لما زار مرقد الامام الحسين علیه السلام في العشرين من صفر سنة 1311.

زرت ابن خير الورى جميعا *** والنفس قد ادركت مناها

شممت روح الجنان لما *** شممت ريحانة ابن طاها

ص: 77

الحاج عبد الحسين الازري

المتوفى 1374

رسول الاباء.

عش في زمانك ما استطعت نبيلا *** واترك حديثك للرواة جميلا

ولعزك استرخص حياتك انه *** أغلى والا غادرتك ذليلا

شأن التي أخلفت فيك ظنونها *** فجفتك واتخذت سواك خليلا

تعطي الحياة قيادها لك كلما *** صيرتها للمكرمات ذلولا

كالخيل ان عرفتك من فرسانها *** جعلتك تعتقد اللجام فضولا

العز مقياس الحياة وضل من *** قد عد مقياس الحياة الطولا

قل : كيف عاش ، ولا تقل كم عاش *** من جعل الحياة الى علاه سبيلا

لا غرو ان طوت المنية ماجدا *** كثرت محاسنه وعاش قليلا

* * *

ما كان للاحرار الا قدوة *** بطل توسد في الطفوف قتيلا

بعثته اسفار الحقائق آية *** لا تقبل التفسير والتأويلا

لا زال يقرؤها الزمان معظما *** من شأنها ويزيدها ترتيلا

يدوي صداها في المسامع زاجرا *** من عل ضيما واستكان خمولا

ص: 78

أفديك معتصما بسيفك لم تجد *** الاه في حفظ الذماركفيلا

خشيت أمية أن تزعزع عرشها *** والعرش لولاك استقام طويلا

بثوا دعايتهم لحربك وافترى *** المستأجرون بما ادعوا تضليلا

من أين تأمن منك ارؤس معشر *** حسبتك سيفا فوقها مسلولا

طبعتك اهداف النبي وذربت *** يدها شباتك وانتضتك صقيلا

فاذا خطبت رأوك عنه معبرا *** واذا انتميت رأوك منه سليلا

أو قمت عن بيت النبوة معربا *** وجدوا به لك منشأ ومقيلا

قطعوا الطريق - لذا عليك - والبوا *** من كل فج عصبة وقبيلا

وهناك آل الامر اما سلة *** أو ذلة فأبيت الا الاولى

ومشيت مشية مطمئن حينما *** أزمعت عن هذي الحياة رحيلا

تستقبل البيض الصفاح كأنها *** وفد يؤمل من نداك منيلا

فكأن موقفك الابي رسالة *** وبها كأنك قد بعثت رسولا

نهج الاباة على هداك ولم تزل *** لهم مثالا في الحياة نبيلا

وتعشق الاحرار سنتك التي *** لم تبق عذرا للشجا مقبولا

* * *

قتلوك للدنيا ولكن لم تدم *** لبني أمية بعد قتلك جيلا

ولرب نصر عاد شر هزيمة *** تركت بيوت الظالمين طلولا

حملت ( بصفين ) الكتاب رماحهم *** ليكون رأسك بعده محمولا

يدعون باسم ( محمد ) وبكربلا *** دمه غدا بسيوفهم مطلولا

لو لم تبت لنصالهم نهبا لما *** اجترأ ( الوليد ) فمزق التنزيلا

تمضي الدهور ولا ترى الاك في *** الدنيا شهيد المكرمات جليلا

وكفاك تعظيما لشأوك موقف *** أمسى عليك مدى الحياة دليلا

ما أبخس الدنيا اذا لم تستطع *** أن توجد الدنيا اليك مثيلا

بسمائك الشعراء مهما حلقوا *** لم يبلغوا من ألف ميل ميلا

الحاج عبد الحسين الازري (1) من شعراء العراق اللامعين حر

ص: 79


1- لقب الشاعر بالازري من جهة اخواله الذين منهم الملا كاظم الازري المتوفى 1212.

التفكير والعقيدة ومن اوائل دعاة التحرير وقد أصدر في العهد العثماني جريدة ببغداد كانت من اوائل الجرائد ان لم تكن أول جريدة طالبت بحقوق العرب وحريتهم وقد نفاه الاتراك وحبس في الانضول ولم يكن يعرف له هذه الشاعرية الفياضة الا القليل حتى ظهر لاول مرة بسوق عكاظ ببغداد ، وكان من المجلين في تلك الحلبة ، ثم اشتهر بعد ذلك كشاعر متحرر سلس العبارة محكم القافية ، ولشعره طابع خاص قل الذين يجارونه فيه عذوبة ، ومن رباعياته التي يرددها الناس في معرض الامثال قوله :

عبث الختل بالطباع وكانت *** كنبات ثماره الاخلاق

صاح لولا النفاق لم يعش النا *** س ولولاهم لمات النفاق

وله ديوان شعر يصور فيه أفكار جيل كامل بكل نزعاته تصويرا غاية في البراعة ولكن ليس من هم بطبع هذا الديوان مع وجود المبلغ الذي رصده له المرحوم نفسه مما خلف من الميراث.

وترجم له البحاثة الطهراني في نقباء البشر وقال : كان يتقن اللغة التركية والفارسية مضافا الى الفرنسية وقرض الشعر وهو دون الخامسة عشرة فأجاد وأبدع على صغر سنه وتعاطى التجارة واشتغل بالسياسة وجال في عالم الصحافة.

أصدر جريدة الروضة في سنة 1327 وكانت أدبية سياسية برز عددها الاول في 22 حزيران 1909 وعطلتها الحكومة بعد مرور اقل من سنة فأصدر في سنة 1328 جريدة ( مصباح الشرق ) وكانت سياسية ظهر العدد الاول منها في الأول من آب 1910 واستمرت تصدر بانتظام سنة كاملة ثم عطلتها الحكومة. وكان يدير ادارة مجلة ( العلم ) التي أصدرها العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني في 1328 = 1910 عندما أصدرها اول الامر في بغداد ، ثم اصدر جريدة المصباح في سنة 1329 وكان سياسية ، وقد ظهر العدد الاول منها في سابع آذار سنة 1911 ثم اصدر جريدة ( المصباح الاغر ) وبرز

ص: 80

عددها الاول في 14 تشرين الثاني 1911 واستمرت تصدر بانتظام حتى قامت الحرب العالمية الاولى فعطلتها الحكومة ونفت صاحبها الى الانضول. وفي سنة 1343 اصدر مجلة ( الاصلاح ) شهرية صدر عددها الاول في غرة محرم الموافق ثاني آب 1924 وكان نادي الاصلاح في بغداد يتولى ادارتها والانفاق عليها ، وقد توقفت بعد صدور العدد الثاني على الرغم من اقبال الناس عليها.

ولد الحاج عبد الحسين في بغداد سنة 1298 ه وترعرع في زمن كثرت فيه الانتفاضات على النظم السياسية وعلى العادات والتقاليد البالية ، من أجل ذاك نشأ وهو ثورة ادبية اجتماعية سياسية وعندما تقرأ ديوانه يرتفع بك الى جو مواج بهذه الالوان ، وفي سنة 1911 م اصدر جريدة المصباح ثم عطلتها شؤون الحرب العامة الاولى ، وحيث أن الادب الافرنسي واسع الخيال وكان الشاعر يتقن الافرنسية فكان محلقا في خياله ومبدعا في أسلوبه القصصي كتب الشيخ علي الشرقي عنه فقال (1) : كنت أنا والفقيد الغالي نختلف على تلعة من تلعات بلد النجوم لبنان ، وذلك في صيف 1951 وكنا ننعم باستجلاء اجمل صور الماضي الاجتماعية والادبية. وفي يوم من أيام هذه الندوة ونحن نتناشد المختار من الشعر واذا بالشيخ يضع بين يدي ديوانا من شعره لا اشذ اذا قلت اني وجدته المختار من المختار ، وليس للاستاذ الازري ديوان واحد ولكن هذا المجموع كان الحبيب اليه من شعره. لم يبهرني ذلك الديوان بديباجته المشرقة ولا لانه مجموعة صور رسمتها ريشة خلاق بل لاني وجدته وعاء انيقا في قراراته روح الشاعر الشاعر ، وفي جنباته قلبه المشع وعاطفته الملتهبة ، وقال ثلاثة اجيال وآل الازري يطلعون في أفق الادب العراقي ثلاثة نوابغ : أولهم الشيخ كاظم الازري ، وآخرهم ولا أقول أخيرهم الاستاذ الفقيد ، وواسطة العقد هو الشيخ محمد رضا (2) اما الشيخ كاظم فلم يكن في بغداد اشهر

ص: 81


1- في مقال تحت عنوان : الاستاذ الازري الكبير نشر في مجلة العرفان ج 42 / 534.
2- ترجمنا لهم في هذه الموسوعة.

منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي ، كما انه كان في الطليعة من شعراء النجف ونوابغها على كثرة ما في تلك المدينة من النوابغ يومذاك مثل آل الفحام وآل النحوي وآل محيي الدين وآل الاعسم وبيت زوين ووو.

يتخيل البعض انه من أسرة الحاج كاظم الازري الشاعر الشهير والذي تقدمت ترجمته - وليس بين الاسرتين علاقة الا علاقة الادب دون النسب ، حدثني الصديق الاستاذ جعفر الخليلي أنه سمع من الحاج عبد الحسين الازري نفسه انه ينفي هذه النسبة عن طريق الآباء والامهات وليس في ذلك غرابة فلقب الازري نسبة الى بيع الازر وقد يشترك الآلاف من الناس بهذه المهنة دون أن تكون بينهم قرابة أو يكون هنالك نسب.

وكتب عنه الاستاذ الكبير جعفر الخليلي في موسوعة ( العتبات المقدسة ) فقال الحاج عبد الحسين الازري من شعراء العراق اللامعين ، حر التفكير والعقيدة ومن اوائل دعاة التحرير. وقد اصدر في العهد العثماني جريدة ببغداد، كانت من اوائل الجرائد ان لم تكن أول جريدة طالبت بحقوق العرب وحريتهم ، وقد نفاه الاتراك وحبس في الانضول ، ولم يكن أحد يعرف له هذه الشاعرية الفياضة الا القليل حتى ظهر لاول مرة بسوق عكاظ ببغداد ، وكان من المجلين في تلك الحلبة ثم اشتهر بعد ذلك كشاعر متحرر سلس العبارة محكم القافية ، ولشعره طابع خاص قل الذين يجارونه فيه عذوبة.

له ديوان شعر يصور فيه أفكار جيل كامل بكل نزعاته تصويرا غاية في البراعة ولكن ليس من هم بطبع هذا الديوان مع وجود المبلغ الذي رصده له المرحوم نفسه مما خلف من الميراث اذ انه هو الجامع لديوانه والناظم عقوده بيده.

ولد ببغداد سنة 1298 للهجرة وترعرع في زمن كثرت فيه الثورات والانتفاضات على النظم السياسية وعلى العادات والتقاليد. والمطلع على ديوانه يطلع على سجل حافل بالتيارات الفكرية. فمن نوادره قوله :

ص: 82

ان العراق وكان في *** زمن من الازمان بحرا

حكم الوراثة موجب *** في طبعه مدا وجزرا

متقلب كرياحه *** ما بين آونة وأخرى

وقوله :

ليت السما تقوى فتنقذني *** حتى افوز بمدفن عطر

فتراب هذي الارض قاطبة *** قد دنسته جرائم البشر

ومن روائعه قصيدته في تأبين محمد جعفر ابو التمن.

تحولت بعدك الارياف والمدن *** مآتما والمعزى فيهما الوطن

لو أن للموت عقل لافتداك بمن *** أعمالهم دفنتهم قبلما دفنوا

ورائعته في فيصل الاول وأولها :

نعوا للعروبة عنوانها *** ومن عين هاشم انسانها

وأخرى عنوانها ( في السينما ) أولها :

خلطاء من كل فج حضور *** وصفوف كما تصف السطور

فكأني بهم قصيدة شعر *** راق فيها التجنيس والتشطير

ومن روائعه ونوادره قوله :

في سغبي موتي فهل بعده *** عندك ما يرهب أو يفزع

وانما يخشى على نفسه *** عواقب الاحداث من يشبع

وقال :

ومن الذل أن تعيش بدار *** كل يوم منها على الحر عام

عبث حبك البقاء طويلا *** ان تعش مثلما تعيش السوام

ص: 83

آثاره :

1 - بطل الحلة رواية عصرية.

2 - البوران رواية عصرية.

3 - قصر التاج.

4 - ديوان شعر.

توفي رحمه اللّه في بغداد يوم الاحد 21 ربيع الثاني 1374 ه ونقل جثمانه الى النجف الاشرف بتشييع مهيب فدفن في وادي السلام ونعته الصحف العراقية والعربية ورثاه عارفوه وأبنوه.

يقول الازري في قصيدته ( ردوا ).

ردوا الى اريافكم ردوا *** لا الكاس شأنكم ولا ( النرد )

لا تلهكم صور مزيفة *** عنه كما يتزيف النقد

فالسم قد يبدو لشاربه *** حلو المذاق كأنه الشهد

لا تحسبوا ان الحضارة في *** سبط الشعور وشعركم جعد

ان النفوس على بداوتها *** لكن تحضر دونها الجلد

خلوا الكهوف الى عناكبها *** فلهن في حشراتها حشد

في كل زاوية لها شرك *** متعدد الاشكال ممتد

تضدي ولا تنفك جائعة *** مهما تكاثر حولها الصيد

لم تبلغ الاطماع حاجتها *** منها وليس لحاجها حد

عاد الهواء بجوها نتنا *** لا الطيب يخفيه ولا الند

شر الحواضر ما بتربتها *** تشقى الجموع ويسعد الفرد

وفي قصيدته زوجوها ... ايماءات اجتماعية دالة بادر الى توضيحها الازري عقب قيام أحد معارفه بالزواج من فتاة تصغره بمراحل وقد أثارته هذه الحادثة بشكل عجيب فأوحت اليه هذه الصور الحادة :

قدر أم بلاهة في أبيك *** ضيعت رشده فطوح فيك

ص: 84

لست أدري كيف ارتضاك لعات *** عابث كل ليلة بفتاة

قد تراءى له بزي ثقات *** رب ذئب يبدو بصورة شاة

وابن آوى مقلد صوت ديك

يا لخود كزهرة من بنفسج *** تملأ الصبح بهجة ما تبلج

بينما قد تفتحت وهي تأرج *** غالها آثم ولم يتحرج

فتوارت فالشمس بعد الدلوك

نمت والهر يا حمامة كامن *** يرقب الفتك بالطيور الدواجن

انما الشرع قد حماك ولكن *** مدع فيه من لصوص المدائن

أغفل النائمين من أهليك

ومنها ..

طوقتها يداه بالرغم عنها *** والتوت مذ رأته بالقرب منها

كيف تأبى وحظها لم يعنها *** تركته يرعى بها دون منهى

كحمار في روضة متروك

لم تجد وهي دونه من مفر *** ينقذ الصيد من براثن هر

أرجعته الدنيا لارذل عمر *** غرقت في لعابه وهو يجري

جري ماء من محقن مفكوك

سائلي الليل كم به من سرير *** لف جذعا بغصن بان نضير

سائليه ويا له من خبير *** أنعوش قد كللت بزهور

أم نطوع الى ضحايا النوك

ص: 85

سمحوا للنفوس أن تتصبى *** تسترق الحسان لهوا ولعبا

ومذ استيقنوا الشريعة تأبى *** أن يتم الزواج قسرا وغصبا

قتلوها وباسمها قتلوك

ولعوا في تعدد الازواج *** ولع الذئب بافتراس النعاج

والملذات ما لها من سياج *** أطلقتهم من قيد كل زواج

واستخفت بآية العدل فيك

حكموك بالرق دون اعتراض *** وهوى النفس حكمه فيك ماضي

هو في الوقت مدع وهو قاضي *** وعلى حكمه وعقد التراضي

باعك المالكون من مشتريك

ليت شعري والحق كان جليا *** لك مثل الذي عليك سويا

أهو العصر لم يزل جاهليا *** أم هو الوأد قد تغير زيا

ليكف العقاب عن وائديك

قال قوم ما أنت الا متاع *** تارة يشترى وطورا يباع

كل حق عند القوي مضاع *** وجدوك ضعيفة فاستطاعوا

أن يسومونك ذلة المملوك

ومن قصيدته « صوني جمالك » هذا المقطع ..

كيف الحفاظ وأنت زدت *** بريحك النار التهابا

وطلعت ثائرة على *** الدنيا فأحدثت انقلابا

حتى ظفرت بما حلا *** لك من مفاتنها وطابا

ورأيت أجمل من وشاحك *** قامة غضت اهابا

فكشفت منها الجانبين *** وعفت للوسط النقابا

ص: 86

عبث حبك البقاء

ليس يجدي من الضعيف الكلام *** يسمع الناس ما يقول الحسام

انما الحق سلوة العاجز الاعز *** ل فيما لو جارت الاحكام

يتسلى به كما يتسلى *** بحديث الصبابة المستهام

كل عيش يمر في ساحة العز *** حلال وما سواه حرام

ومن الذل أن تعيش بدار *** كل يوم منها على الحر عام

قل لثاو طوى على الذل كشحا *** ما وراء الذي تحملت ذام

عبث حبك البقاء طويلا *** ان تعش مثل ما تعيش السوام

أو يكن حظك الحثالة منها *** انما حصة الكلاب العظام

وسواء اطال أم قصر الليل *** اذا لازم النهار الظلام

ان اردت الحياة فاطلب بها العز *** وان رمت غيره فالحمام

أرهفت نفسك الهواجس حتى *** كثرت في سباتك الاحلام

كم تقاسي في كل يوم شقاء *** لك يبقى وتذهب الايام

خاب من راح واثقا بالاماني *** ما وراء السراب الا الاوام

يتمنى للداء منها علاجا *** رب داء دواؤه الصمصام

وعجيب ممن يعيش خليا *** ليس يدري ما الضيم وهو مضام

لم ينم في الهواء من كان يدري *** أن للعز أعينا لا تنام

يا نداماي حسبكم ما شربتم *** فرغ الكاس واستشف المدام

عظم اللّه أجركم بالحميا *** والمسرات ما لهن دوام

اتركوا لي كأس الاسى ولغيري *** ما حوى الكاس من طلى والجام

ان صفوي ما كدرته الاعادي *** وصلاحي ما أفسد النمام

ليت أني علمت ما خبأ الدهر *** لقومي وقدر العلام

أمل يبعث النفوس ولولا *** ه تساوى الاقدام والاحجام

وبقايا مني يطاردها اليأس *** فلا منعة ولا استسلام

أدلج الركب والطريق مخوف *** حف فيه الغموض والابهام

خبريني عن الغمائم يا ريح *** فعهدي بالخطب عهد قدام

جف ماء الوادي وكان جماما *** وذوى فيه رنده والبشام

قطع اللّه ايديا منه جذت *** خير نبت والنبت بعد تمام

ص: 87

فرصة في زمانها اغتنمتها *** واطمأنت اذ الرفاق نيام

انما آفة الورى طمع النفس *** وداء الاطماع داء عقام

رب صعب القياد ذللّه المال *** كما ذلل البعير الخطام

واذا لم ير العقوبة جان *** فمن السهل عنده الاجرام

من حبته الفوضى بكاس دهاق *** فمناه أن لا يسود النظام

كثر القانصون حولك فاحذر *** وابتعد عن شراكهم يا حمام

ما عسى أن يؤثر الشعر فيمن *** لم تؤثر به الخطوب الجسام

ص: 88

الدخان

ظن الدخان بعرض الجو أن له *** من المواهب ما للعارض الغادي

وليس صعبا عليه أن يباريه *** فيما يفيض لرواد ووراد

اذا تمدد سد الافق صيبه *** مزمز ما بين ابراق وارعاد

أو شاء أغدق من أطرافه مطرا *** كالسيل يغمر سطح البلقع الصادي

وظل يختال تيها من تسنمه *** متن الرياح على أرجاء بغداد

حتى تخيل كل القوم منتظرا *** نداه من حاضر في الارض اوباد

و ما النسيم له الا كراحلة *** تطوي الفضا بين اتهام وانجاد

وهكذا قد تناسى أن منشأه *** من جوف حراضة أو كور حداد

ضاقت به فرمته من مداخنها *** فراح يحدوه من ريح الصبا حادي

وبينما هو نحو الافق متجه *** على جناح نسيم راكد هادي

هبت من الافق ريح صرصر عرضا *** فشتته وأجلته عن الوادي

الحق أيقظه في صوت عاصفة *** ايقاظه مجرما في سيف جلاد

من ظن أن له الايام خاضعة *** فان أحداثها منه بمرصاد

ومن يطر بجناحي وهمه نصبت *** له الحقيقة منها فخ صياد

ص: 89

أوظار

تأتي الحياة فترتدينا برهة *** وترد تخلعنا كثوب يسمل

وبحكم ألفتها ظننا أننا *** هدف لها وكذا الظنون تعلل

ما نحن الا للحياة وسيلة *** فبنا لاجل بقائها تتوسل

كل لاهداف الحياة مسخر *** وبكل جارحة اليها يعمل

من ناطق فوق البسيطة عاقل *** وبهيمة خرساء ليست تعقل

قد هيأت للنسل من شهواتهم *** فيهم معامل ثم قالت : أنسلوا

فاذا تعطل عامل من بينهم *** نبذته اذ لم يجدها المتعطل

كالنخل يبقى منه ما هو حامل *** رطبا ويقلع منه ما لا يحمل

واذا أتم النحل لقح اناثه *** لم يبق يصلح للحياة فيقتل

كمنت بزهرة كل نبت حاضر *** لتهيئ النبت الذي هو مقبل

وتعود تكمن في خلايا بذرة *** وتعاف من ثمراته ما يؤكل

تنميه حتى تستغل نشاطه *** ما تستطيع وبعد ذلك يهمل

غرض البقاء يسوقها فلذاك من *** جيل لآخر جهدها يتحول

غطت رحاب الارض في أوظارها *** حتى اختفى منها الاديم الاول

تتعاقب الاجيال فوق خشاشها *** والموت يكنس والحياة تزبل

لولا العلاقة بالحياة غريزة *** لم يبق من لشقائها يتحمل

والمرء عبد للغريزة ما له *** من رقها ما دام حيا موئل

ص: 90

الكتاب والحجاب

نظمها الازري معارضا لقصيدة ( المرأة في الشرق ) التي أنشدها الاستاذ معروف الرصافي على أحد مسارح بغداد.

أمنازل الخفرات بالزوراء *** لا زعزعتك عواصف الاهواء

قري فانك للفتاة أريكة *** ضربت سرادقها على النجباء

لا تحزني مما رماك به الهوى *** ظلما وظنك معقل الاسراء

أين الاسارة من عفاف طاهر *** أين المعاقل من كناس ظباء

أكريمة الزوراء لا يذهب بك ال *** نهتج المخالف بيئة الزوراء

أو يخدعنك شاعر بخياله *** ان الخيال مطية الشعراء

حصروا علاجك بالسفور وما دروا *** ان الذي حصروه عين الداء

أو لم يروا ان الفتاة بطبعها *** كالماء لم يحفظ بغير اناء

من يكفل الفتيات بعد ظهورها *** مما يجيش بخاطر السفهاء

ومن الذي ينهى الفتى بشبابه *** عن خدع كل خريدة حسناء

ليس الحجاب بمانع تهذيبها *** فالعلم لم يرفع على الازياء

أولم يسغ تعليمهن بدون أن *** يملأن بالاعطاف عين الرائي

ويجلن ما بين الرجال سوافرا *** بتجاذب الارداف والاثداء

فكأنما التهذيب ليس بممكن *** الا اذا برزت بدون غطاء

وكأنما الاصلاح عز بناؤه *** ما لم يشيد مسرح بنساء

ان المسارح لا تدير شؤونها *** من كلفت برعاية الابناء

مثل بها دور الفضيلة انها *** تغنيك عن تمثيل دور اباء

وانظر الى شأن المحيط وأهله *** كيلا تفوتك حكمة الحكماء

نص الكتاب على الحجاب ولم يبح *** للمسلمين تبرج العذراء

قل لي فماذا يصنع العلماء لو *** نزهتهم من سيرة الجهلاء

ماذا يريبك من حجاب ساتر *** جيد المهاة وطلعة الذلفاء

ماذا يريبك من ازار مانع *** وزر الفؤاد وضلة الاهواء

ما في الحجاب سوى الحياء فهل من *** التهذيب أن يهتكن ستر حياء

هل في مجالسة الفتاة سوى الهوى *** لو أصدقتك ضمائرالجلساء

شيد مدارسهن وارفع مستوى *** أخلاقهن لصالح الابناء

وافحص عن الاخلاق قبل حجابها *** أو ما سمعت بطائر العنقاء

هلا اختبرت الاقوياء خلاقهم *** لو كنت تأمن عفة الضعفاء

أسفينة الوطن العزيز تبصري *** بالقعر لا يغررك سطح الماء

وحديقة الثمر الجني ترصدي *** عبث اللصوص بليلة ليلاء

ص: 91

الانانية

غمر السرورفؤادها بزواجه *** وأعاد شاحب وجهها متهللا

قد كان من أقصى الاماني عندها *** يوم ترى فيه ابنها متأهلا

حتى اذا نعمت بليلة عرسه *** وتفيأ الضيف الجديد المنزلا

نظرتهما مسرورة وتجاهلت *** قلقا افاق بنفسها فتململا

لم تدر ما هو؟ غير أن فؤادها *** قد عاد لا يجد السرور الاولا

ظنته وهما عارضا فاذا به *** داء على مر الليالي استفحلا

وطغت عليها وحشة من بيتها *** فكأنه بعد العشي تبدلا

وكأنها ندمت وودت لو أبى *** ليعيش معها راهبا متبتلا

كان ابنها ملكا اليها خالصا *** واليوم ها هو للغريب تحولا

وتوهمت شبحا يحاول فصلها *** عنه ويطلب منه أن يتنصلا

* * *

رجعت لعزلتها تناجي نفسها *** وتود عما نالها أن تسألا

فأجابها القلق الذي شعرت به *** مهلا فاني لم اجئ متطفلا

أنا ذلك الغرض الاناني الذي *** في كل نفس لم أزل متأصلا

حب الامومة لابنها حب لها *** فاذا تلمست العقوق تسللا

نار الحروب توقدت من لذعتي *** والحرص يختلق الذنوب تعللا

لو لم اكن لم تشهدي متظلما *** من جائريه ولا بطاغ مبتلى

لا يستطيع العلم جذم أواصري *** ولو أنه بلغ السموات العلى

بل كلما ارتقت الحضارة في الورى *** اشتدت قوادحها وزادتني صلى

* * *

أنا كاللظى والناس في غليانهم *** كالماء والدنيا استحالت مرجلا

ص: 92

فترة

أضحكتنا ورب ضحك بكاء *** فترة من زماننا رعناء

فترة ضاعت المقاييس بين *** الناس فيها وسادت الاهواء

خلقت من خشارة الناس رهطا *** عرفت بعد خلقه الآباء

لمة من بني الشوارع عاشت *** حيث عاش الاعيار واللقطاء

حشرات طلعن من طبقات *** الارض لما استتبت الظلماء

وجراثيم حين لاءمها الماء *** تفشى من سمهن الوباء

رفعتها من الحضيض ولم تر *** فع نهاها فمسها الخيلاء

وكذاك اعتلاء من ليس اهلا *** للمعالي مصيبة وبلاء

* * *

يا لها فترة من الدهر فوضى *** يستوي الهدم عندها والبناء

كثر الانتحال فيها وباتت *** تستغل الانساب والاسماء

كيف لا ترقبن كل عثار *** من قصير عليه طال الرداء

غره المرتقى فظن بأن *** الناس - حاشاه - اعبدو اماء

وله وحده الكرامة ، والعزة *** والمجد، والنهى ، والعلاء

تقرأ العجب فيه من نظرات *** ملؤها الاحتقار والازدراء

مطرق ان مشى كمن اشغلته *** لحلول المشاكل الآراء

لو تصفحته وجدت ثيابا *** فوق جسم كأنه المومياء (1)

مجدبا كالسباخ من كل خير *** جل ما في جرابه الكبرياء

ان تسل منه فالجواب اقتضاب *** أو تسلم فرده ايماء

* * *

واذا ما استنسبته قال انا *** من أياد وغيرنا الادعياء

نحن من حاملي اللواء بذي ( قار ) *** أبونا ، وأمنا البرشاء

ص: 93


1- المومياء دواء يحنط به الاجسام كالهياكل القديمة.

وبنو عمنا الاراقم من تغلب *** والاعشيان والخنساء

دارنا الغور ، والعذيب ، ووادي *** الجزع ، والابرقان ، والدهناء

وجبل السراة تشهد أنا *** عرب ليس غيرنا عرباء

هكذا تفعل المهازل في الدنيا *** وتقضي الغباوة العمياء

وكذا يبطر الرخاء خفيف الوزن *** من حيث لم يسعه الاناء

* * *

تتغنى به البلاهة والطيش *** وبعض من الغناء رثاء

لا تلمه فقد رأى فوق ما لم *** يتصور ، وانجاب عنه الشقاء

من رياش تحفه في المقاصير *** وكانت تلفه القرفصاء

* * *

وتخب السيارة اليوم فيه *** بعد ما خد أخمصيه الحفاء

يوجد الخير حيث يوجد في المرء *** ضمير يشع منه الضياء

* * *

أيها الفترة اقترفت ذنوبا *** قد تلقى عقابها النبلاء

ليس هذا الزمان الا كتابا *** انت منه الصحيفة السوداء

فيك راح الهوى يخط ويملي *** لم تقيده ذمة أو حياء

طالما غرت الظواهر عيني *** وغطى على الظنون الرياء

ثم دارت رحى الزمان فأبدت *** لي ما ينطوي عليه الخفاء

رب داء ترى من العار شكواه *** وشكوى يثنيك عنها الاباء

ص: 94

الشيخ عبد الحسين الحلّي

المتوفى 1374 ه

يا ليالي بأعلى الكرخ عودي *** عله يخضر في عودك عودي

ان أيامي كانت خدمي *** فيه لما كنت من بعض عبيدي

فزت فيه بجنان جمعت *** بين قضبان غصون وقدود

كلما هبت صبا قلت لها *** يا غصون اعتنقي عطفا وميدي

بيد الناهد من رمانها *** واليد الاخرى برمان النهود

أحسب الطلع نضيدا مثلما *** طلع اللؤلؤ في الثغر النضيد

انشق التفاح فيها خجلا *** لم لا أرشف تفاح الخدود

وأخد الروض أبغي ورده *** أفلا تغني خدود عن ورود

كلما في الكون فيه لذة *** لك ان متعت بالعيش الرغيد

وأقم ان شئت في كوخ بلا *** كدر أو شئت في قصر مشيد

وادرع طمرا اذا كنت به *** وادعا تستغن عن وشي البرود

الى أن يقول :

بهدى آل الهدى استمسك فقد *** جمعوا الفائت للفضل العتيد

عترة الوحي الذين ابتهجت *** لهم الدنيا بأنوار الوجود

قد كفاهم انهم من نوره *** خلقوا والناس طرا من صعيد

وكفى عن مدح الناس لهم *** مدحهم في محكم الذكر المجيد

فقضوا بين سميم وقتيل *** ومضوا بين شريد وطريد

ص: 95

يا بني الزهراء انتم عدتي *** وبكم يكثر ان قل عديدي

بيتكم قصدي ومدحي لكم *** هو في نظم الثنا بيت قصيدي

انتم المحور من دائرة *** أكملت قوسي نزولي وصعودي

انتم حبل اعتصامي ان تكن *** بلغت نفسي الى حبل الوريد

ليس لي الا ولاكم عمل *** آمن الهول به يوم الوعيد

ما لنقصي جابر غيركم *** يوم تدعو سقر هل من مزيد

لكم مني الهنا ممتزجا *** بالاسى في مولد السبط الشهيد

هزه في مهده الروح ومن *** هزه الروح به خير وليد

فرحت اهل السماوات به *** وغدت تزهر جنات الخلود

وبه اللّه عفا عن فطرس *** فأميطت عنه اغلال القيود

واصل اللّه به البشرى وما *** تنفع البشرى بمقطوع الوريد

قتلوه ظامئا دون الروى *** ثم ساقوا أهله سوق العبيد

تتراماها النواحي في الفلا *** حسرا لابن زياد ويزيد

أزعجت من خدرها حاسرة *** كالقطا روع من بعد هجود

فقدت كل عماد فدعت *** من بني عمرو العلى كل عميد

لبدور بدماها شرقت *** وبها اشرق مغبر الصعيد

قد تواروا بقنا الخط أهل *** قصد الخطي غاب للاسود

يا أبا الصيد الميامين وهل *** ينجب الاصيد ولدا غير صيد

أنت لي ركن شديد يوم لا *** يلتجى الا الى ركن شديد

هذه مني يد مدت فخذ *** بيدي منك الى ظل مديد

أنا في حشري عليكم وافد *** طالبا حق ولائي ووفودي

لا أكن بين عداكم ضائعا *** في غد ضيعة عيسى في اليهود

الشيخ عبد الحسين الحلي علم الاعلام له المكانة المرموقة في الكمال والتضلع في العلوم وقد هجر الحلة مهبط رأسه ومحل أسرته وهو في الثالث عشر من سنه وقصد النجف حيث العلم والمعارف ، وحيث الدرس والتدريس فقرأ ما شاء أن يقرأ من العلوم العربية والمنطق والفقه وأصوله والكلام والحكمة والتفسير والحديث وغير ذلك وأصبح استاذا يشار اليه بالبنان وحصلت له ملكة نحت الشعر وقرضه عندما كان في أيام شبابه يتردد على الحلقات الادبية والنوادي الشعرية ، ولا ابالغ اذا قلت ان العلامة الحلي قليل النظير

ص: 96

في النجف من الوجهتين العلمية والادبية فهو الاستاذ الذي تحضر لديه جملة من طلاب العلم ورواده ، وهو الاديب الذي تتبارى أمامه الشعراء والحكم الذي تذعن لحكمه الادباء ، خفيف الروح حسن المعشر لا يظهر بمظاهر العظمة والرفعة ومن هنا يأنس به كل واحد ، تعرض عليه شعرك فيعيرك أذنا صاغية أما اذا اراد أن ينبهك على خطأ من بيت غير موزون أو قافية لا تلائم اخواتها تزداد ابتساماته ويلتفت اليك قائلاً : أيقال هكذا وللشيخ الحلي مؤلفات كثيرة في مواضيع شتى منها ( نصرة المظلوم ونقد التنزيه ، ترجمة الشريف الرضي ) دراسة قيمة كانت مقدمة لكتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل للسيد الرضي الى غير ذلك.

ولد في الحلة عام 1301 ه ولما ابتدأ بدراسة العلوم العربية هاجر للنجف كما تقدم يقول صاحب الحصون : كانت هجرة الشيخ عبد الحسين عام 1314 وعند وصوله النجف ارتجل هذه الابيات في مدح الامام أمير المؤمنين علیه السلام :

يا علي الفخار فيك هدانا *** اللّه بعد العمى سواء السبيل

كن مقيلي من العثار فإني *** جاعل في ثرى حماك مقيلي

لا أبالي وقد تخذتك كهفا *** عاصما لي من كل خطب جليل

أنت من لاعج الحميم مجيري *** والى نافح النعيم دليلي

أنت من خير معشر وقبيل *** بحماهم يحمى ذمار النزيل

والمترجم له قد درس على الشيخ محمود ذهب الفقه والاصول ولازم شيخ الشريعة ملازمة الظل فأخذ عنه كثيرا من العلوم منها علمي الدراية والرجال وكثيرا من الحديث والحكمة والكلام والهيئة والحساب وقد أجازه في الاجتهاد ولكن الظروف القاسية اضطرته الى قبول القضاء في البحرين كمميز لاحكام المحاكم الشرعية فاستفاد منه الخليج. هذا ولم يفتر عن نشراته وبحوثه في المجلات فقد واصل في نشر موضوع الشعوبية والشعوبيين وبين فترة واخرى يتحف الادب والادباء برائعة من روائعه امثال رائعته التي اولها.

لولا هوى وطني وحسن وفائي *** ما كان فيه ولا يكون ثوائي

ص: 97

حب له ما انفك حشو حشاشتي *** أبدا وتلك سجية الامناء

حلت به ايدي الشباب تمائمي *** وعلى الكمال عقدت فيه ردائي

وقوله في الغزل قصيدته التي مطلعها :

أطلع لي قده وخده *** فخلت غصنا عليه ورده

وفي قصيدته اسرار الهوى يقول :

ما للظبا نظرات من هوى فيها *** لكن لعينيك تمثيلا وتشبيها

ولست الثم ثغر الكاس عن شغف *** لكن لريقة ثغر منك تحكيها

وارقب الشمس في الآفاق أرمقها *** لان من خدك الاسنى تلاليها

يا ويح نفسي من نفس معذبة *** منها عليها غدا في الحب واشيها

يا من جلت لي معنى البدر طلعته *** ممثلا وهوبعض من معانيها

كم لي بها نظر جلت مظاهره *** من بعده فكر دقت معانيها

اني لاصبو الى اغصان مائسة *** لما غدا عنك مرويا تثنيها

وأعشق الوردة الحمراء احسبها *** خدا فألثمه افكا وتمويها

* * *

يجلو السلافة لي في خده رشأ *** تحكيه في رقة المعنى ويحكيها

وردية لم أخلها في زجاجتها *** - استغفر اللّه - الا خد ساقيها

حمراء في فلك الاقداح مطلعها *** وفي العقول اذا سارت مجاريها

رقت فلم أدر في كاساتها جليت *** ام كاسها لصفاء او دعت فيها

عذراء باتت وبات القس يحرسها *** والصلب من حولها في الدير تحميها

ما زوجت بسوى ابن المزن والدها *** حكم المجوس بها القسيس يفتيها

شعت فقامت لها الحرباء ترمقها *** كأنها الشمس في أبهى تجليها

شمس تفوق شموس الافق ان بها *** كمثل ايامها ضوءا لياليها

كان الشيخ عبد الحسين رحمها لله زميلا لوالدي وبينهما صداقة ومودة وتبادل الزيارة والمذاكرات العلمية متصلة فلا يمر اسبوع الا

ص: 98

وارى والدي في دار الشيخ الحلي وارى الحلي في دارنا أيضا وكان الوالد يقول لي : اعرض ما يعسر عليك فهمه على الشيخ عبد الحسين فكنت اثناء ذلك اسمع منه النكتة المستملحة والنادرة الادبية ولعهدي بجماعات من المشغولين بالتأليف والمعنيين بالبحوث التاريخية والادبية ومرجعهم الشيخ بكل ما يكتبون ولعهدي بشاعر من المتدرجين على نظم الشعر كان يقرأ على الشيخ شعره وشعوره وكثيرا ما كان الشيخ يداعبه فتستحيل الجلسة الى فكاهة ومرح اذ أن الشيخ يقرض ذلك الشعر بقطعة تكون على الوزن والقافية وحسبك ان تقرأ جريدة الهاتف النجفية ومجلة الاعتدال لتقف على منثور المترجم له ومنظومه انه يقول في رائعته ( عالم الغد ).

أيصدقني يومي الاحاديث في غد *** فيغدو على برحاء قلبي مسعدي

سقاني على التبريح كاسا مريرة *** أهل بعدها يصفو ويعذب موردي

وروت لنا جريدة الهاتف من شعره تحت عنوان ( البلبل السجين ) :

أيها البلبل حيتك الغوادي والروائح

وتعطرت من الزهر بأصناف الروائح

مرة غنيت في دهري فردتني الصوائح

وتغني أنت دوما ثم لا تزجر مرة

ما الذي مازك لولا أن تغريدك فطره

ومن بدائعه المرتجلة ان زار فضيلة الشيخ عبد الحسين شرع الاسلام عند رجوعه من السفر وكان في المجلس طبقة من علماء النجف فطالبوا زميلهم بهدية منه بمناسبة زيارته للامام الرضا علیه السلام بخراسان فقام الشيخ وجاء بجملة من الخواتيم الفيروزجية وقال ليختر كل واحد خاتما ، فارتجل الشيخ الحلي.

ألقى الخواتيم لنا فانتثرت *** حتى تزاحمنا عليها معه

فلا تسل عنا فكل واحد *** أدخل في خاتمة اصبعه

لقد كانت حياة الشيخ الحلي مدرسة وكان امة في فرد لذلك عز

ص: 99

نعيه وتهافتت الوفود على ولده الدكتور علي تعزيه والحق انها هي الثكلى ثم اقيمت له حفلة تأبين في منتدى النشر والقى ولده كلمة ملتهبة لوعة وحسرة وانا لله وانا اليه راجعون. ومما هو جدير بالذكر ان سبط الشيخ المغفور له وهو صديقنا الاستاذ مجيد حميد ناجي قد اتحفنا بجملة من أشعار جده وروائع من منظومه احتفظنا بها في مخطوطاتنا من الاطالة.

ص: 100

الشيخ حسن سبتي

المتوفى 1374 ه

أهلت دموعي حين هل محرم *** فطيب الكرى فيه علي محرم

فلهفي لال المصطفى كم تجرعوا *** أذى يوم وافوا كربلاء وخيموا

فوافتهم اجناد آل امية *** وقائدهم شمر الخنا يتقدم

فهب بنو العلياء أبناء فاطم *** وسيدهم أهدى الانام وأكرم

حسين من الباري اجتباه وخصه *** ظهيرا الى الدين الحنيف يقوم

فهب بها ابن المجتبى القرن قاسم *** يكيلهم بالمشرفي ويقسم

وغاص بهم شبل الزكي مدمرا *** بصارمه نثرا وبالرمح ينظم

يجول بهم جول الرحى فكأنه *** عليم بفن الحرب لا متعلم

دجى صبح ذاك اليوم نقعا ووجهه *** أضاء كبدر التم والليل مظلم

فنكس أعلاما وأردى قساورا *** ودمر باقي جيشهم وهو معلم

اذا ما تجلى في النزال يريهم *** ثبات علي جده وهو يبسم

وقام يسوي بينهم شسع نعله *** فلم يخش ما بين العدى يترنم

يقول انا ابن المجتبى نجل فاطم *** فان تنكروني فالوغى بي تعلم

فشلت يد الازدي كيف بسيفه *** نحى رأسه ضربا فخضبه الدم

وخر على وجه البسيطة فاحصا *** برجليه في الرمضا جديلا يخذم

فلم انس اذ وافاه ينعاه عمه *** كمنقض صقر والمدامع تسجم

فقدتك بدرا غاله الخسف بغتة *** ونجم سعود لا تضاهيه أنجم

فيا لك عريسا تزف مخضبا *** بنبل الاعادي اذ نثارك أسهم

فلو أنني باق بكيتك لوعة *** ولكن الى ما صرتم متقدم

ص: 101

الحسن بن الكاظم بن الحسن بن علي بن سبتي السهلاني الحميري خطيب أديب ضليع بحاثة ولد في النجف 1299 ونشأ بها على أبيه شيخ الخطباء ودرس المقدمات من علوم العربية وتخصص لخدمة المنبر الحسيني فألف ( الكلم الطيب ) و ( أنفع الزاد ) في سيرة النبي وآله الامجاد نظما ، وله ديوان شعر كبير كما له ( سلوة الجليس ) في التشطير والتخميس ونظم باللغة الدارجة باوزان مختلفة ومن منظوماته الرصينة قصيدته المشجية يستنهض بها العرب وملوك الاسلام ومن خدماته نشره ديوان والده عام 1372 وكان يقرأ ما ينظمه من ملحمته الكبيرة في أهل البيت وعدد ابياتها (1500) بيتا فرغ من نظمها سنة 1347 طبعت بالنجف سنة (1357) ومن المشهور بين المتأدبين أن في مقدمة الخطباء الذين يخلو كلامهم من اللحن هو الخطيب الشيخ حسن سبتي وكان ذواقة مدح الناس وشاركهم في أفراحهم وأتراحهم وأرخ كثيرا من الحوادث والعمارات ووفيات الاعلام.

كانت وفاته عصر يوم الخميس 23 من شهر صفر 1374 ه وشيع باجلال وتبجيل واحترام شارك فيه كافة الطبقات ودفن في الصحن الحيدري الشريف بالقرب من قبر والده وأعقب ولدا واحدا يتحلى بحسن السلوك.

ص: 102

حسين علي الأعظمي

المتوفى 1375 ه

1955 م

القصيدة التي القاها الاستاذ حسين علي الاعظمي وكيل عميد كلية الحقوق في حفلة التأبين الكبرى في الصحن الكاظمي.

لا تلمني ان جرت عيني دما *** اي دمع ويك لم ينبجس

هل ترى العالم الا مأتما *** قد طغت نيرانه في الانفس

أيها الباكون حولي اقتربوا *** واسمعوا انشودة الدمع الهتون

ان شعري أكبد تلتهب *** ودموع غرقت فيها العيون

ثم نوحوا واندبوا من ذهبوا *** انهم بعد النوى لا يرجعون

قتلوا ظلما وهم لم يذنبوا *** انهم خير الورى لو يعلمون

لهم القرآن أم وأب *** وعلى قرآنهم هم عاكفون

غير أن الظلم بالغدر رمى *** أمة الحق ولم يبتئس

صال كالذئب عليها مجرما *** ويله من مجرم مفترس

* * *

مصرع أو مذبح أو مأتم *** رفرفت فيه نفوس الشهداء

ودموع جاريات ودم *** وعويل وصراخ وبكاء

فهنا الغيد ثكالى تلطم *** وهنا الاطفال غرقى في الدماء

وهنا الابطال صرعى جثم *** حاربوا الظلم فماتوا كرماء

ص: 103

مشهد يا لهف نفسي مؤلم *** مفزع قد شهدته كربلاء

لا ترى الا دما منسجما *** وجسوما فصلت من أرؤس

ووجوها مثل أقمار السما *** بعثرت مشرقة في الغلس

* * *

مصرع فاضت به روح الشهيد *** وهي تعلو في سماوات الخلود

هو حرب بين شهم وعنيد *** ما له في دولة الظلم حدود

غيرأن المال ذو بأس شديد *** وله الناس قيام وقعود

وبه قد ربح الحرب يزيد *** وهو لولا المال خانته الجنود

غير أن الظلم شيطان مريد *** وعليه العدل لا بد يسود

أرأيت الظلم كيف انهدما *** وعلا العدل متين الاسس

وهوى ذكر يزيد وسما *** عاليا مجد الحسين الاقدس

* * *

مبدأ قد خطه خير الشباب *** في كتاب المجد تتلوه العصور

اقرؤه انه خير كتاب *** لو وعت أحكامه الغر الصدور

كله عزم وحزم وانقلاب *** وسمو وحياة ونشور

واذا جن ظلام أو سراب *** فهو للسارين في الظلماء نور

واذا السيف تلاقى والحراب *** ولد المبدأ كالليث الهصور

ياحسين انك الحي بما *** لك من مجد سما لم يطمس

انما الميت الذي مات وما *** ذكره غير بلى مندرس

* * *

دولة عاث بأهليها الفساد *** وطغى في أرضها بحر المجون

كانت الدولة شورى واجتهاد *** فغدت ملكا كما هم يشتهون

وطغى فيها يزيد وزياد *** ونأى عنها بنوها الاقربون

لا ترى فيها صلاحا أو رشاد *** كل ما فيها ضلال أو جنون

واذا أرشدهم اهل السداد *** أقبروهم في غيابات السجون

ص: 104

واذا الظلم تمادي هدما *** اي ظلم ويك لم يندرس

واذا ما غشي القلب العمى *** ما له في ليله من قبس

* * *

بايع الناس الحسين بن علي *** وهو أولى الناس لما بايعوا

انه سبط رسول ونبي *** أي انسان له لا يخضع

قرشي هاشمي عربي *** حسب كالشمس زاه يسطع

عبقري النفس محبوب أبي *** قائد في قومه متبع

وله في الحرب باس علوي *** أي ذي قلب له لا يخشع

بايعوه فاتاهم قدما *** لا يبالي بالعدا كالبيهس

وله آل النبي العظما *** حرس أعظم بهم من حرس

* * *

موكب يسبح في بحر القفار *** من نجوم وشموس وبدور

هجروا الافلاك او تلك الديار *** لبلاد حفرت فيها القبور

وكأن الشمس في البيداء نار *** جمرها من وهج الحر الصخور

وكأن الليل من نار النهار *** لهب فيها وتنور يفور

واذا الليل عليهم خيما *** لا ترى غير الظبى من قبس

ووجوه مثل أقمار السما *** طلعت مشرقة في الغلس

* * *

وصلوا الطف فحل الموكب *** آمنا تحرسه تلك الاسود

والدجى كالبحر ساج مرهب *** ما له غير السماوات حدود

كوكب يبدو فيخفى كوكب *** عله في الليلة الاخرى يعود

وبدا الصبح فعز المطلب *** اذ رأوا موكبهم بين جنود

نقضوا عهدهم وانقلبوا *** بعدما قد أبرموا تلك العهود

لست أدري كيف خانوا الذمما *** وهي صك ثابت في الانفس

ص: 105

ويلهم قد نقضوا العهد وما *** عهدهم غير هوى مندرس

* * *

اعلنوا الحرب على من بايعوا *** واستباحوا دمه منقلبين

واذا خاطبهم لم يسمعوا *** أعلنوا الحرب عليه ثائرين

قال ياقوم عن الحرب ارجعوا *** لم نجئ أوطانكم مغتصبين

انكم بايعتمونا فدعوا *** شأننا ان كنتم منتقضين

والى اللّه تعالى المرجع *** وغدا عنكم ترونا راجعين

أطلقوا آل النبي كرما *** لهم من شر هذا المحبس

قبل أن أملأ دنياكم دما *** بحسام دمه لم يحبس

* * *

سمع القوم فصالوا كالذئاب *** فتصدى لهم شبل هصور

حكم السيف بأغماد الرقاب *** عله يدفع عنهم من يجور

فرموه فهوى مثل الشهاب *** غارقا في دمه وهو يفور

صارخا الموت في عهد الشباب *** في سبيل الحق بعث ونشور

نحن آل البيت لم نرض العذاب *** وعلى مملكة الظلم نثور

واذا متنا حيينا وسما *** ذكرنا من بعدنا لم يطمس

ان من رام خلودا دائما *** عشق الموت ولم يبتئس

* * *

وهنا دوى صراخ وعويل *** من فؤاد بالاسى متقد

من أب يصرخ من هذا القتيل *** ويلكم هذا القتيل ولدي

ويحكم هذا ذبيح أو مسيل *** من دم فوق الثرى منجمد

غسلوه بدم منه يسيل *** وادفنوا جثمانه في كبدي

انني من بعده ارجو الرحيل *** عن حياة شب فيها كمدي

أضرمت في القلب نارا بعدما *** قلبت ظهر المجن الانحس

ص: 106

في عدو زدت فيه سأما *** وبلاد ضاق فيها نفسي

* * *

فأجاب القائد الفظ العنيد *** ما لكم عندي طعام أو شراب

انما عندي سلاح وحديد *** وبلاء وشقاء وعذاب

فأجاب الاب ما ذنب الوليد *** قال ذنب الاب للابن عقاب

أسقه من دمه كأس صديد *** ورماه فهوى مثل الشهاب

غارقا في دمه وهو شهيد *** لم يخف قاتله يوم الحساب

هل ترى في الناس يوما مجرما *** مثل هذا المجرم المفترس

أغضب الارض وسكان السما *** وهو في ذلك لم يبتئس

* * *

آب بالطفل الى الام الحنون *** غارقا في دمه المنحدر

فتعالى صوتها بعد سكون *** ووجوم وأسى منفجر

ذبحوا طفلي وهم لا يخجلون *** ويلهم في ذبحه من بشر

وهنا فاضت قلوب وعيون *** بدموع أو دم منهمر

حيث آل البيت ضجوا يندبون *** مصرع الشمس وخسف القمر

لا ترى الا ظلاما خيما *** في نفوس ما لها من قبس

يحسبون الصبح ليلا مظلما *** مكفهرا وهم في حندس

* * *

مشهد لان له قلب الجماد *** وقلوب القوم غضبى لا تلين

غير قلب لفتى ( حر ) جواد *** خاف من غضبة رب العالمين

أغمد السيف ونادى يا عباد *** اتقوا اللّه وكونوا راحمين

لم يكن حربكم هذا جهاد *** بل هو الباطل والظلم المبين

لم يكونوا اهل بغي وفساد *** انهم كانوا كراما مؤمنين

بهم الدين تعالى وسما *** مشرق النور وطيد الاسس

ص: 107

واذا ما بات ليلا مظلما *** ما لنا غير الهدى من قبس

* * *

يا الهي انهم قد غدروا *** واستباحوا دمنا واضطهدوا

قد نصحناهم فلم يعتبروا *** وطلبنا قربهم فاتبعدوا

وأردنا وصلهم فاستنكروا *** ورجونا عطفهم فاستأسدوا

وخطبنا ودهم فاستنكروا *** وحفظنا عهدهم فاستبعدوا

وصبرنا في الوغى فانفجروا *** وعصمنا دمهم فاستنفدوا

لست أدري ما يريدون لما *** فيهم من جنة أو هوس

قد رضينا بالذي قد قسما *** في الورى من أنعم او ابؤس

* * *

وهوى كالشمس في بحر الدماء *** بعدما قد فتكت فيه الجروح

فعلا من نسوة البيت البكاء *** هذه تندب والاخرى تنوح

ثم نادى ابتغي قطرة ماء *** علني أشربها ثم أروح

غير أن القوم كانوا لؤماء *** قطعوا الرأس وفي القلب قروح

فتوارى غارقا ذاك الضياء *** واختفى ذيالك الوجه الصبوح

ومضى من ظمأ مضطرما *** غارقا في دمه المنبجس

وتعالت روحه نحو السما *** يحتسي من دمه ما يحتسي

* * *

وهنا ضجت من الحزن الفواطم *** عندما غاب عن الدنيا الشهيد

لا ترى غير سبايا ومآتم *** وقتيل وذبيح وشريد

غنموهن وما هن غنائم *** ليزيد أو لاتباع يزيد

واذا ما طفن يوما بالعواصم *** قلن هل نحن سبايا أو عبيد

اننا يا ويلكم أولاد هاشم *** سيد الاحرار ذي المجد التليد

أيها القوم اطلقونا كرما *** اننا قوم كرام الانفس

ما خلقنا أعبدا أو خدما *** اننا آل النبي الاقدس

ص: 108

ولد حسين بن علي بن حبشي العبيدي الاعظمي سنة 1325 ه والمصادف 1907 م في محلة الحارة في الاعظمية وتعلم قراءة القرآن الكريم ثم أكمل الدراسة الابتدائية ، وبعدها دخل مدرس الامام أبي حنيفة وتخرج عام 1924 م فدخل جامعة آل البيت وتخرج سنة 1927 م فعين مدرسا بكلية الامام الاعظم ثم أكمل دراسة الحقوق وتخرج فيها سنة 1936 م واشتغل بالمحاماة فترة من الزمن ، ثم عين مدرسا بالغربية المتوسطة ، ثم عين مدرسا معيدا في كلية الحقوق ثم رئيسا لقسم الشريعة وبعدها تولى عمادة كلية الحقوق.

