فرق الشيعة النوبختى
فيه مذاهب فرق أهل الإمامة أسماؤها وذكر أهل مستقيمها من سقيمها واختلافها وعللها.
تأليف:
أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث للهجرة.
(علق عليه )
العلامة الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم.
طبع على نفقة الناشر.
من النظام البشري.
صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية في النجف الاشرف.
المطبعة الحيدرية - النجف.
الطبعة الرابعة 1388 ه - 1969 م.
ص: 1
الطبعة الرابعة 1388 ه - 1969 م.
ص: 2
فرق الشیعة
فيه مذاهب فرق أهل الإمامة أسماؤها وذكر أهل مستقيمها من سقيمها واختلافها وعللها.
تأليف:
أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث للهجرة.
(علق عليه )
العلامة الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم.
طبع على نفقة الناشر.
من النظام البشري.
صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية في النجف الاشرف.
المطبعة الحيدرية - النجف.
ص: 3
المقدمة.(1)
ترجمة مؤلف كتاب.
فرق الشعة
أبو محمد الحسن بن موسى النوختى.
بقلم العلامة الكبير : السيد هبة الدين الشهرستاني.
أبو محمد الحسن بن أبى الحسن موسى بن الحسن بن أبي الحسن محمد ابن العباس ابن اسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت المنجم البغدادي ، وكان أبو محمد الحسن بن اخت أبى سهل اسماعيل بن على بن اسحاق بن اسماعيل ابن أبي سهل بن نوبخت .
أما نوبخت(2) فاسم فارسی لرجل فارسی اشتهر بعلم النجوم و عملها في -
ص: 4
أواخر الدولة الأموية و أوائل الدولة العباسية و عمر أكثر من مائة سنة. فكان ينجم(1) و يترجم لخالد بن يزيد بن معاوية، ثم صحب المنصور في الخلافة العباسية، و لما نبأه بثبوت الملك له وإن ابراهيم بن عبد الله قتيل باخمراء سيقتل و تحقق المنصور ذلك(2) في الهاشمية أقطعه الدوانيقي ألفى جريب من أراضى الحويزة و عظمت شهرته و منزلته فتولى مع المنصور بناء بغداد و هندسة رسومها(3) و استخراج طوالعها و نجومها، و هو الذي عين ساعة الشروع في البناء يوم الثالث و العشرين(4) من تموز، وكان(5) قد أسلم على يدى أبي جعفر المنصور فسماه عبد الله (6) وحسن اسلامه و اسلام ولده أبى سهل وزوجته زرين، وأصل هذه العائلة من سلالة بيب من جوذرز(7) و هما الأمراء الأبطال في الدولة الكيانية الفارسية ، و أما أبو سهل بن نوبخت فاسمه كنيته، وقام مقام أبيه فى التنجيم و الترجمة و صحبة المنصور لأن أباه لما ضعف الخدمة قال له المنصور أحضر ولدك ليقوم مقامك: فسير ولده أباسهل قال أبو سهل: فلما ادخلت على المنصور ومثلت بين يديه، قال لى تسم.
ص: 5
لأمير المؤمنين فقلت: إسمى خرشاذ ماه طيماذاه ما بازار دباد خسرو انشاه (1) فقال لى المنصور كل ماذكرت فهو اسمك، قال قلت: نعم، فتبسم المنصور ثم قال: ماصنع أبوك شيئاً فاختر منى احدى خلتين، أما أن أقتصر بك من كل ما ذكرت على طحاذ، وأما أن أجعل لك كنية تقوم مقام الاسم و هو أبو سهل، فقال أبو سهل: قد رضيت بالمكنية، فثبتت كنيته و بطل اسمه (2) و عمر أبو سهل زهاء ثمانين سنة و أدرك سبعة من الخلفاء و توفى سنة 202 (3) المأمون وخلف سهلا و سلمان و اسحاق و اسماعيل و هارون و محمداً و عبيد الله و غيرهم وكل كامل غير خامل الذكر.
وأما اسماعيل بن أبى سهل ابن نوبخت و يكنى أبا اسحاق فهو من أعيان بغداد و فضلائها، ومن رفقاء ابراهيم بن المهدى الخليفة العباسي(4) و من أصحاب الإمام محمد بن الرضا وابنه الهادى (5) عليهم السلام، ولا بي نؤاس المتوفى سنة 198 قصائد في مدحه مدح أولاده كالحسين و العباس و اسحاق،
ص: 6
ثم هجاه بعد مهاجاته مع أخيه سلمان.
قال الجاحظ في كتاب البخلاء - ص 77 - كان أبو نواس يرتعى على خوان اسماعیل بن نیبخت كما ترتعى الإبل فى الحمض(1) بعد طول الخلة ، ثم كان جزاؤه منه أنه قال:
خبز اسماعيل كالوشي إذا ماشق يرفا .... الخ.
وأما الحسن بن محمد بن العباس بن اسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، فهو من فضلاء بغداد و علمائها المتكلمين على مذاهب أهل البيت (2) و من أكابر العائلة النوبختية، و ذكره ابن كثير الشامي في تاريخه و نقل عن البرقانى أنه كان الحسن هذا شيعياً معتزلياً، ولكن ظهر لى أنه كان صدوقاً، و نقل عن و نقل عن العقيق العقيق أنه قال: كان الحسن هذا ثقة فى الحديث لكنه يذهب مذهب المعتزلة، وعن محمد بن شهر اشوب نعت الحسن ابن محمد بالفيلسوف الإمامى، و أسند اليه بعض مؤلفات لحفيده الحسن بن موسى. (3)
وأما أبو الحسن موسى بن الحسن بن محمد بن العباس بن اسماعيل ابن أبى سهل بن نوبخت (4) فهو المعروف بابن كبرياء (5) فقد وصفه النجاشى بالعبادة وحسن التدوين و معرفة النجوم وكثرة الكلام والتصنيف -
ص: 7
فيها، و من مصنفاته كتاب الكافى فى أحداث الأزمنة، وكان من وجوه الشيعة ببغداد و مفوهاً جليل القدر، و تزوج باخت أبى سهل اسماعيل فأولدت له الحسن مؤلف (فرق الشيعة) فى أواسط القرن الثالث الهجرى.
لما كان نوبخت المنجم الفارسي وجد العائلة النوبختية قد لازم الخليفة الدوانيقى ملازمة الظل، وكان المنصور يود صحبته و اشتركا معاً فى وضع مدينة بغداد و تأسيسها كعاصمة، هذا من جهة العلم و ذلك من جهة العمل، كان نوبخت بطبيعة الحال أول القاطنين بمدينة السلام مع المنصور، و يذكر المؤرخون بيوت بليه (1) فى مشرق جانب الرصافة حيث السوق المسمى الآن (بالشورجة ) وكانت دار الشيخ الولى الحسين بن روح فى النوبختية و بها قبره حتى اليوم، وقد قام أبو سهل ابن نوبخت فى التنجيم للخليفة مقام أبيه، و حاز هو و بنوه الشهرة الواسعة فى علم النجوم و ترجمة أصوله و فصوله إلى العربية، ولم يقنعوا بترجمة النجوم فقط، بل نقلوا إلى لغة الضاد كتب الفلاسفة فى أنواع العلوم من لغتها الفارسية (2) وتفوقوا بتقدمهم في أكثر العلوم النافعة، و نبغوا في الشعر و الادب العربى و خدموا الجامعة الإسلامية بالتأليف و الترجمة و الإنشاء و التدريس و المجادلات الكلامية، كما خدموا الدولة العباسية بالنصح و المشورة و الإدارة و الوزارة عن صدق و اخلاص، فحسن اسلامهم وصحت عروبتهم بعدما ذابت العجمية منهم وعظم شأنهم واتسع نطاقهم.
ص: 8
وامتد رواق هذا البيت الرفيع من أواخر القرن الأول حتى الخامس الهجرى، فابتنت عائلة نوبخت لمجدها بيتاً في الإسلام عظم البنيان قوى الأركان لا يقصر عن مجدها الفارسى الغابر يوم كانت تمد أطنابها من امراء أبطال فى أسلافها أمثال - بيب - و - جوذرز - ممن انطوى عهدهم فى سجل الزمان ولم ينطو حديثهم من سجلات الكتب، فعاشت العائلة النوبختية فى الدولة العباسية و بيدها مقاليد أبواب الأفلاك و ارصاد النجوم و صاروا عيونا لمراقبة الكواكب و ضباط حركاتها و خزان الحكمة بيوت و تراجمتها و خلفاء الفلاسفة وألسلتها و مصابيح العلوم و كنوزها ومفاتيح رموزها، وكانوا متمسكين مع تبحرهم في التنجيم واختصاصهم بدراسة الفلسفة بالدين و أوامره معظمين لشأن الإسلام و شعائره، و مما يدلك على اخلاصهم الصادق أنهم لم يختلفوا في المذهب، مع أن عصرهم كان التفرق والمذهب، فقد دانوا بالإسلام من عهد أبي جعفر واختصوا بالمذهب الجعفرى واستمروا متمسكين بذلك وذلك الدين وذلك المذهب ثم لم يحيدوا عنهما قيد شعرة إلى النهاية، ولم يختلف مذهبهم الإسلامى بالرغم من كل اختلاف حدث للناس في مذاهبهم و تفرقهم فى مسالكهم و أفكارهم، كما أنهم لم يختلفوا في مسلكهم السياسي و تأييدهم للملك العباسي بالرغم من كل اضطراب أو انقلاب حادث، نعم لم يزل هذا البيت الجليل مشهوراً بالفلسفة و النجوم و الزعامة العلمية و الرياسة الروحية بأمثال أبي سهل و ابن روح و ابن كبرياء، و فى حضانة أمثالهم تربى الحسن بن موسى، ومن دوحتهم نبع أصله و ترعرع فرعه و فى مجالسهم نشأ و درس و تخرج، فلا غرو إذا توفرت أزهار شجرة كهذه و أنت بأطيب الثمار.(1)
ص: 9
إذا صحت الوراثة الطبيعية بين الابناء والآباء، وان الولد يستورث عموديه في المواهب الطبيعية كما يستورثهما في الشريعة وأن المرء النموذج من أبويه و عصارة من والديه فالحسن بن موسى بن كبرياء قد ورث مجد أجداده و علم آبائه و ثقافة أعمامه و أخواله و شرف عائلته و مآثر كلالته وقد أثنى عليه شيوخ الطبقات و زكاه الثقاة ففي نقد الرجال للتفريشى (ص 69) و فهرست النجاشي(1) (ص 47) و خلاصة العلامة الحلى (ص 21) (الحسن بن موسى أبو محمد النوبختى شيخنا المتكلم المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلثمائة وبعدها)، وفي منهج المقال (ص108) و فهرست الشيخ الطوسى(2) (ص 98) (ابن اخت أبى سهل بن نوبخت يكنى أبا محمد متكلم فيلسوف وكان اماميا حسن الإعتقاد ثقة) وزاد الشيخ الطوسى أنه نسخ بخطه شيئا كثيراً وله مصنفات كثيرة في الكلام والفلسفة وغيرهما ، وفي موضعين من معالم العلماء (ابن موسى النوبختي ابن اخت أبى سهل أبو محمد متكلم ثقة) وفى مجالس المؤمنين (3) (ص 177) عن الحسن بن داود في رجاله أنه قال:( الحسن بن موسى بن اخت أبى سهل -
ص: 10
ابن نوبخت من أكابر هذه الطائفة و عظماء هذه السلالة وكان الحسن متكلنا و فيلسوف إمامى الإعتقاد) ثم نقل ما قاله النجاشي، و فى روضات الجنات للخونسارى أثناء ترجمة أبى سهل اسماعيل بن على النو بختى (ص31) قال ما لفظه:(ثم أن من كبار الفضلاء النوبختيين و فقهائهم المتكلمين أيضا ابن اخت هذا الشيخ الجليل النبيل الحسن بن موسى النوبختى المتكلم المشار اليه صاحب التصنيفات الكثيرة فى متفرقات الأفنان و الأبحاث الواردة الغفيرة على حكماء يونان وكان من أفاضل رأس الثلثمائة الهجرية) و قد وصفه ابن النديم فى الفهرست (ص 177) عند ذكر العلماء المتكلمين على مذهب الشيعة بوصف جميل وقال السيد ابن طاوس فى فرج الهموم (كان الحسن بن موسى أبو محمد النوبختى عارفا بعلم النجوم قدوة في تلك العلوم و قد صنف كتابا استدرك فيه على أبى على الجبائي لما رد على المنجمين الخ) و قد ذكر العلامة المجلسى أبا محمد هذا وأباه موسى ابن الحسن النوبختى في كتاب السماء والعالم من أجزاء بحاره(1) عند ذكر علماء الشيعة وفقهائها العاملين بالنجوم والمؤلفين فيها ( ج 14 ص 142) وقد ذكر بجميل الوصف في منتهى المقال(2) (ص 105) و نقد الرجال(3) (ص 99) و منهج المقال(4) (ص 108) و خلاصة الأقوال(5) (ص 21).
ص: 11
و معالم العلماء(1) و رياض العلماء(2) و أمل الآمل (3) (ص 469) و عيون الأنباء (4) (ص 216) و كتاب الشيعة و فنون الإسلام.(5) (6)
لعصر المرء و معاصريه تأثير في حسن تربيته و سمو ثقافته فكما أن المناخ الطيب يؤثر فى نمو الحى و قوة جسمه كذلك العصر الزاهي بعلم خاص أو أدب مخصوص يؤثر الأثر المهم فى سمو ثقافة ابنائه و تقدمهم الباهر فى ذلك العلم و نبوغهم بذلك الادب الممتاز وكذلك البلد الممتاز بأدب أو صناعة يعين سكانه على التفوق فيهما على أقرانهم فلو تأملنا -
ص: 12
في حالة بغداد و عصرها الزاهر بالعلوم و أحطنا خبراً بالمستوى الذى بلغه المسلمون فى القرن الثالث و الرابع سهل علينا تصور الاختصاص الذى أحرزه أبو محمد النوبختى فى النجوم و الفلك و فنون الفلسفة الطبيعية و الآلهية و سهل علينا التصديق بنبوغه فى علوم استورثها من آبائه واكتسبها من قرنائه فبيته - أى بيت بني نو بخت المشهور بالتقدم في النجوم أعانه على التفوق فى هذا العلم و وطنه (دار السلام) المشهور بالتفوق فى الأدب العربى اعانه فى نبوغه الأدبى أيما اعانة و الحوزة العلمية التى اختص بصحبتها الحسن اعانته على البراعة والاختصاص في فنون الفلسفة فلا غرو أن برع الحسن في علوم الدين و تفوق على أقرانه فى النجوم وامتاز بكثرة التصنيف و اجادته وا حاطته بمفالات المذاهب و الاديان ونقد الفلاسفة اذ جده نوبخت المنجم وأبوه موسى الرياضي (و ما فى الآباء ترثه الابناء) و خاله أبو سهل المتكلم (و يحكى المر خاله) و أصحابه اسحاق و ثابت و أبو عثمان ففى فهرستى الشيخ (ص 98 - 99) و ابن النديم (1) (ص 177) (كان يجتمع اليه جماعة من نقلة كتب الفلسفة مثل أبى عثمان الدمشق واسحاق وثابت بن قرة و غيرهم الخ) و فى عيون الانباء عند ترجمة ثابت ابن قرة (ا ص 216) ما لفظه (ان هلال بن محسن قال حدثني أبو محمد الحسن بن موسى النوبختى قال): سألت أبا الحسن ثابت بن قرة عن مسألة بحضرة قوم فكره الإجابة عنها بمشهدهم وكنت حديث السن فدافعنى عن الجواب فقلت متمثلا:
ألا ما لليلى لا ترى عند مضجعى *** بليل ولا يجرى بها لى طائر.
بلى ان عجم الطير تجرى اذا جرت *** بليلى ولكن ليس للطير زاجر.
ص: 13
فلما كان من غد لقينى فى الطريق و سرت معه فاجابني عن جوابا شافياً و قال: زجرت الطير يا أبا محمد فاخجلني فاعتذرت اليه و قلت والله ياسيدى ما أردتك بالبيتين انتهى.
أقول: يهمنا و يهم الباحثين من رجال الشرق و الغرب معرفة عصر الرجال ذوى الآثار و الاعمال ولا سيما تاريخ الوفاة و الولادة أو تاريخهما معاً و معرفة معاصريهم و اخوانهم و أوطانهم فانها اكبر عون على تحليل روحياتهم و درس ثقافیتهم و نظریاتهم كما قدمناه أضف الى ذلك الحادثات التي تقاس باعمار الرجال و أعصارهم تصحيح أسانيد الكتب و الآراء و الاقوال والآثار المنسوبة إليهم أو المأثورة عنهم إلا ان المؤسف عدم الوقوف على تاريخ وفاة أو ولادة لابى محمد الحسن في الكتب المتداولة ليتسنى لنا الإنتفاع بشيء مما ذكرناه غير أن الذي استنبطناه من تواريخ معاصريه و حديثه مع ثابت بن قرة المروى عنه في عيون الانباء يدل على أنه ولادة السنوات الوسطى من القرن الثالث لان ثابتاً توفى سنة 288 ثمان و ثمانين و مائتين عن سبع وستين سنة و قد قال الحسن أنه فى أول مقابلته إياه كان حديث السن فكانت مقابلة شاب وكهل أى قبل وفاة ثابت بأعوام كثيرة لان ثابتاً في اخريات أيامه كان يحضر مجلس الحسن بن موسى كما في فهرست الشيخ وابن النديم و يجتمع اليه... و عليه فيكون الحسن قد أدرك رأس الثلاثمائة و هو كهل كما يشير الى ذلك النجاشى بقوله فيه:(المبرز على نظراته فى زمانه قبل الثلاثمائة و بعدها) سيما بعد النظر في تواريخ أصحابه و معاصريه: فمنهم اسحاق ابن حنين الرياضي الشهير المتوفى سنة 298 ثمان و تسعين و مائتين عن ثلاث و ثمانين سنة، و منهم أبو عثمان الدمشقي سعيد بن يعقوب الذي جعله على بن عيسى الوزير سنة اثنتين و ثلاثمائة رئيساً على بيمارستان -
ص: 14
الحربية(1) ببغداد والمارستانات الاخرى و توفى في أواسط القرن الرابع و منهم أبو الحسين السو سنجردى من غلمان أبي سهل خال الحسن بن موسى و الكائن بعد سنة ثلاثمائة و عشرين فصحبة هؤلاء للحسن بن موسى تؤكد بقاءه الى حدود هذا التاريخ سيما و أنه (كما يأتى فى مؤلفاته) صنف الرد على أبى القاسم البلخى شيخ المعتزلة المتوفى سنة 317 ثلاثمائة و سبع عشرة والرد على تلميذه محمد بن قبة المتوفى قبيله.
اذا صح ما قيل أن الكتاب عنوان عقل الكاتب و ترجمان قلبه و صورته الادبية المنعكسة على صفائح الطروس فالمصنفون في شتى الفنون و متنوع العلوم تزهو صورتهم الادبية زهو الطاووس في حدائق الكمال بنقوش بديعة الالوان و منظر جمالها الفتان و عليه فبراعة الحسن بن موسى التي حازت قصب السبق في ميادين العلم و حليات الادب صورت على ستائر التاريخ جمال أبي محمد الحسن بأبدع مناظره و ذلك من مؤلفاته الحسان و مصنفاته النافعة فى أكثر العلوم و إنا لنفصل ما أثبته له النجاشى و الطوسى وابن النديم كل فى فهرسته مرتبا على الحروف الهجائية.
1- (الآراء والديانات). في فهرستى الشيخ و ابن النديم أنه لم يتمه و زاد النجاشي: كتاب كبير حسن يحتوى على علوم كثيرة قرأت هذا المكتاب على شيخنا أبى عبد الله رحمه (2)
ص: 15
2- ( الإحتجاج لعمر بن عباد ونصرة مذهبه ) (كذا في فهرستى الشيخ وابن النديم، وفى المنهج نقلا من فهرست الشيخ (العمرة بن عباد).
3- ( اختصار الكون و الفساد لارسطا طاليس ) (كذا فى فهرست الشيخ و فى فهرست ابن النديم اختصار اختصار الكون و الفساد (1)).
4 - ( الارزاق والآجال والاسعار) (ذكره النجاشي ).
5 - ( الاستطاعة) على مذهب هشام وكان يقول به (ذكره النجاشي ).
6 - ( الاعتبار والتمييز والانتصار ) (النجاشي) (الإمامة) لم يتمه، (كذا في فهرست ابن النديم ، وفى فهرست الشيخ و النجاشي:(الجامع فى الامامة) و أظنه هو الصحيح (انظر 12).
7 - ( كتاب الانسان) كذا في فهرست الشيخ وزاد النجاشي:( غير هذه الجملة ).
8 - ( التنزيه وذكر متشابه القرآن ) ( النجاشي ).
9 - ( التوحيد وحدث العلل ) ( كذا فى فهرست ابن النديم ، وفى فهرست الشيخ: (وحدوث العالم).
10 - ( التوحيد الصغير ) (النجاشي).
11 - ( التوحيد الكبير ) كذا فى النجاشى ولعله هو وكتاب التوحيد و حدوث العالم (9) واحد.
ص: 16
12 - ( الجامع فى الإمامة ) قد مر ذكره.
13 - كتاب كبير (فى الجزء الذي لا يتجرأ) (النجاشي).
14 - ( جوابات لابى جعفر ابن قبة ) (1) (النجاشی).
15 - ( جوابات اخرى لابي جعفر أيضاً ) (النجاشي).
