شعر أبي المجد النجفي الاصفهاني

هوية الکتاب

العَتَبَةُ العَلَوِيَّةُ المُقُدَّسَةُ

مكتبة الروضة الحيدرية

الرسائل الجامعية - 25

شِعر

أبي المجد النجفي الإصفهاني

ت 1362ه- 1943م

دراسة موضوعية فنيّة

إسراء محمد رضا صَلال العكراوي

النجف الاشرف عاصمة الثقافة الإسلامية 2012 م الأشرف

شعر أبي المجد النجفي الاصفهاني

الناشر: العتبة العلوية المقدسة

إعداد: مكتبة الروضة الحيدرية

المؤلف: إسراء محمد رضا صلال العكراوي

الإخراج الفني: محمد حمدان

عدد النسخ: 1000 نسخة

السنة : 1433 ه / 2012م

العتبة العلوية المقدسة، العراق . النجف الأشرف

هاتف المكتبة: 7802337277 (00964)

ص: 1

اشارة

شعر أبي المجد النجفي الاصفهاني

الناشر: العتبة العلوية المقدسة

إعداد: مكتبة الروضة الحيدرية

المؤلف: إسراء محمد رضا صلال العكراوي

الإخراج الفني: محمد حمدان

عدد النسخ: 1000 نسخة

السنة : 1433 ه / 2012م

العتبة العلوية المقدسة، العراق . النجف الأشرف

هاتف المكتبة: 7802337277 (00964)

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تتبنّى «مكتبة الروضة الحيدرية»

إصدار سلسلة الرسائل الجامعية

استعداداً للنجف عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2012م

وتقديراً ودعماً لجهود الباحثين، والمكتبة إذ تنشر هذه السلسلة

لا تتبنى الآراء المطروحة فيها بالضرورة

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الأول قبل الإنشاء والإحياء والآخر بعد فناء الأشياء، العليم الذي لا ينسى من ذكره، ولا ينقص من شكره، ولا يخيب دعاء من دعاه، ولا يقطع رجاء من رجاه والصلاة والسلام على الدليل إليه البشير النذير السراج المنير المحمود الأحمد المصطفى الأمجد أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين مستودع علمه وحملة شريعته والهادين من بعده..

أما بعد..

فقد أنجبت مدينة النجف الأشرف الفحول من الشعراء والأدباء والعلماء ببركة تشرّفها بباب علم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام عالية ومنذ أن هاجر إليها شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) في سنة (448 ه) ، أصبحت مركزاً للعلم يقصدها القاصي والداني والعربي والعجمي منتهلاً فيض غديرها وعذب نميرها، حتى وصل الحال إلى أننا لا نكاد نقرأ سيرة عالم من العلماء إلا ووجدناه قد تخرّج من هذه المدينة أو أمضى شطراً من حياته فيها.

ومن جملة شعراء النجف الأفذاذ وعلمائها الفضلاء الشيخ محمد رضا النجفي الأصفهاني (أبو المجد) الذي برز في مجالس النجف

ص: 5

وأنديتها شاعراً ذا مكانة متميزة وتفوق عال، وعلى الرغم من ذلك لم يحظ هذا الشاعر بأي دراسة لنتاجه الأدبي أو أي بحث اختص بهذا المجال من شخصيته - على حد علمي - فكان هذا هو الدافع الرئيس لدراسة نتاجه الشعري الذي جُمع في ديوان مطبوع أطلق عليه (ديوان أبي المجد)، وصار عنوان الدراسة (شعر أبي المجد النجفي الأصفهاني دراسة موضوعية فنية).

لذا انقسمت دراستي على محورين موضوعي وفني، يتقدمها تمهيد عرضت فيه ترجمة لحياة الشاعر ومؤلفاته وعصره وأقوال العلماء فيه.

وقد اشتملت الدراسة الموضوعية على فصل واحد وذلك لصغر حجم الديوان وقلة الموضوعات التي تطرق الشاعر لها، وقد انقسم هذا الفصل على ثلاثة مباحث اختص الأول : بشعر الأخوانيات، والثاني: بالمدح والغزل والرثاء والثالث بموضوعات أخرى متفرقة، وقد تدرجت هذه المباحث بحسب أهمية الموضوعات وحضورها في الديوان.

أما الدراسة الفنية فقد كانت أوسع مساحةً - لطول باع الشاعر في فنه - فاشتملت على أربعة فصول عُني أولها : بالبناء الفني، والثاني: بلغة الشاعر والثالث بالصورة الفنية والرابع بالموسيقى وقد انقسم كل فصل منها على مبحثين.

وقد أتبعتُ الدراسة بخاتمة احتوت على أهم نتائج البحث ثم ثبت بمصادرها. والواقع إني حاولت أن أبذل قصارى جهدي في النحو بهذا البحث إلى التكامل العلمي في عناصره ومضمونه ومنهجيته على الرغم مما واجهني من عقبات تمثلت بندرة المصادر التي تحدث عنها الشاعر بصورة مباشرة وكذلك لتزامن البحث مع ظروف خاصة أجهدتني وأخذت مني وقتاً لا يمكن لي تسميته بالقصير. ومع ذلك فقد من الله علي بإتمامه بعد جهد مضنٍ.

ص: 6

ولا أدعي أنني بلغت بهذا العمل الكمال وإنما هو خطوة في طريق طويل هو طريق البحث العلمي والمعرفة أسأل الله أن يمن عليّ بخير ما فيه.

أما أهم المصادر التي استقيت منها المعلومة الخاصة بالشاعر وبيئته فتتمثل بكتب الأدب والتراث التي تحدثت عن النجف الأشرف ومجالسها الأدبية ورجالها منها : كتاب الدكتور محمد حسن علي مجيد (أثر البيئة في أدب المدن العراقية في القرن التاسع عشر)، وكتاب الدكتور يوسف عز الدين (الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر)، وكتاب الأستاذ محمد رضا القاموسي (في الأدب النجفي قضايا ورجال)، وكذلك استعنت ببعض الرسائل الجامعية التي درست شعر معاصري الشاعر الأصفهاني من مدينة النجف مثل : دراسة الأخ الباحث ظاهر محسن جاسم لشعر السيد رضا الهندي ودراسة الأخت الباحثة منى جابر مجبل لشعر السيد محمد سعيد الحبوبي.

والحمد لله رب العالمين..

المؤلفة

ص: 7

ص: 8

التمهيد

الشاعر أبو المجد النجفي الأصفهاني

اشارة

لا بدّ لنا قبل أن ندخل في صلب البحث أن نسلط الضوء على شخصية الشاعر أبي المجد النجفي الأصفهاني - موضوع الدراسة - وأهم المؤثرات في شخصيته الأدبية بما فيها بيئته وأسرته وواقع نشأته، «فنظم التربية والتنشئة الاجتماعية التي يقوم عليها الأفراد تطبع الأديب بطابع البيئة، وتفكير أهلها» (1)، وهذا يدعونا إلى الحديث عن نتاج هذا الأديب ونوعيته والظروف التي أثرت فيه فطبعته بطابعها، وهو على قسمين:

أولاً: أبو المجد النجفي الأصفهاني:

أ - اسمه ولقبه

هو الشيخ محمد رضا بن محمد حسین بن محمد باقر بن محمد تقي الرازي الأصفهاني النجفي (2)الشاعر الفقيه الأصولي المتفنن(3) وكنيته أبو المجد.(4)

ص: 9


1- الأدب والمجتمع : محمد كمال الدين علي يوسف مطابع الدار القومية - القاهرة 1962م : ص 65.
2- شعراء الغري أو النجفيات علي الخاقاني المطبعة الحيدرية - النجف 1373ه- 1954م : 42/4.
3- أعلام الأدب في العراق الحديث مير بصري مطبعة دار الحكمة، ط1، (1415ه- 1994م) : 83/1.
4- قبيلة عالمان دين: الشيخ هادي النجفي دار السكرية العترة - قم 1423ه- 1381 ش 2 ،87 انظر: الطليعة من شعراء الشيعة الشيخ محمد السماوي، تح كامل سلمان الجبوري دار المؤرخ العربي بيروت - لبنان، ط 1422 ، (1 ه- 2001م) : 1/ 335 انظر أعيان الشيعة الإمام السيد محسن الأمين تح: السيد حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، طه ، (1420ه- 2001م) : 1/ 335 ، انظر: معجم شعراء الشيعة عبد الرحيم الشيخ محمد الغراوي مؤسسة الكاتب بيروت - لبنان : 56/14، معجم المؤلفين عمر رضا كحالة مطبعة الترقي بدمشق، (1377ه- 1957م) : 4/ 163 ، في الأدب النجفي قضايا ورجال محمد رضا القاموسي، المكتبة العصرية، دار المثنى للطباعة والنشر، بغداد - العراق ط (1425 ، ه- 2004م): 229، الذريعة إلى تصانيف الشيعة أقا بزرك الطهراني دار الأضواء، بيروت - لبنان، ط2، (1403ه): 46/11 ، طبقات أعلام الشيعة أقا بزرك الطهراني المطبعة العلمية في النجف الأشرف ، (1375ه- 1956م) : 747/1 ، انظر ماضي النجف وحاضرها : الشيخ جعفر الشيخ باقر آل محبوبة دار الأضواء، بيروت - لبنان ط2 ، (1406 ه- 1986م) : 3/ 214، مصفى المقال في مصنفي علم الرجال : أقا بزرك الطهراني، مطبعة دولتي - إيران، ط (1378 ق - 1337 ش - 1959م): 179 .

ب - ولادته ونشأته

ولد في النجف في 20 من المحرم عام 1287ه ، ونشأ بها (1)، وقيل في العشرين من شعبان المعظم(2) والأصح إن ولادته كانت في العشرين من ،محرم كما يتضح من كلامه في ترجمة له بقلمه كان قد بعثها إلى الشيخ محمد رضا الشبيبي يذكرها السيد محسن الأمين في الجزء العاشر من أعيان الشيعة عنه قال: «ولدت في النجف الأشرف في مكمل العشرين من محرم الحرام..».(3)

وقد نشأ في النجف وقرأ العلوم العربية فيها وهو في عهد الطفولة

والصبا ثم هاجر مع أبيه إلى أصفهان (4)وهو ابن تسع سنين(5) ومكث هناك أعواماً، وكانت وطن آبائه الأصلي، ثم رجع به والده إلى النجف

ص: 10


1- شعراء الغري: 42/4 .
2- قبيلة عالمان دین : 87
3- أعيان الشيعة : 339/10
4- الحصون المنيعة في طبقات الشيعة الشيخ علي كاشف الغطاء (ت 1350) ه : 533/3.
5- انظر : طبقات أعلام الشيعة : 748/1

وهو ابن خمس عشرة سنة، وقد أتقن النحو ومبادئ العلوم .(1)

وقد «أتى النجف فارتقى معارج الكمال وزاحم بمناكب الفضل الرجال حتى بلغ فيه الآمال وصنف ما تطيب به النفس، وتجد به القلوب أمنيتها والأفكار ضالتها ونظم فأصاب شاكلة الغرض ونثر فامتاز جوهر كلامه عن كل عرض»(2) وصار بيته فيها مأوى وصار بيته فيها مأوى حجيج أهل الكمال وعلماء أهل العلم والأفضال .(3)

ج - أسرته

هو خلف العلامة الرباني المتأله الشيخ محمد حسین (رضوان الله عليه) ابن العلامة الفقيه الشيخ محمد باقر ابن العلامة المحقق الشيخ محمد تقي (قدس سره) صاحب هداية المسترشدين في شرح معالم الدين .(4)

وكان الشيخ محمد حسين - والد أبي المجد - آية في التجافي عن الدنيا والزهد فيها والوقوف على غوامض العلوم اللاهوتية وأسرار المعارف، وله قطعة تفسير لمقدار من القرآن المجيد تدل على عظيم حظه من جميع العلوم .(5)

وأمه العلوية رباب بیگم بنت العلامة السيد محمد علي سيد المجتهدين ابن السيد صدر الدين العاملي الكبير(6)، وكان جده الأعلى

ص: 11


1- انظر: المصدر نفسه : 748/1 انظر معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء: محمد حرز الدين، مطبعة الآداب - النجف (1965م) : 245/3 (الهامش).
2- الطليعة من شعرا ء الشيعة : 336/1.
3- ماضي النجف وحاضرها 214/3 (الهامش).
4- ديوان السيد جعفر الحلي تح الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، دار الأضواء - بيروت، (1423 ، ه- 2003م): 110 (الهامش).
5- ديوان السيد جعفر الحلي تح الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، دار الأضواء - بيروت، (1423 ، ه- 2003م) : 45 (الهامش).
6- قبيلة عالمان دین : 87

الشيخ محمد تقي بن عبد الرحيم صهر الشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء النجفي على كريمته (نسمة) (1)وهم من أسباط الشيخ الكبير كاشف الغطاء .(2)

و (آل صاحب الحاشية) بيت علم جليل في أصفهان يُعد من أشرفها وأعرقها في الفضل فقد نبغ فيه جمع من فطاحل العلماء ورجال الدين الأفاضل، كما قضوا دوراً مهماً في خدمة الشريعة، ونالوا الرئاسة العامة لا في أصفهان فحسب بل في إيران مطلقاً، والمترجم له آخر عظماء هذه الأسرة الذين دوى ذكرهم واجتمعت الكلمة عليهم وإلا ففيهم اليوم علماء وفضلاء وأجلاء ولكن لا يقاسون بصاحب العنوان ومن سبقه) (3).

ولهذه الأسرة مكتبة - كما ذكر الخاقاني - «حوت من النوادر مالم تحوها مكتبة من قبل» .(4)

وقد أسس لها الشيخ محمد باقر - ابن عم أبي المجد - داراً عامة وعين لها مديراً وأباح المطالعة والاستنساخ لرواد العلم والأدب من غير كلفة، ولما عزم على مغادرة النجف باع أكثرها وحمل منها إلى كربلاء واختار منها شيئاً حمله معه إلى أصفهان وقد فقد في طريقه إلى أصفهان بعض الكتب منها كتاب (رياض العلماء) في التراجم والرجال، تأليف الملّا عبد الله أفندي .(5)

ص: 12


1- طبقات أعلام الشيعة: 748/1.
2- انظر: ديوان السيد جعفر الحلي: 110 - 111 (الهامش).
3- طبقات أعلام الشيعة : 748/1.
4- مقال النوادر المخطوطة في النجف : لعلي الخاقاني الحميري مجلة الغري: صاحبها شيخ العراقيين آل كاشف الغطاء، مطبعة الغري - النجف - السنة الثانية، العدد (77 - 78) 26 رجب / 19 آب، 12 : 98
5- انظر: المصدر نفسه : 98

اخلاقه وصفاته

يتحدث عنه حفيده الشيخ هادي النجفي فيصفه أنه : «قصير القامة ذو وجه حسن وجذاب وأخلاقه جميلة وعالية ومحاورته ومعاشرته شبيهة بالسيل عندما يتكلم بجمل قصيرة ومفهومة ولطيفة تعجب الحاضرين وكان يتعامل مع الصغير والكبير بأدب واحترام.

وكان ثابت القدم لا يتراجع متواضع لأساتذته، يحضر جميع المجالس العلمية والأدبية ويحضر في جميع أفراح وأحزان إخوانه وأصدقائه.

وكان ذا حديث جميل لا يمله طلبته عند الدرس، ولم يكن يشتكي لأحد من ألم أو مرض أو فاقة وكان يوصي طلابه ويؤكد على الاهتمام بالناس وقضاء حوائجهم، وكان يصرف وقته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن مصاديقه أنه لايخاف لومة لائم.

وكانت مجالسه العلمية لا تعطل نتيجة إرهاب الشاه السابق (رضا خان) ولا يهاب جلاوزته.

وكان يعين أصحاب الحوائج عندما يكون في المسجد أو البيت حتى أنه يساعد زوجته في عملها داخل المنزل.(1)

ويذكره الشيخ محمد السماوي فيصفه بالذكاء الثاقب والنظر الصائب والروح الخفيفة وحاشية الطبع الرقيقة .(2)

وأطراه صديقه الشيخ هادي آل كاشف الغطاء فقال: «هو عنوان الشرف ومجموعة الكمالات والظرف من نهض به حسبه كما نهض نسبه فكان عصامياً عظامياً ونال الشرفين نفسياً وكسبياً فهو الحسام ولا ينبو

ص: 13


1- انظر: قبيلة عالمان دین: 102
2- انظر: الطليعة من شعراء الشيعة : 336/1.

غراره والسابق ولا يشق غباره والثابت ويرجح الطود وقاره... بليغ، إن أنشى وشى، وإذا عبر حبّر فصيح البيان جيد الافتتان) .(1)

ويذكره الشيخ آغا بزرك الطهراني فيقول : «كان حلو المعشر ظريف المحضر كثير المداعبة جميل المحاورة يرصد النكتة ويجيد النادرة، لكنه لا يخرج عن الآداب العرفية ولا يجره ذلك إلى الخفة والرعونة مهما كانت النادرة مضحكة بل يبلي المستمعين بذلك ويبقى محافظاً على وقاره ورزانته» .(2)

كما وصفه الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء بقوله: «وهو من رقة الطبع وبداوة الأخلاق وكإنما نشأ في الحي اللقاح من نجد بين حاجر والغميم ومن علو الهمة ورفعة النفس كإنما في البطاح من معد بين المشاعر والحطيم... ولأعاظم شعراء العصر قصائد بديعة في مديحه ومديح آبائه الكرام» .(3)

وقال عنه أيضاً : إنه مع ما فيه من أريحية الطبع وخفة الروح وكرم الأخلاق فارسي الآداب عربي المذاق من اليقين والمعرفة على مثل ضوء الشمس ومن الورع والتقوى على حالة لا يقاس بها قس، وهو من فضلاء السياسيين ومروجي الإسلام بترويج شركة الإسلاميين .(4)

علمه وفضله

عرّفه علي الخاقاني بأنه «عالم كبير وأديب شهير، وشاعر ، ووصفه عمر كحالة بقوله: «فقيه ، أصولي متكلم، حكيم، معروف» .(5)

ص: 14


1- انظر ماضي النجف وحاضرها : 214/3 (الهامش).
2- طبقات أعلام الشيعة : 749/1
3- تتمة العبقات العنبرية : محمد الحسين آل كاشف الغطاء (مخطوطة غير مرقمة).
4- انظر: المصدر نفسه.
5- شعراء الغري: 42/4 .

شاعر».(1) أما خير الدين الزركلي فقد قدّم صفة الشاعرية على ما سواها إذ قال : «شاعر له اشتغال بالفلسفة والفقه» .(2)

والحقيقة إن أبا المجد قد جدَّ في الاشتغال في دوري الشباب والكهولة حتى أصاب من كل علم حظاً، وفاق كثيراً من أقرانه في الدروس الجامعية والتفنن فقد برع في المعقول والمنقول وبرز بين الأعلام متميزاً بالفضل مشاراً إليه بالنبوغ والعبقرية، وذلك لتوفر المواهب والقابليات عنده خصه الله بذكاء مفرط وحافظة عجيبة واستعداد فطري وعشق للفضل، وقد جعلت منه هذه العوامل إنساناً فذاً وشخصية علمية رصينة تلتقي عندها الفضائل.(3)

ويضيف آغا بزرك الطهراني : «كان مجتهداً في الفقه محيطاً بأصوله وفروعه، متبحراً في الأصول متقناً لمباحثه ومسائله، متضلعاً في الفلسفة خبيراً بالتفسير، بارعاً في الكلام والعلوم الرياضية، له في كل ذلك آراء ناضجة ونظريات صائبة، أضف إلى ذلك نبوغه في الأدب والشعر» .(4)

وقد تلقى أبو المجد هذه العلوم المتنوعة من أساتذة كبار في الحوزة العلمية في النجف وكربلاء وإيران. وأساتذته هم :

1 - العلامة السيد إبراهيم القزويني: درس على يديه نجاة العباد ومعالم شرح اللمعة والنحو مع أخيه من أبيه قبل أن يلتحي.

2 - والده الشيخ محمد حسين النجفي الأصفهاني: درس عنده الفصول وتفسير البيضاوي وشطراً من تفسير الكشاف.

ص: 15


1- معجم المؤلفين : 163/4 .
2- الأعلام مطبعة كوستاتسوماس وشركاه ط2 ، (1374ه- 1954م) : 52/3.
3- انظر : طبقات أعلام الشيعة : 748/1 - 749.
4- المصدر نفسه : 749/1

3 - الحاج الشيخ فتح الله المشهور بشريعتمدار(1): بقي معه ودرس رسائل الشيخ المرتضى والفصول وعلم العروض والحديث.

4 - الشيخ محمد كاظم الأخوند الخراساني(2) : صاحب كفاية الأصول درس عليه في البحث الخارج والفقه والأصول.

5 - السيد محمد كاظم اليزدي(3): صاحب العروة الوثقى، حضر عنده البحث الخارج في الفقه أيضاً.

6 - السيد محمد الفشاركي الأصفهاني(4) : وقد لازمه أبو المجد وانتفع منه - كما يقول - ما لم ينتفع من أحد على قصر مدة الحضور عنده(5) وقد حضر معه البحث الخارج ونقل عنه في كتابه (وقاية الأذهان).

7 - الميرزا حبيب الله العراقي الملقب بذي الفنون: تعلّم عنده العلوم الرياضية والفلك.

ص: 16


1- فتح الله الأصفهاني المشهور بشيخ الشريعة (1266 - 1339ه): ولد في أصفهان ونشأ بها ثم هاجر إلى النجف وتولى التدريس ودفن في الصحن العلوي الشريف (انظر: موقع شيعة العراق - مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف كاظم عبود الفتلاوي - شبكة الانترنيت).
2- محمد كاظم الخراساني المعروف بالأخوند (1255 - 1329ه): ولد في مدينة مشهد تنقل في الحوزات الإسلامية انشغل بتدريس العلوم الحوزوية.
3- السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (1247 أو 1256 - 1337ه): وينتهي نسبه إلى السيد إبراهيم الغمر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب مواقف بطولية ضد الاستعمار له مؤلفات عديدة توفي في النجف ودفن في الصحن العلوي الشريف (انظر موقع عالم وبلد - شبكة الانترنيت).
4- محمد الفشاركي الأصفهاني (1253 - 1316ه) : ولد في أصفهان، درس في العراق، كان ذا أخلاق فاضلة له مؤلفات عدة توفي في النجف ودفن في الصحن العلوي الشريف (انظر: مركز آل البيت العالمي للمعلومات - شبكة الانترنيت).
5- انظر أعيان الشيعة : 339/10.

8 - الميرزا حسين النوري : صاحب مستدرك الوسائل(1)، أخذ عنه علم الحديث والرجال.

9 - الحاج آقا رضا الهمداني (2): صاحب مصباح الفقيه : درس لديه البحث الخارج.

10 - الأخوند حسين قلي الهمداني (3): ذكره في الرسالة الأمجدية يشرح له الأخلاق والسير والسلوك.

11 - السيد جعفر الحلي درس لديه الأدب والشعر (4)، ويذكره أبو المجد فيقول عنه : «صاحبي وصديقي المرحوم السيد جعفر الحلي فإنه أرهف حديد طبعي حتى غدا مرهفاً قاطعاً»(5)

وبعد أن سكن أبو المجد كربلاء مدة حدثت الحرب العالمية الأولى في عام (1333ه) وكثرت الفتن والحوادث في العراق، فضاقت عليه الأمور فرحل بأهله وأولاده إلى أصفهان وقوبل بحفاوة وإكبار بالغين، وحصل له ما كان لسلفه الصالح من الزعامة الدينية فنهض بأعباء الرئاسة والهداية وقام مقام والده في سائر الوظائف الشرعية، من الإمامة

ص: 17


1- حسين النوري الطبرسي (1254 - 1320ه) : ولد في إيران تنقل في الحوزات الإسلامية حتى عاد إلى النجف وبقي هناك حتى أدركه الأجل له مؤلفات جليلة، توفي في النجف ودفن جوار مرقد الإمام علي(انظر: مركز آل البيت العالمي للمعلومات - شبكة الانترنيت).
2- آقا رضا الهمداني : عالم فقيه أصولي متبحر محقق مدقق توفي في صفر (1322ه) ودفن في رواق حرمي الإمامين العسكريين (انظر: البرامج المسجلة، الصادقين، شبكة الانترنيت).
3- الشيخ حسين قلي الهمداني (1239 - 1311ه) وينتهي نسبه إلى الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري ولد في قرية من قرى ،همدان درس في طهران، سافر إلى النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية واستقر بها، توفي في 28 شعبان 1311ه، ودفن في الصحن الحسيني المشرف (انظر مركز آل البيت العالمي للمعلومات - شبكة الانترنيت).
4- انظر : قبيلة عالمان دین ،88 معجم شعراء الشيعة: 57/14.
5- أعيان الشيعة: 339/10

والتدريس والإرشاد ونشر الأحكام وتمهيد قواعد العلم، وكان للطلاب عليه زحام غريب، وقد تخرج عليه جمع من الأفاضل والأعلام، أما تدريسه فقد ولع به الكثير لبلاغة تعبيره وحسن تقريره، ولجامعيته أيضاً فقد كان يشفع أقواله بالأدلة والاستشهاد بأشعار العرب والفرس وأقوال اللغويين والأكابر من السلف.(1)

ومن أفاضل طلبته السيد أحمد الحسيني الزنجاني(2)والسيد أحمد الموسوي الخونساري(3) والسيد محمد رضا الموسوي اللباياني(4) والسيد شهاب الدين المرعشي النجفي (5)وهو فقيه عالم بأنساب العلويين والسيد روح الله الموسوي الخميني والعلوية الحاجة السيدة نصرت بيكم الأمينية المعروفة بالسيّدة الإيرانية وغيرهم .(6)

ولأبى المجد إجازة الرواية عن الميرزا حسين النوري، والشيخ باقر البهاري.(7)

ص: 18


1- انظر : طبقات أعلام الشيعة : 750/1 ، قبيلة عالمان دین 95 معارف الرجال : 245/3 (الهامش).
2- أحمد الحسيني الزنجاني (1308 - 1393 ه) ولد في زنجان، جمع بين الدراسة والتدريس دفن جوار مرقد السيدة فاطمة المعصومة في مدينة قم المقدسة: (انظر: مركز آل البيت العالمي للمعلومات - شبكة النجف الأشرف على شبكة الانترنيت).
3- أحمد الموسوي الخونساري (1309 - 1405 ه) : ولد في مدينة خونسار في إيران، له مؤلفات جليلة، وعلى أثر وفاته أعلنت حكومة إيران الحداد العام في البلاد لمدة أسبوع، شیع تشييعاً مهيباً ودفن جوار مرقد السيدة فاطمة المعصومة (انظر: المصدر نفسه).
4- محمد رضا الگلباياگاني (1316 - 1414 ه) : كان ذا ذهن ثاقب، وكان صلباً في الدفاع عن المعتقدات الإسلامية له العديد من المؤلفات ودفن بجوار مرقد السيدة فاطمة المعصومة (انظر: المصدر نفسه).
5- شهاب الدين المرعشي النجفي (1315 - 1411 ه) : فقيه جعفري ينتهي نسبه إلى الإمام زين العابدين ، درس العلوم الدينية في النجف الأشرف له العديد من المؤلفات. (انظر: ويكيبيديا الموسوعة الحرة شبكة الانترنيت).
6- انظر: قبيلة عالمان دین: 96 - 97 .
7- باقر البهاري الهمداني (1277 - 1333 ه) : عالم جامع جليل فقيه متتبع متقن، رجالي محدث له ما يزيد على خمسين مؤلفاً (المصدر : انظر : تنقيح المقال في عالم الرجال/ 263 - شبكة الانترنيت).

والسيد محمد والسيد حسين ولدي السيد مهدي القزويني الحلي وشيخ الشريعة الأصفهاني، والسيد حسن الصدر.(1)

وفاته

توفي رحمه الله في يوم الأحد 24 من المحرم الحرام سنة (1362 ه / 1943م) في أصفهان، وقد شُيّع تشييعاً منقطع النظير حيث عطلت كل مراكز الخدمة العامة والأسواق، ثم انتقل المشيعون إلى البقعة التي فيها تكية جده المرحوم الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الأصفهاني والواقعة في منطقة تخت (فولاد في أصفهان حيث دفن هناك (2).

وقد أقام له مجلس الفاتحة في النجف السيد أبو الحسن الأصفهاني (3)المرجع الديني الأعلى آنذاك، ونظم عدد من العلماء والشعراء قصائد شعرية مؤرخين لوفاته شعراً، ومن جملتهم : المرحوم السيد علي العلامة الفاني الأصفهاني (ت 1409ه) حيث رثاه بقصيدة فارسية وأرخ لوفاته بقوله شعراً وهذه ترجمته:

لما مضى شيخ الفضيلة والتقى***وا حسرتا حنقاً، فقد ضاق الفضا

فانقص من التاريخ يوم وفاته***أربع وعشرينا وقل فقد الرضا (4)

ص: 19


1- السيد حسن الصدر (1272 - 1354 ه) وينتهي نسبه إلى إبراهيم الأصغر بن الإمام موسى الكاظم ، ولد في الكاظمية ودرس فيها، كان عالماً فاضلاً بهي الطلعة متبحراً منقباً أصولياً، ودفن بجوار مرقد الجوادين المصدر :(انظر مركز آل البيت العالمي للمعلومات - شبكة الانترنيت).
2- انظر: قبيلة عالمان دین : 112 طبقات أعلام الشيعة 7501، الأعلام : 52/3، معجم المؤلفين : 163/4
3- انظر أعيان الشيعة: 339/10 معجم شعراء الشيعة : 56/14.
4- قبيلة عالمان دین : 113

ورثاه المرحوم الحاج ميرزا حبيب الله نير وأرخ لوفاته قائلاً :

یا دهراً ذهبت بآية الله***غدرت بنا فوا أسفا ولهفاه

محمد رضا الغروي أبو المجد***مضى نحو الجنان بقرب مولاه

أراد النير استیضاح قوله***ففي شهر المحرم طاب مثواه

فارخ بعد نقص الست للعام***(رضا النجفي لبى داعي الله) (1)

كما رثاه المرحوم الحاج ميرزا حسن خان الجابري الأنصاري بقوله :

لقد أفل الكواكب مذ توفي***رئيس العلم في ذاك الزمان

محمد رضا الغروي شيخ***سماء العلم لأهل الأصبهان

ولما راح راح الروح عنا***به شأن البيان من المعاني

تمنى الجابري بأن يؤرخ***وكان لسانه عند البيان

إذا جاء البشير وقال أرّخ***(لقد آوى الرضا بالجنان)(2)

ثانياً: مؤلفاته

أ - آثاره العامة:

لأبي المجد عدة مؤلفات في الفقه والأصول والأدب والنقد والرد على الماديين، وقد سجلت له بعض المجاميع المخطوطة في النجف شيئاً كثيراً من المراسلات والمساجلات الأدبية نظماً ونثراً مع علماء عصره وأدبائه (3)، وقد وجد البحث العديد من هذه المخطوطات في بعض مكتبات النجف الأشرف (4)وكان ذا توسع في العلوم الرياضية وذكاء متقد

ص: 20


1- المصدر نفسه : 114.
2- انظر: قبيلة عالمان دین: 113 - 114 .
3- معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء : 245/3 - 246 (الهامش).
4- في مكتبات آل كاشف الغطاء خاصة (مكتبة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ومؤسسة آل كاشف الغطاء الثقافية).

ومحاضرات بديعة(1) وعن هذه الشمولية يقول الشيخ هادي كاشف الغطاء : «له من المصنفات والمؤلفات والرسائل والمقامات في سائر الفنون والعلوم والنظم العذب الرائق والنثر الجيد المستحسن والأجوبة البديعة الشيء الوافر الجمّ الكثير العديم النظير»(2)، ويتحدث عنه الشيخ محمد السماوي (ت 1370 ه) قائلاً : «صنّف ما تطيب به النفس، وتجد به القلوب أمنيتها والأفكار ضالتها ونظم فأصاب شاكلة الغرض ونثر فامتاز جوهر كلامه عن كل عرض».(3)

وفي ما يأتي عناوين مؤلفاته

1 - نقض فلسفة داروين: (في مجلدين)(4) أو كما صحح حفيده حفيده لي (نقد فلسفة دارون)(5) وقيل ثلاثة مجلدات ثالثها غير مطبوع(6) وقد طبع الأولان منه سنة 1331 ه- ببغداد (7)وأعيد طبعه من قبل مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران عام 1432ه ، ولم يزل الثالث مخطوطاً، وقد أشار إليه في الجزء الثاني ص 236 بقوله : وبقيت من هذا القسم مقالتان إحداهما في بيان حيل سماسرة الإلحاد ومكائدهم والثانية في بيان حقيقة الحياة والفرق بين الأنواع.. الخ. وقد سقط من الجزء الأول في الطبع مبحث يتضمن النظر في ناموس الوراثة والمقايسة بين مذهبي

ص: 21


1- انظر: ديوان السيد جعفر الحلي: 111 (الهامش).
2- ماضي النجف وحاضرها : 214/3 (الهامش).
3- الطليعة من شعراء الشيعة : 336/1.
4- معجم المؤلفين: 163/4 ، انظر: الإعلام : 52/3 ، أعلام الأدب في العراق الحديث : 1 / 83 .
5- مقابلة مع حفيد أبي المجد (الشيخ هادي نجل الشيخ مهدي ابن الشيخ مجد الدين ابن الشيخ محمد رضا النجفي الاصفهاني) بتاريخ 2010/2/21م.
6- انظر طبقات أعلام الشيعة ،752/1 انظر : قبيلة عالمان دین : 108.
7- المصدر نفسه : الصفحات نفسها.

(داروين) و(وسمن) كما أشار إليه في ج 1 ص 243 والجزء الأول ممحض للنقود والردود على خصوص فلسفة داروين والمشهورة بفلسفة النشوء والارتقاء، كما إن فيه جميع شبهات المبطلة والرد على كلمات الماديين وكما هو أشهر مؤلفات المترجم له ومن أجل آثاره. وبعد انتشاره بمدة رد عليه الشاعر العراقي الكبير الفيلسوف جميل الزهاوي بكتاب خاص فأجابه الرضا أيضاً بكتابه (القول الجميل إلى صدقي جميل(1) وهو من أحسن ما كتب في الرد على الماديين.(2)

وقال الدكتور علي الوردي في مقدمة الجزء الثالث من كتابه «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» كانت مجلة المقتطف تنشر مقالات متسلسلة في شرح نظرية داروين بقلم شبلي شميل، وحين وصلت المجلة إلى العراق انبرى لها بعض علماء الدين في النجف يردون عليها ويفندونها، وكان أنشطهم في ذلك الشيخ آغا رضا الأصفهاني... ألف كتاباً ضخماً بأسلوبه الجدلي أرسله إلى شبلي شميل ظناً منه أن هذا الرجل سيقتنع بسقم النظرية بعد قراءته للكتاب وسيعلن تركه لها ولكن شبلي شميل أرسل إليه جواباً مقتضباً هذا هو: «عذرك جهلك والسلام..» .(3)

وهذا الكتاب - نقض فلسفة داروين - هو أول أثر لأحد علماء النجف من المجتهدين أوضح فيه آراء وعقائد العالم العربي (شبلي شميل) وكان هذا الكتاب سبباً لشهرة الشيخ محمد رضا في الحوزات العلمية الشيعية في الخارج وفي تمام دول الإسلام الرشيدة .(4)

ص: 22


1- انظر طبقات أعلام الشيعة: 752/1.
2- انظر : معجم شعراء الشيعة : 58/14
3- انظر لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث : د. علي الوردي دار الراشد بيروت - لبنان - ط2 ، (1426 ه- 2005) م : 12/3 ، انظر أعلام الأدب في العراق الحديث : 1 / 84
4- قبيلة عالمان دین : 108

2 - وقاية الأذهان في أصول السنة والكتاب(1): وهو في أصول - الفقه(2)، كتاب كبير جداً في غاية الحسن وبراعة الأسلوب ورشاقة البيان والحق أنه أدخل في تأليف هذا الكتاب على علم الأصول نوعاً من التجدد في التبويب والتهذيب والنمط. ولما تعسر نشر هذا الكتاب لضخامته أفرد بعض مباحثه المهمة بالتدوين فطبع منها في سنة (1346) بأصفهان (تنبيهات دليل الانسداد) في إثبات حجية الظن الطريقي، انتصر فيه لجده صاحب «الحاشية» وعمه صاحب «الفصول»... كما طبع في السنة نفسها (جلية الحال) أو (سمط اللآل) في مسألتي الوضع والاستعمال... ولكن جاء لفظ سمط، والصحيح سمطا(3)، وهذا الكتاب الأصولي لهذا العالم بعد طبعه في عدة مجلدات في حياته، أعيد طبعه مؤخراً في مجلد واحد كبير سنة 1413 ه- بواسطة مؤسسة آل البيت علیهم السلام في قم المقدسة (4).

3 - ذخائر المجتهدين في شرح (معالم الدين في فقه آل ياسين): للعلامة الشيخ شجاع الدين بن أبي قطان تلميذ الفاضل ألسيوري، وهو كتاب فقهي خرج منه مجلدان أحدهما في الطهارة لم يتم والثاني في مقدمات النكاح تام فرغ منهما في (1312ه)(5).

4 - الرد على البهائية : ذكر الشيخ الطهراني أنه لم يضع له اسماً خاصاً (6)فبقي اسمه في الرد على البهائية أو في الرد على عبد البهاء،

ص: 23


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آغا بزرك الطهراني، مؤسسة إسماعيليان - قم، (ط3 - 1408ه): 133/25
2- انظر : المصدر نفسه 133/25؛ معجم المؤلفين : 163/4 ؛ معجم شعراء الشيعة : 58/14
3- طبقات أعلام الشيعة : 752/1.
4- انظر : قبيلة عالمان دین : 108
5- المصدر نفسه : 106 ، انظر طبقات أعلام الشيعة 751/10؛ معجم المؤلفين: 4/ 163؛ معجم شعراء الشيعة : 58/14
6- انظر : طبقات أعلام الشيعة : 751/1

وذكر حفيد المؤلف إن لهذه الرسالة اسماً هو (گوهر گرانبها در ردّ أتباع عبد البهاء) (1)وتُعد الرسالة الثانية التي كتبها باللغة الفارسية ولفت النظر فيها إلى الفرقة البهائية والرد عليها (2).

5 - استيضاح المراد من قول الفاضل الجواد رد به على المجاهدالشيخ محمد جواد البلاغي في قوله بعدم تنجيس المتنجس(3) وقد طبع ثلاث مرات .(4)

6 - الإيراد والإصدار : في حلّ إشكالات عويصة في بعض مسائل العلوم.(5)

7 - الأمجدية في حقيقة الضيافة الإلهية وآداب الضيافة وكيفية أداء النوافل والأدعية غير المعروفة في شهر رمضان المبارك (6)باللغة الفارسية.

8 - حلي الدهر العاطل في من أدركته من الأفاضل: مختصر في تراجم جملة أعلام أسرته وبعض من اتفق له لقاؤه من الأجلاء .(7)

9 - رسالة في الرد على «فصل القضا في عدم حجّية فقه الرضا»: وكتاب (فصل القضا) للسيد حسن الصدر الكاظمي (قدس سره) وقد دونها في كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا علیه السلام والشيخ محمد رضا له في هذه الرسالة نقد للبيانات والمعلومات التي نقلها المؤلف.(8)

ص: 24


1- مقابلة مع الشيخ هادي النجفي حفيد الشاعر : وترجمة العنوان تعني (الجوهرة الثمينة في الرد على جماعة عبد البهاء).
2- انظر : قبيلة عالمان دین: 107
3- طبقات أعلام الشيعة : 750/1 - 751
4- على قول الشيخ هادي النجفي حفيد الشاعر في مقابلة الطالبة معه.
5- طبقات أعلام الشيعة : 751/1 قبيلة عالمان دین: 105
6- قبيلة عالمان دین: 105 .
7- طبقات أعلام الشيعة : 751/1 ، انظر مصفى المقال في مصنفي علم الرجال : 179.
8- انظر: قبيلة عالمان دین: 106 ، معجم شعراء الشيعة: 58/14

10 - القبلة وهي رسالة فقهية في موارد القبلة وحدودها وأحكامها .(1)

11 - الروضة الغناء في معنى الغناء وتحديده وحكمه: وقد عرف المؤلف نفسه في هذه الرسالة باسم عبد المنعم بن عبد ربه. وينقل الشيخ عبد الرحيم الغراوي قول السيد شهاب الدين التبريزي عن هذه الرسالة إذ يقول : «وهي من أنفس ما رأيت في هذا الباب» .(2)

12 - العقد الثمين في أجوبة مسائل الشيخ شجاع الدين وهي أجوبة لعدد من المسائل الفقهية التي سأله إياها الشيخ (شجاع الدين) عالم دين مدينة (إبراهيم آباد) والتي أفتى فيها وأجاب عنها.

13 - نجعة المرتاد في شرح نجاة العباد: وهو شرح لكتاب الصلاة، من كتاب نجاة العباد لصاحب الجواهر، وقد طبع أيضاً موسوعة (تراث أصفهان) في المجلد الأول.(3)

14 - تصانيف الشيعة: والذي أخرجه من التصانيف شيء قليل كما يقول الشيخ آقا بزرك الطهراني.(4)

15 - تعريب رسالة السير والسلوك المنسوبة إلى السيد بحر العلوم.(5)

16 - حاشية في «اكر» لثاوذيسيوس: وثاوذيسوس هو أحد المهندسين والرياضيين اليونان وكتابه «اكر» عرض لتنظيم طبيعة الأجسام الكروية وللشيخ حاشية على هذا الكتاب.

ص: 25


1- انظر: المصدر نفسه : 107، طبقات أعلام الشيعة : 752/1.
2- معجم شعراء الشيعة 58/14
3- انظر: نصوص ورسائل من تراث أصفهان العلمي الخالد: مجموعة من المحققين بإشراف مجيد هادي زادة مطبعة نگارش - أصفهان ط 1 ، (1427ه- 2007م): المجلد الأول.
4- انظر المصدر نفسه : 105 ، انظر : مصفى المقال في مصنفي علم الرجال: 179.
5- قبيلة عالمان دین: 105.

17 - حاشية على كتاب روضات الجنات للخوانساري : وقد طبعت هذه الحاشية تحت عنوان (أغلاط الروضات) .(1)

18 - سقط الدر في أحكام الكر وهي رسالة فقهية حول مسألة وحجم وقدر الكر .(2)

19 - النوافج والروزنامج : مجموعة من المذكرات المتفرقة في العلوم المختلفة ابتدأ في تأليفها سنة 1325 ه.

20 - تعليقه على رسالة المحاكمة بين العلمين والرسالة من تأليف المرحوم مهدي الحكيم (قدس سره) ، وقد علق عليها الشيخ نزولاً عند رغبة المرحوم الشيخ ضياء الدين العراقي.

21 - الحواشي على الكافي وهي حواش كتبها الشيخ على كتاب الكافي الشريف في علم الحديث تأليف المرحوم ثقة الإسلام الكليني (قدس سره).(3)

22 - أنا والأيام مختصر لشرح مذكراته وأحواله باللغة العربية نزولاً عند رغبة المرحوم المدرس التبريزي صاحب ريحانة الأدب، وقد كتب في بدايتها «لقد كان قصدي كتابة رسالة مفصلة في شرح أحوالي مع الأيام» .(4)

23 - رسالة في الحكم الفقهي لاستخدام الكرامافون (مشغل الأسطوانات).

24 - الإجازة الشاملة للسيدة الفاضلة: وهي رسالة كتبها لإجازة

ص: 26


1- انظر: قبيلة عالمان دین: 105.
2- انظر: المصدر نفسه : 106.
3- انظر : قبيلة عالمان دین: 108 ، انظر : طبقات أعلام الشيعة : 752/1 - 753.
4- انظر: المصدر نفسه : 108.

السيدة (نُصرت) في الحديث عنه وقد أشاد كثيراً بهذه العالمة الجليلة ومنحها إجازة الرواية عنه عنه .(1)

ب - آثاره الأدبية

1 - دیوانه :

وهو مشهور بعنوان (ديوان أبي المجد)، ويقع في مائة وخمسين صفحة وأغلبه في الاخوانيات ومدائح لأشخاص من مدينة النجف، كان الشيخ محمد رضا يجلهم ويحترمهم وتجمعه بهم صلات ودية عميقة، كما يتضمن الديوان مقطعات في المزاح والهزل. وبالرغم من قلة نتاج هذا الشاعر قياساً بسواه من شعراء تلك المدة فقد أصبح أبو المجد ممن يرمق بعين الإكبار في المجالس الأدبية في النجف الأشرف. ومما قيل في شاعريته «شاعر له اشتغال بالفلسفة والفقه وفي شعره رقة».(2)

وقد صحب فريقاً من أعلام القريض في عصره كالسيد جعفر الحلي - وكان تخرجه عليه - والسيد إبراهيم الطباطبائي، والسيد محمد سعيد الحبوبي، والشيخ عبد الحسين الجواهري والشيخ هادي آل كاشف الغطاء، والشيخ جواد الشبيبي والشيخ محمد السماوي، وغيرهم.. وهم شعراء طبقته (3)الذين عاشرهم زمناً طويلاً ونازلهم في سائر الحلبات

ص: 27


1- وهي السيدة (نُصرت) وتلقب بأمينة وتدعى (أمينة بيكم) في أغلب المعاجم، بنت السيد محمد علي الملقب (أمين التجار) ولدت عام (1308ه) في أصبهان وبدأت الدراسة في الرابعة من عمرها، وقد أجيزت بالاجتهاد من الفقهاء الذين اختبروها، قضت حياتها في البحث والتأليف والتدريس توفيت سنة (1403ه) ودفنت في مقبرة أصبهان (تخت فولاذ)، ورفعت على مرقدها قبة يقصدها الزائرون لمكانتها في النفوس. انظر: الإجازة الشاملة للسيدة الفاضلة : توثيق في مجلة علوم الحديث مجلة نصف سنوية تُعنى بعلوم الحديث، تصدر عن كلية علوم الحديث العدد الرابع - السنة الثانية (رجب المرجب - ذو الحجة الحرام - 1419ه): 337 - 338.
2- الأعلام : 52/3 .
3- مقابلة أجرتها الباحثه مع الدكتور محمد حسين الصغير في تاريخ 2009/3/15م.

والأندية الأدبية النجفية حتى برز بينهم مرموقاً بعين الإكبار والإعجاب والتقدير، وأن شعره وشاعريته في غنى عن الإطراء والوصف إذ لا ينكر أحد مكانته بعد إن بذ كثيراً من شعراء العرب وتفوق على بعض زملائه المذكورين الذين تفرغوا للشعر فقط، فحير عقولهم وأذهل ألبابهم لبراعته في الأدب وفهمه لأسراره وإحاطته بالمفردات اللغوية إحاطة تندر عند الأدباء فضلاً عن العلماء، أضف إلى ذلك تأثره بالصفي الحلي وعشقه لأنواع البديع ولا يكاد يخلو من ذلك شيء من نظمه... وفي بعض شعره نكات أدبية قد لا ينتبه لها البعض لدقتها ،وغموضها، وكان يحمّل اللفظ معنى أكثر من قابليته والسر في ذلك يرجع إلى إحاطته بالأدب الفارسي المعروف بذلك.

وقد كان شأنه في ذلك شأن مهيار الديلمي الذي قيل فيه: «أنه نظم المعاني الفارسية في الألفاظ العربية» .(1)

والميزة التي اتفق عليها واصفو شعره التركيب العربي الذي لا تشوبه العجمة، ولا يسري إليه الضعف اللغوي الموجود في شعر كثير من أبناء الفرس فكأنه خلق عربياً في بيئته وثقافته ولم يزاول لغة أخرى .(2)

ووصف السيد عبد الستار الحسني شاعرية أبي المجد بأنها شاعرية متميزة لما تمتع به الشاعر من موهبة عالية وقدرة على اللغة وأسلوبه الذي يعكس المدرسة العباسية في المتانة والجزالة وما يضمن به شعره من نكات بلاغية عجيبة .(3)

ص: 28


1- انظر طبقات أعلام الشيعة: 749/1
2- انظر: وقاية الأذهان للعلامة آية الله النجفي الشيخ أبي المجد محمد رضا النجفي الأصبهاني ت (1362ه)؛ تح: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث مطبعة مهر - قم ط 1، (1413ه) : 31.
3- مقابلة مع العلامة السيد عبد الستار الحسني بتاريخ : 2010/2/21م : وهو من أعاجيب النجف فهو علامة وشاعر عرفه علماء النجف ومشايخها نزيل المكتبات وأليف الكتب التي لم يألف سواها في حياته مع ما اتصف به من بساطة الهيئة والمظهر ومجافاة للدنيا.

وقال عنه الخاقاني في شعراء الغري «وتفوقه في المعنى هو فهمه للأدب الفارسي الذي عرف بسعة الخيال والابتكار في المعاني فلا بدّع إذا جاءنا في شعره الذي لم يتعد كونه - لفظياً - بأسلوب اختلف فيه عن كثير من شعراء عصره»(1) .

ويذكره السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة بقوله : «له شعر عربي فائق لا يلوح عليه شيء من العجمة بالرغم من أنه نشأ مدة في بلاد العجم بعد ولادته في النجف وذلك لاختلاطه بأدباء النجف بعد عوده إليها مدة طويلة وملازمته لهم وتخرجه بهم».(2)

وعن شعره ومساجلاته يقول الشيخ هادي آل كاشف الغطاء: «له شعر رقيق ومساجلات بديعة رقيق الطبع حلو البزة والعبارة» .(3)

وقد حقق ديوان أبي المجد وطبع في قم سنة 1408ه حققه العلامة المحقق السيد أحمد الحسيني الأشكوري .(4)

2 - الروض الأريض في ماقال أو قيل فيه من القريض:

ذكره آقا بزرك الطهراني فقال : «اسم لديوان شعره العربي وهو كنز ثمين» (5)ولم يزد، كما لم نجد أي تعليق آخر في غيره من المصادر كما لم نعثر على الكتاب خلال البحث وربما كان هو الديوان نفسه الذي أسلفنا الحديث عنه.

3 - حاشية على شرح الواحدي لديوان المتنبي :

وقد قام أبو المجد بتنظيم هذه التعليقات والحواشي بين السنوات

ص: 29


1- شعراء الغري: 46/4 .
2- أعيان الشيعة : 341/10؛ معجم شعراء الشيعة: 58/14.
3- ماضي النجف وحاضرها : 214/3 (الهامش).
4- قبيلة عالمان دین: 106.
5- طبقات أعلام الشيعة : 752/1.

1354 إلى 1356(1)وصححت هذه الحاشية ليلى نجمي، وقد اطلعنا من خلال البحث على هذه الحاشية المحققة فوجدنا الشيخ محمد رضا النجفي يدافع عن المتنبي بأسلوب منطقي ويصحح ما يظن أن الكاتب قد أخطأ فيه من تفسير بيت أو عبارة وكان يلقي الحجة بحسب ما أمن به النقاد القدامى في عصر المؤلف وما قبله.

4 - السيف الصنيع لرقاب منكري علم البديع :

وهي رسالة بلاغية نقدية ناقشت قضايا نقدية أدبية طالما اهتم بها الأقدمون وعرضوها في كتبهم، وقد كتب المؤلف هذه الرسالة رداً على أسئلة قدمها له الشيخ هادي آل كاشف الغطاء على أثر قصيدة كتبها الشاعر أبو المجد - سيرد الحديث عنها لاحقاً - وقد أنهى المؤلف كتابتها عام 1324 ه (2)وقد وصف آقا بزرك هذا الكتاب بأنه (كتاب نفيس) (3)وقد حقق الكتاب الشيخ مجيد هادي زاده وعنيت بطبعه المكتبة الأدبية المختصة في قم المقدسة في ربيع الآخر عام 1427ه.

5 - أداء المفروض من شرح أرجوزة العروض :

والأرجوزة لصديقه العلامة الشيخ ميرزا مصطفى التبريزي وهي في علم العروض والقوافي(4) ، وقد حقق الكتاب الشيخ مجيد هادي زاده أيضاً وعنيت بطبعه كذلك المكتبة الأدبية المختصة في شهر رمضان المبارك - 1428ه.

ص: 30


1- قبيلة عالمان دین: 105.
2- قبيلة عالمان دین: 105.
3- طبقات أعلام الشيعة: 752/1.
4- المصدر نفسه : 1/ 750؛ انظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة آغا بزرك الطهراني (ت 1389ه) ، دار الأضواء - بيروت - ط 2 ، (1403ه) : 46/11 (مكتبة أهل البيت - قرص مضغوط)؛ انظر : معجم شعراء الشيعة: 58/14.

الدراسة الموضوعية

(أغراض شعره)

ص: 31

ص: 32

الفصل الأول:مدخل

اشارة

لا بدّ لنا قبل أن ندرس موضوعات الديوان أن نشير إلى أن أبا المجد هو ابن البيئة النجفية التي غلبت عليها الصبغة العلمية والدينية، كما إن شعراء تلك الحقبة لم يفارقوا النظم بالطريقة القديمة ولم يدخل التجديد شعرهم (1)لأنه لم يدخل حياتهم أصلاً.

وقد امتاز التيار الأدبي في العراق بصورة عامة في ذلك الآن عن سواه بوحدة الثقافة العامة والمعرفة الأدبية، فأغلب الأدباء هم من طلاب المساجد والمعاهد الدينية تأثروا بتيارات تكاد تكون واحدة .(2)

وإذا كان الشيخ محمد رضا - أبو المجد - من أصل فارسي فهذا لا يعني أنه سار على تقاليد الشعر الفارسي دون الأدب العربي بل على

العكس من ذلك، فقد احتضنته النجف كما «ضمّت إلى صدرها من شعوب الأرض أبناء أرضعتهم خير ما ترضع أم بنيها علماً وأدباً وطرائق حياة» .(3)

ص: 33


1- شعر السيد رضا الهندي (1837 - 1943م) دراسة في الفن والموضوع: ظاهر محسن جاسم رسالة ماجستير (جامعة الكوفة - كلية الآداب) (1428ه - 2007م): 14.
2- انظر في الأدب العربي الحديث بحوث ومقالات نقدية : د. يوسف عز الدين، الهيئة المصرية العامة المكتبة العربية - القاهرة (1393ه - 1973م): 15.
3- حركة الشعر في النجف الأشرف وأطواره خلال القرن الرابع عشر الهجري : د. عبد الصاحب الموسوي، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1 ، (1408 ه - 1988م) : 63.

وهذه العوامل جميعها أثرت في انسجام الشاعر مع محيطه الثقافي وكانت موضوعات شعره غالباً لها علاقة بالبيئة النجفية من شعر المناسبات الدينية والشخصية من تهنئة بزواج صديق أو رثاء أهل البيت الأطهار أو أحد الفضلاء أو مدح أحد العلماء ومراسلة الإخوان والأصدقاء وما يتخلل هذه القصائد من مقدمات غزلية وما شابه، فهي تكاد تكون الأغراض العربية التقليدية نفسها (أخوانيات، مدح، هجاء، رثاء، غزل... الخ) وسنتناول دراسة هذه الأغراض بحسب وفرتها في الديوان ونبدأ بدراسة الاخوانيات.

ص: 34

المبحث الأول

1 - الاخوانيات:

غرض شعري يتصل بالعلاقات الاجتماعية الفردية ومناسباتها ويمكن أن يطلق عليه شعر المودّة والصداقة الذي يقوّي التواصل بين الأصدقاء والأقارب وكثيراً ما يقوم مقام الرسائل النثرية التي تكتب في مناسبات كثيرة، بل يرجع أحد الباحثين أصل هذا الشعر إلى الرسائل الاخوانية التي يتبادلها الأدباء، ثم تطوّر وضمّ تحته أنواعاً أخرى من

الاخوانيات مثل: التهاني والمساجلات والمراسلات والمفاكهات .(1)

ولقد كثر شعر الاخوانيات في القرن التاسع عشر حتى أصبح ظاهرة عللها الدكتور رضا محسن القريشي بتوقف الشعراء عن طرق أبواب الحكام خصوصاً الأعاجم ممن حكم البلاد العربية فانشغل الشعراء بمطارحات ومفاكهات ومطايبات في رسائل أو مجالس حتى غني الشعر العربي بهذا اللون من الشعر .(2)

ص: 35


1- انظر الأدب العربي في العصر الوسيط د. ناظم رشيد دار الكتب للطباعة والنشر - جامعة الموصل (1992م) :91 ، المعجم الأدبي : جبور عبد النور، دار العلم للملايين 91، ط 1، (1979م): 9.
2- انظر الموشحات العراقية منذ نشأتها إلى نهاية القرن التاسع عشر: منشورات وزارة الثقافة والإعلام - الجمهورية العراقية (1981م - 1402ه) : 262 .

ونحن نتفق جزئياً مع هذا الرأي فتوقف بعض الشعراء عن مدح الحكام كان بسبب ضعف هذه الحكومات أولاً وقلة اهتمامها بالشعر العربي، ومع ذلك فنحن نجد العديد من الشعراء في هذه الفترة وما تلاها قد مدح الحكام أو رجال الدولة أو بعض الموظفين المهمين فيها.

وقد فسّر الباحث ظاهر محسن جاسم هذه الظاهرة بركود العصر واقتصار علاقاته وحوادثه على الحوادث والعلاقات الفردية في النطاق الاجتماعي الضيق، لذا كانت تلك العلاقات تحتم على الأديب أن يسهم في تزيينها بالشعر مواكباً لمناسباتها التي غالباً ما تحدث مفاجئة.(1)

وقد تغلغل هذا الركود إلى كل مفاصل الحياة والثقافة ومنها الشعر طبعاً الذي أصبح يقال في كل مناسبة مهمة أو تافهة.

وقد عالج أبو المجد في ديوانه أغراضاً اخوانية أكثر من غيرها، وكان أكثر من راسل وخاطب في شعره وجوه علماء آل كاشف الغطاء وجماعة من شعراء عصره ممن كانت تربطه بهم صلات ودية ومساجلات شعرية. ويمكن أن نضع تحت عنوان الاخوانيات عدة أقسام من الشعر هي:

أ - المراسلات.

ب - التهاني.

ج - التقريض.

د - الممازحة.

ه - العتاب.

وسيعالجها البحث قسماً فقسماً ..

ص: 36


1- انظر : شعر السيد رضا الهندي: 77.

أ - شعر المراسلات

وللشيخ محمد رضا مراسلات عديدة بينه وبين أخدانه من فقهاء عصره كالشيخ هادي آل كاشف الغطاء (1)والأديب أبي المحاسن الشيخ حسن الحائري(2) والشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء(3) والشيخ مصطفى التبريزي(4)وقد حصلنا على مجموعة من هذه المراسلات المخطوطة، وأغلب شعر أبي المجد هو من هذا القسم(5) ومنه قوله وقد

أرسلها إلى خله الشيخ مصطفى التبريزي من كربلاء (بحر البسيط) :

استودع الله من سارت ركائبهم***من الطفوف إلى أرض الحمى تخدُ (6)

ساروا ولو علموا ماذا أكابده***من بعدهم قط ما شطوا وما بعدوا

وغادروا صبهم من بعد فرقتهم***يعتاده المشجيان الهم والكمد

إن يسألوا عن محب بات بعدهم***بليل من عاث في أجفانه الرمد

لم يبق غير أنين واسمه نفس***يجري بمثل خيال واسمه جسد

قد كان من قبل ذا صبر وذا جلدٍ***وأصبح اليوم لا صبر ولا جلدٌ

يا طرف حتى م تذري الدمع بعدهم***قد أسهروك ولكن عنك قد رقدوا

ولو رضوا بالذي طرفي يكابده***من بعدهم هان ما يلقى وما يجد(7)

وقد بدأ الشاعر قصيدته بذكر الوداع لأحبته حيث رحلوا عنه وتركوه يعاني شدة الشوق والأسى الذي أضناه وصيّر جسده ناحلاً وجفنه ذابلاً ،

ص: 37


1- انظر ماضي النجف وحاضرها 214/3 ، انظر شعراء الغري: 360/12 .
2- انظر : الحصون المنيعة : 307/2
3- انظر: تتمة العبقات العنبرية (مخطوطة غير مرقمة).
4- انظر: أدب ألطف أو شعراء الحسين : جواد ،شبر، دار الطباعة اللبنانية - بيروت (1397 ه - 1977م): 329/8
5- انظر: الحصون المنيعة : 533/3 ، شعراء الغري: 43/4 .
6- تخد: تسرع في المشي.
7- ديوان أبي المجد الشيخ محمد رضا النجفي الأصفهاني، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مطبعة الخيام - قم ط 1 (1408ه) : 55 - 56 .

ويسطر الشاعر معالم شوقه بأسلوب سردي لطريقة سير أحبته وكيف أصبح حاله بعد فراقهم وإنما أراد من الأبيات الثمانية التي ذكرت أن يقول إنه مشتاق إليهم وحزين لبعدهم عنه ولا نشك في مصداقية الشاعر في هذه الأحاسيس وهذا ما نستشعره من الموسيقى الحزينة لأبياته كما نرى ذلك جليّاً في قوله :

ساروا ولو علموا ماذا أكابده...

إلا أن الشاعر قد بالغ كثيراً في وصف هذه المشاعر حتى ذكرنا بالغزل العذري حيث يشير الشاعر إلى لوعة صادقة وهوى عفيف(1) ، وهذا عبر عنه الدكتور علي عباس علوان بفقدان الأصالة حيث تسود قيم الفترات التاريخية السابقة ومواصفاتها على قيم العصر الحاضر .(2)

ونرى إن هذا الحكم قاس - نوعاً ما - لأن أدب هذه الحقبة جاء بعد عصر من الظلمة والركود والانحطاط وإنما كان الشعراء يتمثلون أدب الأقدمين رغبة منهم للرقي إلى مستواهم وهذه نقطة الانطلاق لنهضة أدب أي أمة وهذا ما حصل فعلاً في أدبنا العربي.

والشاعر قد بالغ كثيراً في مشاعره فكان فراق الأحبة - صديقه المخصوص بالقصيدة - مدعاة لسهره حتى أصبح كمن أصيب بالرمد فلا يستطيع النوم، وقد أشرف على الهلاك ولم يبق منه غير نفس عبّر عنه بالأنين وجسد نحيل عبّر عنه بالخيال بقوله :

لم يبق غير أنين واسمه نفس***يجري بمثل خيال واسمه جسد (3)

ص: 38


1- انظر دراسات في الأدب العربي د. باقر عبد الغني مطبعة العاني - بغداد ط 1 ، (1976م): 130.
2- انظر : تطور الشعر العربي الحديث في العراق اتجاهات الرؤيا وجماليات النسيج: د. علي عباس ،علوان منشورات وزارة الثقافة والإعلام - الجمهورية العراقية (1975م): 59.
3- ديوان أبي المجد: 56.

وقد علل الدكتور علي عباس علوان ظاهرة الغلو والمبالغة في هذا العصر بضيق الأفق والبعد بين مثالية الفرد وواقعه حتى غدت أتفه الأشياء وأبسطها عظيمة ورائعة .(1)

والحقيقة أن هذه الأبيات شطت عن الغرض الأصلي الذي قيلت فيه فبدت كأنها نسيب لا شعر إخواني أرسله إلى صديقه وما جعله قريباً من النسيب هو هذا الغلو والمبالغة في التعبير.

وقد يتضمن شعر المراسلات أموراً أخرى غير وصف شدة الشوق، هو وصف الحال الفعلي للإنسان كقوله في أبيات أرسلها إلى صديقه الشيخ هادي ابن الشيخ عباس آل كاشف الغطاء قائلاً (من بحر الكامل):

قلبي إليك أبا الرضا يشكو الذي***أضحى يقاسيه من الأيام

ترك الصبابة لا يُقاد إلى الهوى***بدلال جاريةٍ وغُنج غلام

ويقول ضجراً للمسرة ليس ذا***وقت الزيارة فارجعي بسلام

ما كنت أعباً في وصال صروفها***لولم تعنه قطيعة الأرحام

کم مرهف ماضي الشبا أعددته** منهم لحرب للزمان ذوام(2)

ولكم هزمت جيوشها من معشري***بمجرب في الروع غير كَهام (3)

لما رأتني زرتها في جحفل***بكرائم للخيل تحت كرام

ألقيت من يدي السلاح مسالماً***لما رمتني في نصول سهامي

فقطيعة الأخوال كالأعمام يا***ما أشبه الأخوال بالأعمام (4)

والأبيات مشجية تعبّر عن لوعة صادقة ونبرة حزينة فالشاعر حين قدّم كلمة (قلبي) إنما أظهر أنه أول شكواه ومصدرها فهو الذي يشكو لا

ص: 39


1- انظر تطور الشعر العربي الحديث في العراق : 48.
2- الحرب الذؤام: المكروهة المحقرة.
3- الكهام - بفتح الكاف : الكليل البطيء.
4- دیوان أبي المجد: 120.

صاحبه - أبو المجد - فالشاعر متألم من قطيعة أرحامه، ومتأسف لأنه يسعى لتحصيل المجد لهم وهم مشغولون بأذيته، والصورة التي رسمها الشاعر في زيارته لأقربائه بجيش من الخيل والرجال دلالة على عزّته ومنعته وما هذه الصورة إلا إطار لمعنى أراد أن يقوله الشاعر وهو أنه مكسب ومغنم لعشيرته ولعزته ولكن عشيرته لا تعبأ بهذا المكسب كل هذا عبارة عن بث أشجان النفس لصديق من خلال قصيدة مرسلة إليه فصل فيها الشاعر حاله وسبب آلامه صراحة.

ومن شعر المراسلات أيضاً المقطعات التي تحمل السلام للإخوة والأصدقاء، ومن ذلك ما أرسله الشيخ إلى ابن خاله السيد محمد مهدي نجل العلامة السيد إسماعيل الصدر قائلاً (من بحر الطويل):

أيا راكباً زيافة شدنيةً***تقد الفيافي بالرسيم وبالوخد (1)

تحمّل هداك الله مني تحيةً***تبلغها عني إلى السيد المهدي

فتى فاق في الفضل المشايخ يافعاً***وحاز المعالي وهو في دارة المهد(2)

والأبيات بسيطة واضحة فالشاعر يطلب من المسافر الذي يقطع الأرض بناقته أن ي السلام والتحية منه إلى ابن خاله السيد مهدي ثم يمدحه ببيت كأنه يعرف عنه الرسول فيقول إنه من فاق في مجده الأكابر من العلماء وما حاز على المعالي مذ كان طفلاً في المهد.