كان اديبا شاعرا فاضلا محبا للخير متواضعا ، غزير العلم محبوبا لدى الخاص والعام ، يسعى في مصالح الناس. له مؤلفات قيمة منها :

( أحكام الاوقاف ) بغداد 1947 و ( اصول الفقه ) بغداد 1948 و ( مع ابن سينا ) بغداد 1352 و ( الوصايا ) بغداد 1942 و ( احكام الزواج ) بغداد 1949 و ( الاحوال الشخصية ) بغداد 1947 وعلم الميراث بغداد - 1941 وغيرها كثير ، وديوان شعر فخم ، ما يزال مخطوطا. توفي في 5 - 9 - 1955 ودفن في مقبرة الخيزران بالاعظمية (1).

وطبعت له رسالة بعنوان ( مع ابن سينا ) وهي قصيدة عصماء فلسفية مع شرحها وقد القاها في المهرجان الالفي الذي عقد باهتمام الجامعة العربية وقد اختاره العراق ليمثله في هذا المهرجان وأول القصيدة.

هلا هبطت من المحل الارفع *** روحا لتشهد مهرجان المجمع

وهو يباري قصيدة ابن سينا الفلسفية والتي أولها :

هبطت اليك من المحل الارفع *** ورقاء ذات تعزز وتمنع

ص: 109


1- اعلام العراق الحديث - باقر أمين الورد المحامي.

وللاستاذ حسين علي الاعظمي في الامام الحسين قصيدة عنوانها : ( الشهيد ) القاها في صحن الكاظميين يوم عاشوراء.

نظمت وما غير المناحات لي شعر *** له من دمي شطر ومن أدمعي شطر

نظمت دم الاحرار لي قصيدة *** تنوح بها الدنيا ويبكي بها الدهر

نظمت دم الاحرار من آل هاشم *** اذا ما جرى والطف من دمهم بحر

نظمت دموع الهاشميات نادبا *** بدمع له مد وليس له جزر

فتى هاشمي ثار حين تعطلت *** شريعته الغراء واستفحل الشر

بمملكة فيها يزيد خليفة *** له النهي دون الهاشميين والامر

يزيد طغى في الارض حتى تزلزلت *** بطغيانه وانهد من ظلمه الصبر

وعاث فسادا في البلاد وأهلها *** فمادت وعم الناس في حكمه الجور

أيرضى امام الحق والدين أن يرى *** عدو الهدى والدين في يده الامر

يريدون منه أن يبايع فاجرا *** وفي بيعة الفجار لو علموا فجر

أبى بيعة الباغي وخف لحربه *** بآل لهم في النصر آماله الغر

أتى الكوفة الحمراء ليثا محررا *** وفي الكوفة الحمراء ينتظر النصر

هنالك أنصار دعوه فجاءهم *** بقلب شجاع لا يداخله ذعر

فخانوا عهودا أبرموها ولم يكن *** له منهم الا الخصومة والغدر

وقد منعوه الماء وهو أسيرهم *** فضاقت به الدنيا وضاق به الاسر

يرى النهر والاطفال يبكون حوله *** عطاشى وما غير السراب لهم نهر

قد اضطرمت أكبادهم فتساقطوا *** على الارض لا حول لديهم ولا صبر

وجفت ثدي المرضعات من الظما *** وأصبحن في عسر يضيق به العسر

ينادين قوما لا تلين قلوبهم *** وقد لان لو نادين صماءه الصخر

وهل يرتجى ماء بقفر عدوهم *** ألا ليت لا كان العدو ولا القفر

أب في يديه طفله جاء يستقي *** له الماء اذ أودى بمهجته الحر

رضيع كمثل الطير يخفق قلبه *** فما رحموا الطفل الرضيع وما بروا

سقوه دما من طعنة في وريده *** فخر ذبيحا لا وريد ولا نحر

أب في يديه طفله يذبحونه *** فهل لهم فيه وفي طفله وتر

وهل يقتل الطفل الرضيع بشرعهم *** فان كان هذا شرعهم فهو الكفر

أب رفع الطفل الرضيع الى السما *** ليعلن في آفاقها دمه الطهر

وآب غريقا في دماء رضيعه *** تمج دما منه الحشاشة والثغر

فدوى صراخ الام تلقى وليدها *** ذبيحا قد احمرت وريداه والشعر

ص: 110

تقبله من جرحه وتضمه *** الى قلبها والقلب مستعر جمر

ورددت الآفاق صوت صراخها *** وفي أذن الباغين عن سمعه وقر

وهبت صقور الهاشميين للوغى *** اذا ما هوى صقر تقدمه صقر

الى أن هوى الليث الهصور مضرجا *** على الارض لا فر لديه ولا كر

فتى أغرقته في الدماء جروحه *** وهد قواه الضرب والطعن والنحر

هنالك قامت في الخيام مناحة *** وشبت بها النيران وانهتك الستر

ودوى صراخ الهاشميات في السما *** فناحت عليهن الملائكة الغر

مشين اسارى خلف رأس معلق *** على الرمح لا وعي لهن ولا صبر

قد اضطرمت اكبادهن من الاسى *** وحل بهن الموت والرعب والذعر

سبايا وهل تسبى بنات محمد *** وهن بتاج المجد انجمه الزهر

* * *

شهيد العلى ما أنت ميت وانما *** يموت الذي يبلى وليس له ذكر

وما دمك المسفوك الا قيامة *** لها كل عام يوم عاشوره حشر

وما دمك المسفوك الا رسالة *** مخلدة لم يخل من ذكرها عصر

وما دمك المسفوك الا تحرر *** لدنيا طغت فيها الخديعة والختر

وثورة ايمان على ظلم عصبة *** اطاعتها شر وعصيانها خير

وهدم لبنيان على الظلم قائم *** بناه الهوى والكيد والحقد والغدر

فأين يزيد وهو فيها خليفة *** وهل ليزيد في خلافته فخر

لقد غصب الدنيا ولم يدر أنه *** اذا مات من دنياه ليس له قبر (1)

ولسعادة الاستاذ حسين علي الاعظمي استاذ الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق قصيدة حسينية وقد ألقاها صبيحة يوم عاشوراء سنة 1365 وأولها

أي دمع نظمته الشعراء *** ودماء ذرفتها الخطباء

ص: 111


1- مجلة الغري : السنة الثامنة.

في مصاب مادت الارض له *** وله اهتزت من الهول السماء (1)

ورائعته رابعة القاها يوم العاشر من المحرم سنة 1364 أولها :

الدمع ينطق والعيون تترجم *** عما يضم اليوم هذا المأتم

اليوم قد ذبح الحسين وآله *** ظلما وفاض الدمع وانفجر الدم (2)

ص: 112


1- مجلة البيان : السنة الاولى.
2- مجلة البيان : السنة الاولى.

الشيخ قاسم محيي الدين

المتوفى 1376 ه

بسبط محمد قل ما تشاء *** به الضراء تدفع والبلاء

تعاظم في مكارمه علاء *** حسين من به شرف العلاء

لقد ضربت به أعراق مجد *** بلغن لخير من تلد النساء

يناجز آل سفيان ضرابا *** كأن حسامه فيه القضاء

يكهم كل مصقول صنيع *** يحل بمن يناجزه الفناء

ولولا أن حكم اللّه يجري *** لجاراه القضاء كما يشاء

الى أن خر بدر هدى رمته *** على عفر من الارض السماء

هوى سبط الهدى تربا جبينا *** على عفر تغسله الدماء

وقد نسجت عليه الريح بردا *** وعاري الجسم حجبه السناء

ورضت منه جرد الخيل صدرا *** فصدري دون أضلعه الفداء

فوا لهفي على الرأس المعلى *** على رأس السنان له سناء

وقال :

بنفسي صريعا بكته السما *** وناحت عليه بسكانها

بنفسي عار كسته الرياح *** برودا تردى بقمصانها

طريحا على حرها والعيون *** تمنت تقيه بانسانها

وأمست لقى حوله صحبه *** تعادى العدا فوق أبدانها

فلهفي على كل صدر غدا *** لخيل العدا صدر ميدانها

وحمل الفواطم فوق المطى *** تقاسي لواعج اشجانها

يطاف بها فوق عجف النياق *** بأمصارها وببلدانها

ص: 113

تصوب المدامع عن عندم *** وتشجي الصخور بألحانها

ثواكل تدعو أسى جدها *** وتنعى له غر شبانها

فمن شأن أعدائها زجرها *** وطول النياحة من شانها

سبوها الى الشام سبي الاماء *** وقد ربقوها بأشطانها

سوافر من فوق عجف المطي *** تطوي النجود بغيطانها

بنفسي من روعتها العدا *** فطاشت خطاها كأذهانها

لقد أدخلوها على مجلس *** تعاني به آل مروانها

تنوح وتنحب من ثكلها *** وتنعى بها ليل عدنانها

وتسبى كسبي الاما ، والحبال *** بأكتافها وبأيمانها

فكم من رضيع غذته يد *** المنايا بدرة ألبانها

وكم من فتاة سباها العدا *** تستر في فضل أردانها

وكم من كرائم للمصطفى *** نوائح عجت بألحانها

الشيخ قاسم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ موسى ابن الشيخ شريف بن محمد بن يوسف بن جعفر بن علي بن الحسين بن محيي الدين الاول ابن عبد اللطيف بن علي نور الدين بن أحمد شهاب الدين ابن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد جمال الدين بن ابي جامع العاملي الحارثي الهمداني.

توفي والده بعد سنة من ولادته فكفله جده الشيخ جواد ثم خاله الشيخ أمان ومن السنين الاولى لنشأته كان معقد آمال الاسرة وموضع تعهدها ، وفي سن مبكرة بدت علائم نبوغه عليه وظاهرة صلاح ونجابة في سلوكه الامر الذي اكسبه حب الناس واعجابهم باستقامته وفضله.

ولد في 25 رمضان سنة 1314 وتوفي 1376 ه.

نشأ في النجف الاشرف ودرس المقدمات من العربية وما اليها على الشيخ جواد محيي الدين وتلمذ في الفقه والاصول على الشيخ احمد كاشف الغطاء والميرزا حسين النائيني والسيد أبي الحسن الاصبهاني يقتصر شعره على أهل البيت علیهم السلام طبع له أكثر

ص: 114

من ديوان ، الاول نشر سنة 1955 م وكتاب البيان في غريب القرآن كما طبع من نظمه العلويات العشر تحتوي على عشر قصائد في مدح أمير المؤمنين علیه السلام قضى ردحا من الزمن وهو الموجه المرشد لقبائل الجبور في قضاء ( الحمزة ) و ( القاسم ) وسعى في تعمير هاتين البقعتين وكتب عن حياة القاسم ابن الامام موسى بن جعفر علیه السلام كما كتب كتابة مفصلة عن حياة الحمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس ابن الامام امير المؤمنين المكنى بأبي يعلى ، والكتابة عن علمه وفضله استفدت منها. والشيخ قاسم يتحلى بصفات عالية قل من يتحلى بها وهذا هو الذي جعل له هذا الاثر الكبير في نفوس عارفيه ولم يزل أبناء تلك المنطقة يذكرونه ويتأسفون عليه فهو أبي الى أبعد حدود الاباء حتى لو التهم التراب لم يظهر عليه ولم يطلب من أحد بالرغم من سعيه المتواصل لاغاثة المحتاجين فكم اغاث الارامل وكم بنى الدور للطلاب وكم سعى في ايفاء ديون المعسرين لكنه لنفسه لا يطلب شيئا وشخصيته شخصية محبوبة جذابة معروف بلطف المعشر لا تجده متبرما ولا غضبانا يستحيل ان يجافي احدا ويقاطعه ومجلسه العامر في كل ليلة بالمذاكرات العلمية والنوادي الادبية يجمع بين العالم والاديب والوجيه والموظف الى جنب مكتبته العامرة التي ملأت رفوفها جوانب المجلس ، والشيخ قاسم أشهر العروضيين في النجف ومن قدماء الشعراء سافر الى جنوب لبنان وكان موضع الحفاوة من طبقات اللبنانيين وساجل الادباء والشعراء هناك وكانت له مناظرات علمية وسجل من الذكريات ملحمته الشهيرة في مناظر جباع وأولها :

بوركت يا جباع ذات الشجر *** حياك منهل الحيا المنهمر

جباع جنات وصاف ماؤها *** يمتد من سلسال عذب الكوثر

كان لا يعتز بكل ما نظم الا شعره في اهل بيت النبي صلوات اللّه عليهم فقد جمعه ونشره في مطابع النجف بجزئين وأسماه ( المقبول في رثاء الرسول وآل الرسول ) توفي يوم السابع عشر من ربيع الثاني ودفن بوادي السلام مع الزفرات والحسرات وما أروع المرثية التي ألقاها الدكتور عبد الرزاق محيي الدين يوم اربعينه في مسجد اّل الجواهري واليكم المقطع الاول منها :

ص: 115

تطاردني الذكرى فما الطرف هاجع *** ولا أنت منسي ولا أنت راجع

رؤى لست بالمحصي مداها تواكبت *** وحشد طيوف مرزمات تدافع

تعرفتها طفلا صبيا ويافعا *** فتيا فكيف الحال والشيب ناصع

أطلت تناغي المهد اذ انا راضع *** وتدرج بي في البيت اذ أنا راتع

تتابع خطوي ما استقام فان هفا *** اخذن بضبعي فاستوى لك ضالع

وتدفعني دفعا الى حيث ترتقي *** سموا وحاشا لا أقول المطامع

تعهدتني نبتا تزعزعه الصبا *** فكيف اذا هبت عليه الزعازع

تزيد ارتكاسي في التراب تواضعا *** فيزهي لك العود الذي هو فارع

وتعرضه للشمس في وقدة الضحى *** ليقوى على ما بيتته الزوابع

وتورده من بعض ما أنت وارد *** نميرا تساقي او مريرا تقارع

وتعتده ظلا وعودك شاخص *** ورجع الصدى الحاكي وصوتك ساجع

تريه المنى ما ذر في الافق طالع *** وعقبى العنا ماحط في الارض واقع

وترميه للجلى وان ناء منكب *** وحالت معاذير واقصر شافع

فينهض لا مستحقبا غير عزمة *** ولا زاد الا ما تجن الاضالع

تقاصرت الابعاد دون مراده *** فسيان داني غايتيه وشاسع

مراح طويل سهده متواصل *** وصبح حثيث خطوه متتابع

أناف على العهد التليد بطارف *** خبا ماتع منه فاشرق رائع

متى احتضنته الجامعات تنفست *** وقد صبأت غيري عليه الجوامع

وما كان فقدي يوم فقدك واحدا *** ولكن منايا جمة ومصارع

وتاريخ قوم ما انثنوا عن ولاية *** ولا قطعتهم عن علي قواطع

مشوا يوم صفين بما زحم الوغى *** وضاق به سهل ودكت متالع

وحين تغشى الناس شك وابلسوا *** وخالطهم من كيد عمرو مخادع

وشيلت على أعلى الرماح مصاحف *** وقيل ارجعوا فالحكم لله راجع

ابت قومه همدان الا صلابة *** وان زلزلت بكرو طاشت مجاشع

وظلوا على عهد الجهاد وشوطه *** وان بذلت ساحاته والذرائع

رواة حديث او بناة عقيدة *** وحفاظ سر ضقن عنه المسامع

على حين كان النطع والسيف مركبا *** وكان ارتدادا ان يقال مشايع

* * *

وعاد لهم من عامل وهضابها *** حصون منيعات الذرى ومصانع

ص: 116

ونقطة بعث للولاء مجدد *** يصد بها الغازي ويحمى المدافع

وكان انطلاق بعد فترة شجعة *** وبعث على أرض العراقين طالع

سروا كالنجوم الزهر تقتحم الدجى *** فيهدى بها سار ويأمن فازع

تقاسمت الآفاق هذا محدث *** وذلك محتج وهذاك شارع

جريئون ما هابوا الملوك كأنما *** ممالكهم مما أفاضوا قطائع

وهذا الذي أثرى وذاك الذي اقتنى *** فقير الى ماعندهم متواضع

الى أن رسا اصل وقامت معالم *** وسنت قوانين وسادت شرائع

أخا الصالحات الباقيات مناثرا *** أصات بها داع وأمن سامع

ورب الندي الرحب ضاق بأهله *** فأوسعه خلق على العسر واسع

والقصيدة بكاملها نشرها الدكتور عبد الرزاق في مؤلفه ( الحالي والعاطل تتمة لملحق أمل الآمل ) مع ترجمة وافية للمترجم له.

ص: 117

السيد حسين القزويني البغدادي

المتوفى 1376 ه

ما لي أرى الدمن الخوالي *** صم المسامع عن سؤالي

اني عهدت ربوعها *** كانت محطا للرحال

وفناءها مأوى الضيو *** ف ومركز السمر العوالي

ما بالها حكم البلى *** بعراصها فغدت خوالي

ومحا الجديد رسومها *** فغدت مسارح للرئال

واستبدلت وحش الفلا *** سكنا من البيض الحوالي

ورياضها قد صوحت *** بعد الغضارة والجمال

شجوا لخطب قد جرى *** في آل أحمد خير آل

أهل المناقب والفضا *** ئل والفواضل والمعالي

وذووا الفصاحة والسجا *** حة والسماحة والنوال

قد غالهم ريب الزما *** ن فصرعوا بشبا النصال

من كل اشوس باسل *** جم العلى سامي المنال

وأشم أغلب أروع *** شهم لنار الحرب صالي

تلقاه في ليل القتا *** م كأنه بدر الكمال

فاذا الجموع تكاثرت *** رد الرعال على الرعال

وقفوا لعمري وقفة *** أرسى من الشم الجبال

حتى قضوا في كربلا *** عطشا على الماء الزلال

ص: 118

السيد حسين ابن السيد صالح ابن السيد مهدي الحسيني القزويني النجفي البغدادي المعروف بالسيد حسون.

وأبوه صاحب القصائد المشهورة في أهل البيت علیهم السلام ولد في حدود سنة 1280 وتوفي في المائة الرابعة بعد الاف. وهو أديب شاعر سليقي لا نحوي قال الشيخ السماوي في الطليعة : رأيته فرأيت منه رجلا بهي الصورة ضخم المناكب قوي العارضة اذا انشد شعره وشعر أخيه الراضي وشعر أبيه الصالح وكان يتولى مسك الدفاتر لبعض تجار بغداد فمن شعره قوله متغزلا :

جاءتك تسحب للهنا أذيالها *** غيداء ما رأت العيون مثالها

بيضاء ناعمة الشبيبة غضة *** رسمت لمرآة الهدى تمثالها

جعلت عقارب صدغها حراسها *** من لثمها وجعودها أفعى لها

قد زين الزند البهي سوارها *** حسنا وزين ساقها خلخالها

حوراء حالية المعاصم والطلى *** عشق المتيم غنجها ودلالها

ومن قوله في قصيدة الغزل :

ألؤلؤ ثغر ساطع في المباسم *** يلوح لصب بالجآذر هائم

أم الكاعب الحسناء كالشمس ضوؤها *** تميس محلاة الطلى والمعاصم

وقوله مشطرا بيتي الشيخ محمد النقاش النجفي المتوفى في حدود 1300 ه في السماور :

نديم كلما أججت نارا *** به شوقا يزيل الغم عني

ومهما الماء يصلى للندامى *** بأحشاه غدا طربا يغني

يغني ثم يسقيني كؤوسا *** معسلة المذاق بغير من

ويطربني بصوت معبدي *** ألا أفديه من ساق مغني

وقال أحدهم : السيد حسين السيد صالح القزويني الحسيني البغدادي النجفي وقد غلب عليه اسم السيد ( حسون ). ولد سنة 1280 ه ببغداد ونشأ بها ، كان طويل القامة جسيما أبيض الوجه ، بهي المنظر نظم فأجاد ومن شعره يستنهض لاخذ الثأر ومطلع القصيدة :

ص: 119

مدارس وحي اللّه هد مشيدها *** وشتت منها شملها وعديدها

وأضحت يبابا مقفرات عراصها *** يجوب بها وحش الفلاة وسيدها

الى ان يقول :

ألم تعلمي أضحى الحسين بكربلا *** صريعا على البوغاء وهو فريدها

ألم تعلمي بالطف أضحت نساؤكم *** برغم العلى تبتز عنها برودها

ومنها :

مضى اليوم من عليا نزار عميدها *** وقوض عنها فخرها وسعودها

فيا أيها الغلب الجحاجحة الاولى *** على هامة الجوزا تسامى صعودها

دهاك من الارزاء أعظم فادح *** له اسودت الايام وابيض فودها

فتلك بنو حرب بعرصة كربلا *** أحاطت على سبط النبي جنودها

لقد حشدت من كل فج لحربه *** جيوش ضلال ليس يحصى عديدها

وذادته عن ورد الشريعة ظاميا *** الى أن قضى بالطف وهو شهيدها

فأين لك الرايات تقطر بالدما *** اذا خفقت يوم الكفاح بنودها

وأين لك البيض القواطع في الوغى *** تذعر قلب الموت رعبا حدودها

وأين لك السمر الطوال التي لها *** المراكز لبات العدى وكبودها

وأين لك الجرد العتاق اذا جرت *** تزلزل أغوار الربى ونجودها

وأين الابا منكم وتلك نساؤكم *** يسير بها جبارها وعنديها

قال الشيخ السماوي في الطلعية : وهي طويلة وشعره في هذا الباب كثير.

ومن قصيدة في الحماس

سأركب للعلياء اجرد شيظما *** واستل يوم الروع ابيض مخذما

وأسري بجنح الليل لا أرهب العدى *** واعتقل الرمح الوشيج المقوما

توفي يوم الاثنين في الخامس عشر من شهر ربيع الثاني سنة

ص: 120

1376 ه وهو من المعمرين قد تجاوز المائة ودفن بالنجف الأشرف في الجانب القبلي من الصحن الحيدري وفي احد الاواوين. واعقب ستة اولاد ذكور وجملة من الاناث اما الذكور فهم : مهدي ، حسن ، صالح ، علي ، باقر ، صادق ترجم له السيد الامين في الاعيان ج 26 ص 158 وترجم له السماوي في الطليعة والشيخ أغا بزرك في طبقات الاعلام الشيعة ص 588.

ص: 121

الشيخ علي الجشي

المتوفى 1376 ه

أتغض يا ابن العسكري على القذا *** جفنا ومن علياك جذ سنامها

عجبا لحلمك كيف تبقى عصبة *** وترتكم تطأ الثرى اقدامها

أتراك تنسى يوم جذت منكم *** في الطف عرنين الفخار طغامها

يوم به كف القطيعة طاولت *** علياءكم ولها تطأطأ هامها

وتعاهدت في حفظ ذمة احمد *** سادات انصار الاله كرامها

حتى اذا ضربوا القباب وطرزت *** بالسمر والبيض الرقاق خيامها

قامت تحوط المحصنات كأنها *** اسد وأخبية النسا آجامها

فأتت كتائب آل حرب نحوها *** تسعى وتطمع أن يذل همامها

فاستوطأت ظهر الحمام تخوض في *** بحر الوغى وقرينها صمصامها

قوم اذا عبس المنون تهللت *** تلك الوجوه ولم تطش أحلامها

قوم اذا نكص الفوارس في الوغى *** ثبتوا كأن منى النفس حمامها

قوم معانقة الصوارم والقنا *** ما بتين مشتبك الرماح غرامها (1)

هو الشيخ علي ابن الحاج حسن الجشي القطيفي المولود سنة 1296 ه والمتوفى يوم الثلاثاء 15 - 5 - 1376 ه رجل الايمان والعقيدة عاش فترة من الزمن في النجف الاشرف دارسا ومدرسا ، وقد تولى في القطيف منصب القضاء في ظروف صعبة ولكنه قابلها بايمان راسخ

ص: 122


1- رياض المدح والرثاء للشيخ حسين البلادي البحراني.

فكان يطبق الموازين الشرعية ويرعى لها قدسيتها بثبات وعزم غير هياب ولا وجل ، ترجم له العلامة المعاصر الشيخ فرج العمران القطيفي في موسوعته ( الازهار الارجية في الاثار الفرجية ) : فلله دره من عالم مجاهد مثالي صابر محتسب راح وترك فراغا لا يسد.

توفي رحمه اللّه يوم 15 - 5 - 1376 ه آخر النهار بمستشفى الظهران ودفن يوم 16 - 5 - 1376 وكان يوما مشهودا في القطيف وتقدمت الجماهير أمام النعش تردد الاناشيد المشجية تحمل الاعلام السود وحتى عطلت الدوائر الحكومية واشتركت هيئة التعليم التابعة للمعارف في التشييع والتأبين.

فقد وقف الاستاذ المصري محمد ابو المعاطي على القبر وابن الفقيد بما يليق ومكانته ، افتتحها بقوله : اللّهم ان هذه وديعتنا عندك ، ثم ذكر ما للفقيد من اياد بيضاء في التوجيه والارشاد مشيدا بمكانته العلمية وتوالت الخطباء والشعراء بكلماتهم الحارة وعواطفهم الملتهبة ، وصلى عليه العلامة الشيخ فرج العمران ثم رثاه بعد ذلك بقصيدة مؤثرة ألقيت في الفاتحة الكبرى التي أقيمت في حسينية آل السنان بالقلعة وتبارى تلامذته الذين كانوا يدرسون عليه مبدين أسفهم لفقد استاذهم ولا يفوتنا أن نشير بأن له من الشعر في أهل البيت ما نشر في ديوان خاص ، وفي رياض المدح والرثاء شعر من بعض ما قال.

آثاره : منظومة كفاية الاصول بكلا جزئيها ، و ( الشواهد المنبرية ) طبع و ( الروضة العلية ) طبع و ( الديوان ) جزآن طبع بمطابع النجف والاول يحتوي على مدائح ومراثي أهل الكساء صلوات اللّه عليهم والثاني في مدح ورثاء أئمة أهل البيت وشهداء كربلاء.

ص: 123

الشيخ عبد الحسين الحويزي

المتوفى 1377 ه

يرثي العباس بن علي (عليه السلام) :

ما بال دمعك من ذوب الحشا ذرفا *** تبكي لشرخ شباب عصره سلفا

تبيض عيناك حزنا للشباب وكم *** ابقى عليك ذنوبا سودت صحفا

جد الصبا بك يبغي كل مهلكة *** حتى اذا جزت غايات لها وقفا

وقرت منه بآثام تنوء بها *** ثقلا ويوم تناءى قلت وا أسفا

ضيف الشباب مقيما كان في لممي *** وقد أحس بذكر الشيب فانصرفا

ولى الشباب ووافى الشيب من كثب *** فذا أرى ناظري وجها وذاك قفا

ما اثبتت شهوات للصبا همزت *** سوء على المرء الا والمشيب نفى

صفو المشيب بياض كالصباح زها *** جلا سواد شباب قد دجى سدفا

تقوى نشاطا من التقوى عليه متى *** ألم والجسم من أعبائه نحفا

فان اردت بأن تلقى الاله ولا *** ذنبا عليك له قد كنت مقترفا

اسمع بأم القرى بابن الصفا فقرا *** من نعيها للملا كاس الحمام صفا

سليل حيدر من أم البنين نشا *** شبلا لمنهج ضرغام العرين قفا

تبسمت بيد العباس بيض ظبى *** بكت بها الحرب حتى دمعها وكفا

نادى أنا ابن علي الطهر حيدرة *** والموت احجم لما صوته عرفا

دنا لخفق لواء العز في يده *** وبالفرار خفوقا جاشه رجفا

توسط الحرب والابطال ناكصة *** فدق بالطعن من شوك القنا طرفا

سنانه اهتز للاشباح مختلسا *** وسيفه استل للارواح مختطفا

والنقع يستافه في الكر غض صبا *** بأنفه والردى في موره عصفا

وخال سود المنايا في نواظره *** بيضا فهام بها من حبه شغفا

ص: 124

بكفه السيف عار سافحا علقا *** في موكب ظل بالارهاج ملتحفا

فناجزته العدا مرضى قلوبهم *** فحكم السيف فيهم فاستحال شفا

وقال مذ وكف الطعن الدراك دما *** للسمر ريب الردى حسبي به وكفى

لا أرهب الموت في يوم اللقاء ولا *** أهاب ان طمحت عين الردى صلفا

نحا الشريعة والاجال مشرعة *** زرق الرماح وفيها الحتف قد زحفا

حتى ازال صناديد الوغى فرقا *** عن الفرات وجاب النقع فانكشفا

فخاض في غمرات الماء سابحه *** وللروى مد منه الكف مغترفا

ومذ تذكر من قلب الحسين ظما *** عاف المعين ومنه قط ما ارتشفا

وغرفة قد رماها من أنامله *** شادت له بفراديس العلى غرفا

فانصاع والعلم الخفاق منتشرا *** بكفه والسقا منه اعتلى كتفا

فا ستقبلته هوادي الخيل طالعة *** مثل النسور عليه سربها عكفا

فقام يحصد حصد الزرع انفسها *** بمرهف لجنى اعمارها اقتطفا

فصير الارض بحرا بالدماء فذا *** بلجه راسبا اضحى وذاك طفا

حتى اذا دك للاجال شاهقها *** ببأسه ولاطواد الردي نسفا

برت يمينا لها الاقدار باسطة *** يمنى به كل من فوق الثرى حلفا

ومنه جذت يسار اليسر حاسمة *** حوادث ما درت عدلا ولا نصفا

من هاشم بدر تم في الصعيد هوى *** لقى بضرب عمود هامه خسفا

لم أنسه عندما نادى ابن والده *** ادرك اخاك ومنه الصوت قد ضعفا

فجاءه السبط والاماق سافحة *** دمعا ومنه عليه قلبه انعطفا

وخر من سرجه للارض منحنيا *** عليه نونا بقد لم يزل الفا

يقول والوجد رهن في جوانحه *** والدمع منه على الاجفان قد وقفا

اخي اضحت بك العلياء عاطلة *** وكان فعلك في آذانها شنفا

اضحى بفقدك سيف الحق منثلما *** وظل بعدك لدن العدل منقصفا

هذي عليك دواعي الدين صارخة *** والمجد في كل ناد معولا هتفا

فتى عليه العلى جزت غدائرها *** وقلبها هاج من حر الجوى لهفا

سل سلة البيض عنه فهي شاهدة *** ان الشهادة زادت قدرة شرفا

قد باع في اللّه نفسا منه غالية *** دون الحسين اقيمت للردى هدفا

في لجة القدس كانت خير جوهرة *** ايدي الهدى نشرت عن ضوئها الصدفا

لهفي لزينب لما اخبرت فزعت *** ان ابن والدها نصب المنون عفا

دعت على مفرق الدنيا العفا بأخ *** به انمحى الصبر مني والسلو عفا

يهنيك ان سلبت عني العدا ضغنا *** بردا وتلبس بردا للعلى ترفا

من بعد فقدك يرعانا بناظره *** وللضعائن يبدي ذمة ووفا

ص: 125

ويوم مرت عليه وهو منجدل *** عليه ثوب لخفاق النسيم ضفا

نادته والعين عبرى تستهل دما *** من الشجى فيه لما ماؤها نزفا

اما ترى الغل ادمى في السبا عنقي *** وسوط زجر بمتني في الوجيف هفا

أعرضت عنا وقد كنت الرؤوف بنا *** حاشا نرى فيك من بعد الوداد جفا

لئن مضيت وفيك الفضل مكرمة *** فاللّه يبقي لنا صون العلى خلفا

يا ابن الوصي ثنائي صغته ذهبا *** مخلصا ليس يدري سبكه الزيفا

ارجو الشفاعة لي يوم الجزاء وكم *** بها اله السما عمن عصاه عفا (1)

الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ عمران الحويزي النجفي ولد في النجف سنة 1287 ه من اسرة نزحت من الحويزة وآثرت النجف محلا للسكن فانفرد عمران والد الشاعر بتجارة القماش وطفق الوليد - عبد الحسين - يشق طريقه لاستلهام العلوم عن طريق مشايخ عصره كالسيد ابراهيم الطباطبائي والسيد محمد حسين الكيشوان ، ولما مات والده عمران اضطر الولد الى اشغال المتجر ليعيش من ورائه ثم اصبح المتجر ندوة ادبية ومنتجعا للادباء ، وشاء القدر أن تمتد يد اللصوص وتسرق ذلك المتجر ذلك مما دعاه أن يترك النجف ويؤثر السكنى في كربلاء عام 1335 ( فقضى نصف قرن تقريبا في كربلاء حتى خبت جذوة هذا الاديب الكبير ليلة الجمعة اول محرم الحرام 1377 ه ترجم له العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء في ( الحصون المنيعة ) بقوله : اديب شاعر يحترف الشعر وهو اليوم يمتهن التجارة وله شعر كثير في أهل البيت وغيرهم ، وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وقال كانت له اليد في كثير من العلوم كالرياضيات والهندسة والجفر والرمل والكيمياء وله فيها بعض الرسائل والاثار. وكان في شبابه مثال الاديب الجريء فقد كان يعتد بنفسه واتفق يوما أن قرأت له قصية وكان في المجلس الشاعر السيد جعفر كمال الدين فاستبعد أن تكون من نظم الحويزي لجودتها وأنها من نظم استاذه الطباطبائي - كان الحويزي في اوائل العقد الثالث من عمره وكان ممن حضر ذلك المجلس من شيوخ العلم والادب الملا عباس الزيوري ،

ص: 126


1- للشاعر عشرات القصائد في يوم الحسين وفاجعة الطف ، وقام الاستاذ حميد مجيد هدو بنشر ديوانين له ثانيهما يختص باهل البيت (عليهم السلام) طبعه سنة 1385 ه 1965 م في مطبعة النعمان النجف.

فقال : امتحنوه ففي الامتحان يكرم المرء أو يهان ، ثم قال للحويزي أنا انظم صدور أبيات وعليك أن تنظم أعجازها واندفع قائلا :

يا قطب دائرة الوجود ومن هو ال *** نبأ العظيم ومن اليه المفزع

انت ابن عم المصطفى ووصيه *** وأبو بنيه وسره المستودع

ما قام بيت للنبوة مشرع *** الا وانت له عماد يرفع

وجبت ولايته على أهل السما *** والارض ان سمعوا وان لم يسمعوا

فاكبره شيوخ الادب فارتجل الحويزي قائلا :

يستصغر الخصم قدري في لواحظه *** ونظم شعري كبير منه تبيان

فلست اوهى قوى من نملة نطقت *** وظل معتبرا منها سليمان

والحويزي شاعر سريع البديهة يرتجل الشعر ولا يجاريه احد بهذه الملكة حدثني بجملة من نوادره الادبية والبعض منها لا تكتب ، ومما اذكره من سرعة البديهة انني لما تزوجت زواجي الاول بتاريخ 27 رجب 1356 ه عقدت حفلات أدبية تبارى فيها الشعراء وبحكم الصلة بين والدي والمرحوم الشيخ محمد علي كمونة - زعيم كربلاء - أقام الشيخ محمد علي كمونة اياما في النجف يحضر هذه الندوات وكان الشاعر الحويزي يلازمه فكان يقول : لو طلبتم مني كل يوم قصيدة لهيأتها لكم كانت هذه الرائعة التي احتفظ بها وهي بخطه لم تزل عندي.

نفحت خدودك روضة غناءا *** وهمت عيوني ديمة وطفاءا

ترعى النواظر ورد خدك مونقا *** ولقلب صبك ترتع الاحشاءا

فقطفت ورد الخد احمر يانعا *** وقطفت من قطع الحشا السوداءا

لم أدر خدك وردة فأشمها *** أو احتسيها خمرة صهباءا

ومتى بفترة ناظريك أدرتها *** دبت فارعش سكرها الاعضاءا

لو لم تكن تلك الزجاجة معدنا *** ما أطلعت ياقوتة حمراءا

وأدارها الساقي على خلطائه *** فلكا مدامتها تضيء ذكاءا

يختال كالطاووس حامل كاسها *** رقت كعين الديك منه صفاءا

ص: 127

أشقيق بدر التم وجهك لم يزل *** والبدر في افق السماء سواءا

أطلعت وجهك بالعقاص مبرقعا *** بهما جمعت النور والظلماءا

اللّه أنشأ حسن وجهك صانعا *** فرنا له فاستحسن الانشاءا

ومن العذيب سأمت رقة مائة *** ووردت من عذب المدامع ماءا

فمياه دمعي لا يحل ورودها *** فلربما جرت الدموع دماءا

ان اشتكي بمريض لحظك علة *** فلها وجدت لمى الشفاه شفاءا

ولك الدموع أذعن كل سريرة *** تحت الضلوع كتمتها اخفاءا

الحسن قرط بالثريا أذنه *** لما اناط بجيده الجوزاءا

مي ونعم في العريب بحسنه *** ومثال اسمى قد محا اسماءا

قيس سلا ليلى بحبك فانبرى *** وجدا يكابد ليلة ليلاءا

لانت لديك أخادعي وحشاك لي *** يبدي القساوة صخرة صماءا

انا لو ملكت من العوارض قبلة *** بغناي صات العاشقون غناءا

ماء الحياة بريق ثغرك لوبه *** موتى الهوى سقيت غدت احياءا

وكحلت عينا في الخمائل علمت *** بالغنج نرجس روضها الاغفاءا

يجني علي ولم أكن متعذرا *** واليه افدي النفس مهما ساءا

خفضتني ذلا واني واثق *** بثنا علي استطيل علاءا

في غابة العلياء عرس شبله *** من ذا يبشر باسمه العلياءا

ولدته ام المكرمات وقد أبى *** الا يجاري سبقه الآباءا

ملئت ميازره حجى وبراعة *** وسماحة وبسالة وحياءا

يعزى الى الشرف الاصيل أرومة *** وأبوه احرز عزة واباءا

ساد الخليقة فاستطال بسؤدد *** زانت طلاقة وجهه الخضراءا

وبمركز المجد المؤثل ثابت *** قطبا يدير من العلى أرحاءا

والى المكارم انهضته عزيمة *** فشآ فنال بسعيه ما شاءا

الفضل قدمه اماما للهدى *** وترى الورى تقفو خطاه وراءا

لو كان غير الشمس تحسد مجده *** يوما لغادر عينها عمياءا

فسل الغري يجبك عنه بأنه *** للرشد يوضح طلعة غراءا

هذا علي ظاهر اعجازه *** قد أعجز الاقران والاكفاءا

نال الزواهر حين جد وحسبه *** يدعون جدة مجده الزهراءا

فاقت مناقبه على شهب السما *** ضوءا وزاد عديدها احصاءا

واذا رأى زمن لمجدك ثانيا *** حققت نظرة عينه حمقاءا

ياآل شبر لم تزل انواركم *** تأبى بأندية الهدى اطفاءا

عرجت بكم همم لغايات العلى *** سبقت فجاوزت المدى اسراءا

ص: 128

يهنيكم عرس زففت لاجله *** هديا لانواع الثنا غيداءا

اني دعوت اللّه يجمع شملكم *** ورجوت مني يستجيب دعاءا

لا زلت اتصوره حينما انشدت هذه القصيدة وهو يبتسم وربما داعبه الشيخ كمونة بأنه راح يتصبى ويتشبب في شيخوخته ويجيبه الشيخ الحويزي بأني أنظم لسان حالك ، وهكذا كان المرح لا يفارق الشيخ الحويزي وتعجبك منه تلك البسطة في الجسم مزدانة ببسطة العلم والادب وشيبة نورانية ووجه بشوش ، ولعهدي بجماعات من المتأدبين في كربلاء وهم يحسنون الفارسية فكانوا يجتمعون به في الصحن الحسيني الشريف أو في المدرسة الدينية وينشدونه الشعر الفارسي وما يتضمن من معاني نادرة فكان بتأمل قليل يصبه في الشعر العربي ومنه البيتان وقد عربهما عن الفارسية.

كل شيء في عالم الكون أرخى *** دمعه في الوجود يبكي حسينا

نزه اللّه عن بكى ، وعلي *** قد بكاه ، وكان لله عينا

والحويزي الذي خدم الادب طوال ثمانين عاما لا عجب اذا خلف خلالها خمسة عشر ديوانا ضخما (1) لم تزل مخطوطة سوى ديوانين كتب لهما النشر ، والثاني كله في أهل البيت (عليهم السلام) وكانا بمثابة العقب حيث مات ولم يعقب ولا أنسى أن ديوانا خاصا من هذه الدواوين جمع فيه التشطير والتخميس ولا شك ان هذه الموسوعة وثائق تاريخية ثمينة يحتاج اليها كل احد وهي جديرة بالتقدير والتثمين مضافا الى البراعة الشعرية فمن شعره في العرفان قوله :

كثرت بوحدة ذاتك الاسماء *** ولكل وصف بالهدى سيماء

أنت المؤثر والوجود يرى له *** أثرا أقمن دليله الآلاء

قد كنت كنزا قبل كل حقيقة *** غطاه عن مرأى العقول خفاء

ما حجبت أثرا لصنعك ظاهرا *** أرض ولا ضمت سناك سماء

ص: 129


1- كل ديوان يحتوي على عشرة آلاف بيت.

يا حي تنشر عنك أموات البلى *** وتموت في ملكوتك الاحياء

خشعت لهيبتك السماء وأرجعت *** شم الجبال ودكت الارجاء

وأقمت فوق الماء عرشك ثابتا *** فسمت قوائمه وغيض الماء

وعنت لقدرتك النفوس مخافة *** وانقادت الخضراء والغبراء

وعن العقول تجردت لك بالعلى *** حكم لهن الكبرياء رداء

وعلى العوالم نور ذاتك لم يزل *** شيئا وليس كمثله اشياء

نظرت لحكمتك البصائر فانثنت *** حيرى فكل بصيرة عمياء

بقضاء أمرك كل شيء هالك *** ولنور وجهك في الوجود بقاء

متنزه عن جنس كل مشابه *** دحضت بك الاضداد والاكفاء

يا باسط الارزاق من يد قدرة *** تجري بها السراء والضراء

فيك السما رفعت ولا عمد لها *** لم تسر في دورانها أرجاء

عرفت بصحتها النفوس وسقمها *** انت الدواء لها وأنت الداء

طبعت له ملحمة شعرية باسم ( فريدة البيان ) في مدح الرسول الاعظم واهل بيته وافاه الاجل في شهر آب 1957 م 1377 ه ونقل جثمانه الى النجف الاشرف.

ص: 130

حليم دمّوس

المتوفى 1377 ه - 1957 م

ذكرى الحسين حفيد احمد صفحة *** زادت بأسرار السماء يقيني

تلك الضحية في المحرم جددت *** في كعبة الاسلام صرح الدين

لم أنس بيتا للشهيد وقد دوت *** كلماته في الطف منذ قرون

ان كان دين محمد لم يستقم *** الا بقتلي يا سيوف خذيني (1)

حليم دموس شاعر اديب كاتب مشهور بنظم الشعر جال في عدة ميادنيه وأغراضه ولد في زحلة بلبنان وتعلم في الكلية الشرقية ثم هاجر الى البرازيل وتعاطي الصحافة مدة قصيرة ثم رجع الى وطنه. كان محبا للغة العرب ومدافعا عنها بقوة وله وقفات طيبة في الذود عن أمجادها زمن الاستعمار الفرنسي. اتصل بكبار الشعراء والادباء في البلاد العربية واحبهم وأحبوه لطيبة نفسه وسلامة قلبه.

ومن آثاره ديوان ( المثالث والمثاني ) ( يقظة الروح او ترانيم حليم ) ( الاغاني الوطنية ) ( قاموس العوام ) (2).

ص: 131


1- أقول : يظن الكثير ان هذا البيت هو من نظم الامام الحسين علیه السلام وانه ارتجله يوم عاشوراء ، والصحيح انه قيل عن لسان الحسين علیه السلام وناظمه الشاعر الكربلائي الشيخ محسن ابو الحب المتوفى 1305 ه وهو من قصيدة اولها. ان كنت مشفقة علي دعيني *** ما زال لومك في الهوى يغريني
2- العراق في الشعر العربي والمهجري تأليف الدكتور محسن جمال الدين.

حنين الروح

جاء في مجلة البيان النجفية : الاستاذ الكبير حسان حليم دموس أشهر من أن يعرف وها هو يوافينا بعدة قصائد لاهوتية سامية

روحي تحن الى ظلالك *** وفمي يحدث عن جلالك

سبحانك اللّهم في كون *** يدل على كمالك

الملك ملكك في السماوات *** العلى وهنا كذلك

اين السعادة في الدنى *** والمرء في دنياه هالك

شوقي الى عدل الملائك *** لا الى ظلم الممالك

فاجعل حياتي في يديك *** فكلها من بعض مالك

أنا من أنا يا رب ان *** قارنت قولي في فعالك

انا نسمة مرت على *** هذي الربى وعلى جبالك

انا من ضبابك قطعة *** بيضاء ترقد في تلالك

أنا موجة من بحر جودك *** ترتجي صافي نوالك

انا نجمة لمعت وغابت *** فجأة والليل حالك

انا رملة صغرى تقلبها *** الرياح على رمالك

انا دمعة سالت على *** خد الطبيعة من زلالك

أناظل طيف عابر *** في مهمه وعر المسالك

يجتاز في وادي الحياة *** ولا يرى الا المهالك

ويخوض في بحر المنى *** متمسكا بعرى حبالك

يا رب انقذني سريعا *** ان أكن اهلا لذلك

اني تعبت من الحياة *** فهل أرى باهي خيالك

واذا النفوس تطهرت *** حنت الى مرأى جمالك

أنا اكتفي سكنا بقربك *** بين شمسك أو هلالك

يا حبذا الارواح تصبح *** في الاعالي من عيالك

هي حول عرشك كالملائك *** عن يمينك أو شمالك

نور على نور تدفق *** بين جنات هنالك

أشهى مناي ظلالها *** فاجعل نصيبي في ظلالك

ص: 132

عباس أبو الطوس

المتوفى 1377 ه

لك في صراع البغي يوم أكبر *** لا زال يرويه النجيع الأحمر

وتعيده الايام لحنا ثائرا *** ينساب في سمع الزمان ويهدر

فتشع في سفر الكرامة اسطر *** منه وتستوحي الكرامة أسطر

لك مثل ما لابيك ذكر خالد *** باق بقاء الدهر لا يتغير

وفضائل يقف الاعاظم خشعا *** لجلالها ويقرها المتنكر

تزكو بطابعها السليم فتزدهي *** بشعاعها طرق الرشاد وتزهر

لك مثل ما لمحمد بجهاده *** عزم واقدام وخلق نير

لا زال يومك وهو يوم شهادة *** يجلو الظلام عن العيون ويحسر

ويزيل أهوال النفوس وذعرها *** لتهب ترعد كالاسود وتزأر

وصلابة تطأ الردى وشواظه *** خنقا اذا بدت الجموع تزمجر

بك يا شهيد سنبتنيها أمة *** عربية تثني العدو وتقهر

وبنور مجدك سوف نرفع مجدنا *** ألقا تتيه به الاباة وتفخر

وتشق ديجور الحياة طلائعا *** ليست تهاب المعتدين وتحذر

وبتضحياتك نستزيد بسالة *** نحيا بها رغم الجروح وننصر

ولد الشاعر عباس أبو الطوس في مدينة كربلاء سنة 1350 ه الموافق سنة 1930 وانحدر من عائلة فقيرة تعرف ب آل أبي الطوس

ص: 133

ما أن شب وترعرع في كنف هذه العائلة حتى دفعه ابوه الى احد الكتاتيب - وعباس لم يتجاوز السادسة من عمره آنذاك فتعلم القراءة والكتابة وولع بالادب منذ الطفولة وتدرج وهو يقرأ النحو كالقطر لابن هشام والالفية لابن مالك ويطالع ( البيان والتبيين ) للجاحظ و ( جوهر البلاغة ) وتاريخ الاسلام ويقضي شطرا من وقته بقراءة دواوين الشعر كما حفظ خمسين خطبة من نهج البلاغة لامير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام ، وحفظ ما يقارب عشرة آلاف بيت من الشعر ومنها ( المعلقات ).

ونهض به عزمه ونبوغه لاكمال دراسته في النجف وهكذا مكث مكبا حوالي سنتين وعاد بعدها الى مسقط رأسه وصار يشارك في الحفلات الادبية وينشر روائعه في الصحف المحلية حتى جمع أكثر من ديوان ، وسمى أول دواوينه ب ( هدير الشلال ) ومنه نعرف الروح الحماسية التي يتحلى بها شاعرنا ومنها تحية الجيش الباسل لخوض المعارك في فلسطين.

فلسطين تناديكم بنفس *** تكاد تهد زفرتها الجبالا

وقلب لا يزال من البلايا *** ومن صهيون يلتهب اشتعالا

ومن دواوينه ( أغاني الشباب ) جمع قصائده في الوصف والغزل والنسيب.

يا ذكريات الحب والسمر *** وافاك ليل الصب فانتشري

ودعي الهموم تظل عالقة *** بسوانح الاحلام والفكر

وتجمعي حولي مهدهدة *** أشواق قلب ضج من كدر

وتحشدي والليل يحضنني *** والنجم لماح على البشر

وطلاقة الماضي مرفرفة *** كرفيف حلم مشرق الصور

كتب الاديب المعاصر سلمان هادي الطعمة عن الشاعر وقال :

له ديوان في مديح ورثاء أهل البيت يضم طائفة من القصائد العامرة تليت في احتفالات كربلاء ومهرجاناتها الادبية ومن روائعه في ذكرى الامام علي علیه السلام وقد ألقاها في الروضة الحسينية :

ولد الوصي فيا خواطر رددي *** نغم الهنا في مهرجان المولد

واستلهمي الذكرى قوافي ترتمي *** بأرق من روح الربيع وأبرد

ثم اسكبي الشعر الجميل بشائرا *** غرا تفيض بصبوتي وتوددي

ص: 134

شعرا كما انتفض الاريج مرفرفا *** فوق الجداول والغصون الميد

كأس الهوى بيدي فاضت رقة *** وعلى فمي نغم المحب المنشد

وصبا فؤادي للوصي وكيف لا *** يصبو المشوق الى الحبيب الابعد

وهذا مطلع أخرى من روائعه ألقاها في الروضة الحسينية ليلة مولد الحسين :

ناجاك قلب بالصبابة مفعم *** وفم بغير ولاك لا يترنم

وهفا لمولدك المخلد شاعر *** من فيض حبك يستمد وينظم

ودع الحياة وهو في عمر الورد دون أن يتزوج فقد وافاه الاجل يوم السبت 26 - 12 - 1958 في المستشفى الحسيني بكربلاء فشيع الى مثواه الاخير في مقبرة كربلاء.

ص: 135

الشيخ محمد جواد الجزائري

المتوفى 1378

يا ليل طلت ورحت تمتد *** قل لي أهل لك في غد عهد

اني لاسمع بالصباح فهل *** ذاك الصباح لمقلتي يبدو

هل أوقف الافلاك مبدعها *** أو حال دون مسيرها سد

أو كان نظم الكون مضطربا *** لا العكس متجه ولا الطرد

أو أنت ذياك القديم فلا *** قبل لديك يرى ولا بعد

كلا فأنت الكم متصلا *** حتم على أجزائك العد

أو أنت انت وان يومي من *** أرزاء يوم الطف مسود

أرزاء هذا الكون تعبث في *** سر الحياة وما لها حد

أنا لا أغالط في حقائقها *** كلا فأمر عيانها جد

لكن رزايا الطف ليس لها *** في نوعها مثل ولا ند

طوت الحقوب حدودها ولها *** في كل آونة لنا حد

هل انها نوع وكان له *** في قلب كل موحد فرد

أو أنها فرد وكان له *** بعد ليوم الحشر ممتد

نزلت بحومة كربلا ولها *** آل النبي محمد قصد

وتمثلت ومثالها شعل *** وتمثلوا ومثالهم وقد

الشيخ محمد جواد الجزائري.

ابن الشيخ علي الجزائري ولد في النجف سنة 1298 وفيها نشأ

ص: 136

وتوفي سنة 1378.

هو من أسرة عربية وبيت علم استوطن النجف الاشرف قبل القرن التاسع الهجري وكانت فيه الزعامة الروحية متوجة بالعلم. قوي القلب صلب الارادة لا يخاف في اللّه لومة لائم ما رأيت مثله من يغار على النجف وكرامتها وعلى العمة وحرمتها. له مؤلفات مطبوعة ومخطوطة وحديثة عن الثورة ومواقفه الجريئة وكيف حكم عليه بالاعدام من قبل الانكليز حديث ملذ معجب. مرض ودخل المستشفى ببغداد للتداوي فأرسلت اليه قطعة شعرية نشرتها مجلة الغري النجفية في سنتها 14 اذكر منها :

حن الفؤاد الى لقائك *** متطلعا لسما علائك

قفص الاضالع عاقه *** من أن يطير الى فنائك

فمتى البشير يسرنا *** فالانس في بشرى شفائك

عيدي بمطلعك الاغر *** وأن أراك على روائك

متسلسلا بحديثك العذب *** المسلسل كالسبائك

ويزينه في ندوة العلم *** الصحيح سنى بهائك

وتضم حفلك صفوة *** مثل الغصون على الارائك

وكان هيكلك الملائك *** أو انت من بعض الملائك

فالفضل ما ضمت شفاهك *** والفضائل في ردائك

تصغي لمقولك البليغ *** بحسن لفظك في أدائك

أأبا المعز ، وعزك المعقود *** في عالي لوائك

ماقيمة الجبل الاشم *** بجنب عزمك أو مضائك

فاقبل تحية مخلص *** لا زال يلهج في ثنائك

وحين صدور ( حل الطلاسم ) ردا على ايليا ابي ماضي كان له صدى اعجاب في الاوساط الادبية في بلاد العرب ، وكان لادباء لبنان السبق الى التنويه بفضل هذا الديوان واكباره لما فيه من المحاكمات العقلية حول أي موضوع شك فيه الشاعر الكبير ايليا أبو ماضي في طلاسمه. ومن أدباء لبنان البارزين بأدبهم العالي الاستاذ حسان حليم دموس صاحب الاثار الشعرية الرائعة والمقامات الادبية العالية والمواقف الدينية في سبيل اسلامه وقد

ص: 137

بعث بتحية الاعجاب الى العلامة الجواد في رسالة شعرية رائعة وعنوانها :

الى العلامة الجزائري :

سلام على النجف الاشرف *** سلام مشوق محب وفي

قرأت كتابك يا ابن العرا *** ق بثغر بسيم وقلب حفي

قواف رقاق كذوب الندى *** أزاحت لنا كل سر خفي

حللت الطلاسم حلا عجيبا *** فعدت اليها ولم اكتفي

سيدي الجليل الجواد ، الآن قلبت آخر ورقة بل آخر صفحة وانتهيت من تنسم ألطف نفحة من آخر مقطع من حل الطلاسم وأنا اردد قائلا مع الناظم :

بهداه سرت في الدرب وأدركت المراما

وتمشيت مع المنق بدءا وختاما

كل سار تخذ المنطق في السير اماما

فاز من ناحية الحكمة فيه انا ادري

فشكرا لهيتك الشعرية الثمينة يا شيخ العصر فلقد عرفنا منها كيف يستخرج الدر من البحر وكيف يلمع العقد النظيم الكريم في النحر .. ورأينا كيف تتكشف الحقائق الروحية شعرا ويعصر الشعر خمرا بل يذوب سحرا. ان من الشعر لحكمة وان من البيان لسحرا. فمن جار السماء (1) وجارة الوادي (2) الى واديك وناديك ، ومن سماء بلادي ابنة الارز اهتف وأناديك ومن أرض أجدادي احييك وأناجيك :

ص: 138


1- جبل لبنان الاثم.
2- زحلة مسقط رأس الناظم وقد ولد فيها عام 1888.