16 - ( حجج طبيعية مستخرجة من كتب أرسطاطا ليس في الرد على من زعم أن الفلك حی ناطق ) (النجاشی).
17 - ( الحجج فى الإمامة ) مختصر (النجاشي).
18 - ( كتاب فى الخبر الواحد والعمل به ) (النجاشي).
19 - ( الخصوص والعموم ) (النجاشي).
20 - ( الرد على أبى على الجبائي في رده على المنجمين ) و قد وقف عليه السيد ابن طاوس و ذكره فى فرج الهموم و ذكره النجاشي قائلا أن أبا على تجاهل في رده على المنجمين.
21 - الرد على أبي الهذيل العلاف في أن نعيم أهل الجنة منقطع (النجاشي).
22 - الرد على أصحاب التناسخ كذا في فهرست (ابن النديم و النجاشي) وزاد الشيخ في فهرسته (والغلاة) وليكن (الرد على الغلاة) كتاب على حدته على ماذكره النجاشي.
23 - ( الرد على أصحاب المنزلة بين المنزلتين في الوعيد ) (النجاشي).
ص: 17
24 - ( الرد على أهل التعجيز ) و هو نقض كتاب أبى عيسى الوراق كذا فى النجاشي و في الفهرستين (كتاب نقض كتاب أبى عيسى فى الغريب المشرقى).
25 - ( الرد على أهل المنطق ) (النجاشی).
26 - ( الرد على ثابت بن قرة ) (النجاشي).
27 - ( الرد على الغلاة ) (انظر 22).(1)
28 - ( الرد على فرق الشيعة ) ما خلا الإمامية (النجاشي).
29 - ( الرد على المجسمة ) (النجاشی).
30 - ( الرد على من أكثر المنازلة ) (النجاشی).
31 - ( الرد على من قال بالرؤية للباري عز وجل ) (النجاشي).
32- ( الرد على المنجمين ) (النجاشی).
33 - ( الرد على الواقفة ) (النجاشي).
34 - ( الرد على يحيى بن الاصفح في الإمامة ) (النجاشي).
35 - ( شرح مجالسه مع أبي عبد الله بن ملك ).(2)
ص: 18
36 - ( فرق الشيعة ) ( النجاشي ) و ذكره ابن تيمية في منهاج السنة (2 ص 105) و هو هذا الكتاب الذى نحن في صدده.
37 - ( مجالسه مع أبي القاسم البلخى (1) جمعه ) ( النجاشی ).
38- ( مختصر الكلام في الجزء ) ( النجاشی ).
39 - ( كتاب في المرايا وجهة الرؤية فيها ) ( النجاشی ).
40 - ( مسائله للجبائى فى مسائل شتى ) ( النجاشی ).
41 - ( الموضح فى حروب أمير المؤمنين «ع» ) كذا فى النجاشي و ذكر في المنهج نقلا عن النجاشى باسم التوضيح فى الخ.
42 - ( النقض على أبى الهذيل في المعرفة ).
43 - ( نقض كتاب أبى عيسى فى الغريب المشرق ) ( انظر 24 ).
44 - النقض على جعفر بن حرب في الإمامة.
45 - (النكت على ابن الراوندى ) ( النجاشي ).
يسرنا جداً وجود مؤلف فى فرق الشيعة و زعمائها و مقالاتها و آرائها منذ عصر الإمام على بن أبى طالب عليه السلام حتى القرن الثالث الهجرى بقلم علامة تحرير بحاثة ثقة خبير بعلوم الاوائل وآراء المذاهب -
ص: 19
و الفرق مثل الشيخ أبي محمد الحسن بن موسى النوبختى، غير أن المؤسف جداً حرمان أهل العلم من المكتب الاخرى التي الفها هذا الشيخ و ذكرنا أسماء ها آنفاً فلا نسمع عنها خبراً ولا نرى عيناً أو أثراً، أجل إن تأليفه الموسوم بفرق الشيعة رأينا منه نسخاً متعددة و اختصرت لنفسى النسخة التي و جدتها فى خزانة شيخى المحدث النورى (محمد حسين) المتوفى سنة 1320 و كانت عند ابن حزم الظاهرى نسخة من هذا الكتاب و قال فيه سيدنا الحسن (1) ثم صنف فيه كتاب الآراء و الديانات و كتاب الفرق للفيلسوف المبرز على نظرائه فى زمانه قبل الثلاثمائة الحسن ابن موسى النوبختى و هو مقدم على كل من صنف في ذلك كالي منصور عبد القادر بن طاهر البغدادي المتوفى سنة 429، إلى أن قال: ولا أعرف من تقدم على هؤلاء فى ذلك غير الكلى والحسن بن موسى النوبختى و قد نص ابن النديم و النجاشى و غيرهما على تصنيفهما فى ذلك في ترجمتهما عند سرد فهرست مصنفاتهما وكتاب الفرق موجود عندنا نسخة منه و هو فى فرق الشيعة. أقول: ان الفرق المذكورة فى هذا الكتاب قد انقرضت فى الاكثر و بادت أنباؤها و تشتقت آراؤها و طويت في سجل الزمان و صارت في خبر كان و لما لم يبق منها اليوم إلا ثلاث (الزيدية، و الاسماعيلية و الامامية الاثنى عشرية، انضوى تحت الوية هذه الثلاث جل أبناء الفرق الغابرة و ذابت مقالاتها بطبيعة الزمان و تطورت بحسب مقتضيات الأعصار والأمصار ثم بقيت بالرغم من تبدل الثقافة و تطور العلوم رواسب ثقيلة من هاتيك المقالات الذائبة بفعل الحوادث والله يهدى من يشاء إلى سواء السبيل).
همة الدين الحسينى الشهرستاني.
ص: 20
ليعلم القارى الكريم أن التعليقات الموقعة بتوقيع (ر) على هذه المقدمة هي من رشحات قلم البحاثة الشهير المستشرق عضو جمعية المستشرقين الألمانية ه. ريتر نقلناها و المقدمة المذكورة حرفياً عن نسخة الكتاب التي تصدى هو لتصحيحها و طبعها في مطبعة الدولة باستانبول سنة 1931 تتميما للفائدة و إنا للشكر لهذا البحاثة شكراً جزيلا نشرياته الإسلامية و نقدر له عمله البار و نرجو له التوفيق و السداد فعليه إذاً تكون نسختنا هذه هی الطبعة الثانية لطبعة المستشرق المذكور تصدينا لها لما لها الاهمية في العالم الإسلامي بحيث لا يستغنى عنها أي أحد والله الموفق والمعين.
ص: 21
بسم الله الرحمن الرحيم.
(أما بعد): فإن فرق الامة كلها المتشيعة و غيرها اختلفت في الإمامة في كل عصر و وقت كل إمام بعد و فاته و فى عصر حياته منذ قبض الله محمداً صلى الله عليه وآله و قد ذكرنا فى كتابنا هذا ما يتناها الينا من فرقها و آرائها و اختلافها و ما حفظنا مما رؤى لنا من العلل التي أجلها تفرقوا و اختلفوا و ما عرفنا فى ذلك من تأريخ الاوقات و بالله من التوفيق و منه العون.
قبض رسول الله صلى الله عليه وآله فى شهر ربيع الاول سنة عشر من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة وكانت نبوته عليه السلام ثلاثاً و عشرين سنة و امه آمنة بنت و هب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب، فافترقت الامة ثلاث فرق:( فرقة منها ) سميت الشيعة و هم شيعة على بن أبى طالب عليه السلام(1) و منهم افترقت صنوف الشيعة كلها، (و فرقة منهم) ادعت الامرة و السلطان و هم الانصار و دعوا الى عقد الامر لسعد بن عبادة الخزرجي،(و فرقة) مالت الى بيعة أبي بكر بن أبي قحافة و تأولت فيه أن النبي صلى الله عليه وآله لم ينص على خليفة بعينه و أنه جعل الامر الى الامة تختار لا نفسها من رضيته، و اعتل قوم منهم برواية ذكروها أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره فى ليلته التى توفى فيها بالصلاة باصحابه فجعلوا ذلك الدليل على استحقاقه إياه و قالوا رضيه التى صلى الله عليه و آله لامر ديننا و رضيناه -
ص: 22
لأمر دنيانا و أوجبوا له الخلافة بذلك فاختصمت هذه الفرقة، و فرقة الانصار و صاروا الى سقيفة بني ساعدة و معهم أبو بكر وعمر و أبو عبيدة ابن الجراح و المغيرة بن شعبة الثقفي و قد دعت الانصار الى العقد لسعد ابن عبادة الخزرجى و الاستحقاق للأمر و السلطان فتنازعوا هم و الانصار في ذلك حتى. منا أمير و منكم أمير فاحتجت هذه الفرقة عليهم بأن النبي عليه السلام قال: الأئمة من قريش و قال بعضهم أنه قال: الامامة لا تصلح إلا فى قريش فرجعت فرقة الانصار و من تابعهم الى أمر أبى بكر غير نفر يسير مع سعد بن عبادة و من أتبعه من أهل من أهل بيته فانه لم يدخل في بيعته حتى خرج الى الشام (1) مراغا لأبي بكر و عمر فقتل هناك بحوران قتله الروم و قال آخرون: قتلته الجن فاحتجوا بالشعر المعروف و فى روايتهم أن الجن قالت:
قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده *** و رميناه بسهمين فلم نخطى فؤاده.
و هذا قول فيه بعض النظر لأنه ليس فى التعارف أن الجن ترمى آدم بالسهام فتقتلهم، فصار فصار مح أبى بكر السواد الاعظم و الجمهور الاكثر فلبثوا معه و مع عمر مجتمعين عليهما راضين بهما، و قد (2) كانت فرقة اعتزلت عن أبى بكر فقالت لا نؤدى الزكوة اليه حتى يصح عندنا (3) لمن الامر و من استخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله بعد و نقسم الزكوة بين فقرائنا و أهل الحاجة منا، وارتد قوم فرجعوا عن الإسلام و دعت بنو حنيفة إلى نبوة مسيلمة و قد كان ادعى النبوة في حياة رسول الله -
ص: 23
صلى الله عليه وآله فبعث أبو بكر اليهم الخيول عليها خالد بن الوليد ابن المغيرة المخزومى فقاتلهم و قتل مسيلمة و قتل من قتل و رجع (1) من رجع منهم إلى أبى بكر قسموا أهل الردة ولم يزل هؤلاء جميعاً على أمر واحد حتى نقموا على عثمان بن عفان اموراً أحدثها و صاروا (2) بين خاذل و قاتل إلا خاصة أهل بيته وقليلا من غيرهم حتى قتل ، فلما قتل بايع الناس علياً عليه السلام فسموا للجماعة ثم افترقوا بعد ذلك (3) فصاروا ثلاث فرق:
( فرقة ) أقامت على ولاية على بن أبي طالب عليه السلام.
(و فرقة) منهم اعتزلت مع سعد بن مالك و هو سعد بن بن أبي وقاص و عبد الله بن عمر بن الخطاب و محمد بن مسلمة الانصارى و اسامة بن زيد ابن حارثة الكلى مولى رسول الله صلى الله عليه وآله فان هؤلاء اعتزلوا عن على عليه السلام و امتنعوا من محاربته و المحاربة معه بعد دخولهم في بيعته و الرضاء به فسموا المعتزلة و صاروا أسلاف المعتزلة الى آخر الابد و قالوا: لا يحل قتال على ولا القتال معه، و ذكر بعض أهل العلم أن الاحنف بن قيس التميمي إعتزل بعد ذلك فى خاصة قومه من بني تميم لا على التدوين بالاعتزال لكن على (4) طلب السلامة من القتل و ذهاب المال و قال لقومه: إعتزلوا الفتنة أصلح لكم، (و فرقة) خالفت علياً عليه السلام و هم طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام وعائشة بنت أبي بكر فصاروا إلى البصرة فغلبوا عليها و قتلوا عمال على عليه السلام بها -
ص: 24
و أخذوا المال فسار اليهم على عليه السلام فقتل طلحة و الزبير و هزموا و هم أصحاب الجمل و هرب قوم منهم فصاروا الى معاوية بن أبي سفيان و مال (1) معهم أهل الشام وخالفوا علياً و دعوا الى الطلب بدم عثمان و الزموا علياً و أصحابه دمه ثم دعوا الى معاوية و حاربوا علياً عليه السلام و هم أهل صفين، ثم خرجت فرقة ممن كان مع على عليه السلام و خالفته بعد تحكيم الحكمين بينه و بين معاوية و أهل الشام و قالوا: لا حكم إلا لله و كفروا علياً عليه السلام وتبرؤا منه و أمروا عليهم ذا الندية و هم المارقون فخرج على عليه السلام فحاربهم بالنهروان فقتلهم و قتل ذا الندية فسموا (الحرورية) لوقعة حروراء و سموا جميعاً (الخوارج) و منهم افترقت فرق الخوارج كلها .
فلما قتل (2) على عليه السلام التقت الفرقة التي كانت معه والفرقة التي كانت مع طلحة و الزبير و عائشة فصاروا فرقة واحدة ابن أبي سفيان إلا القليل منهم من شيعته و من قال بامامته بعد النبي صلى الله عليه وآله و هم السواد الأعظم و أهل الحشو وأتباع الملوك و أعوان كل من غلب أعنى الذين التقوا مع معاوية فسموا جميعاً (المرجئة) لانهم توالوا المختلفين جميعاً و زعموا أن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان و رجوا لهم جميعاً المغفرة -
ص: 25
و افترقت (المرجئة) بعد ذلك فصارت الى (أربع فرق): (فرقة) منهم غلوا فى القول و هم(الجهمية) أصحاب (جهم بن صفوان) و هم مرجئة أهل خراسان (و فرقة) منهم (الغيلانية) أصحاب (غيلان بن مروان) و هم مرجئة أهل الشام، (و فرقة) منهم (الماصرية) أصحاب (عمرو (1) بن قيس الماصر ) و هم مرجئة أهل العراق منهم(أبو حنيفة) و نظراؤه.(و فرقة) منهم يسمون (الشكاك) (و البترية) أصحاب الحديث منهم (سفيان بن سعيد الثورى) (و شريك بن عبد الله) و (ابن أبى ليلى) و (محمد بن ادريس الشافعي) و (مالك بن أنس) و نظر اؤهم من أهل الحشو و الجمهور العظيم وقد سموا (الحشوية).
فقالت (2) أوائلهم فى الإمامة: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله الشعث و جمع من الدنيا ولم يستخلف على دينه من يقوم مقامه فى لم الشعث الكلمة و السعى في امور الملك و الرعية و إقامة الهدنة و تأمير الأمراء و نجييش الجيوش والدفع عن بيضة الإسلام وردع المعاند و تعليم الجاهل و إنصاف المظلوم و جوزوا فعل هذا الفعل لكل إمام بعد الرسول صلى الله عليه وآله.
ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم: على الناس أن يجتهدوا آراءهم في نصب الإمام و جميع حوادث الدين و الدنيا الى اجتهاد الرأى. وقال بعضهم: الرأى باطل ولكن الله عز وجل أمر الخلق أن يختاروا -
ص: 26
الإمام بعقولهم (1) و شذت طائفة من المعتزلة عن قول أسلافها فزعمت أن النبي صلى الله عليه و آله نص على صفة الإمام و نعته ولم ينص على اسمه ونسبه وهذا قول أحدثوه قريبا، وكذلك قالت جماعة من أهل الحديث هربت حين عضها (2) حجاج الإمامية و لجأت الى أن الذي صلى الله عليه وآله نص على أبى بكر بأمره إياه بالصلاة و تركت مذهب أسلافها فى أن المسلمين بعد وفاة الرسول عليه السلام قالوا رضينا لدنيانا بامام رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله لديننا.
و اختلف أهل الاهمال في إمامة الفاضل و المفضول فقال أكثرهم: هي جائزة في الفاضل و المفضول اذا كانت في الفاضل علة تمنع من إمامته و وافق سائرهم (3) أصحاب النص على أن الامامة لا تكون إلا للفاضل المتقدم.
و اختلف الكل في الوصية فقال أكثر أهل الاهمال: توفى رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يوص إلى أحد من الخلق، فقال بعضهم قد أوصى على معنى أنه أوصى الخلق بتقوى الله عز وجل.
ثم اختلفوا جميعاً فى الفول بالامامة وأهلها فقالت (البترية) و هم فول 17 أصحاب (الحسن بن صالح بن حى) و من قال بقوله أن عليا عليه السلام هو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله و أولاهم بالإمامة و أن بيعة أبى بكر ليست بخطأ و وقفوا في عثمان و ثبتوا حزب على عليه السلام و شهدوا على مخالفيه بالنار و اعتلوا بان عليها سلم لها ذلك فهو بمنزلة -
ص: 27
رجل كان له على رجل حق فتركه له .
و قال (سليمان بن جرير الرقى) و من قال بقوله أن علياً عليه السلام كان الإمام وأن بيعة أبي بكر و عمر كانت خطأ ولا يستحقان اسم الفسق عليها من قبل التأويل لانهما تأولا فاخطنا و تبرؤا من عثمان فشهدوا عليه بالكفر و محارب على عليه السلام عندهم كافر.
و قال (ابن التمار) و من قال بقوله أن علياً عليه السلام كان مستحقا للإمامة وأنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن الامة ليست بمخطئة خطأ إثم في توليتها أبا بكر و عمر و لكنها مخطئة بترك (1) الافضل و تبرؤا من عثمان و من محارب على عليه السلام و شهدوا عليه بالكفر.
و قال (الفضل الرقاشي) و (أبو شمر)(2) (و غيلان بن مروان) (و جهم بن صفوان) و من قال بقولهم من المرجئة أن الامامة يستحفها كل من قام بها إذا كان عالماً بالكتاب و السنة وأنه لا تثبت الامامة إلا باجماع (3) الامة كلها .
و قال ( أبو حنيفة ) و سائر المرجئة: لا تصلح الامامة إلا في قريش كل من دعا منهم الى الكتاب والسنة والعمل بالعدل و جبت و وجب الخروج معه و ذلك للخبر الذى جاء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الأئمة من قريش.
و قالت (الخوارج) كلها (إلا النجدية) منهم: الإمامة تصلح فى -
ص: 28
أفناء (1) الناس كلهم من كان منهم قائما بالكتاب و السنة عالما بهما وأنا الإمامة تثبت بعقد رجلين.
و قالت (النجدية) من الخوارج: الامة غير محتاجة الى إمام ولا غيره و انما علينا و على الناس أن نقيم كتاب الله عز وجل فيما بيننا.
و قالت (المعتزلة) أن الامامة يستحقها كل من كان قائما بالكتاب عالم و السنة فاذا اجتمع قرشى و نبطى و هما قائمان بالكتاب و السنة ولينا القرشي و الامامة لا تكون الا باجماع الامة و اختيار و نظر.
و قال ضرار بن عمرو (2) إذا اجتمع قرشى و نبطى ولينا النبطى و تركنا القرشى لانه أقل عشيرة و أقل عدداً فاذا عصى الله و أردنا خلعه كانت شوكته أهون ، و انما قلت ذلك نظراً للإسلام.
و قال « ابراهيم النظام (3)» و من قال بقوله: الإمامة تصلح لكل .
كان قائما بالكتاب و السنة لقول الله عز وجل ان أكرمكم عند الله أتقاكم ( 49 : 13) و زعموا ان الناس لا يجب عليهم فرض الإمامة اذا هم -
ص: 29
أطاعوا الله و أصلحوا سرائرهم وعلانيتهم فانهم لن يكونوا كذا إلا وعلم الامام قائم باضطرار يعرفون عينه فعليهم اتباعه ولن يجوز أن يكلفهم الله عز وجل معرفته ولم يضع عندهم عليه فيكلفهم المحال.
و قالوا في عقد المسلمين الامامة لابى بكر أنهم قد أصابوا (1) فى ذلك وأنه كان أصلحهم في ذلك الوقت بالقياس و الخبر. أما القياس فانه وجد أن الانسان لا يعمد الى الذل لرجل ولا يتابعه في كل ما قال- إلا من ثلاث طرق أما أن يكون رجلا له عشيرة تعينه على استعباد الناس رجلا عنده مال فيذل الناس له الماله أو دين (2) برز (3) فيه على الناس ، فلما وجدنا أبا بكر أقلهم عشيرة وأفقر هم علما انه انما قدم للدين وأما الخبر فاجتماع الناس عليه ورضاهم بامامته وقد قال النبي صلى الله عليه وآله لم يكن الله تبارك و تعالى ليجمع امتى على ضلال ولو كان اجتماع الناس عليه خطأ لكان فى ذلك فساد الصلاة و جميع الفرائض و إبطال القرآن و هو الحجة علينا بعد النبی صلی الله علیه واله وسلم، و هذه علة المعتزلة والمرجئة باجمعهم .
و زعم (عمرو بن عبيد) و (ضرار بن عمرو) و (واصل بن عطاء (4)) وهم اصول المعتزلة فقال ( عمرو بن عبيد (5)) و من قال بقوله -
ص: 30
أن علياً عليه السلام كان أولى بالحق من غيره، و قال (ضرار بن عمرو ) لست أدرى أيهم أهدى أعلى أم طلحة و الزبير، و قال (و اصل بن عطاء) مثل على و من لا يدرى من الصادق منها و من خالفه مثل المتلاعنين. الكاذب و أجمعوا جميعاً على أن يتولوا القوم في الجملة وان إحدى الفرقتين ضالة لا شك من أهل النار وان عليا و طلحة و الزبير ان شهدوا بعد اقتتالهم على درهم لم يجيزوا شهادتهم وان الفرد على مع رجل من عرض الناس أجازوا شهادته و كذلك طلحة و الزبير و زعموا أنهم يسمونهم باسم الإيمان على الأمر الأول ما اجتمعوا فإذا انفردوا لم يسموا واحداً منهم على الإنفراد مؤمنا ولم يجيزوا شهادته.