وتبدو المبالغة واضحة في هذه البيت الأخير حيث يصف ابن خاله بأنه حاز المعالي وهو لما يزل في المهد وهذا أمر مشكوك في صحته

ص: 40


1- الزيافة : الإبل المسرعة في تمايل وشدن موضع باليمن والإبل الشدنية منسوبة إليه، أما الرسيم فهو من رسمت الناقة عدت عدواً وأثرت في الأرض من شدة الوطء، والوخد: من وخد البعير أسرع ووسع الخطو. (انظر: المعجم الوسيط إبراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيات، حامد عبد القادر محمد علي النجار؛ مجمع اللغة العربية - دار الدعوة - تركيا : 344/1، 1018/2).
2- ديوان أبي المجد: 56.

طبعاً..! والديوان يحوي العديد من القصائد المكتوبة للغرض نفسه - المراسلة - (1)وقد تكون القصيدة المرسلة غزلاً محضاً كالتي راسل بها الأديب السيد علي العلاق(2) ومنها (من الكامل المذيل):

ببدائعي نظماً ونثراً***حلیت منك فماً ونحرا

وكنزت شعري في الجفو***ن فخاله الراؤون سحرا

هل صيغ من قلبي الخفو***ق لك الرعات فما استقرا(3)

اصببت مني الدمع درًّا***فنظمتها عقداً وثغرا

وسهام لحظ قد برت***جسدي وعهدي السهم يبرى

دع يا عذول ملامتي***في مثله من لام أغرى(4)

والغريب في هذه القصيدة أن الشاعر لم يستهلها بذكر شخص الحبيبة أو أوصافها إنما بدأها مفتخراً بشعره ونثره متغزلاً بها وسماها (بدائعي)، ثم إن هذه البدائع هي التي جمّلت فم المحبوب ونحره وأن شعره الذي كنزه في عيون حبيبته حتى تخيل الناس إن عيون المحبوب ساحرة.

ونظن إن هذه الالتفاتة جديدة من نوعها إذ إن ذات الشاعر قد انصهرت في ذات محبوبه فزيّن أحدهما الآخر.

ص: 41


1- انظر: المصدر نفسه : 41، 4 ، 57 ، 68، 89، 90 ، 93، 98 ، 99، 105، 106، ،109 ،111 ،132 ،143 .
2- علي العلاق (1293 - 1344ه) : أديب كبير وشاعر معروف وفاضل مطلّع ولد في النجف ونشأ فيها، وقد انتشرت أخباره وكثرت مع الشعراء الذين عرف بمصافاته لهم وأخصهم هو الشيخ محمد رضا الأصفهاني، توفي في النجف ودفن في أحد إيوانات الصحن الحيدري الشريف (انظر: شعراء الغري: 318/6 - 319).
3- الرعاث : هو القرط أو أي شيء من الخرز والحلي (انظر العين: 107/1، الموسوعة الشعرية الكاملة).
4- ديوان أبي المجد 71 - 72

ولكن هذا التجديد لم يستمر إذ سرعان ما يعود الشاعر إلى غزله التقليدي حين يذكر سهام اللحظ التي برت جسده ويذكر العاذل ثم يذكر مغامرته العاطفية ويتنصل منها آخر القصيدة بقوله :

ظن الغيور وأنه***بعفاف بردي كان أدرى

وأطعت نهيَّا للتقى***وعصيت للشهوات أمرا (1)

وأرجح إن هذه القصيدة لم تكتب لغرض المراسلة أصلاً إلا أنها أرسلت من باب تبادل الشعراء لنتاجهم أو من باب المجاملة الإخوانية.

ب - التهاني

لقد انتشر شعر التهاني في هذه الحقبة وكثر ذكر الغزل والخمر فيه، ويعلل الدكتور محمد حسن علي مجيد هذه الظاهرة بشعور الناس بالفراغ واتجاههم إلى ما يلهيهم ويشغل أوقاتهم المملة .(2)

بالفعل لم يكن الناس يعانون كثرة المشاغل كما يعاني مجتمعنا اليوم ولم تدخل التكنولوجيا حياتهم البسيطة ولا يمكن أن نغفل أثر النوادي والمجالس الأدبية التي كانت تعقد في مدينة النجف الأشرف، فقد كان للأسر العلمية الكبيرة نوادٍ يتطارح روّادها الشعر وقضاياه والعلم ومسائله ومن أشهر رجال تلك المجالس أكابر الأدباء في ذلك العصر أمثال : السيد محمد سعيد الحبوبي والشيخ جواد الشبيبي، والسيد جعفر الحلي والسيد علي العلاق، والشيخ عبد الحسين الجواهري والشيخ

ص: 42


1- ديوان أبي المجد 73
2- انظر أثر البيئة في أدب المدن العراقية في القرن التاسع عشر : المكتبة العصرية - بغداد (1998م): 74.

هادي آل كاشف الغطاء والسيد رضا الهندي وشاعرنا أبي المجد النجفي الأصفهاني (1)وغيرهم...

فمن الطبيعي إذن في اجتماع هذه الثلة من الشعراء أن يكون الشعر شغلهم الشاغل يزينون به كل حادثة ويرفقونه مع كل صغيرة وكبيرة..

يضاف إلى ذلك الاحتفالات الشعرية العامة التي تقام في الأعراس وعند عودة الحجيج إلى أرض الوطن أو في الاحتفالات الدينية، وكانت محافل الإنشاد ومواسم الشعر في أيام الأفراح والأحزان تشجع على نظم الشعر وتدفع الشعراء على الاستمرار والصعود .(2)

إذن فما دام هناك مجالس أدبية واحتفالات شعرية تقام في بيوتات عريقة من النجف فلا بد إذن من وجود قصائد التهاني خصوصاً لأصحاب هذه المجالس وروادها في مناسباتهم الشخصية.

ففي عرس الشيخ كاظم ابن الشيخ موسى آل كاشف الغطاء - وقد تزوج كريمة عمه الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا عام 1324 ه - عقد مهرجان أدبي تبارى فيه الشعراء وتسابقوا لتهنئة الأسرة، وقد حضر المجلس كبار العلماء وأهل الفضل ووجوه النجف، وقد ألقى أبو المجد في أحد أيام مجلس التهنئة قصيدة نالت إعجاباً واستحساناً من الحاضرين تقع في 68 بيتاً واشتهرت فيما بعد ب__(التنصر)(3) ومنها (من مخلع البسيط)

ص: 43


1- انظر : حركة الشعر في النجف الأشرف : 117 - 118 ، انظر: الأدب النجفي ومؤسساته : طالب علي الشرقي مؤسسة التراث النجفي - العراق - النجف الأشرف (1427ه - 2007م): 16.
2- الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر : إبراهيم الوائلي، مطبعة العاني - بغداد (1381ه - 1961م): 112.
3- انظر في الأدب النجفي قضايا ورجال : 256 - 258 انظر : معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء : 52 - 53 .

قلبي بشرع الهوى تنصّر***شوقاً إلى خصره المزنّر(1)

كنيسة تلك أم كناس(2)***وغلمة أم قطيع جؤذر(3)

وکم بهم من مليك حسن***جار على الناس إذ تأمر

له بأجفانه جنود***تظفر بالفتح حين تكسر(4)

ويعلق السيد عبد الستار الحسني على هذا البيت بقوله : «هذا معنى طريف آخذ من البديع بأوفى نصيب وفي معناه قول صديق أبي المجد، العلامة السيد رضا الهندي (1290 - 1362ه) (من البحر المتقارب):

غَزا مهجتي بصفاح اللحاظ***ولوعٌ بظلمي لا يصفحُ

ولم أر من قبل أجفانه***جنوداً إذا انكسرت تفتحُ

والظاهر أن السيد رضا الهندي أخذ هذا المعنى من الشيخ أبي المجد، لأنه ضمّن له في قصيدة قالها في مدح صديقه أبي المجد بيتاً من أبيات هذهِ القصيدة وأشار إلى أنه أخذه منها وكان معجباً بجملة أبياتها مما يدل على سبق أبي المجد في هذا المعنى(5). وإذ تأخذ القصيدة طريقها إلى الأسماع ينبري لها جماعة من الشعراء فيجارونها في الوزن دون القافية فيكتب الشيخ مصطفى التبريزي قصيدة مطلعها :

سبحان من صاغه وكوّن***من غصنه وردة وسوسن (6)

ص: 44


1- مزنّر : الزنار والزنارة ما يلبسه الذمي يشده على وسطه (لسان العرب: 330/4).
2- کناس موضع من الشجر يكتن فيه وسكن الظبي (لسان العرب : 198/6).
3- غلمة جمع غلام و أغلمة وغلمان مثلها جؤذر ولد البقرة الوحشية (لسان العرب: 144/4) .
4- ديوان أبي المجد 76 - 77 :
5- ديوان أبي المجد نسخة صححها وعلق عليها السيد عبد الستار الحسني: 77.
6- انظر كشكول الشيخ محمد إسماعيل ابن الشيخ محمد باقر ابن الشيخ محمد تقي : صاحب الحاشية - ابن عم الشيخ أبي المجد النجفي - : مخطوطة اهتم بها الشيخ هادي النجفي، انظر شعراء الغري: 342/11.

وقد ذكر صاحب شعراء الغري في ترجمة الشيخ مصطفى التبريزي أنه قد عارض بقصيدته هذه قصيدة الشيخ السماوي بالمناسبة نفسها.(1) إلا أنه في ترجمة الشيخ محمد السماوي يذكر أنه بارى قصيدة الشيخ محمد رضا الأصفهاني بقصيدتين أولاهما مطلعهما :

تعذّر الصبر إذ تعذر***اغن أحوى الجفون أحور

والثانية مطلعها :

وجهك في حسنه تفنن***أنبت فوق الشقيق سوسن(2)

وأرجح القول الثاني إذ إن قصيدة الشيخ أبي المجد (التنصّر) حازت إعجاب الجمهور وأصبحت مدار مباراة الشعراء كما تؤكد ذلك المصادر التي ذكرت الحادثة .(3)

ومما يؤكد ذلك أيضاً تقريض الشيخ محمد رضا الشبيبي قصيدتي الشيخ السماوي فقال في الأولى:

«وحيث إن محمد رضا - يقصد الأصفهاني - زخرف رسم هذا الفن فأعاده قصراً، وأوضح سنة البديع الدريسة فمنها واليها بشيعة الكمال یسری اقتدی به اقتدی به محمدها بن الطاهر عادلاً عن عجرفة البداوة ....» .(4)

كما قال في الثانية :

«نظم قدوة الخلق الرضا - قصد أبا المجد - على المخلع، اقتدى به فحول الأدباء أجمع، ومالت طباعهم إلى البحر والمسلك المستجد، فجدّوا لتمرين قرايحهم على مسلكه السهل ومن جد وجد، تخلّع طبع

ص: 45


1- انظر شعراء الغري: 342/11.
2- انظر المصدر نفسه 501/10، 488
3- انظر إحدى رسائل الشيخ محمد رضا الأصفهاني ذكر فيها أمر العرس والقصيدة وذكر قصيدة الشيخ السماوي انظر في الأدب النجفي قضايا ورجال: 257.
4- شعراء الغري: 491/10.

الكامل الفاضل والوقور الذي يخف لحلمه الجبل المتطاول محمد الاسم والذات خلف الطاهر ذي المكرمات» .(1)

وربما يعترض معترض على رأينا بأن قصيدة التنصر هي الأصل لكل المعارضات، فيقول إنه ربما عارض الشيخ محمد السماوي قصيدة الشيخ محمد رضا بقصيدته ثم عارض الشيخ مصطفى التبريزي قصيدة السماوي، إلا إننا نقول إن الأصل بالمعارضة أولى فيكون الأرجح إن قصيدة الشيخ التبريزي معارضة لقصيدة الشيخ الأصفهاني، كما إن هناك أمراً لافتاً لا بدّ أن نشير إليه هو أن الشيخ محمد السماوي مدح في قصيدته الشيخ علي آل کاشف الغطاء صاحب الحصون وعرج على مدح الشيخ أبي المجد والشيخ مصطفى التبريزي .(2)

وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن القصيدتين - قصيدة أبي المجد وقصيدة مصطفى التبريزي - قد كتبتا قبل قصيدة الشيخ السماوي..

وممن عارض قصيدة التنصر من الشعراء أيضاً الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة مطلعها :

قلبي بشرع الغرام أسلم***مذظنني من هواه أسلم

والشيخ مرتضى آل ياسين (3)بقوله :

قلبي بشرع الهوى تعلّق***مذفيه غصن الغرام أورق

ص: 46


1- شعراء الغري: 503/10 .
2- انظر: المصدر نفسه : 503/10
3- الشيخ مرتضى آل ياسين من مشاهير العلماء ومراجع الدين أديب كبير وشاعر رقيق ولد في الكاظمية عام 1311ه، وهاجر إلى النجف وبقي فيها زمناً طويلاً وحضر حلقات أشهر المدرسين من زعماء الدين ورجع إلى مسقط رأسه فاستقى من ينبوعه فريق من أفاضل الكاظمية وبغداد انظر شعراء الغري: 255/11 - 256 .

والشيخ راضي آل ياسين بقوله :

قلبي بشرع الهوى تعبّد***شوقاً إلى خدّه المورّد (1)

ويشارك السيد علي الصدر بقصيدة مطلعها :

قلبي بشرع الهوى تعذّب***بحب ساجي اللحاظ اشنب(2)

وعلى أثر اشتهار قصيدة (التنصر) بعث الشيخ هادي آل كاشف الغطاء إلى الشيخ محمد رضا النجفي رسالة أثار فيها بعض آرائه في البلاغة والنقد الأدبي فكتب الشيخ النجفي رسالة (السيف الصنيع على رقاب منكري علم البديع) التي بيّن فيها آراءه في البلاغة ثم شرح رسالة كاشف الغطاء في مختتم البحث المذكور .(3)

ومن حكايات شهرة هذه القصيدة أن الأمير خزعل (4)كان يترنم بهذه القصيدة (قلبي بشرع الهوى تنصّر) وهو يحتسي الخمر فيقول : من الذي قال هذا الشعر فيقال له الأصفهاني فيقول : (ومن أين للأصفهاني أن يقولها) إعجاباً منه بها .(5)

ونعود إلى مدار بحثنا وهو قصيدة ،التهنئة وتقع في ثمان وستين

ص: 47


1- في الأدب النجفي قضايا ورجال: 256.
2- المصدر نفسه 257 والشنب رقة وعذوبة وبرد في الأسنان وقيل بياض في الأسنان (لسان العرب : 1/5)
3- انظر: السيف الصنيع على رقاب منكري علم البديع الشيخ محمد رضا النجفي الأصفهاني، تحقيق: مجيد هادي زادة المكتبة الأدبية المختصة (مطبعة ستارة - قم) ط 1 ، (1427ه): 40 - 41.
4- الشيخ خزعل بن جابر الكعبي (1863 - 1936م) حاكم المحمرة والأحواز في عربستان خلال المدة من (1897 - 1925م) وآخر أمرائها توفي بعد أن أسرته إيران عام 1925م - أبوه الشيخ جابر بن مرداو يوسف الكعبي هزم الفرس في معارك عديدة وكان سياسياً محنكاً وأميراً ذا سطوة وجاه لدى العشائر وحظوة لدى الانكليز. انظر: خزعل الكعبي : ويكيبيديا الموسوعة الحرة - شبكة الانترنيت.
5- نقل القصة الشيخ هادي النجفي حفيد الشاعر عند لقاء الباحثة به.

(68) بيتاً ووزنها الراقص (مخلع البسيط) يشي بمناسبة الفرح والعرس التي قيلت فيها القصيدة التي ابتدأها الشاعر متغزلاً واستمر إلى أربعين بيتاً ثم تخلص بواسطة الشيب إلى التهنئة بقوله :

أقبل صبح المشيب نحوي***يسعى وعصر الشباب أدبر

مذ كاد غصن الشباب يذوي***بعرس فرع الكرام أثمر

عرس به الهم عاد يطوي***لا بل به الميت كاد ينشر

عرس فتى أبهر البرايا***في حسني منظر ومخبر

أنهى إلى عمه علي***حدیث مجد له ومفخر

وما روى للعلا علي***أصح أخبارها وأشهر

عن الرضا عن أبيه موسی***مسلسلاً عن أبيه جعفر

يشتق فعل الجميل منه***وهو لفعل الجميل مصدر(1)

والشاعر بعد مقدمته الغزلية الطويلة يدخل في غرضه الأساس فيصف هذا العرس الذي أسعد الخلق وأبهر البرايا وأعاد للشيوخ شبابها فقد أزال هذا الفرح كل الهموم التي قد تكون موجودة حتى أنه ليشعر إن الأموات ستخرج من قبورها فرحاً وبهجة، وبعد ذكر المناسبة يبدأ بمدح صاحب العرس وأسرته المعروفة حتى أنه ليسلسل آباءه ذاكراً أمجادهم العلمية وسيرتهم الحسنة وخصوصاً كبير العائلة في زمانه عم العريس الشيخ علي آل كاشف الغطاء صاحب الحصون المنيعة، فهو يمدح الشيخ كاظم بكل حسن وينفي عنه كل سيئ حتى جعله مصدراً لفعل الجميل والفعل يشتق من المصدر كما هو معلوم.

ثم يختم الشاعر قصيدته بوصفها حسناء جميلة أهداها الشاعر إلى الشيخ كاظم آل كاشف الغطاء فهو يقول:

خذها أبا أحمد فتاة***جاءت لفرط الحيا تعثّر

ص: 48


1- ديوان أبي المجد : 79.

من قاصر مدحه علیکم***وإن يكن في المديح قصّر(1)

وله في الموضوع نفسه وللأسرة نفسها مسمط(2) للتهنئة بالعرس نفسه أيضاً بدأها بمقدمة في الخمر ومطلعها :

بدر يطوف بكوكب***يرمي به مارد الهم

في الكأس نار تلّهب***أم تلك نور تجسّم(3)

فهو كعادة الشعراء يصف مجلس الشراب ويبدؤه بوصف الكأس وما فيها فيمثلها بالبدر والكوكب الذي يقذف المارد كلما اقترب من السماء.. إلى أن يصل إلى مقاطع التهنئة فيقول :

أنساً بعرس ابن موسى***أحيى السرور نفوسا

فلیس تعرف بوسا***وبإلهنا تتقلب

وبالمسرة تنعم

روی حديث المعالي***عن خیر عم وخال

بجمع خير خصال***قد فاق بالجد والأب

بالفضل مذ خصّه عم(4)

فالشاعر هنا يصف الهناء والسعادة اللذين خلفهما هذا العرس، حتى لا تعرف النفوس البؤس بعده وتتقلب في السرور ،والنعمة ثم يشرع في مدح (العريس) وأسرته وما لأبيه وعمه وخاله من مجد وشرف حتى فاق هذا الممدوح من سبقه بما حباه عمه من رعاية.

وللشاعر قصيدة أخرى في هذا الغرض هنأ بها صديقه الشيخ

ص: 49


1- المصدر نفسه : 80.
2- المسمط هو أن يبتدئ الشاعر ببيت مصرع، ثم يأتي بأربعة أقسمة على غير قافيته، ثم يعيد قسماً واحداً من جنس ما ابتدأ به، وهكذا إلى آخر القصيدة (العمدة: 57/1 - المكتبة الشاملة).
3- دیوان أبي المجد : 127.
4- دیوان أبي المجد: 130.

مصطفى التبريزي بمولود له وأرخ بها عام ولادته كما كناه بأبي القاسم ومنها (من بحر السريع):

أما لشرع الحب من حاكم***ينصفني من طرفه الظالم

وسنانه طول الدجى نائم***ويلي على وسنانه النائم

يا عاذلي في حب ذاك الرشا***رفقاً بسمع المدنف الهائم(1)

فهو على عادته يبدأ القصيدة متغزلاً متظلماً من قسوة المحبوب معرضاً عن كلام العذال حتى يتحول هذا التظلم إلى شكوى من الدهر بقوله :

أشكو إلى الدهر الذي نابني***لو كنت أشكوه إلى راحم

فكم أحاطت بي صروف له***إحاطة الفضة بالخاتم

صبري إذا حاربت أيامه***درعي ونصر المصطفى صارمي(2)

ها هو يتحول إلى ذكر صديقه الشيخ مصطفى الذي ينصره عند حرب الدهر حتى صار له كالسيف المجرب ومن هذا الباب بدأ بمدحه ثم تهنئته بقوله :

بشراك بل بشراي في نجلك الزّ***اكي المكنى بأبي القاسم

وسوف هذا الغصن ينمو ويب__***قى ثامراً في ظلك الدائم

بالمكسي المطعام يدعى ولا***ينبز بالكاسي ولا الطاعم

يجلس في دست العلا نائباً***للحجة المنتظر القائم(3)

وألفاظ الشاعر والموسيقى التي نشهدها في أبياته تدل على تعاطف الشاعر صديقه وفرحه له بهذا المولود وهذا يتضح في قوله (بشراك بل بشراي) فهو يبشر صديقه ثم يستدرك ليبشر نفسه للعلاقة الحميمة التي

ص: 50


1- المصدر نفسه : 121 - 122.
2- المصدر نفسه : 122.
3- المصدر نفسه : 122.

تربطهما ثم يبدو كأنه يستشرف غد هذا المولود فيقول إنه سيكون من الأشراف وسيكون عالماً حائزاً على شرف نيابة الإمام القائم (عجل الله فرجه) وربما تكون هذه الكلمات في معرض التمني والدعاء لهذا الولد أو يمكن عدها من باب المبالغة والادعاء.

ج - التقريض

القرض في (الصحاح) : قول الشعر خاصة ويقال : قرض الشعر أقرضه إذا قلته والشعر قريض.

والتقريض مثل التقريظ : يقال فلان يقرض صاحبه إذا مدحه مدحه أو ذمّه، وهما يتقارضان الخير والشر.(1)

فالتقريض يعني أن يصف الشاعر كتاباً أو ديوان شعر أو قصيدة بكلام حسن شعراً أو نثراً والغالب شعراً.

وقد أبدى الدكتور علي عباس علوان برمه من كثرة وجود هذه الأشعار في دواوين شعراء القرن التاسع عشر وقال: إنها «تجعل قراءة ديوان الشاعر عملية منفردة تبعث على الخمول والضيق» .(2)

وهو محق في ذلك إلا أن وجود هذه الظاهرة أمر يمكن تسويغه بالفراغ الذي كان يعيشه الشاعر وإن طبيعة الحياة وظروفها آنذاك تحتم عليه أن يقع في هذا المطب.

ولكون النجف مدينة علمية نشطت فيها البحوث الشيعية على مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وما لبيئتها من صفات مؤثرة في تفتح الأذهان

ص: 51


1- انظر الصحاح : إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393ه)، الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط : 1/3 - 3 لسان العرب : 14/17 .
2- تطور الشعر العربي الحديث في العراق : 37.

وتوقد الشعور (1)أصبحت المدينة علمية وأدبية في آن واحد فأصبح علماؤها شعراءها والعكس صحيح أيضاً ومن البديهي إن شغل العالم الأول هو القراءة والبحث في بطون الكتب وإن العلماء يتهادون مؤلفاتهم بينهم ومن الطبيعي إن يبدي القارئ رأيه في هذا الكتاب أو الديوان وإذا كان هذا القارئ شاعراً فسيبدي رأيه شعراً، وأحياناً يدور الحديث في المجالس عن هذه الرسائل والدواوين فيطلب من الشاعر تخليدها شعراً، فيفعل فيشيع أمر المبتكر بسبب هذا الشعر .(2)

وغالباً ما يكون الدافع لقول الشعر هو المجاملة الاخوانية بين العلماء والشعراء التي يكتنفها المدح المفرط والمبالغة.

وشاعرنا أبو المجد ممن طرق هذا الباب ومما كتبه في هذا الغرض قصيدة قرّض بها ديوان الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء المسمّى (الحسن من شعر الحسين) (3)وقد ذكرها الشيخ محمد الحسين نفسه في کتابه (تتمة العبقات العنبرية) بعد أن ترجم للشيخ محمد رضا النجفي، فقال: «ومما يعجبني من نظمه ما قاله مقرضاً على مجموع شعرنا المسمّى بالحسن من شعر الحسين وهذه الأبيات منه سلمه الله في غاية الملاحة والفصاحة وبمكان الإعراب عن تمييز حال فضله بالنص والصراحة وكذلك أغلب شعره في أعلى مراتب الحسن» .(4)

ثم ذكر القصيدة ومنها (من بحر البسيط):

قد أسكرتني وليس السكر من أربي***بنات فکر حسين لا ابنة العنب

ص: 52


1- انظر: الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر : 111.
2- انظر: العوامل التي جعلت من النجف بيئة شعرية : جعفر الخليلي، مطبعة الآداب - النجف الأشرف 1971 : 45
3- للشريف الرضي مؤلف بالعنوان نفسه وهو مختارات من شعر ابن الحجاج في ثمانية أجزاء (الموسوعة الشعرية الكاملة).
4- تتمة العبقات العنبرية : مخطوطة غير مرقمة.

رقت وراق لأهل الفضل منظرها*** كروضة دبجتها راحة السحب

تحلو وتسلب ألباب الأنام فهل***سمعت خمراً حلت في سالف الحقب

یالیت شعري اشعر ما أراه وذا***نوع من السحر أم ضَربٌ من الضَرَب ؟ (1) (2)

ويبدأ الشاعر حديثه عن الخمرة ولكن ليست الخمرة المعروفة بل إنها خمرة الكلمات ولذة الشعر التي حملت الشاعر إلى دنيا من النشوة ففعلت به فعل الخمرة، ومن هذا المنطلق بدأ الشاعر يصف هذه الأبيات التي تضمنها ديوان الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء فوصفها بالرقة والحلاوة كأنها العسل في مذاقه والروضة الغنّاء في منظرها. وفي القصيدة ذاتها يقول :

قد سار شعرك في الآفاق أجمعها*** كمجد أهليك سير الأنجم الشهب

وكم بنيت بأبيات القريض لهم*** بیوت مجد قد استغنت عن الطنب

حسنت کل مديح بالنسيب له***والمدح ثغر له التشبيب كالشنب

ولم تقل مثل من قد قال عن خطأ***في خرّد المدح ما يغني ذوي الأدب (3)

والشاعر يتنقل بين وصف قصائد الديوان بالحسن وبين مدح الشاعر

ص: 53


1- الضرب : العسل الأبيض الغليظ.
2- ديوان أبي المجد : 34
3- المصدر نفسه : 35

وأسرته التي لطالما مدحها أبو المجد في شعره (1)، كما يثبت لمرة واحدة شعره(1)، في القصيدة سبب إعجابه بالديوان وهو إن الشاعر محمد الحسين قد بدأ قصائد المدح في ديوانه بالغزل وهذا مما يزيد القصيدة حسناً وجودة - في رأي أبي المجد - كما يظهر ذلك في قوله :

حسنت كل مديح بالنسيبِ لَهَ***والمدحُ ثَغُرّ لَهُ التشبيب كالشنب

أما باقي قصيدة التقريض فهو عبارة عن مدح للديوان وصاحبه.

ولا يخفى ما تضمه القصيدة من مغالاة ومبالغة في المدح كما في قوله :

جرّدت والمتنبي صارمي فكَرٍ***وغيرُ سيفكِ يا ربَّ القريضِ نبي(2)

إذ جعله رباً للشعر والشعراء أنبياء بعثهم ومنهم المتنبي والبيت يحتمل معنى آخر هو من نبو السيف أي إن سيوف الشعراء تنبو إلا سيفك فإنه يصيب دائماً، وهذه التفاتة لطيفة من الشاعر. وكذلك في قوله :

أرى لبيداً بليداً لو يقاس بهِ***وكان يدعى قديماً أشعر العَرَبِ (3)

وهذه مفارقة لطيفة غالى بها الشاعر كثيراً إذ جعل أشعر العرب إزاء ممدوحه يبدو بليداً.

ومن قوله أيضاً في هذا الغرض أيضاً ما أرسله إلى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي تقريضاً على كتابه (العروة الوثقى) من البحر السريع :

كاظم أهل البيت بالعروة ال__***وثقى أتى فاستوجب الشُكرا

ص: 54


1- انظر: المصدر نفسه: 42، 44، 4 ، 53 ، 61 ، 63 ، 69، 76، 89، 9، 97 ، 106 ، 109 ، 120 ، 132 ، 134، 140
2- المصدر نفسه : 35
3- المصدر نفسه : 36

والناسُ في الأشياء قد تستوي***وما استوث علماً ولا خُبرا

و الشرعُ بيتٌ للهدى قائمٌ***والبيت أهلوهُ بهِ أدرى (1)

ونلحظ في هذه الأبيات التكلف الواضح من الشاعر الذي حاول جاهداً زجّ اسم الكتاب واسم مؤلفه في بيت واحد ليقدم له الشكر على صنيعه ولم يذكر شيئاً عن الكتاب وما فيه، إنما مدح المؤلف بأسلوب الحكمة وبان الأمر بديهي من هذا الشخص الذي هو من بيت العلم والمعرفة.

وهذا ما نلحظه أيضاً في وصفه لكتاب (لباب النحو) من البحر الوافر :

(لباب النحو) فاقَ الكتبَ لِمّا***عدا مغني اللبيب عن الكتاب

فلاتنظر إلى كُتُب سواه***قتلهيك القشور عن اللبابِ(2)

ولا نرى فرقاً واضحاً بین هذه الأبيات وما سبقها سوى أن الأخيرة تضمنت تلاعباً لفظياً جيداً في نوعه ومضمونه، إذ ذكر أشهر كتب النحو القديمة كتاب سيبويه وكتاب مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري ثم فضل هذا الكتاب عليهما.

ج__ - الممازحة

لقد كثر شعر المزاح والمفاكهة في هذه الحقبة حتى امتلأت كتب التراث ودواوين الشعر النجفية بالقصص الطريفة والمقالب المخططة التي دخلت حلبات الشعر فيما بعد .(3)

ولعل سريان روح الفكاهة وتلقف النكتة واقتناص النادرة لدى النجفيين في هذا العصر يؤكد وجود هذا الاتجاه في النجف أكثر من

ص: 55


1- المصدر نفسه : 86.
2- ديوان أبي المجد : 42 - 43 .
3- انظر العوامل التي جعلت من النجف بيئة شعرية : 42.

غيرها من مدن العراق (1)وقد سرت هذه الروح إلى الشعر أيضاً فبدت ظاهرة واضحة المعالم وقد عللها الدكتور محمد حسن علي مجيد بعدة عوامل أهمها الفراغ والغنى واليأس من المشاركة في الحياة العامة واللهو والعبث (2)...

ولا يرى البحث إن جميع هذه العوامل حقيقية خصوصاً الغنى إذ غالباً ما كان الشعراء يعيشون حالة العوز والفقر ولكن سريان هذه الروح السمحة المداعبة لدى أبناء النجف يمكن أن نرجعه إلى عدة أسباب منها :

الفراغ وشعور الناس بالأمن لجوارهم أمير المؤمنين علیه السلام ولتغلغل الاعتقاد في النفوس بأن الابتسام في وجوه الإخوان من صفات المؤمنين. وكذلك للألفة التي جمعت أبناء المدينة الواحدة والانسجام في الخلق والتفكير دور واضح في ذلك.

ولا بدّ للشاعر أبي المجد وهو ابن البيئة النجفية أن يسجل هذه اللطائف في شعر المزاح ومن ذلك قوله مداعباً أحد أصدقائه وقد تزوّج ابنة السيد القطب (من البحر الطويل) :

ولا عَجَبٌ إِنْ كانَ مِثلي مُبَعّداً***وغيري قريبٌ من حمى السيدِ القُطب

كذا أسد الأفلاك عنه مُبَعدٌ***وأقربها من قطبها صورة الدبّ(3)

والشاعر هنا يستغل اسم السيد القطب ليجعله وسيلة للتندر على صهره الجديد فشبهه بالدب تندّراً، ولتمتعه بهذه الصفة فقد اقترب من القطب، وهذا معروف في علم الفلك إن مجموعة الدب الأصغر - وهو عبارة عن مجموعة نجميه والنجم الأكثر شهرة في هذه المجموعة هو النجم القطبي - وهذا النجم دائماً أقرب إلى القطب الشمالي للسماء.(4)

ص: 56


1- انظر أثر البيئة في أدب المدن العراقية في القرن التاسع عشر : 67.
2- انظر: المصدر نفسه: 10.
3- ديوان أبي المجد : 39 - 40
4- انظر : موقع الكون الأبراج النجمية (شبكة الانترنيت).

وله أيضاً مخاطباً خاله السيد إسماعيل الصدر ومداعباً له لحبه الباذنجان وكان الشاعر محباً للطماطة فقال (من البحر الخفيف):

أيها الخال دع طريق العناد***واتركن أكل اسود كالمدادِ

لا تفضّل على الطماطة شيئاً***إن شرَّ الألوانِ لونُ السوادِ(1)

فالشاعر هنا يبدو جاداً لأول وهلة ناصحاً لخاله أن يترك طريق العناد، والمفاجأة إن طريق العناد هذا هو حب الباذنجان الأسود كالحبر بينما الطماطة في نظر الشاعر أولى بالحب لأن لونها أجمل !...

وداعب الشاعر رجلاً يشمّ ورداً (من بحر المتقارب):

أجاعل وردٍ على ذَقْنِهِ***كأن أذى الورد شيءٌ مهم

تشمّ من الوردِ أنتَ الشذا***ولكن سل الورد ماذا يَشُم(2)

الشاعر هنا يخاطب رجلاً كان قد قرّب ورداً من ذقنه ليشمه فوصف أبو المجد هذا الفعل بأذى الورد، فالرجل يشم العطر الطيب من الورد وهذا بديهي لكنه يطلب من الرجل أن يسأل الورد ماذا يشم منه؟ فهو يعرّض بالرجل فيقصد أن رائحته عكس رائحة الورد..

ومثل هذه المقطعات كثير في الديوان (3)ومنها قوله على مائدة مداعباً ومورّياً (من بحر السريع):

لقد دعانا للعشا صاحبٌ***عاداتُهُ في الجودِ معلومة

علی اسم رُزِّ لا مسمى له***فرامَ بعض القوم تقويمه

فقيلَ ما قيمة زادٍ أتى***به فقلنا ليس ذَاقيمة(4)

والشاعر هنا يتخذ السرد طريقة لمداعباته إذ يحكي قصة صاحب دعاه

ص: 57


1- ديوان أبي المجد : 60.
2- المصدر نفسه: 123.
3- انظر: المصدر نفسه: 40، 41 ، 43 ، 80، 92، 97، 98، 116، 117.
4- المصدر نفسه : 125.

وجماعة إلى طعام العشاء وقد عرف هذا الصاحب بعادته في الجود ! ولم يصرح الشاعر بعادة الجود هذه هل هي من الكرم أو العكس.

فالطعام الذي جيء به لم يستطع القوم تسميته ولم يعرفوا أن يقوموه فأجابهم الشاعر أنه بلا قيمة وفي اللفظة تورية يبدو معناها لأول وهلة القيمة المادية أو المعنوية للرز. إلا أن المعنى البعيد المقصود هو أكلة (القيمة) المشهورة عند النجفيين.

ومن كل هذا نخلص إلى أن مداعبات الشاعر نابعة من روحية سلسة سهلة اتخذت أساليب التلاعب اللفظي لمداعبة الإخوان في مواقف بسيطة طبيعية تحدث عادة إلا أن الشاعر أضاف لها تميزاً بنظمه فيها.

د - العتاب

العتب : الموجدة، وعتبت على فلان عتباً ومعتبة أي وجدت عليه (1)، ويعتب عتباً ومعتباً والتعتب مثله والاسم المعتبة أو المعتبة(2)، والعتاب يكون بين الأصحاب ،والأخلاء، ولا يكون بين الأعداء ومنه قول الشيخ أبي المجد وقد كتبها إلى صديقه السيد جعفر الحلي معاتباً وقد نزل في محلة العمارة مجاوراً له (من بحر الطويل)

حللت حمى الحلي التمس القِرى*** فكان قراهُ الهَجْو والشتم والسبُ

جزاء (سنمّار)(3) جزاني ولم أكن*** لأصحب الاه إذا خانني الصحبُ

ص: 58


1- العين الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170ه) : 3/6 (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).
2- الصحاح : 1/4 (الموسوعة الشعرية الكاملة).
3- سنمار : اسم رجل رومي بنى الخورنق الذي بظهر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس فلما فرغ منه ألقاه من أعلاه فخر ميتاً كي لا يبني لغيره مثله فضربت به العرب المثل فقالوا : جزاء سنمار (انظر: الأمثال : أبو عبيد بن سلام (ت 224ه) : 407/596 (الموسوعة الشعرية الكاملة).

ولم يرع لي حق الإخاء وسبني*** وما كان لي إلا محبته ذنبُ

طلبت إليه القرب أبغي وداده*** فعاد بعاداً بيننا ذلك القربُ

وكم جرّدت کفاي منه مهنداً*** جرازاً (1)على طول الضريبة لا ينبو

وقد كان لي عضباً به أدفع العدا*** فما حيلتي إن خانني ذلك العضب (2)

وكان لآمالي ربيعاً ومربعاً*** إذا ما الورى قد عمّها القحط والجدب (3)

فقل لأبي يحيى (4)وإن هو ملّنى*** وإحسانكم ما ملكم مني القلب

(صدودكم وصل وسخطكم رضاً*** وجوركم عدل وبغضكم حب) (5)(6)

فأجابه السيد جعفر الحلي بقصيدة على البحر نفسه والقافية نفسها مطلعها :

ص: 59


1- جرازاً : القاطع.
2- العضب : السيف القاطع.
3- الجدب : المحل وهو نقيض الخصب.
4- أبو يحيى : كنية السيد جعفر الحلي (انظر: ديوان السيد جعفر الحلي المسمّى سحر بابل (وسجع البلابل : 7)
5- البيت المضمن للشاعر حسام الدين الحاجري (ت 632ه)، شاعر من العصر الأيوبي، لقب بالحاجري نسبة إلى الحاجر بالحجاز ولم يكن منها ولكنه ذكرها كثيراً في شعره، ولد ونشأ في إربل ومات مقتولاً ولم يشارك في الأحداث التي جرت في حياته (الموسوعة الشعرية الكاملة).
6- ديوان أبي المجد 37 - 38 انظر ديوان السيد جعفر الحلي: 110 - 111، أعلام الأدب في العراق الحديث : 83.

وحقكم ما ازور لي عنكم جُنْبُ***ولا حُلنَ أحوالي ولا انْقَلَبَ القَلَبُ (1)

وأول ما نلاحظه في هذه القطعة اندفاع الشاعر وصدق مشاعره في هذا الموضوع عن غيره من الأقسام السابقة وهو يتألم حين يصف حاله بعد خيبة الأمل التي نابته من صديقه الأثير الذي كان يعده للأيام الصعبة فإذا به لا يرعى له حقاً ولا جواراً، ومع ذلك كله فهو دائم على محبته وكل ذنوب صاحبه مغفورة لديه.

و من العتاب أيضاً ما كتبه أبو المجد إلى بعض أرحامه (من بحر الكامل) :

كان السكوت عن الجواب جوابي***أكذا يكون تعاتُبُ الأحباب؟

ما الذنب إلا من فؤادي قد هوى***من ليس يهواه جناح ذباب

وإذا عتبت عليك فيما خنته***فعلى فؤادي لا عليك عتابي(2)

ودخول الشاعر مباشرة إلى صلب الموضوع دليل آخر على اندفاعه في مشاعره، إذ نستشعر الانكسار في نفسية الشاعر وهو يلوم نفسه ويعنفها ويعتب على قلبه الذي أحب وآخى من لا يستحق الوفاء.

وهذه الطريقة في العتاب تؤكد ما قلناه سابقاً عن الألفة والمحبة الحقيقية التي تجمع أبناء المدينة الواحدة من الأخلاء والأصدقاء والأرحام.

ص: 60


1- ديوان السيد جعفر الحلي: 111 ، أعلام الأدب في العراق الحديث : 83.
2- ديوان أبي المجد: 40 - 41.

المبحث الثاني

2 - النسيب والغزل

النسيب : هو ذكر الشاعر لخلق النساء وأخلاقهن وتصرف أحوال

الهوى به ،معهن والغزل هو التصابي والاستهتار بمودّات النساء ويقال في الإنسان إنه غَزِل إذا كان متشكلاً بالصورة التي تليق بالنساء وتجانس موافقاتهن لحاجته إلى الوجه الذي يجذبهن إلى أن يملن إليه .(1)

وهذا كلام قدامة بن جعفر إذ فرّق فيه بين معنى النسيب والغزل أما ابن رشيق القيرواني فقد ساوى بين عدة مصطلحات بمعنى النسيب وفرق بينه وبين الغزل أيضاً فقال : «والنسيب والتغزّل والتشبيب كلها بمعنى واحد»(2) وعرّف الغزل بأنه: «إلف النساء والتخلق بما يوافقهن... ومن جعله بمعنى التغزل فقد أخطأ».

فقد سار صاحب العمدة على سنة قدامة بن جعفر في التفريق بين الغزل والنسيب. فالنسيب عنده هو ذكر النساء والغزل هو إلف النساء. وقد تحدث القدامى عن الغزل في مؤلفاتهم، ومنهم النويري في نهاية الأرب في فنون الأدب إذ قال : «باب متسع قد أكثر الشعراء القول فيه، وتنوعوا

ص: 61


1- انظر نقد الشعر: 140 .
2- العمدة في محاسن الشعر وآدابه : ابن رشيق القيرواني : 149/1 (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).

في أساليبه ومعانيه... فتغزلوا في المحبوب باسمه وكنوا به واستعاروا له ووصفوا أعضاءه وشبهوها بأشياء» (1).

وفي هذا النص نرى أن النويري يركز على أساليب الغزل وكيفية

ذكر الحديث دون التعرض لماهية الغزل أو سببه وسبب اتساعه وكثرته، أما ابن قتيبة فتحدث عن الغزل والتشبيب بما يمثله بالنسبة لنفس الإنسان فقال: «التشبيب قريب من النفوس لائط بالقلوب لما قد جعله الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء فلا يكاد واحد يخلو من أن يكون متعلقاً منه بسبب وضارباً فيه بسه- حلال أو حرام».(2)

وهذه لفته مهمة من ابن قتيبة قرأ فيها طبيعة النفس الإنسانية وما جعل الله فيها من محبة الغزل فأصبح هذا النوع من الشعر أو هذا الغرض أقرب إلى نفوس الناس من غيره لموافقته لها .

كما جعل صاحب ديوان (الصبابة الغزل) باب المفاضلة بين الشعراء فقال: «من أوسع هذه الأبواب مجالاً وأجرأها جرياً، لا، وأحسنها خطاباً وأعذبها نصاباً فيه يتميز سمين الشعر من غثه، وجديده من رله ولا يكاد يجود فيه إلا ذاك، ولا يدركه إلا كثير الدراية وما أدراك».(3)

فهو لا يفضل غرض الغزل على غيره من الأغراض فقط، وإنما يجعله ميدان اختبار الشعر وتمييز جيده من ،رديئه وربما عزا هذه الصفات إلى موضوع الغزل لأنه الموضوع الأكثر ذاتية من غيره وهو الأقرب إلى نفس شاعره فهو يجود فيه بعبقريته وتفاصيل تجربته إن صدقت أو إن كانت من بنات خياله.

ص: 62


1- نهاية الأرب في فنون الأدب النويري: 196/12 (المكتبة الشاملة).
2- الشعر والشعراء: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري تح: عمر الطباع، دار الأرقم بن أبي الأرقم بيروت - لبنان ط 1 ، (1418ه - 1997م): 31.
3- ديوان الصبابة : ابن أبي حجلة: 79/18 (المكتبة الشاملة).

وقد احتل شعر الغزل والحب مكاناً واسعاً في الشعر العربي، والشعر النجفي كذلك وكثير من هذا الغزل يحوي عواطف حقيقية وزفرات حارة، وقسم آخر منه تقليدي يحوي صوراً جميلة وخيالاً عذباً وأساليب طريفة مما يجعل قراءته ممتعة ودراسته مفيدة تصبّ كلها في ظاهرة شعر الغزل في الأدب النجفي .(1)

ولعل ثمة سؤالاً مهماً يدور في الذهن : كيف تكون النجف رافعة للواء الغزل العراقي في القرن التاسع عشر في الوقت الذي عُرفت فيه إنها من أكبر مراكز الدراسات الإسلامية؟

ويفسر الدكتور محمد حسن علي مجيد هذه الظاهرة بالاستعداد الكامن في نفوس النجفيين في حب النكتة والميل إلى المرح هذا من جهة، ولانكفائهم على أنفسهم من جهة أخرى والفراغ الكبير الذي كانوا يعيشون فيه مما جعلهم يزجون أوقاتهم باللهو واللعب .(2)

والبحث لا يتفق مع هذا الرأي نسبياً فللنجفيين استعداد نفسي فعلاً ولديهم من أوقات الفراغ الشيء الميسور لكن العلاقة بين الغزل وحب النكتة والمرح تبدو بعيدة الباع في واقعها خصوصاً أن العاشقين دائماً أقرب إلى الحزن منهم إلى المرح والسعادة.

ويعتقد الدكتور يوسف عز الدين أنّ مردّ هذه الظاهرة هو اليأس وحب الشاعر للهرب من واقعه إلى عالم آخر قاده إلى شعر إباحي تفاخر فيه أنه يعيش مع الغواني..

كما يعتقد الدكتور أن كثيراً من شعراء تلك الحقبة كانوا ينظمون لكي يبرهنوا أنهم ذوو مقدرة على الغزل حتى طغت المادية الحسيّة وسيطرت على الشعر فحالت دون أن يسمو إلى الخيال المحلق والتفكير

ص: 63


1- انظر أثر البيئة في أدب المدن العراقية في القرن التاسع عشر : 51.
2- انظر أثر البيئة في المدن العراقية في القرن التاسع عشر : 49.

المجنح، كما تغنى الشاعر بالغلمان كثيراً لأنها النتيجة الحتمية لابتعاد المرأة عن مجالس الرجال .(1)

ورأي الدكتور فيه الكثير من الصواب إذ إن أعراف المجتمع حالت بين الشاعر وبين المرأة التي يمكن أن يعجب بها فيتغزل غزلاً صادقاً أو يحبها حباً صادقاً إلا ما ندر، فلجأ الشاعر إلى تراث الأقدمين ومغامراتهم العاطفية يغذي بها خياله ويطلقها شعراً متأثراً بالماضي بألفاظه وصوره وأخيلته ومعانيه.

كما علق الأستاذ الدجيلي على هذه الظاهرة بقوله «الغزل في هذا العصر هو صورة منتزعة من غزل الأقدمين» .(2)

ويذهب بعض المعنيين بدراسة الشعر العربي إلى تقسيم الغزل على: غزل تقليدي، وغزل عذري وغزل ماجن وتنطبق هذه الأقسام على شعر أبي المجد..

أ - الغزل التقليدي

وهو الذي قاله الشعراء لتصدير قصائدهم دون أن يصدروا فيه عن تجربة وقعت لهم فعلاً .(3)

وقد سار شاعرنا أبو المجد على هذا التقليد في جل قصائده فهو يعد البداية الغزلية مظهراً من مظاهر الجودة في القصيدة - كما مر بنا - سابقاً (4).

ص: 64


1- انظر: الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر : د. يوسف عز الدين، مكتبة الدراسات الأدبية دار المعارف : 152.
2- محاضرات عن الشعر العراقي: 6.
3- دراسات في الأدب العربي : 130.
4- انظر: قصيدة الشاعر التي قرض بها ديوان الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء.

ويُعد الدكتور يوسف حسين بكار التقليد ظاهرة طبيعية في كل مهما كانت خصائصه أو كثرت فيه مظاهر التجديد والجديد.(1)

وقد يعترض البعض على مثل هذا الرأي في عصرنا خصوصاً ظهور حركات الحداثة في الأدب إلا أن المتمعن في النتاجات الأدبية يراها عبارة عن تقليد لتطور الحياة أو تقليد لمدارس الغرب الأدبية وغير ذلك ..

ومن الغزل التقليدي الذي صدّر به أبو المجد قصائده المدحية والأخوانية قوله (من بحر المتقارب):

بمن أودع الطرف منكَ الحَوَر***وصيّره فتنة للبشر

وسدّد منه لأهل الهوى***سهاماً تُفوّقُ لاعن وَتَرْ

وكونَه نرجساً ذابلاً***ورکّبه فوقُ وردِ نَضُر

وأجرى الرحيق خلال الفضا***ورضع ياقوته بالدرر

وزيّن بالخال صبح الخدود***وصبح الجبين بليل الطرر (2)

وعدّل قدّك غصناً وفي__***ه غير النوى لم يكن لي ثمر

ترفّق بطرف غدا في هواك***قليلَ الهجود كثير العبر(3)

والشاعر يبدأ غزله بالقسم بالذات المصورة لجمال المحبوب ثم يعدد صفاته الحسنة ويشبهه بالورد والنهار ويشبه شعره بالليل الفاحم ولكن كل هذه التشبيهات تقليدية ليس فيها جديد ولم يتفرد الشاعر بأي صفة منها فكأنه يجتر أوصاف الشعراء في العصر العباسي ويعيدها على وفق وزن قصيدته وقافيتها، فلا تجديد يذكر بل هو تقليد محض لظاهرة

ص: 65


1- انظر: اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري يوسف حسين بكار، دار المعارف بمصر (1971م): 61.
2- الطرر : جمع طرّة وهي الناصية مختار الصحاح محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي البغدادي (ت - 666ه-)، دار الرسالة - الكويت (1403ه - 1983م): 389.
3- ديوان أبي المجد: 73.

في الغزل لاحظها الدكتور يوسف حسين بكار كما لاحظها من سبقه فقال: «إن أوصاف الغزل تكاد تكون نفسها عند الشعراء فهم يكادون يشتركون في وصف صواحبهم وفي تشبيه أعضائهن ومفاتنهن تشبيهات واحدة أو متقاربة» .(1)

ومن ذلك أيضاً قوله في مقدمة قصيدة مدح بها الشيخ هادي آل كاشف الغطاء (من بحر الكامل) :

لي في بيوتكم خذول رشاً***یختال ناظره أسود شرى

كم عاذلٍ لي في هواه ولو***نظر الذي أحببته عذرا

إن هزّ قامته وأن سفرا***فضح الغصون وأخجل القمرا

عینان نجلاوان لم يدعا***لصبر لا عيناً ولا أثرا

بالكسر حركتا وحاجبه***قلم الملاحة خطه زبرا

هل قرطه يخشى مفارقة***منه فلا ينفك منذ عرا

والبان لما هزّ قامته***خجلاً بأوراق له استترا

وجرى عليّ من الهوى عجب***فاسأل رسول الدمع كيف جرى(2)

وأسلوب هذه الأبيات تختلف نوعاً ما في طريقة تناولها للموضوع فالشاعر يبدو كالمعجب المذهول بصفات المحبوب وحركاته ولكن جوهر الأبيات لا يختلف عن سابقتها فالصفات تقليدية كلاسيكية كذلك .

ويرى الدكتور بكار إن ظاهرة التقليد ظاهرة مطردة لا يمكن أن يستغني عنها الغزل في أي عصر مهما بلغ من مراتب الرقي والحضارة.(3)

ويمكن أن نبرر هذه الرؤية لدى الدكتور بأن مشاعر الحب تطرد ولو اختلفت العصور فلطالما أعجب العشاق بمحبوباتهم وشكوا الهجر

ص: 66


1- اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري : 157.
2- ديوان أبي المجد : 65.
3- انظر اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري : 419.

والفراق وتظلموا وهذا يجر الشعراء إلى تقليد أو تكرار أسلوب القدامى في الغزل.

غير إنا لا نتفق تماماً هذا الرأي إذ إن هناك جوانب أخرى في المرأة يمكن للشاعر أن يتغزل بها كجمال الروح والشخصية الراجحة المتكاملة للمرأة أو غير ذلك مما قد يعجب به الناس..

ومما قاله أبو المجد في مطلع قصيدة هنأ بها صديقه التبريزي بمولود له (من بحر السريع):

أما لشرع الحبّ من حاكمِ***يُنصِفُني من طَرْفه الظالمِ

وسنانُهُ طوَلَ الدجى نائمٌ***ويلي على وسنانه النائم

يا عاذلي في حب ذاك الرشا***رفقاً بسمع المدنف الهائمِ

فوجه عذري في الهوى واضح***من وجهه الواضح يا لائمي

كم عاذلٍ مثلك أفحمته***من شعره بالوارد الفاحم

يا ثغره البارد قل لي متى***ورود هذا الظامئ الحائم

كيف اللآلي نُظمت فيك لم***تُنْقَب ولا لاقت يدي ناظم (1)

وهنا الشاعر يبدو متظلماً شاكياً من هذا الحب الذي أضناه، وهذه القطعة لا تختلف عن سابقاتها من حيث اختيار الأوصاف والتشبيهات ولكن نقطة الارتكاز هنا هو ردّ العواذل بوصف الجمال الخلاب لهذه المرأة واستعمال الاستفهام الذي يعني المبالغة في العجب من هذا الحسن وهذا النظم الربّاني البارع، ولا يخفى إن طريقة الشاعر كلاسيكية تقليدية محضة لا تحوي على التجديد..

ب - الغزل العذري

وهو الغزل الذي يعبر به الشعراء عن تجربة عاطفية حصلت لهم

ص: 67


1- ديوان أبي المجد: 121 - 122 .

فعلاً غير أنهم تحفظوا في الحديث عنها فيما يفضح أسرارها وينزل بها إلى مستوى العبث والمجون بل أشاروا به إلى لوعة صادقة وهوى عفيف وعلاقات خالية من نزعات الحس والمادة .(1)

ولطالما كان هذا النوع من الغزل هو المعبر الحقيقي عن لوعة الحب الصادق إذ تبدو فيه زفرات الشاعر حارة مشبوبة بالشعور العميق تجاه من يحب.

وإنا لنتساءل: هل وجد الحب فعلاً في مجتمع محافظ جداً تغلب عليه الصفة الدينية كمجتمع النجف الأشرف؟

وربما نجد جزءًا من الإجابة إذا قرأنا قول الأستاذ محمد حسين المحتصر وهو يتحدث عن صفات الأديب النجفي : «كان أديبنا النجفي في حاضره وماضيه مرهف الحس مشبوب العاطفة، سخي العطاء الأدبي، على الرغم من كونه عاش محاصراً بما سيجه على نفسه من أعراف وتقاليد حرمته من ممارسة أبسط مباهج الحياة ومعايشتها مثل غيره من الناس، واضطرته لأن ينكفئ تحت ركام من قصائد الغزل».(2)

إذن فقد كانت قصائد الغزل متنفساً لروح الشاعر وعاطفته المكبوتة، إنه إنسان محاصر بالأعراف والتقاليد لكنه لم يتحول إلى آلة أو حجر لا عاطفة له بل شبت فيه جراء ذلك الأحاسيس المرهفة والنفس الرقراقة، وغالباً ما يصدر الشعراء في غزلهم عن تجربة من تجارب الخيال الفني وقد تدفع إليه أحياناً تجارب واقعية لكنه في الحالين لا يخالطه سفه الحديث ولا نزعة التلذذ المادي أو كشف أسرار العلاقات بما يشينها وهو

ص: 68


1- دراسات في الأدب العربي : 130.
2- المساجلات الأدبية والظرف في مجالس أدباء النجف، ج 1 من مجالس جماعة الرابطة الأدبية: الأستاذ محمد حسين المحتصر مجلة آفاق نجفية (العدد الأول - السنة الأولى (1426 ه - 2006م) : 253

يلتزم بأدب الحديث والاحتشام ويظهر بمظهر المتعفف المهذب في سلوكه ونواياه وعواطفه، وهو حين ينهج هذا النهج فإما أن يقلد تقليداً حرفياً وإما أنه واقعي التجربة ولكنه يداري غيرة المجتمع وآدابه العامة أو إن طبيعة التجربة قد وقفت بقائله عند الحدّ الذي يكتفي به في القول والإعراب عن شعوره .(1)

ومن أمثلة الغزل العفيف في شعر أبي المجد قوله (من بحر الكامل) :

إن شاء دمعي لايسيل لبعدكم***أخرجته بغضاً له من ناظري

أو طيف غيركم ألم لدى الكرى***سد المنام عليه طرف محاجري

أخفيت عن قلبي هواك وفي سري***وما تدري بذاك سرائري

وتكاد نفسي أن تذوب حميّةً***عند التذكر غيرةً من خاطري

أشكو وأخشى أن تصدق شكوتي***فيقل جورك رحمة ياجائري

أرضى بما تقضي عليّ من الجفا***فيفوتني من ذاك أجرُ الصابر (2)

والأبيات جميلة بسهولتها وموسيقاها الهادئة وبمعانيها وإن كانت مطروقة، فالشاعر يعبّر عن حب صادق وتوحّد في الحب فلا منافس الحبيبه ولا لشريكه فهو يمثل قمة الإخلاص مع نفسه وفي سره وهو يرضى من حبيبه بكل شيء حتى البعد والجفاء وحتى إن كلفه هذا الرضا أن يخسر أجر الصابر على المكروه.

وإني لأتساءل : هل صدرت هذه الأبيات عن لسان شاعر ينبض قلبه بالحب فعلاً؟ هل كان الشيخ قادراً - مع مكانته الاجتماعية والدينية - أن يكتب هذا الشعر في أنثى أحبها وأن هذه الأبيات صدرت عن تجربة واقعية؟

ص: 69


1- انظر: دراسات في الأدب العربي: 130.
2- ديوان أبي المجد: 81.

والإجابة صعبة بمكان فإذا قلنا إن طبائع المجتمع حرمت الشاعر من الانطلاق في تجربة الحب وأن الأبيات بمشاعرها مفتعلة اعتقد أننا جانبنا الصواب نوعاً ما، فالشاعر قبل كل شيء إنسان سوي يملك من المشاعر ما يملك أي إنسانٍ آخر. كما إن أسوار المجتمع لم تستطع أن تكون حائلاً دون تلاقح مشاعر الناس مع علوها ومتانتها.

ما نستطيع أن نقرره هنا هو إن الأبيات حملت صدقاً فنياً ولا يهمنا إن كانت التجربة التي عاشها الشاعر حقيقية أو خيالية إنما يهمنا أنه استطاع أن يعبر عنها ويمثلها تمثيلاً موفقاً على وفق مقاييس عصره الفنية. وله أيضاً (من بحر الرمل) :

أدَرَى لما استقل الحبيب***أن عيشي بعده لا يطيب؟

يا نسيم الكرخ جددت وجدي***أفهل عهدك منه قريب؟

أنكرت (فلانة) مني شحوبي***سمة للعربي الشحوب (1)

والشاعر يتحدث عن فراق الحبيب الذي بدل طيب عيشه... والأبيات مضطربة تُشعر إن كل بيت يحمل فكرة فهو في البيت الأول يتحدث عن أثر الفراق وفي الثاني يسأل نسيم (الكرخ) عن محبوبته وفي الثالث يشير إنها لم تعرفه بسبب شحوبه والبيت الأخير هو الأكثر بعداً عن القطعة..

إننا لنشعر أن أبا المجد كأنما قسر نفسه على الكتابة في هذه اللحظة وربما كانت هذه اللحظة لحظة انفعال لا كتابة أو أنه حاول افتعال هذه المشاعر وهي غير موجودة أصلاً، واللافت للنظر أنه ذكر اسم مكان وهو (الكرخ) ووضع بين قوسين كلمة (فلانة) وقد يكون استعمل لفظ المكان جرياً على عادة الأقدمين في ذكر مواطنهم عند البكاء على

ص: 70


1- ديوان أبي المجد: 40.

الأطلال، أو يكون هذا المكان قد حمل ذكرى حقيقية للشاعر هيجت وجده.

كما إن ذكره للفظ (فلانة) الذي كنّى به الشاعر عن اسم حبيبته التي لم يورد ذكرها، وكان ذلك لسيطرة الأعراف على المجتمع الملتزم والذي يستنكر ذكر اسم المرأة في أوساط الرجال، أو يكون هذا اللفظ عبارة عن وسيلة للحديث عن المرأة المقصودة.

إنني أتصور أن هذه الأبيات صدرت آنيّاً في لحظة تذكر لتجربة لم يرد الشاعر إشاعتها بين الناس لذا جاءت مضطربة ملغزة غير مكتملة.

ويمكن القول بعد هذا إن غزل أبي المجد العذري اتسم بالقوة والسلاسة في عمومه، وقد أثبت فيه الشيخ أنه شاعر كبير يستطيع أن يقول الشعر في أي غرض لمقدرته الفنية العالية وإن لم تكن تجربته حقيقية.

ج__ - الغزل الماجن

وهو الذي يسرد وقائع التجربة بمراحلها وجوانبها الخيالية والمادية بما يوافقها من أسلوب مكشوف .(1)

ويمكن أن نقسم هذا الغزل أيضاً على قسمين، الأول: تحدث فيه الشاعر عن وقائع المغامرة العاطفية، والثاني تحدث فيه الشاعر عن ولعه بالغلمان.

أولاً: الغزل المكشوف

من ذلك قول أبي المجد (من بحر الطويل):

بنشوانة الألفاظ لم تدر قرقفاً(2)***وساحرة الألحاظ لم تدر بابلاً

ص: 71


1- انظر دراسات في الأدب العربي : 130.
2- القرقف : هو الخمر والماء البارد الصافي (المعجم الوسيط : 729/2)

بردف حكى همي فأصبح وافراً***وخصر حكى جسمي فأصبح ناحلاً

أقبلها في الصدر منها فصاعداً***و أغمزها في الخصر منها فنازلاً

أقبّلُ فاها عند تقبيلها فمي***وذا في بديع الحب يدعى تقابلاً (1)

والشاعر في هذه الأبيات يعجب من نفسه حيث أقبل على هذه المغامرة العاطفية بعد أن أقبل الشيب عليه وهو الذي لم يقدم على مثلها أيام شبابه؟

ونحن نعجب أيضاً كيف للشاعر أن يتحدث بهذه الطلاقة في هذا الموضوع مع ضغط العرف والدين بلحاظ إن الدين هو قوام الحياة النفسية ويؤثر في كل ما يصدر من آثار مادية ومعنوية وكذلك فنية .(2)

ولكن الشاعرية الأصيلة هي التي تفرض وجودها على الرغم من كل القيود ولا بدّ للشاعر الأصيل أن يعبر عن مشاعره بغض النظر عن رضا أو غضب الآخرين ومع ذلك فلم يكن الشيخ محمد رضا أبو المجد بهذا القدر من الثورية التي نتحدث عنها بحيث يعارض قيم المجتمع عامة و نستدل على ذلك من تعليقه على الأبيات التي ذكرنا عندما أرسلها إلى جناب الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء حيث كتب «ولعل الشيخ لا يحب عرض مثل هذا الشعر (التغزل) على المحرومين» .(3)

وهذا يثبت مدى تأثير الأعراف والدين في انتشار الأدب ومدى الكبت الذي يستشعره قائل الأبيات ومثلها قوله : (من الكامل المذيل)

فسقى الحيا الهتان ربعاً للحبيب بجنب طمّه

ص: 72


1- ديوان أبي المجد 119 انظر : رسالة بخط الشيخ أبي المجد أرسلها إلى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (مخطوطة).
2- انظر الأدب والمجتمع : 63.
3- رسالة بخط الشيخ محمد رضا النجفي أرسلها إلى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء.

في القلب باقٍ رسُمهُ إن غيَّر الحدثان رَسْمه

إن رام يجذب من يدي فضل الرداء جذبت كمّه

كم قبلة بعد العناق وشمّةٍ من بعد ضمة

ولثمته حتى غدا لثمهِ في الثغر ثلمه (1)

وهنا نجد الشاعر يتحدث عن مغامرة عاطفية ،أخرى وهذا اللون من الشعر يسترعي الانتباه ويحتاج إلى ما يبرره فهو صادر من شخصية دينية علمية بالدرجة الأولى وهو لا ينسجم مع العرف الاجتماعي والديني في حياة الشاعر، ونحن لا نشك أن الشاعر قاله في معرض بيان مقدرته الشعرية وبراعته في القول في جميع ألوان الشعر وقد أثبت ذلك بجدارة.

ثانياً: غزل الغلمان

إن ظاهرة غزل الغلمان أو الغزل بالمذكر لها أبعاد نفسيّة واجتماعية، فما الذي دفع بالشاعر لأن يتغزل بالمذكر بدل المؤنث وما سبب استحسان هذا النوع من الغزل وشيوعه وكثرته وهو صادر عن حالة غير سوية بالتأكيد لا تتقبلها الذات الإنسانية الطبيعية.

ويُرجع الدكتور عبد الرزاق محيي الدين غلبة ضمير المذكر في الشعر العربي لسببين هما: النزعة العرفانية الصوفية التي تقتضي تذكير الضمير.

وتحاشي ضمير المؤنث خشية أن يتهم الشاعر في وصف امرأة بعينها. كما لا يعص- الدكتور المجتمع من شذوذ لا تخلو منه أمة .(2)

ويعتقد بعض الباحثين إن أول من أدخل هذا الغرض إلى الأدب

ص: 73


1- ديوان أبي المجد: 126.
2- انظر: مقال للدكتور عبد الرزاق محيي الدين منقول في كتاب (أسطورة الأدب الرفيع : د.الوردي، دار الحياة للنشر والتوزيع : 31)

العربي هو أبو نواس إذ ذكر المؤرخون أنه كان يعاني شذوذاً جنسياً دفعه إلى ابتداع (الغزل بالمذكر) في الشعر العربي وتهافت الشعراء عليه يقلدونه بعد أن شهدوا رواجه بين الناس .(1)

ونحن نظن إن الأوضاع الاجتماعية من ثراء ومجالس لهو وطرب وخمر كان لها أثر كبير في تغيير أذواق الناس وعاداتهم في العصر العباسي مما جعلهم يتقبلون هذا الغزل ويشجعونه.