سلاما ، فخر آل الشيخ احمد *** وعد لربوعنا والعود احمد

اليك تحن أرواح تمنت *** بقاءك بينها واللّه يشهد

سأذكر ساعة فيها اجتمعنا *** وانت على ربى لبنان فرقد

تزيد وداعة وتزيد فيضا *** بنور نباهة وشعاع سؤدد

فيا لمجرب خبر الليالي *** وطار الى كواكبها وصعد

وأعلن أن سر الكون روح *** هو النور اللباب وما تردد

فيدري انه يدري ويجري *** ويعرض مشهدا في اثر مشهد

يطل على الطبيعة مثل نسر *** برأي من صحائفها مسدد

وهذي الروح من انوار ربي *** وهذا الجسم من ذرات جلمد

فمرحى أيها الاسدي مرحى *** فمثلك من جرى ابدا وعبد

عرفت الدرب والدير المعلى *** عرفت الكوخ والقصر المشيد

حللت طلاسم الماضي بشعر *** أعدت به لنا اعجاز احمد

أزحت عن الحقائق كل ستر *** بمرهف خاطر وبنيل مقصد

وخضت غمارها وبلغت شوطا *** عليه راية الآمال تعقد

فحلك حكمة والقول فصل *** وشعرك نغمة والوحي معبد

فمن وطني الى النجف المفدى *** تحياتي لآل الشيخ احمد

وطبع ديوانه في لبنان سنة 1389 ه وهو طافح بالوطنيات والوجدانيات سيما أحاسيسه ومواهبه عن ثورة الحرب العالمية وما عاناه من سجن وتعذيب يقول :

ولما ادلهمت علينا الخطوب *** وحققت الحادثات الظنونا

لقينا زعازع ريب المنون *** وهان على النفس ما قد لقينا

ولم نلو للدهر جيد الذليل *** وان يكن الدهر حربا زبونا

ونظم ملحمة ( حل الطلاسم ) نشرتها المجلات مع شرحها ثم نشرت مستقلة في بيروت كما نشر له ( نقد الاقتراحات المصرية في تيسير العلوم العربية ) و ( فلسفة الامام الصادق ) وألف في الفقه والاصول والفلسفة ولا زلت اتصوره واستشهد بأحاديثه وأكبر روحه الدينية ومواقفه الوطنية كتب عنه باسهاب زميلنا الباحث علي الخاقاني في شعراء الغري وأسهب في الحديث عنه وجاء بألوان من شعره سيما وطنياته ووجدانياته ومما هو جدير بالذكر ان الخاقاني زامل الشيخ الجزائري وجالسه فترة طويلة. وقد انطفا هذا المصباح الوقاد يوم الاثنين 15 - 10 - 1378 المصادف 23 - 4 - 1959 م.

ص: 139

الشيخ كاظم نوح

المتوفى 1379

هلال محرم قد أوجرا *** فؤادي بنار جوى مسعرا

هلال به هل دمع العيون *** فكان لطرفي قد أسهرا

بكينا لما حل في كربلا *** ودمع العيون دماء جرى

وقد كسفت شمسنا والنجوم *** تساقطن حزنا على ما جرى

على ما جرى في عراص الطفوف *** بعترة احمد خير الورى

غداة ابن سعد اتى فائدا *** لجيش كثيف بها عسكرا

يناجز سبط نبي الهدى *** ويطمع في الري اذ أمرا

ودارت رحى الحرب في موقف *** به قابل الادهم الاشقرا

ففرت كتائبها نكصا *** وفي وجهها السبط قد غبرا

ومذ اثخنوا جسمه بالجراح *** ثوى يا بنفسي لقى بالعرا

وجالت على جسمه خيلهم *** ورضت له الصدر حتى القرا

الشيخ كاظم ابن الشيخ سلمان بن داود بن سلمان بن نوح ابن محمد من آل غريب الاهوازي الكعبي الحلي الكاظمي ، تخرج على يد أبيه الخطيب الشهير الشيخ سلمان الذي انتقل من الحلة الى الكاظمية وعمره خمسة عشر سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة وذلك عام 1308 ه وحمل الى النجف ودفن بوادي السلام.

ص: 140

ولد المترجم له في اوائل شهر رجب سنة 1302 ه وتلقى الكتابة والقراءة عند الكتاتيب ويقفو أثر أبيه في المجالس الحسينية ويستمع اليه بكل لهفة ويكتب القطعة من المراثي ويحفظها ويتلوها على أبيه على الطريقة المألوفة في المآتم الحسينية. درس النحو على السيد محمد ابن السيد محسن العاملي ، والشيخ محمد رضا اسد اللّه ، كما درس الفقه عليهما وعلى السيد احمد الكيشوان وكتاب تجريد الاعتقاد في علم الكلام على الشيخ مهدي المراياتي وبرع في الخابة حتى عرف ب خطيب الكاظمية ومن أجلى المواقف خطابه في ( حسينية الشيخ بشار ) ببغداد يوم جاء الوفد المصري وعلى رأسه الكاتب الشهير احمد أمين يستمعون الى حديثه وخطابه ففتح باب المناظرة وأخذ يحاسب الدكتور احمد أمين على مفترياته على الشيعة في كتابه ( فجر الاسلام ) وكان الموقف موفقا والمجتمع يصغي اليه بكل شوق وهو مستمر في بيانه واحتجاجه وقوة استدلاله وتفنيده لتلك المفتريات والتهم مما دعى الدكتور أحمد أمين ان يصرح بأنه سيعيد طبع الكتاب خاليا من هذه الاغاليط ، قال المرحوم السيد محسن الامين في ( أعيان الشيعة ) ج 1 - 135 ما نصه : ومن العجيب ان احمد أمين زار العراق بعدما انتشر كتابه ( فجر الاسلام ) في زهاء ثلاثين رجلا من المصريين وحضر في بغداد مجلس وعظ الشيخ كاظم الخطيب الشهير فتعرض لكلام أحمد أمين في كتابه وفنده بأقوى حجة وأوضح برهان ووفى المقام حقه وهم يسمعون فاعجبوا ببيانه واذعنوا لبرهانه.

وفي سنة 1376 ه دعي للمشاركة في الاحتفال العالمي في الباكستان بمناسبة مرور أربعة عشر قرنا على ميلاد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام ، وكان وفد العراق يتألف من السادة الاعلام وهم : السيد علي نقي الحيدري ، السيد حسن الحيدري ، الشيخ محمد علي اليعقوبي ، الشيخ كاظم نوح ، الشيخ محمد رضا المظفر ، السيد محمد تقي الحكيم ، السيد عبد الوهاب الصافي ، السيد ابراهيم الطباطبائي. أما آثاره العلمية فمنها ديوانه المطبوع بمطابع بغداد في ثلاثة أجزاء وديوان رابع وهو يختص بأهل البيت علیهم السلام وقد طبع بمطابع بغداد أيضا غير شعره الذي لم يطبع والذي يزيد على (10000) بيتا ومن

ص: 141

الجدير بالذكر انه أرخ اكثر من 500 حادثة تاريخية اضافة الى أغراض أخر.

2 - محمد والقرآن ذكر شهادات الاجانب في القرآن الكريم والنبي العظيم.

3 - الحضارة والعرب وما ذكره الاجانب في ذلك.

4 - المدنية والاسلام.

5 - ملاحظات على تاريخ الامة العربية لدرويش المقدادي.

6 - الحسم لفصل ابن حزم.

7 - رد الشمس لعلي بن أبي طالب من طرق أهل السنة.

8 - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفيه أربعة مسائل تتضمن حديث ( الائمة من قريش ... ).

9 - المواعظ الدينية الصحية ، نشرته مديرية الصحة العامة بغداد 1936 م. توفي رحمه اللّه فجأة على أثر ضيق في التنفس وذلك في شهر جمادى الآخرة من سنة 1379 ه فكان يوما مشهودا في الكاظمية وبغداد واقيمت له الفواتح في أماكن عديدة ، وأقيمت له حفلة تأبينية في الكاظمية بمناسبة الاربعين شارك فيها الدكتور حسين علي محفوظ والسيد محمد علي الحيدري القاضي ، والسيد سعيد العدناني والخطيب جواد شبر ( كاتب هذه الترجمة ) واليكم قطعة من القصيدة أو المقدمة :

حياتك كلها غيث عميم *** ولفظك كله در نظيم

ونثرك يملأ الاجواء طيبا *** كأن حروفه عطر شميم

مربي الجيل أنت ، وكان حقا *** رثاؤك أيها الرجل العظيم

تذيع على الورى ستين عاما *** دروسا نهجها جزل قويم

وانك خالد الذكرى ويبقى *** حديثك تستطيب به النسيم

* * *

أبا الاعواد والحكم اللواتي *** تمثل فيها الادب الصميم

ص: 142

ترف علي روائعها قلوب *** لرقتها ، وتنتعش الجسوم

رأيتك تسحر الالباب وعظا *** فكانت في يديك كما تروم

وآلاف الانام اليك تصغي *** ووجهك لاح مطلعه الوسيم

ودوى صوتك المرهوب فيها *** كأنك في اللقا أسد هجوم

وقد ضاق المكان بهم فضلت *** على مرآك أرواح تحوم

مواقف لست احصيها بعد *** على الدنيا وهل تحصى النجوم

* * *

أبا الاعواد منبرك المرجى *** لنفع الناس يعلوه الوجوم

فهل اسندته لفتى أبي *** وهل أحد يقوم بما تقوم

فمن لشباب هذا العصر يهدي *** اذا عصفت بفكرته السموم

تجاذبه العوامل ليس يدري *** علي أي المبادئ يستديم

ص: 143

الشيخ كاظم كاشف الغطاء

المتوفى 1379

أيا عترة المختار والسادة الطهر *** وآل رسول اللّه والانجم الزهر

ويا علة التكوين والآية التي *** تحير في ادراكها اللب والفكر

بني أحمد انتم معادن حكمة *** فعلمكم كنز وجودكم بحر

أدين بحب المصطفى وولائكم *** مدى الدهر حتى ينقضي منى العمر

تنوه طه والنبا بمديحكم *** وياسين والانفال تشهد والقدر

كذا سورة الاعراف قد شهدت لكم *** وفي جل آيات الكتاب لكم ذكر

وكم قد أتت من آية في امية *** ليخزى بها حرب ويرمى بها صخر

لقد لعنوا في محكم الذكر لعنة *** يدور بها عصر ويفنى بها عصر

وقد قتلوا سبط النبي وسبطه *** تطالبه ثأرا بما فعلت بدر

وقد رفعوا رأس الحسين على القنا *** تطوف به البلدان عسالة سمر

بنفسي جسوما طاهرات وقد غدت *** تداس بجرد الخيل مذ رضض الصدر

الشيخ كاظم ابن الشيخ موسى ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء. ولد سنة 1304 ومات والده وهو طفل رضيع فكفله عمه الشيخ صاحب الحصون فنشأ نشأة علمية أدبية وحضر على اعلام عصره بحكم

ص: 144

بيئته وأسرته ، أدركت أيامه فكان مثالا لطهارة القلب وحسن الخلق وطيب المعشر وكنت اقرأ على اساريره النور فلا تفارقه الابتسامة واثر السجود بين عينيه كثيرا ما كان يحضر مأتم سيد الشهداء ويشجعني كثيرا على خدمة المنابر ولا زلت احتفظ بأشعاره بخط يده اذ كان يتأثر بمنابري فينظم القطعة الشعرية ويثنى على تلك الروحانية وربما فارق النجف الى البصرة اذ له هناك مزرعة ويروي جملة من الشعر الذي نظمه شعراء عصره بمناسبة قرانه بابنة عمه الشيخ صاحب الحصون سنة 1324 ه وأرخ بعضهم قائلا :

قد أصبحت آيات آل جعفر *** تتلى بلفظ ناثر وناظم

حتى السماء نظمت نجومها *** في مدح تلك السادة الاعاظم

والمجد قد تهللت طلعته *** بشرا فأرخه بعرس كاظم

ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر قسما من شعره وجانبا من أخلاقه وتواضعه فمن شعره في أهل البيت علیهم السلام :

أرقت وماخوفا من الموت أأرق *** ولا طمعا في المال مثلي يأرق

ولست بحب الغانيات موله *** ولا للحسان البيض قلبي يعشق

ولست لمخلوق من الناس راجيا *** ولا لغني جئته اتملق

ولا كنت في حرب الرياسة راغبا *** بأثقالها اشقى وفيها اطوق

ولكنني في عفو ربي ولطفه *** واسأل غفران الذنوب وافرق

وفي حب آل اللّه والعترة التي *** بهم سارت الافلاك والشمس تشرق

أموت وأحيا مستهاما بحبهم *** وفيهم من النيران انجو واعتق

كانت وفاته رحمه اللّه في مدينة الحلة وشيع جثمانه الطاهر يوم الثلاثاء 3 - 11 - 1959 من مقبرة المحقق الحلي الى النجف الاشرف وكان الناس في باب البلد عند جامع الحيدري يستقبلون الجثمان من مختلف الطبقات حتى دفن في وادي السلام.

ص: 145

الشيخ كاظم السوداني

المتوفى 1379

خلت من الدار مغانيها *** وأقفرت بعد مبانيها

فهي يباب بعدهم للبلا *** ما أحسن الدار بأهليها

سلها عسى تنبيك عن نأيهم *** وأين جد السير حاديها

وحيها في صيب كالحيا *** تندى له العين أماقيها

لها على العشاق حق البكا *** فقف بها يا سعد نبكيها

يا وحشة الدار وقد أقفرت *** خالية الا أثافيها

قطينها خف وقد زمزمت *** تحدو الى الطف نواجيها

وقوضت لكن على اثرها *** قوضت الدنيا بما فيها

حملها المجد فشالت ضحى *** تقودها غر مساعيها

شعارها الذكر به قد تلت *** ورتلت في الآي تنشيها

يا يومهم وهو العظيم الذي *** قد طبق الدنيا نواعيها

قد أعقبوا فيه لهم وقفة *** تبقى الى الحشر معاليها

سل كربلا عنهم وسل أرضها *** من دك بالكر روابيها

وكيف فاضت وطغت في دم *** تجري وحد السيف يجريها

أبادها الموت ولكنما *** نشر جميل الذكر يحييها

وثائر شمر عن وثبة *** يقصر عنها الليث تشبيها

صادق طعن ليس يخطي الحشا *** والطعنة النجلاء يرويها

أرخصها دون الهدى مهجة *** - يا بأبي والناس - أفديها

ص: 146

الشيخ كاظم ابن الشيخ طاهر بن حسن بن بندر ، ولد في النجف سنة 1303 ه ونشأ بها وتلمذ على مشايخ الادب وأخذ عنهم أصول العربية وشغف بالادب الجاهلي ويعتد بنفسه كثيرا ، وكثيرا ما كان يقول اذا اسمعته شعرا لشعراء العصر الحاضر يقول وأين هذا من شعر الرضي والمهيار.

له ديوان شعر فيه العشرات من القصائد في أهل البيت علیهم السلام والعلماء والاعيان وقد استكتبني مرة في دارنا - وأنا صغير السن - فأعجبه الخط فأعطاني ديوانه وهو أوراق مبعثرة فكتبته له بأكثر من مائتي صفحة وكان اذا نظم القصيدة في أهل البيت ينشدها بنفسه بطريقته الخاصة في مجلس المرحوم الشيخ هادي كاشف الغطاء الذي كان يعقد كل يوم خميس اسبوعيا. والشيخ كاظم أديب ولغوي ومنبري خدم المنبر الحسيني طيلة عمره وله نوادر أدبية ومساجلات شعرية كثيرة ، ومن قوله :

بادر فطرق العلى من أوضح الطرق *** وانفض لها ساعيا في جد مستبق

لا يركب الهول الا قلب وله *** قلب جريء على أمن بلا قلق

ولا يلم على مجد سوى رجل *** مسهد الجفن مطبوع على الارق

حاذر على المجد واحرص ان تحوط به *** كما أحاطت جفون العين بالحدق

لملبس خلق في العز تلبسه *** أجل من جدة الديباج والسرق

ومن بثوب جديد كان مفخره *** فذاك ابخس ثوب في الدنا خلق

ترجم له الباحث المعاصر الخاقاني وأتحفنا بألوان من شعره لا اتخطر أني كتبته يوم استنسخت له ديوانه ، ومما يخطر ببالي ان المرحوم السيد مير علي ابو طبيخ قدس سره حدثني بأن الشيخ كاظم السوداني كان يطالبه بأكلة من الباذنجان المقلي وهو الذي يسمى ب ( المسمى ) وطالت مطالبته فنظم :

علي القدر يا ابن أبي طبيخ *** الى اللقب الذي قد شاع اسما

طبيخك في مسماه والا *** فاسمك والطبيخ بلا مسمى

ويحدثنا الخاقاني ان المترجم له كان يثور حينما يسمع بتفضيل

ص: 147

المتنبي على غيره كما انه كان يقول : شعر المتنبي مسروق وحتى هجا المتنبي بقصيدة فنظم الشيخ محمد علي اليعقوبي يخاطب المتنبي :

يا ابن الحسين وقد جريت لغاية *** قد أجهدت شعراء كل زمان

لكنما السودان حين هجوتهم *** ثارت عليك ضغائن ( السوداني )

وقال أيضا :

يا هاجيا رب القوافي احمدا *** بلواذع من نظمه وقوارص

حسبي وحسبك في جوابك قوله *** ( واذا أتتك مذمتي من ناقص )

وقد سجلت له في مخطوطاتي قصيدة نظمها في زفافي سنة 1356 ه :

فضائل فعل المرء تعرف بالاثر *** لك الخير فاختر أحسن الحمد والذكر

ولا خير فيمن همه المال والغنى *** وكان من العلياء في جانب الفقر

ورب امرء خالي الوطاب من العلى *** يزاحم - وهو الذيل - من حل في الصدر

يدقر معنى نفسه لا بنفسه *** كبيت بل معنى أضيف الى الشعر

تقدم فيها خامل الذكر من به *** أتى هل أتى الانسان حين من الدهر

لعبد حقيق حرة ذكرياته *** هو الحر لا من قد تشبه بالحر

الى م الشقا في ليلة البؤس والعمى *** أما قد ترى من بعدها طلعة الفجر

فعقلك مرآة لامرين ناظر *** فبالخير تلقى الخير والشر بالشر

وعندك لذات فصاحب أجلها *** فان فساد العقل من لذة الخمر

ومهما ارتقى فيك الكمال بأوجه *** فانك محتاج الى الرأي والفكر

باخلاقه الانسان لا في بروده *** وفي حسنها الحسناء لا في حلى الدر

الا ان حسن السير أطلب نافع *** وكم من سفيه يطلب النفع بالضر

اذا غلب الطغيان يوماعلى امرء *** تجنى مسيئا وهو يدري ولا يدري

وفي كل نفس للتكبر خلقة *** اذا وجدت حظا تخطت الى الكبر

ومن كان ذا عسر فلا يك موجسا *** فمن بعد هذا العسر لليسر واليسر

ومن كان ذا صبر على واجب له *** فبشره بالحسنى بعاقبة الصبر

ومن كان ذا حرص بعيد عن الندى *** تجاوزن عنه السن المدح والشكر

ص: 148

وما كل من قد قال يفعل صادقا *** دع الخبر المكذوب فالصدق في الخبر

وما طاب يوما منبت السوء زاكيا *** وهل ثمر يحلو من الشجر المر

تحذر من النادي ولاتك مغمزا *** فمحشده ضم الذكي مع الغمر

وسر سابقا مثل الجواد الى العلى *** غداة شآ فيها الى حلبة الفخر

تجلى وجلى لامعا بين تربه *** فبان بحسن السعد كالكوكب الدري

فتى لعلي ينتمي وكفى به *** علاء ومجدا طيب الحجر والدر

ص: 149

الشيخ محمد علي الأوردبادي

المتوفى 1380

بجنب الغاضرية لي ثواء *** والفاي الكتابة والرثاء

تجاوبني بنات الدوح نوحا *** وتسعدني الجآذر والظباء

أقول وفي الحشا جذوات وجد *** وملء جوانحي داء عياء

أأكناف الطفوف بأي أرض *** لفرخ المصطفى منك الثواء

أهل دارت ثراك هلال سعد *** بكت اذ غاله الخسف السماء

عشية جاء يحمله ابن طه *** وحشو فؤاده ألم وداء

يلوح عليهما ألق وعرف *** فريا العود ينشره الضياء

فقل بالغصن يحمل منه نورا *** وقل بالنجم تحمله ذكاء

ونادى فيهم والقوم صم *** فلا عن غيهم يلوي نداء

ألا من راحم يسقي رضيعا *** يلوح عليه من طه رواء

فلا يجديه عن سغب لبان *** ولا يطفي لظى احشاه ماء

وان يذنب أبوه كما زعمتم *** فلا ذنب عليه ولا جزاء

فلم يسقوه من ظما ولكن *** حدا للبغي حرملة الشقاء

وفوق سهمه شلت يداه *** فأذبل من بني مضر بهاء

ووافت أمه تعدو ولكن *** لها في نار مهجتها اصطلاء

تقول فتسعر الاشجان فيه *** لعبد اللّه يا نفس الفداء

بني تركتني والهم ثكلى *** وما من بعد يومك لي عزاء

سأبكي ثغرك الدري ما ان *** بسمت وللسنا فيه ازدهاء

ص: 150

واندب وجهك الذهبي وردا *** بماء الحسن كان له ارتواء

أهاصر غصنك الفياح غضا *** وشهد لماك عن دائي شفاء

الشيخ محمد علي بن محمد قاسم بن محمد تقي بن محمد قاسم الاوردبادي التبريزي النجفي جاء في الطليعة فاضل اشتمل على فضل جم وغزير علم وشارك في فنون مختلفة واتسم بأحسن صفة الى تقى طارف وتليد وحسب موروث وجديد ، اجتمعت به كثيرا وعاشرته طويلا فرأيت فيه الرجل المتقد الفهم الغزير العلم. مولده بتبريز سنة الف وثلثمائة وعشر وقدم النجف بعد خمس سنوات وتربى على أبيه تربية صالحة ولازم شيخ الشريعة وكان محل وثوق عند المراجع والمجتهدين وقد أجازوه اجازة اجتهاد أمثال الميرزا النائيني والشيخ عبدالكريم الحائري والسيد ميرزا علي الشيرازي والسيد حسن الصدر الكاظمي والسيد عبد الحسين شرف الدين وغيرهم كما أجازه في رواية الحديث أكثر من ستين علما من الاعلام في الرواية ، وأسرة المترجم له كما ذكر عنها الاستاذ عبد الكريم الدجيلي في كتابه ( شعراء النجف ) نجفية الاصل فقد هاجر أحد أسلافه من النجف الى ايران فألقى عصا الترحال في أوردباد ثم وقعت هجرتهم الى تبريز (1) وشخصية الشيخ الاوردبادي من الشيخصيات اللامعة فهو عالم وباحث وأديب ومؤرخ كتب عدة رسائل في بحوث لا يخوضها غيره ولو نشرت لافادت كثيرا.

كتب رسالة في السيد الجليل محمد ابن الامام علي الهادي علیه السلام كما كتب رسالة في القاسم ابن الامام موسى الكاظم فأفاد وأجاد. والحق أنه أوقف كل أوقاته على خدمة المبدأ والعقيدة وقصيدته في أبي طالب شيخ البطحاء لا زالت ترددها المحافل. وكتب عنه الباحث المعاصر الشيخ محمد هادي الاميني في ( معجم رجال الفكر والادب في النجف خلال الف عام ) قال : محمد علي بن أبي القاسم 1312 - 1380 فقيه مؤرخ فيلسوف

ص: 151


1- شعراء الغري ج 10 \ 96.

شاعر متتبع له ( سبع الدجيل ) ط ( علي وليد الكعبة ) ط ( ابراهيم ابن مالك الاشتر ) ط وذكر له مؤلفا آخر.

وقد عز نعيه على عارفيه لذلك انتفضت الهيئة العلمية لاقامة ذكرى بيوم أربعينه في مسجد الشيخ الانصاري 8 ربيع الاول 1380 ه المصادف 31 - 8 - 1960 وقد اشترك فيه جمع غفير من رجال العلم والأدب. تقول مجلة النجف في الجزء الثالث من السنة الرابعة ما يلي : وكانت كلمة الافتتاح للخطيب السيد جواد شبر ، كلمة آية اللّه السيد محمد جواد التبريزي ، قصيدة السيد محمد الحيدري ، كلمة الدكتور عبد الرزاق محيي الدين ، كلمة العلامة الشيخ محمد رضا المظفر وغيرهم.

ترجم له السيد الامين في الاعيان وذكر نبذة من أشعاره.

ص: 152

سليمان ظاهر

المتوفى 1380

بكيت الحسين ومن كالحسين *** أحق بفرط الشجا والبكا

امام لو أن الذي نابه *** أصيب به يذبل لاشتكى

كفى شرفا أن شكت رزءه *** البرايا، ومن هوله ما شكا

وسيان مؤمنهم باقتسا *** م جواه الممض ومن أشركا

وان أطلس الفلك لم ينحرف *** وقد ماد حزنا فقد أوشكا

بكاه المصلى وركن الحطيم *** وزمزم والحجر والمتكا

وطيبة غصت شجا والغري *** كابد قرحا له مانكا

ألا من له حامل من شج *** بتذكار محنته مألكا

حوت زفرات لو أن الزمان *** وعاها لماد جوى أو بكى

لحزنك فرض على العالمين *** أن يجعلوه لهم منسكا

وهل مر في الدهر خطب عظيم *** الا وصغره خطبكا

وهل قط راو روى مشبها *** له في فظائعه أو حكى

وما عرف الناس في النائبات *** صبورا على بكرها مثلكا

وكان خلال شهيد الدهور *** لم تك تنسب الا لكا

حللت سويداء كل القلوب *** فلم تطو الا على حبكا

وما عرف اللّه من لم يكن *** بحبل ولائك مستمسكا

لقد قصرت شهداء الانام *** في نصرة الحق عن شأوكا

ص: 153

ولم يدركوا غاية في الفخار *** كنت لها دونهم مدركا

شهادة فخر اله الانام *** بها دون كل الورى خصكا

كفاك على ان غدا كعبة *** تحج اليه الورى رمسكا

وعز الحياة ومجد الممات *** شيء خصصت به وحدكا

عليك من اللّه أزكى السلام *** ما طلعت في سماها ذكا

عن مجلة البيان السنة الثانية عدد 35 - 39

الشيخ سليمان ظاهر شيخ الادب ووجه ناصع من وجوه لبنان خدم بقلمه فأفاد وجاهد فابلى في الجهاد عضو المجمع اللغوي بدمشق وهذه مجلة العرفان الصيداوية لو جمع ما فيها من نشرات الشيخ سليمان العلمية والادبية والعقائدية لكانت مجلدات علم وعرفان وموسوعة يعتز بها الزمان ، من مؤلفاته المطبوعة في صيدا سنة 1348 كتاب الذخيرة الى المعاد في مدح محمد وآله الامجاد الفصل الاول في اصول الدين : توحيد وعدل ونبوة وامامة ومعاد ثم ترجمة للائمة الاطهار وعدة قصائد رائعة في المعصومين : وله آداب اللغة العربية.

ومن قصائده الشهيرة التي أشار اليها الاب لويس شيخو اليسوعي مدير مجلة الشرق في ( الآداب العربية في القرن التاسع عشر ) قال : سليمان ظاهر تروى له قصائد حسنة كسورية وشكواها ونظرة في النجوم والحرب والسلم ومن آثاره ما رأيت في مجلة الغري قصيدة عنوانها حياة الانسان وهي من مجموعة في كتاب سميت بالشواهد الالوهية لم ينشر منها شيء ولم تطبع على حدة كما اتحفنا بوصفه آثار بابل والايوان ومقام سلمان الفارسي رحمه اللّه ولا يفوتنا أن نذكر ما للفقيد من رنة حزن وأسف لهذا المثال الصالح والشخصية الفذة فقد ابنته جميع الصحف اللبنانية وأكثر الصحف السورية والعراقية وجميع البلاد العربية ووصفته بما يليق به حيث كان جهبذا من جهابذة لبنان وعلما من أعلامه الخالدين ومن اكبر المساهمين في الحركات الوطنية والخدمات الاجتماعية ومقارعة الاستعمار الفرنسي.

ص: 154

السنة العاشرة من مجلة الغري عدد 7 ، 8 قصيدة للشيخ سليمان ظاهر العنوان علي ومعاوية في الميزان.

دع ابن هند يلاقي ما جنت يده *** وما سيجزيه عن اوزاره غده

ص: 155

الشيخ محمد حسين المظفر

المتوفى 1381

في مولد الامام الحسين (عليه السلام) :

شهر شعبان قد تجسمت نورا *** فاسم وافخر فقد سموت الشهورا

لك بشرى بما حويت من الفخر *** فكم جئت بالسرور بشيرا

أي شهر جاراك في حلبة السعد *** فوافى ويتبع النور نورا

أشرقت فيك للسعود شموس *** وباشراقها الوجود أنيرا

كل شهر للشمس برج وفيه *** تقطع الشمس في السماء المسيرا

وثلاث من الشموس بشعبا *** ن تجلت من البروج ظهورا

في ثلاث منه ، وفي الخمس ، والنصف *** غدا الافق باسما مستنيرا

فاطم أولدت بهن حسينا *** وابنه والمؤيد المنصورا

أنفس صاغها المهيمن نورا *** قدر اللّه صنعها تقديرا

وأفاض السنا على الخلق حتى اشتق *** منه شمسا وبدرا منيرا

هو لولا ذاك السنا ما برى خلقا *** كريما ولا جنانا وحورا

أهل بيت قد أذهب اللّه عنهم *** الرجس اعتصاما وطهروا التطهيرا

الشيخ محمد حسين المظفر ابن الشيخ محمد بن عبد اللّه ابن محمد بن أحمد بن مظفر النجفي أحد الاعلام المرموقين بالعلم والادب. ولد سنة 1312 ه بالنجف الاشرف وتوفي والده في

ص: 156

الخامس من شوال 1322 فكفله أخوه الاكبر الشيخ عبد النبي وقام بتربيته أحسن قيام ، قرأ المقدمات ودرس السطوح على اخيه الاكبر الشيخ محمد حسن ثم حضر درس الميرزا حسين النائيني والشيخ ضياء العراقي والسيد ابو الحسن الاصفهاني وبلغ درجة عالية في الفقه والاصول والتاريخ والادب ، وولع بالتأليف والتحقيق فطرق الابواب الصعبة وأنتج آثارا جليلة ، ومن محاسنه وأسلوبه في طرق التربية أن قام بتربية ثلة من الشباب النابهين فقبل رئاسة المجمع العلمي لمنتدى النشر وكان لنشاطه أكبر الاثر في نفوس الاعضاء ، واذكر - وانا مقرر المجمع العلمي - والمعني بأموره وأرى الواجب أن أكون المسؤول الاول ولكن الشيخ ، أبو أمين - كان له السبق والنشاط مما يجعلني استصغر نفسي. وكان قد هيأ نفسه لقبول اي طلب يكون في سبيل نصرة المبدا والعقيدة.

آثاره :

1 - الامام الصادق علیه السلام في جزئين وقد طبع في النجف.

2 - ميثم التمار طبع في النجف.

3 - الكتاب والعترة.

4 - الشيعة والامامة.

5 - تأريخ الشيعة.

6 - الشيعة وسلسلة عصورها.

7 - دعاء الامام الصادق.

8 - علم الامام.

9 - هشام بن الحكم.

10 - مؤمن الطاق.

11 - الاوصياء.

12 - القرآن تعليمه وارشاده.

ص: 157

13 - الاسلام نشوؤة وارتقاؤه.

14 - الآيات الثلاث.

15 - ديوان شعره وأكثره في أهل البيت.

له اجازة الرواية كتبيا عن الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين. ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في ( معارف الرجال ) ضمن ترجمة اخيه الاكبر العلامة الشيخ محمد حسن فقال : كان كاملا ينظم الشعر ونظم ارجوزة في بعض ابواب الفقه.

كانت وفاته سنة 1381 ه بالنجف الاشرف رحمه اللّه رحمة واسعة ودفن بمقبرتهم الخاصة بالاسرة الى جنب اخيه الاكبر الشيخ محمد حسن.

ص: 158

الشيخ باقر الخفاجي

اشارة

المتوفى 1381

خليلي عوجا بي على طف نينوى *** ولا تذكرا لي عهد حزوى وذي طوى

قفا بي على وادي الطفوف سويعة *** لعلي أناجيه أيدري لمن حوى

حوى بطلا هز الزمان بموقف *** غداة على متن الجواد قد استوى

أبي أبى الا الرقي الى العلى *** وما صده من ضل عنها ومن غوى

يجول بهم جول الرحى مفردا وهم *** ثلاثون الفا واللوى يتبع اللوى

الى أن هوى للارض روحي له الفدا *** خميص الحشا صادي الفؤاد من الطوى

( أيقتل عطشانا حسين بكربلا ) *** ولم يسق لكن النجيع له روى

ألم يك سبطا للنبي محمد *** فلهفي له في تربة الطف قد ثوى

ألا ان يوم الطف أضرم مهجتي *** ولم أدر قبل الطف ما الحزن والجوى

وزينب تدعو والشجى ملء صوتها *** أخي يا اخي أين استقر بك النوى

الشيخ باقر الشيخ حبيب ابن الشيخ صالح الطهمازي الخفاجي وخفاجة من أشهر الاسر العربية ، عريقة في المجد والكرم والاباء والشمم تقطن أرض بابل ونواحيها. ولد الشاعر في الحلة الفيحاء سنة 1312 ه ونشأ بها وتغذى بأدبها الجم وعلى تربتها الخصبة بالعلم والعلماء والشعراء والفطاحل من فحول الشعر

ص: 159

والادب ، ثم انتقل به أبوه الى ناحية الشنافية قمة الفرات الاوسط وغيل الاسود وصعدة الشجاعة والبسالة وهناك نمت مداركه وزاول الخطابة وخدمة المنبر الحسيني وتولع بقرض الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ، وأنصع صفحة من حياة المترجم له والتي أكسبته الشهرة الواسعة في بلاد العرب عامة والعراق خاصة مواقفه المشرفة في الثورة العراقية فقد واكب الثورة واستنهض القبائل بقصائده الحماسية وأهازيجه الشعبية التي عرفت عنه وما زالت حديث الاندية العربية هناك اذ كان يلهب النفوس حماسة اذا وقف يرتجل الشعر ويرفقه ب ( الهوسة ) بباعث من عقيدته الدينية ونخوته العربية اذ كان يوالي الضربات على المستعمرين والكافرين حتى ليدفع بهم وهو أمامهم الى قذائف النيران وازيز البنادق وأصوات القنابل والمدافع انه لازم خط النار ستة أشهر وبعدها طاردته انكلترا مدة للتشفي به وهو مصر على المحاربة والمخاصمة وحتى اضطرت الانكليز الى اعطاء العراق استقلاله وشروطه التي دام مصرا على تحقيقها وحسبك ان تقرأ الكتب التي ألفت في هذه الثورة ودور شاعرنا فيها هو الدور المجلي ، لقد زاملته وجالسته كثيرا فكان موضع ثقة الجميع يتحلى بأخلاق اسلامية وسجايا عربية لا يكاد يمل من عمل الخير ولا يسأم من خدمة المجتمع ويلوح ذلك في مضامين اشعاره حسبك أن تقرأ ديوانه المطبوع بمطبعة دار النشر والتأليف بالنجف والمسمى ب خير الزاد ليوم المعاد والعقود الدرية في مراثي العترة النبوية باللغة الدارجة وقد طبع بمطبعة الغري الحديثة بالنجف الاشرف وقد قدمت له مقدمة وقرظته بأبيات نشرت في أول الكتاب كما نشر له في حياته ( الحسام المعدود لحرب اليهود ) يستنهض الامة العربية لانقاذ فلسطين ويستثير همم العراقيين ومن قصائده الاستنهاضية قوله في المطلع :

هذى الرميثة سلها عن معالينا *** تنبيك عما فعلنا في أعادينا

و ( العارضيات ) يوم و ( السماوة ) و *** ( السوير ) آخرها نلنا أمانينا

وطبعت له في حياته كراسة بعنوان ( ذكرى الجمهورية العراقية في عامها الاول ) ونشرت له عدة دواوين باللغتين : الفصحى والدارجة منها :

ص: 160

1 - تحفة النشأتين في مدح ورثاء الامام الحسين.

2 - تسلية الواله في النبي وآله.

3 - اللؤلؤ المنثور في النبي وآله البدور تكررت طبعاته.

4 - العقود الدرية في مواليد العترة النبوية.

وهناك دواوين من تراثه الادبي تحتوي على قصائد رائعة للامجاد العربية والمواقف الاسلامية والايام الحافلة بالذكريات الخالدة ورجالات العلم والعلماء وسائر فنون الشعر والأدب واليكم احدى روائعه في الفخر والحماسة والاعتزاز بالنفس والتحلي بالهمم وهي القصيدة التي اثبتناها في آخر الترجمة ، ومن الجدير ان أذكر كلمة للمؤرخ السيد عبد الرزاق الحسني سلمه اللّه اثبتها في كتابه ( تاريخ الثورة العراقية ) وقد سمعها من السيد هادي مكوطر أحد زعماء الثورة وقطب رحاها ، قال : ان موقف الشيخ باقر الخفاجي يعادل آلاف المدافع والبنادق لانه هو الذي يلهب النفوس حماسة واندفاعا.

وله قصيدة في الفخر والحماسة

كم من أمور مهمات ومن أرب *** ادركتها بالعوالي السمر والقضب

ولي يراع كمثل السيل تحسبه *** اذا تحدر فوق الطرس للكتب

والعز والمجد يستوحيهما رجل *** قد كافح الموت لا باللّهو واللعب

اصحرت ها أناذا لا كالذي سفها *** قد راح يفخر بين الناس كان أبي

وما أبي خامل بل كل مكرمة *** قد حازها فاغتنمت الفضل بالنسب

الناس تعشق ما شاءت وما عشقت *** نفسي سوى الطرف والصمصام واليلب

والبخل والجهل بالانسان منقصة *** فما ولعت بغير الجود والادب

تزداد بشرا بنو الآمال ان ترني *** كما تباشرت الازهار بالسحب

بعض يقول لبعض جاء منقذنا *** من فاقة الدهر والبأساء والسغب

وأطعم الضيف ان قلوا وان كثروا *** بادي البشاشة ما في الوجه من غضب

هل كيف اجهل والعلياء تشهد لي *** اني أبي كريم الاصل والحسب

ص: 161

لعامر منتمانا نجل صعصعة *** اكرم به من أبي جاء وابن أبي

فاضرب بطرفك انى شئت لست ترى *** سوى مقر لنا بالمجد والرتب

هذي التواريخ فاسألها تقول نعم *** قدما خفاجة قد سادوا على العرب

الناس تطلب عيشا وهي ضارعة *** ونحن بالبيض والخطية السلب

سل عن مواقفنا الافرنج كم ثبتت *** اقدامنا لهم في الحرب كالهضب

في الرستمية دمرنا جحافلهم *** وفي السماوة كانت غاية الغلب

حتى اذا ايقنوا بالموت قاطبة *** بعض أطاعوا ومال البعض للهرب

فأصبحت راية للعرب خافقة *** منصورة من آله العرش بالعرب

وقد غرسنا بأيدينا لبذرتها *** وكل من قام يدعو ذاك من سببي

من يقض بالعدل ما بيني وبينهم *** هل للحصى الفخر حقا أم الى الشهب

فالشمس يا سعد للرائين واضحة *** ان النحاس بعيد عن على الذهب

ص: 162

السيد عبد الهادي الشيرازي

المتوفى 1382

له موشحة في ميلاد الامام الحسين علیه السلام منها :

ظهر النور المبين الزاهر *** فبدا الغيب وزال الساتر

ولد السبط الزكي الطاهر *** من بحفظ الدين قدما نهضا

فهو لولا شخصه لم ينصر

لم اصرح باسمه حيث الهنا *** كلما ثار به عاد عنا

فاسمه والحزن قدما قرنا *** وهو للقلب يثير المضضا

بلظى الاحزان ذات السعر

فاستمع يا صاح ذكراه فقد *** ضاق صدري وبه النار اتقد

ولذكرى الطف صبري قد نفد *** وكأن القلب في جمر الغضا

لحسين السبط خير البشر

لست انساه وحيدا بالطفوف *** مفردا مستضعفا بين الوف

ضامئا يسقي العدى كأس الحتوف *** آيسا يرقب مختوم القضا

ينذر القوم بأقوى النذر

ص: 163

ما أفاد الوعظ بالقوم اللئام *** وغدت ترمي حسينا بالسهام

فانثنى السبط لتوديع الخيام *** فأتت تسرع بنت المرتضى

والنسا من خلفها بالاثر

السيد ميرزا عبد الهادي الحسيني الشيرازي احد فقهاء الطائفة الامامية ومفخرة من مفاخرها وهو ابن آية اللّه الميرزا اسماعيل ابن الشريف المبجل الامير السيد رضي الذي هو اخو الشريف ميرزا محمود والد السيد المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي نزيل سامراء ، وهما : السيد الأمير رضي ، والسيد ميرزا محمود ولدا الشريف السيد ميرزا اسماعيل. والمترجم له السيد ميرزا عبد الهادي علم من اعلام الامة ومرجع التقليد في عصره وموضع ثقة الجميع في المرجعية.

فلم يك يصلح الا لها *** ولم تك تصلح الا له

ورع وديانة وتقى وذكاء وقاد وفكر صائب ومعرفة بطبقات الناس وتواضع مع عزه واباء ولا عجب فاستاذه الاول هو المغفور له الميرزا محمد تقي الشيرازي فريد دهره وجوهرة عصره ، ثم الاصولي المشهود له بالتفوق الملا كاظم الخراساني صاحب ( كفاية الاصول ) ثم ابن عمته آية اللّه السيد ميرزا علي اقا الشيرازي وغيرهم من فلاسفة الاسلام فكان من اكبر حسنات العصر تربى على يده جملة من دعاة الدين وقوام المذهب وممن يشار اليهم بالبنان مضافا الى ما انتجه قلمه العالي من بحوث قيمة في الفقه والاصول لا زالت تدرس وتعاد وتتخذ مصدرا للباحثين والمدرسين.

ولد قدس سره سنة 1305 وتربى برعاية ابن عمه آية اللّه المجدد الميرزا حسن الشيرازي لانه ولد في السنة التي مات فيها أبوه واكب على الدرس وواصل السهر حتى لمع بين أقرانه واصبح قرة عين اهل العلم ونال درجة الاجتهاد وبعد وفاة المرجع الديني السيد أبي الحسن الاصفهاني اتجهت الانظار اليه وتمت مرجعيته والرجوع اليه عندما توفي آية اللّه السيد البرجردي في ايران. والحق ان سيدنا كان ممن يكره الرفعة ويشنأ السمعة وانما عظم وعظمه

ص: 164

الناس من أجل صغر الدنيا في عينيه ، يجلس فيسكت فاذا سئل أجاب الجواب الشافي الكافي وشاءت ارادة اللّه أن تستأثر بروحه الطاهرة فودع الحياة في شهر صفر سنة 1382 ه.

ص: 165

عبد القادر رشيد الناصري

المتوفى 1382

أأبا العقيدة والنضال الدامي *** قدست ذكرك يا ابن خير امام

وجعلت يومك رمز كل بطولة *** غراء تعبق في فم الايام

وعرفت أنك في القلوب مصور *** لم تمح من لوح الخلود السامي

هيهات تسلبك الخلود منية *** ذهبت بدولة جائر هدام

دين ابن عبد اللّه ما ساد الورى *** لولا دم الشهداء في الاسلام

صفحات تحرير الشعوب من الاذى *** مكتوبة بالسيف لا الاقلام

فالقادسية لم تزل أخبارها *** تروى برغم تقادم الاعوام

وأرى الدماء الحمر خير وسيلة *** لطهارة الدنيا من الآثام

* * *

أأبا العقيدة ، والعقيدة مركب *** ما ذل الا للفتى المقدام

لما رأيت البغي مد رواقه *** والظلم صال على الورى بحسام

ضحيت بالدنيا لاجل كل عقيدة *** لم يعتنقها غير كل همام

أفديك من بطل ابى الا الردى *** فمضى يكافح دونه ويحامي

هل كنت الا الليث ديس عرينه *** فمضي يكافح دونه ويحامي

والنفس ان كبرت تعاظم همها *** في العيش بل سخطت على الاجسام

ص: 166

يا ابن الاولى نزل الكتاب مبشرا *** بهم ويا ابن السادة الاعلام

الطاهرين وكلهم داع الى *** سبل الهدى أو حافظ لذمام

من فارس قاد الجحافل في الوغى *** أو مالك للحق فضل زمام

انا ان بكيتك لست أبكي فانيا *** تطوي مفاخره يد الايام

لي من مصابك وهو نبع خالد *** وحي يحيي مرقمي بسلام

الاربعون تصرمت بمواكب الا *** تراح والتذكار والآلام

وكأنها والحزن غال ضياءها *** قبر يجلله الردى بقتام

* * *

يا أيها الفلك المشع قداسة *** الناظر الدنيا بعين وئام

غنيت في ذكراك أروع آية *** هبطت على وتري الجريح الدامي

وهتفت والدمع الهتون يقول لي *** هذا أوان روائع الانغام

أنى التفت رأيت جرحك ماثلا *** لنواظري في يقظتي ومنامي

فاذا غفوت فأنت ملء نواظري *** واذا صحوت فأنت انت أمامي

واذا تمثلك الضمير فانما *** ملك يحاط بهالة الاعظام (1)

ولد في لواء السليمانية سنة 1920 م الموافق 1339 ه وأكمل دراسته الثانوية في بغداد. واشتغل في الصحف والاذاعة. له ديوانان : الحان الالم ، وصوت فلسطين. ومن شعره تغريدة جراح.

أحبك والهوى وتر صدوح *** وأنسام معطرة وروح

ومجمرة دم العشاق فيها *** بخور كلما احترقت تفوح

وفردوس من المتع الغوالي *** على شطآنه يحلو الصبوح

أحبك هل علمت سلي دموعي *** على كفيك لو سئلت تبوح

احبك هل علمت بأن روحي *** على شفتيك ذائبة تنوح

وأني قد عصرت دمي غراما *** فأزهر من دمي طلح وشيح

واني لو ابوح بسر حبي *** لناح على فمي الوتر الذبيح

وهل تدري الشقائق في الروابي *** بأن دمي بمبسمها يلوح

أحبك يا سهيل فكل عرق *** من الاشواق ملتاع جريح

تناهى في هواك فكل آه *** يضيق بنارها الصدر الفسيح

اذا عانقت طيفك في خيالي *** وطيفك باللقا أبدا شحيح

ص: 167


1- مجلة البيان النجفية - السنة الثالثة ص 227.

فاني قد نذرت اليك عمري *** وعمري في هناك سنى لموح

وما رتلت أشعاري غناء *** ولكن غردت فيك الجروح

نشرت له الصحف العراقية قصائد كثيرة وطبع له ديون بعنوان ( آثام ) وتوفي بتاريخ 11 - 5 - 1962 وبعد وفاته قام كامل خميس بنشر ديوان له غير هذه الثلاثة. ومن شعره في الامام الحسين علیه السلام قصيدته التي عنونها ب ( اشراقة من نور الحسين ) نشرت في الجزء الثاني من ديوانه وقصيدته الاخرى عنوانها ب ( الدهر يصغي والزمان يردد ) وثالثة في الإمام الحسين أيضا نشرها في مجلة البيان النجفية ، السنة الثانية : أولها :

لك في الجوارح حسرة لا تخمد *** تخبو السنون ونارها تتوقد

ص: 168

الشيخ محمد رضا المظفر

المتوفى 1383

حكم الغرام تضاحك وبكاء *** بيض الثغور ودمعتي الحمراء

ضدان يكتنفان سر صبابتي *** ضيق النجاء وعينها النجلاء

واذا اقتربت فمن مذهب خدها *** نار وفي النحر اللجين الماء

ومن الجعود فليل همي أسود *** ومن الخدود نهاري الوضاء

أدنو وأين من العناق متيم *** أدنى له أن تذهب الحوباء

وأقول قد قبلت منها مبسما *** فيه المنى لو تفعل الشعراء

وتنازلت نفسي لعدل قوامها *** فرجعت وهو الصعدة السمراء

ان قد من صخر فؤاد معذبي *** فأنا على تعذيبه الخنساء

سفها يخيل لي الوصال وانما *** انا والحقيقة واصل والراء

فأغوص في بحر الخيال طماعة *** وأعود لا صفر ولا بيضاء

واذا انكفأت فللحقيقة اهتدي *** فبها الحسين السبط وهو ذكاء

شمس لها يوما هنا ورزية *** وأنا على حاليهما الحرباء

شعبان منه على المحب لذاذة *** طابت ، ورزء فيه عاشوراء

نشدو على فرح وبين قلوبنا *** شرر عليه من الرماد غطاء

بشراي اني في ولاك متيم *** تقتادني السراء والضراء

يخضر عيشي في ادكارك مشرقا *** ضحكت لك الخضراء والغبراء

يوم به خص النبي وآله *** فرحا فعمت في الورى الآلاء

والشمس تشرق في السماء بعيدة *** وبنورها تتضاحك الارجاء

ص: 169

ما شأن فطرس أن يقال تمدحا *** أنجاه وهو من القضاء قضاء

بالمدح تكتسب الانام ترفعا *** وعلاه منه على الثناء ثناء

اما سكت فليس من ذهب كما *** ذهبوا ، واما فهت فالفأفاء

فالجد ذاك الجد والأب ذلك *** النبا العظيم وامه الزهراء

يا سره العالي الجلي تقاصرت *** عن كنهه الافكار والآراء

في الارض في الآفاق أنت وفي السما *** في الشمس في البدر المنير ضياء

في جمع هذي الكائنات وان تسل *** سل آدما من تلكم الاسماء

الشيخ محمد رضا ابن الشيخ محمد بن عبد اللّه آل مظفر عالم فيلسوف ومصلح من المصلحين ولد في النجف خامس شعبان 1323 ه بعد وفاة والده بستة أشهر فكفله أخواه الشيخ عبد النبي والشيخ محمد حسن فنشأ عليهما وتعلم المبادئ وقرأ مقدمات العلوم على افاضل عصره وقد قضى ردحا من الزمن وهو مكب على دروسه في مدرسة السيد كاظم اليزدي الكبرى ، وحضر في الفقه والاصول دروس الميرزا حسين النائيني والشيخ ضياء العراقي ، كما حضر في الفلسفة على الشيخ محمد حسين الاصفهاني سنوات عديدة. وأضاف الى دراسة العلوم الدينية العلوم الرياضية العالية ومبادئ العلوم الطبيعية على الطريقة الحديثة كما برع في الفنون العربية كالعروض وقرض الشعر في شبابه فأجاد فيه ونشر في الصحف والمجلات. اذا عد أفاضل الطلاب فهو في الطليعة وقد ساهم في الحركة الفكرية في النجف واشتغل في كثير من المسائل الدينية العامة واسس ( جميعة منتدى النشر ) عام 1354 ه وانتخب لرئاستها من سنة 1357 وجدد انتخابه في كل دورة ، وله آثار علمية خالدة منها :

1 - السقيفة ألفه سنة 1352 ه بحث علمي منطقي وقد طبع أكثر من مرة.

2 - المنطق ، في ثلاثة أجزاء ، طبع مرات ولم يزل يتدارسه الطلاب.

ص: 170

3 - عقائد الامامية ، طبع سنة 1773 ه وأعيدت طبعته مرات.

4 - أصول الفقه ما زال يتدارسه الطلاب.

5 - أحلام اليقظة محاضراته التي ألقاها في قاعة المجمع الثقافي وهي بحوث فلسفية حول ترجمة الحكيم الملا صدرا الشيرازي صاحب الاسفار.

توفي بالنجف ليلة 16 رمضان سنة 1383 ه وشيع تشييعا حافلا بالعلماء والوجوه من النجف وخارجها ، وأقبر مع أخيه الحجة الشيخ محمد حسن بمقبرتهم الخاصة.

