تذکرة الواصلین في شرح نهج المسترشدين

هوية الکتاب

تذكرة الواصلين

في شرح نهج المسترشدين

المؤلف :....السيد نظام الدين عبد الحميد بن مجدالدین

المحقق :....طاهر السلامي

الناشر :....العتبة العباسية المقدّسة

المطبعة :....مطبعة الكفيل

الإخراج الفني :....نصير شكر

الطبعة :....الأولى 1436ه

الكمية :....1000 نسخة

ص: 1

اشارة

ص: 2

تذكرة الواصلين في شرح نهج المسترشدين

تأليف

السيد نظام الدين عبد الحميد بن مجدالدين أبي الفوارس محمد بن علي الأعرج الحسيني (ق 8 ه)

(ابن أخت العلامة الحلي رحمه الله)

تحقيق

طاهر السلامي

ص: 3

تذكرة الواصلين

في شرح نهج المسترشدين

المؤلف :....السيد نظام الدين عبد الحميد بن مجدالدین

المحقق :....طاهر السلامي

الناشر :....العتبة العباسية المقدّسة

المطبعة :....مطبعة الكفيل

الإخراج الفني :....نصير شكر

الطبعة :....الأولى 1436ه

الكمية :....1000 نسخة

ص: 4

الأهداءُ

إلى سيّد الموحّدين وسند العارفين.

إمام المتكلّمين، قائد الغر المحجّلين..

باب مدينة العلم..

سيدي ومولاي على أمير المؤمنين علیه السلام

أبعث هذا العمل المتواضع من أرض المهجر..

طامعاً بالقبول..

ص: 5

ص: 6

كلمة المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

من المؤسف أن نجد الفكر الإسلامي اليوم قد ابتعد عما كان يعد سابقاً من أولويات العلوم وأشرفها منزلة، ألا وهو علم الكلام المبين للتوحيد والتنزيه والنبوة والإمامة، الذي يعد الأساس لجميع العلوم الإسلامية العقلية والشرعية، حتى أن أحدهم كان لا يعد في ركب العلماء إلا أن يكون متبحراً في

هذا العلم وفنونه.

ومن هنا كان لزاماً علينا ولسدّ بعض الخلأ الموجود اليوم أن نستذكر ما توصل إليه أعلام الأمة السابقين في هذا العلم الذي حفظوه بكل أمانة، وإحياء ما كتبوه ودونوه بأناملهم الشريفة، وتقديمه للجيل المعاصر حتى تستمر الحركة الثقافية الإسلامية في ديموميتها وتألقها في جميع العصور.

وكان ممن دون ونقح وبذل الجهد في ديمومة هذا العلم السيد الفاضل العلامة نظام الدين عبد الحميد الأعرج، مصنف هذا الكتاب وهو شرح لكتاب (نهج المسترشدين) للعلامة ابن المطهر قدّس الله روحهما وأدخلهما في بحبوحة جنانه.

ص: 7

اسم المؤلف ونسبه

السيّد نظام الدين عبد الحميد بن مجد الدين محمد بن فخر الدين علي الأعرج (1)الحلّي الحسيني ابن أخت العلامة الحل وتلميذه.

والده: السيّد العالم الفاضل المحقق مجد الدين أبو الفوارس محمّد بن علي الأعرج الحلّي الحسيني العبيدي .(2). . صهر الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن

المطهّر .

والدته: أمّ السادات بنت الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر والد العلامة الحلي.

إخوته: السادة الأفاضل: السيّد النقيب جلال الدين علي، والسيّد العلامة عميد الدين عبد المطلب قدوة السادات بالعراق، والسيد العلامة ضياء الدين عبد الله، والسيّد غياث الدين عبد الكريم .(3)

ذكره في الكتب والتراجم

لم يرد للمؤلّف ذكر عند أصحاب التراجم السابقين إلا نادراً، وذلك لعدم مشهوريته

ص: 8


1- الأعرج نسبة إلى عبيد الله الأعرج بن أبي عبد الله الحسين الأصغر بن الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين الا الله ، ويقال أيضاً: الأعرجي.
2- العبيدي نسبة إلى عبد الله بن الحسين الأصغر بن الإمام السجاد المعروف ب__(عبيدالله الأعرج)، ويقال: العُبَيْدُلي
3- انظر: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة الذريعة إلى تصانيف الشيعة لآقا بزرك الطهراني، أعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين، موسوعة طبقات الفقهاء للشيخ جعفر السبحاني.

نعم، أورد اسمه ابن عنبة جمال الدين أحمد بن علي الحسيني (ت828ه) في كتابه (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب) عند سرده أسماء أولاد السيد مجد الدين أبي الفوارس محمد بن فخر الدين علي الأعرج، بقوله: «وهم: النقيب جلال الدين علي، ومولانا السيد العلامة عميد الدين عبد المطلب قدوة

السادات بالعراق والفاضل العلامة ضياء الدين عبد الله، والفاضل العلامة نظام الدین عبد الحميد، والسيّد غياث الدين عبد الكريم.

إلى أن يقول: وأمّا السيّد الفاضل نظام الدين عبد الحميد فأعقب من رجل واحد وهو ابنه عبد الرحمان . . .» (1).

وورد اسمه أيضاً في كتاب (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي، في مشيخة إجازة الشيخ المحقق الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي لله للخليفة شاه محمود .(2)

أمّا آغا بزرك الطهراني فقد ذكره عند التعريف بكتابه هذا قائلاً: «206: (تذكرة الواصلين في شرح نهج المسترشدين) للسيّد نظام الدين عبد الحميد بن سيّد مجد الدين أبي الفوارس محمد الأعرجي، ابن أخت آية الله العلامة الحلّي، هو شرح موجز بقال أقول، أوّله: (أحمدك اللهم يا من أبهرت صنايع مخلوقاته عقول أولى الألباب)، أحال فيه بعض التفاصيل إلى كتاب (إيضاح اللبس في شرح تسليك النفس) لخاله العلامة، وذكر في آخره أنه فرغ من الشرح وهو ابن

ص: 9


1- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 333 - 334 ط 2 منشورات المطبعة الحيدرية النجف الأشرف 1380ه .
2- بحار الأنوار 105 : 85 - 88ط 3 دار إحياء التراث العربي بيروت 1403ه.

تسعة عشر عاماً وقد دخل في العشرين، وذلك في جمادى الآخرة (703)، فيظهر منه أنه ولد (683) ، ويظهر من تاريخ ولادة أخيه عميد الدين في (681) أنه كان أصغر من أخيه بسنتين ...» (1).

وكذا قال الطهراني في تعريف كتاب المصنّف الآخر (الإيضاح) الذي ذكره في مقدمة كتابه هذا: 952 : (إيضاح اللبس) في شرح تسليك النفس إلى حظيرة القدس (الأنس) تصنيف آية الله العلامة الحلّي، لابن أخته السيّد نظام الدين عبد الحميد بن أبي الفوارس محمد بن علي الأعرجي. أحال التفصيل إليه في كتابه (تذكرة الواصلين) في شرح (نهج المسترشدين) الذي ألفه وقد دخل العشرين سنة(703) ، فيظهر أن تأليف الإيضاح كان قبل [هذا] التاريخ ...» .(2)

ولادته ووفاته

يمكن القول على نحو الجزم والقطع بعد تصريح المصنف في آخر كتابه هذا: «فرغت من تسويده وقد بلغت تسعة عشر من السنين ودخلت في سنة العشرين، وهو شهر جماد الآخر سنة ثلاث وسبعمائة»، أنه مولود في سنة (683 ه) بالحلّة الفيحاء وسط العراق، وبها عاش وترعرع، أما وفاته فقد ذكر العلامة الشيخ جعفر السبحاني في كتابة رسائل ومقالات)(3)، أنها في سنة (745ه).

ص: 10


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 51:4 .
2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 : 498 .
3- رسائل ومقالات: 342 الثروة العلمية الكلامية للعلامة الحلّي ط 1 مؤسسة الإمام الصادق قم 1419ه.

كتاب العلامة (نهج المسترشدين) وشروحه

(نهج المسترشدين في أصول الدين) كتاب مختصر صنفه بالتماس ولده فخر المحققين، مرتّب على ثلاثة عشر فصلاً، لخص فيه المباحث الكلامية، حيث يقول العلامة ابن المطهّر الحلّي في أوّل كتابه: «فهذا كتاب (نهج المسترشدين في أصول الدين لخصت فيه مبادئ القواعد الكلامية، ورؤوس المطالب الأصولية، نفع الله تعالى به طلاب اليقين، إنه خير موفق ومعين.

إجابة لسؤال الولد العزيز (محمد) أيده الله تعالى بعنايته، ووفقه للخير وملازمة طاعته، وأمدّه بالعنايات الربانية، وأسعده بالألطاف الإلهية».

عرّفه الفاضل المقداد في شرحه (إرشاد الطالبين بقوله: «الكتاب الموسوم ب__(نهج المسترشدين في أصول الدين) من تصانيف شيخنا وإمامنا الإمام الأعظم علامة العلماء في العالم... قد احتوى من المباحث الكلامية على أشرفها وأبهاها، وجمع من الفوائد الحكمية أحسنها وأسناها حتى شغف بالاشتغال به معظم الطلاب، وعوّل على تقرير مباحثه جماعة الأصحاب ...» .(1)

طبع بعدة طبعات منها طبعة مجمع الذخائر الإسلامية في قم المقدّسة بتحقيق السيد أحمد الحسيني والشيخ هادي اليوسفي .

وعليه شروح عديدة في عصر العلامة ،وبعده، وهي:

1 - (تذكرة الواصلين في شرح نهج المسترشدين) للسيّد نظام الدين عبدالحميد الأعرجي الحسيني. وهو الكتاب الذي بين أيدينا.

ص: 11


1- إرشاد الطالبين على نهج المسترشدين: 4 ط مكتبة السيّد المرعشي العامة قم 1405ه

2 - (تبصرة الطالبين في شرح نهج المسترشدين) للسيد عميد الدين بن السيّد مجدالدين أبي الفوارس محمد بن علي الأعرجي الحسيني، أخو السيد نظام الدين عبد الحميد (المؤلّف)، المتوفى سنة (754ه) .

3 - (معراج اليقين في شرح نهج المسترشدين في أصول الدين) لابن العلامة، الشيخ فخر الدين أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، المتوفى (771ه).

4 - (إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين) للفاضل أبي عبدالله جمال الدين المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الأسدي الحلّي، المتوفى سنة (826ه)، تلميذ الشهيد الأوّل، مطبوع.

5 - (التحقيق المبين في شرح نهج المسترشدين في أصول الدين) للشيخ المولى نجم الدين خضر بن الشيخ شمس الدين محمد بن علي الرازي الحبلرودي، المتوفّى حدود (850ه) ، شارح الباب الحادي عشر، نزيل الغري. وفي آخره أنّه فرغ من تأليفه في الحلّة الفيحاء سنة 828ه.

6 - (شرح نهج المسترشدين) للشيخ فخر الدين بن محمد علي الطريحي النجفي، المتوفّى (1085ه) . (ذكره صاحب الذريعة 14 / 163 رقم 2024).

7 - (كشف أحوال الدين في شرح نهج المسترشدين) للشيخ جواد بن سعيد بن جواد الكاظمي (ق12ه)، تلميذ الشيخ البهائي، ذكره الأفندي في (رياض العلماء 119/1)، وقال: «وهو شرح مبسوط ممزوج بالمتن حسن جيد جداً، رأيته في كتب ملا محمد حسين الأردبيلي الله ألفه سنة ألف وتسع وعشرين في مشهد الكاظمين صباح يوم الجمعة تاسع ربيع الأول».

ص: 12

8 - (شرح نهج المسترشدين) للمولى محمد حسن الخوئيني الزنجاني، ذكره أغا بزرك الطهراني في (الذريعة 162/14 رقم 2023)، وقال: «نسخة منه كانت عند شيخ الإسلام الزنجاني كما كتبه إلينا، واحتمل أن الشارح كان حفيد الشيخ عبد النبي الطسوجي نزيل خوي».

9 - (شرح نهج المسترشدين)، ذكره أغا بزرك الطهراني في (الذريعة 161/14 رقم 2021) ، وقال : «الذي هو شرح مزجي لبعض القدماء، رأيته

في مكتبة العلامة الشيخ هادي كاشف الغطاء ولم أعرف المؤلّف».

10- (شرح نهج المسترشدين) ذكره أغا بزرك الطهراني في (الذريعة 162/14 رقم 2022)، وقال: بعنوان قوله قوله، أيضاً لبعض الأصحاب وهو تعليقات على الكتاب، أوّله: (قوله : الحمد لله المنقذ من الحيرة ... إلخ . اعلم أنّ الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري... رأيت نسخته في المكتبة الرضوية».

حول الكتاب

هذا الكتاب هو شرح مختصر ب__(قال.. أقول لكتاب العلامة ابن المطهّر الحلي (ت726ه) المسمّى ب__(نهج المسترشدين)، كتبه المصنف - وقد أتمّ من عمره الشريف التاسعة عشر - لأجل العالم الفقيه العلامة أبو [المجد](1) ابن عبدالله أبو طالب الحواري (الخواري) ، كما هو المصرح في الصفحة المكتوبة في بداية النسخة الخطية (الأصل)، المعتبرة بالظنّ القوّي أنّها بخطّ المؤلّف على ما

ص: 13


1- في الأصل كلمة غير مقروءة قريبة لما أثبتناه.

سيأتي بيانه .

وقد قوبل هذا الكتاب على خمس نسخ مخطوطة، وهي:

1 - النسخة الأصلية المخطوطة النفيسة المعدودة بخطّ المؤلّف كتبها سنة (703ه)، محفوظة في المكتبة العامة لآية الله السيّد المرعشي النجفي في المقدّسة، تحت تسلسل (5556)، تقع في (372) صفحة، بخط نسخي مشكول، بقياس (15/5) سنتمتر طولاً ، و (8/5) سنتمتر عرضاً، ب__(15 - 16) سطر، مع شروح في الهامش وأوراق مستقلة بخطوط مختلفة، سقط من آخرها الكثير شمل الفصل الثاني والثالث عشر وجزء من الحادي عشر.

2 - نسخة كاملة، نسخ محمّد بن إبراهيم كشتياني في ذي الحجة سنة 909 هجري، محفوظة في مكتبة آستان قدس رضوي بمشهد الرضا، برقم (4/ 11310)، تقع ضمن مجموعة في (175) صفحة، بخط نسخ تعليق، بقياس (18) سنتمتر طولاً، و (11) سنتمتر عرضاً، ب__(19) سطر. جاء في آخرها: «فرغ من هذه الرسالة في أوائل شهر ذي الحجة سنة تسعة وتسعمائة من هجرة النبوية على يد أضعف عباد الله الكريم محمّد بن شيخ إبراهيم لأجل مولانا محمد بن فضل الله الآملي غفر الله ذنوبهما وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين». وقد رمزنا لها بحرف (ب).

3 - نسخة كاملة، بخط نسخ ،تعليق، في القرن العاشر محفوظة في مكتبة إحياء التراث الإسلامي في قم المقدّسة، برقم (143ب/ 227ر)، مكتبة محدّث أرموى (مخ ف: 1 - 329)، تقع في (168) صفحة ب__(17 - 18) سطر. وقد رمزنا لها بحرف (ج).

تنبيه: هذه النسخة فيها اختلاف ملحوظ واختصار.

ص: 14

4 - نسخة كاملة بخط نسخ تعليق نسخ شرف الدين علي بن أحمد البهبهاني، جمادي الأوّل (1058ه)، محفوظة في دار السلطنة أصفهان، مكتبة الفاضلي - خوانسار ، برقم (ش: 18)، تقع في (146) صفحة ب__(20) سطر. ومصورة في مكتبة إحياء التراث الإسلامي في قم المقدّسة، برقم (147)، جاء في آخرها: «قد فرغ من نسخه وتنميقه أحوج العباد إلى الله العلي ابن أحمد البهبهاني شرف الدين علي شرفه الله بلطفه الخفي والجلي في دار السلطنة أصفهان حفظت عن طوارق الحدثان، في تاريخ غرّة شهر جمادي الأوّل سنة ثمان وخمسين بعد الألف الهجرية النبوية». وقد رمزنا لها بحرف (د).

نسخة كاملة، بخط نسخ ،تعليق، نسخ حسين بن علي الحسيني الخراساني القايني سنة (1299ه) في النجف الأشرف، محفوظة في مكتبة شورای ملي طهران ضمن مجموعة برقم (10567) ، تقع في (276) صفحة ب__( 24 - 25) سطر، جاء في آخرها: «قد حصل الفراغ من استنساخ هذه النسخة : الشريفة لأقل السادات والطلاب حسين بن علي الحسيني الخراساني القايني سنة ألف ومائتين وتسع وتسعين من الهجرة النبوية عليه وآله آلاف الثناء والتحية، وقد كان ذلك حين انشغالي في النجف الأشرف بتحصيل العلوم الدينية، وأرجو الله التوفيق وخلوص النيّة، بحق محمّد وعترته الطاهرة علیهم السلام». وقد رمزنا لها بحرف (ه).

تنبیه: نسخة د، ه متشابهات ومتطابقات في المتن.

وتوجد نسخة محفوظة في مكتبة شوراى ملي طهران تحت رقم (ش: 2 9021)، خط نسخ، ربيع الأول سنة (850ه)، تقع في (63) ورقة (25ب

88ب) مختصر (ف: 154). لم نتمكن من الحصول عليها.

ص: 15

ما يتعلّق بالنسخة المعتمدة (الأصل)

نُسبت كتابة هذه النسخة (الأصل) (نسخة مكتبة آية الله السيّد المرعشي) إلى خطّ المؤلّف، حيث ذهب ثلة من الفضلاء المحققين إلى القول على نحو الظنّ القوّي أو الجزم أنها بخط المؤلّف.

فقد همش المحقق الفاضل السيّد محمود المرعشي (حفظه الله) على هذه النسخة بالفارسية ما تعريبه : «تذكرة الواصلين في شرح نهج المسترشدين للسيّد نظام الدين عبد الحميد بن مجد الدين أبي الفوارس محمد الأعرجي ابن أخت العلامة الحلّي - نسخة الأصل بخط المؤلّف نفيسة جداً ونادرة الوجود، وهذا الشرح كتبه المؤلّف في عام (703) الهجري القمري» .(1)

أمّا المحقق العلامة الشهيد ثقة الإسلام الميرزا علي التبريزي(2)، قد همش بالفارسية أيضاً، ما تعريبه : مؤلّف هذا الكتاب عبد الحميد أخو السيد عميد الدين ابن أخت آية الله العلامة الحلّي، واسمه لم يذكر في كتب الرجال، لكن ورد ذكره في كتاب (عمدة الطالب). وهكذا يبدو أنّ هذه النسخة نسخة الأصل، وما

ص: 16


1- الأصل الفارسي : (... نسخه أصل بخط مؤلف بسيار نفيس وعزيز الوجود است این شرح را مؤلف در سال 703 هجری قمری تألیف کرده).
2- الشهيد ثقة الإسلام الميرزا علي بن موسى بن محمد شفيع الخراساني التبريزي المولود سنة (1277ه)، قتله الروس شنقاً يوم عاشوراء سنة (1330ه) عند احتلالهم مدينة تبريز الإيرانية، ودفن بمقبرة الشعراء المشهورة في تبريز . له مصنّفات منها مرآة الكتب، رسالة لا لأنّ إيضاح الأنباء في تعيين مولد الأنبياء مقتل سيّد الشهداء، ترجمة العتبى. (الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ط بيروت دار الأضواء).

كتب من توضيح على ظهر الكتاب (1)على الظنّ القوّي بخطّ المؤلّف» .(2)

وكذا ذهب إلى هذا المحقق العلامة السيد أحمد الإشكوري ومن معه كما في فهرست الكتب الخطية لمكتب آية الله المرعشي النجفي الله .

ولإثبات ما ذهب إليه هؤلاء الأفاضل، وهو الصحيح، نقول:

عند الفحص والتدقيق لرسم الخط وقدم الورق يثبت من دون تردّد أنّ هذه النسخة المعتمدة (الأصل) كتبت في زمن المؤلّف لا غير.

2 - إن عبارة: (دام ظلّة)، و(دام الله ظلّة)، و(أدام الله أيامه) الواردة بعد ذكر اسم العلامة الحلي له أو قوله في هذه النسخة، تدلّ بوضوح على أنّ كاتب

النسخة كتبها في حياة العلامة. علماً أنّ النسخ الأخرى ورد فيها عبارة: (رحمه الله)، و(تغمده الله بغفرانه)، وأسكنه بحبوحة جنانه). وكذا الحال في لفظة

(شيخنا).

3 - ورد في الورق رقم (4) عبارة : (أعزّ الله سائر الإسلام والمسلمين ببهائه، ونصر قواعد الدين بدوام عُلائه) الدالّة على كتابة هذه النسخة في زمن العلامة، وبخلافها وردة في النسخ الأخرى هكذا: (ابن المطهر تغمّده الله بغفرانه، وأسكنه بحبوحة جنانه).

ص: 17


1- إشارة إلى الورقة الأولى للمخطوطة.
2- الأصل الفارسي : (مؤلف) این کتاب عبد الحميد برادر سيد عميد الدین است که بسر خواهر آيت الله علامه حلي است و اسم او در کتب رجال مذکور نیست ولی در کتاب عمدة الطالب ذکر شده. و چنان مینماید که این نسخه نسخه اصل است که آنچه که در بشت کتاب است على الظن القوى خط مصنف است).

4 - وجود تصحيح كثير مع وحدة الخطّ في هذه النسخة سواء في المتن أو الهامش.

5 - وجود شطب ومحو للعبارة في مواضع كثيرة، سواء مع إيراد كلام جديد أو حذف المتن فقط. فكانت موارد الشطب المتن فقط بترقيم النسخة في

ورقة (10، 12، 14 ، 20 ، 31، 32، 37، 38، 4944، 63،59،52 ، 70، 74، 76 80، 85 ،96 ،99 ، 111 ، 113 ، 118 ، 124 ، 125 ،126

، 129 ،142، 146، 152) ، وموارد شطب المكرّر ففي ورقة (27 ، 29، 30، 38، 50 ، 63، 76، 96، 110)، وموارد الشطب مع التصحيح ففي ورقة (100، 110)، أما موارد الشطب وإيراد عبارة جديدة ففي ورقة (16، 158).

6 - انفراد هذه النسخة بورود لفظة (خالي) في حاشية متن الورق رقم (3) مع الإشارة إلى موضعها في المتن - قد أشرنا إليها في المطبوع - وهذا يدلّ بالقطع - إن تنزلنا مع القول أن النسخة ليست بخطّ المصنف - أن التصحيحات الوارد في هذه النسخة هي بخط المؤلّف لا غير. وبالتالي لا تخرج هذه النسخة من أنّها بخطّ المؤلّف أو صححت بخط يده.

7 - اختلاف هذه النسخة بالمتن عن جميع النسخ الأخرى المتأخّرة زماناً مع وجود شروح متعدّدة عليها في الحاشية، وخلو النسخ الأخرى من ذلك، علماً أنَّ بعض الفقرات الموجودة في النسخ الأخرى والتي أضفناها إلى المتن - كما أشرنا - تحاكي الشروح الموجودة في حواشي هذه النسخة، فلربما يكون إدخال هذه الفقرات تبرعاً من النساخ والله العالم.

8 - انفراد هذه النسخة بعبارة كتبت على أوّل ورقة منها، هذه العبارة:

ص: 18

(كتاب تذكرة الواصلين في شرح نهج المسترشدين تأليف العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الحميد بن محمد الأعرج الحسيني عفا الله عنه وعن والديه وعن

المؤمنين.

كتبت هذا الكتاب لأجل ،مولانا المولى الإمام العالم الفقيه الفاضل ،المحقق المدقق، ملك العلماء، وسيّد الفضلاء، رئيس الأصحاب، علامة العلماء المتبحرين سلطان الفضلاء ،المتأخرين نصير الملة والحق والدنيا والدين أبو[المجد] (1)ابن المولى الإمام السعيد العلامة فخر الملة والدين، عبدالله أبو طالب الحواري (2)أدام الله أيامه وحسّن محمده بمحمد وآله الأطهار).

9 - ورد في حاشية الورقة رقم (4) من هذه النسخة عبارة - أشرنا إليها في المطبوع - جاء فيها:

(وخدمت به... المولى الأعظم، والملك المعظم، سيّد الأهل، كريم الفرع والأصل... الدهر، ياقوتة تاج العصر ... الشرف، سيد الخلف، صاحب الرئاسة والسيادة... آبائه الطاهرين سلالة الأنزع البطين، مولانا عميد الملة والحق والدين عبد المطلب بن المجيد... الله أبصاره، وصاعد اقتداره، بمحمد وآله الأطهار).

ص: 19


1- في الأصل كلمة غير مقروءة، قريبة لما أثبتناه.
2- لم نجد له ذكر في كتب التراجم أو (الخواري) بضم أوله وآخره راء: نسبة إلى مدينة من مدن فارس. ويطلق (الخواري) على السيد جعفر بن موسى الكاظم ، وعلى ولده (الخواريون) (انظر: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب 218 ط 2 منشورات المطبعة الحيدرية النجف الأشرف 1380ه).

وعلى الظاهر أن المراد به، وبدلالة (سيد الأهل)، الأخ الأكبر للمصنف السيّد العلامة عميد الدين عبد المطلب قدوة السادات بالعراق ابن مجد الدين محمّد بن فخر الدين علي الأعرج (ت 754ه).

منهجنا في التحقيق

1 - جعل نسخة مكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي الأصل في الكتاب، وذلك لاعتبارها بخط المؤلّف مع تقدّم زمان كتابتها من حيث الخطّ

والورق.

2 - ذكر موارد الاختلاف الموجود بين النسخ في الهامش.

3 - إيراد بعض الكلمات أو الفقرات المكملة للمراد أو التوضيحية من النسخ الأخرى في المتن وحصرها بين معقوفتين [ ] مع ذكر النسخة في الهامش.

4 - تبويب الكتاب إلى فصول ومباحث حسب الموضوع، تسهيلاً منّا للمطالع.

5 - إضافات بعض الكلمات في المتن لتستقيم العبارة، وحصرها بين معقوفتين [] مع ذكر التوضيح في الهامش.

6 - تخريج مصادر بعض الأقوال أو الأحاديث الواردة، وكذا تراجم الرجال المذكورين على نحو الاختصار للتعريف.

ص: 20

الصفحات الأولی للنسخ الخطية

الصورة

ص: 21

الصورة

ص: 22

الصورة

ص: 23

الصورة

ص: 24

الصورة

ص: 25

الصورة

ص: 26

الصورة

ص: 27

الصورة

ص: 28

الصورة

ص: 29

الصورة

ص: 30

تذكرة الواصلين

في شرح نهج المسترشدين

تأليف

السيد نظام الدين عبد الحميد بن مجدالدين

محمد بن علي الأعرجي الحسيني (ق8)

(ابن اخت العلامة الحلي)

ص: 31

ص: 32

[مقدّمة المؤلف]

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمدك اللهم يا من أبهرت صنايع مخلوقاته عقول أولي الألباب، وأعجزت بدائع مصنوعاته أرباب النهى والصواب، ويا من تنزّه بوجوب وجوده عن مشاكلة الأتراب، وتقدّس بكمال صُنعه عن مساعدة الأصحاب، وأشهد ألا(1)إله إلّا أنت، شهادة خالصة عن الشكّ والارتياب منقذة يوم البعث من العذاب، وأُصلّي على محمد المبعوث بأشرف الكتاب، وعلى آله المطهرين الأنجاب، صلاة دائمة بدوام الأحقاب ، مستمرّة إلى يوم الحساب.

أما بعد، فإنّ العلوم بأسرها شريفة الذكر عظيمة القدر، لما ورد من الآيات الإلهية، والأخبار النبوية، ثمّ إنّها تتفاوت بحسب تفاوت المعلومات، وتتفاضل بحسب تفاضل المتعلقات، ولا شكّ أنّ أهم العلوم وأولاها، وأعظمها وأعلاها، هو العلم بواجب الوجود، ومفيض الخير والجود، لكونه سبباً للخلاص من البليات، وموجباً لارتفاع الدرجات.

ص: 33


1- في ب، ج، د، ه: أن.

هذا مع أنّ إجماع

العقلاء، وإطباق الفضلاء على وجوب معرفته على الأعيان، وكونها (1)مفروضة عليهم في كل حين وزمان(2)، فيجب على كلّ عاقل صرف الهمّة إلى معرفته سبحانه، ويلزم كلّ ناظر (3)بذل الجهد في العلم به جلّ ثناؤه، وعظم شأنه.

ثمّ إنّي لما رأيت شيخنا (4)الأعظم، وإمامنا الأكرم، وسيدنا الوحيد، ورئيسنا الفريد، الذي فاق بعلمه على علماء العراق، وساد بفضله على سائر الفضلاء على الإطلاق أوحد الدهر ، وفريد العصر ، سيّد [علماء](5) الأوّلين والآخرين، وارث علوم (6)الأنبياء والمرسلين، المخصوص من الله تعالى بالنفس القدسية، والكمالات الإنسانية(7)، جامع الفضائل والفواضل، أُستاذ الأواخر والأوائل، مشيّد قواعد الإسلام والمسلمين (8)، المستودع لأسرار النبيين والمرسلين (9)، خالي (10)، جمال الحق والملة والدين أبي منصور الحسن ابن مولانا

ص: 34


1- لا يوجد في ب، د، ه.
2- في ج: وأوان.
3- في ب، ج، د، ه: مكلّف.
4- في د، ه: الشيخ.
5- أثبتناه من ب، ج، د، وفي ه: علمائنا .
6- في ب، ج، د، ه: علم.
7- في ج: الإنسية.
8- لا يوجد في د، ه.
9- في ب، ج، د، ه: (مستودع أسرار النبيين).
10- في الأصل مثبت في الحاشية، ولا يوجد في ب، ج، د، ه.

الإمام الفاضل، والفريد الكامل(1)، أوحد دهره، وفريد عصره، سديد الملة والدین(2)، أبي المظفّر يوسف بن علي ابن المطهر(3)، أعزّ الله سائر الإسلام والمسلمين ببهائه، ونصر قواعد الدين بدوام عُلائه(4)، قد صنف كتاباً في علم الكلام، حاوياً لجميع (5)مسائله الدقيقة، مشتملاً على أبحاثه العميقة، مع كونه قد بلغ في الإيجاز إلى الغاية وتجاوز في الاختصار إلى النهاية، [وهو المسمّى ب__(نهج المسترشدين في أصول الدين)](6) . فأحببت أن أصنّف له شرحاً كاشفاً لحقائقه وموضحاً لدقائقه، [على سبيل الإيجاز والاختصار، وحذف التطويل والإكثار ، إذ جعلنا ذلك موكولاً إلى كتابنا المسمّى ب___(إيضاح اللبس في شرح تسليك النفس)(7)](8) ، مع قصور همّتي، وقلّة بضاعتي، لكنّ جهد المقل محمود، فشرعت في تصنيفه، وسمّيته ب__(تذكرة الواصلين في شرح نهج المسترشدين)،

ص: 35


1- لا يوجد في ب، ج، وفي د، ه: والفريد.
2- لا يوجد في ج.
3- المعروف بالعلامة الحلّي المتوفى سنة (726ه).
4- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (ابن المطهر تغمّده الله ،بغفرانه، وأسكنه بحبوحة جنانه). تنبيه: يعلم من تغيير العبارة المذكورة في النسخ المشار إليها هنا أنّ هذه النسخة (الأصل) كتبت في حياة العلامة ابن المطهر (رضوان الله عليه).
5- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
7- (إيضاح اللبس في شرح تسليك النفس إلى حظيرة (القدس) للمصنف، شرح لكتاب خاله العلامة الحلي المسمّى ب___(تسليك النفس إلى حظيرة القدس).
8- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

واستعنت على إتمام ذلك بواجب الوجود، ومفيض الخير والجود(1).(2)

ولا بد من ذكر قواعد نافعة مهمّة متقدّمة على البحث في المقصود:

القاعدة الأولى: في سبب تسمية هذا العلم بالكلام، وذلك لوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ هذا العلم لا شكّ أنّه أسبق من غيره في المرتبة، فالكلام فيه أسبق من الكلام في غيره، فلسبقه سمّي به.

الوجه الثاني: إنّ كلّ علم متوقف عليه، لكونه مبادئ لجميع العلوم، فالمتكلّم فيه كالمتكلّم في غيره، فسمّي به لهذه العلة.

الوجه الثالث: إنّ العالمين بهذا العلم لما شاهدوا من ملكوت الله تعالى وصفاته، طالت ألسنتهم على غيرهم، فكان علمهم أولى بهذا الاسم.

القاعدة الثانية: في موضوعه ومبادئه ومسائله:

لا شكّ أنّ لكلّ علم من العلوم أُموراً ثلاثة لا تنفك عنه، وهي: موضوع، ومبادئ، ومسائل .(3)

فموضوع کل: علم ما يبحث فيه عن أعراضه الذاتية، وهي اللاحقة له

ص: 36


1- (ومفيض الخير والجود) لا توجد في ب، ج، د، ه.
2- ورد في حاشية المخطوطة بعد ومفيض الخير والوجود : (وخدمت به [...] المولى الأعظم، والملك المعظم، سيّد الأهل كريم الفرع ،والأصل [...] الدهر ياقوتة تاج العصر، [...] الشرف، سيد الخلف، صاحب الرئاسة والسيادة، [...] آبائه الطاهرين سلالة الأنزع البطين مولانا عميد الملة والحق والدين عبد المطلب بن المجيد [...] الله أبصاره، وصاعد اقتداره، بمحمّد وآله الأطهار). (انظر المخطوطة ورقة رقم (4)) .
3- العبارة لا توجد في ب ه.

من حيث هي هي (1)، فموضوع علم الطبّ مثلاً بدن الإنسان، وموضوع علم الفقه هو أفعال المكلّف .(2)

والموضوع يطلق على ثلاث معانٍ:

آ - (3) محلّ العرض.

ب - المحكوم عليه .

ج - موضوع العلم؛ وقد تقدّم بيانه.

فموضوع هذا العلم هو : الوجود المطلق من حيث هو هو، ولا يحتاج في معرفته إلى طلب وكسب، لأنه بديهي التصوّر.

ثمّ مبادئ كلّ علم تنقسم إلى: تصوّرات وإلى تصديقات. فمبادئ هذا العلم التصوّرية هي: : المقدمات البديهية التي لا تحتاج إلى طلب وكسب. والتصديقية هي: التي يبنى هذا العلم عليها(4). وهي إما حدود موضوع العلم، أو أجزائه (5)، أو حدود جزئياته، أو حدود أعراضه الذاتية.

ثمّ مسائل كلّ علم هي: مطالبه الثابتة فيه، وهي من هذا العلم: إثبات واجب الوجود تعالى وصفاته وإثبات اللطف والوعد والوعيد، وغير ذلك من مطالبه ..

ص: 37


1- العبارة في ب، ج، د، ه: (من حيث هو هو، أي: لذاته أو لجزئه، أو لما يساوي ذاته من لوازمه).
2- في ب، ج، د، ه: المكلفين.
3- في ب ، ج ، د ، ه أثبتت هكذا: الأوّل/ والثاني والثالث.
4- العبارة في ب ، ج ، د ، ه:( فمبادئ كل علم التصديقية هي المقدّمات التي منها تؤلّف قياسات ذلك العلم والتصوّرية هي حدود أشياء تستعمل في ذلك العلم).
5- العبارة في ب، ج، د، ه: (أو حدود أجزائه إن كان ذا أجزاء).

القاعدة الثالثة: في وجوب معرفته:

ويدلّ عليه قوله تعالى: «قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» (1)، «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الله» (2)، «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(3)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب معرفته.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ الواجب ينقسم إلى قسمين: واجب على الكفاية، وواجب على الأعيان، وهذا من قبيل القسم الثاني(4)، للنهي عن التقليد في العقائد.

ص: 38


1- سورة يونس : 101
2- سورة محمّد : 19
3- سورة آل عمران: 191.
4- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (واجب على الأعيان وواجب على الكفاية، وهذا من قبيل القسم الأوّل).

[الفصل الأوّل]

[في تقسيم المعلومات]

قال (أدام الله أيامه) (1)بعد فراغه من الخطبة: «الأوّل في تقسيم المعلومات: المعلوم إما أن يكون موجوداً، وهو الثابت العين، أو معدوماً وهو المنفي العين. ولا واسطة بينهما على المذهب الحق، لقضاء الضرورة بهذا الحصر» (2).

أقول : اختلف الناس في تعريف الموجود، والمعدوم:

فذهب قوم من الحكماء إلى أنّ الموجود هو الذي يمكن أن يخبر عنه، والمعدوم، هو الذي لا يمكن أن يخبر عنه.

وذهب المتكلّمون(3): إلى أنّ الموجود هو الثابت العين والمعدوم هو: المنفي العين.

ص: 39


1- يعني به العلامة ابن المطهر الحلي . تنبيه: في باقي النسخ ورد ( رحمه الله)، أو (رضوان الله عليه) بدل (أدام الله أيامه)، ومنه يعلم أنّ النسخ الأخرى كتبت بعد وفاة العلامة ابن المطهر (رضوان الله عليه).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 18 الفصل الأوّل . (طبعة بتحقيق السيد أحمد الحسيني والشيخ هادي اليوسفي، مجمع الذخائر الإسلامية، قم، إيران).
3- في ب، ج، د، ه: بعض المتكلّمين.

وكلاهما ضعيفان!

والحق أنها من الأمور البديهية! إذ لا شيء أظهر منها.

ثم (1)اختلفوا في أنه هل بين الموجود والمعدوم قسم ثالث، أم لا:

فقال القاضي أبوبكر(2)، وإمام الحرمين (3)من الأشاعرة(4)، وأبوهاشم (5)

ص: 40


1- في ب، ج، د، ه: و.
2- القاضي أبو بكر الباقلاني أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد القاضي، البصري، المعروف ب__(ابن الباقلاني) المالكي، المتكلّم على مذهب الأشعري، ولد في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري بالبصرة، وعاش في بغداد وتوفّي فيها سنة 403 ه. قيل أنه ناظر الشيخ المفيد فغلبه المفيد.
3- إمام الحرمين أبو المعالي الجويني: عبد الملك بن عبدالله بن يوسف بن عبدالله، أبو المعالي الجُوَيْني، الملقب ب__(إمام الحرمين)، أحد أبرز علماء الشافعية وانتهت إليه رئاسة المذهب، شيخ الأشعرية ومتكلّمهم، ولد في جُوَيْن - من نواحي نيسابور - سنة (419ه)، ورحل إلى بغداد واشتهر ، ثم خرج إلى الحجاز فجاور بمكة أربع سنين، وبالمدينة يدرس ويفتي ومن هذا سمّي ب__(إمام الحرمين)، ثم رجع إلى نيسابور وتولى الخطابة والتدريس في المدرسة النظامية، وتوفّي فيها سنة (478ه).
4- الأشعرية : مذهب كلامي في أصول الدين، مؤسسه أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، المنتسب إلى أبي موسى الأشعري في أواخر القرن الرابع الهجري. من جملة مبادئه: أن الباري عالم بعلم، قادر بقدرة، متكلم بكلام، سميع بسمع، بصير ببصر.. من أبرز أقطابه: القاضي أبوبكر محمد بن الطيب الباقلاني، وأبو المعالي عبدالملك بن عبدالله الجويني، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأسفراييني، وأبو الحسن مقاتل بن سليمان الخراساني.
5- أبو هشام الجبائي المعتزلي: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب أبو هاشم بن أبي بكر البصري الجبائي، نسبة إلى قرية في البصرة ، ولد ببغداد سنة (277ه)، وتوفي سنة (321ه)، هو وأبوه من رؤساء المعتزلة، له آراء تفرّد بها، وإليه تنسب الطائفة الهاشمية من المعتزلة.

ومن تابعه من المعتزلة (1): إنّ هاهنا واسطة بينهما (2)تسمّى : حالا .(3)

وخالفهم في ذلك أكثر العقلاء. وهو الحق !

لنا: إنّ الضرورة قاضية بعدم ذلك.

واحتج المثبتون بوجوه(4):

الوجه الأوّل: إنّ الوجود أمر مشترك، فيكون غير الماهية، فإما أن يكون موجوداً ويلزم التسلسل، أو معدوماً ويلزم أن تكون الماهية الواحدة موجودة ومعدومة، [وكلاهما محالان](5).

الوجه الثاني: إنّ الأعراض قد تشترك في عرض هو جنس، كاللون مثلاً فهو إما موجود أو معدوم، فالأوّل يستلزم قيام عرض بعرض، والثاني يستلزم كون جزء الماهية الموجودة معدوم، وهما محالان.

والجواب عن الأوّل: إنّ الوجود المشترك الماهية إنّما هو الوجود الذهني،فلا محذور حينئذ.

وعن الثاني: الالتزام بجواز قيام الأعراض بعضها ببعض، وذلك جائز کالنظر ،والحركة فإن النظر منه فاسد، ومنه صحيح ، وكلاهما عرضان قائمان به

ص: 41


1- المعتزلة : فرقة إسلامية كلامية، ظهرت في أخريات القرن الأوّل الهجري. ويرجع اسمها إلى اعتزال إمامها واصل بن عطاء عن مجلس الحسن البصري، وينقسمون إلى اثنى عشر فرقة.
2- في ب، ج، د، ه: (إنّ بينهما واسطة).
3- في ب، ج، د، ه: الحال.
4- في ب، ج، د، ه: بوجهين.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

والحركة سريعة ،وبطيئة، وكلاهما عرضان قائمان بها (1).

[مبحث الوجود الذهني والخارجي]

قال (أدام الله أيامه): «والموجود إما أن يكون ذهنياً لا غير، كالأشياء المتصوّرة في الذهن المنفية في الخارج، كما نتصوّر جبلاً من ياقوت و بحراً من زيبق. وإما أن يكون خارجياً. فإما أن يكون واجب الوجود لذاته، وهو الذي يستحيل عليه العدم لذاته، وهو الله تعالى لا غير وإما أن يكون ممكن الوجود، وهو الذي يصح (2)عليه العدم، وهو ما سوى الله تعالى.

والمعدوم: إما أن يكون ممتنع الوجود لذاته، كشريك الباري [تعالى](3)، وهو الذي لايصح وجوده البتة. وإما أن يكون ممكن الوجود، كالمتجدّدات من المعدومات، ولا ثبوت له إلّا في الذهن، إذ لا فرق بين الثبوت والوجود عند

ص: 42


1- العبارة في ب ج د ه: (والجواب عن الأوّل: إنا نقول: لمَ لا يجوز أن يكون الوجود موجوداً، والتسلسل إنّما يلزم لو اشتركا في أمر ثبوتي واختلفا في أمر آخر ،ثبوتي، أما إذا كان الاختلاف في أمر عدمي فلا يلزم التسلسل. بيانه: إنّ الوجود يشارك الماهية الموجودة في الموجودية، ويخالفها بقيد عدمي، وهو أن الوجود وإن كان موجوداً لكن ليس معه شيء آخر، فالماهية الموجودة وإن كانت موجودة لكن لها مع مسمّى الموجودية شيء آخر وهو الماهية، فلا يلزم كون الوجود موجوداً بوجود آخر، بل تكون موجوديته عن ماهيته، فعلى هذا ينقطع التسلسل. وعن الثاني: الالتزام بجواز قيام الأعراض بعضها ببعض، وذلك جائز كالبطء والحركة).
2- في المصدر، ب: يجوز.
3- أثبتناه من المصدر، ج، د، ه.

العقل. ومن جعلهما أمرين متغايرين فقد كابر مقتضى عقله» (1).

أقول: تحقيق هذا الكلام يظهر من مسائل:

المسألة الأولى: في تقسيم الموجود والمعدوم

الموجود إما أن يكون ذهنياً أو خارجياً (2).

والأوّل: كالجبل من الياقوت والبحر من الزيبق، والنهر من العسل، فإنّ هذه الأشياء لا وجود لها إلّا في الذهن.

والثاني: كالأشياء الموجودة في الخارج، كالحيوانات، والنباتات، والأبنية، وغير ذلك.

ثمّ الخارجي، إما واجب لذاته أو ممكناً. فالواجب منه لذاته وهو الذي يستحيل عليه العدم، وهو الله تعالى لا غير. والممكن منه : ما يصح عليه العدم، ما عدا الله تعالى .(3)

وهو ثم المعدوم: إما أن يكون ممتنع الوجود لذاته لا لشيء آخر، كشريك

ص: 43


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 18 الفصل الأوّل.
2- في المخطوطة وردت عبارة: (والخارجي إما أن يكون واجباً أو ممكناً)، ولم نوردها لإرباك المعنى، ولورودها بعد ذلك.
3- العبارة في ب، ج، د، ه: (ثمّ الخارجي، إما أن يكون واجباً أو ممكناً. فالواجب منه لذاته، وهو: الذي يستحيل عدمه لذاته، وهو الله تعالى لا غير ومنه الواجب لغيره، كالإنسان مثلاً حال فرضه موجوداً، فإنّه يجب وجوده لكن لا لذاته بل لغيره والممكن ما يصح عليه العدم، وهو كلّ ما عدا الله تعالى).

الباري تعالى، وهذا(1) لا يصح وجوده أصلاً، أو ممكن الوجود، وهو جميع(2) يتحدّد من المعدومات.(3)

المسألة الثانية في إثبات الوجود الذهني:

اختلف الناس في إثباته (4): فأثبته ،قوم، ونفاه آخرون، وقد احتج كلّ واحد من الفريقين بحجّة؛ والأقوى حجّة الفريق الأوّل.

وتقريرها : إنّ الأشياء العدمية (5)قد يحكم عليها بالأحكام الثبوتية وليس لها ثبوت في الخارج، فبقى أن تكون في الذهن كما يحكم على الشمس بأنها تخرج غداً من المشرق، والخروج الآن معدوم.

واحتج النفاة بوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ الوجود الذهني لو كان ثابتاً، لكان من حصل في ذهنه ماهية الحرارة صار ذهنه حاراً، وليس كذلك ضرورة.

الوجه الثاني: إنّا نعلم المتضادّات، فلو حصلت في الذهن لزم اجتماع المتضادّات.

والجواب عن الأوّل: إنا لا نعني بالوجود الذهني أن ماهية ذلك الموجود

ص: 44


1- في ج، د: وهو.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- العبارة في ب : (ثمّ المعدوم: إما أن يكون ممتنع الوجود وهو ما يتحدّد من المعدومات).
4- في ب، ج: ثبوته.
5- في ب، ج: المعدومة.

حاصلة في الذهن ، وإنّما (1)نقول : [أنه] (2)تحصل صورة متساوية في الذهن، فلايلزم ما قالوه؛ سلّمنا ! لكن الحرارة إنّما تفعل في محلّ قابل لها مع عدم المانع، فالذهن ليس قابلاً [ وفيه نظر فإنّ صورة الحرارة إن كانت حرارة إن كانت هي عين الحرارة، فالإشكال باق، وإلا كان خروجاً عن المتنازع].(3)

وعن الثاني: إنّ اجتماع المتضادات إنّما يكون محالاً أن لو كان في الخارج، أما في الذهن فممنوع.

المسألة الثالثة: في أنّ المعدوم لا ثبوت له في الخارج:

ذهب المحققون إلى أن المعدوم لا ثبوت له [في الخارج] (4).

وذهب الجبائيان (5)، والقاضي عبد الجبار (6)، وأبو يعقوب الشحّام (7)،

ص: 45


1- في ب، ج، د، ه: بل.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- أثبتناه من ب، ج، د ه.
4- أثبتناه من ب ج د ه.
5- الجبائيان هما المتكلّمان من رؤساء المعتزلة أبو علي محمّد بن عبد الوهاب المتوفى سنة (303ه)، وابنه أبو هاشم عبد السلام بن محمد المتوفى سنة (321ه)، لهما مقالات على مذهب الاعتزال، والكتب الكلامية مشحونة بها.
6- القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الملقب ب__(قاضي القضاة) شيخ المعتزلة في عصره، كان ينتحل مذهب الشافعي في الفروع ومذاهب المعتزلة في الأصول، وله في ذلك مصنفات.
7- أبو يعقوب الشحام يوسف بن عبيد الله الشحام البصري مفسر معتزلي، المتوفّى سنة (280ه)، صاحب أبي الهذيل العلاف، وعنه أخذ أبو علي الجبائي، انتهت إليه رئاسة المعتزلة في أيامه كان من أحذق الناس بالجدل.

وأبو القاسم البلخي(1)، وأبو الحسين الخيّاط (2)، وأبو عبد الله البصري(3)، وأبو إسحاق ابن عياش (4): إلى أنّ المعدوم له ثبوت وتحقق في الخارج قبل دخوله في الوجود.

وهذا باطل لوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ الذوات حال عدمها إمّا أن تكون متناهية أو غير متناهية(5)؛ والأوّل باطل اتفاقاً، والثاني باطل أيضاً، لأنّ الأجسام قبل خروج بعضها إلى الوجود أكثر منها بعد الخروج، وكلّ ما كان أقل من غيره، فهو متناه بالضرورة.

ص: 46


1- أبو القاسم البلخي (الكعبي)، عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي الخراساني، المولود سنة (273ه) والمتوفى سنة (319ه)، من متأخري متكلَّمي المعتزلة البغداديين، وتنسب إليه الطائفة الكعبية، أقام ببغداد مدّة طويلة، ثم عاد إلى بلخ وتوفّي فيها.
2- أبو الحسين ابن الخياط، عبد الرحيم محمّد بن عثمان أبو الحسين الخياط شيخ المعتزلة ببغداد، تنسب إليه فرقة الخياطية، توفي نحو سنة (300ه) ، أستاذ الكعبي
3- أبو عبد الله البصري: الحسين بن علي بن إبراهيم، الملقب بالجعَل وبالكاغدي، فقيه متكلّم من شيوخ المعتزلة، ولد في البصرة سنة (288ه)، وتوفي ببغداد (369ه)، قرأ عليه الشيخ المفيد، له تصانيف كثيرة منها كتاب (جواز ردّ الشمس).
4- أبو إسحاق ابن عياش إبراهيم بن محمّد بن عياش البصري النصيبي من الطبقة العاشرة من المعتزلة، تلميذ أبي هاشم. قال عنه ابن النديم في الفهرست: ومن المعتزلة ممن لا نعرف من أمره غير ذكره أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عياش . وقال صاحب المنية والأمل : كان من الورع والزهد والعلم على حدّ عظيم. له كتاب في إمامة الحسن والحسين علم وفضلهما.
5- في ب، ج، د، ه: (متناهية أو لا).

الوجه الثاني: إنّ هذه الماهيات ممكنة الوجود، وكلّ ممكن [الوجود](1) فهو مُحدَث، فتكون هذه الماهيات مُحدَثة، وكلّ مُحدَث فهو مسبوق بالعدم [المحض](2)، وهو المطلوب .(3)

الوجه الثالث: قوله تعالى : «وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».(4)

وجه الاستدلال بهذه الآية: إنّ اسم الشيء يتناول الماهيات، فيكون الله تعالى قادراً على تلك الماهيات وإنّما يكون قادراً عليها أن لو كان له صلاحية التأثير تقديراً وإبطالاً، ومتى كان كذلك كان وجود الله تعالى متقدماً على تلك الماهيات، لوجوب تقدّم المؤثّر على الأثر؛ فيثبت المطلوب.

واحتج المثبتون بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ المعدوم متميز، وكلّ متميز ثابت.

أما الصغرى: فلأنّ طلوع الشمس غداً من المشرق متميز، وهو معدوم الآن.

[وأيضاً: فإنا نريد اللذات المعدومة ونكره الآلام المعدومة، والمراد متميز عن المكروه، لأنا نقدر على الحركة يمنة ويسرة، ولا نقدر على الصعود إلى السماء، والمقدور متميز عن غير المقدور] .(5)

ص: 47


1- أثبتناه من ب، د، ه.
2- أثبتناه من ب، د، ه.
3- العبارة في ج: (إنّ هذه الماهيات محدثة، وكل محدث مسبوق بالعدم المحض؛ وهو المطلوب).
4- سورة البقرة (2) : 284 ، آل عمران (3): 29 ، 189 ، المائدة (5) : 17 ، 19 ، 40 ، الأنفال (8): 41 ، التوبة :(9) : 39 ، الحشر (59): 6
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

وأمّا الكبرى: فلأنّ المتميّز له تحقق في نفسه يخالف به (1)ما عداه، ولا نعني بالثابت إلّا هذا.

الوجه الثاني: إنّ الإمكان ،ثبوتي، لأنه نقيض الامتناع، فالمعدوم الممكن موصوف بتلك الصفة، فيكون ثابتاً.

الوجه الثالث: قوله تعالى: «وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً»«إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله ...» (2)، فسمّى ما يفعل غداً وهو معدوم الآن باسم الشيء، فيكون المعدوم شيئاً.

والجواب عن الأوّل: إنّه يدلّ على الثبوت مطلقاً، [وهو مسلّم](3)، والمراد به الثبوت الذهني؛ وهذا هو (4) الجواب عن الثاني والثالث. [ثم ينتقض ما ذكروه بتصوّر الوجود والمستحيل فإنّهما ليسا ثابتين في العدم].(5)

ص: 48


1- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- سورة الكهف (18): 23، 24 .
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- في ب، ج، د، ه: وهو.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

[الفصل الثاني]

[في أقسام الممكنات]

قال (أدام الله أيامه): «الفصل الثاني: (في أقسام الممكنات):

الموجود الممكن إمّا أن يكون متحيّزاً - وهو الذي يشار إليه(1) إشارة حسّية بأنه هنا أو هناك - لذاته، وهو الجوهر وما يتركب منه أو حالاً فيه، وهو العرض» .(2)

أقول: لما فرغ من تقسيم الموجود إلى الواجب والممكن، شرع في بيان(3) كلّ واحد منهما.

فالموجود الممكن إمّا أن يكون متحيّزاً، أو حالاً في المتحيّز، أو لا متحيّزاً ولا حالاً في المتحيّز. وهذا القسم لم يذكره الشيخ (4)لضعفه.

فالمتحيّز: هو الجوهر وما يتركب منه، كالخط، والسطح، والجسم.

ص: 49


1- العبارة في المصدر، ب، د، ه: (وهو الحاصل في مكان يشار إليه).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 19 الفصل الثاني.
3- في ج: تقسيم .
4- في ب، ج، د، ه: المصنف.

والحال في المتحيّز: هو العرض.

ويرسم الجوهر: بأنّه الذي لا يقبل القسمة في جهة من الجهات، وقيل: ما له قسط من المساحة، لا يكون أقل منه.

وإنما قال: «إشارة حسّية»، احترازاً به عما يشار إليه إشارة عقلية.

وإنّما قال: «الذاته»، احترازاً به عما يشار إليه لغيره، كالعرض.

وأمّا الذي ليس متحيّزاً ولا حالاً في المتحيّز : فهو الفناء عند أثبته (1)، من وهذا قد أنكره أكثر (2)المحققين. وسيأتي تحقيق القول فيه إن شاء الله في ما بعد.

[مبحث الجوهر]

قال(أدام الله أيامه): «أما الجوهر فهو المتحيّز الذي لا يقبل القسمة في جهة من الجهات: وإذا تألّف جوهران، فما زاد في جهة واحدة فهو الخطّ وهو ينقسم في الطول خاصة، وإذا تألّف خطان، فما زاد في جهتين فهو السطح، وهو ينقسم في الطول والعرض، وإذا تألّف سطحان، فما زاد في جهتين فهو الجسم، وينقسم في ثلاث جهات.

وأقلّ ما يحصل الخط من جوهرين، والسطح من أربعة، أو ثلاثة، على خلاف، والجسم من ثمانية، أو ستة، أو أربعة، على خلاف».(3)

ص: 50


1- في ب، ج: يثبته.
2- لا يوجد في د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 19 الفصل الثاني.

أقول : قد سلف رسم (1)الجوهر، فلا حاجة بنا إلى ذكره.

بل نقول: «إذا تألّف جوهران فما زاد (2)في جهة واحدة، فهو الخطّ». وإنّما قال: «في جهة واحدة»، احترز به عن السطح، فإنّه في جهتين، وباعتبار قوله: «فما زاد»، احتاج إلى هذا القيد.

وإذا تألّف خطان، فما زاد في جهتين فهو السطح»، وإنما قال: «في جهتين»، احترز عمّا إذا كان في جهة [واحدة ](3)، فإنّه يكون خطاً.

«وإذا تألّف سطحان، فما زاد في جهتين فهو الجسم»، وإنما قال: «في جهتين»، احترز به عمّا إذا كان في جهة واحدة، فإنّه يكون سطحاً أيضاً.

والأوّل ينقسم في الطول خاصة (4)، والثاني ينقسم في الطول والعرض، والثالث ينقسم في الجميع، وهو الطول والعرض والعمق، وهو مراد المصنف بالجهات الثلاث.

وأقل ما يحصل الخطّ من جوهرين، والسطح من أربعة، بحيث يكون خطاً عند خطّ لا في جهة الطول، فيتركب منهما سطحاً. وقيل: من ثلاثة، بحيث يوضع خط مركب من جوهرين ثمّ في وسطهما (5)جوهر ثالث كالمثلث .(6)

ص: 51


1- في ج: ذكر، وفي ه: ترسيم.
2- لا يوجد في ج، د، ه.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- في ب: فقط .
5- في ب، ج: (أحد جنبيهما)، د، ه: جنبهما.
6- العبارة في ج، د: (وأقل ما يحصل الخط من جوهرين، ثمّ في أحد جنبيها جوهر ثالث، كالمثلث).

والجسم من ثمانية، بحيث يوضع سطح مركّب من أربعة على آخر مثله. وقيل: من ستة، بحيث يوضع سطح مركب من ثلاثة على آخر مثله. وقيل: من أربعة، بحيث يوضع خط مركب من جوهرين، ثم يوضع جوهر آخر من جنبها، كالمثلث، ثم يوضع على الجواهر الثلاثة جوهر آخر(1) راكب على الثلاثة، فيكون جسماً.

وهذا القول باطل، لأنه يستدعي كون الجوهر منقسماً، وهو باطل .(2)

[مبحث العرض]

قال (أدام الله أيامه): «وأما العرض فإما أن يكون مشروطاً بالحياة أو لا، والأوّل عشرة، وهي: القدرة والاعتقاد، والظنّ، والنظر، والإرادة، والكراهة، والشهوة، والنفرة، والألم(3)، والإدراك.

والثاني: الحياة والأكوان، والألوان، والطعوم، والروائح، والحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، والصوت والاعتماد والتأليف.

وأثبت قوم: الفناء عرضاً قائماً لا في محلّ» .(4)

أقول: لما فرغ من بيان الجوهر، شرع في بيان العرض.

ص: 52


1- في ب، ج، د، ه: رابع.
2- (وهذا القول باطل ، لأنه يستدعي كون الجوهر منقسماً، وهو باطل) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- في المخطوطة: (والألم واللذة)، وهو من سهو القلم، فبه يكون المجموع أحد عشر عشر قسماً !
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 19 الفصل الثاني.

فالعرض: إما أن يكون مشروطاً بالحياة، أي: الحياة شرطاً في وجوده، وهي عشرة أقسام : القدرة والاعتقاد، والظنّ، والنظر، والإرادة، والكراهة، والشهوة، والنفرة، والألم (1)، والإدراك

وغير المشروط بالحياة اثنا عشر (2)، وقيل : ثلاثة عشر؛ وهؤلاء القوم أثبتوا الفناء، وهي: الحياة، والأكوان ،والألوان والطعوم، والروائح، والحرارة، والبرودة ،والرطوبة واليبوسة ،والصوت والاعتماد والتأليف، والفناء على رأي قوم .

وإنّما تركت تحقيق هذه الأعراض مخافة التطويل، لأنه سيأتي في ما بعد إن شاء الله تعالى.

ص: 53


1- في المخطوطة: (والألم واللذة)، وهو من سهو القلم.
2- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (أو غير مشروط بالحياة وهو اثنا عشر).

ص: 54

[الفصل الثالث]

[في أحكام المعلومات]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): الفصل الثالث: (في أحكام المعلومات):

وفيه مباحث:

[بحث في الوجود هل هو صفة زائدة]

الأوّل (1): اختلف الناس في الوجود:

فذهب الأكثر (2): إلى أنه صفة زائدة على مفهوم الماهية.

وقال آخرون (3): إلى أنه نفس الماهية.

والحق الأوّل! لأنا نحكم على الماهية، بأنها موجودة أو معدومة، ونستفيد من الأوّل زيادة على مفهوم الماهية، ولو قلنا: الماهية ماهية، لم نستفد شيئاً. ومن الثاني فائدة غير المناقضة [بخلاف ما] (4)لو قلنا الماهية ليست ماهية [لكانت

ص: 55


1- في د ه: البحث الأوّل
2- في المصدر، ج، د، ه: الأكثرون.
3- في المصدر، ج، د، ه: (وذهب الآخرون)
4- أثبتناه من المصدر، ج، وفي ب ولا فائدة.

عين مناقضة] .(1)

احتجوا بأنّ الوجود لو كان زائداً على الماهية حالاً فيها، فإما أن يحلّ والماهية موجودة أو معدومة والأوّل يستلزم التسلسل، والثاني يلزم قيام الموجود بالمعدوم، وهما محالان(.(2)

والجواب: إنّه قائم بالماهية (3)من حيث هي هي، لا باعتبار الوجود، ولا باعتبار العدم» .(4)

أقول: لما فرغ من تقسيم المعلومات، شرع في بيان أحكامها.

ذهب (5)جماعة من المتكلّمين وهم أبو الحسين البصري (6)من المعتزلة، وأبو الحسن الأشعري(7)، ومن اتبعهما إلى أنّ الوجود نفس الماهية.

ص: 56


1- أثبتناه من المصدر، ج ، د، ه.
2- لا يوجد في المصدر، ب.
3- في ب، ج : (إنّه حال في الماهية)، وفي د ه: (إنه قائم حال بالماهية).
4- نهج المسترشدين في أصول الدين : 20 الفصل الثالث. 20
5- في ب، ج، د، ه: فذهب.
6- أبو الحسين البصري محمد بن علي بن الطيب البصري، المتكلّم شيخ المعتزلة، ولد في البصرة وانتقل إلى بغداد ودرس فيها علم الكلام حتى توفّي فيها عام (436 ه)، له تصانيف في الأصول والكلام منها كتابه (المعتمد في أصول الفقه)، وعنه أخذ الفخر الرازي كتاب المحصول.
7- أبو الحسن الأشعري: علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم، ينتهي نسبه إلى أبي موسى الأشعري، ولد في البصرة سنة (260ه)، وتوفي ببغداد سنة (324ه)، زعيم الأشاعرة ومؤسس مذهبهم، من الأئمة المتكلّمين المجتهدين تلميذ الجبائي أبي علي، وتلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم ثم رجع وجاهر بخلافهم. له تصانيف كثير، قيل: بلغت ثلاثمائة كتاب.

وذهب أبو هاشم (1)وأصحابه إلى أنّ الوجود زائد على الماهية، وهو الأقوى(2)، واختاره المصنف (دام ظلّه). ؛

لنا على ذلك وجوه(3):

الوجه الأوّل : أنا نفهم الماهية ونشكّ في وجودها، وذلك ينافي كون الوجود نفسها.

الثاني: أنا نجد تفرقة ضرورية بين قولنا الماهية ماهية وبين قولنا الماهية موجودة.

ونستفيد من قولنا الماهية موجودة زيادة على مفهوم الماهية؛ وهذا مراد الشيخ بقوله : «ونستفيد من الأوّل زيادة على مفهوم الماهية» (4).

ونستفيد (5)من قولنا الماهية معدومة زيادة غير المناقضة، بخلاف ما لو : قلنا: الماهية ليست ماهية فإنّه يلزم منه المناقضة وهذا مراد شيخنا (6)بقوله: «ونستفيد من الثاني فائدة غير المناقضة».

احتجوا: بأنّ الوجود لو كان زائداً على الماهية حالاً فيها، فإما أن يحلّ فيها وهي موجودة أو معدومة، والأوّل يستلزم التسلسل، والثاني يستلزم قيام

ص: 57


1- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.
2- في د، ه: وهو الأفعال.
3- في ب، ج، د، ه: وجهان.
4- في ج سقطت عبارة: (وبين قولنا: الماهية موجودة، ونستفيد من قولنا: الماهية موجودة)، وفي د، ه سقطت عبارة «ونستفيد من قولنا الماهية موجودة).
5- في ب، ج، د، ه: ثم نستفيد.
6- في ب، ج، د، ه: الشيخ.

الموجود بالمعدوم، وكلاهما باطلان .(1)

أجيبوا(2): بأن الوجود يقوم بالماهية من حيث هي هي لا باعتبار الوجود، ولا باعتبار العدم، فإنّه لا يلزم من حلول الوجود في الماهية اتصافها بأحد قيدي الوجود والعدم .(3)

[بحث في بيان اشتراك الوجود]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثاني: في أنه مشترك:

الحق أنه كذلك لأنا نقسم الوجود إلى الواجب والممكن، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام، ولأنّ النفي أمر واحد وهو نقيض الوجود، فيكون الوجود واحداً، لأنه لو تعدّد لم تنحصر القسمة في قولنا: الشيء إما موجود أو معدوم» .(4)

أقول: اختلف الناس في الوجود:

فذهب أبو الحسين البصري(5)، وأبو الحسن الأشعري(6): إلى أنه مشترك

ص: 58


1- في ب، ج، د، ه: محالان.
2- في ب، ج، د، ه: أجيب.
3- العبارة في ج: (ولا) باعتبار العدم، وهي تغاير الوجود والعدم، فلا يلزم التسلسل ولا قيام الموجود والعدم، وفي ب د ه: ( ولا باعتبار العدم، وهي تغاير الوجود والعدم، فلا يلزم قيام الوجود بالمعدوم).
4- نهج المسترشدين في أصول الدين : 20 - 21 الفصل الثالث.
5- محمّد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تقدّم.
6- أبو الحسن الأشعري علي بن إسماعيل بن إسحاق، تقدم.

اشتراكاً لفظياً ، كاشتراك لفظة العين في مفهوماتها.

وذهب أبو هاشم (1)وأصحابه إلى أنه مشترك اشتراكاً معنوياً، وهو اختيار شيخنا المصنّف (أدام الله ظلّه)؛ وهو الأقوى!

لنا على ذلك وجوه:

الوجه الأوّل: أنا نقسّم الوجود (2): إلى الواجب والممكن ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام(3)، ومورد التقسيم ها هنا هو الوجود، لأنا نقول: الوجود إما أن يكون واجباً أو ممكناً [وليس اللفظ، إذ على تقدير عدم الوضع لا يبطل هذا النوعين من تصرف العقل].(4)

الوجه الثاني: إنّ النفي أمر واحد وهو نقيض الوجود، فيكون الوجود واحداً، لأنه لو تعدّد لم تنحصر القسمة في قولنا: الشيء إما أن يكون موجوداً أو معدوماً، لكن ضرورة العقل حاكمة بصدق هذه القسمة، فدلّ على أنّ الوجود مشترك بالاشتراك المعنوي.

الوجه الثالث: أنا إذا اعتقدنا وجود أمر من الأمور(5) وجزمنا بوجوده، ثمّ شككنا في كونه (6)واجباً أو ممكناً، لم يخرج (7)جزمنا بالوجود بذلك الشكّ.

ص: 59


1- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.
2- في ب، ج، ه: الموجود.
3- لا يوجد في د، ه.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه-
5- في ب، د، ه: (وجود أمر واحد).
6- في د، ه: (كون هذا الأمر).
7- في ج، ه: (فإنّه لا يخرج).

[ولو لم يكن مشتركاً لخرج الجزم بتشككنا في كونها واجباً أو ممكناً] .(1)

احتجوا بأنّ الوجود نفس الماهية فلا يكون مشتركاً.

والجواب: قد مضى تحقيق القول في ذلك، وقد بينا إبطال حجّتهم (2)في تلك المسألة.

[بحث في تعريف الوجود]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثالث:

الحق أنّ تصوّر الوجود والعدم والوجوب والإمكان والامتناع ضروري لأنه لا شيء أظهر عند العاقل من كونه موجوداً، وأنه ليس بمعدوم.

ومن عرّف الواجب بأنه: (ما ليس بممكن ولا ممتنع)، وعرّف الممكن بأنه: (ما ليس بواجب ولا ممتنع ، وأنّ الممتنع هو: (الذي لا يمكن وجوده)،

لزمه الدور.

وكذا كلّ ما يقال في هذا الباب من التعريفات» .(3)

أقول: ذهب قوم إلى أنّ هذه الأمور (4)تحتاج في تصوّرها إلى التعريف، ومنع منه آخرون، وادّعى (5)في تصوّرها الضرورة، وهو اختيار

ص: 60


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: (بينا ضعف قولهم).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 21 الفصل الثالث.
4- في ب، ج: (إلى أنّ هذه الأشياء)، وفي د ه: (إلى أنّ الأشياء).
5- في ب، ج، د، ه: وادعوا.

شيخنا (1)المصنف (دام ظلّه)، لأنّ كلّ عاقل ومن له بصيرة يعرف أنه موجود، وأنه ليس بمعدوم.

ومن يعرّف (2)الواجب : بأنه ما ليس بممكن ولا ممتنع وعرّف الممكن بأنه ما ليس بواجب ولا ممتنع ، وأنّ الممتنع هو الذي لا يمكن وجوده لزمه الدور، لأنّ معرفة الواجب متوقفة على معرفة الممكن والممتنع، ومعرفة الممكن متوقفة على معرفة الواجب والممتنع، فقد ظهر أنّ الممكن متوقف على الممكن، وهو دور .(3)

وكذا كلّ ما يقال في هذا الباب من التعريفات .(4)

[بحث في الوجوب والإمكان والامتناع]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الرابع:

في أنّ تصوّر (5)الوجوب والامتناع والإمكان من الاعتبارات العقلية، وليست أُموراً وجودية في الخارج، لأنّ كلّ موجود في الخارج، فهو: إما واجب أو ممكن.

ص: 61


1- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د: عرّف.
3- العبارة في ب، ج، د، ه: (فقد ظهر أنّ معرفة الواجب تتوقف على معرفة الواجب، ومعرفة الممكن يتوقف على معرفة الممكن، ومعرفة الممتنع متوقفة على معرفة الممتنع، وهو دور).
4- (وكذا كلّ ما يقال في هذا الباب من التعريفات) لا يوجد في ب، ج، د، ه
5- لا يوجد في المصدر، ب، وفي ج: (الحق أنّ تصوّر)، وفي د ه: (الحق أنّ).

فلو كان الوجوب ثابتاً في الخارج: فإن كان واجباً لزم التسلسل، وإن كان ممكناً جاز ،زواله فيزول الوجوب عن الواجب، فيكون الواجب ممكناً. هذا

خلف.

ولو كان الإمكان ثابتاً في الخارج فإن كان واجباً كان الممكن الذي هو شرط فيه واجباً، لأنّ شرط الواجب واجب. هذا خلف. وإن كان ممكناً لزم

التسلسل .

وإن (1)كان الامتناع ثابتاً في الخارج كان الموصوف به - وهو الممتنع في الخارج - ثابتاً في الخارج، لأنّ ثبوت الصفة فرع ثبوت الموصوف، وهو

محال» (2).(3)

أقول: ذهب قوم إلى أنّ هذه الأمور الثلاثة وجودية في الخارج(4)، وأنكره ،آخرون وهؤلاء القوم (5)ذهبوا إلى أنها موجودة في الذهن، وهو

الأولى

لنا: إنّ الوجوب لو كان موجوداً في الخارج، فإما أن يكون واجباً [أو

ص: 62


1- في ب، ج، د، ه: ولو .
2- لا يوجد في د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 21 الفصل الثالث.
4- العبارة في ب: (أنّ هذه الصفة الثلاثة ثبوتية في الخارج)، وفي ج: (أنّ هذه الثلاثة ثبوتية في الخارج وجودية)، وفي د: (أنّ هذه الثلاثة ثبوتية في الخارج)، في ه: (أنّ هذه الثلاثة ثابتة في الخارج).
5- لا يوجد في ب، د، ه.

ممكناً، فإن كان واجباً](1)، فوجوبه إما أن يكون في الخارج أو في الذهن، فإن كان في الذهن ثبت المطلوب، وإن كان في الخارج، فإما أن يكون واجباً، فننقل(2) الكلام إلى وجوبه، وهكذا (3)ويتسلسل، وإن كان ممكناً جاز زواله فيزول الوجوب عن الواجب، فيكون الواجب ممكناً، هذا خلف.

والإمكان، لو كان ثابتاً في الخارج، فإما أن يكون واجباً أو ممكناً، وكلاهما باطلان !

أمّا بطلان الأوّل، فلأنّه لو كان واجباً كان الممكن الذي هو شرط في الإمكان واجباً، هذا خلف، لأنّ شرط الواجب واجب بالضرورة.

وأمّا بطلان الثاني، فلأنه يستلزم التسلسل، كما قلناه في الواجب.

والامتناع، لا يجوز أن يكون موجوداً في الخارج، لأنه لو كان ثابتاً في الخارج، كان الموصوف به - وهو الممتنع وجوده في الخارج - ثابتاً في الخارج، لأنّ ثبوت الصفة وهي هنا الامتناع فرع على ثبوت الموصوف وهو الممتنع، وهذا ظاهر [البطلان] (4).

فقد بان بهذه الأدلّة أنّ الوجوب والإمكان والامتناع من الأُمور الاعتبارية في الذهن، وليس شيء منها (5)ثابتاً في الخارج.

ص: 63


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: وننقل.
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- أثبتناه من ج، د، ه.
5- لا يوجد في ج، د، ه.

[قيل: لو لم يكن الإمكان موجوداً في الخارج لم يبق فرق بين نفي الإمكان والإمكان المنفي.

أجيب: بأنّ التمايز يكون في الأُمور العينية، وقد يكون في الأُمور العقلية] (1).

ص: 64


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

[الفصل الرابع]

[في أحكام الموجودات]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «الفصل الرابع: (في أحكام الموجودات)

وفيه مباحث:

[بحث في جوهر الفرد]

الأوّل: اختلف الناس في إثبات(1) الجوهر (2)الفرد: فأثبته قوم، ونفاه آخرون.

احتج المثبتون بأنا إذا وضعنا الكرة الحقيقة (3)على السطح الحقيقي (4)لاقته بما لا ينقسم، وإلا كانت مضلعة، فإذا دحرجت عليه لاقته في كلّ آن

يفرض بنقطة، فيكونان مركبين من الجواهر.

ص: 65


1- في المصدر، ب، ج: وجود، ولا يوجد في ه.
2- في ج، د، ه: جوهر.
3- في ب، ج، د، ه: (كرة حقيقية).
4- في ج، د، ه: (سطح حقيقي).

واحتج النفاة: بأنا إذا وضعنا جوهراً بين جوهرين، فإن لاقاهما بالأسر لزم التداخل، وإن كان لا بالأسر لزم الانقسام.

وها هنا حجج كثيرة من الطرفين ذكرناها في كتاب (الأسرار) (1).(2)

أقول: اختلف الناس في وجود الجوهر (3)الفرد [وهو الجزء الذي لا يتجزأ].(4)

فأثبته أكثر المتكلمين، ونفاه الحكماء.