و أما (البترية) من أصحاب الحديث أصحاب «الحسن بن صالح ابن حی (1)» و « كثير النواء (2)» و «سالم بن أبي حفصة (3)».
ص: 31
و «الحكم بن عتيبة (1) » و « سلمة بن كهيل (2) » و « أبى المقدام ثابت الحداد (3)» و من قال بقولهم فانهم دعوا الى ولاية على عليه السلام ثم خلطوها بولاية أبى بكر وعمر، و أجمعوا جميعاً ان عليا خير القوم جميعاً و أفضلهم و هم مع ذلك يأخذون بأحكام أبى بكر و عمر، و يرون المسح على الخفين و شرب النبيذ المسكر و أكل الجرى.
علياً عليه السلام كان مصيبا فى حربه طلحة و الزبير و غير هما و ان جميع من قاتل علياً عليه السلام و حاربه كان على خطأ وجب (1) على الناس محاربتهم مع على عليه السلام. و الدليل على ذلك قول الله عز وجل فى كتابه (فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء الى أمر الله ) ( 49 : 9) فقد وجب قتالهم لبغيهم عليه لأنهم ادعوا ما ليس لهم و ما لم يكونوا أولياءه من الطلب بدم عثمان فيغوا (2) عليه، و عقلوا بالخبر عن على عليه السلام في قوله:(أمرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين) فقد (3) قاتلهم و وجب قتالهم.
و قال (بكر بن اخت عبد الواحد (4)) و من قال بقوله أن علياً وطلحة و الزبير مشركون منافقون و هم مع ذلك جميعا في الجنة لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: اطلع (5) الله عز وجل على أهل بدر فقال (6): اصنعوا ما شئتم قد(7) غفرت لكم.
و قالت بقية المعتزلة ( ضرار بن عمرو ) و (معمر ) (8) و (أبو الهذيل -
ص: 33
العلاف) (1) وبقية المرجئة انا نعلم أن أحدهما مصيب والآخر مخطى(2) فنحن نتولى كل واحد منهم على الانفراد ولا نتولاهم على الاجتماع ، وعلتها فى ذلك أن كل واحد منهم قد ثبتت ولايته و عدالته بالإجماع فلا تزول عنه العدالة إلا بالإجماع.
و قالت (الحشوية) و «أبو بكر الأصم (3)» و من قال بقولهم أن عليا و طلحة و الزبير لم يكونوا مصيبين فى حربهم وأن المصيبين هم الذين قعدوا عنهم و انهم يتولونهم جميعا و يتبرؤن من حربهم ويردون أمرهم الى الله عز وجل.
و اختلفوا في تحكيم الحکمین:
فقالت (الخوارج) الحكمان كافران و كفر على عليه السلام حين حكمهما، واعتلوا بقول الله عز وجل (و من لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون. و الظالمون و الفاسقون) (5:47) و بقوله تبارك و تعالى فقاتلوا التي تبغى حتى نفي الى امر الله ( 9:49) فتركه القتال كفر، و قالت (الشيعة) و (المرجئة) و (ابراهيم النظام) و (بشر بن -
ص: 34
المعتمر) أن علياً عليه السلام كان مصيباً في تحكيمه لما أبى أصحابه إلا التحكيم و امتنعوا من القتال فنظر المسلمين ليتألفهم و انما أمرهما ان يحكما بكتاب الله عز وجل فخالفا فهما اللذان ارتكبا الخطأ وهو الذى أصاب ، و اعتلوا في ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وآله و ادع أهل مكة ورد أبا جندل (1) سهيل بن عمرو الى المشركين يحجل في قيوده و بتحكيمه (2) سعد بن معاذ فيما بينه وبين بني قريظة والنضير من اليهود.
و قال ( أبو بكر الأصم ) نفس خروجه خطأ و تحكيمه خطأ وأن (3) أبا موسى الاشعرى أصاب حين خلعه حتى يجمع الناس على امام .
و قال سائر المعتزلة: كل مجتهد مصيب وقد اجتهد على عليه السلام فأصاب ولسنا نتهمه في قوله فهو محق.
و قالت ( الحشوية ): نحن لا نتكلم فى هذا بشيء ونرد أمرهم الى الله عز و جل فان يكن حقاً فالله أولى حقاً كان أو باطلا ونتولاهم جميعاً على الأمر الأول.
و كل هذه الصنوف و الفرق التي ذكرناها من أهل الارجاء و الخوارج و غيرهم مختلفون فيما بينهم فرقا كثيرة يطول ذكرها يؤثمون بعضهم(4) على بعض فى الإمامة و الاحكام و الفتوى و التوحيد و جميع -
ص: 35
فنون الدين ينكر بعضهم من بعض و يكفر بعضهم بعضاً أكثر ما عندهم أن سموا أنفسهم على اختلاف مذاهبهم (الجماعة) يعنون بذلك أنهم مجتمعون على ولاية من وليهم من الولاة براً كان أو فاجراً فتسموا بالجماعة على غير معنى الإجتماع على دين بل صحيح معناهم معنى الافتراق.
فجميع أصول الفرق كلها الجامعة لها أربع فرق (الشيعة) و (المعتزلة) و (المرجئة) و (الخوارج).
فاول الفرق (الشيعة) و هم فرقة على بن أبى طالب عليه السلام المسمون بشيعة (1) على عليه السلام في زمان النبي صلى الله عليه وآله و بعده معرفون بانقطاعهم اليه و القول بامامته.
و منهم «المقداد بن الاسود (2)» و «سلمان الفارسی (3)» و« أبو ذر(4) جندب بن جنادة الغفاري » و « عمار -
ص: 36
ابن ياسر (1)، و من و افق مودته مودة على دع، و هم أول من سمى باسم التشيع (2) من هذه الامة لأن اسم التشيع قديم شيعة ابراهيم و موسى و عيسى و الانبياء صلوات الله عليهم أجمعين فلما قبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله افترقت فرقة الشيعة ثلاث فرق: ( فرقة ) منهم قالت أن عليا عليه السلام إمام مفترض الطاعة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واجب على الناس القبول منه والاخذ (3) ولا يجوز غيره الذي وضع عنده النبي صلى الله عليه وآله من العلم ما يحتاج اليه الناس من الدين و الحلال و الحرام و جميع منافع دينهم و دنيا هم و مضارها و جميع العلوم جليلها (4) و دقيقها و استودعه ذلك كله و استحفظه اياه ولذا استحق الإمامة ومقام التى صلى الله عليه وآله لعصمته و طهارة مولده و سابقته (5) و علمه و سخانه و زهده و عدالته فى رعيته وان النبي صلى الله عليه وآله نص عليه و أشار اليه باسمه و نسبه و عينه و قلد الامة امامته و نصبه لهم علما و عقد له عليهم إمرة المؤمنين وجعله أولى الناس منهم بانفسهم فى مواطن كثيرة مثل -
ص: 37
غدير خم و غيره و اعلمهم ان منزلته منزلة هرون من موسى صلى الله عليهما إلا انه لا نبي بعده فهذا دليل إمامته و لا معنى إلا النبوة و الامامة واذ جعله نظير نفسه فى أنه أولى بهم منهم بانفسهم في حياته و لقوله صلى الله عليه وآله لبنى و ليعة: لتفتين أو لا بد من اليكم رجلا كنفسى. فقام النبي صلى الله عليه وآله لا يصلح من بعده الا لمن هو كنفسه والامامة أجل الامور بعد النبوة و قالوا أنه لا بد مع ذلك من أن يقوم مقامه بعده رجل من ولده من ولد فاطمة بنت محمد عليهم السلام معصوم من الذنوب طاهر من العيوب تقى قى مأمون رضى مبرأ من الآفات و العاهات فى كل من الدين والنسب و المولد يؤمن منه العمد و الخطأ و الزلل منصوص عليه من الإمام الذى قبله مشار اليه بعينه واسمه الموالى له ناج والمعادى له كافر هالك و المتخذ دونه وليجة ضال مشرك، وأن الإمامة جارية في عقبه ما اتصلت أمور الله وأمره و نهيه، فلم تزل هذه الفرقة ثابتة على ما ذكرناه حتى قتل على عليه السلام فى شهر رمضان ضربه عبد الر ابن ملجم المرادى لعنه الله ليلة تسع عشرة وتوفى ليلة احدى وعشرين ليلة الاحد سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة فكانت امامته ثلاثين سنة وخلافته أربع سنين و تسعة أشهر وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضى الله عنهما و هو أول هاشمى ولد بين هاشميين.
(و فرقة) قالت أن علياً كان أولى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس لفضله وسابقته و علمه و هو أفضل الناس كلهم بعده و أشجعهم و أسخاهم و أورعهم و أزهدهم و أجازوا مع ذلك امامة أبي بكر و عمر و عدو هما (1) أهلا لذلك المكان و المقام و ذكروا أن علياً عليه السلام.
ص: 38
سلم لها الأمر ورضى بذلك وبايعها طائعا غير مكره وترك حقه ها فنحن راضون كما رضى (1) الله المسلمين له ولمن بايع لا يحل لنا غير ذلك ولا يسع منا (2) أحداً إلا ذلك وأن ولاية أبى بكر صارت رشداً وهدى لتسليم على و رضاه ولولا رضاه و تسليمه لكان أبو بكر مخطئاً ضالا هالكا، و هم أوائل (البترية).
و خرجت من هذه الفرقة (فرقة) قالت أن علياً عليه السلام أفضل الناس لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله ولسابقته و علمه و لكن كان جائزاً للناس أن يولوا عليهم غيره إذا كان الوالى الذى ولونه مجزئاً (3) أحب ذلك أو كرهه فولاية الوالى الذى و لوا على انفسهم برضى منهم رشد و هدى و طاعة لله عز وجل و طاعته واجبة من له عز وجل فمن خالفه من قريش و بنى هاشم عليا كان أو غيره من الناس فهو كافر ضال.
(و فرقة) منهم يسمون الجارودية (4) قالوا بتفضيل على عليه السلام ولم يروا مقامه يجوز لأحد سواه و زعموا أن من دفع عليا عن هذا -
ص: 39
المكان فهو كافر وان الامة كفرت و ضلت فى تركها بيعته و جعلوا الإمامة بعده في الحسن بن على عليهما السلام ثم فى الحسين عليه السلام ثم هي شورى بين أولادهما فمن خرج منهم مستحقا للامامة فهو الإمام و هاتان الفرقتان هما اللتان ينتحلان أمر زيد بن على بن الحسين و أمر زيد ابن الحسن بن على بن أبى طالب و منها تشعبت صنوف (الزيدية).
فلما قتل على عليه السلام افترقت التى ثبتت على امامته و انها فرض من الله عز وجل و رسوله عليه السلام فصاروا فرقا ثلاثة: (فرقة) منهم قالت أن علياً لم يقتل و لم يمت ولا يقتل و لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه و يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جوراً و هى أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي صلى الله عليه وآله من هذه الامة وأول من قال منها بالغلو وهذه الفرقة تسمى (السباية) أصحاب (عبد الله ابن سبأ) و كان ممن أظهر الطعن على أبي بكر و عمر و عثمان و الصحابة و تبرأ منهم و قال ان عليا عليه السلام أمره بذلك فأخذه على قوله هذا فاقر به فأمر بقتله فصاح الناس اليه (1): يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو الى حبكم أهل البيت والى ولا يتك (2) والبراءة من أعدائك (3) فصيره (4) الى المدائن، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب على عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فاسلم و والى عليا عليه السلام و كان يقول و هو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في اسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله فى -
ص: 40
على عليه السلام بمثل ذلك و هو أول من شهر القول بفرض إمامة على عليه السلام و أظهر البراءة من أعدائه و كاشف مخالفيه فمن هناك من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية، و لما بلغ عبد الله بن سبأ نعى على بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة و أقمت على قتله سبعين عدلا لعلمنا أنه لم يمت و لم يقتل ولا يموت حتى يملك الارض.
(و فرقة) قالت بامامة محمد بن الحنفية لانه كان صاحب راية أبيه البصرة دون أخويه فسموا (الكيسانية) و انما سموا بذلك لان يوم المختار بن أبي عبيد الثقفى كان رئيسهم(1) و كان يلقب كيسان و هو الذي طلب بدم الحسين بن على صلوات الله عليهما و ثاره حتى قتل من قتله و غيرهم من قتل و ادعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك و أنه الإمام بعد أبيه، وإنما لقب المختار كيسان لان صاحب شرطته المكنى بالى عمرة كان اسمه كيسان و كان أفرط فى القول و الفعل و القتل من المختار جداً و كان يقول أن محمد بن الحنفية و صى على بن أبي طالب و أنه الامام وأن المختار قيمه و عامله و يكفر من تقدم علياً و يكفر أهل صفين و الجمل و كان -
ص: 41
يزعم أن جبرئيل عليه السلام يأتى المختار بالوحى من عند الله عز وجل فيخبره ولا يراه، و روى بعضهم انه سمى بكيسان مولى على بن أبي طالب عليه السلام و هو الذى حمله على الطلب بدم الحسين بن على عليه السلام و دله على قتله و كان صاحب سره و مؤامرته و الغالب على أمره.
(و فرقة) لزمت القول بامامة الحسن بن على بعد أبيه إلا شرذمة منهم فانه لما و ادع الحسن معاوية و أخذ منه المال الذي بعث به اليه و صالح معاوية الحسن طعنوا فيه و خالفوه و رجعوا عن امامته فدخلوا فى مقالة جمهور الناس و بقى سائر أصحابه على امامته الى أن قتل، فلنا تنحى عن محاربة معاوية و انتهى الى مظلم ساباط و ثب عليه رجل من هنالك يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام دابته ثم قال الله اكبر أشركت كما أشرك أبوك من قبل و طعنه بمغول في أصل فخذه فقطع الفخذ الى العظم و اعتنقه الحسن و خرا جميعا فاجتمع الناس على الجراح فوطؤه حتى قتلوه ثم حمل الحسن على سرير فأتى به المدائن فلم يزل يعالج بها في منزل سعد بن مسعود الثقفنى حتى صلحت جراحته ثم انصرف الى المدينة فلم يزل جريحا من طعنته كاظما لغيظه متجر طعنته كاظم الغيظه متجر عا لريقه على الشجا أهل دعوته حتى توفى عليه السلام في آخر صفر سنة سبع و و أربعين أنه و هو ابن خمس و أربعين سنة و ستة أشهر، و قال بعضهم أنه ولد سنة ثلاث من الهجرة (1) من شهر رمضان و امامته
ص: 42
ست سنين و خمسة أشهر و امه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهم و امها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب.
فنزلت هذه الفرقة القائلة بامامة الحسن بن على بعد أبيه الى القول بامامة أخيه الحسين عليهما السلام فلم نزل على ذلك حتى قتل في أيام يزيد بن معاوية لعنة الله عليه قتله عبيد الله بن زياد الذي يقال له ابن أبى سفيان و هو ابن مرجانة و كان عامل يزيد بن معاوية على العراقين الكوفة و البصرة فوجه اليه الى البادية الجيوش فاستقبله بعضها بالبادية فلم يزالوا ماضين حتى و ردوا كربلاء فبعث عبيد الله لعنه الله حينئذ عمر بن سعد بن أبي و قاص و جعله على محاربته فقتله عمر بن سعد لعنة الله عليه و قتل عليه السلام بكربلاء يوم الاثنين يوم عاشوراء لعشرة خلون من المحرم سنة احدى و ستين و هو ابن ست و خمسين سنة و خمسة أشهر و امه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهم و كانت امامته ست عشرة سنة و عشرة أشهر و خمسة عشر يوما فلما قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه و قالت: قد اختلف علينا فعل الحسن و فعل الجسين لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقا واجبا صوابا من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن قيام محاربته مع كثرة انصار الحسن و قوتهم فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين و ضعفهم. و كثرة أصحاب يزيد لعنة الله عليه حتى قتل و قتل أصحابه جميعا باطل غير و اجب لأن الحسين كمان أعذر فى القعود عن محاربة يزيد و طلب الصلح و الموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية. وان كيان ما فعله الحسين حقا واجبا صوابا من مجاهدته يزيد بن معاوية حتى قتل و قتل ولده و أصحابه فقعود الحسن و تركه مجاهدة معاوية و قتاله و معه العدد الكثير باطل فشكوا لذلك فى امامتهما و رجعوا فدخلوا في مقالة العوام و بقى سائر -
ص: 43
أصحاب الحسين على القول الأول بامامته حتى مضى.
ثم افترقوا بعده ثلاث فرق: (ففرقة) قالت بامامة محمد بن و زعمت أنه لم يبق بعد الحسن و الحسين أحمد أقرب الى أمير المؤمنين عليه السلام من محمد بن الحنفية فهو أولى الناس بالامامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد الحسن فمحمد هو الأمام بعد الحسين.
(و فرقة) قالت أن محمد بن الحنفية رحمه الله تعالى هو الإمام المهدى و هو وصى على بن أبى طالب عليه السلام ليس لاحد من أهل بيته أن يخالفه و لا يحرج عن امامته و لا يشهر سيفه إلا باذنه و انما خرج الحسن بن على الى معارية محاربا له باذن محمد و و ادعه و صالحه باذنه و ان الحسين انما خرج لقتال يزيد باذنه و لو خرجا بغير اذنه ملكا و ضلا و ان من خالف محمد ابن الحنفية كافر مشرك و أن محمداً استعمل المختار بن أبي عبيد على العراقين بعد قتل الحسين وأمره بالطلب بدم الحسين و ثأره و قتل قاتليه و طلبهم حيث كانوا و سماه كيسان ليكيسه و لما عرف من قيامه و مذهبه فيهم فهم يسمون (المختارية) وي دعون (الكيسانية).
فلما توفى محمد بن الحنفية بالمدينة فى المحرم سنة احدى و ثمانين و هو ان خمس و ستين سنة عاش في زمان أبييه أربعا و عشرين سنة و بقى بعد أبيه احدى و اربعين سنة و امه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة ابن عبيد بن بربع بن ثعلبة بن الدول بن حنفية بن طيم(1) بن على بن بكر ابن وائل و اليها كان محمد ينسب تفرق أصحابه فصاروا ثلاث فرق:
(فرقة) قالت أن محمد بن الحنفية هو المهدى سماه على «ع» مهدياً لم يمت ولا يموت ولا يجوز ذلك و لكنه غاب ولا يدرى أين هو و سيرجع و يملك الارض و لا إمام بعد غيبته الى رجوعه و هم أصحاب (ابن كرب) -
ص: 44
و يسمون (الكربية) وكان «حمزة (1) بن عمارة البربرى » منهم وكان أهل المدينة ففارقهم و ادعى أنه نبي وأن محمد بن الحنفية هو الله عز وجل تعالى عن ذلك علواً كبيراً - وان حمزة هو الإمام و أنه ينزل عليه سبعة أسباب من السماء فيفتح بهن الارض و يملكها، فتبعه على ذلك ناس من أهل المدينة و أهل الكوفة فلعنه أبو جعفر محمد بن على بن الحسين عليه السلام و برىء منه و كذبه و برأت منه الشيعة فاتبعه على رأيه رجلان من نهد يقال لاحدهما «صائد(2)» و للاخر «بيان (3)» فكان بيان تبانا يتبن التين بالكوفة ثم ادعى أن محمد بن على بن الحسين أوصى اليه، و أخذه خالد بن عبد الله القسرى هو و خمسة عشر رجلا من أصحابه فشدهم بأطناب القصب و صب عليهم النفط في مسجد الكوفة -
ص: 45
و ألهب فيهم بنفسه ثم التفت فرأى النار فافلت منهم رجل فخرج أصحابه تأخذهم النار فكر راجعا الى أن القى نفسه في النار فاحترق معهم ، وكان حمزة بن عمارة نكح ابنته وأحل جميع المحارم وقال من عرف الإمام فليصنع ما شاء فلا ائم عليه فاصاب (ابن كرب) وأصحاب (صائد) و أصحاب (بيان) ينتظرون رجوعهم و رجوع أصحابه و يزعمون أن محمد بن الحنفية يظهر بنفسه بعد الاستتار عن خلقه ينزل الى الدنيا و يكون أمير المؤمنين و هذه آخرتهم.
(و فرقة) قالت أن محمد بن الحنفية حى لم يمت و أنه مقيم بحبال رضوى بين مكة و المدينة تغدوه الآرام تغدو عليه و تروح فيشرب من البانها و يأكل من لحومها و عن يمينه أسد و عن يساره أسد يحفظانه الى أوان خروجه و مجينه و قيامه، و قال بعضهم: عن يمينه أسد يساره نمر، و هو عندهم الامام المنتظر الذى بشر به النبي صلى الله عليه وآله أنه يملأ الأرض عدلا و قسطا فثبتوا على ذلك حتى فنوا و انقرضوا إلا قليلا من أبنائهم و هم احدى فرق الكيسانية.
و من الكيسانية السيد اسماعيل (1) بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميرى الشاعر وهو الذي يقول:
یا شعب رضوى مالمن بك لا يرى *** حتى متى تحمى (2) وأنت قريب.
يا أبن الوصى و ياسمى محمد *** و كنيه نفسي عليك تذوب.
لو غاب عنا عمر نوح أيقنت *** منا النفوس بأنه سيؤب.
ص: 46
و يقول فيه أيضا:
ألا حي المقيم بشعب رضوى *** و أهد له بمنزله السلاما.(1)
أضر بمعشر و الوك *** منا و سموك الخليفة و الاماما.