ص: 171

بدر شاكر السياب

المتوفى 1383

قال يعاتب يزيد ويتفجع على الامام الحسين الشهيد علیه السلام :

ارم السماء بنظرة استهزاء *** واجعل شرابك من دم الاشلاء

واسحق بظلك كل عرض ناصع *** وأبح لنعلك أعظم الضعفاء

واملأ سراجك ان تقضى زيته *** مما تدر نواضب الاثداء

واخلع عليك كما تشاء ذبالة *** هدب الرضيع وحلمة العذراء

واسدر بغيك يا يزيد فقد ثوى *** عنك الحسين ممزق الاحشاء

والليل أظلم والقطيع كما ترى *** يرنو اليك بأعين بلهاء

أحنى لسوطك شاحبات ظهوره *** شأن الذليل ودب في استرخاء

مثلت غدرك فاقشعر لهوله *** قلبي وثار وزلزلت أعضائي

واستقطرت عيني الدموع ورنقت *** فيها بقايا دمعة خرساء

يطفو ويرسب في خيالي دونها *** ظل أدق من الجناح النائي

حيران في قعر الجحيم معلق *** ما بين ألسنة اللظى الحمراء

أبصرت ظلك يا يزيد يرجه *** موج اللّهيب وعاصف الانواء

رأس تكلل بالخنا واعتاض عن *** ذاك النضار بحية رقطاء

ويدان موثقتان بالسوط الذي *** قد كان يعبث أمس بالاحياء

قم فاسمع اسمك وهو يغدو سبة *** وانظر لمجدك وهو محض هباء

ص: 172

وانظر الى الاجيال يأخذ مقبل *** عن ذاهب ذكرى أبي الشهداء

كالمشعل الوهاج الا أنها *** نور الاله يجل عن اطفاء

عصفت بي الذكرى فألقت ظلها *** في ناظري كواكب الصحراء

مبهورة الاضواء يغشي ومضها *** أشباح ركب لج في الاسراء

أضفى عليه الليل سترا حيك من *** عرف الجنان ومن ظلال ( حراء )

أسرى ونام فليس الا همسة *** باسم الحسين وجهشة استبكاء

تلك ابنة الزهراء ولهى راعها *** حلم ألم بها مع الظلماء

تنبي أخاها وهي تخفي وجهها *** ذعرا وتلوي الجيد من اعياء

عن ذلك السهل الملبد يرتمي *** في الافق مثل الغيمة السوداء

يكتض بالاشباح ظمأى حشرجت *** ثم اشرأبت في انتظار الماء

مفغورة الافواه الا جثة *** من غير رأس لطخت بدماء

زحفت الى ماء تراءى ثم لم *** تبلغه وانكفأت على الحصباء

غير الحسين تصده عما انتوى *** رؤيا فكفي يا ابنة الزهراء

من للضعاف اذا استغاثوا والتظت *** عينا يزيد سوى فتى الهيجاء

بأبي عطاشى لاغبين ورضعا *** صفر الشفاه خمائص الاحشاء

أيد تمد الى السماء وأعين *** ترنو الى الماء القريب النائي

عز الحسين وجل عن أن يشتري *** جم الخطايا طائش الاهواء

آلى يموت ولا يوالي مارقا *** ري الغليل بخطة نكراء

فليصرعوه كما أرادوا انما *** ما ذنب أطفال وذنب نساء

عاجت بي الذكرى عليها ساعة *** مر الزمان بها على استحياء

خفقت لتكشف عن رضيع ناحل *** ذبلت مراشفه ذبول حباء

ظمآن بين يدي أبيه كأنه *** فرخ القطاة يدف في النكباء

لاح الفرات له فأجهش باسطا *** يمناه نحو اللجة الزرقاء

واستشفع الاب حابسيه على الصدى *** بالطفل يومي باليد البيضاء

رجي الرواء فكان سهما حز في *** نحر الرضيع وضحكة استهزاء

فاهتز واختلج اختلاجة طائر *** ظمآن رف ومات قرب الماء

* * *

ذكرى ألمت فاقشعر لهولها *** قلبي وثار وزلزلت أعضائي

ص: 173

واستقطرت عيني الدموع ورنقت *** فيها بقايا دمعة خرساء

يطفو ويرسب في خيالي دونها *** ظل أدق من الجناح النائي

حيران في قعر الجحيم معلق *** ما بين السنة اللظى الحمراء (1)

ولد الشاعر بدر شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق السياب في قرية ( جيكور ) من قرى أبي الخصيب في لواء البصرة والواقعة على شط العرب وذلك سنة 1344 ه 1926 م ، فنشأ في محل ولادته ، ثم دخل المدرسة الابتدائية في ابي الخصيب ثم انتقل الى المدرسة المحمودية التي أسسها المرحوم محمود باشا عبد الواحد سنة 1910 حيث تخرج فيها سنة 1938 ثم أكمل دراسته المتوسطة والاعدادية في البصرة وبعدها التحق بدار المعلمين العالية في بغداد حيث ظهرت مواهبه بانتمائه الى جماعة اخوان ( عبقر ) عن طريق الندوات والاحتفالات التي كانت تقام في دار المعلمين العالية وعمل مترجما في جريدة ( الجبهة الشعبية ) كما شغل وظيفة رئيس الملاحظين في مديرية الشؤون الثقافية في مديرية الموانئ العامة ، وعين عضوا في هيئة تحرير مجلة الموانئ - عام 1961 و1962 ثم سافر الى بيروت للمعالجة وحضر مؤتمر الشعراء العرب ودخل مستشفى الجامعة الاميركية ، وعاد الى البصرة ثم سافر الى لندن للاستشفاء وقد خصصت مديرية الموانئ العامة دارا له ولعائلته.

وله مؤلفات منها : ( ازهار ذابلة ) القاهرة 1947 و ( أساطير ) النجف 1950 و ( انشودة المطر ) بغداد 1960 و ( حفار القبور ) بغداد 1952 ، مختارات من الادب البصري - البصرة 1956 والمعبر البصري - البصرة 1956 او المعبد العريق بيروت 1962 ومولد الحرية الجديد ( ترجمة بيروت 1961 ) و ( المومس العمياء ) بغداد 1954 و ( منزل الاقنان )

ص: 174


1- عن ديوانه ( أساطير ) المطبوع بمطبعة الغري الحديثة 1369 ه 1950 م.

بيروت 1963 وغيرها. توفي في الكويت عام 1964 (1) وكتبت مجلة ( آفاق عربية ) العدد الاول من السنة الثالثة عن شاعرية السياب والتجدد في شعره ، والحق ان السياب شاعر من شعراء الفكرة والموضوع في الادب العراقي المعاصر ، تأثر بأليوت وايدث سيتويل وغيرهما من شعراء الانكليز ... تعلم منهم التعبير بالصور وتداعي المعاني والتعبير عنها بطرق غير مألوفة ومال أخيرا الى ادخال عنصر الثقافة والاستعانة بالاساطير والتأريخ والتضمين والغرف من الانثروبولوجيا. اذ أنه عندما درس في دار المعلمين العالية في بغداد وقضى سنتين في فرع الادب العربي انتقل الى اللغة الانكليزية فتخرج منها عام 1948.

مات وهو لم يكمل السادسة والعشرين من عمره. وفاته 24 - 12 - 1964 رأيت في جريدة الجمهورية الصادرة ببغداد عدد 3442 ه بتاريخ 1 كانون الاول 1978 الشاعر والناقد المصري حسن توفيق الذي نال شهادة الماجستير من جامعة القاهرة عن رسالته ( الشاعر بدر شاكر السياب ).

ص: 175


1- أعلام العراق الحديث ، باقر أمين الورد.

الشيخ حميد السماوي

المتوفى 1384

لا حكم الا للقضاء وما الذي *** يجري بغير اشاءة وقضاء

يهفو الزمان ولا تزال صروفه *** تهفو بغابره الى الهيجاء

ويظل يشدو شدوه فترتل *** الاشهاد ما استوحى ابو الشهداء

عوجي أمية في حضيضك واضربي *** صفحا اذا شئت عن العلياء

خلي الطريق لاهله وترسلي *** في كل مظلمة من الارجاء

كبلت أيدي المخلصين بحادث *** أطلقت فيه هواجس الشعراء

ما اظلم يوم الطف الا للاولى *** فيهم أضاءت ليلة الاسراء

نجمت بعاهل هاشم وتمخضت *** أحلامها عن خيرة الابناء

أمناء وحي اللّه في العهد الذي *** ختم القضاء على فم الامناء

صدروا وما انفكوا على ورد الردى *** متزاحمين تزاحم الاكفاء

ضربوا لهم طنبا بكل تنوفة *** وبنوا لهم فلكا بكل سماء

فتناثرت هاماتهم بمساقط *** الاقدار لا بمساقط الانواء

رقمت على لوح الوجود وخططت *** بالنور صدر العالم الوضاء

جذبتهم الصحرا الى أحضانها *** علما بأنهم بنو الصحراء

وتدافعت فيهم حداتهم فمن *** بيداء شاسعة الى بيداء

ما كان أسعدهم بادراك المنى *** وأحقهم بالمدح والاطراء

أبقية الخلفاء من عمرو العلى *** حدبت عليك صنايع الخلفاء

ضاقت رحاب الارض فيك وانها *** لولا القضاء فسيحة الارجاء

ص: 176

فلئن سموت مصفدا نحو العلى *** فلقد هويت موزع الاشلاء

أجهدت نفسك في شؤون لم يزل *** فيها حسامك أبلغ الخطباء

رفقا بهم رفقا فلست بمسمع *** من في القبور مواعظ الاحياء

أرسلتها خطبا ترن وما عسى *** تجدي بجنب الصخرة الصماء

ما كنت أحسب والمقدر كائن *** ان العقول تصاب بالاغماء

سمعا أبا الشهداء نجوى شاعر *** فيما تنوء به من الارزاء

أنا لم أقم لكم مقام مؤبن *** فأطيل فيكم مدحتي وثنائي

لكن أقول وهل تراني واجما *** أما وجدتك مصغيا لندائي

ان الاناشيد التي رتلتها *** قطعا وأنت تجود بالحوباء

ورسمتها في صدر كل صحيفة *** سطرين : صدر هدى وصدر دماء

ذهبت ويؤسفني ادكاري أنها *** ذهبت وراء سفاسف الاهواء (1)

الشيخ حميد ابن الشيخ احمد آل عبد الرسول الشهير بالسماوي ينتهي نسبه الى قبيلة بني عبس وهي تقطن وادي السماوة من قديم العصور ، ولد المترجم له في السماوة عام 1315 ه ونشأ على حب الخير بحكم بيئته وسيرة سلفه الصالح ومكانة أبيه مرشد تلك المنطقة اذ كان المرجع الديني والزمني هناك وقد أرخ ولادة المترجم له ( صاحب الطليعة ) البحاثة الشيخ محمد السماوي بقصيدة مطولة وآخرها :

أنا انشي وأنت في الناس أرخ *** فاق عبد الحميد فضلا ومجدا

هاجر الى النجف الاشرف وهو شاب حدث السن وبعد أن أكمل المقدمات تخصص للدراسات العالية على اساتذة جهابذة أمثال المرحوم الميرزا حسن النائيني والشيخ محمد حسين الاصفهاني وميرزا فتاح الزنجاني صاحب الحاشية على المكاسب ، وكان يعد من الطبقة العالية في الاوساط العلمية.

ص: 177


1- عن الديوان.

وتوفرت له المعلومات الكافية والاحاطة التامة بعلمي الفقه والاصول فطلبه اهالي السماوة وألحوا عليه بالرجوع الى بلده ومسقط رأسه فاستجاب لطلبهم بأمر من مراجع الطائفة وعاد الى السماوة واعتزت به كاعتزاز العين بانسانها.

والسماوي شاعر فحل بما أوتي من جزالة القول وقوة الذهنية والفكرة الوقادة وهو أحد أعلام الشعر في العالم العربي ، وفي العراق لا يوازيه في شهرته وشاعريته غير افراد عدد أصابع اليد ، ولازال الادباء يحفظون شعره ويتناشدونه ، وهذه رباعياته التي عارض بها الطلاسم لايليا أبي ماضي وعنوانها : فوق اثباج الطبيعة. نشرتها الصحف ونشرها الاديب التقي الحاج رضا السماوي في كراسة ، ومما سجلته للشاعر العالم في مؤلفي ( شعراء العصر الحاضر ) قوله يخاطب بلبلا في قفص :

يا بلبل القفص المطل *** وشاعر الروض الاغن

ما كان ظني أن أراك *** مغردا ما كان ظني

فالحزن أعمق نغمة *** من نغمة الوتر المرن

لحن النفوس الشاعرات *** وهل تجيش بغير لحن

واذا علا صوت النعي *** بمحفل سكت المغني

يا ابن الاراكة قد قتلت *** مسرتي وأثرت حزني

أنا لست من حمم الححيم *** ولست من جنات عدن

أو لم نكن أبناء لحن *** واحد ولدات فن

نصغي الى وحي الجمال *** ونشرئب لكل حسن

انت الاسير بلا فدى *** وانا الطليق - بغير من

تشدو وأنت بمحبس *** وأنا أنوح بمطمئني

أتصاغرت للسجن نفسك *** فهي من طرب تغني

وتعاظمت نفسي على *** فخلت هذا الكون سجني

ما أنت مثلي في الشعور *** ولست مثلك في التجني

لم أعد أحلام الشباب *** ان اصرح أو أكني

انشوة الطفل الصغير *** وحسرة اليفن المسن

أشدو بقومي ان شدوت *** وانما اياك أعني

فالريح لا تدع السرى *** والغصن لا يدع التثني

ص: 178

ماذا التأني والخطوب *** سريعة ، ماذا التأني

لم يجن من غرس الرجاء *** ببلقع غير التمني

فاهدم دعامة صرحها *** من لم يهدم ليس يبني

ففؤادها متضارب *** الحركات من خوف وأمن

ولسانها متلجلج *** بين المعزي والمهني

ولقد أبدع كل الابداع في قصيدته : عاصفة النوى ، والتي مطلعها :

وجمت فلا نطق ولا ايماء *** وخبت فلا قدح ولا ايراء

جذ القضاء لسانها فتلجلجت *** وتكلم التمتام والفأفاء

وطوى صحيفة مجدها فتكفلت *** بعد العيان بنشرها الانباء

سعدت بهم دهرا فأعقبها الشقا *** وكذا الحياة سعادة وشقاء

وفيها ما سار مسير الامثال فمنها :

لا يصلح الحسن القبيح وهل ترى *** كف الوصيف تزينه الحناء

وقوله :

واصدر على ظمأ فأنت بمنهل *** ترد الصحيحة منه والجرباء

وقوله :

لا تنصتن بجنب كل أراكة *** ما كل غصن فوقه ورقاء

وان استفزك ناعب فلربما *** طرب الاصم وغنت الخرساء

وقصيدته : لمن المواكب ، ومطلعها :

لمن المواكب في ضفاف الوادي *** نشرت مطارفها على الآباد

من عالم العدم استمدت فيضها *** حتى تخطت عالم الايجاد

مخرت بتيار الفنا فتدافعت *** فيها الخطوب الى محيط الهادي

ص: 179

ومنها :

والنار ان يك هينا ايقادها *** لكن هلم الخطب في الاخماد

وفيها عتاب لبعض الاقارب والاحباب :

ما سرني ان سدتكم بل ساءني *** ان لم تكونوا أنتم اسيادي

ومنها :

هامت باذلالي وهمت بعزها *** ( فأنا بواد والعذول بوادي )

سيان في الارقال الا اننا *** شتان في الاتهام والانجاد

وأهب منفردا لجمع شتاتها *** وتهب مجمعة على افرادي

ان هزهم هذا الشعور فحسبهم *** أولا فكم من نفخة برماد

وحسبك فاقرأ حكمياته وفي مقدمتها : طريق الخلود ، وأولها :

متى ائتلفت هذه النيرات *** وماذا أحاط بهذي الكرات

وهل قبل عالمنا عالم *** وهل بعده من هن أوهنات

فماض ولم أدر ما كنهه *** وآت ولم أدر ما فيه آت

ومن براعته الفنية قوله :

اني اعيذك والاقلام ساغبة *** تلوك ما تنضج الآراء والفكر

من كل ساحرة الالفاظ تحسبها *** عصا ابن عمران لا تبقي ولا تذر

فللسياسة أبطال تنادمها *** والنظم والنثر ابطال له أخر

تخدرت حسب ما شاؤا مشاعرنا *** حتى تساوى لديها النفع والضرر

وقوله :

اذا ظمئ العقل في منهل *** فليس يروي حديث الرواة

وكيف أحاول بل الصدى *** اذا انبت في البئر حبل السقاة

ص: 180

دعيني أشق لمستقبلي *** طريق الخلود فما فات فات

كلانا لنا حصة في الوجود *** وكل له شرعة في الحياة

وان السعادة بنت الشقا *** وان الولادة رمز الممات

أعيدي احاديث امس علي *** فاني كيومي حديث الغداة

سأصبح معنى بفكر الاديب *** وسطرا معمى ببطن الدواة

وعندما تدخل الحرم العلوي المطهر تجد ابيات الشيخ السماوي قد كتبت بالذهب.

لمن الصروح بمجدها تزدان *** وبباب من تتزاحم التيجان

هذي عروش الفاتحين بظلها *** تجثو وهذا الملك والسلطان

أقنومة العقل التي بجلالها *** دوى الحديث وجهجه الفرقان

ان لم يقم رضوان عند فنائها *** فلقد أقام العفو والرضوان

نهدت الى قلب الفضا وتدافعت *** فيه كما يتدافع البركان

وترنحت بولاء آل محمد *** طربا كما يترنح النشوان

فتشت أسفار الخلود فشع لي *** منها بكل صحيفة عنوان

شماء لم ترفع ذرى كيوانها *** الا وطأطأ رأسه كيوان

يا درة الشرق التي لجمالها *** سجد الخيال وسبح الوجدان

كم من جليل من صفاتك احجمت *** عن حمله الالفاظ والاوزان

حسبي الى عفو الاله ذريعة *** حرم يؤرخ ( بابه الغفران)

1372 ه-

أما قصائده في سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين فاليك مطالعها وهي :

1 - لا حكم الا للقضاء وما الذي *** يجري بغير اشاءة وقضاء

2 - لمن النواهد لا برحن نواهدا *** يفنى الزمان ولا تزال رواكدا

3 - شأت آل حرب ما استطاعت فأوجست *** بها عن مداجاة ابن فاطمة وهنا

4 - الام تعاني الشوق قد ذهبت لبنى *** فذا ربعها أخنى عليه الذي أخنى

5 - سيري بموكبك المنضد سيري *** فلقد غلا بالنور أفق النور

6 - شأت وذراعاها يراع ومقول *** تخب كما شاء الطموح وترقل

ص: 181

الشيخ حبيب المهاجر

المتوفى 1384

اقول لقلبي كلما لج بالهوى *** رويدا لشمس الطالعات أفول

هب المنظر الجذاب فاق جماله *** زمانا وأحوال الزمان تحول

تجرعت مر الصبر فيما طلبته *** أليس وان طال الزمان يزول

يقصر آمالي به حادث الردى *** ويبسطها وعد المنى فتطول

رأيت السرى في غير لامعة العلى *** يؤوب الى غير الهدى ويؤول

يمد بحرب حيث سارت ضلالها *** ألا انما عبء الضلال ثقيل

ويمضي بسبط المصطفى الطهر رشده *** الى حيث يهوي مجده ويميل

رأت حرب ان أودى الحسين بسيفها *** يدوم لها سلطانها ويطولر

ولم تدر حرب حيث همت ببغيها *** لقتل حسين انها لقتيل

تقاتل عبدان سليل مليكها *** ويبقى لها من بعد ذاك سليل

لقد جهلت حرب هداها وطالما *** يبوء بسوء العاقبات جهول

ولو أنها ألوت عنان ضلالها *** لكان لديها للنجاة سبيل

مشت يوم عاشوراء عميا فلم تدع *** لها جانبا الا اعتراه فلول

تحطم من عليا علي واحمد *** لوا هو ظل للانام ظليل

وتفري بظفر البغي نحر ابن سيد *** به ملكتها عامر وسلول

وتقتل من أبناء حيدر أسرة *** تميل المعالي الغر حيث تميل

وتذبح اطفالا أبى اللّه أن يرى *** لذابحها في الهالكين مثيل

وتحمل من عليا لوي بن غالب *** عقائل لم تبد لهن حجول

يجاب بها في البيد أسرى وقد ثوى *** علي وأودى جعفر وعقيل

لمن تشتكي والسوط آلم متنها *** وأذهلها طفل لها وعليل

ص: 182

وهل لبنيات الهدى بعد هذه *** ملاذ لديها يبتغى وسبيل

وهب أن حربا قادها اللؤم فانثنت *** وليس لها عما تروم مزيل

فما بال فهر لم يثرها حفاظها *** ألا ان من يحمي الذمار قليل

وهل بعد أن أودى الحسين تجد فتى *** اذا دالت الحرب العوان يديل

وهل بعد أن أودى الحسين بن فاطم *** يغاث ضعيف أو يعز ذليل

نضت آل حرب سيفها فثوى به *** حسين وأنى للحسين عديل

ابى الدهر أن يأتي بمثل ابن فاطم *** الا انه في مثله لبخيل

جزى اللّه حربا شر ما جوزي امرؤ *** ولا قالها مما تراه يقيل

فقد كسرت حرب لوا كان خافقا *** ( يعز على من رامه ويطول )

ورمحا اذا رام الزمان يناله *** بسوء تعالى شأوه فيحيل

رأت آل حرب انها بعد كسره *** تصول على وجه الثرى وتجول

وهيهات أن تلتذ بالنوم والورى *** لها عندها بابن النبي ذحول

الشيخ حبيب بن محمد بن الحسن بن ابراهيم المهاجر العاملي عالم كبير وباحث متثبت وأديب واسع الافق ومصنف مكثر. ولد في لبنان سنة 1304 ونشأ متدرجا على حب العلم ثم هاجر الى النجف فحضر على علماء وقته كشيخ الشريعة الاصفهاني ، والشيخ علي ابن الشيخ باقر الجواهري ، والميرزا حسين النائيني والسيد ابو الحسن الاصفهاني وغيرهم وأجازه سماحة السيد البحاثة السيد حسن الصدر قدس سره كما اجازه غيره ونزل العمارة - ميسان ، والكوت مدة مصلحا مرشدا قائما بوظائف الشرع الشريف منتدبا من علماء النجف وخرج من العراق في سنة 1350 ه فهبط بعلبك وقام بأعباء الهداية والارشاد بقلمه ولسانه وقد اصطفت سنة وحضرت خطابه في الجامع وزرته وزارني وأهداني نشرته الشهرية ( الاسلام في معارفه وفنونه ) وأبديت ملاحظاتي عليه وتفضل ونشرها.

أما مؤلفاته الممتعة فهي من الكتب النافعة وهو بحق من المصلحين المجاهدين ومن أعلام الفكر والاصلاح وكانت مرتبته هناك بعنوان مفتي الديار البعلبكية وهذه آثاره ومآثره وتصانيفه في الرد على الماديين وفي أصول الدين وفروعه والتاريخ والادب وأنواع العلوم الاسلامية منها منهج الحق ومحمد الشفيع والانتصار

ص: 183

واليتيمة والفروق وأنا مؤمن وكتابه ذكرى الحسين الذي يحتوي على جزئين جمع فيه كل ما يتعلق بوقعة كربلاء وعن حياة الشهيد ابي عبد اللّه وأهل بيته وأصحابه فهي دراسة جامعة مفيدة وضمنها الكثير من نظمه وفوائده جزاه اللّه جزاء العاملين المخلصين. كانت وفاته في بعلبك - لبنان ليلة السبت 11 شوال 1384 ه ونعته محطة الاذاعة اللبنانية ونقل جثمانه للنجف ليكون في جوار أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام .

ص: 184

الشيخ مجيد خميّس

المتوفى 1384

بقلبي سرى ذاك الخليط المروع *** وبالنوم من جفني فما أنا أهجع

أيهجع طرفي والهموم كأنها *** أفاع وفي أحشاء قلبي لسع

واني خليل الحب لكن حشاشتي *** بنيران نمرود الصبابة تلذع

ربيع دموع الناظرين صبابة *** تصعد عن فيض الغوادي وتهمع

كأن دموعي والتهاب جوانحي *** غمائم في حافاتها البرق يلمع

وعاذلة لما رأتني مولعا *** أحن الى ربع خلا منه مربع

تقول أرى للحزن قلبك مقسما *** وجسمك للاسقام أضحى يوزع

فقلت لها والهم يلبسني الشجى *** أقر وآل اللّه بالطف صرعوا

بنفسي كراما من بني العز هاشم *** غدت عن معاليها تذاد وتدفع

كأن المعالي قد غدت مستجيرة *** بها يوم لاشهم عن الجار يمنع

فأضحت تقيها بالنفوس كأنها *** عليها لدى يوم الحفيظة أدرع

رسوا كالجبال الراسيات وللورى *** طيور عليهم حائمات ووقع

بعزم لهم لولاه لم تكن الظبى *** بواتر اذ منه درت كيف تقطع

هم القوم فيهم تشهد البيض انهم *** جبال وغى ليست لدى الحرب تقلع

قضوا كرما تحت الظبى وقلوبهم *** بغير الظما ليست لدى الحتف تنقع

وثاو على حر الصعيد موزع *** برغمكم يا آل فهر يوزع

قضى وهو ظمآن الحشاشة والقنا *** نواهل منه والظبى منه رتع

ومات بحيث العز لفعه على *** تود السما لو بعضه تتلفع

ولا عجب ان تبكه الشمس عندما *** فقد فات منها ضوؤها المتسطع

ص: 185

الشيخ مجيد بن حمادي بن حسين بن خميس ( بالتشديد والتصغير ) الحلي السلامي من شعراء الحلة وعلمائها ، ولد سنة 1304 بالحلة الفيحاء ونشأ بها ذواقا للعلم والادب فدرس على الشيخ محمود سماكة والسيد عبد المطلب الحلي ومبادئ الفقه والاصول على الشيخ محمد حسين علوش والسيد محمد القزويني ، ثم انتقل الى النجف سنة 1332 لاكمال الدراسة فحضر ابحاث أعلام الفقه والاصول كالشيخ ميرزا حسين النائيني والسيد أبو الحسن الاصفهاني والشيخ كاظم الشيرازي والشيخ اغا ضياء العراقي والشيخ هادي كاشف الغطاء فنال حظوة علمية يغبط عليها فتزاحم عليه طلاب العلم ينتهلون من معارفه ، وزوده اساتذته المذكورون باجازة اجتهاد وكان يجمع الى جانب مواهبه العلمية حسن السيرة ولطف المعشر ورقة الشعور مع وداعة وطيب سريرة ومن دروسه التي يلقيها على طلابه ألف كتاب ( غاية المأمول في علم المعقول ) و ( شرح العروة الوثقى ) في الفقه الاستدلالي ، وهو أخو الشاعر الشهير الشيخ ناجي خميس المتقدمة ترجمته في الجزء السابق - طرق شاعرنا المترجم له أكثر أبواب الشعر من غزل ونسيب ومدح ورثاء ومن شعره في أهل البيت علیهم السلام وقد استهله بالغزل على عادة الشعراء.

سل المعنى عن لسيب دائه *** أهل له راق سوى بكائه

لي بالعذيب كبد ضيعتها *** يوم اقتنصت العين من ظبائه

ضيعتها يوم الوداع أدمعا *** تساقطت كالغيث في جرعائه

جنى علي العشق في عدوائه *** هما به بت صريع دائه

وغادر الضلوع مني كمدا *** محنية على لظى برحائه

وما لمن قد طويت احشاؤه *** وانتشرت وجدا على ذكائه

من منهج ينجو به فذو الهوى *** هيهات ان يظفر في نجائه

ما قدح البرق بأحنا بارق *** الا ورت أحشاه في ايرائه

تحن اذ تهجره احبابه *** حنين دين اللّه من أعدائه

يشكو الى المهدي من معاشر *** كم هدموا المشيد من بنائه

أملبس النهار من نقع الوغى *** ليلا تضيع الشمس في ظلمائه

قم وانتض السيف وبادر ترة *** ادراكها وقف على انتضائه

كيوم موسى جار في غدوائه *** كيوم موسى جار في غدوائه

ص: 186

يوم به المعروف عاد منكرا *** والحق قد أجهد في اخفائه

ثم يذكر الامام موسى الكاظم علیه السلام وما جرى عليه.

ان لم يشيع نعشه فلم تكن *** منقصة عليه في عليائه

فخلفه الاملاك قد تزاحمت *** والروح أدمى الافق من بكائه

مناديا عن شجن وانه *** قطع قلب الدين في ندائه

يا قمر الاسلام قد أمسى الهدى *** دجنة مذ غبت عن سمائه

وقد غدا الايمان ينعى نفسه *** فطبق الاكوان في نعائه

هذا امام الحق عاش في العدى *** مضطهدا ومات في غمائه

لقد ثوى بلحده وما ثوى *** الا الهدى والدين في ثوائه

وله أخرى في الحسين علیه السلام كما له ثالثة في الشاعر الشهير الشيخ حمادي نوح أولها :

هتفت بجانحة الظلام تنوح *** ورقاء تعرب عن جوى وتنوح

والمترجم له ممن عاصرتهم وجالستهم وحادثتهم وكان يتواضع للصغير والكبير ويحترم الناس على اختلاف طبقاتهم وهو محل ثقة الجميع فليس هناك أحد الا ويحسن فيه الظن ويثق به وبعدالته وأخلاقه. كانت وفاته يوم السادس من شهر ذي القعدة الحرام 1384 ه المصادف 10 - 3 - 1965 وكان مدفنه في النجف بالصحن الحيدري في الحجرة المجاورة لمقبرة المرحوم السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي رحمه اللّه رحمة واسعة.

ص: 187

الشيخ محمد رضا الغرّاوي

المتوفى 1385

محرم بك السرور حرما *** والصبح فيك صار ليلا مظلما

حيث بك الحسين من آل العبا *** تفتت أحشاؤه من الظما

مستنصرا وما له من ناصر *** يمنعه من العداة أو حمى

قد قتلت أنصاره حتى غدا *** رضيعه بسهمهم منفطما

يا بأبي أفدي جريحا لم تزل *** شيبته مخضوبة من الدما

نزف الدماء والظما أجهده *** أجهده نزف الدماء والظما

يعوم بحرا من دماهم مزبدا *** ومهره السفين مهما قد طما

وفي ختامها :

فيا ابن بنت احمد ومن به *** حتما يزيل اللّه عنا الغمما

وتفرج الشدائد الصعاب اذ *** نلوذ منها بك يا نعم الحمى

الشيخ محمد رضا بن قاسم ابن الشيخ محمد بن احمد بن عيسى بن أحمد بن محمد الغراوي النجفي ، ولد في النجف سنة 1303 ه ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في ( معارف الرجال ) فقال : عالم فقيه أصولي عارف بأخبار أهل البيت علیهم السلام وسيرهم تقي صالح ثقة ، كانت داره ندوة علمية وأدبية تجتمع فيها نخبة من أهل الفضل في أيام التعطيل للمذاكرات العلمية ، وكان أديبا شاعرا ويعد من الطبقة المتوسطة في متانة شعره ورقته ، له ولع في التأليف والتصنيف ، وكان محيطه وبيئته لا يقدران له ولامثاله من المؤلفين جهودهم ويومئذ كان أهل الحل والعقد مشغولين بالزعامة والرئاسة العامة ومتطلباتها.

ص: 188

حضر المترجم له دروس اعلام عصره منهم الشيخ محمد جواد الحولاوي والشيخ علي رفيش والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي والشيخ مهدي المازندراني وله اجازة منه بتارخ 1338 وله اجازة رواية عن عدة من الاعلام منهم السيد حسن الصدر مؤرخة سنة 1344 ه والسيد مهدي البحراني سنة 1332.

ألف كتبا كثيرة تنوف على الخمسين مؤلفا ومصنفا منها أدلة الاحكام في شرح كتاب شرائع الاسلام ، لم يتم برز منه كتاب الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والزكاة والخمس ، ونفائس التذكرة في شرح التبصرة للعلامة الحلي في أربعة عشر جزءا و ( ازالة الغواشي في مدرك الحواشي ). , حواشي استاذه الطباطبائي على التبصرة و ( عقود الدرر في شرح المعتبر ) للمحقق فقه ، وشرح هداية الصدوق فقه ، ولوامع الغرر منظومة في المواريث ، وأصدق المقال ، في علم الدراية والرجال ومعرفة الاحوال في علم الرجال ، وزهرة العوالم. نظم معالم الاصول وطرايق الوصول الى علم الاصول ، ونصيحة الضال في الامامة ، والنور المبين رد على زيني دحلان ، والانذار في قطع الاعذار في الامامة ولاهبة المعاد في الكلام ، والزاد المدخر في شرح الباب الحادي عشر ، والبضاعة المزجاة ، ثلاثة أجزاء في الاخلاق والسير والمواعظ ، طبع الجزء الأول مه في النجف سنة 1353 ، وسبيل الرشاد ، في المواعظ والمجالس السعيدة ، والنور الكافي في تهجية أخبار الكافي ، رتب أخبار الكافي على حروف الهجاء ، وموهبة الرحمن في تفسير القرآن ، والخيرات الحسان في تفسير القرآن ، والنجم الثاقب مختصر كتاب عمدة الطالب في النسب ، وأماني الاديب مختصر مغني اللبيب ، غير تام الى حرف اللام ، ألفه سنة 1319 ه ، وبلوغ منى الجنان في التفسير لبعض سور القرآن ، ألفه سنة 1349 ه ومحاسن الكواكب ، ديوان شعره الى غير ذلك من الرسائل ، وقد طبع له أخيرا ( الكنز المدخر في آداب المسافر والسفر ) بمطابع النجف سنة 1376 وترجم له الشيخ جعفر محبوبة في ( ماضي النجف وحاضرها ) فذكر نص شهادة العالمين العلمين السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ محمد رضا ياسين - في حقه وفضله وتقواه وعدالته ، ثم عدد مؤلفاته وهي 63 مؤلفا. توفي يوم الاثنين 19 ربيع الاول سنة 1385.

ص: 189

الشيخ محمد علي اليعقوبي

المتوفى 1385

ميلاد أبي الشهداء (عليه السلام)

أي بشرى يزفها جبرئيل *** والمهنى بالسبط فيها الرسول

تتهادى الاملاك فيها التهانى *** فصعود لهم بها ونزول

بوليد قرت به عين طه *** وبه سر حيدر والبتول

نبعة من أراكة قد تناهت *** لذرى الفرقدين منها الاصول

أبواه من قد علمت وعماه *** لدى الفخر جعفر وعقيل

فيه هبت من طيبة نفحات *** من شذاها طابت صبا وقبول

أطلعت من سما الامامة بدرا *** مشرقا ما اعترى سناه الافول

غمر الارض والسماوات نورا *** فسواء غدوها والاصيل

واستهلت بطحاء مكة بابن *** شرفت فيه أهلها والقبيل

واطلت على تهامة سحب اللطف *** فاخضل روضها المطلول

وازدهت في غلائل الروض تختال *** ابتهاجا حزونها والسهول

وتغنت عنادل الشعر تشدو *** والغناء الترحيب والتأهيل

ص: 190

بفتى أنجبته أطهر أم *** ما لها في بنات حوا مثيل

لا تعلل الا بذكراه قلبي *** رب ذكرى يحلو بها التعليل

كنه معناه يعجز الفكر عنه *** ويحار اللسان ماذا يقول

فضل اللّه فيه شعبان قدرا *** وجدير في شأنه التفضيل

جل شانا عن أن يقاس بشهر *** اذ تجلى فيه الوليد الجليل

ثالث الاوصياء خامس أصحاب *** العبا من بهم تجار العقول

كم سقى عاطش الثرى من نداهم *** عارض ممطر وغيث هطول

فيهم ( آدم ) توسل قدما *** ودعا ( نوح ) باسمهم والخليل

بأبى ناشئا بحجر ( علي ) *** وعلى كتف ( احمد ) محمول

هو ريحانة النبي فكم طاب *** -ه الشم منه والتقبيل

واغتذى منه درة الوحي طفلا *** تفتديه شبابها والكهول

أعد الطرف دون أدنى علاه *** ستراه يرتد وهو كليل

سؤدد تقصر الكواكب عنه *** وعلى هامة الضراح يطول

لا تجارى يديه نيلا اذا ما *** طفحت ( دجلة ) وفاض ( النيل )

قرب النفس للاله فداء *** أين منه الذبيح ( اسماعيل )

قام في نصرة الهدى اذ اعاديه *** كثير والناصرون قليل

لاتقل في سوى معاليه مدحا *** فهي فضل وما عداها فضول

وهي في جبهة الليالي الزواهي *** غرر مستنيرة وحجول

حيث قام الدليل منها عليها *** وعلى الشمس لا يقام دليل

صاحب القبة التي بفناها *** يستجاب الدعا ويشفى العليل

كللت قبة السماء جمالا *** فهي من فوق هامها اكليل

يأمن الخائف المروع لديها *** من صروف الردى ويحمى النزيل

فوقها من مهابة اللّه حجب *** وعليها من الجلال سدول

وبيوت الاسلام لولاه لم يسمع *** عليها التكبير والتهليل

وابو النهضة التي ليس ينساها *** من العالمين للحشر جيل

ذكره ضاع كالخمائل نشرا *** وعداه أخنى عليها الخمول

ص: 191

قد محا دولة الجبابر قتلا *** ويظنون أنه المتول

يا أبا التسعة الميامين من لم *** يحص اجمال فضلها التفصيل

وهداة الورى اذا خبط الساري *** وتاه الحادي وضل الدليل

واذا ما السماء بالغيث ضنت *** فبأيديهم تزول المحول

أنت يا من حملت بالطف اعباء *** تكاد الجبال منها تزول

ان دينا شيدته أمس كادت *** تتداعى أركانه وتميل

هاجمته ابناؤه وعليه الشرك *** هاجت أضغانه والذحول

فالى صدره تراش سهام *** وعلى رأسه تسل نصول

من رزايا اقلهن كثير *** وخطوب أخفهن ثقيل

يوم ضلت نهج الهدى وأضلت *** فئة من شعارها التضليل

قد نمتها في الشرق ( أم ) رؤوم *** وأبوها الحنون ( اسرائيل )

قادها الغي للشقا وحداها *** وأتت يقتفي الرعيل الرعيل

جددت شرعة الضلالة والكفر *** وغالت شرائع الحق غول

بدلوا الشرع غيروا النص حتى *** كاد يقضي عليها التبديل

فهي طورا سيف الخصوم وطورا *** في المسيرات بوقها والطبول

برزت كالفحول منهم أناث *** وبدت تشبه الاناث الفحول

بينهم ضاعت المقاييس حتى *** صار سيين عالم وجهول

فجميل الورى لديهم قبيح *** وقبيح الفعال منهم جميل

حاولوا ( مطلبا عظيما ) وظنوا *** الحكم ينهى اليهم ويؤول

ما دروا أن ذلك الظن وهم *** وسراب لم يرو فيه الغليل

* * *

كل يوم عرض لديهم مباح *** ودم في سيوفهم مطلول

فدفين تحت الثرى وهو حي *** وصليب فيه العمود يميل

أمن السلم حربهم للمبادي *** ومن العدل ذلك التنكيل

ومن الرفق والتحنن ذاك *** الفتك بالابرياء والتمثيل

فتكوا بالبلاد فتك ( هلاكو ) *** وجنوا مثلما جنى ( ديغول )

فاستحالت ( أم الربيعين ) منهم *** مأتما كله بكاء وعويل

و ( بكركوك ) للفظائع متن *** يقصر الشرح عنه والتسجيل

انكروا بالاقوال ما ارتكبوه *** وشهود الافعال منهم عدول

كيف يحنو عطفا ويضمر خيرا *** من على الشر طبعه مجبول

ص: 192

ان يخونوا عهد البلاد فعذرا *** ما لهم ناقة بها وفصيل

ليس فيهم الا دخيل وهل *** يؤمن يوما على البلاد دخيل

* * *

فانتضى ( المحسن الحكيم ) حساما *** هو من حد عزمه مصقول

بأبي يوسف تجلى عيانا *** منهج الحق واضحا والسبيل

فاز في حلبة الجهاد ولا *** تعرف الا يوم الرهان الخيول

فرعى بيضة الهدى وحماها *** مثلما بالهزبر يحمى الغيل

كافل المسلمين حامي حمى الشرع *** فنعم الحامي ونعم الكفيل

سالكا نهج حيدر وحسين *** وكذا تقتفي الاسود الشبول

ان يصل جده بحد حسام *** فابنه في شبا اليراع يصول

فشفى علة الهدى بعدما قد *** شفها الوجد والضنى والنحول

رب سقم في الجسم يشفى ولا *** يشفى سقام تصاب فيه العقول

ذاك داء يعدي السليم كما *** يعدي بمكروب دائه المسلول

وانثنى الغي والعصابات منه *** خاسئات قد فاتها المأمول

وانطوت راية الضلال وولى *** عهد ( أنصارها ) الذميم الهزيل

نكصت والجباه منها دوام *** مثلما ناطح الجبال الوعول

عملاء اليهود لم يسلم القرآن *** من كيدهم ولا الانجيل

وقوى اللّه ان أتت لم يعقها *** طائرات العدى ولا الاسطول

يا بني الوحي حسبكم عن قوافي *** الشعر ما فيه صرح التنزيل

ودكم كان للرسالة اجرا *** كل شخص عنه غدا مسؤول

انا ذاك العبد المقيم على العهد *** تحول الدنيا ولست أحول

لا أبالي ان قطع الدهر أوصالي *** وحبل الرجا بكم موصول

منذ ستين قد مضت وثمان *** وسواكم في خاطري لا يجول

ما لوى من عنان نظمي ونثري *** لائم في هواكم وعذول

موقنا انكم غدا شفعائي *** يوم لا ينفع الخليل الخليل

ليس يجزي ما فيه طوقتموني *** وافر الشكر والثناء الجزيل

فاقبلوها عذراء زفت اليكم *** مهرها منكم الرضا والقبول

ستزول الاحداث والدهر يفنى *** وبنوه وذكركم لا يزول

ولسان الخلود ينشد فيكم *** ( أي بشرى يزفها جبرئيل )

ص: 193

الشيخ محمد علي ابن الشيخ يعقوب أديب خطيب وباحث كبير علم من أعلام الادب وسند المنبر الحسيني له اليد الطولى في توجيه الناس وارشادهم ولا زالت مواعظه حديثا معطرا ، لا يكاد يمله جليسه فمن اشهى الاحاديث حديثه وما جلس الا وتجمع الناس حوله من الادباء وأهل الذوق الادبي يتوقعون منه نوادره وملحه وأحاديثه الشهية.

ولد في النجف الاشرف في شهر رمضان 1313 ه ونشأ برعاية والده الخطيب التقي والواعظ الشهير وهاجر والده الى الحلة الفيحاء فنشأ المترجم له في مستهل صباه ومطلع شبابه في مدينة الادب والشعر وكان عندما يختار له والده القصيدة ويحفظها وينشدها في الجامع الذي يصلي فيه الامام العلامة السيد محمد القزويني بمحضر من المصلين هناك وبعد اداء الفريضة وكان السيد يوليه عناية ورعاية وتشجيع على الحفظ وفي سنة 1329 انتقل والده الى رحمة ربه فانقطع حينذاك الى ملازمة العلامة السيد محمد القزويني فغمره بالطافه وأفاض عليه من علمه وأدبه الجم وأخلاقه العالية - وكان دائما يشكر هذا الفضل كأنه يقول :

افضل استاذي على فضل والدي *** وان نالني من والدي الفضل والشرف

فذاك مربي الروح ، والورح جوهر *** وهذا مربي الجسم والجسم من صدف

اليعقوبي في كل ما يقول من نظم ونثر سهل ممتنع لا تكاد تفوته مناسبة من المناسبات الا ونظم فيها البيتين والثلاث أو القطعة المصكوكة كسبيكة الذهب تتداولها العقول والافواه معجبة بها مستلذة بترديدها مع أنه قد نظمها بلا تكلف انما ارسلها ارسالا فاسمعه حين يقول :

قالوا الوزارة شكلت *** برئاسة العمري أرشد

فاستقبل الشعب الوزارة *** بالصلاة على محمد

وحين يداعب الشيخ السماوي يوم أحيل على التقاعد في عهد السيد محمد الصدر رئيس الوزراء.

ص: 194

قل للسماوي الذي *** فلك القضاء به يدور

الناس تضربها الذيول *** وأنت تضربك الصدور

بالاضافة الى الخدمة المنبرية والتبليغ باللسان فقد أضاف اليها الخدمة القلمية والخدمة بالبيان فقد ألف كثيرا وخلف آثارا لها قيمتها ومنها بل في طليعتها مجموعة اسماها ب ( الذخائر ) وهو ديوان شعر خاص يحتوي على حوالي خمسين قصيدة ومقطوعة نظمها في اهل البيت مدحا ورثاءا وقد طبعت سنة 1369 ه وأوصى رحمه اللّه أن يكون معه في قبره.

2 - البابليات وهو ثلاثة أجزاء ويقع الجزء الثالث منه في قسمين وقد طبع سنة 1372 ه.

3 - المقصورة العلية ، وهي قصيدة تناهز ( 450 ) بيتا في سيرة الامام علي بن أبي طالب علیه السلام وقد طبعت 1344 ه.

4 - عنوان المصائب في مقتل الامام علي بن أبي طالب سنة 1347 ه وقبل عام واحد زرت الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي أكبر أنجال المترجم له فاطلعني - متفضلا - على مخطوطات والده المغفور له وهي ثروة علمية وأدبية يعتز بها العلماء والأدباء والباحثون.

5 - اما ديوانه الذي يحتوي على ما نظمه من الشعر خلال مدة تتجاوز الاربعين عاما وقد طبع في سنة 1376 ه وهو طافح بالوطنيات والوجدانيات والوثائق التاريخية وفيه عشر قصائد خاصة في فلسطين ، القي قسم منها في احتفالات جمعية الرابطة الادبية التي أقامتها في هذا الصدد والقسم الباقي القي في مناسبات مختلفة ثم لا تنس جهاده في المغرب العربي ففي الديوان ما يقارب عشر قصائد في هذا الموضوع وحسبك أن تقرأ قصيدته بعنوان ( جهاد المغرب ) اذا أضفنا هذا الى جهاده أكثر من أربعين سنة بقلمه ولسانه ومواقفه يصرخ طالبا استقلال العراق فعندما اصطدم العراق بالجيش الانكليزي عام 1941 في الحرب العالمية الثانية صرخ قائلا :

ص: 195

بالشعب قد عاثت يد عادية *** فجددوها نهضة ثانية

وهناك دواوين حققها بعد أن جمعها ودققها امثال ديوان الملا حسن : القيم ، والشيخ صالح الكواز ، وديوان الشيخ عباس الملا علي ، وديوان الشيخ يعقوب الحاج جعفر ( والد المترجم له ) وديوان الشيخ عباس شكر وديوان الشيخ محمد حسن أبو المحاسن فهذه الآثار كان سبب نشرها وظهورها الى متناول الايدي هو شيخنا الراحل ولولا جهوده ومساعيه في طبعها وتحقيقها لكانت مندثرة كما اندثر من تراثنا الكثير.

ويعجبني من الشيخ اليعقوبي جانب الولاء لاهل البيت علیهم السلام ، فقد كان من وصيته ان يكون رفيقه في القبر ديوان ( الذخائر ) اذ هو الذي ينفعه يوم لا ينفعه مال ولا بنون وقد صدر ذخائر بالبيتين التاليين :

سرائر ود للنبي ورهطه *** بقلبي ستبدو يوم تبلى السرائر

وعندي مما قلت فيهم ذخائر *** ستنفعني في يوم تفنى الذخائر

وقوله في قصيدة له :

ما لي سوى الهادي النبي وآله *** حصن اليه لدى الشدائد التجي

أنا مرتج لهم وان نزل الرجا *** بسواهم ينزل بباب مرتج

ودخلت عليه مرة أعوده وكان يشكو ألما حادا من عينه ورأسه ولا أنسى أنه كان يوم 27 من رجب يوم توافدت الوفود لزيارة مخصوصة لامير المؤمنين علي بن أبي طالب فأنشدني هو :

أبا حسن عذرا اذا كنت لم أطق *** زيارة مثواك الكريم مع الناس

فلولا أذى عيني ورأسي لساقني *** اليك الولا سعيا على العين والراس

وقال :

غرست بقلبي حب آل محمد *** فلم أجن غير الفوز من ذلك الغرس

ومن حاد عنهم واقتفى اثر غيرهم *** فقد باع منه الحظ بالثمن البخس

ص: 196

في فجر يوم الاحد 21 جمادي الثانية 1385 ه الموافق 17 - 10 - 1965 سكت هذا اللسان وانطفأ هذا الضوء فقد ودع الحياة عن 73 عاما فنعته الجمعيات في النجف وفي مقدمتها جميعة الراطة الادبية اذ فقدت عميدها وأقيمت له الفواتح في كثير من البلدان العراقية وغيرها.

ص: 197

الكونيل حبيب غطاس

المتوفى 1385

قال في الامام الحسين علیه السلام :

روحي فداك حسين ما بدا قمر *** بالليل أو أشرقت في الصبح أنوار

انت الشهيد الذي أدميت أفئدة *** لولاك لم يدمها واللّه بتار

صدوك عن مورد الماء المباح فلا *** سالت بأرضهم سحب وانهار

يا كربلاء سقتك المزن هاطلة *** على رفاة حسين فهو مغوار

يلقى المنية عطشانا ومبتسما *** ان المنية في عينيه أقدار

صلى عليه آله العرش ما بزغت *** شمس وما طلعت بالليل أقمار (1)

القائد الكبير الكولونيل حبيب غطاس المسيحي اللبناني ، اعتنق الاسلام وتمسك بمذهب أهل البيت وأعلن باسلامه بكل فخر واعتزاز ، ومبدأ أمره أنه كان سائرا مع والدته وكان عمره نحو الثانية عشرة فصادف مرورهما بشارع ( البسطة ) في بيروت فسمع الاذان وقت الظهر من احدى المآذن الاسلامية فأثر فيه وقال لامه : قفي قليلا حتى نسمع ما يقول : وحاولت أمه صرفه عن ذلك

ص: 198


1- لماذا اختار هؤلاء العظماء مذهب اهل البيت (عليهم السلام) ، للشيخ محمد حسن القبيسي العاملي.

ولكنه أصر وجعل يردد مع المؤذن كلمة : اللّه اكبر اللّه اكبر ثم انصرف وقد جللته الغشية وقام يصغي في أوقات الصلاة ويحب لقاء المسلمين ويرتاح للمصلين.

ودخل مسلك الجيش اللبناني وينال المراتب ويسمو حتى استحق وسام الارز ورتبة ( كولولنيل ) في الجيش اللبناني واحبه كل من عرفه وعاشره. وكان لا يمل من مطالعة الكتب والعقائد حتى أصبح مقتنعا بدين الاسلام متمسكا بأوامر القرآن الكريم فأعلن اسلامه على رؤوس الاشهاد وذلك سنة 1960 م وكان رئيس الجمهورية اللبنانية يوم ذاك الرئيس فؤاد شهاب فأرسل اليه يستوضح منه ذلك فأجابه بصراحة بأنه مسلم وان الاسلام هو دين اللّه ، قال الرئيس : ان هذا الاعتراف سيحملك حملا ثقيلا فهل انت مستعد ، فأجابه القائد : لا أبالي بكل ما يكون بعد أن أكون مع اللّه ، فقال له الرئيس شهاب : اذا كان كذلك يلزمك اما أن تتنازل عن رتبتك أو تستقيل نهائيا من سلك الجيش لان المرتبة التي أنت فيها من مختصات المسيحيين حسب اتفاق الاستقلال اللبناني وما نص عليه الدستور ، فاعلن القائد استقالته من خدمة الجيش.

وكان لحبيب غطاس وقت ذاك زوجة مسيحية وولد قد بلغ مبلغ الرجال فعرض الاسلام عليهما فأبت الزوجة واجاب الولد ثم أثرت عليه المؤثرات فرجع الولد والتحق بوالدته ، فما كان من حبيب غطاس الا انه اعرض عن زوجته وولده وتركهما وشأنهما وتزوج بامرأة مسلمة.

توفي رحمه اللّه يوم الثلاثاء 27 - 8 - 1965 م في المستشفى العسكري - الساعة العاشرة قبل الظهر. انتهى عن كتاب ( لماذا اختار هؤلاء العظماء مذهب اهل البيت ) للشيخ محمد حسن القبيسي العاملي.

ذكر الشيخ القبيسي جملة من أشعاره وقال : وجدتها بخط الناظم ، فمن شعره قوله بعنوان ( رسول اللّه ).

ص: 199

أحبك يا رسول اللّه حبا *** برى جسدي وفتت لي عظامي

وما أبقى بقلبي غير روح *** تود لقاك في دار السلام

عشقتك مذ رأيت النور يبدو *** من القرآن للعرب الكرام

ووحدت الذي سواك أحلى *** من القمرين يا بدر التمام

جمالك سالب عقلي ولبي *** وحسنك ماثل دوما أمامي

وكل جوانحي لبهاك تفهو *** فعجل بالشهادة والحمام

عليك صلاة ربك مع سلام *** تضوع منهما مسك الختام

ومن شعره قوله تحت عنوان : سيدتنا فاطمة الزهراء (عليهاالسلام).

أفاطمة الزهراء ان محمدا *** أحبك حبا لا يفيه التصور

فلا غرو ان دانت بحبك شيعة *** تفاخر أهل الارض فيك وتكبر

فأنت من المختار حبة قلبه *** وأنت من الاطهار أصفى وأطهر

حفظت لنا نسل النبي ومن بهم *** على كل مخلوق نتيه ونفخر

هو الحسن المغوار من بجبينه *** مهابة أهل البيت تزهو وتزهر

وثانية مولاي الحسين وسيدي *** ومن فيه اخلاق النبوة تظهر

عليكم صلاة اللّه ثم سلامه *** بكل أذان فيه اللّه اكبر

وله شعر في ائمة اهل البيت علیهم السلام في كل امام منهم قطعة شعرية عاطرة.

ص: 200

هلال بن بدر

المتوفى 1385

روع الكون وادلهم السماء *** يوم ضجت بخطبها كربلاء

يالخطب من دونه كل خطب *** ومصاب قد عز فيه العزاء

لبس الدهر فيه ثوب حداد *** فهو والدهر ما له انضاء

ليت شعري وهل يبلغني الشعر *** مقاما يجود فيه الرثاء

انما غايتي رثاء امام *** يقصر الشعر عنه والشعراء

سبط خير الانام والصفوة الكبرى *** أبوه وأمه الزهراء

كنز سر العلوم مذ لقنته *** وهو في المهد سرها الانبياء

بطل حازم أبي كمي *** أريحي منزه وضاء

خذلته العراق لما استبانت *** آية الحق وهي منها براء

وبكته من بعد ذاك طويلا *** بعد غيض الدموع منها الدماء

موقف للحسين جل عن الوصف *** ولم ترو مثله الامناء

سار نحو العراق يزحف نحو *** الموت تحدوه عزة قعساء

ضربت حوله العداة نطاقا *** مزقته بعزمها الخلصاء

قادة حرب ان لظى الحرب شبت *** ولدى السلم ساسة خطباء

لهف نفسي على ليوث تصدت *** لعديد ما ان له احصاء

ثبتت في مواقف الموت حتى *** فنيت ، والفناء منها وفاء

جدد الحرب بعد ذاك أخو الحرب *** وما كل عزمه المضاء

أم نحو الصفوف ظمآن صاد *** ويل أم العدو لولا الظماء

وقضى بينها فخر صريعا *** وعليه من الجلال رداء

ص: 201

ان صرعى الطفوف لا شك عندي *** أنهم عند ربهم أحياء

عجبا يقتل الحسين وتبقى *** في هناء من بعده الاشقياء

وتضام الاباة ان طلبوا الحق *** وتسبى من الخدور النساء

النساء المطهرات من العيب *** اللواتي شعارهن الحياء

لا رعى اللّه يا حسين زمانا *** أخذت فيه ثارها الاعداء

قاتل اللّه من أمية فردا *** كمنت في ضميره الشحناء

بأبي الطاهر الزكي ونفسي *** وبيوم طالبت به الظلماء

فصلاة من الاله عليه *** وسلام ورحمة وثناء

الشاعر هلال بن بدر البوسعيدي ، ولد في مدينة مسقط 1314 ه وتلقى علومه على يد علمائها الاباظيين. وتدرج في المناصب من سكرتير والي الى أن أصبح رئيسا لاول بلدية انشئت في مسقط عام 1374 ه ثم انتقل في مناصب اخرى حتى أصبح سكرتيرا خاصا للسلطان سعيد بن تيمور ، ثم اعتزل العمل وتقاعد حتى وافاه الموت في 6 شهر رمضان عام 1385 ه. له جملة قصائد غير أنها لم تجمع في مجموع خاص ، وانه اتلف الكثير منها.