فما الذي دفع الناس في القرن التاسع عشر لتقبل هذا الغزل أيضاً؟ إن سيادة الفراغ وابتعاد المرأة عن مجالس الحياة بصورة عامة وشيوع التقليد في الأدب جعل هذا الغرض مقبولاً حتى في أوساط مدينة النجف الأشرف المعروفة بمدرستها الدينية ومركزها الإسلامي في العالم.

ويبرر الدكتور عبد القادر القط هذا الإفراط في التقليد بأن الشعر وصل إلى حالة من الضعف لا سبيل إلى الخلاص منه إلا بالاهتداء لنقطة بدء صالحة للسير في ذلك الطريق، لذلك بدأ الشعراء بالتدريج يعودون إلى أساليب الشعر العربي وأغراضه في عصور ازدهاره، وكان العصر العباسي وجوانب من العصر الأموي أقرب تلك العصور إلى الطبيعة وأقربها إلى تلك البداية المنشودة .(2)

ورأي الدكتور فيه شيء كثير من الصواب فإن الإعجاب العام بشعر الأسلاف والحنين إلى بلوغ مستواهم في النظم جعل الشعراء يسيرون على آثارهم ويقتدون بهم ومنهم شاعرنا أبو المجد الذي افتتح قصيدة (التنصّر) أشهر قصائده بالغزل بالمذكر ومنها (من مخلع البسيط):

قلبي بشرع الهوى تنصّر***شوقاً إلى خصره المزنّر

ص: 74


1- انظر: أسطورة الأدب الرفيع : 73 - 74.
2- انظر الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر : د. عبد القادر القط، دار النهضة العربية - بيروت ،ط 2 ، (1401 ه - 1981م): 20.

كنيسةٌ تلك أم كناسٌ***وغلمة أم قطيع جؤذر

له بأجفانه جنود***تظفر بالفتح حين تكسر

واحَرَب القلب من صغير***عليّ من تيهه تكبّر

يضحك من لوعتي وأبكي***ينام عن ليلتي وأسهر

وربّ وعد بلثم خد***جاد به بعدما تعذر

سقاه ماء الشباب حتّى***أينع نبت العذار (1)واخضر

أليس من مات يا عذولي***بمثل هذا العذار يعذر (2)

والغزل في القصيدة هذه يدور حول عدة غلمان شبّه الشاعر كنيستهم بمنزل الغزلان وشبّه هؤلاء الأولاد بقطيع من أولاد البقر الوحشية لجمالهم، ثم يسرد الشاعر مراودته لأحدهم ويتغزل بما نبت على خده من شعر ... وإيقاع القصيدة الراقص يتناسب مع الألفاظ والتفاصيل التي طرقها الشاعر في القصيدة، فكان موفقاً في أداء الغرض بهذا الأسلوب.

كما لا يخفى أن القصيدة كتبت في مناسبة تهنئة بعرس وعادة ما تطرق هذه المواضيع : (الخمر، الغزل..) في شعر هكذا مجالس بحثاً عن البهجة والسرور وتبدو فيها استعادة مظاهر الفرح واللهو التي كان يحياها بعض الشعراء السابقين سواءً في العصر العباسي أو الأندلسي. ومثل ذلك قوله (من بحر الكامل):

أبصرت من هام الفؤاد بحبّه***قد طرّ شاربه الشهيّ فحبّذا

قد كان مبسمه عقیقاً زانه***در فأبدله الشباب زمرّدا (3)

وهو هنا يتغزل بشاب نبت شاربه توّاً فتخيّل الشاعر هذا اللون

ص: 75


1- العذار : ما كان على الخدين من كيّ أو كدح فهو عذار، وعذار الرجل شعره النابت في موضع العذار (انظر العين الخليل بن أحمد 105/1 ، انظر: الصحاح في اللغة: الجوهري : 454/1 المكتبة الشاملة - موقع الوراق - قرص مضغوط).
2- ديوان أبي المجد 76 - 77.
3- المصدر نفسه : 62.

الجديد حجر زمرد... ولا بد أن الشاعر وهو يطرق هكذا موضوعات أو يرسم هكذا صور فهو متأثر بغزل الأقدمين معجب به، لذا لذا يبدو مقلداً للسابقين من الشعراء وهو يكتب هذه الأبيات، كما كان جل أو جميع شعراء عصره مولعين بهذه الموضوعات.

3 - الرثاء

اشارة

رثا: رثأت الرجل رثاً مدحته بعد موته، لغة في رثيته، ورثأت المرأة زوجها كذلك وهي المرثئة وقالت امرأة من العرب: رثأت زوجي بأبيات، وهمزت أرادت رئيته .(1)

ولا يفرق قدامة بن جعفر بين الرثاء والمدح إلا بأن يذكر الشاعر في اللفظ أن الكلام لهالك مثل (كان) و(تولى) و (قضى نحبه)... وما أشبه ذلك، وهذا لا يزيد في المعنى ولا ينقص منه .(2)

وهذا الحكم يبدو تقريرياً لا يأخذ عمق المعاني في الأبيات بعين الاعتبار فأهم شيء يفرق بين غرض المدح والرثاء هو المشاعر فلا يخفى ما في شعر الرثاء من مشاعر الحزن والألم والفراق وهذا ما لا نجده في شعر المديح.

فالرثاء تعبير عن حالة نفسية تصيب الشاعر في مناسبة محزنة تهيج بها كوامن شجونه وتدفعه إلى البكاء والحزن .(3)

إذن شعر الرثاء مرتبط ارتباطاً جذرياً وأصيلاً بالمناسبة المحزنة فهو

ص: 76


1- لسان العرب : ابن منظور (630 - 711ه)، تصحيح أمين عبد الوهاب - محمد الصادق العبيدي، دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان ط 3: 135/5
2- انظر : نقد الشعر : قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي تح كمال مصطفى مكتبة الخانجب بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد ط2، (1963م): 111.
3- أثر البيئة في أدب المدن العراقية في القرن التاسع عشر : 33.

شعر مناسبة بالدرجة الأولى، وهذا ما يفرّقه عن سواه من الإغراض الشعرية إذ لا تلزم المناسبة في كل غرض أو قصيدة.

ويبدو إن أثر الجرح وما يسببه من ألم تطور مجازاً إلى أثر جرح الفراق للأحبة وهو جرح غائر لا يندمل ونتائجه تظهر في الحزن المستمر والبكاء الموجع، وهذا المعنى هو الذي يفيدنا في بحث الرابطة بين معنى الرثاء ومعنى الندب والمعاني الأخرى .(1)

وقد يتطور هذا الألم على المستوى الفردي فيكون الشاعر في حالة تذكّر للشخص الذي فقده وهذا التذكّر يجعله يمر بحالات معينة، وقد يتطور هذا الألم على المستوى الجماعي إذا كان الألم عاماً يخص الأمة وهذا يحدث في أي أمة عند فقدها لعظمائها كما حدث للمسلمين وهم يستشعرون ألم الإسلام وفاجعته بفاجعة سيد البشرية محمد صلی الله علیه و آله وسلم وآل بيته وهذا ما يدفع الشعراء على مر العصور إلى رثاء رسول الله وعترته حتى آخر الدهر.

وقد تصب في مجرى الرثاء روافد أخرى غير فقدان الأهل والأعزة منها ما يتعرض له الإنسان من شعور بالحرمان أو الظلم والاضطهاد فتكون مناسبات الموت والعزاء فرصاً لتفريغ الهموم والآهات الحبيسة والمشاعر المضطربة، ومن هذا النوع مراثي الشعراء لأهل البيت علیهم السلام حيث نفّس الشعراء من خلالها عن آلامهم وحسراتهم وعبّروا عن طريقها عمّا كانوا ينوءون تحته من ضيق وعنت .(2)

وهذا ما نلحظه في بعض قصائد الرثاء إذ يجنح الشاعر فيها جنوحاً ذاتياً كأنه يرثي نفسه بفقد عزيزه أو من رثاه.

ص: 77


1- انظر: الرثاء في الشعر الجاهلي وصدر الإسلام بشرى محمد علي الخطيب، مديرية مطبعة الإدارة المحلية بغداد - كلية الآداب (1977م): 27 .
2- انظر أثر البيئة في أدب المدن العراقية في القرن التاسع عشر : 33.

ويرى الدكتور يوسف عز الدين أن اليأس هو الذي دفع الشعراء لرثاء أهل البيت علیهم السلام والبكاء عليهم والتعلق بهم(1) وهذا تعليل ضعيف إذ إن ما يربط الشعراء بأهل البيت علیهم السلام شيء أكبر من اليأس إنه الحب المقدس وما دفع الشعراء إلى الرثاء هو الشعور بالصدمة والانكسار إزاء ما جرى لأهل الحق وكيف انتصر الظلم بوحشية وقسوة مما جعل خط الإسلام يتراجع في المجتمع وتضعف المبادئ التي نزل بها الدين الحنيف لدى الناس.

وشعر الرثاء في ديوان أبي المجد اقتصر تقريباً على رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي علیهما السلامومن ذلك قوله (من بحر المنسرح):

طال عنائي بين الرسوم وهل***للحرّ غير العناء والنكد

ألا ترى ابن النبي مضطهداً***في الطف أضحى لشر مضطهد

يوم بقى ابن النبي منفرداً***وهو من العزم غير منفرد

بماضيي سيفه ومقوله***فرَّق بين الضلال والرشد

فقال لا أطلب الحياة وهل***فراق دنیاکم سوی وکدِ (2)(3)

نرى الشاعر هنا ابتدأ هذه القطعة ابتداءً ذاتياً فهو يشكو جور الزمان وظلمه كما جرى على كثير قبله وهذا ما يجعله يتألم وهو يعيش الذكرى ويستشعر صورها فكأن الشقاء هو قدر الأحرار وكان هذا سبيل تخلصه إلى ذكر شخصية سيد الشهداء الذي صارع الظلم بنفسه وحيداً وكان خير الناس جميعاً وعدوه شر الناس جميعاً مع ذلك فقد جرت عليه تلك المآسي وواجهها ببسالة عالية وهي ما أشاد بها شاعرنا في الأبيات المذكورة.

ص: 78


1- انظر الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر : 152.
2- وكد: السعي والجهد (المعجم الوسيط : 1053/2).
3- ديوان أبي المجد : 50 ، الحصون المنيعة : 489/3.

ومن ذلك قوله أيضاً :

ففرق الجمع وهو منفردٌ***روى الثرى من دماه وهو صدي

أفديه من وارد حياض ردی***على ظماً للفرات لم يردِ

أصيب في قلبه بأسهمهم***مذ قالت القوس خذه من كبدي

أيا مطايا الآمال واخدةً***قفي وبعد الحسين لا تخدي(1)

والشاعر يذكر بعض الجزئيات لموقف الحسين علیه السلام حيث كان ظامئاً وحيداً ومع ذلك كان شجاعاً صلباً حتى أصابه سهم في كبده، وهنا نستشعر ألم الشاعر وهو يوقف آماله بعد الحسين علیه السلام فعلاً، إنه اليأس والشعور بالانكسار وخيبة الأمل في هذه الحياة الدنيا.

ونحن إذ نلحظ مقدار الألم والجزع في هذه القصيدة نشهد قطعة أخرى كتبها الشاعر للسيد حسن بن هادي الشهير بالصدر بعد وفاة أبيه قال فيها (من البحر الطويل):

إذا ما قضى الهادي وخلّف بعده***لنا حسناً لم نفقد الدهر هادياً

لئن غاب عن أفق الهداية كوكبٌ***فقد لاح فيه ما ينير الدياجياً

وإن يكُ منه الدهر أغمد مرهفاً***فقد سلَّ من هذا حساماً يمانياً

ولم يخلُ ذاك الغاب يوماً وشبله***به قد غدا شثن (2)البراثن ثاوياً

وإن يك صدر الدين عُطّل فابنه***به قد غدا جيد المفاخر حالياً

فدع رنّقاً(3) لم يرو غلة شاربٍ***ورد منه ثجاجاً (4)من العلم صافياً (5)

ص: 79


1- ديوان أبي المجد: 52.
2- شَثن بالتحريك : مصدر شثنت كفه: أي خشنت (الصحاح : 1/1 - الموسوعة الشعرية - قرص مضغوط).
3- رنق الماء الكدر (انظر: مختار الصحاح : 259).
4- الثجاج : الماء والمطر إذا انصبّ جداً (انظر: المصدر نفسه: 82).
5- ديوان أبي المجد 147

وفي هذه القطعة نرى أن حالة الشاعر تختلف اختلافاً كلياً عن حالته الأولى فلم يبد جزعاً ولا عاتباً على الزمان لأن هذا المتوفى قد خلّف بعده ابنه الذي تبع أثره في العلم والكمال وحلّ محل أبيه فلا داعي للحزن إذن..

والشاعر لم يتحدث عن الألم الذاتي أو عن ما خلّفه الفقيد من حزن في النفوس بل نظر نظرة عامة إلى شأن هذا الرجل ووظيفته في الحياة وما دام هناك من يحل محله في هذا الدور فلا داعي للجزع أو التألم المفرط.

ما نلاحظه أن ديوان الشاعر لم يحتوِ من المراثي غير القصيدة المشار إليها في رثاء أبي عبد الله علیه السلام وقطعة شعرية غير واضحة المعالم أيضاً في رثاء الحسين علیه السلام

وهذا شيء تميز به الشاعر عن شعراء عصره ممن كانوا يؤبنون كل فقيد ويذرفون الدمع في كل ذكرى مؤلمة للتأريخ أمثال السيد جعفر الحلي والسيد رضا الهندي (1)وسواهما من شعراء تلك الحقبة.

ص: 80


1- راجع ديوان السيد جعفر الحلي (سحر) بابل وسجع البلابل وشعر رضا الهندي دراسة في الفن والموضوع.

المبحث الثالث

4 - موضوعات أخرى:

تطرق الشاعر محمد رضا النجفي أبو المجد إلى موضوعات أخرى في شعره، وقد تعرّض - غالباً - لهذه الأغراض من قبيل المناسبة أو الحاجة الآنية فجاءت في مقطعات قصيرة ولم تمتد حتى تصبح قصائد الحدث الذي بعث الشاعر لقولها.

تناسباً مع حجم ولا يخفى أن دواوين الشعراء في هذه الحقبة مملوءة بالمواضيع الفردية كوصف (السماور) أو وصف (النارجيلة) أو تفضيل القهوة على الشاي أو وصف (رحلة) إلى مكة والمدينة أو وصف (الساعة) أو تصوير (وليمة) إلى غير ذلك من المواضيع التي لا ضابط لها ولا حدّ .(1)

ونستطيع أن نبرر هذه الحالة بأن الشاعر يلتصق بصفته ولا يتخلى عنها حتى في أبسط الحالات الاعتيادية فهو يقول الشعر في أي شيء ومتى شاء مفتخراً بمقدرته على ذلك غير ملتفت إلى ضعف بعض النتاجات وسطحيتها.

ويعتقد الدكتور النويهي أن الأدب الجيد والتعبير عن العاطفة

ص: 81


1- انظر : محاضرات عن الشعر العراقي : 26 - 27 .

العميقة يحتاج دائماً إلى مرور مدة زمنية يستعيد فيها الشاعر عاطفته ويتأمل فيها ويزداد فهما لها (1).

وهذا ما يمكن أن نطلق عليه (اختمار الفكرة) لدى الشاعر حتى يستوعب جميع أبعادها ويتحسس كل ما يمكن أن يكون منها أو لها أو عليها.

مع ذلك فقد كان ارتجال الشعر من الصفات التي يحاول الشعراء الاتصاف بها فهم ينظمون في كل ما يمر بهم حتى التافه منها.(2)

ويمكن أن نقسم هذه المواضيع في ديوان أبي المجد على:

أ - التوجيه العلمي.

ب -الحكمة.

ج - شكوى الدهر.

د -الوصف.

ه - الفخر.

و - التلغيز.

ح - التاريخ الشعري.

ط - الخمرة.

ي - السياسة.

وسنتحدث عن هذه الموضوعات تباعاً...

4 - موضوعات أخرى

أ - التوجيه العلمي

ذكرنا أن الشيخ محمد رضا قد برع في علوم عدة منها الفقه

ص: 82


1- انظر وظيفة الأدب بين الالتزام الفني والانفصام الجمالي: د. محمد النويهي، مطبعة الرسالة / عابدين - مصر (1966 - 1967): 74
2- انظر: الشعر العراقي أهدافه وخصائصه: 161.

والأصول والفلك والعروض والرياضيات.. الخ، فاتّسم بالموسوعية العلمية، ولأن الشعر أقرب إلى النفس وأسرع للحافظة فقد كتبت الأراجيز العلمية وألّفت الكتب شعراً على شكل منظومات في النحو والحساب وغيرها.

ومن ذلك قول الشاعر أبي المجد موجهاً لقاعدة نحوية (من بحر السريع) :

سلطان حسنٍ طرفه عاملٌ***بالكسر في قلبي فكيف الحذار

أدرك في عامل أجفانه***ضعفاً فقوّاه بلام العذار (1)

والقاعدة النحوية التي أشار لها الشيخ تختص باسم الفاعل حيث إن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان متجرداً من (أل) إلا بشرطين :

1 - أن يكون بمعنى الحال والاستقبال.

2 - أن يعتمد على نفي أو استفهام أو مخبر عنه أو موصوف.

ويعمل إذا كان مقترناً ب__(أل) مطلقاً (2)، ووسمه الشيخ بالقوة لذلك فهو يعمل.

ولا يخفى ذكاء الشاعر في هذا الأسلوب حيث اختار البحر السريع وهو بحر سهل ثم اختار الغزل طريقاً للتوجيه وقلنا سابقاً إن شعر الغزل أقرب إلى نفس الإنسان من غيره، وبهذا خرج الشاعر بالقاعدة العلمية من جفاف الدرس وصلابته وجموده إلى مرونته وسهولته بطريقة لطيفة مستساغة.

ومثله قوله موجهاً بعلم العروض (من بحر الهزج):

ص: 83


1- ديوان أبي المجد : 81.
2- انظر شرح قطر الندى وبل الصدى: أبو محمد جمال الدين بن هشام الأنصاري، تحقيق : ح. الفاخوري. بمؤازرة الدكتور وفاء الباني، دار الجيل - بيروت : 278 - 280 .

وريمٌ من بن ي الأتراك غرٌّ***ثقيل الردف ذي خصر لطيف

طوى عن صبّه كشحاً خفيفاً***ومن عجب الهوى (طي الخفيف)(1)

والطيّ: حذف الحرف الرابع الساكن من التفعيلة .(2)

وهذا الزحاف لا يطرأ على تفعيلات بحر الخفيف لأن وتده مفروق، لذلك قال الشاعر : (ومن عجب الهوى) فهو أمر غير مألوف.(3)

واضح من الأبيات السابقة أنّ أسلوب أبي المجد في التوجيه العلمي واحد فهو يوجّه ببساطة بالغة مستخدماً الغزل في الغالب مستعيناً بإمكان التلاعب بالألفاظ والإفادة من الترادف الموجود في الألفاظ العربية.

ب - شعر الحكمة

أعجب الناس على طول تاريخ الأدب بالشعر الذي يقدم الحكمة كما أعجبوا بالشاعر الذي تجري على لسانه الحكمة كالمتنبي وأبي العلاء المعرّي وغيرهما كثير وقد نبه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى وجود هذه النقطة فقال صلی الله علیه و آله وسلم: إن من الشعر حكمة .(4)

وليس شرطاً أن يكون قائل الحكمة حكيماً بطبعه، ويتحدث الدكتور عبد الرزاق محيي الدين عن هذا الأمر فيقول : «وعادت هذه الموضوعات

ص: 84


1- ديوان أبي المجد : 99.
2- فن التقطيع الشعري والقافية د. صفاء خلوصي، دار الكتب - بيروت - ط 4 (1974م): 70.
3- المصدر نفسه : 163.
4- التصريح بزوائد الجامع الصحيح (سنن الترمذي) : أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة (ت 297ه)، إعداد : محمود نصار، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان : 34/2 .

تقليداً شعرياً يختبر فيها الشاعر مدى قدرته على طرقها والإجادة فيها، فلا بد لكل شاعر... أن يتصنع الحكمة وهو من أكثر الناس مجوناً وسخراً من الحياة».(1)

ولا نتفق مع الدكتور تماماً إذ ليس كل ما قيل هدفه التقليد وإن لم يكن الشعر يحمل صفة قائله لكن للشاعر عالمه الخاص وخياله الذي يرى فيه أنه ملك الدنيا، وقد يكتب الشاعر في الحكمة في لحظة يعيش فيها الشاعر الحكمة ويتمثلها أمامه قولاً وصيغة معينه في الفعل وقد لا يوافقه الآخرون في ما اعتقد وتخيَّل.

ومن ذلك قول أبي المجد (من بحر الكامل):

لم تقبل الدنيا وعمري مقبلٌ***يوماً عليَّ وآذنت بنفارِ

ما كنت أطلبها وأقبل وصلها***إذ أقبلت والعمر في إدبار (2)

وأول ما نلاحظه في حكمة الشاعر أنه يتكلم بصيغة ذاتيه فهو يتحدث عن نفسه مسمعاً الآخرين فلم يتحدث بلهجة الناصح ولم يتخلل الأبيات أي فعل أمر بل تحدث الشاعر عن إعراضه عن الدنيا وقد أقبلت عليه لأن عمره قد أدبر وهذا معنى لطيف جداً، إذ إننا نلاحظ أن الإنسان كلما تقدم به العمر ازداد حرصه على الدنيا وحبّه لها وأمله فيها لكن أبيات الشاعر تنبه بصورة غير مباشرة إلى إن الدنيا زائلة ولا نفع فيها للإنسان الزائل أيضاً..

وقال وفيه تضمين لشطر بيت للمتنبي (من بحر الطويل):

وذي فاقةٍ تصبو إلى المجد نفسه*** كم رام وصلاً منه عزّ مناله

ص: 85


1- مقال للدكتور عبد الرزاق محيي الدين في كتاب أسطورة الأدب الرفيع : 39.
2- ديوان أبي المجد: 81

فقلت له دع عنك مجداً وذكرَهُ***(فلا مجد في الدنيا لمن قلَّ ماله)(1)

وفي هذين البيتين يبدو الشاعر خبيراً بأحوال الدنيا وأمورها وكيف تتزين لشخص وتعرض عن الآخر، فكم طالب للمجد ليس له وسيلة المجد وهو في نظر الشاعر (المال)، ويبدو واضحاً إن نظم البيتين قائم على شطر المتنبي فهو الأساس وعليه بنى الشاعر وضمّنه شعره لتأثره به وتصديقه إياه بشكل مطلق.

وهذا ما نراه سائداً في حكميات الشاعر فهو يبني على قول أو شطر بيت مشهور ولا يتحدث بصيغة الخطاب قدر ما يكون كلامه بطريقة السرد.

ج - شكوى الدهر

شكا الشيخ محمد رضا جور الزمان وصروف الدهر في عدة مواضع من ديوانه ومنها قوله من قصيدة مدح بها المرحوم عبد المجيد ابن الشيخ هادي آل كاشف الغطاء (من بحر السريع):

الدهر عاداني لفضلي فما***ذنب ذوي الفضل مع الدهرِ

حلبت دهري في تصاريفه***شطرين من عسر ومن يسر

وصفر کف زدت قدراً به***زيادة الأعداد بالصفر

وإنها الأيام كانت ومن***عاداتها عداوة الحرِّ (2)

إنه يعلن أن الدهر عاداه وسبب هذه العداوة فضله وكأنه يقرر قاعدة أن الدنيا تعادي كلّ حر وصاحب فضل.

ص: 86


1- المصدر نفسه : 118.
2- دیوان أبي المجد: 70.

ما نلاحظه في هذه الأبيات أن الشاعر غير منكسر لعداوة الدهر له بل هو مفتخر بذلك معتد بنفسه لا يهمه أن يعاديه الدهر إذ كان حرًّا كريماً صاحب فضل وعلم وإن لم يكن ذا مال.

ومما شكاه إلى إخوانه في العراق أوائل وروده إيران وقد كتبوا إليه يسألونه عن حاله (من بحر الرجز ) :

ما بين أمواج الزمان موقعه***يخفضه حيناً وحيناً يرفعه

لكنه مُرّ الإباء أروعه***فلم یکن برق الأماني يطمعه (1)

إنه يصف حاله وتبدو بين كلماته شكواه من الدهر الذي يتلاعب به فيرفعه حيناً ويخفضه حيناً آخر ولكنه لا زال يتمسك بإبائه ولم تخلبه الأماني بالطمع ونرى الشاعر في هذه الأبيات استخدم ضمير الغائب فكأنه يتحدث عن شخص غيره، فكأنه يرى نفسه بهذه الصورة وكأنه يرى شخصاً غيره وتبدو هذه الطريقة أبلغ في التعبير فكأنه يقول للسامع ما حال من يكون حاله هكذا؟

د - الوصف

وهو ذكر الشيء الموصوف بأحواله وصفاته وهيئاته .(2)

وهذا تعريف للوصف بصورة عامة ويعتقد قدامة بن جعفر أن أحسن الشعراء في الوصف من يأتي في شعره بأكثر المعاني التي ركب منها الموصوف، ثم أظهر هذه الصفات حتى يحكيه بشعره ويمثله للمس بنعته .(3)

ص: 87


1- المصدر نفسه : 98
2- من قضايا الشعر والنثر في النقد العربي القديم: د عثمان موافي مؤسسة الثقافة الجامعية - الإسكندرية : 54
3- انظر : نقد الشعر : 134 .

و کلام قدامة شديد الدقة فبمقدار ما وصف الشاعر الموصوف بجوانب متعددة كان قد أجاد أكثر، ودقة الوصف هذه وبيان سمات الشيء تجعل صورة الموصوف للسامع أمامه كأنه يراه.

ومن أمثلة الوصف في شعر أبي المجد ما وصف به (الساعة)، حيث ضم الشاعر محفل من محافل النجف الأشرف ومعه الحاج الشيخ محمد حسن أبو المحاسن وبعد أن قضوا شطراً من الجلسة أخرج أحد الحاضرين ساعته ليعرف الوقت فاستحسن الحاضرون شكلها فقال أبو المحاسن مرتجلاً (من السريع):

مسمعة تعجب ألحانها***لكنها لیست بسمّاعة

رقاصها طفل لدى مكتب***يقرأ في الجزء بتباعة(1)

فارتجل الشيخ محمد رضا قائلاً (من بحر السريع):

غانية غالية المنتمى***في الشرق والغرب حوت قبتين

یا عجباً من طفل رقّاصها***يقرأ في الجزء بتباعتين (2)

والأبيات جيدة في وصفها الدقيق مع استعمال مجازات لطيفة ولا يخفى أن أبا المجد اعتمد في نظمه على أبيات أبي المحاسن فجاءت مقاربة لها في الأسلوب، ولكنها أدق منها في المعنى وهذا ما جعل أبا المحاسن يقول :

عجبت للشيخ على فضله***في شعره يسرق تباعه

دقيقة يسطو بها آخذاً***مني ما قد قلت في الساعة (3)

ويبدو أن قضية وصف الساعة هذه قد تطورت فأصبح هناك رهان

ص: 88


1- الشعر العراقي أهدافه وخصائصه: 161.
2- المصدر نفسه : 161، ديوان أبي المجد : 47 (وجاءت القافية بحذف النون).
3- الحصون المنيعة : 308/2

وحكم على من أخذ من ألفاظ الآخر ،وصوره، وهناك أبيات أخرى كتبها أبو المجد على الوزن نفسه والقافية نفسها وهي:

وذات قلب خافق دائماً***ولم تكن قط بمرتاعة

تحمل بالرغم على وجهها***عقارباً ليست بلسّاعة

جاهلة بالوقت کم عرفت***أثلاثة الوقت وأرباعة

وإن تكن تحملها ساعة***يسألك الناس عن الساعة (1)

ومع أن هذه الأبيات كتبت لأجل المعارضة الشعرية إلا أنها تحمل وصفاً دقيقاً للموصوف (الساعة) ويظهر فيها أن الشاعر متأمل أكثر من حالته الأولى حيث كانت أبياته ارتجالية ومع ذلك فهو مُجيد في المرتين.

وقد عارض أبو المحاسن هذه الأبيات وأرسلها إلى الشيخ محمد رضا وهو يذكر بسبقه في طرق هذا الموضوع وجميل نظمه كما نبه إلى ما أجاد فيه الشيخ من وصف .(2)

ومن كل هذا نستشف مدى حجم الفراغ الذي تخلل حياة الشاعر حيث ينشغل شاعران أو أكثر في الأخذ والرد لا على قضية علمية أو نقدية، إنما على أبيات وصفت الساعة كما يمكن أن تشير هذه الحادثة إلى مدى تغلغل الشعر وقوله في الحياة العامة حتى لاتخلو مناسبة عظيمة أو بسيطة من أبيات شعرية تصفها وتخلدها.

وله في وصف الطبيعة وقد كتبها إبان فصل الربيع عام 1347ه وقد أرسلها إلى صديق، وهذه الأبيات مما كتبه الشاعر في إيران بعد انتقاله إليها (من بحر البسيط):

إني ذكرتك والأنهار جارية***والورق صادحة فوق الأفانينِ

ص: 89


1- ديوان أبي المجد : 97 - 98.
2- انظر الحصون المنيعة : 307/2 - 308

وخانه الدهر في آذار معتدلاً***مما جناه علیه کف تشرین

لومر كسرى أبرويز بساحته***ألهاه جوريه عن خد شيرين

كاسات بلّورنا بالشاي مترعة***وقهوة البن تجلى في الفناجين

وقد علا لدخان التبغ طيب شذى***يكاد يفعمُ من بالهند والصين

يقول مشتامه من فرط حيرته***أشمع شيراز ذا أم مسك دارين (1)

وهذه الأبيات تصف منظراً خلاباً وقد استشعرنا ذلك من خلال الكلمات، إذن فالشاعر نجح في توصيل إحساسه لنا من خلال وصفه للطبيعة الجميلة، ويظهر من خلال الألفاظ التي استعملها الشاعر أنه في بيئة غير البيئة النجفية حيث تختلف المظاهر والمكونات والتراث والحضارة وذلك باستعماله ألفاظ (كسرى ،أبرويز شیرین، شمع شیراز مسك دارين).

ومما سبق من الأمثلة يبدو بوضوح مدى مقدرة الشاعر في فن الوصف فهو شاعر مجيد في تأمله وانتقائه اللقطات التي يصفها في الشيء الموصوف.

ه - الفخر

الفَخْر والفخار والفَخَر : المدح بالخصال والافتخار: عد القديم، والتفاخر : التعاظم والتفخّر : التعظم والتكبر .(2)

والافتخار هو المدح نفسه إلا أن الشاعر يخص به نفسه وقومه وكل ما حسن في المدح حسن في الافتخار وكل ما قبح فيه قبح في الافتخار .(3)

ص: 90


1- ديوان أبي المجد 143
2- انظر لسان العرب: 1/8 (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط)
3- انظر: العمدة : 1026/1420 (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط)

وربما يسأل المرء نفسه ما الدافع لشعر الفخر، لماذا يمدح الإنسان نفسه؟ أهو إعجاب بالذات حتى ليخيل للقارئ والسامع غروراً؟

ويمكننا أن نقول : ربما كان الفخر في الحروب هو الأصل حيث يفتخر المقاتل بشجاعته وبسالته وهو يعرض مقدرته القتالية أمام أصحابه وعشيرته ليزدادوا حماساً، وأمام أعدائه ليعرفهم بنفسه ويخوفهم منه.

أمّا في عصرنا الحاضر فلا رجز يقدم في الحروب إلا ما كان بصفة قومية أو جماعية، أما الفخر الفردي فيمكن أن نعزوه إلى وجود حروب نفسيّة بين بني البشر أو بينهم وبين الدنيا، فلو لم يكن الشاعر يحس إن المقابل أو الزمن ينتقص منه أو ينظر له نظرة استصغار لما هب ليدافع عن ذاته مفتخراً.

وهذا شاعرنا أبو المجد مثال على كلامنا حيث يستشعر أن الدهر أو الواقع لا يعتبره ولا ينظر له بمستوى استحقاقه لأنه قليل المال فيقول (من بحر الطويل):

ألا إن شكل المال في الدهر منتج***ولكن شكل العلم فيه عقيمُ

فمن يشتري مني جميع فضائلي***فإني بأنحاء العلوم عليمُ

فقية أصولي أديب مفسّر***طبيب بصير بالنجوم حكيم

فصیح بليغ أريحي مهذَّب***وفيَّ لأسرار الصديق كتوم

ضنين بعرضي صائن لديانتي***جواد بما تحوي اليدان كريم

عففت عن الفحشاء في زمن الصبا***على إن شيطان الشباب رجيم(1)

والشاعر هنا يبدأ من حيث انكساره إنه يفتخر من حيث يشتكي فهو يشكو دنياه وبؤس حاله مع ذلك فهو يفتخر بكونه عالماً فقيهاً أصولياً ... الخ، وقد يظن القارئ أنه يستعمل طريقة الباعة في المناداة على سلعهم حيث يعدد الفضائل الواحدة بعد الأخرى..

ص: 91


1- ديوان أبي المجد : 123 - 124 .

ولكن الحقيقة - كما نعتقد - أن الشاعر لو لم يكن يفخر بهذه الصفات ويعتز بها ويضعها نصب عينيه لما استطاع عرضها هذا العرض. ولما عرف نفسه بكل هذه الصفات الطيبة الحميدة.

ومما يفخر به أبو المجد أيضاً طريقة معاملته للآخرين وأخلاقه حتى مع مبغضيه ومن ذلك قوله (من بحر الطويل):

عذيري من باغ حقود وما انطوى***عليه ضميري قط بالحقد والغل

ويشتمني جداً فأغضي تكرماً ***واحمل منه الجد صفحاً على الهزل

وما ضائري شيئاً تقوّله وهل***يؤثر في صم الصفا مدرج النملِ

ولو شئت في نعلي صفعت قذاله***(1)ولكنني كرّمت عن مثله نعلي

ولي أسوة فيما لقيت من الأذى***ما قد لقي من قومه سيد الرسل(2)

إنه يفخر بخلقه السامي حيث يجازي من يسيء إليه بالإحسان والتجاهل مع أنه قادر على ردّ الأذى عليه إلا أنه يتأسى برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم واحتماله للأذى، ويبدو أن الشيخ مقتنع بموقفه الذي يفتخر به فنراه هادئاً جداً في حديثه مع أنه يرمي عدوّه بالتفاهة والسخف والجبن والرذيلة.

و - الهجاء

وهو ضد المديح، وكلما كثرت أضداد المديح في الشعر كان أهجى له (3)، والهجاء نقيض الفخر أيضاً، أو بالأحرى هو وجه سلبي آخر له فالشاعر قد يفتخر بنفسه بتعداد مآثرها وبإظهار نقمتها وسويدائها من الرذائل والبشاعة أكانت من الفرد أو المجموع .(4)

وإذا أردنا تقسيم الهجاء تقسيماً داخلياً على وفق التيارات النفسيّة،

ص: 92


1- القذال : ما بين الأذنين من مؤخر الرأس.
2- دیوان أبي المجد: 113.
3- انظر نقد الشعر : 101.
4- فن الهجاء وتطوره عند العرب إيليا حاوي، دار الثقافة - بيروت : 7.

وتقسيماً خارجياً على وفق مظاهره فيمكننا آنئذ أن نتحقق أنه ثمة هجاء يعبر عن وجهة نظر إحدى القبائل تجاه قبيلة أخرى معادية وهذا لا نجده في شعر أبي المجد.

وهناك الهجاء الذي يصدر بشكل فردي أي عن فرد إلى فرد آخر تواقع معه ومن ذلك قول أبي المجد (من بحر الوافر):

وقالوا الشيخ جاء على حمار***وملء ثيابه خزيٌ وعارُ

وحين تشابها شكلاً وعقلاً***سألت القوم أيهما الحمار (1)

فالشاعر هنا شبه مهجوه بهذا الحيوان (الحمار) الذي عادة ما يوصف بالغباء كما أنه وسمه بالخزي والعار والشكل القبيح ويبدو أن الشاعر كان مندفعاً في هجائه يحتقر مهجوّه حتى ليراه هو والحمار واحداً ، ، إنه ينزله من صفته الإنسانية إلى صفة الحيوانات.

وأسلوب الهجاء هنا هو السب المباشر والقدح المعلن.

«وهذا النوع قد يعدم القيمة الفنية إذ إنه لا يحتوي على عمق في الرؤية أو الأداء فهو أشبه بالقذف» (2)كما يقول إيليا حاوي.

ومن الهجاء أيضاً ما كان منعكساً عن الفخر، الملازم له، المستمد منه حيث يفخر الشاعر عن طريق المقابلة بين نفسه والآخرين، ينمي إليها كل خير وإلى من دونها كل شر .(3)

ومن ذلك قول الشاعر أبي المجد (من مجزوء الرمل):

زاد في همّي وغمّي***جاهل ادعوه عمي

هوعمي نسباً***لكنه في العلم أمي

ص: 93


1- ديوان أبي المجد : 84.
2- فن الهجاء وتطوره عند العرب : 9.
3- المصدر نفسه : 9.

قدتقاسمنا ترا***ث الشيخ في أعدل قسم

كان لي بسطة علم***وله بسطة جسم (1)

والهجاء في هذه القطعة موجّه إلى عم الشاعر وهو حين يهجو عمه لا عداءً لشخصه بالذات ولو لم يكن هذا الإنسان عمه لما هجاه الشاعر ربما، وإنما هجاه لقرابته منه، حيث لم يتحلَّ هذا الرجل بالصفات التي حملتها هذه الأسرة العلمية والتي تقسم الإرث بينهما فكان حصة الشيخ أبي المجد العلم وحصة عمه الجسم، ومن خلال عقد هذه المقارنة برز الجانب السلبي في شخصية الرجل المهجو مما جعل الشاعر يبدو حيادياً في وصفه غير منحاز في كلامه.

وهناك نوع رابع من الهجاء: هو هجاء السخرية والتندر، حيث يعبث الشاعر بمصائر الآخرين ويلهو بأقدارهم، هازئاً من سخفهم وعاهاتهم ونقائصهم، فالشاعر هنا لا يصدر عن نقمة أو غيظ، بل عن خفّة ولهو، وهذا النوع من الهجاء ينطوي على معنى الاحتراف وهو يغلب في البيئات الحضارية المتقدمة حيث يقدر للشاعر أن يتفرغ لدراسة موضوعه واستطلاع مكامن العاهة والسخرية والتندّر .(2)

وليس الفراغ وحده هو عامل نجاح الشاعر الحضري في هذا النوع من الهجاء، بل إن لطبيعة عقل ابن المدينة أثراً كبيراً فعقلية الحضري المعقدة والمتفتحة جعلت منه إنساناً ساخراً وبنجاح، وهو بهذا يختلف عن الإنسان البدوي أو ابن الريف إذ تكون طبيعة العقل عندهم بسيطة وبريئة وغالباً ما يكون بسطاء الريف والبدو فرصة للتندر من قبل بعض أبناء المدينة ولا نقول إن هذا النوع من الهجاء موجه بصورة عامة من أبناء المدن إلى أبناء الريف والبدو فقد يكون الهجاء الساخر بين أبناء المحلّة الواحدة أو حتى الأصدقاء في ساعات اللهو.

ص: 94


1- ديوان أبي المجد : 124 - 125.
2- فن الهجاء وتطوره عند العرب : 10 .

ونجد في ديوان أبي المجد مجموعة الأبيات التي يمكن أن تندرج تحت هذا الموضوع .(1)

ز - التلغيز

وهو أن ينظم لغزاً شعرياً، أو يسأل عن شيء أو اسم بوساطة نظم بيتين أو أكثر من الشعر، ومن ذلك قول الشيخ ملغزاً في لفظة (بارق) من (البحر السريع):

يا أدباء العصر ما موضع***أوله ضعف لثانيه

وحرفه الثالث ضعف لما***تحسبه إن عد تاليه

ويطلب العاشق من صبّه***مقلوبه مع ترك باقيه

مع حذف أولاه إذا لم تكن***علمت أن قد سال واديه

وقد نهى الشارع عنه إذا***رحمته مع قلب باقيه (2)

وواضح من بداية الأبيات إن اللغز موجّه لجماعة من أدباء تلك الحقبة حيث كانت المجالس الأدبية تحتوي على الكثير من هذه الأحاجي والألغاز التي لا بداية لها ولا حدّ.

وها هو الشيخ يسأل عن لفظ ويصف حروفه بأن الأول في الترتيب الأبجدي يقع موقع الضعف من حرفه الثاني، وكذلك حرفه الثالث بالنسبة للرابع واللفظة عكس ما يطلبه الحبيب من حبيبه من القرب، وإذا حذف منه الحرف الأخير صار أمراً محرماً (كالربا) مثلاً.

وربما كان الشيخ يسأل عن لفظ (أبرق) ولم يجدها المحقق بهذا الشكل، لكن هذا اللغز وأمثاله إن دل على شيء فإنما يدل على الفراغ الكبير والجنوح إلى التسلية الحسابية وحب الأرقام والتلاعب بالحروف، وكان الشعراء والناس يقضون بها أوقاتهم التي خلت تقريباً من المشاغل المهمة.

ص: 95


1- ديوان أبي المجد : 80 - 81.
2- دیوان أبي المجد : 145 .

ح - التأريخ الشعري

ويقصد به أن يثبت الشاعر في بيت أو شطر من بيت تاريخ وقوع حادثة معينة بالحروف الأبجدية التي يقابل فيها كل حرف رقم معين متواضع عليه(1) وتحسب الكلمات بعد الفعل أرخ ومشتقاته.

وقد أرخ الشعراء في تلك الحقبة جُل الأحداث التي مرّت بهم من ولادة مولود لأسرة صديق أو وفاة عالم جليل أو بناء جامع أو تشييد مدرسة وغيرها ..

ومن ذلك قول الشاعر أبي المجد مؤرخاً ارتفاع الوباء عن النجف الأشرف، كتبها مخاطباً الشيخ علي آل كاشف الغطاء، وكان الوباء قد ظهر في (15/ ربيع الأول سنة 1320ه-) والأبيات (من بحر الرمل):

بلغوا عني الإمام المرتضى***من به قدر العلوم ارتفعا

فرّق المال على وفّاده***وبه شمل المعالي جمعا

يا لك البشری فما نحذره***بأبي السبطين عنّا رُفعا

جاءه مستشفعاً شیعته***وهو في شيعته قد شفعا

مزنة العفو علینا هتنت***وغمام الغمّعنا انقشعا (2)

غاب عنا طالع النحس وذا***طالع السعد علينا طلعا

فأتى تاريخه (كل الوبا***بأمير المؤمنين ارتفعا)(3)

1320ه

ص: 96


1- المعادلات الحسابية للحروف هي: (أ=1 ،ب=2، ج3، د4، ه-=5، و=6، ز=7، ح=8، ط=9، ي=10، ك=20 ، ل=30، م=40، ن=50، س=60، ع=70، ف=80، ص = 90 ، ق =100، =200، 300، ت= 400، ث = 500، خ=600، ذ=700، ض= 800 ، ظ= 900 ، غ = 1000) انظر: المعجم الأدبي: 56 .
2- المزنه المطرة، وهتنت السماء: تتابع مطرها.
3- ديوان أبي المجد : 94 - 95 .

وفي هذه الأبيات نرى فرحة الشاعر وبهجته واضحة حيث يزف البشارة إلى الشيخ على آل كاشف الغطاء، وكيف لا يفرح من خلصت نفسه وأخوته من خطر الموت إنه يؤمن بقضية تسيطر على ذهنه وتهيمن على أبياته ولو من وراء الكلمات وهو الإيمان بأن الوباء ارتفع بشفاعة أمير المؤمنين علیه السلام لذلك نراه فور ما يزف البشارة تظهر الفكرة بقوله (بأبي السبطين عنا رفعا) وكذلك في جملة التأريخ (كل الوبا بأمير المؤمنين ارتفعا).

ونرى روحه تتطلع نحو السماء حيث هطلت أمطار الخير ورحلت غيوم الهم والحزن وغاب طالع النحس وكل هذه قرائن لارتباط عقلية الشاعر بالله (سبحانه وتعالى) وكيف لا ينظر إلى السماء من أتاه الفرج من رافعها ..!

وكذلك في قوله مؤرخاً ولادة ولد لصديقه الشيخ مصطفى التبريزي (من بحر السريع):

ارخته فبشِّر المصطفى***بمصلح الدين أبي القاسم(1)

وهنا نرى الفكرة المهيمنة هي التنبؤ بالمستقبل العلمي العالي لهذا المولود وبذكر الحدث والمهنأ واسم المؤرخ لولادته، كل هذا في بيت واحد، واعتقد أن هذا من مظاهر قوة الشاعر في التأريخ الشعري والنظم فيه.

ط - الخمرة

لقد أتت القصائد التي عالجت موضوع الخمرة قصائد تقليدية أو محاكاة، فقد ندر من الشعراء - ذوي التوجه الديني خاصة - من عاقرها حقيقةً، ولكنهم حضروا بعض مجالسها أو حاموا حولها وقرأوا عنها في

ص: 97


1- ديوان أبي المجد: 122.

شعر السابقين وعرفوا أخبارها وآثارها فنظموها كؤوساً وسقاة ومساحه ومقاصف وخمارين ومجالس ومذاق(1)..

وليس غريباً أن تأتي القصائد تقليدية إذن فالشاعر يرى أن الشعراء الأقدمين (شعراء العصر العباسي) أفضل الشعراء وطريقتهم وأسلوبهم هو الأفضل وكانوا يحبّون الالتزام بنهجهم لأن شاعر ذلك العصر لا رافد له في تغذية الفكرة إلا ما ورث من أسلافه الشعراء.

ومن شعر الخمرة ما قاله الشيخ محمد رضا في مسمطته التي هنأ بها الشيخ علي آل كاشف الغطاء بزواج ابن أخيه الشيخ كاظم بن موسى آل كاشف الغطاء (من المجتث) :

مدامة خندريس(2)***بكرٌ عجوز عروس

إذا جلتها الكؤوس***تريك وهي تقطّب

لئالئاً تتبسم***ترى لدينا غلاما

يسقيك جاماً فجاماً***يجلوسناه الظلاما

يسطو بسالف ربرب(3)***في جفنه بأس ضيغم(4)

وفي هذه الكلمات لا نرى مفردة جديدة ولا وصفاً مبتكراً للخمرة وقد ربط صورة الشراب بصورة الساقي الذي تغزّل به الشاعر جرياً على عادة الأقدمين والأبيات تصدرت مسمطة في التهنئة - كما ذكرنا - وهذه المناسبة وفرت الجو لإطلاق عنان التعبير عن الأشياء غير الجادة بهدف الترويح عن النفس .(5)

ص: 98


1- أثر البيئة في أدب المدن العراقية في القرن التسع عشر : 74.
2- خندریس: الخمر القديمة.
3- ربرب القطيع من الظباء ومن البقر الوحشي والإنسي.
4- دیوان أبي المجد : 127.
5- شعر السيد رضا الهندي : 123.

ما نلاحظه في شعر أبي المجد أنه في ساعات النشوة الذاتية لا يذكر الخمرة بل يذكر القهوة (البن) والدخان لأنه يتلذذ بهما فعلاً، وأعتقد أن هذه شجاعة من الشاعر وتجديد في الغرض حيث عبر تعبيراً صادقاً عن ما يستهويه فعلاً في عصر يوشك التجديد أن يكون محرّماً وكان الأدباء مولعين بالتقليد الجامد ومن ذلك قوله (من الكامل المذيل) :

قد كدت أنسى وصفها***فذكرته من بعد أمة

عاطیت بنت البن في***أفيائها لا بنت كرمة(1)

وقوله (من بحر البسيط):

كاسات بلّورنا بالشاي مترعة***وقهوة البن تجلى في الفناجين

وقد علا لدخان التبغ طيب شذا***يكاد يفعم من بالهند والصين(2)

إنه يستمتع بذكر الشاي والقهوة والدخان في شعره ويتلذذ بوجودها في مجالسه فهو لا يفضل الحديث عن الخمرة غير المعهودة في حياته، أنه يصف ما تراه عيناه وما هو موجود واقعاً في حياته.

ي - السياسة

لقد ندر الشعر السياسي في دواوين شعراء النجف عامة في تلك الحقبة، حتى إن بعض الدواوين تخلو من أي شكل من أشكاله ولو عن طريق التورية والرمز أو الشعر الديني.(3)

كان هذا لأنهم لم يعتادوا طرق هذه المواضيع في شعرهم، أو لكون العراق جزءاً من الإمبراطورية العثمانية المسلمة، وكان الدين هو

ص: 99


1- دیوان أبي المجد: 126.
2- المصدر نفسه : 143.
3- انظر أثر البيئة في أدب المدن العراقية في القرن التاسع عشر : 26 .

الرابط بين العرب ،والدولة ولأجله كان العرب يتحاشون الإساءة إليها والدعوة إلى الانفصال عنها لأنها كانت رمز الإسلام والمدافعة عنه وهي رمز الخلافة الإسلامية .(1)

وهذا الرأي يحتمل بعض الصحة فللرابط الديني أثر كبير حيث كان الشاعر يفكر أنها الدولة الوحيدة الكبرى التي تحمل عنوان الإسلام فهو يؤمن بهذه الدولة من قبيل إيمانه بالإسلام.

وللسياسة أثر لا يخفى في مختلف النواحي الاجتماعية وكذلك في الأدب فمدى التجربة السياسية تطبع التجربة الأدبية بطابعها .(2)

وهذا يحدث إذا كان هناك علاقة بين الشعب والدولة فلا أتصور أن يكون للإنسان العراقي علم بتفصيلات الحكم وقرارات الدولة وسياستها بصورة كاملة وواضحة، لذا كان الأثر السياسي في الشعر قليلاً في تلك الآونة.

ويعتقد إيليا الحاوي أن الشعر العربي كان الأقل تأثراً بالواقع السياسي لأن طبيعة التجربة الشعرية تتباين عن طبيعة النشاطات الفكرية الأخرى، فالشعر لا يتجدد بالاقتباس.

كما هو أمر الصحافة والطباعة والعلم والتعليم، وإنما يقتضي مستوى روحياً ومعاناة لتجربة الحرية والتعامل مع الوجود تعامل الند للند .(3)

وما وجدناه في شعر أبي المجد هو مناصرته للدولة العثمانية من

ص: 100


1- انظر في الأدب العربي الحديث بحوث ومقالات نقدية: 165.
2- انظر الأدب والمجتمع : 64.
3- انظر في النقد والأدب : إيليا الحاوي : دار الكتاب اللبناني - بيروت ط 1 ، (1980م) : 7/4.

خلال قوله عن حرب البلقان(1)(من البحر الطويل):

ولما بنو البلقان ساءت فعالهم***وجلَّت خطاياهم عن العدّ والصفحِ

رضينا بحكم المشرفية (2) بيننا***فقالت بأن الحرب خير من الصلح

فما برحت تتلو الدخان عليهم***مدافعنا حتى تلت سورة الفتح (3)

وهذا الكلام ليس موجهاً ضد السلطة العثمانية، إنما موجه لأعداء هذه الدولة من المشركين ويذكر الدكتور يوسف عز الدين أنه : إذا حدث حادث للدولة العثمانية يضج الشعراء العرب بالدفاع عنها والذود عن حياضها كما حدث في حرب البلقان (4)..

وتبدو حماسة الشاعر في الأبيات وصدق انتمائه إلى الإسلام في الانتصار للدولة العثمانية التي تمثل الحامية للإسلام آنذاك وهذا واضح من استعماله لأسماء بعض سور القرآن الكريم في حديثه.

وللشاعر أبيات أخرى ذم بها والي اصبهان (بحر الوافر):

تولى أصبهان أمير جورٍ***ولم يعزله إكثار الشكايه

فأظهر في الولاية كل جورٍ***إلهي لا تُمته على الولايه (5)

ولا نرى المجابهة الفعلية القوية في هذه الأبيات إنما الشاعر يشكو هذا الوالي الظالم ويدعو عليه فقط دون مجابهته بقوة الشعب.

ص: 101


1- حروب البلقان اسم يطلق على حربين حدثتا في منطقة البلقان في جنوب صربيا عام (1912 - 1913م) للسيطرة على مقدونيا التي كانت تحت السيطرة العثمانية، لكن بلغاريا هزمت وخسرت وكان النصر حليف الدولة العثمانية (انظر: حروب البلقان يوكيبيديا الموسوعة الحرة - شبكة الانترنيت).
2- المشرفي: سيف يجلب من المشارف منسوب إليها (المعجم الوسيط : 480/1).
3- ديوان أبي المجد: 49.
4- انظر : في الأدب العربي بحوث ومقالات: 165.
5- دیوان أبي المجد: 146.

ص: 102

الدراسة الفنية

اشارة

ص: 103

ص: 104

الفصل الأول :البناء الفني

البناء

(لغةً)

بنى : بيتاً أحسن بناء وبنيان، وهذا بناء حسن وبنيان حسن كأنهم بنيان مرصوص وسمي المبني بالمصدر. وبناؤك من أحسن الأبنية. وبنيت بنيه عجيبة ورأيت البنى فما رأيت أعجب منها وبنى القصور .(1)

وجاءت تسمية البناء الفني في النص الأدبي كالبناء الهندسي المعروف في الأبنية والقصور والسفن وذلك لتراص الكلمات بعضها ببعض وتكوينها الشكل النهائي للعمل كما تتصل مكونات البناء المعماري لتبلغ الغاية المقصودة.

وقد تنبه القدماء لوجود هذه الصفة المعمارية في القصيدة العربية القديمة ومنهم ابن قتيبة حيث وصف المراحل التي يتوخاها الشاعر وهو ينشد قصيدة المدح وكيف يبدؤها بذكر الدمن والإطلال ويتحول فيها من

ص: 105


1- أساس البلاغة جار الله الخوارزمي الزمخشري (467 - 538ه) : 1/8 (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).

شق إلى آخر بانسيابية فنية يحدد جودتها مقدرة الشاعر الفنية وتمكنه من فكرته ولغته .(1)

وتحدث ابن طباطبا عن بناء الشاعر لقصيدته فقال :

«فإذا أراد الشاعر بناء قصيدة مَخَضَ المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثراً، وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه، والقوافي التي توافقه والوزن الذي يسلس له القول عليه» .(2)

إذن فغرض القصيدة وهيكلها هو المحدد لألفاظها وصورها وهو أول البواعث لبناء القصيدة وعليه فهيكلية القصيدة تتغير تبعاً لغرضها ويمكن اعتبار هذه الملاحظة متقدمة من قبل ابن طباطبا في مجال البناء الفني للقصيدة.

ويقترب حازم القرطاجني (ت 684ه) من هذا المعنى في قوله :

«يجب على من أراد جودة التصرف في المعاني وحسن المذهب في اجتلابها والحذق بتأليف بعضها إلى بعض أن يعرف أن للشعراء أغراضاً أول هي الباعثة على قول الشعر، وهي أمور تحدث عنها تأثرات وانفعالات للنفوس لكون تلك الأمور مما يناسبها ويبسطها أو ينافرها ويقبضها أو لاجتماع القبض والبسط والمناسبة والمنافرة في الأمر من وجهين».(3)

إذن فهو يجعل من الحالة النفسيّة للشاعر وغرضه من القصيدة

ص: 106


1- انظر 1: الشعر والشعراء: ابن قتيبة الدينوري (276ه)، عالم الكتب - بيروت طا ، (1282ه): 6- 7
2- عيار الشعر محمد بن أحمد بن طباطبا العلوي (250 - 322ه)، تح: عباس عبد الساتر، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ط2 ، 2005 م - 1426ه) : 11.
3- منهاج البلغاء وسراج الأدباء : أبو الحسن حازم القرطاجني (ت 684ه) : تحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة رسالة ماجستير مطبوعة في دار الكتب الشرقية (1964م): 11.

محركاً لمسارها وهو الذي يحدد كيفية بنائها بالرغم من وجود التقليد الفني المعروف في القصيدة العربية الذي ذكره ابن قتيبة في قوله «فالشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب وعدل بين هذه الأقسام - يقصد مراحل بناء القصيدة العربية المعروفة - ولم يطل ويمل السامعين ولم يقطع وبالنفوس ظمأ إلى المزيد».(1)

ويمكن أن نزاوج بين الفكرتين فنقول : إن في كلّ نص شعري استهلالاً ومقدمةً وتخلصاً إلى الغرض ثم الغرض الرئيس ثم الخاتمة، ولكن طرق التعبير عن هذه الأشياء أو أسلوب بنائها يختلف من شاعر إلى آخر كل حسب حالته العاطفية والنفسية.

أما في الدراسات الحديثة فقد احتلت دراسة البناء الفني مساحة واسعة واهتماماً بالغاً من قبل الدارسين حتى قال عنه الدكتور محمود البستاني : «البناء الهندسي للنص أهم العناصر في العمل الأدبي»(2) ويرجح الدكتور هذا الاهتمام البالغ بالبناء الفني للنص إلى آلية الإدراك البشري وما يواكبه من العمليات النفسيّة التي تقوم على خطوط بنائية : كإدراك الشيء من خلال (الكلّ) أو (الجزء) المرتبط بالكل، والانتقال من أحدهما إلى الآخر من خلال التدرج والنمو والسببية. مضافاً إلى بعض معطيات الاتجاه التحليلي والشكلي التي تجعل من الاهتمام بظاهرة (البناء الفني) للنص أمراً له مشروعيته بل أرجحيته على سواه .(3)

إذن عملية البناء الفني ليست عملية هيئة أو اعتباطية بل هي تابعة للكثير من عمليات الهدم والبناء النفسي الغائرة في ذات الشاعر والتي يصدر عنها ويتمثلها.

ص: 107


1- الشعر والشعراء 7.
2- الإسلام والأدب : د. محمود البستاني، المكتبة الأدبية المختصة ستارة - قم (1422ه - ط 1):209
3- انظر: المصدر نفسه : 209.

ولا شك أن المحافظة في بناء القصيدة العربية أثر من آثار النفس العربية المطبوعة على حب القديم وتقديسه وقد لازم هذا الأثر الشعر العربي منذ أقدم عصوره ذلك بأن صفة المحافظة في قول الشعر قوية متمكنة من النفس العربية وأنها أكسبت القصيدة واللغة في صورتها وجوهرها قوة داخلية خاصة وحركة ذاتية جعلتها تساير الحياة وتجاري طبيعتها وتغيّرها من دون أن تتحول هذه المجاراة إلى عملية اندثار للأوضاع القديمة .(1)

وإذا كانت صفة المحافظة في بناء القصيدة بهذا الشكل من القوة والتمكن فمن الطبيعي أن يرضي شاعرنا أبو المجد النجفي ذوق عصره وأن يخضع فنه لبيئته الأدبية المحافظة، التي تمسكت بأساليب الشعر القديمة في طريقة البناء وفي أن تكون أبيات المستهل والتخلص، والختام بارزة وناتئة عن بقية أبيات القصيدة وهذا تقليد - كما يقول الأستاذ عبد الكريم الدجيلي - لا يحيد عنه شاعر مهما ارتفع أو هبط .(2)

وإذا ألقينا نظرة عامة على شعر أبي المجد النجفي فسنجد أن قصائده انقسمت انقساماً غير متساو بين قصائد طويلة تجاوز عدد أبيات كل قصيدة عشرين بيتاً، وقد بلغ عدد هذه القصائد في الديوان اثني عشر قصيدة التزم الشاعر في أغلبها بالبناء الفني الموروث في مراحل القصيدة العربية.

أما القصائد القصيرة التي يتراوح عدد أبياتها بين (7 - 20) بيتاً فيبلغ عددها (15) خمس عشرة قصيدة والتي قلما التزم الشاعر بها بطريقة البناء التقليدي، بل - غالباً ما - كان يدخل الغرض مباشرة.

ص: 108


1- انظر مروان بن أبي حفصة وشعره قحطان رشيد التميمي رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الآداب - جامعة بغداد (1386 ه - 1966م): 178.
2- انظر محاضرات عن الشعر العراقي الحديث : 7.

والباقي مقطعات تراوحت بين بيت واحد وسبعة أبيات بلغ عددها (161) مقطعة قالها الشاعر في أغراض آنية أو على سبيل المداعبة وإرسال الهدايا والبرقيات لأصدقائه أو في شعر الحكمة.

كما إن للشاعر مسمطة واحدة كتبها في مناسبة زفاف أحد أصحابه، تكونت من (28) ثمانية وعشرين دوراً كل دور يتكون من خمسة أشطر.

لذا ستكون دراستنا للبناء الفني في شعر أبي المجد النجفي على وفق التقسيمات الآتية :

أولاً : بناء القصائد المتكاملة - الطويلة - وتشمل :

1 - الاستهلال أو المطلع.

2 - المقدمة.

3 - حسن التخلص.

4 - الخاتمة.

ثانياً : بناء القصائد القصيرة والمقطعات.

ثالثاً : بناء المسمط.

رابعاً : التناسب في بناء القصيدة.

ص: 109

ص: 110

المبحث الأول

أولاً: بناء القصائد الطويلة

1 - الاستهلال أو المطلع

وهو أول بيت في القصيدة وقد سمّاه القدامى ب__(حسن الافتتاح) وبراعة (الاستهلال) واهتموا به كثيراً وقال عنه ابن رشيق: «حسن الافتتاح داعية الانشراح ومطية النجاح... والشعر قفل أوله مفتاحه وينبغي للشاعر يجود ابتداء شعره، فإنه أول ما يقرع السمع وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة» (1)إذن فأهمية الابتداء عنده لأنه أول ما يسمعه المتلقي فيجذبه أو ينفره مما عند الشاعر. وهو مفتاح القصيدة ومنه يستدل عليها.

وقيل : «إن براعة المطلع عبارة عن طلوع أهلة المعاني واضحة في استهلالها، وأن لا يتجافى بجنوب الألفاظ عن مضاجع الرقة، وأن يكون التشبيب نسيباً مرقصاً عند السماع وطرق السهولة متكفلة لها بالسلامة من تجشم الحزن مع اجتناب الحشو الذي ليس له علاقة بما بعده» .(2)

وهذا الكلام دليل اهتمام صاحبه بالمطلع وألفاظه ومعانيه بحيث

ص: 111


1- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده : 453. (الموسوعة الشعرية - قرص مضغوط).
2- خزانة الأدب وغاية الأرب: تقي الدين بن أبي بكر بن عبد الله الحموي الأزداري، تح: عصام شعيتو دار ومكتبة الهلال - بيروت ،طا ، (1987م): 19/1.

تكون سهلة مستساغة وأن يبتعد الشاعر فيها عن الحشو، ولم يبد قائله مهتماً بدلالة المطلع على محتوى القصد كما نبه لذلك غيره كابن الأثير إذ يقول: «وحقيقة هذا النوع أن يجعل مطلع الكلام من الشعر أو الرسائل دالا على المعنى المقصود من ذلك الكلام إن كان فتحاً ففتحاً وإن كان هناء فهناء..» .(1)

ففضلاً عن الصفات المتوخاة من المطلع من حيث اللفظ والمبنى يجب أن يكون المطلع دالا على المعنى المقصود من النص بكامله. إضافة إلى ذلك فقد حبّذوا أن يكون المطلع مصرّعاً (2)كما قال قدامة بن جعفر : «إن يقصد لتصيير مقطع المصراع الأول من البيت الأول من القصيدة مثل ،قافيتها فإن الفحول المجيدين من الشعراء القدماء والمحدثين يتوخون ذلك ولا يكادون يعدلون عنه» .(3)

ومما ذكرناه يتبين أن للمطلع شروطاً واجبة الاتباع يحسن ويكون ابتداءً موفقاً، ولا ريب بعد هذا كله أن يهتم الدارسون المحدثون بالابتداءات في النصوص الشعرية والنثرية ويقتلوها بحثاً وتحليلاً لما تبين من أهمية المطلع حتى شبهه أحد الباحثين بالبيضة المخصبة، التي تتحول لاحقا خلال عملية الإبداع إلى جنين ومن ثم إلى كيان كامل له رأس وجسد وأحشاء وأجزاء أخرى، وهي تحمل في تركيبها طباعاً وسلوكاً نفسيّاً ومشاعراً وأفكار.. وإذا استوت هذه البيضة المخصبة على تشويه ما ، ظهر جليا في تفاصيل كيانها اللاحق ولازمه .(4)

ص: 112


1- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ضياء الدين بن الأثير الموصلي، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد المكتبة العصرية - بيروت 1995م: 223/2.
2- التصريع هو اتفاق لفظين في الجزء العروضي والقافية ويكثر وروده في مطالع القصائد وهو فيها مستحسن. (المعجم الأدبي : 68).
3- نقد الشعر : 51
4- انظر الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي ياسين النصير، دار الشؤون الثقافية . بغداد (1993م): 17.

إذن فمطلع القصيدة من الخطورة بمكان بحيث يكون نجاح القصيدة مرهوناً بنجاح المطلع أو عدمه.

وانه ليس بنية مغلقة على ذاتها وإنما هو السدّ البنائي والتأريخي المتولد من العمل الفني كله الخاضع لمنطق العمل الكلي، وفي الوقت نفسه فهو عنصر له خصوصيته التعبيرية باعتباره بدء الكلام والبداية هي المحرك الفاعل الأول لعجلة النص كله .(1)

وهذا يعني أن المطلع لا يأتي عفواً لدى الشاعر إنما هو نتاج اختمار الفكرة واستوائها بالكامل في ذات الشاعر حتى يستطيع التعبير عنها في قصيدته، وهذا كله يكون مركزاً ومكثفاً في المطلع .

كما وقد شبهها أحد الباحثين بالشفرة الفنية التي تحمل رموز القصيدة يضعها الشاعر في مطلع قصيدته لتوحي بجوها وتومئ لموضوعها وتلمح لفكرتها ووظيفتها للقصيدة كوظيفة المقدمة الموسيقية للأغنية .(2)

وفي ضوء هذا كله يمكننا الآن دراسة مطالع شعر أبي المجد النجفي وتحليلها لمعرفة المستوى الفني الذي كانت عليه.