و غادوا فيك أهل الارض طراً *** مقامك عنهم (2) سبعين عامآ.
لقد أمسى بجانب شعب رضوى *** تراجعه الملائكة الكلاما.
و ما ذاق ابن خولة طعم سوت *** ولا وارت له أرض عظاما.
و ان له به لمقيل صدق *** و أندية تحدثه ( كراما ).
و قد روى قوم أن السيد ابن محمد رجع عن قوله: هذا و قال: بامامة جعفر بن محمد عليه السلام وقال فى توبته ورجوعه في قصيدة أولها :
- تجعفرت باسم الله والله أكبر(3)
و كان السيد يكنى أبا هاشم.
(و فرقة) منهم قالت أن محمد بن الحنفية مات و الإمام بعده -
ص: 47
عبد الله بن محمد ابنه و كان يكنى أبا هاشم و هو اكبر ولده و اليه أوصى أبوه فسميت هذه الفرقة (الهاشمية) بابى هاشم.
و قالت (فرقة) مثل قول الكيسانية فى أبيه بانه المهدى و أنه حى لم يمت و أنه يحي الموتى و غلوا فيه. فلما توفى ( أبو هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية ) تفرق أصحابه أربع فرق:
(ففرقة) منهم قالت: مات ( عبد الله بن محمد ) و أوصى الى أخيه (على بن محمد) و كانت امه قضاعية تسمى ام عثمان بنت أبى جدير بن عبدة(1) بن معتب بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة بن حرام ابن جعل بن عمرو بن جشم بن(2) و دم بن ذبيان بن هميم بن ذهل بن هني ابن بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، و أن الذين ذكروا أنه أوصى الى (محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب) غلطوا في الاسم فارص على بن محمد الى ابنه (الحسن) و امه ام ولد و أوصى الحسن الى ابنه (على بن الحسن) و امه لبانة بنت أبى هاشم عبد الله الحنفية و أوصى على بن الحسن الى ابنه (الحسن بن على) و امه علية بنت عون ابن على بن محمد بن الحنفية و الوصية عندهم في ولد محمد بن الحنفية لا تخرج الى غيرهم و منهم يكون القائم المهدى و هم (الكيسانية) الخاص الذين غلبوا على هذا الاسم و هذه الفرقة خاصة تسمى (المختارية ) إلا أنه خرجت منهم ( فرقة) فقطعوا الامامة بعد ذلك من عقبه و زعموا أن (الحسن) مات ولم يوص الى أحد ولا وصى بعده ولا امام حتى يرجع (محمد بن الحنفية) فيكون هو القائم المهدى.
(و فرقة) قالت: أوصى (أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية) -
ص: 48
الى (عبد الله (1) بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب) الخارج بالكوفة و أمه أم عون بنت عون بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب و هو يومئذ غلام صغير فدفع الوصية الى (صالح بن مدرك) و أمره أن يحفظها حتى يبلغ (عبد الله بن معاوية) فيد فعها اليه فهو الإمام و هو العالم بكل شيء حتى غلوا فيه و قالوا ان الله عز وجل نور و هو في عبد الله بن معاوية وهؤلاء أصحاب (عبد الله (2) بن الحارث ) فهم يسمون ( الحارثية) و كان ابن الحارث هذا من أهل المدائن فهم كالهم غلاة يقولون: من عرف الإمام فليصنع ما شاء و (عبد الله بن معاوية) هو صاحب أصفهان الذي قتله أبو مسلم في جيشه (3).
(و فرقة) قالت : أوصى (عبد الله بن محمد بن الحنفية) الى (محمد بن على -
ص: 49
ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب) لأنه مات عندهم بارض الشراة بالشام وأنه دفع اليه الوصية الى أبيه (على بن عبد الله بن العباس) و ذلك أن (محمد بن على) كان صغيراً عند وفاة أبى هاشم و أمره أن يدفعها اليه اذا بلغ دفعها اليه فهو الإمام و هو الله عز وجل و هو العالم بكل شيء فمن عرفه فليصنع ما شاء، و هؤلاء غلاة (الروندية (1)) و اختصم أصحاب (عبد الله بن معاوية) و أصحاب (محمد بن على) فى وصية أبي هاشم فرضوا برجل منهم يكنى أبا رياح و كان من رؤسهم و علمائهم فشهد أن (أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية (2)) أوصى الى (محمد بن على بن العباس) فرجع جل أصحاب (عبد الله بن معاوية) الى القول بامامة (محمد بن على) و قويت الروندية (3) بهم.
(و فرقة) قالت: ان الامام القائم المهدى هو (أبو هاشم) و ولى الخلق و يرجع فيقوم بامور الناس و يملك الارض ولا وصى بعده و غلوا فيه و هم (البيانية)أصحاب (بيان النهدى) و قالوا أن أبا هاشم في بياناً عن عز وجل فبيان في و تأولوا فى ذلك قول الله عز وجل: هذا بيان للناس و هدى ( 4 : 138 ) و ادعى (بيان) بعد وفاة أبى هاشم النبوة و كتب الى أبي جعفر محمد بن على بن الحسين عليه السلام يدعوه الى -
ص: 50
نفسه و الاقرار بلبوته و يقول له: أسلم تسلم و ترتق في سلم و تنج و تغنم فانك لا تدرى أين يجعل الله النبوة و الرسالة و ما على الرسول إلا البلاغ و قد أعذر من أنذر، فأمر أبو جعفر عليه السلام محمد بن على رسول (بيان) فأكل قرطاسه الذي جاء به و قتل (بيان) على ذلك و صلب و كان اسم رسوله (عمر(1) بن أبي عفيف الازدى).
فلما قتل أبو مسلم (عبد الله بن معاوية) في حبسه (2) افترقت فرقته بعده ثلاث فرق، و قد كان مال الى (عبد الله بن معاوية) شذاذ صنوف الشيعة برجل من أصحابه يقال له: (عبد الله بن الحارث) و كان أبوه زنديقا من أهل المدائن فابرز(3) لأصحاب (عبد الله) فأدخلهم في الغلو و القول بالتناسخ و الأظلة و الدير و أسند ذلك الى (جابر ابن (4) عبد الله الأنصارى ) ثم الى (جابر (5) بن يزيد الجعفى) فخدعهم بذلك حتى ردهم عن جميع الفرائض و الشرائع و السنن و ادعى ان هذا مذهب جابر بن عبد الله و جابر بن يزيد رحمهما الله فانهما قد كانا من ذلك بريتين.
ص: 51
(و فرقة) منهم قالت أن (عبد الله بن معاوية) حى لم يمت و أنه مقيم في جبال أصفهان لا يموت أبداً حتى يقود نواصيها الى رجل من بنى هاشم من ولد على و فاطمة.
(و فرقة) قالت أن (عبد الله بن معاوية) هو (القائم المهدى) الذى بشر به النبي صلى الله عليه وآله أنه يملك الارض و يملأها قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جوراً ثم يسلم عند و فاته الى رجل من بنى هاشم من ولد على ابن أبى طالب عليه السلام فيموت حينئذ.
(و فرقة) قالت: أن (عبد الله بن معاوية) قد مات ولم يوص و ليس بعده إمام فتاهوا و صاروا مذبذبين بين صنوف الشيعة و فرقها لا يرجعون الى أحد، فالكيسانية كلها لا إمام لها و انما ينتظرون الموتى إلا (العباسية) فانها تثبت الإمامة فى ولد العباس و قادوها فيهم الى اليوم، فهذه فرق (الكيسانية) و (العباسية) و (الحارثية) و منهم تفرقت فرق (الخر مدينية (1)) و منهم كان بدء الغلو في القول حتى قالوا أن الأئمة آلهة و أنهم أنبياء و أنهم رسل و أنهم ملائكة و هم الذين تكلموا بالأظلة و فى التناسخ في الارواح و هم أهل القول بالدور في هذه الدار و ابطال القيامة و البعث و الحساب و زعموا أن لا دار إلا الدنيا و أن القيامة إنما هى خروج الروح من بدن و دخوله فى بدن آخر غيره إن خيراً فخيراً و ان شراً فشراً و انهم مسرورون فى هذه الابدان أو معذبون فيها و الابدان هى الجنات و هى النار و انهم و انهم منقولون(2) فى الاجسام الحسنة الانسية المنعمة في -
ص: 52
حياتهم و معذبون فى الاجسام الردية المشوهة من كلاب و قردة و خنازير و حيات و عقارب و خنافس و جعلان محولون من بدن الى بدن معذبون فيها هكذا أبد الابد فهى جنتهم و نارهم لا قيامة ولا بعث ولا جنة ولا نار غير هذا على قدر أعمالهم و ذنوبهم و إنكارهم لأئمتهم و معصيتهم لهم فانما تسقط الابدان و تخرب اذهى مساكنهم فتتلاشى الابدان و تفنى و ترجع الروح فى قالب آخر منهم أو معذب و هذا معنى الرجعية عندهم و نما الابدان قوالب و مساكن بمنزلة الثياب التي يلبسها الناس فتبلى و تطرح و يلبس غيرها و بمنزلة البيوت يعمرها الناس فاذا تركوها و عمروا غيرها خربت و الثواب و العقاب على الارواح دون الاجساد، و تأولوا فى ذلك قول الله تعالى: في أي صورة ما شاء ركبك ( 82 :8) و قوله تعالى: و ما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم (6 : 38) و قوله عز وجل: و ان من امة إلاخلا فيها نذير( 35 : 24 ) فجميع الطير و الدواب و السباع كانوا أعماً ناساً خلت فيهم نذر من الله عز وجل و اتخذ بهم عليهم الحجة فمن كان صالحاً جعل روحه بعد وفاته و اخراب قالبه و هدم مسكنه الى بدن صالح فأكرمه و نعمه و من كان منهم كافراً عاصياً نقل روحه الى بدن خبيث مشوه يعذبه فيه بالدنيا و جعل قالبه في أقبح صورة ورزقه أنتن رزق و أقذره و تأولوا في ذلك قول الله عز وجل: فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول: ربى اكر منى و أما اذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول: ربي أهانى ( 89 : 15 - 16 ) فكذب الله تعالى هؤلاء ورد عليهم قولهم لمعصيتهم إياه فقال: كلا بل لا تكرمون اليقيم ( 89 : 17 ) و هو النبي صلى الله عليه وآله و لا تحاضون على طعام المسكين ( 89 : 18) و هو الإمام و تأكلون التراث ألا (89: (19) لا تخرجون حق الإمام، ما رزقكم و أجراه لكم.
ص: 53
و منهم فرقة تسمى (المنصورية) و هم أصحاب (أبي منصور(1)) و هو الذى ادعى أن الله عز وجل عرج به اليه فأدناه منه و كلمه و مسح يده على رأسه و قال له (2) بالسرياني أى بنى و ذكر أنه في رسول و أن الله اتخذه خليلا، و كان (أبو منصور) هذا من أهل الكوفة من عبد القيس و له فيها دار و كان منشأه بالبادية و كان أمياً لا يقرأ فادعى بعد وفاة أبى جعفر محمد ابن على بن الحسين عليه السلام أنه فوض اليه أمره و جعله وصيه من بعده ثم ترقى به الامر الى ان قال كان على بن أبى طالب عليه السلام نبياً و رسولا و كذا الحسن و الحسين و على بن الحسين و محمد بن على و أنا نبي و رسول و النبوة فى سنة من ولدى يكونون بعدى أنبياء آخر هم القائم و كان يأمر أصحابه بخنق من خالفهم و قتلهم بالاغتيال و يقول:
من خالفكم فهو كافر مشرك فاقتلوه فان هذا جهاد خفى، و زعم أن جبرئيل عليه السلام يأتيه بالوحى من عند الله عز وجل وان الله بعث محمداً بالتنزيل و بعثه هو (يعنى نفسه) بالتأويل فطلبه خالد بن عبد الله القسرى فأعياه ثم ظفر عمر الخناق بابنه (الحسين بن أبى منصور) و قد تنبأ و ادعى مرتبة أبيه و جبيت اليه الاموال و تابعه على رأيه و مذهبه بشر كثير و قالوا بنبوته، فبعث به للمهدى فقتله فى خلافته و صلبه بعد أن أقر بذلك و أخذ منه مالا عظيما و طلب أصحابه طلباً شديداً و ظفر بجماعة منهم -
ص: 54
فقتلهم و صلبهم.
الولا الغنية بت کا مقابلیت فهؤلاء صنوف (الغالية) من أصحاب (عبد الله بن معاوية) و (العباسية الروندية) و غيرهم غير ان أصحاب (عبد الله بن معاوية) يزعمون أنهم يتعارفون فى انتقالهم في كل جسد صاروا فيه على ما كانوا عليه مع نوح عليه السلام في السفينة و مع (1) النبي صلى الله عليه وآله في كل عصر و زمان يسمون انفسهم بأسماء أصحاب النبي صلى الله عليه وآله و يزعمون ان أرواحهم فيهم و يتأولون فى ذلك قول على بن أبى طالب عليه السلام و قد روى أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله ان الارواح جنود مجندة فما تعارف منها أئتلف و ما تناكر منها اختلف فنحن نتعارف كما قال عليه السلام و كما روى عن النبي صلى الله عليه وآله، و قال بعضهم بالتناسخ و تنقل الارواح مدة و وقت و هو ان كل دور فى الابدان الانسية فذلك للمؤمنين خاصة فتحول الى الدواب للنزهة مثل الافراس و الشهارى و فى غيرها مما يكون لمواكب (2) الملوك و الخلفاء على قدر أديانهم و طاعتهم لأئمتهم فيحسان اليها فى علفها و إمساكها و تحليلها بالديباج و غيره من الجلال النظيفة المركعة و السروج المحلاة و كذلك ما كان منها لأوساط الناس و العوام فانما ذلك على قدر إيمانهم فتمكث فى ذلك الانتقال الفى سنة ثم تحول الى الابدان الانسية عشرة آلاف سنة و إنما ذلك امتحان لها لكيلا يدخلهم العجب فنزول طاعتهم، و اما الكفار و المشركون و المنافقون و العصاة فينتقلون في الابدان المشوهة و الوحشة عشرة آلاف سنة ما بين الفيل و الجمل الى القبة الصغيرة و تأولوا فى ذلك قول الله عز وجل: حتى يلج الجمل فى سم الخياط ( 7 : 40) و نحن نعلم ما هو فى خلق الجمل و ما كان مثله من الخاق لا يقدر أن ياج فى سم الخياط -
ص: 55
و قول الله لا يكذب ولا بد من أن يكون ذلك و لا يتهيأ الا بنقصان خلقه و تصغيره فى كل دور حتى يرجع الفيل و الجمل الى حد القبة الصغيرة فتدخل حينئذ في سم الخياط فاذا خرج من سم الخياط رد الى الابدان الانسية الف سنة فصار فى الخلق الضعيف المحتاج و كلف الاعمال و التعب و طلب المكسب بالمشقة فبين دباغ و حجام و كناس و غير ذلك المذمومة القذرة على قدر معاصيهم فيمتحنون فى هذه الاجسام بالإيمان بالائمة و الرسل والانبياء و معرفتهم فلا يؤمنون و يكذبون ولا يعرفون فلا يزالون منتقلين فى هذه الابدان الإنسية على هذه الحال من حال الى حال الف سنة ثم يردون بعد ذلك العذاب الى الامر الاول عشرة آلاف سنة فهذه حالهم أبد الآبدين و دهر الداهرين، هذه قيامتهم و بعثهم و هذه جنتهم و نارهم و هذه الرجعة عندهم لا رجوع بعد الموت و القوالب تفنى و تتلاشى ولا تعود ولا ترد أبداً.
و قالت (الكيسانية) يرجع الناس فى أجسامهم التي كانوا فيها و يرجع محمد صلى الله عليه وآله و جميع النبيين فيؤمنون به و يرجع (على بن أبي طالب) فيقتل معاوية بن أبي سفيان وآل أبي سفيان و يهدم دمشق ويغرق البصرة.
و أما أصحاب (أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الاجدع الاسدى (1)) و من قال بقولهم فانهم افترقوا لما بلغهم أن أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام لعنه و برىء منه و من أصحابه فصاروا أربع فرق و كان (أبو الخطاب) يدعى أن أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام جعله قيمه و وصيه من بعده و علمه اسم الله الاعظم م ترقى الى أن أدعى النبوة ثم ادعى الرسالة ثم ادعى أنه من الملائكة وأنه رسول الله إلى أهل الارض و الحجة عليهم.
(ففرقة) منهم قالت أن أبا عبد الله جعفر بن محمد هو الله جل وعز -و تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - و ان و أبا الخطاب، في مرسل أرسله جعفر و أمر بطاعته و أحلوا المحارم من الزنا و السرقة و شرب الخمر و تركوا الزكاة و الصلاة و الصيام و الحج و أباحوا الشهوات بعضهم لبعض و قالوا من سأله أخوه ليشهد له على مخالفيه فليصدقه و يشهد له فان ذلك فرض عليه واجب، و جعلوا الفرائض رجالا سموهم و الفواحش و المعاصى رجالا و تأولوا على ما استحلوا قول الله عز وجل: يريد الله أن يخفف عنكم بن مقلاص أبي زينب الأسدى الكوفى الاجدع الزراد البزاز و يكنى تارة أبو الخطاب و اخرى أبو الظبيان و ثالثة أبو اسماعيل و قد أورد الكشى فى رجاله روايات كثيرة صريحة فى ذمه قتله عيسى بن موسى صاحب المنصور بسبخة الكوفة انظر تاريخ ابن الأثير و المقريزى و منهج -
ص: 57
( 4 : 28 ) و قالوا خفف عنا بابى الخطاب و وضع عنا الاغلال و الآصار يعنون الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج فمن عرف الرسول الذي الإمام فليصنع ما أحب.
(و فرقة) قالت (بزيع (1)) في رسول مثل (أبى الخطاب) أرسله جعفر بن محمد و شهد (بزيع) لابى الخطاب بالرسالة و برى (أبو الخطاب) و أصحابه من (بزيع).
(و فرقة) قالت (السرى (2)) رسول مثل (أبي الخطاب) أرسله جعفر و قال أنه قوى أمين و هو موسى القوى الامين و فيه تلك الروح و جعفر هو الإسلام و الإسلام هو السلام و هو الله عز وجل و نحن بنو الإسلام كما قالت اليهود: نحن أبناء الله و أحباؤه (18:5) و قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سلمان ابن الإسلام. فدعوا الى نبوة (السرى) و رسالته و صلوا و صاموا و حجوا الجعفر بن محمد و لبوا له فقالوا لبيك يا جعفر لبيك.
ص: 58
(و فرقة) قالت (جعفر بن محمد) هو الله عز وجل و تعالى الله ذلك علواً كبيراً - و إنما هو نور يدخل فى أبدان الأوصياء فيحل فيها فكان ذلك النور فى جعفر ثم خرج منه فدخل في (أبي الخطاب) فصار (جعفر) من الملائكة ثم خرج من (أبى الخطاب) فدخل في (معمر) و صار (أبو الخطاب) من الملائكة فمعمر هو الله عز وجل، فخرج (ابن اللبان) يدعو الى (معمر) و قال انه الله عز وجل وصلى له و صام و أحل الشهوات كلها ما حل منها و ما حرم و ليس عنده شيء محرم، و قال: لم يخلق الله هذا إلا لخلقه فكيف يكون محرما و حل الزنا و السرقة و شرب الخمر و الميتة و الدم و لحم الخنزير و نكاح الأمهات و البنات و الاخوات و نكاح الرجال و وضع عن أصحابه غسل الجنابة و قال كيف أغتسل من نطفة خلقت منها، و زعم أن كل شيء أحله الله فى القرآن و حرمه فانما هو أسماء رجال، فخاصمه قوم من الشيعة و قالوا لهم ان اللذين زعمتم انهما صارا من الملائكة قد برنا من (معمر) و (بزيع) و شهدا عليهما انه ما کافران شيطانان و قد لعناهما فقالوا: ان اللذين ترونهما جعفراً و أبا الخطاب شيطانان تمثلا في صورة جعفر و أبى الخطاب يصدان الناس عن الحق و جعفر و أبو الخطاب ملكان عظمان عند الإله الأعظم إله السماء و (معمر) إله الارض و هو مطيع لإله السماء يعرف فضائله (1) و قدره، فقالوا لهم كيف يكون هذا و محمد صلى الله عليه وآله لم يزل مقراً بانه عبد الله و ان إلهه و إله الخلق أجمعين إله واحد و هو الله و هو رب السماء و الارض و إلههما لا إله غيره (2) فقالوا أن محمداً صلى الله عليه وآله كان يوم قال هذا عبداً رسولا أرسله (أبو طالب) و كان النور الذي هو الله في (عبد المطلب).
ص: 59
ثم صار في (أبى طالب) ثم صار فى (محمد) ثم صار فى (على بن أبى طالب) عليه السلام فهم آلهة كلهم، قالوا لهم: كيف هذا و قد دعا محمد صلى الله عليه وآله أبا طالب الى الإسلام و الإيمان فامتنع أبو طالب من ذلك و قد قال النبي صلى الله عليه وآله أنى مستوهبه من ولى و أنه و اهبه لى قالوا ان محمداً و أبا طالب كانا يسخران بالناس قال الله عز وجل: فان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون( 38:10) و قال تعالى: يسخرون منهم سخر الله منهم (79:9) و أبو طالب هو الله عز وجل - و تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - فلما مضى أبو طالب خرجت الروح و سكنت في محمد صلى الله عليه وآله و كان هو الله عز وجل في الحق و كان على بن أبى طالب هو الرسول فلما مضى محمد صلى الله عليه وآله خرجت منه الروح و صارت في على فلم تزل تتناسخ في واحد بعد واحد حتى صارت فى (معمر).