ص: 202

الشيخ محمد رضا الشبيبي

المتوفى 1385

قال : ينحو باللائمة على أحد قتلة الحسين بن علي علیه السلام ، ذلك هو بجدل بن سليم الكلبي الذي حارب الامام الحسين (عليه السلام) وجاء اليه بعد قتله لينال من سلبه شيئا فلم يجد حيث سلبه القوم جميع ثيابه ، لكن رأى خاتمه في خنصره حاول انتزاعه فلم يقدر لجمود الدم عليه فتناول قطعة سيف وجعل يحز الخنصر حتى قطعه وأخذ الخاتم ، فقال شيخنا الشبيبي :

ما بال بجدل لا بلت مضاجعه *** قد حز اصبعه في مخذم ذرب

لو كان يطلب منه بذل خاتمه *** لقال هاك ، وهذا قبل فعل أبي

أشهر أعلام الادب ووجه العراق الناصع هو الشيخ محمد رضا ابن الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن ابراهيم صقر البطائحي النجفي ، ولد في النجف 6 شهر رمضان عام 1306 ه ونشأ على والده الجليل نشأة سامية ، تعلم المبادئ وقرأ المقدمات وقرض الشعر فأجاد فيه من بداية عهده وحضر في الفقه والاصول على علماء وقته كالشيخ محمد كاظم الخراساني وغيره ، ولخصوبة ذهنه وسعة آفاقه الفكرية لم يقتصر على العلوم القديمة بل شارك في فنون اخرى فبرع في البلاغة والفلسفة حتى نبغ في سن مبكرة واشترك مع شيوخ الادب يومذاك وجال في ميادينه بين النابهين من رجاله وهو في طليعة حاملي مشعل الحركة الفكرية

ص: 203

والنهضة الوطنية في العراق ، فقد جاهد في احياء الثقافة والآداب العربية على عهد الاتراك يوم كانت معالم اللغة مطموسة ، وطرق جميع الفنون فنظم في التربية والسياسة والوصف والغزل والوجدانيات والوطنيات ، وحسبك ما نشرته الصحف والمجلات ، وله في البلاغة والبيان ملكة نادرة حيث لا يقل نثره عن شعره وبحوثه الممتعة الطافحة بالمادة ترويها امهات المجلات وهو بالاضافة الى محاسنه الكثيرة لغوي كبير ومن الخبراء المتضلعين. قام أيام الثورة العراقية بخدمات جليلة ومهام خطيرة وانتدب من قبل وجوه العراق من علماء وزعماء واحرار فأوفد الى الحجاز لمقابلة الملك حسين وتسليمه المضابط التي نظمها العراقيون ووقعوا عليها وذلك عام 1337 ه سافر الشيخ فوصل الحجاز بعد عناء شديد واجتمع بالشريف وأطلعه على الحال فأرسلها الشريف الى نجله الامير فيصل في باريس ، ولم يعد المترجم له حتى تم تعيين فيصل ملكا على العراق فجاء معه هو وجملة من الزعماء.

والشبيبي شخصية متعددة الجوانب وقد تقلب في المناصب وهي تزدهي به وتفتخر بكماله وببزته الروحية وكأنه زان المناصب ولم تزنه.

رشح لعضوية نادي القلم البريطاني في سنة 1356 وشغل وزارة المعارف عدة مرات ، ومنحته مصر شهادة الدكتوراه في الآداب دون أن يطلبها ، وترأس المجمع العلمي العراقي ، وكان عضو المجمع العلمي العربي بدمشق ، وعضو المجمعين العلمي واللغوي بمصر وغير ذلك.

وله آثارعلمية وأدبية وفلسفية وتأريخية منها ( تاريخ الفلسفة ) من أقدم عصورها ومنها ( أدب النظر ) في فن المناظرة و ( التذكرة ) في بعث ما عثر عليه من الكتب والآثار النادرة وديوان شعر طبع سنة 1359 و ( فلاسفة اليهود في الاسلام ) و ( المأنوس في لغة القاموس ) ويقصد بالمأنوس ما كان مألوفا عند فصحاء العرب وفي المختار من كلامهم. ويقابله الغريب الذي يستهجن استعماله ويعد من عيوب فصاحة الكلام و ( المسألة العراقية )

ص: 204

وهو تاريخ مطول لبلدة النجف الاشرف مع تطور العلم والآداب فيها و ( مؤرخ العراق ابن الفوطي ) في اجزاء طبع الاول في سنة 1370 قام بنشره المجمع العلمي العراقي وقد ذكر أغلب هذه الآثار روفائيل بطي في كتابه ( الادب العصري ) وهذه بعض روائعه :

فتنة الناس - وقينا الفتنا - *** باطل الحمد ومكذوب الثنا

رب جهم حولاه قمرا *** وقبيح صيراه حسنا

أيها المصلح من أخلاقنا *** أيها المصلح الداء هنا

كلنا يطلب ما ليس له *** كلنا يطلب ذا حتى أنا

ربما تعجبنا مخضرة *** أربع بالامس كانت دمنا

لم تزل - ويحك يا عصر أفق *** عصر ألقاب كبار وكنى

حكم الناس على الناس بما *** سمعوا عنهم وغضوا الاعينا

فاستحالت وأنا من بينهم *** أذني عينا وعيني أذنا

اننا نجني على أنفسنا *** حين نجني ، ثم ندعو : من جنى

بلغ الناس الاماني حقه *** وبلغناها ولكن بالمنى

أخطأ الحق فريق بائس *** لم يلومونا ولاموا الزمنا

خسرت صفقتكم من معشر *** شروا العار وباعوا الوطنا

أرخصوه ولو اعتاضوا به *** هذه الدنيا لقلت ثمنا

يا عبيد المال خير منكم *** جهلاء يعبدون الوثنا

انني ذاك العراقي الذي *** ذكر الشام وناجى اليمنا

انني اعتد نجدا روضتي *** وأرى جنة عدني عدنا

ايها الجيل اكتشف لي حاضرا *** كلما خرب ماضيك بنى

ينهض الشعب فيمشي قدما *** لو مشى الدهر اليه ما انثنى

غير راقي النفس والروح فتى *** وضع الروح ورقى البدنا

حالة النفس التي تسعدها *** وتريها كل صعب هينا

ففقير من غناه طمع *** وغني من يرى الفقر غنى (1)

وقوله وعنوانها : رجال الغد :

ص: 205


1- الى ولدي للمؤلف طبع النجف 1373 ه.

انتم متعتم بالسؤدد *** يا شباب اليوم - أشياخ الغد

يا شبابا درسوا فاجتهدوا *** لينالوا غاية المجتهد

وعد اللّه بكم أوطانكم *** ولقد آن نجاز الموعد

أنتم جيل جديد خلقوا *** لعصور مقبلات جدد

كونوا الوحدة لا تفسخها *** نزعات الرأي والمعتقد

أنا بايعت على أن لا أرى *** فرقة ، هاكم على هذا يدي

عقد العالم شتى فاحصروا *** همكم في حل تلك العقد

لتكن آمالكم واضعة *** نصب عينيها حياة الابد

لتعش افكاركم مبدعة *** دأبها ايجاد ما لم تجد

لا ينال الضيم منكم جانبا *** غير ميسور منال الفرقد

أو تخلون - وأنتم سادة *** لاعاديكم - مكان السيد

الوفا حفظم أو رعيكم *** - بعدعهد اللّه - عهد البلد

لا تمدوها يدا واهية *** ليد مفرغة في الزرد

تشبه الارض التي تحمونها *** عبث الاعداء غاب الاسد

دبروا الارواح في أجسادها *** فاق داء الروح داء الجسد

ان عقبى العلم من غير هدى *** هذه العقبى التي لم تحمد

من أتانا بالهدى من حيث لم *** يتأدب حائر لم يهتد

غير مجد - ان جهلتم قدركم *** عدد العلم وعلم العدد

واذا لم ترصدوا أحوالكم *** لم تفدكم درجات الرصد

واذا لم تستقم أخلاقكم *** ذهب العلم ذهاب الزبد

عد عنك الروض لا أرتاد لي *** غير أخلاق هي الروض الندي

* * *

بوركت ناشئة ميمونة *** نشأت في ظل هذا المعهد

من جنى من علمه فائدة *** غير من عاش فلم يستفد

ما يرجى - ليت شعري - والد *** أهمل التعليم عند الولد

سيرة الآباء فينا قدوة *** كل طفل بأبيه يقتدي

ليس هذا الشعر ما تروونه *** ان هذي قطع من كبدي (1)

ص: 206


1- الى ولدي للمؤلف طبع بالنجف الاشرف 1373 ه.

ومن منظومه الذي جرى مجرى المثل ولا زال الادباء يستشهدون بها قوله :

ما العبقري الفذ الا فكرة *** ان مات عاش بها الرميم الهامد

لا بد من نقد الزمان فانما *** نحن المعادن ، والزمان الناقد

وقوله :

خيرا لك أن أخاف وتأمني *** يا نفس ، من أن تأمني لتخافي

لي نية في الدهر فيها نية *** والحكم للمستقبل الكشاف

وقوله :

الشعر شيء ناطق في ذاته *** أو قوة في نفسها تتكلم

ولربما روت الطبيعة شعرها *** خرساء لا ثغر هناك ولا فم

وقوله :

قالوا : أتكره نقد الناس قلت لهم *** اذا استعار عدوي ثوب منتقد

قالوا : فناظر ، وصوت الحق مرتفع *** فقلت ، هذا قياس غير مطرد

وقوله :

ولربما عرف المحبون التي *** تجني الشقاء فأصبحوا عشاقها

شأن الفراشة واللّهيب فانها *** تغشاه وهو مسبب احراقها

وقوله :

تفاهمتا عيني وعينك لحظة *** وأدركتا أن القلوب شواهد

مشت نظرة بيني وبينك وانبرى *** من القلب مدلول على القلب رائد

أحاديث لم تلفظ ، وللنفس منطق *** وجيز ، وألفاظ اللسان زوائد

دواوين أهل الحب تفنى وللهوى *** هوى الروح ، ديوان من الشعر خالد

ص: 207

وقوله :

أضاع صوابا عامل غير عالم *** سيسأل عنه عالم غير عامل

أحب الى الديان من علم عالم *** اذا هو لم ينفع به جهل جاهل

وقوله :

لا تملأوا لي أقداحا فقد ملئت *** الى الرؤوس سقاة الحي أقداحي

أولى الخمارين بي ما كان منبعثا *** عن سورة الشوق لا عن سورة الراح

ص: 208

الشيخ حسن صادق

المتوفى 1386

يا ال بيت محمد أنا عبدكم *** قرت بذلك - ان قبلت - عيوني

بل عبد عبدكم وكل مشايع *** لكم تولاكم ولاء يقين

اني فطرت على محبتكم وقد *** شابت بحمد اللّه فيه قروني

ما ان ذكرت مصابكم وذكرت *** تنعاب الغراب على ربى جيرون

وترنم الطاغي يزيد بقوله *** فلقد قضيت من النبي ديوني

الا وجللني الاسى وتقرحت *** مني العيون وجن فيه جنوني

أتعاقب الايام تنسيني وقوف عقائل *** للوحي بين يدي أخس لعين

حسرى كما شاء العدو قد ارتدت *** ثوب المذلة ضافيا والهون (1)

حسن ابن العلامة الكبير الشاعر الشهير الشيخ عبد الحسين الذي تقدمت ترجمته وشعره وهو ابن الشيخ ابراهيم ابن الشيخ صادق.

ولد في النجف الاشرف سنة 1306 وتدرج على العلم والادب كسيرة آبائه يتوارثون العلم والفضيلة أبا عن جد ، وما ظنك بمن أبوه الشيخ عبد الحسين ذلك الفطحل. اشتهر المترجم له بين أخدانه بالفهم والذكاء وسرعة البديهة وحسن الخلق بهي الصورة جميل الشكل. اتقن مبادئ العلوم وهو في سن مبكرة ودرس الفقه والاصول دراسة وافية وأساتذته امثال شيخ الشريعة الاصفهاني النجفي والسيد كاظم اليزدي وغيرهما ، هاجر الى لبنان موطن آبائه وأجداده فرشحته الحكومة اللبنانية للافتاء

ص: 209


1- ديوانه المطبوع في بيروت - دار الحياة.

هناك. وهو في السن أكبر من أخيه العلامة الشيخ محمد تقي واشعر منه لكنه لم يكن أفقه منه كتب عنه الكثير وقالوا : كان قوي النظم سريع البديهة يأتي بالشعر المنسجم والقافية المحبوكة طرق ابواب الشعر فأجاد وحفظ الادباء له من أنواع النظم عدة قصائد من وطنيات ووجدانيات وسياسيات فمن شعره قصيدته التي جاء فيها وقد نظمها سنة 1366 :

حاضر الامر وماضيه سواء *** بالاهازيج وهذا الخيلاء

نجتلي عيد جلاء رائعا *** فمتى من صدء القلب جلاء

ويقول فيها :

مهبط الايحاء كم سال على *** سفح مغناك دموع ودماء

فيك كم طل دم من مصلح *** بكت الارض عليه والسماء

كالاولى بالطف من عمرو العلى *** هاشم المجد لها نفسي الفداء

أنجم مطلعها من يثرب *** ولها كانت مغيبا كربلاء

جاء في مقدمة ديوانه المطبوع في لبنان والذي أسماه ( سفينة الحق ) انه درس في النجف عشرين سنة وحضر على الفطاحل من اساتذة الفقه والاصول وعلم الكلام ، اما ديوانه فيحتوي على مجموعة كبيرة من الشعر في النبي وآله عليهم الصلاة والسلام ، وقصائد مرصوصة في الوطنيات والوجدانيات والتغزل والرثاء ويتضمن جملة من خواطره.

ص: 210

الشيخ محمد رضا فرج اللّه

المتوفى 1386

أقم للحزن يا شيعي مأتم *** ودع عنك الهنا هل المحرم

ودخل الدمع من عينيك يهمي *** ففاطم دمعها فيه همى دم

الشيخ محمد رضا ابن الشيخ طاهر بن فرج اللّه بن محمد رضا بن عبد الشيخ ابن محاسن - ينتهي نسبه الى الاحلاف ، قبيلة في جنوب العراق ، من رجال الفضل والكمال بحاثة ذواقة ولد في النجف يوم عيد الفطر سنة 1319 ه ونشأ بها في حجر والده درس المبادئ وقرأ العربية والمنطق ومقدمات العلوم ثم درس السطوح على أخيه الشيخ محمد طه والشيخ عبد الحسين الحلي والسيد هادي الميلاني والشيخ كاظم الشيرازي وغيرهم ، ثم حضر الخارج في الفقه والاصول على الشيخ احمد كاشف الغطاء والسيد أبي الحسن الاصفهاني والسيد محمد تقي البغدادي والشيخ ضياء العراقي والشيخ عبد اللّه المامقاني والميرزا فتاح والشيخ محمد رضا آل ياسين له مكتبة نفيسة تجمع النوادر من المخطوطات والمطبوعات له من الآثار ( الاعتقاد الصحيح ) في أصول الدين و ( الغدير في الاسلام ) طبع في النجف سنة 1362 و ( المعلم والتلميذ ) و ( علي والامامة ) ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر طائفة من أشعاره في المدح والرثاء والغزل والمراسلات وتفضل ولده الاستاذ حميد فرج اللّه بمجموعة من قصائده في رثاء الحسين علیه السلام وفي الغزل والمراسلات.

ص: 211

حسين بستانة

المتوفى 1387 ه

1968 م

« نهضة الحسين »

قد ثار للحق لم تقعد به السبل *** ولا ثنت عزمه العسالة الذبل

وطالب الحق لا يرضى به بدلا *** ولو تواشج في أشلائه الاسل

كيف السكوت وشرع اللّه مهتضم *** يجور فيه وفي احكامه ثمل

تجلبب الخزي لم يبرح غوايته *** لا الدين يمنعه عنها والخجل

خليفة اللّه هذا ما يدين به *** الكاس والطاس والندمان والغزل

نال الخلافة عن مكر وعن دجل *** حتى تجسد فيه المكر والدجل

يا بئس ما فعلوا اذ زملوه بها *** فاي رجس بثوب المصطفى زملوا

سار الحسين لدين اللّه ينصره *** وليس الا الهدى في الركب والامل

وفتية كليوث الغاب ان عرضت *** أولى الطرائد آساد اذا بسلوا

مطهرون شذيات عوارفهم *** هي المكارم ان صالوا وان وصلوا

لا ينجلي النقع الا عن نواظرهم *** كأنها في ميادين الوغى شعل

ص: 212

تجري بهم سابحات شزب عرب *** تجري الرياح بمجراها اذا حملوا

توري الصفاة متى اصطكت سنابكها *** كما تقادح من ربد الدجى مقل

طوع القياد نجيبات معودة *** ان لا تحيد اذا ما هابها البطل

يرتاع خصمهم اما انتحوه بها *** حتى يبين على أنفاسه الوجل

يخيم كل شجاع عند نخوتهم *** كما يخيم لصوت الاجدل الحجل

الصائلون كما صالت أوائلهم *** والفاعلون على اسم اللّه ما فعلوا

والموردون العوالي كل فاهقة *** كيما تعل صواديها وتنتهل

والشاهرون غداة الروع مرهفة *** عضبا يسيل على شفرائها الاجل

لا يعرف البأس الا في وجوههم *** ولا الشجاعة الا حيثما نزلوا

هم الفوارس ما ذلت رقابهم *** لله ما أرخصوا منها وما بذلوا

صالوا وقد حال دون القصد حينهم *** ما كان أغلبهم لو أنهم مهلوا

عز النصير لهم والبغي محتدم *** ضار تساور في أنيابه الغيل

تعاورتهم ذئاب لا ذمام لها *** يقودها الافك والتدليس والحيل

فمزقوا الادم الزاكي بلا ترة *** وروعوا كبد الزهرا وما حفلوا

ها هم بنوها على الرمضا مقبلهم *** هذا ذبيح وهذا في الثرى رمل

وذا يمج على الغبراء مهجته *** وساجد القوم تبري جسمه العلل

حتى الرضيع الذي جفت حشاشته *** قد أنهلوه بما راشوا وما نبلوا

لم يبق منهم سوى حوراء نادبة *** حرى الفؤاد بجمر الحزن تأتكل

تصيح بين صبيات مروعة *** « بالامس كانوا معي واليوم قد رحلوا »

يا لهف نفسي لهم اذ ريع سربهم *** وهتكت عن بنات المصطفى الحلل

أقول والحزن جياش بجانحتي *** نفسي الفداء لمن بالطف قد قتلوا

واليكم القصيدة التي ألقاها الاستاذ حسين بستانة معاون مدير التسوية في لواء الديوانية وأولها :

وتر النبي وروع الاسلام *** وابيح بيت اللّه وهو حرام

ص: 213

الاستاذ حسين بن علي بن حسين الكروي المعروفين بآل بستانة من عشيرة الكروية من قبائل قيس عيلان من فخذ المصاليخ ، ولد في بغداد سنة 1325 ه والموافق 1907 درس القرآن الكريم في الكتاب وفي سنة 1918 حيث فتحت المدارس قبل في الصف الثالث ، وعند اكماله الصف الرابع دخل كلية الامام الاعظم ، فبلغ فيها السنة الدراسية الرابعة ، وانقطع الى الدراسات الخاصة والبلاغة والمنطق والرياضيات وعلوم الطبيعة والاحياء ، وفي سنة 1925 التحق بجامعة آل البيت ، ونجح مطردا بامتياز في سنيها الثلاث فعين مدرسا ، وبعد سنتين انتدب في بعثة الى دار العلوم العليا بمصر للتخصص باللغة العربية والتربية ، وعند عودته عين مدرسا ثم مديرا ونقل بعدها الى وظائف متعددة. لقد ولع بجيد الكلام منثورة ومنظومة وحفظ في كليهما ما وعى وأثرى فروى ، وكانت أول قصيدة ألقاها في القنصلية العراقية بمصر سنة 1931 يستعدي فيها الوفد المصري على معاهدة نوري السعيد والتي أبرمت عام 1932 وله من المؤلفات كتاب ( المنتخبات الادبية ). انتهى عن اعلام العراق الحديث.

ص: 214

الشيخ علي البازي

المتوفى 1387

الحق في كربلا والباطل اصطدما *** كل يحاول أن يحظى بما رسما

يا غربة الحق اما عز ناصره *** على مناوئه ان جار أو ظلما

ولا محام به تسمو حفيظته *** يحمي حماه ويوليه يدا وفما

بمن وفيمن تراه يستغيث سوى *** الصيد الاباة فهم للخائفين حمى

هم أظهروه على الطغيان حين طغى *** وركزوا باسمه فوق السهى علما

هم الغياث اذا ما أزمة أزمت *** أو عم جدب وبحر النائبات طمى

وجاهدوا دونه بالطف حين رأوا *** وجودهم بعده بين الملا عدما

نفسى الفداء لمن ضحى باسرته *** والصحب دون الهدى في قادة كرما

لله فردا أعز الدين صارمه *** وقد أذل طغاة تعبد الصنما

وأحدقوا فيه والطفل الرضيع قضى *** في حجره مذ له سهم العدى فطما

وفوجئ العالم العلوي في جلل *** ابكى السماوات والاملاك والقلما

ويوم نادى حسين وهو منجدل *** هيا اقصدوني بنفسي واتركوا الحرما

أبكى السماء دما لما قضى عطشا *** لما قضى عطشا أبكى السماء دما

والفاطميات فرت من مخيمها *** في يوم صاح ابن سعد احرقوا الخيما

الشيخ علي البازي ابن حسين بن جاسم اشتهر بالبازي اذ هو لقب لجده الاعلى ، اديب لو ذعي وشاعر شهير ومؤرخ كبير امتاز بنظم التاريخ الابجدي ، ولد المترجم له في النجف في شهر شوال سنة 1305 ه وتدرج على الكتابة والقراءة في الكتاتيب ودرس

ص: 215

النحو والصرف وقسما من علم المنطق وتتلمذ على مجاس آل القزويني في قضاء الهندية يوم كانت هذه الاندية تغني عن مدرسة وتدرج على الخطابة الحسينية واشتهر بها.

والبازي شخصية وطنية واكبت الحكم الوطني والثورة العراقية من بدايتها فقد رصد احداثها وأرخها بالشعر الفصيح ، وكان حديثه ملذا لا تفوته النكتة والظرافة ويكاد جليسه ينسى نفسه لخفة روح الشيخ البازي وعذوبة حديثه وشارك في الحلبات الادبية وساجل الادباء والشعراء فكان له القدح المعلى ، وقد قضى شطرا من عمره يسكن ( الكوفة ) وكان لسانها المدافع عن حقوقها في كل المواقف وممثلها في أكثر المناسبات ، أحبه كل من عرفه وامتزج بمختلف الطبقات ومن أشهر مخلفاته ديوان شعره ، ادب التاريخ هو وثيقة تاريخية تشير الى أكثر الحوادث العراقية وقد نشر الكثير منه في مجلة ( البيان ) النجفية كما انه يجيد النظم باللغة الدارجة فقد نشر جزئين في رثاء اهل البيت علیهم السلام من منظومة تحت عنوان ( وسيلة الدارين ) ومن أشهر شعره الفصيح ملحمته ملحمة الثورة العراقية الكبرى فقد استعرض مبادئ الثورة وأسرارها وذكر ابطالها ورجالها والمواقع التي التحم فيها القتال وبسالة الفرات الاوسط ومواقفه المدهشة ، وأولها :

قف بالرميثة واسأل ما جرى فيها *** غداة ثارت بشوال ضواريها

ص: 216

ضياء الدخيلي

المتوفى 1387

موكب سار في نحور البيد *** يطبع العز أحرفا للخلود

في جلال يضم هول المنايا *** بجناح يصيح بالارض ميدي

تنهل الترب في خطاه حياة *** واكتسى الميت منه ايراق عود

تتوارى عن وجهه حجب الليل *** ويمحى من فجره بعمود

فهو صبح الازمان قد فاض في *** الوديان حتى طغى الهدى للنجود

موجة للرشاد سارت عليها *** هالة من قداسة التوحيد

بامام فيه الهدى لنفوس *** حائرات يبتن في تنكيد

هد صرح الضلال اذ اعوز *** الصحب بعزم كفاه خفق البنود

قد اراد الطاغي ليلبسه الذل *** وهيهات رضخه للقيود

كسر الغل ثائرا يملأ الكون *** دويا وكان بطش الاسود

ها هنا أغضبت نفوس كرام *** فتداعت لهدم حكم يزيد

زلزلته وخططت بدماها *** صور الاحتجاج فوق الحديد

رددته الاجيال درسا بليغا *** مذكيا كل ثورة بوقود

يا امام الاباة يا مثلا أعلى *** جثت عنده منى مستزيد

ان يمت في القديم سقراط *** اصرارا على مبدء وحفظ عهود

فلقد مت ميتة هزت الدهر *** وجاوزته صلابة عود

نهشتك الخطوب ضارية *** الفتك فصدت بعزة الجلمود

لم يزلزل خطاك هول ضحاياك *** وسوق العدى سيول الجنود

بأبي عاريا كسته المواضي *** من دما نحره بأزكى برود

كيف يرضى ابن فخر يعرب أن يضحى *** ذليلا يساق سوق العبيد

يالرهط هانت عليه المنايا *** ساخرا من ضرامها الموقود

ص: 217

زحفوا في الوغى ليوثا وماتوا *** في جهاد العدو ميتة صيد

ثبتوا كالجبال ذودا عن الحق *** لجيش قد سد وجه البيد

يا ابن حامي الديار خلدت للاجيال *** درسا في يومك المشهود

ضياء الدين ابن الشيخ حسن آل الشيخ دخيل الحجامي ، أديب شاعر ، ولد في النجف الاشرف عام 1330 ه من أبوين عربيين ، ونشأ على أبيه الذي عني بتربيته فولع بدراسة مقدمات العلوم فأتقنها وحصل على مقدمات من الفقه والاصول وشاءت رغبته أن ينتقل الى الدراسة الحديثة فأنهى الدراسة الابتدائية والاعدادية والتحق بكلية الطب ببغداد واستمر لمدة اربع سنوات كان مثال الطالب المجد غير أن الصدف الملعونة دفعته الى مصادمة عميد الكلية مما أوجب فصله وحرمانه من الاستمرار وذهبت اتعابه سدى حين عاكسته الحياة وطوحت به وولدت في نفسه عقدة قوية وتبخرت آماله الطويلة العريضة. وقد كنت اذكره ينافس الادباء والشعراء ويقف خطيبا في كثير من حفلات الادب وقد نشر الكثير من شعره في الصحف والمجلات. ترجم له الباحث علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر له روائع من أحاسيسه ومنها قصيدته التي أولها :

اليوم نمنح ذي البلاد جلالا *** ونحطم الاصفاد والاغلالا

سنعيد دور الفاتحين ونمتطي *** من ذروة المجد الاعز منالا

كتبت على وجه الزمان فعالنا *** بدم لترشد بعدنا الاجيالا

ودع الحياة في سن السابعة والثمانين بعد الثلثمائة والالف من الهجرة.

ص: 218

الشيخ حسين القديحي

اشارة

المتوفى 1387

اي خطب عرى البتول وطاها *** ونحى أعين الهدى فعماها

اي خطب أبكى النبيين جمعا *** وله الاوصياء عز عزاها

لست أنساه في ثرى الطف أضحى *** في رجال الهها زكاها

نزلوا منزلا على الماء لكن *** لم يبلوا من الضرام شفاها

وقفوا وقفة لو أن الرواسي *** وقفتها لزال منها ذراها

بأبي مالكي نفوس الاعادي *** صرعتها العداة في بوغاها

وبنفسي ربائب الخدر أضحت *** للعدى مغنما عقيب حماها

بعدما كن في الخدور بصون *** سلبت لكن العفاف غطاها

لهف نفسي لها على النيب حسرى *** لم تجد في السباء من يرعاها

ومن شعره ما أورده في مؤلفه ( رياض المدح والرثاء ) :

يا ابن الوصي المرتضى *** لم لا حسامك ينتضى

طال انتظارك سيدي *** نهضا فقد ضاق الفضا

حاشاك - لست أقول عن *** ثارات جدك معرضا

يا حجة اللّه الذي *** في طوعه أمر القضا

ماذا التصبر والحسين *** بكربلا ظام قضى

قد ظل عار بالعرى *** والجسم منه رضضا

والراس منه بالقنا *** كالبدر لما ان أضا

ص: 219

الشيخ حسين البلادي البحراني

هو ابن الشيخ علي البلادي مؤلف كتاب ( انوار البدرين في تراجم علماء الاحساء والقطيف والبحرين ) ابن الشيخ حسن آل سليمان البلادي.

ولد في النجف الاشرف 18 شهر شعبان سنة 1302 وأرخ مولده الشيخ فرج ابن ملا حسين آل عمران القطيفي بأبيات ، كانت التاريخ قوله :

وأشرق الزمان اذ *** ارخت : نجم قد ظهر

كتب ولده العلامة الشيخ علي ابن الشيخ حسين المترجم له ترجمة والده في مقدمة كتاب ( منية الاديب وبغية الاريب ) المطبوع بالنجف بمطبعة النعمان سنة 1382 ه وذكر جملة من أشعاره في أهل البيت علیهم السلام وقال : له منظومة في ( الامامة ) وأخرى في الاصول الخمسة لم تتم ومنظومة في آداب الاكل والشرب. وقال : ان والدي رحمه اللّه قد غلب عليه الزهد والخشوع والخضوع لله والاعراض عن الدنيا ، ختم القرآن الشريف مع تعلم الكتابة في أربعة أشهر ، درس النحو على العلامة الشيخ محمد ابن الحاج ناصر آل نمر ودرس على والده الفقه والاصول. ومن مؤلفات الشيخ حسين كتابه الذي تقتنيه الخطباء المسمى ب المجالس العاشورية. طبع بمطبع النعمان في النجف. كتب وألف فمن مؤلفاته كنز الدرر ومجمع الغرر وقد قرظه بالشعر جناب السيد رضا الهندي الذي أخذ عن الشيخ اجازة الرواية ، كما قرظه ايضا الخطيب الشيخ حسن سبتي ، والخطيب السيد محمد آل شديد ومن مؤلفاته كتاب ( نزهة الناظر ) يشبه الكشكول و ( كتاب سعادة الدارين في أحوال مولانا الحسين ) وغيرها في الادعية والزيارات ، وله رياض المدح والرثاء ، وقال في ( منية الاديب ) وقلت هذه الابيات لاعلقها في ضريح الامام أمير المؤمنين علیه السلام :

ص: 220

هذا علي امير المؤمنين ومن *** قد كان نورا بساق العرش قد سطعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن *** بالبيت شرفه الرحمن قد وضعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن *** أقام دين الهدى بالسيف فارتفعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن *** غذاه خير الورى بالعلم فارتضعا

صلى عليه اله الخلق ما طلعت *** شمس وما البدر في الآفاق قد سطعا

أجازه جماعة من العلماء الاعلام وحجج الاسلام باجازات حرروها بخطوطهم وهم :

1 - العالم الجليل السيد ابو تراب الخوانساري النجفي.

2 - الحجة الكبير السيد حسن الصدر الكاظمي رحمه اللّه .

3 - الشيخ الاجل الشيخ محسن الطهراني المعروف ب اغا بزرك ولغيرهم من شيوخ الاجازات بحيث لو جمعت لكانت كتابا خاصا.

ومن مؤلفات المترجم له ( المجموعة الحسينية ) طبعت بالنجف - المطبعة الحيدرية - سنة 1375 تحتوي على عدة رسائل فيها مجموعة فوائد في الاوراد والادعية والاختام واعمال الايام.

في ليلة الاثنين 13 شهر ذي القعد الحرام بات بصحة وعافية يزاول أعماله من كتابة وقراءة وحتى مضت خمس ساعات من الليل ثم اضطجع على فراشه وكانت ليلة ممطرة وفي الساعة الثامنة غروبية جعل سقف الغرفة يقطر ويسيل فأيقظه أهله لينتقل الى غيرها فقال : ان المطر ينزل من جانب آخر وليس قريبا مني وعند الصبح جاؤوا ليوقظوه فوجدوه قد قبضه اللّه اليه فجهزوه وشيعوه ودفن في مقبرة القديح وذلك يوم 14 ذي القعدة 1387 ه 1967 م.

ص: 221

أحمد خيري بك

المتوفى 1387

الاستاذ احمد خيري بك من علماء مصر ترجم له البحاثة السيد مرتضى الرضوي في كتابه ( مع رجال الفكر في القاهرة ). ولد في الاسكندرية عام 1324 الموافق 1907 م تلقى العلم بالمدارس الحكومية وعلى بعض الاعلام الافاضل. حفظ القرآن وأتم حفظه عام 1352 ه كان عالما بالعلوم الشرعية والحديث ، والفقه وعلم المصطلح والبلاغة واللغة والتأريخ وأصبح حجة فيها. له المام باللغات الحية : العربية والانجليزية والفرنسية والايطالية ، والتركية. وله صلات كثيرة مع جميع العلماء الاعلام في مختلف البلاد الاسلامية نظم في أهل البيت والامام الحسين علیه السلام وقصيدته التي طبعت بمطبعة السعادة وأولها يخاطب الحسين علیه السلام .

بجاهك يدنو الخير والخوف يبعد *** وبابك للمكروب كهف ومقصد

وله مجموعة من المدائح الحسينية مطبوعة رأيتها في مكتبة الامام أمير المؤمنين بالنجف تسلسل 449 - 40.

توفي يوم الثلاثاء 6 رجب ودفن يوم الاربعاء 7 رجب عام 1387 ه الموافق 12 - 10 - 1967 م ودفن في روضته في حديقته بجوار منزله تغمده اللّه برحماته. وصفه السيد الرضوي بالعالم الجليل

ص: 222

والمحقق الخبير والمؤلف البارع والشاعر العبقري ، يوالي أهل البيت ويقدسهم وقال : زرته في روضته بدعوة منه فقابلني باللطف والبشاشة ثم تلا الوانا من شعره وخصوصا شعره في أهل البيت علیهم السلام ثم صنع لنا مأدبة مفصلة فتناولنا الطعام معه في داره العامرة بالروضة وكان طعاما كثيرا طيبا. وعصرا توجهنا بمعيته الى مكتبته العامرة في تلك الروضة وكانت تزيد على سبعة وعشرين الف مجلد ، وأطلعنا على نفائس المخطوطات والكتب التي كانت بخطه كما أن فضيلته اطلعنا على بعض الآثار والنوادر التي كانت تضمها المكتبة وبالوقت أهداني مجموعة من مؤلفاته وآثاره وقصائده كما أني اهديت له مجموعة من منشوراتنا.

ص: 223

الشيخ محمد طه الحويزي

اشارة

المتوفى 1388

اثرها تخف بفرسانها *** تدك الربى فوق غيطانها

وقدها عتاقا بآدابها *** تصرفها لا بأرسانها

تكاد اذا ما ارتمت بالكماة *** تنسل من بين سيقانها

وتغدو تسابق من عجبها *** ظلال القنا بين آذانها

وتشأو بها الريح مجدولة *** كأنها عزائم فرسانها

ويرمي بها النصر بيض الجباه *** بين الجبال لعقبانها

تزف الى حلبات الوغى *** زفيف الصقور لاوكانها

وتسطو بصيد اذا هاجها *** ندى اسرجتها بقمصانها

كماة تكاد تشيم السيوف *** بأجفانها لا بأجفانها

هلم بنا يا ابن ثاوي الطفوف *** وسل من قضى فوق كثبانها

ومن وسدته تريب الجبين *** من شيب فهر وشبانها

ألست المعد لاخذ الترات *** وأخذ العداة بعدوانها

فحتام تغفي وكم تشتكي *** اليك الظبى فرط هجرانها

اصبرا نويت بلى ام طويت *** حشاك وحاشا بسلوانها

وهذي الشريعة تشكو اليك *** عداها وتشريع اديانها

فبادر اغاثتها فهي قد *** دعت منك محكم فرقانها

وصن حوزة الحق فالمبطلون *** تبانوا على هدم بنيانها

وحط دوحة الدين فالملحدون *** تنادوا على جذ اغصانها

ص: 224

رموها بمعطش اعراقها *** فجد بدماهم لعطشانها

لتصلح من شأنها بالحسام *** اصلاح جدك من شانها

غداة ابن أم الردى أمها *** يزجي الجياد بخلصانها

بكل شديد القوى لم يزل *** يقاسي الطوى حب لقيانها

طليق المحيا كأن القنا *** سقته الحميا بخرصانها

تتيه المذاكي بها في الوغى *** وتطفي المواضي بأيمانها

لقد أرخصت للهدى انفسا *** سوى اللّه يعيى بأثمانها

وقد أذعنت للردى خوف أن *** يفوز ابن هند باذغانها

وشدت حبى الحرب كي لا تحل *** حرب حباها بسلطانها

وغالت بنصر ابن بنت النبي *** غلو الجفون بأنسانها

درت انه خير أو طارها *** فباعت به خير أوطانها

نضتها عزائم لو افرغت *** سيوفا لقدت بأجفانها

فجادت بأرواحها دونه *** وظلت تقيه بأبدانها

تحي العوالي كأن قد حلى *** بأكبادها طعن مرانها

وتبدي ابتساما لبيض الظبى *** كان الظبى بعض ضيفانها

وزانت سماء الوغى سمرها *** بشهب رجوما لشيطانها

وأبدت اهلة اعيادها *** بنصر الهدى بيض ايمانها

وراحت تلي حينها في الوغى *** كنشوى تلي الراح في حانها

فمالت نشاوى بسكر الردى *** تخال الظبى بعض ندمانها

وغادرت السبط لا عذرة *** مروع الحمى بعد فقدانها

فعاد يقاسي الاعادي بلا *** ظهير له بين ظهرانها

يشد على جمعها مفردا *** بماضي المضارب ظمآنها

ويسقي صحيفته عزمه *** فيمحو صحيفة ميدانها

اذا هي صلت على هامها *** تخر سجودا لاذقانها

فيحظى الغرار بأوغادها *** ويحظى الفرار بشجعانها

ويخطف ابصارها برقه *** ويرمي بها اثر الوانها

تكاد من الرعب أرواحها *** تروع الجسوم بهجرانها

ولو لم يرد قربه ربه *** لاردى الاعادي بأضغانها

ولكن قضى ان يرى ابن البتول *** ثار ابن هند واخدانها

فأمسى وياتيه حرب على *** نزار فريسة ذؤبانها

ص: 225

فأشفت به ظغن طاغوتها *** ونالت به ثار اوثانها

بنفسي صريعا نضت نفسه *** للبس العلى ثوب جثمانها

بكته السماء ولو خيرت *** به لافتدته بسكّانها

يوى بين صرعى برغم العلى *** ثوت بعد تشييد اركانها

فأمست وقد غسلتها الدماء *** تولى الصبا نسج أكفانها

فباتت تقيها حطيم القنا *** على قفره بأس سرحانها

لقى فوق جرعائها قد أبت *** لهم أن يروا تحت كثبانها

وهل كيف اسرار رب السماء *** ثرى الارض يحظى بكتمانها

سل الطف عنها فمنها به *** فجائع يشجى بتبيانها

فكم من حشا غادرتها القنا *** على الطف نهلة ظمآنها

وكم من جبين جلته الظبى *** فالقته قبسة عجلانها

وكم من فتاة دهتها العدى *** ففرت تعج بفتيانها

تبدت حواسر تعدو الى *** كريم النقيبة غيرانها

فوافته تكبو بأذيالها *** وتكسو الوجوه بأردانها

وألفته في صرعة *** البرايا سواه بأحزانها

جريح الجوارح غير القرى *** قتيل العدى غير اقرانها

كأن الظبى وهي تهفو عليه *** نار أطافت بقربانها

فأهوت عليه واحشاؤها *** كأبياتها نهب نيرانها

تصعد أنفاسها والحشا *** تصوب دموعا باجفانها

وتشرق طورا بأشجانها *** وطورا تلضى بأشجانها

وتحثو التراب على أرؤس *** ثواكل أمست بتيجانها

لحمل الفواطم عجف السرى *** بأكوارها لا بأضعانها

تساق صوارخ ما بينها *** تغني الحداة بألحانها

الشيخ محمد طه الحويزي

المتولد سنة 1317 ه والمتوفى سنة 1388 ه في النجف الاشرف عشية الخميس سادس محرم الحرام ، دفن يوم الجمعة سابع محرم في مقبرتهم التي اقتطعت من دارهم بمحلة العمارة بالنجف وفي مجلة الاعتدال ان ولادته بالنجف حوالي سنة 1320 وهو من اسرة عريقة بالعروبة وسلالة متخصصة بالعلم والادب وممتازة

ص: 226

بالتقوى والصلاح. ترعرع في كنف أبيه الشيخ نصر اللّه الحويزي مضرب المثل في التقوى وعلو النفس ، فأحسن الاب تربية نجله الوحيد الذي كان يتوسم فيه النبوغ والنجابة والعبقرية الفياضة فقام بنفسه على تثقيفه واعداد مواهبه فأقرأه القرآن وعلمه قواعد الخط وأصول الاملاء وغرس في نفسه حب الفضيلة ثم درسه كثيرا من النحو والصرف والفقه.

تدرج على هذا المنوال وظهر بمظهر الاستاذ الذي تلتف حوله حلقات المبتدئين وجماعات المتعلمين يدرسهم باتقان ومهارة. بدأ هذا النجم يتألق في سماء العلم والادب وتفتحت قريحته الوقادة في صفحات الكون وهذه رائعته ( اشعاع النفس ) تدل على فلسفته وعبقريته وكل شعره على هذا المنوال ، وقد حباه اللّه جمال الخلقة والاخلاق وصباحة الوجه وطلاقة اللسان.

تخرج على مشاهير علماء عصره فقد قرأ جملة من كتب الاصول على العلامة الكبير الشيخ عبد الرسول الجواهري كما قرأ الفقه عليه وحضر في الحكمة والفلسفة على الحجة الشيخ محمد حسين الاصفهاني وكان من خواصه والمقربين عنده. سافر ومكث أعواما في ( الحويزة ) فكان فيها الزعيم المطاع والعالم المسموع الكلمة ويحسب في عداد ملاكيها وأعيان أهل العلم فيها ثم رجع للنجف بحلة التقوى والصلاح ، ثم كثر عليه الطلب بالعودة للحويزة فعاد اليها حتى وافاه الاجل فيها. كانت وفاته عشية الخميس سادس محرم ودفن يوم الجمعة سابع محرم في مقبرتهم الخاصة بهم وقد نعته دار الاذاعة في الاهواز ودار الاذاعة في بغداد وعقدت مجالس التعزية على روحه الطاهرة في سائر البلدان الاسلامية ولا يفوتنا أن نذكر انشودة الهيئة العلمية في النجف وهي تحف بالجثمان :

يا فقيدا فجع الدين به *** واكتست أندية العلم حداد

رفعوا التقوى على جثمانه *** وطووا في النعش أعلام الرشاد

ص: 227

اشعاع النفس

اشارة

بربك أرشفني ولو رشفة صرفا *** لتوسعني سكرا فأوسعها وصفا

الم تدر ان الراح روح لطيفة *** اذا امتزجت بالقلب زاد بها لطفا

فلا تخف في خبث العناصر لطفها *** فها هي كادت من لطافتها تخفى

وهب أنها تصفي المزاج بمزجها *** أليس بها صرفا يبيت الحجى أصفى

يقولون لي امزج قد ضعفت وما دروا *** تضاعف عقلي مذ وهى جسدي ضعفا

مررت عليها وهي قطف بكرمها *** فكدت حذار المزج اشربها قطفا

وما الخمر صرفا غير مارج جذوة *** اذا صهرت روح به تبرها شفا

فلست أرى الساقي ظريفا كما ترى *** اذا لم يغادرني لصهبائه ظرفا

ولست أراه للنديم كما ترى *** وفيا اذا لم يسقني كأسه الاوفى

فليت فمي وقف بيمنى مديرها *** كما لم يزل عقلي على كأسها وقفا

فمن صرفها املأ لي صحافا وأروني *** تجدني لكم أروي بتوصيفها صحفا

فما هي الا قوة ان تكهربت *** قواي بها زادت أشعتها ضعفا

تجلت على حسي فوحدت خمسه *** وفي كل حس صرت قوته صرفا

فكم غادرتني مذ ترشفتها فما *** ومذ أشرقت عينا ومذ طبقت أنفا

فأبصرتها من كل وجه وذقتها *** فأصبحت لم يفضل أمامي بها الخلفا

وتحسبها في الكأس ماء وان جرت *** بقلبي ذكت نارا أضاءت له الكهفا

فكم احرقت للغيب سجفا وأظهرت *** حقائق غرا دونها ظاهر السجفا

تجلى على طور الطبيعة نورها *** فدكته واستقصت جراثيمه نسفا

ص: 228

فالقيت أطمار العناصر لابسا *** لجلوتها من وشي سندسها شفا

هنالك فاسألني عن السر تلفني *** نبيا حفيا يعلم السر أو أخفى

ولا تتهم خبري بسكري فذوا الحجى *** اذا ما انتشى صاح ويقظان ان أغفى

فما سكرتي الا ابتهاجي بفكرتي *** وما فكرتي الا مشاهدتي الالفا

وان حجبت عني الطبيعة غرة *** من العلم سامت سكرتي حجبها لفا

واني لاستشفي بسكري اذا على *** شفا جرف صحو الصحاة بهم أشفى

وليس كما ظن الغبي نديها *** بمنتزه للشرب بل هو مستشفى

فيا صاح عش بالسكر فالسكر صحة *** وما الصحو الا علة تنشئ الحتفا

فمن يصح لم يستوف لذة عيشه *** بلى من توفته الطلى فقد استوفى

هلم معي واشرب بكأسي تجد بها *** حياة ترى هذي الحياة لها منفى

تجد نشأة ضاءت وضاعت بقدسها *** وما استصبحت شمسا ولا استصحبت عرفا

تجد نشأة لا يعوز العلم أهلها *** وما زاولوا فيه خلافا ولا خلفا

تجد نشأة الغى القوى الخمس أهلها *** رأو ووعوا لا سمع اصغوا ولا طرفا

تجد نشأة ليست تحيط بوصفها *** لغات الورى طرا وان مازجت ظرفا

وهل يدرك الكمه الجمال بوصفه *** بلى ان قضوا سكرا رأوا ما وعوا وصفا

ويا راكبي البحر اتقوه فقد طغى *** هلموا اركبوا كأسي معي تبلغوا المرفا

ركبتم وتيار الطبيعة هائج *** زوارق انقاضا نواتيها ضعفى

فما فلك نوح غير كأسي وما ابنه *** سوى من بغى مأوى سواها فما ألفى

ويا سائلي المريخ عن حال أهله *** بألسنة البرق التي أفصحت خطفا

ارى البرق غيظا قد ورى مذ رآك قد *** سئلت وأحفيت الذي بك لا يحفى

هلموا الى كأسي فكاسي مجهر *** يريكم من المريخ ما دق واستخفى

ومن لم يجد في مجهر عدسية *** زجاجة كاسي لا يحاول به كشفا

ويا من بمنطاد القذائف ازمعوا *** الى القمر المسرى فطارت بهم قذفا

أراكم سلكتم للمنى غير طرقها *** فحتى المنى نادت على القوم والهفا

ولو سلكوا سبلي الى القمر ارتقوا *** بمنطاد كاسي واتقوا ذلك العسفا

ص: 229

فهلا اقتفوا اثري فآبوا برحلة *** وخارطة كلتاهما أثر يقفى

ويا من بشهب الكهربا رجموا الدجى *** فباتت تسر الجن حولهم العزفا

وزانت عروس الارض من كهربائهم *** عقود لآل مذ كساها الدجى وحفا

وباتت لها ترنو السماء فتعتري *** اترنو الى المرآة أم ضرة ذلفا

فما النور ما يجلو عن البصر الدجى *** بل النورما ينضي عن البصر السجفا

ولو اترعوا من زيت كأسي كؤوسهم *** لعادت مصابيحا تضيء ولا تطفى

ولو بسناه استصحبوا لتصفحوا *** عليه كتاب الافق حرفا يلي حرفا

وكم من كتاب للطبيعة اهملوا *** مغازيه واستطرفوا الخط والغلفا

ويا محضري الارواح من رقداتها *** ومستنطقيها ليس يعفى من استعفى

حنانا بها لا تفزعوها فانها *** لتحسبكم تلك الزبانية الغلفا

فان تك شاقتكم فمن كأسي اشربوا *** تروا وتناجوا ذا الهوان وذا الزلفى

تروا تلكم الارواح كيف تناقلت *** كساها فكل في قبا غيره التفا

تروا تلكم الاخلاق كيف تكونت *** جزاءا وفاقا انصف الشهم والجلفا

تروا صور الاعمال كيف تنكرت *** فعرف بدا نكرا ونكر بدا عرفا

تروا كيف أسرار القلوب تصورت *** على مهجة زغفا وفي مهجة رضفا

تروا نية الانسان كيف تأولت *** فأخفت لما أبدى وأبدت لما أخفى

تروا نية الانسان كيف تدينه *** به وهو لا يستطيع نصرا ولا صرفا

تروا نية الانسان كيف تدينه *** ولم تتقبل منه عدلا ولا صرفا

وللشيخ محمد طه الحويزي :

خليلي هذي كربلاء وهذه *** قبور بني الزهراء فيها قفا نبكي

هلما نذيب الدمع مع ذائب الحشا *** ونسقي به بوغاء هيلت على النسك

ألا فاذكرا ما حل فيها وما جرى *** على عصبة التوحيد من عصبة الشرك

وقال :

بآل أحمد ارجو نيل أمنيتي *** بحيث لا مرتجى يرجى سوى الباري

هم عدتي وعديدي والولاء لهم *** كنز به افتدي نفسي من الباري

ص: 230

الشيخ حسين الحولاوي

المتوفى 1388

بوركت يا شعبان في الشهور *** فيك تجلى نور وادي الطور

يا ثالث الايام من شعبان *** ابشر لقد نلت عظيم الشان

عم السرور فيه بيت المصطفى *** اتحفهم رب العلى ما أتحفا

فلتهن فاطم بما قد ولدت *** فانها روح الوجود أوجدت

مولده ازدانت به الافلاك *** واستبشرت بنوره الاملاك

وزينت لاجله الجنان *** وأطفئت لنوره النيران

العالم الجليل والموجه الديني الشيخ حسين نجل العلامة الكبير الشيخ مشكور الحولاوي النجفي كان شخصية لامعة وقدوة في الاخلاق والورع والديانة ما طلع عليه الفجر وهو نائم وما ارتفع صوته طيلة حياته ولا قهقه في ضحكه مدة عمره يبدو عليه الجلال والوقار ، وحديثه كاللؤلؤ المنظوم وكله ارشاد ونصائح وكانت سيرة أبيه الحجة الشيخ مشكور على نموذج عال من التقوى والفتى سر ابيه.

ولد الشيخ حسين في شهر رجب سنة 1313 ه في النجف الاشرف ونشأ في حجر العلم والتقى ودرس العلوم العربية والمنطق وشرع في

ص: 231

الاصول وهو ابن ثلاث عشرة سنة ودرس على المرحوم آية اللّه السيد عبد الهادي الشيرازي ( كفاية الاصول ) كما درس كتاب ( الرياض ) و ( المكاسب ) وفرغ من السطوح وحضر بحث الشيخ ضياء العراقي في الفقه والاصول ، وكان جده العالم الباحث الشيخ محمد جواد الحولاوي يتعاهده ويختبر معلوماته وسير دراسته واشتغل بالتدريس برهة من الزمن وذلك في حياة ابيه المقدس واستقل باقامة امامة الصلاة بتاريخ 1353 ه لمدة 35 سنة يقيم امامة الجماعة صبحا وظهرا ومغربا وهومحل ثقة الجماهير واطمئنان الطبقات المؤمنة مضافا الى دروسه وتدريسه فكتب تعليقة على المكاسب كما كتب تقرير بحث الشيخ اغا ضياء وتعليقة على العروة الوثقى للمرحوم السيد محمد كاظم اليزدي وكتب رسالة في حديث : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة ونظم ارجوزة في الزكاة وارجوزة في ميلاد النبي صلی اللّه علیه و آله وأرجوزة في الصديقة فاطمة الزهراء والامام أمير المؤمنين والحسن والحسين والائمة من أهل البيت صلوات اللّه عليهم أما أرجوزته في حادثة كربلاء فهي أوسع أراجيزه وكان يعقد مجلسا في داره عندما تمر ذكرى أحد المعصومين ونجتمع من سائر الطبقات ممن يرتاحون الى سماع أرجوزته بهذه المناسبة اذ كان يتحرى نظم الصحيح من سيرته وكان له دور مهم في الثورة العراقية بل في كل الامور الدينية ، فان ذلك الشخص الهادئ الوادع تراه كالاسد الهصور عندما يمس تراث محمد صلی اللّه علیه و آله فيغضب غضبة الاسد الهصور فلا يصبر على التهاون بالدين والتسامح في الشرع المبين ولقد دعى جماعة من كبار العلماء الى مقاطعة الذين يتزيون بزي العلماء الروحانيين ويتلبسون بلباسهم وليس منهم وقام بعقد مجلس خاص اسبوعي للتذاكر في واجبات العلماء ومن هذا المجلس انبثقت فكرة تفسير القرآن فقام المجتهد الكبير الشيخ محمد جواد البلاغي بتأليف ( آلاء الرحمن في تفسير القرآن ) وفكرة ( جماعة العلماء ).

ودع الحياة في السابع من ربيع الاول سنة 1388 ه وهو في ال 75

ص: 232

من العمر فكان يوما مشهودا في النجف وزحفت الناس أفواجا لتشييعه ودفن بمقبرة جده في الصحن الشريف وقد أرخت وفاته.