والأوّل هو الحق ! لنا على ذلك مسالك:

المسلك الأوّل: إذا وضعنا الكرة الحقيقية على السطح الحقيقي، وهما اللذان ليس فيهما ميل ولا تضليع(5)، تلاقيا بشيء، فإن كان غير منقسم ثبت المطلوب، وإن كان منقسماً فهو باطل ! لأنّ الكرة الحقيقية هي التي يتساوى خطوطها الخارجية من مركزها الواصلة (6)إلى محيطها، فلو لاقته بما ينقسم لخرج أحدهما عن وصفه (7)لأنه إذا خرج خطّ من مركز الكرة ووصل إلى محيطها

ص: 66


1- يعني: الأسرار الخفية في العلوم العقلية من الحكمة والكلام والمنطق، للعلامة يردّ فيه على الفلاسفة.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 22 الفصل الرابع.
3- في ج: جوهر.
4- أثبتناه من ج، د، ه.
5- في ه: ضلع.
6- في د، ه: الداخلة.
7- العبارة في ب، ج، د، ه: (بما ينقسم لكانت مضلعة).

الملاصق للسطح، ثم خرج (1)آخر عن جنبه، ثمّ آخر عن جنبه الآخر(2)، فإنّ الخطين اللذين عن جنبي الخط القائم في الوسط يكونان وترين له، ووتر القائم يكون أطول من الخط القائم، لأنه يوتر حادّة (3)، ووتر الحادّة أقصر، فقد ثبت أنّ خطوط الكرة يكون بعضها أقصر، فقد ثبت ما قلناه (4).

وصورة هذا الشكل هكذا:

وإذا دحرجناها عليه لاقته في كلّ آن يفرض (5)بنقطة، فيكونان مركبين من الأجزاء التي لا تتجزأ، وهو المطلوب.

المسلك الثاني: إنّ تلك النقطة يشار إليها وهي موجودة، لأنّ بها يحصل الملاقاة، ولأنها نهاية موجود(6)، فهي إما أن تكون جوهراً أو عرضاً، فإن كانت

ص: 67


1- في ج، د، ه: أخرج.
2- العبارة في ج، د ، ه: (الآخر واتصلا بطرفي الملاقاة).
3- في ج، د، ه: (وتر الحادّة).
4- العبارة في :ج: (ووتر الحادّة أقصر من وتر القائمة، فثبت أنها ليست حقيقة لما قلنا)، وفي ب، د، ه هكذا: (ووتر الحادّة أقصر من وتر القائمة، فثبت أنّ بعض الخطوط الخارجة من مركز هذه الكرة يكون أطول من بعض، فثبت كونها ليست حسّية لما قلناه).
5- في د، ه: تفترض.
6- في ب، ج، د، ه: الموجود.

جوهراً، ثبت المطلوب، وإن كانت عرضاً، فمحلّها إن انقسم انقسمت، لأنّ حلولها إما أن يكون في جميع أجزاء المنقسم (1)ويلزم تعدّدها وانقسامها، وإن كان

في بعضه، نقلنا الكلام إليه، وإن لم ينقسم، فهو المطلوب.

المسلك الثالث: لو لم يكن الجوهر الفرد موجوداً للزم أن يكون الجسم قابلاً للانقسامات التي لا تتناهى، وذلك يفضي إلى أن يكون الجبل العظيم

مساوياً للخردلة، وذلك باطل بالضرورة.

واحتج النفاة بوجوه:

الوجه الأوّل: أنا (2)إذا وضعنا جوهراً بين جوهرين، فإما أن يلاقيهما بجميعه أو ببعضه، والأوّل باطل وإلا لزم التداخل، وهو محال. والثاني يلزم منه المطلوب، وهذا مراد الشيخ (أدام الله ظلّه) [ بقوله ](3): «بالأسر، أو لا بالأسر».

الوجه الثاني: إذا كان خطاً مركباً من ثلاثة أجزاء(4)، ثمّ وضعنا فوق طرفي الخط جزئين (5)، ثمّ إنّا حركناهما، تلاقيا عند منتصف الأوسط، فانقسم

الكل.

الوجه الثالث: إنّ الشمس إذا تحركت جزءاً، فإن تحرك الظلّ بقدره

ص: 68


1- في ج، د، ه: (أجزائه المنقسمة).
2- لا يوجد في ب ، ج ، د، ه.
3- أثبتناه من ج، د، ه
4- العبارة في ب :(خطه مركب من ثلاثة جواهر)، وفي ج، د، ه: (خط مركب من ثلاثة جواهر).
5- في ب، ج، د، ه: جوهرين.

تساوى حركة الظل ومدار الشمس، وإن (1)تحرك أقل منه لزم الانقسام.

والجواب عن الأوّل: بالمعارضة بالسطوح المتلاقية، وهي عندهم أعراض، فملاقاتها عندهم لا ببعض الأجزاء، ولا بجميع الأجزاء، فكذا ها هنا.

وعن الثاني: بالمنع من حركتهما، لأنّ الحركة مفتقرة إلى المكان، والجزء الواحد لا يكون محلاً لجزئين، بالضرورة.

وعن الثالث: إنّ الظل يسكن في بعض أزمنة حركة الشمس، فلا يلزم ما قالوه .

[بحث في أحكام الأجسام]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثاني: في أحكام الأجسام(2):

وهي (3)متماثلة خلافاً للنظام، لأنّ المعقول من الجسم - هو الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم أمر واحد - متساو في الجميع، فتكون

متساوية»(4).(5)

ص: 69


1- في ب، ج، د، ه: فإن.
2- في المصدر : (في أحكام الجوهر) وهو الأصح ، وفي ب في أحكام الجواهر الأجسام)، وفي د ،ه: ( في أحكام جواهر الأجسام).
3- في المصدر : الأجسام.
4- في ب، ج: متماثلة.
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 22 الفصل الرابع.

أقول: اتفقت المعتزلة، إلّا أبا إسحاق النظام(1): على أنّ الأجسام متماثلة، ووافقهم على ذلك الأشاعرة بأجمعهم، وكذلك الحكماء.

وذهب النظام: إلى أنها غير متماثلة.

والأوّل هو الحق ! لنا على ذلك حجج:

الحجّة الأولى: إنّ الأجسام قابلة لجميع الأعراض على السوية، فلولا تماثلها لما كانت كذلك.

الحجّة الثانية: إنّ المعقول من الجسم هو الحاصل في الحيّز، وذلك أمر مشترك في جميع الأجسام على الاستواء، فتكون متماثلة.

الحجّة الثالثة: إنّ معنى الجسم هو الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم، وهو أمر مشترك في سائر الأجسام.

ومراد الشيخ ب__(الأبعاد الثلاثة) هي: الطول والعرض، والعمق.

والزاوية القائمة تحدث (2)عن خطين أحدهما راكباً على الآخر كالمعمود (3)عليه، فيحدث حينئذ عنهما (4)زاويتان قائمتان هكذا:

ص: 70


1- أبو إسحاق النظام: إبراهيم بن سيار بن هاني البصري المتكلّم المعتزلي، أحد شيوخ المعتزلة، توفي سنة (231ه)، تابعته فرقة من المعتزلة سميت (النظامية)، أستاذ الجاحظ، له تصانيف عدة في الفلسفة والاعتزال
2- (هي : الطول والعرض، والعمق، والزاوية القائمة تحدث) لا يوجد في د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: كالعمود.
4- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

ولقائل أن يورد على الدليل الأوّل والثاني: أنّ الحيّز (1)وقبولها للأعراض لازمان لها، والأشياء المختلفة قد تتفق في لازم واحدٍ وإن كانت مختلفة، فإنّ السواد والبياض وغيرهما من الأعراض مختلفة، وقد اشتركت في لازم واحد، وهو المحل.

احتجّ النظام: بأنّها لو كانت متماثلة لكان بعضها قابلاً لما يقبله الآخر، فتكون النار قابلة للبرودة، وهو محال، لاستحالة اجتماع المتضادين .(2)

والجواب المنع من استحالة قبول النار للبرودة(3)، وإنّما المحال اتصافها بها

[في بقاء الأجسام]

قال (أدام الله أيامه): «وهي باقية، خلافاً له أيضاً.

والضرورة قاضية بذلك (4)، فإنّا نعلم بالضرورة أنّ الجسم الذي شاهدناه في الزمن الأوّل هو بعينه الموجود في الزمن الثاني. ويستحيل عليها التداخل، خلافاً له أيضاً، فإنّا نعلم بالضرورة أنّ البعدين إذا اجتمعا زادا على البعد الواحد» .(5)

ص: 71


1- في ج: (أن الحصول في الحيّز).
2- في ب، ج، د، ه: الضدين.
3- في ب، ج، د، ه: البرودة.
4- في المصدر : (بذلك البقاء).
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 22 - 23 الفصل الرابع.

أقول هذا البحث يشتمل على مسألتين:

المسألة الأولى: إنّ الأجسام باقية.

ذهب جميع الناس: إلى أن الأجسام باقية .(1)

وخالفهم في ذلك النظام(2)، وقال: إنها غير باقية.

والحق الأوّل!

لنا: إنّ الضرورة قاضية بذلك، فإنا نعلم قطعاً ضرورة أنّ الجسم الذي رأيناه بالأمس هو بعينه الذي رأيناه في اليوم، والمخالف مكابر.

وقد استدلّ بعض المتكلمين على بقائها، بأن قال: هي ممكنة الوجود في الزمان الأوّل، فتكون ممكنة في الزمان الثاني وإلاّ لزم الانقلاب من الإمكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي.

المسألة الثانية: في أنّ الأجسام يستحيل عليها التداخل.

والدليل على ذلك: أنّ الضرورة قاضية بأنّ البعدين إذا اجتمعا زاد على البعد الواحد.

وأمّا المتكلّمين فإنّهم قالوا: إنّها متماثلة، فلو تداخلت لم يقع بينهما تمايز ولا تماثل، وذلك يقضي إلى اتحاد الاثنين، وهو محال.

قال (أدام الله أيامه): «ويجوز خلوها من جميع الأعراض، إلّا الكون، لأنّ الهواء كذلك، وخلاف الأشعرية ضعيف» .(3)

ص: 72


1- (ذهب جميع الناس إلى أنّ الأجسام باقية) لا يوجد في د، ه.
2- إبراهيم بن سيار البصري المعتزلي، أبو إسحاق النظام، تقدم.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 23 الفصل الرابع.

أقول: ذهب جماعة من الأشعرية إلى أنّ الأجسام لا تخلو من ثلاثة أعراض، وهي: اللون والطعم والرائحة.

والأجود خلافه!

فإنّ الهواء جسم وليس له شيء من هذه الثلاثة(1)، لأنه لو كان متصفاً بشيء منها لأدركناه. والأشاعرة لما ذهبوا إلى جواز عدم الرؤية عند استجماع الشرائط، لم يلزمهم هذا الدليل، بل يحتاج إلى أن نطعن في أصلهم. وسيأتي بطلانه في ما بعد إن شاء الله تعالى.

احتجوا بأنّ الأجسام قابلة للألوان والطعوم، والروائح، فيجب اتصافها بهذه، أو بضدّها.

والجواب: المنع من الكبرى(2) في الأوّل، سلّمنا، لكن قولهم يجب الاتصاف بها أو بضدها ممنوع، وإلى هذا أشار بقوله: «وخلاف الأشعرية ضعیف».

قال (أدام الله أيامه) : «وهي مرئية بواسطة الضوء واللون».(3)

أقول: الأجسام مرئية بواسطة الضوء واللون، وسلّمه الحكماء.

لكنّهم قالوا: المرئي إما بالذات أو بالعرض، فالمرئي بالذات هو اللون والضوء، وباقي الأجسام مرئية بسببهما، ولا حاجة في الاستدلال هاهنا.

ص: 73


1- في ب، ج، د، ه: الأعراض.
2- في ب، ج : الصغرى.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 23 الفصل الرابع.

[في تناهي الأجسام]

قال (أدام الله أيامه): «وهي متناهية، خلافاً للهند. لأنه لولا ذلك لأمكن فرض خطين غير متناهيين خرجا من نقطة واحدة، كساقي مثلث، فإنّ البعد

بينهما يتزايد بتزايدهما، فإذا كانا غير متناهيين كان البعد بينهما غير متناه، فيكون ما لا يتناهى محصوراً بين حاصرين، وهو باطل بالضرورة» .(1)

أقول: اختلف الناس في تناهي الأجسام:

فذهب جماعة من الأوائل إلى أنّها متناهية. وهو الحق!

[وذهب آخرون إلى أنها غير متناهية، وهو ضعيف!].(2)

لنا على ذلك وجوه:

الوجه الأوّل: إنّ الأجسام لو كانت غير متناهية، لأمكنا فرض خطين غير متناهيين أصلهما نقطة واحدة، كساقي مثلث، هكذا:

فالبعد الذي بين الخطين يزداد بحسب زيادة الخطين، فإذا كانا غير متناهيين كان ما بينهما غير متناه بالضرورة، وهو باطل. لأنه يلزم منه أن يكون ما لا يتناهى محصوراً بين حاصرين، وهو محال.

ص: 74


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 23 الفصل الرابع.
2- أثبتناه من حاشية المخطوطة، ولا يوجد في ب، ج، د، ه.

الوجه الثاني: وهو أنا (1)إذا فرضنا خطين غير متناهيين من جهة دون أخرى، ثمّ إنّا(2) قطعنا من أحد الخطين من جانبه (3)المتناهي قطعة، ثمّ جذبناه حتى ساوينا بين الطرفين المتناهيين، فإمّا أن يمتد الناقص حينئذ (4)بحيث يساوي الكامل في الامتداد أو لا ؛ والأوّل محال، وإن لم يمتد لكان الكامل مساوياً للناقص (5)، وهو باطل بالضرورة؛ والثاني هو المطلوب.

الوجه الثالث: وهو أن نفرض خطين أحدهما متناهي والآخر غير متناهي، ثمّ إنّ الخط المتناهي زال من الموازاة، ثمّ انتقل منه إلى المسامتة، فعند الانتقال تحدث نقطة المسامتة، وهى أوّل النقط ، وفرض نقطة هي أوّل النقط محال، لأنّ كلّ نقطة من نقط المسامتة مسبوقة بأخرى .(6)

احتج المخالف: بأنّ خارج الأجسام يتميّز فيه جانب عن جانب، لأنّ الجانب الذي يلي القطب الشمالي مغاير للجانب الذي يلي القطب الجنوبي، فإذا

ص: 75


1- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- لا يوجد في د، ه.
3- في ج: (من جهة جانبه)، وفي د ه: (من جانب).
4- لا يوجد في ب، ج، د، ه
5- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (وإلا لكان الكامل مساوياً للناقص).
6- العبارة في ب :(هو أن نفرض خطّين أحدهما متناه والآخر غير متناه، ثمّ إنّ المتناهي زال من الموازاة إلى المسامتة، فعند الانتقال تحدث نقطة المسامتة مسبوقة بالأُخرى، فإذا فرض غير متناه محال)، وفي ج، د ه: (... زال من الموازاة وانتقل إلى المسامتة فعند الانتقال تحدث نقطة المسامتة، وهي أوّل النقط وذلك محال، لأنّ كلّ نقطة من نقط المسامتة مسبوقة بأخرى، فإذا فرض خط غير متناه محال).

تميّز فلا بد أن يكون أمراً وجودياً، وذلك الأمر يشار إليه، فيكون جسماً، فيلزم أن يكون خارج الأجسام جسماً!

والجواب: إن الحاكم بهذا إنّما هو الوهم، وحكم الوهم غير مقبول.

[في جواز الخلأ بين الأجسام]

قال (أدام الله أيامه) : «ويجوز الخلأ بينها لأنا إذا وضعنا سطحاً مستوياً على مثله، ثمّ رفعناه رفعاً مستوياً ارتفع جميع جوانبه، وإلا لزم التفكيك. ففي أوّل زمان رفعه يخلو الوسط، لأنّ حلول جسم فيه إنّما يكون بعد المرور على الطرف، فحال كونه في الطرف يكون الوسط خالياً.

ولأنّ الملاء لو كان موجوداً لكان إذا تحرك الجسم، فإن بقي المكان الذي ينتقل إليه مملواً لزم التداخل. وإن تحرك الجسم عنه، فإن كان إلى مكان(1) الأوّل لزم الدور، وإن كان إلى مكان ثالث لزم تحرك العالم بتحرك البقة، وهو معلوم البطلان» .(2)

أقول : اختلف الناس في جواز الخلأ - والمراد [به](3) كون الجسمين بحيث لا يتماسان -

فذهب المتكلّمون وكثير من قدماء الفلاسفة إلى جوازه، ومنع منه

ص: 76


1- في ب، ج، د، ه: المكان.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 23 الفصل الرابع.
3- أثبتناه من ب ، ج ، د ه

أرسطو (1)وأتباعه.

واستدلّ شيخنا (أدام الله ظلّه) في كتابه هذ(2) على جوازه بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّا (3)إذا فرضنا سطحاً مستوياً غير مضلّع ولا مجعد على سطح آخر مثله، ثمّ إنا (4)رفعناه رفعاً مستوياً بحيث يكون ارتفاع جميع أجزائه على السوية، ارتفع جميع جوانب المرفوع بالضرورة، وإلا لزم التفكيك في أجزائه، وقد فرضناه مستوياً هذا خلف (5). فإذا (6)ارتفعت جميع جوانب المرفوع لا بد أن يخلو الوسط، لأنه إذا حلّ جسم في الوسط لا بد أن يمرّ أوّلاً على الجوانب (7)، ثم يحلّ في الوسط ضرورة، فحال مروره على الجوانب(8) يكون الوسط خالياً، وهو المطلوب.

[اعترض: بأنه يجوز أن يخلق الله تعالى في الوسط جسماً حال الرفع، لأنه فاعل مختار على قولكم. وفيه نظر لأنا لم نقل أنه واجب، وإنّما قلنا أنه ممكن،

ص: 77


1- أرسطو طاليس بن نيقوماخوس الفيثاغوري، من فلاسفة اليونان، الملقب ب_(المعلم الأول)، ولد في مقدونيا سنة (384 ق م)، وتوفي سنة (322 ق م)، يسمّى أتباعه ب_(المشائين)، تلميذ أفلاطون، ومعلم الإسكندر بن فيلبس ملك مقدونيا ، له كتب كثيرة في مختلف فروع العلم.
2- (في كتابه هذا) لا توجد في ب، ج، د، ه.
3- لا يوجد في ج، د، ه.
4- في ه: إذا.
5- (وقد فرضناه مستوياً هذا خلف) لا توجد في ب، ج، د، ه.
6- في ب، ج، د، ه: وإذا.
7- في ب، ج، د، ه: الطرف.
8- في ب، ج، د، ه: الجانب.

ولا شكّ في إمكانه ، لما قلناه].(1)

الوجه الثاني: إنّ الجسم إذا انتقل من موضع إلى موضع آخر(2)، فإما أن يكون ذلك الموضع (3)المنقول إليه خالياً أو ممتلئاً، فإن كان خالياً ثبت المطلوب، وإن كان مملوءاً، فتلك الأجسام الحالة فيه إن بقيت كما كانت أولاً لزم التداخل، وإن انتقلت فإما أن تكون إلى المكان الأوّل ويلزم الدور، لأنّ انتقال كلّ واحد منهما يتوقف على انتقال الآخر، وإما أن يكون إلى مكان ثالث(4)، ويلزم تحرك العالم بتحرك البعوضة(5)، وهو محال، لأنا ننقل الكلام إلى المكان الثالث، فيجيء البحث الأوّل.

[في حدوث الأجسام]

قال (أدام الله أيامه) وهي حادثة، لأنها لو كانت أزلية لكانت إمّا متحركة أو ساكنة والقسمان باطلان. أمّا الملازمة فلأنها حينئذ لا بدّ لها منمكان، فإن كانت لابثة فيه كانت ساكنة، وإن كانت منتقلة عنه كانت متحركة ولا واسطة بينهما .

وأما بطلان الأوّل، فلأنّ الحركة عبارة عن حصول الجسم في حيّز بعد أن

ص: 78


1- أثبتناه من ب، ج، د ه
2- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (إنّ الجسم متى انتقل من مكان إلى مكان آخر).
3- في ب، ج، د، ه: المكان.
4- العبارة في ب، ج، د، ه: (أو إلى مكان ثالث).
5- في ب، ج، د، ه: البقة.

كان في آخر (1)، فماهيتها تستدعي المسبوقية بالغير والأزل ينافي المسبوقية بالغير، فالجمع بينهما محال.

وأما بطلان الثاني، فلأنّها لو كانت ساكنة لامتنعت الحركة عليها، لأنّ السكون الأزلي يستحيل زواله والتالي ،باطل، لأنّ الأجسام بأجمعها متحركة: أما الفلكيات فحركاتها ظاهره (2)، وأما العناصر فلأنها إما بسائط، وإما مركبات.

أما المركبات فحركتها ظاهرة، وأما البسائط فلأن الجانب الذي يلاقي به بعضها بعضاً مساوٍ للجانب الآخر، فيصح على الآخر الملاقاة، وإنّما يكون ذلك بالحركة، فصحت الحركة عليها»(3).(4)

أقول: اختلف الناس في حدوث الأجسام - وطال التشاجر بينهم - :

فذهب أهل الحق من الملل: إلى أنّ العالم مُحدَث وله محدث وخالق، وكان الله تعالى موجوداً ولم يكن معه شيء(5) سواه، وإليه ذهب قدماء الفلاسفة.

وذهب أكثر الحكماء من القدماء، كأرسطو (6) ، وأرسطاطاليس (7)

ص: 79


1- في ج، د، ه: (حيّز آخر).
2- في المصدر، ب: (الفلكيات فظاهرة).
3- لا يوجد في المصدر.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 23 - 24 الفصل الرابع.
5- لا يوجد في ب، د، ه.
6- أرسطو طاليس، المعلم الأوّل، تقدّم.
7- الظاهر الأصح (أرسطو) أو (أرسطاطاليس)، فإنّ (أرسطو)، و(أرسطاطاليس)، و (أرسطو طاليس) ، أسماء تنسب لشخص واحد، ولم أجد من نسبها لشخوص متعدّدة.

والمتأخرين كأبي نصر الفارابي (1)، وأبي علي الحسين ابن سينا(2): إلى أنّ الأجسام السماوية قديمة، وكذا مادّة الأجسام العنصرية أيضاً، وأما صورها (3)الجسمية فهي حادثة، وكذلك الأعراض التابعة للأجسام.

لنا على حدوث الأجسام [كلّها](4) وجهان:

الوجه الأوّل: إنّ العالم ممكن، وكل ممكن محدث، فالعالم محدث.

أمّا الصغرى، فسيأتي بيانها.

وأمّا الكبرى، فلأنّ المؤثر إمّا أن يكون حال بقاء الأجسام أو حال عدمها، فإن كان حال بقاء الأجسام لزم تحصيل الحاصل، وإن كان حال عدمها، ثبت المطلوب لأنا لا نعني إلا الموجود بعد أن كان معدوماً.

الوجه الثاني وهو أقوى ما يحتج به القائلون بالحدوث.

وتقريره، أن نقول: لو لم تكن الأجسام حادثة لكانت أزلية قطعاً، والتالي باطل، فالمقدّم مثله. وبيان الملازمة ظاهر.

ص: 80


1- أبو نصر الفارابي: محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ المعروف بالمعلّم الثاني من أكبر حكماء المسلمين وفلاسفتهم المشاهير تركي الأصل مستعرب، ولد في فاراب سنة (260ه)، وانتقل إلى بغداد فنشأ فيها ورحل إلى الشام وتوفي في دمشق سنة (339ه)، له نحو مائة تصنيف وبكتبه تخرّج الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا.
2- أبو علي سينا: الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا البخاري، الملقب بالشيخ الرئيس، ولد سنة (375ه)، وتوفي في سنة (428 ه)، شيخ الفلاسفة الإسلاميين وأستاذ الحكماء الإلهيين، ألّف كتباً كثيرة في المنطق والفلسفة والرياضيات والطب والإلهيات وغيرها.
3- في د، ه: صورة.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

أما بطلان التالي : فلأنّ الأجسام حينئذ](1) إما متحركة أو ساكنة، والقسمان باطلان

أما بيان الحصر: فلأنّ الأجسام إما أن تكون لابثة(2)، أو متنقلة، والأولى تسمّى الساكنة، والثانية تسمّى المتحركة (3).

وأمّا بطلان الحركة عليها فلأنّ الحركة عبارة عن الحصول الأوّل في المكان الثاني فماهيّة الحركة تستدعي المسبوقية بالغير، والأزل (4)ينافيه.

وأمّا بطلان الثاني: فلأنها لو كانت ساكنة وجب امتناع الحركة عليها، لأنّ السكون الأزلي يمنع زواله ، والتالي باطل، لأنّ جميع (5)الأجسام يصح أن تكون متحركة، لأنها إما فلكيات فهي متحركة قطعاً، لأنّ الفلك وما فيه من الأجسام، مثل: الشمس والقمر والنجوم، متحرك دائماً، وإما عناصر (6)، والعنصر في

اللغة: (الأصل)، والعناصر إما أن تكون بسيطة أو مركبة(7)، فالأجسام البسيطة المراد بها ها هنا(8) التي يتساوي أجزائها، فهي حينئذ يصح عليها الحركة، لأنّ

ص: 81


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- العبارة في ب: (فلأنّ الأجسام لا بد لها من مكان فإما أن تكون).
3- العبارة في د ه: (والأوّل يسمّى الساكن، والثاني يسمّى المتحرك).
4- في ب، ج: والأزلي.
5- لا يوجد في ب، د، ه.
6- العبارة في ب، ج، د، ه: (لأنها إما فلكيات وحركاتها ظاهرة، وإما عناصر).
7- في ب ، ج ، د، ه: (بسائط أو مركبات).
8- في ب ، ج ، د ، ه: (فالبسيطة المراد بها ها هنا)، وفي د ه: (فالبسيط ها هنا).

الجانب الملاقي به بعضها بعضاً مماثل للجانب(1) الآخر، فكما صح على أحد الجانيين الملاقاة [به](2) ، كذا يصح على الآخر الملاقاة كملاقاة الجانب الأوّل، وإنّما يكون ذلك لو تحرّك؛ فصح تحركها.

وأمّا الأجسام المركبة فهي متحركة قطعاً، لأنه لا يمكن التركيب إلّا بعد الحركة .(3)

والمراد بالمركبات : [هي الأجسام] (4)التي تتركب(5) من عناصر أربعة، :وهى النار والتراب والهواء والماء، وإذا ثبت بطلان الحركة والسكون بطل

القول بقدمها .

[بحث في أحكام خاصة للأعراض وأقسامها]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثالث: في أحكام خاصة للأعراض :

وهي تسعة عشر:

[مبحث الكون]

الأوّل: الكون: وهو حصول الجسم في الحيّز. والمراد بالحيّز والمكان شيء

ص: 82


1- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- أثبتناه من د، ه.
3- العبارة في ب ج د ه: (وأما الأجسام المركبة فلا بد فيها من البسائط التي أن لا يجب لكلّ منها مقولة الوضع، فصحت الحركة على جميع المركبات والبسائط).
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- في ب، ج، د ه: تتألف.

واحد، وهو البعد المفطور الذي تشغله الأجسام بالحصول فيه.

ويندرج تحت الكون أربعة أنواع:

الحركة وهي الحصول الأوّل في المكان الثاني.

والسكون وهو الحصول في مكان (1)أكثر من زمان واحد .(2)

والاجتماع: وهو كون الجسمين (3)بحيث لا يتخلّلها ثالث.

والافتراق وهو حصولهما بحيث يتخلّلهما ثالث.

وهذه الأربعة أُمور وجودية، ومنها ما هو متماثل، وما هو متضاد. وتدرك بالبصر بواسطة اللون والضوء» .(4)

أقول: لما فرغ من أحكام الأجسام، شرع في بيان أحكام الأعراض.

ثمّ المصنّف (دام ظله) قسم أحكام الأعراض إلى عامة، وخاصة.

فالأحكام الخاصة تسعة عشر:

الأوّل: الكون: وهو حصول الجسم في الحيّ(5)، ولا فرق بين الحيّز والمكان عند المتكلمين؛ لأنه (6)البعد المفطور الذي فطرته (7)الأجسام بالحصول

ص: 83


1- في المصدر، د ه: (مكان واحد).
2- لا يوجد في المصدر، د، ه.
3- في المصدر، ب، ج: (حصول الجوهرين).
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 24 الفصل الرابع.
5- في ب، ج: حيّز.
6- في ب، د، ه: وهو.
7- في ب، ج، د، ه: تشغله.

[فيه].(1)

وهذا العرض المسمّى بالكون جنس تحته أربعة أنواع:

منها الحركة وهي الحصول الأوّل في المكان الثاني، وهو مذهب المتكلّمين.

وأمّا مذهب الحكماء فمنهم من نفاها وقال لا حركة، لأنّها لو كانت ،موجودة، فإما أن ينقسم، ويلزم أن يكون الماضي عين المستقبل، لأن الحركة شيء واحد (2)، وإما أن لا ينقسم، ويلزم إثبات الجوهر الفرد، وهو باطل .(3)

وأُجيب: بأن قيل : إنّها لا تنقسم.

وقولهم : ويلزم إثبات الجوهر الفرد.

قلنا(4): مسلّم، وقد مضى تحقيق القول في ذلك، [وأيضاً: فإنّه تشكيك في الضروريات] .(5)

ومنهم من قال: هي كمال أوّل لما بالقوة من حيث هو بالقوة. والأوّل أقوى، لأنّ الجسم لا في مكان محال، وإذا كان في مكان، فإن كان في مكانه الأوّل فليس بحركة إجماعاً ، وإن كان في مكانه الثاني، ثبت المطلوب.

ومنها السكون: وهو الحصول في مكان أكثر من زمان واحد (6)، وهذا

ص: 84


1- أثبتناه من ب ج د ه.
2- (لأنّ الحركة شيء واحد) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه-.
6- لا يوجد في ب، ج، د، ه-.

مذهب أكثر (1)المتكلمين.

وقالت الحكماء: إنّ (2)السكون عدم الحركة عما من شأنه أن يكون متحركاً. والأوّل أقوى لأنّ الحركة من الأمور الوجودية، فيكون السكون كذلك لكونها (3)من نوع واحد.

ومنها الاجتماع: وهو حصول الجوهرين بحيث (4)لا يتخللها ثالث .

ومنها الافتراق: وهو عبارة عن حصولهما في مكان بحيث يتخلّلهما آخر .(5)

وهذه الأربعة وجودية، وهي إما متماثلة، وهي المختصة بجهة واحدة من الأكوان، سواء كان في وقت واحد أو وقتين إذا كان على البدل، وإما متضادّة، وهي التي تكون في جهتين، وتدرك هذه الأكوان الأربعة بواسطة اللون والضوء لا أنّها مرئية الذات من حيث هي هي، بل بواسطتها .(6)

ص: 85


1- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: لأنهما.
4- في ب، ج: في حيّز.
5- في ب، ج، د، ه: ثالث.
6- العبارة في ب ج: (وهذه الأربعة وجودية، ومنها ما هو متماثل، وهو المختص بجهة واحدة من الأكوان، سواء كان في وقت واحد أو وقتين إذا كان على البدل، وما هو متضاد، وهو ما اختص بجهتين وهل الكون مرئي أم لا؟ قال بعض المتكلمين: أنه مرئي، ومنع منه آخرون، وقالت الأوائل مرئي بواسطة رؤية الألوان لا لذاته)، وفي د ه: (... و ما هو متضادّة، وهو ما يقتضي لجهتين، وهل الكون مرئي أم لا؟ قال بعض المتكلمين أنّه مرئي بواسطة رؤية الألوان لذاته).

[مبحث اللون]

قال (أدام الله أيامه): «الثاني: اللون: وهو جنس للسواد والبياض، وأثبت آخرون الحمرة والخضرة والصفرة بسائط، ونفى قوم البياض، وهو خطأ، فإنّا نشاهده لا باعتبار ممازجة الهواء للأجزاء الشفافة، كما في بياض البيض المسلوق.

والضوء كيفية يكون الجسم به مستنيراً: إما من ذاته كما في الشمس، أو من غيره كما في المستضيء بنور غيره.

والضوء شرط لكون اللون مرئياً لا لوجوده، كما ذهب إليه بعضهم.

والظلمة عدم الضوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئاً» .(1)

أقول: للناس في حصر الألوان البسيطة وعددها (2)أقوال:

فذهب بعض الحكماء إلى أنه لا شيء من الألوان ببسيط (3)إلّا السواد.

وذهب آخرون إلى أنه لا شيء منها ببسيط(4) إلا السواد والبياض؛ وأضاف آخرون منهم أبو هاشم (5)ومن تابعه: الحمرة والخضرة، وأضاف

آخرون: الصفرة.

وأمّا شيخنا المصنف (دام ظلّه)، فقال في غير هذا الكتاب: «إنّ هذه الأُمور

ص: 86


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 24 - 25 الفصل الرابع.
2- في ب، د، ه: عدّها.
3- في ب، ج، ه: بسيطة.
4- في ب، ج، ه: ببسيطة.
5- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.

لا يمكن الاطلاع عليها، فالأولى حينئذ التوقف».(1) (2)

وأنكر بعض الحكماء كون البياض من بسائط الألوان، وقال: إنّه مركب من أجزاء شفافة في غاية ما يكون من الصغر ومن هواء، وهو ضعيف! إذ لو كان كذلك، لكان البيض قبل سلقه أخف(3) منه بعد السلق، والوجدان بخلاف ذلك.

والأولى في هذا الموضع اتباع شيخنا (دام ظلّه).

والضوء، قيل: إنّه جسم ينفصل عن المضيء ويتصل بالمستضيء، وليس بجيّد ! (4)لأنّ ذلك الجسم إما أن يكون محسوساً، فيجب أن يستر ما تحته، فكان كلّما كثر الضوء ازداد(5)المستضيء خفاء، والوجدان خلافه. وإن كان غير محسوس، فهو باطل ضرورة ، [لأنّ الأجسام متساوية في الجسمية، فلو كان جسماً لكان مساوياً لها، وهو باطل].(6)

والأولى أنّ الضوء من الأُمور المحسوسة الظاهرة التي لا تحتاج إلى التعريف، وما ذكره شيخنا (دام ظلّه) تعريف لفظي.

ص: 87


1- في ب، ج، د، ه: الوقف.
2- انظر : كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد للعلامة الحلي.
3- في ب ج د ه: أثقل منه
4- العبارة في د ه: (والضوء، قيل : إنّه جسم ينتقل بالمستضيء، ليس بجيّد).
5- في ب، ج، د، ه: زاد.
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

ثمّ هذا الظهور (1)إمّا أن يكون من ذاته كالشمس والنار ، ويسمّى [والنار](2)، ضوءاً، أو من غيره كالجدار المستضيء بالشمس، ويسمّى نوراً.

واختلف في الضوء: هل هو شرط في رؤية الألوان، أو في وجودها؟ فقال الأكثر بالأوّل

وأبو علي ابن سينا (3)ذهب إلى الثاني، واستدل على مذهبه: بأنّ الأجسام إذا كانت في موضع مظلم، فإنا لا نشاهدها قطعاً، فالمانع من الإبصار إما أن يكون الظلمة، وهو المطلوب، أو الهواء المظلم، وهو باطل، لأنّ الهواء غير مانع، لأنه لو كان مانعاً لما رأينا الإنسان الكائن في غار مثلاً الموصوف بتلك الصفة

وبيننا وبينه هواء مظلم بعد استضائه دون ما بيننا وبينه، ونحن نجد غير ذلك .(4)

أجيب: بأنّ هذا الدليل غير دال على مطلوبه، بل إنّما يدلّ على كون الرؤية تعدم بعدم الضوء، وهو مسلّم.(5)

ص: 88


1- في ب، د، ه: (ثم ظهور الشيء)، وفي ج : (ثمّ الظهور للشيء).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- أبو على الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، تقدّم.
4- العبارة في ب ج د ه: (بأنّ الأجسام إذا كانت في موضع مظلم فإنا لا نشاهدها قطعاً، فإمّا أن يكون لعدم لونها، وهو المطلوب، أو الحصول كيفية قائمة بالمظلم مانعة من الإبصار، وذلك باطل، وإلا لما رأينا ونحن بعيدون عن النار من هو قريب منها ليلاً، وليس كذلك لأنا نجد خلافه).
5- العبارة في ب، ج، د، ه: (وأجيب: بأنّ هذا الدليل غير صواب، لأنا نقول: إنّما لم تحصل الرؤية لعدم الشرط، وهو الضوء).

واختلف في تفسير الظلمة : فقالت المعتزلة : إنّها عدم الضوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئاً، ووافقهم على ذلك جماعة من الحكماء.

وقالت جماعة من الأشاعرة: إنّها صفة ثبوتية.

واحتجت المعتزلة بأنّ المانع من الرؤية [ليلاً](1)، إما أن يكون عدم الضوء، أو الهواء المظلم، فإن كان الأوّل ثبت المطلوب، وإن كان الثاني، فهو باطل، لما بيناه من حجّة أبي علي.

وقوله: «عما من شأنه أن يكون مضيئاً»، احترز به عن القار، فإنّه عديم الضوء، لكن ليس من شأنه أن يكون مضيئاً .(2)

[مبحث الطعوم]

قال (أدام الله أيامه) «الثالث :الطعوم:

وهي تسعة لأنّ الحارّ إن فعل في الكثيف حدثت المرارة(3)، وإن فعل في اللطيف حدثت الحرافة، وإن فعل في المعتدل حدثت الملوحة.

والبارد إن فعل في الكثيف حدثت العفوصة، وإن فعل في اللطيف حدثت الحموضة، وإن فعل في المعتدل حدثت القبض.

والمعتدل إن فعل في الكثيف حدثت الحلاوة، وإن فعل في اللطيف حدثت الدسومة، وإن فعل في المعتدل حدثت التفاهة.

ص: 89


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (احترز به عن المجردات مثلاً).
3- في المصدر، ه: الحرارة.

وقد يجتمع طعمان في جسم واحد كالحرافة والقبض في الباذنجان» .(1)

أقول: الطعوم تنقسم تسعة أقسام:

وذلك لأنّ الطعم يحدث عن فاعل، وهو ثلاثة أعراض: الحرارة، والبرودة، والواسطة التي بينهما وهو المعتدل، وعن وعن مفعول هو ثلاثة أجسام:

كثيف، ولطيف، والواسطة التي بينهما وهي المعتدل وضرب الثلاثة في الثلاثة تبلغ تسعة .(2)

أ - فعل الحارّ في الكثيف يحدث المرارة، كالصبر، والحنظل، وغيرهما (3)

ب - فعل الحارّ في اللطيف يحدث الحرافة، كالفجل .(4)

ج - فعل الحارّ في المعتدل يحدث الملوحة كالملح .(5)

د - فعل البارد في الكثيف يحدث العفوصة، كالعفص .(6)

ص: 90


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 25 الفصل الرابع.
2- العبارة في ب ، ج :( وذلك لأنّ الطعم يحدث عن تفاعل ثلاث كيفيات: الكثافة واللطافة والواسطة التي بينهما وهي المعتدل. وضرب الثلاثة في مثلها تبلغ تسعة) ، وفي د، ه: (وذلك لأنّ الطعم يحدث عن تفاعل ثلاث كيفيات الحرارة والبرودة والواسطة التي بينهما وهي المعتدلة في مثلها في العدد، وهي ثلاث كيفيات: الكثافة واللطافة والواسطة التي بينهما وهيالمعتدل. وضرب الثلاثة في مثلها تبلغ تسعة).
3- (كالصبر والحنظل، وغيرهما) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
5- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
6- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

ه - فعل البارد في اللطيف يحدث الحموضة، كالليمون .(1)

و - فعل البارد في المعتدل يحدث القبض، كالباذنجان .(2)

ز - فعل المعتدل في الكثيف يحدث الحلاوة، كالتمر .(3)

ح - فعل المعتدل في اللطيف يحدث الدسومة، كاللوز .(4)

ط - فعل المعتدل في المعتدل يحدث التفاهة، وهي طعم شيء وهي طعم شيء له طعم في نفسه، لكن بسبب قوّته يمنع تحلّل بعض أجزائه لتخالط اللسان، كالحديد (5) .

وأمّا المعتزلة، فإنّهم نفوا من هذه التسعة البسائط أربعة، وقالوا: إنّها لیست ببسائط، وهي العفوصة، والقبض والتفاهة والدسومة، وقد يجتمع في جسم واحد طعمان أو ثلاثة، كالمرارة والملوحة في السبخة، والقبض والمرارة في الجص والحرافة والقبض والمرارة في الباذنجان.

تنبيه: إذا رأينا جسم له طعم مرّ، عرفنا أنه جسم كثيف قد فعلت فيه الحرارة، وإذا رأيناه حريفاً، عرفنا أنه جسم لطيف قد فعلت فيه الحرارة، وهكذا نستقرئ جميع الطعوم، ونعرف بهذا القياس من أي شيء هو مركّب .(6)

ص: 91


1- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
5- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (وهي عدم الطعم إمّا في نفس الأمر أو عند الحس).
6- التنبيه لا يوجد في ب، ج، د، ه.

[مبحث الروائح]

قال (أدام الله أيامه): «الرابع: الروائح وليس لها (1)أسماء بإزائها، بل إمّا من جهة الموافقة أو المخالفة، كما يقال: رائحة طيبة أو نتنة»، أو من جهة المحل

كرائحة المسك.

وهي كيفيات تدرك بالشم: إما بتحلل شيء من أجزاء ذي الرائحة ووصوله إلى الخيشوم، أو بانفعال الهواء المتوسط بين ذي الرائحة والخيشوم بكيفية ذي الرائحة، ووصوله إلى الخيشوم».(2)(3)

أقول: الروائح أنواع كثيرة لم يوضع لها أسماء بأزائها، أي: في مقابلة كلّ رائحة [اسم].(4)

نعم، [وضعوا] (5)لها ألفاظاً:

إما من جهة الموافقة أي من الجهة الملائمة للطبع، كقولنا: هذه رائحة طيبة، أي: ملائمة (6)للطبع.

وإما من جهة المخالفة، أي من الجهة المخالفة للطبع، أي: المنفّرة له، كقولنا: هذه رائحة منتنة.

ص: 92


1- في المصدر، ب لأنواعها.
2- (ووصوله إلى الخيشوم) لا يوجد في المصدر، ب، ج، د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 25 الفصل الرابع.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- أثبتناه من ب، ج، د ه.
6- في ب، د، ه: (رائحة موافقة).

وإما بإسنادها إلى محل (1)، كقولنا : رائحة المسك، أو رائحة الكافور، وهي کیفیات تدرك بحاسة الشم .

وسبب إدراكها، إما بتحلّل بعض أجزائها ووصولها إلى الخيشوم، وإمّا

بانفعال الهواء المتوسط بين ذي الرائحة والخيشوم بكيفية ذي الرائحة، والخيشوم](2)داخل الأنف قريب من الدماغ، إذا وصلت الرائحة إليه أدرك

الإنسان تلك الرائحة.

[مبحث الحرارة والبرودة]

قال (أدام الله أيامه): «الخامس: الحرارة والبرودة:

وهما كيفيتان ملموستان متضادّتان : فالحرارة كيفية تقتضي جمع المتجانسان وتفريق المختلفات، وهي جنس لأنواع كثيرة، كحرارة النار، وحرارة الشمس، وحرارة الغريزية وحرارة الأدوية، و الحادثة عن الحمّى.

ومن جعل البرودة عدم الحرارة عمّا من شأنه أن يكون حاراً، فقد أخطأ، فإنا نحس من الجسم البارد كيفية زائدة على عدم الحرارة» .(3)

أقول: تحقيق البحث مبني على مسألتين(4):

المسألة الأولى: في الحرارة(5):

ص: 93


1- في د، ه: المحلّ.
2- أثبتناه من ب د ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 25 - 26 الفصل الرابع.
4- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (يبتني هذا البحث على مسألتين). ب، د.
5- في ب، ج، د، ه: (في ماهية الحرارة).

ذهب قوم إلى أنّ معنى الحرارة معروف عند العقل(1)، وهو اختيار المصنف في بعض كتبه، وهو الأقوى!

لأنّ معنى الحرارة أظهر عند العقل مما يعرّفونها به، وتعريف الأظهر بالأخفى غير جائز، إذ المقصود من التعريف البيان، فيجب (2)أن يكون المعرّف

به أظهر من المعرَّف، حتى تتم (3)فائدة التعريف، وها هنا [ذلك منفي.

وذكر قوم](4): إنّ الحرارة كيفية تقتضي جمع المتجانسان وتفريق المختلفات كالخشبة إذا أحرقت، فإنّها تصير أخف منها قبل الإحراق، وكذلك التخلخل فإنّه يحدث بعد الإحراق أيضاً للخشبة، فإنّ الأجزاء الخفيفة كالنارية والهوائية تصعد إلى فوق، وتلتحق بالأخف من الأجزاء، فيحصل الاجتماع. وأمّا الافتراق فإنّ الخشبة تتفرّق بعناصرها الأربعة، وهي مختلفة.(5)

ص: 94


1- في ب، ج، د، ه: (معلومة ببديهة العقل).
2- في ب، ج، د، ه: فينبغي.
3- في ب، ج، د، ه: تحصل.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- العبارة في ب ج: (تقتضي إحداث الخفة والتخلخل، وجمع المتجانسات وتفريق المختلفات فإنّ المركب بعد تسخينه يكون أخف منه قبل التسخين، وكذلك التخلخل، وأمّا جمع المتجانسات وتفريق المختلفات، فهو أنّ المركب من الكثيف واللطيف إذا سخن يكون اللطيف أقبل للتسخين وتوسط السخونة تقتضي التخليص من الكثيف والتحاقه بالأجسام اللطيفة، ويبقى الكثيف هابطاً)، وفي د، ه: (تقتضي إحداث الخفّة والتحلّل، وجمع المتجانسات، وتفريق المختلفات، فهو أنّ المركب من الكثيف واللطيف إذا أسخن يكون اللطيف أسخن وأقبل للتسخين ...).

المسألة الثانية: في البرودة:

وهي ضد الحرارة إجماعاً وهل ها هنا أمراً زائداً يضاد الحرارة غير البرودة ؟ فيه خلاف:

قال بعض الحكماء : إنّه لا ضدّ للحرارة غير البرودة، لأنّ ضدّ الواحد واحد، وقال بعضهم بالوقف.

واختلف أيضاً بالبرودة: هل تحتاج إلى التعريف، أم هي معلومة ضرورة؟

فقال قوم من الحكماء بالأوّل، وعرّفها بأنها عدم الحرارة عما من شأنه أن يكون حاراً.

والحق الثاني وقول الحكماء باطل لأنا نحسّ [من البارد](1) بأمر زائد على عدم الحرارة، والعدم لا يدرك.

واحترز بقوله: «عما من شأنه أن يكون حارّاً»، عن الملائكة مثلاً.

[مبحث الرطوبة]

قال (أدام الله أيامه): «السادس: الرطوبة واليبوسة:

وهما كيفيتان محسوستان متضادّتان فالرطوبة كيفية(2) تقتضي سهولة قبول الأشكال لموضوعها، واليبوسة كيفية تقتضي عُسر قبول الأشكال لموضوعها، وقد يفسّر الرطوبة بالبلّة» .(3)

ص: 95


1- أثبتناه من ب، د، ه.
2- لا يوجد في ج، د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 26 الفصل الرابع.

أقول: الرطوبة واليبوسة معنيان (1)مدركان باللمس، وهما متضادّتان قطعاً.

أما الرطوبة: فهي كيفية تقتضي سهولة قبول الأشكال لموضوعها. ومعنى قولنا: تقتضي سهولة قبول الأشكال لموضوعها»، هو: أنّ الرطوبة عرض لا بد له من محلّ، فمحلّها هو الموضوع، فإذا حلّت الرطوبة في جسم(2)، اقتضى ذلك الحلول سهولة قبول [ذلك الموضوع](3) للأشكال، كالشمع مثلاً، فإنّه قابل للأشكال، باعتبار حلول الرطوبة فيه.

وأمّا اليبوسة فهي عرض يقتضي حلوله في موضوعه عُسر قبول ذلك الموضوع للأشكال [كالحجر فإنّه باعتبار حلول اليبوسة فيه تقتضي عُسر قبول الأشكال] .(4)

وقال قوم: إنّ الرطوبة هي البلّة.

[مبحث الصوت]

قال (أدام الله أيامه): «السابع: الصوت:

وهو كيفية مسموعة تحصل من تموّج الهوائين - قارع ومقروع - إلى أن يصل إلى سطح الصماخ ، وهو غير باق بالضرورة.

ص: 96


1- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- في ب موضوع ، وفي ج، د، ه: .موضع.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

والحرف هيئة عارضة للصوت، يتميّز بها عن صوت آخر مثله تميّزاً في المسموع».(1)

أقول: اختلف الناس في الصوت:

فقال النظام (2): إنّه جواهر تنقطع بالحركة. وليس بجيد! لامتناع إدراك الجوهر بالسمع.

[وقال قوم: إنّه نفس القلع والقرع وليس بجيّد! لأنهم جعلوا سبب الشيء مكان نفسه، فإنّ الصوت معلول التموّج، والتموّج معلول للقلع أو القرع] .(3)

وقال شيخنا (دام ظلّه) مصنّف الكتاب: الحق أنّ الصوت لا يجوز تعريفه، ولكنّه مدرك بحاسة السمع، وسبب إدراكه تموّج الهواء الحاصل من قرع، كضرب الخشبة على الحجر، أو كقلع بعض الخشبة عن بعض، وإذا بلغ هذا الهواء المتموّج سطح الصماخ ، تحرك، فحصل الإحساس .(4)

ص: 97


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 26 الفصل الرابع.
2- إبراهيم بن سيار البصري المعتزلي، أبو إسحاق النظام، تقدّم.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (الحق أنّ الصوت لا يحتاج إلى تعريف، وها هنا عرفه تعريفاً لفظياً، وهو يدرك بحاسة السمع، وسبب إدراكه تموّج الهواء الحاصل من قرع كضرب العصا على الحجر، أو كقلع الخشبة بعضها عن بعض، فإذا بلغ هذا التموّج إلى سطح الصماخ تحرك فحصل الإحساس، وإذا تموّج الهواء وقاوم ذلك التموّج جسم كجبل أو جدار أملس بحيث يردّ ذلك التموّج على حاله إلى خلف حصل صوت آخر هو الصدا).

وقال أبو علي ابن سينا (1)بوجوده خارج الحاسّة، لا تدرك جهته .(2)

واعترض على القول الأوّل: بأنه لو كان داخل الحاسة لما أدركنا جهته(3)، فإنّ الشمّ واللمس لما كانا إنّما يدركان بالملاقاة لم ندرك جهتها، بخلاف الصوت وهو غير باق لأنه لو كان باقياً لكنا ندركه في الزمن الثاني كما ندركه في الزمن الأوّل، والتالي ،باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : إنّ المدرك صحيح، والموانع منفيّة، فصح ((4)4) الإدراك.

وبيان بطلان التالي بالضرورة.

وأمّا الحرف فقال قوم: إنّه هيئة عارضة للصوت يتميّز بها عن مماثله (5)تميّزاً في المسموع.

وجماعة من المتكلمين لما ذهبوا إلى استحالة قيام المعاني بعضها ببعض، أحالوا قيام الحرف بالصوت، بل ذهبوا إلى أنه داخل تحت جنس الصوت.

[مبحث الاعتماد]

قال (أدام الله أيامه): «الثامن: الاعتماد:

وهو كيفية تقتضي حصول الجسم في جهة من الجهات:

وهو: إمّا لازم كالثقل والخفّة، وإما مجتلب.

ص: 98


1- أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، تقدّم.
2- في ب، ج، د، ه: (لأنا ندرك جهته).
3- (واعترض على القول الأوّل: بأنه لو كان داخل الحاسّة لما أدركنا جهته) لا توجد في ب، د، ه.
4- في ب، ج، د، ه: فوجب.
5- في ب، ج، د، ه: (عن صوت آخر مثله).

وأنواعه ستة بحسب تعدد الجهات» .(1)

أقول : الاعتماد عبارة عن [كيفية تقتضي](2) حصول الجسم في جهة من الجهات .(3)

وهو إما لازم(4)، كالثقل والخفّة، فإنّ الجسم الثقيل إذا حدفناه إلى جهة فوق، فنزوله إلى جهة تحت لازم(5)، وكذلك الزق المنفوخ إذا وضعناه في(6) الماء، فصعوده(7) إلى جهة فوق باللزوم.

وإما مجتلب، وله أنواع أربعة جهة الأمام، وجهة الوراء، وجهة اليمين، وجهة الشمال، فإنّ شيء من الأجسام لا يكون طلبه لأحد هذه الجهات باللزوم،

بل بالقسر.

فالاعتماد جنس تحت هذه الستة الأنواع، وهو متماثل إن اختص بجهة واحدة إجماعاً (8). وهل هو متضاد أم لا؟

ص: 99


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 26 الفصل الرابع.
2- أثبتناه من ب، ج.
3- العبارة لا توجد في د ه
4- في د، ه: (فهو ينقسم إلى لازم).
5- في ب، ج، د، ه: (أسفل باللزوم).
6- في ب، ج، د، ه: تحت.
7- في ب وجهاته.
8- العبارة في ب، ج، د ه: (وإلى مجتلب، وجهاته ست: الأمام، والوراء، وجهة اليمين، وجهة الشمال، وجهة الفوق، وجهة الأسفل، فمنه المتماثل وهو ما اختص بجهة واحدة إجماعاً، لاستلزام الاتحاد في المعلول لاتحاد في العلّة، ومنه المختلف وهو ما تعدّدت جهاته).

فذهب أبو هاشم (1)وأتباعه : إلى أنه غير متضاد، وقال أبو علي الجبائي(2): متضاد.

احتج أبو هاشم بأنّه غير متماثل لعدم وجود صفة التماثل، وغير متضادّ لأنّ الجسم، إذا رميناه إلى جهة فوق كان فيه اعتماداً إلى فوق بالقسر، واعتماداً إلى بالطبع، وأيضاً فإنّ الجسم إذا تجاذبه شخصان، وكانت قدرتها متساوية، تحت (3)بالطبع، وقف [ذلك الجسم](4)، فلو كان اختلاف الجهة موجباً(5) للتضاد، لزم اجتماع

المتضادين، وهو محال.

[قال: «وهو غير باق] .(6)

أقول: مذهب المعتزلة : [إلى] أنّ الذي يصحّ بقاءه وهو اللازم لا غير، وأما المجتلب فلا يصح بقاءه، إذ لو بقى لبقى معلوله.

واحتجوا على الأوّل: بأنه لو لم يبق في الحجر اعتماد لامتنع منا حمل الثقيل، أو سهل جداً. لكن الثاني بقسميه باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة: إنّ الله تعالى فعل فيه اعتماداً امتنع منا ممانعته، وإن لم يفعل سهل علينا حركته لعدم المانع. وبيان بطلان الثاني ظاهر].(7)

ص: 100


1- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.
2- أبو علي محمّد بن عبد الوهاب الجبائي، والد أبو هاشم، تقدّم.
3- في ب، ج، د، ه: أسفل.
4- أثبتناه من ب، ج، د ه.
5- في ب، د، ه: سبباً.
6- نهج المسترشدين في أصول الدين: 26 الفصل الرابع.
7- أثبتناه من ب ، ج ، د ه

[مبحث التأليف]

قال (أدام الله أيامه): «التاسع: التأليف:

وهو عرض يختص بالمحلّين لا أزيد، يقتضي صعوبة تفكيك الأجزاء. وأكثر العقلاء أحالوا وجود عرض واحد في محلّين».(1)

أقول: اختلف الناس في التأليف:

فقال أبو هاشم(2): إنّه عرض يقوم بمحلين. وحجته: إنّ بعض الأجسام يصعب تفكيكها ، فلا بد أن يكون له علّة، فتلك العلّة ليست وجوده ولا حدوثه ولا جنسه، فيبقى أن تكون العلة في ذلك كونه قائماً بمحلين. وهي ضعيفة! لأنه لو قام العرض الواحد بمحلّين لما تميز عن العرضين الحالين.

وقال أكثر المحققين: إنّه لا يجوز حلول عرض واحد بمحلّين.(3)

[مبحث الفناء]

قال (أدام الله أيامه): «العاشر: الفناء:

وأثبت بعضهم للجواهر ضدّاً وهو الفناء، إذا أوجده الله تعالى فنيت جميع

ص: 101


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 26 الفصل الرابع.
2- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.
3- العبارة في ب، ج، د، ه: (... قائماً بمحلّين، وإنّما ذهب إلى أنّه لا يجوز أن يحل في أكثر من محلّين، لأنه لو جاز أن يحلّ في أكثر من محلّين لجاز أن يحلّ في الجبل العظيم تأليف واحد وهو محال. وأحاله أكثر المحققين، لأنه لو قام العرض الواحد بمحلين لما تميز عن العرضين الحالين بمحلّين، ولجاز حلول الجسم في مكانين).

الجواهر، وليس في محلّ. و هو خطأ، فإنّ وجود عرض لا في محلّ محال» .(1)

أقول: ذهب بعض المتكلّمين إلى أنّه لا يجوز أن يكون العدم بالفاعل، بل لا بدّ في تحقيقه من طريان ضدّ، فذلك الضدّ إمّا أن يكون جسماً أو عرضاً. ولا جائز أن يكون جسماً (2)، لأنّ الأجسام متساوية وليس بينها تضاد، فبقى أن يكون عرضاً، فذلك العرض لا يجوز أن يكون في محلّ، لأنه لو كان في محلّ لأفنى محله، فيبقى أن يكون عرضاً لا في محلّ.

ويسمّون ذلك الضدّ بالفناء ؛ وذلك باطل ! لأنّ العرض لا بد له من محل، ووجود عرض لا في محلّ محال.

[مبحث الحياة]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «الحادي عشر: الحياة:

وهي عرض يحلّ الجسم المركب على بنية مخصوصة، يصح باعتبارها على تلك الذات صحة (3)القدرة والعلم.

والموت عدم الحياة عن محل اتصف بها» .(4)

أقول: اختلف الناس في معنى الحياة:

فقال قوم من المتكلمين: إنّ الحياة عرض يحلّ في جسم مركب على بنية

ص: 102


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 26 الفصل الرابع.
2- (ولا جائز أن يكون جسماً) لا يوجد في د، ه.
3- في المصدر : (على تلك الذات باعتبارها صحة).
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 26 - 27 الفصل الرابع.

مخصوصة، يصح باعتبارها على تلك الذات صحة القدرة والعلم.

فقولنا : «على بنية مخصوصة»، احترزنا به عن الحجر مثلاً، فإنّه جسم مركب لكن ليس على بنية مخصوصة .(1)

والموت، قيل : إنّه عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيّاً .(2)

وقال قوم: إنّ الموت أمرٌ وجودي، وهم: أبو القاسم البلخي(3)، وأبو علي(4)، واحتجا بقوله تعالى: «خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ» .(5)

والجواب: [إنّ] (6)المراد بالخلق ها هنا إنّما هو التقدير، فلا ينهض المطلوب .(7)

ص: 103


1- العبارة في ب :(واحترز بقوله: يحلّ الجسم عن الجوهر الفرد، فقيل: يصح أن يخلق الله تعالى الحياة فيه ومنع منه قوم. واحترز بقوله: المركب على بنية مخصوصة عن الحجر مثلاً، فلأنه جسم لكن ليس مركباً على بنية مخصوصة)، وفي ج، د، ه: (واحترز بقوله: يحل الجسم المركب، عن الجوهر الفرد، فقيل : يصح أن يخلق الله تعالى الحياة فيه، ومنع منه قوم، واحترز بقوله: على بنية مخصوصة عن الحجر مثلاً، فإنّه جسم ...).
2- العبارة في ب، ج، د ه: (والموت ، قيل : إنّه عدم الحياة عن محلّ اتصف بها، فلا يقال للحجر أنّه میت)
3- أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي الخراساني، تقدّم.
4- أبو علي محمّد بن عبد الوهاب الجبائي، والد أبو هاشم، تقدّم.
5- سورة الملك: 2 .
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
7- العبارة في ب (ذكره علماء التفسير) ، وفي ج، د، ه: (قاله علماء التفسير).

[مبحث القدرة]

قال (أدام الله أيامه): «الثاني عشر: القدرة:

وهي كيفية قائمة بالذات، يصح باعتبارها على تلك الذات أن يفعل وأن متقدّمة على الفعل، لأنّ الكافر مكلف بالإيمان حال كفره، فلو لم لا يفعل. وهي یکن قادراً عليه لزم تكليف ما لا يطاق. وهي متعلقة بالضدين.

والعجز عدم القدرة عمّما من شأنه أن يكون قادراً» .(1)

أقول: القدرة: قوّة شاعرة بما يصدر عنها (2)، وهي كيفية قائمة بالذات، يصح باعتبارها على تلك الذات أن يفعل وأن لا يفعل.

وقال قوم: إنّ القدرة عبارة عن سلامة الأعضاء في حقنا لا في حقه تعالى.

وهل هي متقدّمة على الفعل أو مقارنة له؟ فيه خلاف:

فذهب (3)جماعة من المعتزلة وأكثر الحكماء إلى الأوّل.

وقال قوم من الحكماء والأشاعرة(4): إنّها مقارنة.

والأوّل أجود لنا على ذلك وجهان:

الوجه الأوّل: إنّ الكافر مكلف بالإيمان حال كفره، فلو لم تكن متقدّمة لزم تكليف ما لا يطاق، وهو قبيح.

ص: 104


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 27 الفصل الرابع.
2- (قوّة شاعرة بما يصدر عنها) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: فقالت.
4- في ب، ج، د، ه: (وأكثر الأشاعرة).

الوجه الثاني: إنّ القدرة تصلح للضدّين، فإنّ القادر يقدر على القيام والقعود والمشي يمنة ويسرة، فلو لم تكن متقدّمة لزم اجتماع الضدين، وهو محال.

احتجّت الأشاعرة : بأنّ القدرة عرض والعرض غير باق.

أما كون القدرة عرض فظاهر، وأما كونها لا تبقى، فلأنّ البقاء عرض، ويستحيل قيام العرض بالعرض.

الجواب عنه من وجهين:

الأوّل: بالمنع من كون البقاء عرضاً ، وإلا لزم الدور، أو التسلسل، لأنّ البقاء لو كان عرضاً، فإما أن يكون باقياً أو لا، فإن كان باقياً فلا بد له من بقاء، فإن كان الأوّل لزم الدور، وإن كان غيره نقلنا الكلام إليه وإلى بقائه ويتسلسل [وإن لم يكن باقياً لم تكن الذات الباقية به باقية] (1).

الثاني: بالمنع من استحالة قيام العرض بالعرض، وقد تقدّم بيانه.

وهل تتعلق القدرة بالضدين؟

قالت المعتزلة : نعم.

وقالت جماعة من الأشاعرة: إنّه لا يجوز.

واحتجّت الأشاعرة : بأنّ القدرة على أحد الضدّين غير القدرة على الآخر. والجواب: إنّ مفهوم القدرة شيء واحد، وهما مشتركان فيه.

وقال شيخنا المصنف (دام ظله): إما ان يريدون بالقدرة (2)جميع ما

ص: 105


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج: يريدوا، وفي د، ه: تريد.

يترتب عليه أثر المؤثر(1)، فالحق أنه لا يكون قادراً عليها. وإما أن يريدون (2)بها: إنّها صفة باعتبارها يصح صدور الفعل، فلا شكٍّ أنّها صالحة للضدّين. وهو جيد!

والعجز: عدم القدرة عمّا من شأنه أن يكون قادراً، وليس أمراً وجودياً، وذهب إليه المعتزلة.

وقالت الأشاعرة : إنّها (3)أمر وجودي؛ لأنّهم قالوا: ليس جعل العجز عدم القدرة بأولى (4)من جعل القدرة عدم العجز.

وجوابه: إن عدم الأولوية ليس دليلاً.

وقال شيخنا المصنف (دام ظلّه): إما أن نقول: القدرة عبارة عن سلامة الأعضاء، والعجز عبارة عن آفة عارضة للأعضاء، فهو حينئذ أمر وجودي، وإمّا أن نقول: إنّها عبارة عن الهيئة العارضة عند سلامة الأعضاء، فالعجز عدم تلك الهيئة(5)، فهي حينئذ أمر عدمي.

وإنّما قال: «من شأنه أن يكون قادراً»، احترز به عن الحجر مثلاً، فإنّ الحجر عديم القدرة ، لكن ليس من شأنه أن يكون قادراً، فلا يسمّى الحجر عاجزاً.

ص: 106


1- في ب، ج: (أثر المؤثر عليه).
2- في ب ، ج : يريدوا، وفي د، ه: تريد.
3- في ب، ج، د، ه: إنّه.
4- في ب، ج : أولى.
5- العبارة في ج: (فالعجز عدم القدرة عما من شأنه أن يكون قادراً).

[مبحث الاعتقاد]

قال (أدام الله أيامه): «الثالث عشر: الاعتقاد:

فإن كان جازماً مطابقاً ثابتاً فهو العلم، وإن لم يكن ثابتاً فهو اعتقاد المقلّد، وإن لم يكن مطابقاً فهو الجهل المركب».(1)

أقول: الاعتقاد من الأمور المستغنية عن التعريف. وهو ينقسم إلى: اعتقاد مجزوم به، وإلى غير مجزوم. فالأوّل: إمّا أن يكون مطابقاً لما في نفس الأمر أو لا. والأوّل إما أن يكون ثابتاً، أو لا.

فإن استجمع الأُمور الثلاثة - أعني: الجزم، والمطابقة، والثبات - فهو العلم، وإن لم يكن [ثابتاً بل] جازماً مطابقاً فهو اعتقاد المقلّد، وإن لم يكن مطابقاً [ ولا ثابتاً] بل جازماً فهو اعتقاد الجاهل، وإن لم يكن جازماً [ ولا ثابتاً بل] مطابقاً فهو الظنّ الصادق .(2)

[مبحث العلم]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «والعلم إما أن يكون ضرورياً، أو كسبياً.

والضروريات ستة:

[في الأوليات]

ص: 107


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 27 الفصل الرابع.
2- العبارة في ب، ج : (وإن لم يكن جازماً بل مطابقاً ثابتاً فهو الظنّ الصادق، وإن لم يكن مطابقاً بل جازماً فهو اعتقاد الجاهل، وإن لم يكن ثابتاً بل مطابقاً جازماً فهو اعتقاد المقلّد)، وفي د، ه: (... وإن لم يكن جازما ثابتاً فهو اعتقاد الجاهل، وإن لم يكن ثابتاً مطابقاً فهو اعتقاد المقلّد).

الأوليات: وهي القضايا التي يكفي في الحكم(1) بها تصوّر طرفيها، كالحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء، وأنّ الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية» (2).

أقول: العلم ينقسم إلى قسمين: ضروري، وكسبي.

فالضروري ينقسم إلى ستة أقسام أوّليات، ومحسوسات، ومجرّبات، وحدسيات ومتواترات، وقضايا قياساتها معها.

وهذه الستة تحصل بفعل الله تعالى عند الاستعداد الحاصل من الحواس.

والكسبي شيء واحد وهو ما (3)يحصل من فعلنا عند حصول الاستعداد المستفاد من العلوم الضرورية.

الأوّل من الأقسام الستة الأوّليات وهي قضايا يحكم بها العقل بمجرّد تصوّر طرفيها، كالحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء، فإنّ من تصوّر الكلّ وتصوّر الجزء [وتصوّر الأعظمية](4)، عرف بالضرورة أنّ الكلّ أعظم من الجزء، وكالحكم على الأشياء المساوية لشيء بالتساوي(5)، فإنّ من تصوّر أُموراً ثلاثة مثلاً أو أربعة، وتصوّر تساويها لشيء آخر عرف بالضرورة أنّ هذه الأمور متساوية في أنفسها.

ص: 108


1- في المصدر : الجزم.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 27 الفصل الرابع.
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- في ب، ج، د، ه: (واحد بأنّها متساوية).

[في المحسوسات]

قال (أدام الله أيامه):«والمحسوسات وهي التي يحكم بها العقل بمعاونة الحسّ الظاهر كالحكم بأنّ النار حارة، والشمس مشرقة، أو الباطن كالجوع والشبع» .(1)

أقول: هذا هو القسم الثاني من الأقسام الستة، وهو قسم المحسوسات: وهي قضايا يحكم بها العقل باعتبار مقارنتها للحسّ، إما للحس الظاهر، كالحكم بأنّ النار حارّة، والشمس مشرقة، والثلج بارد، أو للحسّ الخفي، كالجوع، والشبع، والغضب، والفرح، وغير ذلك.(2)

[في المجرّبات]

قال (أدام الله أيامه): «والمجربات: وهي قضايا يحكم بها العقل لتكرار المشاهدة كالحكم بأنّ شرب السقمونيا مسهل».(3)

أقول: هذا هو القسم الثالث من أقسام الضروريات(4)، وهو قسم المجربات(5): وهي قضايا يحكم بها العقل لتكرار التجربة(6) والمشاهدة، كالحكم

ص: 109


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 27 الفصل الرابع.
2- العبارة في ب، ج، د، ه: (... العقل باعتبار معاونة الحسّ الظاهر، كالحكم بأنّ النار حارة، والشمس مشرقة، والثلج بارد والحسّ الباطن، كالجوع، والشبع).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 27 الفصل الرابع.
4- في ب، ج : (الثالث من الستة)، وفي د ه: (الثالث من الأقسام الستة).
5- في ب، ج، د، ه: (وهي التجريبية).
6- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

بأنّ شرب السقمونيا مسهل، لأنّنا كرّرنا التجربة فوجدنا الإسهال متكرّراً عند شرب السقمونيا .(1)

[في الحدسيات]

قال (أدام الله أيامه): «والحدسيات وهي قضايا يحكم بها العقل لحدس قوي من النفس يزول معه الشك، كالحكم بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس، لأجل اختلاف نوره بسبب تغاير أوضاعه» (2).

أقول: هذا هو القسم الرابع من أقسام الضروريات، [وهو الحدسيات](3): والحدسيات قضايا يحكم بها العقل لحدس قوي من النفس يزول معه الشكّ.

والحدس هو القوّة الحاصلة في النفس تكون النفس بها مستعدة لاكتساب المطالب بسرعة، كالحكم(4) بأن نور القمر مستفاد من الشمس، لأنا وجدنا نور القمر تارة يزيد عند بعد الشمس [عنه](5) ، وتارة ينقص عند قربها منه [ولهذا ليلة المقابلة يكون نوره أتمّ وليلة المقارنة يكون أقل] (6)، فعرفنا أنّ

ص: 110


1- العبارة في ب، ج، د ه: (السقمونيا مسهل ويفتقر إلى أمرين المشاهدة المتكرّرة، والقياس الخفي، وهو أنه لو كان الوقوع على سبيل الاتفاق لم يكن دائمياً ولا أكثرياً، والفارق بين هذه وبين الاستقراء هذا القياس).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 27 الفصل الرابع.
3- أثبتناه من ب ج د ه
4- في ب، ج، د، ه: كحكمنا .
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

نوره مستفاد منها . [والفرق بين الحكم الحدسي والحكم التجربي، هو أنّ الأوّل معلوم السببية والماهية والثاني معلوم السببية لا غير](1) .

[في المتواترات]

قال (أدام الله أيامه): «والمتواترات وهي قضايا يحكم بها العقل لكثرة ورود الأخبار بها، بحيث تأمن النفس المواطأة على الكذب، كالحكم بوجود

النبي صلی الله علیه و آله سلم ، ووجود مكة.

وليس لليقين عدد مخصوص» .(2)

أقول: هذا هو القسم الخامس من أقسام الضروريات، وهي قضايا يحكم بها العقل لكثرة ورود الأخبار : كحكمنا بوجود النبي صلی الله علیه و آله سلم ، ووجود مكة شرفها الله، والبلاد التي لم نرها، لأنّ الأخبار تكاثرت بوجودها، فحكم العقل بصحته.

ولا بدّ في التواتر (3)أن تأمن النفس المواطأة على ذلك الخبر والكذب، فإنّا لو أخبرنا ألف مخبر أو أزيد ولم نأمن تواطؤهم على الكذب، لم يحصل عندنا جزماً، ومن عدم امتناعه، فلو أخبرنا أهل العلم بوجود شريك للباري تعالى، لم يحصل لنا علم بوجوده لامتناعه (4).

ص: 111


1- في المخطوطة مشطوب، ومثبت في ب، ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 27 - 28 الفصل الرابع.
3- في ب، ج، د، ه: المتواترات.
4- (ومن عدم امتناعه، فلو أخبرنا أهل العلم بوجود شريك للباري تعالى، لم يحصل لنا علم بوجوده لامتناعه) لا توجد في ب، ج، د، ه.

وهل يشترط في إفادة التواتر (1)عدد مخصوص، أم لا؟

تذكرة الواصلين

فقال جماعة: يشترط ، وهو غلط (2)! لأنّ اليقين هو القاضي بكونه [الخبر] (3)متواتراً، فمع حصول اليقين يكون [الخبر] متواتراً، ومع عدمه يكون

غير متواتر . قال (أدام الله أيامه): «والقضايا التي قياساتها معها، وهي قضايا يحكم بها العقل لأجل وسط لا ينفك الذهن عنه، كالحكم بأنّ الاثنين نصف الأربعة، لأنه عدد انقسمت الأربعة إليه وإلى ما يساويه وكلّ عدد انقسمت الأربعة إليه وإلى ما يساويه فهو نصف ذلك العدد». (4)

أقول: هذا تمام الأقسام الستة، وهو القضايا التي يكون قياساتها معها: أي التي يحكم بها العقل لأجل وسط حاصل (5)في مبدأ الفطرة، كالحكم بأنّ الاثنين نصف الأربعة، لأنه عدد انقسمت الأربعة إليه وإلى ما يساويه، وكلّ عدد انقسمت الأربعة إليه وإلى ما يساويه فهو نصف الأربعة.

[في حد العلم]

قال (أدام الله أيامه): «والعلم لا يُحد، لأنه من الصفات الوجدانية».(6)

ص: 112


1- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (وهل يشترط في حصول اليقين بالتواتر).
2- في ب، ج، د، ه: خطأ.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين : 28 الفصل الرابع.
5- لا يوجد في ج، د، ه.
6- نهج المسترشدين في أصول الدين: 28 الفصل الرابع.

أقول: اختلف الناس في تحديد العلم:

فقال قوم: إنّه غنيّ عن التحديد (1)لظهوره .

وقال قوم: إنّه يحتاج إلى الحد.

فحدّه قوم بالمعرفة، وهو أضعف من بيت العنكبوت! إذ المعرفة والعلم لفظان مترادفان على معنى واحد، وهذا كما يقال في حدّ الخمر أنّه العقار، وفي حدّ الأسد أنه الليث.

وقال قوم: إنّه ما تكون الذات به عالمة، وهذا أضعف من الأوّل! لتجرّده عن الإفادة.

وقال قوم من الحكماء: إنّه حصول صورة الشيء في العقل. والاعتراض بالحجر المتصف بالسواد مثلاً ضعيف للتقييد بالعقل. ويخرج من هذا المعدوم، لأنّه ليس له صورة.