ومن مطالع الشاعر قوله في بدء قصيدة (التنصر) من مخلع البسيط :

قلبي بشرع الهوى تنصّر***شوقاً إلى خصره المزنّر .(3)

إن كلمات الشاعر في هذا البيت توحي لما يريد التحدث به من حديث الحب والغزل وهو يضع في ذهنه فكرة التهنئة والاحتفال بعرس الشيخ كاظم آل كاشف الغطاء الذي يرتبط مع الشاعر بعلاقة طيبة، ويبدو من خلال الوزن المختار والإيقاع والألفاظ ما يريد الشاعر إيجاده في جو العرس من مرح يتلاءم مع الحال الذي قيلت فيه القصيدة.

ص: 113


1- انظر الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي: 15 - 17.
2- انظر الرمزية في مقدمة القصيدة منذ العصر الجاهلي حتى العصر الحاضر : د. أحمد الربيعي، مطبعة النعمان - النجف الأشرف (1973م - 1393ه): 11.
3- ديوان أبي المجد : 76

ومثل ذلك قوله في مطلع قصيدة أرسلها إلى الشيخ هادي آل كاشف الغطاء وكان في الكاظمية (من البحر البسيط):

حيتك نشوانة الأعطاف والمقل***طوبی فقد نلت منها غاية الأمل(1)

ويبدأ الشاعر مطلعه بالفعل الماضي (حيتك) أي إن التحية صدرت من هذه الموصوفة التي تبعث على التساؤل. ما هي؟ أو من هي؟ التي حيت هذا الشخص المخاطب، وهذا ما جعل السامع يتنبه إلى القصيدة التي سلس مطلعها واحتوى الفكرة المكثفة التي تمتد جذورها إلى المدح الذي بعث به الشاعر إلى ممدوحه الذي نال غاية المعالي وهو أمل كل شخص.. فالمطلع مستوف للصفات العالية والشاعر أحسن فيه الابتداء..

ومثل ذلك قوله مطلع قصيدته في تقريض ديوان شعر الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (من البحر البسيط) :

قد أسكرتني وليس السكر من أربي***بنات فكر حسين لا ابنة العنب (2)

ويبدأ كلامه أيضاً بالفعل الماضي (أسكرتني) المؤكد ب__(قدس سره) التحقيقية، وهذا التعبير يدخل إلى الفكر جميع تداعيات الخمرة وما تفعلها في الإنسان من ذهاب الرشد ولكن السامع يفاجأ وهذه مفارقة لطيفة، فكيف للأفكار أو بنات الأفكار أن تذهب العقل، وواضح إن أسلوب الشاعر في مطلعه قد ركز الفكرة كاملة في المطلع بما أعطى من صورة لطيفة بعبارات مكثفة أوضحت غرض القصيدة أو ألمحت إليه.

ومثل ذلك قوله في مطلع قصيدة أرسلها إلى صديقه الشيخ مرتضى التبريزي (من البحر البسيط):

يوم المحب إذا غاب الحبيب سَنه***وليله لا تذوق العين فيه سِنه (3)

ص: 114


1- المصدر نفسه : 109.
2- المصدر نفسه : 34.
3- ديوان أبي المجد : 139

والشاعر هذه المرة يعتمد الجملة الاسمية ليخبر عن فراق الحبيب وماذا يفعل بالإنسان في يومه وليلته وقد اعتمد في تصريع البيت على الجناس بين كلمتي (سَنة وسنة)، ويبدو الشاعر هنا متزناً يتحدث عن أمر يعرفه الجميع فعباراته فقدت عنصر الإدهاش في البيت، ولكن البيت مثل فكرة واحدة واضحة جداً هي فكرة الفراق التي وإن ألبسها الشاعر ثوب التغزل تبقى متصلة بالغرض الأساسي للقصيدة الاخوانية التي أرسلت من صديق إلى صديقه..

خلال ما عرضناه من مطالع نجد أن الشاعر كان موفقاً جداً ومن تمثيل أحاسيسه في البيت الأول حتى كانت جل مطالعه موافقة لمواضيع قصائده، ولم يكن الشاعر ليصرح بهذه الفكرة تصريحاً بل كانت مطالعه بحق - كما قلنا - شفرة فنية ترمز إلى فحوى القصيدة في شعره.

وقد حرص الشاعر على تحقيق شروط المطالع الجيدة من سلاسة الألفاظ ودلالتها على المعنى الكلي للقصيدة فضلاً عن التصريع.

2 - المقدمة

اقتصرت نظرة معظم النقاد القدماء على البيت الأول فقط من القصيدة دون أن يلمحوا العلاقة بينه وبين الموضوع المقدمة التي تسبق الموضوع فلم يلتفت إليها إلا قلة ولم تكن هذه القلة بصدد تفسيرها حينما التفتت إليها بل بصدد رسم منهج لشعراء المديح خاصة يضمن لهم الفوز بجائزة الممدوح. (1)

وهذا ما نلمسه في قول ابن قتيبة : «فإذا علم أنه قد استوثق من الإصغاء إليه والاستماع له عقب بإيجاب الحقوق فرحل في شعره وشكا النصب والسهر وسرى الليل وإنضاء الراحلة والبعير، فإذا علم أنه قد

ص: 115


1- انظر : الرمزية في مقدمة القصيدة : 109.

أوجب على صاحبه حق الرجاء وزمام التأميل وقرر عنده ما ناله من المكاره في المسير بدأ في المديح .(1)

إذن فكل ما ينسجه الشاعر من مقدمات طللية ثم غزلية ووصف للرحلة والراحلة - في رأي ابن قتيبة - هو سبل للمدح والحصول على الجائزة.

غير أن الباحثين المحدثين لهم رأي آخر فالدكتور أحمد الربيعي يرى أن الابتداء بمقدمات انطوت على سر جميل فهذا ينم على عراقة النزعة الفنية ورقيها عند شعراء العرب، ويكشف عن مدى إحساسهم بأن لغة الشعر هي لغة الرمز، ويدل على لطف مذهبهم في استعمال هذه اللغة الرمزية في فنهم الرفيع .(2)

لذا فللمقدمة وظيفة مهمة يكشف الشاعر من خلالها عن مقدرته الفنية وعن إحساسه العميق بالأشياء من حوله وبها يعبر عن ذاته تعبيراً يشحن فيه مكونات ذوات الآخرين فيعبر عنهم ويقترب منهم.

وتعترض الباحثة حياة جاسم على كون المقدمة تقليداً فنياً اتبعه الشعراء فتسأل : إذا كانت هذه المراحل تقليداً فنياً يجب أن يتبع فلماذا يلتزم بها الشاعر في بعض قصائده ويتجاوز بعضها أو كلها في بعضها الآخر؟

وهي ترى أن الأمر ليس فقط تقليداً فنياً ملزماً ولذلك لم يلتزم به الشعراء في جميع ما نظموا، ومنهم الشعراء المجيدون، فالأمر يعود إلى دوافع نفسيّة أيضاً تدفع الشاعر إلى أن يبدأ بالغزل ويذكر الناقة في بعض الأحيان، وتصرفه عنهما في أحيان أخرى، دون أن يؤثر ذلك على فنية قصيدته في قليل أو كثير .(3)

ص: 116


1- الشعر والشعراء: 6.
2- انظر: الرمزية في مقدمة القصيدة : 11.
3- انظر: وحدة القصيدة في الشعر العربي حتى نهاية العصر العباسي: حياة جاسم، دار الحرية - بغداد ع (1972م): 139 - 140.

ومع ذلك فنحن نعتقد أن التقليد عنصر مهم جداً في بناء القصيدة ولو لم يكن كذلك لما تنبه الشعراء والنقاد إلى طول المقدمات وقصرها في القصائد أو وجودها وعدمها.

فقد تكون لقصر المقدمات وطولها دلالة بحيث يمكن القول إن الشعراء أرادوا أن يتخففوا من القيود القديمة للقصيدة العربية التي التزم بها أكثرهم قسراً. وقد يكون الشعراء تنبهوا إلى أنه لا تستحسن الإطالة في مقدمات قصائد المدح مما لا يتناسب ومقام الممدوحين .(1)

ومع هذا كله فقد بقيت المقدمات أمراً شبه لازم في الشعر العربي والشعر العراقي في مرحلة حياة الشاعر محمد رضا النجفي، إذ كان لزاماً على الشاعر أن يبدأ القصيدة بالغزل والنسيب، أو وصف الفرس والناقة أو الليل والخمرة وما يتصل بهما من ذكر الساقي، والكؤوس والندماء، وأسمائها، ودنانها ونقلها أو وصف الرياض والرياحين والورود بمختلف أشكالها وألوانها .(2)

وبعد هذا الحديث كله أصبح لزاماً علينا دراسة المقدمات في شعر أبي المجد بأنواعها وهي ستكون كالآتي:

المقدمات وأنواعها في شعر أبي المجد

أ - المقدمة الطللية

وهي أكثر المقدمات التي افتتح بها الشعراء في الجاهلية وصدر الإسلام قصائدهم التي نظموها في الموضوعات التقليدية وكل ما أصابها

ص: 117


1- انظر اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري : 71 - 72.
2- انظر محاضرات عن الشعر العراقي الحديث: 7.

من تغير في صدر الإسلام هو أن بعض الشعراء المخضرمين لم يعنوا برسم المشاهد المفصلة لها .(1)

فهي أول أنواع المقدمات التي عرفت في الشعر العربي واشتهرت ولزمها الشعراء وأصبحت تقليداً فنياً لا يحيد عنه إلا القليل.

فقد أصبحت المقدمة الطللية سنّة متبعة من الصعب الخروج عليها عند بعض الشعراء التابعين وخاصة الملتزمين منهم بالتقاليد الموروثة في النظم .(2)

ولكن هذا التمسك الكبير بالمقدمة الطللية لا يمكن أن يكون سببه التقليد فقط، فلا بد أن يكون هناك دافع أكبر من التقليد.

إن مرحلة البكاء على الأطلال والغزل في القصيدة العربية تنبعث من دافع نفسي لدى الشاعر، إذن فهي جزء حي أصيل في التجربة والقصيدة. وهذا التقليد كان يجد صدى في نفوس الشعراء ويحقق حاجات في أعماقهم .(3)

ومع ذلك فقد خرج على المقدمة الطللية كثير من الشعراء في العصر العباسي وظهرت جماعة منهم يدعون إلى نبذها والثورة عليها مدركين بذلك حق العصر وتغير الظروف التي ولدت المقدمات القديمة، فصعب على أكثرهم أن يقف على الديار ويخاطب الأطلال والدمن، ويركب الناقة والبعير وهو لا يملك من هذا شيئاً .(4)

ص: 118


1- انظر : مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي : د. حسين عطوان، دار المعارف بمصر (1974م): 35
2- انظر المطلع التقليدي في القصيدة العربية: عدنان عبد النبي البلداوي، مطبعة الشعب - بغداد (1974م): 12.
3- وحدة القصيدة في الشعر العربي حتى نهاية العصر العباسي: 199.
4- انظر اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري: 98.

ويبدو أن شاعرنا الشيخ محمد رضا النجفي من هذه الفئة فهو لم يقدم لقصائده بمقدمة طللية إلا ما ندر، ومن ذلك النادر قوله في مطلع قصيدة في رثاء سيد الشهداء الحسين بن علي (من البحر المنسرح) إذ يقول :

في الدار بين الغميم والسندِ***أيام وصل مضت ولم تعدِ

ضاع بها القلب وهي آهلةُ***وضاع مذ أقفرت بها جلدي

جرى علينا جور الزمان كما***من قبل قد جرى على لبدِ

طال عنائي بين الرسوم وهل***للحر غير العناء والنكدِ(1)

وبعد هذه الأبيات مباشرة ينتقل إلى غرضه الرئيس لذا فهي مقدمة قصيرة تناول فيها الشاعر الحديث عن المكان الذي حمل ذكريات الوصال التي لم تعد ولن تعود، وحيث أقفرت هذه الديار بعد أن أضاع الشاعر قلبه عند أهلها الذين ذهبوا ثم ضاع جَلَده وقوته عند رؤيتها مقفرة.

إذن فتركيز الشاعر مسلط على الديار الموحشة لا على الحبيبة الغائبة إنه يتحسر على أيام الوصل التي لا عودة لها، إذن فهو الموت، والشاعر أراد من قصيدته الرثاء، رثاء الأحرار الذين لم يلاقوا في حياتهم سوى الأذى والألم.

لذا فإن اختيار الشاعر للمقدمة الطللية كان موفقاً واستعماله لها كان يدفعه إلى الغرض الأساس دفعاً تلقائياً على الرغم من الاقتضاب الواضح في رسم مشهد الديار، وهذا تأكيد لما ذكرناه من ابتعاد الشاعر عن المقدمة الطللية في شعره .

ومن ديوان أبي المجد مقدمة طللية أخرى لقصيدة كتبها جواباً عن قصيدة كتبها له الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (من البحر الرمل) هي:

ص: 119


1- ديوان أبي المجد: 50.

شام برقاً بالحمى قد لاح وهناً***فجرت أدمعه فرداً ومثنی

وسقت أجفانه تلك الربا***فهي لاترضى بغير الدمع مزنا

ديف أقلقه الوجد فما***زار طول الليل منه النوم جفنا (1)

ومن بعد هذه المقدمة ينتقل الشاعر مباشرةً إلى الغزل حتى يصل إلى غرضه الأساس، لذا نحن أمام مقدمة طللية مقتضبة مرة أخرى.

فالشاعر هنا لا يصف المكان إنما يصف حال من بكى هذه الديار وهو يراها مقفرة لايضيؤها سوى البرق ولا يسقيها سوى دمع عينيه.

اللافت إن الشاعر لم يفتتح قصائده بمقدمة طللية إلا في هذين الموضعين ولم يستوفِ صفات المقدمة الطللية، ولكنه استوفى شروط المقدمة الجيدة من مطلع حسن وكثافة لفظية ودلالة على معنى أراده الشاعر في قصائده غالباً.

ب - المقدمة الغزلية

لا تقل المقدمة الغزلية شيوعاً في صدور مطولات الفحول عن المقدمة الطللية، فقد افتتحوا عدداً كبيراً من قصائدهم بالغزل الذي تغنّوا به بقصص حبهم وحكايات غرامهم.

وقد جعل ابن قتيبة من النسيب في القصيدة وسيلة لجذب أسماع الجمهور فقال : «فشكا شدّة الشوق وألم الوجد والفراق وفرط الصبابة ليميل نحوه القلوب ويصرف إليه الوجوه ويستدعي به إصغاء الأسماع إليه لأن النسيب قريب من النفوس لايط بالقلوب لما قد جعل الله في تركيب العباد من محبّة الغزل وإلف النساء» .(2)

لذا هو يرى أن وجود الغزل في القصيدة أمر طبيعي لملاءمته طبيعة

ص: 120


1- ديوان أبي المجد : 132.
2- الشعر والشعراء: 6.

الإنسان وما جبله الله عليه ومن الغريب أن نجد أحد الباحثين يستنكر هذه الظاهرة فيقول : «يحق لنا أن ننكر عليهم هذا الاستهلال بالغزل ونحوه، فالغزل - في حد ذاته - سلوك شاذ يعبر عن البعد الشهوي لدى الشخصية» .(1)

وللباحث نظرته الخاصة التي ينطلق منها وتعلل الباحثة حياة جاسم خلو بعض القصائد من المقدمات الغزلية بالحالة النفسية للشاعر التي دفعته للانصراف عنها والأخذ بها في قصائد أخرى، ومادام الشاعر يأخذ بهذه المقدمة حيناً ويتركها حيناً فهي ليست فقط تقليداً فنياً ملزماً، وهي ليست تمهيداً لما بعدها.. إنها مرحلة مقصودة لذاتها فهو ينظم في الغزل حين تدفعه حالته النفسيّة لذلك أو يتخلى عنها حين تدفعه حالته النفسيّة أيضاً .(2)

والدافع ذاته هو الذي يحدد طول هذه المقدمة أو قصرها فالشاعر ينظم هذه المقدمة التي تتراوح بين بيت أو بيتين أو ما يزيد على عشرين بيتاً أحياناً، وقد يكون للغزل أكثر مما للغرض الأساس من مديح أو فخر وغيره، فهذا كله راجع إلى الحالة النفسية لدى الشاعر وليس التقليد فقط .(3)

ويتحدث الشاعر في هذه المقدمة عن قصص غرامه ويذكر محبوبته التي ظن أن أيام الفراق لن تصل إليهم ويخلص من الحديث عن القرب والبعد والمطل والعذل وما يخلفه ذلك من سعادة وألم في نفسه، إلى وصف محاسن صاحبته وصفاً يبين فيه مفاتنها الجسدية وقد يذكر بعض

ص: 121


1- تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي د. محمود البستاني، مجمع البحوث الإسلامية - الآستانة الرضوية المقدسة ط1، (1413ه): 40.
2- انظر وحدة القصيدة في الشعر العربي : 179.
3- المصدر نفسه.

الصفات المعنوية وأحياناً لا يكون الحديث عن محبوبة واحدة بعينها وإنما يكون عن عموم النساء وفلسفتهن في الحب .(1)

وقد احتلت المقدمة الغزلية مساحة واسعة في قصائد أبي المجد النجفي ومنها قصيدته في مدح صديقه الشيخ مصطفى التبريزي (من البحر المتقارب):

بمن أودع الطرف منك الحَوَر***صيّره فتنة للبشر

وسدد منه لأهل الهوى***سهاماً تفوّق لاعن وتر

وكونه نرجساً ذابلاً***ورکبه فوق ورد نضر

وأجرى الرحيق خلال الفضا***ورضع ياقوته بالدرر

وعدّل غصنك قدّاً وفيه***غير النوى لم يكن لي ثمر

ترفّق بطرف غدا في هواك***قليل الهجود كثير العبر (2)

ويبسط الشاعر غزله هذا إلى خمسة وعشرين بيتاً، ثم ينتقل إلى أمر آخر، وطول هذه المقدمة التي حوت من الأوصاف الجميلة والتعابير المنمقة دليل اهتمام الشاعر بمقدمته الغزلية وكأنها غرضه الأساس، وليس هذا غريباً مادامت المقدمة معرضاً لبيان قدرة الشاعر الفنية وبراعته العالية في رسم المقدمة الغزلية من خلال روحه الشفافة ونفسه الرقراقة.

ومن مقدماته الغزلية الأخرى قوله (من البحر الطويل):

إذا شئتما أن تطلبا في الهوى ذحلي***فعند العيون الخوص لا الأعين النجل (3)

أبادية الأعراب عنك فأنني***بحاضرة الأتراك عنك لفي شغل

ص: 122


1- انظر : مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي : 59.
2- دیوان أبي المجد: 73.
3- العيون الخوص : الغائرة في الرأس، العيون النجلاء: الواسعة الحسنة.

غدا شبهاً منك الفؤاد وإنّما***مراجله تغلي اشتياقاً إلى المغل

نسيت لتذكار القصور بأرضهم***طلولاً لسلمى عند منقطع الرمل

بنو الترك قلبي قد تعلّق خشفهم***فلم يكُ يصبو منكم لبني عجل

يب قصور ليس يعرف ما الفلا***وكيف تجوب الدور زيافة البزل (1)(2)

والشاعر هنا يتغزل بحبيب (تركي) الأصل ولا غرابة في الأمر إذا علمنا أن القصيدة موجهة إلى الشيخ مصطفى التبريزي (وهو من أصل تركي)، ويصف الشاعر من يتغزل به بأنه ربيب قصور وأنه مترف لا يعرف شقاء الصحراء وحياتها القاسية بما فيها من عناية بالحيوانات وما شابه ولا يفتأ الشاعر يقارن بين المعيشتين واصفاً من خلالها شوقه إلى وصال هذا الحبيب الموصوف.

ومقدمة الشاعر كما يتبين تختلف عن سابقتها فلم تطل في وصف المفاتن الجسدية وكأنه يؤمن أن عشقه لا يتسم بالجمال الذي يحمله العرب من جمال العيون وحسنها ومع ذلك فقد تعلق به، والحقيقة أن الشاعر برع في مقدمته من حيث التراكيب واختيار الألفاظ التي تتناسب مع وصف الصحراء ووصف الحاضرة ملاحظاً التوازن بينهما وهذا يدل على ثراء معجم الشاعر اللغوي ومقدرته على فنه.

ومن مقدمات الشاعر الغزلية المشهورة ما قاله في قصيدة (التنصر) التي هنأ بها الشيخ علي آل كاشف الغطاء (من مخلع البسيط):

ص: 123


1- الزياف المتبختر والبازل الزياف : البعير المنشق الناب الذي فيه تبختر.
2- دیوان أبي المجد: 111.

قلبي بشرع الهوى (تنصّر)***شوقاً إلى خصره المزنر

كنيسة تلك أم كناس***وغلمة أم قطيع جؤذر

کم بهم من مليك عزّ***جار على الناس إذ تأمر

له بأجفانه جنود***تظفر بالفتح حين تكسر

وا حرب القلب من صغير***عليَّ من تتيهه تکبّر

يضحك من لوعتي وابكي***ينام عن ليلتي وأسهر

وددت أني له وشاح***لو إن للمرء ماتخيّر

وشاحه کم هصرت غصناً***ما كان لولاك قط يهصر

أما ترى مذ تجول لعباً***إزاره الثابت الموقر (1)

والشاعر هنا يتغزل بشخص قد بلغ حدّ شغفه به أن تدين قلبه بدينه وهو النصرانية شوقاً إليه.

كما يشكو ما دار بينه وبين محبوبه من اشتیاق وصدّ ووصل ومطل، وإن هذا المعشوق يمثل للشاعر ملكاً للحسن وبقي الشاعر ملتزماً له بهذه الصفة فهو يعظمه ويوقره من خلال وصفه بصفات الجمال العالي الذي لا يطاول، ويبدو ذلك من استعمال العبارات الدالة على ذلك مثل : (مليك حسن، وجارٍ، تأمر جنود، الفتح، والموقر..).

وهذا يدل على تماسك المقدمة في حد ذاتها، حيث تبدو الفكرة واضحة ومتجانسة ومتمثلة خير تمثيل.

ومما ذكرنا من الأمثلة يتبين أن للشاعر مقدرة فنية رفيعة المستوى في بناء المقدمة الغزلية وملاءمتها للغرض، وإن هذه المقدمات تتنوع فهي لیست على نمط واحد بل تتباين من حيث الاستخدام والوصف لم يخرج الشاعر فيها عن أصول التقليد الفني ولكنه لم يبد متبرماً من هذا التقليد بل بدا فيه حراً طليقاً.

ص: 124


1- ديوان أبي المجد : 76 - 77

وقد بدت روحه جليّة في أبيات مقدماته التي طالت في قصائده حتى تجاوزت عدد الأبيات المخصصة لغرض القصيدة من مدح أو تهنئة أو غيره من الأغراض.

ج_ - مقدمة وصف الظُّعن

وهي من الأشكال الأساسية للمقدمات في الجاهلية، وقد تحولت إلى اتجاه فرعي عند الشعراء المخضرمين وكذلك كان الشأن عند الشعراء ،الفحول، فقد قل عددها بالقياس إلى المقدمة الطللية والمقدمة الغزلية اللتين جعلوهما لحنين مميزين لفواتح قصائدهم.(1)

ولا ريب في أن مقدمة وصف الظعن قلت في عصر الشاعر أبي المجد الأصفهاني أو في شعره لأن من سكن الحاضرة واستقر بها لا يتعرض لهذه المشاهد من تحميل وسفر وترك الديار كما يحدث عند شعراء البادية.

وإنما كثرت هذه المقدمات قديماً للحياة غير المستقرّة للشعراء في بادية العرب «إذ كان نازلة العمد في الحلول والظعن على خلاف ما عليه نازلة المدر لانتجاعهم الكلأ وانتقالهم من ماء إلى ماء وتتبعهم مساقط الغيث حيث كان» .(2)

ولأبي المجد مقدمة في وصف الظعن قدّم بها لقصيدة مدح فيها الشيخ هادي آل كاشف الغطاء (من البحر الكامل):

هبّ النسيم من الحمى عَطِراً***فعسی نحمّل منهم خبرا

عرب سدول خدورهم حجبت***أحوى تكوّن طرفه حوَرا

يا ظبي كم أسهرت من مقلٍ***قبل الهوى لم تعرف السهرا

ص: 125


1- المصدر نفسه : 76 - 77.
2- الشعر والشعراء: 6.

لو أن أهلك أنصفوا انتجعوا***طرفي وثغرك واكتفوا سفرا

في الثغر منك عن البروق غنى***ودموع عيني حسبهم مطرا

لمتحت من عيني أذنبة(1)***وملأت من دمعي لهم غُدُرا

یا عرب قلبي في خبائكمُ***ضيف فهل غير الصدود قِرى (2)

ولا يمكن أن نقول إن هذه المقدمة في وصف الظعن تماماً، فالشاعر لم يصف النياق ومشهد الوداع، بل وصل إلى النتيجة مبكراً، وذلك حين بين سبب وقوفه وراء هؤلاء الراحلين، وهو ما حوت خدورهم وهي الحبيبة الراحلة التي هام الشاعر بجمالها وأصبح شاكياً وجده وما فعل به هذا الغرام .

أنه يطلب أن يستعيض الراحلون من قصدهم بدموع عينيه التي تشبه المطر فيكفون عن السفر والبحث عن مساقط الغيث في الصحراء، ويمكننا القول إن الشاعر قد أحسن في تحميل مشهد الوداع شحنات من الغزل والنسيب، ولكنه لم يصف الظعن كما اعتاد من سبقه من الشعراء على ذلك.

د - مقدمة وصف الطيف

ويصوّر الشعراء في هذا الضرب من المقدمات أطياف محبوباتهم وقد سرت إليهم بآخر الليل وأخذت تداعبهم وتهيج أشواقهم الساكنة وذكرياتهم الهامدة.

ولم يمسس هذه المقدمة تعديل كبير على أيدي الشعراء الفحول وقد حرص الشعراء على أن تزورهم أطياف محبوباتهم في البيئة

ص: 126


1- الأذنبة : جمع ذَنوب - بفتح الذال - الدلو لها ذنب.
2- ديوان أبي المجد : 63 - 64 .

الصحراوية بدروبها وشعابها المتداخلة وفي آخر الليل قبل طلوع الفجر .(1)

ويرى الدكتور حافظ المنصوري أن لقاء الشعراء بأطياف محبوباتهم يمثل مظهراً من مظاهر العفّة، حيث تعرج الأرواح من عالمها المادي إلى عالم الخيال فيهرب الشاعر بذلك من قسوة التقاليد الاجتماعية ويحقق لقاء نقياً هو لقاء الأرواح. (2)

وأغلب الظن أن الشعراء وهم يصفون المكان والزمان لزيارة طيف الحبيبة، يحاولون أن يضفوا صبغة واقعية على أحلامهم لتبدو كأنها حقيقية.

ولأبى المجد قصيدة بدأها بوصف طيف المحبوبة (من البحر السريع) :

ما لنجوم الليل لا تسري***هل ليل من يهوى بلا فجر

كم ليلةٍ زارتك في جنحها***واضحة اللباتِ والثغر

قويّة الفتك بعشاقها***ضعيفة الميثاق والخصر

كحيلة الطرف بلا إثمد***طيبة البرد بلا عطرِ

وافتك في ليل سرارٍ ومن***أبصر بدراً آخر الشهر

لثمتها في نحرها ليلةً للثم كانت ليلةً***للثمِ کانت لیلة النحرِ

قبّلت بدر التم من وجهها***والنحر حتى مطلع الفجرِ

دامَ لكِ الحسن أديمي اللقا***لا تعقبي وصلك بالهجرِ

ياحلوة الأعطاف حوشيت من***أن تمزجي الحلو مع المرّ(3)

أنه يبدأ من حيث استشعاره إن الليل أطول من طبيعته حتى ليخيل

ص: 127


1- انظر مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي: 86.
2- انظر البداوة في شعر العصر العباسي الأول : د. حافظ المنصوري، دار الضياء للطباعة والتصميم - النجف الأشرف ط1 ، (1428ه - 2007م) : 133 - 134 .
3- ديوان أبي المجد 69 - 70

للعاشق أنه (بلا فجر) وهو معنى كلاسيكي مكرر لدى الشعراء بدأهم امرؤ القيس بقوله :

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي***بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فيبدأ بتذكر طيف المحبوبة أو ربما تخيّل ذلك الطيف الزائر الذي اتسم بالجمال الأخاذ ونال منه الشاعر بغيته حتى مطلع الفجر من تلك الليلة التي كانت آخر الشهر.

وقد ختم الشاعر حديثه مع هذا الطيف برجاء أن يعاود زيارته وأن لا يبطل إحسانه بالهجر والصدود.

وقد أجاد الشاعر في رسم هذه الصورة وبرهن على مقدرته من فنه وولعه برسم المشاهد الغزلية الحية.

ه - مقدمة الشيب والشباب

يقال إن الشعراء المعمرين في الجاهلية هم الذين أرسوا أصول هذه المقدمة، غير أن أشعارهم التي بكوا فيها شبابهم لم تكن مقدمات لقصائد بل كانت أبياتاً معدودات أو مقطوعات مستقلة، ولم يخرج المخضرمون على رسوم هذه المقدمة بل رددوها مضيفين إليها بعض المعاني الإسلامية .(1)

ونعتقد أن أصالة مقدمة (بكاء الشباب) تكمن في حيويتها وتفاعلها مع الموضوع الذي تتقدمه. وذلك من خلال تعامل الشاعر معها وطواعيتها له.

وتوحي لوحة الشكوى من الشيب بالزمن الماضي يتذكر فيها الشاعر ما فاته من شبابه وترتبط بمشكلة الفراغ وما بقي من ذكريات الأمس الذي ولّى مع شدّة البأس وليس مع الشيب سوى الضعف والعلل.(2)

ص: 128


1- انظر : مقدمة القصيدة في العصر الأموي: 91.
2- انظر : البناء الفني في شعر الهذليين (دراسة تحليلية) د. إياد عبد المجيد إبراهيم، دار الشؤون الثقافية - بغداد ط1 ، (2000م) : 63 .

وترى الدكتورة نصيرة الشمري إن وحدة الشيب ووحدة النسيب متعالقتان لما تمدها به من الدلالات النفسية المضافة وتضفي عليها المزيد من مشاعر الأسى والفقد الذي يثيره الشيب .(1)

وهذا الأمر لطالما أثار ألم الشعراء وحسرتهم على شبابهم إذ إن الحسناوات يبتعدن عنهم حالماً يرين الشيب في رؤوسهم.

ويختار الشاعر الشيب في قصيدة المدح، فيبدو يائساً تماماً ويؤكد فشل الخضاب ويوحي للسامع بانكساره وانهيار روحه، ليفتح آفاق الشعور بالعطف والتجاوب لدى ممدوحه .(2)

وفي شعر أبي المجد وقفات لدى موضوعة الشيب إلا إنها تأتي غالباً جزءاً من مقدماته الغزلية - فتثبت ما تحدثنا عنه - إلا في مقدمة قصيدته التي شكا فيها أرحامه (من بحر الرجز):

ليل الشباب إذ غدا مفارقي***لاح صباح الشيب في مفارقي

لیت بیاض ذي الصباح ما بدا***ودام لي ذاك السواد الفائق

قد شاب لهوي مثل ما شبت فلا***أصبو لذات القرط والقراطقِ

لا استعير الغصن للقد ولا***أشبه الخدود بالشقائق (3)

فهو يصف حاله بعد أن طلع صباح الشيب في رأسه وكفَّ عن لهو الشباب وهو يتمنى لو دام له ذلك الشباب..

ومع أن صورة الليل والصباح في ذكر الشيب والشباب صورة مكررة إلا أن الشاعر عبّر من خلال صياغة المطلع وما بعده عمّا ينوء تحته من هم ثقيل وهو معاداة الأرحام له كما يظهر من قوله :

فليقطعنّي معشري فإنني***قطعت منهم قبله علائقي

ص: 129


1- انظر: البناء الفني في شعر ابن الرومي : 86.
2- انظر: المصدر نفسه : 39
3- دیوان أبي المجد : 102.

ما القرب في الأنساب نافع إذا***تباعد الأرحام في الخلائقِ

كم عارض منهم رجوت سيبه***فلم أصب منه سوى الصواعق

لا غرو إن حُرمته فإن ذا***جزاء من يأمل غير الخالقِ

ليس ابن عمّي مانع الرزق ولا***عمي من دون الإله رازقي(1)

فقد عبّر بمقدمته القصيرة هذه عن بالغ حزنه حتى أنه لا يستطيع ابتداء قصائده بالغزل كما كان يفعل سابقاً أيام شبابه.

ومن أبيات الشيب التي كانت مكملة لمقدمة غزلية في شعر أبي المجد قوله : (من مخلع البسيط):

یا صاح سكر الشباب إثمٌ***بالشيب من بعده يُكفّر

جری کميت الشباب حتى***أثار في عارضيَّ عثير(2)

أقبل صبح المشيب نحوي***يسعى وعصر الشباب أدبر (3)

إن الشاعر يرى في ظهور الشيب رادعاً عن لهو الشباب فقد آن أوان التوبة بعد أن انتشر الشيب كالغبار في الرأس وذهب الشباب، ويبقى ذكر الشيب لدى الشاعر دلالة على تحوّله من اللهو إلى الجد ومن العبث إلى التعقل والرشاد، فهو يطرق موضوع الشيب أو مقدمة الشيب عندما يريد أن يتحدث بعقلانية أكثر، أو يريد التعبير عن ذواء زهرة الشباب واليأس

من الحياة حيث جاء نذير الآخرة.

و - مقدمة الشكوى

فضلاً عن المقدمات التقليدية التي ابتدأ بها أبو المجد النجفي شعره، فله ابتداء بالشكوى وذكر الهم، وهو ما صدّر به قصيدته التي مدح بها صديقه الشيخ مصطفى التبريزي (من البحر الوافر):

ص: 130


1- المصدر نفسه : 102.
2- عثير : التراب والعجاج.
3- ديوان أبي المجد 79

أينفعني بمن أهوى اجتماع***إذا قلبي له هم شعاع (1)

سواءٌ يا حبيب القلب عندي***لما ألقى سلامك والوداعُ

تقول إذا أكلفها اصطباراً***تكلفني بما لا يستطاعُ

بلیت بمعشر كرموا أصولاً***ولكن منهمُ لَوْمَت طباعُ

فمالهم إلى العلياء داع***وما لهم عن الفحشا ارتداعُ

ولا لعدوهم بهم ضرار***وما لصديقهم بهم انتفاعُ

فإن سمعوا بمنقبة أسرّوا***وإن سمعوا بمثلبة أذاعوا (2)

فالشاعر هنا يعرض عن الحبيب وإن اجتمع به وهو ينوّه في هذا التقديم إلى عادته في أغلب قصائده من الابتداء بالغزل وهذا ما لا يستطيعه وهو غارق في الهم... إذن فالمقدمة ليست تقليداً فنياً فقط وليست أمراً مفصولاً عن عاطفة الشاعر بل هي نابعة من أعماق نفسه وهي مرحلة أساس في قصيدته ومشاعره فما دامت نفس الشاعر تنوء بالغم فلا يهمه لقاء الحبيب ولا يكترث لسلامه أو وداعه، ومهما كلف نفسه الصبر لا يستطيعه لأن الصبر يعيى عن تحمّل بعض الأمور، كعداوة الأقارب والأرحام.

2 - التخلص

عُني النقاد بهذا الجزء من القصيدة فعرفوه تعريفات متقاربة ومنها قول ابن الأثير : «وهو أن يأخذ مؤلف الكلام في معنى من المعاني فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى غيره وجعل الأول سبباً إليه، فيكون بعضها آخذاً برقاب بعض من غير أن يقطع كلامه ويستأنف كلاماً آخر بل يكون جميع كلامه كأنه أفرغ إفراغاً وذلك مما يدل على حذق الشاعر وقوة تصرّفه» .(3)

ص: 131


1- الشعاع المتفرق.
2- ديوان أبي المجد : 95.
3- المثل السائر : 244/2.

فهو عامل تلاحم القصيدة مع اختلاف أغراض أجزائها.

كما عرّفه الحموي بقوله : «هو أن يستطرد الشاعر المتمكن من معنى إلى معنى آخر يتعلق بممدوحه بتخلص سهل يختلسه اختلاساً رشيقاً دقيق المعنى بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع في الثاني لشدّة الممازجة والالتئام والانسجام كأنما أفرغا في قالب واحد» .(1)

فهو مشترط بدقته ورشاقته وخفائه وعرفه السيد أحمد الهاشمي بقوله : «هو الخروج والانتقال مما ابتدئ به الكلام إلى الغرض المقصود، برابطة تجعل المعاني آخذاً بعضها برقاب بعض، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من نسيب إلى مدح أو غيره لشدّة الالتئام والانسجام» .(2)

فهو محطة مهمة في سير القصيدة تربط أجزاءها ببعض.

ويعوّل على حسن التخلص أن يكون الانتقال من المقدمة إلى الغرض الرئيس للقصيدة انتقالاً سلساً لا يشعر فيه المتلقي بأي انفصال بين أجزاء القصيدة .(3)

فحسن التخلص في نظر النقاد جسر موصل بين ضفة وأخرى من بنية القصيدة، تبدو جماليته من خلال سهولة التوصيل بين الأمرين وعدم التكلف في ذلك.

وترى الباحثة حياة جاسم أن القصيدة العربية مجموعة من الوثبات كل قسم أو غرض يمثل وثبة والعاطفة الواحدة تقوم بدورها في شدَّ هذه الوثبات إلى بعضها وبذلك نصل إلى نوع من الوحدة في القصيدة العربية .(4)

ص: 132


1- خزانة الأدب : 329/1.
2- جواهر البلاغة: 420.
3- انظر : شعر السيد رضا الهندي : 135.
4- انظر : وحدة القصيدة في الشعر العربي : 262.

ولا نعرف ماذا تعني الباحثة بالعاطفة الواحدة أو الموحدة للقصيدة، ونحن نعلم أن العاطفة التي تدفع الشاعر للغزل أو بكاء الديار تختلف بالتأكيد عن عاطفة المدح أو الرثاء أو الهجاء...

لكن يمكن القول إن ما يجمع مراحل القصيدة هو الشاعر الذي نبعت القصيدة من أعماقه، وهو يعيش في هذه الحياة فيرى الحسن والسيئ والجميل والقبيح ويحب ويتذكر ويأنس ويعجب ويمدح ثم يتمثل ذلك كله في قصيدته فالقصيدة عبارة عن مسيرة حياة وأفكار مختمرة في ذهن الشاعر.

أما سلاسة الانتقال ورشاقته فأمر عائد إلى مهارة الشاعر وتمكنه من أدواته. ومن نماذج التخلص في شعر أبي المجد قوله من قصيدة مدح بها الشيخ هادي آل كاشف الغطاء (من البحر الكامل):

إني إذا شببت في كلمي***شيخ لعهد شبابه ادّكرا

ما حرفتي نظم القريض وإن***قوفت من أبراده حِبَرا

وشكرت للهادي به نِعَماً***والحرّ إن ير نعمةً شكرا (1)

فالشاعر يسوّغ تقدمته في الغزل بأنه شيخ قد ذكر أيام شبابه فالقريض ليس حرفة يتخذها وإن كان قد كتبه وشكر به (الهادي) يقصد به الشيخ هادي آل كاشف الغطاء ومن هنا ينطلق إلى المدح.

والشاعر قد أبدع في انتقاله إذ كان في غاية الهدوء ولم يتكلف أو يتصنّع في تحوّله من الغزل إلى المديح بل كانت أبياته مترابطة بين (النسيب - نظم الشعر - المدح) .

ومن قوله أيضاً في قصيدة تخلّص بها إلى مدح صديقه الشيخ مصطفى التبريزي وهي من اخوانيات الشاعر (من بحر المتقارب):

ص: 133


1- ديوان أبي المجد: 66.

زمان تعز الأذلاء فيه***ولكن يضام به کل حر

أساء ولكنه قد أتى***بأحسن ما عنده يعتذر

وقد جاد لي بإخا المصطفى***فكل إساءته تغتفر (1)

فبعد أن تحدث الشاعر عن خطوب الزمان أثبت أن الدهر ذو تغيّر وأن الدنيا لا تثبت على حال فها هو زمانه قد أساء إليه ثم جاءه معتذراً بأحسن ما عنده وهو هذا الصديق، وبهذا التخلص الناجح تحوّل الشاعر في قصيدته إلى المدح.

ومن ذلك تخلصه في قصيدة التهنئة التي قدمها للشيخ علي آل كاشف الغطاء بمناسبة زواج ابن أخيه الشيخ كاظم (من مخلّع البسيط):

أقبل صبح المشيب نحوي***يسعى وعصر الشباب أدبر

مذ كاد غصن الشباب يذوي***بعرس فرع الكرام أثمر (2)

فالشاعر هو يستغل حالة اليأس التي يشعلها الشيب للتخلص إلى وصف الفرح والأمل والسعادة بهذا العرس البهيج لابن الكرام ومن هنا أخذ الشاعر يذكر العرس ويمدح العريس وعمه وأسرته.

إذن هو يجعل من مرحلة التخلص مرحلة هدوء وسكون وكأنه تعب من مقدمته الغزلية لكنه يستعيد قوته بانتقاله إلى غرضه وهذا مما يبدي غرض الشاعر مهماً وحيوياً وغير اعتيادي.

4 - الخاتمة

وقد أولاها القدماء أهمية كبيرة كما اهتموا بالمقدمة كقولهم «خاتمة الكلام أبقى في السمع وألصق بالنفس لقرب العهد بها فإن حسنت حسن

ص: 134


1- المصدر نفسه : 75.
2- المصدر نفسه : 79

وإن قبحت قبح والأعمال بخواتيمها كما قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم».(1)

فهي مهمة من حيث كونها متممة للفكرة ومنقطع الحديث وهي آخر ما يصدر عن الشاعر في قصيدته فبنجاحها يكمل نجاح النص وبفشلها يخفق الشاعر في إتمام نجاحه الذي قد يكون حققه في المطلع والمقدمة والتخلص ..والغرض...

وقد أعطى السيد أحمد الهاشمي مواصفات لهذه الخاتمة فقال: «ويقال له حسن الختام وهو أن يجعل المتكلم آخر كلامه عذب اللفظ حسن السبك، صحيح المعنى مشعراً بالتمام حتى تتحقق براعة المطلع بحسن الختام، إذ هو آخر ما يبقى منه في الأسماع وربما حفظ من بين سائر الكلام لقرب العهد به» .(2)

كما قال : «أن يكون آخر الكلام مستعذباً حسناً لتبقى لذته في الأسماع مؤذناً بالانتهاء، بحيث لا يبقى تشوقاً إلى ما ورائه».(3)

وفي هذا إشارة إلى التوقف في الموضع المناسب أي يرضي السامعين إذا ختم. وهذا يذكرنا بقول ابن قتيبة «لم يطل ويمل السامعين ولم يقطع وبالنفوس ظمأ إلى المزيد» .(4)

وتعتقد الباحثة حياة جاسم أن الاهتمام بالبيت الأول والبيت الأخير لا يضفي على القصيدة قيمة فنية إذا لم تكن تحمل تلك القيمة .(5)

وهذا رأي ،صواب إلا إن هذا لا يسوّغ عدم الاهتمام بالمقدمة والخاتمة لأن القيمة التي تحملها القصيدة هي ناتج مجموع كامل الأجزاء المكونة لها.

ص: 135


1- العمدة : 453 - 454 (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).
2- جواهر البلاغة : 421
3- المصدر نفسه: 421.
4- الشعر والشعراء: 7.
5- انظر: وحدة القصيدة في الشعر العربي : 82

ومن انتهاءات الشيخ محمد رضا قوله نهاية قصيدته التي أرسلها إلى الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء مقرضاً بها ديوانه (من البحر البسيط):

اليكها من بنات الفرس غانية***أتتك ترفل في أبرادها القشب

قد أعربت عن مطاوي حب قائلها***فهي العروب وما كانت من العرب (1)

أنه يختتم قصيدته التي أرسلها (هدية) إلى الشيخ محمد الحسين آل کاشف الغطاء مشبّهاً إياها بالغانية الفارسية التي أتته متبخترة في أثوابها الجميلة والجديدة لتعرب عن مطاوي نفس ناظمها فهي فصيحة اللسان واضحة البيان وإن لم تكن من العرب.

وإضافة إلى ما صبغ به الشاعر خاتمته من بناء فني قائم على التصوير البلاغي والفني فهي تذكرنا بما يكتبه المرسل آخر رسالته من التحية والتكريم وعبارات كمثل (المحب المخلص.. الخ) والمكان والزمان..!

فالقصيدة مما كتبه الشاعر في أثناء وجوده في إيران، وقد عبرت الخاتمة عن محتواها وأدت وظيفتها بشكلها المطلوب.

ومن ختام قصائده خاتمة قصيدته في رثاء سيد الشهداء الحسين علیه السلام : (من البحر المنسرح):

أيا مطايا الآمال واخدة***قفي وبعد الحسين لا تخدي

فياجفون العلى ألا اغتمضي***فطالما قد كحلت بالسَهدِ (2)

إن الشاعر في هذه المرحلة يعبّر عن حالة اليأس التام، فبعد أن ذكر

ص: 136


1- ديوان أبي المجد: 31.
2- المصدر نفسه 52 - 53

ما جرى على الحسين علیه السلام وهو ابن أشرف الخلق فما عساه يأمل من الدنيا أو بم يحصل المجد وبمن إذ عانى آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم هذا العناء.

وقد خالف أبو المجد عادة الشعراء في ختام قصائد الرثاء، إذ عادة ما تختم قصائد الرثاء بالدعاء بالسقيا لقبور الأحبة، حيث عبّروا عن المطر بلفظ الغيث من حيث هو نجدة لهم في قحط البادية وعبروا عنه بالحياة أيضاً لما له من ارتباط بالتكوين والنشأة، لذلك كان الاتجاه إلى المطر بهذه الصفة وهي أمنية تبدو في أشدّ حالاتها إلحاحاً أمام الموت .(1)

ونرى أن ابتعاد الشاعر عن هذه العادة راجع إلى اختلاف الموقف فمن جهة فالشاعر يعيش حالة اليأس - كما ذكرنا - ومن جهة أن المرثي (الإمام الحسين) ليس بحاجة إلى الدعاء بالسقيا أو بالرحمة، فمن ذا الذي يدعو لسيد شباب الجنة بالجنة؟!

وللشاعر في ختام قصيدته التي يمدح بها عبد المجيد ابن الشيخ هادي آل كاشف الغطاء قوله (من البحر السريع) :

أقرّ فيك الله عيني كما***أبوك قد شدَّ به أزري

أبوك بدر في سماء العلا***وأنت فيها الكوكب الدري

دمت لنا في خفض عيش بلا***ضم أذى مرتفع القدرِ (2)

والشاعر هنا يختتم مدحه لهذا الشاب بالدعاء له بالدوام ووالده وأن يدوم لهم العيش الهانئ الطيب، وهذه عادة الشاعر في ختام قصائد المدح إلا في بعضها كقوله في ختام قصيدته التي مدح بها الشيخ هادي آل كاشف الغطاء (من البحر الكامل):

طلت السماك عُلا ولا عجب***إن عنك سُلّم فكرتي قَصُرا

ص: 137


1- انظر الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري: د. علي البطل، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع ط1 ، (1980م): 230 .
2- ديوان أبي المجد: 71.

شَخَصَ الأنام لشخصه فرأوا***ملكاً تمثل بينهم بشرا(1)

جاءت هذه الخاتمة بعد قصيدة طويلة شغلها الشاعر بالغزل والمدح حتى كأنه لا يزال يمدح وهو قد ختمها بالمدح مما ليس فيه إشارة إلى انتهاء الحديث أو القصيدة إلا ما نوّه به الشاعر من تقصيره عن الوصول إلى الغاية في إطراء الممدوح.

ومن خواتيمه ما قاله في نهاية قصيدة غزلية أرسلها إلى السيد علي العلاق (من مجزوء الكامل):

ظنَّ الغيور وانّه***بعفاف بردي كان أدرى

وأطعتُ نهياً للتقى***وعصيتُ للشهوات أمرا (2)

فالشاعر بعد أن استفرغ جهده في الغزل ورسم من مشاهد اللقاء وصوّر الحبيبة وذكر الوصل والهجر يعترف إن ما قاله محض قصيدة نظمها لا علاقة لها بالواقع ولكنه من فرط ما صبّ فيها من أحداث وأوصاف وأكمل البناء حجراً فحجراً حسبه حتى من يعرفه صادقاً في غزله، لكنه في قرارته كان مطمئناً لنفس الشاعر العفيفة، الذي كان تقياً عاصياً للشهوات وسيطرتها على النفس وهذا انتهاء حسن، منه ما هو خروج على عادة السابقين فهو ينبه السامع إلى معنى جديد في الغزل وهو التمسك بالعفاف.

وعموماً فقد كان الشاعر موفقاً في انتهاءاته، متلطفاً فيها متوخياً السلاسة والوضوح مع الجزالة والقوة.

ص: 138


1- المصدر نفسه : 69
2- المصدر نفسه : 73

المبحث الثاني

ب - بناء القصائد القصار والمقطعات

كما كتب الشاعر أبو المجد النجفي القصائد الطويلة ذات البناء التقليدي فقد كتب القصائد القصار التي لم تتجاوز العشرين بيتاً والمقطعات في أغراض متعددة أغلبها آنية قضى بها الشاعر حاجة في آنها أو قصائد قد تخلى فيها عن المقدمات ودخل في الموضوع مباشرة لوجود دافع نفسي أقوى من التقليد الفني في كتابة القصيدة (1)، كما أنه يمكن للشاعر المتفوق الاستغناء عن المطلع التقليدي معوضاً عنه بتمهيد مناسب للغرض الذي نظمت فيه القصيدة .

وأحياناً تكون القصيدة حاملة لمكونات البناء التقليدي من مقدمة طللية ثم غزلية ووصف الغرض الرئيس ولكن بأبيات قليلة حتى أن مجموعها لم يتجاوز الثمانية عشر بيتاً كقوله (من الكامل المرفل):

فسقى الحيا الهتان ربعاً للحبيب بجنب طمه***في القلب باقٍ رسمه إن غيّر الحدثان رسمه (2)

وهذا هو المطلع الطللي التقليدي الذي يطلب الشاعر به السقيا

ص: 139


1- انظر : وحدة القصيدة في الشعر العربي : 202.
2- دیوان أبي المجد: 126.

والذي لم يتجاوز الحديث عنه أربعة أبيات. أما مقدمته الغزلية والتي اعتاد الشاعر أن يطيل فيها - كما رأينا في قصائده الطويلة - فلم تتجاوز الستة أبيات :

ومُبدِّل بالثاء سين سعيدةٍ غُنجاً وعُجمه***إن رامَ يجذب من يدي فضل الرداء جذبتُ كمّه (1)

ويختمها بقوله :

إني هويت الروح منه ومن سواي أحب جسمه (2)

ثم ينتقل إلى مكان آخر يطلب له السقيا أيضاً

سقياً لجزرة آل مواشٍ(3)***طيب العيش ثمّه

قد كدت أنسى وصفها***فذكرته من بعد أمه

عالیت بنت البنِّ في***أفيائها لا بنت كرمه(4)

فهو يتذكر أيامه فيها، ثم يدخل إلى موضوعه مباشرة وهو هجاء قومه أو الشكوى منهم وذلك بقوله :

ماتت مكارم أسرتي***فعلى المكارم ألف رحمه

عمي عدا صفة الرجال***فحقَّ لو سمّوه عمّه (5)

ويجرد الشاعر مهجوّه من كل فضيلة كما نسب لنفسه المجد وفخر بها في خمسة أبيات فقط. فختم بقوله :

ص: 140


1- المصدر نفسه : 126.
2- المصدر نفسه : 126.
3- آل مواش من عرب الكوفة على جانب الفرات الشرقي من جهة (البوحداري) وهذه الجزرة تنسب إليهم. ديوان أبي المجد : 126 ، نسخة صححها السيد عبد الستار الحسني وعلق عليها.
4- دیوان أبي المجد: 126.
5- دیوان أبي المجد: 126.

ورثوا من الشيخ الجليل ضياعه وورثت علمه (1).

ومن اللافت للنظر أن الشاعر لم يتخلص من غرض إلى آخر بأي وسيلة بل كان يعطف شيئاً على شيء أو يستأنف الحديث بموضوع آخر.

فما الدافع إلى كل هذا، إذ حرص الشاعر على بناء قصيدته هذا البناء التقليدي مع مباشرة موضوعاته أو غرضه الأخير وهو الهجاء؟

يمكن القول عن هذا الأمر إن الشاعر كان يمر بدافع نفسي قوي لا يحتمل المقدمات، ولكن الشاعر أرغم نفسه على المسار التقليدي في كتابة القصيدة فجاءت القصيدة مسرعة في إيقاعها مشحونة بالانفعال من البيت الأول حتى الأخير، ولعل فورة الانفعال هي التي أسرعت بالشاعر إلى بلوغ الغرض وتفريغ شحنة الانفعال التي لم يبق منها سوى خمسة أبيات.

ومن قصائده القصيرة ما دخل فيها الشاعر إلى موضوعه مباشرة كمثل قوله وقد كتبها لنجلي الشيخ هادي آل كاشف الغطاء عبد المجيد ومحمد رضا (من البحر الطويل):

فدى لكما نفسي وما ملكت يدي***وأجدر بمثلي أن يكون فداكما

يعزُّ على عيني القريحة إنها***يمر بها يوم وليست تراكما

ولو لم تشن الحادثات جيوشها***عليَّ لما بارحتُ يوماً حماكما (2)

فالشاعر يبدأ بتفدية الشابين المذكورين بنفسه وما ملكت يده، لشدة ما كان يحبهما ويجلهما والابتداء بالفداء دليل واضح على صدق مشاعر الشيخ محمد رضا النجفي وهو أكثر ما يقدمه المحب أو الصديق إلى صديقه أو من يحبه، إذ لاشيء أعز على الإنسان من نفسه فيقدمها وهذا أشدّ الوفاء، ويبدو أن هذه القصيدة كتبها الشاعر في إيران حيث يذكر

ص: 141


1- المصدر نفسه : 127
2- المصدر نفسه : 107

شوقه إليهما في كل يوم، وسبب تركه لأرض النجف مما بلاه به الزمان من كثرة الأحداث المضطربة التي لم يستطع لها دفاعاً وغيرها من الأسباب.

وهو حين يذكر شوقه وحبّه لهذين الشابين فهو يحكي لهما ما كان بينه وبين والدهما الشيخ هادي من الود والإخاء منذ الصبا ويختم أبياته الاثني عشر بقوله :

نظمت على البحر الطويل تفاؤلاً***بنظمي فيه أن يطول بقاكما (1)

فهو يختم بالدعاء لهما بدوام البقاء ويعلل سبب نظمه على البحر الطويل للتفاؤل به ليطول بقاء الممدوحين.

وأن يختم الشاعر قصاره وبعض مقطعاته بالدعاء فهذا نوع من أنواع الانتهاءات التي وجدناها في الديوان.

وقد يختمها الشاعر بالتضمين إذ يكون ختام القصيدة أو المقطوعة ببيت أو جزء من بيت لشاعر ،قديم كما في القطعة التي كتبها معاتباً السيد جعفر الحلي وقد جاوره في محلة العمارة (من البحر الطويل):

فقل لأبي يحيى وإن هو ملّني***وإحسانكم ما ملكم مني القلبُ

(صدودكم وصلٌ وسخطكم رضا***وجوركم عدل وبغضكم حبُّ) (2)

وهذا البيت المضمن للشاعر حسام الدين الحاجري (ت632ه)(3)ذكره الشاعر ختام أبياته وهو منسجم تماماً معها من حيث الوزن والقافية واللغة والمعنى ولو لم يكن البيت مشهوراً وموضوعاً بين الأقواس لخيل للسامع أنه من نظم أبي المجد.

ص: 142


1- المصدر نفسه: 106.
2- ديوان أبي المجد : 38.
3- مضت ترجمته في ص (38) من البحث.

ومثل هذا كثير خصوصاً في المقطعات من مثل قوله (من البحر الطويل):

أقول وقد صدّ الحبيب وزارني***بغيض إليه الثقل ينمي وينسب

(أما تغلط الأيام في بأن أرى***بغيضاً تناءى أو حبيباً تقرّب)(1)

والبيت المضمّن للمتنبي ومثله قوله (من البحر البسيط) :

كيف المعيشة في أرض الغري ولي***من أرذل الناس توعيد وتهديد

(ما كنت أحسب أن أبقى إلى زمنٍ***يسئ بي فيه كلب وهو محمود) (2)

والبيت المضمّن للمتنبي أيضاً وفيه تورية باسم (محمود) فهو اسم شخص كان يؤذيه.

ومثلها ما كتبه إلى الصدر الحائري وفيه تضمين لشطر لأبي فراس الحمداني قوله: (من البحر الطويل):

لعمرك حلَّ الحائري من العلا***محلاً غدا من دون أخمصه النسر

إذا اقتسم الناس الكرام فإنه***(لنا الصدرُ دون العالمين أو القبرُ) (3)

كما كتب إلى ابن خاله يطلب منه مجلداً من كتاب (جواهر الكلام) فقال (من البحر الكامل):

إن الصلاة من الجواهر بغيتي***ليكون لي حيناً خلوت مسامرا

فابعث إلى الخل القريب وكن به***(كالبحر يقذف للقريب جواهرا) (4)

ص: 143


1- ديوان أبي المجد : 39.
2- المصدر نفسه : 56 - 57
3- المصدر نفسه : 84.
4- المصدر نفسه : 86 ، البيت هو كالبحر يقذف للقريب جواهراً جوداً ويبعث للبعيد سحائباً ديوان المتنبي: دار صادر - بيروت: 111.

وقد ضمّن شطر المتنبي أيضاً وفضلاً عما تدل عليه هذه المقطعات من تأثر كبير بالمتنبي، فهي تدل على أن الشاعر حين بنى مقطعاته بنى على هذه التضمينات فهو يبدأ بقوله هو وقصده الوصول إلى الجملة أو البيت المضمّن ليوظفه لأداء بغيته وغرضه من كتابة الأبيات.

وللشاعر مقطوعات أخرى ختمها بانتهاء الحدث أو الغرض الذي أراده منها كقوله في الوعظ والحكمة (من بحر الهزج) ومطلعها :

بني أسمع إلى قولي***تکن مني على خُبر

حلبت الدهر شطريهِ***فمن عسرٍ ومن يسرِ (1)

وبعد أن يعطي رأيه في هذه الدنيا ناصحاً بتركها على هواها والصبر عليها والتوكل على الله في جميع الأمور وختمها بقوله:

فکم من فرج عنها***أتى من حيث لا أدري (2)

وقوله أيضاً من البحر الوافر :

ألا يا مستعير الكتب دعني***فان إعارة المعشوق عارُ

فمعشوقي من الدنيا كتابي***فهل أبصرت معشوقاً يُعار (3)

وله جواباً عن بيتين للسيد جعفر الحلي(4)(من البحر الوافر):

ألا قل للذي قد قال فينا***بأنا ما وفينا بالشروط

ولم نعهد لنا ذنب إليه***سوى تأخير إرسال النقوط

نقوط الشاب إرسال الهدايا***له والشيخ إرسال الحنوط

ص: 144


1- ديوان أبي المجد : 84 - 85.
2- المصدر نفسه : 85
3- المصدر نفسه : 87
4- وبيتا الشاعر جعفر الحلي هما (ديوان السيد جعفر الحلي : 304). شروط الحب نحن بها وفينا***وأنتم ما وفيتم بالشروط صددت فلم تبارك لي بعرس***لخوفك سوء عاقبة النقوط

ألا فاقنط فما لك يابن ودّي***نقوط عندنا غير القنوط(1)

فالشاعر في هذه الأمثلة قد ابتدأ وانتهى على قدر الغرض ولم يزد على إتمام فكرته وإيصالها بطريقة سلسة واضحة لا عى فيها ولا تلكؤ أو افتعال.

كما كان الشاعر يعتمد على التورية في كثير من الأحيان في بناء مقطعاته كقوله مورّياً باسم (صادق) (من البحر الطويل):

حقنت دمي دهراً عن البيض والقنا***فأهرقه باللحظ هذا المراهقُ

أصدقهُ في وعده وهو كاذب***ويكذب في ميعاده وهو صادقُ (2)

فكانت التورية بين صفة الصدق في لفظة (صادق) واسم المعني وهو (صادق) أيضاً.

ومثله قوله مورّياً ومتغزلاً بامرأة اسمها (شريعة) (من بحر الكامل):

هذي شريعة في تدللها***ضنّت على العشاق في قبلة

یالیت شعري أين قولهمُ***إن الشريعة سمحة سهلة(3)

فاعتمد الشاعر في بناء بعض مقطعاته على التورية كما في المثال بين (الشريعة) وهي أحكام الدين وبين اسم امرأة وهي (شريعة).

فاعتماد الشاعر في قصائده القصار والمقطعات كان على الغرض والمعنى بالدرجة الأساس، مع . أثر الدافع النفسي بصورة واضحة والذي أخرجه من التقليد الفني الذي حاول أن يميل إليه كما فعل في قصائده الطوال، كما اعتمد أيضاً على التضمين بشكل متكرر في العديد من مقطعاته والتورية بشكل أكثر تكراراً وطغياناً.

ص: 145


1- ديوان أبي المجد : 93.
2- المصدر نفسه : 103
3- دیوان أبي المجد: 118.

ج__ - بناء المسمط

كتب الشيخ محمد رضا النجفي مسمّطة للتهنئة بعرس الشيخ كاظم آل كاشف الغطاء وهي الوحيدة في ديوانه من هذا الجنس من النظم واللافت للنظر أن الشيخ لم ينظم الموشحات كما فعل معاصروه من الشعراء.

«والشعر المسمط : هو أن يبتدئ الشاعر ببيت مصرع ثم يأتي بأربعة أقسمة على غير قافيته، ثم يعيد قسيماً واحداً من جنس ما ابتدأ به وهكذا إلى آخر القصيدة».(1)

وفي العقد الفريد إن المسمط هو : أنصاف على قواف تجمعها قافية واحدة ثم يعاد لمثل ذلك حتى تنتهي حتى تنتهي القصيدة .(2)

والقافية التي تكرر في التسميط تسمّى عمود القصيدة، والمسمط مشتق من السمط، وهو أن تجمع عدة سلوك في ياقوته أو خرزة ما ، ثم تنظم كل سلك على حدته وتصنع به كما صنعت أولاً إلى أن يتم السمط .(3)

وليس المسمط ضرباً مستحدثاً من النظم كما الموشح بل هو قديم وقد أورد صاحب العمدة شعراً لامرئ القيس عليه .(4)

وقد بدأ الشيخ محمد رضا المسمطة ببيتين من بحر المجتث، ولو قرأنا المطلع وحده لوجدناه غير مصرع أما إذا قرأنا البيتين معاً فسنجد أن الشاعر قد حرص على وجود تقسيم مقطعي بينهما وكأنه يعوّض عن التصريع فيقول :

ص: 146


1- العمدة : 363 (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).
2- انظر: العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي : 4270 (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).
3- انظر: العمدة : 366. (الموسوعة الشعرية الكاملة).
4- انظر: المصدر نفسه : 364 (الموسوعة الشعرية الكاملة).

(1)

بدرٌ يطوف بكوكب***يرمي به مارد الهم

في الكأس نار تلهَّب***أم تلك نور تجسَّم (1)

والشاعر يبدأ بداية خمرية وهذه عادة الشعراء في مناسبات الفرح فهم يذكرون مجالس الخمر واللهو بأوزان خفيفة راقصة، وقد برع الشاعر في تحميل هذه البداية صورة مجازية وذلك بوصفه للساقي الذي يشبه البدر الذي يحمل كوكباً هو الخمرة ليرجم به شيطان الهم.

وبعد أن افتتح الشاعر قصيدته أو مسمطته بذكر مجلس الخمر شرع في البيت الأول يصف المكان بقوله :

الروضُ قد رشّهُ الطل***والزهر بالدر كلَّل

والورق في الدوح حيعل***إلى الصبوح وثوّب

وقام للهو موسم(2)

ومقدمة الشاعر تحفل بالصور المشرقة السعيدة وذلك إيذاناً منه بطابع الفرح الذي يشحن القصيدة وهي بداية ملفتة وترمز إلى غرض القصيدة منذ الوهلة الأولى. ثم يعود الشاعر ليتحدث عن الخمرة والساقي ويتغزل به :

مدامة خدريسُ***بكر عجوز عروس

إذا جلتها الكؤوسُ***تريك وهي تقطّب

لئالئاً تتبسم***تری لدينا غلاما

يسقيك جاماً فجاماً***يجلوسناه الظلاما

يسطو بسالف ربرب***في جفنه بأسُ ضيغم (3)

ويستمر الشاعر في وصف جمال هذا الساقي وشغفه به حتّى يتماجن فيقول :

ص: 147


1- دیوان أبي المجد: 127
2- المصدر نفسه: 127.
3- دیوان أبي المجد 127.

بالمرسلات دموعي***والموريات ضلوعي

إن بات يوماً ضجيعي***شفیت قلبي المعذب

باللثم منه وبالضم***ليس التقيّة ديني

لقد بررت يميني***مذبات طوع يميني

لازال يسقي وأشرب***مشمولة جامها الفم (1)

ثم يتنصل الشاعر مباشرة مما قال سابقاً فيقول :

سكرُ الهوى والسلافِ***وللرقيب تغافي

فكدتُ لولا عفافي***ولیس مثلي يكذَّبْ

عففت والله أعلم (2)

ويعود الشاعر إلى وصف جمال هذا الذي بهره وكل هذه الأحداث والحديث مقدمة لغرض، وقد استمرت ستة عشر بيتاً من المسمط .