لعنهم الله، و كلهم متفقون على نفى الربوبية عن الجليل الخالق تبارك و تعالى بال عن ذلك علواً كبيراً و اثباتها في بدن مخلوق منوف على أن البدن مسكن الله و أن الله تعالى نور و روح ينتقل في هذه الأبدان - تعالى الله عن ذلك - إلا أنهم مختلفون فى رؤسائهم الذين يتولونهم يبرأ البعض من بعض و يلعن بعضهم بعضاً.
ثم أن الشيعة العباسية (الروندية) افترقت ثلاث فرق:
(ففرقة) منهم يسمون (الا با مسلمية) أصحاب (أبى مسلم (1)) قالوا با مامته و ادعوا أنه حى لم يمت و قالوا بالاباحات و ترك لم جميع الفرائض و جعلوا الإيمان المعرفة الامامهم فقط فسموا (الخر مدينية) والى أصلهم رجعت فرقة (الخرمية (2)).
(و فرقة) أقامت على ولاية أسلافها و ولاية أبي مسلم سراً و هم -
ص: 61
(الرزامية (1)) أصحاب (رزام) و أصلهم مذهب الكيسانية.
(و فرقة) منهم يقال لها (الهريرية) أصحاب أبى هريرة الروندية (2) و هم العباسية الخلص الذين قالوا الامامة لعم النبي صلى الله عليه وآله العباس ابن عبد المطلب رحمة الله عليه و تثبت على ولاية أسلافها الأولى سراً و كرهوا أن يشهدوا على أسلافهم بالكفر و هم مع ذلك يتولون أبا مسلم و يعظمونه و هم الذين غلوا فى القول في العباس و ولده.
(و فرقة) منهم قالت ان (محمد بن الحنفية) كان الامام بعد أبيه (على بن أبي طالب) فلما مات أوصى الى ابنه (أبى هاشم عبد الله بن محمد) بن محمد فأوصى (أبو هاشم) الى ( محمد بن على بن العباس بن عبد المطلب) لأنه مات عنده بالشام بأرض الشراة فأوصى (محمد بن على) الى ابنه (ابراهيم بن محمد) المسمى بالامام و هو أول من عقدت له الامامة من ولد العباس و اليه دعا أبو مسلم، ثم أوصى (ابراهيم بن محمد) الى أخيه (أبي العباس عبد الله بن محمد) و هو أول من عقدت له الامامة تختلف من ولد العباس بن عبد المطلب ثم أوصى (أبو العباس) الى اخيه (أبي جعفر عبد الله بن محمد) فسمى المنصور فلما مضى المنصور أوصى الى ابنه (المهدى محمد بن عبد الله) استخلفه بعده فردهم المهدى عن اثبات الامامة لمحمد بن الحنفية وابنه أبى هاشم وأثبت الامامة بعد النبي صلى الله عليه وآله للعباس بن عبد المطلب -
ص: 62
و دعاهم اليها و قال كان العباس عمه و وارثه وأولى الناس به وان أبا بكر و عمر و عثمان و علياً عليه السلام وكل من دخل في الخلافة بعد الذي صلى الله عليه وآله غاصبون متوثبون فأجابوه فعقد الامامة للعباس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وام العباس نقيلة بنت جناب بن كليب بن مالك ابن عمر و بن عامر بن زيد بن مناة بن الضحيان و هو عامر بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط. ثم عقدها بعد العباس (لعبد الله ابن العباس) وامه ام الفضل وقثم و عبيد الله و عبد الرحمن واسمها لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الحزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر ابن صعصعة ، ثم عقدها بعد عبد الله (لعلى بن عبد الله المعروف بالسجاد) و كان متعبداً و امه زرعة بنت مشرح (1) ابن يكرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن عمرو بن حجر بن الولادة (2) الحارث بن عمرو ابن معاوية بن الحارث بن معاوية بن كندة، ثم عقدها بعده (لابراهيم بن محمد الامام) و أمه ام ولد يقال لها فاطمة:
فعقدها بعد ابراهيم لاخيه ( عبد الله أبى العباس) وأمه ريطة بنت بن عبد المدان بن الديان بن قطن بن زياد بن الحرث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحرث بن كعب، ثم عقدها لأخيه (عبد الله أبى جعفر المنصور) وامه ام ولد بربرية يقال لها سلامة وكان أبو العباس جعل ولاية العهد لاخيه أبى جعفر ولا بن أخيه عيسى بن موسى ابن محمد بن على بن العباس فخالفه عبد الله بن على بن عبد الله فادعى الامامة و وصية أبي العباس فقاتله أبو مسلم فهزمه فهرب و توارى بالبصرة فأخذه بعد ذلك بأمان وهو صاحب عبد الله بن المقفع الزنديق فقتل، قاله المنصور -
ص: 63
فلما اطمأنت الخلافة المنصور و استوى أمره وقوى وقتل أبا مسلم و كبر ابنه محمد بن عبد الله سماه (1) المهدى و بايع له و قدمه على عيسى بن موسى و جعل عيسى بعده و أعطى عيسى على ذلك عشرين الف درهم.
فافترقت حينئذ شيعته و اضطربت وانكرت ما كان منه و أبوا قبول بيعة المهدى قالوا لأصحابهم: من أين جاز لكم متابعة (2) المهدى و تأخير عيسى بن موسى و قد عقد له أبو العباس العهد بعد المنصور فقالوا: من قبل أمر أمير المؤمنين المنصور لنا بذلك و هو الامام الذى قد افترض الله طاعته قالوا: فان أبا العباس كان مفترض الطاعة من الله قبله و هو أمر ببيعة أبي جعفر العباس و بيعة عيسى بن موسى بعده فكيف جاز لكم تأخيره و تقديم المهدى بين يديه قالوا: إنما الطاعة للامام ما دام حيا فاذا مات و قام غيره و كان الأمر أمر القائم ما دام حيا. قالوا: أفرأيتم ان مات أمير المؤمنين المنصور والمهدى حى و عيسى بن موسى حى فأنكر الناس أمر أمير المؤمنين في بيعة المهدى كما انكرتم أنتم أمر أبي العباس في بيعة عيسى بن موسى هل يجوز ذلك قالوا لا يجوز ذلك و قد بويع له قالوا:
فكيف جاز لكم ان تؤخروا عيسى و تقدموا المهدى ولم تكونوا بايعتم له فثبتوا على امامة عيسى بن موسى وانكر و الإمامة المهدى و أجروها في ولد عيسى الى اليوم، وام عيسى بن موسى ام ولد فلما حضرت المهدى الوفاة عقد الامامة لا بنه موسى و سماه الهادى و جعل ابنه هارون بعده و سماه الرشيد و اسقط عيسى، وام المهدى ام موسى بنت منصور بن عبد الله بن شمر بن ابن يزيد بن وارد بن معد يكرب بن الوازع بن ذى عيش بن و تج بن وصاه بن عبد الله بن سميع بن الحرث بن زيد الغوث بن سعد بن عوف
ص: 64
ابن عدى بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ الاصغر بن كعب زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس ابن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع العرنجج و هو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن زيادة بن اليسع بن الهميسع بن يثمن بن نبت بن سلامان بن حمل بن قيدار بن اسماعيل بن ابراهيم بن آزر بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر - الى زيادة ليس من الاصل - وام الهادى والرشيد ام ولد يقال لها الخيزران.
و من العباسية فرقتان قالتا بالغلو في ولد العباس رحمة الله عليه (فرقة) منها تسمى (الهاشمية) و هم أصحاب (أبي هاشم (1) عبد الله ابن محمد بن الحنفية) قالت إن الإمام عالم يعلم كل شيء و هو بمنزلة النبي صلى الله عليه و آله فى جميع أموره و من لم يعرفه لم يعرف الله و ليس بمؤ من بل كافر مشرك و قادوا الإمامة عن (أبى هاشم) الى ولد العباس.
(و فرقة) قالت الإمام عالم بكل شيء و هو الله عز و جل - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - و يحي و يميت. (أبو مسلم) في مرسل يعلم الغيب أرسله أبو جعفر المنصور و هم من (الروندية (2)) أصحاب (عبد الله الروندى).
ص: 65
و شهدوا أن المنصور هو الله جل الله و تعالى عن ذلك علوا كبيراً - ذانه يعلم سرهم و نجواهم، و أعلنوا القول بذلك و دعوا اليه فبلغ قولهم المنصور فأخذ منهم جماعة فأقروا بذلك فاستنابهم و أمرهم بالرجوع عن قولهم ذلك فقالوا: المنصور ربنا و هو يقتلنا شهداء كما قتل أنبياءه و رسله على يدى من شاء من خلقه و أمات بعضهم بالهدم و الفرق و سلط على بعضهم السباع و قبض أرواح بعضهم فجأة و بالعلل و كيف شاء و ذلك له يفعل ما يشاء بخلقه لا يسئل عما يفعل، فثبتوا على ذلك الى اليوم و ادعوا أن أسلافهم مضوا على هذا القول و لكنهم كتموه عن الناس و كان ذلك ذنباً منهم يتوب الله منه عليهم و ليس هو بمخرجهم من الايمان ولا من طاعة إمامهم.
وأما (الشيعة العلوية) الذين قالوا بفرض الامامة لعلى بن أبى طالب عليه السلام من الله و من رسوله صلى الله عليه وآله فانهم ثبتوا على إمامته ثم امامة (الحسن) من بعده ثم إمامة (الحسين) بعد الحسن ثم افترقوا بعد قتل الحسين عليه السلام. -
فرقاً فنزلت (فرقة) الى القول بإمامة (على بن الحسين) و كان يكنى بألى محمد و يكنى بأبى بكر و هى كنيته الغالبة عليه فلم تزل مقيمة على إمامته حتى توفى بالمدينة في المحرم في أول سنة أربع و تسعين و هو ابن خمس و خمسين سنة، و كان مولده فى سنة ثمان و ثلاثين وامه ام ولد يقال لها سلافة و كانت تسمى قبل أن تسبي جهانشاه و هي ابنة يزدجرد بن شهريار بن کسری ابرویز بن هرمز و كان يزدجرد -
ص: 66
آخر ملوك فارس.
(و فرقة) قالت القطعت الامامة بعد الحسين انما كانوا ثلاثة أئمة مسمين بأسمائهم استخلفهم رسول الله صلى الله عليه وآله و أوصى اليهم و جعلهم حججاً على الناس و قواما بعده واحداً بعد واحد فلم يثبتوا إمامة لا حد بعدهم.
(و فرقة) قالت أن الامامة صارت بعد مضى الحسين في ولد الحسن و الحسين فهمى فيهم خاصة دون سائر ولد على بن أبى طالب و هم كلهم فيها شرع سواء من قام منهم و دعا لنفسه فهو الامام المفروض الطاعة بمنزلة على بن أبى طالب واجبة امامته من الله عز وجل على أهل بيته و سائر الناس كلهم فمن تخلف عنه فى قيامه و دعائه الى نفسه من جميع الخلق فهو هالك كافر و من ادعى منهم الإمامة و هو قاعد في بيته مرخى عليه ستره فهو كافر مشرك و كل من اتبعه على ذلك و كل من قال بامامته، و هم الذين سموا ( السرحوبية) و أصحاب (أبي خالد الواسطى) و اسمه (يزيد (1)) و أصحاب (فضيل (2) بن الزبير الرسان) و (زياد بن المنذر) و هو الذى -
ص: 67
یسمی أبا الجارود ولقبه سرحوباً (محمد بن على بن الحسين بن على) و ذكر أن سرحوباً شيطان أعمى يسكن البحر و كان (أبو الجارود) أعمى البصر أعمى القلب فالتقوا هؤلاء مع الفرقتين اللتين قالتا أن علياً أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله فصاروا مع (زيد بن على بن الحسين) عند خروجه بالكوفة فقالوا بامامته فسموا كلهم في الجملة (الزيدية) إلا أنهم مختلفون فيما بينهم فى القرآن و السنن و الشرائع و الفرائض و الاحكام.
و ذلك أن (السرحوبية) قالت: الحلال حلال آل محمد صلى الله عليه وآله و الحرام حرامهم و الاحكام أحكامهم و عندهم جميع ما جاء التى صلى الله عليه وآله كله كامل عند صغيرهم و كبيرهم و الصغير منهم و الكبير في العلم سواء لا يفضل الكبير الصغير من كان منهم في الخرق و المهد الى أكبر هم سناً.
(و قال بعضهم) من ادعى ان من كان منهم فى المهد و الخرق ليس عليه مثل علم رسول الله صلى الله عليه وآله فهو كافر بالله مشرك و ليس يحتاج أحد حد منهم ان يتعلم من أحد منهم ولا من غيرهم، العلم ينبت في صدورهم كما ينبت الزرع المطر فالله عز وجل قد عليهم بلطفه كيف شاء، و انما قالوا بهذه المقالة كراهة أن يلزموا الإمامة بعضهم دون بعض فينتقض قولهم أن الإمامة صارت فيهم جميعاً فهم فيها شرع سواء و هم مع ذلك لا يروون أحد منهم علماً ينتفعون به إلا ما يروون عن (أبي جعفر محمد بن على) و (أبى عبد الله جعفر بن محمد) و أحاديث قليلة عن (زيد بن على) و أشياء يسيرة عن (عبد الله بن الحسن (1) المحض) ليس مما قالوا و ادعوه في -
ص: 68
أيديهم شيء أكثر من دعوى كاذبة لأنهم و صفوهم بأنهم يعلمون كل شي تحتاج اليه الأمة من أمر دينهم و دنياهم و منافعها و مضارها بغير تعليم.
و أما سائر فرقهم فانهم وسعوا الأمر فقالوا العلم مبثوث مشترك فيهم و فى عوام الناس هم و العوام من الناس فيه سواء. فمن أخذ منهم علماً لدين أو دنيا ما يحتاج اليه وأخذه من غيرهم من العوام فموسع له ذلك فان لم يوجد عندهم ولا عند غيرهم مما يحتاجون اليه من علم دينهم فجائز للناس الاجتهاد و الاختيار والقول بارائهم، و هذا فول (الزيدية) الاقوياء منهم و الضعفاء.
فأما الضعفاء منهم فسموا (العجلية) و هم أصحاب هارون (1) سعيد المجلى و فرقة منهم يسمون (البترية (2)) و هم أصحاب (كثير النواء).
ص: 69
و (الحسن بن صالح بن حى) و (سالم بن أبي حفصة) و (الحكم بن عتيبة). (سلمة بن كهيل) و (أبى المقدام ثابت الحداد) و هم الذين دعوا الناس الى ولاية على عليه السلام ثم خلطوها بولاية أبي بكر و عمر فهم عند العامة أفضل هذه الاصناف و ذلك أنهم يفضلون علياً ويثبتون إمامة أبي بكر و ينتقصون عثمان وطلحة و الزبير ويرون الخروج مع كل من ولد على عليه السلام يذهبون فى ذلك الى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و يثبتون لمن خرج من ولد على الامامة عند خروجه ولا يقصدون في الامامة قصد رجل بعينه حتى يخرج، كل ولد على عندهم على السواء من أى بطن كان.
و أما الاقوياء فمنهم أصحاب (أبى الجارود) و أصحاب (أبي خالد الواسطى) و أصحاب (فضيل الرسان) و (منصور بن (1) أبي الأسود). وأما (الزيدية) الذين يدعون (الحسينية) فانهم يقولون من دعا الى الله عز وجل من آل محمد فهو مفترض الطاعة، و كان (على بن أبى طالب) إماماً في وقت ما دعا الناس و أظهر أمره ثم كان بعده (الحسين) إماماً عند خروجه و قبل ذلك إذا كان مجانبا لمعاوية و يزيد بن معاوية حتى قتل، ثم (زيد بن على بن الحسين) المقتول بالكوفة أمه أم ولد ثم -
ص: 70
(يحيي (1) بن زيد بن على) المقتول بخراسان و أمه ريطة بنت أبى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ثم ابنه الآخر (عيسى (2) بن زيد بن علی) وأمه أم ولد ثم (محمد (3) بن عبد الله بن الحسن) وأمه هند بنت أبي عبيدة ابن عبد الله بن زمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد بن العزى بن قصى ثم من دعا الى طاعة الله من آل محمد صلى الله عليه وآله فهو إمام.
و أما (المغيرية) أصحاب (المغير بن سعيد) فانهم نزلوا معهم الى القول -
ص: 71
بامامة (محمد بن عبد الله بن الحسن) و تولوه و أثبتوا إمامته فلما قتل صاروا لا إمام لهم ولا وصى ولا يثبتون لأحد إمامة بعده و أما الذين اثبتوا الإمامة لعلى بن أبى طالب ثم للحسن ثم للحسين ثم لعلى ابن الحسين عليه السلام ثم نزلوا الى القول بامامة أبي جعفر محمد بن على بن الحسين باقر العلم عليه السلام فأقاموا على إمامته الى أن توفى غير نفر يسير منهم فانهم سمعوا رجلا منهم يقال له:
(عمر بن زياح (1)) زعم أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن فأجابه فيها بجواب ثم عاد اليه فى عام آخر فسأله عن تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الاول فقال لأبي جعفر هذا خلاف ما أجبتنى فى هذه المسألة العام الماضى فقال له ان جوابنا ربما خرج على وجه التقية فشكك فى أمره و إمامته فلقى رجلا من أصحاب أبي جعفر يقال له (محمد بن قيس) فقال له انى سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب ثم سألته عنها فى عام آخر فأجابني فيها بخلاف جوابه الاول فقلت له لم فعلت ذلك فقال فعلته للتقية و قد علم الله انى ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتينى به و قبوله و العمل به فلا وجه لاتقائه إياى و هذه حالى فقال له محمد بن قيس فلعله حضرك من اتقاه (2) فقال ما حضر مجلسه في -
ص: 72
واحدة من المسألتين غيرى لا و لكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبخيت و لم يحفظ ما أجاب به فى العام الماضى فيجيب بمثله، فرجع عن إمامته و قال لا يكون إماما من يفتى بالباطل على شيء بوجه من الوجوه ولا في حال من الاحوال ولا يكون إماما من يفتى تقية بغير ما يجب عند الله ولا من يرخى. ستره و يغلق بابه ولا يسع الامام إلا الخروج (1) و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، فمال بسببه الى قول (البترية) و مال معه نفر يسير.
وبقى سائر أصحاب أبي جعفر عليه السلام على القول بامامته حتى توفى و ذلك في ذى الحجة سنة أربع عشرة و مائة و هو ابن خمس و خمسين سنة و أشهر و دفن بالمدينة فى القبر الذي دفن فيه أبوه على بن الحسين عليه السلام و كان مولده سنة تسع و خمسين و قال بعضهم أنه توفى فى سنة تسع عشر و مائة -
ص: 73
و هو ابن ثلاث و ستين سنة وأمه أم عبد الله بنت الحسن ابن على بن أبى طالب و امها أم ولد يقال لها صافية، و كانت إمامته احدى و عشرين سنة و قال بعضهم بل كانت أربعا و عشرين سنة.
فلما توفى أبو جعفر عليه السلام افترقت أصحابه فرقتين (فرقة) منهما قالت بامامة (محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب) الخارج بالمدينة المقتول بها و زعموا أنه القائم و أنه الامام المهدى و أنه قتل (1) و قالوا أنه حى لم يمت مقيم بجبل يقال له العلمية و هو الجبل الذي في طريق مكة و نجد الحاجز عن يسار الطريق و أنت ذاهب الى مكة و هو الجبل التكبير و هو عنده مقيم فيه حتى يخرج لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال القائم المهدى اسمه اسمى و اسم أبيه اسم أبى، و كان أخوه (ابراهيم (2) ابن عبد عبد الله بن الحسن) خرج بالبصرة ودعا الى إمامة أخيه (محمد بن عبد الله) و اشتدت شوكته فبعث اليه المنصور بالخيل فقتل بعد حروب -
ص: 74
كانت بينهم، و كان (المغيرة بن سعد) قال بهذا القول لما توفى (أبو جعفر محمد بن على) و أظهر المقالة بذلك فبرئت منه الشيعة أصحاب (أبي عبد الله جعفر بن محمد) عليهما السلام و رفضوه فزعم أنهم رافضة و انه هو الذى سماهم بهذا الاسم، و نصب بعض أصحاب المغيرة إماما و زعم الحسين بن على أوصى اليه ثم أوصى اليه على بن الحسين ثم زعم أبا جعفر محمد بن على عليه السلام و على آبائه السلام أوصى اليه فهو الإمام الى أن يخرج المهدى و أنكروا امامة أبى عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام و قالوا لا امامة فى بنى على بن أبى طالب بعد أبي جعفر محمد بن على و أن الامامة فى المغيرة بن سعيد الى خروج المهدى و هو عندهم (محمد عبد الله بن الحسن بن الحسن) و هو حى لم يمت و لم يقتل فسموا هؤلاء (المغيرية) باسم المغيرة بن سعيد مولى خالد بن عبد الله القسرى ثم ترقى الامر بالمغيرة الى أن زعم انه رسول نبي و أن جبرئيل يأتيه بالوحى من عند الله، فأخذه خالد بن عبد الله القسرى فسأله عن ذلك فأقر به و دعا خالداً اليه فاستتابه خالد فابى أن يرجع عن قوله فقتله و صلبه و كان يدعى الموتى و قال بالتناسخ و كذلك قول أصحابه الى اليوم.