أودى حسين فنعاه الهدى *** والعلم يذري مدمعا صيبا

وحينما ألحد في قبره *** أرخت عن محرابه غيبا

ص: 233

محمد الخليلي

المتوفى 1388

ان كنت تحزن لادكار قتيل *** فاحزن لذكرى مسلم بن عقيل

واجزع لنازلة بخير مفضل *** أبكى عيون الفضل والتنزيل

واندب قتيلا ما انجلى ليلى الوغى *** أبدا له عن مشبه وبديل

هو ليث غالب مسلم من أسلمت *** مهج العدى لفرنده المصقول

شهم تحدر من سلالة هاشم *** خير البيوت على وخير قبيل

متفرعا من دوحة مضرية *** تنمى لاصل في الفخار أصيل

* * *

أم العراق مبلغا برسالة *** أكرم بمرسله وبالمرسول

وأتى الى كوفان ينقذ أمة *** طلبت اغاثتهم على تعجيل

فاكتض مسجدها بهم وعلت به *** أصواتهم بالحمد والتهليل

وتقاطروا مثل الفراش تهافتا *** طلبا لبيعته على التنزيل

يفدونه بنفيسهم والنفس لا *** يبغون دون رضاه أي بديل

باتوا وبات مؤملا للنصر من *** أشياخهم يا خيبة المأمول

لكنهم ما أصبحوا حتى غدا *** في مصرهم لا يهتدي لسبيل

خذلوه اذ عدلوا الى ابن سمية *** واستبدلوا الارشاد بالتضليل

وتجمعوا لقتاله من بعدما *** عرفوه للارشاد خير دليل

وأتوه منفردا بمنزل طوعة *** وقلوبهم تغلي بنار ذحول

فغدا يفرق جمعهم ويفرق الابطال *** في عزم له مسلول

يلقى الكماء بعزمة مضرية *** اجمالها يغني عن التفصيل

ص: 234

ان صال أرجعهم على اعقابهم *** في بطش ليث في الزحام صؤول

حتى اذا كض الظما أحشاءه *** وغدت دماه تسيل كل مسيل

وافوه غدرا بالامان وخدعة *** منهم فلم يخضع خضوع ذليل

لكنهم حفروا الحفيرة غيلة *** فهوى بها كالليث جنب الغيل

وأتوا به قصر الامارة مثخنا *** بجراحه ومقيدا بكبول

فغدا يقارعه الزنيم عداوة *** ويغيظه سبا بأقبح قيل

ودعا ابن حمران به ولسانه *** لهج بذكر اللّه والتهليل

فأبان رأسا كان يرفعه الابا *** عن جسم خير مزمل مقتول

ورماه من أعلى البناء الى الثرى *** كالطود اذ يهوي لبطن رمول

فقضى شهيدا في مواطن غربة *** متضرجا بنجيعه المطلول

الاستاذ محمد الخليلي ابن الشيخ صادق بن الباقر بن الخليل الطبيب ولد في النجف سن 1318 ونشأ فيها في حجر والده فغذاه بروح الاخلاق ، درس المقدمات من النحو والصرف والمعاني والبيان والادب على أفاضل عصره ثم دخل المدرسة الاهلية العلوية حتى حصل على شهادة الصف الثالث الاعدادي المعادل للصف الخامس الثانوي - اليوم - ثم درس الطب على والده وتخرج على يده ثم سافر الى بغداد فحضر في الطب على بعض الدكاترة الشهيرين هناك كالدكتور عبد الرحمن المقيد وغيره لمدة سنتين ثم على الدكتور الايراني المعروف ب ( وثوق الحكماء ) خريج باريس وحضر قليلا على الطبيب المعروف بمسيح الاطباء في النجف حتى برع في الطب ففتح عيادته أولا بالكوفة لمدة عشر سنين ثم رجع للنجف بعد وفاة والده فكانت عيادته تغص بالمراجعين والذي حببه للناس حسن أخلاقه ولين جانبه وعذوبة لسانه. انتهى ما كتبه عنه الكاتب محبوبة في ماضي النجف. وفي عقيدتي ان الميرزا محمد هو اديب أكثر منه طبيب فهو شاعر ناثر ، اريحي الطبع خفيف الروح لطيف العبارة حاضر النكتة ذو فهم وذكاء اذا نظم أجاد واذا كتب أفاد ، له مطارحات ومساجلات مع الادباء وتشهد له جريدة الهاتف ، فقد كتب الاستاذ جعفر الخليلي سلمه اللّه ( عندما كنت قاضيا ) وجاء المترجم له فنظم ذلك في

ص: 235

أرجوزة في مطولة أبدع في التصوير وأجاد في التعبير ، ومن مؤلفاته ( معجم أدباء الاطباء ) طبع منه جزءان ، وله رسالة طب الصادق علیه السلام ودليل الطبيب في الطب وكتاب في الصحة وكتاب أوصاف الاشراف مترجم عن الاصل الفارسي للحكيم الفيلسوف الخواجة نصير الدين الطوسي رحمه اللّه وكتاب المغريات العشر في العادات الذميمة وكتاب الانسان والمدنية مترجم ومنظومة في الطب اليوناني.

وافاه الاجل في النجف يوم السبت 8 - 6 - 1968 المصادف 1388 له ديوان مخطوط فيه ألوان من الشعر ومختلف فنونه وفيه قصيدة في ابي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين واخرى في علي الاكبر ابن الحسين علیه السلام .

ص: 236

الشيخ كاتب الطريحي

المتوفى 1388

صبا للحمى والخيف قلبي المعذب *** فها أنا في جمر الغضا اتقلب

فكم لامني فيمن هويت عواذلي *** فقلت دعوني فالهوى لي مذهب

ألا لا تلوموا من تعلق قلبه *** بمن قد هوى فالحب للعقل يسلب

غداة بسفح الخيف بت وللاسى *** بقلبي نيران الجوى تتلهب

فيا ليلة قد بت فيها ولم أجد *** مجيبا سوى دمع على الخد يسكب

تعلمت الورق البكا من صبابتي *** فباتت تنوح الليل مثلي وتنحب

فبتنا كلانا دأبنا النوح والاسى *** سوى أنها للالف تبكي وتندب

وان بكائي للذي سار ضحوة *** بأقمار تم في ثرى الطف غيبوا

غداة أتى ارض العراق بصفوة *** عليها من الحرب المثارة مضرب

وأخرى وقد خانته غدرا واقبلت *** تجر جموعا بالهداية تنصب

فجال بها في غلمة أي غلمة *** اسود وغى بالكر تطفو وترسب

الى أن قضوا دون ابن احمد ضحوة *** على عطش منهم وبالارض تربوا

وأصبح في جمع العدى فرد دهره *** فريدا ومنه القلب بالوجد يلهب

بموقفه أحيا مواقف حيدر *** بيوم به الامثال للحشر تضرب

ومذ شاقه الرحمن خر لوجهه *** صريعا على البوغاء وهو مخضب

فيا عجبا للارض لما تزلزلت *** وصدر حسين فوقه الشمر يركب

وشيل على العسال منه كريمه *** وقد كان يتلو الذكر فيهم ويخطب

ونسوته سيرن اسرى بلا حمى *** سبايا كسبي الروم والزنج تجلب (1)

ص: 237


1- مجلة العدل النجفية - السنة السابعة.

الشيخ كاتب ابن الشيخ راضي بن علي بن محمد بن حسين الطريحي المنتهي نسبه الى حبيب بن مظاهر الاسدي قائد ميسرة الامام الحسين في معركة كربلاء وأفضل الانصار الذين قال فيهم الشاعر الكواز :

هم خير أنصار براهم ربهم *** للدين أول عالم التكوين

ولد الشيخ كاتب في النجف الاشرف صباح الجمعة 26 ذي الحجة 1305 ه ونشأ نشأة عالية وتطبع بالجو الروحي والدراسة الدينية الاخلاقية أخذ الاصول على الشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين الاصفهاني والفقه على الشيخ احمد كاشف الغطاء واختلف على السيد باقر الهندي فدرس عليه علم العروض كما لازم شيخ الادب الشيخ محمد جواد الشبيبي وحضر مجالسه الادبية ونوادره الفكاهية وشذراته الشعرية شارك في الثورة العراقية فصحب شيخ الشريعة والسيد الكاشاني في جبهتي القورنة والكوت ولا زال يقص على رواد مجلسه من وثائق الثورة وروائعها. له عدة بحوث وتعليقات في النحو والصرف والفقه وحاشية على المنطق له ديوان شعر أكثره في أهل البيت علیهم السلام .

توفي لية السبت 21 جمادى الاولى سنة 1388 ه وشيع جثمانه صباح السبت الى مثواه الاخير في النجف ودفن بمقبرته الخاصة تغمده اللّه برحمته وأقيم له حفل تأبيني ضخم بالكوفة لمرور اربعين يوما على وفاته وذلك في 4 رجب 1388 والمصادف 27 أيلول 1968 تبارى فيه الخطباء والشعراء حيث كان من أبرز رجال القلم في مدينة الكوفة.

ص: 238

السيد محمد علي الغريفي

اشارة

المتوفى 1388

قال يرثي أبا الفضل العباس :

من كالزكي أبي الفضل الذي ملكت *** ماء الفرات يداه حينما اندفعا

ولم يذق برد طعم الماء حين رأى *** عنه ابن بنت رسول اللّه قد منعا

قيل ابن مامة قلت اخسأ فذاك أما *** لو أدرك الماء لم يتركه بل كرعا

ابكيه حين رأى فردا أخاه ومن *** فرط الظما أصبحت احشاؤه قطعا

وكل طفل به قد راح من ظمأ *** يصيح واللون منه عاد ممتنعا

مناظر الهبت احشاءه وغدى *** لهولها منه ركن الصبر منصرعا

فاستل مخذمه وانصاع يرفل في *** ثوب الحديد ومنه القلب ما هلعا

يستقبل القوم فردا لا يهاب وفي *** ماضيه للعيش ما أبقى لهم طمعا

أفناهم بشبا الهندي فانقشعوا *** عنه وعاد له الميدان متسعا

سقاهم الموت قسرا حينما حسبوا *** ان الفرات عليه بات ممتنعا

عليهم هو مهما شد خلتهم *** مثل الحمام عليها الصقر قد وقعا

مهما ادلهمت خطوب الحرب كان ابو *** الفضل السميدع بدرا في الوغى سطعا

بسيفه ملك الماء الفرات وكم *** من الرؤوس على شطآنه قطعا

وراح يغرف في كفيه بارده *** وقلبه لاخيه السبط قد خشعا

هيهات ما ذاق منه قطرة ورأى *** أمامه عطش المظلوم فامتنعا

وراح يحمل للاطفال قربته *** كالليث في حمل أعباء الوغى اضطلعا

أفنى الطغاة وكم أبقى بمخذمه *** منهم جليدا على البوغاء قد طبعا

افناهم بشبا عضب له ذكر *** من عزمه لفناء الصيد قد طبعا

لولا القضاء لافناهم ولابن ابي *** سفيان لم تلق منهم واحدا رجعا

ص: 239

ابكيه حيران مقطوع اليدين بلا *** جرم سوى انه بالحق قد صدعا

والسهم بالعين قد أوهى عزيمته *** وللثرى من عمود البغي قد ركعا

وراح يهتف بابن المصطفى ولها *** ادرك أخاك فكأس الموت قد جرعا

فجاءه السبط كالطير الذي انكسرت *** منه الجناحان لا يقوى اذا ارتفعا

يصيح قد طال منى يا اخي جزعي *** وكنت قبلك لما اعرف الجزعا

أطلت مني اذا لاح الدجى سهري *** لكن عدوي وقد فارقتني هجعا

أخي من لبنات المصطفى وبمن *** يلذن بعدك اذ داعي الحفاظ دعا

من لليتامى ومن للارملات اذا *** أصبحن نهبا لمن في النهب قد طمعا

كسرت ظهري وجذت مذ قضيت يدي *** وكنت درعا به لا زلت مدرعا

ما كنت أحسب ترضى بالنعيم ولي *** دارت خطوب وناعي البين في نعا

فاذهب سعيدا لجنات الخلود فلا *** اقول الا هنيئا دائما ولعا

ص: 240

السيد محمد علي الغريفي :

السيد محمد علي ابن السيد عدنان ابن السيد شبر الخ. ولد في سنة 1329 ه ودرس مقدمات العلوم لدى أخيه الاكبر العلامة السيد علي ثم هاجر الى النجف الاشرف وأتم دراسته فيها بحضوره دروس الاعلام والمراجع وبعد وفاة أخيه السيد علي المذكور عاد الى بلد المحمرة وأقام فيها خلفا عن أبيه وأخيه مرجعا دينيا وهاديا مرضيا الى أن وافاه الاجل فيها يوم الخميس السابع من شهر رمضان سنة 1388 ه ونقل جثمانه الطاهر الى النجف الاشرف وشيع ودفن في اليوم الثامن من شهر رمضان وأقام آية اللّه العظمى السيد الحكيم الفاتحة على روحه الطاهرة في مسجد الطوسي وجددتها الهيئة العلمية واقيمت له الفواتح في بلد المحمرة كما أقيم له تأبين في أربعينه ألقي فيه القصائد والخطب وأرخ عام وفاته البحاثة الخطيب السيد علي الهاشمي بقوله من جملة أبيات :

بفقد علي بن عدنانها *** حكت أعين المجد صوب الغمام

فشيعة الفضل في موكب *** وآب به نحو دار السلام

وحل بجنب أبيه الهمام *** لدى جنة الخلد أسمى مقام

وثغر العراق وأبناؤه *** عراها الاسى مذ أتاه الحمام

فنادى مؤرخه ( داعيا *** فتبكي عليا بشهر الصيام )

وأعقب ولدين أحدهما علي والآخر نزار وخلف مؤلفات منها شرح الخطبة الشقشقية كما خلف ديوان شعر رائق فيه عدة قصائد قالها في واقعة الطف فقال في قصيدة رثى بها أبا الفضل العباس (عليه السلام) :

ص: 241

المجد مجدك يا ابن ساقي الكوثر *** والفخر فخرك يا كريم العنصر

بك تفخر الدنيا وكم قد طاولت *** أبناء فهر فيك كل مظفر

قمر بك القمر المنير تلألات *** أنواره وبدى بوجه نير

والفضل يشهد أنه لولاك لم *** يعرف وما في الناس عنه بمخبر

والسيف يلمع في يديك ووقعه *** يوم الوغى كالرعد فوق المغفر

والرمح تنظم فيه كل مدجج *** والشوس بين مجدل ومعفر

لله يومك وهو يوم ما له *** مثل وكم مرت به من أعصر

يوم بوادي الطف كم غنت به *** الاجيال من غاد عليه ومبكر

هيهات ما انساك يوم تزاحفت *** جند الضلال على ابن طه الاطهر

وعليه قد سدوا الفضاء واجلبوا *** للحرب كل مدرع مستنسر

فوقفت كالطود الاشم مشمرا *** عن ساعديك وكنت غير مذعر

نازلت جمعهم فكم لحسامك ال *** ماضي تصاغر كل ليث قسور

ونثرت بالسيف الصقيل رؤوسهم *** ونظمت اسدهم بصدر الاسمر

فرقت شملهم فكم من هارب *** من حد سيفك في عماه محير

أمطرتهم عند النزال صواعقا *** فتركتهم صرعى بيوم ممطر

اني لاكبر فيك أعظم همة *** دفعتك دوما للمحل الاكبر

ومواقفا لك في الطفوف كريمة *** ومناقبا عظمت وان لم تحصر

وازرت يوم الطف سبط محمد *** بمهند صافي الحديد مجوهر

بك لاذت الفتيات من عمرو العلى *** يهتفن باسمك يا عظيم المحضر

لك تشتكى العطش الشديد وانت *** ذو البأس العظيم مظنة المستنصر

فابت لك النفس الكريمة أن ترى *** عطش الفواطم يا بن ساقي الكوثر

فحملت تقتحم الفرات مزمجرا *** بالسيف تضرب هامة المزمجر

وملكت بالسيف الشريعة وانتحى *** عنها لهول لقاك كل غضنفر

فأبيت شرب الماء وابن محمد *** لهبت حشاشته بحر مسعر

هيهات انت اجل قدرا فالوفا *** لك خصلة موروثة عن حيدر

لكن حملت الماء تضرب دونه *** بالسيف لم تملل ولم تتضجر

قاربت رحلك والطغام تزاحفت *** لك بالسهام وبالظبى والسمهر

لولا المقادر ما استطاع مناضل *** منك الدنو ولم يكن بالمجتري

حسم القضاء يديك لكن بالذي *** جادت يداك على الهدى لم يشعر

أبكيك مقطوع اليدين معفرا *** نفسي الفداء لجسمك المتعفر

ولرأسك المفضوخ والعين التي *** انطفأت بسهم في النضال مقدر

فمشى الحسين اليك يهتف يا اخي *** افقدتني جلدي وحسن تصبري

ص: 242

أأخي ها فانظر بنات محمد *** تبكي عليك بلهفة وتزفر

هتفت وقد عز النصير لشخصك *** الغالي وكان هتافها بتحسر

هذا لواؤك من يقوم بحمله *** بل من سيحفظ بعد فقدك معشري

جلل مصابك يا ابن والدي الذي *** قد هد ركني بل أضاع تبصري

أشمت بي أعداي يا أوفى أخ *** عندي به أقوى ويقوى عسكري

من للحمى من للعقائل اصبحت *** حيرى ومن سيحن للطفل البري

لاخير بعدك في الحياة وقد غدى *** عيشى لفقدك لا هنيء ولا مري

أبقيتني فردا أبا الفضل الذي *** ما كان عني قط بالمتأخر

وسبقتني للخلد فاهنأ بالذي *** أولاك ربك من نعيم أوفر

وقال في رثاء علي الاكبر (عليه السلام)

بذكراك ذا الكون العظيم يعطر *** ومن كل من فوق الثرى انت اكبر

وهيهات ماضاهاك في الدهر فارس *** ويوم اللقا انت الكمي الغضنفر

نمتك الكرام الصيد من آل هاشم *** وعرق فيك الطهر طه وحيدر

وان العلي القدر شبل ابن فاطم *** حسين وما في الناس مثلك قسور

ظفرت بأعلى المجد غير منازع *** بمجدك كم في الكون قد خط مزبر

خليق وخلق كالنبي ومنطق *** بليغ به في الناس لازلت تذكر

وبأس به اشبهت حمزة في الوغى *** وصولة مقدام بها صال جعفر

أخذت باطراف الشجاعة والابا *** وورثك العليا أبوك المظفر

وان انس لا انساك يوم تزاحفت *** جيوش العدى يوم الطفوف تزمجر

وجاءت الى لقيا ابيك جحافل *** كعد الحصى يقتادها متجبر

وتأبى لك النفس الكبيرة ان ترى *** أباك الى الهيجا وحيدا يشمر

مشيت بثغر للكريهة باسم *** ووجه صبوح وهو كالبدر يزهر

وجردت سيفا في غراريه لفنا *** لاعداك يا ابن الطهر قد خط اسطر

وأقدمت للاعداء كالليث مانبا *** حسامك بل ما دونه قام مغفر

وخيل للاعداء ان جاء حيدر *** لابنائه بعد المنية ينصر

فأعلمتهم لكن بصوت محمد *** بأنك من ابنائه حين تفخر

فكم من همام فر من هول سطوة *** وضرب حسام منك للهام ينثر

وكنت متى يممت شطر كتيبة *** تولت ومنها كل ليث مقطر

فلولا الظما والجهد من ثقل لامة *** عليك ونار بين احشاك تسعر

ولولا القضا لم يقربوا منك والقضا *** اذا كان حتما فهو لا يتأخر

فلهفي لبدر قد هوى من سمائه *** ومنه المحيا في التراب يعفر

ولهفي لذاك الغصن أذوى من الظما *** وحر سيوف فتكها لا يقدر

وواحر قلبي للشباب مجدلا *** على جسمه الجرد العتاق تعثر

ص: 243

ووجه يفوق البدر حسنا وروعة *** يخر على حر الثرى وهو احمر

ووالده العطشان يرنو لجسمه *** وقد مزقته البيض فهو مبعثر

هوى فوقه كالطود يهتف صارخا *** بني وهي مني عليك التصبر

بني لقد كنت السواد لناظري *** بمن بعدما فارقتني اليوم انظر

بني على الدنيا العفا ليت أنني *** سبقتك في لقيا الردى فهو أجدر

بني لمن ارجو الحياة وانني *** لاحسبها بالحزن بعدك تزخر

بني بمن أعداي بعدك اتقي *** وبعدك من في النائبات سيحضر

بني ومن للفاطميات بعدنا *** وفيمن يلوذ الطفل وهو مذعر

ومن لعليل كاد من شدة الضنى *** يموت ومما نابه ليس يشعر

أحين ترجيناك ترفع للهدى *** منارا وفي نشر الفضائل تجهر

يحاتفنا فيك الحمام وانني *** وددت بقلبي بعد موتك تقبر

وما لي سوى الصبر الجميل وسيلة *** فكل صبور في المعاد سيؤجر

ص: 244

السيد محمد رضا شرف الدين

المتوفى 1389

أعيني سيلي دما قانيا *** وبكى قتيلا بشط الفرات

فيا غيرة اللّه ذا جسمه *** على الترب والراس فوق القناة

فأين بدور بني غالب *** وأين سمو سهمى النيرات

واين الزمان بهم زاهرا *** وأين أويقاتنا الزاهرات

واين الكماة وأين الحماة *** وأين الاباة واين السراة

هذه أبيات من نظم الشاعر في ( رواية الحسين ) التي نظمها مستعرضا وقعة كربلاء وجهاد الامام الحسين وأصحابه من مبدء نهضته حتى مقتله بأسلوب رصين وخيال عال جذاب وتحتوي الرواية على فصول تمثل وقعة كربلاء وتحتوي على 240 صفحة ، طبعت بمطبعة النجاح - بغداد. وكان لها صدى طيبا في الاوساط الادبية وكان ينشد بعض الفصول منها فتصغي له الادباء وترتاح لهذا الاسلوب الروائي الجميل وعقيدتي انه اول من نظم هذه الوقعة بهذا اللون وتقدمت اليه دور السينما تطلب منه تمثيلها على الشاشة بجميع فصولها.

لا زلت اتصوره ببزته الدينية يرتاد مجالس النجف وأندية العلم وهو في الطليعة من الفضلاء وأذكر قصيدته التي أنشدها يوم الثامن من شهر شوال بمناسبة تهديم قبور ائمة البقيع وهو

ص: 245

من أشد الناس حماسا لهذا الحادث المفزع. ولد السيد محمد رضا ابن الحجة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين في مدينة صور بلبنان في شهر المحرم عام 1327 ه الموافق شباط 1909 ولما ترعرع أحس من أبيه بالرغبة الملحة على الدراسة الدينية فسافر الى النجف وقصر نشاطه على الفقه والاصول ودرس على المشايخ الاعلام كالشيخ مرتضى آل ياسين والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيرهما وهو يتعاهد ملكته الادبية فنظم أول ما نظم روايته الشهيرة ( الحسين ) وذلك عام 1352 ه وأعقبها بنظم رواية ( قيس ولبنى ) كما عني بنظم تاريخ العرب في ملحمة كبيرة تزيد على 300 بيتا. وفي عام 1353 انتقل الى بغداد فأصدر مجلة ( الديوان ) خرج منها خمسة أعداد ، وفي عام 1939 عين في مجلس الاعيان ملاحظا لديوان الرئاسة وفي عام 1947 نقل الى وزارة الخارجية بوظيفة ملحق صحفي في المفوضية العراقية بدمشق فالتقيت به في دمشق فقال لي اني الزمت نفسي ان انظم كل عام قصيدة بذكرى يوم الغدير أين ما حللت واذا كان لك متسع من الوقت ان تحضر غدا لاستماع قصيدتي. وفي عام 1949 نقل الى المفوضية العراقية بطهران ثم الى المفوضية العراقية بجدة حتى شهر آب من عام 1950 وكان موضع تقدير من كل عارفيه فانه وادع الخلق هادئ الطبع وقور الملامح تنم احاديثه عن عقيدة صحيحة صريحة ويعتز بشخصيته وشرفه ويعرف لنسبه الشريف قيمته الغالية وترجم له الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر طائفة من أشعاره.

اخبرني ولده فضيلة العلامة السيد حيدر شرف الدين أن وفاة والده السيد محمد رضا في العاشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1389 ه رحمه اللّه.

ص: 246

الدكتور مصطفى جواد

المتوفى 1389

جل المصاب مصاب آل محمد *** فاذر الدموع بيومه المتجدد (1)

وابك الكرام الذائدين عن العلى *** والدين بالقول الكريم وباليد

ذكر الزمان مصابهم فاعاده *** تاريخ عز للسمو مؤيد

فالحق لا ينسيه سالف عهده *** والذل لا يبقيه سوط المعتدي

والعدل لا تبليه قلة أهله *** والدين لا يوهيه طعن الملحد

آل الرسول أجل فهات حديثم *** واذكر مصابهم ولا تخشى الردي

جمعوا الفضائل والمكارم والعلى *** والعلم والتقوى لاذكى محتد

ما حرر الاسلام الا سادة *** بذلوا دماءهم له عن مقصد

سنوا لاهل الحق سنة ثورة *** اضحى بها الاسلام مرهوب اليد

مل الحديد من الحديد وعزمهم *** ما مل من نصر لدين محمد

فليقلع الجبناء عن اقوالهم *** ان الجبان كأنه لم يولد

في كل قطر روضة لكرامهم *** بندى المعالي روض ذكراها ندي

رام العدو عفاءها لكنها *** حفظت على رغم العدو بمشهد

في المغرب الاقصى وفي مصر وفي *** هذا العراق وفي بقيع الغرقد

وشهيدهم في كربلاء شهيدهم *** في انهم اهل المقام الاوحد

عطف الصفوف على الصفوف يذيقها *** حتف الحتوف وينثني كالجلمد

ص: 247


1- انشد هذه القصيدة في يوم عاشوراء في الحفل المقام في ساحة الامام الكاظم علیه السلام .

هجمات حيدرة العظيم وقلبه *** اذ صال في صفين أو في المربد

لله يوم الطف يوما فارقا *** بيض الوجوه عن الفريق الاسود

كتب العراق وثيقة استقلاله *** بدم الحسين السيد بن السيد

بيني وبينك يا يزيد قضية *** لا تنتهي وعداوة لم تنفد

أورثت ملكا لم تكن أهلا له *** ووليت دينا ريع منك بمفسد

الدكتور مصطفى جواد ولد ببغداد محلة القشلة ودخل المدرسة الابتدائية في دلتاوة ديالي عام 1915.

في عام 1924 أكمل دراسته في دار المعلمين واخذ ينشر بعض خواطره في جريدة الصراط المستقيم ببغداد وعين معلما في عام 1925.

وفي عام 1939 تخرج في جامعة السوربون بفرنسا عن اطروحة بعنوان ( سياسة الدولة العباسية في آخر عصورها ).

في عام 1956 اصبح استاذا في دار المعلمين العالية ( قسم اللغة العربية ) توثقت صلته بمجلة المجمع العلمي العربي بدمشق وأخذ ينشر بعض آثاره فيها منذ عام 1943 وفي عام 1950 اسهم في تحرير مجلة المجمع العلمي العراقي في اليوم السابع عشر من كانون الاول كانت وفاته سنة 1969.

من مؤلفاته 1 - سيدات البلاط العباسي - طبع في بيروت ، 2 - المباحث اللغوية في العراق - طبع في القاهرة 3 - خارطة بغداد قديما وحديثا بالاشتراك مع احمد سوسة واحمد حامد الصراف 4 - الجامع الكبير في صناعة المنظوم والمنثور حققه بالاشتراك مع الدكتور جميل سعيد 5 - تكملة الاكمال في الاسماء والانساب والالقاب - تحقيق وهو لجمال الدين الصابوني.

نشرت مجلة البيان النجفية في السنة الاولى قصيدته التي ألقاها في الحفلة التأبينية لسيد الشهداء يوم العاشر من المحرم سنة 1365 ه الموافق 26 / كانون الاول 1945 في صحن الامامين الكاظميين علیهماالسلام وأولها.

ألمت بي الذكرى فاوسعتها شكرا *** وأرعيتها قلبي فقلبي بها أدرى

ص: 248

كما نشرت له مجلة ( البيان ) أيضا في سنتها الاولى قصيدته التي ألقاها صباح العاشر من المحرم سنة 1964 م في حفل الامام الحسين (عليه السلام) وأولها :

أبى اللّه أن ينسى مصاب ابن فاطم *** فجاءت تعزي الدين شتى العوالم

قد اختلفت اجيالها غير أنها *** تساوت لدى تأبين فخر الهواشم

ولا يفوتنا ان الدكتور مصطفى جواد من اشهر رجالات العرب في الادب ومعرفة لغة العرب ولا تكاد تفوته شاردة او واردة وقد نشر الكثير من ذلك تحت عنوان ( قل ولا تقل ) واخيرا اصدر في كتاب خاص.

ص: 249

عبد الكريم العلاف

اشارة

المتوفى 1389

أي رزء بكت عليه السماء *** ومصاب قد دام فيه العزاء

ذاك رزء وذاك خطب عظيم *** فقدت ابنها به الزهراء

فقدته بكربلا وهي اليوم *** عليه حزينة ثكلاء

فقدته بالطف يوم أتته *** آل حرب وهم له أعداء

جمعوا رأيهم الى الحرب لما *** لعبت في عقولهم صهباء

قابلوه بأوجه وقلوب *** شأنها الغدر ملؤها البغضاء

والتقتهم من آل هاشم شوس *** حين غصت بخيلها الهيجاء

فتية في الوغى بهم كل ليث *** طلق الوجه واضح وضاء

ملؤا واسع الفضا بزئير *** منه دكت لهولها الارجاء

بذلوا النفس والنفيس بعزم *** فلتلك النفوس نفسي الفداء

وقضوا واجب الدفاع الى أن *** نفذ الحكم فيهم والقضاء

ظهروا أنجما وغابوا بدورا *** بينهم طلعة الحسين ذكاء

ظل ملقى له التراب فراش *** وطريحا له القتام غطاء

يرمق الطرف ما له من معين *** غير أطفاله وهم ضعفاء

وعلي السجاد أضحى عليلا *** ومريضا أعياه ذاك الداء

ان شر الافعال فعل طغاة *** ببني المصطفى البشير أساءوا

ما رعوا ذمة بكشف نقاب *** من نساء قد ضمهن الخباء

نسوة للشام سيقت سبايا *** ومن العار أن تساق النساء

ص: 250

صرخت زينب بصوت وقالت *** ويلكم هكذا يكون الجزاء

فلماذا منعتم الماء عنا *** وأبونا لديه ثم الماء

لهف قلبي على أسود عرين *** ورجال أعضاؤهم أشلاء

لهف قلبي على بنات خدور *** زانهن العفاف ثم الحياء

لهف قلبي على خيام تداعت *** حول استارها اريقت دماء

لهف قلببي على بدور أضاءت *** ثم غابت فطاب فيها الرثاء

بعد رزء الحسين باللّه قل لي *** أي رزء بكت عليه السماء

الشاعر عبد الكريم العلاف

ولد عبد الكريم بن مصطفى العلاف ببغداد سنة 1312 ه 1896 ونشأ في احضان عشيرة العزة بمحلة الفضل بعد أن تعلم القراءة والكتابة درس على العلامة الشيخ عبد الوهاب النائب في جامع الفضل ولازمه ملازمة الظل حتى وفاته ، وآل النائب هم الذين أعانوه على تحمل اعباء الحياة ومواصلة الدراسة. وعندما اندلعت نيران الثورة العراقية الكبرى كان في مقدمة شعرائها ، فقد ألقى القصائد الحماسية في جامع الحيدر خانة مما أدت الى سجنه ، وعين بعد تشكيل الحكومة العراقية كاتبا لمالية الكاظمية ثم تركها وآثر الاشتغال في المهن الحرة حتى أصيب بالشلل فاضطر الى مواصلة الحياة بكتابة العرائض. وبعدها بفترة عينه الاستاذ أحمد حامد الصراف في احدى وظائف الاذاعة ، ولم يمض طويل وقت حتى عاد الى كتابة العرائض ثانية حتى وافاه الاجل بتاريخ 22 - 11 - 1969 المصادف 1389 ه صدرت له عدة كتب هي :

1 - الاغاني والمغنيات.

2 - ايام بغداد.

3 - الطرب عند العرب.

4 - بغداد القديمة.

5 - قيان بغداد في العصر العباسي والعثماني والاخير.

ص: 251

6 - مجموعة الاغاني والمغنيات.

7 - الموال البغدادي.

8 - موجز الاغاني العراقية.

عبد الكريم العلاف شاعر يجيد النظم باللغتين : الفصحى والدارجة وهو مؤلف كتاب ( الطرب عند العرب ) و ( بغداد القديمة ) المطبوع بمطبعة المعارف و ( الموال البغدادي ) وهو صحفي أصدر مجلة باسم ( الفنون ) استمرت عاما كاملا ، وقضى فترة بالاشراف على فرقة الرشيد للفنون الشعبية في مصلحة السينما والمسرح (1).

سألته ( كل شيء ) عن الوقت الذي بدأ فيه ينظم الشعر فقال : كنت مولعا بالشعر الفصيح وبدأت أنظمه قبل اربعين عاما ، ولكني رغبت بأن أنظم الشعر الشعبي لروعته وأسلوبه منذ ثلاثين عاما ، قال : ونظمت أغنية :

يا نبعة الريحان *** حني على الولهان

وكنت طريح الفراش في المستشفى عام 1936 بعد أن دهستني احدى السيارات. ونظمت اغنية : خدري الجاي خدري للمطربة الهوزوز بمناسبة اخرى كما نظمت أغنية :

كلبك صخر جلمود ما حن عليه

غنتها كوكب الشرق أم كلثوم عام 1932 عندما زارت بغداد وقد أعجبت بها على ملأ من الناس في الحفلات التي أقيمت آنذاك تكريما لها. وقال : عندي مؤلفات لم تزل مخطوطة.

وجاء في معجم المؤلفين ج 2 - 310 كوركيس عواد. ما نصه :

ص: 252


1- صحيفة ( كل شيء ) البغدادية بتاريخ 31 آذار 1969 المصادف 12 محرم 1389 ه.

عبد الكريم العلاف ( بغداد 1896 ).

1 - الاغاني والمغنيات : مجموعة أغاني عراقية مصورة - بغداد 1933 و1969.

2 - أيام بغداد ( بغداد 1969 ).

3 - بغداد القديمة ( بغداد 1960 ).

4 - الطرب عند العرب ( بغداد. ط 1 - 1945 ط 2 - 1963.

5 - قيان بغداد في العصر العباسي والعثماني الاخير. بغداد 1969.

6 - مجموعة الاغاني والمغنيات ( 24 حلقة : بغداد 1935 - 1946 ).

7 - الموال البغدادي ( بغداد 1964 ).

8 - موجز الاغاني العراقية ( بغداد 1930 ).

ومما استجيد روايته ما يقول صاحب ( بغداد القديمة ص 143 ما نصه : وفي يوم الاحد 17 جمادى الاولى سنة 1335 يقابلها 11 اذار سنة 1917 جمادى الاولى سنة 1335 يقابلها 11 اذار سنة 1917 فوجئنا بخبر سقوط على أيدي الجيوش الانكليزية فوقع وقوع الصاعقة علينا وبعد ساعات ظهرت طيارات في سماء سامراء ورمت القنابل على المنطقة ومن فزعنا لذنا في ضريحي الامامين علي الهادي والحسن العسكري علیهماالسلام ، وذهبت انا ولذت بمقام الامام المهدي علیه السلام ووقفنا وقلنا والدموع تذرف من عيني :

فقم لها يا امام المسلمين فقد *** آن الاوان وخذ في كفك العلما

واصرخ على الشرك واعلن بالجهاد وقل *** وا أحمداه ترى الغبرا تفيض دما

أقول : وروى لي الشاعر الشهير السيد أحمد الهندي من شعر عبد الكريم العلاف :

بربك يا لواء السبط فيئ *** مقاما ضم أشلاء الحسين

فحامل مجدك العباس أضحى *** على الغبراء مقطوع اليدين

ص: 253

السيد محمود الحبّوبي

المتوفى 1389

شجون يقض لها المضجع *** وهم له العين لا تهجع

وحزن تولاك يا ابن الوصي *** لامر هو الحادث الافظع

أتاك بأن خلافتكم *** تحلى بها الالكع الاكوع

يزيد الغرور يزيد الفجور *** يزيد الخمور وما يتبع

أبى طاعة اللّه والمسلمون *** له من أنامله أطوع

ويجبن عن كل فخر كما *** على كل موبقة يشجع

وأثمن من أنفس المسلمين *** له قدح بالطلى يترع

* * *

فبت تؤرقك الهاجسات *** وما لك في دفعها مطمع

أيلعب بالحكم وغد ولا *** يد بالحسام له تصفع

أأضيع هذا الورى بينهم *** نبيه ، وأنبههم أضيع

فظلت كأنك فوق المهاد *** على كل جارحة مبضع

وبينا تفكر بالمسلمين *** وماذا ابن صخر بهم يصنع

اذا بالرسائل تترى عليك *** كمنهلة المزن اذ تهمع

فرسل تجيء ورسل تعود *** وكتب بأضعافها تشفع

رسائل تطلب منك القدوم *** لمن هم ملبوك مهما دعوا

جنود أبيك وأنصاره *** ومن هضبة الجور قد زعزعوا

ص: 254

وحزب أخيك وأشياعه *** ومن غير نهجك لم يتبعوا

وقد وحدوا رأيهم أن تكون *** اماما عليهم وقد اجمعوا

فلما اعتزمت موافاتهم *** وهم في دياجي الشقا هجع

نصيب سواهم نعيم الحياة *** وحظهم فقرها المدقع

قطيع له الذئب راع ، متى *** يطيب ويهنا له مرتع

وما ان خدعت بايمانهم *** ومن خبر الناس لا يخدع

ولكن ليفهم معنى الحياة *** أناس بأوهامهم قنع

خرجت بظعنك من يثرب *** وسرت تشيعك الادمع

وأسرع نحوك أسيادها *** وأدمعهم منهم أسرع

وقد ودعوك فهل أيقنوا *** بأنهم مجدهم ودعوا

فقمت كما انتفض ابن العرين *** لهم ، أو كما عصفت زعزع

وقلت وقد غمر الحاضرين *** جلالك والشرف الارفع

أمر من الموت أن تذعنوا *** لحكم الطليق وأن تخضعوا

وماذا ستجنون من فعلكم *** اذا حصد المرء ما يزرع

أيغدو ابن ميسون وهو الاذل *** عليكم أميرا ولم تجزعوا

أيستبعد الكلب ليث الشرى *** وبالحوت يحتكم الضفدع

أبى مجد هاشم أن يستكين *** بنوه المغاوير أو يضرعوا

وما أبعد الذل عن مثلهم *** لمن عن مخازيه لا يردع

ومن خير اثاره شرها *** وأفضل أعماله الاشنع

وأشهى من العمر اتلافه *** اذا طاول الارفع الاوضع

وليس الحياة بمحبوبة *** اذا غلب الساعد الاصبع

فلا بد من نهضة لي بها *** بلوغ المرام او المصرع

الحسين في طريقه الى مكة :

ظعنت برهطك تطوي القفار *** وبالنجب أجوازها تقطع

يحلك في مهمه مهمه *** ويدنيك من حاجر لعلع

وحولك من هاشم فتية *** فؤاد المعالي بهم مولع

كستها يد العز برد الجلال *** وأبدع تكوينها المبدع

مصابيح في الافق اشباهها *** بهم كل داجية تصدع

تناقلك البيد حتى غدا *** لركبك في مكة موضع

وريع يزيد فبث العيون *** عليك فما فاتهم مجمع

ص: 255

وأحزن مكة أن ابنها *** الابر على هجرها مزمع

ولما تلاقت وفود الحجيج *** ومن كل فج أتت تهرع

شرعت بسيرك نحو العراق *** وخصمك في كيده يشرع

وجئت الطفوف فجاءتك من *** جهات العراق العدى تسرع

رعيل يجد بأثر الرعيل *** وجيش خطى مثله يتبع

وقفت تحذرهم فعلهم *** وتأبى غوايتهم أن يعوا

ومذ أخفق القصد في وعظهم *** وعاد سوى السيف لا ينفع

تقدم للحرب ابناؤها *** ومن بأسهم ليلها يسطع

ليوث وغى ان يحم البلاء *** بهم كل نازلة تدفع

تحامي كماة العدى قربهم *** كما يتقى الجانب المسبع

وخاضوا غمار الردى ، والظبى *** تسل ، وسمر القنا تشرع

فخروا لوجه الثرى بعدما *** تضعضع هولا وما ضعضعوا

وماتوا كراما أريج الثناء *** لهم من أريج الكبا أضوع

رضيع الحسين :

وطفلك أعزز على أمه *** وقد عاد من دمه يرضع

سقته المدامع لو لم يكن *** من الرعب قد جمد المدمع

أتتك به كي تروي حشاه *** وغيرك ليس لها مفزع

وهب انكم قد أخذتم بما *** جنيتم ، فماذا جنى الرضع

وبعدما يصف حملات الحسين (عليه السلام) الى مصرعه يختم الملحمة بقوله :

كفى ان ذكراك يا ابن النبي *** بها كل قلب لنا موجع

ستبقى مخلدة ما دعا *** فم في الورى أو وعى مسمع

وان سهام رزاياكم *** بكل فؤاد لها موقع

أيفزع منها الحشا سلوة *** وقد ضاق فيها الفضا الاوسع

وما جل يومك لو أننا *** بمثل حوادثه نفجع

محمود ابن السيد حسين بن محمود ولد 1323 ه شاعر رقيق وأديب ذواقة من مشاهير الشعراء واعلام الادب نشرت له الصحف كثيرا من الشعر وشارك في حفلات أدبية فكان له قصب السبق طبعت له رباعيات بعنوان : رباعيات الحبوبي.

ص: 256

عرفته كما عرفه غيري هادئ الطبع لطيف المعشر أنيقا مترفا يعتني كثيرا بهندامه وملبسه وأحب شيء الى نفسه الندوات الادبية حتى يعاف النوم والطعام في سبيلها وينسى كل شيء في الحياة يعجبه كثيراً أن يصف الطبيعة في شعره لذا ترى روضياته تمتاز على غيرها وهذه مجلة الغري حافلة بنتاجه الادبي كما تجد ذلك في ديوانه المطبوع بالنجف عام 1367 ه اما رباعياته طبعت سنة 1370 ه وشاهدته ينظم أكثر ما يمر عليه في الحياة لذلك تجد وصفا دقيقا لمناظر الحياة في أشعاره.

ومن أحاسيسه قوله :

دعهم يشيدوا من الاوهام ما شاؤا *** فليس يحفظ خط الكاتب الماء

راموا الفخار فما نالوا مرامهم *** وقد كبا بهم عجز واعياء

جاؤا الحياة بلا عقل وانهم *** سيخرجون من الدنيا كما جاؤا

لو يكشف القلب عما فيه لانكشفت *** منهم الى الناس اشياء واشياء

ولو درت أنهم من بعض من نسلت *** حواء لم تهو الا العقم حواء

ومن وصفياته قوله في وصف الربيع :

هذا الربيع تجلى وهو مبتسم *** فلتبتسم وليودع نفسك الالم

تثني الحياة عليه فالشذا مدح *** وكل زنبقة بين الرياض فم

كسا الفيافي والاكام من حلل *** خضرا ، بها كالفيافي تزدهي الاكم

رفارف ليس يدري من يشاهدها *** صنعاء أحذق في وشيء أم الديم

أي المباهج ترجو أن تفتك هنا *** دنيا هي البشر ، والاشذاء والنغم

حلم جميل تمتع فيه مغتبطا *** فما حياتك الا الطيف والحلم

وقوله :

أشاعرة النهر المصفق كلما *** شدوت من الازهار في خير محفل

تغني وغضي الطرف عما يخافه *** سوانا من الغيب المعمى الموجل

تغني فما ندري غدا ما يجيئنا *** به الدهر ، والدنيا نصيب المغفل

تغني ونحن الآن نشتمل الهنا *** فليس لك الافراح تبقى وليس لي

ص: 257

وجاء في الذكرى للشاعر محمود الحبوبي والتي طبعت بالنجف الاشرف ما يلي :

الشاعر محمود الحبوبي ولد في النجف الاشرف سنة 1906 م من أبوين علويين وكانت تربيته الاولى على والده الفقيه السيد حسين ابن السيد محمود الحبوبي شقيق العالم المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي. أدخله والده سنة 1912 م ( المدرسة العلوية ) وهي مدرسة نظامية أسست في أواخر العهد العثماني واستمرت حتى أوائل الحكم الوطني وأخرجه منهاعام 1916 م بعد أن تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الدين والحساب وأوليات اللغتين العربية والفارسية.

ثابر بعد تركه المدرسة المذكورة على دراسة علوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة وعلم المنطق حتى تخطاها الى دراسة الاصول والفقه. انصرف عام 1929 م الى التخصص في علوم الادب فكان يكثر من قراءة النتاج الادبي الجديد ومواصلة قرض الشعر. وفي سنة 1948 م ترك النجف مع أفراد عائلته واستوطن الاعظمية من بغداد حيث أقام فيها خمس سنوات ثم استوطن بعدها الكرادة الشرقية.

توفي بالجلطة القلبية فجر الاول من أيار 1969 م عن ثلاث وستين سنة ودفن بالنجف في مقبرة عمه السيد محمد سعيد الحبوبي في الصحن الحيدري لم يتزوج وآثر الانصراف الى دنيا الادب. وله من الآثار الادبية المطبوعة :

1 - ديوان محمود الحبوبي. طبع في النجف عام 1948.

2 - رباعيات الحبوبي. طبع في النجف عام 1951.

3 - شاعر الحياة - موشح - طبع في النجف بعد وفاته عام 1969 وله آثار لم تطبع. أقيمت له ذكرى تأبينية تبارى فيها الشعراء والكتاب وطبعت موادها بمطبعة النعمان بالنجف الاشرف عام 1970.

ص: 258

عبد الحميد السنيد

المتوفى 1970 م

1390 ه

خطيب بارع ، مسقط رأسه بلدة سوق الشيوخ - محافظة ذي قار وفيها نشأ وكان مولده سنة 1902 وبحكم مزاولته لمجالس العلم والادب وميله لحفظ الشعر ورثاء الامام الحسين علیه السلام تولدت ملكته الادبية ونمت مضافا الى مطالعته لكتب الادب والتاريخ والشعر والاطلاع على دواوين الشعراء نهل من مواردها ما نهل حتى ارتوى فراح يفيض من أدبه. نشأ عصاميا استاذ نفسه فما درس في مدرسة ولا تلمذ على استاذ وكافح أميته بنفسه طفلا ومارس الشعر يافعا.

امتهن أولا صياغة الثياب النيلية والالوان الاخرى يستدر منها رزقه ثم تركها غير آسف عليها مذ رأى قابليته الادبية تساعده على الخطابة. وفي سنة 1383 ه طبع ديوانه ( الحان الروح ) بمطبعة دار السلام بغداد وفيه الوان من شعره الوجداني والوطني والعقائدي ، وقد كتب عليه :

ان أزهق الموت روحي *** وغاب في الترب جسمي

فثروتي بعد موتي *** ديوان شعري ورسمي

ومن الحانه في الامام الحسين علیه السلام قصيدته في المولد وعنوانها موكب النور ، أولها :

ص: 259

قمرية الوادي بلحنك غردي *** فالوقت طاب بطيب يوم المولد

وأخرى بعنوان ( سبط الهدى ) أولها :

سرت نفحة البشرى فأطلقت أفكاري *** ووقعت لحني بعد توقيع اوتاري

ومن ألحانه قوله تحت عنوان : مهنتي.

قد أنكروني بنو قومي وما علموا *** أني امرؤ قد سمت بي للعلى قدم

أعيش عنهم بعيدا لا يسامرني *** الا الكتاب بليل الهم والقلم

اصوغ من دور الالفاظ ما عجزت *** عن مثله العرب الامجاد والعجم

لونت منها المعاني المنتقاة باصباغ *** القريحة فازدانت بها الكلم

صهرتهن بقدر الفكر فانبعثت *** نار الشعور لها من تحته ضرم

فالقدر والكوز والداعوش يشهد لي *** والنيل والجوهر الالوان والوضم

وله ( الزهرة الذاوية ) :

زهرتي انت بين زهر الربيع *** خصك اللّه بالجمال الطبيعي

لك عرش بين الزهور رفيع *** قد سما فوق كل عرش رفيع

انت توحين لي القريض فأسمو *** في سماء القريض فوق الجميع

انت معنى الجمال يا منية النفس *** وجو الخيال في موضوعي

انت في الليل روعة وسكون *** فيهما تنجلي صفات الخشوع

انت في الصبح نسمة توقظ الاحساس *** في شاعر الهوى المطبوع

انت في الروض نفحة القدس والطيب *** ولحن الاطيار في الترجيع

انت في العود نغمة تنعش القلب *** وفي الناي أنة الموجوع

اي كف أثيمة فيك عاتت *** فمحت منك اي حسن بديع

بددت حسنك النضير وياما *** كنت اسقيه من نمير دموعي

* * *

رتلي لي حمامة الدوح لحنا *** يبعث الوجد في حنايا ضلوعي

اسعديني على البكاء فاني *** لم اجد لي سوى البكا من شفيع

راعني حادث الزمان فيا *** لله من حادث الزمان المريع

وأتتني تترى عواديه لما *** أيقنت بي لم أهو عيش الخنوع

الوليد الثائر

هنا حلبات الشعر للمتسابق *** فهيا فقد اطلقت للجري سابقي

ص: 260

ووقعت لحني فوق قيثارة الهوى *** بانغام صب واله القلب عاشق

ورحت أغني باسم من ملك الحشا *** باجفانه لا بالسيوف البوارق

فلولاه ما رقت شعوري ولا جرت *** باعذب معنى في الخواطر رائق

وما الشعر الا نظرة وابتسامة *** الى النفس تزجيها مشاعر وامق

وما الشعر الا ما يردد لحنه *** بكل فم من أعجمي وناطق

وما الشعر الا روضة رقصت بها *** بنات الرؤى كالعين بين الحدائق

وما الشعر الا ثورة النفس رتلت *** أهازيجها الاجيال بين الخلائق

فما كل طير كالهزار مغرد *** ولا كشقيق الورد عطرا لناشق

ولا مثل يوم بالمسرات مشرقا *** كيوم بنور السبط بالامس شارق

بمولده طافت مواكب للمنى *** تصافح في دنيا الهنا خير صادق

واشرقت الامال فيه ورفرفت *** طيور المنى في روضها المتناسق

وبالافق الاعلى تطوف مواكب *** من النور تجلو في الدجى كل غاسق

فيالك مولودا بحجر محمد *** تغذى بطيب للنبوة عابق

تفرع من زيتونة احمدية *** زكا أصلها كالفرع بالمجد باسق

فكم سن نهجا للاباة بعزمه *** وحلق في افق من الحزم سامق

وأوضح درس التضحيات لامة *** أبت أن تهاب الموت عند الحقائق

بنهضته الكبرى اهتدى كل ثائر *** الى الحق في غرب الدنا والمشارق

لقد طاب غرسا مثلما طاب مولدا *** ونال من الرحمن أسمى المرافق

ورف على الارضين بالعدل نوره *** فطهرها من رجس كل منافق

وبدد شمل الظالمين وهد من *** معاقلهم في سيفه كل شاهق

وخلد للاجيال أروع صفحة *** تضيء بانوار الهدى كل غاسق

* * *

امام الهدى عفوا فاني ألكن *** بمدحك لا اسطيع تعبير ناطق

ولكنني ارجو شفاعتكم غدا *** من اللّه يوم الحشر بين الخلائق

ص: 261

السيد عبّاس شبّر

المتوفى 1391 ه

يا باذلا في سبيل الحق مهجته *** وما حقا كل تمويه وتأسيس

ومنقذا شرف الاسلام من فئة *** يزيدها البغي تدنيسا لتدنيس

شرعت دستور اخلاص وتضحية *** في مجلس للهدى والحق تأسيسي

بعثت في الدين روحا كان أزهقها *** جور الطغاة وارهاق الاباليس

ضربت رقما قياسيا يحار له *** أهل الحساب واصحاب المقاييس

للمصلحين قواميس مخلدة في *** الارض واسمك عنوان القواميس

تقيم نهضتك الدنيا وتقعدها *** للحشر ما بين اكبار وتقديس

ناهيك من نهضة غص الزمان بها *** لما تضم وتحوي من نواميس

خلدتها فهي للاجيال مدرسة *** تناوح المجد في بحث وتدريس

هذا هو الشرف الباقي فما هرم *** يعزى لغنج عمون أو رعمسيس

في ذمة الدين ما أرخصت من مهج *** للدين سلن على السمر المداعيس

لولاك لاندثرت فينا معالمه *** فلم نجد غير ربع منه مطموس

بعدا لقوم يرون الدين قنطرة *** لما يسد فراغ البطن والكيس

باتوا يحوطون دنياهم بحيطته *** وهم على دخل منه وتدليس

رام ابن ميسون أمرا دونه رصد *** أعيى أباه فأودى تحت كابوس

وكم سعى جده مسعاة ذي حنق *** وجد لكن لجد منه معكوس

وكيف تطفئ نور اللّه زعنفة *** عار على العيس ان قلنا من العيس

لها فصول من التاريخ قد ملئت *** خزيا فكانت هناة في القراطيس

ان انتمت لقريش في أرومتها *** فخسة الطبع تنميها لإبليس

يحيى علاك وتخزى نفس مرتطم *** في حمأة الشرك والطغيان مركوس

هذا ضريحك كم حج الملوك له *** فأين قر الخنا في أي ناووس

صلى عليك الذي أولاك منزلة *** دانت لعليائها علياء ادريس

ص: 262

الفقيه الاديب السيد عباس شبر حسنة من حسنات الدهر ونابغة من نوابغ العصر ووجه ناصع من وجوه الكمال ، لازمته بحكم صلة القرابة وامتزجت به روحيا وكان يعظم في عيني كلما ازددت ويسخر من هذه الحياة التي يتطاحن الناس على زبارجها وزخارفها ويبتعد كل الابتعاد عن المطامع والتصنع ويندد بالمرائين والمدلسين وكان البعض يحسبه مترفعا غير مبال بالكرامات ، وانما كان يرى لنفسها قيمتها ويحفظ لها كرامتها فما عرف عنه الا الاباء والعزة فاسمعه يقول :

ترفعت عن معروف حي وميت *** فكل حطامي منزل لابي وقف

فكم ليلة للغيث بت مسهدا *** احاذر أن يهوي على صبيتي السقف

عانى من شظف العيش ومرارة الحياة وآلام المجتمع شيئا كثيرا وهو صلب الارادة قوي العزيمة تتمثل فيه صفة المؤمن الكامل ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) وحتى لو اقتسم الناس الدنيا لما التفت اليهم ومن وقوله :

انا ما استخدمت شعري *** في مديح أو خلاعة

لا ولا لوثت بالاطماع *** سربال القناعة

أبعد اللّه أديبا *** تخذ الشعر بضاعة

كان عندما يشاهد هذا المجتمع الراكض وراء السفاسف والزخارف وقد بنى كل مقوماته على الدجل استشهد بقول الامام العادل امير المؤمنين علي بن ابي طالب : ان هؤلاء لبسوا الدين كما يلبس الفرو مقلوبا. وكنت عندما اسمعها منه واحدق في وجهه وعينيه البراقتين استغرق ضاحكا ويزداد ارتياحي عندما يفر هذه الكلمة وأن الذي يلبس الفرو مقلوبا فقد استعمله لغير ما وضع له اذ يفقد التدفئة ثم يتراءى شكله كالكبش بمنظر مضحك ثم ينشدني قوله :

يا خليلي كفناني بشعري *** واعصرا للتغسيل منه دموعي

واعرضاني للبدر فهو رفيقي *** كي يصلي على عند الهزيع

ص: 263

وارقبا فسوف يبدو عليه *** عارض من كابة وخشوع

وامنعا اهل موطني حمل نعشي *** فحرام عليهم تشييعي

صور العلامة شبر وابدع بتصويره - لوائح فنية بشعره عن مجتمعه فقد درس الحياة دراسة وافية واتحفنا بروائع جرت مجرى الامثال كقوله :

فالمرء مرآة المحيط وطبعه *** كالماء يأخذ شكله من ظرفه

حديثه ملذ معجب فأين ما حل استرسل بالادب الشهي والفوائد العلمية والادبية والكلمات الحكمية فهو أشبه بدائرة معارف ولا يكاد جليسه يمل حديثه ، لذلك أعددت نفسي لالتقاط منثوره ومنظومه وقال له احد الادباء : ان حفظك للشعر لا يقوى عليه أحد ، فقال كنت ايام شبابي عندما تنتظم حلقة الادباء للتقفية الشعرية التي تبرهن على ملكة الاديب اطلب منهم ان تقتصر التقفية على ديوان واحد من دواوين الشعر كديوان الرضي مثلا ، وفي الليلة التي تليها تكون التقفية وتسمى ب ( المطارة الشعرية ) مقصورة على ديوان المتنبي والبحتري وهكذا. وربما تحبس التقفية وتحصر بدائرة اضيق من ذلك بان تكون بحماسيات الرضي أو حكميات المتنبي او وصفيات ابن الرومي والبحتري أو غزل ابن الاحنف ، قال وربما تكون التقفية مقصورة بباب واحد من ابواب الديوان بمعنى تكون المطاردة بميميات المهيار أو همزيات المرتضى أو بائيات الرضي. وعندما تعرف عليه الشاعر السيد محمود الحبوبي أثناء اقامته بالبصرة وساجله ورأى قوة براعته الادبية اذ كان له على كل كلام شاهد أو شواهد شعرية قال له : اهنئك على هذا الشغف فما رأيت اسمى من روحك الادبية وحافظتك القوية ، وشاركت في الحديث فقلت : ما مر بأحد من الشعراء الا وقرأ شيئا من شعره ، فقال السيد : ما تركت شاعرا من شعراء العرب الا وحفظت أجود ما نظم.