أما تخلص الشاعر إلى غرضه فكان عبر قوله :

أروي حديث الأغاني***مثالثاً ومثاني

عن شاديات حسانِ***ما حل بالأذن أطرب

أروي عن الزير والبم***أنساً بعرس ابن موسى

أحيى السرور نفوساً***فلیس تعرف بوسا

وبالهنا تتقلب***وبالمسرة تنعم (3)

ومن هنا شرع الشاعر في مدح العريس وعمه وأسرته فيقول :

روی حديث المعالي***عن خير عم وخال

بجمع خير خصالِ***قد فاق بالجد والأب

في الفضل مذ خصّه عم***عمٌّ يعم البرايا

ص: 148


1- المصدر نفسه : 128 - 129
2- المصدر نفسه : 129
3- المصدر نفسه : 129 - 130

بعلمه والعطايا*** ذا الأنام رعايا

له لدى كل موكب***تغنى وبالعلم تغنم (1)

وها هو الشاعر يطري الممدوح والأسرة وينعتهم بخير صفات ويستمر هذا المدح لعشرة أبيات من من المسمط.

ويختم الشاعر قصيدته بالدعاء لهذه الأسرة العريقة بدوام السؤدد والفضل فيقول :

دمتم مدى الدورانِ***وبيتکم کل آنِ

من معضلات الزمانِ***للناس حصن مطنَّب

على الزعامة يدعم***منکم بكل عهدِ

إمام حلٍّ وعقدِ***یجلي ظلاماً و یجدي

ومنه للفضل أعقب***فرعاً به الحمد يختم (2)

د - التناسب في بناء القصيدة

لم يغفل النقاد القدماء وهم يفرقون بين أجزاء القصيدة ومكوناتها التناسب بين هذه الأجزاء فهذا ابن قتيبة بعد أن يعدد مراحل قصيدة المدح التقليدية يقول : «فالشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب وعدّل بین هذه الأقسام ولم يطل ويمل السامعين ولم يقطع وبالنفوس ظمأ إلى المزيد» .(3)

إذن يجب أن يكون هناك توازن بين أجزاء القصيدة وإلا أصبحت مختلّة البناء، الذي أساسه التنسيق والترتيب كما شبّه أحد القدماء القصيدة بالكائن الحي في اتصال بعض أعضائه ببعض .(4)

ص: 149


1- دیوان أبي المجد: 130
2- المصدر نفسه : 131
3- الشعر والشعراء: 7.
4- انظر حلية المحاضرة في صناعة الشعر : أبو علي محمد بن الحسن بن مظفر الحاتمي (ت 388ه)، تح جعفر الكتابي دار الحرية للطباعة - بغداد (1979م): 215/1.

فمن عيوب القصيدة التي نبّه عليها الأقدمون هو أن يكثر الغزل ويقل المديح أو العكس .(1)

ولنا أن نأخذ مثالاً أو أكثر من قصائد ديوان أبي المجد فنعرف مدى التزامه بهذه الأصول الفنية، ومن قصائده (التنصر) وهي قصيدة تهنئة وتتكون من ثمانية وستين بيتاً مقسمة على أجزاء وقد بدأها بداية غزلية بقوله :

قلبي بشرع الهوى تنصَّر***شوقاً إلى خصره المزنّر

کنیسةٌ تلك أم كناس***وغلمة أم قطيع جؤذر

وكم بهم من مليك حسن***جار على الناس إذ تأمر

له بأجفانه جنودٌ***تظفر بالفتح حين تكسر (2)

فالشاعر تغزّل ثم وصف وجده ثم عاد ليتغزل بحسن المحبوب الذي أشبه فعله فعل السيوف البتّارة واستمر هذا الغزل أربعين بيتاً، ثم تخلّص من الغزل بذكر الشيب فقال :

یا صاح سكر الشباب إثمٌ***بالشيب من بعده يكفّرْ

جری کميت الشباب حتى***أثار في عارضي عثير

أقبل صبح المشيب نحوي***يسعى وعصر الشباب أدبر

مذ كاد غصن الشباب يذوي***بعرس فرع الكرام أثمر (3)

وكان البيت الأخير هنا فاتحة التهنئة بالعرس ومدح الأسرة وتهنئتها فقال :

عرسٌ به الهم عاد يطوي***لا بل به الميت كاد يُنشَرْ

عرسُ فتىً أبهر البرايا***في حسني منظر ومخبَرْ (4)

ص: 150


1- انظر العمدة: 977 - 978 (الموسوعة الشعرية - قرص مضغوط)
2- ديوان أبي المجد: 76 - 77.
3- المصدر نفسه 79
4- المصدر نفسه : 79

وتستمر هذه التهنئة والمدح لثلاثة وعشرين بيتاً حتى يختم الشاعر القصيدة بقوله :

فاسلم مدى الدهر وابقَ فيهِ***لصدرِ دست وظهر منبر (1)

وبالرغم مما تبدو عليه القصيدة من الترابط وما أضفى البناء الفني الموروث عليها من وحدة وتماسك، تقوم على ترتيب المشاعر وتنظيم الانفعالات وإخضاع التعدد للوحدة (2)، إلا أن الفرق العددي بين أبيات الغزل والتهنئة فرقٌ كبير نسبياً، حتى طغى الغزل في القصيدة طغياناً.

ويرجح أحد الباحثين هذا الاختلال إلى إن المناسبات موضوعات طارئة فرضتها القيود والأعراف الاجتماعية لذا جاءت بعض القصائد مضطربة البناء.(3)

ومن أمثلة شعر أبي المجد قصيدته في رثاء الإمام الحسين علیه السلام من البحر المنسرح ، التي بلغ طولها اثنين وأربعين بيتاً، وقد صدّرها الشاعر ببكاء الديار فقال :

في الدار بين الغميم والسندِ***أيامُ وصل مضت ولم تعدِ

ضاع بها القلب وهي آهلةٌ***وضاع مذ أقفرت بها جَلَدي

جرى علينا جور الزمان كما***من قبلها قد جرى على لبدِ

طال عنائي بين الرسوم وهل***للحرّ غير العناء والنكدِ (4)

وهذه الأبيات الأربعة هي كل مقدمة القصيدة فلا يفتأ الشاعر يلح على موضوعه في البيت الخامس معتمداً في تخلّصه على السببية في حزنه ونكده فقال :

ص: 151


1- المصدر نفسه : 80
2- انظر: وحدة القصيدة في الشعر العربي : 161.
3- انظر : شعر السيد رضا الهندي : 163.
4- ديوان أبي المجد : 50.

ألا ترى ابن النبي مضطهداً***في الطفّ أضحى لشرّ مضطهدِ

يوم بقى ابن النبي منفرداً***وهو من العزم غير منفردِ

بماضيي سيفه ومقوله***فرّق بين الضلال والرشدِ (1)

ويستمر الشاعر في وصف بسالة الحسين علیه السلام وبطولته ويتمثله خطيباً بلسان عشقه الله (سبحانه) حتى يشغل جميع أبيات القصيدة الباقية ويختم بقوله :

أيا مطايا الآمال واخدةً***قفي وبعد الحسين لاتخدي

فيا جفون العلا إلا اغتمضي***فطالما قد كحلتِ بالسهدِ (2)

وهذا إغراق من الشاعر في مضمون قصيدته، فقد تغلّب الغرض كثيراً على المقدّمة وطغى الرثاء على تذكّر الديار الخالية وأكثر ما بدا من القصيدة هو ألم الشاعر وحزنه، لكنه مع ذلك فقد قصر كثيراً في مقدمته، فبدت القصيدة غير متوازنة من حيث البناء وتناسق أجزاء القصيدة.

ويمكن أن نسوغ هذا الإخفاق من الشاعر بأنه لم يكن يعمد إلى عدد الأبيات بقدر ما يعمد إلى إفراغ عاطفته صادقة حقيقية في قالب جميل وأنيق غافلاً عن طغيان بعض المشاعر على سواها، إذن فالدافع النفسي مهم جداً في عملية البناء الفني.

ص: 152


1- ديوان أبي المجد 50.
2- المصدر نفسه : 52 - 53 .

الفصل الثاني :اللغة الشعرية

مدخل

اللغة: هي مادة الأديب، ويمكن القول إن كل عمل أدبي هو مجرد انتقاء من لغة معينة تماماً كما إن التمثال المنحوت يوصف بأنه كتلة من المرمر شفطت بعض جوانبها .(1)

فالأدب ممارسة لغوية ذات صياغة خاصة تعتمد الكلام المنطوق أو المكتوب، مقابل الأشكال الأخرى (الفنون التشكيلية، الموسيقى... الخ).(2)

فالكلمة في الشعر لاتحتمل معناها المعجمي فحسب بل هالة من المترادفات والمتجانسات والكلمات التي لا تكتفي بأن يكون لها معنى فقط، بل تثير معاني كلمات تتصل فيها بالصوت أو بالمعنى أو بالاشتقاق أو حتى كلمات تعارضها وتنفيها، فدراسة اللغة ذات أهمية غير اعتيادية من أجل دراسة الشعر .(3)

ص: 153


1- انظر نظرية الأدب أوستن وارين رينيه ويليك، ترجمة: محيي الدين صبحي :مراجعة حسام الخطيب، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم، مطبعة خالد الطرابيشي (1392ه - 1972م) : 223
2- انظر الإسلام والأدب : 15.
3- انظر نظرية الأدب : 225.

«فالشاعر يتفرد في لغته الشعرية لأنه يبتكر علاقات جديدة يستبدل بها العلاقات القديمة، وهذا الابتكار يدفعه لإحداث عوامل عديدة منها علاقته المتجددة بالمحيط فيواجه الشاعر خلق لغته الخاصة في مستوى المجازات اللغوية» .(1)

ومع إن للشاعر السيطرة الكاملة على كل كلماته فهو لا يناقض العفوية، بقدر ما يؤكد أن العفوية وحدها لا تصنع الشعر، فالشعر صناعة وهنا يدخل الوعي وهو في الوقت نفسه عفوية .(2)

ويمكن أن نحلل الأمر بأن الشاعر لا يصل إلى معنى ثم يبحث عن لفظه كما يفعل المبتدئ في تعلّم لغة جديدة، لكن الوثبة تأتيه ككل بلفظها ومعناها .(3)

«في هذه الحالة يقوم عمل الشاعر على تعديل اللغة المشتركة وعلى تبديل الإشارات في داخلها وعلى خلق علائم جديدة بين مفرداتها فاللغة اليومية تملي مفاهيم واللغة الشعرية توصل حدساً ».(4)

إن اللغة الشعرية تحطم اللغة الاعتيادية لكي تعيد بناءها ثانية في أنساق تركيبية وعاطفية جديدة .(5)

ويرى آخرون إن لكل منهما من الأهمية ما لا يقل عن الآخر فلا بدّ

ص: 154


1- اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي : محمد رضا مبارك دار الشؤون الثقافية - بغداد ط1 ، (1993م): 87
2- انظر: المصدر نفسه : 13.
3- انظر الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة : د. مصطفى سويف، دار المعارف بمصر ط2، (1959م): 294.
4- الصورة الشعرية وجهات نظر غربية وعربية د. ساسين ،عساف دار مارون عبود (1910) : 15
5- اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي : 15.

في الكلام البليغ أن يكون ذا لفظ عذب ومعنى حلو، وكما يفضل شاعر شاعراً بجودة لفظه، يفضله بجودة معناه وغزارته .(1)

والحقيقة إن عملية الإبداع الأدبي عملية متشابكة لا يفصل بين أجزائها إلا التحليل وهذا ما سنحاوله خلال دراسة لغة الشاعر أبي المجد النجفي الأصفهاني وذلك بقسمين يُعنى الأول: بدراسة المفردات المستعملة في البناء الشعري.

والثاني : دراسة التراكيب اللغوية في البناء الشعري.

ص: 155


1- انظر النقد الأدبي: أحمد أمين مكتبة النهضة المصرية - القاهرة ط4، (1972م): 74.

ص: 156

المبحث الأول

أ - المفردات المستعملة في البناء الشعري

امتاز الشيخ محمد رضا النجفي برقة ألفاظه وسلاستها مع دقة معانيه فلم يكن شاعراً مغرقاً في البداوة ولا منقاداً إلى لغة العامة، وهذا ما شهد به أعلام عصره ومن تلاهم إذ عَزوا تفوقه «لإحاطته بالمفردات اللغوية إحاطة تندر عند الأدباء فضلاً عن العلماء... وكان يحمل اللفظ معنى أكثر من قابليته والسر في ذلك يرجع إلى إحاطته بالأدب الفارسي المعروف بذلك» .(1)

كما قال عنه الخاقاني: «وتفوقه في المعنى هو فهمه للأدب الفارسي الذي عرف بسعة الخيال والابتكار في المعاني فلا بدع إذا جاءنا في شعره الذي لم يتعد كونه - لفظيًا - بأسلوب اختلف فيه عن كثير من شعراء عصره» (2)، كذلك وصفه آخرون بالفصاحة العربية والرقة وحلاوة العبارة .(3)

وفي هذا دلالة واضحة على تمكن الشاعر من لغته وتفوق شاعريته إذ إنه على الرغم من قربه من المجتمع الفارسي ومكثه في إيران مدة من

ص: 157


1- انظر طبقات أعلام الشيعة: 749/1.
2- شعراء الغري: 46/4
3- انظر أعيان الشيعة : 341/10 ، انظر: معجم شعراء الشيعة: 58/14.

الزمن فقد كان محافظاً على فصاحته العربية التي لا يلوح عليها شيء من العُجمة فضلاً ذلك فقد أفاد عن من الأدب الفارسي وإيحاءاته المكثفة في خدمة أدبه العربي وهذا ما تسعى الدراسة إلى إثباته.

1 - مفردات قرآنية

لا ريب أن نزول القرآن قد أثر تأثيراً كبيراً في كل شيء في الحياة العربية والثقافة العامة ولا سيما الأدب والشعر فأصبحت ألفاظ القرآن الكريم بمثابة معجم لغوي غزير إلى جانب خزين الشاعر من المفردات، ومع أن لغة القرآن هي ذاتها اللغة العربية إلا أن ألفاظ القرآن الكريم تمتاز بملازمتها لمعانيها المقترنة بالنص القرآني فهي حين تدخل على النص الشعري تضيف كثافتها الأصلية ودلالتها في القرآن على البناء الشعري.

وقد استمد الشعراء من القرآن كثيراً من الصور والألفاظ والمعاني وأدخلوها أغراضهم الشعرية .(1)

وكلما كان الشاعر أقرب إلى القرآن من خلال قراءته أو تداول أحكامه وتفسير آياته ظهر ذلك في شعره، وهذا ما نلحظه في شعر أبي المجد في قوله وهو يذكر حرب البلقان (من البحر الطويل) :

فما برحت تتلو الدخان عليهم***مدافعنا حتى تلت سورة الفتح (2)

فهو حين أراد أن يصف فعل المدافع بالأعداء وما تحدثه من دخان استعان باسم السورة القرآنية (الدخان) (3)، ولما أراد وصف النصر استعان باسم السورة القرآنية (الفتح) (4)وهذا تكثيف موفق من قبل الشاعر إذ إن ما في السورتين من تفصيلات يغني الشاعر عن الوصف.

ص: 158


1- انظر أثر القرآن في الأدب العربي في القرن الأول الهجري .. إبتسام مرهون الصفار، مطبعة اليرموك - بغداد ط 1 ، (1394ه - 1974م) : 388
2- ديوان أبي المجد : 49.
3- سورة الدخان هي السورة رقم (44) في المصحف الشريف: 496.
4- سورة الفتح هي السورة رقم (48) في المصحف الشريف : 511.

فضلاً عن ذلك فإن ما في القرآن الكريم من ألفاظ دفاقة بالمعنى فإن له ألفاظاً ابتدأها ابتداءً مثل : الفرقان والكفر والإيمان والشرك والإسلام... وكذلك فقد هذب اللغة من الحوشية ومن اللفظ الغريب .(1)

فلا بدّع إذا أخذ الشعراء بهذه المفردات التي تغلغلت في أعماقهم كما استعمل الشيخ محمد رضا النجفي ألفاظ (الجنان، النعيم الجحيم، الزبانية في قصيدته في رثاء الإمام الحسين علیه السلام (من البحر المنسرح):

ولست أبغي سوى رضاه ولا***يدور خلد الجنان في خلدي

وسلّ من غمده زبانيةً***تقول يا جمرة الوغى اتقدي

من لم يكن للنعيم مهتدياً***بوعظه إلى الجحيم هدي (2)

والشاعر هنا يدخل ألفاظ القرآن الكريم التي وصف بها الآخرة وهو يتحدث عن قضية الحسين علیه السلام وجداله مع أعدائه فيذكر (الجنان، النعيم، الجحيم) التي وردت كثيراً في القرآن الكريم كما ذكر لفظة (زبانية) مستقياً من قوله تعالى «سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ» (3)فهم ملائكة غلاظ موكلون بتعذيب المجرمين في النار.

ولم تبد هذه المفردات نافرة عن بنية النص اللغوية لكثرة استعمالها وكون أعداء الحسين علیه السلام هم الظالمين الذين سيكون جزاؤهم النار يوم القيامة فهذه اللفظة تدل على العذاب الدنيوي وهو بطش الحسين علیه السلام بهم والأخروي المتمثل بعذاب الله يوم القيامة.

ومن ذلك قول الشيخ معاتباً صديقه الشيخ هادي آل كاشف الغطاء عام 1348 ه_ (من البحر السريع):

ص: 159


1- انظر تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي د. شوقي ضيف، دار المعارف 32 - 33
2- ديوان أبي المجد: 51
3- سورة العلق، الآية : 18

محبتي حسناء كم قد حوت***بدیع حسن لم أطق عدّه

زوّجتها منك فطلقتها***من بعدما باشرتها مدة

فارجع إليها عاجلاً إنها***ما خرجت بعد من العدّة

فإن تبن منك فأكفاؤها***كثر ومن يخطبها عِدّة (1)

وقد استعمل الشاعر هنا لفظة (عدة) وهي المدة الزمنية التي تمكثها المرأة المطلقة أو الأرملة دون زوج وهي من الألفاظ التي استعملها القرآن الكريم في قوله تعالى: «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبل أَن تَمَسُّوهُنَ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا» .(2)

ولم تبد هذه المفردة ناشزة عن بنية الأبيات لأن الشاعر اتخذ من فكرة الحسناء المطلقة مجالاً للتعبير عن فكرته.

ومثل ذلك اتخاذه لقصص الأنبياء ومفرداتهم كمثل اتخاذه قصة نبي الله يوسف علیه السلام وتفاصيلها لإيصال فكرته في قوله (من البحر الطويل):

يا يوسفا لم يبع أنت العزيز على***قلب هواك بفرط الوجد قد سجنه (3)

ومن هذه الأمثلة يتبين أن الشاعر لمفردات القرآن الكريم لم يكن لأجل الاقتباس فقط بل كان عن دراية بمعاني هذه المفردات التي كانت غالباً ما تأخذ موقعها المناسب في البناء اللغوي.

ب__ - مفردات علمية

قضى الشاعر محمد رضا النجفي الأصفهاني أغلب أيام حياته في الدرس العلمي والبحث والتأليف في أوساط الحوزة العلمية في النجف

ص: 160


1- ديوان أبي المجد: 61 .
2- سورة الأحزاب، الآية : 49
3- دیوان أبي المجد: 140.

الأشرف أو في إيران - كما علمنا - وأورثه ذلك معايشة مع مصطلحات العلوم التي درسها أو درّسها، فدخلت هذه المصطلحات في شعره وبرزت فيه كثيراً وقد استعان الشاعر بالمعنى الأصلي للمصطلح أو بالمعنى العلمي وهذا هو الغالب، وبما أن المصطلح هو «العرف الخاص، وهو اتفاق طائفة مخصوصة على وضع شيء» (1)فهو معنى وضعي لا يعرفه إلا أهل العلم والتزام الشاعر بهذه المفردات في شعره يدل على أن جمهوره أيضاً من أهل العلم وطلبته إذ يفهمون هذه التعبيرات. ومنه ما كتبه الشاعر إلى بعض إخوانه وقد سافر (من البحر الوافر):

وبعد فلي إلى لقياك شوق***كشوق الحائمات إلى الورود

وشوقي وافر والحزن مني***طويل والبعاد من الحديد (2)

فنرى الشاعر قد استعمل أسماء بحور الشعر العربي (الوافر، الطويل) بمعناها المعجمي من الوفرة ،والطول دون الإشارة إلى معناها الاصطلاحي ومن ذلك قوله متغزلاً (من البحر السريع):

قد فتحت مذ کسرت جفنها***قلبك لا بالعسكر المجر

أعجب به من ناظر فاتر***يجمع بين الفتح والكسرِ (3)

فالشاعر هنا يذكر (الفتح والكسر) وهما من حركات الإعراب في العربية، وقد أفاد الشاعر منهما التغزل باجتماع الضدين في شيء واحد هو كسر الحاجب الذي أوجب فتح قلب المخاطب بدون جيش أو عسكر ومثله قوله (من مجزوء الكامل):

هي شهدةٌ أو خمرةٌ***والحدُّ بالشبهات يدرأ (4)

ص: 161


1- معجم النقد العربي القديم: د. أحمد مطلوب دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد ط1 ، (1989م): 9/1.
2- ديوان أبي المجد : 58.
3- المصدر نفسه : 70.
4- المصدر نفسه : 73.

فهو يذكر ألفاظ (الحد الشبهات) وهي من الألفاظ المستعملة الفقه آخذاً الحديث الشريف: (الحدود تُدرأ بالشبهات) وقد استعملها بمعناها الاصطلاحي فإقامة الحدّ يعني معاقبة المذنب في الدنيا بعقاب معلوم، والشبهة هي الأمر المشكوك فيه، وقد أوردها حين ذكر الخمرة والمعروف إنها محرمة في الشرع الإسلامي.

ومن ذلك قوله (من البحر المتقارب):

إذا كنت تسأل عن (مبتدأ)***غرامي فعند دموعي (الخبر)

بدیع جمال تفوق البيان***و وصف مبانيه تعيي الفكر

قرأت (المطوّل) من شعره***زماناً على خصره (المختصر)

(فقية) أضرّ بجسمي نواه***دليل يرى عنه (نفي الضرر)(1)

فهو يستعمل المفردات (مبتدأ، الخبر، البديع، البيان، المباني، المطوّل، المختصر، فقيه دليل، نفي الضرر).

وقد جمعت هذه الأبيات مجموعة من المصطلحات منها ما يختص بالنحو ك__(المبتدأ ، الخبر) ومنها ما يعنى بالبلاغة ك__(البيان، البديع، المباني) و(المطوّل والمختصر) فهي إشارة إلى كتاب المطول للتفتازاني في علم المعاني والبيان والبديع(2) وذكره ل__(فقيه دليل نفي الضرر) فهي من مصطلحات الفقه المعروفة.

وهذا الحشد لهذا الكم من المصطلحات في أبيات قليلة جعل من التصنع في الشعر أمراً ،بادياً، وقد قصد الشاعر لهذا قصداً مظهراً براعته في التلاعب بهذه الألفاظ وإفادته منها خصوصاً في غزله. ومثل ذلك قوله (من البحر الطويل):

ص: 162


1- ديوان أبي المجد : 74
2- انظر شعراء الغري: 64/4 .

لقد كنت مشتاقاً إلى وجهك الذي***يزول به همي ويكمل لي أنسي

فرتبت للقياقضايا كثيرة***فما أنتجت تلك القضايا سوى العكس (1)

فاستعماله لمفردات (قضايا العكس أنتجت) والتي تستعمل عادة في المنطق العقلي التي أفاد منها في بيان خيبة آماله، ولا يخفى أيضاً إن الشاعر قصد إلى استعمال هذه المفردات قصداً.

وقد أفاض الشاعر في استعمال هذه المفردات ولكنه بالرغم من ذلك حرص على أن يلبسها أسلوبه الرقيق.

ج__ - ذكر أسماء الأعلام:

استعان الشاعر أبو المجد النجفي بذكر أسماء الأعلام لتوصيل فكرته التي يصبو إليها، فهو حين يسترجع اسم أحد المشاهير في التراث فهو يستدعي الصفات التي يحملها هذا الاسم ويفرغها ببنائه الشعري، كما حصل وهو يذكر أسماء الشعراء ويقارن بينهم وبين ممدوحه الإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء (قدس سره) وهو يقرض ديوانه فيقول (من البحر البسيط):

جردت والمتنبي صارمي فكر***وغير سيفك يا رب القريض نبي (2)

فهو يجعل من ممدوحه في صف المتنبي من الشعراء المتقدمين ثم يستدرك ليجعله أعلى منه رتبة. ويقول :

أرى لبيداً بليداً إذ يقاس به***وكان يُدعى قديماً أشعر العرب (3)

ص: 163


1- ديوان أبي المجد 89
2- المصدر نفسه : 35.
3- المصدر نفسه : 40.

إذن فهو ينتفع من ذكر هذه الأسماء الكبيرة ليجعل ممدوحه أكبر منها.

ومن شعره أيضاً قوله في عم له (من البحر الطويل):

ويا ربّ عمِّ لي يريني بشاشةً***وفي قلبه غيض علي قد التهب

فیاعمنالست النبي محمداً***فلم صار عمي في الشقاء أبا لهب (1)

واستعماله لاسم النبي محمد النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم واسم عمه أبي لهب كثف للشاعر فكرة العداء بين العم وابن أخيه بأسلوب مختصر وذلك باستدعاء صورة العداء بين أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وحقده عليه.

ومثله قوله وهو يصف أحد ممدوحيه بسعة العلم (من البحر السريع):

مبرّد بعض تلاميذه***وابن هشام صاحب القطر (2)

فذكر اسم (المبرد - أبو العباس - صاحب كتاب الكامل في اللغة والأدب) و(ابن هشام الأنصاري صاحب كتاب قطر الندى وبل الصدى) وكلاهما معروف بسعة علمه في اختصاصه، وها قد جعلهما الشاعر تلامذة عند شخص من عصره لما وصفه به من تفوقه في المعرفة.

ومثل ذلك أيضاً ذكره لأسماء الشعراء وهو يفخر بإحدى قصائده فيقول (من مخلّع البسيط):

فريدة في الجمال فاقت***ألف قصيد لألف عنتر

ص: 164


1- ديوان أبي المجد: 40.
2- المصدر نفسه : 71

ماحاك بشارهم نظيراً***وهو ابن برد لها وحبّر(1)

فهو يفخر بقصيدته التي فاقت شعر من سبقه حتى لا يعادلها ألف قصيدة لعنترة بن شداد التي لم يك لبشار بن برد مثلها وهو على ما هو عليه من قوة الشاعرية ولا يخفى ما في هذه الأبيات من مبالغة.

ومن الأسماء التي ذكرها الشاعر في شعره أسماء ممدوحيه وهذا أمر طبيعي في أي قصيدة مدح أو هجاء ولكن أن يكون أسلوب ذكر هذه الأسماء بطريقة تذكّر بأسماء آخرين، مما يحدث امتزاجاً في المعنى وتشظ في الدلالة كقوله مادحاً الشيخ علي آل كاشف الغطاء صاحب (الحصون المنيعة): (من مخلع البسيط):

وما روى للعلا علي***أصح أخبارها وأشهر

عن الرضا عن أبيه موسی***مسلسلاً عن أبيه جعفر (2)

فالشاعر يذكر ممدوحه ثم يذكر أسماء آبائه، ليبين عراقة المجد في الأسرة بحيث يروى الخبر عن الأب والجد فاستعمل الأسماء (الرضا موسی، جعفر) التي سلسلها الشاعر بحيث شابهت جزء من سلسلة الأئمة الاثني عشر وهم (الإمام علي الرضا علیه السلام ، ثم أبيه الإمام موسى الكاظم علیه السلام ، ثم أبيه الإمام جعفر الصادق علیه السلام) وهذا الاستعمال أضاف قدسية لأسماء الممدوحين بصورة خفية لا يصلها القارئ والباحث إلا بعد إجالة الفكر والتمعن.

ومثله قوله في الهجاء وقد ضمّن بيتاً للمتنبي فيه وكان اسم مهجوه (محمود) فقال من البحر البسيط):

كيف المعيشة في أرض الغري ولي***من أرذل الناس توعيدٌ وتهديدٌ

ص: 165


1- المصدر نفسه : 80.
2- المصدر نفسه : 79.

(ما كنت أحسب أن أبقى إلى زمنٍ***يسيئ بي فيه كلب وهو محمود) (1)

فهو لم يصف حاله المتردية فقط، إنما هجا من يؤذيه لا بذكر اسمه فقط (محمود) بل بنعته بالكلب. وإفادة الشاعر من الأسماء التي يذكرها إفادة معنوية أمر ظاهر يعتمد التكثيف والإيحاء في لغة الشاعر المتوخاة.

د - ذكر الأسلحة

وردت مفردات السلاح في الشعر العربي كثيراً لما كان بين العربي وسلاحه من علاقة وشيجة فهو يكاد لا يفارقه فدخلت شعره وأورثها من بعده من الشعراء عبر تاريخ الشعر العربي حتى صار ورود هذه المفردات أمراً طبيعياً في قصائد الشعراء حتى من لم يحمل السلاح في حياته أبداً.

وقد أخذ ذكر مفردات السلاح في شعر أبي المجد شكلين في الظهور الأول عند ورودها في صورتها الواقعية مما يناسب المحل والثاني: استعمالها بواسطة الأساليب البيانية.

ومن ذلك أيضاً قوله في ذكر يوم الطف (من البحر المنسرح):

بماضيي سيفه ومقوله***فرّق بين الضلال والرَشَدِ (2)

وقوله :

بقائم السيف قمت أنصره***مقوّماً ما دهاه من أودِ

ولستُ أعطي مقادةً بيد***وقائم السيف ثابت بيدي

والرأس مني على القناة غدا***يسار من بلدة إلى بلدِ

وسلّ من غمده زبانيةً***تقول یا جمرة الوغى اتَّقدِ

ص: 166


1- المصدر نفسه : 56 - 57 انظر : ديوان المتنبي (الموسوعة الشعرية - قرص مضغوط).
2- ديوان أبي المجد : 50

ولا يغرنك في اللقا زرد***فطالما قد هزأت بالزر

أصيب في قلبه بأسهمهم***مذ قالت القوس خذه من كبدي (1)

وترد في هذه القصيدة مفردات (ماضي السيف السيف القنا الغمد ،زرد ،أسهم القوس) وهذا أمر طبيعي وهو يذكر أحداث معركة، ولكن ما نلحظه أن الشاعر أعطى لهذه الأسلحة قيمة معنوية وحسيّة فأضافه إلى ما تمثله السيوف من شجاعة وبسالة، فهو يهزأ بالدروع ويجعل القوس ناطقة ... فالأسلحة عند الشاعر تمثل أكثر من كونها أدوات للقتال.

واستعمل الشاعر مفردات الأسلحة لتوصيل فكرته عبر أساليب بيانية فأدخل ألفاظها في الغزل والاخوانيات وغيرها من الأغراض كقوله في تأبين السيد محمد هادي الصدر الكاظمي (من البحر الطويل):

وإن يك منه الدهر أغمد مرهفاً***فقد سلّ من هذا حساماً يمانيا (2)

فقد استعمل مفردات (أغمد ، مرهفاً، حساماً، يمانياً، سلّ) للتعبير عن حركة الموت والحياة التي تحدث بموت السلف وبقاء الخلف.

ومثل ذلك قوله مفتخراً (من بحر الرجز) :

لي سيف عزم ما نبا قط ولا***نجاره فارق يوماً عاتقي (3)

ومثله قوله متغزلاً (من مخلع البسيط):

خصرك هذا الضعيف يعيى***حمله قامة و خنجر

من مؤنث الطرف منك أمضى***شبا من الصارم المذكر

فاتره لا يقاس حدّاً***ببارد للسيوف أبتر

ص: 167


1- المصدر نفسه : 52.
2- المصدر نفسه : 147.
3- المصدر نفسه : 103

أغمد شباه فأي قرم***من بأس جفنيه ليس يذعر

يا شاهراً سيفه المحلّى***جفنك بالفتك منه أشهر (1)

ويستعمل الشاعر مفردات (القامة، الخنجر، شبا، الصارم، السيوف) وهو يصف جمال المحبوب بأنه جمال لا يقاوم لأن له أسلحة فتاكة تذعر كل من رآها مخافة أن يقع في عشقه ومثلها قوله في الغزل أيضاً من البحر الكامل المرفل):

وسهام لحظ قد برت***جسدي وعهدي السهم يبرى (2)

ومنه قوله (من بحر المتقارب):

بمن أودع الطرف منك الحَوَر***وصيّره فتنة للبشر

وسدد منه لأهل الهوى***سهاماً تفوق لاعن وتر

وهبني حذرت سهام العدى***فمن سهم لحظك كيف الحذر

ومن رمح قدك أين النجاة***ومن سيف جفنك أين المفر (3)

فهو يذكر (السهام، الوتر، الرمح، السيف) مستعيناً بها على غزله وهو أكثر الأغراض التي وردت فيها هذه الألفاظ، وليس هذا غريباً إذ لطالما ارتبطت صورة العيون وفعلها بالسيوف وفتكها والأهداب بالسهام والحواجب بالقسيّ، والقدود بالرماح، فاستعمال الشاعر لهذه المفردات في هذه المواضع أمرُ فيه من التقليد شيء كثير.

ه - مفردات المكان

لقد تعلق الشعراء قديماً وحديثاً ببيئتهم ومواطنهم وبدا ذلك وهم يذكرون أسماءها في شعرهم وهم يبكون على الأطلال الدارسة «أما عند

ص: 168


1- ديوان أبي المجد : 78 - 79.
2- المصدر نفسه : 72.
3- المصدر نفسه : 73.

شعراء المدن ممن تناولوا ذكر الأطلال والديار فهو مجرد تقليد ومحاكاة لما سبقهم» .(1)

وإضافة إلى قضية التقليد فإن عالم المكان ينتظم عليه معنى وهذا المعنى يترتب حول علاقة العمق أو مستويات القرب والبعد المسطحة أفقياً أو باتخاذ أبعاد وأوضاع أخرى .(2)

وقد مر بنا أن الشاعر أبا المجد لم يكثر من وصف الأطلال كما فعل بعض معاصريه من الشعراء، لكنه من جانب آخر كان يذكر أسماء الأماكن التي يتعرض لها في شعره فتكون قريبة من المناسبة. وسنعمد إلى دراسة هذه الأسماء، ففي معرض ذكر الطلول قال أبو المجد (من البحر المنسرح):

في الدار بين الغميم والسند***أيام وصل مضت ولم تعد (3)

وقوله أيضاً (من مجزوء الكامل المرفل):

فسقى الحيا الهتّان رب__***_عاً للحبيب بجنب طمّة (4)

فقد ذكر أماكن الغميم السند طمّة ولم يذكر سواها ولاشك أن الشاعر إنما ذكرها في معرض التقليد فقط.

أما ذكره لأسماء الأماكن في مواضع أخرى فلكل موقعه من البناء الشعري الذي يلتحم فيه التحاماً ومن ذلك قوله (من البحر المنسرح):

إلا ترى ابن النبي مضطهداً***في الطف أضحى لشرّ مضطهد

بشراي إن الحبيب شاء يرى في***الطف ميدان خيلكم جسدي (5)

ص: 169


1- البداوة في شعر العصر العباسي الأول : 266.
2- انظر: نظرية البنائية في النقد الأدبي : د. صلاح ،فضل دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد 3 (1987م) : 325.
3- ديوان أبي المجد: 50.
4- المصدر نفسه : 126.
5- المصدر نفسه : 50 - 51

فاستعمال الشاعر لمفردة (الطفّ) يوحي بمجمل الحدث الذي وقع فيها حتى أصبحت المعركة تسمّى (معركة الطفّ) فهو حين يذكر المكان يذكر السامع بكل ما جرى فيه، إذ حمّلت لفظة (الطفّ) بثقل المأساة عبر الزمان منذ وقوعها حتى «الآن».(1)

وقد الشاعر مفردة (الطفوف) ولكن بعيداً عن قضية الإمام الحسين علیه السلام بل مراسلاً لخله الشيخ مصطفى التبريزي من كربلاء فقال (من البحر البسيط):

استودع الله من سارت ركائبهم***من الطفوف إلى أرض الحمى تخدُ(2)

وهنا لا تذكّر اللفظة بواقعة الطف لأنها مقترنة بمكان آخر وهو (الحمى).

ومثل ذلك قوله (من البحر الطويل):

بني الضاد هل عيني تقرُّ بقربكم*** وهل يستقي من وصلكم قلبي الصادي

أحنُّ إليكم والمفاوز بيننا***و أين ابن جي (3)من رصافة بغداد (4)

ويبدو أن هذه الأبيات مما كتبه الشاعر في إيران وهو يحنُّ إلى العراق بكل ما فيه، وقد خص بالذكر شخصاً من رصافة بغداد ولكنه حين

ص: 170


1- رثاء الإمام الحسين في العصر العباسي - دراسة فنية : أحمد كريم علوان، رسالة ماجستير - كلية الآداب - جامعة الكوفة (1429ه - 2008م): 190.
2- ديوان أبي المجد : 55.
3- جيّ: من أسماء أصفهان ديوان أبي المجد : 59 نسخة صححها السيد عبد الستار الحسني.
4- ديوان أبي المجد : 59

ذكر (رصافة بغداد) بدا أن حنينه غير مخصوص بهذا الشخص فقط وإنما يتجاوز إلى المكان كله.

ومثل ذلك قوله مادحاً أحد الأعلام (من البحر الطويل):

رجعت وأحييت الغري وأهله***وكذبت قول الناس لا يرجع البدرُ (1)

وهو حين ذكر (الغري) في مدحه أعطاه معنى الحياة وكأنه كائن حي يحيى ويموت بوجود أحد علمائه الأعلام، إذن فالغري مكان حيّ بالعلم، وهذا ما حمله اسم المكان من دلالة فأصبح (الغري) مدينة العلم والعلماء.

ومثل ذلك قوله مخاطباً صديقاً له (من البحر البسيط):

سرّ حيث شئت ترى الآمال خاضعة*** لديك وانهج سبيلاً أنجح السبل

وسوف تسري من الزوراء مرتحلاً***إلى الغري بعزّ غیرمرتحل(2)

فهو حين ذكر مفردات (الغري، الزوراء) ذكرها في سياق شعره ووظفها لإيصال فكرته، لما للمحطتين من اقتران فعلي برحلة المخاطب.

و - مفردات الزمان

ويأخذ الزمن في العمل الأدبي بعداً مهماً، وللتنظيم الزمني أشكالاً وأوضاعاً مختلفة، فهناك الزمن الدائري والزمن اللاوقتي والزمن الخطي المتسلسل، فالأول يسود في هذا النوع من الأعمال الأدبية التي تكرر

ص: 171


1- المصدر نفسه : 86.
2- دیوان أبي المجد: 110.

تاريخاً تعتبر بدايته هي أيضاً نهايته أما الزمن اللاوقتي فهو الذي يسود في حكايات يبدو للوهلة الأولى أن لها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، ويُعدّ النوع الثالث من التنظيم الزمني وهو المتسلسل أكثر شيوعاً ومرونة إذ يسمح لبدائل مختلفة على مستويات متعددة متعددة .(1)

استعمل الشعراء المفردات الدالة على الزمان ومنهم الشاعر أبو المجد، وغالباً ما وردت مفردات الزمان في السياقات الشعرية مختلفة المعاني عما هو متعارف عليها، وذلك بأساليب شتى تعطي معانٍ مختلفة (2)ومن ذلك قول أبي المجد متغزلاً (من البحر البسيط):

يوم المحب إذا غاب الحبيب سَنة***وليلة لا تذوق العين فيه سنة

ودَّ المتيم فيه يوم ودّعه***لو روحه ودعت من قلبه بدنه (3)

فالشاعر يذكر ألفاظ (يوم ، سنة ، ليلة سنة) في البيت الأول على نحو تقابلي فهو يصف حال المحبّ في يومه وليلته وأي وقت يمرّ به المحبّ وبدون تحديد وكذلك ذكره ل__(سَنة ، سِنة) فقد أراد الشاعر من المفردتين الوقت الطويل جداً والوقت القصير جداً وليس تحديداً (السنة، السنة) وإن ذكر لفظة (يوم) المقترنة بالوداع لا تعني بالضرورة اليوم بل تدل على ساعة الوداع وحينه وربما لحظته وليس هذا هو المهم لدى الشاعر إنما يهمه هو الوداع ذاته وعملية الوداع محاطة بظرف زمني.

وله يصف فصل الربيع فيقول (من البحر السريع):

بشرى فقد طاب الهوى واعتدل***مذ حلت الشمس ببرج الحمل (4)

إنه يبشر بحلول الربيع وطيب الهواء بألفاظ العالم الفلكي فهو لم

ص: 172


1- انظر : نظرية البنائية في النقد الأدبي : 325.
2- انظر : رثاء الإمام الحسين في العصر العباسي : 193.
3- ديوان أبي المجد: 139.
4- المصدر نفسه : 117

يقل إن الربيع قد حلّ وإنما استعمل حركة النجوم والأبراج فذكر المفردات (الشمس، برج الحمل) لينبئ عن غرضه، لا ليرسم حركة الشمس.

ومثل ذلك قوله (من البحر البسيط):

وخانه الدهر في آذار معتذراً***مما جناه علیه کف تشرین (1)

فهو يصف الربيع باستعمال مفردات زمانية هي (الدهر، آذار، تشرين) وقد أعطى الدهر صفة العاقل الذي يعتذر عن إساءة فعلها في شهر تشرين أي في فصل الخريف، وعاد ليعتذر عنها في فصل الربيع معبراً عنه بشهر (آذار) فهو يعطي ألفاظ الزمان صفات العاقل وأفعاله.

ومثل ذلك قوله في المدح (من بحر الرمل):

فإذا هزّ يراعاً خلته***بطلاً هزّ ليوم الروع لدنا (2)

وهنا يضيف الشاعر لمفردة (اليوم) كلمة (الروع) لتأخذ المفردة معنى آخر، إذ تدلل على وقت الشدائد أو الحروب حيث تظهر شجاعة الشجعان في منازلة الأقران.

ومثل ذلك قوله (من البحر البسيط):

وبعد طيب زمان كان يضحكه***بالوصل يبكي أسى من بعده زمنه (3)

فمفردتي (زمان، زمنه) والأولى تعني المدة المحددة التي مضت ، أما الثانية فتعني ما بقي من عمره الذي سيقضيه متأسياً على وقتٍ كان فيه سعيداً.

ص: 173


1- المصدر نفسه : 143.
2- دیوان أبي المجد 133.
3- المصدر نفسه : 140.

وقريب منه قوله من القصيدة ذاتها :

إن بت تشكي زماناً أنت تعرفه***فأي حرّ ترى لا يشتكي زمنه (1)

ولكن ألفاظ (زمان،زمن) أخذت هذه المرة معناها الطبيعي فعنت المدة من الوقت لكن بما تحمله نفوس العامة من شحنة لهذه المفردات إذ يقترن معنى الزمن بالأحداث التي تجري فيه.

ز - ذكر أسماء الحيوانات

يزخر تراثنا الشعري العربي بأسماء الحيوانات، إذ كان الشاعر العربي يصف ناقته أثناء وصفه لرحلته إلى الممدوح ويصف فرسه ويذكر كلابه عند رحلته إلى الصيد كما يشبه عيون الحسناوات بعيون البقر الوحشي وبالظباء وما إلى ذلك من استعمالات، حتى أصبح كل حيوان يدل على صفة معينة كالشجاعة في الأسد والجمال في الظبية... الخ.

ولكن في شعر أبي المجد قلما نجد وصف الرحلة أو الناقة، ولم يصف رحلة صيد فما هو مسوغ ذكر الحيوان في شعره؟

ولا ندعي الجدة في كل ما صدر عن الشاعر في هذا بل إنه كان في بعضها وخاصة في غزله مرتجزاً :

يا ظبي أخشاك وإني أسدٌ***متى عهدنا الظبي يخشاه الأسد

ففي سبيل الحب مني مهجة***أتلفتها يا ريم وجداً وكمد (2)

فهو يستعمل ألفاظ (ظبي، أسد، ريم) وهذه مفردات تقليدية في الغزل عبّرت عن الجمال الذي يغلب الشجاعة ويقهر أقسى القلوب وهو قلب الأسد.

ص: 174


1- المصدر نفسه : 140.
2- المصدر نفسه : 53

ومثله قوله (من البحر الكامل):

يا ظبي كم أسهرت من مقل***قبل الهوى لم تعرف السهرا (1)

فدلالة مفردة (الظبي) أصبحت معروفة وأشهر من أن يعرف بها، حتى كأنها تحولت من اسم حيوان إلى صفة إنسان.

وقريب منه قوله (من مخلع البسيط):

حباه غاب حواه قدماً***صورة صل وبأس قسور (2)

فقد استعمل ألفاظ (صل قسوَر) للإبانة عن صفات الممدوح في الشكل والشجاعة الفائقة.

وقوله في المدح أيضاً (من البحر الطويل):

لعمرك حلّ الحائري من العلا***محلاً غدا من دون أخمصه النسر (3)

ف (النسر) - هذا الحيوان الذي لا يبني عشه إلا في قمم الجبال جعل الشاعر موقعه تحت أقدام ممدوحه لأنه أكثر علوّاً من النسر مجداً وشرفاً.

وكما استعمل الشاعر أسماء الحيوانات في الغزل والمدح فقد استعملها في الهجاء والممازحة مثال قوله (من الرجز):

من فوق رأس ليته لم يخلقِ***عمامة تشبه عش اللقلق (4)

فقد ذكر لفظ (اللقلق) مضافاً إلى عشه وقد أعطى لهذا الوصف بعداً من السخرية إذ هو لم يصف اللقلق بل ذكر عشه ولكن سرعان ما يتبادر

ص: 175


1- المصدر السابق : 63.
2- ديوان أبي المجد : 80.
3- المصدر نفسه : 84.
4- المصدر نفسه : 101.

إلى ذهن القارئ إن هذا اللقلق يرقد في عشه الموضوع على رأس إنسان، فالشاعر أفاد من هذه الكثافة اللغوية في بث روح المرح والتندر. ومثل ذلك قوله (من البحر الطويل):

ولا عجب إن كان مثلي مبعد*** وغيري قريب من حمى السيد القطب

كذا أسد الأفلاك منه مبعداً*** وأقربها من قطبها صورة الدب (1)

فهو ذكر (الأسد) قاصداً به نفسه بصفاته وذكر (الدب) ليطابق صورته مع صورة المقصود وفي هذا مزاح ألطف مما سبقه وأرق .

وكما دخلت أسماء الحيوانات وصفاتها المزاح دخلت الوصف فهذا شاعرنا يقول عند وصفه للساعة (من البحر السريع):

تحمل بالرغم على وجهها***عقارباً ليست بلسّاعة(2)

فهو يذكر (العقارب) ولا يقصد بها العقارب الفعلية بل هي عقارب الساعة التي لا تلسع.

ومثله وصفه للشيب بقوله (من البحر الطويل)

ولمّا رأيت الشيب جنح نملة***فقلت نذيراً باقتراب منونِ (3)

واستعماله هنا لمفردة (النمل) وهو يجنح فيه حركة إذ يتحول هذا الحيوان من طور إلى آخر وفي هذا إيحاء لعملية تحول عمر الإنسان من الشباب إلى المشيب.

ومما يلفت الانتباه إن أبا المجد لم يذكر الإبل صراحة إلا مرة واحدة في ديوانه بقوله (من البحر الوافر) :

ص: 176


1- المصدر نفسه : 39 - 40
2- المصدر نفسه: 97
3- المصدر نفسه : 144 .

سأجهر كل غانية عروب***لوصل السير بالإبل العراب

مناسمها مفاتيح الأماني***إذا ما الدهر أغلق كل باب (1)

فهو يذكر لفظ (الإبل) مقترناً بالسير والحركة حيث ينتقل عليها الإنسان من مكان إلى آخر، ويرى فيه الشاعر مخلصاً من حال إلى حال لأنه شريك سعي الإنسان في بلوغ أمانيه فهو رفيق رحلته القديم.

أما باقي المواضع التي ذكر فيها الشاعر الناقة فلم يذكرها صراحة بل ذكرها بصفتها كقوله (من البحر الطويل):

أيا راكباً زيافة شدنية***تقد الفيافي بالرسيم وبالوخدِ(2)

و (الزيافة) الناقة المسرعة و(الشدنية) المنسوبة إلى (شدن) وهو موضع.

ح - المفردات المعجمية

غلبت الألفاظ السهلة الرقيقة على لغة الأصفهاني إلا ما تناثر هنا وهناك من بعض المفردات التي قد يحتاج البعض منها إلى مراجعة المعاجم لمعرفة معناها.

ومنها قوله (من البحر الكامل):

كم مرهفٍ ماضي الشبا أعددته***منهم لحرب للزمان ذؤام

ولكم هزمت جيوشها من معشري***بمجرّب في الروع غير كهام (3)

فاستعماله لمفردات (الذؤام) وهي الحرب المذمومة المحقرة، ولفظة (كهام) وهو الكليل البطيء في معرض الحديث عن القتال والحرب

ص: 177


1- ديوان أبي المجد 38
2- المصدر نفسه: 56.
3- المصدر نفسه : 120

أمر طبيعي لما تحمله الحرب ذاتها من الشدة والغلظة، ويمكن القول إن الشاعر ذكر هذه الألفاظ وهو صاحب اللفظ البسيط الرقيق بسبب ضغط القافية وقوانينها الصارمة.

ومثل ذلك قوله (من البحر الطويل):

ربيب قصور ليس يعرف ما الفلا***وكيف تجوب الدور زيّافة البزل (1)

فهو لم يذكر الإبل صراحة بل ذكر أوصافها التي تدل عليها فالزياف هو المتبختر والبازل هو البعير المنشق الناب وهذا أمر اعتيادي، إذ إن أغلب أسماء الناقة وأوصافها التي استعملها العرب بهذه الغرابة التي نعتقدها لبعد المسافة الزمنية بيننا وبينهم وبين حاضرتنا وباديتهم وإذا جنح الشاعر في حديثه إلى الغرابة.

ثم إن صفات الناقة لا بدّ لها أن تأتي على هذه الشاكلة لتحقق المواءمة الفنية وإظهار الصورة بكل إيحاءاتها وظلالها البدوية .(2)

وقد يقصد الشاعر إلى الغرابة قصداً، كما في الأبيات التي كتبها في حاشية كتاب (فقه اللغة) للثعالبي معلقاً على عيوب عادات الحيوانات (من البحر الكامل):

لا بالعضوض ولا الجموح***ولا الشموس ولا النفور

كلا ولا هي بالقموص***ولا الحيوص ولا الجرور

أو بالشبوب أو القطوف***أو الرموح أو العثور (3)

وكل هذه المفردات (العضوض، الجموح، الشموس، النفور، القموص الحيوص، الجرور ،الشبوب القطوف الرموح ، العثور) من

ص: 178


1- المصدر نفسه : 111.
2- انظر شعر محمد سعيد الحبوبي - دراسة فنية : منى جابر مجبل التميمي، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الآداب - جامعة الكوفة (1420ه - 1999م): 54.
3- ديوان أبي المجد : 85

صفات الفرس المعيبة، نقلها الشاعر عن كتاب فقه اللغة لوصف فرس لا عيب فيها أو لتسهيل حفظ هذه المفردات.

ومن خلال دراستنا لمفردات الشاعر وجدنا أنه يجنح دائماً إلى الرقة اللفظية وإلى الاستعانة بلغة العلماء وطرق تعبيرهم في إيصال الفكرة.

كما أنه ظلّ محافظاً على المفردات التي استعملها الشعراء السابقون في أغراض معينة كألفاظ الغزل وصياغته الفنية.

ص: 179

ص: 180

المبحث الثاني

التراكيب المستعملة في البناء الشعري

اشارة

لا تتكون اللغة من مفردات متناثرة خالية من الترتيب والنظام وإنما يدرك الكلام ويفهم بعباراته وجمله المفيدة «والألفاظ لا تفيد حتى تؤلف ضرباً خاصاً من التأليف، ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب» .(1)

ولصياغة التراكيب أهمية لا تقل عن أهمية اختيار المفردة بل ربما يزيد عليها «لأنك تقتضي في نظمها آثار المعاني، وترتيبها على حسب ترتيب المعاني في النفس... مما يوجب اعتبار الأجزاء بعضها مع بعض، حتى يكون لوضع كلّ حيث وضع علة تقتضي كونه هناك وحتى لو وضع في مكانٍ غيره لم يصح» .(2)

لذلك عبر الجاحظ عن الشعر بأنه «صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير» .(3)

ص: 181


1- أسرار البلاغة : الإمام أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي ت 471ه-)، تحقيق: أبو فهر محمود محمد شاكر دار المدني - جدة، ط1، (1412ه - 1991م): 4.
2- دلائل الإعجاز في علم المعاني : الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471 ه) : 81 - 82 (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).
3- الحيوان الجاحظ: 91/1 (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).

فقد أخذ بنظر الاعتبار لغته المنسوجة على خلاف العادة في لغة التخاطب الاعتيادية. كما إن هذا الربط هو الذي يظهر الأسلوب الذي «يستمد الحياة والقوة من طريقة استعمال المفردات المناسبة، ومن السر في ربط الكلمة الحية القوية بأختها بحيث يتهيأ من هذا المركب طريقة في التفكير».(1)

إذن يعرف أسلوب الشاعر باجتماع دراسة المفردات والتراكيب التي استعملها والتي عبر بها عن بواطن نفسه وأوصل بها فكرته فتكون من ذلك معجمه الخاص الذي قد يشترك في كثير منه مع شاعر آخر، ولكنه مع ذلك يبقى متميزاً من خلال أمرين:

أولهما : نوعية هذه الألفاظ التي يختارها الشاعر، والمضمار الذي تدور فيه.

والأمر الثاني : هو طريقة الشاعر في التعامل مع هذه الألفاظ وكيفية تركيبه لها .(2)

وقد درسنا المفردات في ما سبق والآن سنتعرف إلى لغة الشاعر أبي المجد النجفي من خلال تعامله هذه المفردات.

ويتضح ذلك من خلال الأساليب الآتية :

أ - النداء

وهو دعاء المخاطب ليصغي إليك (3)وأدواته هي الهمزة، وأي ويا، وآي ،وأيا وهيا ووا.

ص: 182


1- لغة الشعر بين جيلين : د. إبراهيم السامرائي ؛ دار الثقافة بيروت - لبنان : 45 .
2- انظر: عناصر الإبداع الفني في شعر أحمد مطر : كمال أحمد غنيم، منشورات ناظرين - مطبعة ستارة ط1 ، (1425ه - 2004م) : 122.
3- شرح جمل الزجاجي: لابن عصفور الإشبيلي (597 - 669) ه، تحقيق: د. صاحب أبو جناح وزارة الأوقاف والشؤون الدينية - الجمهورية العراقية (1402ه - 1982م) : 82/2.

«وأم هذا الباب «يا» والدليل على ذلك أنها تستعمل في جميع ضروب النداء وما عداها لا يستعمل إلا في النداء الخالص الذي لا يدخله معنى التعجب ولا الندبة ولا الاستغاثة إلا وا» فإنها لا تستعمل إلّا في الندبة» .(1)

وقد قسم البلاغيون أدوات النداء بحسب المنادى على ما يستعمل في القريب أو البعيد أو كليهما، ويبقى ال__«يا» سيد هذه الأدوات. وهي أكثر أداها الشاعر محمد رضا النجفي في شعره، مثال ذلك قوله (من البحر البسيط):

وكنت عيني على الأعداء ترقبهم***فلا تكن أنت يا عيني لهم أذنا (2)

ولا شك أن الشاعر هنا نادى قريباً منه جداً قرابة عين الإنسان منه، واعتزازه بها، وإن استعمال النداء بهذا الشكل وفي هذا السياق فيه تنبيه للمخاطب ليس للإصغاء فقط وإنما لمعرفة مكانته لدى الشاعر فيحفظها. وقد نراه في موضع آخر ينادي البعيد بالأداة نفسها كما في قوله (من بحر الرمل):

يا ليالي الجزع هل من عودة***تتقاضى فائت اللذات منّا (3)

فهو ينادي ليالي قد بعدت عنه كان يعيش فيها الراحة واللذة، وقد يجتمع في المنادى البعد والقرب ويخاطب بالأداة ذاتها، كما في قول الشاعر من مسمطته (من بحر المجتث):

تركتني يا غزالي*** يرثي العدو لحالي

جسمي شبيه الخيال*** من لام فيك وانّب

لما رآه ترحّم(4)

ص: 183


1- شرح جمل الزجاجي: 82/2.
2- دیوان أبي المجد: 141.
3- المصدر نفسه: 133
4- المصدر نفسه: 129

فمناداته الحبيب بالغزال ثم نسبته إلى نفسه يدل على قرب المخاطب، لكن سياق الجملة تدل على البعد والهجران فالحبيب بعيد بمكانه إلّا أنه قريب بروحه من قلب محبّه.

وكما يخاطب أبو المجد محبوبه بهذا النداء نراه مراراً يخاطب العاذل بالصيغة نفسها كمثل قوله (من البحر السريع):

يا عاذلي دعني فإني الذي***أضله الله على علم (1)

والقضية معكوسة هنا فقد يكون العاذل قريباً في مكانه بعيداً في عقله ورأيه عن رأي الشاعر وهواه ونرى هذه الصيغة تتكرر في قوله (من البحر السريع):

يا عاذلي في حبّ ذاك الرشا***رفقاً بسمع المذنف الهائم (2)

وأحياناً يخاطب الشاعر جزءاً منه بهذا النداء فيقول من القصيدة نفسها :

أودعتك الله شبابي ويا***شيبي أهلاً بك من قادم (3)

فهو يرحب بهذا القادم الجديد الذي خلف الشباب بندائه ب__(يا) ولكن يبدو أن شباب الشاعر الزائل أقرب إليه وألصق بنفسه من شيبه فهو يناديه دون أي أداة للنداء فيقول (أودعتك الله) شبابي ولم يقل (يا شبابي) ربما مراعاة للوزن، أو لأن الشباب الذي رافق الشاعر أياماً طويلة في حياته أقرب إليه من القادم الجديد ومثل ذلك ما نادى به الشاعر صديقه

الشيخ هادي آل كاشف الغطاء وهو يبثه همه (من بحر الكامل):

قلبي إليك أبا الرضا يشكو الذي***أضحى يقاسيه من الأيام (4)

ص: 184


1- دیوان أبي المجد 124 .
2- المصدر نفسه : 122.
3- المصدر نفسه : 122
4- المصدر نفسه : 120.

فهو يخاطبه بكنيته حاذفاً أداة النداء كما يخاطب الخليل والصديق القريب صديقه.

كما يستعمل الصيغة نفسها بقوله (من البحر الطويل):

بني الضاد هل عيني تقرُّ بقربكم***وهل يستقي من وصلكم قلبي الصادي (1)

فهو ينادي أحباءه وأصدقاءه من العرب الذين خلفهم في العراق ورحل عنهم فهو يكلمهم بصيغة حميمة تحمل اللهفة والشوق ولا تحتمل أن تسبق بأداة نداء .

ومن الأدوات التي استعملها الشاعر (الهمزة) والتي عين البلاغيون أنها لنداء القريب(2) ومن ذلك قول الشاعر مادحاً (من البحر الوافر):

أجعفر فقت في خَلقٍ وخُلقٍ***جميع الخلق حاضرهم وبادي

سبقتهم إلى العلياء طراً***فلا عجب فأنت ابن الجوادِ (3)

وكما استعمل الهمزة لنداء العلم المعروف نراه يستعملها مع العاذلة كقوله (من البحر الوافر):

أعاذلتي كفي الملام فإن في ال___***حوادث ما يغنيك عن كلفة العذل (4)

كما يخاطب البادية فينزلها منزلة العاقل حين يقول (من البحر الوافر):

أبادية الأعراب عنك فإنني***بحاضرة الأتراك عنك لفي شغل(5)

ص: 185


1- المصدر نفسه : 59
2- انظر شرح جمل الزجاجي : 82/2.
3- دیوان أبي المجد : 57.
4- المصدر نفسه : 113 .
5- ديوان أبي المجد: 111.

كما يخاطب رجلاً على سبيل الممازحة (من البحر المتقارب):

أجاعل ورد على ذقنه***كأن أذى الورد أمر مهم (1)

وفي هذه الاستعمالات الثلاثة السابقة نراه يخاطب البعيد المعنوي فهو وإن جمعه به مکان ،واحد فهو بعيد عنه بذهنه مشغول بغيره ومع ذلك فقد خاطبه بخطاب القريب. ولا نجد خللاً في ما نظم الشاعر إلا أن نقول : إن لغة الشعر لغة ثورية لا تؤمن بهذه القيود المصطنعة.

ومن صيغ النداء التي عمد إليها الشاعر (أي) المقترنة مع (ها) التنبيهية، والتي حددت لنداء القريب أيضاً وحكى سيبويه خلاف ذل.(2)

ومنها قول أبي المجد مادحاً (من البحر البسيط):

يا أيها العلم الهادي الأنام إلى***نهج الهدى والتقى بالعلم والعمل (3)

ويظهر في هذا الخطاب التعظيم والتبجيل والاحترام لهذا المخاطب أكثر من ظهور البعد والقرب في المعنى والقصد.

وفي استعماله الآخر لصيغة (أيها) يقول (من البحر الخفيف):

أيها الخال دع طريق العنادِ***واتركن أكل أسود كالمدادِ

لا تفضّل على الطماطة شيئاً***إن شرّ الألوان لون السواد (4)

والشاعر هنا يخاطب خاله على سبيل المزاح، التي يظهر فيها القرب بين الشاعر والمنادى مع ظاهرة الجدية في النداء.

أما الأداة الأخيرة التي استعملها الشاعر في ديوانه هي (أيا)

ص: 186


1- المصدر نفسه : 123.
2- انظر شرح جمل الزجاجي : 82/2.
3- ديوان أبي المجد : 110.
4- المصدر نفسه : 60 .

المخصصة لنداء البعيد (1)وقد وردت في الديوان في قول أبي المجد (من البحر المنسرح):

أيا مطايا الآمال واخدة***قفي وبعد الحسين لا تخدي (2)

ولا شك أن الشاعر حين كان يخاطب آماله الراحلة وهو يتذكر فاجعة الحسين علیه السلام لم يشعر إنها قد ابتعدت عنه وفارقته إلى غير رجعة.

ومما تجدر الإشارة إليه أن النداء خرج إلى معانٍ أخرى في شعر أبي المجد كالتعجب (من البحر السريع):

غالية ٌغاليةُ المنتمى***في الشرق والغرب حوت قبتين

یا عجباً من طفل رقاصها***يقرأ في الجزء بتباعتين (3)

وللتهويل كقوله (من البحر المتقارب):

فيا خجلة الغصن مهما انثنى***ويا خجلة البدر مهما نضر (4)

فالشاعر هنا يبالغ في وصف جمال حبيبته حتى ليعجب من كثرة خجل الغصن والقمر من جمال هذا المعشوق.

وخرجت الأداة (وا) عن معنى الندب في قول الشاعر (من المتقارب أيضاً):

وحلو الشمائل مُرّ الصدود***فوا حيرتي بين (حلوٍ ومر)(5)

وقد خرجت الأداة (وا) إلى التعجب أيضاً، وقد أعطت شحنة عاطفية كبيرة ودفقه شعورية لحيرة الشاعر وعجبه.

ص: 187


1- شرح جمل الزجاجي: 82/2
2- ديوان أبي المجد: 52.
3- المصدر نفسه : 47.
4- ديوان أبي المجد: 74.
5- المصدر نفسه : 74

كما حصل ذلك أيضاً عند قوله (من مخلع البسيط):

واحرَبَ القلب من صغير***عليَّ من تيهه تكبّر (1)

فالشاعر فضلاً عن عجبه من هذا المتكبر الصغير يبدو كأنه يستغيث مما أصاب قلبه منه.

ومن جميع ما أبدينا من أمثلة ظهر لدينا أن الشاعر لم يكن يضع في ذهنه ضوابط البلاغة الدقيقة التي تكبل كل ناطق بالعربية فكيف بالشعراء وهم يرون أنفسهم (أمراء الكلام) وهم كذلك.

ومهما بلغت درجة الشاعر من العلم والمعرفة بهذه القوانين مع ذلك

نراه - أحياناً - خارجاً عنها مبدياً حسنها في تركيبه لها.

ب - الاستفهام

وهو طلب حصول صورة الشيء في الذهن(2) وقد تخرج ألفاظ الاستفهام عن معناها الأصلي «وهو طلب العلم بمجهول»، فيستفهم بها عن الشيء مع العلم به لأغراض أخرى تفهم من سياق الكلام ودلالته (3)وهذا هو الغالب في الأقاويل الشعرية عامة فلا يتوقع من أي شاعر أن يطرح الأسئلة وينتظر الإجابة عنها إلا في ما ندر أو في حالات خاصة.

وهذا ما نجده عند الشاعر أبي المجد الأصفهاني خاصة وهو يطرح الألغاز في شعره كقوله (من البحر السريع):

يا أدباء العصر ما موضع***أوله ضعف لثانيه

وحرفه الثالث ضعف لما***تحسبه (.... الخ) (4)

ص: 188


1- المصدر نفسه : 77
2- مختصر المعاني : سعد الدين التفتازانيت ،792 دار الفكر - قم طا ، (1411ه) : 1314
3- البلاغة الواضحة علي الجارم د. مصطفى أمين مطبعة المعارف - مصر ط1 ، (1362ه - 1943م) : 93.
4- ديوان أبي المجد : 78.

فهو هنا يستفهم استفهاماً حقيقياً عن شيء معين وينتظر الإجابة من أدباء عصره.

وقد يرد الاستفهام إنكارياً ولكن بهيئة الاستفهام الحقيقي، عندما يسرد الشاعر وقائع مجادلة تجري بينه وبين عاذل يلومه على المحبة فيقول: (من مخلّع البسيط):

عناي منه ومن عذولي***هجر هذا وذاك يهجر

يسأل عمن كلفت فيه***وهوبه لو يشاء أخبر

هل ريقه الشهد؟ قلت أحلى***أو وجهه البدر؟ قلت أنور

فالسائل هنا هو العاذل والمجيب هو الشاعر الذي كان يؤكد أن محاسن محبوبه تفوق الأوصاف المعروفة في الجمال.