و أما الفرقة الأخرى من أصحاب أبي جعفر محمد بن على عليه السلام فنزلت إلى القول بامامة (أبي عبد الله جعفر بن محمد) عليه السلام فلم تزل ثابتة على إمامته أيام حياته غير نفر منهم يسير فانهم ما أشار (1) جعفر ابن محمد إلى إمامة ابنه اسماعيل ثم مات اسماعيل في حياة أبيه رجعوا عن -
ص: 75
إمامة جعفر و قالوا كذبنا ولم يكن اماماً لأن الامام لا يكذب ولا يقول مالا يكون و حكوا على جعفر (1) انه قال ان الله عز وجل بداله في امامة اسماعيل فأنكروا البداء و المشيئة من الله و قالوا هذا باطل لا يجوز و مالوا الى مقالة (البترية) و مقالة (سلمان بن جرير (2)) و هو الذي قال لأصحابه بهذا السبب أن أئمة الرافضة و ضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب ابداً و هما القول بالبداء (3)) و اجازة التقية (4) فاما -
ص: 76
البداء فإن أمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الانبياء من رعيتها فى العلم فيما كان و يكون و الاخبار بما يكون في غد و قالوا الشيعنهم أنه سيكون فى غد و فى غابر الايام كذا و كذا فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه قالوا لهم ألم نعلمكم أن هذا يكون فنحن نعلم (1) من قبل الله عز وجل ما علمته الانبياء و بيننا و بين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التى علمت بها الانبياء عن الله ما علمت، و إن لم يكن ذلك الشيء الذى قالوا أنه يكون على ما قالوا لشيعتهم بدا لله فى ذلك بكونه، و أما التقية فانه لما كثرت على أمتهم مسائل شيعتهم، فى الحلال و الحرام و غير ذلك من صنوف أبواب الدين فأجابوا فيها و حفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم و كتبوه و دو نوه ولم يحفظ أمتهم تلك الاجوبة لتقادم العهد و تفاوت الاوقات لان مسائلهم لم ترد فى يوم واحد ولا فى شهر واحد بل فى سنين متباعدة و أشهر متباينة و أوقات متفرقة فوقع فى أيديهم فى المسألة الواحدة عدة أجوبة مختلفة متضادة و فى هذا مسائل مختلفة أجوبة متفقة فلما و قفوا على ذلك منهم ردوا اليهم الاختلاف و التخليط في جواباتهم و سألوهم عنه و أنكروه عليهم فقالوا من أين هذا الاختلاف و كيف جاز ذلك قالت لهم أمتهم إنما أجبنا بهذا للتنقية و لنا أن نجيب بما أحببنا و كيف شنا لأن ذلك الينا و نحن نعلم بما -
ص: 77
يصلحكم و ما فيه بقاؤكم و كيف عدوكم عنا و عنكم (1) فمتى يظهر من هؤلاء على كذب و هى يعرف لهم حق من باطل، فمال الى (سليمان بن جرير) هذا لهذا القول جماعة من أصحاب أبى جعفر و تركوا القول بامامة جعفر عليه السلام.
فلما توفى أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام افترقت شيعته بعده ست فرق و توفى صلوات الله عليه بالمدينة فى شوال سنة ثمان و أربعين و مائة و هو ابن خمس و ستين سنة و كان مولده فى سنة ثلاث و ثمانين و دفن في القبر الذي دفن فيه أبوه و جده فى البقيع و كانت امامته أربعاً و ثلاثين سنة غير شهرين وأمه أم فروة بلت القاسم بن محمد بن أبي بكر و أمها أسماء بدت عبد الرحمن ابن أبى بكر.
(ففرقة) منها قالت أن جعفر بن محمد حى لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلى أمر الناس و أنه هو المهدى، و زعموا أنهم رووا عنه أنه قال إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدقوه فانى أنا صاحبكم و انه قال لهم ان جاءكم من يخبركم عنى أنه مرضى و غسلنى و كفنى فلا تصدقوه فانى صاحبكم صاحب السيف، و هذه الفرقة تسمى (الناروسية) و سميت بذلك لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له: فلان (2) بن فلان الداووس.
ص: 78
(و فرقة) زعمت أن الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه (اسماعيل بن جعفر (1)) و أنكرت موت اسماعيل في حياة أبيه و قالوا كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس لانه خاف فغيبه عنهم، و زعموا أن اسماعيل لا يموت حتى يملك الارض يقوم بأمر الناس و أنه هو القائم لان أباه أشار اليه بالامامة بعده و قلدهم ذلك له و أخبرهم أنه صاحبه و الامام لا يقول إلا الحق فلما ظهر موته علمنا أنه قد صدق و أنه القائم و انه لم يمت، و هذه الفرقة هى (الاسماعيلية) الخالصة وام اسماعيل و عبد الله ابنى جعفر ابن محمد عليه السلام، فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن على بن أبى طالب عليه السلام و امها أم حبيب بنت عمر بن على بن أبى طالب عليه السلام و امها أسماء بنت عقيل بن أبي طالب عليهم السلام
الصارمية أيضاً ألم الف او -
ص: 79
(و فرقة) ثالثة زعمت أن الامام بعد جعفر بن محمد (محمد بن (1) اسماعيل ابن جعفر) وامه ام ولد و قالوا أن الأمر كان الأسماعيل في حياة أبيه فلما توفى قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الامر لمحمد بن اسماعيل و كان الحق له ولا يجوز غير ذلك لانها لا تنتقل من أخ الى أخ بعد الحسن و الحسين عليهما السلام ولا تكون الا فى الاعقاب ولم يكن لاخوى اسماعيل عبد الله و موسى في الإمامة حق كما لم يكن لمحمد بن الحنفية حق مع على بن الحسين، -
و أصحاب هذا القول يسمون (المباركية) برئيس لهم كان يسمى (المبارك) مولى (2) اسماعيل بن جعفر.
فأما (الاسماعيلية) فهم (الخطابية) أصحاب (أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الاسدى الاجدع) و قد دخلت منهم فرقة في فرقة محمد بن -
ص: 80
اسماعيل و أقروا بموت اسماعيل بن جعفر في حياة أبيه و هم الذين خرجوا في حياة أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فحاربوا عيسى بن موسى (1) ابن محمد بن عبدالله بن العباس و كان عاملا على الكوفة فبلغه عنهم أنهم اظهروا الاباحات و دعوا الى نبوة (أبى الخطاب) و أنهم مجتمعون في مسجد الكوفة فبعث اليه فحاربوه و امتنعوا عليه و كانوا سبعين رجلا فقتلهم جميعا فلم يفلت منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فعد في القتلى فتخلص و هو (أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال) المملقب بأبي خديجة (2) و كان أنه مات فرجع، فحاربوا عيسى محاربة شديدة بالحجارة والقصب و السكاكين لأنهم جعلوا القصب مكان الرماح و قد كان أبو الخطاب قال لهم قاتلوهم فان قصبكم يعمل فيهم عمل الرماح و السيوف و رماحهم وسيوفهم.
ص: 81
و سلاحهم لا تضركم ولا تخل فيكم فقدمهم عشرة عشرة للمحاربة فلما قتل منهم نحو ثلاثين رجلا قالوا له ما ترى ما يحل بنا من القوم و ما نرى قصبنا يعمل فيهم و لا يؤثر و قد عمل سلاحهم فينا و قتل من ترى منا فذكر لهم ما رواه العامة أنه قال لهم ان كان قد بدا الله فيكم فما ذنى و قال لهم ما رواه الشيعة ياقوم قد بليتم وامتحنتم و أذن في قتلكم فقاتلوا على دينكم واحسابكم ولا تعطوا بلدتكم فتذلوا مع انكم لا تتخلصون من القتل فيموتوا كراما ، فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم وأسر أبو الخطاب فأتى به عيسى بن موسى فقتله فى دار الرزق على شاطىء الفرات و صلبه منهم ثم أمر باحراقه فاحرقوا و بعث برؤسهم الى المنصور فصلبها على باب مدينة بغداد ثلاثة أيام ثم أحرقت، و قال بعض أصحابه أن أبا الخطاب لم يقتل و لا قتل أحد من اصحابه و إنما لبس على القوم و شبه عليهم و إنما حاربوا امر أبى عبد الله جعفر بن محمد و خرجوا من محمد وخرجوا من المسجد لم يرهم أحد ولم يجرح أحد و أقبل القوم يقتل بعضهم بعضاً على أنهم يقتلون اصحاب أبي الخطاب و انما يقتلون انفسهم حتى جن عليهم الليل فلما اصبحوا نظروا في القتلى فوجدوا القتلى كلهم منهم و لم يجدوا من أصحاب أبى الخطاب قتيلا ولا جريحا، و هؤلاء هم الذين قالوا ان أبا الخطاب كان نبيا مرسلا ارسله جعفر بن محمد ثم انه صيره بعد ذلك حين حدث هذا الامر من الملائكة لعن الله من يقول هذا، ثم خرج من قال بمقالته من أهل الكوفة و غيرهم الى (محمد بن اسماعيل بن جعفر (1)) بعد قتل أبي الخطاب فقاتلوا بامامته و أقاموا عليها.
ص: 82
و صنوف الغالية افترقوا بعده على مقالات كثيرة و اختلفوا مافى يد سلف (1) أصحابهم و مذاهبهم فقالت (فرقة ) منهم أن روح (جعفر بن محمد) جعلت فى أبى الخطاب ثم تحولت بعد غيبة أبى الخطاب في (محمد بن اسماعيل بن جعفر) ثم ساقوا الإمامة فى ولد محمد بن اسماعيل و تشعبت منهم فرقة من (المباركية) ممن قال بهذه المقالة تسمى (القرامطة (2)) و انما سميت -
ص: 83
بهذا برئيس لهم من أهل السواد من الأنباط كان يلقب (قرمطويه) كانوا فى الاصل على مقالة المباركية ثم خالفوهم فقالوا: لا يكون بعد محمد النبي صلى الله عليه وآله إلا سبعة أئمة (على بن أبى طالب) و هو إمام رسول و (الحسن) و (الحسين) و (على بن الحسين) و (محمد بن علی) و (جعفر ابن محمد) و (محمد بن اسماعيل بن جعفر) و هو الإمام القائم المهدى و هو رسول، و زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله انقطعت عنه الرسالة في حياته فى اليوم الذى أمر فيه بنصب على بن أبي طالب عليه السلام للناس بغدير خم فصارت الرسالة فى ذلك اليوم فى على بن أبى طالب و اعتلوا في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلى مولاه) و أن هذا القول منه خروج من الرسالة و النبوة و تسليم منه فى ذلك لعلى بن أبى طالب بأمر الله عز وجل و ان النبي صلى الله عليه وآله بعد ذلك كان مأموماً لعلى محجوجا به فلما مضى على عليه السلام صارت الإمامة فى (الحسن) ثم صارت من الحسن فى (الحسين) ثم فى (على بن الحسين) ثم فى (محمد بن على) ثم كانت في (جعفر بن محمد) ثم انقطعت عن جعفر في حياته فصارت في (اسماعيل ابن جعفر) كما انقطعت الرسالة عن محمد صلى الله عليه وآله فى حياته ثم ان الله عز وجل بداله فى امامة جعفر و اسماعيل فصيرها في (محمد بن اسماعيل) و اعتلوا في ذلك بخبر رووه عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال ما رأيت (1) بدا لله عز وجل فى اسماعيل و زعموا أن محمد بن اسماعيل حى لم يمت و أنه فى بلاد الروم و انه القائم المهدى و معنى القائم عندهم انه يبعث بالرسالة و بشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمد (ص) و ان محمد ابن اسماعيل من أولى العزم و اولو العزم عندهم سبعة نوح و ابراهيم و موسى -
ص: 84
و عيسى (ع) و محمد صلى الله عليه وآله و عليهم و علی (ع) و محمدبن اسماعيل على معنى ان السموات سبع وان الارضين سبع وان الانسان بدنه سبع يداه و رجلاه و ظهره و بطنه و قلبه و أن رأسه سبع عيناه و اذناه و منخراه و فمه و فيه لسانه كصدره الذى فيه قلبه و أن الأئمة كذلك و قلبهم محمد بن اسماعيل و اعتلوا في نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وآله و تبديلها بأخبار رووها عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال لو قام قائمنا علمتم القرآن جديداً، و انه قال ان الإسلام بدأ غريباً و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء و نحو ذلك من أخبار القائم و ان الله تبارك و تعالى جعل لمحمد بن اسماعيل جنة آدم صلى الله عليه و معناها عندهم الاباحة للمحارم و جميع ما خلق فى الدنيا و هو قول الله عز وجل فكلا منها رغداً حيث شنتها ولا تقربا هذه الشجرة ( 2 :34) اى (موسى بن جعفر بن محمد) و ولده من بعده من ادعى منهم الإمامة و زعموا أن (محمد بن اسماعيل) هو خاتم النبيين الذى حكاه الله عز وجل فى كتابه و ان الدنيا اثنتا عشرة جزيرة في كل جزيرة حجة و ان الحجج اثنا عشر و لكل حجة داعية ولكل داعية يديعنون بذلك ان اليد رجل له دلائل وبراهين يقيمها و يسمون الحجة الأب والداعية الأم واليد الابن يضاهون قول النصارى فى ثالث ثلاثة أن الله الأب - جل الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً - و المسيح عليه السلام الابن وامه مريم عليها السلام و الحجة الاكبر هو الرب و هو الأب و الداعية هى الام و اليد هو الابن كذب العادلون بالله و ضلوا ضلالا بعيدا و خسروا خسرانا مبينا، و زعموا ان جميع الاشياء التى فرضها الله تعالى على عباده و سنها نبيه صلى الله عليه وآله و أمر بها لها ظاهر و باطن وان جميع ما إستعبد الله به العباد في الظاهر من الكتاب و السنة أمثال مضروبة و تحتها معان هى بطونها و عليها العمل و فيها النجاة وأن ما ظهر منها ففى استعماله الهلاك و الشقاء و هي جزء من العقاب.
ص: 85
الادنى عذب الله به قوماً اذ لم يعرفوا الحق ولم يقولوا به، و هذا أيضا مذهب عامة أصحاب الى الخطاب، و استحلوا استعراض الناس بالسيف و قتلهم على مذهب البيهسية (1) و الازارقة (2) من الخوارج في قتل أهل القبلة و اخذ أموالهم و الشهادة عليهم بالكفر و اعتلوا في ذلك بقول الله عز وجل اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( 9 : 5 ) ورأوا سبي النساء و قتل الاطفال (5:9) و اعتلوا فى ذلك بقول الله تبارك و تعالى لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( 71 : 26 ) و زعموا أنه يجب عليهم ان يبدأوا بقتل من قال بالإمامة ممن ليس على قولهم و خاصة من قال: بامامة (موسى بن جعفر) و ولده من بعده و تأولوا في ذلك قول الله تعالى: قاتلوا الذين يلونكم من المكفار و ليجدوا فيكم غلظة ( 9 : 123) فالواجب ان نبدأ بهؤلاء ثم بسائر الناس و عددهم كثير إلا أنه لا شوكة لهم ولا قوة و هم بسواد الكوفة و اليمن أكثر و لعلهم أن يكونوا زهاء مائة الف.
ص: 86
و قالت الفرقة الرابعة من أصحاب أبى عبد الله جعفر بن محمد ان الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه (محمد بن جعفر (1)) و امه ام ولد يقال لها حميدة و هو و اسحاق بنو جعفر بن محمد لام واحدة. و ذلك ان بعضهم روى لهم [أن محمد بن جعفر دخل على أبيه جعفر يوما و هو صبي صغير فعدا اليه فكبا في قميصه و وقع الحر وجهه فقام اليه جعفر و قبله و مسح التراب عن وجهه و وضعه على صدره و قال سمعت أبي يقول إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمى فهو شبيهي و شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله و على (2) سنته] -
و الفرقة الخامسة منهم جعفر الافطح (1) و ذلك انه كان عند مضى جعفر اكبر ولده سنا و جلس مجلس أبيه و ادعى الإمامة و وصية أبيه، و اعتلوا بحديث يروونه عن أبي عبد الله جعفر بن محمد انه قال: الإمامة فى الاكبر من ولد الإمام فمال الى عبد الله و القول بامامته جل من قال بامامة أبيه جعفر بن محمد غير نفر يسير عرفوا الحق فامتحنوا عبد الله بمسائل في الحلال و الحرام من الصلاة و الزكاة و غير ذلك فلم يجدوا عنده علما و هذه الفرقة القائلة بامامة عبد الله ابن جعفر هي (الفطحية) و سموا بذلك لان عبد الله كان افطح الراس و قال بعضهم كان افطح الرجلين و قال بعض الرواة: نسبوا الى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له: عبد الله بن فطيح (2) و مال الى هذه الفرقة جل مشايخ الشيعة و فقهائها ولم يشكوا فى ان الإمامة فى (عبد الله بن جعفر) و فى ولده من بعده فمات عبد الله ولم يخلف ذكراً فرجع الله ولم يخلف ذكراً فرجع عامة الفطحية عن القول با مامته سوى قليل منهم الى القول بامامة (موسى بن جعفر) و قد كان رجع -
ص: 88
جماعة منهم في حياة عبد الله الى موسى بن جعفر عليهما السلام ثم رجع عامتهم بعد و فاته عن القول به و بقى بعضهم على القول بامامته ثم امامة موسى بن جعفر من بعده و عاش عبد الله بن جعفر بعد ابيه سبعين يوماً أو نحوها (1).
و قالت الفرقة السادسة منهم: أن الإمام (موسى بن جعفر) بعد أبيه و أنكروا امامة عبد الله و خطأوه فى فعله و جلوسه مجلس أبيه و ادعائه الامامة و كان فيهم من وجوه أصحاب أبي عبد الله عليه السلام مثل (هشام بن سالم) و (عبد الله بن أبي يعفور) و (عمر بن يزيد بياع السابرى) و (محمد بن النعمان أبي جعفر الاحول مؤمن الطلاق) و (عبيد (2) ابن زرارة) و (جميل بن دراج) و (ابان بن تغلب) و (هشام بن الحكم) و غيرهم (3) من وجوه الشيعة و أهل العلوم منهم و النظر و الفقه و ثبتوا على موسى بن جعفر حتى عامة من كان قال باسامة عبد الله بن جعفر فاجتمعوا جميعا على امامة (موسى بن جعفر) سوی نفر منهم فانهم ثبتوا على أسامة عبد الله ثم امامة موسى بعده فأجازوها في اخوين امامة رجع الى مقالتهم بعد ان لم يجز ذلك عندهم منهم (عبد الله بن بكير بن اعين) و (عمار بن طول موسى الساباطى (4)) و جماعة معهما، ثم ان جماعة المؤتمين بموسى بن جعفر -
ص: 89
لم يختلفوا في أمره فثبتوا على امامته الى حبسه في المرة الثانية ثم اختلفوا في أمره فشكوا فى امامته عند حبسه فى المرة الثانية التي مات فيها فى حبس الرشيد فصاروا خمس فرق:
(فرقة) منهم زعمت انه مات في حبس السندى بن شاهك و أن يحيى ابن خالد البرمكي سمه فى رطب و عنب و بعثهها اليه فقتله وان الإمام بعد موسى (على بن موسى الرضا) فسميت هذه الفرقة (القطعية) لأنها قطعت على وفاة موسى بن جعفر و على امامة على ابنه بعده ولم تشك فى أمرها ولا ارتابت و مضت على المنهاج الاول .
و قالت (الفرقة الثانية): ان (موسى بن جعفر) لم يمت وانه حى ولا يموت حتى يملك شرق الأرض و غربها و يملأها كلها عدلا كما ملئت جوراً و انه القائم المهدى: و زعموا انه خرج من الحبس ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم (1) به وان السلطان و اصحابه ادعوا موته و موهوا على الناس و كذبوا وانه غاب عن الناس و اختفى ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال هو القائم المهدى فان يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فانه القائم .
و قال بعضهم انه القائم و قد مات ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع فيقوم و يظهر، و زعموا انه قد رجع بعد موته إلا انه مختف في موضع من المواضع حى (2) يام و ينهى و ان اصحابه يلقونه و يرونه. و اعتلوا في ذلك بروايات عن ابيه انه قال سمى القائم قائما لانه يقوم بعد ما يموت .
و قال بعضهم انه قد مات و انه القائم و ان فيه شبها من عيسى بن -
ص: 90
مريم صلى الله عليه وانه لم يرجع و لكنه يرجع في وقت قيامه فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً وان أباه قال ان فيه شبها من عيسى بن مريم و انه يقتل فى يدى ولد العباس فقد قتل.
وانكر بعضهم قتله و قالوا: مات و رفعه الله اليه و أنه يرده عند قيامه فسموا هؤلاء جميعاً (الواقفة (1)) (لوقوفهم على موسى بن جعفر أنه الإمام القائم (2) ولم يأتموا بعده بامام ولم يتجاوزوه الى غيره و قد قال بعضهم ولكنهم من ذكر انه حی ان (الرضا) عليه السلام و من قام بعده ليسوا بأئمة و خلفاؤه واحداً بعد واحد الى اوان خروجه وان على الناس القبول منهم و الانتهاء الى أمرهم، و قد لقب الواقعة بعض مخالفيها ممن قال بامامة على بن موسى (المطورة): غلب عليها هذا الاسم و شاع لها، و كان سبب ذلك و ان (على بن اسماعيل الميثمى) و (يونس بن عبد الرحمن (3)) ناظرا بعضهم -
ص: 91
فقال له (على بن اسماعيل) و قد اشتد المكلام بينهم ما أنتم إلا كلاب ممطورة أراد أنكم أنتن من جيف لأن الكلاب اذا اصابها المطر فهى انتن من الجيف فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم لانه إذا قيل للرجل انه ممطور فقد عرف انه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة لان كل من مضى منهم فله واقفة وقفت عليه و هذا اللقب لاصحاب موسى خاصة.