وقال قوم: إنّه ضروري، لأنه لو حد لزم الدور، لأنّ ما عدا العلم لا يعلم (2)إلّا بالعلم، فلو علم (3)العلم بما عداه لزم الدور.

اعترض: بأنّ المقصود من حدّ العلم هو العلم بالعلم، وما عدا العلم يعلم(4) بالعلم، [لا بتصوّر العلم بالعلم](5) .

ص: 113


1- في ب، ج، د، ه: التعريف.
2- في ب، ج، د، ه: لا ينكشف.
3- في ب، ج، د، ه: انكشف.
4- في ب، ج، د، ه: ينكشف.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

والأولى أن نقول: إنّه ضروري كالفرح والغضب، والجوع، والشبع، وهو اختيار شيخنا (دام ظلّه) .

قال (أدام الله أيامه): «وهل هو صورة مساوية للمعلوم في العالم، أو إضافة بين العالم والمعلوم؟ فيه خلاف والأقرب عندي أنّه صفة يلزمها الإضافة إلى

المعلوم.

وكما يصح إضافته إلى الموجود كذا يصح إضافته إلى المعدوم، فإنا نعلم طلوع الشمس غداً من المشرق، وهو معدوم الآن»(1).

أقول: ذهب قوم إلى أنّ العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم، فإنّ العالم بزيد يحصل في ذهنه صورة مساوية لزيد. وقد مضى هذا [البحث](2)والاعتراض عليه.

وقال قوم: إنّه إضافة بين العالم والمعلوم، كالأبوّة مثلاً.

واعترض عليه بالعالم بنفسه، فإنّ العالم بنفسه لا يكون عالماً على هذا التقدير (3)، لافتقار الإضافة إلى المضافين (4).

والاعتذار عنه بأنّ الذات من حيث كونها عالمة مغايرة (5)لها، من حيث كونها معلومة ضعيف للزوم الدور (6)، إذ المغايرة تتوقف على ثبوت العلم، فلو

ص: 114


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 28 الفصل الرابع.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: القول.
4- في ه: المتضايفين.
5- في ب، ج، د، ه: مخالفة.
6- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

توقف العلم على المغايرة دار.

وقال قوم: إنّه صفة يلزمها الإضافة إلى المعلوم وهو اختيار شيخنا (دام ظله).

ويجوز إضافة العلم إلى المعدوم كما يصح إضافته إلى الموجود، فإنا نعلم طلوع الشمس غداً (1)من المشرق، وهو معدوم الآن.

[مبحث الظنّ]

قال ( أدام الله أيامه): «الرابع عشر: الظنّ:

وهو ترجيح اعتقاد أحد الطرفين ترجيحاً غير مانع من النقيض، فإن كان مطابقاً فهو ظنّ صادق، وإلا فهو كاذب» (2).

أقول: لما فرغ من البحث في أقسام العلم، شرع في البحث عن الظن.

فنقول: الظنّ، هو: ترجيح اعتقاد أحد الطرفين ترجيحاً غير مانع من النقيض.

فقولنا: «ترجيح»، كالجنس(3) يشمل ترجيح الاعتقاد وغيره.

وقولنا «اعتقاد»، يخرج عنه ترجيح غير الاعتقاد.

وقولنا: «أحد الطرفين» من اللوازم فإنّ الترجيح لا بد وأن يكون لأحد الطرفين على الآخر .

ص: 115


1- العبارة في ب، ج، د، ه: (كإضافته إلى الموجود، فإنّا نعلم أن الشمس تخرج غداً).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 28 الفصل الرابع.
3- في ب، ج، د، ه: جنس .

وقولنا: «ترجيحاً غير مانع من النقيض»، خرج به العلم، فإنّه مانع من النقيض.

ثمّ هذا الظن إن كان مطابقاً لما في نفس الأمر سمّي ظناً صادقاً، وإن لم يكن مطابقاً كان ظنّاً كاذباً.

[مبحث النظر]

قال (أدام الله أيامه): «الخامس عشر: النظر :

وهو ترتيب أمور ذهنية يتوصل بها إلى أمر آخر».(1)

أقول: اختلف الناس في ماهية النظر:

فقال أبو الحسين البصري (2): إنّ النظر ترتيب علوم أو ظنون بحسب العقل ليتوصل بها إلى علم أو ظنّ.

وقال فخرالدين الرازي (3): إنّه عبارة عن علوم أربعة: العلم بصحة المقدمتين(4)، والعلم بصحة ترتيبها، والعلم بلزوم اللازم عنها، والعلم بأنّ كلّ ما لزم عن الحق فهو حق.

ص: 116


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 28 الفصل الرابع.
2- محمّد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تقدّم.
3- فخر الدين الرازي محمّد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التيمي البكري، فخر الدين أبو عبد الله الرازي، الطبرستاني الأصل من كبار العلماء بالكلام والمعقولات، فقيهاً شافعياً، ،مفسّراً، مصنفاً، معظماً عند ملوك خوارزم وغيرهم ولد بالريّ سنة (544ه)، وتوفّي بهراة سنة (606 ه)، له مصنفات كثيرة في التفسير، والفقه، والأصول، والكلام، والإلهيات، والأدب.
4- في ب، ج، د، ه: المقدمات.

وكلاهما (1)ضعيفان!

أمّا القول (2)الأوّل، فوجه ضعفه باعتبار إتيانه بلفظة أو، وهو يقتضي الترديد .(3)

وأمّا الثاني، فلأنّه قد أخذ ما هو واجب الحصول عن المقدمتين المرتبتين الترتيب المخصوص(4)، وجعله جزءاً للنظر، ويلزم منه الدور.

والأولى في هذا الباب قول شيخنا المصنّف (دام ظله)! إذ هو مشتمل على العلل الأربعة المادية، وهي الأمور الصورية وهي الترتيب والغائية وهي قوله: «ليتوصل». والفاعلية، وهي: الضمير في قوله (5): ليتوصل.

فقولنا : «ترتيب»، يشمل الترتيب الذهني، والخارجي.

وقولنا: «أُمور»، أعم من أن تكون تصوّرية، أو تصديقية.

وقولنا : «ذهنية»، فصل عن الترتيب الخارجي.

وقولنا: ليتوصل بها إلى أمر آخر»، فصل ثاني يخرجه عن ترتيب الأُمور الذهنية التي لا يتوصل بها إلى أمر آخر، كالمتفكر فيها، والعابث .(6)

وقولنا: أمر آخر»، أعم من أن يكون علماً، أو ظنّاً.

ص: 117


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه، وفي المخطوطة: وهما.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- العبارة في ج، د ه: ( أنه أتى بلفظ أو، وهي تقتضي الترديد).
4- في ب، ج، د، ه: (ترتيباً مخصوصاً).
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه، وفي المخطوطة: قولنا.
6- لا يوجد في ب، وفي ج، د، ه: الغائية.

قال (أدام الله أيامه): «فإن صحت المقدّمتان والترتيب فالنظر صحيح، وإلا ففاسد.

ثمّ المقدّمتان إن كانتا علميتين فالنتيجة علمية، وإلا فهي ظنّية».(1)

أقول: مقدّمتا النظر إذا(2) كانتا ،صحيحتين، وكانتا مرتبتين ترتيباً صحيحاً، كان النظر صحيحاً، كقولنا : العالم متغيّر، وكل متغيّر مُحدث. وإن

فسدتا أو فسدت إحداهما، كان النظر فاسداً اتفاقاً.

وهل يستلزم الجهل مطلقاً، أم لا؟ فيه خلاف:

فقال جماعة من المعتزلة : نعم، وقالت الأشاعرة وجماهير المعتزلة: إنّه لا يستلزم .

واحتجّت الفرقة الأولى من المعتزلة (3): بأنّ من اعتقد قدم العالم، واعتقد أنّ كلّ قديم فهو (4)مستغن عن المؤثر، فإنّه ينتج (5)أنّ العالم مستغني عن المؤثر، وهو جهل بعينه .

واحتجاج الأشاعرة وجمهور المعتزلة بأنه لو استلزم الجهل لكان من نظر (6)في شبهة المبطل يكون جاهلاً . والثاني باطل، فالمقدّم مثله.

ص: 118


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 28 الفصل الرابع.
2- في ب، ج، د، ه: إن.
3- لا يوجد في ب ، ج ، د، ه.
4- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
5- في ب، ج، د، ه: لزمه.
6- في ب، ج، د، ه: الناظر .

بيان الملازمة: إنّ عند حصول الأسباب وتكامل الشروط يجب المسبّب، وكلاهما باطلان !

والوجه التفصيلي، وهو أن نقول : فساد النظر إمّا أن يكون من قبيل المادة، أو من قبيل الصورة، فإن كان من قبيل المادة لم يكن جهلاً، كقولنا: كلّ إنسان حجر، وكل حجر ناطق، فينتج أنّ كلّ إنسان ناطق، وليس بجهل. وإن كان من قبيل الصورة كان جهلاً، فقولنا : العالم ،قديم، وكل قديم فهو مستغن عن المؤثر، فالعالم مستغن عن المؤثر، فهذا هو الجهل، وهذا مذهب شيخنا المصنف(دام ظلّه) (1).

ثمّ المقدّمتان إمّا أن تكونا علميتين، أو ظنّيتين، أو أحدهما علمية والأخرى ظنّية.

فإن كانتا علميتين كانت النتيجة علمية، كقولنا : العالم متغيّر، وكل متغيّر محدث، فالعالم محدث.

وإن كانتا ظنّيتين، كانت نتيجتهما ظنّية، كمن يظن (2)أنّ في السماء غيماً

ص: 119


1- العبارة في ب ، ج ، د ه: (بيان الشرطية: إن عند حصول الأسباب وتكامل الشروط محبب والمسبب جهل والثاني باطل فكذا الأوّل . وقيل : الوجه أن يقال : فساد النظر إما أن يكون من قبيل المادة، أو من قبيل الصورة، فإن كان من قبيل المادة كان جهلاً، كمن يعتقد أنّ العالم قديم وكلّ قديم مستغن عن المؤثر، فإنّه يستلزم اعتقاد أنّ العالم مستغن عن المؤثر، وهو جهل، وليس بجيد مطلقاً، فإنّه يمكن فساده من قبيل المادة ولا يكون جهلاً ، كقولنا: كلّ إنسان حجر، وكلّ حجر ناطق، ينتج أنّ كلّ إنسان ناطق، وليس بجهل. وإن كان من قبيل الصورة لم يستلزم الجهل، وهو ظاهر، وهذا مذهب الشيخ مصنّف الكتاب).
2- في ب، ج، د، ه: (كقولنا أظن).

رطباً، ويظن (1)أنّ كلّما كان في السماء غيمٌ رطب نزل الغيث(2)، فإنّه ينتج منهما ظنّ بنزول الغيث (3).

وإن كانت إحداهما علمية والأخرى ظنّية، كانت النتيجة ظنّية [ أيضاً ] (4)، كمن يعلم أن بغلة القاضي واقفة على باب الحمام، ويظنّ أن كلّما كانت بغلة القاضي واقفة على باب الحمام كان القاضي في الحمام(5)، فإنّه ينتج الظنّ بحصول القاضي في الحمام.

[في النظر الصحيح]

قال (أدام الله أيامه): «والنظر الصحيح يفيد العلم، لأنّ من علم أنّ العالم حادث، وأنّ كلّ حادث مفتقر إلى المؤثر، علم بالضرورة أنّ العالم مفتقر إلى المؤثر».(6) )

أقول: اختلف الناس في أنّ النظر الصحيح: هل يؤدّي إلى العلم، أم لا؟

فقال الأكثر : إنّه يفيد العلم .(7)

ص: 120


1- في ب، ج، د، ه: وأظنّ.
2- في ب، ج، د، ه: المطر.
3- في ب، ج، د، ه: المطر.
4- أثبتناه من ب ج د .ه.
5- (ويظنّ أن كلّما كانت بغلة القاضي واقفة على باب الحمام كان القاضي في الحمام) لا يوجد في ب، د، ه
6- نهج المسترشدين في أصول الدين: 28 الفصل الرابع.
7- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (فقال قوم: إنّه يؤدّي إلى العلم).

وقالت السُمّنية(1): إنّه لا يؤدّي إلى العلم.

والحق هو الأوّل! لوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ جميع العقلاء يلتجئون إليه في جميع الأصقاع (2)عند التباس الأمور عليهم من غير توقف فلولا أنهم عالمون بأنّ ذلك يؤدّي إلى العلم لما وقع ذلك منهم على وتيرة واحدة خلفاً عن سلف.

الوجه الثاني: إنّ من تصوّر حقيقة النظر التي حددناها علم بالضرورة أداؤه إلى العلم، لأنّ من علم أنّ العالم ،متغيّر وأنّ كلّ متغيّر مُحدَث، علم بالضرورة أنّ العالم مُحدّث.

ص: 121


1- السمنية (بضم السين وفتح الميم)، نسبة إلى سومنات بلد بالهند وهم حكماء الهند الدهريون القائلون بالتناسخ. وفي المصباح المنير : هم فرقة تعبد الأصنام، وتقول بالتناسخ، وتنكر حصول العلم بالأخبار. وفي رواية ابن النديم في الفهرست كان لهم نبي يسمّى بوداسف، وانتشرت هذه الديانة في الهند وما وراء النهر وخراسان قبل ظهور زرادشت. وقال الجوهري: السمنية فرقة من عبدة الأصنام تقول بالتناسخ، وتنكر وقوع العلم بالأخبار. وقال عمر كحاله في معجم قبائل العرب السمنية من قبائل فلسطين الشمالية منازلها كسكوس. من عقائدهم: القول بالتناسخ، وقدم العالم، وإبطال النظر والاستدلال، وزعموا أنه لا معلوم إلّا من جهة الحواس الخمس، وأنكر أكثرهم المعاد والبعث. أدخلهم الإمامية في جملة مشركي العرب لقولهم في التوحيد للبارئ، وعبادتهم سواه تقرباً إليه، وتعظيماً فيما زعموا عن عبادة الخلق له.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

واحتجاج السُمّنية : بأنّ العلم بأنّ النظر يؤدّي إلى العلم، إما أن يكون ضرورياً، أو نظرياً، فإن كان ضرورياً لزم اشتراك [جميع](1) العقلاء فيه، وإن كان نظرياً لزم التسلسل ضعيف بالمعارضة، [وبمنع اشتراك جميع العقلاء في سائر الضروريات، إذ قد يختلف فيها عند خفاء تصوّر أحد الطرفين].(2)

قال (أدام الله أيامه): «احتج من أنكر إفادته للعلم: بأنّ المطلوب إن كان معلوماً استحال طلبه [لاستحالة تحصيل الحاصل](3)، وإن كان مجهولاً استحال طلبه، لأنّ ما لا يعلم لا يطلب»(4).

أقول: هذه حجّة من أنكر إفادة النظر للعلم (5).

وتقريرها (6)أن نقول : الناظر في طلب أمر من الأمور، إما أن يكون عالماً به، أو جاهلاً، فإن كان عالماً كان طلبه محالاً، لأنه يلزم(7) من تحصيل الحاصل وهو محال، وإن كان جاهلاً كان طلبه أيضاً محالاً، لأنّ المجهول [غير معلوم، وغير المعلوم](8)لا تتوجّه النفس إلى طلبه، فكان طلبه محالاً.

ص: 122


1- أثبتناه من ب، ج، د ه.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- أثبتناه من المصدر، ب، ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 28 الفصل الرابع.
5- العبارة في ب ، ج ، د ه: (هذه حجّة ثانية لمن أنكر إفادة النظر للعلم، وقد ثبتت حجّتهم الأولى في ما تقدم، وقد ثبت ضعفها).
6- في ب، ج، د، ه: (وتقرير هذه).
7- في ج، د، ه:يستلزم .
8- أثبتناه من ب، ج، د ه

قال (أدام الله أيامه): «والجواب: أنه معلوم من وجه دون وجه .(1)

أقول: هذا جواب عن حجّتهم التي قرّرناها .

وتقريره : إنّ المطلوب ليس معلوماً من كل وجه، ولا مجهولاً من كلّ وجه، بل معلوم من وجه ومجهول من آخر.

قال (أدام الله أيامه) : «وليس المطلوب هو الوجهان حتى يرد الإشكال، بل الماهية المتصفة بالوجهين».(2)

أقول: هذا جواب عن سؤال مقدّر على قولنا أنه (3)معلوم من وجه دون وجه.

وتقريره أن نقول: الوجه المعلوم يستحيل طلبه (4)لاستحالة تحصيل الحاصل، والوجه المجهول يستحيل طلبه لاستحالة طلب ما لا يعلم.

والجواب عنه: ما ذكره شيخنا (دام ظله)، وهو: أنه ليس المراد بقولنا: المطلوب معلوم من وجه ومجهول من آخر هو الوجهان، بل الماهية المتصفة بالوجهين من حيث هي هي .(5)

ص: 123


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 28 الفصل الرابع.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين : 28 الفصل الرابع.
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- في د، ه: جهله.
5- العبارة في ب، ج، د، ه: (أن ليس مطلوبنا بالنظر الوجه المعلوم ولا الوجه المجهول، بل مطلوبنا الماهية المتصفة بالوجهين).

[في وجوب النظر]

قال (أدام الله أيامه): «والنظر واجب، لأنّ معرفة الله تعالى واجبة، لكونها دافعة للخوف، ولا يتم إلا بالنظر، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإلاّ لخرج الواجب عن كونه واجباً مطلقاً، أو لزم تكليف ما لا يطاق، والقسمان باطلان» .(1)

أقول: اختلف الناس في وجوب النظر:

فقالت الحشوية (2)- وهم القائلون بجواز الخطأ على الأنبياء الملام - : إنّ النظر غير واجب.

وخالف في ذلك أكثر الناس، وقالوا: إنّه واجب. وهو الحق! لوجهين:

الأوّل: إنّه دافع للخوف الحاصل من اختلاف الناس، ودفع الخوف واجب [بالضرورة](3)، ولا يتم إلا بالنظر، إذ بترك النظر يحصل الخوف، فإذا [ نظر زال ذلك الخوف، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب(4)، وإلا لزم إمّا خروج الواجب عن كونه واجباً مطلقاً، وإمّا تكليف ما لا يطاق، وهما محالان.

ص: 124


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 29 الفصل الرابع.
2- الحشوية : الحشو في اللغة ما تملأ به الوسادة ونحوها، وفي الاصطلاح هو الزائد الذي لا طائل تحته. سمّيت الحشوية بهذا الاسم، لأنّهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن الرسول ، أي يدخلونها فيها وهي ليست منها، بقولهم: كلّ ثقة من العلماء يأتي بخبر مسند عن النبي فهو حجّة، وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه، ومن رؤسائهم ابن كلاب القطان.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (وما لا يتم الواجب المطلق إلّا به يكون واجباً).

الوجه الثاني: إنّ معرفة الله تعالى واجبة لكونها دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف أيضاً، ولا تتم إلا بالنظر، لأنّ العلم إما ضروري، وهو ما لا يحتاج في تصوّره إلى طلب وكسب، وإما نظري، وهو ما يحتاج في تصوّره إلى طلب وكسب، ومعرفة الله تعالى ليست ضرورية، فبقى أن تكون نظرية، فوجب النظر في معرفة الله تعالى، وإلا لزم ما قلناه أوّلاً.

لا يقال في الوجه الأوّل: لا نسلّم أنّ النظر دافع للخوف، فإنّه كما يخاف في ترك النظر كذا يخاف فعله، فإنّ الناظر كما يخطر له أنه يعاقب على تركه، كذا يخطر له أنّه يعاقب على فعله الجواز أن يخطر للناظر أنّه ملك الغير، فمتى نظر كان متصرفاً في مال الغير بغير إذنه، وهو قبيح ! لأنا نقول قد رأينا أنّ العقلاء

يلتجئون إلى النظر عند خوفهم وتحيّرهم، ولم يخطر لهم ذلك.

لا يقال (1)في الوجه الثاني: لا نسلّم أنّ معرفة الله تعالى واجبة، وذلك لوجهين:

الوجه الأوّل: إنا عرفنا من دين النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه كان يأتيه الأعرابي فيأمره بقول أشهد ألا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله(2)، من غير أن يكلّف (3)بالمعرفة التي تتوقف على النظر الدقيق، وكان إذا شهد الأعرابي الشهادتين حكم بإسلامه.

[الوجه] الثاني: إن معرفة الله تعالى لو كانت واجبة، فإما على العارف، أو

ص: 125


1- في ب، ج، د، ه: (فإن قيل).
2- في ب، ج، د، ه: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).
3- في ب، ج، د، ه: يأمره.

على غير العارف، فإن كانت على العارف لزم تحصيل الحاصل [وهو محال](1)، وإن كانت على غير العارف لزم تكليف ما لا يطاق، إذ معرفة الواجب متوقفة على معرفة الموجب.

لأنا نقول (2):

الجواب عن الأوّل: أنّه ممنوع ، فإنّ النبي اللا كان يأمر الأعراب (3)بالإسلام، والأمر (4)بالإسلام لا يدلّ على أنه لم يوجب النظر، فإنّ الحكم بالإسلام لا يستلزم (5)الحكم بالإيمان، كما قال الله تعالى: «قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا» (6)، هذا مع أنّ الله تعالى أوجب في كتابه العزيز النظر، بقوله تعالى: «قُلِ انْظُرُوا»(7). وأيضاً فلم لا يجوز أنّ النبي الا عرف منهم أنهم عارفون بالله تعالى لكن ليسوا قادرين على التعبير عن الأدلة عليها(8). وعن الثاني: أنه ممنوع أيضاً، فإنّ معرفة الإيجاب لا تتوقف على معرفة الموجب، فإن العاقل يجد من نفسه العلم بوجوب دفع الضرر، وإن معرفة الله تعالى هي الدافعة.

ص: 126


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: قلنا.
3- في ب، ج، د، ه: الأعرابي.
4- في ب، ج، د ه والحكم.
5- في ب، ج، د، ه: غير.
6- سورة الحجرات: 14 .
7- سورة يونس : 101 .
8- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (ولكنّهم لا يمكنهم التعبير عن تلك المعرفة).

[وجوب النظر عقلي]

قال (أدام الله أيامه) «ووجوبه عقلي، لأنه لو وجب بالسمع لزم إفحام الأنبياء» .(1)

أقول: قالت الأشاعرة : معرفة الله واجبة سمعاً (2).

وقال باقي المتكلّمين: إنّها واجبة عقلاً. وهو الحق لوجهين:

الوجه الأوّل: إنّها لو وجبت (3)بالسمع لزم إفحام الأنبياء، والتالي باطل، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : إنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم إذا جاء [إلى المكلّف](4) وقال: أنا رسول الله عَلَيْهِ إليك اتبعني فيقول: أنا لا اتبعك حتى أعرف صدقك، ولا أعرف صدقك إلّا إذا نظرت، ولا يجب عليَّ النظر إلّا بقولك، وقولك الآن ليس بصدق، فينقطع النبي صلی الله علیه و آله وسلم.

وأما بطلان التالي، فبالإجماع.

الوجه الثاني: إنّها دافعة للخوف، وقد مضى [البحث في ذلك] (5).

[القصد إلى النظر]

قال (أدام الله أيامه) : «والقصد إليه أوّل الواجبات أو المعرفة بالله وحصول

ص: 127


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 29 الفصل الرابع.
2- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (النظر واجب سمعاً).
3- في ب، ج، د، ه: (أنه لو وجب).
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- أثبتناه من ب، ج.

العلم عقيب النظر على سبيل اللزوم لا العادة، للعلم الضروري بالوجوب، كما في غيره من الأسباب، خلافاً للأشعرية» .(1)

أقول هذا البحث يشتمل على مسألتين:

المسألة الأولى: في أنّ القصد إلى النظر هو أوّل الواجبات.

ذهب جماعة من المعتزلة : إلى أنّ [نفس] (2)النظر هو أوّل الواجبات.

واختار إمام الحرمين (3): أنّ القصد إليه هو أوّل الواجبات.

وقال شيخنا(دام ظلّه)(4): إن عني بأولوية النظر بحيث أداه إلى معرفة الله كان أوّل الواجبات، وإن عني بأولويته معرفة ذاته كانت المعرفة هي أوّل الواجبات، ولهذا قال شيخنا (دام ظلّه) (5): «أو المعرفة بالله»، لأنّه اعتبر ذلك.(6)

المسألة الثانية: في أنّ حصول العلم عقيب النظر على سبيل اللزوم، وهذا مذهب القاضي أبو بكر(7)، وإمام الحرمين (8)، وخالفا (9)في ذلك الأشاعرة، حيث ذهبوا إلى حصوله على سبيل العادة.

ص: 128


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 29 الفصل الرابع.
2- أثبتناه من ج، د، ه.
3- أبو المعالي الجويني، تقدّم.
4- في ب، ج، د، ه: (والتحقيق أن نقول).
5- في ب، ج، د، ه: (قال المصنف).
6- العبارة في ب ، ج ، د، ه: ( لأنه اعتبر هذا التفصيل)
7- القاضي أبو بكر الباقلاني، تقدّم.
8- أبو المعالي الجويني، تقدّم.
9- في المخطوطة (وخالف)، والصحيح ما أثبتناه.

والحق حصوله على سبيل اللزوم !

والدليل عليه: إنا نعلم قطعاً أنّ كلّ من نظر نظراً صحيحاً حصل له علم بما نظر في تحصله، ومتى ترك النظر لم يحصل له علم فكان لازماً.

وأيضاً فإنّه يكثر بكثرة النظر ويقل بقلّته، والعلم الضروري حاكم بذلك كما في غيره من الأسباب، فإنّ النار لازمة للإحراق، فمتى وجدت النار وجد الإحراق ومتى انتهت انتهى . وأيضاً فإنّ الإحراق يكثر بكثرة النار ويقل بقلّتها.

وهذه الحجّة ذكرها المعتزلة حجّة على مذهبهم، وهي غير دالة على مطلوبهم !

وأمّا حجّة الأشاعرة، فقالوا: العلم ممكن قطعاً ولا مؤثر في الممكنات غير الله تعالى.

والجواب: المنع من الكبرى.(1)

ص: 129


1- العبارة في ب ، ج ، د ه: (المسألة الثانية: في أن حصول العلم عقيب النظر هل هو على سبيل اللزوم، أو على سبيل التولّد، أو على سبيل العادة. فالقاضي أبو بكر، وإمام الحرمين ذهبا إلى الأوّل، وقالت المعتزلة بالثاني، والأشاعرة بالثالث. أما حجّة من قال باللزوم، فهي أنهم قالوا إنا كلّما نظرنا حصل العلم، ولا ينفك عنه، فكان لازماً. وأما حجّة المعتزلة، فتقريرها أنهم قالوا: يجب حصول العلم عقيب النظر الصحيح، لأنا متى نظرنا نظراً صحيحاً حصل لنا العلم بذلك النظر، ومتى لم ننظر لم يحصل لنا العلم. والوجدان يدلّ عليه، ولأنّ العلم يكثر بكثرة النظر ويقل بقلته قياساً على غيره من الأسباب والمسببات. وهذه الحجّة ضعيفة جدّاً، لأنها لا تدلّ على ما ذهبت إليه المعتزلة، وإنّما تدلّ على مذهب القاضي وإمام الحرمين. وقد اختار شيخنا المصنّف حصوله لزوماً كما ذهب إليه القاضي وإمام الحرمين).

[في معنى الدليل]

قال (أدام الله أيامه): «والدليل هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، وهو قد يكون عقلياً محضاً، وقد يتركب من العقلي والنقلي، ولا يتركب من

النقليات المحضة دليل» .(1)

أقول : للدليل معنيان لغوي، وعرفي.

فاللغوي المرشد، ويقال المرشد لمعان ثلاثة (2):

أ - الذاكر [كذاكر الدليل، فإنّه يقال له مرشد](3).

ب - الناصب كمن ينصب علامة على الطريق ليعرف، فإنّه يقال له : [مرشد أيضاً] .(4)

ج - ما به الإرشاد [فإن نفس الدليل يقال : إنّه مرشد] (5).

وأمّا معناه العرفي، فقال قوم: إنّه هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر؛ وهو اختيار شيخنا (دام ظله).

وقال قوم: إنّه قول مؤلّف من قضايا يقينية يلزم عنها لذاتها قول (6)آخر.

فقولنا : «قول»، جنس يصدق على القضية والقضايا.

ص: 130


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 29 الفصل الرابع.
2- في ب، ج، د، ه: (الثلاثة أشياء).
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- أثبتناه من ب ، ج ، د ه
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
6- في ج، د، ه: (عنه لذاته شيء).

وقولنا: «مؤلّف من قضايا»، احترز به عن القضية الواحدة.

وقولنا: «يقينية»، احترز به عن القضايا الظنّية.

وقولنا: «يلزم عنه» احترزنا به عن القياس في عرف الفقهاء، فإنّه في الحقيقة لا يلزم عنه شيء أصلاً.

وقوله: «لذاته»، احترز به عما يلزم لأمر محذوف، كما يقال : الدرّة في الحقة والحقة في البيت فالدرّة في البيت لأمر محذوف، وهو أنّ الدرّة في شيء وذلك الشيء في البيت.

ونريد ب__(القضايا): ما زاد على القضية الواحدة.

واعترض على الأوّل: بكون القضية الواحدة دليلاً، إذ القضية الواحدة يلزم من العلم بصدقها العلم بكذب نقيضها وصدق عكسها، كقولنا: كلّ

إنسان حيوان، فنقيضها كاذب، وهو قولنا ليس كل إنسان حيوان، وعكسها صادق، وهو قولنا بعض الحيوان ليس بإنسان.

ثمّ هذا(1) الدليل، إما أن يكون مركباً من الأُمور العقلية، كقولنا: العالم متغيّر، وكلّ متغيّر محدث، فالعالم محدث، فهذا دليل مركب من أمرين عقليين.

وإما أن يكون مركباً من العقلي والنقلي، كقولنا : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : كذا وكذا.. وقول النبي النبي صلی الله علیه و آله وسلم صدق [ينتج أن هذا القول صدق](2)، فهذا دليل مركب من أمرين: أحدهما عقلي، وهو قول أنّ النبي النبي صلی الله علیه و آله وسلم صدق، والثاني نقلي،

ص: 131


1- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

وهو قولنا: قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : كذا وكذا.

ولا يتركب من النقليات المحضة، لأنّ من جملتها كون النبي صلی الله علیه و آله وسلم صادقاً، وهذه المقدمة عقلية.

[مبحث الإرادة والكراهة]

قال (أدام الله أيامه): «السادس عشر : الإرادة والكراهة:

وهما كيفيتان نفسانیتان ترجحان الفعل أو الترك.

وهل هما زائدتان على الداعي أم لا ؟ فيه خلاف. والحق الزيادة في حقنا لا في حقه تعالى.

وإرادة الشيء يستلزم كراهة ضده لا نفسها .(1)

أقول : الإرادة كيفية حاصلة في النفس ترجّح الفعل.

والكراهة: كيفية نفسانية(2) ترجّح الترك.

وقوله : «أو الترك»، معناه: إنّ الإرادة ترجّح الفعل، والكراهة ترجّح الترك.

وهل الإرادة والكراهة زائدتان على الاعتقاد (3)؟ فيه خلاف.

فقال قوم: إنّهما زائدتان في حق الله تعالى وفي حقنا.

ص: 132


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 29 الفصل الرابع.
2- في ب، ج، د، ه: (حاصلة في النفس).
3- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (وهل هما زائدتان على اعتقاد صلاحية الفعل أو الترك، أم لا).

وقال قوم: إنّهما زائدتان في حقنا لا في حقه تعالى.

والحق الثاني لأنّ الله تعالى منزّه عن التفكر والتحيّر، فإنّ الله تعالى إذا علم أنّ في هذا الفعل مصلحة كان هو نفس إرادته، وإذا علم أنّ فيه مفسدة كان

نفس كراهته. وأما أنه يعلم أنّ فيه مصلحة ثمّ يتحيّر في فعله أو تركه فلا.

وأما نحن فإنّما كانت زائدة في حقنا، لأنا نعتقد ثمّ نتفكر في إرادة ذلك أو في كراهته (1). والإرادة للشيء مستلزمة لكراهة ضده، لا نفس كراهة الضد، لاستحالة كون الشيء عين ضدّه ، فإنّ الإرادة والكراهة متضادّان.

[مبحث الشهوة والنفرة]

قال (أدام الله أيامه): «السابع عشر : الشهوة والنفرة:

وهما كيفيتان نفسانيتان مغايرتان للإرادة والكراهة، فإنا نريد شرب الدواء [وقت الحاجة](2) ولا نشتهيه، ونشتهي الملاذ المحرمة ولا نريدها».(3)

أقول: الشهوة كيفية نفسانية مضادّة للنفرة ومغايرة للإرادة، فإنّا نشتهي الملاذ المحرّمة كشرب الخمر والزنا (4)وسماع الغناء ولا نريده، لأنّ فيه مفسدة،

ص: 133


1- العبارة في ب ج د ه: (والحق الثاني ! لأنّ الله تعالى لو كان مريداً بإرادة زائدة على علمه لكانت تلك الإرادة، إما أن تكون ذاتية، أو صادرة عنه بإرادة أخرى. والأوّل يستلزم اجتماع النقيضين، والثاني يستلزم التسلسل، وكلاهما باطلان وأمّا أنّهما زائدتان في حقنا لا في حقه تعالى، فلأنه لا يستحيل ذلك علينا، فإنا نعلم ثمّ نريد).
2- أثبتناه من المصدر، ب، د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 29 الفصل الرابع.
4- (كشرب الخمر والزنا) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

وهي العقاب، ونريد شرب الدواء ولا نشتهيه.

[والنفرة: كيفية نفسانية أيضاً مضادّة للشهوة ومغايرة للكراهة، فإنّا](1)

ننفر عن شرب الدواء للاستشفاء ولا نكرهه بل ،نريده، ونكره الملاذ المحرّمة ولا ننفر عنها .

[مبحث الألم واللذة]

قال (أدام الله أيامه): «الثامن عشر: الألم واللذة:

وهما كيفيتان وجدانيتان. فاللذة إدراك الملائم، والألم: إدراك المنافي. سبب الألم تفرّق الاتصال وسوء المزاج المختلف» .(2)

أقول: الذي ذكره الأوائل في تعريفها هو ما ذكره المصنف(دام ظله)، وهو: إنّ الألم إدراك المنافي، فاللذة إدراك الملائم.

وقيل: إنّ الألم هو الخروج عن الحالة الطبيعية. وليس بجيد! فإن مرض السلّ خروج البدن عن حالته الطبيعية وليس بألم .(3)

ثم سبب الألم، إمّا تفرّق الاتصال، كقطع عضو من الأعضاء، وإما سوء المزاج المختلف، كالمريض فإنّ ألمه سوء مزاجه .(4)

ص: 134


1- أثبتناه من ب ج د ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 29 الفصل الرابع.
3- العبارة في ب ، ج ، د ه: (ونقل عن محمد بن زكريا الطبيب أنّ اللذة عود إلى الحالة الطبيعية بعد الخروج عنها. وليس بجيد لأنه أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات، ولهذا نلتذ بمشاهدة صورة لم نرها أولا حتى نجعل اللذة عبارة عن الخلاص عن ألم الشوق).
4- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (كالمحموم مثلاً سبب ألمه سوء المزاج).

وإنما قال: «المختلف»، احترز به عن المتفق فإنّه لا يحصل له ألم الموافقة(1) كالسلّ.

[مبحث الإدراك]

قال (أدام الله أيامه): «التاسع عشر : الإدراك:

وهو زائد على العلم، فإنا نجد تفرقة ضرورية بين علمنا بحرارة النار وبين اللمس

وهل الزيادة راجعة إلى تأثير الحاسّة وعدمها أو إلى أمر مغاير؟ فيه خلاف» (2).

أقول: الإدراك: معلوم ضرورة، وهو مغاير لجميع الأعراض من القدرة، والإرادة، وغيرهما، اتفاقاً.

أما مغايرته للعلم، فقد نازع فيه قوم.

أمّا (3)الأشاعرة فقد قالوا: الإدراك زائد على العلم. وهو الحق !

لأنا نجد بين علمنا بحرارة النار، وبين لمسنا لها فرقاً ضرورياً، وكذلك نجد فرقاً ضرورياً بين تغميض العين (4)وفتحها في ما هو معلوم، فإنّ عند فتح أعيننا في شيء معلوم لنا قبل الفتح لا بد أن يحصل أمراً زائداً على العلم.

ص: 135


1- لا يوجد في ب ، ج ، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 29 - 30 الفصل الرابع.
3- في ب، ج: وأما، وفي د، ه: فأما.
4- فى ب د ه عيننا.

ثمّ هذا الأمر [الزائد](1) هل هو راجع إلى تأثر الحاسّة، أو إلى أمر آخر غير تأثر الحاسّة؟ فيه خلاف:

فقالت الأوائل وجماعة من المعتزلة إلى أنّ ذلك راجع إلى تأثر الحاسة. ومنعه قوم.

[قال فخر الدين الرازي (2): المتكلمون محتاجون إلى القدح في هذا الاحتمال ليمكنهم بيان أنّ الله تعالى سميع بصير .

والإدراك جنس تحت أنواع خمسة، وهي: السماع، والإبصار، واللمس والشم والذوق].(3)

[في الإبصار]

قال ( أدام الله أيامه): «وأنواعه خمسة:

الإبصار : قيل: إنّه يحصل بخروج شعاع من العين نحو المرئي ويتصل به فتحصل الرؤية. وقيل: بل تنطبع في العين صورة المرئي؛ وكلاهما باطل:

أما الأوّل: فلأنّ الشعاع إن كان عرضاً استحال عليه الحركة والانتقال، وإن كان جسماً استحال أن يخرج من العين جسم يتصل بنصف كرة العالم مع

صغر العين.

ص: 136


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن، فخر الدين الرازي الشافعي، تقدّم.
3- في المخطوطة مشطوب، ومثبت في ب، ج، د، ه.

وأما الثاني: فلأنه يستحيل انطباع العظيم في الصغير».(1)

أقول: قد بيّنا أولاً أنّ الإدراك جنس تحته خمسة أنواع : أحدها الإبصار.

وفي كيفيته خلاف:

فقال قوم من الفلاسفة وجماعة من المعتزلة: إنّه يحصل بخروج شعاع من العين بنحو المرئي فتحصل الرؤية.

وقد أبطله شيخنا (2)(دام ظله)، فقال: ذلك الشعاع إما أن يكون جوهراً، أو عرضاً، فإن كان جوهراً لزم التداخل(3)، وإن كان عرضاً استحال انتقاله. وأيضاً الشعاع الخارج على كلا التقديرين إذا انتقل فلا بد له من زمان، إذ الحركة لا بد لها من زمان وقال قوم: إنّه يحصل بانطباع صورة المرئي في العين وهم: أرسطو (4)وأتباعه.

وقد أبطله شيخنا (5)(دام ظلّه) [ أيضاً ] (6)، فقال: إنّه يستحيل أن ينطبع الكبير في الصغير (7).

ص: 137


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 30 الفصل الرابع.
2- في ب، ج، د، ه: المصنف.
3- العبارة في ب ، ج ، د ه: (ذلك الشعاع إما أن يكون جسماً ، أو عرضاً، فإن كان جسماً فمحال لاستحالة خروج جسم من العين يتصل بنصف كرة العالم، ويتصل بكرة الثوابت).
4- أرسطو طاليس، المعلم الأوّل، تقدّم.
5- في ب، ج، د، ه: المصنّف.
6- أثبتناه من ب، ج، د.
7- في ب، ج، د، ه: (انطباع العظيم في الصغير).

قال (أدام الله أيامه): «الحق ما اخترناه نحن في (نهاية المرام)، وهو:

إنّ الله تعالى جعل للنفس قوّة إدراك المرئي عند مقابلة الحدقة السليمة له مع تكامل الشرائط العشرة، وهي سلامة الحدقة(1)، وكثافة المبصر، وعدم البعد والقرب ،المفرطين والمقابلة أو حكمها، ووقوع الضوء على المرئي، وكونه غير ،مُفرط، وعدم الحجاب والتعمّد للإبصار، وتوسط الشفاف، وعند اجتماع هذه الشرائط العشرة تجب الرؤية» .(2)

أقول: ذهب شيخنا المصنّف (دام ظلّه) إلى أنّ الإبصار لا يحصل [بما ذكرناه] (3)من الانطباع وخروج (4)الشعاع.

واختار قولاً ثالثاً، وهو: أن الله تعالى جعل للنفس قوة إدراك (5)المرئي إذا قوبلت الحدقة السليمة له، إذا (6)تكاملت شروط عشرة(7):

أ - سلامة ،الحدقة فإنّ الأعمى لا يبصر ، لانفكاك سلامة الحدقة، وهو أحد الشروط .(8)

ص: 138


1- في المصدر، ب: الحاسّة.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 30 الفصل الرابع.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
5- في ب، ج: لإدراك.
6- في ب، ج، د، ه: و.
7- اختلف التقسيم في النسخ سواء كتابة، أو حرفاً، أو رقماً.
8- (لانفكاك سلامة الحدقة، وهو أحد الشروط) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

ب - كثافة المبصر (بفتح الصاد غير المعجمة)، فإن الجسم الشفاف لا يُبصَر، كالهواء لفقد أحد الشروط (1).

ج، د (2)- عدم القرب والبعد المفرطين.

وإنما قال: «المفرطين»، فإنّ من ينظر إلى مائة فرسخ فإنّه لا شيئاً (3)، وكذلك إذا وضع المبصر عند عينه ملاصقاً لها، فإنّه لا يبصر .(4)

ه - المقابلة أو حكمها، فإنّه إذا لم يقابل [المبصر ](5) لا يبصر، كمن يكون وراءه شيء فإنّه لا يبصره لعدم المقابلة. وإنّما قال: «أو حكمها»، فإنّ الناظر يبصر ما خلفه في المرآة .

و - وقوع الضوء على المبصر، فإنّ الذي لا يقع عليه الضوء لا يُبصَر، كمن يكون في موضع مظلم.

ز - كون الضوء غير مفرط، كالشمس (6)، فإنّ الناظر إلى عين الشمس لا يبصر، لأنّ الضوء مفرط.

ح - عدم الحجاب، فإن من يكون خلف جدار لا يبصر

ط - التعمد للإبصار ، فإنّ من حصلت له هذه الشرائط ولم يتعمّد للإبصار لا يبصر.

ص: 139


1- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (بمعنى أن يكون له لون وضوء).
2- في المخطوطة فقط (ج).
3- العبارة في ب، ج، د، ه: ( فإنّ من ينظر لشيء بينه وبين مسافة مائة فرسخ لا يبصره).
4- في ب، ج، د، ه: لا يبصره
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
6- لا يوجد في ج، د، ه.

ي - توسط الشفاف، فإنّ من لم يكن بينه وبين المبصر جسماً شفافاً لا يبصر. وربّما رجع هذا الشرط إلى الشرط الثالث .(1)

ومع تكامل هذه الشروط [العشرة] (2)هل تجب الرؤية أم لا؟ فيه خلاف: قالت الأشاعرة: إنّها لا تجب.

وقالت المعتزلة وجماعة الفلاسفة (3): إنّها تجب الرؤية. وهو الحق!

لأنه لو لم تجب الرؤية لجاز أن يكون في حضرتنا جبال وآلات وغير ذلك، ولم نرها، وهو باطل بالضرورة!

احتجت الأشاعرة: بأنّ الجسم الكبير إذا كان بعيداً فإنا نراه صغيراً، وما ذاك إلّا أنا نرى بعض الأجزاء دون بعض، مع استواء جميع تلك الأجزاء في كون شرائطها موجودة.

والجواب: المنع من أنا نرى بعض الأجزاء دون بعض، وإنّما نرى جميع الأجزاء، والصغر إنّما هو باعتبار صغر زاوية الشعاع، [لبعد الخطين، أو لتفرّق الأشعة فلا يحصل الإدراك التام](4) ، والشعاع على هيئة المخروط جوفه ملآن(5)، قاعدته على سطح قابل الشعاع (6)، ورأسه عند ذي الشعاع، ثمّ قابل

ص: 140


1- (فإنّ من لم يكن بينه وبين المبصر جسماً شفافاً لا بينه وبين المبصر جسماً شفافاً لا يبصر. وربّما رجع هذا الشرط إلى الشرط الثالث) لا يوجد في ب ، ج ، د، ه.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في ب : من الأوائل، وفي ج: منا، وفي د، ه: من
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- في ب، د، ه: مصمت، وفي ج: المصمت.
6- في د ه: (القابل للشعاع).

الشعاع إذا كان صقيلاً انعكس الشعاع من ذلك السطح الصقيل إلى ما يحاذيه (1)، كالمرآة فإنّ الشخص إذا نظر فيها فإنّه يبصر نفسه وغيره إذا كان محاذياً

لها، وذلك إنّما هو باعتبار انعكاس شعاع الزاوية (2)إلى ما يحاذي المرئي.

[في السماع]

قال (أدام الله أيامه): «والسماع وهو يحصل بتموّج الهواء الصادر عن قلع أو قرع إلى أن يصل [ ذلك التموّج ] (3)إلى سطح الصماخ، وليس بشرط (4)للسماع من وراء الجدار على الهيئة» .(5)

أقول: هذا هو النوع الثاني من أنواع الإدراك، وهو يحصل من تموّج الهواء الصادر إما من قلع كقلع بعض الخشبة من بعض، وإما من قرع، كضرب الخشبة على الحجر [مثلاً] (6)، إلى أن يصل ذلك التموّج إلى سطح الصماخ.

وقال آخرون: إنّ الصوت جواهر تنقطع بالحركة، وليس بجيّد! إذ إدراك الجواهر إنّما يكون بحاسة البصر .

وأيضاً فإنّ الأجسام مشتركة في الجسمية، وهي كونها ملموسة ومبصرة،

ص: 141


1- في ج، د، ه: محاذيه.
2- لا يوجد في ج، د، ه.
3- أثبتناه من المصدر، ج، د، ه.
4- في ج، د، ه: شرطا.
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 30 الفصل الرابع، ولا يوجد فيه: (وليس بشرط للسماع من وراء الجدار على الهيئة).
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

والصوت ليس كذلك.

وقال آخرون: إنّه نفس القلع والقرع ، وهو ضعيف! لأنهم جعلوا سبب الشيء يقوم مقام نفسه، فإنّ الصوت معلول التموّج، والتموّج معلول القلع أو القرع، وليس هو أحدهما ، لأنهما يدركان بحاسّة البصر .(1)

إذا ثبت هذا؛ فاعلم أنّ القلع أو القرع إذا حدثا حصل منهما هواء متموّج، ثمّ ذلك التموّج يدفع هواء آخر، وذلك الآخر لآخر، ولا يزال هكذا إلى أن يصل ذلك التموّج إلى سطح الصماخ فيدرك الصوت. ولا نقول أنّ ذلك التموّج نفسه يصل إلى سطح الصماخ .(2)

[في الشمّ]

قال (أدام الله أيامه): «والشمّ: وهو يحصل بتكيف الهواء برائحة ذي الرائحة ووصوله إلى الخيشوم» .(3)

أقول: هذا هو النوع الثالث من أنواع الإدراك، ولم يوضع للمشمومات

أسماء كما وضع لغيرها، بل إمّا من جهة المخالفة، أو من جهة الموافقة، كما يقال: رائحة طيبة، ورائحة منتنة . أو من جهة المحل، كما يقال: رائحة المسك، أو رائحة

العنبر، [وقد تقدّم هذا البحث] .(4)

ص: 142


1- (وقال آخرون : إنّ ... يدركان بحاسة البصر) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- العبارة في ب ج د ه: (إلى أن يصل إلى سطح الصماخ. ولا يشترط في الإدراك أنّ ذلك التموّج يصل إلى سطح الصماخ لسماع الصوت على هيئته من وراء الجدار).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 30 الفصل الرابع.
4- أثبتناه من ب ، ج ، د، ه

ثمّ هذه المشمومات تحصل عند تكيف الهواء برائحة ما له رائحة كالمسك وما شابهه [ووصوله إلى الخيشوم] .(1)

وقال قوم: إنّه تنفصل عن المشموم أجزاء لطيفة وتتصل بالهواء، فيحصل الشم [عند وصولها إلى الخيشوم] .(2)

والأوّل أقرب ! لأنه لو كان كذلك لكان الشيء [ذي الرائحة](3) إذا لبث لم يبق منه شيء أصلاً، وهو ظاهر البطلان.

[في اللمس]

قال (أدام الله أيامه): «واللمس : وهو أنفع الإدراكات، إذ باعتباره يحفظ الحيوان مزاجه عن المنافي الخارج، فإنّه لما كان مركباً من العناصر الأربعة، كان حفظه ببقائها على الاعتدال وفساده بخروجها عنه فوهبه الله تعالى قوّة سارية فيه أجمع هي اللمس، يدرك بها ما ينافيه فيبعد عنه.

أما باقي القوى فإنّها جالبة للنفع، ودفع الضرر أقدم من جلب النفع، ولهذا كان اللمس أنفع الإدراكات» .(4)

أقول: هذا هو هو النوع الرابع من أنواع الإدراك، لما كان كل حيوان مركباً من عناصر أربعة كان قابلاً لما يلائمه منها وغير قابل لما ينافره منها، ولمّا لم

ص: 143


1- أثبتناه من ب ج د ه
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 30 الفصل الرابع.

يمكن معرفة الملائم من غيره، ولا التمييز بينهما، وكان غير الملائم سبباً للهلاك، وهبه الله تعالى قوّة سارية في جميع بدنه هي اللمس ليعرف بها ما ينافره فيبتعد

عنه، وما يلائمه فيقرب منه ، فهو حينئذ دافع للضرر(1)، وغيره من الإدراكات جالب للنفع، ودفع الضرر أقدم من جلب النفع، فكان اللمس أنفع الإدراكات.

[في الذوق]

قال (أدام الله أيامه): «والذوق : وهو يحصل بانفعال الرطوبة اللعابية المتصلة باللسان بطعم ذي الطعم» .(2)

أقول: هذا هو النوع الخامس من أنواع الإدراك، وهو يحصل باعتبار (3)انفعال الرطوبة اللعابية التي في الفم المتصلة باللسان بطعم ما له طعم، وقد مضى تحقيق (4)الطعوم.

وقيل: إنّما يحصل بانفصال أجزاء ذي الطعم وغوصها في اللسان. وهو محتمل أيضاً (5)!

ص: 144


1- العبارة في ج، د، ه: (من عناصر أربعة كان حفظه ببقائها على الاعتدال، وفساده بخروجها عن الاعتدال، وكان لا يعرف المنافي من غيره، وهبه الله تعالى قوّة سارية فيه أجمع، هي اللمس يدرك بها المنافي فيبتعد عنه، فكان حينئذٍ دافعاً للضرر).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 31 الفصل الرابع.
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- في ب، ج، د، ه: بحث.
5- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

[بحث في أحكام عامة للأعراض]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «البحث الرابع: في أحكام عامة للأعراض:

الأعراض يستحيل عليها الانتقال، لأنه عبارة عن الحصول في حيّز بعد الحصول في آخر، وهو لا يعقل في الأعراض.

ولا يجوز انتقالها من محل إلى محل، لأنّ العرض مفتقر في تشخصه إلى محلّ شخصي يقوم به، وإلا لما حلّ فيه لاستغنائه في وجوده بفاعله وفي تشخصه بغير

المحلّ، وإذا افتقر في تشخّصه إلى محل استحال انتقاله عنه» .(1)

أقول: لما فرغ من أحكام الأعراض الخاصة، وهي التي تختص بالأعراض المتقدمة لا غير، شرع في بيان أحكام الأعراض العامة التي لا تختص ببعض الأعراض دون بعض.

فمنها: أنه يستحيل عليها الانتقال، واتفق عليه الحكماء الأوائل والمتكلّمون، وذلك لأنّ الانتقال عبارة عن الحصول في مكان ثاني (2)بعد أن كان في مكان أوّل(3)، فماهية الانتقال تستدعي كون المنتقل متحيّزاً، والعرض ليس بمتحيّز .(4)

وكذلك لا يجوز انتقاله من محلّ إلى محلّ، لأنّ العرض يفتقر (5)في وجوده

ص: 145


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 31 الفصل الرابع.
2- لا يوجد في ج، د، ه.
3- في ج، د، ه: آخر .
4- في ب، ج، د، ه: (غير متحيّز).
5- في ب، ج، د، ه: مفتقر .

إلى محل شخصي ليقوم فيه، لأنه لو لم يفتقر إلى محلّ شخصي ليقوم فيه لما حلّ في ذلك المحلّ، لأنّ العرض مستغن في وجوده بفاعله وفي تشخصه بغير المحلّ، فحينئذ لا يقوم فيه، وهو باطل !

وإذا كان مفتقراً إلى محل شخصي، فإما أن يكون مبهماً أو معيناً، لا جائز أن يكون مبهماً، لأنّ المبهم من حيث هو مبهم لا يفيد وجوداً في الخارج، فيبقى أن يكون مفتقراً إلى محلّ معيّن، وإذا كان محلّ العرض معيّناً استحال مفارقته .(1)

[في قيام العرض بنفسه]

قال (أدام الله أيامه) : «ولا يستحيل قيام عرض بعرض، كالسرعة القائمة بالحركة، ولا بدّ من الانتهاء إلى محلّ جوهري».(2)

أقول : اختلف الناس في جواز قيام العرض بالعرض:

فذهب أوائل الحكماء: إلى جوازه. واختاره شيخنا(دام ظله).

وذهب فريق (3)من المتكلمين إلى استحالته.

واحتج [الأوّلون](4): بأنا رأينا السرعة قائمة بالحركة، وهما عرضان، والصحة والفساد قائمان بالنظر، فدلّ على جوازه .(5)

ص: 146


1- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (فإذا افتقر في تشخصه إلى محلّ استحال انتقاله عنه، وفيه نظر).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 31 الفصل الرابع.
3- في ب، ج، د، ه: قوم.
4- أثبتناه من ب، ج، د ه.
5- العبارة في ب، ج، د، ه: (بأنا رأينا السرعة قائمة بالحركة، وكذلك البطء، وهما عرضان، والحركة عرض، فقد قام العرض بمثله) .

واحتج من أنكر جوازه بأنه لا بد من الانتهاء إلى الجوهر، فيكون الجميع في حيّز الجوهر [تبعاً للجواهر] .(1)

والجواب: نحن نسلّم أنه لا بد من الانتهاء إلى الجوهر، لكن تنازع في قيام

البعض بالبعض ، وذلك البعض بالجوهر (2). والنزاع إنّما وقع في هذا، والحجّة غير كافية في نفي ما قلناه.

[في بقاء الأعراض]

قال (أدام الله أيامه) : «ولا يستحيل عليها البقاء، فإنّ الحسّ كما يحكم ببقاء الأجسام، كذلك يحكم ببقاء الأعراض القارّة. وخلاف الأشعرية ضعيف» .(3)

أقول: اختلف الناس في بقاء الأعراض:

فأحاله الأشاعرة.

وجوّزه جمهور المعتزلة. وهو الحق!

لنا: إنّ الأعراض ممكنة الوجود في الزمان الثاني، وأيضاً فإنّ العقل حاكم بأنّ الأعراض القارّة باقية، كما هو حاكم ببقاء الأجسام .(4)

ص: 147


1- أثبتناه من ب د ه.
2- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (واحتج من أنكر جوازه بأنّه لا بد من الانتهاء إلى الجوهر. لكن قوله: بكون الجميع في حيّز الجوهر، إن أراد به أنّ العرضين قاما بالجوهر من غير أن يقوم أحدهما بالآخر، فهو ممنوع، وإن أراد أن أحدهما حلّ في الآخر وذلك الآخر حلّ في الجوهر مسلّم).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 31 الفصل الرابع.
4- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (إنّ الأعراض ممكنة الوجود في الزمان الأوّل، فتكون ممكنة الوجود في الزمان الثاني، وأيضاً فإنّ الحسن يحكم ببقاء الأعراض القارّة، كما هو يحكم ببقاء الأجسام).

وإنّما قال: «الأعراض القارّة»، احترز به عن الأعراض المفارقة (1)، كالكلام وغيره.

وأما أبو الحسين (2)، فإنّه قال: إنها باقية بالضرورة.

واحتجّت الأشاعرة بأنّ البقاء ،عرض، فلو كان باقياً لزم قيام العرض بالعرض، ولأنها لو كانت باقية استحال عدمها، والتالي باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : إنّ عدمها إما [أن يكون](3) مستنداً إلى الذات أو إلى وجود الضد، أو إلى فقدان الشرط، أو إلى [الفاعل](4) المختار . والكل باطل !

أمّا الأوّل: فلاستحالة كون الممكن لذاته ممتنعاً لذاته.

وأما الثاني: فلأن طريان الضد مشروط بعدمه.

وأمّا الثالث: فلأنّ الشرط - وهو الجوهر - موجود.

وأمّا الرابع: فلأنّ المختار عند الإعدام إما أن يكون قد صدر عنه أمراً، أو لم يكن، فإن كان قد صدر عنه أمر فتأثيره في تحصيل أمر وجودي، وهو إيجاد لا إعدام (5). وإن لم يصدر عنه أمر لزم منه أنّ المختار لا يحصل منه أثر، وهو محال.

والجواب عن الأوّل: بالمنع من استحالة قيام العرض بالعرض [وإنّما هو جائز](6)، وقد مضى تحقيقه.

ص: 148


1- في ب، ج، د، ه: (عن غير القارّة).
2- محمّد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تقدّم.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- في ب ، ج : الإيجاد لا الإعدام) ، وفي د ه: (إيجاد الإعدام).
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

وعن الثاني : لِمَ لا يجوز أن يكون العدم مستنداً إلى الذات؟

قالوا: يلزم أن يكون ممكن الوجود لذاته، ممتنعاً لذاته.

قلنا: إنّما هو ممكن الوجود في الزمان الأوّل، ثمّ صار ممتنع الوجود في الزمان الثاني.(1)

وعن الثالث: لم لا يجوز أن يكون العدم مستنداً إلى طريان الضدّ؟

قالوا: طريان الضد مشروط بعدمه.

قلنا: غير مسلّم ! وإنّما عدمه إنّما هو لطريان الضدّ وعن الرابع : لِمَ لا يجوز أن يكون مستنداً إلى فقدان الشرط؟

قالوا: لأنّ الشرط موجود، وهو الجوهر.

قلنا: ممنوع، والانحصار يحتاج إلى برهان.

وعن الخامس بالمنع من عدم كون المختار هو مستند العدم.

قالوا: يلزم أن يكون المختار مؤثراً في العدم.

قلنا: الممكن إذا حصل معه ترجيح أحد الطرفين وجب حصوله، سواء كان وجوداً أو عدماً، لتساوي نسبتهما إلى الماهية.

[في عدم حلول العرض بمحلين]

قال (أدام الله أيامه): «ولا يمكن حلول عرض واحد في محلّين، كما لا يعقل حلول جسم في مكانين.

ص: 149


1- العبارة في ج، د، ه: (قلنا: إمكان البقاء مغاير لإمكان الوجود المطلق، والثاني ثابت دون الأوّل، ولا يلزم استحالة الممكن).

وقول أبي هاشم ب__(أنّ التأليف عرض يقوم بجزأين لا أزيد). وقول بعض الأوائل : (إنّ الإضافات المتفقة تقوم بالمضافين)، ضعيفان» .(1)

أقول: لا يمكن [أن يحلّ](2)عرض واحد في أزيد من محلّ واحدٍ، كما مضى في الأجسام من أنّ الجسم الواحد يستحيل أن يحل بمكانين، وهو المشهور بين المتكلمين (3)الأشاعرة والمعتزلة.

وقال جماعة من الفلاسفة: إنّ الإضافات المتفقة تقوم بالمتضايفين كالأخوّة، فإنّ الأخوّة أمر نسبي لا بد له من منتسبين، فبين الأخوين إضافة واحدة [قائمة بها].(4)

وقال أبو هاشم (5): إنّ التأليف عرض واحد يقوم بالمحلّين لا أزيد.

وإنّما منع قيام التأليف بأزيد من محلّين، لأنه لو قام بأكثر من محلّين، لكان إذا أخذنا جزءاً لا يتجزأ من الجبل العظيم [الزم] (6)أنه يقع بأجمعه، لعدم التأليف بعدم محلّه. والأوّل ضعيف ! لأنا نمنع أنّ الأخوين تقوم بهما إضافة واحدة، بل إضافتين .(7)

ص: 150


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 31 الفصل الرابع.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- أثبتناه من ب ، ج ، د، ه.
5- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
7- العبارة في ب، ج، د، ه: (والأوّل ضعيف (ضروري) لأنّ الإضافات لا وجود لها في الخارج، وبحثنا في الأعراض).

والثاني ضعيف (1)أيضاً، لأنه لو أمكن قيام عرض واحد بمحلّين، لكان الحال في هذا المحلّ هو بعينه الحال في هذا (2)المحلّ، فيجوز حينئذ قيام جسم واحد في مكانين.

وأيضاً، فإنّ العرض الواحد لو أمكن حلوله في محلّين، لكان مستغنياً بكلّ واحد عن الآخر، فيكون مستغنياً عنه محتاجاً إليه هذا خلف !

وإنّما قال: «الإضافات المتفقة»، احترازاً عن الإضافات المختلفة، كالأبوّة والبنوّة، فإنّها عندهم تقوم بها إضافتين .(3)

[في بيان حدوث الأعراض]

قال (أدام الله أيامه): «والأعراض كلّها حادثة، لأنّ محلّها - وهو الجسم - حادث، وقد سبق» (4).

أقول: لا يمكن وجود العرض بدون محلّه، لأنه مقوّم له! فقبل وجود الأجسام يستحيل أن توجد الأعراض، لأنّ الجسم شرط وجود العرض، ويستحيل وجود المشروط بدون شرطه ، فإذا كان كذلك - وقد مرّ البحث في حدوث الأجسام [وأثبتنا حدوثها] (5) فتكون الأعراض حادثة أيضاً.

ص: 151


1- في د، ه ضروري.
2- في ج، د، ه: ذلك.
3- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (فإنّها أعني (غير) الأب والابن عندهم تقوم بهما إضافتان).
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 31 الفصل الرابع.
5- أثبتناه من ب ، ج ، د، ه

[بحث في الأحكام المشتركة بين الجواهر والأعراض]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «البحث الخامس: في بقايا أحكام مشتركة بين الجواهر والأعراض:

وهي خمسة:

[مبحث التماثل والاختلاف]

الأوّل: كلّ معقولين إن تساويا في تمام الماهية فهما المثلان، وإلا فالمختلفان.

والمختلفان: إما متقابلان إن لم يمكن اجتماعهما، وإما متلاقيان» (1).

أقول: لما فرغ من أحكام الجواهر وأحكام الأعراض، شرع في بيان الأحكام المشتركة بينهما.

وهي تنقسم إلى خمسة أقسام:

(القسم الأوّل في التماثل، والاختلاف، والتضادّ):

كلّ معقولين إما أن يتساويان في تمام الماهية ، أو لا؛ فإن تساويا في تمام الماهية فهما المثلان، وهما اللذان يقوم كلّ واحد منهما مقام الآخر ويسدّ مسدّه، [كالسوادين والبياضين](2)، وأما أن لا يتساويان، وهما المختلفان، [وهما عكس المثلين].(3)

ص: 152


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 31 الفصل الرابع.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

ثمّ المختلفان إما أن يمكن اجتماعهما، وهما المتلاقيان (1)، وأما أن لا يمكن اجتماعهما، وهما المتقابلان كالحرارة والبرودة، فإنّهما لا يمكن اجتماعهما في حالة واحدة في محلّ واحد.

والتقابل جنس [يندرج] (2)تحته أربعة أنواع: تقابل السلب والإيجاب، وتقابل العدم والملكة وتقابل التضاد، وتقابل التضايف. وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

[في التقابل]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «والتقابل على أربعة أصناف:

الضدّان وهما الذاتان الوجوديتان اللتان لا تجتمعان وبينهما غاية التباعد كالسواد و البياض.

ولا يعرض التضاد للأجناس مطلقاً، ولا للأنواع إلا إذا دخلت تحت جنس أخير» .(3)

أقول: قد بيّنا أنّ التقابل جنس تحته أربعة أنواع، فهذا النوع من جملتها، ويسمّى (تقابل التضادّ).

فالمتضادان: هما الذاتان الوجوديتان اللتان لا تجتمعان، وبينهما غاية التباعد (4)، كالسواد والبياض ، والحرارة والبرودة، وغيرهما.

ص: 153


1- في ب: (وهما المتلاقيان كالسواد والحركة في الزنجي).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 32 الفصل الرابع.
4- في ب، ج، د، ه: الاختلاف.

فقولنا : «الذاتان»، جنس يدخل تحته كلّ ماهية .(1)

وقولنا : «الوجوديتان»، فصل عن الأشياء العدمية، فإن العدمات ليس بينها تضاد .(2)

وقولنا : «اللتان لا يجتمعان»، فصل آخر عن المختلفين غير المتقابلين، كالسواد والحركة، فإنّهما ذاتان وجوديتان، لكنهما يمكن اجتماعهما.

وقولنا : «وبينهما غاية التباعد احترزنا به عن الذاتين (3)الوجوديتين اللتين لا تجتمعان لكن بينهما بعد يسير، كالسواد والزرقة .(4)

والتضادّ لا يجوز أن يعرض للأجناس مطلقاً [بالاستقراء، كالكيفية الملموسة والكيفية المشاهدة، وغير ذلك من الأجناس. ولا ينتقض بالخير

والشر لأنهما ليسا جنسين ولا ضدّين من حيث ذاتيتهما، بل تقابلهما من حيث الكمالية والنقض].(5)

ولا يعرض التضادّ أيضاً للأنواع إلا في حالة كون الأنواع داخلة تحت جنس أخير. [ولا ينتقض بالشجاعة والتهوّر المندرج أحدهما تحت جنس الفضيلة، والآخر تحت جنس الرذيلة، لأنّ تقابلهما لا من حيث ذاتيتهما، بل من

ص: 154


1- في ب، ج، د، ه: (جميع الماهيات).
2- العبارة في ب ، ج ، د: (فصل يخرج به ما يكون أحدهما وجودياً والآخر عدمياً، كالعدم والملكة).
3- العبارة في ج، د: (فصل آخر عن الذاتين).
4- في ب، ج، د، ه: الحمرة.
5- في المخطوطة توجد عبارة مشطوبة (سواء كانت أخيرة كالجواهر المجردة، أو غير أخيرة كالحيوان بالنسبة للإنسان والفرس)، وما أثبتناه فمن ب، ج، د، ه.

حيث الفضيلة والرذيلة العارضتان].(1)

[في الضدين]

قال (أدام الله أيامه): «والضدّان قد يخلو المحلّ عنهما، إما مع الاتصاف بالوسط كالفاتر، أو بدونه كالهواء، وقد لا يصح كالأكوان» .(2)

أقول: هذا من جملة أحكام التضادّ، وهو أنّ الضدين قد يخلو المحل عنهما، أمّا بأن يتصف المحلّ بالوسط الذي بينهما كالحرارة والبرودة، فإنّ الوسط الذي بينهما هو الفاتر، وأمّا بأن لا يتصف به كالهواء، فإنّ الهواء قد خلا عن الضدين ولم يتصف بوسط بينهما. وقد لا يمكن خلو المحلّ منهما كالكون، فإنّ الكون أحد

عبارة عن الحركة والسكون والاجتماع والافتراق، فهو لا يمكن خلوّه عن هذه الأربعة .(3)

[في النقيضين]

قال (أدام الله أيامه): «والنقيضان وهما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان: إمّا في المفردات كالإنسان ولا إنسان وإمّا في المركبات كالإنسان كاتب وليس

ص: 155


1- في المخطوطة توجد عبارة مشطوبة (كالإنسان والفرس فإنها داخلان) وما أثبتناه فمن ب، ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 32 الفصل الرابع.
3- العبارة في ب ، ج ، د ه: (... كالحرارة والبرودة، حيث ارتفعا عن الفاتر وهو متصف بالوسط، فإنّ الوسط الذي بينهما هو الفتور، وإما بأن لا يتصف به كالهواء، فإنّ الهواء قد خلا عن الضدين ولم يتصف بوسط بينهما. وقد لا يمكن كالأكوان، وهو ظاهر).

الإنسان بكاتب، وهو تقابل بحسب القول والعقل» .(1)

أقول: هذا هو النوع الثاني من أنواع المقابلة، وهو: (تقابل التناقض).

ويعرّفان: بأنّهما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان.

وهذا النوع إما أن يكون في المفردات أو في المركبات.

أمّا في المفردات، كقولنا: إنسان لا إنسان.

وأمّا في المركّبات، كقولنا: زيد كاتب ليس زيداً كاتباً.

فإنّ الكتابة واللاكتابة لا يجتمعان في محلّ ولا يرتفعان عنه، والإنسان واللا إنسان أيضاً لا يمكن اجتماعهما في محلّ ولا ارتفاعها عنه.

وهذا النوع تقابل بحسب القول والعقل .

ومعنى قولنا (2): «بحسب القول»، هو أنك إذا قلت: إنسان لا إنسان، أو زید کاتب ليس زيد بكاتب. وبحسب العقل إذا تعقلت (3)ذلك القول، فالمغايرة بالاعتقاد

[في العدم والملكة]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «والعدم والملكة وهما نقيضان يخصص موضوعهما، كالعمى والبصر، فإنّ العمى عدم البصر، لا مطلقاً، بل عن محلّ يمكن اتصافه

به» .(4)

ص: 156


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 32 الفصل الرابع.
2- في ب، ج، د، ه: قوله.
3- في ب، ج، د، ه: اعتقدت.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 32 الفصل الرابع.

أقول: هذا هو النوع الثالث من أنواع المقابلة، وهو: (تقابل بحسب العدم والملكة).

ومعناه: عدم شيء عن شيء عمّا من شأنه أن يكون له(1)، كالعمى والبصر، فإنّ العمى عدم البصر لا في كلّ موضع فإنّ الجدار لا يسمّى أعمى؛ وإنما يسمّى عديم البصر أعمى إذا كان من شأنه أن يكون مبصراً، أما مطلقاً فلا وكذلك الموت عدم الحياة لا مطلقاً، بل عن محلّ من شأنه أن يكون حيّاً.

واعلم أنّ الملكة، هي: وجود الشيء في شيء آخر، كالبصر فإنّه موجود في المبصر، والعدم هو انتفاء تلك الملكة عن ذلك الشيء (2).

[في المتضايفين]

قال ( أدام الله أيامه): «والمتضايفان وهما اللذان لا يعقل أحدهما إلّا بالقياس إلى الآخر، كالأبوّة والبنوّة.

والحق أن الإضافات لا وجود لها في الخارج، وإلا لزم التسلسل» .(3)

أقول: هذا هو النوع الرابع من أنواع المقابلة، وهو: (تقابل التضايف).

فالمتضايفان هما اللذان لا يعقل أحدهما إلّا بقياسه إلى الآخر، كالأبوّة

ص: 157


1- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (هذا هو القسم الثالث من أقسام التقابل ، وهو العدم والملكة، وهما نقيضان تخصص موضوعهما).
2- العبارة في ب، ب ، ج ، د، ه: (واعلم أنّ الملكة هي: وجود شيء لشيء من شأنه أن يتصف به، فإنّ الإنسان مثلاً من شأنه أن يتصف بالبصر، والعدم هو عدم تلك الملكة).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 32 الفصل الرابع.

والبنوّة، فإنّا لا نعلم الأب إلا بعد أن نعلم ما معنى الابن وبالعكس، فنقول: الأب شيء له الابن والابن شيء له الأب .(1)

إذا عرفت هذا، فنقول:

اختلف الناس في أنّ الإضافات: هل لها وجود في الخارج، أم لا؟

فقالت الحكماء: أنّ لها وجود في الخارج.

ومنعه المتكلمون، وهو الأولى !

لنا: إنّ الإضافات لو كانت موجودة (2)في الخارج لكانت حالة في مكان(3)، فحلولها في ذلك المحل أمر نسبي بين ذاتها وبين المحل، فتلك النسبة لا

بد لها من محلّ، فحلولها فيه أمر نسبي أيضاً [كما مرّ](4)، وهكذا، ويلزم منه التسلسل، وهو محال !

[في المثلين]

قال (أدام الله أيامه): «وكما يستحيل الجمع بين المتقابلين يستحيل الجمع بين المثلين إذ لا مائز حينئذ لأنّ الذات ولوازمها متفقة، والعوارض متساوية

النسبة إليها . وإنّما يجتمع المختلفان غير المثلين والمتقابلين» (5).

ص: 158


1- (كالأبوة والبنوّة، فإنّا لا نعلم الأب إلّا بعد أن نعلم ما معنى الابن، وبالعكس، فنقول: الأب شيء له الابن والابن شيء له الأب) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: (لو كان لها وجود).
3- في ب، ج، د، ه: محلّ.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 32 الفصل الرابع.

أقول: ذهبت المعتزلة إلى أن الجمع بين المثلين جائز.

وخالفهم في ذلك جماعة الأشاعرة والفلاسفة. وهو الحق عند شيخنا(دام ظله)!

احتجّت الأشاعرة والفلاسفة : بأنّه لو صح اجتماعهما لم يمكن التميّز بينهما، إذ التميّز : إما بالذات، وإمّا باللوازم وإمّا بالعوارض، والكل باطل !

أمّا الذات واللوازم فلا يمكن التميّز بهما، لأنّ الذات ولوازمها واحدة.

وأما بالعوارض ، فلا يمكن أيضاً، لأنّ العوارض متساوية النسبة إليهما، وإلا لما كانا مثلين.

ولقائل أن يقول: عدم التميّز [بينهما لا](1) يدلّ على استحالة اجتماعها، وإنّما يدلّ على عدم العلم بالمغايرة، وإنّما (2)يجوز اجتماع المختلفين غير المثلين والمتقابلين، [كالسواد] (3)والحركة والحرارة والبياض، وغيرها.

[مبحث الوحدة والكثرة]

قال (أدام الله أيامه): «الثاني: المعقول إمّا أن يكون واحداً أو كثيراً، والواحد إما بالذات أو بالعرض، والأوّل قد يكون بالشخص كزيد، وقد يكون

بالنوع كزيد وعمرو، وقد يكون بالجنس، كالإنسان والفرس.

ص: 159


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: لكن.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

ثمّ الأجناس تتصاعد، فيكون الواحد بالجنس واحداً، إما بالجنس القريب كما قلنا، أو بالمتوسط كالإنسان والحجر، أو البعيد كالإنسان والعقل».(1)

أقول: (القسم الثاني في الوحدة والكثرة):

المعقول : إمّا أن يكون واحداً، وهو عبارة عن كون المعقول غير قابل للقسمة من حيث هو (2)واحد ، ويغاير الشخص باعتبار صدق الوحدة على الكثرة بخلاف الشخص، وإما أن يكون كثيراً.

ثم الواحد إما أن يكون واحداً بالذات وإما أن يكون واحداً بالعرض (3).

والواحد بالذات ينقسم إلى واحد بالشخص وإلى واحد بالنوع، وإلى واحد بالجنس.

فالواحد بالشخص ،كزيد والواحد بالنوع كزيد وعمرو، فنوع زيد وعمرو واحد وهو الإنسان فهما واحد بالنوع، والواحد بالجنس كالإنسان والفرس، فإنّ الإنسان والفرس (4)جنسهما واحد وهو الحيوان.