ومن كلّ هذه المحاورة التي دخلها الاستفهام أراد الشاعر ذكر هذه الصفات في غزله وكان الاستفهام وسيلة لذلك.

وما عدا هاتين الحالتين فكلّ استفهام وارد في شعر أبي المجد يخرج إلى معانٍ أخرى، فهي استفهامات إنكارية ومنها قوله (من مخلع البسيط):

أليس من مات یا عذولي***بمثل هذا العذار يعذر (1)

وقوله (من البحر الكامل) وقد رأى في المنام أنه يعاتب الشاعر السيد رضا الهندي على تركه رثاء عمه بهذه الأبيات:

لهفي عليها من عقائل فكرة***خلصت من الإيطاء والأكفاء

ولمن تُراه يزف غادة فكرهِ***إن كان يمنعه عن الأكفاء(2)

فهو ينكر على السيد رضا الهندي عدم رثاء عمه بقصيدة جميلة

ص: 189


1- دیوان أبي المجد : 77
2- المصدر نفسه : 33

خالصة من كُلِّ عيب، وعدم تأدية هذا الواجب للكرام وتسترعي مناسبة الأبيات انتباهنا، إذ إن الشاعر رأى في المنام أنه يقول هذين البيتين، فأي شاعرية قد تغلغت روح الشاعر حتى أصبح بإمكان العقل اللاواعي أن ينضم بأسلوب وطريقة العقل الواعي للشاعر وطريقة انتقاء المفردات والتعامل معها، وقد أجاد.

ومن استفهامات الشاعر الإنكارية أيضاً قوله (من البحر الطويل):

وقد كان لي عضباً به أدفع العدى***فما حيلتي إن خانني ذلك العضب (1)

والشاعر يعرب عن حيرته وضعفه مستفهماً عن الحيلة التي تنقذه من فقدان الصديق الناصر.

ومن قوله (من البحر البسيط):

فمن رئي قبله حق العقيق حوت***لآلئاً كسرت حبّات یاقوت (2)

فهو ينكر على أي أحد أن يكون رأى هذه الصورة قبله، فهي خاصة بحبيبه هو، الذي يتفرد عن كل الآخرين.

ومثله قوله (من البحر المنسرح):

ألا ترى ابن النبي مضطهداً***في الطف أضحى لشرّ مضطهدِ (3)

فهو ينكر أن يكون أحد لم ير الحسين علیه السلام بهذه الحالة، ولا شك هنا أن فعل الرؤية يعني الرؤية العقلية وليس البصرية، فالكل يرى موقف الحسين علیه السلامبخياله لا بعينه.

وقد يخرج الاستفهام إلى التعجب كما في قول الشاعر (من بحرالرجز):

ص: 190


1- المصدر نفسه 37
2- المصدر نفسه 47
3- المصدر نفسه 50

يا ظبي أخشاك وإني أسد***متى عهدنا الظبي يخشاه الأسد (1)

فهو هنا يعجب من خشية القوي من الضعيف، فيسأل عن الآن الذي انقلبت فيه الموازين فصار الأسد يستعطف الظبي لئلا يسفك دمه، فيقول :

الله في سفك دم محرم*** ألست تخشى فيه عقلاً وقود (2)

فهو من التعجب الذي يظهره استفهامه يظهر فيه التعظيم لهذه الجريمة وعقابها ومن القصيدة نفسها يقول :

وهب حكاك البدر في إشراقه***فكيف يحكيك دلالاً وغيد (3)

فهو ينكر على البدر أن يستطيع الوصول إلى مزايا حبيبه الفاتنة، بل إن الاستفهام يخرج أيضاً إلى الاستبعاد والنفي.

وكذلك في قوله (من البحر الكامل):

یا عرب قلبي في خبائكمُ***ضيف فهل غير الصدود قرى

ما تنهرون الدهر سائلكم***فعلام سائل ادمعي نُهرا (4)

ويخرج الاستفهام في هذه الأبيات إلى التذلل والمسكنة فهو بواسطة الاستفهام يطلب حسن الضيافة والرحمة لدموعه المنسكبة، فهو بين أمرين بين العجب من فعلهم معه وبين عاداتهم التي يذكرها قبل كل استفهام، ثم يردف ذلك بقوله :

حفظ الدمام عهدت شيمتكم***فذمام ودّي ماله خُفِرا (5)

ص: 191


1- دیوان أبي المجد : 53.
2- المصدر نفسه : 53.
3- المصدر نفسه : 53.
4- المصدر نفسه : 64
5- المصدر نفسه : 64

ليتمم ما بدأه من عتاب على أحبابه الذين ناقضت أفعالهم معه خصالهم، وعلى هذه الشاكلة يستعمل الشاعر الاستفهام وأدواته ليصل

إلى غرضه ومقصده الذي يبوح متسائلاً.

ج__ - الأمر والنهي

الأمر : هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء(1). وعكسه النهي، وهو : طلب الكفّ عن الشيء على وجه الاستعلاء مع الإلزام وله صيغة واحدة وهي المضارع المقرون ب__(لا) الناهية.(2)

ويخرج الأمر والنهي إلى معانٍ أخرى بحسب سياق الكلام ودرجة المتحدث والمخاطب.

كقول أبي المجد وهو يهدي قصيدته لصديقه الشيخ مصطفى التبريزي (من البحر البسيط):

خذها إليك أخا مسعود جوهرة*** كانت لمثلك في الأصداف مختزنة (3)

فهو يطلب منه تقبل هديته التي يشبهها بالدّرة المكنونة له ولأمثاله.

ومثله قوله وقد بعث شيئاً من حلوى (المن) إلى حجة الإسلام الطباطبائي (4)وفيه تضمين لبيت المتنبي (من البحر الوافر):

بلا منٍّ عليك بعثت منّاً***إليك وذاك إحسان إليه

تقبله من المملوك واجعل***قبولك منّه منّاً عليه(5)

ص: 192


1- البلاغة الواضحة: 170
2- المصدر نفسه : 178
3- دیوان أبي المجد: 140.
4- السيد إبراهيم الطباطبائي : وهو أحد أساتذة الشاعر.
5- دیوان أبي المجد: 145.

وهنا الشاعر يبدو داعياً أستاذه الجليل ليقبل هديته بكل تواضع وسيكون هذا القبول إحساناً من السيد إلى تلميذه كما أحسن الشاعر إلى حلوى (المنّ) بإرسالها إلى هذا الشخص.

ومثله قوله (من بحر الرمل):

تم هنيئاً أيها اللاحي فلي***مقلة ليست بطيب النوم تهنا (1)

فهو يطلب من عذوله ومبغضه أن يهنأ بالطمأنينة ويخلد إلى النوم، لأن الشاعر لا ينعم بالهناء ولا يغمض له جفن.

وقد يخرج الأمر إلى الإرشاد كقوله (من البحر الطويل):

نصحت خليلي بعد طول تجاربي*** ومن شيمتي أن أخلص النصح للخل

إذا رمت نيل العزّ فاعزب عن الحجا***وإن شئت فضل المال فابعد عن الفضل

تحامق تنل ماتشتهيه فإنما ال___***تحامق في ذا العصر ضرب من العقل

وكن جاهلاً تسعد ودع قول كل من***يقول بأن العلم خير من الجهل (2)

فهو يستعمل أفعال الأمر (أعزب، ابعد تحامق، كن جاهلاً، دع قول..) لنصيحة صاحبه كما يقول، ولو كان صاحبه عاقلاً لعكس كل أمر هنا لينتهي عنه ويتركه والحقيقة أن الشاعر هنا لم يرد بالأمر النصيحة بل أراد ما وراءها استعمل أسلوب الأمر ليظهر بَرَمه من الدنيا التي لا تصفو إلا للجاهلين الحمقى ولا ترمق الفضلاء بنظرة تنعشهم.

ص: 193


1- المصدر نفسه : 123
2- المصدر نفسه : 113

فطريقة الشاعر هنا مركبة وغير مباشرة في طرح قضيته إذ استعمل الأمر المؤدي إلى النصح المعكوس المفضي إلى الشكوى والاستغراب.

كما يستعمل الشاعر الأمر للدعاء لممدوحه كما في قوله (من البحر البسيط):

فعش ودم وابقَ واسعد وارق واحظ وفز***وفق وشد واعلُ واصعد وانج واسمُ صل(1)

فنرى أن الشاعر شكّل هذا البيت من أفعال أمر يدعو فيها لممدوحه الشيخ هادي آل كاشف الغطاء، فهو يتمنى له كل خير مختزلاً ذلك في بيت واحد جمع فيه أمانيه الطيبة بأسلوب رشيق وقوي.

وكذلك كان استعمال الشاعر للنهي كما في قوله (من البحر الطويل):

فلا تعجبوا من صحبتي لرقيبه***(فلا بد للصياد من صحبة الكلب (2)

فالشاعر ينهى عن التعجب من فعله ويسوغه ويبين سببه

ومثل ذلك قوله (من البحر البسيط):

لا تعجبوا منه إن ساء الأنام فقد***صبا إلى طلب العلياء وهو صبي (3)

ومثله قوله بداهة في مجلس ضيافة (من البحر السريع):

لا تشرب الماء فمن رقّة***أخاف أن يشربك الماءُ (4)

وطبيعي إن هذا النهي ليس حقيقياً بل هو يخرج على نحو الإعجاب والمداعبة والمدح، ولو كان حقيقياً لمات المخاطب عطشاً !.

ص: 194


1- المصدر نفسه : 110.
2- المصدر نفسه : 39
3- ديوان أبي المجد: 36.
4- المصدر نفسه : 33

ويخرج النهي كذلك إلى الالتماس والرجاء كقول أبي المجد (من البحر الوافر):

أسيرُ نواك إن تمنن عليه***بتحرير تنل منه المثابة

إذا ما لست تعتقه بوصلٍ***فلا تبخل عليه بالكتابة (1)

ومن النهي أيضاً ما أدخله الشاعر وهو يتحدث عن دعاء الإمام الحسين علیه السلام ومناجاته الله سبحانه في لحظاته الأخيرة، فيقول (من البحر المنسرح):

أو قال للعذب لا ترد أبداً***وحبه لم أرد ولم أرد

لو جاز لي أن أكون مقترحاً***لقلت لا تنقص البلا وزدِ

وكذاك قوله في القصيدة ذاتها :

ولا تشقّوا لنا اللحود فما***يصنع قتلى الغرام باللحَدِ (2)

وكل استعمالات النهي هنا جاءت لإيضاح الحقيقة وإلقاء البرهان وإثبات الحجة على موقف الحسين علیه السلام المتفاني في الله (جل وعلا) وأنه كان يلقى كل بلاء برحابة صدر ورضا واطمئنان فهو يحتمل العطش إلى الأبد لو نهاه الله (سبحانه) عن الورد.

وقد يخرج النهي إلى الاستئناس والتطمين كما في قول أبي المجد (من البحر الوافر):

فقلت لها مكانك لا تراعي***وبالصبر الجميل لك أدراعُ (3)

وقد يجمع الشاعر النهي والأمر وهو يتغزل كما في قوله (من البحر السريع) :

ص: 195


1- المصدر نفسه : 42.
2- المصدر نفسه : 51.
3- المصدر نفسه : 95.

دام لك الحسن أديمي اللقا***لا تعقبي وصلك بالهجر (1)

فهو يلتمس من هذه الحسناء دوام الوصال بالأمر تارة وبالنهي تارة أخرى ليؤكد غرضه ومقصده في الكلام.

د - القصر

القصر (لغة) : الحبس واصطلاحاً هو تخصيص أمر بصفة دون أخرى أو تخصيص صفة بأمر دون آخر.(2)

وأشهر طرقه (النفي والاستفهام) الذي استعمله أبو المجد مراراً في شعره ومنه قوله (من البحر الطويل):

ومدرسة باسم الأكابر شُيّدت***وما شيّدت إلّا لفعل الكبائر (3)

فهو يسجل امتعاضه واستنكاره لتشييد هذه المدرسة التي يرى أنها شيدت (الفعل الكبائر ) فقط. ولم تُشيد لنشر العلم والمعرفة.

ومثله قوله وهو يصف معركة ألطف وأجواءها (من بحر المنسرح):

ولا يُرى والوطيس قد حميت***من ذي شطوب كفَّ ذي لبدِ

سوی رقاب ولا رؤوس لها***وغير أيد بانت عن العضدِ (4)

وهذه المرة يقصر المنظر على شيئين لا شيء واحد وهو الرقاب التي تخلت عنها الرؤوس والأكف التي فارقت سواعد أصحابها وهذا يدل على شدّة الحرب وكثرة ضحاياها من الطرفين.

ص: 196


1- المصدر نفسه : 70.
2- انظر: الإيضاح في علوم البلاغة : الخطيب القزويني (666 - 739ه)، تح: محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، بيروت - لبنان طه (1400 ه - 1980م): 213/1
3- ديوان أبي المجد : 83.
4- المصدر نفسه: 52 .

ومثل قوله (من بحر الكامل):

ما الذنب إلّا من فؤادي قد هوى***من ليس يهواه جناح ذباب (1)

وفضلاً عن تأكيد الشاعر على لوم نفسه على هذا الذنب وهو حب- من لا يستحق فإن أشدّ ما يظهر من استعمال أسلوب القصر هو الألم المشاب بالغضب الذي يظهر من كلمات الشاعر وتركيبه لها.

ومثل قوله مادحاً (من بحر الرجز):

ما ركعت في كفّه بيض الظبا***إلا وهام قرنه خوفاً سجد (2)

فهو يريد القول إن ممدوحه شجاع يغلب الأقران حتى إنهم ليسجدون له حين رؤيته يحمل السيف.

ومثله قولاً متغزلاً (من بحر الرجز):

نفسي فداء مبسم ذي شنب***لعذبه سوى السواك ما ورد (3)

ويبدو أن هذه الطريقة في الحصر محببة لدى الشاعر إذ تعينه كثيراً في استعمال جناساته وألاعيبه اللفظية التي أغرم بها.

ومن طرق القصر ب__(إنما) قول الشاعر (من البحر الخفيف):

إنما المصطفى إذا خاف شخصٌ***لاذ في جاهه العريض الطويل (4)

فهو يقصر إجارة الخائف الملهوف على شخص ممدوحه (المصطفى).

ومن طرق القصر أيضاً استعمال (لكن) ومن ذلك قول أبي المجد وقد بعث إليه أحد أصدقائه بنبات (اليأس).

ص: 197


1- المصدر نفسه : 41.
2- المصدر نفسه : 55
3- المصدر نفسه : 54
4- ديوان أبي المجد 115.

(من البحر الكامل):

كم من صديق قد رجوت وفاءه***واخترته ما بين هذي الناس

فزرعت في قلبي أزاهير المنى***لكنني لم أجن غير اليأس (1)

وهنا يستعمل الشاعر (لكن) إضافة إلى أسلوب النفي والاستثناء المفضل لديه لإبانة مقصده التي كان للتورية فيها أثر كبير.

ومنه قوله أيضاً (من البحر المتقارب)ک

وما شيّب الفود مر الزمان***ولكنه شيبته الغير (2)

فهو ينكر أن يكون الزمان والعمر هو الذي جلب الشيب إلى رأسه، أنه يرجع ذلك إلى سبب واحد وهو حادثات هذا الزمان التي أحالت شبابه شيباً.

ومثله أيضاً قوله (من بحر الرجز):

لا ينفد الهجر وليس ينقضي***لكن كنز الصبر مني قد نفذ(3)

وقوله من القصيدة ذاتها:

نال العلا من غير جهد منحةً***وغيره ما نالها لكن جهد (4)

وفي جلّ الأمثلة نرى أن استعمال الشاعر لأسلوب القصر يعينه جداً غلوه ومبالغته وكذلك في جناساته وألاعيبه اللفظية التي برع فيها كثيراً.

ه - الشرط

وهو من الأساليب التي أكثر الشاعر منها وقد يكون سبب ذلك - كما نرى - تأثراً من الشاعر ببيئته العلمية وحياته التي عاشها في حلقات

ص: 198


1- المصدر نفسه : 90.
2- المصدر نفسه : 74
3- المصدر نفسه : 54
4- المصدر نفسه : 55

الدرس التي جعلت من تفكيره تفكيراً منطقياً، مترتباً على شكل سب- ونتيجة، أو فعل وحكم شرعي.... الخ.

ومع ذلك فقد برع الشاعر في استعمال أسلوب التفكير العقلي في الجمل الشعرية التي تعتمد الخيال والأحاسيس والمشاعر والانفعالات التي لا يحكمها قانون العلم وضوابطه.

والأمثلة على ذلك في الديوان كثيرة نذكر منها قوله (من البحر الطويل):

ولو لم تشن الحادثات جيوشها***عليَّ لما بارحتُ يوماً حماكما

وإن أنتما ناديتما في ملمة***فهل أحدٌ غيري يجيب نداكما

وإن يهو قلبي غير ما تهويانه***تركت هواه وأتبعت هواكما (1)

ومثله قوله متخلصاً (من البحر الوافر):

إذا ما أبطأت عنك الأماني***تضمن قربها النجب السراع (2)

فالشاعر هنا اتخذ من أسلوب الشرط وسيلة للتخلص من غرض إلى آخر. فيتحدث في فعل الشرط عن إعراض الدنيا وإبطائها ويجعل من جواب الشرط فاتحه لذكر الناقة التي تقرب البعيد في الرحلة.

ومثله أيضاً قوله هاجياً (من البحر الوافر):

فإن سمعوا بمنقبة أسرّوا***وإن سمعوا بمثلبة أذاعوا

ولم يخشوا لمكرمة ضياعاً***إذا حفظت لهم تلك الضياع

وما ربحت تجارتهم إذا ما***شروا عرضاً وباقي المجد باعوا

إذا قنعت وجه العار منهم***بدا ما ليس يستره القناع (3)

ص: 199


1- ديوان أبي المجد: 106.
2- المصدر نفسه : 96.
3- المصدر نفسه : 95.

الشاعر هنا يحشد مجموعة من أفعال الشرط وأجوبتها ليشرح سبب هجائه لهؤلاء القوم، فهم ساعون إلى عرض الحياة الدنيا، ولا هم لهم إلّا جمع الأموال فلا يفكرون في مجدٍ قريب ولا آخرة

حسنة.

ومن قوله أيضاً (من مجزوء الهزج):

إذا مشكلة عنّت***وأعيى حملها فكري

توکلت على الله***وفوضت له أمري (1)

وقوله (من البحر الكامل):

إن شاء دمعي لا يسيل لبعدكم***أخرجته بغضاً له من ناظري

أو طيف غيركم ألمّ لدى الكرى***سدّ المنام عليه طرف محاجري (2)

والأمثلة كثيرة في الديوان مبنية كلها على أساس من التفكير العقلي كما أن استعمال هذه الطريقة يسمح للشاعر كثيراً باللعب في الألفاظ خصوصاً عبر الجناس، حيث يهيئ ، حيث يهيئ الشاعر قافية بيته وهو ينظم الشطر الأول منه مشتقاً إياها من ألفاظ الشطر الأول ومعناها.

و - التقديم والتأخير

وفي هذا الأسلوب دلالة معنوية يحاول الناظم أن يقدمها للقارئ، وهذا ما يدفعه إلى تغيير نسق الكلام عن صيغته الاعتيادية، إذ «يكون تقديم الشيء على الشيء نسقاً وترتيباً إذا كان التقديم قد كان لموجب أوجب أن يقدم هذا ويؤخر ذاك، فأما أن يكون مع عدم الموجب نسقاً لكان ينبغي أن يكون توالي الألفاظ في أي وجه كان نسقاً»(3)فالمقدم في

ص: 200


1- المصدر نفسه : 85.
2- المصدر نفسه : 81.
3- دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: د. محمد بيروت طا ، (1995م): 338/1.

الكلام هو الأكثر أهمية عادة، وهو ما جعل الشاعر يقدمه على سواه في النظم، لأنه يمثل المرتبة الأولى في ذهنه.

ومن ذلك قول أبي المجد (من البحر الكامل):

ومناقب لو إنها تليت***للناس فصلها الورى سورا

وعزائم كالبرق يبصرها ال__***شاني فيرجع دونها البصرا

أخلاقه وصفاته نظرت***منها العيون الزهر والزهرا (1)

وفي هذه الأبيات عمد الشاعر إلى تقديم نائب الفاعل على الفعل المبني للمجهول، فقدم ال__(مناقب) وهي نائب الفاعل على (تليت) وهو الفعل، كما قدم المفعول به على الفعل والفاعل في البيت الثاني وهي (العزائم) التي أبصرها الحاسد المبغض وكذلك قدم (أخلاقه وصفاته) على نظر العيون إليها.

وفي هذا التقديم لصفات الممدوح أهمية جعلت الشاعر يقدمها ويؤخر سواها، إذ هي ما يريد التحدث عنه هي موضوعه ومقصده وما تأخر عنها تفصيل لها.

ومن القصيدة نفسها قوله :

ووسمته بالبحر لو عذبت***منه موارده وما جَزَرَا

ودعوته هاروت لو بسوى ال__***سحر الحلال عقولنا سحرا (2)

فهنا يقدم الشاعر جواب الشرط على أداة الشرط وفعل الشرط، وذلك ليغلب صفات ممدوحه على مقاييس الصفات المعروفة في السحر الذي عرف به الملكان (هاروت وماروت) والكرم الذي وصف به البحر دائماً، فهو لم يقل عن ممدوحه أنه البحر لتغلب صفاته الحسنة في الكرم

ص: 201


1- دیوان أبي المجد: 67.
2- المصدر نفسه : 67.

على صفات البحر وكذلك في السحر لأن سحر الممدوح محلل وسحر هاروت مما فيه أذى.

ومن ذلك قول أبي المجد (من البحر السريع):

أقر فيك الله عيني كما***أبوك قد شدَّ به أزري (1)

فقد قدم الجار والمجرور (فيك) على الفاعل والمفعول وقدم (أبوك) على الجملة الفعلية كلها وذلك إكراماً للمخاطب وإشعاراً له بأهميته وأهمية والده.

ومثل ذلك قوله مخاطباً العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي (من البحر الطويل):

لئن كان أضحى ناصبياً فؤاده***فقلبي فيه قد تدين بالرفض

سأقطعه والمرء يقطع بعضَهُ***إذا كان حفظ الكلّ في القطع للبعض (2)

فقد قدم الشاعر جواب الشرط على فعل الشرط وأداة الشرط. لأنه أنزل منهما منزلة السبب لقطع الإنسان لبعض أجزاء جسده.

ومثله قوله (من البحر الوافر):

ولم يخشوا لمكرمة ضياعاً***إذا حفظت لهم تلك الضياعُ

ومثله قوله (من البحر السريع):

من البكا أذهبت طرفي وما***أصنع بالطرف الذي لا يراك (3)

فقد قدم السبب (من البكا) على النتيجة (أذهبت طرفي) ولو كانت

ص: 202


1- المصدر نفسه : 71.
2- دیوان أبي المجد: 91
3- المصدر نفسه : 105.

الجملة بصيغتها الاعتيادية (أذهبت طرفي من البكا) لفقدت الكثير من شحنتها المعنوية التي تعرب عن حالة الحزن الذي يمثله البكاء.

ولا نغفل في كل هذه الأمثلة أثر الوزن والقافية في رص المفردات وتنسيقها على الشكل الذي عرفناه، ومع ذلك فلم يبد على الشاعر العيّ والعجز في بناء أبياته.

ز - القسم

وهو من أساليب التوكيد المعروفة وهو «من المنظور الفني توكيد لصورة واقعة أو متوقعة أو هو تحوير لصورة ما أو نفي لها»(1) وقد استعمل أبو المجد أسلوب القسم غير مرة فأكد به مقولاته، كقوله وهو يخاطب السيد جعفر الحلي (من البحر الطويل):

فقل لأبي يحيى وإن هو ملني***وإحسانكم ما ملكم مني القلب (2)

ويقسم الشاعر ب__(الإحسان) وهذا جديد في بابه إذ إنه خروج من المألوف في القسم وألفاظه المعتادة، وهذا يعطيه معنى أكثر من التوكيد وهو تعظيم إحسان المخاطب حتى إن الشاعر ليقسم به لعظمته.

ومثله (من البحر الوافر):

لعمرك إنني لأقول صدقاً***وغيري في مقالته الكذوبُ (3)

فهو يؤكد صدق حديثه بالقسم، وكذب غيره من الناس ومن قسمه أيضاً قوله وهو يصف تفاني الإمام الحسين في الحب الإلهي، قوله

عن لسان الإمام علیه السلام (من البحر المنسرح):

ص: 203


1- الصورة الفنية معياراً نقدياً : د. عبد الإله الصائغ، دار الشؤون الثقافية - بغداد ط 1 ، (1987م): 401. (1987م)
2- ديوان أبي المجد : 38.
3- المصدر نفسه : 41.

أو قال للعذب لا ترد أبداً***وحبه لم أرد ولم أردِ(1)

فهو يقسم ب__(الحب) وأي حب إنه حب الله عزوجل وهذا القسم فيه لفتة لطيفة إذ هو مما يناسب المقام والمقال فالحديث عن حب الله والذوبان فيه والمقام هو الطف وهو الميدان الذي برهن فيه الإمام الحسين علیه السلام وأفصح عن هذا السمو إفصاحاً عملياً.

ومن القسم قول الشاعر محمد رضا أبي المجد (من البحر الكامل):

قد والذي أغنى العفاة***به أضحى المديح إليه مفتقرا (2)

إنه يقسم ب__(الله) لكن بصورة تظهر الممدوح أكثر كرماً فهو شدة من كرمه قد أغنى الفقراء، فكأنه سبحانه قد خلقه هبة لهؤلاء الفقراء ليغنيهم، وذلك أيضاً مما يناسب الحال ويمتزج بالبناء اللغوي للبيت انسجاماً فنياً عالياً.

ومثل ذلك ما أقسم به في (مسمطه الخماسي) إذ قال:

بالمرسلات دموعي***والموريات ضلوعي

إن بات يوماً ضجيعي***شفیت قلبي المعذب

باللثم منه وبالضم (3)

فهو يقسم بدموعه وضلوعه ولكن قسم غير مباشر بل قدم عليه صفات لهذه الدموع وهي صفة الإرسال أي هو يقسم بدموعه الجارية لفراق هذا الحبيب كما يقسم بأضلاعه المورية للألم وحرقة الفراق، فهو ليس قسماً اعتباطياً بل هو مما يلفت الانتباه إلى حال الشاعر وروحه

ص: 204


1- المصدر نفسه : 51.
2- المصدر نفسه : 68
3- المصدر نفسه : 128.

المشتاقة، كما يظهر في القسم الأثر القرآني وخاصة عن سورة المرسلات.

ومن قسمه أيضاً قوله (من البحر الطويل):

لعمرك حلّ الحائري من العلا***محلاً غدا من دون أخمصه النسر (1)

ذو (العمرك) من أيمان العرب القديمة (2)ويُذهبون معناها إلى قولهم : ما أبالي وما أحفل.(3)

ويبدو أن هذه العبارة تطورت عن معناها الأصلي فأصبحت تدل على القسم بصورة عامة.

والشاعر هنا يقسم على رفعة الممدوح وعلو شأنه حتى صار أعلى من النسر الذي يقطن في أعالي الجبال.

ومن هذا نعلم أن الشاعر استعمل القسم للتوكيد وكان قسمه بألفاظ سائرة ومتداولة في القسم مثل (والله - لعمرك) وألفاظ أخرى أقسم بها الشاعر ولها علاقة بموضوع الأبيات، فقد راعى في كلامه مقتضى الحال.

ص: 205


1- ديوان أبي المجد: 84.
2- انظر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي تحقيق فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية - بيروت ،ط 1 ، (1998م) 228/2 (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).
3- التبيان في تفسير القرآن شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، موقع الجامعة الإسلامية : 312/3 (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).

ص: 206

الفصل الثالث :الصورة الفنية

مدخل

تحتل (الصورة) مكانة مهمة في القصيدة وأخذت هذه المكانة في الدراسات النقدية والأدبية الحديثة - خاصة - ، وقد ذكرتها كتب التراث النقدي وأول ما يصادفنا قول الجاحظ فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير» (1)، فجعل التصوير أمراً من جوهر الشعر، وهذا ما ردده المحدثون متبعين فيه الغربيين الذين تطوّر لديهم مصطلح الصورة وظهر على أيديهم مفهوماً نقدياً جديد المعالم، وذلك منذ أن عرف سي - دي لويس الشعر بأنه رسم قوامه الكلمات (2)فجعل من القصيدة لوحة يضع الشاعر كلماته فيها كما يضع الرسام ألوانه وخطوطه في لوحته.

ومصطلح الصورة (IMAGE - كما يرى جون مدلتون مري - يمكن أن يتصل من قريب بالكلمة التي اشتقت منها وهي IMAGINATION) أي ملكة التصوّر والتخيّل بصفة عامة (3)، وظلت الصورة ذات طبيعة

ص: 207


1- الحيوان: 219/1
2- الصورة الشعرية سي - دي لويس ترجمة مجموعة من الأساتذة منشورات وزارة الثقافة والإعلام الثقافية - بغداد، مؤسسة الفليح للطباعة والنشر - الكويت (1982م): 21.
3- بناء الصورة الفنية في البيان العربي د. كامل حسن البصير، مطبعة المجمع العلمي العراقي (1407ه - 1987م): 54 .

مراوغة تأبى التعريف فلم يكن لها تعريف ثابت بل تعددت تعريفاتها بعدد من درسها..

فمن تعريف سي - دي لويس للصورة بأنها «هي العقل الإنساني الهادف لإيجاد صلة مع كل ما هو حي أو كان حيّاً» (1)وهذا التعريف عام وغير محدد ولا يوضح ماهية الصورة أو أدواتها.

أما تعريف الدكتور البصير لها فهي «ما يتماثل بوساطة الكلام للمتلقي من مدركات حسّاً، ومعقولات فهماً، ومتخيلات تصوّراً، وموهومات تخميناً، وأحاسيس وجداناً، وما إلى ذلك من الأشياء والأمور التي تفضي إليها هذه القوة أو تلك من القوى المركبة في الإنسان وعياً ومن غير وعي».(2)

وهذا يذكرنا بكلام أرسطو عن المحاكاة في الشعر، أي أنه محاكاة للطبيعة أو الحياة، وليست المحاكاة عنده بمعنى المماثلة والتقليد والنقل وإلا لما تحقق معنى الخلق والإبداع بل هي النقل عن الصورة المثالية الموجودة في ذهن الشاعر .(3)

كما عرف الدكتور البستاني الصورة بأنها: «إحداث علاقة بين ظاهرتين لا وجود لهما في عالم الواقع، بحيث تنتج ظاهرة ثالثة».(4)

ونرى أن الدكتور يركز على الوسائط البلاغية في هذا التعريف إذ إن الوسائل البلاغية هي التي تجمع بين المتباعدات - كما سنرى لاحقاً..

ومن التعريفات التي اهتمت بالمضمون العقلي فضلاً عن المضمون

ص: 208


1- الصورة الشعرية : 40.
2- بناء الصورة الفنية في البيان العربي: 267 .
3- انظر: القصيدة العربية بين التطور والتجديد د. محمد عبد المنعم خفاجي، دار الجيل - بيروت، ط1، (1414ه - 1993م): 11.
4- الإسلام والأدب : 149

الشكلي تعريف الدكتور أبو إصبع للصورة بأنها : «تركيب لغوي لتصوير معنى عقلي وعاطفي متخيل لعلاقة بين شيئين يمكن تصويرهما بأساليب عدّة» .(1)

وكذلك تعريف الدكتورة بشرى موسى للصورة بأنها: «تلك التركيبة اللغوية المتحققة من امتزاج الشكل بالمضمون في سياق بياني کاشف خاص أو حقيقي موح ومعبر عن جانب من جوانب التجربة الشعرية» .(2)

فالصورة الشعرية ذات وجود حيوي في القصيدة ولا تخلو أية قصيدة ناجحة من صورة ولا يمكن أن تخلو لأن «اللغة الشعرية بطبيعتها هي استعارية تقوم على أساس من الصور والإيقاعات التي لاتملي حقيقة الأشياء بشكل مباشر بل توحي بأجوائها بشكل غير مباشر» .(3)

فالصورة الشعرية وما معها من الأدوات الفنية الأخرى تشكل القصيدة فالصورة الشعرية جوهر الشعر وأداته القادرة على الخلق والابتكار والتحوير والتعديل لأجزاء الواقع، بل اللغة القادرة على استكناة جوهر التجربة الشعرية وتشكيل موقف الشاعر من الواقع، وفق إدراكه الجمالي الخاص .(4)

ولعل أكثر التعريفات دقة تعريف الموسوعة لاروس (ENCYCLOPIDIE LAROUSE) وهو أكثرها منهجية إذ فيه «الصورة في

ص: 209


1- الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة د. صالح أبو إصبع المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت (1979م): 31.
2- الصورة الفنية في نقد الشعر العربي الحديث: بشرى موسى صالح: رسالة دكتوراه - جامعة بغداد - كلية الاداب (1987م): 27
3- الصورة الشعرية، وجهات نظر غربية وعربية : 16.
4- الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي : مدحت سعد محمد الجبار، الدار العربية للكتاب : 6

الأسلوب تقضي بإعطاء الفكرة المجردة شكلاً محسوساً، في الشعر خاصة ترتدي الفكرة صورة تحدد شكلها ولونها وبروزها» .(1)

فالصورة هي وسيلة الشاعر لتوصيل فكرته كما إنها برهان شاعريته إذ ينجح بنجاحها ويخفق إذا ما أخفق في رسمها، و«الشاعر يملك الكثير من وسائل التصوير لأنه دائماً يحاول أن يقترب باللغة من روحها البدائية الأولى» .(2)

والشاعر الرائع هو الشاعر الذي لا يقول الأشياء بل يوحي بها، ومبدأ الإيحاء قائم على أساس أن يقول الشاعر القليل لكي يفهم الكثير . لذلك فإن لغة الإيحاء هي لغة غامضة معقدة بسبب غموض الحالات التخييلية المحددة بالمجاز والاستعارة والرمز والصورة .(3)

والصورة التي يخلقها الخيال هي المقصودة في العمل الفني فهي عمل تركيبي يقوم الخيال ببنائها مما خلّفه الإدراك من خبرات يستلزم خلقها في الخيال أن يكون موضوعها الخارجي معدوماً أو في حكم المعدوم .(4)

والخيال بحد ذاته لا يبدع مادة جديدة، بل يفعل فعله على الجمع بین الأشياء والتصوّرات والانفعال بعضها إلى بعض فيحلل ويركب ويكبر ويصغر ليبدع صورة جديدة بحيث يغدو كل من الفكر والشعور موحداً ولا ينفصلان في التعبير الفني (5) . والصورة الشعرية الناجحة يتبادل طرفاها التأثير والتأثر حتى يخلق معنى جديداً ليس معنى كل طرف على حدة .(6)

ص: 210


1- الصورة الشعرية في الكتابة الفنية (الأصول والفروع) : د. صبحي البستاني، دار الفكر اللبناني بيروت - لبنان ط1 ، (1986م): 10.
2- الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري : 26.
3- انظر : الصورة الشعرية وجهات نظر : 17.
4- الصورة في الشعر العربي حتى نهاية القرن الثاني الهجري : 27 - 28.
5- تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 41.
6- الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي : 8.

ويمكن بلورة مفهوم الصورة الفنية من خلال القول: إنها جزء مهم من التجربة الشعرية ويكمل جمالها بتفاعلها مع العناصر الأخرى، ومما يسهم في التقليل من فاعليتها الوقوف عند التشابه الحسي بين الأشياء، دون ربط ذلك بالشعور المخيم على الشاعر أثناء تجربته، ومن الأمور التي تفقدها القيمة تناقض الصورة الجزئية في داخل القصيدة، حيث إن الصورة الجزئية لا بد من أن تتلاءم مع الصورة الكلية وتتكامل معها (1). إذن فالصورة أخطر أدوات الشاعر بلا منازع .(2)

وبهذا المفهوم سندرس الصورة في شعر أبي المجد الأصفهاني الذي امتلأ ديوانه بالصور الحسيّة والمعنوية التي أدّت فيها فنون البلاغة دوراً بارزاً ولا نستغرب ذلك من شاعر عاش في القرن التاسع عشر لأنها سمات العصر الأدبي الذي وُجد فيه ولا يستطيع أي شاعر الإفلات منها بسهولة.

فالشاعر لا يمضي في التهويم بغير قيود بل هو مقيد بتوجيه الإطار، وانطلاقه يكون دائماً داخل حدود الإطار، وهذا ما يحدث عند شعراء التيار الواحد إذ يتدخل الإطار في توجيه حرية الشاعر في لحظات طغيان التهويم .(3)

ص: 211


1- انظر عناصر الإبداع الفني في شعر أحمد مطر : 235.
2- تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 41.
3- انظر: الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة : 292 - 293

ص: 212

المبحث الأول :أنواع الصور

الصورة الحسية

اشارة

إن الحواس هي أدوات استقبال المحيط ووسائل الفرد في التعرف إليه وتكون رؤية عنه، وبناءً على هذا الاستقبال تتكوّن الصورة الذهنية (1)«لأن النافذة التي يستقبل بها الذهن رياح الحياة والتجربة هي الحواس، وإن الذهن محتاج في كثير من اعتمالاته إلى حواس لترجمة تلك الاعتمالات» .(2)

لذا كثرت الصور الحسيّة عند الشعراء بصورة عامة «لآن العلم المستفاد من طرق الحواس أو المركوز فيها من جهة الطبع وعلى حدّ (3)الضرورة، يفضل المستفاد من جهة النظر والفكر».

وهذا ما جعل الصورة الحسية تطغى على الصورة الذهنية عند أبي المجد إضافة إلى طبيعة العصر إذ إن اهتمام شاعر القرن التاسع عشر بصورة عامة منصب على الألفاظ الحسيّة يتعامل بها ويقصدها ويثير تماثلها الحسي في ذهن المتلقي، أكثر من عنايته بإقامة العلاقات السريعة الخاطفة الجديدة لخلق صورة .(4)

ص: 213


1- انظر شعر محمد سعيد الحبوبي - دراسة فنية : 96 .
2- الصورة الفنية معياراً نقدياً : 406.
3- أسرار البلاغة : 121.
4- انظر: تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 47.

1 - الصورة البصرية

تستأثر حاسة البصر بالصورة الفنية أكثر من بقية الحواس (1)لذا تكثر الصورة البصرية عادة فتكون الغالبة عند الشعراء فالشاعر يصف ما يراه لتتجسد هذه المشاعر لدى المتلقي وكأنه ينظر إليها، وقد يسهم الخيال في رسم ملامح هذه الصور(2)، وتدخل الألوان والحركة في تشكيل هذه الصور وإبرازها في قول أبي المجد متغزلاً (من البحر الكامل):

أبصرت من هام الفؤاد بحبه***قد طرّ شاربه الشهي فحبّذا

قد كان مبسمه عقیقاً زانه***درٌّ فأبدله الشباب زمرّدا (3)

ولا يخفى أن هذا غزل بالمذكر وقد تداخلت الألوان في رسم صورتين متعاقبتين صورة تذكّرها الشاعر لمبسم المحبوب وقد تجسدت بلونين( لون العقيق: الأحمر، ولون الدر: الأبيض) وصورة تجسدت أمام ناظري الشاعر لشكل المبسم الجديد حيث تغيّر اللون الأحمر الشبيه بلون العقيق إلى لون الزمرد حيث تزيّن الدر (أسنان المحبوب) باللون الأخضر المائل للزرقة بفعل الشباب وتغيّراته.

وقد يترتب أكثر من صورة على فعل الرؤية كما في قول أبي المجد (من البحر الكامل):

كم عاذل لي في هواه ولو***نظر الذي أحببته عذرا

إن هزّ قامته وإن سفرا***فضح الغصون وأخجل القمرا

عینان نجلاوان لم يدعا***للصبر لا عيناً ولا أثرا

بالكسرِ حُركتا وحاجبه***قلم الملاحة خطه زبرا

ص: 214


1- انظر الصورة الفنية معياراً نقدياً : 406
2- مراثي الإمام الحسين في العصر الأموي - دراسة فنية مجبل عزيز جاسم - رسالة ماجستير، جامعة الكوفة - كلية الاداب (1426ه - 2005م) : 127
3- ديوان أبي المجد: 62.

هل قرطه يخشى مفارقةً***منه فلا ينفك منذعرا

والبان لما هز قامته***خجلاً بأوراقٍ له استترا (1)

وتتدافع الصور الواحدة تلو الأخرى ويحمل كل بيت صورة أو أكثر، وجلَّ ما يبدو عليها وضوح عامل الحركة إذ تدخل الحركة عاملاً مهماً من عوامل الجمال ف__(اهتزاز القامة كسر الحواجب، حركة القرط، اهتزاز ،البان كشف الوجه) هذه الحركات أعطت للمشهد حيوية فيخيل للسامع أنه يرى هذا الموصوف متجسداً بحركته وتمايله يخلب لبّ الشاعر ويعجب السامع.

وتراكم الصور بهذه الطريقة لا يؤدي إلى تناميها بل إن كل بيت يكاد يكون صورة فالشاعر يسعى إلى رسم النموذج المثالي ذي الأوصاف المتكاملة .(2)

وقد يمتزج اللون بالحركة في رسم صورة كقول أبي المجد (من البحر البسيط):

أفدي الذي عض رماناً ففترَ عن***بيض الثنايا بعذب غير ممقوتِ

فمن رئي قبله حق العقيق حوت***لآلئاً كسرت حبّات یاقوتِ (3)

فبين حركة عضّ الرمان وبين لون الأسنان والرمان يتكوّن المشهد الذي أعجب الشاعر وصوره بتركيب مجموعة من الأحجار الكريمة واللآلئ مع ملاحظة أن هذا المشهد صورة مختصة بجزء واحد من الوجه وهو الفم، فالشاعر هنا قد عمد إلى دقة التصوير بدقة التشبيه والوصف.

ويصور المرأة بالصورة الموروثة ذاتها فيقول (من مخلّع البسيط):

ص: 215


1- دیوان أبي المجد : 65.
2- انظر شعر محمد سعيد الحبوبي : 103.
3- ديوان أبي المجد 47 .

لما رأى صورة سبتني*** صدّق ما مثلها تصوّر

يا غصن بان ودعص رملٍ***وجيد ريم وطرف جؤذر (1)

وهنا تتكرر صورة المرأة في الشعر منذ العصر الجاهلي وبالأوصاف نفسها ما يميزها أنها تجتمع في بيتٍ واحد فكأنها إشارة لصورة في ذهن السامع كان قد عرفها وشهدها فلا داعي للإطالة في رسمها.

2 - الصورة السمعية

تعتمد الصورة السمعية على تصوّر الأصوات وفعلها في النفس فضلاً عن الإيقاع.(2)

ولا نجد هذه الصورة طاغية وكثيرة كما الصورة البصرية في ديوان أبي المجد إنما كانت الصور المرسومة عبر هذه الحاسة قليلة ومحدودة.

ويمكننا أن نعلل ذلك باعتماد الشاعر على حاسة البصر في رسم مشاهده غالباً، فالصور التي رسمها الشاعر كانت لأشياء لا تعتمد الصوت في إظهار ،ذاتها، ومنها المرأة مثلاً فطبيعة المجتمع حالت بین الشاعر والمرأة إلا ما كان في خيال الشاعر من صورة متخيلة صامتة.

ومن صور الشاعر السمعية قوله يصف حرب البلقان (من البحر الطويل):

فما برحت تتلو الدخان عليهم***مدافعنا حتى تلت سورة الفتح (3)

فقد عبّر عن صوت المدافع بتلاوة القرآن إذ جعل من هذه الآلة الحربية تقرأ سور معينة من القرآن الكريم توحي بأسمائها لحالة الحرب فمن مشهد الدخان إلى حالة النصر معبّراً عن كل ذلك بصوت المدافع.

ص: 216


1- المصدر نفسه .78
2- الصورة الفنية معياراً نقدياً : 409
3- ديوان أبي المجد : 49.

ومن الصور التي اعتمد فيها الشاعر حاسة السمع تصويره لحاله ونحول جسده (من البحر البسيط):

لم يبقَ غير أنين واسمه نَفَسٌ***يجري بمثل خيال واسمه جسدُ (1)

ونجد هنا اتحاد الصورة السمعية بالصورة البصرية في المشهد إذ يقصر الشاعر ما بقي منه على شيئين (الأنين والخيال)، إذ عبّر عن صوت تنفسه بالأنين الذي يجري عبر خيال وهو ما تبقى من جسده الناحل.

وكما يصور نفسه حالة الفراق والعشق يصور حال حبيبته وهي في تتألم لفراقه (من البحر المتقارب):

فأجهش طوراً بكاها الحشى***وأخفت طوراً بكاها الخفرْ (2)

وهنا يصور الشاعر بكاء حبيبته بين حالتين هما (الإجهاش والإخفات) وتعبّر الحالة الأولى عن مدى المحبة وما سببه الفراق من ألم وحرقة لهذه الوالهة كما يعبّر الإخفات عن المنعة والحياء وما إلى ذلك من أجواء تمنع العاشق من التصريح بمشاعره أمام الملأ خصوصاً وهي أنثى فيضطرها ذلك إلى لزوم السكينة حتى في حالة الحزن والألم الممض.

كما تدخل الصورة السمعية في وصف الأشياء كما في وصف الساعة (من البحر السريع):

ذات فؤادٍ خافق دائماً***ولم تكن للبين مرتاعة (3)

حيث يصوّر الشاعر دقات الساعة بخفقات القلب المروّع حيث تشتد ضربات قلب الإنسان في حالة الفزع والخوف إلا إن نبضاتها مستمرة ومتراتبة كتراتب دقات القلب.

ص: 217


1- المصدر نفسه : 56.
2- المصدر نفسه : 75.
3- المصدر نفسه : 98.

ويُدخل أبو المجد الصورة السمعية في الهجاء الساخر أيضاً فيقول (من البحر السريع):

مشوّهٌ اسود كالقير***كأنه محراث تنّور

من فمه صوت ابن آوی***ومن أسفله صوتُ العصافير

كأن في أسفله معبدٌ***يضرب بالبم وبالزيرِ (1)

وترتفع الصورة السمعية بالهجاء إلى جعل هذا المهجو المسكين مخلوقاً خارقاً للعادة بسبب ما يصدره من أصوات متناقضة وغريبة!.

3 - الصورة الذوقية

أخذت الصورة الذوقية عند أبي المجد عدة مديات أطغاها في دیوانه ما ربط به الشاعر بين الريق والخمرة وما إلى ذلك.

وللخمرة دلالات نفسيّة لطالما عبر بها الشعراء عن الانتشاء والوصول إلى ما هو محرم في العرف الاجتماعي(2) من حديث عن المرأة أو مجالس اللهو والقصف.

والأمثلة على هذه الصورة عديدة منها قوله (من البحر المنسرح):

یا درّ ثغر الحبيب من من نظمك***وأودع الراح والأقاح فمك

أصبح من قد رآك من طربٍ***يتيه سكراً فكيف من لثمك (3)

والشاعر هنا يرسم صورة متكاملة للثغر حيث انتظمت فيه الأسنان كالدر وجمع بين لذة الذوق المتمثلة ب__(الراح) أي الخمر والعطر الطيب (الأقاح) ومثلت الصورة الذوقية جزء من هذه الصورة المتكاملة.

ص: 218


1- المصدر نفسه : 80 - 81
2- انظر: شعر السيد رضا الهندي: 125.
3- ديوان أبي المجد: 107.

وقوله (من مجزوء الكامل):

شربت قرقف ريقه***من ثغره اللهم غفرا

لم أدر هل شهداً حسوت***ريقه أم ذقت خمرا

هي شهدةٌ أو خمرةٌ***والحدّ بالشبهات يدرا

وهنا أيضاً جعل من ريق الحبيب خمراً أو شهداً فجمع بين الحلاوة والنشوة التي يبعثها الخمر من خلال الذوق.

وكذلك قوله (من البحر السريع):

جنيت من مرشفها خمرةً***ما دنّستها الكف بالعصرِ (1)

وقد يعبّر الشاعر من خلال الصورة الذوقية عن حالة الوصل والهجر في الغزل فيقول (من مجزوء الكامل):

شهديُّ ريق لم غدا***عيشي بحلو لماه مرّا(2)

فكأن لحالة الوصل طعم خاص في فم الشاعر تمثل بالحلاوة، كما تمثلت حالة الهجر بالمرارة.

وقوله (من البحر المتقارب):

وحلو الشمائل مرّ الصدود***فوا حيرتي بين حلو ومر (3)

أو قوله (من البحر السريع):

دامَ لكِ الحُسن أديمي اللقا***لا تعقبي وصلكِ بالهجرِ

يا حلوة الأعطاف حوشيتِ من***أن تمزجي الحلو مع المرِّ (4)

ص: 219


1- المصدر السابق : 70.
2- المصدر نفسه: 72.
3- المصدر نفسه: 74.
4- ديوان أبي المجد: 70.

وقد يستعمل الشاعر هذا التضاد بين الحلو والمر) للتعبير عن خطوب الزمان كقوله (من مخلع البسيط):

لي صاحب قد شكوت دهري***إليه يوماً فقال صبرا

صبراً فهذا يمرُّ مَراً***فقلت لكن يمرُّ مُرا (1)

وقوله وهو يصف تجربته في الحياة (من بحر الهزج):

حلبت الدهر شطريه***فمن عُسر ومن يسرِ

وذقت الدهر طعميه***فمن حلو ومن مرّ(2)

فطبيعة الحياة المتنقلة بين الفرح والحزن والشدة والرخاء صورها الشاعر بتوظيف طعم الحلاوة للفرح والرخاء والمرارة للحزن والشدائد.

كما قد يستعيض الشاعر من فكرة ذكر الخمرة وهو يتغزل بذكر العسل لكونه مضرب المثل في اللذة والحلاوة وشفاء الأمراض من مثل ذلك قول أبي المجد (من البحر الطويل):

وما العسل الماذي إلا الذي حوت***لثاتك لا ما اشترتُ من كور النحل (3)

أو قد يمزج بين الخمرة والعسل فيقول (من البحر السريع):

فهاتها صهباء مشمولةً***تحيى بها النفس وتبري العلل

يديرها من ريقه شادنٌ***في نكهة المسكِ وطعم العسل (4)

وقد يركب الشاعر محمد رضا النجفي في صورته الذوقية بين الخمرة وطعم العسل والمعروف أن هناك تضاداً بين الطعمين ولكنه يفعل ذلك عند وصفه لأمر معنوي حولته ذائقة الشاعر إلى أمر حسّي ذلك وهو

ص: 220


1- المصدر السابق : 83
2- المصدر نفسه : 85.
3- المصدر نفسه : 113.
4- المصدر نفسه : 117.

يقرض شاعرية الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في قصيدته التي مطلعها (من البحر البسيط):

قد أسكرتني وليس السكر من إربي***بنات فكرِ حسين لا ابنة العنب (1)

كما يقول عنها :

تحلو وتسلب الباب الأنام فهل*** سمعت خمراً حلّت في سالف الحقبِ

يا ليت شعري أشعر ما أراه وذا*** نوع من السحر أم ضربٌ من الضَرب (2)

وقد عبّر الشاعر بصوره الذوقية عن المرمى النفسي (3)الذي أراد، والذي شعر به سواءاً كان متغزلاً أو متألماً وحكيماً أو مصوراً لبعض المظاهر الواقعية التي اكتسبها من الواقع.

إلا إن الصورة الذوقية بقيت محافظة على ألفاظ بعينها وأسلوب معين لا يتفرد فيه الشاعر بل أخذ به أبناء جيله من الشعراء - غالباً - جرياً على عادة من سبقهم من الفحول.

4 - الصورة الشميّة

تلعب الصورة الشميّة في شعر أبي المجد الدور المكمل للمشهد العام الذي يروم الشاعر رسمه في النص فهي تتغلغل في قصيدة المدح أو

الغزل والهجاء أيضاً.

وأحياناً تكون هي فاتحة النص ومقدمته لما لحاسة الشم من فعل لا إرادي عند الإنسان فهي تختلف عن الصورة البصرية والذوقية لكون الشمّ مرتبط بتنفس الإنسان وهو الفعل الذي يستمر مع الإنسان ويرافقه

ص: 221


1- المصدر نفسه : 34 .
2- المصدر نفسه : 34 .
3- انظر في النقد والأدب : 249/4.

حتى آخر لحظة من عمره، من عمره، فأثره يتوخى أعماق الإنسان مباشرة دون قيود.

ومن ذلك ما افتتح به أبو المجد إحدى قصائده (من البحر الكامل) بقوله :

هبَّ النَّسيم من الحمى عطرا***فعسی نُحمّل منكم خبرا (1)

فنرى ما فعله هذا العطر الذي حمله النَّسيم إذ نقل الشاعر إلى حالة من التأمل والتخيّل في ذاته لأن هذا النسيم ذكره بمن يحب.

كما تتدخل حاسة الشمّ في رسم صورة المرأة وهذا ما اعتاد عليه الشعراء منذ القدم إذ لطالما كانت الحبيبة طيبة الأردان تفوح منها روائح المسك والورد كما يفعل أبو المجد وهو يستحلف حبيبته بمن صوّرها فيقول (من البحر المتقارب):

وأجرى الرحيق خلال الفضا***ورضع ياقوته بالدرر (2)

فهو لا يقول عنها متعطرة أنه يتحدث عن انتشار الرحيق في الفضاء بوجودها أنه تعبير مكثف عن مصدر هذا العطر أو الرحيق الذي يصدر عن الأزهار عادة فهذه الحبيبة فواحة كالزهرة فهي لا تحتاج إلى زينة أو عطور بل إن ذلك من جملة طبيعتها، كما يقول (من البحر السريع):

كحيلة الطرفِ بلا اثمد***طيّبة البُرد بلا عطرِ(3)

وتدخل الصورة الشمّية في المدح أيضاً، فهذا أبو المجد يقرّض

ديوان الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء متحدثاً عن شعره قائلاً (من البحر البسيط):

يحكي بعرف شذاه خلق ناظمهِ***غنى لنا بهما عن مندل رطب (4)

ص: 222


1- ديوان أبي المجد: 63.
2- المصدر نفسه : 73
3- المصدر نفسه : 69
4- المصدر نفسه : 35

فقد جعل للشعر عطراً ثم شبه هذا العطر بأخلاق قائل هذا الشعر التي تغني عن (المندل الرطب) وهو نوع من العطر.

كما قد يربط الشيخ أبو المجد العطر بكرم الممدوح كما في قوله (من البحر الكامل):

نشر الثنا مني نداه كما***يزداد نشرُ الروض إن مُطِرا (1)

فهو يصوّر هذه الحالة: رائحة الرياض بعد هطول المطر عليها، هذه الصورة الخلّابة يشبهها بمدحه لهذا الشخص الكريم الذي كان كرمه مدعاة للمدح.

وكما يصف الشعراء الروائح العطرة من الورود وغيرها يصف أبو المجد رائحة التبغ التي علت في نزهة ربيعية (من البحر البسيط):

وقد علا لدخان التبغ طيب شذى***يكاد يفعمُ من بالهند والصين

يقولُ مشتامه من فرط حيرته***أشمعُ شيراز ذا أم عطر دارينِ (2)

ويبدو الشاعر منفعلاً كثيراً مع هذه الرائحة التي يصدرها الدخان فهي تُشعره باللذة والنشوة التي يتصوّر أنها تنتقل لسواه ممن يشمها.

وقد تدخل الصور الشمّية في المزاح أو الهجاء كما يقول الشاعر مخاطباً رجلاً يشم ورداً (من البحر المتقارب):

أجاعل ورد على ذقنه***كأن أذى الورد شيء مهم

تشمُّ من الورد أنت الشذا***ولكن سل الورد ماذا يشم (3)

وهنا يحاول الشاعر أن يعبّر عن صورتين شميتين متناقضين بين الشخص المقصود والوردة التي يشمّها.

ص: 223


1- ديوان أبي المجد : 67.
2- المصدر نفسه : 143.
3- المصدر نفسه : 123.

ويظهر أن أبا المجد قد برع في رسم الصورة الشمية وجعلها موحية بشيء أكثر مما تظهره المفردات معتمداً على التلميح أو الإشارة والتعريض وقد يجنح في حين آخر إلى المباشرة والوضوح وهو في كل ذلك مظهراً الخفة والرقة في عرض الأشياء.

الصورة الذهنية

وهي الصورة التي يخلقها الخيال وهي عمل تركيبي يقوم الخيال ببنائها مما خلّفه الإدراك من خبرات ويستلزم خلقها في الخيال أن يكون موضوعها الخارجي معدوماً أو في حكم المعدوم .(1)

فالشاعر يستعير المظاهر الخارجية مشهداً بالحدس والرؤيا فيبصر من خلاله عواطفه ومعاناته وهذه الصورة تفيض عن الخيال المبدع الخالق .(2)

فالخيال يشبه الرحم وكما يتكوّن الجنين في الرحم تتكوّن المعاني في الخيال وتتشكّل بصور مختلفة، وهكذا ينقلنا الخيال من المعلوم إلى المجهول .(3)

فوسيلة رس- هذه الصورة الخيال لأنها تتعامل مع أمور عقلية وليست حسّية، وقد يدخل الشاعر بعض الأشياء المحسوسة لتوضيح هذه الصورة أو رسمها.. وهنا يصبح الواقع العملي تابعاً للمجال الذهني إلى حد بعيد .(4)

والخيال ليس مجرد مرآة وليست الصور مجرد انعكاسات في هذه

ص: 224


1- انظر الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري : 27 - 28.
2- انظر : في النقد والأدب : 251.
3- انظر الشعرية العربية : أدونيس، دار الآداب - بيروت ط1، (1985م): 70.
4- انظر : الأسس النفسيّة للإبداع الفني: 290.

المرآة، فالخيال يتميز بالفعالية والصورة هي طريقة الشاعر لتقليص العالم الحقيقي إلى نِسَب واضحة وكشف أنماطه .(1)

وتتمثل هذه الفعالية في قابلية الخيال على صنع (المركبات الجديدة) وهذه المركبات (الصور) يفترض في أصالتها ثلاث سمات الجدة والتكثيف والإيحاء .(2)

لذا تصبح صورة الخيال أقدر على إثارة التأمل الفني لدى المتلقي وتحقيق لذة اكتشاف جماليات .

التصوير بعد أن يسبر القارئ أغوار الصورة .(3)

وبعد هذه المقدمة يمكننا الآن أن نستقري الصورة الذهنية في شعر أبي المجد لأن الصورة الذهنية هي المحك الذي تبرز فيه مقدرة الشاعر وبراعته في تمثيل أفكاره.

فمنها قوله (من البحر البسيط):

وغادروا صبّهم من بعدِ فرقتهم***يعتاده المشجيان الهمُّ والكمدُ (4)

ف__(الهم والكمد) أشياء معنوية مثلها الشاعر بالزوّار الذين يعتادونه عند مرضه في فراق أحبته ومثلها قوله (من البحر السريع):

محبّتي حسناء كم قد حوت***بديعُ حسن لم أطق عدَّه

زوّجتها منك فطلّقتها***من بعد ما باشرتها مدّة

فارجع إليها عاجلاً إنها***ما خرجت بعدُ من العِدّة

فإن تبن عنها فأكفاؤها***كثر ومن يخطبها عِدّة (5)

ص: 225


1- انظر الصورة الشعرية : 136.
2- انظر تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 41.
3- انظر: رثاء الإمام الحسين في العصر العباسي: 88.
4- ديوان أبي المجد: 55.
5- المصدر نفسه : 61.

فجعل (المحبّة) التي هي أمر معنوي عاطفي كالمرأة الحسناء وأدخلها في مجموعة علاقات رسمها ذهنه لهذه (المحبة).

وتدخل الصور الذهنية عند أبي المجد في أغراض عديدة وبنسب متقاربة فكما تدخل الغزل تدخل المديح والشكوى والهجاء وغيرها.

ومنها قوله مادحاً (من البحر الكامل):

وقف الرجا یمنی مواهبه***حتى إذا بلغ المُني نَفرا (1)

فهو يتخيل أن الرجاء واقف ب__(منى) (2)الممدوح حتى يحقق أمانيه وهما أمران معنويان الرجا (والمنى ألبسهما الشاعر ثوب العقلانية بخياله وأدخلهما هذه الصورة.

ومثلها قوله (من البحر الكامل):

أطلقت في تلك المفاخر من***غرر الفضائل أنجماً زهرا (3)

ف__(المفاخر) أمر معنوي وكذلك (الفضائل) غير أن الشاعر رسم لها صورة أشبه بالسماء التي تتلامع فيها النجوم وتزهر.

ومن صوره الذهنية أيضاً ما قاله متغزلاً (من البحر السريع):

هجرك والأيام في صرفها***کم قلبا قلبي على الجمرِ (4)

ف__(الهجر) و(صروف الأيام) وحتى (القلب) المقصود به مصدر العاطفة والشعور أمور معنوية رسم بها الشاعر هذه الصورة المُعبّرة عن ألمه وحرقته ومعاناته التي شابهت معاناة المُقلب على حرّ الجمر.

ويكثر أبو المجد من شكوى زمانه بصور متعددة يبرز فيها الزمان

ص: 226


1- المصدر نفسه : 68.
2- منی : مكان في مكة المكرّمة يؤمه الحجيج ويؤدون فيه بعض مناسك الحج.
3- ديوان أبي المجد: 69.
4- المصدر نفسه : 70.

فاعلاً أكثر من كونه جزء من الوقت الذي يمر به عمر الإنسان منه قوله (من البحر المتقارب):

زمان تعز الأذلاء فيه***ولكن يضامُ به كلُّ حُر

أساء ولكنه قد أتى***بأحسن ما عنده يعتذر (1)

فالإساءة والاعتذار من أفعال العاقل ولكن الشاعر ينسبها إلى الزمان الذي انقلبت فيه الموازين. ولا يخفى ما لأثر الخيال في رسم هذه الصورة.

ومن صور الشاعر قوله (من البحر الكامل):

وزرعتُ في قلبي أزاهير المُنى***لكنني لم أجنِ غير اليأس (2)

ف__(المنى) و(اليأس) أمور معنوية يستشعرها الإنسان بذهنه ولكنها ارتسمت عند الشاعر بهيئة الأزهار التي يغرسها الزارع وينتظر متشوّقاً نتيجة ما غرس فلا يجني غير الخيبة واليأس.

ومن صور أبي المجد ما وصف به حاله بعد سفره إلى إيران وقد كتب إليه علماء النجف يسألونه عن حاله فقال (من بحر الهزج):

ما بين أمواج الزمان موقعة***يخفضه حيناً وحيناً يرفعه (3)

فصور حاله المتغيرة بين ارتفاع وانخفاض كمن يتقلب في الموج فلا يستقر على حال ولا يهتدي إلى نجاة.

ومن شكوى زمانه أيضاً يقول (من البحر السريع):

فكم أحاطت بي صروف له***إحاطة الفضة بالخاتمِ (4)

ص: 227


1- المصدر نفسه : 75.
2- المصدر نفسه : 90.
3- المصدر نفسه : 98.
4- المصدر نفسه : 122.

ومن صوره الذهنية في المدح قوله (من البحر البسيط):

قرينك السعد والإقبال وال__***منى عروس أتت تسعى على عجَلِ.(1)

ف__(السعد، والإقبال والمنى) أمور معنوية جعلها الشاعر ترتبط بممدوحه كما يرتبط الأصدقاء وتأتيه الأماني مُزيّنة كالعروس التي تقدم مُسرعة.

ومثله (من البحر الطويل):

يحط بناديه الفخار رحالَهُ***ولولا فناه لم يزل قلق الرحل (2)

ومع أن صورة الفخار النازل عند بيت الممدوح صورة معبرة ومكثفة إلا أنها لا تتسم بالجدّة، إذ حمل لنا التراث ما يشبه هذه الصورة قديماً .(3)

وكما دخلت الصورة الذهنية نجدها في الهجاء في قول أبي المجد يهجو أحد أرحامه (من مجزوء الكامل):

ابني له بيت العلا***بمكارمي ويريد هدمه (4)

فجعل الشاعر (العلا) وهو أمر معنوي لا ينال إلا بالجهد والعمل الحسن كالبيت الذي يبنيه هو ويسعى غيره إلى هدمه وهي صورة مُعبّرة وقوية حملت الدلالات التي يكتنز بها صدر الشاعر.

ويظهر مما سبق من الأمثلة مقدرة الشاعر على تصوير أفكاره بشكل

ص: 228


1- المصدر نفسه : 110 .
2- دیوان أبي المجد: 114.
3- نجد ذلك في قول البحتري ديوان البحتري المطبعة الأدبية - بيروت (1911م): 2/ 733 أوما رأيت المجد ألقى رحله***في آل طلحة ثم لم يتحوّل
4- دیوان أبي المجد: 126

قريب من ذهن السامع لا يبعد عليه ولا يشق بل يصله حاملاً دلالاته المعنوية وإيحاءاته بنظم سلس وصورة مبسطة وجديدة.

ولا يخفى - في بعض الأحيان - أثر أدب المرحلة في الشاعر ورسم صوره، من حيث المناسبة وطريقة التعبير والتفكير.

ومن حيث الموروث البلاغي الذي التزم به أدباء ذلك العصر، إذ التزموا القواعد النقدية القديمة في الجودة والرداءة سعياً للوصول إلى حالة من الرقي الفنيّ (1)، لذلك وصلوا إلى حالة محددة من التعبير فلا يخفى في ما مر بنا من هذه الصور البصرية والسمعية والشميّة إن هذه التراكيب التي استعملها الشاعر أبو المجد هي صور تقليدية ومكررة لم يأت بها بجديد وإن أحسن بناءها، فوضف الثغر باللؤلؤ والريق بالعسل وما إلى ذلك وهي أمور أكثر الشعراء القدماء منها حدّ أنها أصبحت متواترة حتى ليخيل للمتلقي إن وصف الحبيبة بغير القمر والزهر هو أمر خارج عن العرف الشعري.

ص: 229


1- محمد انظر شعر سعيد الحبوبي - دراسة فنية : 113.