تولى منصب القضاء الشرعي بعد الحاح كثير من عارفيه ومقدري فضله وحتى ألزمه المرجع الديني الاعلى السيد ابو الحسن فتولى القضاء في العمارة أولا ثم في البصرة فبغداد فكان المثال الرائع

ص: 264

للنزاهة فلم ينتقض له حكم قط طيلة اثنتي عشرة سنة ولم يغير المنصب منه شيئا ، ملتزما بأوامر الشرع الشريف متثبتا كل التثبت مراعيا احكام اللّه والشريعة ( المقدسة ) وعرف عنه انه يحرص كل الحرص على حل الخصومات صلحية اكثر منها تنفيذية ومن شعره :

لولا شؤون شرحها محزن *** تهدد الحر بما يخشى

ما كنت بالمنبر مستبدلا *** ما عشت كرسيا ولا عرشا

وقوله :

أبعد الصبر والعزلة *** والاخبات والنسك

أولى الحكم بين الناس *** هذا المضحك المبكي

لقد ألجأني دهري *** الى أمر به هلكي

فللويل على الفعل *** وللويل على الترك

لقد ألزم نفسه ان لا يجلس للقضاء بين الناس الا وهو على وضوء داعيا ربه أن يهديه للصواب ، قال له زميله الشيخ علي الشرقي - وكان اكثر اخوانه اصرارا عليه بتولي القضاء - قال له على سبيل المداعبة ، انك ستجد النشوة الكبرى عندما تجلس وراء منضدتك وتقرر حكمك والناس صامتون مذعنون والمحامون صاغون ترى نفسك كأنك جالس فوق النجوم. وعندما تولى السيد المنصب كتب للشيخ الشرقي : اني وجدت أن تلك الساعة هي أخوف ساعة ، فما من مرة وقد هممت باصدار الحكم الا وارتسمت امام عيني الآية من قوله تعالى « ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ».

كان يقضي شطرا من الليل بالابتهال والدعاء والتضرع والبكاء ويراها احب الساعات الى نفسه ومما أنشدنيه رحمه اللّه في أواخر حياته وهو آخر ما نظم من رباعيات.

لقد أعرضت عن دنيا *** بها لا يرتجى الخير

وأقبلت على اخرى *** اليها ينتهي السير

فدنيا أنا فيها الدار *** والمسجد لا غير

تحيرت فلا ادري *** أدار هي أم دير

وقال :

ولما أن رأيت الناس غرقى *** بطوفان الجهالة والغوايه

ص: 265

فلا قلب يباركه حنان *** ولا رأس تتوجه الهداية

وعاد الدين بينهم غريب *** واهل الدين هم أهل الجناية

بكيت على الورى ولزمت بيتي *** أسير اليأس انتظر النهاية

وأنشدني :

طغى في الناس الحاد بجهل *** فماذا قيمة العقل الحصيف

يريد المرء أن يحيى طليقا *** برغم العلم والدين الحنيف

يقول لنا المعري منذ ألف *** وما أسمى مقال الفيلسوف

اذا ما الحدت امم بجهل *** فقابلها بتوحيد السيوف

وكثيرا ما كان يرتجل البيت والبيتين ولكنها تذهب مع الريح كقوله عن البصرة :

هيهات غاضت أبحر ( الخليل ) *** في عصرنا فالجيل غير الجيل

وقال :

أرى الشط شط العرب مرآة أهله *** فما فيه فيهم من هدوء ومن بشر

يصارف منه الرافدان بعسجد *** لجينا ولكن المحصل للبحر

وكثيرا ما كان عند مطالعته الكتب وتأثره بالكتاب ينظم البيتين والثلاث فيخطها على ظهر الكتاب كقوله عندما طالع ديوان نازك الملائكة (1).

قلت لليل صامت أنت مثلي *** قال اني مصغ للحن الملائك

كم على الليل من شياطين هم *** دحرتها عني نيازك نازك

وكقوله الذي كتبه بخطه على كتاب ( نظرية التطور ) لسلامة موسى :

هبطت الى هذا الوجود فلم أجد *** بميدانه المكتض الا مصارعا

أليس محالا أن أعيش مسالما وقد *** سن قاضي الكون فيه التنازعا

وقوله وقد كتبه بخطه على مجلة الاماني وهو من المناجاة :

أنقذت نوحا وابراهيم ، من غرق *** أنجيت هذا وذا من حرق نيران

فها انا غارق بالدمع محترق *** ( بنار ) حزني فأنقذني باحسان

ص: 266

وفي اثناء مطالعاتي في مكتبته القيمة رأيت ديوان الشاعر بدر شاكر السياب وقد أهداه للشاعر شبر وقد كتب الاهداء بخطه ثم نعته بشاعر الانسانية. وكتب على كتاب ( فلسفة اللذة والالم ).

أطالت تباريح الحياة تألمي *** فطال على الدهر الخؤن تظلمي

ولا عجب للمرء ان عاش شاكيا *** فأقدم حس فيه حس التألم

وكتب أيضا بخطه على كتاب ( اعرف مذهبك ) لمؤلفه مارتين دودج.

مذاهب ليس لها غاية *** الا جدال وأضاليل

والحق مقصور على واحد *** لاحمد أوحاه جبريل

وكتب على ديوان ابي الطيب المتنبي.

أمة الشعر آمني بنبي *** شكلت معجزاته ديوانا

ما ادعى أحمد النبوة حتى *** عاد في الشعر قوله فرقانا

وارتجل مرة عدما استمع الى خطيب الذكرى الحسينية في احدى المجالس :

هتفت لك الاملاك وال- *** -علياء تصفق باليدين

ذهبت سفر الحق من *** دمك المقدس يا حسين

نشرت له امهات المجلات ادبا كثيرا منها مجلة الاعتدال والهاتف والغري والبيان وكتب عنه الاستاذ الخليلي في ( هكذا عرفتهم ) كما كتب عنه الحوماني في ( وحي الرافدين ). كانت ولادته سنة 1322 ه بالبصرة ليلة الجمعة 19 ذي الحجة الحرام والمصادف 24 شباط 1905 م وكانت وفاته ليلة الجمعة 8 شوال 1391 وقد شيع في كل من البصرة والعمارة ميسان والكاظمية وكربلاء والنجف مثواه الاخير في احدى حجر الصحن الشريف وهي الحجرة المجاورة لباب القبلة عن يمين الداخل واقيمت له الفاتحة الكبرى في مسجده الذي يقيم فيه صلاة الجماعة بالبصرة كما اقيمت له الفاتحة في المدرسة الشبرية بالنجف واستمرت الفواتح بنواحي البصرة وسائر العراق حتى يوم اربعينه الذي أقيم في مسجده وشارك العلماء والادباء نظما ونثرا.

ص: 267

الشيخ محمد سعيد مانع

المتوفى 1392

حياة الناس في لهو ولعب *** ونحن حياتنا ذكرى الحسين

لعمرك اننا فيه سنجزى *** نعيما دائما في النشأتين

وللراثي جزاء ليس يحصى *** ويسكن في الجنان قرير عين

الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ سلمان آل مانع. ولد سنة 1339 ه اديب لبيب وظريف لطيف ، شاعر باللغتين الفصحى والدارجة خدم المنبر الحسيني برهة من الزمن درس ونال رتبة عالية فكان احد أساتذة منتدى النشر يوم افتتح مدرسته ، اشتركت معه في تحقيق ( جامع السعادات ) للنراقي وفي تأليف كتاب ( لسان الصدق ) وله ( أنيس الجليس في التشطير والتخميس ) ما زلت احتفظ به بخطه يتحلى بالعفة والحياء وصلابة المبدأ وقوة العقيدة الى جنب رقة الطبع والظرف فهو في الوقت الذي الف كتابا مختصرا في الدعاء وفوائده واختار جملة من الادعية المجربة اقول بهذا الوقت كان قد جمع مجموعة من الاغاني الرقيقة في الحب الطاهر والجمال الباهر والمعاني البديعة التي يشتاقها كل ذي ذوق وحس عالي ، مهما وقعت عينه على الازهار والرياض والورود والرياحين راح يتغنى بصوته الرقيق بما قاله الشعراء في الشعر الروضي. ولا يكاد يطلع عليه الفجر الا وانتبه لطاغة ربه وردد الاوراد وهو شاب مملوء حيوية وايمانا ووجدانا وذكاء وفطنة ، زاملته ولازمته اكثر من عشر سنين وهو اكثر من صاحبته فلا اعرف شخصا اتصلت به روحيا اكثر منه ، درسنا سويا في مدرسة منتدى النشر وحزنا على شهادة التخرج وتدارسنا كثيرا من الكتب فقد حققنا كتاب جامع السعادات للنراقي وعلقنا عليه وهو لم يزل موجودا عندي وعندما حققت اللجنة التي

ص: 268

قامت بطبع الكتاب كان ما حققناه من جملة المصادر. كان الاستاذ المانع يمتهن الخطابة ثم تفرغ للدراسة والتدريس في مدرسة منتدى النشر ، وكنا في اوقات الفراغ نتدارس كتاب ( الكامل ) للمبرد ونطالع على انفراد كتب الاخلاق ونختار منها حتى كان منها كتاب ( الاخلاق في قصة ) فاذا نظم جاء بالشيء المعجب وما زلت احتفظ بمجموعة من مراسلاته وخواطره منها اني كتبت له من لبنان سنة 1365 ه رسالة وفيها قطعة شعرية منها :

حاشاك تمنع وصلنا *** حاشا وفاءك يا ابن مانع

انساك - لا انساك - *** يا قلبي ومثواك الاضالع

هل عهدنا ( الماضي ) أرى *** يوما لعودته ( مضارع )

تلك السويعات العذاب *** أريجها كالمسك ضائع

عودي فقد حن الفؤاد *** لطيب هاتيك المرابع

قفص الاضالع عاقه *** فأناب مرسلة المدامع

قد هام حولا بالكنائس *** ثم حن الى ( الجوامع )

يا صاحب الخلق الاغر *** وجامع الشيم الروائع

هذي البراقع خلفها *** - اللّه ما خلف البراقع -

وجه تناسق بالروائع *** مثل ما يهوى المطالع

فأجابني بقطعة أذكر منها قوله :

بكم نجاة محب *** وجدكم خير شافع

منعت ودي سواكم *** لذاك لقبت مانع

لبنان طابت فسرتم *** لها وخلفتموني

سببتم الهجر انتم *** ففيه لا تتهموني

بالعيد هنأتموني *** هل يعرف العيد مضنى

وصالكم لي عيد *** بغيره لست أهنا

توفي ليلة 22 شوال - ليلة الاربعاء سنة 1392 ه المصادف 28 / 11 / 1972 ومن مؤلفاته كتاب ( الرفيق في الطريق ) يضم النوادر الادبية والنتف الاخلاقية والمقاطيع الشعرية وجملة من شعره ومراسلاته لاصدقائه واخوانه امثال السيد محمد تقي الحكيم وصادق القاموسي من اعضاء منتدى النشر ومن موشحاته رائعته التي عنوانها ( انشودة الفجر ).

ص: 269

الدكتور زكي المحاسني

المتوفى 1392

الملحمة العربية الكبرى للدكتور زكي المحاسني وتنفرد بنشرها مجلة ( قافلة الزيت ) السعودية وقد بلغ بهذه الملحمة حتى الآن النشيد السابع.

قالت مجلة العرفان اللبنانية عدد 4 م 59 : وندعو اللّه ونحن في ارض الوحي ان يمد له بعمره ، وهو اليوم في الخمسين منه ، ليتم هذه الملحمة الفريدة التي ينتظرها العالم العربي الحديث ويرصدها ، لتكون له بين ملاحم الامم في آدابها العالمية ملحمته المثلى.

الملحمة العربية

النشيد المحزون

الحسين

عاطني دمعا وخذ مني عينا *** واحسينا واحسينا واحسينا

انا في الشام وتيار حناني *** ينتحي من ذكرك المحزون حينا

يسأل الريح اذا هبت رخاء *** في البوادي عن هوى قد كان دينا

يا مهادا في العراقين أجيبي *** أين مثوى ذلك المحبوب أينا

كربلاء لفحة قهرية *** حملت في صفحة التاريخ شينا

هي لا ذنب لها من بلدة *** من دعا الاحجار ان تلبس زينا

وقعة فيها على عثيرها *** هزت الدهر لذكراها أوينا

لكأني أبصر المرج دنا *** بخيول بالردى الباغي سرينا

يا لها من طحمة كان خصيم *** سامها العرب وبلواها جنينا

تلك همدان أتت في مذحج *** وتميم وبأقدار رمينا

ص: 270

ذا عدى حصن دين وتقى *** قتلوه قطعوا منه ردينا

فانبرى الصحب على عرض الملا *** شيعة الثأر يصيحون افتدينا

فتن عجت مدى الجيل كما *** تلفح النيران لا تدري الهوينا

هب يطفيها على طغيانها *** بطل اعداؤه نادوا : الينا

ناصح قال له يابن مطيع *** لا تكن كبشا على المنحر هينا

فأبى وهو ينادي رهطه *** لن يصيب العرب من بعدي أينا

فأتاه الجمع في وثب الفدا *** يا حسيناه للقياك أتينا

أم وهب فيهمو مقدامة *** زوجها الكلبي نادى : ما اختشينا

بأبي أنت وأمي تلك روح *** غير ما نفديك فيها ما اقتنينا

خذ أبا الحمد فهذي طعنة *** بعدو اللّه طغواها ورينا

وهتاف قد علا تهداره *** نحن أنصارك انا قد حمينا

فيهمو عمرو أخو قرظة من *** يصدق الموت ولا يعرف مينا

ولديهم سالم ذو عوسج *** وحبيب قال للحتف اقتفينا

وزهير فارس الفتكة ان *** قيل ياابن القين لم تعرفه قينا

ورمى الكندي يفدي خدنه *** بكماة مثل جن قد هوينا

يا لابطال تدانوا في الوغى *** اشهدوا اللّه وقالوا ما اعتدينا

وأتى الخصم بجمع حاشد *** يا رواة الحرب انا قد روينا

قد بكى التاريخ خجلان ولو *** أظلم التاريخ فينا ما اهتدينا

يا أبا المجد ويا زين الملا *** لك في حرب المناجيد بنينا

مشهدا في ملحمات حمحمت *** قد طوين البيد والعمر طوينا

نحن ألجمنا الى الحشر الذي *** قد فرى قلبك ذكراه فرينا

وسفحنا بعدك الدمع على *** بطل ما مثله فيك بكينا

عطشا غبت عن الدنيا فيا *** ليتنا حزنا بماء ما ارتوينا

نشرب الكأس بلا طعم وما *** ساغ أنا بعد ظمآن استقينا

ليس يرثيك سوى روح على *** النجف الاشرف عنها ما انثنينا

حملت سر ( البلاغات ) ولو *** سكبت شعرا لمرثى ما رثينا

يا حبيبي لك في الشام ندى *** في مطل الزهر قد رف علينا

كم ركبنا الشوق نسري عمره *** خلف آماد الهوى فيه جرينا

دمشق الدكتور زكي المحاسني

ولد الدكتور زكي المحاسني سنة 1329 ه 1911 م وكان ابوه من كتاب المحكمة الشرعية بدمشق ، قال : لم يلبث أن توفي وعمري

ص: 271

سنتان ولم يترك لي صورة أراه فيها فعشت يتيما ترعاني أمي الحنون ، وحين نلت الشهادة من كلية الحقوق بدمشق وعمري يومذاك اثنتان وعشرون سنة توفيت امي فعشت بعدها باكيا عليها في شعري وكانت حنونا رؤوما ولن استطيع ان انساها حتى اموت.

الدكتور زكي المحاسني له شهرته الادبية والعلمية ، شاعر رقيق متين الاسلوب واستاذ لامع في مجال التربية والتعليم ومحام قدير وكاتب واديب كبير نشر مقالاته في امهات الصحف والمجلات الشرقية والمهجرية منها :

الرسالة ، الهلال ، المجلة ، الكتاب ، الاديب يحمل شهادة دكتوراه الدولة من جامعة القاهرة من الادب العربي منذ سنة 1947 م مع اجازة ( الليسانس ) منذ سنة 1930 في الحقوق والآداب من الجامعة السورية سنة 1932 م درس فقه اللغة العربية وعلومها والادب العباسي في كلية الآداب العربية ، عين ملحقا ثقافيا بالسفارة السورية في القاهرة 1956 م.

كان عضوا في لجنة التربية والتعليم بدمشق 1956.

كان مديرا ثقافيا لتخطيط التعليم الجامعي بوزارة التربية والتعليم المركزية بالقاهرة سنة 1958 - 1961 ثم مديرا لوزارة التربية السورية.

آثاره ومؤلفاته : ( ابو العلاء ناقد المجتمع ) ( دراسات في الادب والنقد ) وكثير من الدروس الادبية وتغنى بشعره وذكر ثورة العشرين وامجاد العرب ووصف بغداد فكانت حياته حافلة بالعلم والادب والآثار الخالدة حتى تجاوز عمره الستين عاما وفي اليوم 23 من الشهر 3 من عام 1972 م 1392 ه رحل رحلته الابدية الى عالمه الثاني. كتب عنه الدكتور محسن جمال الدين في كتابه ( العراق في الشعر العربي ) وكتب عنه الاستاذ جمال الهنداوي في مجلة العرفان مجلد 61 وفي مجلة البلاغ العراقية السنة السابعة.

ص: 272

الشيخ عبد الكريم صادق

المتوفى 1392

الشيخ عبد الكريم صادق علم من الاعلام وائمة الشرع الكرام وسامته تنبيك عن ايمانه وورعه واساريره تقرأ عليها تقواه وطيب سريرته ، عاش في النجف ولبنان مصلحا مرشدا وافنى جل عمره بالصلاح والاصلاح ولا عجب فالاسرة اسرة علم وتقى فهو ابن البطل الكبير الشيخ عبد الحسين صادق واخو الشيخ محمد تقي صادق والشيخ حسن صادق ، دوحة تنفح بالعطر الطيب ، كان محل ثقة الجميع في عفافه وتقاه وزهده في الدنيا وانصرافه عنها ويحتل في النبطية صدر البلد ازدانت به واحتضنته معتزة به فخورة بفضله رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

أعن الابا يرضى الحسين عدولا *** والخسف هل يرضى عليه نزولا

وهو الذي أنف الدنية قائلا *** انا ما خلقت لان أعيش ذليلا

وانا ابن أعراق الثرى من هاشم *** وأعز من تحت السماء قبيلا

فاذا تحداني وهاجم منعتي *** عات شهرت الصارم المصقولا

ودفعت نفسي للمهالك قائلا *** لا عز الا أن تموت قتيلا

لست الحسين وليس حيدرة أبي *** ان لم أشق الى الكفاح سبيلا

وأخض غمار الموت يتبع بعضها *** بعضا وتعتر السيول سيولا

أأهون والشرف الاصيل يلفني *** بردا ويعصب مفرقي اكليلا

وابي علي من تردي بردة *** للفخر تلثمها النجوم ذيولا

والام فاطمة التي في القرط من *** عرش المهيمن كانت القنديلا

وأنا الذي هز الملائك مهده *** ولظهر احمد كم غدا محمولا

ص: 273

ولكم تنشق وفرتي ريحانة *** طه وقبل مبسمي تقبيلا

أحسين للدين الحنيف وللابا *** وكلاهما لك قد غدا مكفولا

جردت عزمك ثائرا وشحذته *** سيف أغر وساعدا مفتولا

فوقفت اذ عبس الفوارس باسما *** وتهز فيها الصارم المصقولا

لله وقفتك التي كم للورى *** أدهشت البابا بها وعقولا

وله من قصيدة نبوية قال في أولها :

صفاك ربك واصطفاك نذيرا *** يا من بطلعتك الوجود أنيرا

هي دفقة للنور من بحر السنا *** رحب الفضاء بها غدا مغمورا

هي قبسة ممن تجلى نوره *** للطور من سينا فدك الطورا

ولدتك آمنة الفخار مباركا *** ومطيبا ومطهرا تطهيرا

وحواك منها حجر أكرم حرة *** واذا النساء كرمن طبن حجورا

وله أيضا في مدح الرسول الأعظم محمد صلی اللّه علیه و آله .

بالكتاب المنير أحمد جاءا *** معجزا مفحما به البلغاءا

فيه تبيان كل شيء واحصت *** آية كل حكمة احصاءا

ولما في الصدور فيه شفاء *** حينما جهلها يكون الداءا

جاءنا بالهدى رسول أمين *** خاتما رسل ربه الامناءا

جاء كالبدر جاء والليل داج *** يتجلى فمزق الظلماءا

وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي علیه السلام

مضى طه وقام وصي له *** مديرا من شريعته رحاها

وفوق منصة الاحكام منها *** علي قد تربع واعتلاها

ففاضت ثم فاضت ثم فاضت *** ركي الفضل طافحة دلاها

فلو وردته عطشى الخلق طرا *** لروى من منابعه ظماها

له من فوق منبره سلوني *** سلوني هل بها الاه فاها

وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي علیه السلام

ولاؤك حصني يا علي وجنتي *** اذا قصرت يوم القيامة حجتي

أفي النار ترضى أن يزج معذبا *** وليك لا يشتم روحا لجنة

ص: 274

وحبك منه خامر اللحم وهو في *** غشا الرحم في دور اختباء الاجنة

واذ ألقمتني ثديها الام في اللبا *** تذوقته منه لاول رشفة

ببابك حط الرحل مولاك عالما *** بأنك يا مولى الورى باب حطة

وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي علیه السلام :

هي بيعة لك يا علي اقامها *** خير الانام بمشهد الاملاء

يوم الغدير اذ الحجيج معرس *** فيما أحاط به من الصحراء

وله أقيم من الحلائج منبر *** يحنو عليه الدوح بالافناء

حيث الهواجر قد ذكت نيرانها *** والرمل متقد بحر ذكاء

فعلاه خير المرسلين محمد *** وأتى بتلك الخطبة العصماء

فصل في الالهيات ارجوزة له ايضا تشتمل على مأة واربع وعشرين بيتا

المبدأ الفياض رب الجود *** هو القديم الواجب الوجود

شاء فكان عالم التكوين *** مسخرا لكافه والنون

أبدع ما أبدع من صنيعه *** فجاءت الدهشة من جميعه

هذي السما تبنى على غير عمد *** وهذه الارض على الريح تمد

وهذه الشمس وهذا القمر *** كلاهما في سيره مسخر

وله ايضا

بك آمنت يا قديم الوجود *** يا من الكون منه رشحة جود

منك فاض الشعور في كل حي *** وتمشى النمو في كل عود

منك زهر النجوم شعت ضياء *** وبدا الصبح ضاربا بعمود

وتجلت ذكاء ناشرة النو *** ر على الارض سهلها والنجود

أنت سخرتها طلوعا أفولا *** كلما أدبرت لها قلت عودي

وله ايضا

يا واهب الكون منه أجمل الصور *** ويا منوره بالشمس والقمر

ويا مرصع آفاق السماء بما *** يبدو خلال الدجى من أنجم زهر

ص: 275

يا من أدار بها الافلاك دائبة *** ولو أراد لها التعطيل لم تدر

يا من بنى فوقنا السبع العلى ودحى *** من تحتنا الارض مرساة بلا جذر

يا مرسل الريح يجريها مسخرة *** بأمره فهي مهما سيرت تسر

وله أيضا في العقل

هو العقل للانسان أشرف ما فيه *** سراج هدى في حالك الجهل يهديه

له الصدر بيت والفؤاد زجاجة *** اذا ما صفت شع السنا من نواحيه

يزيد بنور العلم نورا وتستقي *** ذبالته من زيته ما يغذيه

هو العلم معراج السعادة للفتى *** تبلغه أسمى الكمال مراقيه

به يكبر الانسان روعة كونه *** وما من جمال فيه أودع منشيه

وله أيضا

يا واهب العقل هذا العقل برهان *** عليك أن طلب البرهان حيران

عداه عما يرى في الكون من نظم *** تمت فما ان عراها قط نقصان

هذي السماوات والافلاك دائرة *** فيها فليس لها يختل ميزان

تجري كواكبها فيها على نسق *** فكل جار له في جريه شان

كل له منزل يأبى تعديه *** الى سواه وفوق الكل سلطان

وله ايضا

أتخفى وهذا النور يا رب سافر *** لوجهك عنا لا يواريه ساتر

لان كنت بالابصار ربي لا ترى *** فما قصرت عن أن تراك البصائر

فأنت الذي عين الشهود خفاؤه *** وأنت الهي في بطونك ظاهر

كم الفيلسوف استفرغ الوسع *** طالبا لذاتك تحليلا اذا هو قاصر

أتى حائما حول الحمى كي ينيله *** ولوجا وأنهى عمره وهو حائر

وله أيضا

العلم حيث يكون علما نافعا *** هو ما يقارن صالح الاعمال

واذا هما افترقا فأعلم عالم *** متبحر هو أجهل الجهال

ص: 276

ولكم نرى من عالم فاق الورى *** بالجاه أصبح مغرما بالمال

يسعى وراءهما واكبر مدهش *** ولع المريض بدائه القتال

يا حامل المشعال كي يهدي الورى *** اتغض طرفك عن سنا المشعال

وله ايضا في المواعظ

عظ منك نفسك قبل ان تعظ الورى *** أولا فخل لمن سواك المنبرا

اتقول سيروا للأمام وأنت من *** يمشي ويرجع للوراء القهقرى

والماء اما لوثته نجاسة *** فمن النجاسة هل يكون مطهرا

فتحر أول أن تكون محررا *** وهنا يحق بأن تقوم محررا

أهواك تعبد ثم عن أن يعبدوا *** أهواءهم لهموا تجيء محذرا

وله أيضا

حاسب النفس قبل يوم الحساب *** وتأهب لرحلة واغتراب

سفر شاسع ومرمى بعيد *** وهبوط الى محل خراب

وسؤال من منكر ونكير *** أفهل أنت ناهض بالجواب

وكتاب في الحشر تلقاه منثو *** را فماذا أنت صانع بالكتاب

حين تبدو لك الصحائف سودا *** اكسبتها الذنوب لون الغراب

وله أيضا ارجوزة

على بني العلم اتباع الرسل *** في صالح القول وحسن العمل

وفي الرياضات لهذي الانفس *** كيما تفوز بالثمين الانفس

من جوهر القدس ومن در الصفا *** وحسبها ذانك حليا وكفى

بذاك ترقى سلم السعادة *** وتبلغ الاوج من السيادة

اذ انهم كنخسة عنهم بدل *** أو مثل أقرب شيء من مثل

قال يذكر المخدرة زينب بنت أمير المؤمنين علي ومحنتها بعد قتل أخيها الحسين

يا ربة الخدر ما لاقيت من خجل *** عصر الطفوف وما عانيت من وجل

اذ الكفيل مضى والرحل صيح به *** نهبا وجردت من حلي ومن حلل

ص: 277

ماذا دهاك ابنة الزهرا فانت على *** ذعر تراكضت في البيدا على عجل

وما عداك وقار من أبي حسن *** ولا شمائل طاها سيد الرسل

دهاك واللّه ان الخيل ضابحة *** جاست خلال الحمى من سائر السبل

وغودرت جنبات الربع خالية *** من كل ذي نجدة يحميك بالاسل

ص: 278

أنور العطّار

المتوفى 1392

انت في العين دمعة الكبرياء *** يا علاءا أزرى بكل علاء

لا أناجيك بالمدامع تهمى *** انت أسمى من الاسى والبكاء

ما غناء الدموع في موقف جل *** عن النوح والشجى والرثاء

لست في مأتم تغص به الار *** ض فتبكي له عيون السماء

لست في الهم عاصفا يذر *** الانفس مرعى مهدودة الاشلاء

انما أنت فكرة ومثال *** للعلى والمروءة السمحاء

نسجت حولك البطولة رمزا *** وارتوت منك دوحة الشهداء

أي معنى سكبت في اذن *** الخلد فظلت تعج بالاصداء

مطمح انت في العلاء بعيد *** واباء أعظم به من اباء

تمتطي الهول مركبا غير هيا *** ب صروف الدجنة السوداء

السجايا الوضاء فيك ابتداع *** واحنيني الى السجايا الوضاء

ضمنت منك مهجة تسع الخير *** ونفسا تموج بالاضواء

وعزوفا عن الدنايا وكبرا *** ومضاءا ما بعده مضاء

وثباتا على العقيدة وقفا *** لم يزل آية على الآناء

وهي النفس ان تثر تركب *** الصعب وتزحم مناكب الجوزاء

يا مثال الجهاد يا صورة البأس *** ويا غاية الندى والسخاء

لذ في ذكرك السني قريضي *** وحلا باسمك الحبيب ندائي

يا رجائي يا باني المثل العليا *** بناء ما مثله من بناء

أيها الموقظ النفوس من الظلم *** ومردي جحافل البغضاء

انفح الكون بالعظائم تترى *** فالعظيمات نفحة العظماء

علم العرب كيف يستسهل الموت *** ذيادا عن فكرة علياء

علم العرب كيف يقضى على *** البغي دفاعا عن عزة قعساء

علم العرب كيف يرتخص البذل *** ويحلو الفداء اثر الفداء

علم العرب كيف يحمى حمى *** الحق ويرعى بمائج من دماء

ص: 279

يا رفاتا تضوع المسك منه *** فسرى الطيب في مدى الارجاء

عبقت منه جنة الخلد حتى *** فغم العطر عالم السعداء

التقيون من شذاه نشاوى *** والنبيون منه في ايحاء

يا طرازا من المروءة سمحا *** فاض بالمكرمات والآلاء

صورة انت للعلى وكتاب *** ليس يبلى ، وعالم من ثناء

رددته الاحقاب جيلا فجيلا *** وروته قيثارة الانباء

وتغنت به الليالي هياما *** فهي منه في رفعة وازدهاء

بابي انت يا حسين وأمي *** يا نشيدي على المدى وغنائي

منك صغت الشعور لحنا جديدا *** وتفردت في بديع أدائي (1)

كان يسمى بشاعر الشباب متأثر بالديباجة البحترية والمدرسة الشامية في الشعر قال يصف خواطره في مقدمة ديوانه ( ظلال الايام ).

غفلت عني المنون فغنيت *** ولحن الحياة لحن قصير

وبنفسي قيثارة تتشكى *** وانا الدمع والاسى والشعور

قصد العراق استاذا في معاهدها العلمية واحتضنته ظلال الرافدين كما احتضنت غيره من أبناء العروبة يوم ان كانت نيران الاستعمار الفرنسي تلهب سماء دمشق نارا وسجنا وتعذيبا ونفيا. حل في بغداد عام 1936 شاعر الشباب السوري انور العطار منتدبا من وزارة المعارف العراقية ليكون استاذا في معاهدها لتدريس الادب العربي ، وأوحت له بغداد ودجلتها الكثير من القصائد الرقيقة ومنها قصيدته ( دجلة في الليل ) ذات الوزن الرقيق والتصوير اللطيف ، تبدو فيها اللوحات الخيالية قال فيها :

اسكب النور يا قمر *** واغمر النهر بالصور

وأذع فرحة الهوى *** وأشع لذة السمر

يتصباني النخيل *** ويغريني النهر

في ثناياه صورة *** حلوة كلها سير

ص: 280


1- ذكرى أبي الشهداء.

هو ريحانة العلى *** فيه من عبقر أثر

ها هنا سيرة الزمان *** وعاها الذي ذكر (1)

واقيمت في النجف حفلة تكريمية في نادي الغري لطلاب المدارس في الشام وكان الاستاذ العطار من بين الاساتذة الذين رافقوا الطلاب فالقى هذه الرائعة :

سلام على النجف الاطيب *** سلام على ورده الاعذب

على مهده عالم الذكريات *** ودنيا توقد كالكوكب

وكوني كآذار جم العبير *** انيقا كمنظوره الاهدب

تنشق ففي الترب مسك العبير *** تهادي وفي الجو عطر النبي

وطف بالهدى والندى والعلاء *** وبالجدث الطاهر الطيب

وقل يا غمام نعشت الغمام *** وقل يا ربيع نفحت الربي

وسلم على العبقري الهمام *** على نبعة الخير من يعرب

يموج من النور في موكب *** ويندى من الطيب في موكب

يطوف على الناس مثل الضباب *** اذا افتر عن مبسم أشنب

ويختال في الكون مثل الربيع *** يرن بفينانه المعشب

وعرج على موئل النعميات *** على الاريحي النجيد الابي

أخي الحزم والعزم والمكرمات *** أخي النائل الاطول الارحب

وهم بالبيان السني الشهي *** وأعجب بروعته أعجب

ورد موردا حافلا بالخلود *** وما شئت من ممتع مطرب

( علي ) ويا سحر هذا النداء *** وأعجب بروعته أعجب

تحن اليك القلوب اللّهاف *** حنين الصغار لجنح الاب

اذا اغطش الليل كنت الشعاع *** وكنت رجاء الغد الاصعب

وكنت الحنان ورمز الندى *** وكنت المعين على المذهب

ولم لا وانت رفيق النبي *** وانت شذى الطهر من يثرب

فيا ساكني النجف المستحب *** سلام القريب الى الاقرب

سأذكر ما عشت هذا النضال *** وأفنى بملهمه الملهب

وأحيا لهذا الحمى نغمه *** وقلبي اما يهم يطرب

فياطير هذا الغناء الرقيق *** فان شئت ترتيله فأندب

ص: 281


1- العراق في الشعر العربي والمهجري للدكتور محسن جمال الدين.

ويا جفن هذا مجال البكاء *** فان رمت ترويحه فاسكب

ويا نفس من ورده فانهلي *** ويا فكر من مائه فاشرب

بني الجود والخلق المستطاب *** من الافرخ الزغب والشيب

فياثورة النجف اليعربي *** غضبت وحقك أن تغضبي

يسيل الفرات بها صاخبا *** ونهر العلى ان يثر يصخب

ولولاك ما كان فجر الخلاص *** ولم يجل عن دارنا الاجنبي

شباب الحياة شباب الجهاد *** يشق المصاعب بالمنكب

مضى يستهين بغلب الصعاب *** ويدفع بالناب والمخلب

وما الحق الا الطماح الصراح *** بغير الرجولة لم يطلب

وله تحت عنوان : حدثيني

انت مثل الشعاع يترك في الكون *** ضياء ، وفي النواظر سحرا

راعني منك عبقري جمال *** يملأ الارض والسماوات شعرا

وفم صيغ من عقيق ودر *** جل من صاغه عقيقا ودرا

حذق السحر في الاحاديث والضحك *** وأصبى فم المحب وأغرى

وحديث مثل الربيع شهي *** يغمر النفس والجوانح عطرا

ساحر من نشائد الحب أحلى *** ناعم من نداوة الفجر أطرى

هو زاد القلوب ريحانة الفكر *** ودنيا تموج خمرا وزهرا

نضر العمر في خيالى فود *** القلب لو أنه يحدث دهرا

انت زينت لي الحياة ولولا *** ك لكانت خلوا من الصفو قفرا

أي سحر هذا الذي فتن الروح *** فمر الوجود يطفح بشرا

حدثيني يسعد بنجواك شعري *** ويزد رفعة وتيها وقدرا

واغمريني بعطفك الحلو تهتز *** لحوني وتسكب الشعر خمرا

حدثيني ففي حديثك دنيا *** تنثر المغريات والفن نثرا

ودعيني أذق لذاذة حلم *** كل من ذاقه ترنح سكرا

حدثيني فأنت آه المغني *** ونشيد يطوف ثغرا فثغرا

وأماني لا تمل التمني *** وسراب يلذ كرا وفرا

ولد عام 1908 م في دمشق نشأ ابان الحرب العالمية الاولى وشهد حياة دمشق ودرس في مكتب عنبر ابان أزمة الصراع بين الامبراطورية العثمانية والامة العربية ، كان في مطلع حياته ولوعا

ص: 282

بالرياضيات. عمل معلما ثم مديرا لمدرسة ( قرية منين ). اتصل بكرد علي ومعروف الارناؤوط ومجلة الزهراء ، ورافق علي الطنطاوي في دمشق وفي بغداد أثناء التدريس. احدهما يكتب والثاني ينظم. له من الدواوين ( البواكير ) و ( الاشواق ) و ( منعطف النهر ) و ( الليل المسحور ) و ( وادي الاحلام ) و ( ظلال الايام ) نشر أغلب شعره في مجلة الزهراء والرسالة وله كتاب ( الوصف والتزويق عند البحتري ) و ( اسرة الغزل في العصر الاموي ) الى بعض كتب مدرسية ، وله ايضا دراسة كاملة لنثر احمد شوقي ولكتابه ( اسواق الذهب ) وله درساة شاملة عن ( خير الدين الزكرلي ).

انور العطار كشعراء وطنه محب للطبيعة ، متطلع الى الحياة ، حفظ في مطالع حياته اكثر من عشرة الاف بيت من جياد اشعار العرب فجاء أسلوبه كالماء الصافي ، فيه عذوبة ولين وفيه تدفق ومضاء. أحب الطبيعة وبردى وأحب لبنان وقال فيها فنونا من الشعر ، كما أحب دمشق وبغداد ودجلة والبصرة وغوطة دمشق ونظم فيها شعرا جيدا. أحب في أول عهده الاراجيز ونظم فيها كثيرا من شعره. حالف العطار الحزن والاسى في أغلب شعره وخلد مظاهر الاسى في النفس قال في قصيدة :

قلم صاغ رائعات المعاني *** وجلاها مثل الضحى اللماح

يطرف النفس بالجديد ابتداعا *** ويحامي عن النهى ويلاحي

هو من نفح خافق عبقري *** وهو من فيض خاطر سماح

تتهامى من سنه صيحة *** الحق فيزهي بذوده والكفاح

ص: 283

السيد احمد الهندي

المتوفى 1392

تطلب في العلا مجدا أثيلا *** فان طلابه أهدى سبيلا

وهم شوقا الى أسل العوالي *** ولا تتعشق الخد الاسيلا

ونل علياك في تعب وكد *** ولا ترغب عن العليا بديلا

تأس بسبط احمد يوم وافى *** يجرر للعلا بردا طويلا

فخط بكربلا رحلا كريما *** وياسرعان ما عزم الرحيلا

رأى حرب السهام عليه عارا *** فجرد للعدى سيفا صقيلا

وأحيى اللّه مبدأه بيوم *** هوى فيه على البوغا قتيلا

وجرد في سبيل اللّه سيفا *** بحول اللّه لا يخشى فلولا

ولو لم يضمئوه فيقتلوه *** لما أغنى عديدهم فتيلا

ومذ ساموه اما القتل حرا *** واما أن يسالمهم ذليلا

تطامن جأشه بسبيل عز *** وان أرداه منعفرا جلا

لو أستسقى السما جادته صوبا *** ولكن راح يستسقي النصولا

أتمطره السماء دما عبيطا *** وهل يشفيه هاطلها غليلا

أقلته الرمول لقى طريحا *** بهاجرة فما أسنى الرمولا

أتوحش يثرب منه قطينا *** وتحظى كربلاء به نزيلا

فيا حربا جنتها كف حرب *** فسر بها وأحزنت الرسولا

وآكلة الكبود تميس بشرا *** وكانت فيه فاطمة ثكولا

فتلكم عينها بالبشر قرت *** وهذي تسهر الليل الطويلا

أمي لغي دماءكم الزواكي *** فلن تتمتعي الا قليلا

السيد احمد ابن السيد رضا الشهير بالهندي في طليعة ادباء النجف ولد عام 1320 ه في النجف ونشأ بها وتخرج على مدارسها الدينية

ص: 284

وأخذ عن أبيه الذي يعد شيخ الادب في العراق بل في العالم العربي ، والمترجم له كان كما يقول عنه الدجيلي في كتابه ( شعراء النجف ) سريع البديهة الى حد لا يوصف فانه أسرع من جري اليراع في القريض ، وقد جربته بمواطن عديدة فحار عقلي وطاش لبي بسرعة خاطره ، وقلا لاحظته لا يجدد النظر في قريضه فقد قال لي يوما : اني اذا اردت ان اصلح قصيدة فهو أصعب علي بكثير من نظمها وقد نشرت صحف العراق له الكثير من روائعه كمجلة الغري والاعتدال والحضارة والمصباح وغيرها. اقول ولا زلت احتفظ بقصيدة عنوانها ( لو أعلم الغيب ) نظمها بمناسبة زفافي سنة 1356 ه ولم تزل في محفظتي وهي بخطه.

حسبي من العيش ما يمضي به الحين *** لا تستغل هوى نفسي العناوين

وما بنيت على الآمال شاهقة *** حتى تؤيد آمالي البراهين

لو أعلم الغيب لم أحفل بحادثة *** ولا عرا أملي في الدهر توهين

ولا نبت بي في تيه مرجمة *** من الخيال عليها الوهم مسنون

لا الخل شاك ولا الايام عاتبة *** ولا الصروف ولا الدنيا ولا الدين

هذا زمانك لا التبجيل فيه على *** قدر ، ولا مدح من يطريه موزون

يعطي جزافا لمن يعطي ، فمغتبط *** بغير حق وشاك منه مغبون

كم صاهل خلته مهرا فحين نبت *** به السبيل تبنته البراذين

وكم أخ لي يحبوني تحيته *** يلين مسا كما لان الثعابين

يقتص مابي من نقص فينشره *** أما ضئيل ثنائي فهو مكنون

يهتز للقذع شوقا كالعميد هوى *** كأنه بسباب الناس مفتون

سخيمة تعجم البلوى مساوئها *** خبرا كما تعجم الخيل الميادين

دع نصحك الدهر لا تحفل بحادثة *** ان كنت رب نهى فالدهر مجنون

واقرأ على صفحات الدهر نيته *** الكون سفر وأهلوه المضامين

الاعتدال جمال غير مصطنع *** والدوح أجمل ما فيه الافانين

والناس تطلب قربانا لخلتها *** والصدق أفضل ما تأتي القرابين

ما المرء لولا كمال النفس يرفعه *** لولا السنا فهلال الافق عرجون

وما الخمائل في الروض الاريض اذا *** كم الهزار ولم تزه الرياحين

وما حياة امرء يعتز في زمن *** تصول فيه على الاسد السراحين

لم يبق لي الدهر من حول فأشكوه *** والطير أرخم صوتا وهو مسجون

لكن لي بجواد النفس ظاهرة *** من المسرة فيها البشر مقرون

شهم لخير الورى أعراقه ضربت *** لما نما مجده الغر الميامين

ص: 285

مهذب النفس قد كانت عناصره *** من الكرامة ، لا ماء ولا طين

وليس بدعا اذا حاز الثنا وزكا *** من وصفه لبيان الفضل تبيين

* * *

وافاك شعري وما لي فيه من أرب *** لكن حقك مفروض ومسنون

طير المسرة يشدو بالهنا فله *** في ندوة الانس والافراح تلحين

واعذر فلي في ختام المسك معتذرا *** في وصف فضلك اطراء وتدوين

وكنت قد طلبت منه أن ينظم قصيدة في الامام موسى الكاظم على وزن خاص فأجاب متفضلا وأرسل لي منظومته مع رسالة وذلك بتاريخ 15 ربيع المولد سنة 1366 فسجلتها في الجزء الرابع من ( سوانح الافكار في منتخب الاشعار ) ولم تزل نسختها موجودة عندي بخطه.

كانت وفاته يوم 19 محرم الحرام 1392 ه الموافق 5 / 3 / 1972 م ودفن في النجف بمقبرتهم الملاصقة لدارهم في محلة الحويش بجنب والده المغفور له رحمهم اللّه جميعا برحماته الواسعة.

ص: 286

عادل الغضبان

المتوفى 1392

أقصر فكل ضحية وفداء *** فلك يبث سنى أبي الشهداء

فلك جلت شمس الحسين بدوره *** والبدر يجلوه ضياء ذكاء

يعتز الاستشهاد أن سماءه *** تزري محاسنها بكل سماء

جمعت كرام النيرات فرصعت *** بمنوع الانوار والاضواء

اشراق ايمان ونور عقيدة *** وشعاع بذل وائتلاق فداء

وسنى نفوس تستميت فدى الهدى *** وتذود عنه مصارع الاهواء

شهب من الخلد المنير أشعها *** أفق الفدى قدسية اللألاء

وزهت بها ذكرى الحسين وانها *** ذكرى ليوم النشر رهن بقاء

ان الخلود لنعمة علوية *** يجزى بها الابطال يوم جزاء

يرنو اليها العالمون ودونها *** غمرات أهوال وطول عناء

بالعبقرية والجهاد يحوزها *** طلابها والصبر في البأساء

حسب الحسين ثمالة من فضله *** حتى يخلد في سنى وسناء

لكنه كسب الخلود بنائل *** ضخم من الحسنات والبرحاء

بالبر والخلق الكريم وبالتقى *** والقتل ثم تمزق الاشلاء

حي الحسين تحي سبط أكارم *** اهل الندى والعزة القعساء

رمز النبي الى الفضائل والعلى *** لما دعاه بأجمل الاسماء

ورث الشجاعة والنهى عن هاشم *** والنبل رقراقا عن الزهراء

وغزا قلوب دعاته وعداته *** بفضيلتين مروة ووفاء

فاذا أغار ثناه عن خدع الوغى *** شرف الفؤاد وعفة الحوباء

لهفي على هذه المآثر اعملت *** فيها سيوف الوقعة النكراء

عجبا تعاديه الصوارم والقنا *** وتحله المهجات بالسوداء

ص: 287

حم القضاء فسار عجلان الخطى *** لتغوص فيه سهام كل مرائي

يا ويح زرعة (1) اي يسرى قد من *** سمح تحلى باليد البيضاء

يا ويح شمر أي رأس حز من *** مستأثر بصدارة الرؤساء

ويح الخيول وطأن جثة فارس *** ان يعلهن يجلن في خيلاء

ويح الاكف شققن ستر خبائه *** ورجعن في برد وحلي نساء

ويح السياسة والمطامع والقلى *** ماذا تورث من أذى وبلاء

تحظى ببغيتها وتخلف بعدها *** ما شئت من ثأر ومن شحناء

غرست بأهليها السخائم فارتوت *** بدم الحسين مغارس البغضاء

يا كربلاء سقيت أرضك من دم *** طهر أحال ثراك كنز ثراء

مهما بلغت من الملاحة فالشجى *** يكسو ملامح حسنك الوضاء

ان تنشدي السلوان فالتمسيه في *** ذكرى الحسين وآله السمحاء

ولد عادل الغضبان في 11 / 11 / 1905 م بمدينة مرسين في تركيا من اسرة حلبية الاصل وكان والده ضابطا بالجيش التركي ثم انتقلت اسرته منها وعمره شهران حيث وردوا القاهرة فأقاموا بها وعاش حياته واتصل بدوائرها الأدبية ، له ديوان شعر ضخم سماه ( قيثارة العمر ) فيه شعر عمودي كما ترجم عددا من القصص العالمية : ( دون كيشوت ) ( مملكة البحر ) ( سجين زند ) ( الامير والفقير ) ( الزنبقة السوداء ) وعمل عادل الغضبان بالصحافة الادبية فرأس تحرير مجلة ( الكتاب ) من عام 1945 الى عام 1953 م وله ملحمة شعرية باسم ( من وحي الاسكندرية ) صدرت عام 1964.

يمثل عادل الغضبان امتزاج المدرستين التقليدية والمجددة في صورة دقيقة صادقة ، ويجمع في تكوينه روح حلب وروح مصر ، مدرسة حلب التي جمعت بين الدعوة الى الحرية ونظم الشعر وعرفت بعنايتها بالاسلوب البليغ الناصع وبالشعر الرصين ، وبمدرسة مصر عاش طفلا في القاهرة وارتبطت مطالع حياته بمشاهدها وأدبها وأعلامها قال من قصيدة :

أمنية حقق الرحمن آيتها *** يا رب حقق لنا أقصى امانينا

متى نرى الحق خفاق اللواء على *** مشارف المجد من عالي روابينا

متى يرى الوطن الغالي محطمة *** اغلاله بسلاح من تآخينا

ص: 288


1- زرعة بن شريك وشمر بن ذي الجوشن من قتلة الحسين « ع ».

ترجم له الاستاذ عبد اللّه يوركي حلاق صاحب مجلة ( الضاد ) الحلبية في كتابه ( من اعلام العرب في القومية والادب ) ص 113 - 124 عن كتاب ( تاريخ الشعر العربي الحديث ) تأليف احمد قبش ص 466 ( دمشق 1971 م ).

وانظر ترجمة عادل الغضبان ايضا في ( مصادر الدراسة الادبية ) ج 3 ق 2 ص 1495.

توفي بتاريخ 11 / 12 / 1972.

ص: 289

الشيخ مهدي مطر

اشارة

المتوفى 1395 ه

يا ريشة القلم استفزي واكتبي *** هل كان هزك مثل موقف ( زينب )

هل انت شاهدة عشية صرعت *** منها الحماة ضحى حماة الموكب

المسرعون اذا الوغى شبت لظى *** والمخصبون اذا الثرى لم يعشب

والطالعون بصدر كل كتيبة *** شهباء ترفل بالحديد الاشهب

والمانعون اذا استبيحت ذمة *** والذائدون اذا الحمى لم يرقب

والصادقون اذا الرماح تشاجرت *** فوق الصدور بطعنة لم تكذب

ضربوا عليها منعة من بأسهم *** في غير مائسة القنا لم تضرب

وبنوا لها خدرا فماتوا دونه *** كالاسد دون عرينها المتأشب

* * *

وقفت عليهم كالاضاحي صرعوا *** من كل طلاع الثنية أغلب

هل هزها هذا امقام هالها *** كلا فرشد ثابت لم يعزب

ابت النبوة ان ترى ابناءها *** مخذولة وكذا ابت بنت النبي

يا بنت مقتحم الحصون وقالع *** الباب الحصين بعزمه المتوثب

لك من مقام الفاتحين تمنع *** لولاه عرش امية لم يقلب

ليس الانوثة بالتي تعتاق من *** عزم اذا قال الاله له اغضب

فاذا تجمهرت النفوس وانصتت *** لبلاغة تحكي ( عليا ) فاخطبي

ودعي العيون وان تفجر غيضها *** تنهل من شجو المصاب بصيب

ودعى القلوب تثور في بركانها *** حنقا على خطأ الزمان المذنب

فببعض يوم وقفة لك هدمت *** ما قد بنته امية في احقب

وكأن عاصفة الدمار بملكهم *** عصفت باعصار يثور بلولب

عشرون عاما يحكمون فأصبحوا *** وكأنهم شادوا السراب بخلب

* * *

ان اوقفوك من الاسار بمجلس *** لعب الغرور بوغده المتغلب

فلقد فضحت عقيدة مستورة *** فيهم وعمت ريبة المتريب

ص: 290

من قارص الكلم الممض رميتهم *** بامض لسعا من حماة العقرب

فهي النصول يصول فيها مغضب *** وهي الشفار لجدع انف المعجب

وأريتمهم نفسا تعاظم قدرها *** حتى استهان بحكمهم والمنصب

فتطامنت للارض شوكة طائش *** بسط النفوذ بشرقها والمغرب

سل هاشما هل هانت ابنة هاشم *** يوما وهل فاءت لقرع مؤنب

ما الطهر تنبحها كلاب امية *** كالرجس تنبحها كلاب الحوأب

هذي على صعب المقادة ضالع *** سارت وتلك على الفنيق الادبب

جملان هذا يستنير به الهدى *** رشدا وذاك من الضلال بغيهب

* * *

واسأل امية حين دكت عرشهم *** هل طوحتهم غير وثبة منجب

سقطوا بدهياء اقالت عزهم *** لا يبصرون امامها من مهرب

عجي امية ما حييتم حسرة *** ( كعجيج نسوتكم غداة الارنب )

ولئن ظفرتم بعض يوم انها *** لهزيمة ذهبت بعزك فاذهبي

فقد انزوت عنك الامارة وانطوت *** ايامها فارضي بذاك او اغضبي

ورمت بكوكب النحوس كأنها *** دخلت بنجمك في شعاع العقرب

* * *

ولقد شجاني منك يا ابنة احمد *** يوم متى يخطر لعين تسكب

يوم وقفت من الحسين به على *** متجدل دامي الوريد مخضب

لم تشف خسة قاتليه ولؤمهم *** بالقتل حتى قيل يا خيل اركبي

* * *

وجمعت شملا من نساء ذعرت *** لا يهتدين من الذهول لمهرب

ولكم امضك م نفرار صبية *** لولاك داستها السنابك او صبي

يتفنن الاعداء في ارهابها *** من ضارب او سالب او ملهب

ومطاردات فت في احشائها *** حر الاوام وهجمة من مجلب

كم حلية منها بكف مروع *** نهبا وملحفة بكفي مرعب

هيماء ادهشها المصاب فأذهلت *** مما بها ان لا تلوب لمشرب

وغدت تجمعها السياط لغاية *** فاذا ونت سيقت بذات الاكعب

عات تجشمها الركوب لضلع *** فاذا ابت قالت عصاه لها اركبي

فركبن من شمس النياق وهزلها *** وهما على الحالين اخشن مركب

ما حرة قد كان يزعج جنبها *** لين المهاد وما ركوب المصعب

والعيسى معنفة المسير تضج من *** حاد يجشمها السرى ومثوب

حتى اذا وقفوا بها مكتوفة *** الايدي متى اعيت لجهد تجذب

ص: 291

وكانها ليست صريخة هاشم *** وكانها ليست خلاصة يعرب

والشام ترفل بالحرير وبالحلى *** فرحا وتهزج بالنشيد المطرب

وهناك ما يدمي النواظر والحشى *** مما تصور خسة المتغلب

الشيخ عبد المهدي مطر ولد سنة 1318 ه وهو ابن العالم المجاهد الشيخ عبد الحسين مطر ، لا ابالغ اذا قلت ان الشيخ عبد المهدي كان لا يجاريه في الشاعرية احد من اقرانه ومعاصريه فهو شيخ من شيوخ الادب وعالم حاز المرتبة العالية في فقهه ، وكتب في الاصول كتابا اسماه تقريب الوصول ، شارك في الحفلات الادبية فكان المجلي فيها. وكتب نسبه في مؤلفه المطبوع والموسوم ب ( ذكرى علمين من آل مطر ) ترجم فيه لوالده المغفور له ولعمه الشيخ محمد جواد ، وسألته عن آثاره العلمية فقال كتبت دورة كاملة في الاصول وهي تقريرات المرجع الاكبر السيد ابو القاسم الخوئي كما كتبت كتابا في الدراية والكلام وكتبت كتابا في علم النحو بعنوان : دراسات في قواعد اللغة العربية طبع بمطبعة الآداب بالنجف الاشرف عام 1385 ه اما ديواني المخطوط والمرتب على حروف الهجاء فقد نشرت الصحف اكثره. اقام برهة من الزمن كاستاذ في كلية الفقه في النجف وهو من خيرة الاساتذة. كانت وفاته سنة 1975 م.