ثمّ الأجناس تتصاعد، جنس أعلى من جنس، فإذا تصاعدت كان الواحد بالجنس:

إما واحد بالجنس القريب كالإنسان والفرس، فهما واحد بالجنس

ص: 160


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 32 الفصل الرابع.
2- في ب، ج، د، ه: أنّه.
3- في ب ، ج ، د، ه: (أما بالذات، أو بالعرض).
4- (فإنّ الإنسان والفرس) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

القريب وهو الحيوان .(1)

وإما بالجنس المتوسط، كالإنسان والحجر، فهما واحد بالجنس المتوسط وهو الجسم.

وإمّا بالجنس البعيد وهو الجوهر، كالإنسان والحجر، وهو جنس الأجناس .(2)

وكلّ ما ليس فوقه جنس فإنه يسمّى (جنس الأجناس)، وما يكون فوقه جنس وتحته جنس يسمّى (جنس أوسط)، [وما لا يكون تحته جنس يسمّى (جنس أسفل)، وما لا يكون فوقه جنس ولا تحته يسمّى (مفرداً)، كالعقل على قول والواحد بالعرض كقولنا : حكم الملك في المدينة حكم الركبان في السفينة، أو نسبة النفس إلى البدن كنسبة الركبان إلى السفينة] (3).

قال (أدام الله أيامه) : «والواحد بالنوع كثير بالشخص، والواحد بالجنس كثير بالنوع.

والواحد بالشخص قد يصحّ عليه الانقسام لذاته كالمقدار، ولغيره كالجسم(4)، وقد لا يصح، ويكون ذا وضع كالنقطة، وغير ذي وضع كالنفس» .(5)

ص: 161


1- (وهو الحيوان) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (وإما بالجنس البعيد كالإنسان والعقل، فالإنسان والعقل واحد بالجنس البعيد وهو الجوهر).
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- في المصدر، ب، ج : (كالجسم الطبيعي).
5- نهج المسترشدين في أصول الدين : 33 الفصل الرابع.

أقول: الواحد إذا كان واحداً بالجنس كالإنسان والفرس كان نوعه كثيراً، فإنّ الإنسان والفرس وغيرهما من الحيوانات أنواع تحت الحيوان، فالحيوان جنس تحته أنواع كثيرة، فتلك الأنواع واحدة بالجنس كثيرة بالنوع.

والواحد بالشخص ينقسم إلى ما يصحّ عليه الانقسام، وإلى ما لا يصح.

فالذي يصحّ عليه الانقسام: إمّا بالذات، أو باعتبار شيء آخر.

فالواحد بالشخص الذي يصحّ عليه الانقسام بالذات كالمقدار، فإنّه يصح عليه الانقسام لذاته لا باعتبار شيء آخر، والذي يصح عليه الانقسام باعتبار شيء آخر كالجسم .(1)

والذي لا يصحّ عليه الانقسام أصلاً فإما أن يكون ذا وضع، أو غير ذي وضع والأوّل: كالنقطة فإنّها ذات ،وضع والثاني كالنفس فإنّها ليست ذات وضع.

قال (أدام الله أيامه): «ومن جملة أقسام الواحد الوحدة. والحق أنّ الوحدة والكثرة من الأُمور الاعتبارية، فإنّ الوحدة لو كانت موجودة لزم التسلسل، ولو كانت الكثرة موجودة لكان محلّها إمّا بعض أجزائها، أو كلّ واحد من أجزائها، فيكون الواحد كثيراً باعتبار واحد» .(2)

أقول: اختلف الناس في كون الوحدة والكثرة، هل هما من الأُمور الاعتبارية، أم من الأمور الثابتة في الخارج؟

ص: 162


1- العبارة في ب، ج، د ه: (... كالمقدار فإنّ البعد فإنّه يصح عليه الانقسام لذاته وهو المقدار ،والواحد بالشخص الذي يصح عليه الانقسام لا باعتبار شيء آخر كالجسم الطبيعي).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 33 الفصل الرابع.

فقال قوم: إنّها من الأمور الثابتة في الخارج.

وقال قوم: إنها من الأمور [الاعتبارية] (1)الذهنية. وهو الأقوى(2)!

لنا: إنّ الوحدة لو كانت موجودة في الخارج لكان محلها: إما واحداً، أو كثيراً، فإن كان كثيراً كان الواحد كثيراً وهو محال، وإن كان واحداً فلها وحدة، وننقل الكلام إليها، ويلزم التسلسل، وهو محال !

ولو كانت الكثرة موجودة في الخارج، فإما أن يكون محلها جميع أجزائها، أو بعض أجزائها، فإن كان محلها جميع أجزائها كان الشيء حالاً في نفسه، وإنّ كان محلّها بعض أجزائها كان ذلك البعض كثيراً، وقد فرضناه واحداً. هذا خلف .(3)

[مبحث الحدوث والقدم]

قال (أدام الله أيامه): «الثالث: الموجود إمّا أن يكون قديماً، أو محدثاً.

ص: 163


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د ه: الحق.
3- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (إنّ الوحدة لو كانت ثابتة في الخارج لكانت: إما واحدة، أو كثيرة. فإن كانت واحدة فلها وحدة فوحدتها إن كانت اعتبارية ثبت المطلوب، وإن كانت ثابتة في الخارج فإن كانت واحدة نقلنا الكلام إلى وحدتها ويلزم التسلسل . وإن كانت الوحدة كثيرة، فهو محال قطعاً. والكثرة لو كانت ثابتة في الخارج لكان محلّها إما أن يكون كلّ واحد من أجزائها، أو بعض أجزائها، فإنّ كان محلّها كلّ واحد من أجزائها كان الشيء الواحد باعتبار الواحد كثيراً، وهو محال، وكذلك لو كان محلّها بعض أجزائها، فيكون ذلك البعض كثيراً، هذا خلف).

فالقديم ما لا أوّل لوجوده، أو الذي لا يسبقه العدم، وهو الله تعالى خاصة والمحدَثُ ما لوجوده أوّل، أو هو مسبوق بالعدم، وهو كلّ ما عدا الله تعالى».(1)

أقول: (القسم الثالث: في القدم والحدوث):

قال المتكلّمون: الموجود إما أن يكون قديماً، أو محدثاً، فالقديم: هو الذي لا أوّل لوجوده ، والمحدث: هو الذي لوجوده أوّل.

وقالت الحكماء : الموجود إما أن يكون قديماً، وهو الذي لا مبدأ لوجوده وجعلوا الأوّل هو القديم الزماني؛ فبهذا المعنى لا يبقى الزمان قديماً، إذ ليس الزمان زمان آخر حتى يقال : لا أوّل لزمان وجوده! وإما أن يكون محدثاً ، وهو كما ذكره المتكلّمون، فالذي لا مبدأ لوجوده هو الله تعالى لا غير، والذي لوجوده مبدأ هو غير الله تعالى من الموجودات. قال (أدام الله أيامه): «والحدوث والقدم من الصفات الاعتبارية، وإلا لزم التسلسل . وخلاف الكرّاميّة في الأوّل، وبعض الأشعرية في الثاني، ضعيف» .(2)

أقول : اختلف الناس في الحدوث والقدم: هل هما من الأشياء الموجودة في الخارج، أم من الاعتبارات العقلية؟

فقال عبدالله بن سعيد(3) - وهو من جملة الأشاعرة : إنّ القدم من الأمور الخارجية.

ص: 164


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 33 الفصل الرابع.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 33 الفصل الرابع.
3- عبدالله بن سعيد الكلابي القطان البصري، ابن كلاب المعدود من الحشوية، توفي سنة (245ه) ، أحد المتكلمين أيام المأمون العباسي.

وقال جماعة الكرّاميّة(1): إنّ الحدوث كذلك.

والحق أنهما من الأمور الاعتبارية !

لنا: إنّ القدم والحدوث لو كانا ثابتين في الخارج فمحلّهما إما أن يكون قديماً أو محدثاً، فإن كان قديماً فقدمه ثابت في الخارج، فمحله إما أن يكون قديماً أو محدثاً، فإن كان قديماً نقلنا الكلام إليه ويلزم منه التسلسل، وإن كان محلّها محدثاً فحدوثه لابد له من محلّ، فذلك المحلّ إمّا أن يكون قديماً أو محدثاً، فإن كان محدثاً نقلنا الكلام إلى حدوثه، فنقول: لابد له من محل، فإما أن يكون قديماً أو محدثاً ويلزم منه التسلسل أيضاً .(2)

احتج عبدالله بن سعيد: بأنّ القدم عبارة عن نفي العدم السابق، ونفي العدم ثبوتي .

واحتجّت الكرّاميّة : بأنّ الحدوث صفة زائدة على ذات الحادث، إذ قد يكون الشيء غير حادث ثمّ يصير حادثاً، فقد تبدّل النفي بالإثبات، فيكون ثابتاً .(3)

ص: 165


1- الكرّامية : هم أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام السجستاني المتكلّم، المتوفى سنة (255ه)، وهم على فرق عديدة.
2- العبارة في ب، ج، د، ه: (إنّ القدم لو كانا ثابتاً في الخارج، فإما أن يكون قديماً أو محدثاً، فإن كان قديماً، فقدمه إما أن يكون ثابتاً في الخارج، أو في الذهن، فإن كان ثابتاً في الخارج، فإما أن يكون قديماً، أو محدثاً، فإن كان قديماً نقلنا الكلام ،إليه، ويتسلسل ، وإن كان محدثاً كان القديم محدثاً، هذا خلف ولو كان الحدوث ثابتاً في الخارج، لزم إمّا التسلسل، أو قدم المحدث، وكلاهما محالان)
3- في ب، ج، د، ه: ثبوتياً.

وكلاهما ضعيفان !

أمّا الأوّل: فلأنّ القدم نفي العدم السابق، فيكون داخلاً تحت مطلق العدم، [وفيه نظر!].(1)

وأمّا الثاني: فلأنّ التبدّل لا يدلّ على الثبوت.

قال (أدام الله أيامه): «والقديم لا يجوز عليه العدم، لأنه إما واجب الوجود لذاته، فظاهر أنه لا يجوز (2)عليه العدم، وإمّا ممكن الوجود فلا بد له من

علة واجبة الوجود وإلا لزم التسلسل. ويلزم من امتناع عدم علته امتناع عدمه» .(3)

أقول: القديم إمّا أن يكون واجباً أو جائزاً، فإن كان واجباً استحال عدمه، وإن كان جائزاً(4)، فعلته إما أن تكون واجبة أو جائزة، فإن كانت واجبة ثبت المطلوب، وإلا فلا بد من الانتهاء إلى واجب الوجود، وإلا لزم التسلسل، إذ كلّ علة ممكنة لها علة أخرى ممكنة [وهكذا] (5)لا إلى نهاية، وهو محال، فإذا [ انتهى إلى [علّة] (6)واجب الوجود استحال عدمه أيضاً، إذ عدم علته ممتنع،

ص: 166


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في المخطوطة: لا يصح، وما أثبتناه فمن ب، ج، د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 33 الفصل الرابع.
4- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (القديم لا يجوز عدمه لأنه إما واجب الوجود فظاهر استحالة عدمه، وإما ممكن الوجود فلا بد له من علّة).
5- أثبتناه من ب ج د .ه.
6- أثبتناه من ب ،ج، د ،ه.

فيكون المعلول كذلك قطعاً، لأنّ وجود العلّة موجب لوجود المعلول.

قال (أدام الله أيامه): «والمحدث لا بد له من مؤثر، لأنّ ماهيته لما اتصفت بالوجود تارة وبالعدم أخرى كانت من حيث هي هي قابلة لها بالضرورة(1)، فلا بد في اتصافها بأحد الأمرين من مرجّح ، وإلا لزم الترجيح من غير مرجّح، وهو باطل بالضرورة» .(2)

أقول: لابد لكلّ محدّث من مُحدث، لأنّ ماهية المحدّث لما كانت متصفة بالوجود تارة وبالعدم أخرى كانت قابلة لهما، فتكون ممكنه، لأنّ الممكن هو القابل للوجود والعدم، فإذا كانت ممكنة فلا بدّ لاتصافها بأحد طرفي الوجود والعدم من مرجّح، وإلا لكان ترجيحاً من غير مرجّح، وهو باطل بالضرورة.

قال (أدام الله أيامه) : «ومن هنا ظهر أنّ علّة احتياج الأثر إلى المؤثر إنّما هو الإمكان لا الحدوث».(3)

أقول: قد (4)بيّنا أنّ الممكن هو الذي يتساوى فيه طرفا الوجود والعدم، [وأنّه لا بد له من الاتصاف بأحدهما من مرجّح](5)، فحينئذ ظهر أن العلة في كون الأثر محتاجاً إلى المؤثر إنّما هو الإمكان لا الحدوث، لأنّ الممكن من حيث هو ممكن محتاج في وجوده إلى المؤثر، فيكون الإمكان هو علة الاحتياج، بخلاف

ص: 167


1- في المصدر، ب، ج، د، ه: ( فتكون ممكنة).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين : 33 الفصل الرابع.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 33 الفصل الرابع.
4- في ب، ج، د، ه: لمّا.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

الحدوث، فإنّ المحدث غير محتاج في وجوده إلى مؤثر، من حيث أنه محدث، والحدوث هو الوجود بعد العدم فلا يكون [هو](1) علة الاحتياج.

قال (أدام الله أيامه): «وأيضاً الحدوث كيفية للوجود، فتكون متأخرة عنه، والوجود متأخّر عن الإيجاد المتأخر عن الاحتياج المتأخر عن علة الاحتياج، فلو

كان الحدوث علّة الاحتياج لزم الدور بمراتب، وهو محال».(2)

أقول: هذا دليل آخر على أنّ الحدوث ليس علة احتياج الأثر إلى المؤثر.

وتقريره : إنّ الحدوث صفة الوجود، كما يقال موجود حادث، فيصف الوجود بالحدوث، فيكون الحدوث متأخّر عن الوجود، والوجود متأخر عن الإيجاد، إذ الماهية إنّما توصف بالوجود بعد إيجادها، فهو متأخر عنه، والإيجاد متأخّر عن الاحتياج، لأنّ الإيجاد إنّما يكون بعد احتياج الماهية إلى الإيجاد، والاحتياج متأخر عن علّته، لأنّ الاحتياج لابد له من علّة، فهي متقدمة عليه، فهو متأخّر عنها(3)، فلو كان الحدوث علّة الاحتياج لكان متقدماً على جميع ما ذكرناه، وقد أثبتنا تأخره فيلزم الدور بمراتب، وهو محال.

ص: 168


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 33 الفصل الرابع.
3- العبارة في ب، ج، د ه: (وتقريره: إنّ الحدوث صفة للوجود، وهو كونه مسبوقاً بالعدم، والصفة متأخرة بالذات عن الموصوف، فيكون الحدوث متأخراً عن الوجود، الوجود متأخّر عن الإيجاد، لوجوب تقديم التأثير على الأثر فيكون الوجود متأخّر عنه، والإيجاد متأخر عن الإيجاد تأخر المعلول عن العلة، والإيجاد متأخّر عن الاحتياج، لأنّ تأثير الموجد متأخر عن احتياج الأثر إليه تأخّراً بالذات، والاحتياج متأخر عن علّة الاحتياج تأخر المعلول عن العلة).

[مبحث العلة والمعلول]

قال (أدام الله أيامه): «الرابع: الموجود، إما أن يكون مؤثراً في غيره، إما مع إمكان أن لا يؤثر فيه وهو الفاعل المختار أو مع امتناع أن لا يؤثر فيه وهو العلة

الموجبة، وإما (1)أثراً لغيره، وهو المعلول» .(2)

أقول: (القسم الرابع: في العلة والمعلول):

الموجود إذا كان مؤثراً في شيء آخر ، فذلك المؤثر إمّا أن يكون يمكنه(3) التأثير وعدمه، وذلك يسمّى الفاعل المختار، وإما أن يكون عدم التأثير فيه ممتنعاً وهو العلّة الموجبة، كالنار للإحراق.

وأمّا إذا كان الموجود أثراً لغيره، كالجدار والسرير وغيرهما فهو المعلول. [فالعلة هو ما يصدر عنه غيره سواء كان بالاستقلال كما في العلة التامة، أو مع الانضمام كما في جزء العلة] (4).

قال (أدام الله أيامه): «ولا يمكن أن تكون العلة نفس المعلول لأنّ المؤثر متقدم، ويستحيل أن يتقدّم الشيء على نفسه، بل إمّا جزؤه أو خارج عنه، أمّا الجزء فإن كان هو الذي باعتباره يحصل الشيء بالقوّة كالخشب والسرير فهو العلة المادية، وإن كان هو الذي باعتباره يحصل الشيء بالفعل فهو العلّة الصورية كالشكل في السرير، وأما الخارج فإن كان هو المفيد للوجود فهو العلة الفاعلية

ص: 169


1- في المصدر، ه: (وإما أن يكون).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 34 الفصل الرابع.
3- في ب، ج: ممكن.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

كالنجار للسرير وإن كان لأجله الوجود فهو العلّة الغائية كالاستقرار على السرير، وكلّ مركّب لا بد له من هذه العلل الأربع» .(1)

أقول: يستحيل كون العلة هي نفس المعلول، لأنّ المؤثر وهو العلّة متقدّم، والأثر متأخر وهو المعلول، فلو كان المعلول هو نفس العلة، لكان الشيء متقدّماً على نفسه، وهو باطل بالضرورة، بل العلّة: إمّا جزء المعلول، أو خارجة (2)عنه.

فإذا كانت العلة جزء المعلول، فهي تنقسم إلى قسمين(3): إما أن يكون باعتباره يحصل الشيء بالقوّة كالخشب للسرير والطين للكوز(4)، فهو العلّة المادية، وإما أن يكون باعتباره يحصل الشيء بالفعل كالشكل فيهما فهو العلّة الصورية وأمّا الخارجة، فهي تنقسم إلى قسمين أيضاً (5)، [لأنه] (6)إما أن يكون هو المفيد للوجود كالنجار للسرير، أو الكوّاز للكوز (7)، وهو العلة الفاعلية وإما أن يكون لأجله الوجود كالاستقرار على السرير ، أو الشرب من الكوز (8)،وهو العلّة الغائية، ولا يخلو كل مركب من العلل الأربع: المادية، والصورية، والفاعلية، والغائية.

ص: 170


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 34 الفصل الرابع.
2- في د، ه: خارج.
3- في ب، ج، د، ه: (أما الجزء فهو ينقسم إلى قسمين).
4- لا يوجد في ج، د، ه.
5- في ب، ج، د، ه: (وأما الخارج فهو ينقسم إلى قسمين أيضاً).
6- أثبتناه من ب، د، ه.
7- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
8- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

[في تقسيم العلة]

قال (أدام الله أيامه): «والعلة قد تكون بالذات كالسقمونيا في إزالة التسخين، وقد تكون بالعرض كالسقمونيا في التبريد».(1)

أقول: العلّة تنقسم إلى بسيطة وإلى مركبة، وإلى عامة وإلى خاصة، وإلى ما هي بالقوّة وإلى ما هي بالفعل، وإلى كلية وإلى جزئية، وإلى ذاتية وإلى عرضية،

و إلى قريبة وإلى بعيدة.

فالعلّة (2)البسيطة : كتحريك الواحد منّا جسماً. والمركبة: كتحريك جماعة منا جسماً .

والعامة : هي التي تكون جنساً للعلّة الحقيقية، كالصانع في البناء مطلقاً. والخاصة : كالباني في هذا.(3)

والتي بالقوّة: كالخمر في الإسكار وهي في الدن. وبالفعل: كالخمر في الإسكار مع الشرب.

والكلّية : كالبناء مطلقاً. والجزئية: كهذا البناء.

والذاتية كالإحراق في النار والعرضية كالسقمونيا في التبريد، فإنّ السقمونيا ذاتها [تقتضي] (4)إزالة التسخين،وتقتضي التبريد بالعرض.

ص: 171


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 34 الفصل الرابع.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: فيه.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

والقريبة كالميل في الحركة. والبعيدة: كالقوّة الشوقية.

والشيخ دام ظلّه قسمها إلى ذاتية وإلى عرضية لا غير (1).

قال (أدام الله أيامه): «ولا يمكن أن يكون لمعلول شخصي علّتان تامتان، لأنه يكون واجباً بكلّ واحدة [منهما] (2)فيستغني بكلّ واحدة [منهما](3) عن الأخرى، فيكون حال الحاجة إليهما مستغنياً عنهما، هذا خلف» (4).

أقول: يستحيل استناد معلول شخصي إلى علّتين تامتين، لأنه يكون واجباً بكل واحدة منهما، لأنه يجب وجوده بأحدهما فيستغني عن الأخرى، فيكون محتاجاً مستغنياً (5)، هذا خلف .

قال (أدام الله أيامه): «ويمكن أن يكون لمعلول نوعي علتان مستقلّتان، كالحرارة الصادرة عن علل مختلفة» (6).

أقول: المعلول النوعي يمكن أن يكون له علل كثيرة مستقلة، لا بمعنى أنه يكون محتاجاً إلى كلّ واحدة منهنّ، بل بمعنى أنّ كلّ واحدة من هذه العلل إذا

وجدت وجد ذلك المعلول كالحرارة الصادرة عن علل مختلفة، كحرارة النار

ص: 172


1- (والشيخ دام ظلّه قسمها إلى ذاتية وإلى عرضية لا غير) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- أثبتناه من المصدر، ب، ج، د، ه.
3- أثبتناه من المصدر، ب، ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 34 الفصل الرابع.
5- في ب، ج، د، ه: (... فيستغني بكل واحدة منهما عن الآخر، فيكون محتاجاً إليهما مستغنياً عنهما حالة واحدة).
6- نهج المسترشدين في أصول الدين: 34 - 35 الفصل الرابع.

والشمس والحادثة عن الحمّى والغريزيّة، فإنّ وجود كلّ واحدة من هذه العلل موجب لوجود نوع الحرارة (1).

[في وحدة المعلول]

قال (أدام الله أيامه): «ولا يمكن وحدة المعلول من كل وجه مع تركيب علته، لأنّ كلّ واحد من أجزاء العلّة إن كان له تأثير (2)في ذلك الواحد فيجتمع على المعلول الشخصي علل كثيرة، وقد بينا استحالته، أو في أبعاضه فيلزم تركب المعلول مع فرض وحدته، هذا خلف.

وإن لم يكن لشيء من الأجزاء تأثير في المعلول: فإما أن يحصل عند الاجتماع أمر يقتضي ذلك المعلول أو لا، فإن كان الثاني لم يكن المعلول معلولاً لتلك الماهية المركّبة، وإن حصل كان هو العلّة بالحقيقة، إذ بوجوده يوجد المعلول وبعدمه ينتفي . فإما أن يكون بسيطاً أو مركباً.

فإن كان الأوّل نقلنا الكلام إليه في كيفية صدوره عن الأجزاء، وإن كان مستغنياً عنها لم يكن لتلك الأجزاء تأثير في المعلول ولا في علّته البسيطة، فلا يكون لها مدخل في التأثير البتة، وإن كان مركباً نقلنا الكلام في كيفية حصوله» .(3)

ص: 173


1- العبارة في ب، ج، د ه: (المعلول النوعي يمكن أن يكون له علل كثيرة، فإنّ الأشياء المختلفة قد تشترك في لازم واحد كاشتراك النار والشمس والحركة في السخونة، خلافاً لبعض الأشعرية، لأنّ المعلول يحتاج إلى مطلق العلة، وتعيين (وتغيّر) العلة جاء من جانب العلة لا المعلول).
2- في ب، ج، د، ه: (تأثير تاماً).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 34 - 35 الفصل الرابع.

أقول: يستحيل أن يكون للمعلول الواحد من كل وجه علّة مركبة، لأنّ كلّ واحد من أجزاء العلّة لا يخلو إمّا أن يكون له تأثير في ذلك المعلول أو لا، فإن كان له تأثير كان للمعلول الواحد علل مختلفة، وقد تقدم بطلانه، وإما أن يكون له تأثير في أحد أجزائه (1)، فيكون المعلول مركباً، وقد فرضناه بسيطاً، هذا

خلف.

وأمّا إن لم يكن لشيء من الأجزاء تأثير في المعلول، فعند اجتماع أجزاء العلّة، إما أن يحصل أمر يقتضي وجود المعلول، أو لا يحصل، فإن لم يحصل لم يكن ما فرضناه معلولاً لهذه الماهية المركبة معلولاً، هذا خلف. وإن حصل عند الاجتماع أمر يقتضي وجوده، كان [ذلك بالحقيقة](2)هو العلة، لأنّ مع وجوده يوجد المعلول، ومع عدمه يعدم .(3)

فنقول : هذه العلّة إمّا أن تكون بسيطة أو مركّبة، فإن كانت بسيطة نقلنا الكلام إليها (4).

ص: 174


1- العبارة في ب، ج، د، ه: (يستحيل أن يكون للمعلول الواحد من كل وجه علّة مركبة، لأنّ كلّ واحد من أجزاء العلّة لا يخلو إمّا أن يكون له تأثير في المعلول بجملته أو في أبعاضه، أو لا يكون له تأثير البتة، فإن كان له تأثير في المعلول بجملة كان للمعلول الواحد علل كثيرة، وقد تقدّم بطلانه. وأما أن يكون له تأثير في أحد أبعاضه).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: ينتفي.
4- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (فنقول: الحادث عن هذه الماهية المركبة إمّا أن يكون بسيطاً أو مركباً، فإن كان بسيطاً نقلنا الكلام إليه).

فنقول: كلّ واحد من أجزاء العلّة إما أن يكون له تأثير في ذلك المعلول الشخصي فيكون للمعلول [الشخصي] (1)علل كثيرة، وهو باطل على ما تقدّم، وإما أن يكون لكلّ واحد من أجزاء العلّة تأثير في [أحد] (2)أجزاء المعلول، وهو باطل، لأنه خلاف المفروض، إذ الفرض كونه بسيطاً ولا جزء له.

وإن لم يكن لشيء من الأجزاء تأثير في المعلول، فمع الاجتماع إمّا أن يحصل أمر يقتضي وجود المعلول، أو لا، فإن كان الثاني لم يكن المعلول معلولاً، وإن كان الأوّل كان هو العلّة، إذ بوجوده يوجد المعلول وبعدمه ينتفي.

فإمّا أن يكون بسيطاً أو مركباً، فإن كان بسيطاً نقلنا الكلام إليه، وإن كان مركباً نقلنا البحث في كونه حاصلاً على الأجزاء وكيفية حصوله .(3)

[في تأخير المعلول عن العلة]

قال(أدام الله أيامه): «ولا يمكن تأخر المعلول عن العلة التامة، وإلا لكان وجوده وقت وجوده دون ما قبله وما بعده إن لم يكن لمرجح آخر مع تساوي الأوقات لزم الترجيح من غير مرجّح ، وإن لم يكن المرجح غير العلة لم يكن ما

ص: 175


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- العبارة في ب ج : (فلا جزء له وإن كان مستغنياً لم يكن لتلك الأجزاء تأثير في المعلول ولا في علته البسيطة، فلا يكون له مدخل في التأثير البته، وإن كان مركباً نقلنا الكلام في كيفية حصوله، وفيه نظر). وفي د ه: (ولا) جزء له. وإن كان مركباً نقلنا الكلام في كيفية حصوله، وفيه نظر).

فرضناه علّة تامة علّة تامة» (1).

أقول: يستحيل أن يتأخر المعلول عن علّته التامة، وهي التي لا تحتاج إلى علة أخرى(2)، بل هي كافية في وجود المعلول، لأنه لو تأخر المعلول(3) عن علّته التامة لكان وجود المعلول في الوقت الذي وجد فيه دون الأوقات المتقدّمة عليه والمتأخرة عنه، إما أن يكون لمرجّح غير العلّة التامة، أو لا لمرجّح، فإن لم يكن لمرجح لزم الترجيح من غير مرجّح، وهو باطل بالضرورة، وإن كان لمرجّح لم تكن العلّة وحدها كافية في الوجود (4)، فلا يكون ما فرضناه علّة تامة علّة

تامة (5)، هذا خلف.

فقد بان أنّ وجود المعلول واجب عند وجود علته التامة، ويستحيل تأخره عنها (6).

قال (أدام الله أيامه): «وعلّة العدم عدم العلّة» .(7)

أقول: قد بيّنا أنّ العلة هي كون الشيء صادراً عن غيره، فعلى هذا يكون عدم وجود العلة علّة في العدم، لأنّ العدم صدر عن عدم وجود علّة الوجود،

ص: 176


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 35 الفصل الرابع.
2- في ب، ج، د، ه: (إلى شيء آخر في تأثيرها).
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- في ب، ج، د، ه: التأثير.
5- في ج، د، ه فقط : (علة تامة).
6- (ويستحيل تأخّره عنها) لا يوجد في ج، د، ه.
7- نهج المسترشدين في أصول الدين : 35 الفصل الرابع.

فتكون علّة العدم هي عدم العلّة، وفيه نظر (1)!

قال (أدام الله أيامه): «ولا يمكن استناد كلّ واحد من الشيئين إلى صاحبه، وهو الدور، لأنّ العلة متقدّمة على المعلول، فلو كان كلّ واحد من الشيئين علة لصاحبه أو لعلة صاحبه، لزم تقدّم الشيء على نفسه بمرتبة واحدة أو بمراتب» .(2)

أقول: العلّة يجب تقدّمها على المعلول، لأنّ العلة هي المؤثّرة، فلا بد وأن يكون المؤثر متقدّماً على الأثر ضرورة، فعلى هذا يستحيل أن يكون كلّ واحد من الشيئين علّة في صاحبه، لأنّ كلّ واحد منهما محتاج في وجوده إلى وجود الآخر لاحتياج المعلول إلى وجود العلّة، وهو الدور.

ص: 177


1- العبارة في ب، ج، د ه: (قد بينا أن العلة هي كون الشيء يصدر عن غيره سواء كان بالاستقلال أو مع الانضمام إذا ثبت هذا نقول: عدم المعلول إما أن يكون لذاته أو لأمر منفصل، والأوّل باطل وإلا كان ممتنعاً، والثاني إما أن يكون ذلك الأمر وجودياً أو عدمياً، والأوّل باطل لأنّ عند وجود د ذلك الأمر المنفصل إن لم يختل شيء من الأجزاء العلّة المقتضية لوجود المعلول ولا من شرائطها لزم وجود المعلول بالنظر إلى تحقق علّته التامة، وإن اختل شيء من ذلك كان عدم المعلول لعدم علّته. فبقي أن يكون عدمياً وليس عدماً إلى شيء كان، لأنّ ما لا يحتاج إليه الشيء لا يلزم من عدمه عدم ذلك الشيء فهو عدم العلّة، لا يقال: إنّ ذلك يستدعي امتیاز أحد العدمين عن الآخر في نفسه، ولأنّ العلية والمعلولية وصفان ثبوتيان فيستحيل وصف العدم بهما؛ لأنا نقول الامتياز ثابت في العدميات بالنسبة إلى ملكاتها، ولا يشترط في الامتياز الوجود، فإنّا نعلم أن عدم الشرط يقتضي عدم المشروط دون غيره، ووصفا العلية والمعلولية ليسا ثبوتيين، وإلا لزم التسلسل، بل اعتباریان عقلیان).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين : 35 الفصل الرابع.

وكذا يستحيل أن يكون كل واحد من الشيئين علّة لعلة صاحبه، لأنه يلزم تقدّم الشيء على نفسه بمراتب لأنّ كلّ واحد من الشيئين لا يوجد إلّا إذا وجدت علّة لعلّته، علة لعلّته، ولا توجد علّته إلا بوجود الآخر، فيلزم تقدّم الشيء على نفسه بمراتب .(1)

[في إبطال تسلسل العلل والمعلولات]

قال (أدام الله أيامه): «ولا يمكن تسلسل العلل والمعلولات، لأنّ تلك الجملة ممكنة قطعاً، فالمؤثر فيها إن كان خارجاً عنها كان واجباً وهو المطلوب، وإن كان جزئها لزم تقدّم الشيء على نفسه بمراتب لا تتناهى، لأنّ المؤثر في الجملة مؤثر في آحادها التي من جملتها المؤثر نفسه، وعلله التي لا تتناهى».(2)

أقول [لما فرغ من إبطال الدور، شرع في إبطال التسلسل ].(3)

ص: 178


1- العبارة في ب، ج، د ه: (إثبات واجب الوجود يتوقف على إبطال شيئين: أحدهما الدور، والآخر التسلسل أمّا بطلان الدور، فنقول : العلّة يجب تقدّمها على المعلول، لأنّ العلة هي المؤثّرة، فلا بد أن يكون المؤثر متقدّماً على الأثر ضرورة، فعلى هذا يستحيل أن يكون كلّ واحد من الشيئين علّة في صاحبه، لأنّ كلّ واحد منهما علّة فيجب تقدّمه على الآخر، ومعلولاً ويجب تأخره عنه، فيلزم تقدّم كل واحد منهما على نفسه بمراتب، لأنّ كلّ واحد من الشيئين لا يوجد إلّا إذا وجدت علّته، ولا توجد علّته إلّا بعد وجود الآخر لأنه علّته فيها، فلو كانت علّة لعلّة صاحبه لكان يجب تقدّمه عليه، فيلزم تقدّمه على نفسه بمراتب، وهو باطل بالضرورة). وقد أورده الشارح بتفصيل أكثر في حاشية صفحة (73) من المخطوطة (الأصل).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين : 35 الفصل الرابع.
3- أثبتناه من ب ، ج ، د ، ه

يستحيل تسلسل العلل والمعلولات، يعني أنّ كلّ علّة لها علّة أخرى(1)، لأنّ جميع تلك (2)العلل والمعلولات ممكنة لأنا قد فرضنا أنّ كلّ علّة لها علّة

أخرى، والواجب لا يحتاج إلى علّة (3)، فإذا كانت ممكنة(4)، فالمؤثر فيها إما أن يكون خارجاً عنها أو داخلاً فيها، فإن كان خارجاً عنها كان واجباً ، فلا تسلسل ! وإن كان داخلاً فيها كان من جملة أجزاء (5)الجملة، فيلزم تقدّم الشيء على نفسه بمراتب لا نهاية لها، لأنّ جميع (6)العلل والمعلولات مشتملة على هذا الجزء، فهي متأخرة عن مؤثّرها ، والجزء أيضاً من الجملة فيكون متأخراً أيضاً، فلو كان مؤثر الجملة (7)هو الجزء لكان متقدّماً على نفسه [بمراتب لا تتناهى](8)، لأنّ المؤثر في الجملة مؤثّر في أجزائها، ومن جملة أجزائها المؤثّر [نفسه](9)وعلله التي لا نهاية لها، [وهو محال].(10)

ص: 179


1- في ب، ج، د ه: (يعني وجود علل ومعلولات مرتبة غير متناهية في سلسلة واحدة).
2- لا يوجد في ب ، ج ، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: مؤثر.
4- في ب، ج، د، ه: (الجملة ممكنة).
5- في ب، ج، د، ه: (كان بعض أجزاء).
6- في ب، ج، د، ه: جملة.
7- في ب، ج، د، ه: مؤثرها.
8- أثبتناه من ب، ج، د ه
9- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
10- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

[في العلة البسيطة]

قال (أدام الله أيامه): «ويمكن استناد معلولين إلى علة بسيطة. واحتجاج الفلاسفة بأنّ الصدورين إن دخلا لزم التركيب وإلا لزم التسلسل، ضعيف. لأنّ

الصدور أمر اعتباري لا تحقق له في الخارج وإلا لزم التسلسل» .(1)

أقول: اختلف الناس في أنّ العلّة البسيطة هل يصدر عنها أكثر من معلول واحد، أم لا؟

فقالت الفلاسفة : لا يجوز، وتابعهم جماعة المعتزلة.

والأشاعرة جوّزوا ذلك. وهو الحق(2)!

واحتجّت الفلاسفة والمعتزلة:

بأنّ الصدوران إن دخلا تحت العلّة تركبت، وقد فرضت بسيطة، هذا خلف .

وإن لم يدخلا، بل كانا خارجين كانا معلولين فننقل الكلام إلى كيفية صدورهما عنه، ويلزم التسلسل .

ويضعف، بأنّ الصدور ليس ثابتاً في الخارج وإلا لزم التسلسل؛ لأنّ ثبوته في الخارج يستدعي مكاناً، وذلك المكان لا بد له من صدور، فلا بدّ لذلك الصدور من مكان، ومكانه لا بد له من صدور، وهكذا ويتسلسل، وإنّما هو من

ص: 180


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 35 الفصل الرابع.
2- العبارة في ب :(فقالت الفلاسفة لا يجوز، وخالفهم ومانعهم جماعة المعتزلة والأشاعرة وجوزوا ذلك)، وفي ج، د، ه: ( فقالت الفلاسفة لايجوز ، وتابعهم جماعة المعتزلة والأشاعرة).

الأمور الاعتبارية (1).

قال (أدام الله أيامه): «وكذا يجوز أن يكون البسيط قابلاً وفاعلاً. وقولهم: نسبة القبول نسبة الإمكان، ونسبة العلية نسبة الوجوب» خطأ! لإمكان اختلاف النسب عند اختلاف الحيثيات. ولا شكّ في المغايرة بين حيثية القبول وحيثية التأثير» .(2)

أقول: زعم قوم أنّ البسيط يستحيل أن يكون قابلاً وفاعلاً، بمعنى أنه علة لشيء وقابلاً له.

واحتجوا بأنّ كونه مستلزم لإمكانه وكونه مستلزم لوجوبه، ويستحيل أن يكون الشيء الواحد واحداً ممكناً. وهذه الحجّة في غاية السخافة! لأنه يجوز

اختلاف السبب باختلاف الحيثيات .(3)

ص: 181


1- العبارة في ب ، ج ، د ه: (واحتجت الفلاسفة : بأنّ مفهوم أنه صدر عنه أحدهما مغايرة لمفهوم أنّه صدر عنه الآخر لإمكان تعقل كلّ منهما مع الذهول عن الآخر، فالصدوران إن دخلا تحت العلّة تركبت، وقد فرضت بسيطة، هذا خلف. وإن لم يدخلا ، بل كانا خارجين، كانا معلولين، فننقل الكلام إلى كيفية صدورهما عنه، وقد يضعف بأنّ الصدور ليس ثابتاً في الخارج وإلا لزم التسلسل لاستحالة الاتحاد لأنّها إضافته فلا تكون نفس الماهية. وينتقض ما ذكروه بالمسلوب والإضافات، وإنّما هو من الأمور الاعتبارية).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين : 35 الفصل الرابع.
3- العبارة في ب ، ج ، د ه: (ذهب الأوائل إلى أنّ الشيء الواحد لا يكون قابلاً وفاعلاً، واحتجوا على ذلك بأنّ نسبة القابل إلى المقبول نسبة إمكان ، ونسبة الفاعل إلى المفعول نسبة وجوب، فلو كان الشيء الواحد مقبولاً لشيء ومعلولاً له أيضاً، لزم أن تكون نسبة ذلك الشيء إلى فاعله بالإمكان والوجوب، هذا خلف وأجاب المصنّف بأنّ المحال إنّما يلزم لو اتحدت النسبة، وهاهنا ليست متحدة، فإنّ نسبة القبول غير نسبة (الفعل).

[مبحث الموجود الكلي والجزئي]

قال (أدام الله أيامه): «الخامس: الموجود إن منع نفس تصوّره من الشركة فيه فهو الجزئي كزيد، وإن لم يمنع فهو الكلّي كالإنسان.

ثمّ أفراده قد تكون ذهنية لا غير كجبل من ياقوت، وقد تكون خارجية» .(1)

أقول: (القسم الخامس: في الكلّي والجزئي):

الموجود إما أن يكون تصوّره مانعاً من الشركة، كزيد ويسمّى الجزئي، وإمّا أن لا يكون مانعاً، كالإنسان ويسمّى الكلّي، فإنّ من تصوّر الإنسان لا يكون تصوّره مانعاً من الشركة، لأنه قد تصوّر هذا الإنسان وغيره، بخلاف زيد، فإنّ تصوّر زيد يمنع أن يشارك معه آخر.

أفراد الموجود قد تكون ذهنية لا غير كتصوّر جبل من ياقوت وبحر من زئبق، وقد تكون خارجية، كالجدار والخشب وغيرهما من الأشياء الموجودة

خارجاً .(2)

ص: 182


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 35 - 36 الفصل الرابع.
2- العبارة في ب، ج، د، ه: (ثم الكلّي قد تكون أفراده ذهنية لا غير كجبل من ياقوت، وبحر من زئبق، ونهر من عسل، وقد تكون خارجية، فأما أن يكون الموجود منه واحداً لا غير مع امتناع أن يوجد غيره كواجب الوجود، أو مع إمكان أن يوجد كالشمس ، وإما أن يكون الموجود منه كثيراً، فأما أن يكون متناهياً كالكواكب السبعة السيارة، أو غير متناه كالنفوس الناطقة. وقد يكون الكلّي ممتنع الوجود في الخارج كشريك الباري، وقد يكون ممكن الوجود، لكن لا يوجد كالعنقاء)

قال (أدام الله أيامه): «والكلّي إما نوع إن كان نفس الحقيقة كالإنسان، أو جنس إن كان جزؤها المشترك كالحيوان أو فصل إن كان جزؤها المميّز كالناطق، أو خاصة إن كان خارجاً عنها مختصاً بها كالضاحك، أو عرض عام إن كان خارجاً عنها مشتركاً بينها وبين غيرها كالماشي. ويقال للثلاثة الأول: الذاتي، وللآخرين: العرضي» .(1)

أقول: لما فرغ من تقسيم الموجود إلى كلّي وإلى الجزئي، شرع في بيان كلّ واحد منهما. ولما كان الجزئي لا يحتمل التقسيم، شرع في الكلّي.(2)

فنقول: الكلّي: إما أن يكون نفس الحقيقة كالإنسان وهو النوع، ويرسم بالكلّي المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة (3)في جواب ما هو، أو جزء الحقيقة المشترك بينها وبين غيرها كالحيوان وهو الجنس، ويرسم بالكلّي المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو، أو جزء الحقيقة المميّز عنها غيرها كالناطق وهو الفصل، وهو ما ينفصل به الشيء [عن غيره](4)، فإنّ الناطق يفصل به جميع الحيوانات عن الإنسان، ويُرسم بأنّه الكلّي الذي يحمل على الشيء في جواب أي شيء هو، أو خارجاً عن الحقيقة مختصاً بها كالضاحك وهو الخاصة، ويرسمبالكلّي المقول على ما تحت حقيقة واحدة قولاً عرضياً، أو

ص: 183


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 35 الفصل الرابع.
2- العبارة في ب، ج، د، ه: (هذا تقسيم الكلّي بالنسبة إلى أفراده بحسب الذاتية والعرضية، وذلك أنّ الكلّي).
3- في ب، ج، د، ه: (مختلفين بالعدد).
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

خارجاً عنها مشتركاً بينها وبين غيرها كالماشي وهو العرض العام، ويرسم بالكلّي المقول على ما تحت حقيقة واحدة وعلى غيرها قولاً عرضياً.

ويسمّى الجنس والفصل والنوع الذاتي، ويسمّى الخاصة والعرض العام: العرضي. وتحقيق هذا البحث مختص بكتب المنطق، فليطلب من هناك.

ص: 184

[الفصل الخامس]

[في التوحيد]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «الفصل الخامس: في إثبات واجب الوجود تعالى وصفاته».

وفيه مباحث:

[بحث في إثبات واجب الوجود وصفاته]

الأوّل: في إثباته تعالى:

هاهنا موجود بالضرورة، فإن كان واجباً لذاته ثبت المطلوب، وإن كان ممكناً لذاته افتقر إلى مؤثر ، فإن كان مؤثره واجباً فالمطلوب، وإن كان ممكناً افتقر إلى مؤثر، فإن كان هو الأوّل لزم الدور. وإن كان غيره، فإن كان واجباً ثبت المطلوب، وإلا لزم التسلسل، وقد تقدم بطلانهما» .(1)

ص: 185


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 37 الفصل الخامس.

أقول: [لّما فرغ من البحث في المقدّمات، شرع في ما هو المقصود، وهو إثباته تعالى وصفاته، فبدأ بإثباته.

وتقريره أن يقال](1): هاهنا موجود بالضرورة، فهو إما أن يكون واجباً أو ممكناً، فإن كان الأوّل (2)ثبت المطلوب، وإن كان الثاني(3)افتقر [في وجوده](4) إلى مؤثر، فالمؤثر فيه (5)إمّا أن يكون واجباً أو ممكناً، فإن كان واجباً (6)ثبت المطلوب، وإن كان ممكناً (7)افتقر إلى مؤثّر [فإن كان الأوّل لزم الدور(8)، لأنّ الأوّل قد فرضنا أنّ مؤثره هذا الممكن ، فإذا كان هذا الممكن أثراً له لزم الدور وهو محال (9)، وإن كان مؤثره غير الأوّل، نقلنا الكلام إليه، فحينئذ هو إمّا أن يكون واجباً أو ممكناً، فإن كان الأوّل ثبت المطلوب، وإن كان الثاني افتقر إلى مؤثر، فمؤثره إمّا الأوّل أو الثاني، والأوّل يستلزم الدور، والثاني يستلزم التسلسل، وقد مضى بطلانهما.

قال (أدام الله أيامه): «ووجوده نفس حقيقته، لأنه لو كان زائداً عليها كان

ص: 186


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه واجباً.
3- في ب، ج، د، ه: ممكناً.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- في ب، ج، د، ه: فمؤثره.
6- في ب، ج، د، ه: الأوّل.
7- في ب، ج، د، ه: الثاني.
8- في ب ، ج ، د ، ه: (فالمؤثر فيه إما أن يكون الأوّل ويلزم الدور).
9- في المخطوطة مشطوب، ومثبت في ب، ج، د، ه.

صفة لها، والصفة مفتقرة إلى الموصوف، والمفتقر ممكن، فيكون الوجود ممكناً وقد فرض واجباً، هذا خلف» (1).

أقول: الله تعالى غني عن الاحتياج إلى غيره على ما يأتي.

فعلى هذا (2)يستحيل أن يكون وجوده ليس نفس (3)حقيقته، لأنه لو كان كذلك لكان وجوده صفة لذاته (4)، فيكون مفتقراً إلى ذاته، لأنّ الصفة مفتقرة إلى الموصوف، فيكون وجوده محتاجاً، والمحتاج ممكن، فيكون وجوده ممكناً وقد فرضناه واجباً هذا خلف .

قال (أدام الله أيامه): «ولأنه لو كان ممكناً لافتقر إلى مؤثر.

فمؤثره إن كان حقيقة واجب الوجود فإما أن تؤثر فيه وهي موجودة فيلزم الدور أو التسلسل، وإما أن تؤثر فيه وهي معدومة فيتطرق العدم إلى واجب الوجود، وهو محال»(5).

أقول: هذا دليل آخر على أن وجود واجب الوجود نفس ذاته .(6)

وتقريره: أنه قد مضى البحث في أنّ وجود واجب الوجود لو كان زائداً لكان ممكناً، فعلى هذا لو كان وجود واجب الوجود ممكناً [لافتقر إلى مؤثر ](7)،

ص: 187


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 37 الفصل الخامس.
2- (غني عن الاحتياج إلى غيره على ما يأتي. فعلى هذا) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: (زائداً على).
4- في ب، ج، د، ه: (زائدة لذاته).
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 37 الفصل الخامس.
6- في ب، ج، د، ه: حقيقته.
7- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

فالمؤثر فيه إمّا أن يكون حقيقة واجب الوجود أو لا(1)، فإن كان مؤثره هو حقيقة واجب الوجود، فإما حال وجودها، وهو دور أو تسلسل(2)، لأنّ كونها موجودة لا بد لها من وجود، فإن كان هو الوجود الأول لزم الدور، لأنّ تأثيرها متوقف على وجودها، ووجودها متوقف على تأثيرها .(3)

وأمّا التسلسل، هو أنا نقول (4): وإن كانت موجودة بغير الوجود الأوّل، فمؤثره إما أن يكون حقيقة واجب الوجود، فهي إما حال كونها موجودة أو معدومة، فإن كان الأوّل جاء البحث الأوّل، ويلزم التسلسل، وإن كان الثاني لزم تطرّق العدم إليه تعالى، وهو محال، لأنه قد فرض واجباً.

قال (أدام الله أيامه): «لاستحالة تأثير المعدوم في الموجود» (5).

أقول: هذا دليل ثاني علی أنّ حقيقة واجب الوجود إذا كانت مؤثّرة في الوجود لا يجوز أن تكون معدومة.

وتقريره: إنّ المعدوم لا حقيقة له ولا وجود، على ما مرّ، ويستحيل صدور الأثر ممّن ليس له حقيقة ولا وجود.

ص: 188


1- في ب، ج، د، ه: (أو غيرها).
2- (أو تسلسل ) لا يوجد في ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: التأثير.
4- (وأما التسلسل هو أنّنا نقول) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 37 الفصل الخامس. وهذه الفقرة مع الشرح لا توجد في ب، ج، د، ه، وأثبت بدلها: (ولأنّه يلزم منه تأثير المعدوم في الموجود، وهو باطل بالضرورة).

قال (أدام الله أيامه): «وهو أزلي أبدي لاستحالة تطرق العدم إليه، وإلاّ لكان ممكناً» .(1)

أقول: الأزلي: هو الذي لا مبدأ لوجوده، بمعنى أنا لو قدرنا أزمنة لا نهاية لها في جانب الماضي، لكان الله مصاحباً لها .

والأبدي: هو الذي لا نهاية لوجوده، بمعنى أنا لو فرضنا (2)أزمنة لا نهاية لما في جانب الاستقبال، لكان [الله تعالى](3) مصاحباً لها .

فالله تعالى متصف بهاتين الصفتين، وإلا لكان الله تعالى ممكناً، لأنّ تطرّق العدم لا يكون إلّا إلى الممكن ، وقد فرضناه واجباً، هذا خلف.

[بحث في قدرة الواجب]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثاني: في أنّه تعالى قادر، خلافاً للفلاسفة: لنا أنه لو كان موجباً لزم قدم العالم، والتالي ،باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : إنّه إن كان موجباً لذاته استحال تأخر معلوله عنه، على ما تقدم، وإن كان بشرط، فذلك الشرط إن كان قديماً لزم قدم العالم، لأنّ عند حصول العلة وشرطها يجب المعلول، وإن كان حادثاً نقلنا الكلام إليه، ويتسلسل».(4)

ص: 189


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 37 الفصل الخامس.
2- في ب، ج، د، ه: قدرنا.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 37 - 38 الفصل الخامس.

أقول: لمّا فرغ من إثبات واجب الوجود، شرع في إثبات صفاته. وهي تنقسم إلى ثبوتية، وسلبية.

فالثبوتية منها : كونه تعالى قادراً، بمعنى أنه تعالى إن شاء فعل الفعل، وإن شاء ترك.

وقد وقع النزاع في ذلك بين المتكلمين والفلاسفة:

فالمتكلّمون على أنّه ،قادر والفلاسفة : على أنّه موجب

والحق الأول!

لنا: إنّه لو لم يكن قادراً لكان موجباً، ويلزم من كونه موجباً قدم العالم، وهو محال، على ما تقدّم، فيستحيل إيجابه (1).

بيان الملازمة: إنّ إيجابه إمّا مطلقاً، أي لذاته، أو مقيداً، أي: متوقفاً على شرط، وكلاهما باطلان !

أمّا الأوّل: فلأنّه يلزم قدم العالم، لأنّ مع وجود العلة الموجبة يجب المعلول، على ما مضى بيانه.

وأمّا الثاني: فلأنّ ذلك الشرط إمّا أن يكون قديماً، أو حادثاً(2)، فإن كان قدياً (3)لزم قدم العالم، إذ مع وجود العلة وشرطها يجب وجود المعلول، وإن كان حادثاً يلزم التسلسل، لأنّ إحداث ذلك الشرط إما أن يكون بالإيجاب أو ،بالاختيار فإن كان بالاختيار ثبت المطلوب، وإن كان بالإيجاب، فإيجابه له إمّا

ص: 190


1- في ب، ج، د، ه: (كونه موجباً).
2- في ج، د، ه: محدثاً.
3- في ج، د، ه: الأوّل.

لذاته أو بالشرط، فإن كان لذاته لزم قدم العالم، إذ العلّة الموجبة توجب المعلول، وإن كان بشرط، فذلك الشرط إما أن يكون قديماً ويلزم قدم العالم، أو محدثاً ويلزم التسلسل، وهو محال، فإيجاب الله تعالى محال.

لا يقال: لم لا يجوز أن يكون واجب الوجود أوجب مؤثراً، وذلك المؤثر يؤثر في العالم مختاراً؟

لأنا نقول: قد بينا حدوث العالم، وهو [جميع](1) ما سوى الله تعالى، والواسطة التي بين واجب الوجود وبين غيره غير معقولة.

[في قدم الواجب]

قال (أدام الله أيامه): «احتجوا بأنّ العالم قديم، والباري تعالى مو والملازمة ظاهرة.

وأما بيان المقدّم، فلأنّ كلّ ما يتوقف عليه تأثير المؤثر (2)إن كان قديماً لزم القدم، وإلا لزم الترجيح من غير مرجّح، وإن كان حادثاً تسلسل» .(3)

أقول: هذه حجّة الفلاسفة على أنّ الله تعالى موجباً.

وتقريرها : إنّ العالم قديم [فيكون الله تعالى موجباً](4) ، لأنّ كلّ ما يتوقف عليه تأثير الله تعالى إمّا أن يكون موجوداً في الأزل أو لا، فإن كان موجوداً

ص: 191


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في المصدر، ب، ج، د، ه: التأثير.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.
4- أثبتناه من ب ، ج ، د، ه

في الأزل لزم قدم العالم، لأنّ عند وجود (1)العلّة وشرطها يجب المعلول، فإن لم يكن موجوداً في الأزل، فإيجاده في هذا الزمان دون غيره من الأزمنة إما أن يكون المرجح أو لا ،لمرجّح، فإن لم يكن ،لمرجّح، لزم الترجيح من غير مرجّح، وهو محال، وإن كان إيجاده في هذا الزمان لمرجّح، فذلك المرجّح إما أن يكون موجوداً في الأزل أو لا، فإن كان موجوداً في الأزل وجب وجوده، ويلزم قدم العالم، وإن لم يكن المرجّح موجوداً في الأزل، فإحداثه إما أن يكون لمرجّح أو لا لمرجّح، ويلزم منه التسلسل وهو باطل، على ما مرّ .

قال (أدام الله أيامه): «والجواب: المنع من صدق المقدم، وقد تقدّم. والملازمة الثانية ممنوعة، لأنها إنما تتم في حق الموجب، أما في حق المختار فلا» .(2)

أقول: هذا هو الجواب عن حجّة الفلاسفة.

وتقريره: إنّا نمنع أنّ العالم قديم، وقد مضى بيانه.

ونمنع أيضاً الملازمة الثانية، وهي: إنّ كلّ ما يتوقف عليه التأثير إن كان [موجوداً] (3)في الأزل لزم قدم العالم، وإن لم يكن موجوداً، فإيجاده [في هذا الزمان] (4)إما أن يكون لمرجّح ، أو لا لمرجّح.

ص: 192


1- في ب، ج، د، ه: حصول.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.
3- أثبتناه من ب، ج، د ه.
4- أثبتناه من ب، ج، د ه.

ونقول: إنّ إيجاده في هذا الوقت لا لمرجّح .(1)

قالوا: يلزم الترجيح من غير مرجّح [وهو محال](2)!

قلنا: إنّما يتم في حق الموجب، أمّا [في حقّ](3) المختار فلا؛ ومثال ذلك: کمن هو مارٍّ (4)على طريق عرض له دربان (5)متساويان لا ترجيح (6)لأحدهما

على الآخر، فإنّه يرجّح أحدهما [على الآخر] (7)من غير مرجّح.

[في أحكام القدرة]

قال (أدام الله أيامه): «تنبيه: قدرته تعالى يصح تعلّقها بجميع المقدورات خلافاً لأكثر الناس. لأنّ المقتضي لتعلق القدرة بالمقدور إنما هو الإمكان، وهو ثابت في كلّ ما سوى الله تعالى، فصح تعلّق قدرته بالجميع» .(8)

أقول: لما بيّن أنّ الله تعالى قادر، شرع في الأحكام المتعلقة بقدرته.

وقد طال الكلام بين الناس في ذلك!

ص: 193


1- العبارة في ب :(فنقول: إيجاده في هذا الزمان لمرجّح) ، وفي ج، د، ه: (ونقول: إيجاده في هذا الزمان لا لمرجّح).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- في ب جار، وفي د ه: عابر.
5- في ب، ج، د، ه: طريقان.
6- في د، ه: لا مرجّح.
7- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
8- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.

فالذي يذهب إليه الأشاعرة: أنه تعالى قادر على كلّ مقدور.

ونازع في ذلك أكثر المتكلمين والفلاسفة والمجوس، ومن أصحابنا: سيّدنا الشريف المرتضى(1)، والشيخ أبو جعفر الطوسي(2).

والحق الأوّل!

لنا: إنّ المقتضي لتعلق القدرة بالمقدور إنّما هو الإمكان، لأنّ الواجب والممتنع لا تتعلّق القدرة بهما، والإمكان سار في جميع الأشياء سوى الله تعالى.

قال (أدام الله أيامه): «وخالف النظام، حيث منع من قدرته تعالى على القبيح، لأنه يستلزم الجهل أو الحاجة، وهما ممتنعان عليه تعالى» .(3)

أقول: ذهب النظام (4): إلى أنّ الله تعالى لا يقدر على القبيح. والحق خلافه!

احتج بأنّ فعل القبيح إما أن يكون باعتبار الجهل به، أو الحاجة إليه، والله تعالى منزه عنهما، فلا يصدران عنه.

ص: 194


1- الشريف المرتضى: علم الهدى علي بن الحسين بن موسى بن محمّد الأعرج بن الملقب أبا سبخة بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم ، المولود ببغداد سنة (355ه)، والمتوفى سنة (436 ه) ، له كتب في مختلف صنوف العلم.
2- الطوسي: الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي، المعروف بشيخ الطائفة، المفسّر، المحدّث الفقيه الأصولي، المتكلّم الرجالي، ولد في في طوس خراسان سنة (385ه)، ورد بغداد سنة (408ه)، ثم هاجر إلى النجف وتوفي ودفن فيها سنة (460ه). له تصانيف كثيرة في مختلف العلوم
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.
4- إبراهيم بن سيار البصري المعتزلي، أبو إسحاق النظام، تقدّم.

قال (أدام الله أيامه) : «والجواب: أنها لازمان للوقوع لا للقدرة، فالامتناع من حيث الحكمة» (1).

أقول: هذا جواب على حجّة النظام.

وتقريره: إنّ الجهل والحاجة من لوازم الوقوع لا من لوازم القدرة، وامتناع وقوع (2)القبيح من الله تعالى إنّما هو من حيث أنّ الحكيم لا يفعل القبيح، لا من حيث أنه غير قادر عليه.

قال (أدام الله أيامه): «وخالف عباد، حيث حكم بأنّ ما علم الله تعالى بوقوعه فهو واجب، وما علم بعدمه فهو ممتنع، ولا قدرة على الواجب والممتنع» .(3)

أقول: ذهب عبّاد(4): إلى أنّ الله تعالى إذا علم بوقوع أمر فهو واجب، وإذا علم بعدمه فهو ممتنع، وإلا لانقلب علمه الله تعالى جهلاً، وهو ينا في القدرة.

قال (أدام الله أيامه): «والجواب: إنّ العلم بالوقوع تابع للوقوع، فلا يؤثر في إمكانه الذاتي. وقد أوضحنا هذا الكلام في كتاب (النهاية)»(5) .

ص: 195


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.
2- في ب، ج، د، ه: فعل.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.
4- عبّاد : أبو سهل عبّاد بن سلمان (سليمان) بن علي الصيمري البصري المعتزلي، أحد شيوخ المعتزلة في القرن (3ه) من طبقة الجاحظ، تلميذ هشام بن عمرو الفوطي. خالف المعتزلة في أشياء اخترعها لنفسه.
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.

أقول: هذا هو الجواب عن حجّة عبّاد.

وتقريره أن نقول: الله تعالى إذا علم بوقوع أمر، فعدم وقوعه يكون مستلزماً للجهل ، فيكون محالاً لغيره لا لذاته.

وبيان ذلك: إنّ العلم يجب فيه المطابقة، فإذا فرضت العلم بالوقوع، وجب أن يكون الوقوع مفروضاً قبله حتى يتعلّق به العلم، فإنّ العلم تابع للمعلوم [وحكاية عنه] (1)، فحال فرض الوقوع يكون عدم الوقوع محالاً، لأنه يكون الوقوع واجباً حينئذ (2)للفرض لا لذاته، فيكون الوجوب (3)لاحقاً لا سابقاً، فلا يؤثر في إمكان الممكن.

[كما أنك إذا فرضت الماهية معدومة، فإنّها بهذا الاعتبار يستحيل أن تكون موجودة، وتكون هذه الاستحالة غير ،ذاتية، بل إنّما حصلت من ذلك الفرض، ولا تكون مؤثرة في الإمكان ،الذاتي، فإذاً هو ممكن (4)باعتبار ذاته، فهو مقدور عليه من تلك الحيثية، وغير مقدور عليه من حيث وضع أحد الطرفين، وتعلّق العلم به، ولا يلزم منه استحالة لتعدّد الحيثيات](5)، وهذا الجواب دقيق يحتاج إلى فكرة صادقة (6).

ص: 196


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- في ب: (فيكون هذا بوجوب).
4- في د، ه: الممكن.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
6- في ج، ه: (فكر صادق).

قال (أدام الله أيامه): «وخالف الكعبي، حيث زعم أنّ الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد، لأنه إمّا طاعة أو ،سفه، وهما مستحيلان [على الله

تعالى]». (1)(2)

أقول: ذهب الكعبي(3): إلى أنّ الله تعالى غير قادر على مثل مقدور العبد، لأنّه إمّا أن يقصد بفعله الطاعة أو العبث والله تعالى منزّه عن الطاعة والعبث فلا يكون قادراً .(4)

قال (أدام الله أيامه) : «والجواب: أنّ الطاعة والسفه وصفان عارضان للفعل [لا](5) يوجبان له المخالفة [الذاتية](6)».(7)

أقول: هذا هو الجواب عن حجّة الكعبي .(8)

وتقريره : إن الطاعة والسفه إنّما يعرضان للفعل فلا يوجبان له المخالفة الذاتية (9) ، أمّا القدرة على الفعل فلا توصف بهذين الوصفين، إذ القدرة على .(9)

ص: 197


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 39 الفصل الخامس.
3- أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي الخراساني، تقدّم.
4- العبارة في ب، ج، د، ه: (ذهب الكعبي حيث زعم (إلى) أن الله تعالى غير قادر على مثل مقدور العبد، لأنّ فعل العبد إمّا طاعة أو عبث والله تعالى منزّه عن الطاعة والعبث، فلا يكون قادراً على مثل مقدور العبد).
5- أثبتناه من المصدر، ب، ج، د ه.
6- في المخطوطة مشطوب، ومثبت في المصدر، ب، ج، د، ه.
7- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.
8- في ج، د، ه: البلخي، وهو أبو القاسم الكعبي نفسه.
9- في المخطوطة: (للفعل فيوجبان له المخالفة)، وما أثبتناه فمن ب، ج، د، ه .

الفعل غير الفعل.

[في أفعال العبد]

قال (أدام الله أيامه): «وخالف الجبائيان، حيث حكما بأنه(1)تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد، وإلا لزم اجتماع النقيضين إذا أراده العبد وكرهه الله، أو بالعكس» .(2)

أقول: ذهب أبو علي، وأبو هاشم(3) ، ومن تابعهما، وجميع الأشاعرة(4): إلى أنّ الله تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد بمعنى: أنّ العبد إذا كان قادراً على فعل معيّن في زمان معيّن لا يجوز أن يكون الله تعالى قادراً على ذلك الفعل في ذلك الزمان.

ودليله: أنه لو جاز ذلك لكان الله تعالى إذا أراد ذلك الفعل في ذلك الزمان وكرهه العبد، أو أراده العبد وكرهه الله تعالى، لكان يلزم اجتماع المتناقضين .(5)

قال (أدام الله أيامه): «والجواب : إذا أضيف الفعل إلى أحدهما استحال -

ص: 198


1- في المصدر ، ج ، د، ه: ( بأنّ الله).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.
3- الجبائيان: أبو علي محمد بن عبد الوهاب، وابنه أبو هاشم عبد السلام بن محمد، المتكلّمان من المعتزلة، وقد تقدم ذكرهما.
4- (وجميع الأشاعرة) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
5- في ب، ج، د، ه: (للزم اجتماع النقيضين).

من تلك الحيثية - إضافته إلى الآخر، وهو قبل [اعتبار] الإضافة يمكن استناده إلى كلّ منهما على البدل» .(1)

أقول: هذا هو الجواب عن حجّة الجبائيين، والأشاعرة .(2)

وتقريره: إنّ الفعل قبل إضافته إلى أحدهما ممكن، فيصح إضافته إلى كلّ منهما على سبيل (3)البدل، بمعنى أنه متى أضيف إلى أحدهما استحال من هذه الحيثية إسناده إلى الآخر.

[بحث في علم الواجب]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثالث: في أنه تعالى عالم: ويدلّ عليه أنه تعالى فعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكلّ من كان كذلك فهو عالم. والمقدّمتان

ضروريتان.

ولأنه تعالى مختار، وكلّ مختار عالم إذ المختار إنّما يفعل بواسطة القصد والاختيار، وهو مسبوق بالعلم بالضرورة».(4)

أقول: لما فرغ من إثبات قدرته تعالى، شرع في إثبات علمه.

ويدلّ عليه وجهان:

ص: 199


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 38 الفصل الخامس.
2- في ب، ج، د، ه: (ومن تابعها).
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 39 الفصل الخامس.

الوجه الأوّل: إنّه تعالى صدر عنه أفعال محكمة متقنة، وكلّ من صدر عنه أفعال محكمة متقنة فهو عالم.(1)

أمّا الصغرى: فلأنّ الضرورة قاضية .(2)

وأمّا الكبرى فبديهية (3)أيضاً.

لا يقال : إن أردتم بكون أفعاله محكمة متقنة مطابقتها للمصلحة من جميع الوجوه ، فهو ممنوع ، فإنّ مفردات العالم ومركباته لا تخلو من مفسدة من بعض الوجوه، ومصلحة من بعض الوجوه !

وإن أردتم به: مطابقتها للمصلحة من بعض الوجوه، فممنوع أيضاً، لأنّ أفعال النائم والساهي قد تكون مطابقة للمصلحة من وجه ما(4)، وهو غير دال على العلم به، فلا يكون مطابقة الفعل للمصلحة من بعض الوجوه، ولا من كلّ الوجوه دالاً على العلم به!

لانا نقول: نريد من قولنا فعل الأفعال المحكمة المتقنة مطابقتها للمنفعة المطلوبة، وهي لا تصدر إلّا من عالم، والمعارضة ببيوت النحل ضعيفة، بالمنع من

كونها غير عالمة.

الوجه الثاني: إنّه تعالى فعل الأفعال بالاختيار، وكلّ من فعل بالاختيار فهو عالم.

ص: 200


1- في ج، د، ه: (عالم بالضرورة).
2- في ب ، ج ، د ، ه: ( فالضرورة قاضية بها).
3- في ب، ج، د، ه: فضرورية.
4- (من بعض الوجوه، فممنوع أيضاً، لأنّ أفعال النائم والساهي قد تكون مطابقته للمصلحة) لا يوجد في ج، د، ه.

أمّا الصغرى: فقد تقدّم بيانها.

وأمّا الكبرى فلأنّ [كلّ](1) من فعل فعلاً بالاختيار وجب أن يكون قاصداً إليه بالضرورة، والقصد إلى الفعل لا بد أن يتقدمه العلم به، لأن المجهول

لا يتوجه القصد إليه.

قال (أدام الله أيامه): «وهو عالم بكل المعلومات، لأنه إن صح أن يعلم كلّ المعلومات وجب له ذلك، والمقدم حق، فالتالي مثله.

بيان الشرطية: أنّ صفاته تعالى نفسية يستحيل استنادها إلى غيره، والصفة النفسية متى صحّت وجبت. ولأنّ اختصاص بعض المعلومات بتعلّق علمه به دون ما عداه ترجيح من غير مرجّح.

وأما صدق المقدّم فلأنه تعالى حيّ، وكلّ حيّ يصح أن يعلم كلّ معلوم». (2)

أقول: لما أثبت (3)أنه تعالى عالم مطلقاً، شرع يثبت يثبت (4)كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات.

والدليل عليه من وجهين:

الوجه الأوّل: الذي ذكره المصنف (دام ظله).

وتقريره: إنّ الله تعالى إن صح منه العلم بكل المعلومات، وجب له ذلك،

ص: 201


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 39 الفصل الخامس.
3- في ب، ج، د ه: ( في ثبوت).
4- في ب، ج، د ه: ( في ثبوت).

والمقدّم حق، فالتالي حق (1)أيضاً.

وبيان الملازمة: إنّ جميع صفات الله تعالى نفسية يستحيل أن تكون مستندة إلى غيره فإذا صح عليه أن يعلم جميع المعلومات، فلو لم يجب حصول هذه الصفة نظراً إلى ذاته (2)لافتقر في هذه الصفة إلى الغير، فلا تكون نفسية، وقد فرضناها نفسية، هذا خلف.

وأمّا بيان المقدّم: وهو أنّ الله تعالى يصح أن يعلم كل معلوم، فلأنّ الله تعالى حيّ، على ما يأتي، وكلّ حيّ فإنّه يصح أن يعلم كلّ معلوم.

الوجه الثاني: أنه لو صح أن يعلم هذا المعلوم دون غيره من المعلومات، لكان ترجيحاً من غير مرجّح، وهو محال.

[في علمه بالجزئيات]

قال (أدام الله أيامه) : «واعلم أنّ إضافة العلم إلى المعلوم كإضافة القدرة إلى المقدور، وكما لا تعدم القدرة بعدم المقدور المعيّن كذلك العلم. وإنّما الذي يعدم الإضافة إليهما، وتلك أمر اعتباري لا صفة حقيقية» .(3)

أقول: يريد الشيخ (دام ظلّه) يبيّن أنّ العلم لا يعدم المعلوم المعين.

والدليل عليه إنا إذا علمنا أنّ زيداً في الدار مثلاً، فلا شكّ أنّ بين علمنا أنّ زيداً في الدار وبين كون زيداً في الدار ،إضافة كما أن بين القدرة على القيام

ص: 202


1- في ج، د، ه: مثله .
2- في ب، ج، د، ه: الذات.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 39 الفصل الخامس.

وبين القيام إضافة، فإذا خرج زيد من الدار مثلاً، فقد عدم المعلوم وهو كونه في الدار، فلا يلزم حينئذ عدم العلم بكونه في الدار، كما أنّ القدرة لا تعدم بعدم القدرة، بل إنّما تعدم الإضافة التي بينهما، وتلك الإضافة من الأمور الاعتبارية، وليست من الأمور الموجودة في الخارج، على ما مضى بيانه.(1)

[في علمه بذاته]

قال (أدام الله أيامه): «وهو يعلم ذاته، خلافاً لبعض الفلاسفة، لأنّ ذاته يصح أن تكون معلومة، واحتجاجهم بأنّ العلم إما صورة مساوية للمعلوم في العالم أو إضافة، وهما مستحيلان في علم العالم بنفسه. ضعيف على تقديري الإضافة والصورة: أما على تقدير الصورة فلأنها إنما تعتبر في عالم بمعلوم مغاير لذاته، أما العالم بذاته فإنّ الصورة نفس ذاته، فهو يعقل ذاته بذاته لا بصورة حالة في ذاته.

وأما على تقدير الإضافة، فقيل هنا : إنّ الذات من حيث أنها عاقلة مغايرة لها من حيث هي معقولة، فصحت الإضافة، لأنّ المغايرة - ولو بوجه ما - كافية.

ص: 203


1- العبارة في ب، ج، د ه: (أقول : هذا جواب عن سؤال الحكماء القائلين: بأن الله تعالى لا يعلم بالجزئيات. وتقرير السؤال: إنّ الله تعالى لو علم بالجزئيات لكان علمه متغيّراً، لأن الجزئيات متغيّرة، والعلم من شرطه المطابقة ، فإذا تغيّر المعلوم تغيّر العلم. وتقرير الجواب: إنّ التغيّر إنّما هو الإضافة، والإضافة بينهما من الأمور الاعتبارية التي لا تحقق لها في الخارج، كما أنّ المقدور إذا تغيّر لا يلزم من تغيّره تغيّر القدرة، وإنّما تتغيّر الإضافة، كذلك العلم، وفيه نظر).

قيل عليه: إنّه يلزم الدور، لأنّ العلم مشروط بالمغايرة، فإن كان شرطاً لها دار .

والجواب: أنا نقول: الذات من حيث يصح أن تكون معلومة مغايرة لها من حيث يصح أن تكون عالمة، وهذه المغايرة كافية، ولا تتوقف على العلم». (1)

أقول: اختلف الناس في أنّه تعالى هل يصح أن يعلم ذاته، أم لا؟

فاتفق جميع الأشاعرة والمعتزلة على أنّ يصح .

وخالفهم في ذلك جماعة من الفلاسفة .

والحق الأول !

لنا: إنّ ذاته يصح أن تعلم لأنها من المعلومات الوجودية، فجاز أن يعلم ذاته.

احتجّت الفلاسفة: بأنّ الذين حدّوا العلم فريقان:

منهم من يقول: إن العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم.

ومنهم من يقول: إنّ العلم إضافة (2)بين العالم والمعلوم.

وكلاهما مستحيلان في علم العالم بنفسه أمّا القائل بالصورة، فلأنّ ذاته يستحيل أن تكون متصوّرة في ذاته، وأمّا القائل بالإضافة، فلأنّ الإضافة تستدعي المضافين، وهو منتفي في علمه بنفسه (3).

والجواب : إنّه ضعيف على تقديري الإضافة والصورة.

ص: 204


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 39 - 40 الفصل الخامس.
2- في ج، د، ه: (إنّها إضافة).
3- في ب، ج، د، ه: (منفي في علم العالم بنفسه).

أمّا على تقدير الإضافة، فلأنّ الذات من حيث أنّها عاقلة مغايرة لها من حيث أنها معقولة، وإذا صح التغاير بنوع من الاعتبار صحت الإضافة.

وأمّا على تقدير الصورة، فلأنّ الصورة إنّما يعتبر تصوّرها في العالم إذا كان علمه بشيء مغاير لذاته، أما في حق العالم بنفسه فلا، لأنّ الصورة في العالم بنفسه بنفس ذاته، فهو يعلم ذاته بذاته [لا بصورة].(1)

واعترض على الجواب الأوّل: بأن قيل : يلزم الدور، لأنّ العلم من شرطه المغايرة [بحيث يصح الإضافة بينهما] (2)، فلو كان العلم شرطاً في المغايرة لزوم

الدور.

والجواب: إنّه غير لازم، لأنا نأخذ الذات عارية عن العالم(3) بها، فنقول: [الذات](4) من حيث يصح أن تكون عالمة تغاير نفسها من حيث يصح أن تكون معلومة، وهذا التغاير كافٍ في صحة الإضافة، فلا يتوقف التغاير على العلم .