ص: 230

المبحث الثاني :الصورة البلاغية

اشارة

يرتبط رسم الصورة ارتباطاً مباشراً بأساليب البلاغة إذ نادراً ما تبرز الصورة بالوصف المحض للأشياء، ويعتقد بعض الدارسين إن للصورة في نطاق التشكيلات البلاغية تركيبات متنوعة هي نفسها التي أطلق عليها الموروث العربي مصطلحات (البيان)، ثم اكتسبت في العصر الحديث جملة أوروبياً وعربياً منها : الصورة .(1)

ولا يمكن أن نسلّم بالتطابق بين المصطلحين، لكن يبقى البيان ركناً أساساً في رسم الصورة، «إن الوصف والمجاز والتشبيه يمكن أن تخلق صورة»(2)، «لكن المجاز باق مبدأ للحياة في القصيدة ومقياساً رئيساً لمجد الشاعر» .(3)

وهذا الكلام يذكرنا بتعريف صاحب العمدة للشعر إذ يقول «الشعر ما اشتمل على المثل السائر والاستعارة الرائعة والتشبيه الواقع، وما سوى ذلك فإن لقائله فضل الوزن» .(4)

وهذه نفسها (الاستعارة والتشبيه..) مكونات الصورة فكأنه يقصد

ص: 231


1- انظر الإسلام والأدب : 149 - 150 .
2- الصورة الشعرية : 21.
3- المصدر نفسه : 20.
4- العمدة: 79/1.

القول إن الشعر ما اشتمل على الصورة، أي ما كانت لغته قائمة على المجاز.

والمجاز «نوع من التوسع في التعبير يعين الأدباء ويفتح أمامهم السبل التي تأخذ بيدهم ليعبروا عن أفكارهم... التي لا يمكن للغة بما في ألفاظها من دلالات وضعية أن تعبّر عنه»(1)

ويعترض بعض الباحثين على كون المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب(2) لأن المتلقي للتعبير الأدبي الثري نتيجة للتجاوز يدرك البعد المجازي إذا قارن بين الدلالة الأولى والدلالة المجازية، وهو يقوم بالمقارنة السريعة التي تجعله يتذوق التعبير الأدبي، فالترك والنسيان والإغفال للدلالة الأولى للكلمة لاتكون في التعبير الأدبي أو المجازي .(3)

فالصورة المجازية تحمل كثافة التعبيرات المجازية، فهناك غاية يتوخاها الشاعر من خلال رسم صورة بهذه الطريقة.

فلا تتوقف هذه الغاية عند الصناعة والتزيين كما يعتقد الدكتور علي عباس علوان فهو يصف مخيلة شاعر القرن التاسع عشر بأنها (صناعية غير ماهرة) تبدو في أضعف أشكالها وفي أسوأ درجاتها قدرة على التركيب والتجديد».(4)

ويمكن تسويغ انفعال الدكتور في هذا الرأي لما اتصف به شعراء تلك الحقبة من الاهتمام بالألفاظ وتشكيلها وتجانسها، ولكن هذا

ص: 232


1- فنون التصوير البياني د توفيق الفيل منشورات ذات السلاسل - الكويت طا ، (1407 ه - 1987م): 71.
2- انظر: الإيضاح في علوم البلاغة : 392/2
3- انظر: الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي : 7.
4- تطور الشعر العربي الحديث في العراق: 44.

الاهتمام باللفظ وانتقائه لا يعني إهمال المعنى السامي أو الدقيق المكثف فهذا شاعرنا أبو المجد يثير قضية تحدث ضجّة فى الأوساط العلمية آنذاك وفحواها (جواز استعمال اللفظ في معنيين في استعمال واحد).

وقد ألف في ذلك رسالة سماها (إماطة الغين عن استعمال العين في معنيين تبييناً لرأيه وتثبيتاً له .(1)

وقد كانت أساليب البيان أو البديع وسيلة الشاعر لتطبيق هذه النظرية إذ طالما كان يعمد إلى الملاءمة بين الألفاظ والمعاني حتى تحمل أكثر من معنى، فيبدو كأنه مورّياً لكنه يقصد المعنيين معاً.

فهو يحمّل التركيب اللغوي أكثر من صورة سوية وهذا ما سيمتد إليه البحث من خلال أساليب التصوير البلاغية المتبعة.

1 - التشبيه:

التشبيه (لغة) : التمثيل - يقال : هذا شبه هذا ومثله.

وهو (اصطلاحاً) : الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى .(2)

وقد وصفه قدامة بن جعفر بقوله «التشبيه إنما يقع بين شيئين بينهما اشتراك في معانٍ تعمّهما ويوصفان بها، وافتراق في أشياء ينفرد كل واحد منهما عن صاحبه بصفتها، وإذا كان الأمر كذلك فأحسن التشبيه : هو ما وقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيهما حتى يدني بهما إلى حال الاتحاد» .(3)

وقد قسمه عبد القاهر الجرجاني على ضربين هما (التشبيه والتمثيل)

ص: 233


1- انظر نصوص ورسائل من تراث أصفهان العلمي الخالد: 351/3.
2- الإيضاح في علوم البلاغة : 328
3- نقد الشعر : 122.

ميّز بينهما بفروق أهمها أن التشبيه يكون من جهة أمر بين لا يحتاج إلى تأول، والتمثيل يكون الشبه فيه محصّلاً بضرب من التأول .(1)

ويقسم البلاغيون التشبيه تقسيمات متعددة فهم يقسمونه من حيث الأداة، نوعها وذكرها وحذفها، ويقسمونه من حيث المشبه والمشبه به، ثم من حيث مصدرهما من الحسّ أو العقل، أو من حيث تعددهما وإفرادهما، وتقسيم من حيث التركيب وعدمه أو تقسيم من حيث وجه الشبه مذكوراً أم محذوفاً، وحسيّاً أم عقلياً، ومفرداً أم مركباً .(2)

والخلاصة «إن التشبيه مشاركة ما في أمر ما أو أمور لأمر آخر في صفة واحدة أو صفات متعددة» .(3)

فما يهمنا من التشبيه هو غايته لا أشكال تقسيمه، فللتشبيه روعة وجمال، وموقع حسن في البلاغة وذلك لإخراجه الخفيّ إلى الجلي وإدنائه البعيد من القريب(4) وهو من مصادر التعبير الفني ففيه تتكامل الصور وتتدافع المشاهد، من خلال إبراز الصورة البلاغية للشكل واستقراء دلالتها الحسّيّة وذلك عن طريق تسخير قدرة التشبيه الخارقة في تلوين الشكل بظلال مبتكرة وأزياء متنوعة لم تقع قبل التشبيه، ولا تعرف بداهة إلا بلحاظ مجموعة العلاقات الفنية في التشبيه .(5)

وتتمثل هذه العلاقات الفنية في الصورة التشبيهية بعلاقة الطرفين (المشبه - المشبه به) فالصورة الشعرية الناجحة يتبادل طرفاها التأثير والتأثر حتى يخلق معنى جديداً ليس معنى كل طرف على حدة .(6)

ص: 234


1- انظر أسرار البلاغة : 90
2- انظر فنون التصوير البياني: 79
3- أصول البيان العربي : د. محمد حسين الصغير دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد (1986م): 63.
4- انظر: جواهر البلاغة : 247
5- انظر أصول البيان العربي: 64.
6- انظر : الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي : 8.

وليست الغاية من إقامة هذه العلاقة إيضاح المعنى القائم في المشبه، ولكن الشاعر يحطم الحقيقة ويقيم بدلاً منها حقيقة شعرية أعلى وأكمل فيسمي الأشياء بغير أسمائها. وفي تسمية الأشياء بأسمائها - كما يقول مالارميه - «قضاء على ثلاثة أرباع القوة التي في القصيدة».(1)

ويقسم الدكتور البصير الصورة التشبيهية على ثلاثة أنواع:

أولها ما يسميها : الصورة المقابلة البسيطة المنفردة: ويقصد بها الصورة التي تبنيها صفة واحدة تأتي صريحة في التشبيه (2)كقول أبي المجد (من بحر الرجز) :

من فوق رأس ليته لم تخلق***عمامة تشبه عش اللقلقِ

رجراجة الأطراف مثل الزئبق***طياتها إن شئت أن تحقق (3)

ويبدو الشاعر هنا هاجياً وساخراً ويحمل كل بيت صورة تشبيهيه ، الأولى بتشبيه العمامة بعش اللقلق من حيث الشكل والثانية بتشبيه حركة أطراف العمامة بحركة الزئبق.

ومثل ذلك تشبيهه الوجنة بالورد في قوله (من المسمط):

من تحت تلك الأسنة***کیانع الورد وجنة (4)

ومثل قوله (من البحر البسيط):

فافخر وقل من له جد كجدي أم***أخٌ كمثل أخي أم هل أبٌ كأبي (5)

فهو في هذه التشبيهات المتتالية يذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه دون ذكر وجه الشبه لوجود القرينة الدالة عليه في الفعل (افخر)

ص: 235


1- انظر الشعر واللغة : 57
2- انظر: بناء الصورة الفنية في البيان العربي: 290.
3- دیوان أبي المجد: 101.
4- المصدر نفسه : 128
5- المصدر نفسه : 36.

فهو يفخر بجده وأخيه وأبيه بأن لا نظير لهم في المعالي والمكارم التي يفخر الإنسان بها.

وثانيها : الصورة المقابلة البسيطة المفككة وهي التي تختلط أجزاؤها من صفات لا تتمازج عضوياً، ولا تتركب فنيّاً .(1)

ومثل ذلك قول أبي المجد (من البحر الطويل):

بديع جمال من بني الفرس زارني***كبدرٍ وغصن حين يبدو وينثني (2)

تقع الصورة في المشبه به وهو (البدر حين يبدو) و(الغصن حين ينثني) فقابل الشاعر بين البدر والغصن إذ جمعهما لمشبه واحد وفي حالة معينة وفكك بين المشبه به وحالته وذكرها.

على التوالي بقوله : كبدرٍ - وغصن - حين يبدو - وينثني، وهذا ما قصده الدكتور البصير بقوله (المفككة) أما الصورة العامة فلا يمكن تفكيكها لأنها لشخص واحد ولكن بحالتين.

ومثله قوله (من مخلع البسيط):

كالليث والظبي حين يسطو***وحين يعطو وحين ينظر (3)

وتأتي هذه الصور غالباً في التشبيهات المعتادة التقليدية كتشبيه وجه الحبيب بالبدر وقدّه بالغصن وما إلى ذلك، إذ لا يحتاج الذهن إلى جهد لتمثل هذه الصورة المكررة المعروفة الأوصاف لدى المتلقي.

ثالثها : الصورة المقابلة المركبة وهي اللوحة التي تأتلف أجزاؤها وألوانها وظلالها في بناء عضوي لا تتبعثر أوصاله ولا تتناثر مقوماته وإنما تتكاتف متفاعلة وتخرج لنا تلك الصورة المقابلة المركبة .(4)

ص: 236


1- بناء الصورة الفنية في البيان العربي: 291
2- دیوان أبي المجد: 143.
3- ديوان أبي المجد : 78.
4- بناء الصورة الفنية في البيان العربي: 291.

وهذه الصورة مما أطلق عليه عبد القاهر الجرجاني (التمثيل) وعنها يقول «وربما انتزع - يقصد الشبه - من عدة أمور يجمع بعضها إلى بعض، ثم يستخرج من مجموعها الشبه فيكون سبيله سبيل الشيئين يمزج أحدهما بالآخر، حتى تحدث صورة غير ما كان لهما في حالة الإفراد» .(1)

«فالصورة في التشبيه المركب صورة قد اتحدت وامتزجت فيها الأمور فنتج عن هذا الامتزاج صورة خاصة غير التي كانت لكل جزء في حال الإفراد».(2)

وفي هذه الصورة بالذات يظهر إبداع الشاعر وقوة مخيلته، وهي التي تحدث المتعة عند المتلقي وتؤثر فيه أكثر مما قد تثيره الأنواع السابقة من الصور التشبيهية. ويكثر هذا النوع من الصور في ديوان أبي المجد ومنه قوله (من البحر الوافر) واصفاً كرم ممدوحه وإن أدّى به هذا الكرم والجود إلى أن يجوع عياله..

ويُمسي جاره كسكاب عزَّ***يُجاعُ له العيال ولا يجاعُ (3)

وقوله (من البحر البسيط):

قد سار شعرك في الآفاق أجمعها***كمجد أه-ليك سير الأنجم الشهب (4)

فيظهر الامتزاج هنا بين سير الشعر أي شهرته وانتشاره وبين مجد الأهل والعشيرة وحركة النجوم اللامعة في السماء فقد حملت هذه الأشياء مجتمعة صفة الإشراق والوضوح والسيرورة لالتصاقها بحركة النجوم.

ص: 237


1- أسرار البلاغة : 101
2- دراسات بلاغية د. بسيوني عبد الفتاح فيود مؤسسة المختار - القاهرة دار المعالم : الثقافية - الأحساء : 169
3- دیوان أبي المجد 96.
4- المصدر نفسه : 35

ويدخل التشبيه في المحاجّة العقلية واجتماع المتباعدين كقول الشيخ أبي المجد عن لسان الإمام الحسين علیه السلام وهو يفخر بنفسه (من البحر المنسرح):

إن بنا يختم الوجود كما***قبلُ بنا أول الوجود بدي(1)

وقوله مفتخراً (من البحر السريع):

أخرني عنه زماني كتأ***حیرِ عليّ عن أبي بكرٍ

قد قاسه بي معشر مثلما***قاس سهى الأنجم بالبدرِ (2)

فكأنه هنا يشبه صورة بصورة فيصور لنا صورة ثالثة تحمل إيحاء الصورتين ودلالة المعنى المراد بأسلوب رشيق وسلس.

ومثل ذلك قوله واصفاً حبيبته لحظة وداعه (من البحر المتقارب):

بدت تتثني كخوط الأراك***لتمحو خطاها بجر الأزر

وأذرت على الخد درَّ الدموع***كعقد وهي سلكه فانتثر (3)

وقوله (من البحر الطويل):

وللسبح كم جردته من ثيابه*** كما جرد السيف الصقيل من الغمدِ (4)

وقوله (من البحر الكامل):

نشر الثنا منّي نداه كما***يزداد نشر الروض إن مُطرا (5)

ومن هذه الأمثلة تظهر براعة الشاعر في رسم الصورة باستعمال

ص: 238


1- دیوان أبي المجد: 51.
2- المصدر نفسه : 71
3- المصدر نفسه : 75.
4- المصدر نفسه : 60.
5- المصدر نفسه : 67.

التشبيه والتشبيه التمثيلي باعتبار التشبيه أداة حية بيد الشاعر يستعملها لإيصال مفهومه عن الأشياء كما يراها هو.

2 - الاستعارة

وهي أن يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي معروف، ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلاً غير لازم، فيكون هناك كالعاريَّة .(1)

فالاستعارة هي ما كانت علاقته تشبيه معناه بما وضع له(2)«فالاستعارة فن قولي، قد يجمع بين يجمع بين المتخالفين ويوفق بين الأضداد ويكشف عن إيحائية جديدة في التعبير، لا يحس بها السامع في الاستعمال الحقيقي، وهي من أبرز صور البيان العربي، وأروع مشاهد التصوير الفني» .(3)

وللاستعارة قدرة على الانتقال بالنص من الجمود اللفظي المحدد له إلى السيرورة في التعبير والمرونة في الاستعمال. كما إنها تعطي صفة الفعل لمن لا يفعل وإضاءة الكائنات بالتصرف وإن لم تتمكن كما يمكن بها تهويل الأمر ودقة المبالغة وشدة الوقع وإشاعة الحياة في الجماد كما يلاحظ فيها التقريب الوصفي ومراعاة المناسبة ولمح الصلة بین الأصل والنقل الاستعاري .(4)

ويعدها (أدونيس) أرقى درجات اللغة المجازية، إذ تستمد الصورة الاستعارية قوّتها التي تهزّ وتحرك من تشابه طرفيها المختلفين في الجنس

ص: 239


1- انظر: أسرار البلاغة : 30.
2- الإيضاح في علوم البلاغة : 407 .
3- أصول البيان العربي: 93.
4- انظر: المصدر نفسه : 94 - 95 .

فكلما كان التباعد بين الشيئين أشد كانت الصورة أعجب وكانت النفوس لها أطرب .(1)

وتظهر قدرة الشاعر في التنسيق بين هذين المتباعدين والربط بينهما بأسلوب يجعل أحدهما ينضوي تحت الآخر، ويعبر به عنه ويطلق اسمه عليه .(2)

وهذا التعالق يفضي إلى الذوبان الكلي لجميع تراكيب اللغة في وحدة تمهيدية فيها الكلّ يتشابه مع الكلّ والكلّ يفسّر بالكلّ، والكلّ يتبدل عن طريق الكلّ، والصورة الشعرية هي الوحيدة القادرة على تعيين هذا التبدل وضبطه .(3)

والصورة الاستعارية من التركيبات التي حملت المعنيين بشؤون اللغة الجمالية على جعلها بؤرة اللغة وذلك لأن الاستعارة تردم الحدود الفاصلة بين الطرفين ومع ذلك تبقى المسألة نسبية يتحكم السياق في تحديد جماليتها ومركزيتها .(4)

وقد قسم البلاغيون الاستعارة على أنواع أولها : الاستعارة التصريحية «وهي ما صرّح فيها بلفظ المشبه به دون المشبه، أو ما استعير فيها لفظ المشبه به للمشبه» .(5)

وكثيراً ما نجد هذا اللون من الاستعارة في شعر أبي المجد خصوصاً في الأوصاف التقليدية في الغزل والفخر والكرم كقول الشيخ محمد رضا النجفي (من البحر الكامل):

ص: 240


1- انظر الشعرية العربية : 47.
2- انظر : فنون التصوير البياني : 174.
3- انظر: الصورة الشعرية وجهات نظر غربية وعربية : 18.
4- انظر: الإسلام والأدب : 163.
5- أصول البيان العربي: 103.

يا للرجال لضيغم فتکت بهِ***حدق المها وسوالف الغزلان (1)

وتكونت الصورة من اجتماع استعارتين الأولى في تشبيه نفسه ب__(الضيغم) فهو المشبه به المذكور أما نفسه فهو المشبه الذي حذفه الشاعر من البيت أما الاستعارة الثانية فتكمن في تشبيه عيون حبيبته بعيون المها وسوالفها بسوالف الغزلان ولم يذكر شخص المحبوب أيضاً.

وبذلك رسم الشاعر صورة لمعادلة تغلب الضعيف على القوي فبدل أن تكون المها (والغزلان فريسة لهذا الضيغم، أصبح هو فريستها خضوعاً لجمالها.

وقوله (من البحر السريع):

قبّلت بدر التم من وجهها***والنحر حتّى مطلع الفجرِ

مقتطفاً للورد من خدّها***مجتنياً رمانة الصدرِ

جنيت من مرشفها خمرةً***مادنّستها الكف بالعصر (2)

فهو يذكر المشبه به( بدر التم، الورد الرمانة، الخمرة) دون أن يذكر المشبه لأن الصورة لا تحتاج ذلك لوضوح هذه التشبيهات ولجعل هذه المشبهات بها تأخذ مكان المشبهات زيادة في التأكيد على هذه الصفة والهيئة.

ومثل ذلك قوله في مسمطته:

أفديه غصناً نظيراً***يقلُّ وجهاً غ وجهاً غريرا

يريك بدراً منيراً***من صدغه تحت غيهب

فقسه بالبدر إن تم (3)

ص: 241


1- دیوان أبي المجد: 136.
2- المصدر نفسه : 70
3- المصدر نفسه : 128.

والصورة هنا تتمركز بين (قد) الموصوف ووجهه وشعره باستعارات تصريحيه لم تذكر هذه المشبهات بل تحدثت عن المشبهات بها مباشرة وهي (الغصن، البدر، الغيهب) وهو الظلام.

ونرى أن الشاعر قد أبدع هنا في وصف العلاقة بين الضوء والظلمة من خلال وصف وجه الحبيب وشعره.

ومثل ذلك قوله (من مجزوء الكامل):

وسهام لحظ قد برت***جسدي وعهدي السهمُ يُبرى (1)

فالمشبه غير مذكور وهو نظرات العيون والمشبه به هو (السهام) وهي استعارة تقليدية ما زال بعض الشعراء المقلدين يستعملونها.

وقريب منه قوله (من مخلع البسيط):

له بأجفانه جنود***تظفر بالفتح حين تُكسر (2)

وهنا نرى بعض التجديد إذ استعاض الشاعر من استعارة السهام باستعارة لفظة (جنود) وهو استعمال جديد وإن كان بينه وبين سابقه قرابة.

وعلى شاكلة ذلك قوله (من البحر الطويل):

وظبي كحيل الطرف رمت اقتناصه***ولم اك لولا الشيخ أطمعُ في القرب (3)

فالمشبه به مذکور وهو (الظبي) أما المشبه فلم يذكر وهو شخص الحبيب.

وسوى ذلك له واصفاً النياق بقوله (بحر الرجز):

سفائنُ للسرى لم تدر بحراً***وتدري ما السباسب واليفاع(4)

ص: 242


1- المصدر نفسه : 72.
2- دیوان أبي المجد : 77.
3- المصدر نفسه : 39
4- المصدر نفسه : 96 .

فالمشبه محذوف وهو (النياق) والمشبه به مذكور وهو (السفن).

وكثيراً ما كان أبو المجد يصف قصائده بالجمال بتمثيلها بالغانية أو الفتاة الحسناء ومنها قوله (من البحر البسيط):

اليكها من بنات الفرس غانيةً***أتتك ترفل في أبرادها القشب(1)

وقوله (من البحر الكامل):

سأجهر كل غانية عروبٍ***لوصل السير بالإبل العرابِ (2)

وقوله مهدياً قصيدته للشيخ علي آل كاشف الغطاء (من مخلّع البسيط):

خذها أبا أحمد فتاةً***جاءت لفرط الحيا تعزّز

عقيلة أهديت لكفؤ***لها بحسن القبول أمهر (3)

فاستعارة لفظ الغانية والفتاة للقصيدة أفاد منه الشاعر في الافتخار بقصيدته إذ هي حسناء كاملة الحلل والزينة أو هي فتاة فائقة الحسن والجمال مهداة إلى ممدوح جليل تقل عن قدره لذا فهي تتعثر خجلاً منه.

ومن جميل استعاراته قوله (من البحر الطويل):

وإن انتضي من غمد سيفي شعلةً*** فأملأ آفاق البلاد ضراما (4)

وما يُنتضى من الغمد هو (السيف) ولكن الشاعر استعار له لفظ (الشعلة) وفي هذا بيان على مقدار غضب الشاعر وسخطه من هذا العدو حتى ليودّ أن يحرق الدنيا عليه بسيفه.

ص: 243


1- المصدر نفسه : 36.
2- المصدر نفسه : 38.
3- المصدر نفسه : 80.
4- المصدر نفسه : 128.

- الاستعارة المكنية

وهي ما حُذف فيها المشبه به ، أو المستعار منه حتى عاد مختفياً إلا أنه مرموز له بذكر شيء من لوازمه دليلاً عليه بعد حذفه.(1)

ومن استعارات أبي المجد في هذا اللون قوله (من بحر الرجز):

ما بين أمواج الزمان موقعه***يخفضه حيناً وحيناً يرفعه(2)

فالمشبه هنا أو المستعار له هو (الزمان) والمشبه به محذوف وهو (البحر) دل عليه لازمة من لوازمه وهي (الأمواج)، وقد بنيت الصورة على أساس المشابهة بين حركة الأمواج وصروف الزمان وكلاهما لا قرار له فهو دائب التحرك والتغيّر.

وقول أبي المجد (من البحر الطويل):

ولو لم تشن الحادثات جيوشها***علي لما فارقت يوماً حماكما (3)

فالمشبه هنا هو (الحادثات) شبهه الشاعر بالعدو القوي وحذف هذا المشبه به وترك لازمة من لوازمه وهي (الجيوش) وقد أبقى الشاعر لفظة (الجيوش التي توحي بالكثرة والقوة والسطوة.

ومثل ذلك قوله (من مخلّع البسيط):

کم خط كف الجمال ذالاً***وما رأينا شبيه ذلك(4)

فالمشبه هنا هو (الجمال) شبهه الشاعر بالإنسان الذي يرسم وحذفه وترك لازمه من لوازمه وهي (الكفّ).

ص: 244


1- أصول البيان العربي: 104.
2- ديوان أبي المجد : 98.
3- المصدر نفسه : 106.
4- المصدر نفسه : 108.

وقوله مادحاً (من البحر البسيط):

ملکت ناصية الآمال أجمعها***فلا تقول لشيء ليت ذلك لي (1)

فالمشبه هنا هو (الآمال) التي شبهها الشاعر ب__(الإنسان) وهو محذوف لكن دل عليه ما ترك الشاعر من لوازمه وهي مقدم الشعر من الرأس (الناصية). وعبر الشاعر بهذه الصورة عن تمكن ممدوحه من آماله وسيطرته عليها.

ومن غزله في الغلمان قوله (من البحر الطويل):

ولم يدر بيت الشعر إلا الذي بنت***على وجهه الزاهي يد الشعر الجثلِ (2)

فهو يشبه الشعر في عارض المتغزل به بالإنسان ولم يذكر ذلك بل حذفه وذكر لازمه من لوازمه وهو (اليد) التي بها يبني بيتاً من الشعر على خد الحبيب.

ومن استعاراته المكنية قوله (من البحر الطويل):

رضينا بحكم المشرفية بيننا*** فقالت بأن الحرب خير من الصلح (3)

فالمشبه هنا هو (السيوف) أو المشرفية كما يسميها الشاعر والمشبه به هو الإنسان الحاكم ودل على ذلك بلازمتين من لوازمه وهي (الحكم) و(القول) مما أعطى للصورة بعداً عميقاً، إذ إن الاحتكام إلى السيوف لا يكون طارئاً أو اعتباطياً، بل يكون في الأمور العسيرة والصعبة.

ص: 245


1- المصدر نفسه : 110.
2- المصدر نفسه : 112.
3- المصدر نفسه : 49.

ومثله قوله (من البحر الطويل):

فما برحت تتلو الدخان عليهم***مدافعنا حتى حتى تلت تلت سورة الفتح (1)

فالمشبه هنا هو (المدافع) والمشبه به هو الإنسان العاقل الناطق وقرينة ذلك لازمة من لازمته وهي تلاوة القرآن الكريم، فهذه المدافع بقصفها للعدو كانت كمن يتلو سورة الدخان لما تثيره من دخان حتى صار إليها الفتح والنصر.

ومثلها قوله (من بحر الهزج):

حلبت الدهر شطريه***فمن عسر ومن يسرِ (2)

فهو يشبه الدهر بالناقة ولكن المشبه به (الناقة) محذوف وما دلّ عليه هو لازمة من لوازمه وهي فعل (حلبت) حيث صوّر الشاعر اختباره للحياة ومعرفته بصروفها بالناقة التي حلب شطريها فعرف إن فيها العسر واليسر وذاق كليهما.

وكثيراً ما يستعير أبو المجد ألفاظه من الإنسان أو العاقل والأمثلة كثيرة منها قوله في المدح (من بحر الرجز):

ما ركعت في كفّه بيض الظّبا***إلا وهام قرنه خوفاً سجد(3)

فالمشبّه هنا (بيض الضبا) أي السيوف والمشبه به هو (الإنسان) حيث حذفه وأبقى لازمة تدل عليه وهي الركوع ومثله قوله (من البحر الكامل):

إن هزّ قامته وإن سفرا***فضح الغصون وأخجل القمرا

هل قرطه یخشی مفارقةً***منه فلا ينفك منذعرا (4)

وهنا ثلاث استعارات مكنية كان المشبه فيها هو (الغصون، القمر

ص: 246


1- ديوان أبي المجد 49
2- المصدر نفسه : 85
3- المصدر نفسه : 55
4- المصدر نفسه : 65

القرط) شبهت كلها بالإنسان أو العاقل، وحذف المشبه به وقد دل عليه شيء من لوازمه تمثلت بالأفعال (فضح أخجل، يخشى مفارقة).

فالشاعر يعطي الجمادات أحاسيس العاقل ويلبسها ثوبه، وغالباً هو يفعل ذلك ليجعل الموجودات تنطق بحالها أو برأيه إزاءها.

فالشاعر يصف الأشياء كما يراها هو ويشعر بها، ناطقة تحدثه ويحدثها فيعرف أسرارها.

ومن هذا المنطلق كان أبو المجد يرسم صوره مستعيناً بأساليب البيان العربي أشياء لأخرى محركاً وملوّناً ومحدثاً للموجودات

الحسية والعقلية.

- الاستعارة التمثيلية

وهي تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة معناها الوضعي، بحيث يكون كل من المشبه والمشبه به في هيئة منتزعة من متعدد وذلك بأن تشبّه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور أخرى، ثم تدخل المشبه في الصورة المشبه بها مبالغة في التشبيه .(1)

والمستعار به هنا يكون عبارة تعبّر كل جزئية منها عن جزئية في المستعار له لكن لا تقابل كل جزئية منها بجزئية في المستعار له وكأنه لفظ واحد .(2)

ومن ذلك قول الشيخ أبي المجد (من بحر الرجز) :

أصبو إلى الدنيا وأدري أنّها***معشوقة تمطل وعد العاشقِ (3)

ص: 247


1- انظر أصول البيان العربي: 106.
2- انظر : فنون التصوير البياني : 262.
3- دیوان أبي المجد: 103.

فقد مثل الشاعر حال الدنيا مع طالبها كالمعشوقة التي يفنى العاشق في ملاحقتها ولا يبلغ بذلك السعي إلا الوعود الكاذبة.

وقوله (من مجزوء الرجز) :

إن قدّموا عليك من***دونك في جدٍّ وجد

فالثور في حسابهم***مُقدّم على الأسد(1)

فهو يشبّه حالة انقلاب الموازين بين الناس إذ يؤخر الأفضل ويقدّم الأدنى منه بتقديم الثور على الأسد في الحيوانات ومعروف أن الأسد هو سيد الحيوانات أو كما يقال (ملك الغابة).

ومثل ذلك قوله مادحاً (من البحر المتقارب):

ولا غرو إن طاب فرعاً لهُ***إذا ما زكى الأصل طاب الثمر (2)

فهو حين أراد مدح هذا المقابل ومدح أهله وعشيرته سلّم أنه ورث المجد والخصال الحميدة من آبائه ومثل لذلك المعنى بالشجرة التي يطيب أصلها ويطهر فتأتي بالثمر الطيب.

ومن صوره التمثيلية أيضاً قوله متغزّلاً (من البحر الطويل):

وتحسب منه الخال في الشمس سارباً***ومن جعده المسكي آوى إلى الظل(3)

فالمستعار له هو شكل الخال في وجه مشرق وجميل وقد وقع هذا الخال قريباً من شعر الموصوف، أما المستعار فهو شكل الإنسان المسافر في الشمس حتى إذا وصل إلى هذا الشعر فاستظل به واستقر في مكانه.

ص: 248


1- المصدر نفسه : 60.
2- المصدر نفسه : 75.
3- المصدر نفسه : 112.

ومثله قوله (من البحر الطويل):

وما ضائري شيء تقوله وهل***يؤثر في صم الصفا مدرج النمل (1)

فأبو المجد أراد أن يعبّر عن عدم اكتراثه بقول مبغضه عنه فمثل لذلك بصورة مسير النمل على صخرة صمّاء فهو لا يؤذيها ولا يؤثر فيها أبداً.

ومثل ذلك قوله وهو يشكو دهره (من البحر السريع):

أشكو إلى الدهر الذي نابني***لو كنت أشكوه إلى راحم

فكم أحاطت بي صروف لهُ***إحاطة الفضة بالخاتم (2)

فهو يمثل صورة إحاطة صروف الزمان به بشكل الفضة وهي تحيط بالخاتم من جميع جوانبه.

وقال وهو يهدي قصيدته إلى ممدوحه (من البحر الطويل):

إل-ي-ك ابنة الفكر العروب زففتها**ومامثلهاتشقى بهجر ولا عضلِ

وقد تبتلي الحسناء بالهجر والقلا***فتهجر والشوهاء تحظى لدى البعل (3)

فهو بعد أن استعار لقصيدته صيغة العروس التي تزف إلى زوجها وهي حسناء لا تشقى بالهجر، وقد تعجب هذه القصيدة الممدوح وهي غير تامة الجودة الفنية وقد لا تعجبه وهي في تمامها حالها كحال العروس الحسناء التي تُهجر وحال المرأة الشوهاء التي يكون لها حظوة عند زوجها.

ص: 249


1- المصدر نفسه : 113
2- ديوان أبي المجد: 122.
3- المصدر نفسه : 115

وقوله مادحاً نفسه (من البحر السريع):

وصفرُ كف زدت قدراً بهِ***زيادة الأعداد بالصفر (1)

إنه يمثل لفقره الذي يحط من منزلته بالأعداد التي تزيد وتتضاعف كلما زاد عليها صفراً.

والأمثلة في شعر أبي المجد كثيرة إلا أنها غالباً ما تبنى على الجناسات اللفظية كما في المثال السابق ومع ذلك فهي لاتخلو من مهارة فنية عالية ودقة في التصوير الذي يناسب واقع الحال (المستعار له) بصورة دقيقة.

- الكناية

وهي من الأساليب البلاغية المعروفة التي رقي به الأدب العربي، عرفها عبد القاهر بقوله «أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومئ به إليه ويجعله دليلاً عليه» .(2)

وهناك فرق بين الكناية والمجاز هو صحة إرادة المعنى الأصلي في الكناية أما المجاز فالانحراف عن معيارية التركيب أمر أساسي فيه بينما تكون الكناية على العكس من ذلك (3)إذ تؤدي إذ تؤدي الكناية معناها الأول من خلال مرور الذهن بعدة مراحل أو أفكار تكون ملاصقة للمعنى، وهذا ما يبعث على الدهشة ويعجب المتلقى فيستسيغه ،ويتقبله فالمعنى المكنّى عنه مختف وراء صورة لا نصل إليه إلا من خلالها وكل تعبير من خلال الصورة يكون أبلغ وأجمل من التعبير المباشر.

ص: 250


1- المصدر نفسه : 70
2- دلائل الإعجاز : 103 - 104 (الموسوعة الشعرية الكاملة)
3- انظر الصورة الشعرية في الكتابة الفنية : 163 .

ففنية الشاعر تكمل في الوسيلة التي يعبر بها عن المعنى وليس في المعنى بحدِّ ذاته .(1)

وغالباً ما اعتمد أبو المجد على الإيحاء (2)في صوره، إذ إن صوره الكنائية غالباً ذات دلالات قريبة ومنها قوله (من البحر السريع):

هجرك والأيام في صرفها***کم قلبا قلبي على الجمر (3)

فتقليب القلب على الجمر صورة متخيلة كنّى بها الشاعر عن تعذيبه وإلحاق الأذى به من جانبين هجر الحبيب وفعائل الأيام.

وقوله (من مجزوء الرجز):

يا من رئي قبلي فتى***أهدى إلى البحر الجواهر (4)

فقد كنّى عن ممدوحه ب__(البحر) الذي يحمل دلالات كثيرة أبرزها السعة والعمق والكرم والعطاء والصفاء والجمال والغنى.

فالشاعر وهو يهدي ابن عمه كتاباً اسمه (الجواهر) يصفه بالبحر لسعة علمه وعدم احتياجه لهذا الكتاب لأن البحر يحوي من الكنوز ما لا يعلمه إلا الله (سبحانه).

وقد قسم البلاغيون الكناية على ثلاثة أقسام هي:

1 - كناية الصفة

وهي التي يطلب بها الصفة نفسها، والمراد بالصفة، الصفة المعنوية کالجود والكرم والإباء والشجاعة وأمثال ذلك لا النعت المعبر به بالصفة في اصطلاح النحويين .(5)

ص: 251


1- انظر: المصدر نفسه : 168 - 169 .
2- الإيحاء: هو الكناية التي قلت وسائطها مع وضوح اللزوم والمكنى عنه المقصود. انظر: بناء الصورة الفنية في البيان العربي: 334.
3- ديوان أبي المجد: 70
4- المصدر نفسه : 84
5- أصول البيان العربي: 116.

كقول أبي المجد (من البحر الكامل):

هل قرطه بخشی مفارقةً***منه فلا ينفكُ منذعرا (1)

فقد كنّى الشاعر بالخوف والرعب لدى القرط عن الحركة الدائمة. وقوله (من البحر السريع):

صبّك كم بات وأجفانه***معقودة بالأنجم الزهر (2)

فالشاعر رسم صورة لأجفانه وقد عُقدت بالنجوم فهي لا تغمض لذلك وقد كنّى بهذه الصورة عن صفة السهر التي يتسم بها العاشقون.

ومثل ذلك قوله مادحاً (من البحر السريع):

مبرّد بعض تلاميذهِ***وابن هشام صاحب القطر (3)

فهو حين أراد أن يقول إن ممدوحه واسع العلم والمعرفة كنّى عن ذلك بجعل مشاهير العلماء من تلامذة هذا الإنسان على سبيل المجاز والمقارنة طبعاً.

وقوله (من البحر الوافر):

وفي جنبيك أعهد قبل قلباً***يريع الحادثات ولا يراع (4)

وقد كنى الشاعر بقوله (يريع الحادثات) عن الشجاعة والقوة والصبر والجلد الذي يتمتع به هذا القلب الذي تخاف منه الحوادث ولايخافها.

وقوله (من البحر الطويل):

يمينك عند الصيد تُدعى مقبّلاً***وعند بني الآمال كشّافة الأزلِ

وللغيث فصل ليس يهمي بغيره***ولكنها تهمي النضار بلا فصل (5)

ص: 252


1- ديوان أبي المجد: 65.
2- المصدر نفسه : 70
3- المصدر نفسه : 71
4- المصدر نفسه : 95
5- المصدر نفسه : 115

فقد كنى ب__(تقبيل اليد) عن العزّ واحترام الناس لذا فهم يقبلون يده تبرّكاً واحتراماً، وأنه يكني عن الكرم عند هذا الشخص حتى صارت يده تسمى كشّافة (الأزل) و (تهمي (النضار) كناية عن سعة الكرم.

2 - كناية عن الموصوف

وهي التي يطلب بها الموصوف نفسه والكناية هنا تختص بالمكني عنه .(1)

ومثال ذلك قول أبي المجد واصفاً صديقه (من البحر الطويل):

وقد كان لي عضباً به أدفع العدى***فما حيلتي إن خانني ذلك العضبُ

وكان لآمالي ربيعاً ومربعاً*** إذا ما الورى قد عمها القحط والجدب (2)

فقد كنّى عن شجاعة صديقه ومؤازرته له بوصفه بالسيف الذي يقاتل به الأعداء وقد خانه الآن، كما يصفه بالكرم والإغاثة مكنياً عنه بالربيع والمربع أي الموطن الخصب.

وقوله وهو يؤرخ لارتفاع الوباء عن النجف الأشرف عام (1320ه) (من البحر الرمل):

مزنة العفو علینا هتنت***وغمام الغمّ عنّا انقشعا

غاب عنا طالع النحس وذا***طالع السعد علينا طلعا (3)

فقد رسم الشاعر صورة كنّى بها عن حالة ارتفاع الوباء تمثلت بهطول أمطار الرحمة وانقشاع الغيوم الحزينة وغياب طوالع النحس

ص: 253


1- أصول البيان العربي: 117.
2- ديوان أبي المجد : 37.
3- المصدر نفسه : 94.

وظهور النجوم المبشرة بالسعادة، ولا يخفى ما حملت هذه الصورة الكنائية من مشاعر السرور.

ومن ذلك قول أبي المجد مداعباً صديقه (من البحر الوافر):

نقوط الشاب إرسال الهدايا***له والشيخ إرسال الحنوط (1)

فقد كنّى ب__(إرسال الحنوط) للشيخ الكبير عن انتهاء عمره واستقباله

للموت، فلا حق له بالمطالبة بالهدايا في مناسباته السعيدة. ومثلها قوله مكنياً عن الخمرة من البحر البسيط

طلّق همومك واخطب بالكؤوس على*** مهر السرور ابنة الأفراح والجذلِ (2)

فقد كنى عن الخمرة بوصفها (ابنة الأفراح والجذل) لما تبعثه في النفس من سعادة وخفة العقل وسفهه.

وقوله (من البحر الطويل):

يحن لذات السرو قلبي ولم يكن***يحنّ إلى ذات العرار وذي الأثل(3)

فقد كنى عن أرض الحبيب وهي (تركيا) بذات السرو وهي الأرض التي يكثر فيها هذا النوع من الأشجار كما يكني عن الصحراء بقوله (ذات العرار وذي الأثل وهي نباتات تنمو في الصحراء.

3 - كناية عن نسبة

ویراد بها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه والمراد بهذه الكناية تخصيص الصفة بالموصوف لا عن طريق إثبات الصفة تصريحاً بل عن طريق الكناية .(4)

ص: 254


1- المصدر نفسه : 93
2- المصدر نفسه : 109
3- المصدر نفسه : 111
4- انظر أصول البيان العربي: 117.

ومن ذلك قول أبي المجد (من البحر الوافر): (1)

ومختلف الرقاق البيض حسبي***ومشتبك الرماح السمر غابي

فقد افتخر الشاعر بشجاعته مكنياً عنها بجعل المبارزة بالسيف كفاية له وشغله الشاغل وجعل تشابك الرماح في المعركة مسكنه أو (غابه) كما يُعبَّر. أي نسب مظاهر الحرب وأماكنها لنفسه ليعرف أنه الإبطال.

ومثل ذلك قوله مفتخراً أيضاً (من مجزوء الكامل):

ظنّ الغيور وأنه***بعفاف بردي كان أدرى (2)

فهو قد نسب العفاف لبرده ومقصده ما جمع بُرده أي أنه كنى عن نفسه بالعفاف أو نسب العفاف له.

وكذلك قوله (من البحر الطويل):

واترك أزواج الملوك أراملاً***واترك أولاد الملوك يتامى (3)

وهنا كنى الشاعر عن غضبه وامتعاضه من الحكّام والسلاطين الظلمة فأخذ يتوعدهم بصولة تقضي عليهم ولم يذكر أمر القتل لهم صراحة بل كنّى عن ذلك بما ينسب إليهم وهو أزواجهم وأبناؤهم.

ومثل ذلك قوله (من بحر الرجز) :

قد شاب لهوي مثل ما شبت فلا***أصبو لذات القرط والقراطق (4)

فهو ينسب الشيب إلى اللهو ليعبر عن تعقله وتركه للهو الشباب وطيشهم، لما في الشيب من دلالات عقلية على العقل والوقار وخبرة

ص: 255


1- ديوان أبي المجد : 38.
2- المصدر نفسه : 73.
3- المصدر نفسه : 121.
4- المصدر نفسه : 102.

الدنيا والاتعاظ بها، إذ هو نذير الموت وبظهوره يشعر الإنسان بانقضاء أيام حياته.

ومن ذلك أيضاً قوله نهاية قطعة يمزح فيها مع أحدهم (من بحر الرجز)

بحسنه أضرَّ داء البهق (1)

فهو نسب الضرر إلى داء البهق لأن الناس تشبه المقصود بمن في وجهه ،بهق وتكمن المضرّة في أن أثر البهق في الوجه أجمل من وجه

المقصود إذن الحسن هنا هو كناية عن القبح في الشكل.

- التورية

اعتاد البلاغيون القدماء أن يدرجوا (التورية) في ضمن ما يطلق عليه (البديع) أي مجرد تزيين العبارة وتحليتها.

ويعتبرها الدكتور محمود البستاني إحدى أشكال التركيب الصوري لأنها تتألف من ظاهرتين تنتج ظاهرة ثالثة (2).

وقد قصدنا إدراجها في ضمن أشكال التصوير البياني في البحث لأنها إحدى الوسائل التي رسم بها الشاعر محمد رضا النجفي صوره.

وقد عرّف البستاني التورية بأنها:

إحداث علاقة بين طرفين من خلال جعل أحدهما متضمناً (دالّاً) غائباً (وهو المستهدف)، والآخر يتضمن (دالاً حاضراً غير مستهدف).(3)

أو هي كما تعرفها كتب البلاغة هي أن تكون الكلمة بمعنيين فتريد أحدهما فتورّي عنه بالآخر.(4)

ص: 256


1- المصدر نفسه : 101.
2- انظر الإسلام والأدب : 187.
3- المصدر نفسه : 187
4- البديع في البديع في نقد الشعر : أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ تح عبد أ. علي مهنا، دار الكتب العلمية - بيروت ط 1 ، (1407 ه - 1987م): 97 .

وهذا يتمثل في قول أبي المجد (من البحر الوافر):

سبقتهم إلى العلياء طُرّاً***فلا عجب فأنت ابن الجوادِ (1)

فالمعنى الظاهر من هذا البيت أن الممدوح ورث المجد من أبيه لهذا سبق الآخرين إلى المعالي، أما المعنى البعيد فهو أن (الجواد) هو اسم والد الممدوح.

ولو دققنا النظر في المعنيين الذين أبانهما الشاعر لوجدنا أن أحدهما يدل على الآخر - في نظر الشاعر - لأن هذا الاسم (الجواد) يحمل صفته وهي (الجود) والكرم.

وهذا ما كان الشاعر أبو المجد النجفي الأصفهاني يؤمن به ويؤسس لنظريته ويدافع عنها، وهي جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى .(2)

إذن الشاعر حين يقصد التورية في رسم صوره فهو يريد إيصال أكثر من صورة للمتلقي، لكلّ صورة مداها في نفسه وخياله.

ومن هذا تكتسب الكلمة قوة هائلة لها إمكانية الإشعاع بأكثر من اتجاه في وقت واحد.

ومثل ذلك قوله (من البحر الطويل):

فأوقد برديّاً فقلت مداعباً***متى يصطلي المقرور يا صاح بالبردي (3)

وفي هذا الاستعمال معنيان أيضاً الأول إن شدة البرد لا ينفع معها الاصطلاء، واصطناع الدفء والمعنى الآخر هو أن هذا النبات (البردي) الذي بدأ رفيق الشاعر بإيقاده لا يجلب الدفء خصوصاً إن اسمه مشتق من البرد نفسه.

ص: 257


1- ديوان أبي المجد : 57.
2- انظر نصوص ورسائل من تراث أصفهان العلمي الخالد : 351 - 359.
3- ديوان أبي المجد : 57.

وكذلك في قوله (من البحر الطويل):

كتبت إليه الخط مستقرياً له***فأنعمَ فيه وهو أكرم من قرى (1)

فالمعنى الظاهري هو مدح القارئ لهذا (الخط) أو الرسالة فهو أكرم من يقرأ. أما المعنى البعيد إن الشاعر أرسل هذا المكتوب (مستقرياً) أي طالباً لحاجة فكان المقابل أكرم من يغيث الملهوف ويقري الضيف. ولا يتصادم المعنيان إذا أخذنا بكليهما في هذا البيت.

وقد يستعمل الشاعر التورية بطبيعتها المعروفة فيقصد بها أحد المعنيين (القريب - والبعيد) أو البعيد غالباً، لأن اجتماع الصورتين يحدث تناقضاً في الذهن وتسليم إحداهما يلغي وجود الأخرى.

ومثل ذلك قول أبي المجد متغزّلاً (من مجزوء الكامل):

جاهدت في دين الغرام***وقد فتحت اليوم ثغرا(2)

فالمعنى القريب هو ما تدل عليه كلمة الجهاد حتى فتح الثغور(3) من مواقع الأعداء وهو المستبعد لوجود قرينة تمنع من ذلك وتدل أن المراد هو المعنى البعيد وهي قوله (دين الغرام)، فالمعنى البعيد يتضمن حصول الشاعر على مبتغاه من ثغر الحبيب، ولا يمكن الجمع بين المعنيين هنا للبعد بينهما ولوجود القرينة المانعة ذلك.

ومثله قوله (من البحر الطويل):

أصدقه في وعده وهو كاذب***ويخلفُ في ميعاده وهو صادقُ (4)

والمعنى القريب هو أن المقصود يكذب في ميعاده وهو متصف

ص: 258


1- المصدر نفسه : 86.
2- ديوان أبي المجد : 72.
3- الثغور: جمع ثغر : وهو موضع المخافة من فروج البلدان انظر مختار الصحاح : 84.
4- ديوان أبي المجد: 103

بالصدق وهذا أمر مستحيل أما المعنى البعيد وهو المقصود أنه يكذب في وعده واسمه (صادق) وهو المراد الفعلي من البيت.

ومن هذا يتبين طريقة الشاعر في استعمال الأساليب البلاغية في رسم صوره الحسيّة والذهنية على حد سواء.

ص: 259

ص: 260

الفصل الرابع :الموسيقى

مدخل

اشارة

عرّف قدامة بن جعفر الشعر بأنه قول موزون مقفى يدل على معنى (1)وبالرغم من الاعتراض على هذا التعريف لأنه يسوي بين الشعر ونقيضه وهو العلم الذي قد تصاغ نظرياته موزونة مقفاة وهي تحمل معنى أيضاً (2)، إلّا أن علماء العربية كانوا لا يرون في الشعر أمراً جديداً يميزه عن النثر إلا ما يشتمل عليه من الأوزان والقوافي .(3)

فالوزن شرط أساس في الشعر العربي عند أغلب علماء الشعر والنقد القدماء ومعظم المحدثين والمراد بالوزن هنا أن يجيء الشعر على نظام الأوزان العربية المعروفة .(4)

وهذا الرأي لم يأتِ اعتباطاً، لأن «درب الشعر يلتقي مع درب الموسيقى، فالموسيقى تعبير مباشر عن إرادة الحياة فالشاعر عندما يعيش تجربته ويقع تحت تأثيرها تنصهر نفسه الحدث وتلتحم بالتجربة،

ص: 261


1- نقد الشعر : 15 .
2- انظر من قضايا الشعر والنثر في النقد العربي القديم: 13.
3- انظر موسيقى الشعر: د. إبراهيم أنيس مكتبة الأنجلو المصرية (1972م): 14.
4- انظر: القصيدة العربية بين التطور والتجديد : 13.

فيحاول أن يخلق نوعاً من التوافق النفسي بينه وبين العالم الخارجي عن طريق التوقيع الموسيقي».(1)

وليس خافياً أن الشعر الجاهلي ولد نشيداً، مسموعاً وليس مقروءاً، غناء وليس كتابةً وكان الصوت في هذا الشعر بمثابة النسيم الحي، فهو ينقل الكلام وما يعجز عن نقله الكلا نقله الكلام .(2)

فالصوت والمعنى يأتلفان معاً كأنهما مركب عضوي، لأن الصوت في حد ذاته يحمل معنى .(3)

فللموسيقى خاصية تكمن في أنغامها التي تنساب بألحان ذات دلالة توقظ إحساس المتلقي، وتخلق لديه ملامح عالم النص، وتشعره بالمتعة الفنية التي يتذوقها من خلال تجاوب النغم مع الفكرة وما لذلك من تأثيرات داخلية .(4)

لذا وضع الشاعر نصب عينيه الجانب الصوتي في بنية القصيدة ممثلاً لذلك بوسائل عديدة كالوزن وأنماط الحروف الصوتية المتعاقبة وعن طريق الجناس والتقسيم والقافية والإيقاع، فالأصوات غنية بالقيم الترابطية والتعبيرية التي يستطيع الفنان استغلالها .(5)

فالحديث عن الموسيقى في شعر أبي المجد النجفي الأصفهاني سيأخذ طريقين في البحث :

الأول الموسيقى الخارجية: وتتمثل في دراسة الوزن والقافية في شعر أبي المجد.

ص: 262


1- عضوية الموسيقى في النص الشعري د. عبد الفتاح صالح نافع مكتبة المنار - الأردن ط 1 ، (1405ه - 1985م): 16.
2- انظر: الشعرية العربية : 5 .
3- انظر عضوية الموسيقى في النص الشعري : 17 .
4- انظر: عناصر الإبداع الفني في شعر أحمد مطر : 303.
5- انظر: البناء الفني في شعر الهذليين : 315.

الثانية الموسيقى الداخلية: وتتمثل في جرس الألفاظ وتأليفها عبر الاستعمالات البديعية.

1 - الموسيقى الخارجية

أ - الوزن

يُعد الوزن في الشعر من أهم مقوماته وأولاها به خصوصية، لما له من قدرة على إثارة الانفعال وإحداث التخييل المناسب(1)، ويبدو هذا الأثر واضحاً من خلال الأداء وقوة الأسلوب أو ضعفه وفي تركيب العبارة وإيقاعها، فهو يشكل الجانب الظاهري من الإيقاع الموسيقي .(2)

وكل بحر في الوزن الشعري يُعد «مجموعة من العلاقات الزمنية الثابتة التي تجمع بين أصوات مختلفة في مجموعات متباينة».(3)

وهذا التوالي هو الذي سهل حفظ الشعر وإنشاده لما فيه من انسجام المقاطع بحيث تخضع لنظام خاص في هذا التوالي الذي ينظم تركيبها .(4)

«فإذا بدت القصيدة بصورة ما من صور الوزن استقرت فيها وأصبحت أساساً لجميع النغم الذي يتلوها حيث لا يسمح أبداً للشاعر أن ينتقل من وزن لآخر في القصيدة الواحدة كما إن الأبيات تتصل ببعضها اتصالاً وثيقاً مترابطاً في توازن نغمي دقيق يطرد إلى نهاية يستقر فيها النغم وهي القافية» .(5)

ص: 263


1- انظر الأسس النفسيّة لأساليب البلاغة العربية : د. مجيد عبد الحميد ناجي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت - لبنان ط 1 ، (1404 ه - 1984م): 56 .
2- انظر : شعر عبد الحسين محيي الدين (دراسة وجمع وتحقيق): محمد حسن كاظم باقي محيي الدین رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الاداب - جامعة الكوفة (1420ه - 1999م): 96.
3- نظرية البنائية في النقد الأدبي: 71.
4- انظر : موسيقى الشعر : 12 - 13.
5- عضوية الموسيقى في النص الشعري: 67.

ولذا صار الوزن عنصراً مهماً من عناصر الشعر ودعامة من دعائمه ، كما عُد البيت الشعري الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية .(1)

فالوزن ينظم الخصائص الصوتية في اللغة وهو يضبط الإيقاع ويقربه من التساوي في الزمن ومن ثمَّ يبسط الصلة بين أطول المقاطع الهجائية ويبطئ التوقيت ويطول أحرف المد بغية عرض لون الطبقة الصوتية أو النغمة الممدودة (2)«فالوزن الشعري ليس إلا قسماً من الإيقاع والإيقاع عبارة عن نسب زمنية» .(3)

وذهب بعض النقاد القدماء والمحدثين إلى الربط بين الوزن والقافية وبين الموضوع الشعري ثم بينهما وبين الطبيعة البشرية .(4)

فغالباً ما تكون الأوزان تابعة للحالة الانفعالية للشاعر ودرجة توتره النفسي حين العملية الإبداعية، فإذا كان توتر الشاعر معتدلاً وحالته الشعورية متزنة فإن شعره في الغالب يأتي على البحور الطويلة إذ تنساب العاطفة مع مع إيقاعها انسياباً، أما إذا كان توتر الشاعر النفسي حاداً فإن ذبذبات حركته الشعورية المتأججة تكون أكثر انسجاماً مع البحور الشعرية ذات الإيقاع القصير السريع .(5)

وقد ظل أبو المجد النجفي أميناً على النظام الموسيقي للقصيدة العربية في إطارها العام ومن إحصاء قصائد وبحور الشاعر في ديوانه تبين ما يأتي:

ص: 264


1- انظر من قضايا الشعر والنثر : 69.
2- انظر نظرية الأدب : 225.
3- موسيقى الشعر العربي ( مشروع دراسة علمية) : د. شكري محمد عياد، دار المعرفة - القاهرة ط1 ، (1968م): 36.
4- انظر: عضوية الموسيقى في النص الشعري: 69.
5- انظر الأسس النفسيّة لأساليب البلاغة العربية : 59

جدول إحصائي للاوزان المستخدمة في دیوان أبي المجد

الصورة

ص: 265

وقد تصدّر البحر الطويل قصائد الديوان مما يدل على ذوق الشاعر الذي تابع الأقدمين في شعرهم، «فهو بحر كَثُر النظم فيه وقيلت على وزنه القصائد الطوال» .(1)

وهو من الأعاريض الفخمة الرصينة التي تصلح للجدّ، وله بهاء وقوة، وهو من البحور ذات المقاطع الكثيرة (2)، وليس في الشعر ما يبلغ عدد حروفه ثمانية وأربعين حرفاً غيره .(3)

وقد استعمله الشاعر في قصائد المدح غالباً وفي الأخوانيات أحياناً، ومن قصائده الطوال في هذا الموضوع قصيدته التي مدح فيها صديقه الشيخ مصطفى التبريزي التي يبلغ عدد أبياتها (50) خمسين بيتاً ومطلعها :

إذا شئتما أن تطلبا في الهوى ذحلي***فعند العيون الخوص لا الأعين النُجلِ (4)

وما نلاحظه أيضاً كثرة المقطعات على هذا البحر في شعر أبي المجد لأنه إنما أراد بنظم البيت أو البيتين إيصال فكرة مختصرة ومحددة بإطار معين وبرؤية الشاعر نفسه والبحر الطويل بما له من مقاطع صوتية كثيرة فهو أصلح الأوزان لحمل هذه الأفكار.

ويتلوه في الصدارة البحر الكامل وهو من البحور الطويلة وله جزالة وحسن إطراد(5) ، وسمي كاملاً لتكامل حركاته (6)، وقد استعمل الشاعر

ص: 266


1- موسيقى الشعر وعلم العروض : يوسف أبو العدوس الأهلية للنشر والتوزيع ؛ عمان - الأردن ط1، (1999م): 95.
2- انظر عضوية الموسيقى في النص الشعري: 70.
3- موسيقى الشعر وعلم العروض : 95.
4- دیوان أبي المجد: 111.
5- الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية : 58.
6- موسيقى الشعر وعلم العروض : 80.

لأغراض جادة أيضاً منها قصيدته في مدح الشيخ هادي آل كاشف الغطاء ومطلعها :

هبَّ النَّسيم من الحمى عَطِرا***فعسی نُحمّلُ منكم خبرا (1)

وقد استعمل أبو المجد مجزوء الكامل في مقطعاته غير مرة كمثل قوله :

أهدت إليَّ فلانة***منّاً يفوق على الضَرَبْ

بدوائر من فضة***تبغي كراةً من ذهب (2)

فنراه هنا قد استعمل البحر في موضوعة المداعبة والملاطفة.

كما تقدم البحر السريع على البحر البسيط في عدد الأبيات لكثرة المقطعات التي نظمها الشاعر فيه وربما كان ذلك «لسرعته في الذوق والتقطيع»(3)، وللشاعر فيه قصيدة غزلية بلغ عدد أبياتها (35) خمسة وثلاثين بيتاً، كما لم يستعمل الشاعر هذا البحر لأغراض جادة ومطلع غزليته قوله :

ما لنجوم الليل لا تسري***هل ليل من يهوى بلا فجر (4)

كما استعمل الشاعر البحر البسيط في قصائده الجادة ومقطعاته لما له من صفات البحور الطويلة ومن بساطة وطلاوة (5)، فكتب عليه الشاعر قصيدته التي قرّض بها ديوان الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (قدس سره) فقال:

قد أسكرتني وليس السكر من أربي***بناتُ فكرِ حسين لا ابنة العنب (6)

ص: 267


1- ديوان أبي المجد : 63.
2- المصدر نفسه : 42 .
3- موسيقى الشعر وعلم العروض: 122.
4- ديوان أبي المجد: 69.
5- انظر: عضوية الموسيقى في النص الشعري : 70.
6- ديوان أبي المجد: 34.

ويتلوه بحر الوافر وهو من البحور الجميلة ذات الإيقاع الغنائي الذي ينساب في الأسماع ويأتلف في الأذواق(1)، كما يشعرنا هذا البحر بالحماسة والاحتدام الشيوع المقاطع القصيرة فيه (2)ولا ريب أن هذا الشعور يأتي متلائماً مع إحساس الشاعر كما نلحظ ذلك في قصيدته التي عرّض بها ببعض عمومته ومطلعها :

أينفعني بمن أهوى اجتماع***إذا قلبي له هم شعاعُ (3)

إذ نستشعر في هذه القصيدة تدفق العاطفة واحتدامها مع حرکات

البحر الوافر ومشاعر الشاعر.

وقد استعمل الشاعر (مخلع البسيط) وموسيقى هذا الوزن بسيطة فطرية، وفيه نوع من اضطراب وحَجَلان بين الخفة والثقل وهو نغم بداوة يصلح للشدو وما إليه (4)، ولهذا فقد استعمله الشاعر في اشهر قصائده (التنصر) التي كتبها مهنيئاً بعرس.

ونرى أن استعمال هذا البحر في هذه القصيدة من أهم أسباب نجاحها لملاءمتها للغرض وتمثيلها لنغمة السرور والفرح في قوله :

قلبي بشرع الهوى تنصّر***شوقاً إلى خصره المزنّر (5)

أما استعماله لبحر الرمل فقد زاد فيه عدد المقطعات على عدد أبيات القصائد وربما كان ذلك لنغمة الرمل الخفيفة جداً، وتفعيلاته المرنة

ص: 268


1- العروض تهذيبه وإعادة تدوينه : الشيخ جلال الحنفي؛ مطبعة العاني - بغداد (1398ه - 1978م): 428.
2- انظر موسيقى الشعر العربي : 76.
3- ديوان أبي المجد : 95.
4- انظر المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها : د. عبد الله الطيب المجذوب؛ مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر: 109/1 - 110.
5- ديوان أبي المجد: 76.

للغاية (1)، فهو من البحور ذات الصفة الرجزية الغنائية (2)، وهذا غير مناسب لقصائد الشاعر الطوال لأنها غالباً ما قيلت في مناسبات جادة، أما قصائده القصار أو مقطعاته فقد لاءمها البحر كثيراً خصوصاً في قوله وهو يزف خبر ارتفاع الوباء عن النجف الأشرف بقوله :

بلغوا عني الإمام المرتضى***من به قدر العلوم ارتفعا

يا لك البشرى فما نحذره***بأبي السبطين عنا رفعا (3)

أما استعماله للأبحر الشعرية الأخرى فلم يتنوع في الديوان بل قلّ كثيراً بين قصيدة واحدة أو عدة مقطعات قصيرة.

ب - القافية

«هي ما يتعين بها شكل التفعيلة الأخيرة في نهاية أبيات القصيدة» (4)وقد حددها الخليل بأنها «الساكنان الآخران من البيت وما بينهما مع حركة ما قبل الساكن الأول منهما» .(5)

والقافية ظاهرة بالغة التعقيد فلها وظيفتها الخاصة في التطريب كإعادة أو (ما يشبه الإعادة) للأصوات، أما من الناحية الجمالية فترجع أهميتها إلى وظيفتها الوزنية باعتبار أن القافية تشير إلى ختام بيت الشعر، وما يفوق ذلك أهمية إن للقافية معنى وإنها بذلك عميقة التشابك مع السمة العامة للعمل الشعري(6) ، وتحليل القافية يؤدي إلى التعرف على الوحدات الصرفية والنحوية المكونة لها ومدى اتفاقها أو اختلافها في ما بينها، ومهما يكن فإن جمال القافية يكمن في تشابه الصوت واختلاف المعنى

ص: 269


1- المرشد إلى فهم أشعار العرب: 124/1.
2- العروض تهذيبه وإعادة تدوينه : 365.
3- ديوان أبي المجد : 94 .
4- العروض تهذيبه وإعادة تدوينه : 31.
5- القوافي : أبو يعلى التنوخي ؛ موقع الوراق - المكتبة الشاملة (قرص مضغوط).
6- انظر نظرية الأدب : 208

فالقافية نموذج مركّز مكلّف للغة الشعر كلها التي تعتمد أساساً على التوازي في بنيتها العميقة .(1)

فضلاً عن ذلك فإن القافية بتكرار رويها ووقوعها في آخر البيت تتيح للقارئ فسحة من الصمت تتجاوب فيه القافية في ذاكرته فتكون أعلق بالحافظة وأشدّ أثراً من سواها من كلمات البيت فيتردد صداها في الذهن إن كان كريهاً أو حسناً .(2)

لذا فقد اشترط النقاد القدماء للقوافي صفات موسيقية كعذوبة الحرف وسلاسة المخرج .(3)

لأن الوزن الشعري لا يستطيع أن يؤدي وظيفته إلا بحدوث نوع من الانسجام الصوتي بين جميع أجزاء الإيقاع في القصيدة كلها، بحيث لو اختل جزء منه أدّى ذلك إلى اختلال الوزن وانكساره، فهي تتحكم في ضبط الإيقاع واتزانه فهي تُعد ضابط الإيقاع في البيت والقصيدة كلها كذلك .(4)

وما يهمنا في القافية هو حرف الإيقاع هو حرف الروي، الذي أشار إليه الدكتور إبراهيم أنيس بقوله : «اقل ما يمكن أن يراعى تكراره، وما يجب أن يشترك في كل قوافي القصيدة، ذلك الصوت الذي تبنى عليه الأبيات.. فلا يكون الشعر مقفى إلا بأن يشتمل على ذلك الصوت المكرر في أواخر الأبيات» (5)وإن القصائد تنسب إليه فيقال قصيدة دالية أو لامية...، فضلاً عن حركة الروي التي تأتي فتحدد نوع القافية من حيث الإطلاق والتقييد.

ص: 270


1- انظر: نظرية البنائية في النقد الأدبي : 391
2- انظر عضوية الموسيقى في النص الشعري : 76.
3- انظر: البناء الفني في شعر الهذليين : 321.
4- انظر من قضايا الشعر والنثر في النقد العربي القديم : 78.
5- موسيقى الشعر : 247.

الصورة

ص: 271

نلحظ من الجدول السابق أن الشاعر استعمل القوافي الذلل «الراء، ،والنون ،واللام والميم، والباء» (1)وبنسب متفاوتة، إذ أخذ الصدارة حرف الراء) فبلغ مجموع الأبيات المقفاة به (318) بيتاً.