و قالت فرقة منهم لا ندرى أهو حى أم ميت لأنا قد روينا فيه أخباراً كثيرة تدل على انه القائم المهدى فلا يجوز تكذيبها و قد ورد علينا من خبر وفاة أبيه و جده و الماضين من السلام في معنى صحة الخبر فهذا أيضا مما لا يجوز رده و انکاره لرضوحه و شهر ته و تواتره من حيث لا يكذب مثله ولا يجوز التواطؤ عليه و الموت حق والله عز وجل يفعل ما يشاء فوقفنا عند ذلك على إطلاق موته وعلى الاقرار بحياته و نحن مقيمون على امامته لا نتجاوزها حتى يصح لنا أمره و أمر هذا الذي نصب نفسه مكانه وادعى الامامة يعنون (على بن موسى الرضا) فان صحت لها امامته كامامة أبيه من قبله بالدلالات و العلامات للامامة بالاقرار منه على نفسه بامامته و موت أبيه لا بأخبار أصحابه سلمنا له ذلك و صدقناه، و هذه الفرقة أيضا من الممطورة، و قد شاهد بعضهم من أبى الحسن الرضا عليه السلام اموراً فقطع عليه بالإمامة، و صدقت (فرقة) منهم بعد ذلك روايات اصحابه و قولهم فيه فرجعت الى القول بامامته.
مولى بنى اسد من أهل الكوفة قالت ان (موسى بن جعفر) لم يمت ولم يحبس غائب و انه القائم المهدى فى وقت غيبته استخلف على الامر (محمد ابن بشير) و جعله وصيه و أعطاه خاتمه و عليه جميع ما يحتاج اليه رعيته و فوض اليه اموره و أقامه مقام نفسه فمحمد بن بشير الإمام بعده و ان محمد ابن بشير لما توفى أوصى الى ابنه (سميع بن محمد بن بشير) فهو الإمام ومن أوصى اليه (سميع) فهو الامام المفترض الطاعة على الامة الى وقت خروج موسى و ظهوره فما يلزم الناس من حقوقه فى اموالهم و غير ذلك مما يتقربون به الى الله عز وجل فالفرض عليهم اداؤه الى هؤلاء الى قيام القائم و زعموا ان على بن موسى و من ادعى الإمامة من ولد موسى بعده فغير طيب الولادة و نفوهم عن أنسابهم و كفر و هم فى دعواهم الإمامة و كفروا القائلين بامامتهم و استحلوا دماءهم وأموالهم و زعموا ان الفرض من الله عليهم إقامة الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وانكروا الزكاة و الحج وسائر الفرائض و قالوا بإباحة المحارم من الفروج و الغلمان، و اعتلوا في ذلك بقول الله عز وجل أو يزوجهم ذكرانا واناثاً - ( 42 : 50 ) و قالوا بالتناسخ وان الأئمة عندهم واحد إنما هم منتقلون من بدن الى بدن، و المواساة بينهم واجبة في كل ما ملكوه من ه من مال وكل شيء أوصى به رجل منهم في سبيل الله فهو لسميع بن محمد و أوصيائه من بعده، و مذاهبهم مذاهب الغالية المفوضة فى التفويض.
ص: 93
و ولد (موسى بن جعفر) عليه السلام (1) في سنة ثمان و عشرين و مائة (2) و قال بعضهم سنة تسع (3)، و حمله الرشيد من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع و سبعين و مائة و قد قدم هارون الرشيد المدينة منصرفا من عمرة شهر رمضان ثم شخص هارون الى الحج وحمله معه ثم الصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر بن أبى جعفر المنصور ثم اشخصه الى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفى في حبسه بغداد الخمس ليال بقين من رجب (4) سنة ثلاث وثمانين و مائة (5) و هو ابن خمس أو أربع و خمسين سنة و دفن في مقابر قريش و يقال في رواية -
ص: 94
أخرى أنه دفن بقيوده و انه أوصى بذلك فكانت امامته خمساً و ثلاثين سنة و شهوراً و أمه ام ولد يقال لها حميدة و هى ام اخويه اسحاق و محمد ابنى جعفر ابن محمد عليه السلام
ثم ان اصحاب (على بن موسى الرضا) عليه السلام اختلفوا بعد وفاته فصاروا فرقا (فرقة) منهم قالت بالإمامة بعد على بن موسى عليه السلام لا بنه (محمد بن على) عليه السلام ولم يكن له غيره و كان ختن المأمون على ابنته و اتبعوا الوصية حيث ما دارت على المنهاج الاول من لدن النبي صلى الله عليه وآله.
(و فرقة) قالت بامامة (أحمد بن موسى بن جعفر) أوصى اليه و الى الرضا عليه السلام و أجازوها في أخوين و أبوه جمله (1) الوصى بعد على ابن موسى و مالوا الى شبيه بمقالة (الفطحية).
(و فرقة) منهم تسمى (المؤلفة) من الشيعة قد كانوا نصروا الحق و قطعوا على إمامة (على بن موسى) و موت أبيه فصدقوا بذلك فلما توفى الرضا عليه السلام و رجعوا الى الوقف بعد موسى بن جعفر(ع).
(و فرقة) منهم تسمى (المحدثة) كانوا من اهل الارجاء و اصحاب الحديث فدخلوا فى القول بامامة (موسى بن جعفر) و بعده بامامة (على بن موسى) و صاروا شيعة رغبة فى الدنيا و تصنعاً فلما توفى على بن موسى (ع ) رجعوا الى ما كانوا عليه.
(و فرقة) كانت من الزيدية الأقوياء منهم و البصراء فدخلوا في إمامة (على بن موسى) عليه السلام عندما اظهر المأمون فضله و عقد بيعته تصنعاً للدنيا و استكانوا الناس بذلك دهراً فلما توفى على بن موسى عليه السلام رجعوا الى قومهم من الزيدية.
ص: 95
و توفى (على بن موسى) عليه السلام بطوس من كور خراسان و هو شاخص مع المأمون عند شخوصه الى العراق في آخر صفر سنة ثلاث و مأتين و هو ابن خمس و خمسين سنة (1) و كان مولده في سنة إحدى و خمسين و مائة (2) و قال بعضهم فى سنة ثلاث و خمسين و مائة و كانت امامته عشرين سنة و سبعة أشهر و دفن بطوس فى دار حميد بن قحطبة الطائي وامه ام ولد يقال لها شهد (3) و قال بعضهم اسمها نجية (4) و كان اكبر ولد موسى بن جعفر و هم ثمانية عشر ذكراً و خمس عشرة بلتاً لأمهات الاولاد، و كان المأمون اشخص اليه على بن موسى عليه السلام و هو بخراسان ميع و جاء بن أبى الضحاك في آخر سنة مأتين -
ص: 96
على طريق البصرة و فارس و كان الرضا عليه السلام أيضا ختن المأمون على ابلته.
و كان سبب الفرقتين اللتين ائتمت واحدة منها (بأحمد بن موسى) (1) و رجعت الأخرى الى القول بالوقف ان أبا الحسن الرضا عليه السلام توفى و ابنه (محمد) بن سبع سنين فاستصبوه و استصغروه وقالوا: لا يجوز الامام إلا بالغاً ولو جاز أن يأمر الله عزوجل بطاعة غير بالغ لجاز ان يكلف الله غير بالغ فكما لا يعقل ان يحتمل التكليف غير بالغ فكذلك لا يفهم -
ص: 97
القضاء بين الناس و دقيقه و جليله و غامض الاحكام و شرايع الدين و جميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله و ما تحتاج اليه الامة الى يوم القيامة من أمر دينها و دنياها طفل غير بالغ ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن بلوغ درجة لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجتين و ثلاثاً و أربعا راجعا الى الطفولية حتى يجوز أن يفهم ذلك طفل في المهد و الخرق و ذلك غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف.
ثم ان الذين قالوا بامامة (أبي جعفر محمد بن على بن موسى) عليهم السلام اختلفوا فى كيفية علمه الحداثة سنه ضروبا من الاختلاف: فقال بعضهم لبعض الإمام لا يكون إلا عالما وأبو جعفر غير بالغ و أبوه قد توفى فكيف علم و من أين علم، فأجابوا:
فقال بعضهم: لا يجوز أن يكون علمه من قبل ابيه لأن أباه حمل الى خراسان و أبو جعفر ابن اربع سنين و أشهر ومن كان في هذه السن فليس فى حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق الدين و جليله ولكن الله عز وجل عليه ذلك عند البلوغ بضروب مما يدل على جهات علم الإمام مثل الإلهام و النكت فى القلب و النقر فى الاذن و الرؤيا الصادقة فى النوم و الملك المحدث له و وجوه رفع المنار و العمود و المصباح و عرض الاعمال لأن ذلك كله قد صحت الاخبار الصحيحة القوية الاسانيد فيه التي لا يجوز دفعها ولا رد مثلها.
و قال بعضهم قبل البلوغ هو امام على معنى أن الأمر له دون غيره الى وقت البلوغ فاذا بلغ علم لا من جهة الإلهام والنكت ولا الملك ولا لشيء من الوجوه التي ذكرتها الفرقة المتقدمة لأن الوحى منقطع بعد النبي صلى الله عليه وآله باجماع الأمة ولأن الإلهام انما هو ان يلحقك عند الخاطر و الفكر معرفة بشيء قد كانت تقدمت معرفتك به من الامور -
ص: 98
النافعة فذكرته و ذلك لا يعلم به الاحكام و شرايع الدين على كثرة اختلافها و عللها قبل أن يوقف بالسمع منها على شيء لأن أصبح الناس فكراً و أوضحه خاطراً و عقلا و أحضره توفيقاً لو فكر و هو لا يسمع بأن الظهر أربع و المغرب ثلاث و الغداة ركعتان ما استخرج ذلك بفكره ولا عرفه بنظره ولا استدل عليه بكمال عقله ولا أدرك ذلك بحضور توفيقه ولا لحقه علم ذلك من جهة التوفيق أبداً ولا يعقل أن يعلم ذلك إلا بالتوفيق و التعليم فقد بطل أن يعلم شيئا من ذلك بالإلهام و التوفيق لكن نقول: انه علم ذلك عند البلوغ من كتب أبيه و ما ورثه من العلم فيها و ما رسم له فيها من الاصول و الفروع، و بعض هذه الفرقة تجيز القياس فى الاحكام للإمام خاصة على الاصول التي في يديه لأنه معصوم من الخطأ و الزلل فلا يخطى. في القياس و انما صاروا إلى هذه المقالة لضيق الأمر عليهم في علم الإمام و كيفية تعليمه إذ ليس هو ببالغ عندهم.
و قال بعضهم: الإمام يكون غير بالغ ولو قلت سنه لأنه حجة الله فقد يجوز ان يعلم و إن كان صبيا و يجوز عليه الاسباب التي ذكرت من الإلهام و النكت و الرؤيا و الملك المحدث و رفع المنار و العمود و عرض الاعمال كل ذلك جائز عليه و فيه كما جاز ذلك عن سلفه (1) من حجج الله الماضين و اعتلوا في ذلك بيحيى بن زكريا و ان الله آناه الحكم صبيا و بأسباب و بأسباب عيسى ابن مريم و بحكم الصبى بين يوسف بن يعقوب و امرأة الملك و يعلم سليمان ابن داود حكما من غير تعليم و غير ذلك فانه قد كان في حجج الله ممن کان غیر بالغ عندالناس.
و ولد (محمد بن على بن موسى) عليه السلام للنصف من شهر رمضان -
ص: 99
سنة خمس و تسعين و مائة (1) و أشخصه المعتصم في خلافته إلى بغداد فقدمها لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين و مأتين و توفى بها في هذه السنة فى آخر ذى القعدة (2) و دفن في مقبرة قريش عند جده موسى بن جعفر عليه السلام و هو يومئذ ابن خمس و عشرين سنة و شهرين و عشرين يوما (3) وامه ام ولد يقال لها: الخيزران و كانت قبل ذلك تسمى درة فسميت الخيزران (4) و كانت إمامته سبع عشرة سنة (5) فنزل اصحاب (محمد بن على) عليه السلام الذين ثبتوا على امامته الى القول بامامة ابنه و وصيه (على بن محمد) فلم يزالوا على ذلك سوى نفر منهم يسير عدلوا عنه الى القول بامامة أخيه (موسى بن محمد) ثم لم يلبثوا على ذلك إلا قليلا حتى -
ص: 100
رجعوا الى امامة (على بن محمد) عليه السلام و رفضوا امامة (موسى بن محمد (1)) فلم يزالوا كذلك حتى توفى على بن محمد عليه السلام وكانت و فاته بسر من رأى و كان المتوكل اشخصه (2) من المدينة مع يحيى بن هر ثمة بن أعين يوم الاثنين الثلاث خلون (3) من رجب سنة أربع وخمسين و ماتين و هو يوم توفى ابن أربعين سنة (4) و كان قدومه إلى سر من رأى يوم الثلاثاء -
ص: 101
لسبع ليال بقين من شهر رمضان سنة ثلاث و ثلاثين و مأتين، و كان مولده يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة مضت من رجب سنة أربع عشرة و مأتين و أقام بسر من رأى فى داره الى أن توفى عشرين سنة و تسعة أشهر و عشرة أيام (1) و كانت امامته ثلاثاً و ثلاثين سنة و سبعة أشهر (2) و امه ام ولد يقال لها: سوسن و قال بعضهم: اسمها سمانة.(3)
و قد شذت (فرقة) من القائلين بامامة (على بن محمد) في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له (محمد بن نصير النميرى (4)) و كان يدعى أنه -
ص: 102
أبو الحسن العسكرى عليه السلام و كان يقول بالتناسخ و الغلو (1) في أبى الحسن و يقول فيه بالربوبية و يقول بالاباحة للمحارم و يحلل نكاح الرجال بعضهم بعضا في أدبارهم و يزعم أن ذلك من التواضع و التذلل و أنه احدى الشهوات و الطيبات وان الله عز وجل لم يحرم شيئاً من ذلك و كان يقوى أسباب هذا النميرى (محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات (2)) فلما توفى قيل له فى علته و قد كان اعتقل لسانه: لمن هذا الامر من بعدك فقال: لأحمد فلم يدروا من هو فافترقوا ثلاث فرق (فرقة) قالت: انه (أحمد) ابنه و (فرقة) قالت : هو (أحمد بن موسى ابن الحسن بن الفرات) و (فرقة) قالت: (أحمد بن أبى الحسين محمد بن محمد بن بشر بن زيد) فتفرقوا فلا يرجعون الى شيء و ادعى هؤلاء النبوة عن أبى محمد قسمت (النميرية). (3)
فلما توفى (على بن محمد بن على بن موسى الرضا) صلوات الله عليهم قالت (فرقة) من أصحابه بامامة ابنه (محمد) و قد كان توفى فى حياة أبيه بسر من رأى و زعموا أنه حى لم يمت و اعتلوا في ذلك بأن أباه أشار اليه و أعلمهم أنه الإمام من بعده و الإمام لا يجوز عليه الكذب ولا يجوز البداء فيه فهو وان كانت ظهرت وفاته لم يمت في الحقيقة ولكن أباه خاف -
ص: 103
عليه ففيبه و هو القائم المهدى و قالوا فيه بمثل مقالة أصحاب اسماعيل ابن جعفر.
و قال سائر أصحاب على بن محمد بامامة (الحسن بن على) عليه السلام و ثبتوا له الامامة بوصية أبيه و كان يكنى بأبى محمد سوى نفر يسير قليل فانهم مالوا إلى أخيه (جعفر بن على (1)) و قالوا: أوصى اليه أبوه بعد مضى محمد
ص: 104
و أوجب امامته و أظهر أمره و أنكروا إمامة محمد أخيه و قالوا انما فعل ذلك أبوه اتقاء عليه و دفاعا عنه وكان الإمام في الحقيقة جعفر بن على.
و ولد (الحسن بن على) عليه السلام (1) فى شهر ربيع سنة اثنتين وثلاثين ومأتين وتوفى بسر من رأى (2) يوم الجمعة لثان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومأتين و دفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه و هو ابن ثمان و عشرين سنة (3) و صلى عليه أبو عيسى بن المتوكل و كانت إمامته خمس سنين و ثمانية أشهر و خمسة أيام (4) و توفى ولم ير له أثر ولم يعرف له ولد ظاهر ما قتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وامه و هى أم ولد يقال لها عسفان (5) ثم سماها أبو الحسن حديثا.
فافترق أصحابه بعده أربع عشرة (6)
فرقة (ففرقة) منها قالت أن -
ص: 105
(الحسن بن على) حي لم يمت و إنما غاب و هو القائم ولا يجوز أن ولا ولد له ظاهر لأن الارض لا تخلو من إمام و قد ثبتت إمامته و الرواية قائمة أن للقائم غيبتين فهذه الغيبة أحداهما و سيظهر و يعرف ثم يغيب غيبة اخرى و قالوا فيه ببعض مقالة الواقفة على موسى بن جعفر، و إذا قيل لهذه الفرقة، ما الفرق بينكم و بين الواقفة قالوا أن الواقفة اخطأت في الوقوف على موسى لما ظهرت وفاته لانه توفى عن خلف قائم أوصى اليه و هو الرضا عليه السلام و خلف غيره بضعة عشر ذكراً و كل إمام ظهرت وفاته كما ظهرت وفاة آبائه وله خلف ظاهر معروف فهو ميت لا محالة و انما القائم المهدى الذى يجوز الوقوف على حياته من ظهرت له وفاة عن غير خلف فيضطر شيعته الى الوقوف عليه الى ان يظهر لأنه لا يجوز موت إمام بلا خلف فقد صح أنه غاب.
و قالت الفرقة الثانية: أن الحسن بن على مات و عاش بعد موته و هو القائم المهدى لانا روينا أن معنى القائم هو أن يقوم من بعد الموت و يقوم ولا ولد له و لو كان له ولد اصح موته ولا رجوع لأن الإمامة كانت تثبت الخلفه ولا أوصى الى أحد فلا شك أنه القائم و الحسن بن على قد مات لا شك فى موته ولا ولد له ولا خلف ولا أوصى إذ لا وصية له ولا وصى. و انه قد عاش بعد الموت و قد روينا أن القائم إذا بلغ الناس خبر قيامه قالوا كيف يكون فلان إماماً قد بليت عظامه فهو اليوم حى مستتر لا يظهر و سيظهر و يقوم بأمر الناس و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً و انما -
ص: 106
قالوا أنه حى بعد الموت و أنه مستتر خائف لأنه لا يجوز عندهم أن تخلو الارض من حجة قائم على ظهرها عدل حى ظاهر أو خائف مغمور للخبر الذي روى عن على بن أبى طالب عليه السلام أنه قال في بعض خطبه: اللهم إنك لا تخلى الارض من حجة لك ظاهر (1) أو مغمور لثلا تبطل حججك و بيناتك فهذا دليل على انه عاش بعد موته، و ليس بين هذه الفرقة و الفرقة (2) التى قبلها فرق أكثر من أن هذه صححت موت الحسن بن على عليه السلام وأن الاولى قالت أنه (3) غاب و هو حى و أنكرت هوته و هذه أيضا شبيهة بفرقة من الواقفة على موسى بن جعفر عليه السلام و اذا قيل لهم: من أين قلتم هذا و ما دليلكم عليه ؟ رجعوا الى تأول (4) الروايات.
و قالت الفرقة الثالثة: أن (الحسن بن على) توفى و الإمام بعده أخوه جعفر و اليه أوصى الحسن و منه قبل الإمامة و عنه صارت اليه، فلما قيل لهم أن الحسن و جعفراً مازالا متهاجرين متصارمين متعاديين طول زمانهما و قد وقفتم على صنايع جعفر و مخلفى الحسن و سوء معاشرته له في حياته ولهم من بعد و فاته فى اقتسام مواريثه قالوا: انما ذلك بينهما فى الظاهر فأما في الباطن فكارا متراضيين متصافيين لا خلاف بينهما ولم يزل جعفر مطيعاً له سامعا منه فإذا ظهر منه شيء من خلافه فعن أم الحسن فجعفر وصى الحسن و عنه افضت اليه الإمامة، ورجعوا الى بعض قول الفطحية و رعموا أن موسى بن جعفر انما كان إماماً بوصية أخيه عبد الله اليه و عن عبد الله صارت اليه -
ص: 107
الإمامة لا عن أبيه و أقروا بامامة (عبد الله بن جعفر) و ثبتوها بعد انكارهم لها و جحودهم اياها و أوجبوا فرضها على أنفسهم ليصححوا بذلك مذهبهم و كان رئيسهم و الداعى لهم الى ذلك رجل من أهل الكوفة من المتكلمين يقال له (على بن الطاحى (1) الخزاز) و كان مشهوراً في الفطحية و هو ممن قوى امامة (جعفر) و أمال الناس اليه و كان متكلما محجاجا و أعانته على ذلك (اخت الفارس (2) بن حاتم بن ما هويه القزويني) غير أن هذه أنكرت امامة الحسن بن على عليه السلام و قالت ان جعفراً أوصى أبوه اليه لا الحسن.
و قالت الفرقة الرابعة: أن الإمام بعد الحسن (جعفر) و ان الإمامة صارت اليه من قبل أخيه محمد ولا من قبل الحسن ولم يكن اماما ولا احسن أيضا لأن محمداً توفى فى حياة أبيه و توفى الحسن ولا عقب له وانه كان مدعيا -
ص: 108
مبطلا، و الدليل على ذلك أن الإمام لا يموت حتى يوصى و يكون له خلف و الحسن قد توفى ولا وصى له ولا ولد فادعاؤه الامامة باطل و الإمام لا يكون من لا خلف له ظاهر معروف مشار اليه ولا يجوز أيضا أن تكون الإمامة فى الحسن و جعفر القول أبي عبد الله جعفر بن محمد و غيره من آبائه صلوات الله عليهم أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السلام فدلنا ذلك على أن الامامة لجعفر وانها صارت اليه من قبل أبيه لا من قبل أخويه.