[بحث في حياة الواجب]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الرابع: في أنّه تعالى حيّ:

ذهب قوم إلى أن معنى كونه تعالى حيّاً، هو: أنه لا يستحيل أن يقدر ويعلم. وإثبات هذه الصفة ظاهر، لأنا قد بيّنا كونه قادراً عالماً، فلا يستحيلان عليه بالضرورة، فيكون حيّاً بهذا المعنى.

ص: 205


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه
3- في ب، د، ه: العلم.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

وذهب آخرون إلى أنه صفة [زائدة] (1)، لأنّ اختصاص ذاته تعالى بصحة القدرة والعلم دون غيرها من الذوات لا بد له من مخصص، وهو الحياة.

و قد بيّنا ضعف هذا القول في كتاب (نهاية المرام)» .(2)

أقول: اختلف الناس في معنى كونه تعالى حيّاً، مع اتفاقهم على حياته. فقال أبو الحسين(3)وجماعة من الحكماء : إنّ الحيّ هو الذي لا يمتنع أن يقدر ويعلم.

وقال جماعة من الأشاعرة: إنّ الحياة صفة قائمة بالذات، لأجلها لا يمتنع على تلك الذات أن تعلم وتقدر.

فعلى الأوّل: لا حاجة لنا في الاستدلال على حياته تعالى، لأنّا قد بيّنا في ما تقدّم كون الله تعالى عالماً قادراً ، فثبت كونه حيّاً (4)بالمعنى الأول بالضرورة.

واحتجّت الأشاعرة : بأنّ الذوات تقسم إلى قسمين: إلى ما يصح أن يقدر

ويعلم، وإلى ما لا يصحان عليه كالجمادات والقسمان ليس بينهما تغاير في الذاتية، فاختصاص أحد القسمين بالقدرة والعلم دون الآخر لا بد له من

مخصص، وذلك هو الحياة.

والجواب: إنّ هذا ضعيف ! لأنّ ذات الله تعالى مخالفة لسائر الذوات المخصوصة، فلم لا يجوز أن يكون اختصاص ذات الله تعالى بصحة القدرة

ص: 206


1- أثبتناه من ب، ج، وفي د ه: (زائدة لأجلها صح أن يقدر ويعلم).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 40 الفصل الخامس.
3- محمّد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تقدّم.
4- في ب، ج، د، ه: (فثبت حياته).

والعلم، وهو (1)نفس ذاته تعالى.

قال فخر الدين الرازي (2)معترضاً على قول أبي الحسين(3): إنّ الحيّ هو الذي لا يمتنع أن يقدر ويعلم إشارة إلى نفي الامتناع، والامتناع سلب، فنفي الامتناع سلب السلب، وهو أمر أمر ثبوتي .(4)

وليس هو نفس الذات لأنا إذا علمنا انتهاء الممكنات إلى واجب الوجود

لذاته فقد علمنا ذاته، ولم نعلم هذا الأمر ! أعني قولنا: «لا يمتنع أن يقدر ويعلم»، والمعلوم مغاير لغير المعلوم، فيكون قولنا: «لا يمتنع أن يقدر ویعلم»مغاير لذاته، وقد ثبت أنّه ،ثبوتي، فتكون الحياة ثبوتية، فتكون صفة قائمة بالذات، وهو المطلوب.

ويمكن الجواب عنه(5) : بالمنع من كون سلب السلب أمراً ثبوتياً، لأنه داخل تحت مطلق السلب العدمي [وفيه نظر!](6).

ص: 207


1- العبارة في ب: (والعلم المخصص هو نفس ذاته)، وفي ج، د، ه: (والعلم لمخصص وهو نفس ذاته).
2- محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن، فخر الدين الرازي الشافعي، تقدّم.
3- أبو الحسين البصري المتكلّم شيخ المعتزلة، المتوفي سنة (436 ه)، وعنه أخذ الفخر الرازي كتاب المحصول، وقد تقدّم.
4- ذكر ذلك في تفسيره الجزء الأوّل في المباحث التي تلت تفسير سورة الفاتحة، آخر الباب الرابع في الأسماء الدالّة على الصفات الإضافية.
5- في ب، ج، د، ه: أجيب.
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

[بحث في إرادة الواجب]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الخامس: في أنه تعالى مريد:

وخالف في ذلك جمهور الفلاسفة.

لنا: أنّ العالم محدث على ما تقدّم، فتخصيص إيجاده بوقت وجوده دون ما قبله وما بعده لا بد له من مرجّح ، وهو الإرادة تساوي نسبة القدرة إلى الطرفين.

والعلم ،تابع فلا يكون هو المتقدّم بالذات.

وهل الإرادة في حقه تعالى نفس العلم بما يشتمل عليه الفعل من المصلحة أو مغايرة له؟

أبو الحسين على الأوّل، والأشعرية وأبو هاشم على الثاني.

وقد بيّنا توجيه الكلامين والاعتراض عليهما في كتاب (النهاية)» .(1)

أقول: ينبغي أوّلاً أن نذكر ما اختلف فيه من معنى الإرادة. فنقول: اختلف المسلمون (2)في معنى كونه تعالى مريداً، مع اتفاقهم على ثبوت إرادته.

فقال أبو الحسين البصري(3): إنّ الإرادة هو نفس الداعي، بمعنى: أنّها (4)نفس العلم يكون الفعل (5)صالحاً للوجود

ص: 208


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 40 - 41 الفصل الخامس.
2- في د، ه: الناس.
3- محمّد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تقدّم.
4- في ب، ج، د، ه: أنّه.
5- في ب: الفعل.

وأمّا الأشاعرة والجبائيان (1)، فقالوا: إنّها صفة زائدة على العلم؛ فالأشاعرة قالوا إنها قديمة والجبائيان قالا: إنها حادثة لا في محلّ.

وأمّا النجار (2)فقد ذهب إلى أنّ الإرادة أمر سلبي، بمعنى أنه تعالى(3) غير مغلوب ولا مستكره وليس بجيّد!

والدليل على إثبات الصفة [له](4) مطلقاً : إنّ الله تعالى فعل أفعال ممكنة (5)في أوقات معيّنة ولم يقدّمها عن وقت وجودها ولم يؤخّرها، فلا بدّ لذلك الإيجاد من مخصّص، فذلك المخصص لا يجوز أن يكون هو القدرة، إذ القدرة نسبتها إلى جميع الأزمنة على السواء (6)، ولا العلم لأنه تابع للمعلوم، على ما مضى، فلو كان هو المخصص لكان مستتبعاً(7)، فيدور، فلم يبق إلّا ثبوت أمر زائد عليهما (8)، وهو الإرادة.

إذا عرفت هذا، فنقول:

ص: 209


1- هما: أبو علي محمد بن عبد الوهاب، وابنه أبو هاشم عبد السلام بن محمد الجبائيان، المتكلمان من المعتزلة، وقد تقدم ذكرهما.
2- النجار: أبو عبدالله الحسين بن محمد بن عبدالله النجّار الرازي المعتزلي، المتوفي نحو سنة (230 ه)، من متكلّمي المجبرة ، ورأس الفرقة النجارية من المعتزلة.
3- في ب: يقع.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- في ب، ه: محكمة.
6- في ب، ج، د، ه: (الأوقات بالسوية).
7- في ب، ج، د، ه: متقدّماً.
8- في ج، ه: عليها.

الحق اتباع قول أبي الحسين البصري، وهو اختيار شيخنا(دام ظله)(1)؛ وجميع المذاهب باطلة !

أمّا قول الأشاعرة، فلأنّ تلك الصفة [الزائدة] (2)إما أن تكون قديمة، أو محدثة، فإن كانت قديمة لزم قدم العالم (3)، وهو باطل، وإن كانت محدثة، فإما أن يكون محلها ذات الله تعالى، أو غيرها، أو لا في محلّ.

والأوّل باطل (4)وإلا لكان محلا للحوادث، وهو محال. والثاني باطل لعدم القائل به(5). وأمّا الثالث فباطل أيضاً لأنّ وجود عرض لا في محلّ محال، لما مر .(6)

وأما قول الجبائيين، فباطل ، بما قلناه في آخر التقسيم.

وأما قول النجار، فباطل أيضاً ! لأنه ينتقض بالنائم والجماد، فإنّهما غير مقهورين، ولا مغلوبين، وليسا بمريدين.

فإذا بطلت هذه المذاهب، فلنذكر ما خص من الأدلة على مذهب الشيخ

ص: 210


1- في ب، ج، د، ه: (اختيار المصنف).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: (تعدّدت القدماء).
4- (وإن كانت محدثة، فإما أن يكون محلّها ذات الله تعالى، أو غيرها، أو لا في محلّ؛ والأوّل باطل) لا يوجد في د، ه.
5- في ب، ج، د ه: (والثاني باطل أيضاً لأنه إما حيوان فيكون حكم الإرادة راجعاً إليه، أو جماد وهو غير معقول).
6- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

[وأبي] (1)الحسين البصري:

وهو أن نقول: لو كان الله تعالى مريداً بإرادة زائدة على العلم، فإما أن تكون ذاتية، أو صادرة عن الله تعالى بإرادة أخرى، والأوّل يستلزم عدم اختصاص إرادته تعالى بمراد دون مراد، وهو باطل ! وإلا لزم اجتماع النقيضين إذا أراد مر مراد زيد و مراد عمرو، والثاني يستلزم التسلسل، وهو باطل أيضاً.

[ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون مريداً لذاته، وهو قولكم يلزم عدم اختصاص إرادته بمراد دون مراد؟

قلنا: إنّما يلزم إرادة كلّ مراد ،ممكن وإرادة زيد وعمرو لا يمكن إرادتهما] .(2)

[بحث في إدراك الواجب]

قال (أدام الله أيامه): «البحث السادس: في أنه تعالى مدرك:

أجمع المسلمون على ذلك، واختلفوا في معناه:

فأبو الحسين ذهب إلى أن معناه أنه تعالى عالم بالمدركات، والأشعرية وأكثر المعتزلة: على أنه زائد على العلم.

ويدلّ على اتصافه تعالى بذلك القرآن وما تقدّم من أنه تعالى عالم بجميع المعلومات .

واحتجاج النفاة بافتقار الإبصار إلى الشعاع والسماع إلى وصول التموّج،

ص: 211


1- في المخطوطة: (أبي) ، وما أثبتناه فمن ب، د، ه.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

ضعيف، لما تقدم، ولأن ذلك إنّما يصح في حقنا، أما في حقه تعالى فلا» .(1)

أقول: اتفق المسلمون على أنه تعالى سميع بصير، وهو المراد بكونه تعالى مدركاً، وإنما الخلاف وقع في معناه:

فقال أبو الحسين البصري (2)، والكعبي (3)، والفلاسفة: إنّ معنى كونه سميعاً بصيراً: أنه تعالى عالم بالمسموع، وعالم بالمبصر.

وقال جمهور الأشاعرة والمعتزلة [والكرّامية](4): إنّ له صفتين زائدتين على العلم.

والحق الأوّل !

دلّنا [على اتصافه بالإدراك](5): قوله تعالى: «لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرَى»(6)، وقال تعالى: «لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ»(7)، وقال إبراهيم علیه السلام : «يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً» .(8)

وأيضاً، فإنّه قد مضى بيان كونه عالماً بجميع المعلومات، ومن جملتها

ص: 212


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 41 الفصل الخامس.
2- محمّد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تقدّم.
3- أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي الخراساني، تقدّم.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- أثبتناه من ج، د، ه.
6- سورة طه: 46 .
7- سورة الأنعام: 103 .
8- سورة مريم: 42 .

المسموعات والمبصرات، فيكون عالماً بهما.

وأيضاً، فإنّ السمع والبصر من صفات الكمال وعدمهما من صفات النقصان والله تعالى منزّه عن الاتصاف بصفات النقصان، وفيه نظر! فإنّه ينتقض بالملبد وصحيح البنية.

وأيضاً، فإنّه قال : كامل لذاته لا يسعه الكمال من هاتين الصفتين .(1)

[والدليل على أن معنى ذلك أنه عالم بهما : إنّ السمع والبصر لو كانا غير العلم، لكان إمّا أن يكونا نفس الإحساس بالحواس أو غيره، والأوّل محال بالاتفاق، وبالبراهين الدالّة على استحالة الحواس عليه تعالى، والثاني أيضاً محال لأنه غير معقول].(2)

واحتجّت النفاة بأنّ الإبصار يفتقر إلى خروج شعاع من العين نحو المرئي(3)، والسماع يفتقر إلى وصول التموّج الحاصل من قلع أو قرع، وهما منفيان عنه تعالى.

والجواب: قد مضى في ما تقدّم أنّ الإبصار لا يحتاج إلى خروج شعاع، وكذلك السماع لا يحتاج إلى التموّج سلّمنا احتياجهما، لكن لا نسلّم أنه في حق الله تعالى كذلك (4).

ص: 213


1- العبارة في ب ، ج ، د، ه: ( وفيه نظر ! الانتقاضه بصحيح البنية، وكونه كاملاً لذاته).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في د، ه: (الشعاع أو إلى الانطباع).
4- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (والجواب : قد مضى بطلان ذلك فيما تقدّم، سلّمنا ذلك، لكن ثابت في حقنا لا في حقه تعالى).

[بحث في كلام الواجب]

قال (أدام الله أيامه): «البحث السابع: في أنه تعالى متكلّم:

أجمع المسلمون عليه، واختلفوا في معناه:

فالمعتزلة، على أن تعالى أوجد حروفاً وأصواتاً في بعض الأجسام تدلّ على المعاني المطلوب تعبير (1)الله تعالى عنها.

والأشعرية، أثبتوا معنى قائماً بذاته تعالى قديماً مغايراً للحروف والأصوات، تدلّ عليه العبارات. وهو واحد، ليس بأمر، ولا نهي، ولا خبر، ولا نداء، ويسمّى (الكلام النفساني).

ويدلّ على ثبوت الكلام بالمعنى الأوّل ما تقدّم من أنه تعالى قادر على كلّ مقدور والقرآن ولا دور لإمكان الاستدلال على النبوّة بغير القرآن من المعجزات، أو به لا من حيث أنه مستند إلى الله تعالى.

والمعتزلة، بالغوا في إنكار ما ذهب إليه الأشاعرة، ومنعوا من تعقله أوّلاً، أساليب ثمّ من وحدته. ثمّ من مغايرته للأمر والنهي والخبر، وغير ذلك من الكلام».(2)

أقول: اتفق المسلمون على أنه تعالى متكلّم، وإنما الخلاف وقع بينهم في تفسيره .

فذهب المعتزلة : إلى أنّ معنى كونه تعالى متكلّماً، هو: أنه تعالى أوجد

ص: 214


1- في المصدر، ب، ج، ه: (المطلوبة يعبّر).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 41 الفصل الخامس.

حروفاً وأصواتاً في أجسام جمادية دالّة على ما يطلب الله تعالى التعبير به عنها.

وذهبت الأشاعرة: إلى أن معنى كونه تعالى متكلّماً، هو: أنه تعالى قام بذاته معنى مغايراً لصفاته تعالى تدلّ عليه العبارات وهو واحد، ليس بأمر، ولا نهي،

ولا خبر، ولا نداء، وهو يسمّى (الكلام النفساني)، عندهم.

والحق الأوّل ! إذ هذا المعنى غير معقول، وما لا يعقل لا يحق (1)المصير إليه . [وفيه نظر ! فإنّه لا يلزم من عدم تعقله نفيه].(2)

والدليل على إثبات كونه تعالى متكلّماً بالمعنى الأوّل: ما تقدّم من الاستدلال على كونه تعالى قادراً على جميع المقدورات، فيكون قادراً على إيجاد حروف وأصوات في أجسام جمادية.

وأيضاً، فإنّ القرآن كلامه تعالى مع أنّه تعالى خلقه في أجسام جمادية .(3)

لا يقال: لا يمكن الاستدلال في هذا الباب بالقرآن للزوم الدور، لأنا لا نعلم أنه كلامه تعالى إلا بإخبار النبي علیه السلام ، ولا نعرف صدق النبي علیه السلام إلا بكلام الله سبحانه .(4)

ص: 215


1- في ب، د، ه: لا يجوز.
2- أثبتناه من حاشية المخطوطة، ولا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- العبارة في ب، ج، د، ه: (وأيضاً فإنّ القرآن يدلّ على أنه تعالى متكلم بالمعنى الأوّل).
4- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (كيف يمكن الاستدلال في هذا الباب بالقرآن، فإنّه لو استدلّ بالقرآن هنا لزم الدور، لأنا لا نعلم كونه كلام الله تعالى إلا بخبر الرسول ، ولا نعرف (نعلم) صدق الرسول إلا بالقرآن فيدور).

لأنا نقول: صدق الرسول يتوقف على المعجز، وهو أعم من الكلام وغيره فانتفى الدور سلّمنا أنّ صدق الرسول يتوقف على القرآن، لكن لا نسلّم أنه يتوقف عليه (1)من حيث استناده إلى الله تعالى، بل يتوقف على القرآن من حيث هو معجز، فاندفع الدور .(2)

والمعتزلة منعوا من إثبات (3)ما ذهب إليه الأشاعرة، فقالوا: أولاً: أنه لا

يعقل، والتصديق متوقف على التصوّر(4)، ثمّ [منعوا] من كونه واحداً، ثمّ [منعوا] (5)من كونه مغايراً للأمر والنهى والخبر، وغير ذلك من أساليب الكلام، كالاستفهام وغيره.

وأيضاً فإنّ كلّ عاقل يسبق ذهنه إلى ما ذكره المعتزلة عند إطلاق الكلام؛ ولو كان كما ذكره الأشاعرة لكان الأخرس متكلّماً؛ لأنّ المعنى موجود فيه وهو الطلب، لكن لا يوصف الأخرس قطعاً بالمتكلّم .(6)

ص: 216


1- في ب، ج، د، ه: (على القرآن).
2- في ب، ج، د، ه: (فلا دور).
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- في ب، ج، د ه: (مسبوق بالتصور).
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
6- العبارة في ب، ج، د، ه: (وهو الطلب، وهو معلوم البطلان).

[الفصل السادس]

[في أحكام صفات الواجب]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «الفصل السادس: (في أحكام هذه الصفات)

وفيه مباحث:

[بحث في البقاء]

الأول: في أنه تعالى باقي لذاته:

ذهب الأشعري: إلى أنه تعالى باق ببقاء يقوم به تعالى.

والحق نفيه! وإلا لزم افتقاره إلى غيره، فيكون ممكناً.

ولأنّ البقاء لو كان زائداً على الذات لزم التسلسل، ولأنّ البقاء إن لم يكن باقياً لم تكن الذات الباقية به باقية، هذا خلف. وإن كان باقياً: فإن كان لذاته كان أولى بالذاتية من الذات والذات أولى بكونها صفة منه، لافتقار الذات إليه واستغنائه عنها. وإن كان لبقاء آخر لزم الدور أو التسلسل» .(1)

ص: 217


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 42 الفصل السادس.

أقول: لما فرغ من بيان صفات الله تعالى الثبوتية، شرع في تبيين أحكامها. فينبغي أوّلاً أن نبين [معنى](1) حقيقة البقاء:

اعلم، أنّ الشيء إذا كان معدوماً ثم دخل في حيّز الوجود، فأوّل زمان وجوده (2)يسمّى حدوثاً، ووجوده في الزمان الثاني يسمّى بقاءً.

إذا عرفت هذا، فنقول:

اختلف الناس في أنّ بقاء واجب الوجود: هل هو لذاته، أو ببقاء آخر(3):

فذهب القاضي أبو بكر (4)، وإمام الحرمين(5)من الأشاعرة، وجمهور معتزلة البصرة: إلى أنّ الله تعالى باقٍ لذاته، وليس زائداً عليها.

وذهب أبو الحسن الأشعري (6)وأتباعه ، وجمهور معتزلة بغداد: إلى أنه صفة زائدة على الذات.

والحق الأوّل ! لوجوه:

الأوّل: إنّ البقاء هو مقارنة الوجود لأكثر من زمان واحد بعد الزمان الأوّل، وهذا لا يعقل إلا في ممكن !الوجود لأنّ واجب الوجود تعالى لا أوّل لوجوده، فلا يكون له زمان ثاني وزمان أوّل.

ص: 218


1- أثبتناه من ج.
2- في ب، ج، د، ه: دخوله.
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- القاضي أبو بكر الباقلاني، تقدّم.
5- أبو المعالي الجويني، تقدّم.
6- أبو الحسن الأشعري علي بن إسماعيل بن إسحاق، تقدّم.

الوجه الثاني: لو كان باقياً ببقاء آخر لكان مفتقراً إليه، فيكون ممكناً، هذا خلف .(1)

الوجه الثالث: لو كان باقياً ببقاء، لكان ذلك البقاء إما أن يكون باقياً أو لا، فإن لم يكن باقياً، لزم أن لا تكون (2)الذات الباقية به باقية، وهو خلاف المفروض، وإن كان باقياً، فإما أن يكون باقياً لذاته أو لغيره، فإن كان باقياً لذاته كان البقاء أولى بالذاتية من الذات(3)، لأنه مستغني في بقائه عن الغير، والذات مفتقرة إليه، وإن كان بقاؤه (4)ببقاء آخر، فإما أن يكون بالبقاء الأوّل، وهو الدور، أو ببقاء غير [البقاء] (5) الأوّل ، فننقل الكلام إلى ذلك البقاء،ويلزم التسلسل، وهما محالان.

[بحث في نفي المعاني]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثاني: في نفي المعاني والأحوال:

ذهبت الأشعرية إلى أنه تعالى عالم بالعلم، قادر بالقدرة، حي بالحياة، إلى غير ذلك من الصفات.

ص: 219


1- العبارة في ب ، ج ، د ه: (لو كان باقياً ببقاء زائد على ذاته لكان مفتقراً في وجوده إلى ذلك البقاء، فيكون ممكناً...).
2- في ب، ج، د، ه: (لم تكن).
3- العبارة في ب، ج، د ه: ( فإن كان باقياً لذاته كان بقاء الذات أولى بالذاتية).
4- في ب، ج، د، ه: باقياً.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

والمعتزلة أنكروا ذلك، وزعموا أنه تعالى عالم لذاته [لا بمعنى قائم به](1)، وكذا باقي الصفات. وهو الحق!

لنا: إنّه لا قديم سواه ،تعالى، لأنّ كلّ موجود فهو مستند إليه تعالى.

وقد بينا أنه مختار، وفعل المختار محدث. ولأنه لو افتقر في كونه عالماً وغيره إلى معان قائمة بذاته، كان مفتقراً إلى غيره (2)منفعلاً عنه، لأنّ هذه المعاني - وإن قامت بذاته تعالى - فهي مغايرة له والله تعالى لا ينفعل عن غيره. ولأنّ صدور العلم عنه يستدعي كونه عالماً، فيكون الشيء مشروطاً بنفسه، أو يتسلسل.

وأما الأحوال التي أثبتها أبو هاشم، فإنها غير معقولة. وقد استقصينا القول في هذه المسألة في كتاب نهاية المرام في علم الكلام)، وكتاب (المناهج)».(3)

أقول: لا خلاف بين المسلمين في أنّ بين العالم والمعلوم، والقادر والمقدور، وغيرهما من الصفات تعلّقاً، وإنما الخلاف وقع بينهم في أنّ ذلك التعلّق هل هو بين ذات العالم ،والمعلوم والقادر والمقدور ، أو بين المعلوم والمقدور، وبين صفة زائدة على ذات العالم والقادر حقيقية.

فذهبت الحكماء إلى الأوّل، وذهب آخرون إلى الثاني، ثمّ اختلفوا في تلك الصفة، هل هي معلومة في نفسها، أو لا؟

ص: 220


1- أثبتناه من المصدر، ب، ج، د، ه.
2- في المصدر، ب: الغير.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 42 - 43 الفصل السادس.

فذهبت الأشاعرة إلى أنّها معلومة في نفسها، ويسمونها ب__(المعنى).

وذهب أبو هاشم(1): إلى أنّ تلك الصفة ليست معلومة، ولا مجهولة، ولا موجودة، ولا معدومة، وسمّاها (الحال).

وأمّا المعتزلة فإنّهم منعوا من ذلك، وقالوا إنّ الله تعالى عالم لذاته، قادر لذاته، حي لذاته، مريد لذاته (2)، وكذلك جميع (3)الصفات. وهو الأولى لوجوه:

الوجه الأوّل: قد مضى في ما تقدّم أنّ الله تعالى قديم ولا شيء غيره بقديم، لأن جميع الموجودات مستندة إليه تعالى .

وقد مضى أيضاً في ما تقدّم أنّ أفعاله على سبيل الاختيار، وفعل الاختيار (4)محدث ، فتكون قدرته تعالى محدثة، فإذا كانت محدثة (5)، فمحلّها إمّا ذات الله تعالى وهو محال لاستحالة كون ذات (6)الله تعالى محلاً للحوادث، وإمّا غيره، وهو خلاف الإجماع، وإمّا أن لا يكون في محلّ، وهو محال، لاستحالة حلول عرض لا في محلّ، وقد مضى غير مرّة.

الوجه الثاني: إنّه لو افتقر في كونه عالماً وقادراً إلى علم وقدرة، وغيرهما من

ص: 221


1- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: (وكذا باقي).
4- في ب، د، ه: المختار.
5- (فإذا كانت محدثة) لا توجد في ب، د، ه، وفي ج يوجد: (فإما أن يكون في محلّ أو لا، فإن كان في محلّ).
6- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

المعاني قائمة بذاته، لكان مفتقراً إلى غيره منفعلاً عنه، لأنّ هذه المعاني مغايرة له، والله تعالى لا ينفعل عن غيره، ولا يحتاج إلى غيره.

الوجه الثالث: إنّ ذلك العلم إذا (1)كان حادثاً عنه تعالى، كان(2)صدوره يستدعي كونه عالماً، فذلك العلم أيضاً يكون حادثاً عنه(3)، إما أن يكون هو العلم الأوّل، وهو الدور ، أو غيره، وهو التسلسل، وهما محالان.

إذا ثبت هذا، فالدليل على إبطال المعاني والأحوال، أن نقول:

أمّا إبطال المعاني فلوجوه(4):

[الوجه] الأوّل: إنّ كونه تعالى قادراً وعالماً من جهة(5) الصفات الواجبة، فلا تعلّل، والمقدم حق، فالتالي مثله (6)، أما [حقيّة](7) المقدم، فلأنه لولا ذلك لجاز خروجه عن كونه قادراً وعالماً إلى عدمها، وذلك باطل ! وبيان الشرطية ظاهر.

الوجه الثاني: إنّ الله تعالى يعلم ما لا يتناهى ويقدر على ما لا يتناهى، فيلزم أن يكون له علوم وقدرة لا نهاية لها، ووجود ما لا يتناهى محال.

ص: 222


1- في ب، ج، د، ه: لو.
2- في ب، ج، د، ه: لكان.
3- (يكون حادثاً عنه) لا يوجد في ب، ج، د، ه .
4- العبارة في ب ، ج ، د ه: (إذا ثبت هذا، فلنذكر زيادة لم يذكرها المصنّف على إبطال المعاني فنقول : الذي يدلّ على إبطال المعاني وجوه).
5- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
6- في ب، ج: كذلك.
7- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

الوجه الثالث: أنّه لا دليل على هذه الصفات فيجب نفيها، وأما إبطال الأحوال التي أثبتها أبو هاشم فباطلة قطعاً؛ لأنّ التصور متقدّم على التصديق، وما لا يعلم لا يحكم عليه بنفي ولا بإثبات، وفيه نظر، لما تقدّم .(1)

[بحث في أنّه مريد لذاته]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثالث: في أنه تعالى مريد لذاته:

ذهب الجبائيان (2): إلى أنّه تعالى مريد بإرادة محدثة لا في محلّ.

وذهب الأشعرية : إلى أنه مريد بإرادة قديمة قائمة بذاته.

والقولان باطلان أما الأوّل فلأنّ قيام إرادة بذاتها غير معقول، ولأنّ حدوثها يستدعي إرادة أخرى ويتسلسل وأما الثاني فلما تقدّم من نفي المعاني.(3)

أقول: قد مرّ منّا إيضاح هذا الكلام في باب كونه تعالى(4) مريد، فلا حاجة إلى ذكره مرّة أخرى، فليطلب من هناك.

قال (أدام الله أيامه): «ولا يلزم من كونه تعالى مريداً لذاته كونه مريداً

ص: 223


1- العبارة في ب، ج، د، ه: (أنه لا دليل على هذه الصفات الواجبة، فيجب نفيها، وأما الأحوال فهي غير معقولة، والتصديق مسبوق بالتصوّر).
2- هما: أبو علي محمّد بن عبد الوهاب، وابنه أبو هاشم عبد السلام بن محمد الجبائيان، المتكلّمان من المعتزلة، وقد تقدم ذكرهما.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 43 الفصل السادس.
4- في ب، ج، د، ه: (الكلام في أنّه تعالى).

للمتناقضين، لجواز تعلّق إرادته ببعض المرادات لذاتها» .(1)

أقول هذا جواب عن سؤال مقدّر.

وتقرير السؤال: أنّه لو كان الله تعالى مريداً لذاته، لكان الله تعالى يريد جميع المرادات قياساً على العلم، فيريد مراد زيد وعمرو، وهما متناقضان!

وتقرير الجواب: أنه يجوز أن تتعلّق (2)إرادته ببعض المرادات لذاته، فيستحيل حينئذ إرادة الآخر، لأنه غير ممكن.

[بحث في حدوث كلامه]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الرابع: في أنّ كلامه حادث:

الأشاعرة منعوا من ذلك.

والحنابلة أيضاً - مع اعترافهم بأنّ الكلام هو الحروف والأصوات - ذهبوا إلى قدمه.

لنا: إنّه مركب من حروف متتالية السابق منها بوجود اللاحق، والقديم لا يعدم ولا يقع مسبوقاً بغيره، فالسابق واللاحق محدثان.

ولأنّ الإخبار بإرسال نوح في الأزل إخبار عن الماضي، ولا سابق في الأزل.

ولأن أمر المعدوم عبث. ولقوله تعالى: «ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرِ مِنْ رَبِّهِمْ

ص: 224


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 43 الفصل السادس
2- في ب، ج، د، ه: تعلّق.

مُحدَثٍ»(1)(2)

أقول : اختلف الناس في أنّ كلام الله تعالى هل هو قديم، أو حادث:

فذهبت الأشاعرة والحنابلة(3): إلى أنه تعالى متكلم بكلام قديم حال في ذاته.

وذهبت المعتزلة : إلى أنه تعالى متكلّم بكلام حادث. وهو الحق! لوجوه: الوجه الأوّل: قوله تعالى: «إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً»(4)، والجعل هو الإحداث، لقوله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ»(5)، أي: أحدثنا وجعلنا.

الوجه الثاني: قوله تعالى: «مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرِ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ» (6)، والذكر هو القرآن، لقوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(7)، وقد ثبت أنّ الذكر حادث، فيكون القرآن حادثاً، وهو المطلوب.

الوجه الثالث: إنّ الكلام هو المركب من الحروف المتتالية التي يتقدّم بعضها على بعض، فالمقدّم سابق بوجوده على اللاحق، فاللاحق محدث لتأخّره،

ص: 225


1- سورة الأنبياء: 2 .
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 43 - 44 الفصل السادس.
3- الحنبلية : نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل، المتوفى سنة (241ه).
4- سورة الزخرف : 3.
5- سورة الأنبياء: 30.
6- سورة الأنبياء: 2 .
7- سورة الحجر: 9.

والسابق محدّث لعدمه عند وجود اللاحق.

الوجه الرابع: إخبار الله تعالى في الأزل بإرسال نوح [علیه السلام] إخبار عن الماضي، لأنه قال: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ»(1)، ولا شيء سابق على الأزل، فيكون كذباً !

وأيضاً فإنّه تعالى أمر في القرآن بأشياء كثيرة، فلو كان قديماً لكان أمراً للمعدوم، وهو عبث، تعالى الله عن ذلك [علوّاً كبيراً] .(2)

[بحث في صدقه]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الخامس: في أن خبر الله تعالى صدق:

لأنّ الكذب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح.

والمقدّمة الأولى ضرورية، والثانية يأتي بيانها.

ولأن تطرّق الكذب في خبره تعالى يستلزم ارتفاع الأمان بوعده ووعيده، فتنتفي فائدة التكليف [والبعثة](3)».(4)

أقول : أجمع أهل الإسلام على أن خبر الله تعالى صدق. وهو الحق!

لنا على ذلك طريقان:

الطريق الأوّل: وهو ما يستدلّ به المعتزلة.

ص: 226


1- سورة المؤمنون: 23 .
2- أثبتناه من ب، ج، د ه.
3- أثبتناه من المصدر، ب، ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 44 الفصل السادس.

وتقريره : إنّ الكذب قبيح، والله تعالى منزّه عن فعل القبيح. أما الصغرى فضرورية، وسيأتي بيان الكبرى في ما بعد إن شاء الله تعالى.

الطريق الثاني : الذي (1)يستدلّ به الأشاعرة.

وتقريره إنّ الكذب نقص، وهو محال على الله تعالى.

قال شيخنا [المصنف](2)(دام ظله): وقد استحدثت(3) لهم طريقتان(4):

الطريقة الأولى (5): إنّ الرسول علیه السلام أخبر عن صدقه، والرسول صادق.

[الطريقة] الثانية: إنّ الله تعالى لو كان كاذباً، لكان إما أن يكون بكذب محدَثٍ، فيكون الله تعالى محلا للحوادث، وهو محال، وإما أن يكون بكذب قديم،

فيلزم استحالة الصدق عليه تعالى، لأنّ القديم لا يزول، وهو محال .(6)

وهذه الحجج التي للأشاعرة ضعيفة بأسرها ! وذلك لأنّ الكذب إنّما يعرض للخبر (7)، والكلام النفساني الأزلي عندهم شيء واحد، ليس بأمر، ولا نهي ولا خبر ولا استفهام [ولا نداء].(8)

ص: 227


1- في د، ه: (وهو ما).
2- أثبتناه من المصدر، ب، ج، د ه.
3- في ب، ج، د، ه: أحدثت.
4- في ج، د، ه: طريقتين.
5- في ب، ج، د، ه: احديهما.
6- في ب، ج، د، ه: باطل.
7- العبارة في ب، ج، د، ه: (بأسرها ضعيفة، أما ما يستدلون به لأنّ الكذب....).
8- أثبتناه من المصدر، ب، ج، د، ه.

وأما ما استحدثه (1)شيخنا (دام ظلّه) فلأن خبر الرسول علیه السلام يدخله النسخ والتخصيص وغيرهما من المعاني الموجبة لعدم اليقين، ولجواز (2)انقسام کلامه تعالى إلى ما هو صدق دائماً، وإلى ما هو كذب دائماً.

وإذا ثبت بطلان كلام الأشاعرة، فالأولى الالتزام باستدلال المعتزلة.

[بحث في أزلية صفاته]

قال (أدام الله أيامه): «البحث السادس: في أنّ هذه الصفات أزلية:

لأنها لو تجدّدت له لزم التسلسل، إذ القدرة المتجدّدة تستلزم [تقدّم](3) قدرة، وكذا العلم المتجدّد يستدعي مسبوقية العلم.

وهي زائدة على ذاته في التعقل، لا في الخارج:

أما الأوّل: فبالضرورة، فإنّا بعد العلم بذاته تعالى نفتقر إلى أدلة على ثبوت الصفات له.

وأما الثاني: فلأنها لو كانت قديمة لزم تعدّد القدماء، وهو محال على ما مرّ. وإن كانت محدثة كان محلاً للحوادث، واستلزم التسلسل» .(4)

أقول: هذا البحث يشتمل على مسألتين: المسألة الأولى: في أنّ صفاته تعالى أزلية، إذ(5) لو كانت حادثة لزم

ص: 228


1- في ب، ج، د، ه: أحدثه.
2- في ب، ج، د، ه: ويجوز.
3- أثبتناه من المصدر، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 44 الفصل السادس.
5- في ب، ج، د، ه : لأنها.

التسلسل، لأنّ تجدّد القدرة والعلم وغيرهما من الصفات يستدعي [تقدّم](1)قدرة أُخرى وعلم آخر. ثمّ ذلك العلم وتلك القدرة يحتاجان إلى تقدّم علم آخر

وقدرة أخرى، وهكذا ويتسلسل، وهو محال.

المسألة الثانية: في أنّها زائدة على ذاته في التعقل لا في الخارج.

اختلف الناس في ذلك:

فذهبت الفلاسفة إلى أنّ هذه الصفات نفس ذاته تعالى، وتابعهم أبو الحسين البصري .(2)

وذهبت الأشاعرة وباقي المعتزلة إلى أنّ هذه الصفات زائدة على ذاته تعالى في التعقل وفي الخارج .(3)

أما زيادتها مطلقاً، فلوجوه:

الوجه الأوّل: إنّ هذه الصفات لو لم تكن زائدة على ذاته، لكان قولنا: «الباري باري»، بمنزلة قولنا : «الباري عالم أو قادر» ، ولا شكّ أنّ الثاني يفيد، والأوّل غير مفيد.

الوجه الثاني: إنّ الذين يوصفون بالقدرة والعلم وغيرها، قد اشتركوا فيها، وقد تباينوا في حقائقهم، وما به المشاركة غير ما به المباينة، فتكون زائدة.

ص: 229


1- أثبتناه من المصدر، ب، ج، د، ه
2- محمّد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تقدّم.
3- العبارة في ب (على ذاته تعالى في التعقل)، وفي ج: (على ذاته تعالى في التعقل لا في الخارج)، وفي د ه (زائدة على ذاته في الخارج).

الوجه الثالث: إنّا إذا قلنا: إنّ الله تعالى عالم، أو قادر، أو حيّ(1)، حصل لنا مفهوم زائد على قولنا : الله (2)، فلو لم يكن زائد لاتحد المفهوم .(3)

الوجه الرابع: إنّا قد نعلم ذات الله تعالى ونشك في صفاته، فلو كانت نفسها لما شككنا في صفاته، لكنّا نستدلّ على إثباتها بعد إثباته تعالى.

وأما زيادتها في التعقل لا في الخارج، فلأنها لو كانت هذه الصفات ثابتة في الخارج، لكانت إما قديمة، أو حادثة.

وكلاهما باطلان !

أمّا الأوّل: فلأنّه يستلزم تعدّد القدماء، وهو باطل، على ما مرّ بيانه.

وأمّا الثاني: فلأنّه يستلزم أن يكون محلاً للحوادث، وهو محال، على ما يأتي بيانه في ما بعد إن شاء الله . وأيضاً فإنّه يستلزم التسلسل، على ما بيّناه (4).

ص: 230


1- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج: (الله الله)، وفي د، ه: (الله تعالى).
3- في ب، ج، د، ه: المفهومان.
4- العبارة في ب، ج، د، ه: (إمّا قديمة، أو حادثة. والأوّل يلزم منه تعدّد القدماء، وهو باطل، على ما مر بيانه. والثاني أيضاً محال لأنه يستلزم منه أن يكون محلاً للحوادث، وهو محال على ما يأتي بيانه في ما بعد إن شاء الله تعالى. وأيضاً فإنّه يلزم التسلسل، لأنّ حدوثها يستلزم اتصافه بها قبل وجودها، ثمّ ينتقل الكلام إلى تلك الصفات، ويأتي البحث الأوّل).

[الفصل السابع]

[في ما يستحيل عليه تعالى]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «الفصل السابع: (في ما يستحيل عليه تعالى).

وفيه مباحث:

[بحث نفي المماثلة]

الأوّل في استحالة مماثلته لغيره تعالى:

ذهب أبو هاشم: إلى أنه تعالى يساوي غيره من الذوات، ويخالفها بحالة توجب أحوالاً أربعة: الحيية، والعالمية، والقادرية، والموجودية.

والحق خلافه ! فإنّ الذوات المتساوية تتساوي في اللوازم، فيجب القدم على الحوادث والحدوث على الله تعالى وهما باطلان ولأنّ اختصاصه تعالى بما

يوجب المخالفة دون غيره ترجيح من غير مرجّح».(1)

أقول: لما فرغ من بيان الصفات الثبوتية، شرع في بيان الصفات السلبية.

ص: 231


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 45 الفصل السابع.

الأولى (1): إنّه يستحيل أن يماثل غيره من الذوات.

اختلف الناس في ذلك:

فقال أبو هاشم، وأبو علي(2): إنّه يماثل غيره من الذوات، ويخالفها بحالة توجب أربعة صفات (3): الحياة، والعلم، والقدرة، والوجود (4)، وليس بجيد!

وأطبق المحققون على خلاف (5)ذلك، واتفقوا على أنها تخالف غيرها من الذوات لذاتها لا لصفات أُخر. وهو الحق! لوجوه(6):

[الوجه] (7)الأوّل: إنّ ذات الله تعالى لو كانت مخالفة لغيرها من الذوات باعتبار تلك الأمور ، لكان اختصاص تلك الأمور بها إمّا أن يكون باعتبار أمور أُخر أو لا، فإن كان باعتبار أمور أخر لزم التسلسل، لأنّ البحث في هذه الأمور كالبحث في الأمور الأوّلة، وإن كان اختصاصها بتلك الذات لا لأمور لأُمور أُخر، كان ترجيحاً (8)من غير مرجّح ، وهما محالان(9).

ص: 232


1- في ب: (وفيه مباحث: الأوّل).
2- هما الجبائيان المتكلّمان من المعتزلة، وقد تقدّم ذكرهما.
3- في ب، ج، د، ه: أحوال.
4- في ب ، ج ، د ه: (الحيّتة، والعالمية، والقادرية، والموجودية).
5- لا يوجد في د، ه.
6- في ب، ج، د، ه: لوجهين.
7- أثبتناه من ب، ج، د، ه .
8- في ب، ج، د، ه: لزم الترجيح.
9- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

الوجه الثاني (1): إنّ تلك الصفات إمّا أن تكون متماثلة أو مختلفة، والأوّل محال، وإلا لم يبق تمايز بين الموجودات، والثاني محال، وإلاّ لزم التسلسل، لأنّ اختلافها إما أن يكون باعتبار صفات أُخر أو لا، والأوّل باطل لأنا ننقل الكلام إليه ويتسلسل، والثاني هو المطلوب.

الوجه الثالث (2): إنّها (3)لو كانت متساوية لكانت لوازمها متساوية فيجب القدم على الحوادث ويجب الحدوث على القديم، وهما باطلان بالضرورة(4).

واحتج أبو هاشم، وأبو علي بأنا قد نعقل ذاتاً ونشك في كونها واجبة ومحدثة (5)، وذلك يوجب التماثل بين الذوات.

والجواب: إن عنى أبو هاشم ، وأبو علي أنّ الذات من حيث كونها ذاتاً، :أي: من حيث استقلالها بالمعقولية وهو أمر ذهنيّ [يساوي سائر الذوات](6)، فمسلّم، وإن عنيا التماثل في الحقائق والماهيات، فممنوع!

[بحث نفي التركيب]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثاني: في أنه تعالى يستحيل أن يكون مركباً:

ص: 233


1- هذا الوجه بالكامل لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: (الوجه الثاني).
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- العبارة في ب ، ج ، د ه: (ويجب الحدوث على الله، وهما باطلان).
5- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (كونها قديمة أو واجبة أو محدثة).
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

لأنّ كلّ مركب مفتقر إلى جزئه، والجزء مغاير للكلّ فيكون ممكناً.

ويستحيل أن يتركب عنه غيره، لاستحالة انفعاله عن الغير، فلا جزء له، فلا جنس له ولا فصل ،له، فلا حد له.

ولا يكون واجباً لذاته ولغيره معاً، لأنّ وجوبه لذاته(1) يستدعي استغناؤه عن غيره، ووجوبه بغيره (2)يستدعي افتقاره إليه، فيكون واجباً مفتقراً» .(3)

أقول: هذا البحث يشتمل على ثلاثة مسائل:

المسألة الأولى: إنّه تعالى ليس بمركب.

لمّا كان كلّ مركّب مفتقر إلى جزئه، وجزء الشيء غيره، استحال التركيب عليه تعالى، لأنّ الله تعالى غني عن الغير، على ما يأتي في ما بعد عن شاء الله تعالى.

المسألة الثانية: في استحالة تركيب الغير عنه.

يستحيل أن يكون الله تعالى جزءً للغير.

والدليل عليه : إنّ التركيب إما أن يكون خارجياً فظاهر أنّه لا يكون إلّا مع الانفعال، والله تعالى ليس منفعلاً عن الغير، وإما أن يكون ذهنياً وهو منفي عنه تعالى، لأنه مركب من الجنس والفصل والله تعالى ليس بجنس ولا فصل لأنه ليس له جزء فلا يكون له جنس وإذا لم يكن له جنس فلا فصل له لترتب الفصل على الجنس، وإذا لم يكن له جنس وفصل لم يكن له حد، لأنّ الحدّ هو

ص: 234


1- في المصدر : بذاته.
2- في المصدر ، ج ، د لغيره.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 45 الفصل السابع.

المركب من الجنس والفصل .(1)

المسألة الثالثة: في استحالة كونه تعالى واجباً لذاته ولغيره معاً.

وذلك لأنّ الواجب لذاته مستغن في وجوبه عن غيره، والواجب لغيره يفتقر في وجوبه إلى ذلك الغير، والشيء الواحد لا يكون واجباً مفتقراً، وهو خلف (2)

[بحث نفي التحيز]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثالث: في أنه تعالى يستحيل أن يكون متحيزاً:

لأنّ كلّ متحيّز لا يخلو عن الحركة والسكون، وقد بينا حدوثها، فيكون حادثاً، وواجب الوجود لا يكون حادثاً، فلا يكون متحيّزاً.

ولأنه يستلزم تقدّم(3) الحيّز، ولا قديم سواه تعالى.

وكما يستحيل أن يكون متحيّزاً كذا يستحيل أن يكون قائماً به، لافتقار القائم بالمتحيّز إلى الحيّز (4)، وكلّ مفتقر ممكن، وواجب الوجود ليس بممكن.

ص: 235


1- العبارة في ب د ه: (... وإما أن يكون ذهنياً وهو منفي عنه، لأنه إنما يكون من الجنس والفصل، والله تعالى ليس أحدهما، فظهر استحالة التركيب عليه أنّه تعالى ليس له جزء فلا يكون له جنس، وإذا لم يكن له جنس فلا فصل ،له لترتب الفصل على الجنس، وإذا لم يكن له جنس ولا فصل لم يكن له حدّ ..)..
2- لا يوجد في ب، د، ه.
3- في المصدر، د ه: قدم.
4- في المصدر : غيره، وفي ب: المتحيّز.

ويستحيل أن يكون حالاً في غيره، لأنّ كلّ حال فهو مفتقر إلى محله ولو في تعيينه (1)، وواجب الوجود ليس بمفتقر» (2).

أقول: هذا البحث يشتمل على مسائل ثلاث:

المسألة الأولى: في استحالة تحيّزه .(3)

اختلف الناس في أنّ الله تعالى هل هو متحيّز أم لا:

فذهب السواد الأعظم من المحققين: إلى أنه تعالى منزّه عن التحيّز.

وذهبت المجسّمة : إلى أنه تعالى متحيّز.

والحق الأوّل! لنا على ذلك وجوه:

[الوجه] (4)الأوّل: إنّ الله تعالى لو كان متحيّزاً، لكان ذلك الحيّز إما أن يكون منقسماً، أو غير منقسم، والأوّل يقتضي التركيب، وقد بينا استحالته عليه تعالى، وإن لم ينقسم كان الله تعالى أصغر الأشياء، فتعالى الله عن ذلك علواً كبيره.(5)

الوجه الثاني: لو كان الله تعالى متحيّزاً، لكان لا يخلو عن الحركة والسكون لما بيّناه في باب حدوث الأجسام، والحركة والسكون ،حادثان، فيكون واجب

ص: 236


1- في المصدر، ب: تعينه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 45 - 46 الفصل السابع.
3- العبارة في ب، ج، د، ه: (في استحالة كونه تعالى متحيّز) .
4- أثبتناه من ب، د، ه.
5- العبارة في ب، ج، د، ه: (وقد بينا استحالته، والثاني يلزم منه أن يكون الله تعالى أصغر الأشياء ...).

الوجود حادثاً! وقد بيّنا هذا البحث في حدوث الأجسام .(1)

الوجه الثالث: لو كان الله تعالى متحيّزاً، لكان يستدعي قدم حيّزه [لأنّ حيّز القديم قديم](2) ، وهو باطل، لاستلزامه تعدّد القدماء، وهو محال، لأنه لا قدیم سواه [على ما مرّ بيانه].(3)

المسألة الثانية: في استحالة قيام واجب الوجود تعالى بالمتحيّز.

والدليل عليه: إنّ القائم بالمتحيّز مفتقر في وجوده إلى الحيّز، وكلّ مفتقر ممكن، فيكون الله تعالى ممكناً ، وقد بينا وجوبه، هذا خلف.

المسألة الثالثة في استحالة حلوله في غيره.

اختلف الناس في ذلك:

فقالت الغلاة: يجوز حلوله تعالى في بعض الأجسام (4).

ولم يقل أحد إنّه يحلّ في غير الأجسام، وأطبق المحققون على استحالة ذلك. وهو الحق!

لنا: إنّه لو كان حالاً في بعض الأجسام، لكان محله لا يخلو إمّا أن ينقسم أو لا [ينقسم](5)، فإن انقسم تركب، وقد مضى بطلانه، وإن لم ينقسم، كان الله

ص: 237


1- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (واجب الوجود حادثاً، وهو محال).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- العبارة في ب ج د ه: فقال بعض النصارى: إنّه تعالى حلّ في المسيح. وبعض الصوفية ذهبت أنّه حال في بدن العارفين.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

تعالى أصغر الأشياء، وهو باطل.

وأيضاً فإنّه لو كان حالاً في شيء، لكان مفتقراً إلى محله [ولو في تعيينه](1)، والمفتقر ممكن، والله تعالى واجب على ما مرّ بيانه.

قيل :هاهنا لو كان الله تعالى حالاً في شيء، لكان الله تعالى إمّا أن يكون محتاجاً، وهو باطل على ما يأتي، وإمّا غنيّاً، وهو محال، لاستحالة عروض ما يحوجه إليه، لأنّ الذاتيات لا تزول بالعوارض، وفيه نظر! لأنه لا يدلّ عل استحالة حلوله ، وإنّما (2)يدلّ على استحالة احتياجه إلى المحلّ.

ونحن نقول: إنه ليس بمحتاج، وإنّما حلّ فيه لاختياره الحلول فيه.

[بحث نفي الجهة]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الرابع: في أنه تعالى ليس في جهة خلافاً للكرامية:

لأنه لا بمتحيّز (3)، ولا حال في المتحيّز، وكلّ ما هو في جهة فهو أحدهما بالضرورة.

ولأنه لو كان في جهة لم ينفك عن الحركة والسكون الحادثين، وكلّ ما لا ينفك عن الحادث فهو حادث .

وليس في مكان، وإلا لكان مفتقراً إليه. ولأنّ مكانه إن ساوى سائر

ص: 238


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: ولكن.
3- في المصدر ب :(ليس بمتحيّز).

الأمكنة كان اختصاصه تعالى به مفتقراً إلى مخصص، وإلا لكان مخالفاً لها، فيكون موجوداً، لاستحالة الامتياز في العدمات، فإن كان حادثاً لزم إما حدوثه تعالى أو حدوث الحاجة إلى المكان وهما باطلان .

والظواهر السمعية الدالّة على خلاف ذلك متأوّلة؛ لأنّ النقل والعقل إذا تقابلا لم يمكن إهمالهما ولا العمل بهما، ولا العمل بالنقل وإهمال العقل، لأنّ ترك الأصل لأجل الفرع يقتضي بطلانهما معاً، والعقل أصل للنقل، فلم يبق إلا العمل بالعقل وتأويل النقل» .(1)

أقول: هذا البحث يشتمل على مسألتين:

المسألة الأولى: في استحالة كون الله تعالى في جهة من الجهات.

اختلف الناس في ذلك:

فذهبت الكرّامية - وهم أصحاب عبد الله بن كرام(2): إلى أنه تعالى حال في جهة فوق.

ثمّ اختلفوا، فقال بعضهم: إنّه تعالى حال في جهة فوق العرش وليس لها نهاية؛ وقال آخرون منهم: إنّه في جهة فوق العرش، وتلك الجهة متناهية.

وقال آخرون إنّه حال على العرش، وهو مذهب المجسّمة.

وهذه المذاهب كلّها قد أطبق المحققون على بطلانها. وهو الحق!

ص: 239


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 46 الفصل السابع.
2- أبو عبد الله محمد بن كرام بن عراق بن حزابة السجستاني المتكلّم، توفي سنة (255ه) في القدس.

لأنّ كلّ حال في جهة فهو مشار إليه، فيكون إما جسماً أو عرضاً، وكلاهما باطلان .

احتجت الكرّاميّة: بأنّ الله تعالى ،موجود فإمّا أن يكون في جهة أو لا، والأوّل إمّا أن تكون تلك الجهة جهة الفوق أو جهة التحت، فإن كانت جهة الفوق ثبت المطلوب، وإن كانت جهة التحت، فهو باطل(1)! لأنّ جميع أصناف الملل يرفعون أيديهم إلى جهة فوق إذا طلبوا شيئاً من الله تعالى.

وإن لم يكن في جهة، كان الموجود ليس له جهة أصلاً، وصريح العقل حاكم بفساد هذا القول، وأيضاً فإنّ الآيات دالة على كونه تعالى في جهة فوق.

والجواب عن الأوّل: إنّا لا نسلّم أن كل موجود لا بد له من جهة.

وقوله صريح العقل حاكم به.

قلنا : ممنوع ! فإنّ العقل لا يحكم ببطلان قولنا: الجسم إما أن يكون في جهة أو لا، كما يحكم ببطلان قولنا : الجسم لا قديم ولا حادث (2).

وعن الثاني: إنّ الآيات مأوّلة، لأنّ العقل والنقل إذا اجتمعا لم يمكن العمل بهما (3)، ولا تركهما، ولا ترك العقل والعمل بالنقل، لأنّ العقل أصل

ص: 240


1- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (والأوّل إما أن يكون في جهة فوق أو جهة تحت، فإن كانت في جهة فوق ثبت المطلوب، وإن كان في جهة تحت، فهو باطل).
2- العبارة في ب، ج، د ه: (والبرهان على أنه ليس في جهة ثابت، فإنّ كلّ من هو في جهة فهو حادث لعدم انفكاكه عن الحوادث، وتصوّر العقل عن إدراك ذلك لا يدلّ على نفيه).
3- العبارة في ب: (لأنه إذا لم يجتمع العقل والنقل لم يمكن العمل بهما)، وفي ج، د، ه: (لأنه إذا اجتمع العقل والنقل لم يمكن العمل بهما) .

للنقل، وترك الأصل لأجل الفرع غير جائز(1)، فلم يبق إلّا العمل بالعقل وتأويل النقل. فنقول: إنّ تلك الآيات الواردة على كونه تعالى في جهة فوق مأوّلة.

احتج المحققون بوجوه(2):

الوجه الأوّل: إنّ كلّ من هو في جهة فهو إمّا متحيّز أو حال في المتحيّز ضرورة ، وقد بيّنا أنّه تعالى لا متحيّز ولا حال في المتحيّز.

الوجه الثاني: إنّه لو كان الله تعالى متحيّزاً(3)، لكان إمّا متحركاً أو ساكناً، لأنّ كلّ متحيّز لا ينفك عنهما، والحركة والسكون حادثان، وما لا ينفك عن الحادث فهو حادث، فيكون الله تعالى حادثاً ! وقد فرضناه قديماً، هذا خلف.

الوجه الثالث (4): إنّه تعالى لو كان في جهة فإما أن تكون تلك الجهة منقسمة، أو غير منقسمة، والأوّل محال، وإلا لكان الله تعالى مركباً، وقد مضى

فساده، والثاني محال أيضاً، لأنه يلزم أن يكون أصغر الأشياء، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

المسألة الثانية في استحالة كونه تعالى في حاصلاً في مكان؛ وذلك لوجهين:

ص: 241


1- العبارة في ب، ج، د، ه: (وترك الفرع أولى).
2- في ب، ج، د، ه: بوجهين.
3- في ب، ج، د، ه: (في جهة).
4- هذا الوجه بكامله لا يوجد في ب، ج، د، ه.

الوجه الأوّل: إنّه لو كان في مكان لكان مفتقراً إليه، والمفتقر ممكن، فيكون الله تعالى ممكناً ! وقد فرض واجباً، هذا خلف.

الوجه الثاني: إنّه لو كان في مكان لكان مكانه إمّا أن يكون مساوياً لسائر الأمكنة فيكون اختصاصه تعالى به يحتاج إلى مرجّح، وإلا لكان مخالفاً لها، فيكون ذلك المكان موجوداً لاستحالة الامتياز في الأشياء العدمية(1)، فإما أن يكون حادثاً، ويلزم إما حدوث الله تعالى، أو حدوث الحاجة إلى مكان، وهما محالان. [أو قديماً وهو محال لاستحالة تعدّد القدماء] .(2)

[بحث في استحالة قيام الحوادث عليه]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الخامس: في استحالة قيام الحوادث بذاته تعالى:

لأنّ الانفعال ممتنع عليه، فيمتنع عليه التغير، فلا يمكن اتصافه بالحوادث. ولأنّ علّة هذا الحادث إن كان هو الله تعالى على سبيل الإيجاب لزم قدمه وإن كان على سبيل الاختيار لزم وجوده قبل وجوده، لأنه لا بد وأن يكون من صفات الكمال، وإن كان غير الله تعالى كان واجب الوجود مفتقراً إلى الغير، هذا

خلف.

ويستحيل قيام اللذة والألم بذاته:

أما الألم، فلأنه إدراك المنافي ولا منافي له تعالى.

ص: 242


1- العبارة في ب ، ج ، د ه: (الامتياز في العدمات).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

وأما اللذة، فلأنها لو كانت قديمة لزم وجود الملتذ به قبل وجوده، لقدم القدرة والداعي. وإن كانت حادثة كانت محلاً للحوادث، وهو محال، وللإجماع.

ويستحيل اتصافه بالآلات الجسمانية كالشم والذوق، وكذا باقي الأعراض المفتقرة إلى الأجسام، كالألوان والأضواء، وغيرهما.

ولا يمكن اتحاده بغيره لقضاء الضرورة ببطلان الاتحاد، ولأنهما بعد الاتحاد إن بقيا فلا اتحاد، وإن عدما أو عدم أحدهما فلا اتحاد، لاستحالة اتّحاد المعدوم واستحالة اتحاد المعدوم بالموجود» .(1)

أقول: هذا البحث يشتمل على مسائل أربع:

المسألة الأولى في استحالة قيام الحوادث به (2)تعالى.

اختلف الناس في ذلك:

فذهبت الكرامية : إلى جوازه.

وأطبق المحققون (3)على استحالته. وهو الحق!

لنا وجوه(4):

الوجه الأوّل: إنّ الانفعال والتغيّر محالان عليه تعالى، فلو كان الله تعالى محلا للحوادث، لكان منفعلاً عن غيره، والتالي باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة: ظاهر.

ص: 243


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 47 الفصل السابع.
2- في ج، د، ه: بذاته.
3- في ب، ج، د، ه: الباقون.
4- في ب، ج، د، ه: وجهان

وبيان بطلان التالي: إنّ الانفعال دالّ على إمكان الذات، والله تعالى قد بينا وجوبه، فلو كان محلاً للحوادث، لكان الله تعالى الواجب وجوده ممكناً وجوده، هذا خلف .(1)

الوجه الثاني: إنّه تعالى لو كان محلاً للحوادث، لكان علة ذلك الحادث واجب الوجود لما بيّناه (2)، فإما أن يكون على سبيل الاختيار، أو على سبيل الوجوب (3)، فإن كان على سبيل الوجوب (4)لزم قدمه وقد فرض حادثاً، هذا خلف ! [ولما بيّناه من أنه تعالى مختار] (5)، وإن كان على سبيل الاختيار لزم وجود الحادث قبل وجوده، لأنّ ذلك الحادث لا بد وأن يكون من صفات الكمال، لأنه لو كان الله تعالى موصوفاً بصفات النقص لكان الله تعالى ناقصاً، فيكون محتاجاً، فيكون ممكناً، وقد فرض واجباً، هذا خلف فلو كان هذا الحادث غير الله تعالى كان الله تعالى محتاجاً إلى الغير، وهو محال (6).

ص: 244


1- العبارة في ب، ج: (لكان وجوده ممكناً، هذا خلف).
2- العبارة في ب، ج، د، ه : (لكان علّة ذلك الحادث إمّا واجب الوجود أو غيره، فإن كان علّته واجب الوجود).
3- في ب، ج، د، ه: الإيجاب.
4- في ب، ج، د، ه: الإيجاب.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
6- العبارة في ب ، ج ، د ه: (الزم وجوده قبل وجوده لأنّ ذلك الحادث لا بد وأن يكون من صفات الكمال، لأنّه لو كان من صفات النقص لكان الله تعالى ناقصاً، ويستحيل انفكاك تلك الصفات عنه، وإلا لكان ناقصاً ، وإن كان علّة هذا الحادث غير الله تعالى كان الله تعالى محتاجاً إلى الغير، وهو محال).

المسألة الثانية: في استحالة قيام الألم واللذة به تعالى.

اختلف الناس في ذلك:

فقالت الحكماء: إنّه لا يوصف بالألم، وقد يوصف باللذة.

ومنع المتكلّمون من ذلك، ووافقوا الحكماء في أنه لا يوصف بالألم.

فنقول نحن: قد نعني بالألم واللذة منافرة المزاج وملائمته، وبهذا المعنى لا يكون الله تعالى متألماً ولا ملتذا(1)، لأنّ المزاج لا يعقل إلا في الأجسام، والله تعالى ليس بجسم.

وقد نعني بهما: إدراك الملائم والمنافي، وبهذا المعنى يكون الله تعالى ملتذا (2)، لأنّ الله تعالى مدركاً لذاته، وذاته ملائمة له، ولكن لا ينطبق (3)اسم اللذة عليه لكون أسمائه توقيفية .(4)

واستدلّ شيخنا (5)(دام ظلّه): بأنه تعالى لا يوصف باللذة، لأنّ تلك اللذة إما أن تكون قديمة أو حادثة، فإن كانت قديمة وهي داعية إلى فعل الملتذ به لزم وجود الملتذ به قبل إيجاده، لأنّ الداعي إلى إيجاد الفعل قبل إيجاد ذلك الفعل

ص: 245


1- في ج، د، ه: متلذذاً.
2- في د، ه: متلذذاً .
3- في ب، ج، د، ه: لا يطلق.
4- توجد عبارة هنا في المخطوطة (الأصل) مشطوب عليها: (قيل: إنّ الله تعالى بالتعبير الأخ يكون متألماً لأنه يدرك الأشياء المعدومة، والأشياء المعدومة منافية له تعالى. أجيب: بأنّ الألم ليس هو إدراك المنافي لا غير، لكن إدراك المنافي بشرط).
5- في ب، ج، د، ه: المصنف.

موجود، وهو محال! لأنّ وجود الشيء قبل وجوده محال. وإن كانت حادثة كان الله تعالى محلاً للحوادث وقد مضى بطلانه. وفيه نظر ! بجواز أن يلتذ بذاته وبإدراكه لا لشيء آخر، كما ذهبت إليه الفلاسفة .(1)

المسألة الثالثة في استحالة اتصافه تعالى بالآلات الجسمانية، وما يفتقر إلى الجسم.

والدليل عليه : إنّ الطعم والشمّ واللّون لو كانت حالة فيه، لكان الله تعالى منفعلاً عن غيره، وهو محال في حقه تعالى.

وأيضاً، فإنّ إجماع المسلمين على استحالة ذلك في حقه تعالى.(2)

وقد قيل في استحالة اتصافه بالألوان: إنّ اللّون جنس تحته أنواع نسبة كلّ نوع منها إليه على السوية، فلو كان متصفاً بأحدها دون الآخر كان ترجيحاً من غير مرجّح، وهو ضعيف(3)! الجواز اختصاص ذاته تعالى بنوع [معين](4)، لكون ذاته في نفس الأمر مستلزمة لذلك [النوع](5) من غير أن يعلم لمية(6) ذلك الاستلزام.

ص: 246


1- العبارة في ب، ج، د ه: (الملتذ به قبل وجوده، لأنّ القدرة والداعي إذا وجدا وجد الفعل فيلزم وجود الأثر في الأزل، والتقدير أنّ الأفعال حادثة، هذا خلف، وإن كانت حادثة كان الله تعالى محلاً للحوادث، وقد مضى بطلانه. وعوّل بعضهم في نفيها عنه على الإجماع، وهو الأولى).
2- (وأيضاً، فإنّ إجماع المسلمين على استحالة ذلك في حقه تعالى) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه (وهو محال).
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
6- في ج، د، ه: كمية .

والأولى التمسكّ في هذه المسألة بما قلناه أوّلاً .(1)

المسألة الرابعة: في استحالة اتّحاده بغيره.

اختلف الناس في ذلك:

فذهبت جماعة من الحكماء : إلى أنّ من عقل شيئاً اتحدت ذاته به.

وقالت النصارى: إنّ الأقانيم الثلاثة متحدة، وهي أقنوم الأب، وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس.

ومعنى هذا: إنّهم ذهبوا إلى أنّ الله تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم، فأقنوم الأب عندهم هو الوجود، وأقنوم الابن هو العلم، وأقنوم روح القدس هو الحياة.

وطريق الردّ عليهم أن نقول: إمّا أن يعنون (2)بالاتحاد صيرورة الاثنين واحد، أو مزج الشيء بالشيء، [أو صيرورة الشيء شيئاً آخر، كما يقال الأسود أبيض، وهو محال].(3)

فإن كان الأوّل مرادهم، فهو باطل بالضرورة!

وأيضاً، فإنّ بعد الاتحاد إمّا أن يبقيا أو يعدما أو يبقى أحدهما ويعدم الآخر، فإن بقيا فهما اثنان وإن عدما فلا اتحاد أيضاً، لأنّه قد حدث غير هما (4)، وإن عدم أحدهما وبقي الآخر فلا اتحاد أيضاً، لاستحالة اتحاد المعدوم بالموجود.

ص: 247


1- في ج: (وهو الإجماع).
2- في ب، د، ه: يعنوا.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- (لأنه قد حدث غيرهما) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

وإن عنوا به المعنى الثاني فهو حق ! [لكنّه منفي عنه لاستحالة انفعاله غيره بالاستحالة والتركيب].(1)

[بحث في استغنائه]

قال (أدام الله أيامه): «البحث السادس: في أنّه تعالى غني:

[إذ] لو احتاج - تعالى عن ذلك - لكانت الحاجة إما في ذاته، أو في صفاته.

والقسمان باطلان لأنا بينا وجوب وجوده تعالى، فلا يفتقر إلى غيره في ذاته ولا في صفاته، لاستحالة انفعاله عن الغير» .(2)

أقول: لما بينا أنه تعالى واجب الوجود استحال عليه الحاجة، لأنّ الحاجة إما في ذاته، أو في صفاته، وكلاهما باطلان.

أمّا في ذاته، فلأنّه يكون محتاجاً، فيكون ممكناً، وقد فرضناه واجباً.

وأمّا في صفاته، فلأنّه لو كان محتاجاً في صفاته، لكان وجود تلك الصفة أو عدمها مستفادان من الغير فيكون منفعلاً .

وأيضاً، لو احتاج تعالى إلى غيره للزم الدور، لأن غير واجب الوجود مفتقر إليه تعالى، فلو افتقر هو إلى غيره لزم الدور، وهو محال.(3)

ص: 248


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 47 الفصل السابع.
3- العبارة في ب ، ج ، د ه: (وأما في صفاته، فلأنّه لو كان محتاجاً في صفاته، لكانت ذاته متوقفة على وجود تلك الصفة أو عدمها، وكلاهما مستفادان من الغير فيكون منفعلاً. وأيضاً لو احتاج للزم انفعاله عن الغير، وأيضاً لو احتاج....).

[بحث في أنّ ذاته غير معلومة]

قال (أدام الله أيامه): «البحث السابع في أنّ حقيقته [تعالى](1) غير معلومة للبشر:

لأنّ المعقول من واجب الوجود ليس إلّا الصفات الحقيقية، مثل الوجوب والوجود، وكونه قادراً وعالماً، وغير ذلك، أو الإضافية، مثل كونه تعالى خالقاً، ،وأوّلاً وآخراً، أو السلبية، مثل أنه تعالى ليس في جهة، وليس بجسم، وغيرهما، وأما غير ذلك فهو غير معقول.

ولا شكّ في أنّ هذه المتعقلات أمور عارضة لذاته تعالى ليست نفس حقيقته، والمعروض غير معلوم لنا» (2).

أقول : اختلف الناس في أنّ حقيقة واجب الوجود: هل هي معلومة لنا أم لا؟

فذهب جمهور المتكلّمين من الأشاعرة والمعتزلة : إلى جواز ذلك .(3)

وذهبت الفلاسفة والغزالي (4)من المتأخرين، وضرار (5)من القدماء : إلى

ص: 249


1- أثبتناه من المصدر، ب، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 48 الفصل السابع.
3- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (فذهب جمهور المتكلمين إلى ذلك).
4- الغزالي : أبو حامد محمد بن محمد بن محمّد بن أحمد الملقب بالإمام الغزالي الفقيه الشافعي الفيلسوف، المولود سنة (450 ه)، وتوفي بالطابران طوس سنة (505ه) ، قيل : لم يكن للطائفة الشافعية في آخر عصره، له كتب كثيرة.
5- ضرار بن عمرو الضبي المتكلّم (ق2ه)، صاحب مذهب الضرارية، رأس من رؤوس المعتزلة مات وله تسعون سنة.

استحالته. وهو الحق!

[حجّة القائلين باستحالته] (1): إنّا لا نعقل (2)من واجب الوجود غير الصفات إمّا الحقيقية كالوجوب والوجود والقدرة والعلم، أو الإضافية ككونه خالقاً ورازقاً، وأوّلاً وآخراً، وغير ذلك، أو السلبية ككونه تعالى ليس بجسم ولا عرض، وليس في جهة [ولا محلّ](3)، وغير ذلك، وأما غير هذه فليس معقولاً لنا.

وهذه الصفات [لا شك أنها] (4)من الأمور العارضة لذات واجب الوجود، وليست نفس ذاته.

أمّا الحقيقية، فلأنّها لو كانت نفس ذاته للزم اتّحاد الصفات، فيكون العلم هو القدرة، والقدرة هي الوجود، وهو محال، لأنا قد نعلم أحدها ونشك في الأخرى.

وأمّا الإضافية، فلأنّ الإضافية (5)لا تثبت إلّا بعد ثبوت المضافين.

وأمّا السلبية، فلأنّ الماهية تغاير سلب ما عداها عنها بالضرورة.

واعترض عليه بأنّ حكمنا على الله تعالى بأنه ليس بجسم ولا عرض، ولا متحيّز ولا حال في المتحيّز، وغير ذلك، يستلزم تقدم علمنا بذاته تعالى، لأنّ

ص: 250


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: لا نعلم.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- في ب، ج، د، ه: فلأنها .

التصوّر متقدّم على التصديق.

ويمكن الجواب [عنه] (1): بأنّ التصوّر المشروط بالتصديق هو مطلق التصوّر، سواء كان من حيث هو هو (2)، أو ببعض الاعتبارات، وهو موجود ها هنا.

[بحث في استحالة رؤيته]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثامن في أنّه تعالى تستحيل عليه الرؤية:

لأنّ الضرورة قاضية بأنّ كلّ مرئي فهو في جهة، لأنه إما مقابل أو في حكم المقابل (3). والباري تعالى ليس في جهة، فلا يكون مرئياً.

ولأنه لو صح أن يكون مرئياً لرأيناه الآن، والتالي باطل، فالمقدم مثله.

والملازمة ظاهرة : إذ شرائط الإدراك موجودة هاهنا.

ولقوله تعالى: نلاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ»(4)، تمدح بنفي الرؤية، فيكون ثبوتها نقصاً، وهو على الله تعالى محال.

ولقوله تعالى: «لَنْ تَرانِي» (5)، و (لن) لنفي الأبد.

والأشاعرة خالفوا جميع العقلاء في ذلك، حيث أثبتوا تجرّده تعالى وجوزوا رؤيته.

ص: 251


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: ذاته.
3- في المصدر، ب، ج، د، ه: (أو في حكمه).
4- سورة الأنعام: 103.
5- سورة الأعراف: 143 .

واستدلوا بأنّ الله تعالى موجود فصح أن يكون مرئياً، لأن علة صحة الرؤية هو الوجود، لأنّ الجوهر والعرض مرئيان، والحكم المشترك يستدعي علة مشتركة، ولا مشترك بينهما سوى الوجود أو الحدوث، والحدوث لا يصلح للعلية، لأنه أمر عدمي، فبقي الوجود.

وهذه حجّة ضعيفة جدّاً، وقد بيّنا ضعفها في كتاب (النهاية)، والسمع متأوّل» .(1)

أقول : اختلف الناس في أنّه تعالى هل يصح أن نراه، أم لا:

فذهب الأشاعرة إلى جواز رؤيته.

وذهبت المعتزلة، والإمامية، والزيدية: إلى استحالته. وهو الحق لوجوه:

الوجه الأول: أنه لو صح أن نراه لوجب أن نراه، والتالي باطل، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : إنّ الشيء متى كان موجوداً والذاتي حي موجود والموانع مرتفعة عنه، فلا بد من رؤيته والضرورة قاضية بذلك، والله تعالى موجود ونحن موجودون أحياء، والموانع مرتفعة، لأنّ الموانع من إدراك الجسم، هي: البعد والقرب المفرطين واللطافة، وخلاف الجهة والحجاب المانع، وهي لا تمنع من رؤيته لأنها إنّما تعقل مانعة في الأجسام أو في الحال في الأجسام، فمن ليس بجسم ولا حالاً في جسم، لا يكون هذا مانعاً من إبصاره .(2)

ص: 252


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 48 - 49- الفصل السابع .
2- العبارة في ب ، ج ، د ه: (بيان الشرطية : إن الشرائط قد بينا أنها متى حصلت وجب الإدراك هنا أمران لا غير سلامة الحاسة، وهي هنا حاصلة، وكون المرئي بحيث يصح أن يرى، فلو كان هذا أيضاً حاصلاً لزم المطلوب).

الوجه الثاني: إنّ الضرورة قاضية بأنّ كلّ مرئي فهو في جهة، لأنّ المرئي إمّا مقابل أو في حكمه، وكلاهما لا بدّ لهما من جهة، وقد بيّنا أنه تعالى ليس في جهة، فلا يكون مرئياً.

الوجه الثالث: قوله تعالى: «لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ» (1)، دلّ على نفي رؤيته، لأنه تعالى تمدح بنفي رؤيته، فيكون ثبوتها نقصاً، وهو محال على الله تعالى.

أما أنه تمدح فبالإجماع، وأيضاً فإنّ الآية وردت عقيب المدح، وكل ما يكون عقيب المدح فهو مدح، بدليل: قبح قول القائل: «إنّ فلان شجاع كريم عظيم ،القدر، ينام الليل ويأكل الخبز».