ثم تلته حروف الدال ، والنون واللام وبعدها حرف (الباء) وبلغ مجموع أبياتها مجتمعة (495) بيتاً، ففاقت بذلك نسب الحروف الأخرى، فهي عموماً من الأحرف التي يكثر ورودها في الشعر العربي(2) ومنها قوله :

إذا مشكلة شکلة عنّت***وأعيى حملها فكري

توکَلت على الله***وفرضت له أمري(3)

وقوله من حرف الدال:

سلبت مني كبدي بنظرة***وكيف يرجو العيش مسلوب الكبد

ففي سبيل الحب مني مهجةً***أتلفتها يا ريم وجداً وكمد(4)

فهذه القوافي سهلة المخارج كثيرة الأصول في الكلام من غير إسراف وروائعها كثيرة .(5)

ثم تلي هذه الحروف (العين والقاف والكاف) فوصل مجموع الأبيات التي ختمت بها (126) بيتاً وهي من القوافي المتوسطة الشيوع(6) ومنها قوله :

رويدك إن بعد العسر يسراً***وبعد الضيق للأمر اتّساعُ

ص: 272


1- انظر المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها : 44/1.
2- انظر موسيقى الشعر : 248.
3- ديوان أبي المجد : 85.
4- المصدر نفسه : 53
5- شعر السيد رضا الهندي دراسة في الموضوع والفن : 220.
6- انظر موسيقى الشعر : 248

أليس البدر تمحقه الليالي***فيبدو بعده وله شعاعُ (1)

أما (الكاف) فقد وضع العروضيّون شروطاً لاستعماله، وقد استعمله الشاعر ولم يخل بشروطه وهي أن تكون للخطاب وأن يلتزم الشاعر قبلها حرف مد أو حرفاً صحيحاً (2)، وقد التزم الشاعر بذلك كما في قوله وقد بعث هدية لصديقه:

إذا بعثت حقيراً مثل مُرسله***رجوت في العفو عن إرسالها كرمك

من الهدايا قد اخترت النعال لكي***ينوب عني في تقبيلها قدمك (3)

فقد التزم حرف الميم قبل حرف الروي (الكاف) وهو حرف صحيح و(الكاف) للخطاب.

فالشاعر يستعمل القوافي على أسس سليمة وهذا ينم عن عمق درايته وسلامة ذوقه ورهافة حسّه.

وهكذا تسلسلت القوافي حسب ما بينا في الجدول السابق والمهم أن الشاعر قد استعمل القوافي الذلل الشائعة الاستعمال، وتحاشي استعمال القوافي النفر التي يندر استعمالها عند شعراء العرب وهي: (الثاء والغين والشين والظاء والواو والخاء والصاد) .(4)

كما استعمل الشاعر حرف الهاء روياً لبعض مقطعاته الذي اشترط العروضيون لاستعماله أن يسبقه حرف مد (5)، فالتزم الشاعر بذلك فقال:

ص: 273


1- ديوان أبي المجد : 96
2- انظر : موسيقى الشعر : 251 - 252.
3- دیوان أبي المجد: 106.
4- انظر المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها : 92/1 - 93.
5- دیوان أبي المجد 146

تولّى أصبهان أمير جور***ولم يعزله إكثار الشكايه

فأظهر في الولاية كل جورٍ***إلهي لا تمته على الولايه

أما (السين والطاء والتاء والفاء والياء والجيم والضاد والحاء والزاي والهمزة والذال) فقد استعملها الشاعر استعمالاً ضئيلاً في مقطعات ونتف ولم تؤلف مجتمعة سوى (64) بيتاً من مجموع أبيات الديوان بأكمله.

وهذا يدل على فطنة الشاعر ووعيه العروضي وتوظيف موسيقاه بما يلائم أغراضه وشعوره.

ولقد قسم العروضيون القوافي على قسمين مطلقة ومقيدة، ولكل منها سماته فالمقيد ما كان حرف رويه ساكناً والمطلق ما كان حرف رویه متحركاً .(1)

ومن ملاحظة الجدول السابق نجد أن عدد الأبيات ذات القافية المطلقة (820) بيتاً ، أما الأبيات ذات القوافي المقيدة فيبلغ عددها (195) بيتاً ، والفرق كبير جداً كما يبدو. وذلك لأن القوافي المقيدة قليلة في الشعر العربي عموماً .(2)

وتتصدر الحركات في القوافي المطلقة (الكسرة) وهي من الحركات التي تُشعر ب__(الرقة واللين) (3)، وربما كان هذا من أسباب النظرة إلى أبي المجد على أنه شاعر رقيق فشعراء الرقة يميلون إلى استعمال الكسر لما فيه من لين وانكسار يلائم العواطف الرقيقة المنكسرة (4)كاستعماله في غرض الرثاء عند قوله :

أفديه من وارد حياض ردی***على ظماً للفرات لم يرد

ص: 274


1- انظر موسيقى الشعر: 260.
2- انظر موسيقى الشعر: 260.
3- المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها : 71/1.
4- عضوية الموسيقى في النص الشعري : 77.

أصيب في قلبه بأسهمهم***مذ قالت القوس خذه من كبدي

أيا مطايا الآمال واخدة***قفي وبعد الحسين لا تَخِدي (1)

كما استعمل حركة (الكسر) في قوافي الأغراض القريبة إلى الحزن كالنسيب ومنه قوله :

أما لشرع الحب من حاكمِ***ينصفني من طرفه الظالم (2)

وتلي الكسرة في كثرة الاستعمال (الفتحة) التي بلغ عدد الأبيات ذات الروي المفتوح (283) بيتاً، والفتحة من أخف الحركات، وعادة ما تأتي في القوافي مشبعة ممدودة مما يفيد القافية تأكيداً، والإطلاق كالصياح لأنه ألف ممدودة طويلة ومخرجها من أقصى الحلق»(3). ومنه قوله متخلصاً:

إني إذا شببتُ في كَلِمي***شيخ لعهدِ شبابه ادّكرا

ما حرفتي نظم القريض وإن***فوفت من أبراده حبرا

وشكرت للهادي به نِعَماً***والحر إن ير نعمة شكرا (4)

أما حركة (الضم) فقد بلغ عدد الأبيات ذات الروي المضموم (108) بيتاً. وهي حركة تُشعر بالأبهة والفخامة»(5). ومن ذلك قوله مفتخراً :

فمن يشتري مني جميع فضائلي***فإني بأنحاء العلوم عليمُ

فقيه أصولي أديب مفسّر***طبيب بصير بالنجوم حكيم (6)

ص: 275


1- ديوان أبي المجد : 52.
2- المصدر نفسه: 121.
3- المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها : 71/1.
4- ديوان أبي المجد: 66.
5- المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها : 71/1
6- ديوان أبي المجد: 123.

فلطالما استعمل الشعراء الروي المضمومة في أغراض المحاجات والمجادلات «فشعراء الفخامة يميلون إلى الضم ليناسب تحدياتهم وقوة شخصياتهم» (1)ولذا نجد إن حركة (الضمة) قد قلت عند أبي المجد لأنه كان قليلاً ما يطرق هذه الأغراض.

هذا وقد أثبت أبو المجد النجفي براعته في النظم من خلال حسن استعماله للأوزان المناسبة لأغراضه وكذلك لقوافيه ذات الجرس الموحي بإحساسه فأثبت بذلك قدرته الشعرية الأصيلة وصحة طبعه.

ص: 276


1- المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها : 71/1.

المبحث الثاني

2 - الموسيقى الداخلية

لا يكوّن الوزن والقافية موسيقى البيت الشعري بمفردهما إذ إن للألفاظ وجرس حروفها أثراً بالغاً في تكوين هذه الموسيقى، إذ يبرز اختيار الكلمات وترتيبها لتوافق اللحظة الشعورية.

وتتضافر جميع مكونات النص (الفكرة واللغة والصورة والموسيقى) لتنمو دلالته الإيحائية والشعورية في وجدان المتلقي. ويعمد الشاعر إلى أن تكون موسيقى ألفاظه حين يطرق المعنى العنيف غيرها في المعاني الهادئة الرقيقة وعلى هذا قسم بعض الباحثين الحروف على صنفين أحدهما ينسجم مع المعنى الرقيق والآخر مع المعنى العنيف كل حسب صفاته ووقعه في الآذان .(1)

فقول أبي المجد :

إني ذكرتك والأنهار جاريةٌ***والورق صادحة فوق الأفانين

والروض يختال زهواً في غلائله***منمنماً بين جوريِّ ونسرين (2)

فلا شك أن النغمة الهادئة التي تنقلها هذه الأبيات لم يسببها المعنى بمفرده بل يعود ذلك إلى سلاسة الحروف المستعملة ورقتها ومنها (النون،

ص: 277


1- انظر موسيقى الشعر : 43.
2- دیوان أبي المجد: 143.

اللام ،التاء ،الفاء الميم الباء) وهي من الحروف الذلاقة التي يسهل النطق بها .(1)

وقد اتخذ الشاعر محمد رضا النجفي سبيل المحسنات البديعية وبرع في اختيار ألفاظه وحروفه وطريقة نظمها :

ومن الأساليب التي استعملها:

1 - الجناس

وهو: أن تكون اللفظة واحدة باختلاف المعنى .(2)وهو من أهم مظاهر التنويع الموسيقي.

ولم يكثر الجناس في شعر أبي المجد فحسب بل كان ذلك دأب شعراء عصره، حيث أصبح الجناس مطلباً مهماً وغرضاً يتقضاه الشعراء قياساً لبراعتهم .(3)

وينقسم الجناس إلى نوعين : تام وغير تام(4)ومن استعمالات أبي المجد للجناس التام قوله (من البحر الوافر):

ولم يخشوا لمكرمة ضياعاً***إذا حفظت لهم تلك الضياعُ (5)

إذ جانس بين لفظتي (ضياعاً) التي تعني فقدان الشيء وبين (الضياع) وهي البساتين. ويسمى هذا القسم من الجناس التام بالمستوفي .(6)

ص: 278


1- انظر الأسس النفسيّة لأساليب البلاغة العربية : 52.
2- العمدة في محاسن الشعر وآدابه : 106/1 (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).
3- انظر: تطور الشعر العربي في العراق: 78.
4- انظر: البليغ في المعاني والبيان والبديع : الشيخ أحمد أمين الشيرازي؛ مؤسسة النشر الإسلامي - إيران ط1، (1422ه): 282.
5- ديوان أبي المجد : 95.
6- المستوفي هو ما كان اللفظان من نوعين كاسم وفعل. (انظر: البليغ في المعاني والبيان والبديع : 283).

وقوله من (مخلّع البسيط) وهو من الجناس التام المتماثل(1):

عناي منه ومن عذولي***يهجرهذا وذاك يهجر (2)

إذ جانس بين لفظتي (يهجر) التي تعني البعد والجفاء، وبين (يهجر) التي تعني الهذيان أو الكلام الذي لا معنى له.

وكذلك قوله (من البحر السريع)، وهو من الجناس المحرف.(3)

كم مدّع للحجر أولى بأن***في ماله يحكم بالحَجرِ (4)

والجناس هنا بين لفظتي (الحِجر) و(الحَجْرِ) والأولى بمعنى العقل أما الثانية فتعني سلب المالك شرعية التصرف في أمواله لقصور في مقدرته الذهنية.

ومن جناساته قوله (من البحر البسيط): وهو من الجناس المضارع(5)

لا تعجبوا منه إن ساد الأنام فقد***صبا إلى طلب العلياء وهو صبي (6)

فالجناس بين لفظتي (صبا) وهي من الصبوة أو الرغبة في الشيء و(صبي) وهو الولد الصغير ومثله قوله (من البحر المنسرح) وهو من الجناس التام :

ص: 279


1- المتماثل من أقسام الجناس التام وهو ما كان اللفظان من نوع واحد كاسمين أو فعلين او حرفين. انظر: المصدر نفسه : 283.
2- ديوان أبي المجد : 78.
3- الجناس المحرف من أقسام الجناس غير التام وهو اختلاف اللفظين في هيئة الحروف فقط واشتراكهما في النوع والعدد والترتيب (البليغ في المعاني والبيان والبديع : 285).
4- ديوان أبي المجد: 70.
5- الجناس المضارع واللاحق وهو اختلاف في اللفظتين في أنواع الحروف واشتراكهما في الهيئة والعدد والترتيب بشرط كون الاختلاف بحرفٍ واحد لا أكثر وإلا لبعد بينهما التشابه ولم يبق التجانس (البليغ في المعاني والبيان والبديع : 285).
6- ديوان أبي المجد: 31.

أو قال للعذب لا ترد أبداً***وحبه لم أرد ولم أرُدٍ(1)

ف__(أرد) الأولى تعني شرب الماء، والثانية هي صيغة للفعل (أريد) عندما دخلت عليه أداة الجزم (لم).

ومن القصيدة نفسها قوله:

فإن يكن قد قتلت فهو يدي***وإن يكن قد قتلت فهو يدي (2)

والجناس هنا لا ينحصر في لفظة واحدة بل هو بين الشطر الأول والثاني ولو فككنا ألفاظ البيتين (موضع الشاهد) نقول إن الجناس بين (قتلت وقُتلت) فالأول مبني للمعلوم فاعله محذوف تقديره (أنا) والثاني مبني للمجهول، وهذا الجناس من أقسام الجناس غير التام وهو ما يسمى بالجناس اللاحق

وكذلك بين قوله (فهو يدي وفهو يدي) فالأولى تعني أنه يبطش ويقتل بيد الله أي بقدرته فهو مشتق من كلمة (يد)، أما العبارة الثانية فمشتقة من (الدِّيَة) وهي ما يعطى لأهل القتيل حقناً لدم قاتله، وهو من الجناس التام.

وفي هذه الأمثلة وما سواها في الديوان برهان على براعة الشاعر الألفاظ ومعانيها، ومع ذلك فلا يبدو عليه في تجنيسه ومواءمته بين التكلف والتعنت بل السلاسة والوضوح في أغلبها.

وكما أغنى الجناس الجانب المعنوي في شعر أبي المجد فقد أغنى الجانب الموسيقى بشكل كبير فقد أضاف تزاوجاً نغمياً من خلال تكرار حروف وصيغ معينة في النص تؤدي معاني مختلفة وتشكل جرساً ثنائياً حسناً .

ص: 280


1- ديوان أبي المجد: 51.
2- المصدر نفسه : 51.

2 - التكرار

وهو أن يكرر المتكلم اللفظة الواحدة لتأكيد الوصف أو المدح أو الذم أو التهويل أو الوعيد .(1)

وللتكرار مواضع يحسن فيها ومواضع يقبح فيها، وأكثر ما يقع في الألفاظ دون المعاني .(2)

ولقد برزت ظاهرة التكرار اللغوي بشكل واضح وأخذت عدة مظاهر للحضور، فللتكرار فضلاً عن تأثيراته الإيقاعية الخطابية يرمي إلى تقوية المعنى ووضوحه .(3)

وللتكرار عدة أساليب منها:

تكرار الحروف

ومثله قول أبي المجد

من المسمط الخماسي:

أفديه غصناً نظيراً***يقل وجهاً اً غريرا

يريك براً منيراً***من صدغه تحت غيهب

فقسه بالبدر إن تم.(4)

فقد كرر حرف (الغين) أربع مرات علماً أن هذا الحرف من الحروف التي يقل استعمالها في اللغة وكذلك كرر حرف الراء ست مرات فأضاف للقطعة رنيناً موسيقياً خاصاً أحدثه وجود هذا الصوت.

ص: 281


1- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر : ابن أبي الأصبع : 74/10. (موقع الوراق - المكتبة الشاملة، قرص مضغوط).
2- العمدة في محاسن الشعر وآدابه : 134/1 (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).
3- انظر المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها : 73/2.
4- ديوان أبي المجد 28. :

وقوله مكرراً حرف (الكاف) من البحر الخفيف:

أيها الخال دع طريق العناد***واتركن أكل اسود كالمدادِ (1)

فتكرار حرف (الكاف) في الشطر الثاني أوجد ثقلاً موسيقياً نتج عن ثقل النطق بالحرف المكرر وإن كان بين الحروف المكررة فاصلة بسيطة.

وكذلك قوله (من البحر الخفيف):

إن قطعي لو كان قطعاً قليلاً***للقلا حجّة تريني المحجة

لكن اليوم حين أكثرت قطعي***لا أبالي وإن يكن ألف حجّة

أوَ ما قال جدّنا قبل هذا***إن قطع القطاع ليس بحجّة (2)

فقد كرر حرف (القاف) ثماني مرات في هذه القطعة تأكيداً منه على معنى القطيعة فهو قادر - لو أراد - استبدال هذه الكلمات بأخرى ترادفها في المعنى إلا أنه فضلها وفضل جرس القاف فيها.

ومثله أيضاً من البحر الطويل :

أجدّكما .. لا تنسياني فإنني***ذكر تكما لما نسيت سواكما

ولست كمن يهوى وفي المال كثرةً***ومالكما إن قلّ يوماً قلاكما (3)

فهو قد كرر حرف (الكاف) تأكيداً على الخطابية في قوله فهو يخاطب شخصين معينين يريد منهما الإيمان بكلامه.

- تكرار لفظ

ومن أساليب التكرار أيضاً تكرار لفظ بعينه وهذا كثير في شعر أبي المجد، أكثر من تكرار الحروف لأن كثرة تكرار الحروف أمر غير مستحسن في غالب الأحيان.

ص: 282


1- المصدر نفسه : 60.
2- المصدر نفسه : 47 - 48
3- المصدر نفسه : 106.

ومن أمثلة ذلك في شعر أبي المجد قوله (من بحر الرمل):

جاءه مستشفعاً شیعته***وهو في شيعته قد شفعا (1)

فالمكرر هنا لفظ (شيعته) للدلالة على عمق الصلة بين أمير المؤمنين علیه السلام وشيعته وتأكيد هذه الرابطة الروحية العميقة، ومما يمكن أن يدرج تحت هذا العنوان في البيت نفسه فعلي (الشفاعة): (مستشفعاً وشفعاً) للإيماء للفعل ورد الفعل في هذه الحال، وعملية الدعاء واستجابة الدعاء ودور التوسل بأئمة أهل البيت علیهم السلام وتشفيعهم في الإجابة.

ومثله قوله (من مجزوء الكامل):

يا بن الاولى ورثوا العلى***عن كابر من بعد كابر (2)

فتکراره لكلمة ( كابر) تدل أن المخاطب من أسرة كريمة عريقة الأمجاد وقديمة في الشرف والوجاهة.

ومثله أيضاً قوله (من البحر المنسرح):

ضاع بها القلب وهي آهلةٌ***وضاع مذ أقفرت بها جَلَدي (3)

فتكراره لكلمة (ضياع) تأكيد عليها، خصوصاً وهي بصيغة الفعل الماضي فهي تشرح ما يشعر به المتكلم من ضياع وفقدان السبل.

ومثله قوله (من بحر السريع):

وسنانه طول الدّجى نائم***ويلي على وسنانه النائم (4)

وفي هذا التكرار خرج الشاعر عن معنى التأكيد، فقد أراد إثبات معنى آخر مشار إليه من بعيد وهو ولعه بهذا الجفن المرتاح الذي ينام الليل كله.

ص: 283


1- ديوان أبي المجد: 94
2- المصدر نفسه : 84.
3- المصدر نفسه : 50.
4- المصدر نفسه : 122.

- تكرار صيغة

ومن أنواع التكرار أيضاً تكرار صياغة معينة كمثل قول أبي المجد (من البحر الوافر):

فمالهم إلى العلياء داع***ومالهمُ عن الفحشا ارتداعُ

ولا لعدوهم بهم ضرارٌ***ولا لصديقهم بهم انتفاعُ

فإن سمعوا بمنقبة أسرّوا***وإن سمعوا بمثلبة أذاعوا (1)

وهنا أحدث الشاعر تكراراً في صياغة معينة تبينت في قوله (فما لهم إلى العلياء وما لهم عن الفحشا) وقوله (ولا لعدوّهم وما لصديقهم وقوله فإن سمعوا بمنقبة، وإن سمعوا بمثلبة).

فالتكرار هنا جرّد المقصودين من كلّ أسباب الفضيلة والصفات الحسنة، فهم لا يبرعون في أي أمر جيد وبعكسه في الأمور السيئة.

وبهذه الصيغة المكررة خط الشاعر صفتين متضادتين وبصورة واضحة معتمداً على التكرار.

كما ليس يخفى ما للتكرار من قدرة على إضفاء موسيقى معينة على البيت تتكفل إيقاعه وصعود النغم وهبوطه بالأصوات التي يكررها.

3 - الطباق

وهو الجمع بين الشيء وضدّه، وهو على نوعين طباق إيجاب وطباق سلب (2)

ومن أمثلة طباق الإيجاب في شعر أبي المجد قوله (من البحر الطويل):

لعمرك لا أشكو جفاء الأجانب***إذا ما جفاني معشري وأقاربي (3)

ص: 284


1- المصدر نفسه : 95
2- انظر تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر : 8/1 (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).
3- دیوان أبي المجد 37

فطابق بين لفظتي الأجانب والأقارب مستفيداً من توازيهما الموسيقي الذي شكّل تصريعاً للبيت المذكور.

وقوله متغزّلاً( من بحر الرجز):

تسوّفُ الوعد إلى غدٍ ويا***ما أقرب الخُلف وما أبعد غذ(1)

كما طابق بين الفعلين (صدّقت، وكذبت) في قوله (من البحر الكامل):

صدقت أقوال الوشاة وكم***كذبت فيك السمع والبصرا (2)

وكذلك في قوله (من البحر الكامل):

وَرَد العلوم فخاض لجتها***وسواه دون وروده صَدَرا (3)

فطابق بين الفعلين ورد وصدر ليثبت لممدوحه فضيلة منفية عن سواه من الناس.

ومثله من الغزل قوله (من البحر السريع):

قوية الفتك بعشاقها***ضعيفة الميثاق والخصر (4)

فقد طابق الشاعر بين الصفتين (قوية وضعيفة) بأسلوب جميل اختزل معنى الجمال والصدود والهجران وإخلاف الوعد.

- طباق السلب

أما طباق السلب فقد برع فيه الشاعر أيضاً ومن أمثلته قوله (من البحر البسيط):

قد كان من قبلُ ذا صبر وذا جَلد***وأصبح اليوم لا صبر ولا جلد(5)

ص: 285


1- المصدر نفسه : 53
2- المصدر نفسه : 63.
3- المصدر نفسه : 68.
4- المصدر نفسه : 69.
5- ديوان أبي المجد : 56 .

والشاعر هنا حين طابق بين (صبر ولا صبر) و (جلد، ولا جلد) أفاد من الإيقاع الموسيقي الجميل الذي أحدثه بهذا التوالي إضافة إلى المعنى المدل على الحال بين الماضي والحاضر.

وكذلك قوله (من البحر البسيط):

وسوف تسري من الزوراء مرتحلاً***إلى الغري بعز غير مرتحل (1)

فقد طابق بين الحالين مرتحلاً وغير مرتحل)، واستغل التجانس الموسيقي هذا في تأدية المعنى.

ومثله قوله (من البحر الطويل) وهو يصف علاقته بصديقه:

فإني اصطفيت المصطفى لي صاحباً*** ولا أرضه أرضي ولا أهله أهلي (2)

وفي البيت طباقان متوالیان رسما موسیقی خاصة له جمعت بين البساطة والقوة في تدرج الشاعر بين (النفي ثم الإثبات ثم النفي ثم الإثبات) في قوله (ولا أرضه أرضي) وقوله (ولا أهله أهلي).

ومن هذه الأمثلة وسواها في الديوان نعرف أن الشاعر كان يقصد بتنميقه للألفاظ المعنى ثم جمالية الوقع والموسيقى دون عناء وتكلف.

4 - التصريع

وهو: أن يقصد لتصيير مقطع المصراع الأول في البيت الأول من القصيدة مثل قافيتها.

وربما يصرّع الشاعر أبياتاً أخرى من القصيدة بعد البيت الأول وذلك يكون من اقتدار الشاعر وسعة بحره .(3)

ص: 286


1- المصدر نفسه : 110.
2- المصدر نفسه : 114.
3- انظر نقد الشعر : 51 .

والتصريع في مطالع القصائد صفة موسيقية في القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي لتوفير جوّ موسيقي ونفسي عند المتلقي المتلقي(1)، وقد حرص الشاعر أبو المجد على افتتاح بعض قصائده بالتصريع ومنها قوله (من البحر السريع):

مالنجوم الليل لا تسري***هل ليل من يهوى بلا فجر (2)

وكذلك في قوله (من البحر الخفيف):

علوت في الفضل السها والسماك***وأنت بدر والمعالي سماك (3)

وهذا التصريع يفتح نوافذ واسعة للنص في التأثير على المتلقي بتكرار قرع جرس القافية.

ومثله قوله في مطلع قصيدة (من بحر الرمل):

شام برقاً بالحمى قد لاح وهناً*** فجرت أدمعه فرداً ومثنى(4)

وعودته للتصريع في القصيدة ذاتها فيقول

كيف تخشى قلة الأنصار أنّا*** من جفاه بأبي ناصر لذنا (5)

فهذه اللفتة الموسيقية التي اعتاد عليها الشعراء تفيد في شدّ المتلقي ولفت انتباهه إلى الشاعر وقصيدته، فيكون الاستهلال المصرع أشبه بالمقدمة الموسيقية للعمل الفني والتي تمهد وتهيئ الجو للملتقي للاستمتاع بالقصيدة.

وبالنسبة إلى أبي المجد فإن هذا أمر معتاد عليه في قصائده الطوال،

ص: 287


1- انظر: البناء الفني في شعر الهذليين: 327.
2- ديوان أبي المجد : 69.
3- المصدر نفسه : 105.
4- المصدر نفسه : 132.
5- المصدر نفسه : 133.

أما في قصائده المتوسطة الطول أو المقطعات فلم يلتزم الشاعر بالترصيع إلا ما جاء عفو الخاطر دون تصنع في خدمة الغرض.

ومن مقطعاته المصرّعة المطالع قوله (من البحر الطويل):

بديع جمال من بني الفرس زارني***كبدرٍ وغصن حين يبدو وينثني (1)

و ظاهر جداً أن التصريع هنا جاء عفواً من طبع الشاعر، لا عن صنعة.

وله من مقطوعة لم يوجد منها إلا هذا البيت (من البحر الكامل):

أقلام ياقوت كتبن بعنبر***في صفحة البلور خمسة أسطر (2)

ومنه أيضاً ما كتبه لإخوانه في العراق أوائل وروده إلى إيران وقد كتبوا له يسألونه عن حاله فأجاب : (من الرجز)

ما بين أمواج الزمان موقعة***يخفضه حيناً وحيناً يرفعه

لكنه مر الإباء أروعه***فلم یکن برق الأماني يطمعه (3)

وهنا البيتان مصرّعان مما جعل موسيقى القطعة مميزة ذات وقع خاص.

5 - الترصيع

وهو: أن يتوخى فيه تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع أو شبيه به، أو من جنس واحد في التصريف .(4)

ويكون الترصيع حسناً إذا اتفق في موضع أو موضعين من القصيدة، أما إذا كثر وتوالى فهو تكلف وتعسف.(5)

ص: 288


1- دیوان أبي المجد 143
2- المصدر نفسه : 86.
3- المصدر نفسه : 98
4- نقد الشعر : 38.
5- انظر: القافية والأصوات اللغوية د. محمد عوني عبد الرؤوف مكتبة الخانجي بمصر (1977م): 108.

ومنه قول الشيخ محمد رضا الأصفهاني (من البحر الطويل):

تقاسمك العليا فوجهك للسنا***وقلبك للتقوى وكفك للبذل (1)

ولأن حرف السجعة هو حرف الألف فإن الترصيع هنا غير واضح، فموسيقى البيت هادئة لا يعتورها شيء من حدة الترصيع.

ومثل ذلك قوله (من البحر الكامل):

أعلامها منك استوت وقد انطوت***ورياضها اخضرت وكانت يابسة (2)

فرضع البيت بقوله (استوت انطوت اخضرت) بأسلوب لطيف لا يظهر معه التعمل أو التكلف.

أما في قول الشاعر (من بحر الهزج):

حلبت الدهر شطريه***فمن عسر ومن یسر

وذقت الدهر طعمیه***فمن حلو ومن مر

وعمّرت وذرّفت***على الخمسين من عمري (3)

فقد رصع الشاعر ترصيعاً جزئياً فقد بدت هناك فجوة موسيقية بين الفاصلتين في البيت الأول والثاني بين ألفاظ (الدهر، عسر، يسر) وكذلك بين الدهر من حلو من مر ) وفي البيت الثالث كان الترصيع في الشطر الأول فقط في قوله (عمّرت وذرّفت) وهذا يدل أن الشاعر إنما أتى بالترصيع عفواً وفي خدمة المعنى، وهذا ما سارت عليه باقي الأمثلة في شعره .

ومثله قوله أيضاً (من البحر السريع):

زوّجتها منك فطلقتها***من بعد ما باشرتها مدّة (4)

ص: 289


1- دیوان أبي المجد: 115.
2- المصدر نفسه : 90
3- المصدر نفسه : 85
4- المصدر نفسه : 61.

فرصع الشاعر البيت بقوله (زوّجتها ،فطلقتها، باشرتها) ونلاحظ وجود فجوة موسيقية في الترصيع بين الشطر الأول والثاني، ولكن ذلك لم يخل بجمال البيت.

ومثل ذلك أيضاً قوله في المسمط الخماسي :

أفديه غصناً نضيراً***يقل وجها غرراً

يريك بدراً منيراً***من صدغه تحت غيهب

فقسه بالبدر إن تم (1)

فنرى الشاعر هنا رضع بتنوين الفتح في قوله (غصناً، نضيراً، وجهاً غريراً، بدراً منيراً) مما ناسب طبيعة المسمط الغنائية.

وفي كل هذه الامثله بدا الشاعر غير متعمداً لصناعة الترصيع بل كان ذلك من طبعه وما يناسب غرضه ومقصده.

6 - رد العجز على الصدر

هو موافقة آخر كلمة في البيت (القافية) كلمة وردت به سابقة لها (2)وينقسم على ثلاثة أنواع:

الأول : ما يوافق (كلمة القافية) آخر كلمة في النصف الأول منه. ومثاله قول أبي المجد (من مجزوء الكامل):

وسهام لحظ قد برت***جسدي وعهدي السهم يبرى (3)

وكذلك قوله (من البحر الكامل):

تجثو أمام مقيله زمراً***وتطوف حول مقيله زمرا (4)

ص: 290


1- ديوان أبي المجد: 128.
2- القافية والأصوات اللغوية : 114.
3- ديوان أبي المجد : 72.
4- المصدر نفسه : 68.

وقوله من القصيدة ذاتها:

وعزائم كالبرق يبصرها***الشاني فيرجع دونها البصرا(1)

وكذلك قوله:

هانت دموعي فيك مذ كثرت***ويقل قدر الشيء إن كثرا (2)

وقوله مادحاً (من بحر الرجز):

قد اعجز الأفكار في تحديدها***فخير حد أنها ليست تُحد (3)

وقوله من البحر المنسرح:

ولا يغرنك في اللقا زرَدٌ***فطالما قد هزأت بالزردِ (4)

القسم الثاني

ما يكون في حشو الكلام في صدر البيت وفي قافيته(5)ومثال ذلك قول أبي المجد (من البحر الطويل):

وإن أنتما ناديتما في ملمة***فهل أحدٌ غيري يجيب نداكما (6)

وقوله (من البحر الطويل) أيضاً:

إلى مَ بنار الخدّ تصلي حشاشتي***فهل لفمي يوماً بنيرانه تصلي (7)

ص: 291


1- المصدر نفسه : 67.
2- المصدر نفسه : 63.
3- المصدر نفسه : 55.
4- المصدر نفسه : 52.
5- انظر : القافية والأصوات اللغوية : 114.
6- ديوان أبي المجد: 106.
7- المصدر نفسه: 112

وقوله من القصيدة ذاتها:

ولو شئت في نعلي صفعت قذاله***ولكنني كرّمت عن مثله نعلي (1)

وقوله (من البحر الكامل):

قمر السماء معدّل بثلاثة***ومعدل قمري بلا تعديل (2)

وقوله (من البحر الكامل):

فقطيعة الأخوال كالأعمام يا***ما أشبه الأخوال بالأعمام (3)

ومثله قوله متغزلاً (من البحر السريع):

كيف اللآلئ نظمت فيك لم***تثقب ولا لاقت يدي ناظم(4)

القسم الثالث

ما يوافق أول كلمة من البيت آخر كلمة فيه(5) والأمثلة في ديوان أبي المجد كثيرة نذكر منها قوله (من البحر البسيط):

طلبت نیل عُلا أهليك مجتهداً***فنلت ذاك ونيل المجد بالطلب (6)

وقوله يعاتب زمانه (من بحر الرجز):

عتابك يا زمان ترکت علماً***بأنك لا تلين على العتاب (7)

ص: 292


1- دیوان أبي المجد: 113.
2- المصدر نفسه : 117.
3- المصدر نفسه : 120.
4- المصدر نفسه : 122.
5- انظر : القافية والأصوات اللغوية : 115.
6- ديوان أبي المجد: 35.
7- المصدر نفسه : 38

وقوله متغزلاً (من بحر الرجز):

يحسده ظبي النقا إذا رنى***وليس حتى الوحش يخلو من حسد (1)

وكذلك قوله (من البحر الكامل):

وجرى عليّ من الهوى عجَبٌ***فاسأل رسول الدمع كيف جرى (2)

وقوله مادحاً (من البحر الكامل):

لم يعتذر مطلاً لسائله***لكنه يوليه معتذرا (3)

ومثله قوله (من البحر السريع):

الدهر عاداني لفضلي فما***ذنب ذوي الفضل مع الدهرِ

وصفر كف زدت قدراً به***زيادة الأعداد بالصفرِ (4)

فقد أكثر الشاعر من استعمال هذا الأسلوب حتى صار ظاهرة واضحة في شعره حافظ بها على وحدة المعنى في البيت الواحد، وبصورة مؤكدة لا عابرة.

وبهذه الأساليب مجتمعة عزف الشاعر موسیقی قصائده باتحاد الموسيقى الخارجية مع الموسيقى الداخلية ليصبح له أسلوبه المميز في النظم والكتابة.

ص: 293


1- المصدر نفسه : 54.
2- المصدر نفسه : 65.
3- المصدر نفسه : 67.
4- ديوان أبي المجد: 70.

الخاتمة

وبعد هذه الرحلة الشاقة والممتعة مع الشيخ أبي المجد محمد رضا النجفي الأصفهاني من الله علينا بإنهاء هذا البحث الذي خَلُص إلى نتائج أبرزها:

عاش الشاعر أبو المجد في النجف محتكّاً بشعرائها الكبار وكان مرموقاً بينهم بعين الإكبار لموهبته العالية، حتى انتقاله إلى إيران إبان الحرب العالمية الأولى، فابتعد عن الشعر لانشغاله بالحياة العلمية وبعده عن وطن الأدب (النجف) فقل نتاجه الشعري ويعتقد البحث أن الشاعر لو كان بقي في النجف لقاسم شعراء طبقته الشهرة وربما فاقهم فيها.

عالج أبو المجد في شعره الأغراض الأخوانية أكثر من سواها، ومدح علماء عصره وهجاً ومازح آخرين ووصف ولكنه في كل ذلك لم يتصنّع مشاعره ولم يغالط طبعه ولم تدفعه للشعر رغبة أو رهبة.

حافظ الشاعر في بناء قصائده على مستوى واحد من القوة فلم تبد قصائده متذبذبة بين الضعف والقوة بل كأنها أفرغت وصُبّت في قالب واحد.

لم يلتزم الشاعر بقاعدة التناسب بين محطات القصيدة (المطلع - المقدمة - التخلص - الغرض - الخاتمة) في عدد الأبيات في كل جزء بل كان يتبع إحساسه وفيض قريحته وعادة ما كان يسترسل في

ص: 294

المقدمة الغزلية حتى يشبع ذاته المتعطشة إلى هذا اللون في بيئة النجف المحافظة، ثم ينتقل إلى غرضه الذي يختصره بأبيات قليلة نسبة إلى المقدمة الغزلية.

أكثر الشاعر من كتابة المقطعات القصيرة والنتف تبعاً للحالات الطارئة والعرضية التي تصادفه في حياته كما هي عادة شعراء عصره كان الشعر يجري على ألسنتهم كلّ آن كما تجري أنفاسهم في من صدورهم.

اعتمد الشاعر في الكثير من مقطعاته على التضمين من شعر القدماء، فجعله غاية ينسج عليها فكرته ويستعملها كالشاهد أو المثل على كلامه .

اتسم الشاعر بسعة معجمه اللغوي وتمكنه من الألفاظ، وقد برع واولع باستعمال المصطلحات العلمية وتوظيفها على وفق غرضه.

اتسمت لغة الشاعر بالرقة والسلاسة والجمال وبعدها عن الوحشية والتعنت.

كما برع الشاعر في استعمال اللفظ في أكثر من معنى في سياق واحد، وقد بنى نظريته هذه على أساس الاستعمال العملي للألفاظ وخصوصاً في اللغة الشعرية، ولم يبد الشاعر متكلفاً في ذلك كمن يطبق قاعدة بل مثل العكس تماماً.

استمد الشاعر صوره من مصدرين رئيسين تمثلاً بالتراث الديني متمثلاً بالقرآن الكريم والسُنة النبوية وأحكام الدين الحنيف، ومن التراث الأدبي.

تنوّعت الصور التي حواها ديوان الشاعر منها ما هو حسي ومنها صور ذهنية وأخرى اعتمدت الأساليب البلاغية.

أخذت الصورة البصرية حيّزاً في شعر أبي المجد وأبرز ما يبدو عليها

ص: 295

وضوح عامل الحركة إذ تدخل الحركة كعامل مهم من عوامل الجمال.

بدا الشاعر محافظاً في رسم صوره من خلال الاستمداد من معاني سابقيه على الرغم من أن شعره لم يخل من التجديد في رسم الصور وإدخالها في الأغراض بشكل جديد.

برع الشاعر كثيراً في استعمال الأساليب البيانية والبديعية في رسم صوره ونسج أبياته وكان في كل ذلك حريصاً على سلاسة اللفظ وخدمة المعنى الدقيق المبتكر، وقد جسد هذه الشاعرية المبدعة في قصيدة (التنصّر) التي أحدثت ضجة أدبية في وقتها، عارضها العديد من الشعراء واتبعوها منهجاً في نظم أشعارهم في ما بعد.

استعمل الشاعر أسلوب التورية في رسم صوره، فحمّل بهذه الطريقة اللغة طاقة كبيرة يمكن أن يستشعرها القارئ من خلال ما يتلقى من معاني وصور وأخيلة متحدة ومتراصة ومكثفة.

حرص الشاعر على صب قصائده في أوزان تناسب موسيقاها مع أغراض الشاعر وقد تقدم فيها البحر الطويل والكامل.

جاءت قوافي الشاعر سلسة منسابة دلت على سعة بحر الشاعر اللغوي والموسيقي وبرزت الحروف الذلاقة في روي قصائده فتقدم حرف (الراء ،الدال ،النون ،اللام ،والميم).

انتهج الشاعر أساليب البديع والمحسنات اللفظية لنسج الموسيقى الداخلية للأبيات فأصبح لشعر أبي المجد نغمات تعتمد ترادف الأصوات وتكرارها في كل بيت من القصيدة.

برزت فنية الشاعر وموهبته في توظيفه الصورة واللغة والموسيقى والبناء في خدمة الغرض فجاء شعره يحمل مداليله من خلال أسلوبه العام.

ص: 296

وبهذه العناصر كلها أثبت البحث أن الشاعر أبا المجد النجفي الأصفهاني شاعر مجيد تمتع بموهبة فذة وذكاء وقاد مما أهله لأخذ موقعه الطبيعي في الأوساط الأدبية.

ص: 297

ص: 298

المصادر والمراجع

القران الكريم

الكتب

اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري : يوسف حسين بكار؛ دار المعارف بمصر (1971م).

الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر : د. عبد القادر القط؛ دار النهضة العربية - بيروت، ط 2 (1401 ه - 1981م).

اثر البيئة في أدب المدن العراقية في القرن التاسع عشر : د. محمد حسن علي مجيد ؛ المكتبة العصرية - بغداد (1998م). أثر القرآن في الأدب العربي في القرن الأول الهجري د. ابتسام مرهون الصفّار ؛ مطبعة اليرموك - بغداد ، ط1 (1394 ه - 1974م).

أدب الطف أو شعراء الحسين علیه السلام : جواد شبر ؛ دار الطباعة اللبنانية - بيروت (1397 ه - 1977م).

الأدب العربي في العصر الوسيط : د. ناظم رشيد؛ دار الكتب للطباعة والنشر - جامعة الموصل (1992م).

الأدب النجفي ومؤسساته : طالب علي الشرقي؛ مؤسسة التراث النجفي، العراق - النجف الأشرف (1427 ه - 2007م).

ص: 299

الأدب والمجتمع : محمد كمال الدين علي يوسف؛ مطابع الدار القومية - القاهرة (1962م).

أساس البلاغة : جار الله الخوارزمي الزمخشري (467 - 538ه)، (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).

الاستهلال فنّ البدايات في النص الأدبي : ياسين النصير، دار الشؤون الثقافية - بغداد (1993م).

أسرار البلاغة : الإمام أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي (ت 471ه)، تح : أبو فهر محمود محمد شاكر، دار المدني - جدة، ط 1 (1412ه - 1991م).

الأسس النفسيّة لأساليب البلاغة العربية : د. مجيد عبد الحميد ناجي ؛ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت - لبنان، طا (1404 ه - 1984م).

الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة : د. مصطفى سويف، دار المعارف بمصر (ط 2 - 1959م).

أسطورة الأدب الرفيع : د. علي الوردي؛ دار الحياة للنشر والتوزيع.

الإسلام والأدب : د. محمود البستاني، المكتبة الأدبية المختصة ؛ مطبعة ستارة - قم، ط 1 (1422ه).

أصول البيان العربي : د. محمد حسين الصغير دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد (1986م).

الأعلام : خير الدين الزركلي، مطبعة كوستاتسوماس وشركاه، ط2 (1374 ه - 1954م).

أعلام الأدب في العراق الحديث : مير بصري؛ مطبعة دار الحكمة، ط 1 (1415 ه - 1994م).

ص: 300

أعيان الشيعة : الإمام السيد محسن الأمين؛ تح: السيد حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، طه (1420 ه - 2001م).

الأمثال : أبو عبيد بن سلام (ت 224ه)، (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).

الإيضاح في علوم البلاغة : الخطيب القزويني (666 - 739ه) ؛ تح : محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، بيروت - ،لبنان، طه (1400 ه - 1980م).

البداوة في شعر العصر العباسي الأول : د. حافظ المنصوري، دار الضياء للطباعة والتصميم - النجف الأشرف، ط1 (1428 - 2007م).

البديع في البديع في نقد الشعر : أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ، تحقيق عبد . علي مهنا دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان (ط 1 - 1407 ه - 1987م)

البلاغة الواضحة : علي الجارم ود. مصطفى أمين؛ مطبعة المعارف - مصر، ط1 (1362 ه - 1943م).

البليغ في المعاني والبيان والبديع : الشيخ أحمد أمين الشيرازي مؤسسة النشر الإسلامي - إيران، ط 1 (1422ه)، (مكتبة أهل البيت - قرص مضغوط).

بناء الصورة الفنية في البيان العربي : د كامل حسن البصير ؛ مطبعة المجمع العلمي العراقي (1407 ه - 1987م).

البناء الفني في شعر الهذليين (دراسة تحليلية) : د. إياد عبد المجيد إبراهيم ؛ دار الشؤون الثقافية - بغداد، ط1 (2000م).

تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي : د. شوقي ضيف؛ دار المعارف بمصر.

ص: 301

تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي : د. محمود البستاني ؛ مجمع البحوث الإسلامية - الآستانة الرضوية المقدسة، ط 1 (1413ه).

التبيان في تفسير القرآن : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، موقع الجامعة الإسلامية (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).

تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر : ابن أبي الأصبع موقع الوراق الألكتروني - المكتبة الشاملة - قرص مضغوط). التصريح بزوائد الجامع الصحيح (سنن الترمذي): أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة (ت 297ه) ، إعداد : محمود نصار، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان

حركة الشعر في النجف الأشرف وأطواره خلال القرن الرابع العشر الهجري : د. عبد الصاحب الموسوي، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1 (1408 ه - 1988م).

الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة : د. صالح أبو أصبع ؛ المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت (1979م).

حلية المحاضرة في صناعة الشعر : أبو علي محمد بن الحسن بن مظفر الحاتمي (ت 388ه) ؛ تح : جعفر الكتابي، دار الحرية للطباعة بغداد (1979م).

الحيوان : الجاحظ (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).

خزانة الأدب وغاية الأرب : تقي الدين بن أبي بكر بن عبد الله الحموي ،الازداري تح عصام شعيتو دار ومكتبة الهلال - بيروت، ط 1 (1987م).

دراسات بلاغية : د. بسيوني عبد الفتاح فيود؛ مؤسسة المختار - القاهرة، دار المعالم الثقافية - الأحساء.

ص: 302

دراسات في الأدب العربي : د. باقر عبد الغني ؛ مطبعة العاني - بغداد، ط1 (1976م).

دلائل الإعجاز : عبد القاهر الجرجاني ؛ تح : د. محمد التنجي، دار الكتاب العربي بيروت، ط 1 (1995م).

الدلائل الإعجاز في علم المعاني : الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471ه)، (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).

ديوان أبي المجد : الشيخ محمد رضا النجفي الأصفهاني؛ تح: السيد أحمد الحسيني، مطبعة الخيام - قم ، ط 1 (1408ه).

دیوان : البحتري ضبطه وعلق حواشيه : رشيد عطية، المطبعة الأدبية، بيروت - لبنان (1911م).

دیوان حسام الدين الحاجري (الموسوعة الشعرية الكاملة - قرص مضغوط).

ديوان السيد جعفر الحلي (سحر) بابل وسجع البلابل) : تح: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، دار الأضواء - بيروت، ط1 (1423 ه - 2003م) .

ديوان الصبابة : ابن أبي حجلة (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).

ديوان المتنبي : دار صادر - بيروت، (د. ت)

الذريعة إلى تصانيف الشيعة : آقا بزرك الطهراني، دار الأضواء - بيروت - لبنان، ط 2 (1403ه).

الذريعة إلى تصانيف الشيعة : آقا بزرك الطهراني، مؤسسة إسماعيليان - قم ، ط 3 (1408ه) .

الرثاء في الشعر الجاهلي وصدر الإسلام : بشرى محمد علي الخطيب؛ مديرية مطبعة الإدارة المحلية - بغداد - كلية الآداب (1977م).

ص: 303

الرمزية في مقدمة القصيدة منذ العصر الجاهلي حتى العصر الحاضر : د احمد الربيعي؛ مطبعة النعمان - النجف الأشرف (1973م - 1393ه) .

السيف الصنيع على رقاب منكري علم البديع : الشيخ محمد رضا النجفي الأصفهاني؛ تح: مجيد هادي زاده المكتبة الأدبية المختصة، مطبعة ستارة - قم، ط 1 (1427ه).

شرح جمل الزجاجي : لابن عصفور الأشبيلي (597 - 669ه)؛ تح: د. صاحب أبو جناح وزارة الأوقاف والشؤون الدينية - الجمهورية العراقية (1402 ه - 1982م).

شرح قطر الندى وبل الصدى : أبو محمد جمال الدين بن هشام الأنصاري؛ تح: ح. الفاخوري بمؤازرة الدكتور وفاء الباني، دار الجيل - بيروت.

شعراء الغري أو النجفيات : علي الخاقاني؛ المطبعة الحيدرية - النجف (1373ه - 1954م).

الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر : إبراهيم الوائلي؛ مطبعة العاني - بغداد (1381 ه - 1961م).

الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر : د. يوسف عز الدين ؛ مكتبة الدراسات الأدبية - دار المعارف.

الشعر والشعراء : ابن قتيبة الدينوري (276ه) ؛ عالم الكتب - بيروت، ط1 (1282ه).

الشعر والشعراء : أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تح عمر الطباع دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت - لبنان ط1 ، (1418 ه - 1997م).

الشعرية العربية : أدونيس ؛ دار الآداب - بيروت، ط1، (1985م).

ص: 304

الصحاح : إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393ه)، (الموسوعة الشعرية - قرص مضغوط).

الصحاح في اللغة : الجوهري (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).

الصورة الشعرية : سي - دي لويس ترجمة: مجموعة من الأساتذة، منشورات وزارة الثقافة والإعلام الثقافية - مؤسسة الفليح للطباعة والنشر - الكويت (1982م).

الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي: مدحت سعد محمد الجبار الدار العربية للكتاب.

الصورة الشعرية في الكتابة الفنية (الأصول والفروع) : د. صبحي البستاني، دار الفكر اللبناني، بيروت - لبنان، ط1، (1986م).

الصورة الشعرية (وجهات نظر غربية وعربية) : د. ساسین عساف دار مارون عبود (1985م).

الصورة الفنية معياراً نقدياً : د. عبد الإله الصائغ، دار الشؤون الثقافية بغداد، ط1، (1987م).

الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري : د. علي البطل، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، (1980م).

طبقات أعلام الشيعة : آقا بزرك الطهراني؛ المطبعة العلمية في النجف الأشرف (1375ه - 1956م).

الطليعة من شعراء الشيعة : الشيخ محمد السماوي؛ تح كامل سلمان الجبوري دار المؤرخ العربي، بيروت - لبنان، طا، (1422 ه - 2001م).

العروض تهذيبه وإعادة تدوينه : الشيخ جلال الحنفي؛ مطبعة العاني - بغداد (1398 ه - 1978م).

ص: 305

عضوية الموسيقى في النص الشعري : د. عبد الفتاح صالح نافع مكتبة المنار - الأردن، ط 1 ، (1405 ه - 1985م).

عناصر الإبداع الفني في شعر أحمد مطر : كمال أحمد غنيم منشورات ناظرین - مطبعة ستارة ، ط 1 ، (1425 ه - 2004م).

العمدة : ابن رشيق القيرواني (الموسوعة الشعرية - قرص مضغوط).

العوامل التي جعلت من النجف بيئة شعرية : جعفر الخليلي، مطبعة الآداب - النجف الأشرف (1971م).

عيار الشعر محمد بن أحمد بن طباطبا العلوي (250 - 322ه) ، شرح وتحقيق : عباس عبد الساتر مراجعة نعيم زرزور دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان ط2 ، (2005 م - 1326ه).

العين: الخليل بن أحمد (موقع الوراق الألكتروني - المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).

العين : الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170ه)، (الموسوعة الشعرية - قرص مضغوط).

فن التقطيع الشعري والقافية : د. صفاء خلوصي، دار الكتب - بيروت، ط4، (1974م).

فنّ الهجاء وتطوره عند العرب : إيليا ،حاوي دار الثقافة - بيروت.

فنون التصوير البياني : د. توفيق الفيل؛ منشورات ذات السلاسل - الكويت، ط1، (1407 - 1987م).

في الأدب العربي الحديث بحوث ومقالات نقدية : د. يوسف عز الدين، الهيئة المصرية العامة المكتبة العربية - القاهرة (1393ه - 1973م).

في الأدب النجفي قضايا ورجال : محمد رضا القاموسي؛ المكتبة

ص: 306

العصرية، دار المثنى للطباعة والنشر - بغداد - العراق، طا، (1425 ه - 2004م).

في النقد والأدب : إيليا الحاوي؛ دار الكتاب اللبناني - بيروت، ط 1 ، (1980م).

القافية والأصوات اللغوية : د. محمد عوني عبد الرؤوف؛ مكتبة الخانجي بمصر (1977م).

قبيلة عالمان دين : الشيخ هادي النجفي؛ دار السكرية العترة - قم (1423ه - 1281ق). (فارسي).

القصيدة العربية بين التطور والتجديد : د. محمد عبد المنعم خفاجي دار الجيل - بيروت، ط1، (1414ه - 1993م).

القوافي : أبو يعلى التنوخي (موقع الوراق - المكتبة الشاملة).

لسان العرب ابن منظور (630 - 711ه)، تصحيح أمين عبد الوهاب محمد الصادق العبيدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، ط 3.

لسان العرب (الموسوعة الشعرية - قرص مضغوط).

لغة الشعر بين جيلين : د. إبراهيم السامرائي؛ دار الثقافة، بيروت - لبنان.

اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي : محمد رضا مبارك، دار الشؤون الثقافية - بغداد ط1 ، (1993م).

لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث : د. علي الوردي؛ دار الراشد، بيروت - لبنان، ط 2 (1426 ه - 2005م).

الماضي النجف وحاضرها : الشيخ جعفر الشيخ باقر آل محبوبة؛ دار الأضواء، بيروت - لبنان، ط 2 ، (1406 ه - 1986م).

ص: 307

المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر : ضياء الدين بن الأثير الموصلي، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد المكتبة العصرية - بيروت (1995م).

مختار الصحاح : محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت 666ه) ، دار الرسالة - الكويت (1403 - 1983م).

مختصر المعاني : سعد الدين التفتازاني (ت 792) دار الفكر - قم ط 1، (1411ه).

المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها : د. عبد الله الطيب المجذوب، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.

المزهر في علوم اللغة وأنواعها : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ؛ تح فؤاد علي ،منصور دار الكتب العلمية - بيروت ، طا ، (1998م) (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط). مصفى المقال في مصنفي علم الرجال : آقا بزرك الطهراني، مطبعة دولتي - إيران، ط1 ، (1378ق - 1337ش - 1959م).

المطلع التقليدي في القصيدة العربية : عدنان عبد النبي البلداوي، مطبعة الشعب - بغداد (1974م).

معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء : محمد حرز الدين، مطبعة الاداب - النجف (1965م).

المعجم الأدبي : جبور عبد النور، دار العلم للملايين، ط1، (1979م).

معجم شعراء الشيعة : عبد الرحيم الشيخ محمد الغراوي، مؤسسة الكاتب بيروت - لبنان .

معجم المؤلفين : عمر رضا كحالة مطبعة الترقي بدمشق (1377ه- 1957م).

ص: 308

معجم النقد العربي القديم: د. أحمد مطلوب، دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد، ط1، (1989م).

المعجم الوسيط : إبراهيم مصطفى أحمد حسن الزيات، حامد عبد القادر، محمد علي النجار ؛ مجمع اللغة العربية دار الدعوة - تركيا.

مقدمة القصيدة العربية في العصر الأموي : د. حسین عطوان دار المعارف بمصر (1974م).

من قضايا الشعر والنثر في النقد العربي القديم : د. عثمان موافي؛ مؤسسة الثقافة الجامعية - الإسكندرية.

منهاج البلغاء وسراج الأدباء : أبو الحسن حازم القرطاجني (ت 684ه) ؛ تح: محمد الحبيب بن الخوجة، رسالة ماجستير مطبوعة في دار الكتب الشرقية (1964م).

موسيقى الشعر: د. إبراهيم أنيس ؛ مكتبة الأنجلو المصرية (1972م).

موسيقى الشعر العربي (مشروع دراسة علمية) : د. شكري محمد عياد؛ دار المعرفة - القاهرة، ط1، (1968م).

موسيقى الشعر وعلم العروض : يوسف أبو العدوس؛ الأهلية للنشر والتوزيع، عمان - الأردن، ط1 ، (1999م) .

الموشحات العراقية منذ نشأتها إلى نهاية القرن التاسع عشر : د. رضا محسن القريشي ؛ منشورات وزارة الثقافة والإعلام - الجمهورية العراقية (1981م - 1402ه).

نصوص ورسائل من تراث أصفهان العلمي الخال د: مجموعة من المحققين بإشراف مجيد هادي ،زاده مطبعة نگارش - أصفهان ط 1، (1427 ه - 2007م).

نظرية الأدب : أوستن ،وارين رينيه ويليك؛ ترجمة: محيي الدين

ص: 309

صبحي مراجعة حسام الخطيب المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم، مطبعة خالد الطرابيشي (1392ه - 1972م).

نظرية البنائية في النقد الأدبي : د. صلاح فضل، دار الشؤون الثقافية بغداد، ط3، (1987م).

النقد الأدبي : أحمد أمين مكتبة النهضة المصرية - القاهرة، ط4 (1972م).

نقد الشعر : قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي ؛ تح كمال مصطفى مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة المثنى ببغداد، ط2، (1963م).

نهاية الأرب في فنون الأدب : النويري (المكتبة الشاملة - قرص مضغوط).

وحدة القصيدة في الشعر العربي حتى نهاية العصر العباسي : حياة جاسم، دار الحرية - بغداد (1972م).

وظيفة الأدب بين الالتزام الفني والانفصام الجمالي : د. محمد النويهي، مطبعة الرسالة - عابدين - مصر (1966م - 1967م).

وقاية الأذهان : العلامة آية الله النجفي الشيخ أبو المجد محمد رضا النجفي الأصبهاني (ت1362ه)، تح: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، مطبعة مهر - قم، ط1، (1413ه).

الرسائل الجامعية

البناء الفني في شعر ابن الرومي : نصيرة أحمد الشمري رسالة ماجستير، كلية الآداب - جامعة بغداد (محرم 1410 ه - آب 1989م).

رثاء الإمام الحسين علیه السلام في العصر العباسي - دراسة فنية : أحمد

ص: 310

كريم علوان رسالة ماجستير كلية الآداب - جامعة الكوفة (1428 ه - 2008م).

شعر السيد رضا الهندي (1837 - 1943م) دراسة في الفن والموضوع : ظاهر محسن جاسم رسالة ماجستير، كلية الآداب جامعة الكوفة (1428 ه - 2007م).

شعر عبد الحسين محيي الدين (جمع ودراسة وتحقيق) : محمد حسن کاظم باقي محيي الدين رسالة ماجستير كلية الاداب - جامعة الكوفة (1420 ه - 1999م).

شعر محمد سعيد الحبوبي - دراسة فنية : منى جابر مجبل التميمي، رسالة ماجستير كلية الآداب - جامعة الكوفة (1420ه - 1999م).

الصورة الفنية في نقد الشعر العربي الحديث : بشری موسی صالح رسالة دكتوراه، كلية الآداب - جامعة بغداد (1987م)

مراثي الإمام الحسين علیه السلام في العصر الأموي - دراسة فنية : مجبل عزيز جاسم، رسالة ماجستير كلية الآداب - جامعة الكوفة (1426 ه - 2005م).

مروان بن أبي حفصة وشعره قحطان رشيد التميمي، رسالة ماجستير، كلية الآداب - جامعة بغداد (1386 ه - 1966م).

المخطوطات

تتمة العبقات العنبرية : محمد الحسين آل كاشف الغطاء.

الحصون المنيعة في طبقات الشيعة الشيخ علي آل كاشف الغطاء (ت 1350ه).

من رسائل أبي المجد المخطوطة التي أرسلها إلى أصدقائه في النجف وخاصة المرجع الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء.

ص: 311

كشكول الأصفهاني : للشيخ محمد إسماعيل ابن الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية ؛ مخطوطة اهتم بها الشيخ هادي النجفي.

المجلات

الإجازة الشاملة للسيدة الفاضلة : توثيق في مجلة علوم الحديث مجلة نصف سنوية تُعنى بعلوم الحديث تصدر عن كلية علوم الحديث : العدد الرابع - السنة الثانية (رجب المرجب - ذو الحجة الحرام - 1419ه).

مقال المساجلات الأدبية والظرف في مجالس أدباء النجف الجزء الأول من مجالس جماعة الرابطة الأدبية : للأستاذ محمد حسين المحتصر آفاق نجفية لصاحبها : كامل سلمان الجبوري؛ العدد

، الأول، السنة الأولى (1426 ه - 2006م).

وقاية الأذهان مع رسالتي اللآلي في مسألتي الوضع والاستعمال وإماطة الغين عن استعمال العين في معينين للعلامة آية الله النجفي الشيخ أبي المجد محمد رضا النفي الأصفهاني (ت 1362 ه-)، :تحقیق : مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ط ، (1413ه)، طبعة مهر - قم مجلة علوم الحديث علوم الحديث: مجلة نصف سنوية تُعنى بعلوم الحديث، تصدر عن كلية علوم الحديث، العدد الرابع - السنة الثانية (رجب المرجب - ذو الحجة الحرام - 1419ه-).

مقال النوادر المخطوطة في النجف لعلي الخاقاني الحميري، مجلة الغري : لصاحبها شيخ العراقيين آل كاشف الغطاء، مطبعة الغري - النجف السنة الثانية/ العدد (77 - (78)، 26 رجب/ 19 آب، ط12.

ص: 312

المصادر الالكترونية

البرامج المسجلة - مع الصادقين (شبكة الأنترنيت).

تنقيح المقال في عالم الرجال (شبكة الأنترنيت).

مركز آل البيت العالمي للمعلومات (شبكة الأنترنيت).

مكتبة أهل البيت (قرص مضغوط).

المكتبة الشاملة (قرص مضغوط).

الموسوعة الشعرية الكاملة (قرص مضغوط).

موقع شيعة العراق - مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف (شبكة الأنترنيت).

موقع عالم وبلد (شبكة الأنترنيت).

موقع الكون - الأبراج النجمية (شبكة الأنترنيت).

ويكيبيديا الموسوعة الحرة (شبكة الأنترنيت).

المقابلات الشخصية

مقابلة مع الدكتور محمد حسين الصغير بتاريخ 2009/3/15م.

مقابلة مع الشيخ هادي النجفي وهو حفيد الشاعر أبي المجد بتاريخ 2/21/ 2010م.

مقابلة مع العلامة الأديب السيد عبد الستار الحسني بتاريخ 2/21 /2010م.

ص: 313

ص: 314

الفهرس

المقدمة....5

التمهيد....9

الشاعر أبو المجد النجفي الأصفهاني....9

أولاً : أبو المجد النجفي الأصفهاني....9

أ - اسمه ولقبه....9

ب - ولادته ونشأته....10

ج - أسرته....11

أخلاقه وصفاته....13

علمه وفضله....14

وفاته....19

ثانياً : مؤلفاته....20

أ - آثاره العامة....20

وفي ما يأتي عناوين مؤلفاته....21

ب - آثاره الأدبية....27

الدراسة الموضوعية : (أغراض شعره)....31

الفصل الأول : مدخل....33

المبحث الأول....35

1 - الاخوانيات....35

ص: 315

أ - شعر المراسلات....37

ب - التهاني....42

ج__ - التقريض....51

ج__ - الممازحة....55

د - العتاب....58

المبحث الثاني....61

2 - النسيب والغزل....61

أ - الغزل التقليدي....64

ب - الغزل العذري....67

ج__ - الغزل الماجن....71

أولاً : الغزل المكشوف....71

ثانياً : غزل الغلمان....73

3 - الرثاء....76

المبحث الثالث....81

أ - التوجيه العلمي....82

ب - شعر الحكمة....84

ج - شكوى الدهر....86

د - الوصف....87

ه - الفخر....90

و - الهجاء....92

ز - التلغيز....95

ح - التأريخ الشعري....96

ط - الخمرة....97

ص: 316

ي - السياسة....99

الدراسة الفنية....103

الفصل الأول : البناء الفني....105

البناء....105

(لغة)....105

المبحث الأول....111

أولاً : بناء القصائد الطويلة....111

1 - الاستهلال أو المطلع....111

2 - المقدمة....115

المقدمات وأنواعها في شعر أبي المجد....117

أ - المقدمة الطللية....117

ب - المقدمة الغزلية....120

ج__ - مقدمة وصف الظُّعن....125

د - مقدمة وصف الطيف....126

ه - مقدمة الشيب والشباب....128

و - مقدمة الشكوى....130

3 - التلخيص....131

4 - الخاتمة....134

المبحث الثاني

ب - بناء القصائد القصار والمقطعات....139

ج__ - بناء المسمط....146

د - التناسب في بناء القصيدة....149

الفصل الثاني: اللغة الشعرية....153

مدخل....153

ص: 317

المبحث الأول....157

أ - المفردات المستعملة في البناء الشعري....157

1 - مفردات قرآنية.....158

ب - مفردات علمية....160

ج - ذكر أسماء الأعلام....163

د - ذكر الأسلحة....166

ه - مفردات المكان....168

و - مفردات الزمان....171

ز - ذكر أسماء الحيوانات....174

ح - المفردات المعجمية....177

المبحث الثاني....181

التراكيب المستعملة في البناء الشعري....181

أ - النداء....182

ب - الاستفهام....188

ج__ - الأمر والنهي....192

د - القصر....196

ه - الشرط....198

و - التقديم والتأخير....200

ز - القسم....203

الفصل الثالث : الصورة الفنية....207

مدخل....207

المبحث الأول : أنواع الصور....213

الصورة الحسية....213

1 - الصورة البصرية....214

ص: 318

2 - الصورة السمعية....216

3 - الصورة الذوقية....218

4 - الصورة الشمية....221

الصورة الذهنية....224

المبحث الثاني : الصورة البلاغية....231

1 - التشبيه....233

2 - الاستعارة....239

- الاستعارة المكنية....244

- الاستعارة التمثيلية....247

الكناية....250

1 - كناية الصفة....251

2 - كناية عن الموصوف....253

3 - كناية عن نسبة....254

- التورية....256

الفصل الرابع : الموسيقى....261

مدخل....261

1 - الموسيقى الخارجية....263

أ - الوزن....263

جدول إحصائي للأوزان المستخدمة في ديوان أبي المجد....265

ب - القافية....269

المبحث الثاني....277

2 - الموسيقى الداخلية....277

1 - الجناس....278

2 - التكرار....281

ص: 319

تكرار الحروف....281

- تكرار لفظ....282

- تكرار صيغة....284

3 - الطباق....284

- طباق السلب....285

4 - التصريع....286

5 - الترصيع....288

6 - رد العجز على الصدر....290

القسم الثاني....291

القسم الثالث....292

الخاتمة....295

المصادر والمراجع....299

القرآن الكريم....299

الكتب....299

الرسائل الجامعية....310

المخطوطات....311

المجلات....312

المصادر الالكترونية....313

المقابلات الشخصية....313

الفهرس....315

ص: 320

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.