من حكمه ونصائحه

سعة الصدر وحسن الخلق *** هي في المرء علامات الرقي

فأرح عقلك بالصمت فقد *** يكمل العقل بنقص المنطق

* * *

اذا الغضب اضطرمت ناره *** فبالصمت أخذ لهيب الضرام

ففي الصمت تدرك ما لا تعيه *** اذا انت أضرمتها بالكلام

* * *

ادب الانسان خير *** للورى من ذهبه

كم يغطي فيه قبحا *** ظاهرا في نسبه

* * *

اذا خاض ناديك في قيلة *** فاسلم من أن تقول استمع

فان ضاق يوما عليك الكلام *** فباب السكوت اذا متسع

ص: 292

استقى هذه الحكم من اقوال اهل البيت وحكمهم فقد جاء عن امير المؤمنين علي علیه السلام : آلة الرئاسة سعة الصدر. وقالوا : السكوت راحة للعقل. وقالوا : طلب الادب اولى من طلب الذهب. وقالوا : انما جعل للانسان لسان واحد مع عينين واذنين ليسمع ويبصر اكثر مما يتكلم وقد اكثر الادباء من نظم هذا المعنى

( يا ابا الزهراء )

هو يوم بعثك ام سنى يتبلج *** ملأ البسيطة نوره المتأجج

أترى الجزيرة أبصرت بك ساعة *** هي بعد عقم في المواهب تنتج

ام ان غماء الكروب وقد طغت *** فوق النفوس بيوم بعثك تفرج

يا صيحة شأت الاثير فأسرعت *** للفتح في طياته تتموج

تلج القلوب المقفلات عن الهدى *** دهرا فتلهب وعيهن فتنضج

شقت دياجير العصور فاسفرت *** عنها ووجه ( الاحمدية ) أبلج

وتفلقت هام الطغاة بعدلها *** حتى استقام على الطريقة اعوج

فالنغمة الفصحى سلاحك ان غدت *** رسل السماء بدعوة تتلجلج

والشرعة البيضاء عندك قوة *** فيها تقارع من تشاء فتفلج

وفتحت ابواب الهدى فتفتحت *** طرق تسد وباب رشد يرتج

أبصرت من صور الجزيرة عالما *** يسري بمختبط الضلال وينهج

فضعافها سلع تباع وتشترى *** وقويها ملك هناك متوج

شأت الوحوش ضراوة فسلاحها *** بدم الوئيدة والوئيد مضرج

وتنافست هي والذئات على دم *** تمتصه وعلى اهاب تبعج

وعلى الخدور الآمنات تروعها *** وعلى النفوس المطمئنة تزعج

حتى اذا انتفضت عليهم وثبة *** من خادر هو من عرين ينفج

ابدى لهم من راحتيه فراحة *** توهي الذي نسجوا واخرى تنسج

فالسيف ينطف من دماء رقابهم *** والروح يهبط بالسلام ويعرج

يجتاز من عقباتهم أخطارها *** وان اختفوا خلف الدباب ودحرجوا

فاذا الجزيرة بعد محل اصبحت *** زهراء من نفحاته تتأرج

فغدوا ولا الاحقاد تقدح فيهم *** ضرما ولا نيرانها تتأجج

وتطاول الاسلام باسمك عاليا *** فسما بمجدك حصنه المتبرج

نهض الطموح به فبانت خيله *** للفتح تلجم في المغار وتسرج

ومشى على هام الدهور نظامه *** يسري بمظلمة العصور ويدلج

حتى تقاربت الخطى واذا به *** كالسهم يدخل في الصميم ويخرج

ص: 293

يطوي القرون بجدة لم يبلها *** قدم ولون في الهداية يبهج

فتطايحت بالوحي من شرفاتهم *** قمم ودك لها نظام اهوج

فاذا صدى الاجيال بعد مرورها *** مترنم باسم ( الحنيفة ) يهزج

واذا ( ابو الزهراء ) فوق شفاهها *** كالذكر تدأب في ثناه وتلهج

واذا الصلاة عليه خير فريضة *** فيا لدين تقحم في الصلاة وتمزج

( يوم وفود الغدير )

أعلى غديرك هذه اللمعات *** ام من عبيرك هذه النفحات

يهتز يومك وهو يوم حافل *** بالرائعات تحفها البركات

يوم تتوجك السماء ببيعة *** عصماء لم تعبث بها ( الفلتات )

جبريل يحمل سرها ومحمد *** كان المبلغ والقلوب وعاة

ربحت بها الدنيا وولى خاسر *** منها تؤجج صدره الحسرات

بسمت لها غرر الزمان وحولت *** عنها الوجوه الكالحات جفاة

فكان يومك وهو يوم مسرة *** غيض تشق به الصدور ترات

ولرب مغبون تكلف بسمة *** تطغى عليها احنة وهناة

فدع الصدور يغص في اكظامها *** منهم فضاء او تضيق فلاة

فالكون يطربه ولاؤك كلما *** غنت بركب الماجدين حداة

ولانت محورها وتلك مواهب *** هبطت عليك ، وللسماء هبات

ذات من الطهر انبرت فتقدست *** ان لا تماثلها بطهر ذات

كف العناية توجتك بتاجها *** رضيت نفوس ام ابت شهوات

من در يومك يحتسي شرع الهدى *** رشدا ومن لمعاته يقتات

قرت به عين الزمان وانه *** ابدا بعين الناقمين قذاة

لبيك يا بطل المواقف ولتطح *** من دون كعبك هذه النكرات

وفداك رواغون لم تفقدهم *** الهيجاء ان عاشوا لها أو ماتوا

* * *

فغداة ( عمرو ) حين زمجر في الوغى *** كالليث تحجم عن لقاه كماة

وسطى فاما ان تثلم شفرة *** للدين دهرا او تقوم قناة

وتلاوذت عنه الكماة ببعضها *** شأن القطاة بها تلوذ قطاة

فتنافح العصب الابي وهبهبت *** ( بفتى نزار ) نخوة وثبات

فانصب منقضا عليه اذا به *** صيد قد انقضت عليه بزاة

وادال للاسلام من سطواته *** وغدت تدور بأهلها السطوات

ص: 294

وغداة خيبر والحصون منيعة *** والبأس جاث والقروم حماة

والموت في يد مرحب قد سله *** عضبا رهيفا لم تخنه شباة

وتحامت الاسد الغضاب فرنده *** ان لا تطيح رؤوسها الشفرات

ولراية الاسلام لما أعطيت *** لسوى فتاها محنة وشكاة

فهنالك الفشل المريع اصابها *** وهناك راحت تسكب العبرات

وتراجعت بالناكلين يذمها *** خور وتشكو حربها اللّهوات

حتى اذا اهتزت بكف مديرها *** رقصت بيمناه لها العذبات

فتنازلا وسط الهياج ولم تكن *** مرت هناك عليهما لحظات

واذا بفارس خيبر او داجه *** لحسام ( فارس هاشم ) نهلات

* * *

( هذي وفوك ) اقبلت ترتاد من *** حوض الولاء قلوبها الشغفات

قم حي وفدك ان دارك كعبة *** عظمى وليس لحجها ميقات

من اي ناحية اتاك مؤمل *** ملأت حقايب ركبه الحسنات

واديك وهو الطور في ذكواته *** تشتاق رمل هضابه عرفات

هذا هو الوادي الذي يلجى له *** وتقال من زلاتها العثرات

هذا هو الوادي الذي فيه استوت *** في الدارجين رعية ورعاة

ترتاده الاحياء تحكم بيعة *** وتلوذ في حفراته الاموات

ويبيت روع اللاجئين اليه في *** حصن منيع ما بنته بناة

* * *

والليل يعلم ان حيدر لم ينم *** فيه سوى ما تقتضيه سناة

متقوسا لله في محرابه *** شبحا تذيب فؤاده الزفرات

قلق الوساد وانه لصحيفة *** بيضاء لم تعلق بها شبهات

يحنو على العافي الضعيف فترتعي *** فيه الضعاف وتستقيم عفاة

ولهان تقلقه جياع سغب *** وتسيل دمعة مقلتيه عراة

يشجيه ان يمسي الضعيف فريسة *** وتعود نهب الناعلين حفاة

ويضيق ذرعا ان يذيب شحومهم *** بؤس وتمتص الدماء قساة

قلب تفجر لليتامى رحمة *** هو للطغاة الغاشمين صفاة

ويد تمد الى الضعاف تغيثهم *** هي للقوى حديدة محماة

لو شاهد الوضع المرير تفجرت *** منه العيون وفاضت الحسرات

لا السوط مرفوع به عن منكبي *** هذا البريء ولا العصى ملقاة

مشت السنين فلم تغير جريه *** النيل نيل والفرات فرات

وكأنما هذي العصور تضامنت *** ان لا يبارح حكمهن طغاة

ص: 295

عدوى بها سقت الامارة بعضها *** بعضا وضاعت عندها الحرمات

ولعل اول ساحة ممقوتة *** غرست عليها هذه الشجرات

غصب الوصاية من علي فهي *** للعدوان اصل فارع ونواة

اذ اغفلوا ( يوم الغدير ) وانه *** يوم رواة حديثه أثبات

سبعون الفا هل تبقى منهم *** يوم السقيفة حاضر او ماتوا

هذي المآسي الداميات وانها *** عبر تمر على الورى وعظات

تزوي الفتوة عن رفيع مقامها *** وتحل فيه اعظم الهرمات

فانظر بمجدك اي عاتق معتد *** تلقى عليه هذه التبعات

أعلى الذين تقدمت أقدامهم *** من ليس تنكر سبقه الحملات

ام للذين اكفهم للبيعة *** الحمقاء قد خفت بها الحركات

ام للاولى وجدوا الطريقة وعرة *** فتتابعوا فيها وهم اشتات

يتراكضون على ركوب مهالك *** عمياء ما بعبابها منجاة

ووراءهم لحب الطريق تنيره *** للسالكين ائمة وهداة

فاترك ملامتها لعمرك انها *** قتلى نفوس ما لهن ديات

واعطف على ( الحبل المتين ) فعنده *** تلقى الرحال وتنشد الحاجات

وتناخ في عتباته مهزولة *** فتعود ملأ اهابها خيرات

* * *

يا سيدي فاقبل مديحي انها *** زفت لمجدك هذه الخفرات

وافتك تسحب من حياء ذيلها *** لتفوز عندك هذه الخدمات

فادفع لها الثمن الكريم وان تكن *** قلت فتلك بضاعة مزجاة

وانا الذي لولاك لم يقدح له *** زند ولم تضرم له جذوات

( دمعة على الحسن السبط ) عام 1363 ه

يا راية الحمد اصدري او ردي *** فانت بعد اليوم لن تعقدي

ما انت بعد الحسن المجتبى *** خفاقة في راحتي سيد

فخبرينا وحديث العلى *** أن ترسليه انت او تسندي

من دك طود الحلم من شامخ *** من قال يا نار الرشاد اخمدي

من صاح في الرائد يبغى الندى *** قوض على رحلك يا مجتدي

من دق من هاشم عرنينها *** من جذ من فهر يد الايد

كيف ارتقى الحتف الى قلعة *** من الابا ملساء لم تصعد

وكيف لم تعقره في غابها *** زمجرة للاسد الملبد

ص: 296

يا فرقد الافق ومغنى الدجى *** في غيهب الليل عن الفرقد

ما انصفتك الحادثات التي *** شذت فكانت منك في مرصد

الم تكن أندى نزار يدا *** للرايح الطاوي وللمغتدي

وقبلها كنت امام الهدى *** وان تنتحيت عن المقعد

من زحزح الامرة عن خصبها *** فيك. لهذا الصحصح الاجرد

وما الذي اعتاضت يد حولت *** عنك ولاها. تربت من يد

اما لديها من محك به *** تميز الصفر عن العسجد

حادت عن الوبل الى خلب *** لاح بذاك البارق المرعد

وانقلبت عن صيب نافع *** الى جفاء الحبب المزبد

لاوجه ملساء ما قابلت *** قارصة العتب بوجه ندي

تركب متن الحكم عريانة *** من كل مجد طارف متلد

ان قام منها للعلى ناهض *** قال له لؤم النجار اقعد

يا لك من مبتزة امرة *** تزوى عن الاقرب للابعد

فراحت الضلال في غيهب *** تسأل هذا الليل عن مرشد

وجمرة الوحي خبت فانبرى *** يفحص زند الحق عن موقد

حالت لهيبا كل آماله *** يا غلة الصديان لا تبردي

قدنشزت عنك ولود المنى *** فانزع يديها منك أو فاشدد

كأن سعد الحظ آلى بأن *** لا يصدق الامة في موعد

تسأله ابيض ايامها *** فزجها في يومها الاسود

يوم على الامة تاريخه *** يسكب دمع الذل لم يجمد

مقروحة الاجفان باتت على *** ليلة ذاك العائر الارمد

اذ قبع الحق على رغم ما *** اسداه في زاوية المسجد

وامسك الطيش بأنيابه *** على زمام الملك والمقود

راح يغذى الملك من حيثما *** ينحت جسم العدل في مبرد

فضاعت الاخلاق قدسية *** وطوح التنكيل بالسؤدد

وعاد فيء الوحي العوبة *** من ملحد يرمى الى ملحد

اهواؤهم قدعبثت بالورى *** ما يعبث القدوة بالمقتدي

* * *

لارعت يا ابن الوحي في مثلها *** من حادثات الزمن الانكد

ان تسلب البرد الذي لم يكن *** غيرك اهلا فيه ان يرتدي

فما سوى الصبر لحكم القضا *** لفاقد الناصر والمنجد

هل تملك الاحرار رأيا اذا *** مالت رقاب الناس للاعبد

ص: 297

ان يركبوا الحكم فما ذللوا *** منك جماح الشامخ الاصيد

أو يسبقوا الوقت فلم يدركوا *** سوطا على مجدك لم يبعد

راموا فلم يسجد لاعتابهم *** وجه لغير اللّه لم يسجد

عضوا على مروته فانثنوا *** لم يمضغوا منه سوى الجلمد

غطرفة جائتك من حيدر *** وعزة وافتك من احمد

لم يكفهم انك سالمتهم *** طوعا ولم تمدد يد المعتدي

واذ رأوا انك في منعة *** عنهم بحد العامل الاملد

دسوا اليك الموت في شربة *** تنفذ لو صبت على جلمد

فرحت تلقي قطعا من حشا *** حرى بجمر السم لم تبرد

وغاضهم دفنك مع احمد *** ان يلتقي المجدان في مرقد

فاستهدفوا نعشك واستصرخوا *** ببغل ذات الجمل المقعد

والقضب في أيمان عمرو العلى *** ان هجهجت بالضيم لم تغمد

وصية منك اهابت بهم *** ان لا يقولوا يا سيوف احصدي

* * *

اخرس تأبينك من هيبة *** السنة الابكار من خردي

فامسكت فيك يدى لم تخف *** من نهشة اليوم ولسب الغد

هذي يدي تحمل درياقها *** يا حمة الايام هذي يدي

( يوم الحسين الدامي ) نظمت في مواكب صفر 1366 ه

وافتك جندا يستثير ويزعر *** فقد المواكب انها لك عسكر

لا تسلمن الى الدنية راحة *** ما كان اسلمها لذل حيدر

وابعث حياة الناهضين جديدة *** فيها الاباء مؤيد ومظفر

وارسم لسير الفاتحين مناهجا *** فيها عروض الطائشين تدمر

ان لم تلبك ساعة محمومة *** ذمت فقد لبت ندائك اعصر

قم وانظر البيت الحرام ونظرة *** اخرى لقبرك فهو حج اكبر

اصبحت مفخرة الحياة وحق لو *** فخرت به فدم الشهادة مفخر

قدست ما أعلى مقامك رفعة *** أخفيه خوف الظالمين فيظهر

* * *

شكت الامارة حظها واستوحشت *** اعوادها من عابثين تأمروا

وتنكرت للمسلمين خلافة *** فيها يصول على الصلاح المنكر

سوداء فاحمة الجبين ترعرعت *** فيها القرود ولوثتها الانمر

ص: 298

سكبت على نغم الاذان كؤوسها *** وعلى الصلاة تديرهن وتعصر

تلك المهازل يشتكيها مسجد *** ذهبت بروعته ويبكي منبر

فشكت اليك وما اشتكت الا الى *** بطل يغار على الصلاح ويثأر

تطوى الفضائل ما عظمن وهذه *** أم الفضائل كل عام تنشر

جرداء ذابلة الغصون سقيتها *** بدم الوريد فطاب غرس مثمر

وعلى الكريهة تستفزك نخوة *** حمراء دامية ويوم احمر

شكت الشريعة من حدود بدلت *** فيها واحكام هناك تغير

سلبت محاسنها امية فاغتدت *** صورا كما شاء الضلال تصور

عصفت بها الاهواء فهي اسيرة *** تشكو وهل غير الحسين محرر

وافى بصبيته الصباح فساقهم *** للدين قربان الاله فجزروا

ادى الرسالة ما استطاع وانما *** تبليغها بدم يطل ويهدر

فبذمة الاصلاح جبهة ماجد *** ترمى ووضاح الجبين يعفر

لبيك منفردا احيط بعالم *** تحصى الحصى عددا وما ان يحصروا

لبيك ضام حلؤوه عن الروى *** وبراحتيه من المكارم ابحر

* * *

هذي دموع المخلصين فرو من *** عبراتها كبدا تكاد تفطر

واعطف على هذى القلوب فانها *** ودت لو انك في الاضالع تقبر

يتزاحمون على استلام مشاعر *** من دون روعتها الصفا والمشعر

ركبوا لها الاخطار حتى لو غدت *** تبري الاكف او الجماجم تنثر

وافوك ( يوم الاربعين ) وليتهم *** حضروك يو الطف اذ تستنصر

لدرت امية اذ اتتك بانها *** ادنى بان تنتاش منك وأقصر

وجدوا سبيلكم النجاة وانما *** نصبوا لهم جسر الولاء ليعبروا

ذخروا ولاك لساعة مرهوبة *** اما الحميم بها واما الكوثر

وسيعلم الخصمان ان وافوك من *** يرد المعين ومن يذاد فيصدر

( شعلة الحق ) ( او ذكرى الامام الصادق ع ) عام 1365 ه

لمن الشعلة تجتاح الظلاما *** قعد الكون لها فخرا وقاما

طلعت من فجرها صادقة *** وغدت تلقي على الشمس لثاما

وانارت افقا قد عسعست *** ظلمات فيه للجهل ركاما

فترة فيها ازدهى العلم فكم *** ايقظت من رقدة الجهل نياما

ص: 299

وارتوى الظامئ من منهلها *** بعدما التاح فلم يبلل اواما

قام فيها منقذ من ( هاشم ) *** غلب الدهر صراعا وخصاما

واذ الامة ظلت حقبة *** ليس تدري اين تقتاد اللجاما

قارعت ايامها فانتخبت *** بينها ( جعفر ) للحق اماما

فحمى حوزتها في فكرة *** صقلتها نفحة الوحي حساما

وانثنى يدفع من تضليلهم *** حججا كانت على الدهر اثاما

مخمدا نارا لهم قد أضرمت *** لم تكن بردا ولا كانت سلاما

لا تسل شرع الهدى كيف بنى *** صرحه الشامخ او كيف اقاما

سل عروش الجور منهم كيف قد *** دكها في معول الحق انهداما

هبهبت في بوقها مدحورة *** لهمام لم يعش الا هماما

مزبد اللجة ما خانت به *** سورة التيار جريا وانتظاما

نبعة من هاشم شبت على *** درة الوحي رضاعا وفطاما

لو رأتها امة العرب بما *** قد رآها اللّه من قدر تسامى

لازدرت في امم الدنيا على *** ولطالت هامة النجم مقاما

حكم منه اضاعوها ولو *** لم تضع اصبحن للكون نظاما

واستعاضوا دونها زائفة *** دسها العابث في الدين سماما

لاعب جاراك هيهات فقد *** سهرت عيناك للحق وناما

شدما قدمها مائدة *** كان فيها الدس في الدين اداما

* * *

وعصور فحصت عن منقذ *** انجبت فيك وقد كانت عقاما

أنت يا مدرسة الكون التي *** خرجت للكون ابطالا عظاما

انت احييت رميما للهدى *** صيرته لفحة الغي رماما

عرفك الذاكي وكم تنشقه *** من انوف ولو ازدادت زكاما

هذه الامة في حيرتها *** قد اناطت بك آمالا جساما

اتراها حين لم تأخذ على *** حظها منك قد ازدادت سقاما

مشعل الحق الذي ضاء لنا *** ميز المبصر ممن قد تعامى

* * *

ولقد غررني في وصفه *** انني ملتهب الفكر ضراما

فارس الآداب في حلبتها *** جامح الفكرة لا يلوي زماما

فتأهبت وعندى خاطر *** أهبة السائح لم يبصر مراما

واذا بي خائض من وصفه *** لجة خاض بها الكون فعاما

انا في معناك عقل سادر *** اكذا مثلي حيرت الاناما

ص: 300

انت يا مفخرة الدهر ومن *** قد توطأت من المجد السناما

أكما قيل على رغم الهدى *** بيد الجور تجرعت الحماما

من طغام ضرجت تاريخها *** بدم الحق مضاعا ومضاما

سنة خطت لكم من سابق *** كيفما متم فقد متم كراما

رمتم الاخرى فلم تتخذوا *** لكم من متع الدنيا حطاما

* * *

أمة العرب احفظيها ذمة *** لابي كان لم يخفر ذماما

جددي الذكرى له واحتفلي *** واجعلي عندك ذكراه لزاما

واهتفي باسم امام الحق لو *** صح ان لا تجعلي النوح ختاما

ص: 301

المستدركات

ابو القاسم المغربي

الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد المغربي

المتوفى سنة 418

قال وقد لجأ الى مشهد الحسين بن علي بن ابي طالب علیهم السلام

تحصنت من كيد العدو وآله *** بمجنبة من حب آل محمد

ودون يد الجبار من أن تنالني *** جواشن أمن صنتها بالتهجد

ألح على مولى كريم كأنما *** يباكر مني بالغريم اليلندد

ليسلمني من بعد أن أناجاره *** وقد علقت احدى حبائله يدي (1)

ترجم له العماد الحنبلي في ( شذرات الذهب ) فقال : ابو القاسم بن المغربي الوزير واسمه حسين بن علي الشيعي ، لما قتل الحاكم بمصر أباه وعمه واخوته هرب وقصد حسان بن مفرج الطائي ومدحه فأكرم مورده ثم وزر لصاحب ميافارقين احمد بن مروان الكردي ، وله شعر رائق وعدة تآليف عاش ثمانيا واربعين سنة وكان من ادهى البشر وأذكاهم.

وترجم له الحموي في معجم الادباء قال : ابو القاسم المعروف بالوزير المغربي الاديب اللغوي الكاتب الشاعر ، ولد فجر يوم الاحد ثالث عشر ذي الحجة سنة سبعين وثلثمائة وحفظ القرآن وعدة كتب في النحو واللغة وكثيرا من الشعر ، وأتقن الحساب والجبر والمقابلة ولم يبلغ العمر أربعة عشر ربيعا وكان حسن الخط سريع البديهة في النظم والنثر. ولما قتل الحاكم العبيدي اباه وعمه وأخويه هرب من

ص: 302


1- طبقات المغربي للداودي ج 1 / 154.

مصر فلما بلغ الرملة استجار لصاحبها حسان بن الحسن بن مفرج الطائي ومدحه فأجاره وسكن جأشه وأزال خوفه ووحشته ، أقول وذكر له جملة من المنظوم.

وترجم له الداودي في طبقات المفسرين وقال : اختصر كتاب اصلاح المنطق في اللغة وابتدأ في نظم ما اختصره قبل استكماله سبع عشرة سنة ، وصنف كتاب ( الايناس ) وهو مع صغر حجمه كثير الفائدة وكتاب ( الالحاق بالاشتقاق ) وكتاب ( ادب الخواص ) وكتاب ( الشاهد والغائب ) بين فيه اوضاع كلام العرب والمنقول منه واقسامه تبيانا يكاد يكون أصلا لكل ما يسأل عنه من الالفاظ المنقولة عن أصولها الى استعمال محدث وكتاب ( فضائل القبائل ) وكتاب أخبار بني حمدان واشعارهم واملاءات عدة في تفسيرالقرآن العظيم وتأويله.

وروى موطأ مالك وصحيح مسلم وجامع سفيان وقارض ابا العلاء المعري بمكاتبات أدبية كثيرة الغريب ، وقال الشعر الجيد ، وبرع في الترسل وصار اماما في كتابة الانشاء وكتابة الحساب وتعرف في فنون من علم العربية واللغة.

قتل مسموما بميافارقين في ثالث عشر شهر رمضان سنة ثماني عشرة واربعمائة وحملت جثته الى الكوفة فدفن بتربة كانت له بجوار قبر علي بن أبي طالب علیه السلام وله ديوان شعر ومن شعره قوله :

أقول لها والعيس تحدج للسرى *** أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر

سأنفق ريعان الشبيبة آنفا *** على طلب العلياء أو طلب الاجر

أليس من الخسران أن لياليا *** تمر بلا نفع وتحسب من عمري

اقول أخذ المعنى من شاعرنا محمد مهدي الجواهري بقوله :

خليلي من ظلم الليالي بأنها *** تمر على رغمى وتحسب من عمري

هلما نبع عمرا ونشري مسرة *** فليس بعدل أن نبيع ولا نشري

ص: 303

وترجم له ابن حجر العسقلاني في ( لسان الميزان ) كما ترجم له اليافعي في ( مرآة الجنان ) وترجم له من المعاصرين الشيخ محمد السماوي في مخطوطه ( الطليعة من شعراء الشيعة ) قال : وقوله في غلام حلق شعره.

حلقوا شعره ليكسوه قبحا *** غيرة منهم عليه وشحا

كان قبل الحلاق ليلا وصبحا *** فمحوا ليله وأبقوه صبحا

وذكر له من الشعر قوله

صلى عليك اللّه يا من دنا *** من قاب قوسين مقام النبيه

اخوك قد خولفت فيه كما *** خولف في هارون موسى أخيه

هل برسول اللّه من اسوة *** لم يقتد القوم بما سن فيه

وقوله :

أيا غامضين المزايا الجليلة *** من المرتضى والسجايا الجميلة

ويا غامضين عن الواضحات *** كأن العيون لديها كليلة

اذا كان لا يعرف الفاضلين *** الا شبيههم في الفضيلة

من ابيات تزيد على العشرة ذكرناها ونقلناها عنه في مخطوطنا ( ما تشتهي الانفس ) ج 3 / 278.

ص: 304

ابن أبي الخصّال الشقوري

المتوفى 540 ه

كتب الدكتور عبد السلام الهراس مقالا عنوانه ( مأساة الحسين في الادب الاندلسي ) ونشر هذا المقال في مجلة ( المناهل ) المغربية والتي تصدرها وزارة الشؤون الثقافية في الرباط. وفي العدد 14 من السنة السادسة.

وذكر شعر أبي عبد اللّه محمد بن ابي الخصال الشقوري المتولد سنة 465 ه والمتوفى 540 ه وقال : هو الكاتب المرابطي البليغ وقد استحيى مأساة الحسين وجدد ذكرى كربلاء ، ولا شك انه انشأ عدة قصائد وقطع نثرية في الموضوع ، لان الرجل كان غزير الانتاج جياش العاطفة ، يمتح من نفس مليئة بالاحزان تنفجر من اغوار عميقة ، لكن لم نسمع من ذلك الانتاج الا بعض الابيات خلال قصائد نبوية ، وقصيدتين رواهما ابن خير عن الشاعر نفسه كما نص على ذلك في كتابه المفيد ( الفهرست ) (1) والقصيدتان حسب ما وصل عن ابن خير احداهما على قافية النون المردفة بالاف ، والثانية على قافية التاء بعد الالف. والى حدود السنتين الاخيرتين كان البحث يعتبرهما مفقودتين الى ان وفقنا أخيراً الى اكتشافهما ، فوقعنا بذلك لاول مرة على بداية واضحة صادقة لعشر بكاء الحسين في قصائد مستقلة.

يقول في الاولى :

عرج على الطف ان فاتتك مكرمة *** واذر الدموع بها سحا وهتانا

وابك الحسين ومن وافى منيته *** في كربلاء مضوا مثنى ووحدانا

يا ليت اني جريح الطف دونهم *** أهين نفسا تفيد العز من هانا

اني لاجعل حزني فيهما ترفا *** يكون للذنب تكفيرا وغفرانا

لله عين بكت ابناء فاطمة *** ترى البكا لهم تقوى وايمانا

ص: 305


1- فهرست ابن خير ص 421.

ما سرني ببكائي ملك قاتلهم *** ومثله معه لو صح أو كانا

آليت باللّه لا أنسى مصائبهم *** حتى أضمن اطباقا واكفانا

فيا محمد قم لله معترفا *** فان ربك قد أولاك احسانا

لم يفرغ اللّه في جنبيك حبهم *** الا لتلقى به فوزا ورضوانا (1)

قال وهي تبلغ عندنا ثلاثة عشر بيتا :

اما الثانية فتبلغ تسعة وعشرين بيتا ، يقول فيها :

لهف نفسي على الحسين ومن لي *** ان يقضي حقوقه عبراتي

يا جنوني برئت منك اذا لم *** تغرقي في بحورها نظراتي

لهف نفسي على قتيل يعزى *** عنه خير الآباء والامهات

اي عيش يطيب بعد قتيل *** مات بالمرهفات اي ممات

حرموه ماء الفرات ولوا *** جده ماسقوا بماء الفرات

وثووا في قصوره واطمأنوا *** وبنات الرسول في الفلوات

ان في كربلاء كربا سقيما *** فتن المؤمنين والمؤمنات

فاتني نصركم بنصلي فنصري *** بفؤاد مجدد الزفرات

وقواف موسومة بدموع *** قدحت في توقد الجمرات

ما بقاء الدموع بعد حسين *** فخذي من صميم قلبي وهات

أتكون الدموع فيه وفي الناس *** سواء كلا وهادي الهداة

هون اللّه بعدهم كل خطب *** وحلت لي علاقم الحادثات

ولابن ابي الخصال عدة قصائد نبوية منها قصيدته الشهيرة المسماة بمعراج المناقب ومنهاج الحب الثاقب عارض بها قصائد حسان بن ثابت ، وقد خمسا ابو عبد اللّه محمد بن الحسن بن جيش المرسي ، وبفضل هذا التخميس استطعنا التقاط ابيات من شعر ابي الخصال في هذا المجال ، يقول في الموضوع الذي يهمنا :

ص: 306


1- مصورة لمخطوط يملكها الاستاذ مصطفى الطاهري الذي يهيئ رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا في موضوع ( ابن أبي الخصال حياته وأدبه ).

ويلحقهم فضل الشفاعة بالرضى *** كلوا واشربوا من خير أكل ومشرب

سوى أن قوما جعجعوا بابن بنته *** وحفوا به من قاتل ومؤلب

وانحوا على أوداجه كل مرهف *** طرير وحزوا رأسه لتتوب

كأنهم لما أباحوا حريمه *** أباحوا حريم الديلمي المحرب (1)

ويقول في احدى الحسينيات :

ولو حدثت عن كربلاء لابصرت *** حسينا فتاها وهو شلو مقدد

وثاني سبطي احمد جعجعت به *** رعاة جفاة وهو في الارض أجرد

ولم يرقبوا الا لآل محمد *** ولم يذكروا أن القيامة موعد

وان عليهم في الكتاب مودة *** بقرباه لا ينحاش عنها موحد

فيا سرع ما ارتدوا وصدوا عن الهدى *** ومالوا عن البيت الذين به هدوا

ويا كبدي ان انت لم تتصدعي *** فانت من الصفوان اقسى وأجلد

فيا عبرتي ان لم تفيض عليهم *** فنفسي أسخى بالحياة وأجود

أتنتهب الايام فلذة احمد *** وافلاذ من عاداهم تتودد

أيضحى ويظمى احمد وبناته *** وبنت زياد وردها لا يصرد

وما الدين الا دين جدهم الذي *** به أصدروا في الصالحين وأوردوا

ينام النصارى واليهود بأمنهم *** ونومهم بالخوف نوم مشرد

وما هي الا ردة جاهلية *** وحقد قديم بالحديث يؤكد

ان ابن ابي الخصال يلح على مأساء كربلاء ويقدمها في صور شتى ويكرر افكاره خلال قصائده وهو أول شاعر اندلسي - فيما نعلم - يعتبر قتل الحسين ردة جاهلية ذلك القتل الذي كان بدافع حقد قديم يضمره بنو عبد شمس لبني هاشم قبل الاسلام وأكده الحديث ، كما أبرزته الاحداث بعد الدعوة الاسلامية ويؤكد كفر القتلة نثرا في بعض رسائله بقوله : وما يلقاها الا كل خارج عن الاسلام ومارق ، كلا ان ملائكة العذاب لتدخل عليهم بالمقامع من كل باب ، فأي وسيلة بينهم وبين شفاعة جده يوم الحساب (2).

أدرك ابن أبي الخصال مكانة عالية على عهد المرابطين كما يتبين ذلك من انتاجه الادبي الغزير لكنه نشب في ثورة فاشلة

ص: 307


1- ازهار الرياض مخطوط بالخزانة العامة بالرباط.
2- رسائل ابن أبي الخصال ، توجد لدى الاستاذ الطاهري مصطفى.

عليهم مع عامل قرطبة ابن الحاج الذي كان ملازما له بالاندلس والمغرب ، وقد نجا من هذه الورطة ليعتزل الحياة السياسية ويزهد في المناصب ، سيما وقد شاهد من الفتن والقلاقل والتمردات ما زهده في تلك الحياة ، فلزم داره خائفا من تلك الاحقاد القديمة ولم يسلم المترجم له حتى ذبحه بعض الجنود الاجلاف واقتحموا داره ونهبوها وكان ذلك يوم السبت 12 ذي الحجة سنة 540 ه ولما توفي الرجل كان العلماء والادباء يقصدون قبره ويزورونه ويجيبونه بقولهم : السلام عليك يا زين الاسلام.

ص: 308

الحاج محمّد عجينة

المتوفى 1334

أميلوها الى ذات اليمين *** على آجام آساد العرين

ركائب حملت وجدا وشوقا *** وما يسمو على الدر الثمين

الى بلد به خلفت روحي *** تحن حنين فاقدة القرين

ذكرت بها الاحبة حين أودى *** بهم في كربلا ريب المنون

الحاج محمد عجينة النجفي من الاسرة التي اشتهرت بالتجارة وسعة الحال ولقب الشاعر نفسه بالهمداني - بسكون الميم - نسبة الى القبيلة اليمانية المعروفة لانه كان دائما يتمثل بالابيات المنسوبة الى الامام علیه السلام في قبيلة همدان.

دعوت فلباني من القوم عصبة *** فوارس من همدان غير لئام

وكان يقول : انا همداني بالولاء والسبب لا بالاصل والنسب فتغلب هذا اللقب عليه ، وكان أبوه الحاج صالح وجماعة آخرون يترددون للتجارة بين العراق ونجد والحجاز كآل الحبوبي وآل شكر وآل زيني ، وقد اختار والده الحاج محمد صالح سكنى مدينة الرسول ومجاورة سيد العالم فتوفي بالمدينة المنورة وعلى اثر ذلك هاجر ولده المترجم له من النجف في ريعان شبابه واستوطن قاعدة الامارة الرشيدية في نجد ( جبل حائل ).

ص: 309

واتصل هناك بالعلامة السيد محمد سعيد الحبوبي واستوحى منذ بعض الخواطر الادبية وملكاته الشعرية قال الشيخ اليعقوبي : رايت له بعض المطارحات المرتجلة مع السيد الحبوبي رحمه اللّه بلغة أهل البادية وهو الشعر الذي يسمى عندهم ب ( القصيد ) ولقد قربته مواهبه الادبية لدى اميري نجد وهما : محمد بن عبد اللّه الرشيد وابن أخيه عبد العزيز بن متعب فكانت له عندهما حظوة ومنزلة سامية ومدحهما بقصائد جمة وما وردت على القصر الرشيدي قصائد هجائية من شعراء آل سعود الا وانتدب من قبل الاميرين المذكورين للرد عليها حتى اذا اتفقت له خصومة مع احد الاكابر في المدينة استعدى فيها الامير الثاني على خصمه فلم يجد منه أية عناية فسافر على أثر لك من نجد متجها نحو المدينة ومكة والطائف وأقام في تلك العواصم برهة ثم عاد الى نجد مؤكدا صلاته مع امرائها مرة ثانية فرضي عنهم ورضوا عنه.

قال الشيخ اليعقوبي : وقفت على مجموعة من شعره كان قد جمعها بقلمه في حياته عند أحد أبناء عمه وجل ما فيها لم يتعد الاساليب القديمة مدح وهجاء وحماس ورثاء وغزل وتشبيب واليك بعض ما اخترناه منها. قال يمدح امير نجد ويذكر بعض مغازيه :

سر على اسم اللّه فالسعد تجلى *** لك من قبل ونجم النحس ولى

لك جند اللّه والحزب الذي *** بلظى هيجائه الاعداء تصلى

فالق من شئت ولا تخش العدى *** قد كسا اللّه بك الاعداء ذلا

وبنو وائل لما أن عصوا *** وتمادوا في سبيل الغي فعلا

يوم هاجت للشقا اقرانها *** فسقاها حتفها علا ونهلا

كم بهم غادرت من نائحة *** تندب الاهل بشجو فهي ثكلى

طلع الفجر عليها بالردى *** فغدت كالليل بالصبح اضمحلا

وربيع الخلق ان اسغبهم *** عام جدب ترك الارجاء محلا

واذا يعرب يوما فاخرت *** كنت أحماها جوارا وأجلا

حكم السيف بهامات العدى *** ان غير السيف لا يحكم عدلا

وله فيها ايضا :

أيا ملك الملوك ومن بيوم *** الندى قد كان أرحمهم جنانا

وحين غزا العتاة بأرض نجد *** هوت لوجوهها ولوت رقابا

جررت على العصاة جيوش عز *** تدك الارض بالزحف اضطرابا

ص: 310

اذا ما الخيل بالابطال جالت *** تراهم فوقها اسدا غضابا

سرايا عزمه لو صادمتها *** جبال تهامه عادت سرابا

فكم من نار حرب اخمدوها *** وكم خاضوا لها بحرا عبابا

ومهدت البلاد كأنما قد *** ضربت على جوانبها حجابا

وكم اوضحت فيها من سبيل *** تعفى رسمه وغدا يبابا

ملات مسامع الايام هولا *** لو ان الطفل يسمعه لشابا

وهناك الوان من شعره لا حاجة لذكرها. اما حادثة اغتياله فانه قد قفل راجعا للعراق حوالي سنة 1325 ه وبقي يتعاطى التجارة في الكوفة ، وكانت له قطعة أرض زراعية في ضواحي قضاء الشامية وقد وقع بسببها نزاع بينه وبين بعض مجاوريه فخرج اليها يوما ولم يعد وانقطعت اخباره وعميت على أهله وظهر بعد التحقيق أنه اغتيل وقتل خنقا ودفن سرا على مقربة من تلك الارض فنقل جثمانه الى النجف وكان وقوع الحادث أيام الفوضى خلال الحرب العامة الاولى سنة 1334 ه وكان عمره يوم قتل نيفا وستين سنة رحمه اللّه. انتهى عن مجلة البيان النجفية السنة الاولى.

وترجم له الاخ الخاقاني في ( شعراء الغري ) ترجمة وافية وقال : انه ولد في النجف عام 1275 ه ونشأ بها على ابيه الحاج محمد صالح ، واتصاله بآل رشيد ومدحه لهم وذكر نماذج من شعره فمن قوله في أهل البيت علیهم السلام :

الى طيبة العليا وبهجتها الغرا *** تشوقني نفسي ولي كبد حرى

وقلب عراه لاعج الهم والاسى *** وخد لينبوع الدموع به مجرى

على سادة بالحق لله سبحوا *** أجل الورى شأنا وأرفعهم قدرا

أئمتنا باب الرجا معدن الحجى *** كرام الورى أبناء فاطمة الزهرا

بفضلهم الدنيا تبارك جدها *** ونلنا بها حظا تضيء له الاخرى

اذا ما سألنا اللّه يوما بحقهم *** أجاب لنا الدعوى ووفى لنا الاجرا

بهم كشف اللّه الكروب عن الورى *** وأمطرت الخضراء واخضرت الغبرا

وفرج عنا كل هم وغمة *** وأبد لنا عن عسرنا بهم يسرا

بهم قامت الدنيا ولولا رضاهم *** لما خلق الرحمن برا ولا بحرا

ص: 311

الشيخ مهدي الحجار

المتوفى 1358

أثرها تعج بأصواتها *** ألا يا لفهر وثاراتها

وقدها عرابا ألفن الفلا *** كأن العنا في استراحاتها

تخايل من تحت فرسانها *** تخايلهم في أريكاتها

عليها من الصيد غلابة *** تصيد الاسود بغاباتها

طلايع هاشم يقتادها *** الى الحرب خير بقياتها

حنانيك يا خلف السالفين *** ووارثها في كراماتها

أعدتك آل لوي لمن *** لواها وسود راياتها

فحتى م تغضي وانت الغيور *** على هضمها واغتصاباتها

أمثل ابن ... يميت البتول *** بفادح خطب رزياتها

ومثل امية تلك التي *** تبيت نشاوى بحاناتها

تغالب مثل بني غالب *** وتدفعها عن مقاماتها

لذاك أبى ذاك رب الابا *** فأرسى على غاضرياتها

ودك من الطف أطوادها *** بآساد فهر وساداتها

كماة يهاب الردى بطشها *** ويخشى القضا من ملاقاتها

وقد اقبلت زمر الظالمين *** بآساد فهر وساداتها

دعاها الى الحرب محبوبها *** فخاضته قبل اجاباتها

وهبت وناهيك فيمن تهب *** لترضي الحبيب بهباتها

ترى ان في النقع نشر العبير *** وما ذاك الا شذى ذاتها

جلتها من العزم بيض الصفاح *** كأحسابها وكنياتها

صحائف تقرأ منها الكماة *** ( انا فتحنا ) وآياتها

فتبغي الفرار وكيف الفرار *** وارجلها فوق هاماتها

لقد تاجرت ربها في النفوس *** وقد ربحت في تجاراتها

ومذ أرخصت سومها للهدى *** أراها المنى في منياتها

برأد الضحى نزلت كربلا *** وفي الليل باتت بجناتها

تهاوت وليس تعاب النجوم *** اذا ما تهاوت كعاداتها

وباتت على الارض مثل البدور *** عراها الخسوف بهالاتها

ص: 312

مغسلة في جراحاتها *** مكفنة في شهاداتها

ولما رأى السبط انصاره *** سقتها الحتوف بكاساتها

رقى ضامرا ونضى صارما *** فقرب أشراط ساعاتها

وحين انبرى نحو هاماتها *** براها ابن خير برياتها

ينادي بآجالها سيفه *** فتأتيه من قبل اوقاتها

كأن الجماجم مشغوفة *** به فهي تأتيه من ذاتها

ترى الارض ترجف من تحته *** باحيائها وبأمواتها

لك الوهن يا أرض عن ثابت *** يزلزل سبع سماواتها

ولما رأى أن هذي النفوس *** جميعا رهائن ميقاتها

فشاقته منزلة الصالحين *** فتاق رواحا لغاياتها

قضى ابن علي فيا هاشم *** قعي بعده في مذلاتها

لمن انت من بعده للورى *** لارائها أم لحاجاتها

الطما على الصدر من بعدما *** غدا صدره رهن غاراتها

حرام على غالب أن تبل *** بالماء حر حشاشاتها

وتلك يتاماهم تشتكي *** وفي الماء جل شكاياتها

ويا آل فهر لقد حق أن *** تميطوا خبا علوياتها

فتلك الحرائر في كربلا *** سترن الوجوه براحاتها

لمن ترفعون الخدور وقد *** ثكلن الخدور برباتها

وجاءت لكافلها تستغيث *** وتبكي العدى لاستغاثاتها

الشيخ مهدي بن داود بن سلمان بن داود الشهير بالحجار عالم فقيه وأديب شهير ، ولد عام 1318 ه وكان والده اميا وكذلك جده اما والده فكان ينقل الحجارة من أنقاضها غير أن الولد المترجم له نشأ ميالا للعلم والادب فدرس المقدمات وهو ابن عشر سنوات ونظم الشعر في الخامسة عشرة من العمر وبرع فيه ، واختلف على مشاهير العلماء وتتلمذ على الزعيم الروحي الشيخ احمد كاشف الغطاء كما حضر على المرجع الديني الميرزا حسين النائيني في الاصول ولمعت مواهب الشيخ الحجار وراح يغذي الشباب بالعلوم الدينية والدروس العربية الاسلامية مضافا الى حلقة أدبية تضم العشرات من الشباب الذين كانوا يعرضون عليه نتاجهم الادبي ويعتدون برأيه اذ كان أبرع اقرانه يومذاك ونشرت المطابع قصيدته الشهيرة الطويلة المسماة ب ( البلاغ المبين ) في العقائد فكان المتأدبون يحفظونها

ص: 313

ويتداولونها ويتدارسون معانيها ومضامينها وله غير هذه مجموعة اراجيز منها ارجوزته المسماة ( فوز الدارين في نقض العهدين ). ويوم كتب السيد محسن الامين كتابه ( التنزيه ) للشعائر الحسينية ثار العلماء الاعلام وأئمة الاسلام بوجهه وكتبوا مفندين ومنتقدين ما كتب وكنت اتصور - وانا في مقتبل العمر - ان المساندين لفكرة السيد الامين والمؤيدين له هم المتجددون والذين يميلون للتحلل من أوامر الدين ، وكان المترجم له قد استخدمت افكاره موجة الشباب فراح ينظم بوحي منهم كقوله من قصيدة مطلعها :

يا حر رأيك لا تحفل بمنتقد *** ان الحقيقة لا تخفى على احد

وما على الشمس باس حيث لم تراها *** عين أصيبت بداء الجهل لا الرمد

سيروا شبيبتنا لكن على خطط *** قد سنها الدين في منهاجه الجديد

انا لنامل فيكم ان شعبكم *** يعود ملتئما في شمله البدد

وبالختام لكم اهدي التحية من *** قلب بغير ولاكم غير معتقد

ويوم بلغت الخصومة أشدها بين المرجعين الكبيرين السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ احمد كاشف الغطاء حول شخصية الخطيب السيد صالح الحلي فقد حرم الاول الاستماع الى خطابته وأحلها الثاني وعقد له مجلسا في بيته ، وكان المترجم له - كما قلنا - تلميذا للشيخ احمد كاشف الغطاء فأنشد قصيدته التي يقول فيها :

انت العميد لهم برغم انوفهم *** بل انت سيدها وكلهم سدى

رات الشريعة منك اكبر قائد *** فرمت اليك زمامها والمقودا

والعلم مثل البحر هذا غائص *** فيه وهذا منه ما بل الصدا

والعرب تعلم ان تاج فخارها *** بسوى شريعة ( احمد ) لن يعقدا

سلها غداة تصفحت قرآنها *** أفهل رأت ( بيغمبرا او يا خدا )

فخر البيوت بأهلها فافخر على *** بأبي الرضا والمرتضى علم الهدى

واذا روي عن آل جعفر في العلى *** خبر فمن كف ( الحسين ) المبتدا

اني وان كنت البعيد قرابة *** منكم فشعري عنكم لن يبعدا

وشاءت الارادة السماوية والحكمة الربانية والحمد لله على

ص: 314

جميل صنعه ان تنحصر الزعامة الدينية في الآية الكبرى السيد ابو الحسن بعد وفاة المرحوم الحجة الشيخ احمد كاشف الغطاء فيكون الشيخ الحجار من تلاميذه ومخلصيه ويراسله على سبيل المداعبة يستجديه ويستميح نيله وفضله فيقول :

عجبت وكل زماني عجب *** ولست أصرح ماذا السبب

ولكن اشير وانت الخبير *** ولا استحي منك اذ انت أب

( زقسم عجم را نمعدود شدم ) *** فهلا اعد قسم العرب

فيغدق السيد عليه بكرمه المعهود ويجعله ممثلا عنه في جانب ( معقل ) البصرة ويقوم الشيخ بأداء وظيفته الدينية كما يأمر به الشرع الشريف ولكن لم يطل عهده وعاجله القدر فتوفي ليلة السبت 8 شعبان 1358 ه فنقل نعشه بموكب فخم الى النجف ودفن بوادي السلام.

ص: 315

المصادر المطبوعة

أعيان الشيعة السيد محسن الامين

نقباء البشر الشيخ محسن الطهراني

المراجعات الريحانية الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

الذخيرة الشيخ سليمان ظاهر

الحالي والعاطل الدكتور عبد الرزاق محيي الدين

لماذا اختار هؤلاء مذهب أهل البيت القبيسي

العراق في الشعر العربي والمهجري الدكتور محسن جمال الدين

شعراء الغري علي الخاقاني

شعراء من كربلاء سلمان هادي الطعمة

المقبول في آل الرسول ديوان الشيخ قاسم محيي الدين

ديوان الشيخ حميد السماوي

ديوان الشيخ محمد جواد الجزائري

حل الطلاسم الشيخ محمد جواد الجزائري

ديوان الشيخ عبد الحسين الحويزي

ديوان الشيخ كاظم آل نوح

مع رجال الفكر في القاهرة السيد مرتضى الرضوي

الحان الالم عبد القادر رشيد الناصري

صوت فلسطين عبد القادر رشيد الناصري

معارف الرجال الشيخ محمد حرز الدين

أعلام العراق باقر أمين الورد

سفينة الحق ديوان الشيخ حسن آل صادق

ديوان محمد رضا الشبيبي

أساطير بدر شاكر السياب

ص: 316

رباعيات محمود الحبوبي

الباقيات وأنفع الزاد الشيخ باقر الخفاجي

مجلة الاعتدال محمد علي البلاغي

مجلة الاصلاح عبد الحسين الازري

مجلة الغري شيخ العراقين

مجلة البيان علي الخاقاني

جريدة الهاتف جعفر الخليلي

المصادر المخطوطة

الطليعة من شعراء الشيعة الشيخ محمد السماوي

مجموع الشيخ كاشف الغطاء

سمير الخاطر وأنيس المسافر الشيخ علي كاشف الغطاء

المجموع الرائق الشيخ مهدي اليعقوبي

ديوان الشيخ قاسم الملا

ديوان الشيخ محمد الخليلي

ديوان الشيخ كاظم السوداني

ديوان الشيخ محمد رضا المظفر

الاعلام العوامية الشيخ سعيد ابي المكارم

ديوان جواد شبر

سوانح الافكار جواد شبر

الضرائح والمزارات جواد شبر

ص: 317

الفهرس

سنة الوفاة / الاسماء / الصفحة

1370 المقدمة 5

1370 الشيخ جعفر النقدي 7

1370 الشيخ حسين شهيب 14

1370 الشيخ محمد رضا آل ياسين 16

1370 الشيخ محمد السماوي 18

1370 الشيخ ابراهيم حموزي 28

1370 الشيخ عبد اللّه الستري 31

1371 السيد محسن الامين 33

1371 الشيخ محمد حسين بن يونس المظفر 36

1372 الشيخ مهدي اليعقوبي 40

1372 دوار مرقص 43

1373 الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء 46

1373 الشيخ محمد علي قسام 62

1373 الشيخ عبد الكريم العوامي 66

1372 محمد هاشم عطية 67

1374 الشيخ قاسم الملا 71

1374 الحاج عبد الحسين الازري 78

1374 الشيخ عبد الحسين الحلي 95

1374 الشيخ حسن سبتي 101

1375 حسين علي الاعظمي 103

1377 حليم دموس 131

1377 عباس ابو الطوس 133

1378 الشيخ محمد جواد الجزائري 136

1379 الشيخ كاظم آل نوح 140

ص: 318

سنة الوفاة / الاسماء / الصفحة

1379 الشيخ كاظم كاشف الغطاء 144

1379 الشيخ كاظم السوداني 146

1380 الشيخ محمد علي الاورد بادي 150

1380 سليمان ظاهر 153

1381 الشيخ محمد حسين المظفر 156

1381 الشيخ باقر الخفاجي 159

1382 السيد عبد الهادي الشيرازي 163

1382 عبد القادر رشيد الناصري 166

1383 الشيخ محمد رضا المظفر 169

1383 بدر شاكر السياب 172

1384 الشيخ حميد السماوي 176

1384 الشيخ حبيب المهاجر 182

1384 الشيخ مجيد خميس 185

1385 الشيخ محمد رضا الغراوي 188

1385 الشيخ محمد علي اليعقوبي 190

1385 الكولونيل حبيب غطاس 198

1385 هلال بن بدر 201

1385 الشيخ محمد رضا الشبيبي 203

1386 الشيخ حسن صادق 209

1386 الشيخ محمد رضا فرج اللّه 211

1387 حسين بستانة 212

1387 الشيخ علي البازي 215

1387 ضياء الدخيلي 217

1387 الشيخ حسين القديحي 219

1387 احمد خيري بك 222

1388 الشيخ محمد طه الحويزي 224

1388 الشيخ حسين الحولاوي 231

1388 محمد الخليلي 234

1388 الشيخ كاتب الطريحي 237

1388 السيد محمد علي الغريفي 239

ص: 319

سنة الوفاة / الاسماء / الصفحة

1389 السيد محمد رضا شرف الدين 245

1389 الدكتور مصطفى جواد 247

1389 عبد الكريم العلاف 250

1389 السيد محمود الحبوبي 254

1390 عبد الحميد السنيد 259

1391 السيد عباس شبر 262

1392 الشيخ محمد سعيد مانع 268

1392 الدكتور زكي المحاسني 270

1392 الشيخ عبد الكريم صادق 273

1392 انور العطار 279

1392 السيد أحمد الهندي 284

1392 عادل الغضبان 287

1395 الشيخ مهدي مطر 290

المستدركات

418 ابو القاسم المغربي 302

540 ابن أبي الخصال الشقوري 305

1334 الحاج محمد عجينة 309

1358 الشيخ مهدي الحجار 312

ص: 320

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.