وأمّا أنّ كلّما كان مدحاً كان نقيضه نقصاً، فلأن نقيض المدح إما أن يكون مدحاً، أو نقصاً، أو لا مدحاً ولا نقصاً، والثاني هو المطلوب، والأوّل باطل(2)، لأن نقيض المدح بالضرورة لا يكون مدحاً، والثالث باطل أيضاً، وإلا لكان نفي كون الإنسان جالساً في داره مدحاً، وهو باطل.

الوجه الرابع: قوله تعالى مجيباً لموسى علیه السلام لما سأله الرؤية: «لَنْ تراني»(3)، و (لن) لنفي الأبد [بإجماع أهل اللغة، وإذا ثبت أن (لن) لفي

ص: 253


1- سورة الأنعام: 103 .
2- العبارة في ب ج د ه: (إما أن يكون نقصاً، أو مدحاً، أو لا يكون نقصاً ولا مدحاً، والأوّل هو المطلوب، والثاني باطل بالضرورة).
3- سورة الأعراف : 143.

الأبد] (1)ثبت أنّ موسى لا يراه، وكل من قال: إن موسى لا يراه، قال: إنّ كلّ (1) أحد لا يراه، وهو المطلوب.

احتجت الأشاعرة بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّه تعالى موجود، فصح أن نراه.

أمّا الصغرى، فقد تقدّم بيانها.

وأمّا الكبرى؛ فلأنّ الجوهر والعرض يصح رؤيتهما، فقد اشتركا في هذا الحكم، والحقائق المختلفة إذا اشتركت في الأحكام وجب أن تكون مشتركة في علل تلك الأحكام، لأنه يمتنع استناد (2)المعلولات المتساوية إلى العلل المختلفة، ولا مشترك بين الجوهر والعرض غير الوجود، أو الحدوث، أو الإمكان، والحدوث لا يصلح للعلية، لأنّ الحدوث هو المركب من قيدي الوجود والعدم، فلو كان علّة، لكان علّة رؤية الجوهر والعرض عدمية، وهو محال، والإمكان لا يصلح للعلية أيضاً، لأنه لو كان موجوداً للزم التسلسل، فلم يبق إلّا الوجود، والله تعالى موجود فصح أن نراه .(3)

الوجه الثاني: سؤال موسى علیه السلام الرؤية، فلو كانت ممتنعة لما سألها موسى علیه السلام، لاستحالة وقوع الممتنع.

ص: 254


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: (أن تستند).
3- العبارة في ب، ج، د، ه: (غير الوجود والحدوث، والحدوث لا يصلح للعلية، لأنّ الحدوث عدمي لتركبه من قيد عدمي، فلو كان علة، كان علّة رؤية الجوهر والعرض عدمية، وهو محال، فلم يبق إلّا الوجود، والله تعالى موجود فصح أن نراه)

الوجه الثالث: إنّه تعالى علق رؤيته على استقرار الجبل، وهو ممكن والمعلّق على الممكن ممكن.

والجواب عن الأول من [وجوه](1):

الوجه الأوّل: المنع من كون كلّ حكم معللاً بعلّة، وإلا لزم التسلسل.

الوجه الثاني: لم لا يجوز أن تكون العلة في رؤية الجوهر والعرض هي الإمكان(2)؟

قالوا: الإمكان(3) عدميّ.

[قلنا ممنوع، بل الحدوث ،ثبوتي، إذ هو الوجود المسبوق بالعدم.

الوجه الثالث: لم لا يجوز أن تكون العلة هي الإمكان؟

ولا يقال: إنّ الإمكان عدميّ، فلا يتم] .(4)

قلنا: وإمكان (5)الرؤية عدمي ، ويجوز تعليل العدمي بالعدمي.

وأيضاً فإنّه لو كانت العلّة هو الوجود، لوجب أن نرى جميع الموجودات من الذوات والصفات، وهو محال.

وعن الثاني: إن سؤال موسى علیه السلام إنما كان لقومه لما قالوا: «أَرِنَا اللَّهَ

ص: 255


1- في المخطوطة: (وجهين)، وما أثبتناه فمن ب، ج، د، ه، و.
2- في ب، ج، د، ه: الحدوث.
3- في ب، ج، د، ه: الحدوث.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- في ب، ج، د، ه: (لأنا نقول: إمكان).

جَهْرَةً» (1)، [فلا محال](2) .

وعن الثالث: إنّه تعالى إنّما علّق رؤيته على استقرار الجبل حال حركته، لأنه تعالى قال: «انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي»(3)، ومعنى هذا أنه إذا استقرّ الجبل حال نظرك (4)إليه، وحال نظر موسى إليه ] (5)إما أن يكون متحرّكاً أو ساكناً، فإن كان متحرّكاً ثبت المطلوب، وإن كان ساكناً وجب أن يراه.

[بحث في أوحديته]

قال (أدام الله أيامه): «البحث التاسع: في أنّه تعالى واحد:

لو كان في الوجود واجبا الوجود، لوجب أن يتمايزا بعد اشتراكهما في مفهوم واجب الوجود، فيكون كلّ واحد منهما مركباً، فيكون ممكناً .

ولأنه إذا أراد أحدهما حركة جسم والآخر (6)تسكينه، إن وقع مرادهما لزم اجتماع النقيضين وكذا إذا انتفيا. وإن وقع مراد أحدهما دون الآخر كان من وقع هو الإله. وللسمع» .(7)

ص: 256


1- سورة النساء: 153 .
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- سورة الأعراف: 143.
4- في ب، ج، د، ه: نظره.
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
6- في ب، ج، د، ه: (وأراد الآخر).
7- نهج المسترشدين في أصول الدين: 49 الفصل السابع.

أقول: اتفق المسلمون والفلاسفة على أنّ الله تعالى واحد لا ثاني له، لوجوه:

منها: لو كان في الوجود واجبان (1)، لكانا بعد الاشتراك في [كونهما واجبا] (2)الوجود إما أن يتمايزا أو لا، فإن تمايزا كان واجب الوجود مركباً [ لأنّ

ما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز(3)، وهو محال، وإن لم يتمايزا كانا واحداً.

ومنها : أنه لو كان في الوجود واجبا الوجود، لكان إذا أراد أحدهما تحريك جسم و الآخر يريد (4)تسكينه، فإما أن يقع مرادهما أو لا يقع، أو يقع مراد

والآخر يريد أحدهما دون الآخر، فإن وقع مرادهما لزم اجتماع النقيضين، وإن انتفيا (5)لزم ارتفاع النقيضين، وكلاهما محالان، وإن وقع مراد أحدهما دون الآخر، كان من وقع مراده هو الواجب (6)دون الآخر، وهذا الدليل يسميه المتكلمون دليل التمانع.

ومنها السمع وقد ورد في القرآن [مواضع كثيرة].(7)

ص: 257


1- في ب، ج، د، ه: (واجبا الوجود).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- في ب، ج، د، ه: (وأراد الآخر).
5- في ب، ج، د، ه: (لم يقعا).
6- في ب، ج، د، ه: (واجب الوجود).
7- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

ص: 258

[الفصل الثامن]

[في العدل]

قال (أدام الله أيامه): «الفصل الثامن: (في العدل).

وفيه مباحث:

الأوّل: في أقسام الفعل:

الفعل إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حدوثه كحركة الساهي والنائم، وإما أن يكون وهو إما حسن، أو قبيح.

والأوّل إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حسنه، وهو المباح، ورسموه: بأنه ما لا مدح في فعله ولا تركه ولا ذمّ فيهما. وإما أن يكون له صفة زائدة على

حسنه، وهو إما واجب، وهو ما يستحق المدح بفعله والذمّ على تركه مع العلم والتمكن من التحرّز، أو ندب، وهو ما يستحق المدح بفعله ولا يستحق الذمّ بتركه، إذا علم فاعله أو دلّ عليه» .(1)

أقول: لما فرغ من البحث عن واجب الوجود وصفاته، شرع في البحث

ص: 259


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 50 الفصل الثامن.

عن أفعاله، [وأنه تعالى عادل بمعنى أنه لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب، وقبل ذلك ذكر البحث عن الحسن و القبح] .(1)

الفعل إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حدوثه، أو يكون، والأوّل كحركة الساهي، وكلام النائم، والثاني إمّا أن يكون لفاعله أن يفعله وهو الحسن، أو لا يكون وهو القبيح.

والحسن: إما أن يكون له صفة زائدة على حسنه، أو لا، والثاني المباح، والأوّل الواجب والمندوب.

ورسموا المباح بأنه الذي لا يمدح فاعله ولا تاركه ولا يذمّ.

والواجب: هو الذي يستحق فاعله المدح، وتاركه الذمّ مع علمه وتمكنه من التحرّز .(2)

وقيد (العلم)، يتحرّز به عن غير العالم، فإنّه لا يمدح ولا يذمّ إذا فعله أو تركه.

وقيد (التمكن من التحرّز)، يتحرّز به عن المجبور على تركه، فإنّه لا يذمّ

ص: 260


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- العبارة في ب: (والواجب هو الذي يستحق تاركه الذمّ، أو ما يستحق العقاب بتركه، وليس بجيد فإنّ الساهي والنائم والمكره لا يستحقون بالترك، وأيضاً فإنّ الواجب المخيّر لا يستحق الذم بتركه، وكذلك الواجب الموسع)، وفي ج، د، ه: ( والواجب: هو الذي يستحق فاعله المدح، وتاركه الذمّ مع علمه وتمكّنه من التحرّز. وقيل: ما يستحق تاركه الذم، أو ما يستحق العقاب بتركه، وليس بجيد! فإنّ الساهي والنائم والمكره لا يستحقون الذمّ بالترك. وأيضاً فإنّ الواجب المخيّر لا يستحق الذم بتركه، وكذلك الواجب الموسع).

لأنه معذور.

والمندوب: هو الذي يستحق فاعله المدح وتاركه لا ذمّ عليه، مع علم فاعله به أو دلالته عليه .(1)

وقيد (العلم) أو (الدلالة) يخرج به الفاعل اتفاقاً من غير علم به ولا دلالة عليه.

والقبيح هو الذي يستحق فاعله الذمّ، ولا يمدح بتركه (2).

وإنّما ترك الشيخ (دام ظلّه) تعريف القبيح، لأنه (دام ظلّه) لما رأى أنه ليس بين الحسن والقبيح قسم ثالث، وذكر تعريف الحسن، فكأنه قد بيّن تعريف

القبيح.

[بحث الحسن والقبح]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثاني: ذهب أهل العدل إلى أنّ العلم بحسن بعض الأشياء - كالصدق النافع والإنصاف وشكر المنعم ونحوها - ضروري والعلم بقبح بعضها - كالظلم والفساد وتكليف ما لا يطاق - ضروري.

وذهبت الأشعرية إلى المنع من ذلك» .(3)

ص: 261


1- العبارة في ب ج د ه: (والمندوب هو الذي يستحق فاعله المدح، ولا يستحق تاركه الذمّ عليه إذا علم فاعله به أو دلّ عليه . وقيل : ما فعله خير من تركه. وقيل: ما يكون فعله راجحاً على تركه).
2- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (والقبيح: هو الذي يستحق فاعله الذم، على بعض الوجوه).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 50 الفصل الثامن.

أقول: اختلف في تحسين الأشياء وتقبيحها ، هل بحكم العقل، أو بحكم الشرع:

فذهب أهل العدل - وهم القائلون بأنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب - وهم المعتزلة : إلى أنّ حسن هذه الأشياء كالصدق النافع والإنصاف، ورد الوديعة، وشكر المنعم، مستفاد من العقل، والعلم به (1)ضروري، وكذلك قبح الظلم (2)، والكذب الضارّ، وتكليف ما لا يطاق، والفساد.

وخالفهم في ذلك جماعة الأشاعرة وزعموا أنّ حسنها وقبحها إنّما هو بالسمع (3).

وسيأتي حجّة كلّ واحد من الفريقين إن شاء الله تعالى.

قال (أدام الله أيامه): «لنا : إنّ العلم الضروري حاصل بما قلناه فالمنازع(4) مكابر، ولهذا يحكم به من لا يعتقد شرعاً.

ولأنّ القول بنفي الحسن والقبح العقليين يقتضي رفع الأحكام الشرعية، لأنا لو جوّزنا صدور القبيح من الله تعالى لم يبق الوثوق بوعده ووعيده، ولجاز إظهار المعجزة على يد الكاذب، ولجاز تعذيب المؤمن على إيمانه وإثابة الكافر على كفره والتوالي باطلة(5) بالإجماع .(6)

ص: 262


1- في ب، ج، د، ه: بذلك.
2- في ب، ج، د، ه: (بعضها كالظلم).
3- في ب ، ج ، د، ه: (مستفاد من السمع).
4- في ب، ج، د، ه: والمنازع.
5- في ب، د، ه: باطل.
6- نهج المسترشدين في أصول الدين 50 - 51 الفصل الثامن

أقول: تقرير حجّة المعتزلة من وجوه:

[الوجه] الأوّل: إنّا نعلم بالضرورة حسن الصدق النافع، والإنصاف، وردّ الودائع، وشكر المنعم، وقبح الكذب الضارّ، وتكليف ما لا يطاق،

كتكليف الأعمى نقط المصحف، والزمن بالمشي، والأخرس بالكلام، ولا يحتاج في حسن هذه الأشياء وتقبيحها إلى شرع، ولهذا يحكم بما قلناه من لا يتدين بالشرائع كالبراهمة.

الوجه الثاني: إنّهما لو كانا شرعيين لم يقبح من الله تعالى شيء، والتالي باطل، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية: ظاهر.

وأمّا بيان بطلان التالي: فلأنه لو حسن منه جميع الأشياء لحسن منه إظهار المعجزة على يد الكاذب فتنتفي فائدة النبوّة، وهو مؤدّي(1) إلى إبطال الشرائع، وهو باطل إجماعاً.

الوجه الثالث: لو لم يقبح منه شيء، لم يقبح منه الكذب، والتالي باطل، فالمقدّم مثله.

بیان الملازمة ظاهر.

وبيان بطلان التالي: أنه لو حسن منه الكذب لانتفت فائدة التكليف، إذ كذبه يؤدّي إلى عدم الوثوق بوعده ووعيده .

الوجه الرابع: لو حسن منه جميع الأشياء، لحسن منه تعذيب المؤمن على إيمانه، وإثابة الكافر على كفره، والتالي باطل، فالمقدّم مثله.

ص: 263


1- في ب، د، ه: يؤدّي.

والشرطية: ظاهرة.

وبيان بطلان التالي: بالإجماع.

الوجه الخامس لو لم يكونا معلومين قبل ورود الشرع لاستحال العلم بهما

بالشرع، لاستحالة ورود الشرع على ما ليس بمتصوّر ولا معلوم بالضرورة.

قال (أدام الله أيامه): «احتجّت الأشاعرة بأنّ الضروريات لا تفاوت بينها، ونحن نجد تفاوتاً بين العلم بحسن الصدق وقبح الكذب، وبين العلم باستحالة اجتماع النقيضين. ولأنّ الكذب يحسن إذا اشتمل على تخليص النبي علیه السلام ، أو على الصدق، كمن يقول: «أنا أكذب غداً».

ولأنه تعالى كلّف الكافر بالإيمان مع علمه بعدم صدوره عنه، ولأنه تعالى كلّف أبا لهب بالإيمان، وهو تصديق الله تعالى في جميع ما أخبر به، ومن جملته أنه لا يؤمن» .(1)

أقول: لما فرغ من تقرير حجّة المعتزلة، شرع في بيان شبهة الأشاعرة. وهي من وجوه:

[الوجه] الأوّل: إنّ علمنا بحسن الصدق وقبح الكذب لو كان ضرورياً لم يبق فرق بينه وبين علمنا باستحالة اجتماع النقيضين والتالي باطل، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : إنّ الضروريات لا تفاوت بينها.

وبيان بطلان التالي : أنا نجد بينهما تفاوتاً .(2)

ص: 264


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 51 الفصل الثامن.
2- العبارة في ب، ج، د، ه: (... باستحالة اجتماع النقيضين، ونحن نجد تفرقة ضرورية (تفاوتا) بينهما).

الوجه الثاني: إنّ الكذب يحسن إذا اشتمل على تخليص النبي علیه السلام من المهالك، أو لكونه مشتملاً على الصدق كمن يخبر بأنه يكذب في الغد.

الوجه الثالث: إنّه تعالى كلّف الكافر بالإيمان، وهو يعلم بأنّ الكافر لا يقع منه إلّا الكفر (1)، فلو كان تكليف ما لا يطاق قبيحاً لما كلّفه به .(2)

الوجه الرابع : إنّه تعالى كلّف أبا لهب بالإيمان، وهو التصديق بجميع ما جاء به النبي علیه السلام ، ومن ، ومن جملة ما جاء به النبي علیه السلام أنه لا يؤمن، [فيكون الله تعالى كلّف أبي لهب بأنّه يؤمن، وبأنّه لا يؤمن](3) ، فالجمع بين الإيمان وعدمه محال، فيكون الله تعالى قد كلّف بالمحال، وهو تكليف ما لا يطاق.

قال (أدام الله أيامه): «والجواب: بمنع المقدمتين في الأوّل، وحسن التخليص لا يقتضي حسن الكذب، فالإخبار المشتمل على الكذب من حيث أنه كذب قبيح، ومن حيث اشتماله على التخلّص حسن، فما هو قبيح لا ينقلب حسناً، وبالعكس. وكذا الوعد بالكذب حسن من حيث إخراج الوعد عن الكذب، وقبيح من حيث هو كذب. والعلم غير مؤثر في القدرة، وإخباره عن أبي لهب بأنه لا يؤمن وقع بعد موته» (4).

أقول: لما فرغ من تقرير حجّة (5)الأشاعرة، شرع في بيان تقرير (6)الجواب

ص: 265


1- في ب، ج، د، ه: (لا يقع منه الإيمان).
2- (فلو كان تكليف ما لا يطاق قبيحاً لما كلّفه به) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- أثبتناه من ب، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 51 الفصل الثامن.
5- في ب، ج، د، ه: شبهة.
6- (بيان تقرير) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

عنها.

فأما الجواب عن الأوّل: إنّا نمنع من الفرقية(1) بين استحالة اجتماع النقيضين، وبين حسن الصدق

قولهم: نحن نجد تفاوتاً بينهما»، [قلنا]: ممنوع أيضاً !

سلّمنا ،الفرقية، لكن الضروريات قد يكون بعضها أجلى من بعض عند العقل، فإنّ كون الواحد نصف الاثنين أجلى من كون نور القمر مستفاد من نور

الشمس .(2)

وعن الثاني: إنّ حسن تخليص النبي علیه السلام من المهالك لا يقتضي حسن الكذب، فالإخبار المشتمل على الكذب قبيح من حيث أنه كذب، ومن حيث

اشتماله على التخليص حسن، فما هو قبيح لا ينقلب حسناً، وما هو حسن لا ينقلب قبيحاً، وكذلك الوعد والوعيد بالكذب حسن من حيث أنه يخرج الوعد

من الكذب، وقبيح من حيث هو كذب.

وعن الثالث: إنّ العلم لا يؤثر في المعلوم، فالله تعالى كلّف الكافر الإيمان من حيث أنّ الإيمان ممكن الوقوع لا من حيث علمه تعالى بأنه لا يؤمن.

وعن الرابع: إنّ الله تعالى أخبر بأنّ أبا لهب لا يؤمن كان بعد موته(3)،

ص: 266


1- في ب، د، ه: الفرق.
2- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (سلّمنا الفرق، لكن الضروريات قد يكون بعضها أجلى من بعض عند العقل، فإنّ كون الواحد نصف الاثنين أجلى من غيره من العلوم الضرورية، مع أنها لا تخرج بحصول التفاوت من أن تكون ضرورية).
3- العبارة في ب ج د ه: (إنّ الله تعالى أخبر عن أبي لهب بأنه لا يؤمن، وهذا الخبر نزل بعد موته).

فلا يكون قد كلّفه بأن يؤمن، وبأنّه لا يؤمن فلا يكون تكليف ما لا يطاق.

[بحث في نفي القبيح عنه]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثالث: في أنّه تعالى لا يفعل القبيح ولايخلّ بالواجب:

خلافاً للأشعرية.

لنا: إنّه تعالى غنيّ بذاته عن القبيح، وعالم به، وهو حكيم، فيعلم قطعاً انتفاؤه عنه لوجود الصارف، وهو علمه بقبحه، وانتفاء الداعي، وهو داعي الحاجة، أو داعي الحكمة».(1)

أقول: لما فرغ من بيان الحسن والقبح وبيّن أنهما عقليان، شرع في بيان أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب.

واستدل على ذلك: بأنّ الله تعالى غنيّ عن القبيح لذاته، لما مرّ من أنه تعالى غنيّ، وهو أيضاً عالم به، عالم به، لما بيناه من أنه تعالى عالم بكل المعلومات، واستغناء الحكيم عن القبيح وعلمه به يقتضيان استحالته منه بالضرورة، لأنّ الصارف وهو علمه بقبحه موجود، والداعي منتفي، لأنّ الداعي إما أن يكون داعي الحكمة، أو داعي الحاجة.

أمّا بيان الحصر: فلأنّ الدّاعي إمّا أن يكون بحسب العقل، أو بحسب الطبع، والأوّل هو داعي الحكمة، والثاني هو داعي الحاجة وكلاهما منتفيان عنه.

ص: 267


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 51 الفصل الثامن.

أما انتفاء (داعي الحكمة)، فلأنّ الحكمة لا تدعو إلى فعل القبيح، وأمّا انتفاء (داعي الحاجة)، فلأنّ الله تعالى غير محتاج لما تقدم، وهذا مذهب المعتزلة.

وأمّا الأشاعرة، فقد منعوا من ذلك، وسيأتي احتجاجهم والجواب عنه في ما بعد إن شاء الله تعالى.

قال (أدام الله أيامه): «احتجوا بأنه تعالى كلّف الكافر، ولا وجه له في الحسن» .(1)

أقول: هذه حجّة الأشاعرة.

وتقريرها : أنّه كلّف الكافر الإيمان، وهو عالم بعدم صدوره منه فلا يكون له وجهاً في الحسن، لأنه تعالى لما كلّف الكافر بالإيمان، فتكليفه به إما أن يكون لا لفائدة، وهو محال على الله تعالى لأنه عبث، وإما أن يكون لفائدة، وهو محال ، لأنّ تلك الفائدة إمّا أن تكون لأجل نفع، أو لأجل ضرر، والثاني محال لأنه قبيح، والأوّل إما أن يعود إلى الله أو إلى الكافر، والأوّل محال لأنه غنيّ، والثاني محال لأنه تعالى عالم بعدم إيصال ذلك إليه، أو إلى غير الكافر وهو محال، لأنّ إيلام رجل لأجل إيصال النفع إلى آخر قبيح جداً .(2)

قال (أدام الله أيامه): «والجواب المنع من انتفاء الحسن، فإنّ تعريض المكلّف

ص: 268


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 51 الفصل الثامن.
2- العبارة في ب، ج، د، ه: (... والثاني محال لأنّ التكليف لأجل إيصال الضرر قبيح، والأوّل محال أيضاً، لأنّ ذلك النفع إما أن يكون عائداً إلى الله تعالى، أو إلى العبد، أو إلى الغير، والأوّل محال لأنّه غنيّ، والثاني محال لأنّ الله تعالى عالم بعدم إيصال ذلك إليه، والثالث محال أيضاً، لأنّ إيلام شخص لأجل إيصال النفع إلى آخر قبيح جداً).

للمنافع أمر مطلوب حسن وهو كما يثبت في حق المسلم يثبت في حق الكافر» .(1)

أقول: لما فرغ من بيان ،شبهتهم، شرع في بيان الجواب عنها.

وتقريره: المنع من قولهم: «لا وجه له في الحسن»، فإنّ تعريض المنافع للمكلّف حسن(2)، بمعنى أنه جعله متمكناً من إيصال النفع إليه، وذلك موجود في حق الكافر كما هو موجود في حق المسلم.

[بحث في خلق الأعمال]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الرابع: في خلق الأعمال:

ذهبت المعتزلة : إلى أنّ للعبد قدرة مؤثرة في الفعل الصادر عنه.

وذهبت الأشعرية إلى أنّ المؤثر هو الله تعالى، وأنه تعالى يخلق القدرة والفعل معاً، وليس للعبد فيه أثر البتة، وإنما للعبد الكسب لا غير.

لنا: أنا نعلم بالضرورة الفرق بين أفعالنا الاختيارية والاضطرارية، ولا فارق إلّا القدرة. ولأنه يحسن منا مدح المطيع وذم العاصي، وذلك يتوقف على استناد الفعل إليهما.

وهذا دليل على كون العلم باستناد الفعل إلينا ضرورياً لا على العلم بالاستناد» .(3)

ص: 269


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 52 الفصل الثامن.
2- العبارة في ب، ج، د، ه: (وتقريره إنا لا نسلّم أنّه لا وجه له في الحسن، فإنّ تعريض المكلّف للمنافع حسن).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 52 الفصل الثامن.

أقول: اختلف الناس في خلق الأفعال:

فذهبت الأشاعرة إلى أنّ العبد ليس له تأثير في الفعل البتة سوى الكسب، واختلفوا في الكسب:

فذهب أبو الحسن الأشعري (1): إلى أنّ كون العبد (2)له كسب في الفعل، إنّ الله تعالى أجرى العادة بأنّ العبد متى اختار الطاعة فعلها فيه وفعل القدرة عليها، والعبد متمكّن من الاختيار وعدمه.

وذهب فريق من أصحابه إلى أن معنى الكسب، هو أنّ للقدرة تأثيراً في كون الفعل طاعة، أو معصية، أو عبثاً، وأنّ الثواب والعقاب إنّما هما على هذه الصفات.

وذهب آخرون منهم إلى أن معنى الكسب هو : أن القدرة الحادثة لها أثر ، وذلك الأثر غير معلوم

وذهبت المعتزلة : إلى أنّ مؤثر الفعل هو العبد، واختلفوا في ذلك:

فذهب أبو الحسين البصري (3): إلى أنّ العلم بذلك ضروري؛ واختاره شیخنا (دام ظله)، وهو الأولى !

وذهب جماعة من الإمامية والزيدية: إلى أن العلم بذلك كسبي.

لنا على ما ذهبنا إليه وجوه:

ص: 270


1- أبو الحسن الأشعري علي بن إسماعيل بن إسحاق، تقدم.
2- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (فقال أبو الحسن الأشعري: إن معنى كون العبد).
3- محمّد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تقدّم.

الأوّل: أنّه يحسن منّا مدح المطيع على فعل الطاعة، وذمّ العاصي على فعل المعصية، وذلك إنّما يحسن أن لو كان الفعل مستنداً إلى المطيع والعاصي.

الثاني: أنا نعلم بالضرورة الفرق بين أفعالنا الاختيارية والاضطرارية، ولا فارق بينها إلا القدرة .

الثالث: إنّ العبد مأمور بفعل الطاعة ومنهي عن فعل المعصية، ولولا استناد الفعل إليه لاستحال أمره ونهيه هذا من طريق العقل، أما من طريق السمع فآيات كثيرة لا تحصى.

[وقوله: «وهذا دليل على كون العلم باستناد الفعل إلينا ضرورياً لا على العلم بالاستناد جواب عن سؤال مقدّر.

وتقريره أنه إذا كان استناد الفعل إلى العبد ضرورياً، فكيف يستدلّون عليه؟!

وتقرير الجواب: إنّ هذا ليس دليلاً على استناد الفعل إلينا، ولكنه دليل على كون العلم باستناد الفعل إلينا ضرورياً، فاختلف الموضوع].(1)

قال (أدام الله أيامه): «احتجوا بأنّ ما علم الله تعالى وقوعه وجب، وما علم عدمه امتنع فلا قدرة ولأنّ الفعل حال استواء الداعي محال، وحال الترجيح يجب الراجح ويمتنع المرجوح، فلا قدرة. ولأنّ العبد لو كان قادراً لكان ترجیحه لأحد الطرفين: إن كان لا لمرجّح أنسد باب إثبات الصانع تعالى، وإن

ص: 271


1- أثبتناه من ب ج . وفي د، ه: (قوله وهذا دليل على كون العلم باستناد الفعل إلينا ضرورياً لا على العلم بالاستناد. اختلف الموضوع).

كان لمرجّح، فإن كان من العبد تسلسل، وإن كان من الله تعالى، فعند حصول ذلك المرجّح يجب الفعل، وعند عدمه يمتنع ، فلا يكون مقدوراً» (1). أقول: لما فرغ من بيان المذاهب واستدلّ على مذهبه، شرع في بيان شبهة الأشاعرة.

:فمنها أنهم قالوا ما علم الله تعالى أنه يقع كان وقوعه واجباً، وما علم أنه لا يقع كان وقوعه ممتنعاً، وذلك ينافي كون العبد قادراً، لأنّ الواجب والممتنع لا

قدرة عليهما.

ومنها أنّهم قالوا الفعل إمّا أن يتساوى طرفا الدّاعي وعدمه [فيه](2)، أو يترجح أحدهما على الآخر، فإن يتساويا استحال وقوعه لاستحالة ترجيح أحد طرفي المتساويين من غير مرجّح، وإن ترجّح أحدهما على الآخر وجب وقوع الراجح ويمتنع المرجوح ، ولا قدرة على الواجب والممتنع كما قلناه.

ومنها أنّهم قالوا لو كان العبد قادراً على إيجاد الفعل، لكان ترجيحه لأحد طرفي الوجود والعدم إما أن يكون لمرجّح أو لا لمرجح، والثاني باطل، وإلاّ لزم منه انسداد باب إثبات الصانع تعالى، لأنّ ذلك يوجب استغناء المحدث عن المؤثر (3)، وإن كان المرجّح ، فإن كان من العبد تسلسل، وإن كان من الله تعالى فعند حصوله يجب الفعل، وعند عدمه يمتنع ، فلا قدرة للعبد.

ص: 272


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 52 الفصل الثامن.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- (لأنّ ذلك يوجب استغناء المحدث عن المؤثر) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

قال (أدام الله أيامه): «والجواب عن الأوّل: أنّ الوجوب والامتناع لاحقان، فلا يؤثّران في الإمكان الذاتي.

وعن الثاني: أنّ إمكان الفعل من حيث هو هو، لا باعتبار تساوي الطرفين ولا باعتبار الرجحان

وعن الثالث: أنّ القادر يرجح أحد مقدوريه لا لمرجّح.

ومع ذلك فهذه الوجوه عائدة في حقه تعالى، وواردة على ما يعلم(1) بطلانه بالضرورة » .(2)

أقول: لما فرغ من بيان شبهة الأشاعرة، شرع في الجواب عنها:

فالجواب عن الأوّل: إنّ الوجوب والامتناع من لواحق الفعل لا يؤثران في إمكانه، بل نأخذ الفعل من حيث هو هو، لا باعتبار علم الله تعالى بوقوعه

وعدم علمه، وقد بيّنا هذا في ما تقدّم.

والجواب عن الثاني: إنّ قدرة العبد على إيجاد الفعل لا باعتبار الترجيح، ولا باعتبار تساوي دواعيه .(3)

والجواب عن الثالث: إنّ القادر له (4)أن يرجّح أحد مقدوريه لا لمرجّح، كما يرجّح الماشي أحد الطريقين المتساويين [لا لمرجح](5)، وكذلك الآكل فإنّه

ص: 273


1- في ب، ج، د، ه: علم.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 52 الفصل الثامن.
3- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (... ولا باعتبار تساوي طرفيه، بل من حيث هو هو).
4- في ب، ج، د، ه: (إنّ للقادر).
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

يرجح أحد الرغيفين المتساويين ولا يحتاج إلى مرجّح.

وأيضاً فإنّا نعارضهم، فنقول: الله تعالى لو كان قادراً على فعل، فإما أن يتساوى طرفا داعيه وعدمه أو يترجّح ، فلا قدرة حينئذ (1).

وأيضاً: لو كان الله تعالى قادراً على إيجاد الفعل، لكان ترجيحه لأحد طرفي الوجود والعدم إما [أن يكون] (2)لمرجّح أو لا لمرجّح، وسيأتي التقسيم، ومع المعارضة بها في حقه تعالى فإنّها تردّ في ما علم بطلانه بالضرورة.

[بحث في أنّه مريد]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الخامس: في أنّه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي:

خلافاً للأشعرية .

لنا: أنّ له تعالى داعياً إلى الطاعات وصارفاً عن المعاصي، لأنه تعالى حكيم والطاعة حسنة والمعصية قبيحة، فيكون مريداً للحسن وكارها للقبيح(3) لحكمته.

ص: 274


1- العبارة في ب، ج، د، ه: (وأيضاً : فإنّا نعارضهم فنقول: الله تعالى لو كان قادراً على فعل، فإنّه يعلم بوقوعه أو بعدم وقوعه فإن علم بوقوعه أو بعدم وقوعه فيجب، أو يمتنع ولا قدرة عليها، وكذلك أنّ الله تعالى لو كان قادراً، فإما أن يتساوى طرفا داعيه وعدمه أو يترجّح، فلا قدرة).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في المصدر : للمعاصي.

ولأنه أمر بالطاعة ونهى عن المعصية، والأمر يستلزم الإرادة، والنهي الكراهة.

احتجوا بأنه لو كان مريداً للطاعة من الكافر لكان مغلوباً، إذ الكافر أراد المعصية، والله تعالى أراد الطاعة، والواقع مراد الكافر، فيكون الله تعالى مغلوباً.

والجواب: إنّ الله تعالى أراد صدور الطاعة من الكافر اختياراً لا قهراً» (1).

أقول: اختلف الناس في أنّ الله هل هو مريد للطاعات وكاره للمعاصي أم لا:

فذهب الأشاعرة : إلى أنّ كلّ ما يقع سواء كان معصية، أو طاعة فهو مراد لله تعالى.

وذهبت المعتزلة : إلى أنه تعالى إنّما يريد الطاعات لا غير. وهو الحق !

لنا [على ذلك]((2)حجج:

الحجّة الأولى: إنّ الله داعياً إلى فعل الطاعات وصارفاً عن فعل المعاصي، وكلّ من كان هذا دأبه كان مريداً للطاعات وكارهاً للمعاصي، أمّا أنّ له داعياً إلى الطاعات وصارفاً عن المعاصي فلحكمة، لأنّ كلّ حكيم هذا دأبه، لأنّ الطاعة حسنة والمعصية قبيحة والله تعالى لا يريد القبيح.

الحجّة الثانية: إنّه تعالى لو أراد القبيح لكان فاعلاً للقبيح، لأنّ إرادة القبيح قبيحة، والتالي باطل لما بيّناه في ما مرّ، والمقدّم مثله، والشرطية ظاهرة.

ص: 275


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 53 الفصل الثامن.
2- أثبتناه من ب ، ج ، د، ه

الحجّة الثالثة: قوله تعالى: إنّ الله لا يرضى لعباده الكفر (1)، وعدم الرضا يدلّ على كراهته، وقوله تعالى حين عدد الفواحش: «كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيْتُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً»(2)، وقوله تعالى: «إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ»(3)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كراهيته للمعاصي.

[الحجّة الرابعة: إنّه تعالى أمر بفعل الطاعات ونهى عن المعاصي، والأمر بالشيء يستلزم إرادته، والنهي عن الشيء يستلزم كراهيته](4) .

احتجّت الأشاعرة بأنه تعالى لو كان مريداً للطاعة من الكافر لكان مغلوباً، لأنه لم يطع. والتقدير أنّ الله تعالى يريد طاعته، فيكون الله تعالى مغلوباً،

تعالى الله عن ذلك.

والجواب: إنّه تعالى يريد الإيمان اختياراً لا اضطراراً، فلا يكون موصوفاً بالمغلوبية.

ص: 276


1- قوله تعالى في سورة الزمر آية (7): «وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ» .
2- سورة الإسراء : 38.
3- سورة الحج: 38.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

[الفصل التاسع]

[في فروع العدل]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «الفصل التاسع: في فروع العدل:

وفيه مباحث:

[بحث في التكليف]

الأوّل: التكليف : هو (1)إرادة من يجب طاعته ما فيه مشقة ابتداءً بشرط الإعلام وهو حسن، لأنه من فعله تعالى. ووجه حسنه ليس نفعاً عائداً إليه تعالى ولا إلى غيره، لقبح تكليف شخص لنفع غيره، ولا دفع ضرر عن المكلّف، ولا جلب نفع إليه، لتحققه في حق الكافر مع انتفاء الغرض. فتعين أن يكون للتعريض الحصول النفع الذي لا يمكن الابتداء به» .(2)

أقول: لما فرغ من أقسام العدل، شرع في [البحث عن](3)فروعه.

ص: 277


1- لا يوجد في المصدر، ب، ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين : 54 الفصل التاسع .
3- أثبتناه من ب ، ج ، د، ه .

فمنها : التكليف، وقد حدّه جماعة المعتزلة بما حدّه شيخنا (دام ظلّه)، وهو: إرادة من تجب طاعته ما فيه مشقة ابتداءً بشرط الإعلام.

و(الإرادة) كالجنس، وإنّما قال: «إرادة»، ولم يذكر (1)أمراً ولا نهياً، [لأنه أعم](2)، لأنه يدخل فيها التكاليف العقلية.

وقولنا: «من يجب طاعته» فصل له عن إرادة غير واجب الطاعة، فإنّه لا يسمّى تكليفاً وقولنا «من يجب طاعته»، يدخل فيه طاعة العبد الله تعالى

ولرسوله، وللإمام، والوالد، والسيّد، والمنعم، وغير ذلك ممن تجب طاعتهم.

وقولنا: «ما فيه مشقة، احترازاً عن الأشياء التي لا مشقة فيها، فإنّ التكليف مأخوذ من الكلفة، وهي، المشقة.

وقولنا : «ابتداءً»، فصل يحترز به عما كان مقدّماً (3)عن أمره، كالسيد إذا أمر عبده بالصلاة والصوم، فإنّه لا يسمّى تكليفاً، لكونه غير مبتدأ [به](4)، لأنّ إرادة الله سبحانه وتعالى سابقة عليه.

وقولنا: بشرط الإعلام فصل آخر يحترز به عن المكلّف الذي لا يعلم ما أراده المكلف .(5)

إذا عرفت هذا، فاعلم!

إن المعتزلة والبراهمة اختلفوا في حسنه:

ص: 278


1- في ب، ج، د، ه: يقل.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه، وفي المخطوطة يوجد شطب.
3- في ب، ج، د، ه: متقدماً.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (وقولنا : بشرط الإعلام، فصل آخر يحترز به عما إذا أراد ولم يعلم المكلّف).

قالت المعتزلة: هو حسن، ومنعه البراهمة!

احتجت المعتزلة : بكونه من فعل الله تعالى، فلو كان قبيحاً كان الله تعالى يفعل القبيح !

واحتجت البراهمة بأنّ التكليف إن وقع حال وقوع الفعل لزم التكليف بتحصيل ،الحاصل وإن كان قبله كان بالفعل حال عدمه، وهو جمع بين النقيضين ! لأنه تكليف بإيجاد الفعل حال عدم الفعل.(1)

والجواب: إنّ التكليف وقع قبل الفعل وليس جمعاً بين النقيضين، لأنه لا يريد منه الفعل حال عدمه، بل يريد منه الفعل في ثاني الحال، ووجه حسن!(2)

التكليف إنّما هو التعريض للمنافع [التي لا يمكن الابتداء بها](3)، لأنه ليس نفعاً عائداً إلى المكلّف، لأنّ الله تعالى غير محتاج إلى نفع [ولا نفع عائداً إلى العبد] (4)، لأنّ تكليف شخص لنفع غيره قبيح، ولا دفع ضرر عن المكلّف، ولا جلب نفع له، لدخول الكافر، فبقى أن يكون وجه حسنه إنما هو التعريض للثواب الذي لا يمكن الابتداء به (5).

ص: 279


1- (وهو جمع بين النقيضين ! لأنه تكليف بإيجاد الفعل حال عدم الفعل) لا يوجد في ب ، ج ، د، ه
2- في حاشية المخطوطة يوجد : (وفيه نظر ! فإنّ ثاني الحال إمّا أن يكون موجوداً أو معدوماً، فإنّ كان موجود لزم تحصيل الحاصل، وإن كان معدوماً لزم الجمع بين النقيضين، ووجه حسن).
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- أثبتناه من حاشية المخطوطة.
5- العبارة في ب، ج، د، ه: (... لأنه ليس نفعاً عائداً إلى المكلّف، لأنه تعالى غني عن النفع، ولا إلى المكلّف، ولا دفع الضرر عنه، وإلا لدخل فيه الكافر، ولا إلى غيره، لأنّ تكليف شخص لنفع غيره قبيح، فبقى أن يكون وجه حسنه إنّما هو التعريض للثواب الذي لا يمكن الابتداء به).

[في وجوب التكليف]

قال (أدام الله أيامه): «وهو واجب، خلافاً للأشعرية، وإلا لكان الله تعالى مغرياً بالقبيح، والتالي ،باطل لأنّ الإغراء بالقبيح قبيح، والله تعالى لا يفعل

القبيح .(1)

وبيان الشرطية: إنّ المكلّف فيه ميل إلى فعل القبيح ونفور عن فعل الحسن، فلو لم يقرّر في عقله وجوب الواجب ويكلّفه به، وقبح القبيح ويكلّفه بتركه لزم الإغراء بالقبيح» .(2)

أقول: اختلف الناس في وجوب التكليف على الله تعالى:

فأوجبه المعتزلة، ومنعه الأشاعرة.

احتجت المعتزلة: بأنّ الطبيعة لها طلب (3)إلى فعل القبيح، ونفور عن فعل الحسن، فلولا وجوب التكليف ليعرف المكلّف المأمور به فيتبعه(4)، والمنهي عنه فينفر عنه (5)، وإلا لكان إغراء بالقبيح [وهو باطل ! لأنّ الإغراء بالقبيح قبيح].(6)

احتجّت الأشاعرة بأنّ المكلّف هو الشارع، ولا حكم عليه.

ص: 280


1- (والله تعالى لا يفعل القبيح ) لا يوجد في المصدر، ج، د.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 54 الفصل التاسع.
3- في ب، ج، د، ه: ميل.
4- في ب، ج، د، ه: فيفعله.
5- في ب، ج، د، ه: فيتركه.
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

والجواب ليس المراد بكون التكليف واجباً على المكلّف هو الوجوب الشرعي، بل استحقاق المكلّف للثواب.

قال (أدام الله أيامه): «وشرط التكليف: علم المكلف بصفة الفعل، وبالقدر (1)المستحق به من الثواب وقدرته على إيصاله، واستحالة فعل القبيح عليه، وإمكان الفعل، وكونه مما يستحق به الثواب كالواجب والمندوب، وترك القبيح، وقدرة المكلّف على الفعل، وتميّزه بين ما كلّف به وبين ما لم يكلفه به.(2)

و هو ينقسم إلى: علم، وظنّ، وعمل».(3)

أقول: يشترط في التكليف سبعة أمور.

أ -(4) علم المكلّف بصفة الفعل لجواز أن يكلّف بشيء لا يستحق به ثواب البتة.

ب - علمه بالقدر (5)المستحق من الثواب لجواز إيصال (6)البعض فيكون ظلماً.

ج - قدرته على إيصال ذلك القدر المستحق، وإلا لكان ظلماً أيضاً.

د - كون فعل القبيح مستحيلاً في حقه، وإلا لجاز منه إيصال بعض الثواب

ص: 281


1- في المصدر، ب: ( وبقدر)، وفي د، ه: (وبقرب).
2- (وتميّزه بين ما كلّف به وبين ما لم يكلّفه به) لا يوجد في المصدر، ب، ج، د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 54 الفصل التاسع.
4- في ب، ه أثبت هكذا الأوّل / الثاني / الثالث
5- في ب: (بقدره)، وفي د، ه: (بقدر).
6- فى ب، د، ه: إيصاله

[أو تركه] (1)، فيكون ظلماً .

ه - كون الفعل ممكناً، لاستحالة التكليف بما لا يطاق.

و - كون الفعل مما يستحق به الثواب كالواجب، والمندوب، وترك القبيح.

ز - قدرة المكلّف من الفعل احترازاً عن التكليف بما لا يطاق .(2)

ثمّ (التكليف) ينقسم إلى علم، وإلى ظنّ، وإلى عمل.

أ - (3)العلم : ومنه عقلي محض كإثبات الصانع، وسمعي محض كالواجبات السمعية، ومنه عقلي وسمعي كالوحدانية.

ب - الظنّ : وهو سمعي محض ، كالظنّ بجهة القبلة عند الاشتباه.

ج - العمل : إما عقلي كردّ الوديعة، أو سمعي كالصلاة.

[بحث في اللطف]

قال (أدام الله أيامه ) : «البحث الثاني: في اللّطف

وهو ما يقرب معه من فعل الطاعة ويبعد عن المعصية، ولم يكن له حظ في التمكّن» .(4)

أقول: هذا حدّ اللّطف.

ص: 282


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- العبارة في ب، د، ه: (قدرة المكلّف على الفعل، وإلا لزم التكليف بما لا يطاق).
3- في ب أثبت هكذا: الأوّل / الثاني / الثالث..
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 55 الفصل التاسع.

فقولنا : «ما يقرب معه من فعل الطاعة ويبعد عن المعصية»، جنس.

وقولنا: ولم يكن له حظ في التمكّن»، فصل، ليخرج عنه الآلات البشرية، فإنّها وإن كان العبد معها أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية، إلّا أنّ لها

حظ في التمكّن.

وقوله (دام ظلّه): «ما يقرب»، أي: ما يقرب المكلّف.

وقوله: «معه»، إشارة إلى اللّطف.

قال (أدام الله أيامه): «وهو واجب، خلافاً للأشعرية، وإلا لكان نقضاً لغرضه تعالى في التكليف، لأنه تعالى أراد الطاعة من العبد، فإذا علم أنه لا يختارها أو لا يكون أقرب إليها إلّا عند فعل اللطف، فلو لم يفعله تعالى كان ناقضاً لغرضه، وهو نقص، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً» .(1)

[أقول : اختلف الناس في وجوب اللطف:

فأوجبه المعتزلة، ومنعه الأشاعرة.

لنا: إنّه لو لم يكن واجباً، لكان الله تعالى ناقضاً لغرضه، والتالي باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية: إنّه تعالى إذا كلّف العبد بفعل، وعلم أنه لا يفعله إلّا عند حصول أمر بفعله، فلو لم يفعله لكان الله تعالى ناقضاً لغرضه، وكل من كان ناقضاً لغرضه كان ناقصاً، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

احتجّت الأشاعرة : بأنه لو وجب اللطف لوجب على الله تعالى فعله في

ص: 283


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 55 الفصل التاسع.

كلّ مكلّف بما يقع معه الإيمان والطاعة، فلم يبق كفر ولا فسوق ولا عصيان.

والجواب: إنّ اللّطف ليس لطفاً بذاته، بحيث يكون متساوياً في كلّ أحد، بل إنّما يكون اللطف لطفاً لأجل اقتران أمور المكلّف، فإن كان قابلاً للخير والإصلاح والإيمان كان الفعل لطفاً له، وإلا فلا.

قال (أدام الله أيامه): «واللطف إن كان من فعل الله تعالى وجب فعله عليه وان كان من فعل المكلّف وجب عليه تعالى أن يعرفه إياه، وأن يوجبه عليه، وان كان من فعل غيرهما لم يجز أن يكلّفه الله تعالى الفعل الملطوف فيه، إلّا بعد أن يعلم أنّ ذلك الغير يفعله لا محالة، إذ لا يصح أن يوجبه على ذلك الغير لأجل مصلحة تعود إلى غيره إلا أن يكون له فيه مصلحة، كما أوجب على النبي علیه السلام أداء الرسالة لنفع الغير، ونفعه (عليه السلام)» .(1)(2)

أقول : اللّطف ينقسم إلى : ما هو من فعل الله تعالى، وإلى ما هو من فعل المكلّف، وإلى ما هو من فعل الغير.

فالذي من فعل الله تعالى يجب عليه فعله لما بيناه.

والذي من فعل المكلّف، يجب على الله تعالى أن يبيّنه ويظهره له ويوجبه عليه.

وإن كان من فعل الغير، لم يجز لله أن يكلّف الغير به(3)، إلّا إذا علم الله تعالى أنه يفعله لا محالة، لأنه تعالى لا يصح أن يكلّف أحد لأجل مصلحة تعود

ص: 284


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 55 الفصل التاسع.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه، وقد سقطت من المخطوطة ورقة كاملة.
3- في ب، ج، د، ه: (أن يكلّفه).

إلى غيره (1)، إلّا أن يكون لذلك المكلّف (2)فيه مصلحة أيضاً، كالنبي صلی الله علیه و آله وسلم في أداء الرسالة، لأنه علیه السلام له فيه مصلحة.

[بحث في الآلام]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثالث: في الآلام:

وهي ضربان قبيح، وحسن.

فالقبيح من فعلنا خاصة، والعوض فيه علينا.

والحسن: إما من فعلنا مع الإباحة كذبح الحيوان، أو مع ندبه كالأضحية، أو وجوبه كالهدى، والعوض في ذلك كلّه على الله تعالى. وإما من فعله تعالى، إمّا الاستحقاق كالعقاب، أو ابتداءً كالآلام المبتدئة في الدنيا، إما للمكلّف أو لغيره كالأطفال.

ووجه حسنها العوض الزائد بحيث يختاره المكلّف مع الألم لو عرض عليه، واللطف معاً، إما للمتألم أو لغيره.

فبالعوض الزائد يخرج عن الظلم، وباللطف يخرج عن العبث» .(3)

أقول: قد مضى في ما تقدّم تعريف الألم فلا حاجة إلى ذكره، لأنه تطويل من غير فائدة زائدة .(4)

ص: 285


1- العبارة في ب، ج، د، ه: ( لأنه تعالى لا يصح أن يوجبه على الغير الأجل....).
2- في ب، ج، د، ه: الغير.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 55 - 56 الفصل التاسع.
4- (لأنه تطويل من غير فائدة زائدة) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

ثمّ هذا الألم ينقسم إلى قسمين:

قبيح وهو من فعلنا خاصة، دون فعل الله تعالى.

:وحسن وهو مشترك بين الله تعالى وبيننا.

والأوّل: الذي هو القبيح، فالعوض فيه علينا خاصة.

والثاني الذي هو الحسن، قد قلنا أنه يكون من فعلنا، وقد يكون من فعله تعالى.

فالذي من فعلنا ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

أ - (1)المباح ، كذبح الحيوان للأكل (2).

ب - المندوب كذبح الأضاحى .(3)

ج - الواجب، كذبح الهدي، وذبح ما هو واجب بالنذر والكفّارة، وغيرها.

وأعواض هذه كلها على الله تعالى.

والذي من فعله تعالى ينقسم أيضاً : إلى ما هو مستحق كالعقاب، وما هو مبتدء كالآلام التي في دار الدنيا غير المستحق.(4)

ثمّ هذه الآلام، إما أن تكون للمكلّف أو لغيره كالطفل؛ ولا بدّ في هذا القسم من أمرين:

ص: 286


1- في ب أثبت هكذا الأوّل / الثاني / الثالث.
2- في ب، ج، د، ه: المباح.
3- في ب، ج، د، ه: الأضحية.
4- في د، ه: المستحقة.

أ - (1)أن يكون للمتألم في مقابلة ذلك الألم عوض، ويكون(2) ذلك العوض راجحاً على ذلك الألم، ومعنى ذلك كون العوض والألم لو عرضا على المتألم لكان يختار الألم، ليحصل له ذلك العوض في مقابلته، [وهذا وجه حسن].(3)

ب - كون ذلك لطفاً.

فبالأوّل يخرج عن كونه ظلماً، وبالثاني يخرج عن كونه عبثاً، لأنّ الظلم والعبث قبيحان، ويستحيل صدورهما عن الله تعالى.

[في عوض الألم]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الرابع: في الأعواض:

وهو النفع المستحق الخالي من تعظيم وإجلال» .(4)

أقول: هذا حدّ العوض.

فقولنا: «النفع»، كالجنس لكلّ نفع.

وقولنا: «المستحق»، فصل له، ليخرج عنه النفع التفصيلي.

وقولنا: الخالي من تعظيم وإجلال»، فصل آخر، ليخرج عنه الثواب فإنّه(5) نفع مستحق لكن يقارنه تعظيم وإجلال.

ص: 287


1- في ب، ه أثبت هكذا: الأوّل/ الثاني.
2- في ب، ج، د، ه: وكون.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين : 56 الفصل التاسع.
5- في ب، ج، د، ه: (فإنّ الثواب).

قال (أدام الله أيامه): «فالواجب علينا يجب مساواته للألم، والواجب عليه تعالى يجب أن يزيد بحيث يختار المكلّف معه العوض» (1).

أقول: العوض إما أن يكون مساوياً للألم، أو أزيد منه.

فالعوض المساوي: هو الواجب علينا.

والزائد: هو الواجب على الله تعالى.

وإنّما تجب الزيادة في حقه تعالى خاصة ليخرج عن العبث، ويجب على الله تعالى أن يعوّض المتألم عوضاً زائداً على الألم، بحيث لو عُرضا عليه اختار الألم،

ليعوّض بذلك العوض الزائد، لما قلناه.

قال (أدام الله أيامه) : «واختلف العدلية في العوض عن الألم الصادر عن غير العاقل كالسباع:

فبعضهم أوجبه على الله تعالى، لأنه تعالى مكنه وجعل فيه ميلاً إلى الإيلام، ولم يجعل له عقلاً زاجراً عنه، فيجب العوض عليه تعالى.

صلى الله وذهب آخرون إلى أنّ العوض على المؤلم، لقوله صلی الله علیه و آله وسلم : (ينتصف للجماء من القرناء)، والانتصاف إنّما يكون بأخذ العوض من الجاني.

وذهب آخرون إلى سقوط العوض، لقوله صلی الله علیه و آله وسلم : (جرح العجماء جُبَارٌ) .

والجواب: هذان خبرا واحد، مع قبولهما التأويل، فإنّ الانتصاف أعم من أخذ العوض من الجاني أو غيره.

ص: 288


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 56 الفصل التاسع.

وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : (جرح العجماء جُبَارٌ)، معناه: لا يستحق به قصاص. ونحن نقول بموجبه، فإنّ العوض غير القصاص» (1).

أقول: اختلف أهل العدل في الألم الصادر عن غير العاقل على ثلاثة أقوال:

فقال قوم: إنّه لا عوض فيها.

وقال قوم: أنّ العوض على فاعلها .(2)

وقال قوم: أنّ العوض على الله تعالى. وهو الحق!

لنا: إنّه تعالى جعل لها ميلاً طبيعياً شديداً، ولم يجعل لها عقلاً زاجراً عن الإيلام، وكان الله قادراً على منعها وزجرها عن الإيلام(3)، وكل من كان كذلك

كان العوض عليه، وهذا ضروري.

واحتج القائلون بنفي العوض مطلقاً بقوله صلی الله علیه و آله وسلم: (جرح العجماء جُبَارٌ ) (4)، والعجماء، هي: الدابة غير العاقلة.

والجواب عنه - مع صحة سنده وكونه خبر واحد - أنه لا يدل على مرادهم، لأن قوله صلی الله علیه و آله وسلم: (جرح العجماء جُبَارٌ) ، يريد عدم القصاص، لأنّ

ص: 289


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 56 الفصل التاسع.
2- في ب، ج، د، ه: عليها.
3- (وكان الله قادراً على منعها وزجرها عن الإيلام) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- مسند أحمد بن حبل :2 : 475 مسند أبي هريرة ط دار ،الصادر، بيروت، سنن النسائي 5 : 45 باب المعدن ط 1 دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت 1348ه، سنن البيهقي 4 : 155 باب زكاة الركاز ط دار الفكر وغيرها.

العرب ما كانوا يفهمون (1)غيره.

واحتج القائلون بكون العوض على المؤلم : بقوله صلی الله علیه و آله وسلم: (ينتصف للجماء من القرناء) (2)، والجماء، هي: الدابة التي لا قرن لها، والقرناء، هي: التي لها قرن.

والجواب عنه - مع سلامة سنده أيضاً - أنه خبر واحد لا يفيد اليقين، لكن (3)قوله صلی الله علیه و آله وسلم أعمّ من أن ينتصف من الظالم أو من غيره، لأنّ الانتصاف هو تخليص الحق، وهو أعم من أن يكون من الله أو من غيره فلا يدلّ على المطلوب. والأولى التمسك بالقول الأول.

قال (أدام الله أيامه): «وهو واجب وإلا لزم الظلم .(4)

أقول : اختلف الناس في وجوب العوض:

فأوجبه المعتزلة، ومنعه الأشاعرة والحق الأوّل

لنا: إنّه لولا ذلك لكان ظلماً وهو قبيح، والله تعالى منزّه عنه، هذا من حيث العقل .

وأما من حيث السمع، فقوله تعالى: «اللَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(5)، والإفصال [من الله تعالى] (6)إنّما يكون بتعويض المظلوم، وإلا لكان ظلاً أيضاً.

ص: 290


1- في ب، ج، د، ه: يفقهون.
2- ورد في المصادر الحديثية الشيعة والسُنّية بصيغ عديدة، حتى أورده المجلسي في بحاره بلفظ : (ينتصف)، و (قتص...) ، و (يأخذ...)، و(يقاد...).
3- في ب ، ج يوجد : (سلّمنا أنه يفيد اليقين ! لكن...)
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 56 الفصل التاسع .
5- سورة الحج: 17.
6- أثبتناه من ب، ج، ه.

قال (أدام الله أيامه): «وهل يجوز أن يمكن الله تعالى من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي ظلمه .(1)

جوّزه البلخي، وأبو هاشم؛ واختلفا:

فجوّز البلخي خروجه من الدنيا بغير عوض، بل يتفضّل الله تعالى على الظالم بالعوض ويدفعه إلى المظلوم ومنعه أبو هاشم وأوجب التبقية، لأنّ الانتصاف واجب، فلا تعلّق بالتفضّل الجائز.

قال السيّد المرتضى : الانتصاف واجب، والتفضّل والتبقية جائزان فلا يعلّق الواجب بهما» .(2)

أقول: اختلف أهل العدل في هذه المسألة:

فقال قوم: إنّه يجوز ، وهم : أبو القاسم البلخي (3)، وأبو هاشم .(4)

ومنعه سيّدنا المرتضى .(5)

احتج أبو القاسم، وأبو هاشم بأنّ من البعيد أن يكون للظالم الظاهر اليد أعواض [كثيرة] (6)توازي ظلمه؛ وهذا ضعيف لأنه يجوز أن [يكون].(7)

ص: 291


1- في المصدر، ب، ج، د، ه: فعله.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 56 - 57 الفصل التاسع.
3- أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي الخراساني، تقدّم.
4- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.
5- الشريف المرتضى: علم الهدى علي بن الحسين بن الموسوي البغدادي، تقدّم.
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
7- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

يستحق من الأعواض على الله تعالى ما يزيد قدره على ظلمه، لأنا قد بينا في ما تقدّم أنّ العوض الذي يجب على العبد يجب أن يكون بقدر ظلمه، والذي يجب على الله تعالى يجب أن يكون زائداً، وإلا لكان عبثاً، فيجوز أن يجعل الله تعالى بالآلام [ما](1) الحاصلة له [ما] (2)يزيد حدّها على ظلمه.

ثمّ اختلفا في جواز خروجه من الدنيا ولا عوض له يوازيه:

فذهب أبو القاسم البلخي إلى جوازه، وقال: إنّه بعد خروجه من الدنيا ولا عوض له يوازيه يتفضّل الله عليه بالعوض (3).

وقال أبو هاشم: إنّه لا يجوز، قال: لأنه تعالى يجب عليه الإنصاف ولا يجب عليه التفضّل، وتعليق الواجب على الجائز يخرج الواجب عن كونه واجباً.

واحتج السيّد المرتضى الله : بأنّ الإنصاف واجب على الله تعالى، والتبقية والتفضّل غير واجبي الوقوع، وتعليق الواجب على الجائز غير جائز، لخروج الواجب عن كونه واجباً.

ولقائل أن يورد على كلام سيدنا المرتضى: بأن كل ما علم الله تعالى بوقوعه وجب فإذا علم الله تعالى بصدور العوض منه تعالى وتبقيتة وجب وقوعهما، فيكون تعليق الواجب على الواجب.

لا يقال: إنّ التفضّل والتبقية وإن كانا واجبي الوقوع من حيث علمه تعالى، لكن بالنظر إلى ماهيتهما يكونان ممكنين.

ص: 292


1- في ب، ج: (سبحانه للآلام).
2- أثبتناه من ب، ج .
3- العبارة في ب ، ج ، د، ه: ( وقال : إنّه بعد خروجه يتفضّل الله عليه بالعوض).

لأنا نقول: الإنصاف من حيث هو هو ممكن أيضاً، ومن حيث أنّ الظلم على الله تعالى قبيح واجب فوجوبه أيضاً بالعرض، فيجوز تعليق أحدهما على الآخر.

[بحث في الرزق]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الخامس: في الأرزاق والآجال والأسعار:

الرزق عند العدلية ما صح الانتفاع به، ولم يكن لأحد منع المنتفع منه، لأنه تعالى أمر بالإنفاق من الرزق، ولا يأمر بالحرام.

وعند الأشعرية: الرزق ما أكل، فالحرام عندهم رزق» .(1)

أقول: اعلم أنّ الرزق يقال على ثلاثة معان:

أ - (2)ما يصلح للاغتذاء، قال الله تعالى: «وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً»(3)، أي: طعاماً، ويقال: رزق فلان، أي طعامه الذي يصلح أن يغتذي به.

ب - الملك، قال الله تعالى: «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ...»(4)، أي: ملكوهم، ويقال: «رزق فلان داراً»، أي: ملك.

ج - المباح، وهو المراد هنا !(5)

ص: 293


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 57 الفصل التاسع.
2- في ب، ه أثبت هكذا: الأوّل / الثاني / الثالث.
3- سورة آل عمران: 37
4- سورة النساء : 8.
5- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (الذي يصح الانتفاع به على بعض الوجوه، وهو المراد هنا).

والخلاف وقع في ذلك بين أهل العدل والأشاعرة:

قال أهل العدل: الرزق ما يصح أن ينتفع (1)به، ولم يكن لأحدٍ منع المنتفع به منه. فقولنا: «ما يصح أن ينتفع به»، كالجنس، لكلّ ما يصح الانتفاع به.

وقولنا: «ولم يكن لأحدٍ منع المنتفع به منه، فصل، عن الطعام المباح للضيافة، فإنّه يصح للمستضيف الانتفاع ، لكن لا يسمّى رزقاً حتى يستهلكه، لأنّه قبل الاستهلاك يجوز للمضيف منعه من الأكل، وأما بعد أكله فإنّه يسمّى رزقاً، لأنه ليس لأحد أخذه، وكذلك [البهيمة ] (2)قبل الأكل لا يسمّى طعامها رزقاً لها، لأنّ للمالك منعها منه إلا بعد الاستهلاك(3)، إلا مع وجوب إطعام البهيمة عليه، فإنّه لا يكون له منعها، فالحرام حينئذ لا يسمّى رزقاً، لأنه لا يصح

الانتفاع به.

وأيضاً قوله تعالى: «أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ»(4)، أمر بالإنفاق من الرزق، والله تعالى لا يأمر بالإنفاق من الحرام.

وقالت الأشاعرة الرزق ما أكل، فعلى هذا الحرام رزق عندهم !

قال (أدام الله أيامه): «ويجوز ،طلبه لأنّ به يندفع الضرر، ولقوله تعالى: «فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل الله»(5)، وغير ذلك من الآيات .(6)

ص: 294


1- في ج، د، ه: الانتفاع.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: الإهلاك.
4- سورة البقرة: 254 .
5- سورة الجمعة : 10 .
6- نهج المسترشدين في أصول الدين: 57 الفصل التاسع.

أقول: ذهب جمهور العقلاء أجمع إلى جواز السعي في طلب الرزق، وخالفهم في ذلك جماعة الصوفية (1).

لنا المعقول والمنقول:

أما المعقول، فلأنّ الرزق دافع للضرر، ودفع الضرر واجب.

وأمّا المنقول، فقوله تعالى: «وفَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله ...» (2)الآية، ولا خلاف بين أهل التفسير في أنّه تعالى أراد السعي للتكسب، وقوله تعالى: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبَّكُمْ»(3)، وهذا أيضاً قد أجمع المفسرون على أنّه تعالى أراد التكسب، وأيضاً قوله علیه السلام : (سافروا تغنموا)(4)، أمر بالسفر لأجل الغنيمة، والغنيمة هي: الفائدة المكتسبة.

إذا ثبت هذا، فاعلم (5)! إنّ طلب الرزق قد يكون واجباً إذا كان الإنسان محتاجاً، وقد يكون مستحباً إذا كان لأجل التوسعة عليه وعلى عياله، وقد يكون

ص: 295


1- وهم أتباع الطرق السلوكية التي قوامها التقشف، والتحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، لتزكو النفوس وتصل الروح إلى أعلى المراتب، وهي مرتبة الفناء.
2- سورة الجمعة: 10 .
3- سورة البقرة : 198 .
4- ورد في مصادر الفريقين انظر: المحاسن للبرقي :2 : 345 كتاب العلل ط 1 طهران 1370ه، وسائل الشيعة للحرّ العاملي :11 : 348 (14983) باب استحباب السفر في الطاعات ط 2 مؤسسة آل البيت قم 1414ه، عمدة القاري للعيني 10 : 139 ط دار إحياء التراث بيروت، تفسير السلمي 2 : 227 ط 1 دار الكتب العلمية بيروت 1421ه، وغيرها .
5- في ب، ج، د، ه: فنقول.

حراماً إذا كان فيه منعاً عن الواجبات، وقد يكون جائزاً إذا كان متسعاً.

[في مسائل الأجل]

قال (أدام الله أيامه): «والأجل هو الوقت فأجل الدين هو الوقت الذي يحلّ فيه، وأجل الموت هو الوقت الذي يحصل فيه» .(1)

أقول: الأجل هو [الوقت والوقت هو الحادث](2) الذي يجعل علماً لحدوث غيره، كقولنا: زيد يقدم عند طلوع الشمس، فطلوع الشمس أجلٌ لقدوم زيد، والأجل في الدين هو وقت حلول الدين(3)، وفي الموت وقت حصوله.

قال (أدام الله أيامه): «واختلفوا في المقتول لو لم يُقتل: فقيل : أنه كان يعيش قطعاً، لأنه لو كان يموت قطعاً لكان الذابح غنم غيره محسناً إليه.

وقيل : أنه كان يموت قطعاً، لأنه لو كان يعيش قطعاً لزم انقلاب علمه تعالى جهلاً.

والوجهان ضعيفان: أمّا الأوّل، فلأنّ الإساءة حصلت باعتبار تفويت العوض على الله تعالى. وأما الثاني، فلجواز كون علم الحياة مشروطاً بعدم القتل» .(4)

ص: 296


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 57 الفصل التاسع.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه و
3- في ب، ج، د، ه: (وقت حلوله).
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 57 الفصل التاسع.

أقول: اختلف الناس في المقتول لو لم يُقتل: هل كان يعيش قطعاً، أو يموت قطعاً، أو يحتمل الأمرين:

فذهب جماعة الأشاعرة: إلى أنه كان يموت قطعاً.

وقال جماعة البغداديون: إنّه كان يعيش قطعاً.

وقال البصريون: إنّه كان يحتمل فيه الأمران الموت، والحياة. وهو الحق!

لنا: إنّه قبل القتل، إما أن يموت قطعاً، وهو باطل، وإلا لكان الذابح لغنم غيره محسناً، لأنه لولا ذبحها لماتت، وهو معلوم البطلان.

وإما أن يعيش قطعاً، وهو باطل أيضاً، وإلا لزم انقلاب علمه تعالى جهلاً، وذلك لأنّ حياته لو كانت واجبة فلا بد من أن يعلم أنه تعالى أنه واجب الحياة، فلو قتل لزم انقلاب علم الله تعالى جهلاً.

فبقي أن يكون يحتمل الأمرين، وهو المطلوب .(1)

ص: 297


1- العبارة في ب، ج، د، ه: (وقال البصريون: إنّه يحتمل الأمران: الموت، والحياة. احتج من أوجب الحياة بأنّه قبل القتل لو كان يموت قطعاً لكان الذابح لغنم غيره محسناً، لأنّه لولا ذبحه لماتت، وهو معلوم البطلان. وأيضاً فإنّ الملك إذا قتل أهل بلدة عظيمة في يوم واحد، فإنّا نعلم أنّ هذا العالم العظيم لولا قتل ما كان يموت في يوم واحد لأنه خارق للعادة. واحتج من أوجب الموت بأنه لولا ذلك لزم انقلاب علم الله تعالى جهلاً، وذلك لأنّ حياته لو كانت واجبة فلا بد من أن يعلم أنّه تعالى أنه واجب الحياة، فلو قتل لزم انقلاب علم الله تعالى جهلاً. والحق أنّه يحتمل الأمران: الموت والحياة).

قال شيخنا (دام ظلّه) والوجهان باطلان إشارة إلى وجهي مثبتي الحياة قطعاً ونفاتها.

أمّا الوجه الذي يحتج به موجبو (1)الحياة ، فالجواب عنه من وجهين:

الوجه الأوّل: إنّ العلم لا يؤثر في المعلوم، وقد مرّ بيانه.

الوجه الثاني: علم الله تعالى بحياته كان مشروطاً بعدم قتله.

وأمّا الوجه الذي يحتج [به] (2)نفاة الحياة: فلأنّ الإساءة حصلت باعتبار كون الذابح فوّت (3)العوض الزائد المستحق على الله تعالى، فكان مسيئاً بهذا الاعتبار.

[ويمكن بالنظر إلى قدرته تعالى موت أهل بلد في يوم واحد، ولا استبعاد في ذلك] (4).

[في السعر]

قال (أدام الله أيامه): «والسعر :هو تقدير البدل في ما يباع به الأشياء».(5)

أقول: هذا تعريف السعر ، وهو تقدير البدل في ما يباع به الأشياء.

فقولنا: «تقدير»، كالجنس.

ص: 298


1- في ج، د: مثبتوا.
2- أثبتناه من ج، د، ه.
3- في ب، د، ه : (الذبح يفوت).
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 57 الفصل التاسع.

وقولنا: «البدل»، خرج به تقدیر غير البدل.

[ولا يقال: هو البدل، لأنّ البدل هو الثمن أو المثمن، وليس أحدهما سعراً] .(1)

وقولنا: «في ما يباع به الأشياء»، خرج عنه قيم المباعات، فإنّها لا تسمّى أسعاراً إلّا عند البيع.

قال ( أدام الله أيامه): «وهو رخص وغلاء، فالرخص: هو السعر المنحط عما جرت به العادة مع اتحاد الوقت والمكان والغلاء: هو ارتفاع السعر عما جرت به العادة في الوقت والمكان.

وكلّ واحد منهما : إما من قبل الله تعالى، أو من قبل العبد. فإن كان السبب من الله فهما من الله ، وإن كان من العبد فهما منه» (2).

أقول : السعر ينقسم إلى قسمين: رخص، وغلاء.

فحدّ الرخص : هو السعر المنحط عما جرت به العادة، والوقت والمكان واحد.

فقولنا: «السعر»، كالجنس لجميع الأسعار.

وقولنا : «المنحط»، فصل خرج به السعر المرتفع كالغلاء.

وقولنا : «عمّا جرت به العادة به»، فصل آخر، يخرج به ما تجري العادة كانحطاطه شيئاً قليلاً يجري العادة به، فإنّه لا يسمّى رخيصاً .(3)

ص: 299


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 57 الفصل التاسع.
3- (فقولنا: «السعر»، كالجنس... فإنّه لا يسمّى رخيصاً) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

[وإنما اعتبرنا الوقت لأنه لا يقال: إنّ الثلج قد رخص سعره في الشتاء عند نزول الثلج، لأنه ليس وقت بيعه، ويجوز أن يقال عن الثلج : إنّه رخيص في

الصيف إذا نقص سعره عما جرت عادته في ذلك الوقت الذي يباع فيه.

وإنّما اعتبرنا المكان، لأنه لا يقال: إنّ الثلج رخيص في الجبال المعتادة بوقوعه صيفاً وشتاءً، لأنها ليست مكان بيعه، ويجوز أن يقال: رخص سعره في البلاد المعتادة بيعه فيها] .(1)

إذا عرفت هذا، فنقول:

الرخص والغلاء: إما أن يكونان من قبله تعالى، بأن يقلل ذلك المتاع المعيّن، ويجعل لأحد (2)فيه رغبة فيقع الغلاء، أو يقلّل رغبة الناس في ذلك المتاع مع تكثير جنسه فيحصل الرخص. وإمّا أن يكونان منّا، بأن نحتكر الأمتعة ونمنعها الناس فيحصل الغلاء أو يحمل السلطان الناس على بيع ما في أيديهم برخص ظلماً منه وعدواناً، فيقع الرخص والله ولي التوفيق.

ص: 300


1- مشطوب في المخطوطة، ومثبت في ب، ج، د، ه .
2- في ب، ج، د، ه: للناس.

[الفصل العاشر]

[في النبوّة]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «الفصل العاشر: في النبوّة:

وفيه مباحث:

[بحث في البعثة]

الأوّل: النبي هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحدٍ من البشر» .(1)

أقول: لما فرغ من بيان التكليف واللطف ووجوبها عليه تعالى، وكان لا يمكن تكليف الله تعالى العباد إلّا بواسطة، شرع في بيان تلك الواسطة .

والواسطة تسمّى : نبيّاً.

فحينئذٍ ينبغي أن نشرع أوّلاً في بيان حقيقة النبي علیه السلام(2)، فنقول:

ص: 301


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 58 الفصل العاشر.
2- العبارة في ب، ج، د، ه:(لما فرغ من بيان إثبات واجب الوجود تعالى وصفاته وأثاره، شرع في إثبات النبوّة وتوابعها، لأنها أحد أركان الإسلام، وبدأ بتعريف النبي لأنه السابق على التصديق).

النبيّ، هو : الإنسان المخبر عن الله عزّ وجلّ بغير واسطة أحدٍ من البشر.

فقولنا: «الإنسان»، جنس لكلّ إنسان سواء كان نبياً أو غيره [فلا يدخل الملك] (1).

وقولنا: «المخبر عن الله عزّ وجلّ»، فصل عن غيره من الأناسي المخبرين عنه، أو عن الإمام .(2)

وقولنا: بغير واسطة أحدٍ من البشر، فصل آخر، يخرج به الإمام والفقيه، فإنّهما يُخبران عن الله تعالى، لكن بواسطة من البشر، وهو النبي.

قال (أدام الله أيامه): «والحكمة تدعو إلى بعثته» .(3)

أقول: اختلف الناس في إمكان بعثة الرسول علیه السلام:

فذهب الأكثر: إلى إمكانها.

وخالفهم في ذلك البراهمة، والصابئة.

والحق الأوّل!

لنا: إنّها حسنة لأنها مشتملة على فوائد كثيرة، فتكون ممكنة.

وأمّا اشتمالها على فوائد كثيرة، فلوجوه:

أ - (4)إنّ النبي علیه السلام يأتي بالخبر القاطع بحصول (5)العقاب لمن عصى الله

ص: 302


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- العبارة في ب، ج، د، ه: (فصل عن المخبر عن غير الله تعالى من الناس).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 58 الفصل العاشر.
4- في ب ه أثبت هكذا: الأوّل / الثاني / الثالث .
5- في ب، ج، د، ه: الحصول.