المتوفى فى حياة أبيه و زعمت أن الحسن و جعفراً ادعيا مالم يكن لها و ان أباهما لم يشر اليهما بشيء من الوصية و الامامة ولا روى عنه في ذلك شيء أصلا ولا نص عليها بشيء يوجب امامتها ولا هما في موضع ذلك و خاصة جعفر فإن فيه خصالا مذمومة و هو بها مشهور ولا يجوز أن يكون مثلها فى امام عدل وأما الحسن فقد توفى ولا عقب له فعلمنا ان محمداً كان الامام الاشارة من أبيه اليه و الحسن قد توفى ولا يجوز أن يموت امام بلا خلف ثم رأينا جعفراً فى حياة الحسن و بعد مضيه ظاهر الفسق غير صائن لنفسه معلنا بالمعاصى و ليس هذا صفة من يصلح للشهادة على درهم يصلح لمقام النبي صلى الله عليه وآله لأن الله عز وجل لم يحكم بقول شهادة من يظهر الفسق و الفجور فكيف يحكم له باثبات الامامة مع عظم فضلها و خطرها و حاجة الخلق اليها وإذ هى السبب الذي يعرف به دينه و يدرك -
ص: 110
رضوانه فكيف تجوز فى مظهر الفسق و اظهار الفسق لا يجوز نقية هذا ما لا يليق بالحكيم عز وجل ولا يجوز أن ينسب اليه تبارك و تعالى فلها بطل عندنا ان تكون الامامة تصلح لمثل جعفر وبطلت عمن لا خلف له لم يبق إلا التعلل بامامة (أبي جعفر محمد بن على) أخيهما اذ لم يظهر منه إلا الصلاح و العفاف وان له عقبا قائما معروفا مع ما كان من أبيه من الاشارة بالقول مما لا يجوز بطلان مثله فلا بد من القول بامامته وانه القائم المهدى أو الرجوع الى القول ببطلان الامامة أصلا و هذا مما لا يجوز.
و قالت الفرقة السادسة: أن للحسن بن على ابناً سماه محمداً ودل عليه و ليس الأمر كما زعم من ادعى انه توفى ولا خلف له و كيف يكون امام قد ثبتت امامته و وصيته و جرت اموره على ذلك و هو مشهور عند الخاص و العام ثم توفى ولا خلف له ولكن خلفه قائم و ولد قبل وفاته بسنين (1) و قطعا على امامته و موت الحسن و ان اسمه (محمد) و زعموا انه مستور لا يرى خائف من جعفر و غيره من أعدائه و انها احدى (2) غيباته و أنه -
ص: 111
هو الامام القائم وقد عرف فى حياة أبيه ونص عليه ولا عقب لابيه غيره فهو الامام لا شك فيه.
و قالت الفرقة السابعة: بل ولد للحسن ولد بعده بثمانية اشهر و أن الذين ادعوا له ولداً فى حياته كاذبون مبطلون في دعواهم لان ذلك لو كان لم يخف خبره ولكنه مضى ولم يعرف له ولد ولا يجوز ان يكابر في مثل ذلك و يدفع العيان و المعقول و المتعارف و قد كان الجبل فيما مضى قائما ظاهراً ثابتا عند و عند سائر الناس و امتنع من قسمة ميراثه من أجل ذلك حتى بطل ذلك عند السلطان و خفى أمره فقد ولد له ابن بعد وفاته بثمانية أشهر و قد كان أمر ان يسمى محمداً و أوصى بذلك و هو مستور لا يرى، و اعتلوا في تجويز ذلك و تصحيحه بخبر يروى عن أبى الحسن الرضا عليه السلام انه قال سقبلون بالجنين في بطن امه و الرضيع. (1)
و قالت الفرقة الثامنة: أنه لا ولد للحسن اصلا لأنا قد امتحنا ذلك و طلبناه بكل وجه فلم نجده. ولو جاز لنا ان نقول في مثل الحسن و قد توفى ولا ولد له ان له ولداً خفياً لجاز مثل هذه الدعوى فى كل ميت عن غير خلف و الجاز مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وآله أن يقال خلف ابنا نبيا رسولا و كذلك فى عبد الله بن جعفر بن محمد انه خلف ابنا وان أبا الحسن الرضا عليه السلام خلف ثلاثة بنين غير أبي جعفر أحدهم الإمام لان مجىء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجىء الخبر بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يخلف ذكراً من صلبه ولا خلف عبد الله بن جعفر ابنا ولا كان للرضا أربعة -
ص: 112
بنين فالولد قد بطل لا محالة ولكن هناك حبل قائم قد صح في سرية له وستلد ذكراً إماما متى ما ولدت فانه لا يجوز أن يعضى الإمام ولا خلف له فتبطل الإمامة و متخلو الارض من الحجة و احتج أصحاب الولد على هؤلاء فقالوا: انكرتم علينا أمراً قلتم بمثله ثم لم تقنعوا بذلك حتى اضفتم اليه ما تنكره العقول. قلتم أن هناك حبلا قائما، فان كنتم اجتهدتم في طلب الولد فلم تجدوه فانكرتموه لذلك فقد طلبنا معرفة الحبل و تصحيحه أشد من طلبكم و اجتهدنا فيه أشد من اجتهادكم فاستقصينا فى ذلك غاية الاستقصاء فلم نجده فنحن في الولد أصدق منكم لانه قد يجوز فى العقل و العادة و التعارف ان يكون للرجل ولده مستور لا يعرف فى الظاهر و يظهر (1) بعد ذلك و يصح نسبه و الامر الذى ادعيتموه منكر شليع ينكره عقل كل عاقل و يدفعه التعارف و العادة مع ما فيه من كثرة الروايات الصحيحة عن الأئمة الصادقين ان الحبل لا يكون اكثر من تسعة أشهر و قد مضى للجبل الذى ادعيتموه سنون واسكم (2) على قولكم بلا صحة ولا بينة.
و قالت الفرقة التاسعة: ان الحسن بن على قد صحت وفاة أبيه و سائر آبائه عليه السلام فكما صحت وفاته بالخبر الذي لا يكذب مثله فكذلك انه لا إمام بعد الحسن و ذلك جائز فى العقول و التعارف كما جاز ان تنقطع النبوة فلا يكون بعد محمد صلى الله عليه وآله نبي فكذلك جاز ان تنقطع الإمامة و قد روى عن الصادقين ان الارض لا تخلو من حجة إلا ان يغضب الله على أهل الارض بمعاصيهم فيرفع عنهم الحجة الى وقت والله عز وجل يفعل ما يشاء و ليس فى قولنا هذا بطلاق الامامة و هذا جائز أيضا من وجه آخر كما جاز ان لا يكون قبل النبي صلى الله عليه وآله فيما بينه و بين -
ص: 113
عيسى عليه السلام نبي ولا وصى و لما روينا من الاخبار انه كانت بين الانبياء فترات ورووا ثلثمائة سنة و روى مأتى سنة ليس فيها نبي ولا و هى و قد قال الصادق عليه السلام ان الفترة هى الزمان الذى لا يكون فيه رسول ولا إمام، و الارض اليوم بلا حجة إلى ان يشاء الله فيبعث القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله فيحي الارض بعد موتها كما بعث محمد صلى الله عليه و آله حين فترة من الرسل فجدد ما درس من دين عيسى و دين الانبياء قبله صلى الله عليهم فكذلك يبعث القائم اذا شاء جل وعز، و الحجة (1) علينا ان يبعث القائم و ظهور الأمر و النهى المتقدمين و العلم الذي في ايدينا مما خرج عنهم البنا و التمسك بالماضى مع الاقرار بموته كما كانت الحجة على الناس قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وآله أمر عيسى عليه السلام و نهيه و ما خرج من علمه و علم او صيائه و التمسك بالاقرار بنبوته و بموته و الإقرار يمن ظهر من أوصيائه.
و قالت الفرقة العاشرة: ان أبا جعفر محمد بن على الميت في حياة أبيه كان الإمام بوصية من أبيه اليه و اشارته و دلالته و نصه على اسمه و عينه ولا يجوز ان يشير امام قد ثبتت امامته و صحت على غير امام فلما حضرت وفاة محمد لم يجز (2) ان لا يوصى ولا يقيم إماما ولا يجوز له ان يوصى الى أبيه إذ امامة أبيه ثابتة عن جده ولا يجوز أيضا أن يأمر مع أبيه و ينهى و يقيم من يأمر معه و يشاركه و إنما ثبتت له الإمامة بعد مضى أبيه فلما لم يجز إلا أن يوصى أوصى الى غلام لأبيه صغير كان في خدمته يقال له (نفيس) و كان ثقة أميناً عنده و دفع اليه الكتب و العلوم و السلاح و ما تحتاج اليه الامة -
ص: 114
و أوصاه اذا حدث بأبيه حدث الموت يؤدى ذلك كله الى أخيه جعفر ولم يطلع على ذلك أحداً غير أبيه و انما فعل ذلك لنقل التهمة ولا يعلم به وقبض بو جعفر فلما علم أهل داره و المائلون إلى أبي محمد الحسن بن على (ع) قصته و أحسوا بأمره حسدوه و نصبوا له و بغوه الغوائل فلما احس بذلك منهم و خاف على نفسه و خشى أن تبطل الإمامة و تذهب الوصية دعا جعفراً و أوصى اليه و دفع اليه جميع ما استودعه أبو جعفر محمد بن على أخوه الميت فى حياة أبيه و دفع اليه الوصية على نحو ما أمره و كذلك فعل الحسين بن على ابن أبى طالب عليه السلام لما خرج الى الكوفة دفع كتبه و الوصية و ما كان عنده من سلاح و غيره الى ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه و آله و استودعها ذلك كله و أمرها أن تدفعه الى على بن الحسين الاصغر إذا رجع الى المدينة فلما انصرف على بن الحسين من الشام اليها دفعت اليه جميع ذلك و سلمته له فهذا بتلك المنزلة فى الإمامة الجعفر بوصية (نفيس اليه عن محمد أخيه) و انكروا إمامة الحسن عليه السلام فقالوا: لم يوص أبوه اليه ولا غير (1) وصيته الى محمد ابنه و هذا عندهم صحيح فقالوا بامامة جعفر من هذا الوجه و ناظروا عليها، و هذه الغرفة تتقول على أبى محمد الحسن بن على عليه السلام تقولا شديداً تكفره و تكفر من قال بامامته و تغلوا في القول في جعفر و تدعى أنه القائم و تفضله على على بن أبى طالب عليه السلام و تعتقد في ذلك بأن القائم افضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله و أخذ (نفيس) ليلا و ألقى في حوض كان فى الدار كبير فيه ماء كثير فغرق فيه فمات فسميت هذه الفرقة (النفيسية).
و قالت الفرقة الحادية عشرة منهم: لما سئلوا عن ذلك و قيل لهم ما تقولون فى الإمام أهو جعفر ام غيره قالوا: لا ندرى ما نقول في ذلك -
ص: 115
أهو من ولد الحسن أم من اخوته فقد اشتبه علينا الأمر إنا نقول ان الحسن ابن على كان إماما و قد توفى وان الارض لا تخلو من حجة و شوقف ولا تقدم على شيء حتى يصح انا الامر و يتبين.
و قالت الفرقة الثانية عشرة و هم ( الإمامية) ليس القول ما قال هؤلاء كلهم بل الله عز وجل في الارض حجة من ولد الحسن بن على و أمر الله بالغ و هو وصى لا بيه على المنهاج الأول و السنن الماضية ولا تكون الإمامة فى اخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السلام ولا يجوز ذلك ولا تكون إلا فى غيبة (1) الحسن بن على الى ان ينقضى الخلق متصلا ذلك ما اتصلت أمور الله تعالى ولو كان فى الارض رجلان لكان أحدهما الحجة ولو مالت أحدهما لكان الآخر (2) الحجة مادام أمر الله و نهيه قائمين فى خلفه ولا يجوز أن تكون الإمامة فى عقب من لم تثبت له إمامة ولم تلزم العباد به سمجة من مات في حياة أبيه ولا في ولده، ولو جاز ذلك لصح قول أصحاب اسماعيل ابن جعفر و مذهبهم و اثبتت إمامة محمد بن جعفر و كان من قائل بها محداً بعد مضى جعفر بن محمد، و هذا الذي ذكرناه هو المأثور عن الصلاتين الذي لا تدافع له بين هذه العصابة ولا شك فيه لصحة مخرجه و قوة اسبابه وجودة استاده ولا يجوز ان تخلو الارض من حجة ولو خلت ساعة لساخت الارض و من عليها ولا يجوز شيء من مقالات هذه الفرق كلما فنحن مستسلمون بالماضى و إمامته مقرون بوفاته معترفون بأن له خلفاً قائماً. صلبه وان خلفه هو الإمام من بعده حتى يظهر و يعلن أمره كما ظهر وعلن أمر من مضى قبله من آبائه. و يأذن الله فى ذلك اذ الأمر الله يفعل مديهاء و يأمر بما يريد من ظهوره و خفائه كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.
ص: 116
اللهم انك لا تحلى الارض من حجة الله على خلقك ظاهراً معروفا أو خائفاً مخصوداً (1) كيلا تبطى حجتك و بيناتك و بذلك أمرنا و به جاءت الاخبار التحية عن الأئمة الماضين لانه ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله و يقضوا (2) بلا علم لهم و يطلبوا آثار ما ستر عنهم ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يؤمر بذلك اذ هو عليه السلام محمود (3) تخالف مستور بستر الله تعالى و ليس علينا البحث عن أمره بل البحث ذلك و طلمبه محرم لا ينخل ولا يجوز لان فى اظهار ماستر عنا و كشفه لباسة دله و دمائنا و فى سمستر ذلك و السكوت عنه حقنهما و صيانتهما ولا يجوز لنا ولا الأتحد من المؤمنين أن يختاروا إماما برأى و اختيار و انما يقيمه الله لنا، و يختاره، و يظهره اذا شاء لأنه أعلم بتدبيره في خلقه و أعرف بمصلحتهم و الإمام عليه السلام أعرف بنفسه و زمانه منا، و قد قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام و هو ظاهر الأمر معروف المكان لا ينكر نسبه ولا تخفى ولادته و ذكره شايع مشهور في الخاص والعام من سمانى بإسم (4) فعليه لعنة الله. ولقد كان الرجل من شيعته يتلقاه فيحيد عنه و روى عنه أن رجلا من شيعته لفيه فى الطريق فحاد عنه و ترك السلام عليه فشكره على ذلك و حمده و قال له لكن فلاناً لقينى فسلم على ما أحسن فدمه على ذلك و أقدم عليه بالمكروه. وكذلك وردت الأخبار عن أبى ابراهيم موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال فى نفسه من منع تسميته مثل ذلك و أبو الحسن الرضا عليه السلام يقول: لو علمت ما يريد القوم منى لأهلكت -
ص: 117
نفسى عندى بما (1) لا يوثق دينى بلعب الحمام و الدبكة و أشباه ذلك، فكيف يجوز فى زماننا هذا مع شدة الطلب وجور السلطان و قلة رعايته الحقوق أمثالهم مع ما لقى عليه السلام من صالح بن وصيف (2) و حبسه و تسميته من لم يظهر خبره ولا اسمه و خفيت ولادته، و قد رويت أخبار كثيرة أن القائم تخفى على الناس ولادته و يحمل ذكره ولا يعرف إلا أنه لا يقوم حتى يظهر و يعرف أنه إمام ابن إمام و وصى ابن وصى يوتم به قبل أن يقوم و مع ذلك فانه لابد من أن يعلم أمره ثقاته و ثقات أبيه وان قلوا ولا ينقطع من عقب الحسن بن على عليه السلام ما اتصلت امور الله عز وجل ولا ترجع الى الأخوة ولا يجوز ذلك وان الإشارة و الوصية لا تصحان (3) من الإمام ولا من غيره إلا بشهود أقل ذلك شاهدان فما فوقهما ، فهذا -
ص: 118
سبيل الإمامة و المنهاج الواضح اللاحب الذى لم تزل الشيعة الإمامية الصحيحة التشيع عليه.
و قالت الفرقة الثالثة عشرة: مثل مقالة الفقهاء منهم و أهل الورع و العبادة مثل (عبد الله بن بكير بن أعين) و نظرائه فزعموا أن (الحسن بن على) توفى وأنه كان الإمام بعد أبيه وأن (جعفر بن على) الإمام بعده كما كان موسى بن جعفر اماماً بعد عبد الله بن جعفر للخبر الذي روى أن الإمامة في الاكبر من ولد الإمام اذا مضى و أن الخبر الذي روى عن الصادق «ع» أن الإمامة لا تكون فى أخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السلام صحيح لا يجوز غيره و انما ذلك اذا كان للماضى خلف من صلبه فانها لا تخرج منه الى اخيه بل تثبت فى خلفه واذا توفى ولا خلف له رجعت الى اخيه ضرورة لأن هذا معنى الحديث عندهم، وكذلك قالوا في الحديث الذي روى الإمام لا يغسله إلا امام وان هذا عندهم صحيح لا يجوز غيره و أقروا أن جعفر بن محمد عليه السلام غسله موسى و ادعوا أن (عبد الله) أمره بذلك لأنه كان الإمام من بعده وان جاز أن ما يغسله موسى لأنه امام صامت في حضرة عبد الله، فهؤلاء (الفطحية الخلص) الذين يجيزون الإمامة فى أخوين إذا لم يكن الاكبر منهما خلف ولداً و الإمام عندهم (جعفر بن على) على هذا التأويل ضرورة و على هذه الأخبار و المعانى التى و صفناها.
ص: 119
قد يحسب القاري. لأول وهلة أن النزعات الأهوائية المذكورة في هذا الكتاب كلها مما تدين به الشيعة الإمامية أو أن تلك الفرق لها كيان ثابت بين ظهرانيها، لكن المنقب فى التاريخ الباحث عن شئون الأمم و الديانات و المطلع على السياسات المتعاورة فى الاجيال الغابرة جد عليم بانها كانت تتراوح بين شكوك و أوهام عرت بعض البسطاء و لنقوضت بموتهم و مطامع و شهوات صبت اليها آحاد استهوتهم للنهمة و الشره لإختلاس مال أو حيازة جاه و هؤلاء بين من ثوب الى الحق بعد الحصول على غايته أو يأسه منها أو توقفه للتوبة، و من قطع معرته حمامه، و أناس ديف اليهم السم العسل فى من قبل السياسات الوقتية روماً لتشتيت كلمة الإمامية و محق روعتهم فاستخفهم الجهل بالغايات مع ما جبل به الإنسان من حب للفخفخة فقامول بدعايات باطلة و استحوذوا على نفوس خائرة القوى لكن سرعان ما قلب عليهم الدهر ظهر المجن لما تمكنت الساسة من الحصول على ضالتهم المنشودة ولم يبق لهم فى المقوم مطمع فأخذوا و قتلوا تقتيلا، و كانت هناك مجزرة بدعهم و أهوائهم الى غير هذه من غايات و أغراض وقتية أسفت بالنفوس الضئيلة الى هوة المذلة و اللعنة ولم يعد في الأكثر أن يكون المعتنقون لها أفراداً من سوقة الناس أو عشرات من الذنابي أو لمة ممن لم يقم المجتمع الدينى و البشرى لهم وزنا وعم الجميع ان طوتهم مع عيشهم الايام و طحنهم بكلكله الجديدان فعادوا كحديث أمس الدابر، و غير يسير منها مفتعلة على أناس لم يثبت لهم كيان أو دعاية، و نص آية الله العلامة الحلى المتوفى -
ص: 120
سنة 726 في مناهج اليقين بأنها وجدت فى كتب لا اعتبار لها وأن الموجود منها انقرض، و تطابقت كلمات علمائنا و معهم التأريخ على انقراضها و تسالموا على الرد عليها و تفنيدها انظر الفصول المختارة للسيد المرتضى (طبع النجف) و الغيبة للشيخ الطوسى (طبع تبريز) و غير هما من مؤلفات الإمامية في العقايد و للمؤلف النوبختى كتاب (الرد على فرق الشيعة ما خلا الإمامية) ذكره النجاشى فى فهرسته ص 46 و على تقدير وجود شي من هذه الفرق فالإمامية لا تشك في بطلانها و كفر كثير منها كالنصيرية و غيرهم فمن يحاول البحث مع الإمامية أو يتحرى الوقوف على معتقداتهم فليراجع كتبهم الخاصة لسرد عقائدهم و اثبات تعاليم أئمتهم عليهم السلام لا غيرهم الذين هم منهم براء فيشن عليهم الغارات بما اقترف غير هم من الآثام:
(غيرى جنى وأنا المعاقب فيكم *** فكانى سبابة المتندم).
الموجود من فرق الشيعة الآن (الإمامية الإثنا عشرية) و العبرة بهم و بكتبهم فحسب و هم منتشرون في أرجاء العالم (الزيدية) في اليمن وضواحيها (الإسماعيلية) في الهند و غيره و أما الغلاة فهم عندنا كفار .
محمد صادق آل بحر العلوم.
ص: 121
ص: 122
ص: 123
ص: 124
ص: 125
ص: 126
((تم الكتاب فى يوم 14 / 2 / 1389 ه 1 / 5 / 1969 م ))
ص: 127