تعالى، والعقل وإن كان دالاً على استحقاق العاصي للعقاب، لكن النبي علیه السلام يأتي بشيء زائد على حكم العقل، وهو الوقوع، ولا شكّ في أنّ خبره بالوقوع مشتملاً على فائدة هي الامتناع عن المعاصي.

ب - يجوز أن يكون هاهنا أشياء حسنة في نفسها، وأشياء قبيحة في نفسها، ولا نعرف وجه حسنها ولا وجه قبحها، فالنبي يخبرنا بها.

ج - في النباتات خواص لا يطلع عليها إلا (1)الله تعالى، فلا بدّ من نبي ليعرّفنا النافع منها من الضارّ.

د - الصناعات الخفيّة قد نحتاج إليها في الغالب، فلابد من [نبي](2) معرّف لها .

[ه - العقل يجوز أن تكون بعض أفعالنا مصلحة لنا، وبعضها مفسدة، فلا بد من معرّف].(3)

فقد ثبت بهذه الأدلّة كون النبوّة ممكنة، وسيأتي في ما بعد الدليل على وجوبها إن شاء الله تعالى.

احتجّ المخالف بأنّ الرسل إن جاؤوا بما يوافق العقل كانت البعثة عبثاً، وإن جاؤوا بما يخالفه رُدّ، فلا فائدة !

والجواب عنه من وجهين:

ص: 303


1- في ب، ج، د، ه: غير.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

[الوجه] الأوّل: لم لا يجوز أن يأتوا بما يقتضيه العقل وتكون الفائدة التأكيد ؟!

الوجه الثاني: لم لا يجوز أن يأتوا بما لا يهتدي العقل إليه، ولا يمكنه تفصيلها ، ككثير (1)من الشرائع ؟ ؟!

قال (أدام الله أيامه): «بل هي واجبة، خلافاً للأشعرية.

لأنّ الاجتماع مظنّة التنازع، وإنّما تزول مفسدته بشريعة مستفادة من الله تعالى دون غيره، لعدم الأولوية. وتلك الشريعة لا بد لها من رسول متميز عن بني

نوعه بالمعجزة الظاهرة على يده.

ولأنّ التكاليف السمعية واجبة، لكونها ألطافاً في العقليات. فإنّا نعلم أنّ المواظبة على فعل التكاليف السمعية تقرّب إلى فعل التكاليف العقلية، واللطف واجب على ما تقدّم.

ولأنّ العلم بالعقاب ودوامه ودوام الثواب من الأمور السمعية، فهي ألطاف في التكليف واللطف واجب» (2).

أقول: اختلف الناس في وجوب البعثة :

فأوجبها المحققون خلافاً للأشعرية

والحق الأوّل!

لنا: إنّ اللطف واجب على ما تقدّم والتنازع الواقع بين الناس بسبب

ص: 304


1- في ب، ج، د، ه: لكثير .
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 58 الفصل العاشر.

اجتماعهم يحتاج إلى مزيل، وذلك المزيل لا بدّ أن يكون مؤيداً من الله تعالى بخاصة موجبة لامتثال أوامره، وهو النبي.

أما كون إزالة التنازع ،لطفاً، فضروري (1).

وأيضاً، فإنّ التكاليف السمعية ألطاف في التكاليف العقلية، لأنّ الإنسان إذا كان مواظباً على فعل ما كلّف به سمعاً، فإنّه يقرب مما هو مكلّف به عقلاً، بخلاف ما إذا لم يواظب، ولا يمكن معرفة التكليف إلّا من الرسول، فيجب بعثته، لأنّ ما لا يتم الواجب إلّا به يكون واجباً (2).

احتجّت الأشاعرة بأنّ البعثة لو كانت واجبة، لكان الله تعالى مخلاً بالواجب! واللازم باطل، فالملزوم مثله.

بيان الملازمة: إنّا نعلم بالتواتر أنّ في جزائر البحار قوماً لم تصل إليهم دعوة نبي، ولا بعث إليهم منهم رسول. وأما بطلان اللازم فبالإجماع.

والجواب سلّمنا أنّ في البحار جزائر لم تصلهم دعوة نبي، ومع تسليمنا

ص: 305


1- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (والحق الأوّل لنا ! إنّ الإنسان مدني بالطبع لافتقاره في انتظام معاشه وأحواله إلى معاون ومشارك، بحيث يفعل كلّ واحد منهم بعض مصالح الآخر، فيحصل من المجموع لكل واحد ما يحتاج إليه في أمور ،معاشه، ولا شكّ أنّ الاجتماع مظنة التنازع والتغالب، ولا تزول مفسدته إلّا بشريعة مستفادة من الله تعالى دون غيره، لعدم الأولوية في الواضع، وكان يفضي إلى ما هرب منه، وتلك الشريعة لا بد لها من رسول متميز عن بني نوعه بالمعجزة الظاهرة على يده) .
2- العبارة في ب ، ج ، د، ه: ( لأنّ ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب، ولأنّ العلم بالعقاب ودوامه ودوام الثواب من الأمور السمعية، وهي ألطاف في التكليف، واللطف واجب على ما تقدّم).

لا يكون مضراً [لنا](1) ، لأنا لا ندعي أنّ البعثة واجبة على الله تعالى مطلقاً، بل إذا علم الله سبحانه أنّ في البعثة مصلحة، فلا تنافي.

[بحث في العصمة]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثاني: في وجوب العصمة:

لو لم يكن معصوماً لزم نقض ،الغرض والتالي ،باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية أنه إذا فعل المعصية، فإما أن يتبع، وهو قبيح لا يقع التكليف به، وإما أن لا يتبع فتنتفي فائدة البعثة، وهو وجوب اتباعه. ولأنه مع وقوع المعصية منه يجب الإنكار عليه ويسقط محله من القلوب، فلا يصار إلى ما يأمر به وينهى عنه. ولجاز أن لا يؤدّي بعض ما أمر بأدائه، فيرتفع الوثوق ببقاء

الشرع لجواز نسخه.

ومن هذا علم أنه لا يجوز أن تقع منه الصغائر ولا الكبائر عمداً، ولا سهواً، ولا غلطاً في التأويل.

ويجب أن يكون منزّهاً عن ذلك من أوّل عمره إلى آخره. وأن يكون منزّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمهات لئلا يقع التنفير عنه [فتسقط فائدة البعثة] (2).

ولا يجوز عليه السهو مطلقاً في الشرع وغيره لذلك» .(3)

ص: 306


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- أثبتناه من المصدر، ب، ج.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين : 58 - 59 الفصل العاشر.

أقول: لما فرغ من البحث في وجوب البعثة، شرع في ما يجب أن يكون النبي متصفاً به.

وهو أمور:

أ- (1)أن يكون (2)معصوماً.

وينبغي أن نقدّم حقيقة العصمة، فنقول:

اختلف الناس في حقيقة العصمة:

فقال قوم: إنّ العصمة لطف يفعله الله تعالى بالمكلّف، لا يكون له معه ميل إلى فعل المعاصي وترك الطاعة مع تمكنه منها.

وقال قوم: إنّ العصمة هي خاصة (3)تقتضي للمعصوم(4) عدم قدرته فعل المعاصي وترك الطاعة.

والحق الأوّل!

لنا: إنّ العصمة سبب موجب لمدح المعصوم، فلو كانت الطاعات والمعاصي ليست بيده، بل مقهوراً على فعل الطاعة، ومقهوراً على ترك المعصية، لما استحق المدح، وهو باطل بالضرورة.

إذا عرفت هذا، فاعلم (5)! إنّ العصمة عن الكفر واجبة في الأنبياء بإجماع

ص: 307


1- في ب، ه أثبت هكذا: الأوّل/ الثاني/ الثالث.
2- في ب، ج، د، ه: كونه.
3- في ب، د، ه: خاصية.
4- في ب ، ج ، د ، ه: (في المعصوم) ، وفي المخطوطة يوجد شطب .
5- في ب، ج، د، ه: فنقول.

المسلمين، وخالف في ذلك جماعة من الخوارج، وهؤلاء القوم عندهم أنّ كلّ ذنب يصدر من العبد فهو كفر، وجوّزوا صدور الذنب من النبي علیه السلام.

ثمّ اختلف المسلمون في غير الكفر:

فقالت المعتزلة : هو معصوم عن الكبائر دون الصغائر، ثمّ اختلفوا، فقال بعضهم: تصدر الصغائر منه سهوا ، وقال بعضهم: تصدر الصغائر منه (1)عمداً .

وقال جمهور الأشاعرة: يجوز على النبي سائر الذنوب صغائر كانت أو (2)كبائر، إلّا الكفر، والكذب في ما يؤدّيه.

والحق، أنّه يجب أن يكون معصوماً من الصغائر والكبائر، عمداً وسهواً، وعلى أي وجه كان !

والدليل على ذلك : إن الله تعالى لو بعث غير معصوم ، للزم نقض غرضه تعالى، والتالي باطل قطعاً، فالمقدّم مثله .

بيان الشرطية : إنّه إذا فعل فعلاً معصية(3)، فأما أن يُتبع [به](4) أو لا، فإن أتبع في فعله كان قبيحاً، والقبيح لا يصح التكليف بفعله، لأنّ التكليف بفعل القبيح قبيح ، وأما أن لا يُتبع في فعله، وهو باطل، وإلا لانتفت فائدة النبوّة، إذ الغرض في إرسال النبي علیه السلام أن يعرف المكلف ما أُمر بأدائه فيجب اتباعه، فإذا لم يتّبع انتفى فائدة البعثة.

ص: 308


1- (تصدر الصغائر منه) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- (كانت أو) لا يوجد في ب، ج، د، ه
3- في ب، ج، د، ه: قبيحاً.
4- أثبتناه من د، ه.

وأيضاً، فإنّه إذا فعل فعلاً قبيحاً، وجب على كلّ مكلّف إنكاره عليه، فتكون درجته كدرجة العامة، بل أقلّ !

وأيضاً ، فإنّهم إذا رأوا النبي علیه السلام يفعل القبائح والذنوب سقطت درجته عندهم، ولم يبق له محلّ في قلوب العالم، فلا يصار إلى ما أمر به، ويجوز أذاه حينئذ، لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيلزم مخالفة القرآن الدال على تحريم أذاه .

وأيضاً، فإنّه يجوز أن يبلغ بعض ما أمر بتبليغه، فيرتفع الوثوق ببقاء الشرع، لأنهم يجوزون نسخه.

وبيان بطلان التالي، بيّناه في بحث وجوب اللطف .(1)

ب - أن يكون منزّهاً عن فعل ما ذكرناه من أوّل عمره إلى آخره، وإلا لزم ما قلناه .

ج - يجب (2)أن لا يصح عليه السهو، لئلا يسهو عما أُمر بتبليغه.

د - يجب (3)أن يكون منزّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمهات، لئلا ينفر الناس عنه.

ه - أن يكون منزّهاً عن الأمراض المنفّرة، كالبرص، والجذام، وسلس الريح، لئلا ينفر عنه الناس أيضاً.

و - يجب أن يكون منزّهاً عن كثير من الأشياء المباحة، كالأكل في مسالك

ص: 309


1- انظر: البحث الثاني من التاسع.
2- لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- لا يوجد في ب، ج، د، ه.

الناس والأسواق، وغير ذلك مما ينفّر عنه، لأنه منافي لبعثته.

[بحث في كيفية معرفته]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثالث: في طريق معرفته:

وهو خلق المعجز على يده عقيب الدعوى.

والمعجز هو الإتيان بما يخرق العادة مطابقاً للدعوى.

فالإتيان بما يخرق العادة يتناول الثبوت والعدم أما الثبوت فكقلب العصا حيّة، وانشقاق القمر، وأمّا العدم فكمنع القادر من حمل الكثير على حمل اليسير، وكمنع العرب عن الإتيان بمثل القرآن العزيز.

والفعل الخارق للعادة قد يكون متعذراً في جنسه كخلق الحياة، وقد يكون في صفته كقلع مدينة، وكلاهما معجز» .(1)

أقول: لما بين صفات النبي علیه السلام، شرع في بيان ما يعرف [به](2)صدقه، وهو خلق المعجز على يده عقيب دعواه.

والمعجز :هو الإتيان بأمر خارق للعادة مطابقاً للدعوى.

فقولنا: «الإتيان بأمر» ، أعم من أن يكون إيجاداً(3) أو إعداماً، سواء كان خارقاً للعادة أو غير خارق . [أمّا الثبوت فكقلب العصا حية، وكانشقاق القمر وأمّا العدم كمنع القادر على حمل الكثير عن حمل القليل، وكما منع العرب من

ص: 310


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 59 الفصل العاشر .
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: إثباتاً.

الإتيان بمثل القرآن مع تقدّم قدرتهم وفصاحتهم] .(1)

وقولنا: «خارق للعادة»، خرج ما ليس بخارق [للعادة] (2)، كالأشياء المعتادة .

وقولنا: «مطابقاً للدعوى»، فصل آخر عن الإتيان بما هو خارق ولكنّه ليس مطابقاً، كمن يدعي النبوّة ويدعي أن معجزته هي إبراء الأعمى من العمى، فيحصل للأعمى الصمم مع عدم برئه، فإنّه غير مطابق لدعواه، وكمن يسند معجزته إلى إبراء العمى فيزول صممه مع عدم برئه، وكان ينبغي أن يزيد في الحد مع التحدّي، لأنّ الإتيان بمعجزة غيره لا يكون صادقاً وإن صدق عليه هذا الحد.

ثمّ الفعل الذي هو خارق للعادة قد يكون متعدّداً في جنسه، كخلق الحياة، فإنّ الحياة متعدّدة في جنسها، وقد يكون في وصفه، كقلع مدينة، لأنّ قلع المدينة ليس متعدّداً في جنسه، لأنّ القلع أعم من أن يكون لمدينة أو غيرها، والحياة والقلع للمدينة معجزان .(3)

ص: 311


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- العبارة في ب ثمّ الفعل الخارق للعادة قد يكون في وصفه، كقلع مدينة، لأنّ قلع المدينة ليس متعذر في جنسه، وإنّما هو متعدّر في وصفه، فالحياة وقلع المدينة معجزتان)، وفي ج: (ثم الفعل الخارق للعادة قد يكون متعذراً في جنسه كخلق الحياة، فإنّ الحياة متعذرة في جنسها، وقد يكون في وصفه، كقلع مدينة والحياة وقلع المدينة (معجزان) وفي ،د ه: (ثم الفعل الخارق للعادة قد يكون متعذراً في جنسه، كما أحيى عيسى الا ، فإنّ الحياة متعذرة في جنسها، وقد يكون في وصفه كقلع مدينة والحياة وقلع المدينة معجزات).

قال (أدام الله أيامه): «واختلف في جهة إعجاز القرآن(1):

فقال السيّد المرتضى؟ : إنّه (الصرفة)، بمعنى: أنّ الله تعالى صرف العرب عن معارضته بأن سلبهم العلوم التي كانوا يتمكنون بها من معارضة القرآن، لأنه لو كان معجزاً لا باعتبار الصرفة لكان إعجازه إمّا من جهة (2)ألفاظه المفردة، أو التركيب، أو هما معاً.

والأقسام بأسرها باطلة لأنّ العرب كانوا قادرين على المفردات وعلى التركيب، [ومن قدر على المفردات والتركيب قدر عليهما بالضرورة](3).

وقال الجبائيان: إنّ جهة الإعجاز (الفصاحة)، إذ لو كان جهة الإعجاز الصرفة لوجدوا ذلك من أنفسهم، ولو وجدوه لتحدّثوا به مع أصحابهم، ولأنه لو كان ركيكاً (4)لكان الإعجاز أظهر»(5).

:أقول لما كان القرآن من جملة معجزات النبي علیه السلام ، شرع في بيان جهة إعجازه. وقد اختلف الناس في ذلك اختلافاً عظيماً، وتعدّدت مذاهبهم:

فذهب السيد (6)المرتضى (7)، والنظام(8): إلى أنّ جهة إعجازه هو

ص: 312


1- في المخطوطة: (واختلف في جهة إعجازه)، وما أثبتناه فمن المصدر، ب، ج، د، ه
2- في ب، ج، د، ه: حيث.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- في المصدر ب، ج (ركيكاً في الغاية).
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 59 - 60 الفصل العاشر.
6- في ب، ج، د، ه: سيدناً.
7- الشريف المرتضى: علم الهدى علي بن الحسين بن الموسوي البغدادي، تقدّم.
8- إبراهيم بن سيار البصري المعتزلي، أبو إسحاق النظام، تقدّم.

(الصرفة).

والصرفة تحتمل معان ثلاثة:

أ - (1) إنّه تعالى منع العرب عن المعارضة، بأن سلبهم [العلوم التي كانوا بها يتمكنون من المعارضة له.

ب - إنّه تعالى سلبهم القدرة عليه](.(2)

ج - إنّه تعالى سلبهم الدواعي على معارضته.

والأوّل هو مراد سيّدنا المرتضى .

وقال أبو علي، وأبو هاشم الجبائيان(3): إنّ جهة إعجازه هي (فصاحته)، وهو مذهب فخر الدين الرازي (4).

وذهب أبو القاسم البلخي (5): إلى أنّ جهة إعجازه (كونه غير مقدور للبشر).

واحتج السيّد المرتضى : بأنه لو لم يكن جهة إعجازه هو الصرفة، لكان إمّا أن يكون معجزاً باعتبار ألفاظه المفردة، أو المركّبة، أو هما معاً.

والأقسام باطلة بأسرها ! لأنا نعلم بالتواتر أنّ العرب كانوا يتمكنون من التركيب ،والمفردات ومن(6) قدر على المفردات والتركيب قدر عليهما

ص: 313


1- في ب، ه أثبت هكذا: الأوّل / الثاني / الثالث .
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه، ولا يوجد في المخطوطة.
3- هما المتكلّمان من المعتزلة، وقد تقدم ذكرهما.
4- محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن فخر الدين الرازي الشافعي، تقدّم.
5- أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي الخراساني، تقدّم.
6- في ب، ج، د، ه: (وكلّ منّ).

[معاً] (1)بالضرورة. فثبت أنّ العرب كانوا قادرين على الإتيان بمثل القرآن لكن قد تحدّى كلّ العرب ولم يتمكنوا من الإتيان بسورة مثله، فثبت أنّ عدم قدرتهم على على الإتيان بمثله إنّما هو باعتبار منعهم [عنه](2)، فيكون المنع هو الإعجاز.

واحتج الجبائيان بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّه لو كان عجز العرب عن الإتيان بمثله لأجل منعهم منه (3)، الخرج القرآن عن كونه معجزاً، لكن التالي ،باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : إنّ المعجز ما كان سبباً في الإعجاز ، وإذا قلنا بالصرفة كان المنع هو الإعجاز ، فلا يكون القرآن معجزاً.

وبطلان التالي، بالإجماع.

الوجه الثاني: إنّه لو تمكنت [العرب](4) من الإتيان بمثله، ثمّ تحدّد المنع عن ذلك، لوجب أن يفرّقوا بين حالتي المنع والقدرة ، فلو وجدوا ذلك لتحدّثوا ،به لأنا نعلم بالضرورة أنّ كلّ عاقل إذا وجد من نفسه ذلك كان كالملجأ إلى مع إخوانه وأصحابه، ولو تحدّث به لاشتهر، إذ الأمور العجيبة يجب التحدّث اشتهارها لأنّ التحدّث بها كثير .

ص: 314


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: منها.
4- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

الوجه الثالث: لو كان القرآن ركيكاً، لكان الإعجاز [به](1) أبلغ الإعجاز إذا كان فصيحاً، قطعاً ضرورة.

[بحث أدلة إثبات نبوة محمد صلی الله علیه و آله وسلم]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الرابع: في إثبات نبوّة نبينا محمد صلی الله علیه و آله وسلم:

ويدلّ عليه أنه تعالى أظهر على يده المعجزة عقيب الدعوى، فيكون نبينا حقاً.

أمّا ظهور المعجزة على يده فلأنه ظهر على يده القرآن، وهو معجز، لأنه تحدّى به العرب فعجزوا عن معارضته وانقاد بعضهم إلى تصديقه، وبعضهم إلى المحاربة والقتل مع أنّ المعارضة - لو أمكنت - أسهل» (2).

أقول: الدليل على نبوّة نبينا محمد صلی الله علیه و آله وسلم أنه علیه السلام ادعى النبوة وظهر عقيب دعواه المعجزة، وكلّ من كان كذلك كان صادقاً.

أمّا الأولى فبالتواتر.

وأمّا الثانية : فلأنّه ظهر على يده القرآن، وهو معجز.

أمّا الأولى، فمعلوم بالتواتر.

وأمّا الثانية، فلأنّه تحدّى العرب الفصحاء، فلم يتمكنوا من الإتيان بمثله.

أمّا أنّه تحدّى به العرب، فالقرآن شاهد بذلك، وذلك قوله تعالى: «أم

ص: 315


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 60 الفصل العاشر.

يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ»(1)، فلما لم يأتوا بذلك قال: «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ»(2)، فلما لم يأتوا قال: «لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»(3)، سألهم الله تعالى الأسهل الذي هو الكلام، ولم يسألهم الحرب الذي هو الأصعب، فانقادوا إلى الحرب مع علمهم بأنّ الحرب فيه مشقة عظيمة، وذلك يدل على عجزهم.

وأمّا الثالثة(4)، فالعلم بها ضروري.

قال (أدام الله أيامه): «ولأنه ظهر على يده أفعال خارقة للعادة: كانشقاق القمر، ونبوع الماء.

وكلّ من ظهر على يده المعجزة فهو نبي، لأنّ العلم الضروري حاصل بأنّ من ادعي رسالة ملك، وطلب من الملك أن يخالف عادته تصديقاً له، فخالف الملك عادته مرّة بعد أخرى عقيب طلب رسوله منه، فإنّه صادق في دعواه.

كذلك النبي علیه السلام لما ادعى الرسالة وأظهر المعجزات - كالقرآن، وانشقاق القمر، وغيرهما - فإنا نعلم بالضرورة صدقه» (5).

أقول: هذا دليل ثان على نبوّة محمد علیه السلام.

ص: 316


1- سورة هود 13 .
2- سورة البقرة : 23 .
3- سورة الإسراء : 88
4- في المخطوطة: (الثانية)، وما أثبتناه فمن ب، ج، وهو الأصح.
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 60 الفصل العاشر .

وتقريره: أنه ظهر على يده الأفعال الخارقة للعادة، كانشقاق القمر، فإنّه قد اشتهر وتواتر أنّ النبي علیه السلام سقط القمر من السماء ودخل في زيقه وانشق فرقتين، خرج أحدهما من كمه اليمنى والأخرى من اليسرى، وأيضاً فإنّه قد اشتهر وتواتر أنه علیه السلام حين اشتدّ العطش بأصحابه، وضع يده على الأرض فنبع الماء من بين أصابعه، وأيضاً فإنّه أطعم الخلق الكثير من الزاد القليل، وأيضاً حنين الجذع إليه، وأيضاً مجيء الشجرة إليه وعودها إلى مكانها، وأيضاً شكوى البعير .. إلى غير ذلك. وهذه الأخبار متواترة مشهورة، فلتطلب من أماكنها .

وكلّ من ظهر على يده المعجزة المتكرّرة مرّة بعد أخرى كان نبياً، وذلك لأنا نعلم [بالضرورة] (1)صدق رسول أرسله ملك إلى قوم، وطلب الرسول منه شيئاً يُصدَّق به، ففعل الملك عقيب سؤاله فعلاً غير معتاد بفعله في هذا الوقت، وكذلك النبي علیه السلام لما طلب من الله تعالى ما يكون (2)علامة على صدقه، فأظهر على يده القرآن، فدل على صدقه علیه السلام، والعلم بذلك ضروري.

[في احتجاج اليهود ببطلان النسخ]

قال (أدام الله أيامه) واحتجاج اليهود بأنّ النسخ باطل، لأنّ المكلّف به إن كان مصلحة استحال نسخه، وإلا استحال الأمر به وبأن موسى علیه السلام قال : (تمسكوا بالسبت أبداً). وبأن موسى علیه السلام إن بين دوام شرعه استحال نسخه، وإن بين انقطاعه وجب نقله، وأن لم يبيّن شيئاً اكتفى من شرعه بالمرة، باطل ! لأنّ

ص: 317


1- أثبتناه من ب، د، ه.
2- (ما يكون) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

الأوقات مختلفة في المصالح، فجاز النسخ لتغيّر المصلحة. وقول موسى علیه السلام غير معلوم، والتواتر قد انقطع ، لأنّ بخت نصر (1)قتل اليهود إلّا من شذّ.

سلّمنا، لكن لفظ (التأبيد) لا ينافي في النسخ، لوروده في التوراة في أحكام منسوخة عندهم. وبيان الانقطاع لم ينقل لانقطاع تواترهم».(2)

أقول: لما فرغ من بيان الدلائل الواضحة الدالة على إثبات نبوّة نبينا محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، شرع في بيان شبهة الخصم، ثم تبيين فسادها.

أمّا تقرير شبهتهم فهي أن نقول : النسخ باطل، فالقول بنبوة محمد صلی الله علیه و آله وسلم باطل.

أمّا بطلان النسخ فمن وجوه(3):

الوجه الأول: إنّ موسى علیه السلام إما أن يكون قد بين دوام شرعه، أو لا، فإن كان قد بين دوام شرعه استحال انقطاعه، وإلا لزم كذب موسى علیه السلام، وهو باطل، وإن لم يبيّن دوام ،شرعه، فإما أن يبيّن انقطاعه، أو لا يبيّن شيئاً، فإن بين انقطاعه وجب أن يُنقل إلينا ذلك نقلاً متواتراً، لأنّ الناقلين كانوا ينقلون الأشياء التي هي أقل مرتبة من هذا، فكيف لا ينقلون ما هو مسقط للتكليف ؟! وإن لم ينقل (4)شيئاً أيضاً اقتضى أمره وجوب الفعل مرّة واحدة، لأنّ الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وهذا باطل اتفاقاً !

ص: 318


1- من ملوك بابل نبوخذ نصر، حاكم الامبراطورية البابلية، عاش قبل الميلاد بحوالي ستمائة عام.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين 60 - 61 الفصل العاشر.
3- في المخطوطة: (وجهين)، وما أثبتناه فمن ب، ج، د، ه، وهو الصحيح.
4- في ب، د، ه: يبيّن.

الوجه الثاني: قول موسى علیه السلام: تمسكوا بالسبت أبداً)(1)، وهو منقول عنه علیه السلام بالتواتر.

الوجه الثالث: إنّ شرع موسى علیه السلام، إما أن يكون مصلحة، أو غير مصلحة، فإن كان الأوّل استحال نسخه ، وإن كان الثاني استحال الأمر به.

وأما تقرير الجواب عن هذه الشبهة: فهو أن نقول:

[أما] (2)الجواب عن الأوّل: إن موسى علیه السلام بين انقطاع شرعه.

قالوا: يجب(3) أن ينقل متواتراً.

قلنا ممنوع الانقطاع تواترهم

وعن الثاني بوجهين:

الأوّل: المنع من كونه منقولاً عنه علیه السلام متواتراً، لأنّ اليهود لم يبق لهم تواتر، لأنّ بخت نصر قتل جميع اليهود إلّا القليل (4).

الثاني: المنع من كون التأبيد ينا في النسخ، لأنّ لفظ الأبد وردت في التوراة [في أحكام كثيرة](5) وهي منسوخة منسوخة عندهم.

وعن الثالث: إنّ المصالح تختلف باختلاف الأوقات والأزمان، فجاز أن

ص: 319


1- مضمون في التوراة، سفر الخروج، الإصحاح العشرين 8 - 12 .
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: وجب.
4- في ب، ج، د، ه: (قتل اليهود جميعهم).
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

يكون شرع موسى علیه السلام لمصلحة إلى وقت مجيء نبينا محمد علیه السلام، فصار حينئذ غير مصلحة.

[بحث في أشرفية الأنبياء]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الخامس: في أنّ الأنبياء أشرف من الملائكة:

لقوله تعالى: «إِنَّ الله اِصْطَفَى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعالَمينَ»(1)، ولأنهم يعبدون الله مع معارضة القوى الشهوية لهم».(2) ) .

أقول: اختلف الناس في الملائكة والأنبياء أيهم أشرف

[فقالت] (3)المعتزلة، وفخر الدين الرازي (4): إنّ الملائكة أشرف.

وقال المحققون إنّ الأنبياء أشرف وهو الحق!

لنا [على ذلك](5) وجوه:

الوجه الأول: قوله تعالى: «إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمينَ».

وجه الاستدلال به: إنّ العالم (6)عبارة عن ما سوى الله تعالى، فيكون

ص: 320


1- سورة آل عمران 33.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 61 الفصل العاشر .
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن فخر الدين الرازي الشافعي، تقدّم.
5- أثبتناه من ج.
6- في ب، ج: العالمين.

معنى الآية: إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً، وآل إبراهيم، وآل عمران، على كلّ مخلوق، خرج من ذلك من ليس بنبي بالإجماع، فبقى الباقي على عمومه.

الوجه الثاني : إنّ عبادة البشر أشقّ من عبادة الملائكة، فيكونوا أشرف.

أمّا الصغرى، فلأنّ البشر يعبد(1)الله تعالى مع معارضة القوى الشهوية [لهم] (2)، فيكون أشقّ ممن يعبد الله بغير معارض.

وأما الكبرى، فظاهرة.

الوجه الثالث: إنّ الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، بقوله تعالى: «قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ»(3)، والمسجود له أشرف من

الساجد.

قال (أدام الله أيامه): «احتجت المعتزلة بقوله تعالى: «ما نَهَاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ»(4)، وبقوله تعالى: «لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً الله ولَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ»(5)».(6)

أقول: لما فرغ من بيان البرهان الدالّ على ما ذهب إليه، شرع في بيان شبهة الخصم.

ص: 321


1- في ب، ج، د، ه: يعبدون.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- سورة الإسراء: 61 .
4- سورة الأعراف: 20.
5- سورة النساء: 172 . 172.
6- نهج المسترشدين في أصول الدين: 61 الفصل العاشر .

وتقريرها من وجهين

الأوّل: قوله تعالى: «ما نَهَاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ» ، وهو يدلّ على كون (1)الملائكة أشرف، لأنّ الله تعالى منعهم عن الأكل من الشجرة المخصوصة ونهاهم عن الأكل منها حتى لا يتشبهان (2)بالملائكة ويلحقون (3)درجتهم، فلما أكلا منها لم يبلغا درجة الملائكة، لأنّ الله تعالى ذمّهما

على أكلهما منها .

الثاني: قوله تعالى: «لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لله ولا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ»

وجه الاستدلال بهذه الآية هو : أنه تعالى عطف الملائكة المقربون على المسيح، ومن العادة في مثل هذه الصور عطف الشريف على الدني، ألا ترى أنّه يقبح أن يقال (4): «إنّ السلطان لا يستنكف من المجيء إلى داري ولا عامل الطرق»، ويحسن أن يقال(5): «إنّ العامل لا يستنكف من المجيء إلى داري ولا السلطان، فهكذا هاهنا، فتكون الملائكة أشرف.

قال (أدام الله أيامه): «والجواب: المراد ب__«إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ» أي: لا تغتذيان ولأنّ تفضيل الملائكة وقت مخاطبة إبليس لا يقتضي تفضيلهم وقت

ص: 322


1- في ب، ج، د، ه : أنّ.
2- في ب، ج، د، ه: لا يتشبها.
3- في ب، ج، د، ه: ويبلغا.
4- في ب، د ه: ( يقول القائل). ،
5- في د، ه: يقول.

323

الاجتباء ولأنه حكاية عن قول إبليس، وذكر الملائكة عقيب المسيح لا يدلّ على أنهم أفضل لأنّ بعضهم ذهب إلى أنّ المسيح ابن الله، وبعضهم ذهب إلى أنّ الملائكة بنات الله، فنفى الله تعالى عنهم الاستنكاف عن العبودية» .(1)

أقول: لما فرغ من بيان شبهتهم، شرع في الجواب عنها.

أمّا الجواب عن الأوّل، فمن وجوه:

الأوّل: إنّه لا يريد الشرف وإنّما يريد عدم الاغتذاء.

الثاني: إنّه لا يدلّ على التفضيل في جميع الأوقات، وإنّما يدلّ على التفضيل قبل الاجتباء، وهو غير كافٍ في الدلالة.

الثالث: أنّه حكاية عن كلام إبليس، فلا يكون حجّة .(2)

والجواب عن الثاني: إنّه لا يدلّ على الأفضلية، لأنّ بعضهم كان يعتقد أنّ المسيح ابن الله ، وبعضهم يعتقد أنّ الملائكة بنات الله تعالى، فذكر الله تعالى هذه الآية على سبيل المبالغة، كأنه قال: «المسيح الذي يعتقدون أنه ابني والملائكة اللاتي يعتقدون أنهنّ بناتي لا يستنكفون من العبودية لي».

ص: 323


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 61 الفصل العاشر.
2- في ب ، ج ، د، ه: (وهو غير حجّة).

ص: 324

[الفصل الحادي عشر]

[في الإمامة]

اشارة

قال (أدام الله أيامه): «الفصل الحادي عشر : في الإمامة:

وفيه مباحث:

[بحث في حد الإمامة]

الأوّل: الإمامة رئاسة عامّة لشخص من الأشخاص في أمور الدين والدنيا » .(1)

أقول: لما فرغ من بيان النبوّة وأحكامها، عقبها بالبحث(2)عن الإمامة وأحكامها لكونها لطفاً؛ فابتدأ بحدّ (3)الإمامة:

فقوله: «رئاسة»، كالجنس لكلّ رئاسة.

ص: 325


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 62 الفصل الحادي عشر.
2- في ب، ج، د، ه: (شرع في البحث في) .
3- في ب، ج، د، ه: بتعريف.

وقوله: «عامة»، فصل، خرج به الرئاسة الخاصة، كرئاسة الفقهاء(1)، وغيرهم.

وقوله: «الشخص من الأشخاص»، فصل آخر، خرج به الرئاسة التي لشخصين، أو ثلاثة.

وقوله: «في أمور الدين والدنيا»، فصل آخر خرج(2) به ما يكون رئاسة عامة (3)لشخص واحد لكن ليس في أمور الدين والدنيا معاً، بل في أحدهما (4)، كالسلطان الجائر.

قال: (أدام الله أيامه): «وهي واجبة على الله تعالى، لأنها لطف، وكلّ لطف واجب، فالإمامة واجبة.

أما الصغرى فضرورية، لأنا نعلم بالضرورة أنّ الناس متى كان لهم رئيس يردعهم عن المعاصي ويحرّضهم على فعل الطاعة، فإنّ الناس تصير(5) إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد.

وأما الكبرى، فقد تقدّمت» (6).

أقول: اختلف الناس في وجوب الإمامة:

فذهب قوم من المعتزلة، وقوم من الخوارج: إنّها غير واجبة.

ص: 326


1- في ج، د، ه: القضاة.
2- في ب، ج، د، ه: يخرج.
3- في المخطوطة مشطوب.
4- (معاً، بل في أحدهما) لا يوجد في ب، ج، د، ه
5- في المصدر ، ب، ج، د، ه: يصيرون.
6- نهج المسترشدين في أصول الدين : 62 الفصل الحادي عشر.

وخالفهم في ذلك جميع المسلمين، وقالوا بوجوبها. وهو الحق!

لنا: إنّ الإمامة ،لطف، وكلّ لطف فهو واجب على الله تعالى، فالإمامة واجبة على الله تعالى.(1)

أمّا الصغرى، فلأنّ الناس متى كان لهم رئيس مبسوط اليد، مطاع مهاب، يردع الظالم عن ظلمه وينتصف للمظلوم من الظالم، كانوا إلى الصلاح أقرب، ومن العصيان أبعد، ومتى لم يكن لهم رئيس انعكست حالهم، وهذا ضروري، ولا معنى للطف إلّا هذا (2).

وأمّا الكبرى، فقد تقدّمت في باب وجوب اللّطف .(3)

قال (أدام الله أيامه): «لا يقال: اللطف إنّما يجب إذا لم يقم غيره مقامه، أما مع قيام غيره مقامه فلا يجب (4)فلم قلتم إنّ الامامة من قبيل القسم الأوّل ؟» .(5)

أقول : قد اعترض منكروا(6)وجوب الإمامة بوجوه:

منها: إنّهم قالوا: إنما تجب الإمامة إذا لم يكن (7)غيرها من الألطاف قائماً (8)

ص: 327


1- (على الله تعالى) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- في د، ه: ذلك.
3- انظر: البحث الثاني من التاسع.
4- (يجب) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 62 الفصل الحادي عشر.
6- في ب، ج، د ه: (من أنكر).
7- في ب، ج، د، ه: يقم.
8- (من الألطاف قائماً) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

مقامها، أما مع قيام غيرها مقامها فممنوع لأنّ الألطاف منها ما يكون غيرها قائماً مقامها كالسمعيات ومنها ما لا يكون كالعلم باستحقاق الثواب والعقاب، ونحن نمنع كون هذا اللطف الذي هو وجوب الإمامة من القسم الثاني.

قال (أدام الله أيامه): «أو نقول: إنّما يجب اللطف إذا لم يشتمل على وجه قبح، فلم لا يجوز اشتمال الإمامة على وجه قبح لا تعلمونه» (1).

أقول: هذا هو الاعتراض الثاني على موجبي الإمامة.

وتقريره: إنهم قالوا سلّمنا كونها لطفاً، لكن لا نسلّم أنّ اللطف مطلقاً واجب ! لأنّ اللطف إما أن يكون مشتملاً على وجه قبح، أو لا يكون، فإن كان

الأوّل فهو غير واجب، وإن كان الثاني فهو واجب.

ونحن نقول: لما لا يجوز أن يكون هذا اللطف مشتملاً على وجه قبح لا تعلمونه أنتم(2)؟

قال(أدام الله أيامه): «ولأنّ الإمامة إنّما تكون لطفاً إذا كان الإمام ظاهراً مبسوط اليد ليحصل منه منفعة الإمامة، وهو انزجار العاصي. أما مع غيبة الإمام

وكف يده فلا يجب، لانتفاء الفائدة» .(3)

:أقول: هذا هو الاعتراض الثالث على موجبي الإمامة.

ص: 328


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 62 الفصل الحادي عشر.
2- (أنتم) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 62 الفصل الحادي عشر.

وتقريره أنهم قالوا: إنّكم إنّما توجبون الإمامة لكون العاصي ينزجر عن فعل المعصية، والمطيع ينقاد إلى فعل الطاعة وهذا [إنّما](1) يتحقق ويحصل إذا كان الإمام مبسوط [اليد ظاهراً] (2)، أمّا إذا كان غائباً فلا تحصل الفائدة، لأنّ العاصي إنّما ينزجر عن فعل المعصية إذا رأى الرئيس الذي يأخذ بحق المظلوم(3) من الظالم، ويفعل الأفعال الحسنة، على ما قرّرتموه (4).

قال (أدام الله أيامه): «لأنا نقول: التجاء العقلاء في جميع الأصقاع والأزمنة إلى نصب الرؤساء في حفظ نظامهم، يدلّ على انتفاء طريق آخر سوى الإمامة».(5)

أقول: لما فرغ من تقرير الاعتراضات الثلاثة، شرع في تقرير الجواب عنها. فالجواب عن الأوّل: إنّ جميع الناس في جميع الأقطار(6) يلتجئون إلى نصب الرؤساء لأجل حفظ نظامهم، ولما لم يلتجئ أحد من العقلاء في بعض الأزمنة إلى غير نصب الرؤساء، عرفنا أنّهم لم يظفروا ببدل يعتاضون به عن ذلك.

قال (أدام الله أيامه): «ووجوه القبح معلومة محصورة، لأنا مكلّفون

ص: 329


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في ب، ج، د، ه: للمظلوم.
4- في ب، ج، د، ه: قدرتموه.
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 62 الفصل الحادي عشر.
6- في ب، ج، د، ه: (الأزمان والأصقاع).

باجتنابها، فلا بد وأن تكون معلومة وإلا لزم تكليف ما لا يطاق. ولا شيء من تلك الوجوه متحققاً في الإمامة» (1).

أقول: هذا هو الجواب عن الاعتراض الثاني.

وتقريره: أنّ الإمامة لو كانت مشتملة على وجه قبح لعلمنا، لأنا مكلّفون باجتناب القبائح، فلو لم تكن معلومة لنا للزم التكليف بما لا يعلم [وهو تكليف بما لا يطاق](2) .

وليس شيء من تلك الوجوه موجوداً في الإمامة.

قال (أدام الله أيامه): «والفائدة موجودة وإن كان الإمام غائباً، لأنّ تجويز ظهوره في كلّ وقت لطف في حق المكلّف» .(3)

أقول: هذا هو الجواب عن الاعتراض الثالث.

وتقريره: أنّ الإمام علیه السلام وإن كان غائباً ، لكن (4)الفائدة أيضاً موجودة ! لأنّ كلّ آن هم مترقبون ظهور الإمام علیه السلام ، فهم خائفون باعتبار ذلك، [وباعتبار خوفهم](5) ينزجرون عن فعل المعاصي، ويقربون من فعل الطاعة.

ص: 330


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 62 - 63 الفصل الحادي عشر.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 63 الفصل الحادي عشر.
4- في ب، ج، د، ه: (إلا أنّ).
5- أثبتناه من ب، ج، د، ه.

[بحث في صفات الإمام]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثاني: في صفات الإمام:

يجب أن يكون معصوماً، وإلا لزم التسلسل، والتالي باطل، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : أنّ العلّة المقتضية لوجوب نصب الإمام جواز الخطأ على المكلّف، فلو جاز عليه الخطأ لافتقر (1)إلى إمام آخر ليكون لطفاً له وللأمة أيضاً، ويتسلسل» .(2)

أقول: لما فرغ من البحث عن وجوب الإمامة، شرع في بيان ما يجب اتصاف الإمام به .

فمنها العصمة، وهي واجبة عندنا، وهي واجبة عندنا وعند الإسماعيلية، وغير واجبة عند أكثر الناس.

لنا على وجوبها وجوه - ذكرها المصنّف -:

الوجه الأوّل: إنّه لو لم تجب عصمة الإمام(3)، لوجب إثبات أئمّة لا نهاية لهم والتالي ،باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة: إنّ العلّة المقتضية لوجوب نصب الإمام إنّما هي تجويز الخطأ على الأمة، فلو جاز الخطأ على الإمام لافتقر إلى إمام يردعه عن المعاصي، وذلك الإمام يفتقر إلى إمام آخر، والآخر إلى آخر، وهكذا لا إلى نهاية.

ص: 331


1- في المصدر ب: (لوجب افتقاره).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 63 الفصل الحادي عشر.
3- العبارة في د ه: (لو لم تكن عصمة الإمام واجبة).

وأمّا بطلان التالي، فبالإجماع.

قال (أدام الله أيامه): «ولأنه الحافظ للشرع، لقصور الكتاب والسنة على تفاصيل الأحكام والإجماع لا بد له من دليل، إذ صدوره عن غير دليل ولا أمارة يستلزم القول في الدين بمجرد التشهي، والأمارة يمتنع الاشتراك فيها من العقلاء، ولا نحيط بالأحكام، إذ أكثرها مختلف فيها.

والقياس ليس حجّة:

أمّا أوّلاً: فلأنه يفيد الظنّ الذي قد يخطئ غالباً.

وأما ثانياً فلأن مبنى شرعنا على جمع المختلفات وتفريق المتماثلات، وحينئذ لا يتم القياس.

والبراءة الأصلية ترفع جميع الأحكام.

فلو جاز عليه الخطأ لم يؤمن حفظه للشرع» (1)(2).

أقول: هذا دليل ثانٍ على وجوب العصمة في الإمام.

وتقريره: أنّ الإمام علیه السلام حافظ [للشرع](3)، وكل من كان حافظاً للشرع وجبت عصمته.

أمّا الكبرى (4)، فلأنّ الحافظ للشرع: إمّا الكتاب، أو السُنّة، أو الإجماع، أو

ص: 332


1- في ب، ج، د، ه: (من حفظ الشرع).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 63 الفصل الحادي عشر.
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- (وكل من كان حافظاً للشرع وجبت عصمته. أما الكبرى) لا يوجد في ب ج.

القياس، أو البراءة الأصلية، أو مجموعها، أو الإمام [أو أمر آخر] (1). والكل باطل سوى(2) الإمام !

أمّا الكتاب والسنة : فباطلان لقصورهما عن تفاصيل الأحكام.

وأما الإجماع: فباطل أيضاً، لأنّه إما أن يكون عن دلالة، أو عن أمارة، أو لا عنهما .

والأوّل باطل، وإلا لوجب اشتراك العقلاء بأجمعهم فيه (3).

وأمّا الثاني، فلامتناع اشتراك العقلاء فيها في طرف واحد، وأيضاً فإنّ أكثر الأمارات مختلف فيها (4).

وأمّا الثالث، فلاستلزام القول في الدين بمجرد التشهي، وهو باطل بالإجماع.

وأما القياس فلأنّه ليس بحجة عندنا، لوجهين:

الوجه الأوّل: إنّه يفيد الظنّ، وما يفيد الظنّ لا يجوز أن يكون حافظاً للشرع.

ص: 333


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ج، د، ه: إلاّ .
3- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (والأوّل باطل، وإلا لوجب اشتهار تلك الأدلّة، لأنّ الأمر الذي ب، د، اجتمع (أجمع له) جميع الأمة بسببه على الواقعة المعينة، واقعة عظيمة، واشتهار الوقائع العظام واجب، والعلم بذلك ضروري لمن عرف الفوائد).
4- العبارة في ب، ج، د، ه: (فلانه يمتنع اشتراك جميع العقلاء فيها في ظنّ واحد وأيضاً فإنّ أكثر الأحكام مختلف فيها).

والوجه الثاني: إنّ مبنى شرعنا على جمع المختلفات وتفريق المتجانسات، فإنّ الشارع أوجب علينا الوضوء من البول والغائط والريح، وغير ذلك، وهذه الأسباب مختلفة، وأباح لنا النظر إلى وجه الأمة الحسناء، وحرّم علينا النظر إلى الحرّة غير الحسناء، وهما متفقان، وذلك يؤدّي إلى إبطال القياس بالكلية.

وأما البراءة الأصلية : فلأنها رافعة لجميع (1)الأحكام.

وأما المجموع: فلعدم حفظ بعض الشرع، وذلك لأنّ الكتاب والسنّة قد وقع الاختلاف فيهما وفي معانيهما، فلا يجوز أن يكون المجموع حافظاً [للشرع](2)، لأنّ الكتاب والسنّة من جملة المجموع وقد اشتملاً على بعض الشرع.

وإذا كان واحداً من ذلك المجموع قد تضمّن بعض الشرع، بطل كونه دليلاً على ما تضمّنه ذلك البعض الذي تضمّنه ذلك الفرد من جملة الشرع غير محفوظ، فلا يكون المجموع محفوظاً، فلم يبق إلّا الإمام الحافظ للشرع .(3)

وإذا ثبت أنّ الحافظ للشرع هو الإمام، فحينئذ تجب عصمته(4)، لئلا

ص: 334


1- في ب، ج، د ه: (ترفع جميع).
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- العبارة في ب ، ج ، د، ه: (وإذا كان واحداً من ذلك المجموع قد تضمن بعض الشرع، بطل كونه دليلاً على ما تضمنه ذلك البعض وهو من جملة الشرع فقد صار بعض الشرع غير محفوظ، فلا يكون المجموع، فقد صار بعض الشرع غير محفوظاً، وأمّا أمر آخر فلأنا غير عالمين به، فلو كان حافظاً للشرع كان تكليفاً بما لا يطاق، فلم يبق إلا الإمام).
4- العبارة في ب ، ج ، د ، ه: (الإمام هو الحافظ للشرع، وجبت عصمته).

يتعدّى شيئاً من الشرع، أو يضيعه، فينتفي الغرض.

قال (أدام الله أيامه): «ويجب أن يكون أفضل من رعيته، لقبح تقديم المفضول على الفاضل ، ولقوله تعالى: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَنْ لا يَهدي إلا أَنْ يُهدى» .(1)

ويدخل في ذلك كونه أزهد، وأورع، وأشجع، وأعلم، وأكرم» .(2)

أقول: هذه صفة ثانية يجب اتصاف الإمام بها، وهي كونه أفضل من رعيته، ويدخل تحت ذلك الفضل الزهد والورع، والشجاعة، والعلم، والكرم.

والدليل على ذلك من وجهين:

الوجه الأوّل: لو لم يجب اتصاف الإمام بالأفضلية، لجاز تقديم المفضول الى الفاضل والتالي ،باطل ، لأنّه قبيح قطعاً (3)، فالمقدّم مثله. والشرطية ظاهرة. الوجه الثاني: قوله تعالى: «أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَنْ لا يَهدِّي إِلَّا أَنْ يُهدى».(4)

وجه الاستدلال بهذه الآية أنه تعالى تعجب من تقديم الذي يهدي بعد أن يهدى، على من هو يهدي للحق (5)من غير أن يهدى، وهو نصّ في الباب.

ص: 335


1- سورة يونس : 35.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين : 63 الفصل الحادي عشر.
3- (لأنه قبيح قطعاً) لا يوجد في ج، د.
4- سورة يونس : 35 .
5- في ب، ج، د، ه: (إلى الحق).

قال (أدام الله أيامه): «ويجب أن يكون منصوصاً عليه، لأنا شرطنا فيه العصمة، وهي من الأمور الباطنة التي لا يطلع عليها غير الله تعالى، فيجب أن يتعيّن بالنص لا بغيره» .(1)

أقول: هذه صفة ثالثة يجب اتصاف الإمام بها، وهي كونه منصوصاً عليه. والدليل على ذلك: أنا شرطنا في الإمام كونه معصوماً، والعصمة سر باطن لا يطلع عليه غير الله تعالى، فيجب عليه نصب من حصلت له هذه الصفة بالنص عليه، لكونه عالماً بالشرط (2)دون غيره وهذا إنّما هو رأي الإمامية لا غير .

أما باقي (3)الناس فقد اختلفوا:

فمنهم من يقول بالدعوة أو النصّ، وهم الزيدية .(4)

ومنهم من يقول: بالنصّ أو الميراث، وهم العبّاسية .(5)

ص: 336


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 64 الفصل الحادي عشر.
2- في ب بالسرّ .
3- (أما باقي) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
4- الزيدية: أتباع زيد بن علي بن الحسين الهلال الذي قتل وصلب بالكناسة قرب الكوفة سنة 120- 122ه، وهم القائلون بإمامة كل فاطمي عالم صالح ذي رأي يخرج بالسيف، وهم فرق متعدّدة كالجارودية والبترية والجريرية وغيرها، ومن علمائهم سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وصالح بن حيّ وولده.
5- العبّاسية: وهم الذين غلوا في العباس وولده قائلون بتوريث الخلافة، ومنهم فرقتان: فرقة تسمّى الهاشمية، وهم أصحاب أبي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية، وفرقة تسمى الراوندية أصحاب عبد الله الراوندي.

ومنهم من يقول : بالنصّ، أو اختيار أهل الحل والعقد، وهم من هؤلاء من المسلمين.

والحق الأوّل ! لما قلناه.

[بحث في إمامة أمير المؤمنين علیه السلام]

قال (أدام الله أيامه): «البحث الثالث: في أنّ الإمام بعد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم هو علي بن أبي طالب علیه السلام:

ويدل عليه وجوه:

الأوّل: أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً - على ما بيناه - ولا شيء من الصحابة والذين ادّعي لهم الإمامة غيره بمعصوم، فتعين أن يكون هو الإمام.

والمقدمة الثانية إجماعية» .(1)

أقول: لما فرغ من البحث في وجوب الإمامة [وشرائطها](2)، شرع في البحث عن الإمام الحق بعد الرسول علیه السلام بلا فصل من هو .

وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة أقوال:

فذهبت الإمامية، والزيدية، والغلاة (3): إلى أنّ الإمام بعد النبي علیه السلام إنما هو علي بن أبي طالب علیه السلام.

وذهب أكثر الناس إلى أنّ الإمام بعد النبي علیه السلام هو أبو بكر.

ص: 337


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 64 الفصل الحادي عشر.
2- أثبتناه من ب ج د ه.
3- لا يوجد ب، ج، د، ه.

وقال جماعة من الجمهور: هو العبّاس (رضي الله عنه) .(1)

لنا على ذلك وجوه ذكرها شيخنا (دام ظله)(2):

الأوّل: إنا قد بيّنا وجوب العصمة في الإمام، ولا شيء من الصحابة الذين

ادعي لهم الإمامة غير علي بن أبي طالب علیه السلام بمعصوم، فتعين أن يكون هو الإمام. والكبرى إجماعية.

قال (أدام الله أيامه): «الثاني: النقل المتواتر عن الشيعة خلفاً عن سلف - ونقله المخالف أيضاً - أنّ (3)النبي صلی الله علیه و آله وسلم نص على علي علیه السلام (4)بإمرة المؤمنين، وبأنه خليفته من بعده» .(5)

أقول: هذا دليل ثانٍ على أنّ الإمام بعد النبي الا هو علي بن أبي طالب علیه السلام.

وتقريره: أنه قد ورد عن النبي علیه السلام نقله(6) الشيعة أجمع، ونقله الخصم، أنّ النبي علیه السلام قال: (سلّموا عليه بإمرة المؤمنين)(7)، و(اسمعوا له

ص: 338


1- (رضي الله عنه) لا يوجد ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: المصنف.
3- في ب، د، ه: عن.
4- في ج، د، ه: (نص عليه).
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 64 الفصل الحادي عشر.
6- في ب، ج، د، ه: نقلته.
7- انظر: الكافي للكليني :1 : 292 باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين ط دار الكتب الإسلامية طهران 1363ش، الأمالي للصدوق: 436 المجلس (56) ط1 مؤسسة البعثة، قم 1417ه، وغيرها.

وأطيعوا) (1)، و(أنت الخليفة من بعدي) (2)، وهذا خبر متواتر نقله الإمامية خلفاً عن سلف.

قال ( أدام الله أيامه): «الثالث: قوله تعالى: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» .(3)

والاستدلال به يتوقف على مقدمات:

أحداها: أنّ لفظة (إنّما) تفيد الحصر، وهو متفق عليه بين أهل اللغة.

الثانية: أنّ لفظة (الوليّ) هنا يراد بها الأولى بالتصرف، وهو مشهور عند أهل اللغة، ومستعمل في العرف، لقوله علیه السلام: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليّها فنكاحها باطل) وقولهم: السلطان ولي «الرعية»، و«ولي الدم»، و«وليّ الميت».

الثالثة: أنّ المراد من «الَّذِينَ آمَنُوا» بعض المؤمنين، لاتصافهم بصفة ليست عامة لكلّ المؤمنين، ولأنه لو كان للجميع لكان الولي والمتولّي واحد، وهو محال.

ص: 339


1- انظر: مناقب أمير المؤمنين لابن سليمان الكوفي 1: 371 ط1 مجمع إحياء الثقافة قم 1412ه، أمالي الطوسي: 583 (1206) المجلس (24) ط 1 دار الثقافة للطباعة قم 1414ه، تاريخ الطبري 2 63 ط مؤسسة الأعلمي بيروت كنز العمال 13: 133 (36419) فضائل عليّ ط مؤسسة الرسالة بيروت 1409ه، وغيرها.
2- انظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 100 ترجمة الإمام علي الا ط دار الفكر بيروت 1415ه، إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري 9 259 (8944)، وغيرها.
3- سورة المائدة: 55 .

الرابعة: أنّ المراد بذلك البعض هو علي بن أبي طالب علیه السلام، للإجماع على أنه هو الذي تصدّق بخاتمه حال ركوعه، فنزلت هذه الآية» .(1)

أقول هذا دليل ثالث على تقديم إمامة علي بن أبي طالب علیه السلام.

وتقريره أنه تعالى قال: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ».

وجه الاستدلال بهذه الآية يتوقف على أمور أربعة:

الأوّل: أنّ لفظة (إنّما) تفيد الحصر.

الثاني: أنّ لفظة (الولي) تفيد الأولى بالتصرف.

الثالث: إنّ [المراد](2) ب_«الَّذِينَ آمَنُوا» بعض المؤمنين.

الرابع: إنّ ذلك البعض هو علي بن أبي طالب علیه السلام.

أما الأولى فلأنّ أهل اللغة فرّقوا بين قولهم(3): «قام زيد»، وبين قولهم(4): إنما قام زيد.

ولذلك قال الشاعر(5):

ولست بالأكثر منهم حصى***وإنّما العزّة للكاثر (6)

ص: 340


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 64- 65 الفصل الحادي عشر.
2- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
3- في د، ه (قول القائل).
4- في د، ه: وقوله.
5- في ب ، ج ، د، ه: (ومنه قول الشاعر).
6- البيت الشعري للشاعر الجاهلي الأعشى أبو بصير.

فلو لم تكن (إنّما) تفيد الحصر، فلم(1) فرّق بينهما، ولم يبق في البيت فائدة .(2)

وأما الثانية: فلأنّ أهل اللغة نصوا عليه.

قال الكميت(3):

ونعم ولي الأمر بعد وليه***ومستجمع التقوى ونعم المؤدب

والمبرد (4)قد نص عليه في كتابه المسمّى ب__(العبارة)، وهو إمام اللغة.(5).

وأيضاً ، فإنه مستعمل في العرف.

وروي عن النبي علیه السلام أنه قال: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل) (6)، أي : الأولى بالتصرّف في نفسها منها، ومن ذلك قولهم: «السلطان ولي الرعيّة»، ومنه قولهم: «ولي الدم»، أي: الأولى به، و«ولي الميت» كذلك.

ص: 341


1- في ب، ج، د، ه: (لم يبق).
2- في ب، ج، د، ه: (فائدة في البيت).
3- الكميت بن زيد الأسدي الكوفي، الشاعر المعروف بولايته لأهل البيت ، الفقيه الحافظ، ولد سنة 60 ه، وتوفي سنة (126ه).
4- المبرد: أبو العباس محمّد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان الثمالي الأزدي البصري اللغوي النحوي الأديب نزيل بغداد المولود سنة (210ه)، وتوفي سنة (285ه) ببغداد ، له عدة كتب منها الكامل والمقتضب ومعاني القرآن وطبقات النحاة البصريين وغيرها.
5- (وهو إمام اللغة) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
6- انظر: مسند أحمد بن حبل 6: 66 حديث عائشة ط دار الصادر بيروت، وغيره.

وأما الثالثة: فلأنه إما أن يريد جميع المؤمنين، أو بعض المؤمنين، فإنّ كان الأوّل فهو باطل، [لأنه تعالى وصفهم بصفة خاصة ](1)، وإلا لزم(2)كون الولي والمتولّى [عليه] (3)واحداً ، وإما أن يكون بعض المؤمنين، وهو المطلوب.

وأمّا الرابعة فمن وجوه:

الأوّل: إنّ الناس بين قائلين: منهم من قال: جميع المؤمنين، المؤمنين، ومنهم من قال بعض المؤمنين.

وكل من قال: [المراد](4) بعض المؤمنين، قال: إنّ ذلك البعض هو علي علیه السلام ، وقد بينا أن المراد بعض المؤمنين، فثبت المطلوب.

الوجه الثاني: إجماع المفسّرين على إرادة علي علیه السلام .

الوجه الثالث: إنّه تعالى وصف المؤمنين بأنهم: «يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وهُمْ رَاكِعُونَ» ، ولا خلاف في أن علياً الله لا تصدق بخاتمه حال رکوعه، فيكون هو المراد.

قال (أدام الله أيامه): «الرابع: الخبر المتواتر يوم الغدير من قوله علیه السلام : (ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا بلى يا رسول الله. فقال: من كنت مولاه فعلي ،مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله وأدر الحق معه أينما دار).

ص: 342


1- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
2- في ب، ج، د، ه: (وأيضاً يلزم).
3- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
4- أثبتناه من ب، د، ه.

ولفظة ( مولى) يراد بها الأولى بالتصرف:

أمّا أوّلاً فللاستعمال، كما يقال لسيّد العبد (مولاه)، أي: أولى به.

وأما ثانياً: فلانتفاء معانيها سوى المطلوب.

وأما ثالثاً: فلأنّ مقدّمة الخبر تدلّ عليه» .(1)

أقول: هذا دليل رابع على تقديم إمامة علي بن أبي طالب علیه السلام.

وتقريره أن النبي علیه السلام قال يوم الغدير لما رجع من حجة الوداع: (معاشر المسلمين، ألست أولى منكم بأنفسكم؟

قالوا بلى يا رسول الله .

قال: من كنت مولاه فعلي ،مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه أينما دار).

وجه الاستدلال بهذا الخبر يتوقف على مقدمتين:

المقدّمة الأولى: صحة سنده.

والدليل على ذلك: أنّه قد تواترت به الشيعة خلفاً عن سلف، والتواتر يفيد اليقين.

وأيضاً، فإنّ جميع الأمة تلقوا هذا الخبر بالقبول، ولكن بعضهم منع دلالته على ما ندعيه.

وأيضاً، فإنّ أمير المؤمنين علیه السلام في الشورى عدّه في جملة فضائله، ولم يخالفه أحد فيه، ولو لم يكن صحيحاً لردّوه، لأنه علیه السلام افتخر عليهم به، وكلّ من افتخر

ص: 343


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 65 الفصل الحادي عشر.

عليه غيره فإنّ له داع قوي إلى إبطال ما يفتخر به غيره (1)مع إمكانه.

المقدّمة الثانية: إنّ المراد ب__(المولى) الأولى بالتصرف.

ويدلّ عليه قوله تعالى: «النَّارُ هِيَ مَوْلاكُم» (2)، أي: النار أولى بكم (3).

وأيضاً(4)، قول الشاعر:

فأصبحت مولاها من الناس كلّهم...... (5).

وأيضاً، [في] العرف يقال لسيّد العبد: [أنه](6)مولاه، أي: أولى بالتصرف فيه.

وأيضاً ، فإنّ دلالة (المولى) محصورة في معانٍ [سبعة](7):

أ - (8)الأولى بالتصرف.

ب - الناصر .

ج - ابن العم.

د - الجار.

ه - الخليف.

ص: 344


1- في ب، ج، د، ه: الغير.
2- سورة الحديد 15 .
3- في جميع النسخ: (قوله تعالى النار ،مولاه، أي النار أولى به)، والصحيح ما أثبتناه.
4- في ب، ج، د، ه: ومنه .
5- البيت الشعري للأخطل يمدح عبد الملك بن مروان، واسمه غياث، مات سنة 90 هجرية.
6- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
7- أثبتناه من ب، ج، د، ه.
8- في ب ه أثبتت هكذا: الأوّل / والثاني والثالث

و - المعتق .

ز - المعتق .

والكل باطل سوى الأوّل !

أمّا بطلان الثاني: فلأنّ كون علي بن أبي طالب ناصراً للنبي اللا كان معلوماً عندهم بآية النصرة. والنبي علیه السلام ما كان يجمع الناس في ذلك الوقت(1)، وذلك المكان ليعرفهم ما كان معلوماً لهم.

وأمّا بطلان الثالث: فلأنه يلزم الكذب على النبي اللا، لأنه قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، فيلزم أن يكون علي علیه السلام ابن عمّ عقيل وجعفر، وذلك

باطل.

وأمّا بطلان الرابع: فلأنّه إن كان معلوماً لهم، لم يكن في إعلامهم به في ذلك الوقت والمكان فائدة، بل يكون عبثاً(2)، وإن لم يكن معلوماً فلا فائدة فيه أيضاً.

وأما بطلان الخامس: فلأنه يلزم الكذب.

وأما بطلان السادس: فلأنّه يلزم الكذب أيضاً.

وأمّا بطلان السابع : فلأنّ النبي علیه السلام أجل من هذه المرتبة الدنية. فلم يبق إلّا الأوّل.

وأيضاً، فإنّ مقدّمة الخبر، وهى قوله علیه السلام : (ألست أولى منكم بأنفسكم) تدلّ عليه، لأنّ النبي علیه السلام الخاطبهم بخطاب لا يحتمل إلا الأولى بالتصرف، ثمّ

ص: 345


1- (ذلك الوقت) لا يوجد في ب، ج، د، ه.
2- (بل يكون عبثاً) لا يوجد في ب، ج، د، ه.

عقبه بخطاب يحتمل ذلك وغيره، فيجب حمل الثاني على الأوّل، وإلا لزم كون النبي علیه السلام ملغزاً معمّياً، وهو باطل.

قال (أدام الله أيامه): «الخامس: قوله علیه السلام المتواتر: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).

والمنزلة هنا للعموم، وإلا لما صح الاستثناء منها.

.... (1).

ومن جملة منازل هارون أنه لو عاش بعد موسى لكان خليفة، لأنه كان خليفة له حال حياته بقوله: «أخْلُفْنِي فِي قَوْمِي»(2)، فيكون كذلك بعد وفاته، وإلا لكان معزولاً عن تلك الولاية، فيكون غضاً من منصب النبوّة. ولأنه كان رسولاً مفترض الطاعة، فلو عاش وجب عليهم طاعته» .(3)

أقول: هذا دليل خامس على تقديم إمامة علي بن أبي طالب علیه السلام.

وتقريره أنه قد تواتر عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال لعلي علیه السلام : أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).

وجه الاستدلال بهذا الخبر يتوقف على مقدمتين:

أمّا المقدّمة الأولى فهي أن منزلته تعم جميع المنازل التي لهارون من موسى علیه السلام.

ص: 346


1- هنا تنتهي نسخة مخطوطة مكتبة السيّد المرعشي النجفي المنسوبة لخط للمؤلّف لتلف آخرها، وما بعدها يكون من نسخة المكتبة الرضوية المشار إليها ب__(ب).
2- سورة الأعراف: 142.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 65 - 66 الفصل الحادي عشر.

المقدّمة الثانية: إن هارون لو عاش بعد موسى لكان خليفته.

والدليل على الأوّل: أنّه علیه السلام إمّا أن يريد منزلة واحدة أو أكثر، فإنّ أراد منزلة واحدة، لم يصح الاستثناء، لكنّه قد استثنى فيكون مراده أكثر من منزلة واحدة.

فإما أن يريد جميع المنازل وهو المطلوب، أو بعض المنازل وهو باطل، لأنّ الناس قائلين منهم من قال: يريد منزلة واحدة، وهي كونه خليفة في قومه في حياته، كما كان موسى ومنهم من قال : أكثر من منزلة واحدة.

وكل من قال: إنّه أكثر من منزلة واحدة، قال: إنّه أراد الجميع، فالقول بغيرهما قول ثالث لا قائل به فثبت أنه يريد جميع المنازل.

والدليل على الثاني من وجهين:

الأوّل: إنّ هارون كان شريك موسى علیه السلام في الرسالة، لقوله تعالى: «أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ بِآيَاتِنَا» (1)، فلو عاش بعده لكان مفترض الطاعة.

الثاني: إنّ هارون كان خليفة موسى علیه السلام في حياته، لقوله تعالى: اخْلُفْنِي في قَوْمِي (2)، فلو عاش بعده، فإما أن يبقى على حاله وهو المطلوب، أو ينعزل عن تلك الحالة [وهو باطل](3)، لأنّ الانعزال عن المرتبة (4)العالية يوهم أنّ المعزول لم يكن مستحقاً لها وكونه خائناً فيها، وكلاهما محالان في جانب

ص: 347


1- سورة المؤمنون: 45 .
2- سورة الأعراف : 142 .
3- أثبتناه من د، ه.
4- في ه: المنزلة.

النبي صلی الله علیه و آله وسلم [لتنفير هما عنه](1). فإذا ثبت أنه يريد جميع المنازل، وأنّ هارون كان خلیفته من بعده،ثبت أنّ عليا علیه السلام كان خليفته من بعده.

قال [أدام الله أيامه] (2): «السادس: إنه علیه السلام كان أفضل الصحابة، فيكون هو الإمام.

أمّا المقدمة الصغرى، فمن وجوه:

الأول: أنه جمع الفضائل النفسانية كالعلم والذكاء، والكرم. والفضائل البدنية كالزهد والعبادة والشجاعة وغير ذلك ما لم يحصل لأحد من الصحابة.

الثاني: أنه علیه السلام كان في غاية الذكاء والفطنة والحرص على تحصيل المعارف واقتناء الفضائل والمتابعة لرسول الله (3)علیه السلام، والنبي صلی الله علیه و آله وسلم كان شديد الحرص على التكميل والملازمة بينهما شديدة بحيث لا ينفك عنه في أكثر الأوقات. ومع حصول القابل وتحقق المؤثر وانتفاء الموانع (4)يحصل التأثر على أبلغ أحواله.

الثالث: قوله علیه السلام : (أقضاكم علي) (5)، والقضاء يستلزم العلم والدين.

ص: 348


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- في النسخة ب، ج، د، ه: (رحمه الله)، وأثبتناه هكذا ليتسق ما سبقه. وهكذا في ما يأتي بعده فلا يحتاج للتنبيه.
3- في المصدر، ج ، د، ه: للرسول.
4- في ج، د، ه: المانع.
5- روته الخاصة والعامة، كما عن أبي يعلي نقله السيوطي في الجامع الصغير 1 : 58 ، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 51 : 300 محمّد بن إدريس، وابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح النهج 7: 220)، والإيجي في (المواقف 3: 627)، وغيرها.

وقوله علیه السلام : (أنا مدينة العلم وعلي بابها) (1). واتفق المفسّرون على أنّ قوله: «وتَعِيَها أُذُنْ واعِيَةٌ» (2)المراد به علي علیه السلام .(3)

الرابع: قوله علیه السلام : (لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم)(4)، وذلك يدل على إحاطته بجميع الشرائع، ولم يحصل لغيره من الصحابة ذلك.

الخامس أنّ الصحابة كانوا يرجعون إليه في الأحكام ويأخذون عنه الفتاوى، ويقلدونه، ويرجعون عن اجتهادهم إذا خالفهم، وأخطأ أكثرهم في الأحكام، ودلّهم على زللهم فرجعوا إليه.

السادس: القضايا الغريبة والأحكام العجيبة التي حكم بها ولم يسبقه إليها أحد.

كحكمه على الحالف بصدقة زنة قيد العبد وهو في رجله قبل حلّه، بوضع رجله مع القيد في قصعة مملوءة ماء، ثمّ رفع القيد ووضع برادة الحديد حتى انتهى صعود الماء إلى مكانه أوّلاً، وأمره بصدقة زنة البرادة.

ص: 349


1- حديث صحيح عند الخاصة والعامة فمن العامة الحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين 3: 216 ، والطبراني في المعجم الكبير :11 : 55 عن ابن عبّاس ط دار إحياء الثراث 216 العربي، وابن عبدالبرّ في الاستيعاب :3: 1102 ط 1 دار الجيل لبنان 1412ه، وغيرها.
2- سورة الحاقة: 12 .
3- رواه أعلام الحديث والتفسير عند الفريقين.
4- أورده ابن أبي الحديد في شرحه للنهج عن المدائني 6 : 136 ط دار إحياء الكتب العربية.

وكحكمه بين صاحب الأرغفة الخمسة وصاحب الثلاثة، لما أَذِنا لثالث في الأكل فرمى لهما ثمانية دراهم لما تشاحًا، بأنّ لصاحب الثلاثة درهماً واحداً،ولصاحب الخمسة الباقي، حيث قسم الأرغفة على أربعة وعشرين جزءاً.

وغير ذلك من النكت التي لا تعد ولا تحصى.

السابع: أنّ جميع الفضلاء ينتسبون إليه.

فإنّ أهل التفسير يرجعون في علومهم إلى عبد الله بن عبّاس، وهو تلميذ علي علیه السلام ، حتى روى أنه شرح [له في] (1)الباء من (بسم الله الرحمن الرحيم) من أوّل الليل إلى آخره.

والمعتزلة والأشاعرة من المتكلمين يأخذون علمهم عنه علیه السلام.

وكذا النحو هو مستنبطه والدال عليه، وواضعه لأبي الأسود الدؤلي.

وعلم الأصول موجود في كلامه دون كلام غيره.

وغير ذلك من العلوم.

الثامن: أنه علیه السلام كان أشجع الصحابة حتى أن الفتوح بأجمعها كانت على يده، ولم يبارزه أحد إلا قتله. ووقائعه في الحروب مشهورة لا تحصى كثرة (2). ولم يسبقه أحد تقدّمه، ولا لحقه من (3)تأخر عنه.

التاسع : أنه [كان] (4)أزهد الصحابة، ولم يترك الدنيا أحد سواه، حتى أنه

ص: 350


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- في ج، د، ه: لا تخفى.
3- في ج، د، ه: أحد.
4- أثبتناه من المصدر، ج، د، ه.

طلّقها ثلاثاً مبالغة في تركها والرفض لها، ولم يتمكن أحد من مجاراته، ولا لحق أحد درجته في الترك، حتى أنه كان يصوم النهار ويفطر على قليل من جريش الشعير، وكان يختمه علیه السلام، فقيل له في ذلك ؟ فقال : (أخاف أن يضع أحد ولدي فيه أداماً)، وقال علیه السلام: (والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها)، وهذا سبيل لم يسلكه أحد سواه.

العاشر : أنه علیه السلام أعبد الناس، ولم يتمكن أحد من التأسي به، حتى أنّ زين العابدين علیه السلام مع كثرة عبادته ونسكه - وكان يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة - بصحيفة علي علیه السلام كالمتضجر، ويقول: (أنى لي بعبادة عليعلیه السلام)

صَلَّى الحادي عشر: أنه علیه السلام كان أكرم الناس بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فإنه عمّر بيده علیه السلام عدة حدائق وتصدق بها، وآثر بقوته وقوت عياله ثلاثة أيام للمسكين واليتيم والأسير، وصبر على الطوى ثلاثة أيام، ونزل فيه: «ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً ويَتِيماً وأسيراً...»(1) إلى آخر الآيات، وتصدّق بجميع ما معه عدة مراراً، ولم يخلف شيئاً من المال أصلاً .

الثاني عشر : إخباره بالمغيبات يدلّ على كمال فضله(2)، وذلك في عدة واطن، كإخباره عن نفسه الشريفة بالقتل، وبقتل ولده الحسين علیه السلام، وإخباراته في واقعة (النهروان)، وغير ذلك. وهو كثير لا يعد ولا يحصى، وقد ذكرنا طرفاً من ذلك في كتاب (نهاية المرام).

ص: 351


1- سورة الدهر 8.
2- في المصدر، ج: فضيلته.

وإذا ثبت أنه أفضل من غيره (1)، كان أولى من غيره، لما تقدّم» .(2)

أقول: هذا دليل سادس على تقديم إمامة علي بن أبي طالب علیه السلام.

وتقريره : إنّه قد كان أفضل من غيره، فيكون هو الإمام.

أمّا الصغرى، فمن وجوه ذكرها المصنّف(3)، وهي ظاهرة لا تحتاج إلى شرح ، وإنّما أشرح ما أشكل منها، وهو شيئان:

الأوّل : أنه حكم بأشياء عجيبة غريبة لم يسبقه إليها أحد.

فمنها: أنه علیه السلام ارتفع إليه اثنان أحدهما كان له(4)خمسة أرغفة، ومع الآخر ثلاثة أرغفة، وكانا قد أمرا ثالثاً بالأكل معهما، فأكل وأكلا معه ، ثمّ أنّ ذلك المأمور لما فرغ قام ورمى لهما ثمانية دراهم، فتشاحًا في كيفية قسمتها، فصاحب الخمسة قال: أنا أخذ خمسة وأنت ثلاثة فلم يرض صاحب الثلاثة، بل قال: نقسمها بيننا نصفين، فارتفعا إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام ليحكم بينهما، فحكم بأنّ لصاحب الخمسة سبعة، ولصاحب الثلاثة درهماً، وذلك لأنه علیه السلام قسم الدراهم على نسبة الأرغفة، فإنّ الثمانية الأرغفة إذا قسمت ثلاثة أقسام، كان كلّ قسم منها رغيفين وثلثي ،رغيف، فالذي أذنا له في الأكل أكل رغيفين وثلثي رغيف(5)، وكذلك كل واحد منهما، فينبسط(6) الرغيفين وثلثي الرغيف

ص: 352


1- في د، ه: (كان أفضل الناس).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 66 - 70 الفصل الحادي عشر.
3- العبارة في ج: (أما الصغرى، فمن وجوه الأوّل ذكره المصنّف طاب ثراه).
4- في د، ه: معه.
5- (فالذي أذنا له في الأكل أكل رغيفين وثلثي رغيف) لا يوجد في ج، د، ه.
6- في ج، د: فلنبسط .

من جنس الكسر تبلغ ثمانية أثلاث، وكذلك الباقي من الأرغفة، فيبلغ المجموع أربعة وعشرين ثلثاً، فالمأمور بالأكل أكل ثمانية، وكلّ واحد من صاحبي الأرغفة قد أكل ذلك القدر، فحينئذ الذاهب على صاحب الثلاثة ثلث رغيف، وصاحب الخمسة سبعة أثلاث فتقسّم الدراهم على هذه النسبة المذكورة. الثاني: إخباره في واقعة (النهروان)، وهي أنّه الا كان قد خرج للحرب لأهل النهروان، فجاء أصحابه علیه السلام وأخبروه بأنهم قد عبروا النطفة، فقال علیه السلام : (لم يعبروا) ، [فجاءوا مرّة أخرى، فقال علیه السلام: (لم يعبروا)](1) ، فقال رجل من أصحابه يقال له جندب بن عبد الله الأزدي في نفسه : والله إن وجدتهم قد عبروا كنت أوّل من يقاتله، فلما وصل إلى النهر (2)ولم يجدهم قد عبروا ، قال علیه السلام : (يا أخا !الأزد أتبيّن لك الأمر ؟!)، وذلك يدلّ على اطلاعه بما في ضميره، وذلك لم يعلمه أحد غيره. وأما الكبرى، فلما تقدّم.

[بحث في إمامة باقي الأئمة علیه السلام]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث الرابع: في إمامة باقي الأئمة الاثنى عشر علیهم السلام : لما بينا وجوب ب العصمة في الإمام وجب اختصاص الإمامة بالأئمة الاثنى عشر علیه السلام، وإلا لزم خرق الإجماع، إذ كلّ من أثبت العصمة قال بإمامتهم خاصة دون غيرهم .(3)

أقول: لما فرغ من الاستدلال على تقديم إمامة علي بن أبي طالب علیه السلام،

ص: 353


1- أثبتناه من ج.
2- في ج، د، ه: النهروان.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين 70 الفصل الحادي عشر.

شرع في الاستدلال على إمامة باقي الأئمة الاثني (1)عشر علیهم السلام

والدليل عليه من وجوه:

الأوّل: [إنا قد بيّنا] (2)وجوب العصمة في الإمام، وكل من قال بوجوب العصمة، قال بإمامة الاثني عشر علیهم السلام

والدليل على عصمتهم: أنه لا شيء من الجماعة الذين ادعي لهم الإمامة بمعصوم بالإجماع، ولو لم تكن العصمة ثابتة لهم لخلا الزمان عن المعصوم، وهو باطل!

قال [أدام الله أيامه]: «وللنقل المتواتر من الشيعة خلفاً عن سلف بنص النبي صلی الله علیه و آله وسلم على كل واحد واحد منهم، وبنص كلّ إمام على من بعده» (3).

أقول: هذا دليل ثانٍ على إمامة الأحد عشر علیهم السلام.

وتقريره أنه قد تواتر من الشيعة خلفاً عن سلف أنّ النبي علیه السلام قال لسبطه الحسين علیه السلام : (هذا ابني إمام، ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمة تسعة، تاسعهم ،قائمهم حجّة ابن حجّة، أخو حجّة، أبو حجج تسع)، وهذا أظهر من الشمس على إمامتهم. وأيضاً، فإنّ كلّ واحد نصّ على من بعده، فيكونوا أئمّة.

قال [أدام الله أيامه]: «ولأنّ غيرهم في زمانهم لم يكن أفضل منهم ولا مساويهم (4)في الفضل، بل كلّ واحد منهم في زمانه كان أفضل من كلّ موجود

ص: 354


1- في ب: الأحد.
2- أثبتناه من ج، د، ه.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين 70 الفصل الحادي عشر.
4- في المصدر، ج، د، ه: ساواهم.

فيه من أشخاص البشر، فيكون أولى بالإمامة» (1).

أقول هذا دليل ثالث على إمامة الأحد عشر علیهم السلام

وتقريره أنا لما بينا قبح تقديم المفضول على الفاضل، وقد كان كلّ واحد منهم أفضل أهل زمانه بإجماع الناس كانوا الأئمّة بعد علي بن أبي طالب علیه السلام.

[في غيبة الإمام المهدي علیه السلام]

قال [أدام الله أيامه]: وأما غيبة الإمام علیه السلام:

فإما [أن تكون] لخوفه على نفسه من أعدائه، وخوفه على أوليائه، فلا يظهر عاماً ولا خاصاً. وأمّا لمصلحة خفية استأثر الله تعالى بعلمها.

ولا استبعاد في طول عمره علیه السلام، فقد وجد في الأزمنة الماضية والقرون الخالية من عمّر عمراً مديداً أطول من عمره، وإذا ثبت أنّ الله تعالى قادر على كلّ مقدور - ولا شكّ في إمكان بقائه علیه السلام مدة طويلة - فلا استبعاد في وجوب القطع بوجوده علیه السلام وهذا العمر الطويل، بل النصّ (2)الدال عليه من النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ومن الأئمة السلام متواتر من (3)الإمامية.

ولوجوب نصب الرئيس في كل زمان ووجوب عصمته» (4).

أقول: لما فرغ من إثبات إمامة الاثنا عشر علیهم السلام، شرع في البحث عن غيبة الإمام المنتظر صاحب الزمان محمد بن الحسن علیه السلام.

ص: 355


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 70 الفصل الحادي عشر.
2- في ج، د، ه: للنص.
3- في ج، د، ه: (متواتراً بين).
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 70 - 71 الفصل الحادي عشر.

فنقول: غيبة الإمام علیه السلام ، إمّا لخوف على نفسه الشريفة وأصحابه وأوليائه، وإمّا [يكون] (1)لمصلحة خفيّة لا يعلمها أحد غير الله تعالى لا غير وكلاهما جائزان فحينئذ لا يظهر حتى يأمن أو تزول مصلحة خفائه لا عاماً ولا خاصاً، أي: لا ظاهراً مستمراً ولا ظاهراً منقطعاً لقوم .(2)

ولا يستبعد العقل (3)بقائه إلى هذا الوقت لأنّ من الناس من عمّر ألف سنة، أو أكثر.

لا يقال: استتاره إما [أن يكون](4) من قبل الله تعالى، أو من قبل نفسه، وكلاهما باطلان، لأنّه مفسدة، فلا يجوز صدوره منه تعالى لحكمته ولا منه علیه السلام لعصمته ؟!

لأنا نقول : نمنع كون الاستتار مفسدة، بل مصلحة غير معلومة لنا.

وهذه المسألة قد أكثر أصحابنا القول فيها، وشيخنا(طاب ثراه) اقتصر في هذا المختصر على ذلك.

وفقنا الله لمشاهدة طلعته السنية، ولرؤية غرّته البهية، إنّه على ذلك قادر وللأولياء ناصر .

ص: 356


1- أثبتناه من ج، د، ه
2- العبارة في ج، د، ه: (أي: لا ظاهراً مشتهراً ولا لقوم).
3- العبارة في ج، د ه: (ولا تستبعد العقول).
4- أثبتناه من ج، د، ه.

[الفصل الثاني عشر]

[في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

قال [أدام الله أيامه]: «الفصل الثاني عشر : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

الأمر : [هو] طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء.

والمعروف: الفعل الحسن المختص بوصف زائد على حسنه، إذا عرف

فاعله ذلك، أو دلّ عليه.

والمنكر: الفعل القبيح إذا عرف فاعله ذلك، أو دلّ عليه.

والنهي: ضد الأمر.

والأمر هنا أعم من أن يكون قولاً أو فعلاً، وكذا النهي. فالأمر بالمعروف هو الحمل على فعل الطاعات والنهي عن المنكر هو المنع عن فعل المعصية»(1).

أقول حقيقة الأمر : هي طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء.

ف «الطلب»، جنس يشتمل طلب الفعل وطلب الترك.

ص: 357


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 72 الفصل الثاني عشر.

وقولنا: «الفعل»، فصل عن طلب الترك، فإنّه يكون نهياً .

وقولنا: «بالقول»، خرج به غير القول، فإنّه لا يكون أمراً حقيقة.

وحقيقة المعروف الفعل الحسن المختص بوصف زائد على حسنه، إذا عرف فاعله ذلك، أو دلّ عليه.

ف__«الفعل»، جنس.

وقولنا : «الحسن»، خرج به القبيح، فإنّه يسمّى منكراً.

وقولنا: المختص بوصف زائد على حسنه، خرج به المباح، فإنّه ليس له

وصف زائد على حسنه.

الحد.

وقولنا: إذا عرف فاعله ذلك، أو دلّ عليه، ليس فصلاً، بل من متممات

وحقيقة المنكر : هو الفعل القبيح إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه ].(1)

فقولنا : «الفعل»، جنس

وقولنا : «القبيح، خرج به الفعل الحسن.

والباقي تمام الحدّ.

والأمر والنهي متضادان لعدم اجتماعهما في حالة واحدة من جهة واحدة .(2)

والأمر ها هنا قد يكون قولاً ، كقوله صلّ. وفعلاً، كمن يفعل فعلاً ليفعل غيره مثله.

ص: 358


1- أثبتناه من ج، د، ه، وسقط من ب.
2- (من جهة واحدة) لا يوجد في ج، ه.

وكذلك النهي قد يكون قولاً، كقوله لا تزن. وقد يكون فعلاً، كمن يضرب غيره إذا فعل شيئاً من القبائح.

إذا ثبت هذا، فاعلم أنّ الأمر بالمعروف هو الحمل على فعل الطاعات مطلقاً بأي شيء كان، والنهي عن المنكر هو المنع عن فعل المعاصي كذلك.

قال [أدام الله أيامه]: «وهما قد يجبان باليد واللسان عند الشرائط(1)، وبالقلب مطلقاً» .(2)

أقول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان باليد [كالضرب](3)، واللسان، كقوله لا تفعل، وافعل، وبالقلب، كالغضب عليه.

ووجوب الأوّلين مشروط بشرائط نذكرها في ما بعد إنشاء الله تعالى.

ووجوب الثالث مطلقاً، سواء حصلت الشرائط أو لا، وهذا مراده بقوله: «مطلقاً».

قال [أدام الله أيامه]: «وإنّها وجبا لكونهما لطفاً، فإنّ المكلف إذا عرف أنه متى ترك المعروف أو فعل المنكر منع من ذلك على بعض الوجوه، كان ذلك صارفاً له عن ترك المعروف وفعل المنكر».(4)

أقول: وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونهما لطفاً، لأنّ المكلّف إذا عرف أنه متى فعل المنكر أو ترك المعروف، حصل له من يردعه عن فعل

ص: 359


1- في المصدر، د، ه: شرائط .
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 72 الفصل الثاني عشر.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 72 الفصل الثاني عشر.

المنكر وعن ترك المعروف، كانت معرفته بذلك صارفة عن ذلك، ومعرفته مستندة إلى الأمر والنهي فيكون لطفاً، فيجبا لما تقدّم .(1)

قال [أدام الله أيامه]: «ولمّا انقسم المعروف إلى الواجب والندب، انقسم الأمر إليهما. والمنكر لا ينقسم، فلا ينقسم النهي عنه» (2).

أقول: المعروف ينقسم إلى قسمين واجب، وندب. وإذا كان المأمور به كذلك، كان الأمر إمّا واجباً أو ندباً، فالأمر بالواجب واجب، والأمر بالندب ندب. وأما المنكر، فكله قبيح، لعدم انقسامه إلى شيئين، فالنهي كذلك أيضاً لا ينقسم، فالنهي عنه واجب.

قال [أدام الله أيامه]: «وطريق وجوبهما السمع، خلافاً لبعضهم، وإلا لزم إيقاع كلّ معروف وارتفاع كلّ منكر، أو إخلال الله تعالى بالواجب، والتالي بقسميه ،باطل [فالمقدم مثله] .(3)

بيان الملازمة: إنّ الواجبات العقلية عامة على كلّ من تحقق فيه وجه وجوبها، ولما كان الأمر بالمعروف هو الحمل عليه، والنهي عن المنكر هو المنع منه، فلو وجبا بالعقل لوجبا عليه تعالى فإن فعلهما لزم ارتفاع المنكر ووقوع ،المعروف والوجدان بخلافه وان لم يفعلهما كان الله تعالى مخلاً بالواجب، وهو باطل لما تقدّم» .(4)

ص: 360


1- العبارة في د، ه: (ومعرفته مستندة إلى الآمر والناهي فيكونا لطفاً، فيجبان لما تقدّم).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 72 الفصل الثاني عشر.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 72 - 73 الفصل الثاني عشر.

أقول: اختلف الناس في طريق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

فقال قوم: السمع.

وقال قوم: العقل.

والحق الأوّل !

والدليل عليه: أنه لو وجب بالعقل للزم إيقاع كلّ معروف وارتفاع كلّ منكر، والتاليان باطلان، فالمقدم مثلها.

بيان الملازمة: إنّ الواجبات العقلية تجب على كلّ من تحقق فيه وجه وجوبها، والله تعالى تحقق (1)فيه وجه وجوبهما، فيجبان عليه تعالى، فإما أن يفعلهما، أو لا يفعلها، فإن فعلهما لزم إيقاع كلّ معروف وارتفاع كل منكر، ونحن نجد خلاف ذلك ! وإن لم يفعلهما كان الله تعالى مخلاً بالواجب، وقد بينا بطلانه في ما تقدّم.

قال [أدام الله أيامه]: «وإنّما يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروط:

الأول: علم الأمر والناهي بكون المعروف معروفاً، والمنكر منكراً.

الثاني: تجويز تأثير الأمر والنهي .

الثالث: انتفاء المفسدة عليه وعلى غيره ممن لا يستحق.

ووجوبه على الكفاية، لأن الغرض تحصيل المعروف وارتفاع المنكر» .(2)

ص: 361


1- لا يوجد في ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 73 الفصل الثاني عشر.

أقول: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان مشروط بشروط ثلاثة:

الأوّل: علم الأمر والناهي بكون المعروف معروفاً، والمنكر منكراً، لأنه لو لم يعلم الجاز أن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، فيلزم الإغراء بالجهل.

الثاني: أن يجوّز الأمر والناهي تأثير أمره ونهيه، وإلا فلا فائدة في الأمر والنهي، إذ الفائدة فيها هي الحمل على المعروف والردع عن المنكر، وهي غير ثابتة.

الثالث: انتفاء المفسدة عليه وعلى غيره ممن لا يستحق.

فقوله: «ممن لا يستحق»، ليخرج عنه المستحق كالكافر، فإنّ الشخص إذا عرف أنّه متی أنكر على الآخر (1)لزم وجود المفسدة للكافر، فإنّه يجب عليه

حينئذ.

وهل وجوبهما على الكفاية، أو على الأعيان؟ فيه خلاف !

قال الشيخ الطوسي(2)بالثاني، والحق الأوّل ! لأنّ الغرض الذي هو ارتفاع المنكر ووقوع المعروف يحصل بالواحد، فلا وجه لوجوبها على كلّ فرد فرد.

ص: 362


1- في ج، د، ه: آخر .
2- أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، شيخ الطائفة، تقدّم.

[الفصل الثالث عشر]

[في المعاد]

اشارة

قال [أدام الله أيامه]: «الفصل الثالث عشر: في المعاد:

وفيه مباحث:

[بحث في حقيقة الإنسان]

البحث الأول: في حقيقة الإنسان:

اختلف الناس في ذلك اختلافاً عظيماً، وتعددت مذاهبهم واضطربت آراؤهم في ذلك. وقد بيّنا أكثر حججهم في كتاب (المناهج)، واستقصينا ما بلغنا من أقاويل العلماء في ذلك في كتاب .(النهاية). ولنقتصر في هذا المختصر على المشهور، وهو مذهبان:

الأوّل: ما ذهب إليه أكثر المتكلّمين من أنّ الإنسان عبارة عن أجزاء أصلية في البدن من أوّل العمر إلى آخره، لا يتطرّق إليها الزيادة والنقصان.

والثاني مذهب الأوائل : أنّ الإنسان عبارة عن جوهر مجرّد متعلق بهذا البدن تعلّق العاشق بالمعشوق» (1).

ص: 363


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 74 الفصل الثالث عشر.

أقول : للناس في حقيقة الإنسان أقوال عظيمة:

فذهب قوم إلى أنّ الإنسان جسم، وهو هذه البنية المخصوصة.

وذهب آخرون: إلى أنه بعض هذه الجملة، وهي أجزاء لطيفة في القلب، منهم النظام .(1)

[و ذهب قوم إلى أنه الدم] .(2)

وذهب قوم إلى أنه الأرواح التي في الدماغ الصالحة لقبول قوى الحس، والفكر، والحفظ، والذكر .

وذهب قوم إلى أنه عرض وهو التشكيك والتخطيط الذي في هذا البدن.

وذهب قوم: إلى أنه ليس جسماً ولا عرضاً، بل هو [جوهر](3) مجرّد، وهو المسمّى ب__(النفس الناطقة)، وهو عندهم جوهر لا جهة له ولا محلّ، يدبّر البدن.

وذهب آخرون إلى أنّه أجزاء أصلية في البدن من أوّل العمر إلى آخره، لا يتغيّر بزيادة ولا نقصان

وهذان المذهبان (4)هما المشهوران بين الناس والأوّل: مذهب جماعة الحكماء، والثاني: مذهب جماعة من المتكلمين.

ص: 364


1- إبراهيم بن سيار البصري المعتزلي، أبو إسحاق النظام، تقدم.
2- أثبتناه من ج، د، ه.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- أي: القولان الأخيران.

قال [أدام الله أيامه]: «واستدل الأوّلون بأنّ كلّ عاقل يحكم على ذاته بالعقل والاتصاف بالعوارض النفسانية من غير أن يشعر بذلك المجرّد» (1).

أقول: لما فرغ من بيان المذاهب وتفصيلها، شرع في بيان حجّة كل فريق. وقد احتج كلّ من قال بالأجزاء الأصلية بوجوه:

الأوّل: إنّ هذا البدن يعدم، فلو كان هو الإنسان للزم إعادة المعدوم، وهو باطل فلا بد وأن يكون الإنسان شيئاً آخر غير البدن باقياً إلى يوم القيامة.

الثاني: أنا ندرك الألم بأبداننا وأجسامنا بالضرورة، وكذلك ندرك الطعوم والروائح بها أيضاً لا بشيء آخر مجرّد، ونحكم أيضاً على ذواتنا بالأفعال واتصافها بالعوارض النفسانية كذلك.

الثالث: أنا نعلم ماهية الإنسان، ونشك في المجرّد. فثبت تغايرهما.

قال [أدام الله أيامه]: «واحتج الآخرون بأن هاهنا معلومات غير منقسمة، فالعلم بها غير منقسم، فمحلّ العلم غير منقسم، وكلّ جسم أو جسماني منقسم. ينتج : أنّ محلّ العلم ليس جسماً ولا جسمانياً.

فهاهنا أربع مقدّمات:

الأولى: ثبوت المعلوم غير منقسم، وهو ظاهر! فإنا نعلم واجب الوجود تعالى، وهو غير منقسم. ولأنّ المعلوم إن كان بسيطاً فهو غير منقسم فقد ثبت المطلوب، وإن كان مركباً استحال معرفته إلّا بعد معرفة البسائط، ولأنّ النقطة والوحدة والآن معلومات غير (2)منقسمة، فقد ثبت المطلوب.

ص: 365


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 74 الفصل الثالث عشر.
2- في د، ه: (وهي غير).

الثانية: أنّ العلم بهذه المعلومات غير منقسم، لأنه لو انقسم لكان جزؤه، إمّا أن لا يكون علماً، أو يكون علماً بذلك المعلوم، أو بجزء ذلك المعلوم. والأقسام الثلاثة باطلة:

أمّا الأوّل: فلأنّ عند اجتماع الأجزاء إن لم يحصل أمر زائد لم يكن العلم علما، وإن حصل كان التركيب في قابل العلم، أو فاعله، لا فيه.

وأما الثاني : فلاستلزامه المساواة بين الجزء والكلّ، وهو محال.

وأما الثالث : فلاستلزامه انقسام المعلوم، وقد فرض غير منقسم.

الثالثة: أنّ محلّ العلم غير منقسم، لأنه لو انقسم، فإن كان حالاً في جزء منه نقلنا الكلام إليه، وإن حلّ (1)في كلّ جزء لزم انقسام العلم، وقد فرض غير منقسم، أو حلول العرض الواحد في محال متعدّدة، وهو محال.

الرابعة أنّ كلّ جسم أو جسماني منقسم، وهو بناء على نفي الجزء الذي لا يتجزى» .(2)

أقول: لما فرغ من بيان حجّة الفريق الأوّل، شرع في بيان حجّة الفريق الثاني.

وتقريرها أن نقول هاهنا معلومات غير منقسمة، فالعلم بها غير منقسم، فمحله غير منقسم(3)، وكل جسم [وكلّ](4) جسماني منقسم. ينتج أن محل العلم

ص: 366


1- في ج، د، ه: كان.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 4 - 75 الفصل الثالث عشر.
3- العبارة في د، ه: (ومحل العلم غير منقسم).
4- أثبتناه من ج، د، ه.

ليس بجسم ولا جسماني.

وذلك يتوقف [حينئذ] (1)على أربعة أمور:

الأوّل: ثبوت المعلومات التي لا تنقسم، وذلك كواجب الوجود، فإنّه معلوم وهو غير منقسم. وأيضاً يدلّ على وجود معلومات غير منقسمة، كون المعلوم إمّا أن يكون بسيطاً أو مركباً، فإن كان بسيطاً فهو غير منقسم، وإن كان مركباً استحال معرفته إلّا بعد معرفة كلّ جزء منه، وتلك الأجزاء إن كانت بسائط ثبت المطلوب، وإن كانت مركبات عاد البحث الأوّل، ولأنّ (2)النقطة والوحدة والآن معلومات وهي غير منقسمة، فقد ثبت المطلوب، وهو ثبوت معلومات غير منقسمة .(3)

الثاني: كون العلم بهذه المعلومات غير منقسم، لأنه لو انقسم لكان جزؤه، إما أن يكون علماً، أو لا يكون علماً ، فإن كان علماً، فإما أن يكون بجميع أجزاء ذلك المعلوم أو ببعض أجزائه. والأوّل باطل، وإلا تساوى الجزء والكلّ، والثاني باطل أيضاً، لأنه يستلزم انقسام المعلوم، وقد فرض غير منقسم، هذا خلف.

وإن لم يكن علماً، فعند اجتماع الأجزاء ، إما أن يحدث أمر زائد، أو لا، فإن حصل كان التركيب في قابل العلم أو فاعله لا فيه. وأيضاً فإنّا ننقل الكلام إلى ذلك الأمر الزائد بأنه (4)إما أن يكون بسيطاً أو مركباً، ويأتى البحث الأول، وإن

ص: 367


1- أثبتناه من د، ه.
2- في ج، د، ه: (وأيضاً فإنّ).
3- (فقد ثبت المطلوب، وهو ثبوت معلومات غير منقسمة) لا يوجد في د، ه.
4- لا يوجد في ج، د، ه.

لم يحصل أمر زائد لم يكن العلم علماً حينئذ .(1)

الثالث: كون محل ذلك العلم غير منقسم، لأنه لو انقسم، فإن كان حالاً في جزء منه، قلنا: ذلك الجزء إما أن ينقسم أو لا، فإن لم ينقسم فهو المطلوب، وإن انقسم، فإما أن يحلّ في جزء منه ، فننقل الكلام إليه، ويتسلسل، وإن كان في جميع أجزائه، كان العلم الذي فرضناه غير منقسم منقسماً، هذا خلف! ويلزم حلول عرض واحد في محال متعدّدة، وهو محال

الرابع: كون كل جسم وجسماني منقسماً، وهذا بناءً على نفي جزء الذي لا يتجزى.

قال [أدام الله أيامه]: «والاعتراض: أما المقدمة الأولى فمسلّمة.

وأما الثانية فممنوعة، لاستلزامه نفي الماهيات المركبة، ونمنع كون التركيب في القابل والفاعل خاصة على تقدير حصول الزائد، ونمنع المساواة في الحقيقة على تقدير المساواة في التعلق.

والثالثة أيضاً ممنوعة لانتقاضها بالوحدة والإضافة.

والرابعة أيضاً، وقد تقدّم بيانها» .(2)

أقول: لما فرغ من تقرير حجّة الحكماء، شرع في الاعتراض عليها.

أمّا المقدّمة الأولى: وهي وجود معلومات غير منقسمة، فمسلّمة.

وأما الثانية: وهي كون العلم بها غير منقسم، فممنوعة.

ص: 368


1- لا يوجد في ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 75 الفصل الثالث عشر.

ووجه المنع: أنه لو كان كذلك للزم نفي جميع الماهيات المركبة، وذلك لأنه لو كان ادعي بسائط الإنسان مثلاً صح بهذه الدلائل(1) للزم انتفاء الماهيات المركبة(2)، لأنّه يقال (3): الإنسان إمّا أن يكون بسيطاً أو مركباً، فإن كان بسيطاً ثبت المطلوب، وإن كان مركباً فجزؤه إما أن يكون إنساناً أو لا يكون، فإن كان إنساناً كان جزء الشيء يقوم مقام الشيء، وإن لم يكن إنساناً، فعند اجتماع الأجزاء إما أن يحصل أمر زائد أو لا، فإن لم يحصل لم يكن ما فرضناه إنساناً، هذا خلف ! وإن حصل كان التركيب في قابل الإنسان أو فاعله، لا فيه، وذلك وارد في جميع الماهيات المركبة.

سلّمنا حصول أمر زائد عند اجتماع الأجزاء، لكن لا نسلّم أنّ التركيب في قابل العلم أو فاعله خاصة .(4)

وأيضاً قوله : كان الجزء مساوياً للكلّ ممنوع، لأنّ التساوي في التعلّق لا يستلزم التساوي في الحقيقة.

[وأما] الثالثة: وهي محلّ العلم غير منقسم، أيضاً ممنوعة، لأنها تنتقض بالوحدة والإضافة، فإنّ الوحدة القائمة بالعشرة مثلاً لا تنقسم انقسامها(5)، وكذلك الإضافة، فإنّ الأعراض الإضافية عندكم موجودة في الخارج مفتقرة إلى

ص: 369


1- في ج، د، ه: (بهذا الدليل).
2- (للزم انتفاء الماهيات المركبة) لا يوجد في ج، د، ه.
3- في ج، د، ه: (لأنه يقول).
4- لا يوجد في د، ه.
5- في ج، ه: بانقسامها.

محلّ المنقسم، مع أنها لا تنقسم.

[وأما] الرابعة: أيضاً ممنوعة، لما مر من إثبات جوهر الفرد.

[بحث في إعادة المعدوم]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث الثاني: في إعادة المعدوم:

اختلف الناس هنا، فمنعه المحققون، وأثبته آخرون.

أما الأوّلون: فقد احتجوا بأنّ ما عدم لم يبق له هوية حتى يصح الحكم عليها بالإمكان، ولأنه لو أعيد لأعيد مع وقته فيكون مبتدأ معاداً، ولانتفاء امتیازه عن مثله لو وجد.

وأما الآخرون: فقد احتجوا بأنه ممكن الوجود والعدم، لاتصاف ماهيته بهما، فيكون قابلاً لهما. ومع عدمه لا يخرج عن الإمكان، لاستحالة انتقال الشيء من الإمكان إلى الامتناع.

وقد بحثنا عن كلام الفريقين في كتاب (النهاية).

والمعتمد: ادّعاء الضرورة على الحكم الأوّل» .(1)

أقول: اختلف الناس في إعادة المعدوم:

فقال قوم من المحققين: إنّه لا يجوز.

وقال قوم: إنّه جائز.

ص: 370


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 76 الفصل الثالث عشر.

واحتج الأوّلون بأنه لو عدم (1)لم يبق له هوية [حتى] (2)يشير العقل إليها بالحكم بإمكان الإعادة، ولأنه لو أعيد لأعيد مع وقته لأنه من جملة المشخصات، فيكون مبتدأ ،معاداً ، وهو محال، ولأنه لو أعيد لم يبق بينه وبين مثله مائز.

وأما الآخرون: فقد احتجوا بأنّ العالم قبل عدمه ممكن الوجود والعدم، لاتصاف ماهيته بهما، فإذا عدم لم يخرج عن كونه [ممكناً](3)، لاستحالة انتقال

الشيء من الإمكان إلى الامتناع.

اعترض على الأوّل بعين(3)ما دللتم به، وهو: أنه لو عدم لم يبق له هوية يصح الحكم عليها بالإمكان أي يمكن الاستدلال به على صحة إعادة المعدوم، بأنه (4)إذا عدم لم يبق له هوية حتى يصح الحكم عليها بالامتناع، فيكون ممكناً.

وقول شيخنا [دام ظلّه] (5): والأولى ادعاء الضرورة على الحكم الأوّل، فيه نظر ! بل ينبغي العكس. ورأيت المصنّف [ دام ظلّه] يستضعف هذا القول في أثناء الدرس.

ص: 371


1- لا يوجد في ج، د، ه.
2- أثبتناه من ج، د، ه.
3- في ج: (بأنّ عين)، وفي د، ه: (بأنّ غير).
4- في د، ه: (لأنا نقول).
5- في النسخة ب ، ج ، د، ه: ( طاب ثراه) ، وأثبتناه هكذا ليتسق مع ما سبقه. وهكذا في ما يأتي بعده فلا يحتاج للتنبيه.

[بحث في إمكان انعدام العالم]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث الثالث: في صحة عدم العالم:

خلافاً للفلاسفة والكراميّة، لأنه محدَث فتكون ماهيته قابلة للوجود والعدم بالضرورة. ولأنّ استحالة العدم لو كان لذاته كان واجباً لذاته، هذا خلف، وإلا ثبت المطلوب».(1)

أقول: لما فرغ من البحث عن المعدوم هل يعاد أم لا، شرع في البحث عن العالم هل يصح أن يعدم أو لا.

وقد اختلف الناس في ذلك : فجوّزه جمهور المتكلمين، ومنعه الفلاسفة. احتج الأوّلون بأنّ العالم محدث على ما مرّ، فتكون ماهيته قابلة للوجود والعدم بالضرورة.

وأيضاً، فإنّ العالم لو كان ممتنع العدم، لكان امتناعه إما أن يكون لذاته أو الفاعله، فإن كان امتناعه لذاته كان واجباً، إذ الواجب هو الذي يمتنع عدمه لذاته، وإن كان ممتنعاً لفاعله ثبت المطلوب، إذ الفاعل يجوز أن يفعل فعلاً أو يعدمه.

واحتج الآخرون: بأن الزمان يستحيل عدمه، فالحركة يستحيل عدمها، فالجسم يستحيل عدمه.

أما استحالة عدم الزمان، فلأنه لو صح عدمه بعد وجوده بُعديّة (2)

ص: 372


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 76 الفصل الثالث عشر .
2- في ج: (العدم)، ولا يوجد في د، ه.

بالزمان، فيلزم بعد (1)الزمان وجود الزمان.

وأمّا استحالة عدم الحركة، فلأنّ الزمان مقدار الحركة، فإذا لم يعدم الزمان لم تعدم الحركة.

وأما استحالة عدم الجسم، فلأنّ الحركة عرض لا بد لها من جسم لتحلّ فيه.

والجواب: المنع من كون التقدّم الذي لا يجامع المتقدّم فيه المتأخر يجب أن يكون بالزمان، فإنّ أجزاء الزمان يتقدّم بعضها على بعض ولا حاجة فيها على الزمان، وإلا لزم التسلسل .

قال [أدام الله أيامه]: «وهل يعدم أم لا؟

منع منه أبو الحسين وأتباعه وإلا لم يعد لاستحالة إعادة المعدوم عنده، بل إنّما تتفرّق أجزاؤه.

ومن جوّز إعادة المعدوم حكم بعدمه، لقوله تعالى: «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجهَهُ».

وتأوّله أبو الحسين بالخروج عن الانتفاع» .(2)

أقول: اختلف الناس (3)على جواز عدم العالم: في أنه هل يعدم، أم لا؟

فذهب أبو الحسين البصري (4)وأتباعه : إلى أنّه لا يعدم.

ص: 373


1- في ج، د، ه: (من عدم).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين : 76 الفصل الثالث عشر.
3- في ج: (المتفقون)، وفي د ه: (المحققون).
4- محمّد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تقدّم.

[وذهب آخرون إلى أنه يعدم] .(1)

واحتج أبو الحسين بأنّ العالم لو عدم لامتنع إعادته، والتالي باطل، فالمقدم مثله.

بيان الشرطية : إنّ إعادة المعدوم غير جائزة، على ما مرّ.

وأمّا بطلان التالي، فقد مضى بيانه.

واحتج الآخرون: بآيات الله تعالى:

الآية الأولى: قوله تعالى: «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكُ إِلّا هالِكٌ إِلّا وَجْهَهُ»(2) وحقيقة الهلاك إنما هي العدم .(3)

قال أبو الحسين: لم لا يجوز أن يكون المراد بالهلاك هو الخروج عن الانتفاع ؟

قلنا: ضعيف! لأنه لو كان الخروج عن الانتفاع هلاكاً، لكان الكتاب حال عدم النظر فيه هلاكاً، وهو باطل بالضرورة.

الآية الثانية: قوله تعالى: «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ» (4)، جعل الإعادة كالابتداء، ولما كان الابتداء الإيجاد بعد العدم(5)، فكذا في الإعادة.

ص: 374


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- سورة القصص: 88.
3- في ج، د، ه: الإعدام.
4- سورة الأنبياء: 104.
5- في ج، د، ه: الإعدام.

الآية الثالثة: قوله تعالى: «هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ» (1)، إنما يكون أوّلاً إذا كان موجوداً لا موجود سواه، وإنّما يكون آخراً بهذا المعنى أيضاً.

قال [أدام الله أيامه]: «والحق جواز استناد الإعدام إلى الفاعل لا إلى ضدّ، هو الفناء، ولا إلى نفي فعل البقاء، لما تقدّم من بطلانها» .(2)

أقول: اختلف القائلون بإعدام العالم [في أنه](3) على أي وجه يعدم:

فقال قوم: إنّه باق ببقاء، غير أنه إذا أراد إعدامه قطع ذلك البقاء عنه فيعدم (4)؛ وهذا مذهب الأشاعرة والبغداديين من المعتزلة.

وقال قوم: إنّه يعدم بإعدام الفاعل، فيقول له : اعدم، فيعدم كما قال له: كنّ، فيكون؛ وهو مذهب جماعة من المسلمين.

وقال قوم: إنّه يعدم لوجود ضدّ، وذلك الضدّ هو الفناء، إذ أوجده الله تعالى ففنت جميع الأجسام؛ وهو مذهب جماعة من شيوخ المعتزلة.

والحق ما قاله شيخنا [دام ظلّه]! وهو: إسناد العدم إلى الفاعل المختار، وجميع ما عداه باطل.

أمّا إعدام الفناء (5)، فلما تقدّم من بطلانه في البحث عن الأعراض (6).

ص: 375


1- سورة الحديد: 3.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 76 - 77 الفصل الثالث عشر.
3- أثبتناه من ه.
4- العبارة في ج، د، ه: ( فمن قال : إنّه باقٍ ببقاء غير باق إذا أراد إعدامه...).
5- في ج، د، ه: (الإعدام بالفناء).
6- الفصل الرابع: البحث الثالث: في أحكام خاصة للأعراض.

وأما استناد الإعدام إلى نفي فعل البقاء، فلما تقدّم أيضاً [في البحث في](1) أنه تعالى باقِ لذاته لا ببقاء زائد على ذاته تعالى (2).

قال [أدام الله أيامه]: «ويجوز انخراق الأفلاك وانتشار الكواكب، لأنهما ممكنة محدثة(3)، وهو واقع (4)لإخبار الصادق علیه السلام به.(5)

أقول : اختلف الناس في انتثار الكواكب وانخراق الأفلاك :

فجوّزه أكثر الناس، ومنعه الفلاسفة.

والحق الأوّل !

لنا: إنّه إما يكون ممكناً أو ممتنعاً، فإن كان ممكناً، ثبت المطلوب، وإن كان ممتنعاً، كان امتناعه إمّا أن يكون لمطلق الجسمية أو لغيرها، فإن كان لمطلق الجسمية، وجب أن تكون جميع الأجسام كذلك، وهو باطل! وإن كان لغيره، فذلك الغير إما أن يكون مختصاً بالأفلاك لا غير، أو مشتركاً في جميع الأجسام، فإن كان مشتركاً فكالأوّل، وإذا كان مختصاً، فاختصاصه إما أن يكون لكونها (6)جسماً أو لغيره، فإن كان الأوّل سوى في الجميع أو لغيره، فننقل الكلام إلى ذلك الغير، ويلزم منه التسلسل !

ص: 376


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- الفصل السادس: بحث في البقاء.
3- لا يوجد في ج، د، ه.
4- في ج، د، ه: (وهي واقعة).
5- نهج المسترشدين في أصول الدين : 77 الفصل الثالث عشر
6- في ج، د، ه: لكونه.

وهي واقعة، لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أخبر بها، وخبره علیه السلام صدق.

ومراد شيخنا [دام ظلّه] ب__«الصادق» هاهنا النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، لا جعفر بن محمد علیه السلام.

[بحث في إمكان خلق عالم آخر]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث الرابع في إمكان خلق عالم آخر

الفلاسفة والدليل عليه أنه لو امتنع لما وجد هذا العالم، والخلاف مع لوجوب تساوي الأمثال في الأحكام وللإجماع. ولقوله تعالى: «أَولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ...»(1) الآية» .(2)

أقول : اختلف الناس في أنه تعالى(3)هل يمكن خلق عالم آخر أم لا:

فجوّزه المسلمون، ومنعه الفلاسفة.

والحق الأوّل !

لنا: إنّه لو كان خلق عالم آخر ممتنعاً لما صح وجود هذا العالم، والتالي باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : إنّهما مثلان، فحكمهما واحد.

وبيان بطلان التالي ظاهر، فتعيّن بطلان المقدّم.

وأيضاً، قوله تعالى: «أَولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ

ص: 377


1- سورة يس : 81
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 77 الفصل الثالث عشر.
3- لا يوجد في ج، د، ه.

يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ».

وأيضاً، إجماع المسلمين منعقد عليه(1)؛ واستدلال شيخنا المصنف [دام ظله] بالإجماع هاهنا وإن كان ليس حجة عند الخصم، لكنه يفيد قوّة.

قال [أدام الله أيامه]: «واحتجاج الفلاسفة بإمكان الخلأ حينئذ ضعيف، لما تقدم من جوازه» .(2)

أقول: لما فرغ من بيان دليله، شرع في بيان شبهة الخصم، وبيان فسادها.

أمّا بيانها فلأنّ العالم كري، فيستحيل خلق عالم آخر .

أمّا الصغرى، فلأنّ الشكل الذي تقتضيه الطبائع البسيطة هو الكري، لأنّ فعل القوّة الواحدة في المادّة فعل متساوٍ.

وأمّا الكبرى، فلأنّه لو وجد عالم [ آخر ] (3)للزم تلاقي الكريين، فيلزم الخلا، وهو محال.

والجواب عنها: إنا بينا في ما تقدّم جواز الخلأ، فاندفع المحذور.

قال [أدام الله أيامه]: «وتخصيص العناصر بأمكنتها باختياره تعالى» .(4)

أقول: هذا جواب عن سؤال مقدّر. وينبغي أن يقرّر السؤال، ثمّ يقرّر الجواب:

ص: 378


1- العبارة في ج، د، ه: (فإجماع المسلمين منعقد).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 77 الفصل الثالث عشر.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين : 77 الفصل الثالث عشر.

أما تقرير السؤال، فهو : إنّهم قالوا لو أمكن خلق عالم آخر فيه نار وأرض، وغيرهما، فلا يخلو إمّا أن تكون طالبة لأمكنة عناصر [هذا العالم ](1) أو لا، فإن طلبت أمكنة هذه العناصر لزم قسرها دائماً، وإن طلبت أمكنة غير هذه الأمكنة لزم اختلاف المتفقات في الطبائع في مقتضاها.

والجواب من وجهين:

الأوّل: أنّها تختص بأمكنتها [كما اختص الجزء الأرضي ببعض الأمكنة.

الثاني: أنّها تختص بأمكنتها] (2)باختيار الفاعل المختار، [وهو الله تعالى] .(3)

[بحث انقطاع التكليف]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث الخامس: في وجوب انقطاع التكليف:

لأنه إن وجب إيصال الثواب إلى مستحقه وجب القول بانقطاعه، لكن المقدّم حق إجماعاً، ولما بيّنا من حكمته تعالى، فالتالي مثله.

بيان الشرطية: أنه لو لم يجب انقطاعه لزم الإلجاء، وهو ينافي التكليف».(4)

أقول: اختلف الناس في المكلّف أي شيء هو:

فقال قوم: إن النفس المجرّدة.

ص: 379


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- ساقط في ب، وأثبتناه من ج، د، ه.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين : 77 الفصل الثالث عشر.

وقال قوم: إنّه أجزاء أصلية. وقد مضى تفصيل المذاهب في ما تقدّم.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنه يجب انقطاع التكليف [من جهتي العقل والنقل، أمّا من جهة العقل] (1)، لأنّ (2)الثواب إمّا أن يجب إيصاله إلى مستحقه فيجب انقطاع التكليف، والمقدّم حق من وجهين(3): الإجماع، وكون الله تعالى حكيماً، والحكيم لا يفعل الظلم، فالتالي مثله.

بيان الشرطية: إنّه لو لم يجب انقطاعه للزم الإلجاء، والإلجاء ينافي التكليف.

أمّا لزوم الإلجاء، فلأنّه لو كان الشخص إذا صلّى مثلاً أعطاه [الله تعالى](4)عوضاً عن ذلك في الحال رغب رغبة عظيمة في فعل الطاعة(5)، فيكون فعله لأجل العوض لا غير، فيكون مجبوراً على فعل الطاعة.

وأمّا منافاته التكليف، فظاهر.

قال [أدام الله أيامه]: «والحدود ليست ملجئة، لتجويز مستحقها عدم الشعور به» .(6)

أقول: هذا جواب عن سؤال مقدّر.

ص: 380


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- في ج، د، ه: فلان.
3- في ج، د، ه: . د، ه: جهتي
4- أثبتناه من ه .
5- (في فعل الطاعة) لا يوجد في ج، د، ه.
6- نهج المسترشدين في أصول الدين: 77 الفصل الثالث عشر.

وتقرير الاعتراض، هو:

أنه لو كان إيصال الثواب إلى المطيع إلجاء، لكان الزاني إذا حدّ يكون إلجاء له على فعل المعاصي.

وتقرير الجواب: إنّ الحدود غير ملجئة، لأنّ مستحق الحدود يجوز أن لا يعلم به فيفعله .(1)

قال [أدام الله أيامه]: «وتخيير النبي صلی الله علیه و آله وسلم الأعرابي بين القتل والإسلام إلجاء، وحسن في ابتداء التكليف لفائدة دخوله في الإسلام بعد الاستبصار، وإمكان سماعه للأدلّة، بخلاف ما لو بقي على كفره، فإنّه يجوز أن لا يسمع أدلّة الحق، فلا يحصل له الاستبصار، وإسلامه حينئذ لا يستحق به ثواباً» .(2)

أقول: هذا جواب على اعتراض مقدّر.

وتقريره: أنه لو كان إيصال الثواب إلى المطيع في الحال إلجاء، لكان هذا إلجاء حسن، باعتبار تجويز استماعه الأدلّة الحقة، فيستبصر، بخلاف ما لو بقي

على كفره.

وأيضاً هو حسن، باعتبار اشتماله على فائدة، وهي إمكان دخوله في الإسلام بعد الاستبصار ، وهذا الإسلام الذي هو ملجأ عليه لا يثاب به، إذا الثواب إنّما يستحق على فعل الطاعة مع الاختيار، أما بدونه فلا.(3)

ص: 381


1- في ج، د، ه: (فلا يفعله).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين : 77 الفصل الثالث عشر.
3- العبارة في ج: وتقريره أنه لو كان إيصال الثواب إلى المطيع في الحال إلجاء، لكان تخيير النبي الكافر بين القتل والإسلام إلجاء. وتقرير الجواب: أنا سلّمنا أنّه إلجاء ! لكن هذا الإلجاء حسن، باعتبار اشتماله...) ، وفي د ه الفقرة ساقطة بالكامل.

[بحث في إثبات المعاد الجسماني]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث السادس: في إثبات المعاد البدني: والخلاف فيه مع الفلاسفة.

اعلم أنّ صحّة المعاد البدني يتوقف على أمرين:

أحدهما: أنه تعالى قادر على كلّ مقدور.

والثاني: أنه تعالى عالم بكل معلوم، ولهذا فإنّ الكتاب العزيز قد اشتمل على إثبات المعاد البدني في عدة مواضع، وكلّ موضع حكم فيه بإثباته قررها بين هاتين المقدمتين.

أما افتقاره إلى القدرة فظاهر، إذ الفعل الاختياري إنّما يصح بها.

وأما افتقاره إلى العلم، فلأنّ الأبدان إذا تفرّقت وأراد الله تعالى جمعها، وجب أن يردّ كلّ جزء إلى صاحبه، وإنّما يتم ذلك بعلمه تعالى؟ بالأجزاء وتناسبها، بحيث لا يؤلّف جزءاً من بدن زيد مع جزء من بدن عمرو.

وكذا إن جوّزنا إعادة المعدوم وقلنا : أنّ الله تعالى يعدم العالم بجملته» .(1)

أقول: لما فرغ من البحث عن وجوب انقطاع التكليف(2)، شرع في البحث عن إثبات المعاد البدني.

وقد أجمع المسلمون على وقوعه، واختلفوا في معنى الإعادة: فالذين قالوا باعتبار المعدوم، قالوا: إنّ الله تعالى يعدم المكلفين ثمّ يعيدهم.

ص: 382


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 78 الفصل الثالث عشر .
2- العبارة في ج، د، ه: (البحث في مطلق المعاد).

وأما الذين قالوا: إن الله تعالى](1)يفرّق أجزائهم ثمّ يجمعها ويخلق فيها الحياة.

وخالف في ذلك الفلاسفة.

وهذه المسألة تتوقف على مقدّمتين: المقدّمة الأولى: إنّه تعالى عالم بكلّ معلوم، والمقدّمة الثانية: إنّه تعالى قادر على كلّ مقدور.

ولهذا الله تعالى حكم بالمعاد، وكلّ موضع حكم بالمعاد ذكر عقبه هاتين المقدمتين، وذلك قوله تعالى: «قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ»«قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ»(2)، وقوله تعالى: «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرِ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ» (3)، وغير ذلك.

أمّا العلم، فظاهر توقفها عليه، إذ الأجسام إذا تفرّقت وأراد الله تعالى جمعها، وجب أن يردّ كلّ جزء إلى صاحبه، وإنّما يتم إذا(4) علم بالأجزاء [وكون الأجزاء] (5)متناسبة، بحيث لا يؤلّف جزءً من بدن زيد مع جزء من بدن عمرو. ولو قلنا بصحة إعادة المعدوم، وقلنا : أنّ العالم يعدم، فكذلك.

ص: 383


1- سقط من ب ، ب، وأثبتناه من ج، د، ه.
2- سورة يس : 78، 79.
3- سورة يس : 81
4- في ج، د، ه: لو .
5- أثبتناه من ج، د، ه.

وأمّا القدرة، فظاهر توقفها عليها أيضاً، إذ الفعل الاختياري(1) لا بد أن يكون مقدوراً عليه.

قال [أدام الله أيامه]: «وأما إمكان الإعادة بعد هاتين المقدمتين فظاهر، لأنّ جميع الأجزاء بعد تفريقها لا شكّ في إمكانه كالابتداء، وكذا إن جوّزنا إعادة المعدوم» (2).

أقول : لما ثبت كونه تعالى عالماً بكلّ معلوم، وقادر على كلّ مقدور، ثبت أنّ إعادة العالم ممكنة، لأنّ جمع الأجزاء بعد تفرّقها أو إعادتها بعد عدمها، [ولو قلنا

بعدمها] (3)أدخل في الإمكان من إيجادها أوّلاً، وذلك ظاهر عند العقلاء.

قال [أدام الله أيامه]: «وأما الوقوع فيدلّ عليه السمع، فإنّا نعلم من دين محمد صلی الله علیه و آله وسلم وقوع المعاد البدني، ولأنا قد بينا أنه تعالى حكيم يوصل كلّ مستحق إلى مستحقه، ولا بد من الإعادة» .(4)

أقول: لما فرغ من البحث في إمكان الوقوع، شرع في وجوبه.

والدليل عليه من حيث العقل، ومن حيث النقل.

أمّا العقل : فلأنّه قد تقدّم أنه تعالى حكيم، وكونه يجب أن يوصل كلّ حقّ إلى مستحقه، فإذا كان كذلك وجبت الإعادة.

ص: 384


1- العبارة في ج، د، ه: (إذ الفعل الذي يفعله بالاختيار).
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 78 الفصل الثالث عشر.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 78 الفصل الثالث عشر.

وأما النقل: فقوله تعالى: «فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُل الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» (1)، [وقوله تعالى:]«أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ»«بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّي بَنَانَهُ» (2)، وقوله تعالى: «وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً» (3)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة عليه.

وبالجملة: فإنا نعلم ثبوت المعاد الجسماني بالضرورة من دين محمد صلی الله علیه و آله وسلمفيجب المصير إليه.

قال [أدام الله أيامه]: «احتجوا بأنّ الإعادة إن وقعت في هذا العالم لزم التداخل، وإن وقعت في عالم آخر لزم الخلاً ولأنّ الإنسان لو أكل مثله، فإن أعيد المأكول إلى بدن الأوّل ضاع الثاني، وبالعكس» (4).

أقول: لما فرغ من بيان الأدلة [الدالة](5) على ما ذهب إليه، شرع في بيان شبهة الخصم.

وهم من وجهين:

الأوّل: إنّه لو وقعت الإعادة، فإما في هذا العالم، أو في عالم آخر، فإن كان في هذا العالم لزم التداخل إذ العالم قبل الإعادة كان ملاء فإذا أعيد إليه شيء آخر لزم التداخل، وإن كان في عالم آخر لزم الخلأ ، إذ العالم (6)الآخر لو وجد لكان

ص: 385


1- سورة الإسراء: 51 .
2- سورة القيامة: 3، 4 .
3- سورة البقرة : 259 .
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 78 الفصل الثالث عشر.
5- أثبتناه من ج، د، ه.
6- لا يوجد في د، ه.

كريّاً، فيتلاقى الكريان فيحصل الخلاً.

الثاني: إنّ الإنسان إذا أكل إنساناً آخر تصير (1)أجزاء المأكول في بدن الآكل، فإمّا أن تعاد أجزاء الغذاء إلى الآكل أو إلى المأكول، فإن أعيدت إلى الآكل ضاع المأكول، وإن أعيدت إلى المأكول ضاع الآكل.

قال [أدام الله أيامه]: «والجواب عن الأوّل: أنّ التداخل إنّما يلزم لو بقي هذا العالم وكان ملاءً، أما على تقدير عدمه أو ثبوت الخلاً فلا .

وعن الثاني : أنّ المأكول بالنسبة إلى الآكل ليس من أجزائه الأصلية، فيعاد إلى الثاني، ولا يضيع أحدهما» .(2)

أقول: لما فرغ من بيان شبهتهم، شرع في الجواب عنها.

الجواب عن الأوّل: أنا لا نسلّم بقاء هذا العالم أولاً.

وثانياً: لو سلمنا، نمنع كونه ملاء، فنقول(3): إنّ العالم يعدم، أو نقول: إنّه يجوز الخلاً.

والجواب عن الثاني: إنّ الإنسان الآكل إنّها تعاد أجزائه الأصلية لا الزائدة، والإنسان المأكول ليس من أجزائه الأصلية، فتعاد الأجزاء المأكولة إلى الإنسان الثاني ، فلا يلزم ضياع أحدهما.

قال [أدام الله أيامه]: «إذا ثبت هذا، فاعلم أنه يجب عقلاً إعادة من يستحق ثواباً أو عوضاً على الله تعالى، أو على غيره، لوجوب الانتصاف، ومن يستحق

ص: 386


1- في ج، د، ه: وتفرّفت.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 79 الفصل الثالث عشر.
3- في ج، د، ه: (لكن نقول).

عليه العوض وسمعاً إعادة الكفّار وأطفال المؤمنين. ومن عدا هؤلاء لا يجب إعادته» (1).

أقول: كلّ من يستحق ثواباً أو عوضاً سواء كان على الله تعالى، أو على غيره يجب إعادته، لأنّ الله تعالى حكيم يجب عليه الانتصاف من الظالم للمظلوم،

ووجوبه عقلي.

أما ما يجب على الله تعالى فيجب إيصاله إليه، ولا يمكن إلّا بعد الإعادة. وأما ما يجب على غيره (2)، فيجب عليه إعادتهما معاً.

أمّا الظالم فللانتصاف منه، وأما المظلوم فالأخذ له، وأما الكفّار والأطفال من المؤمنين فيجب إعادتهم، لكن ليس وجوباً عقلياً، بل سمعياً، والفرق بينهما: أنّ في هذه الصورة يجوز من الله تعالى العفو، لأنّ الحق هاهنا [له].(3)

[بحث في الثواب والعقاب]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث السابع: في استحقاق المطيع للثواب، والعاصي للعقاب:

والثواب هو النفع المستحق المقارن للتعظيم والإجلال» (4).

أقول: هذا حدّ الثواب.

ص: 387


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 79 الفصل الثالث عشر.
2- في ج، د، ه: (غير الله تعالى).
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 79 الفصل الثالث عشر.

فقولنا: «النفع»، كالجنس.

وقولنا: «المستحق»، خرج به النفع المتفضّل.

وقولنا: المقارن للتعظيم والإجلال ، خرج به العوض.

قال [ أدام الله أيامه] وقد اختلف في استحقاقه بالطاعة فالذي عليه المعتزلة ذلك، ونازع فيه الأشاعرة، والكعبي.

لنا: أنّ التكليف مشقة، فإن لم يستلزم عوضاً كان قبيحاً، فذلك العوض إن صح الابتداء به، كان توسط التكليف عبثاً، فتعيّن الثاني» .(1)

أقول: اختلف الناس في الثواب هل يستحق بالطاعة على الله تعالى أم لا:

فقالت المعتزلة: إنّ المطيع يستحق على الله تعالى الثواب.

وخالفهم في ذلك الأشاعرة، وأبو القاسم البلخي(2)من المعتزلة، وقالوا: إنه لا يستحق شيئاً عليه

والحق الأوّل !

لنا: إنّه مشقة ضرورة، فإمّا أن يستلزم عوضاً أم لا، فإن استلزم عوضاً، فذلك العوض إمّا أن يصح الابتداء به فيكون التكليف عبثاً، إذ لا فائدة فيه للمكلّف حينئذ غير التعب، وإن لم يصح الابتداء به فهو المطلوب. وإن لم يستلزم عوضاً كان قبيحاً، والله تعالى لا يفعله الحكمته.

قال [أدام الله أيامه]: «احتجّت الأشاعرة بأنه تعالى هو الحاكم، فلا يستحق عليه شيء. وبأنّ المرتدّ إن وصل إليه الثواب تضادّ الاستحقاقان، وإلاّ

ص: 388


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 79 الفصل الثالث عشر .
2- أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي الخراساني، تقدّم.

خلت طاعته عن عوض» (1).

أقول : لما فرغ من بیان مذهب الحق(2)، شرع في تقرير شبهة الخصم.

أما دليل الأشاعرة، فهو : إنّهم قالوا: الله تعالى هو الحاكم على جميع العباد، فلا يستحق عليه شيئاً .

وأيضاً، فإنّ المسلم إذا ارتد ومات على ردّته، فإما أن يوصل الله إليه ثواباً أو لا، فإن أوصله تضادّ الاستحقاقان، إذ الكافر يستحق العقاب على كفره

والمسلم يستحق الثواب على إسلامه فيتضادّان. وإن لم يوصله الله تعالى، خلت طاعته عن عوض.

قال [أدام الله أيامه]: «واحتج البلخي بأنّ نِعَم الله تعالى لا تحصى، فالشكر عليها يكون أبلغ ما يمكن، وهو العبادة، فلا يستعقب ثواباً، فإنّ المؤدي لما وجب عليه لا يستحق به عوضاً» .(3)

أقول: هذه حجّة أبي القاسم البلخي (4)من المعتزلة.

وتقريرها : إنّه قال: نِعَم الله تعالى لا تحصى، فالشكر على تلك النعم يكون أبلغ ما يمكن من الشكر ، فأي شيء فعله الإنسان من العبادة والتذلّل والنسك، فإنّه يكون شكراً للنعمة، فلا يستحق عليه شيئاً ، أصلاً، فإنّ المؤدّي لما وجب عليه لا يجب إيصال العوض إليه على فعله.

ص: 389


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 79 الفصل الثالث عشر .
2- العبارة في ج، د، ه: (لما فرغ من تقرير حجّته).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 79 الفصل الثالث عشر.
4- أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي الخراساني، تقدّم.

قال [أدام الله أيامه]: «والجواب : أنّ الوجوب ليس هو الشرعي، بل هو متعلق المدح» .(1)

أقول: هذا هو الجواب عن الأوّل، وهو قولهم: الله تعالى هو الحاكم على جميع العباد.

وتقريره: إنا لا نعني بالوجوب ها هنا الشرعي، بل متعلّق المدح.

قال [أدام الله أيامه]: «والمرتد لا يستحق ثواباً، لأنّ شرط استحقاق الثواب الموافاة، ولم تحصل.

لا يقال: الموافاة لو كانت شرطاً لزم أن تكون العلة إنّما تؤثر حال عدمها لا حال وجودها.

لأنا نقول: الاستمرار على الطاعة هو الشرط، وهو المراد بالموافاة، لا عدم الحياة» (2).

أقول: هذا هو الجواب عن الحجّة الثانية التي للأشعرية.

وتقريره: إنّ المرتد لا يستحق على الله تعالى الثواب، لأنّ من شرط استحقاق الثواب الموافاة، وهي غير متحققة في المرتدّ.

فإن قيل: لا نسلّم كون الموافاة شرطاً، إذ لو كانت شرطاً لزم أن تكون العلّة إنّما تؤثر حال عدمها، وهو محال.

قلنا: نحن لا نريد بالموافاة عدم الحياة بل الاستمرار على الطاعة إلى حين الوفاة.

ص: 390


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 79 الفصل الثالث عشر .
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 79 - 80 الفصل الثالث عشر.

قال [أدام الله أيامه]: «وقول البلخي ضعيف! فإنّ الشكر هو الاعتراف بنعمة المنعم مع ضرب من التعظيم وهو ضروري للعقلاء، إذ يحكم كلّ عاقل بوجوب شكر المنعم بهذا المعنى، أما كيفية الشرائع فلا (1).

أقول: لما فرغ من بيان فساد حجّة الأشاعرة، شرع في بيان فساد حجّة البلخي (2).

وتقرير ضعفها : إنّ الشكر عبارة عن الاعتراف بنعم المنعم مع ضرب من التعظيم، وهذا يحكم به جميع العقلاء، أما كيفية الشرائع فممنوعة.

قال [أدام الله أيامه]: «وأما استحقاق العاصي للعقاب بالمعصية، فقد اتفق أهل العدل عليه، خلافاً للأشاعرة. لكنّهم اختلفوا: فالمعتزلة على أنه عقلي، والمرجئة والإمامية على أنه سمعي.

واحتجت المعتزلة : بأنّ فعل العقاب لطف فيكون واجباً.

أمّا المقدّمة الأولى: فلأنّ المكلّف إذا علم أنه متى عصى عوقب كان ذلك زاجراً له. وأما الثانية فقد سلفت» (3).

أقول : اختلف الناس في استحقاق العاصي للعقاب:

فأطبقت العدلية على استحقاقه، وخالفهم في ذلك الأشاعرة.

ثم اختلف أهل العدل: فالمعتزلة على استحقاقه عقلاً، والمرجئة والإمامية على أنه سمعي.

ص: 391


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 80 الفصل الثالث عشر.
2- أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي، البلخي الخراساني، تقدّم.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 80 الفصل الثالث عشر.

احتجت المعتزلة : بأنّ العقاب لطف، لأنّ الفاسق إذا عرف أنه متى فعل شيئاً من المعاصي عوقب على فعله مرّة بعد أُخرى، لم يبق له داع إلى فعل المعصية، فيكون لكم لطفاً بهذا الاعتبار، واللطف واجب على ما تقدّم.

وقالت المرجئة: لم لا يجوز أن يكون العقاب مشتملاً على وجه قبح، فإذا صح ذلك لم يبق [تصحيح] (1)الجزم بوجوب العقاب؟

قالت المعتزلة: وجوه القبح محصورة معروفة، وليس شيئاً منها موجوداً هاهنا.

[دوام الثواب والعقاب]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث الثامن في بقايا مباحث الثواب والعقاب:

وهي سبعة مباحث:

الأوّل: ذهبت المعتزلة إلى أنّ العلم بدوام الثواب والعقاب عقلي، لأنه أدخل في باب اللطف فيكون أدخل في باب الوجوب.

ولأنّ علّة الثواب والعقاب الطاعة والمعصية، وهما علّتان للمدح والذم الدائمين، فيلزم دوام العلّتين، فيدوم المعلولان الآخران.

ولأنّ الثواب والعقاب يجب خلوصهما عن جميع الشوائب، فلو كانا منقطعين لكان الثواب مشوباً بالألم، للعلم بانقطاعه والعقاب بالسرور كذلك» .(2)

ص: 392


1- أثبتناه من د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 80 الفصل الثالث عشر.

أقول: اختلف الناس في دوام الثواب والعقاب هل هو عقلي أو سمعي:

فالمعتزلة على الأوّل، والمرجئة على الثاني.

احتجت المعتزلة بوجوه:

[الوجه] الأوّل: إنّ دوام الثواب والعقاب أدخل في باب اللّطف، فيكون أدخل في باب الوجوب.

أما كونه أدخل في باب اللطف فلأنّه أدعى إلى فعل الطاعة [وترك](1)المعصية. وأمّا أنّه أدخل في الواجب، فظاهر.

الوجه الثاني: إنّ المدح والذم دائمان، فيكون الثواب والعقاب كذلك.

بيان الشرطية: إنّ الطاعة والمعصية علّتان للمدح والذم، وهما لا شكّ في دوامهما، فيلزم دوام العلّتين، أعني : الطاعة والمعصية، فيلزم دوام المعلولين الآخرين، أعني : الثواب والعقاب.

الوجه الثالث: إنّ الثواب والعقاب يجب كونهما خالصين من جميع الشوائب، فلو كانا منقطعين لكان الثواب مشوباً بالألم الحاصل من العلم بانقطاعه، وكذلك العقاب مشوباً بالسرور الحاصل من العلم بانقطاعه، وفيه نظر ! الجواز أن لا يعلم المكلّف بانقطاعهما، فلا يكونان مشوبين.

قال [أدام الله أيامه]: «الثاني: يجوز توقف الثواب على شرط، وإلا لاستحق العارف بالله تعالى الجاهل بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم الثواب، لأن معرفة الله تعالى طاعة مستقلة بنفسها» .(2)

ص: 393


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 80 - 81 الفصل الثالث عشر.

أقول: يجوز أن يكون استحقاق الثواب متوقفاً على شرط، لأنّ العارف بالله تعالى الجاهل بالنبي علیه السلام لا يستحق ثواباً لعدم إتيانه بشرط استحقاق الثواب، وهو المعرفة بالرسول علیه السلام، وإن كانت معرفة الله تعالى عبادة مستقلة بنفسها.

لا يقال: إنّما يستحق الثواب المؤمن والمؤمن هو العارف بالله تعالى ورسوله، فلا يلزم أن يكون جزء الإيمان الذي هو معرفة الله تعالى سبباً في الاستحقاق !

لأنا نقول: كما يستحقه على جميع الإيمان، كذا يستحقه على بعضه، لأنّ الجزء له مدخل في الاستحقاق .

قال [أدام الله أيامه]: «الثالث: استحقاق الثواب مشروط بالموافاة، أو ساقط بالعقاب، لقوله تعالى: «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» .(1)

فنقول: العمل لم يقع باطلاً في الأصل على تقدير عدم الشرك(2)، وإلا لما علّق بطلانه على الشرك المتجدّد» (3).

أقول: استحقاق الثواب متوقف على شرط، وهو: الموافاة، أو ساقط بالعقاب.

والدليل عليه وجهين:

ص: 394


1- سورة الزمر : 65 .
2- في المصدر: الشرك المتجدّد.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 81 الفصل الثالث عشر.

الوجه الأول: قوله تعالى: «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» .(1)

فحينئذ نقول: عمله قبل الشرك لم يقع باطلاً، وإلا لما علّق بطلانه على الكفر المتجدّد .(2)

الوجه الثاني: قوله تعالى: «وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرُ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».(3) وتقرير هذه الآية كالأولى.

قال [أدام الله أيامه]: «وإذا ثبت هذا فالاستحقاق إن كان ثابتاً كان معنى بطلانه سقوطه بالشرك، وإن لم يكن ثابتاً كان معنى بطلانه عدم الإتيان بشرط الاستحقاق الذي هو الموافاة، فلم يستحق الثواب، فيكون العمل باطلاً» .(4)

أقول: هذا غني عن الشرح.

قال [أدام الله أيامه]: «الرابع: في الإحباط والتكفير:

أثبتهما جماعة من المعتزلة، ونفاهما جماعة من المرجئة، والإمامية، والأشعرية.

لنا: لو ثبتا لزم أن يكون من فعل إحساناً وإساءة متساويين بمنزلة من لم يفعلهما، ولو زاد أحدهما بمنزلة من لم يفعل الآخر، وهو باطل قطعاً. ولأنّ الثواب والعقاب إن لم يتنافيا لم ينف أحدهما الآخر، وإن تنافيا اجتمع الوجود

ص: 395


1- سورة الزمر : 65 .
2- العبارة في ج، د، ه: ( لأنّه لو كان باطلاً لما علّق بطلانه على الكفر المتجدّد).
3- سورة البقرة: 217 .
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 81 الفصل الثالث عشر.

والعدم في كلّ منهما، لأنّ المنافاة ثابتة من الطرفين، وليس انتفاء السابق بالطارئ أولى من العكس» .(1)

أقول: معنى الإحباط، هو خروج الثواب والمدح عن كونهما مستحقين بذمّ وعقاب أكثر منهما الفاعل الطاعة.

والتكفير: هو خروج الذم والعقاب عن كونهما مستحقين بثواب ومدح أكثر منها الفاعل المعصية (2).

إذا عرفت هذا، فاعلم أنه لا خلاف بين المسلمين في [أنّ الكفر مزيل لاستحقاق ثواب الطاعات السابقة، وأنّ الإيمان](3)مزيل لاستحقاق العقاب

السابق، وإنّما الخلاف بينهم في اجتماع الاستحقاقين.

فذهب جمهور المعتزلة إلى استحالته.

وذهب جماعة من الإمامية [والمرجئة] (4)، والأشعرية: إلى إمكانه. وهو الحق ! لوجهين:

الوجه الأوّل: أنّه لولا ذلك لكان من فعل فعلاً يستحق به الثواب، ثمّ فعل فعلاً يستحق به العقاب وكانا متساويين بمنزلة من لم يفعل شيئاً، وكذا لو فعل فعلاً حسناً، ثمّ فعل فعلاً قبيحاً استحق به عقاباً أزيد من ثواب الفعل الحسن، لكان بمنزلة من لم يفعل الفعل الأوّل، وذلك باطل [قطعاً] (5).

ص: 396


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 81 الفصل الثالث عشر.
2- العبارة في ج، د، ه: (أكثر منهما لفاعل الصغير).
3- أثبتناه من ج، د، ه، وقد سقط من ب.
4- أثبتناه من ج، د، ه.
5- أثبتناه من د، ه.

الوجه الثاني: إنّ الثواب والعقاب إما أن يكونا متنافيين أو لا، فإن لم يتنافيا لم ينف أحدهما الآخر، فيبقى كلّ واحد على حاله، فيجتمع الاستحقاقان، وإن تنافيا لزم اجتماع الوجود والعدم في كل واحد منهما، لأنّ المتنافي يلزم وجوده عدم منافيه، والتنافي حاصل من الطرفين وانتفاء السابق بالطارئ لا يكون أولى من انتفاء الطارئ بوجود السابق.

قال [أدام الله أيامه]: «احتجوا بأنه لولا الإحباط لحسن ذمّ من كسر قلم من أنعم عليه بأنواع متعدّدة لا تحصى».(1)

أقول: هذه حجّة المعتزلة.

وتقريرها: أن نقول: لو لم يكن الإحباط حقاً، لكان إذا أنعم شخص على آخر بنعم لا تحصى، ثمّ إنّ المنعم كسر قلم المنعم عليه [أو فعل فعلاً ذماً ، لقبح(2) منه] (3)ذمّ الكاسر لقلمه، والتالي باطل، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية ظاهر، وبطلان التالي بالضرورة.

قال [أدام الله أيامه]: «والجواب: المنع من قبح الذم على هذا القدر اليسير» .(4)

أقول: هذه هو الجواب عن حجّة المعتزلة.

ص: 397


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 81 الفصل الثالث عشر.
2- في ج: لحسن.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 81 الفصل الثالث عشر.

وتقريره: أنا لا نسلّم قبح الذمّ على ذلك القدر اليسير، بل نقول: يجب مدحه على ذلك الإحسان (1)، ويجوز ذمّه على ذلك القبيح، فاندفع المحذور.

قال [أدام الله أيامه]: «الخامس: وعيد أصحاب الكبائر منقطع، خلافاً للمعتزلة .(2)

لنا : قوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ»«ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ»(3)، فالمطيع بإيمانه إذا عصى استحق ثواباً وعقاباً، فإن داما لزم المحال، وإن انقطع الثواب لزم تأخّر العقاب عن الثواب، وهو باطل بالإجماع، فتعيّن العكس.

ولقوله تعالى: ﴿إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ».(4)

وأما الكفّار فإنّ وعيدهم دائم بالإجماع (5).

أقول: الذنب (6)، إمّا صغيراً، أو كبيراً. فالصغير لا خلاف في انقطاعه. وإنما الخلاف في الكبير هل هو منقطع أم لا:

ص: 398


1- في د، ه: الإحباط.
2- في د، ه: (للوعيدية من المعتزلة).
3- سورة الزلزلة : 7 - 8.
4- سورة النساء: 48 .
5- نهج المسترشدين في أصول الدين: 81 - 82 الفصل الثالث عشر .
6- في ب: الذمّ.

فقالت الوعيدية (1)من (2)المعتزلة : إنّه غير منقطع.

وذهبت المرجئة وجماعة من المحققين إلى انقطاعه.

لنا على ذلك: قوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ»«وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ» .

وجه الاستدلال بهذه الآية: إنّه تعالى أتى بلفظين وهما للعموم، فالفاعل للخير والشر إما أن يثاب ثمّ يعاقب، أو يعاقب ثمّ يثاب.

والأوّل باطل بالإجماع، لأنّه لا خلاف بين المسلمين في أنّ الثواب لا يتلوه عقاب. وأيضاً فإنّ الثواب يجب أن يكون دائماً، فلو فعل به العقاب لزم أن يكون الثواب غير دائم.

والثاني - أعني: تأخر الثواب - هو المطلوب.

وأمّا أن لا ينقطع أحدهما، بل يدوما، وهو باطل! لأنّ الثواب يجب خلوصه عن الشوائب، وكذلك العقاب، ومع دوامهما يخرجان عن حقيقتها

ضرورة.

وأيضاً، قوله تعالى: «إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» ، وغير الكفر أعم من أن يكون كبيراً أو صغيراً.

[وأمّا] (3)الكفّار فإمّا أن يكونوا معاندين، أو مجتهدين غير واصلين إلى

ص: 399


1- الوعيدية : هم القائلون بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار. ومنهم خوارج ومعتزلة.
2- (الوعيدية من) لا يوجد في ج، د، ه.
3- أثبتناه من د، ه.

الحق، وكلاهما قد أجمع المسلمون على خلودهما [في النار] (1).

وخالف بعض الناس في الكفّار الذين اجتهدوا ولم يصلوا إلى الحق، حيث حكم بكونهم غير مخلّدين، لكونهم معذورين، واحتج بقوله تعالى: «مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج» (2)، وهذا ضعيف! لمخالفته الإجماع أوّلاً، ولخروجه عن العموم ثانياً، لأنّ المخاطبة لأهل الدين.

قال [أدام الله أيامه]: «السادس: عذاب القبر، والصراط، والميزان والحساب، وإنطاق الجوارح، وتطاير الكتب، وأحوال الجنّة والنار، أمور ممكنة، والله تعالى قادر على جميع الممكنات، وقد أخبر الصادق علیه السلام بثبوتها، فتكون واقعة» .(3)

أقول هذا ظاهر ليس فيه بحث.

قال [أدام الله أيامه]: «السابع : يجوز العفو عن الفاسق، خلافاً للوعيدية. ومنعت المعتزلة كافّة من العفو سمعاً، واختلفوا في منعه عقلاً، فذهب إليه

البغداديون ونفاه البصريون.

والحق، جواز العفو عقلاً(4)، ووقوعه سمعاً!

لنا: إنّه إحسان وكلّ إحسان حسن. والمقدمتان ضروريتان.

ولأنّ العقاب حقه تعالى، فجاز منه إسقاطه.

ص: 400


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- سورة الحج: 78.
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 82 الفصل الثالث عشر .
4- العبارة في ج، د، ه: (والحق، جوازه عقلاً).

ولقوله تعالى: «وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ» (1)، و (على) تدلّ على الحال (2).

وقوله: «إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لَنْ يَشاءُ»(3) ، وليس المراد مع التوبة، لعدم الفرق بينهما.

ولأنه علیه السلام ثبت له الشفاعة، وليست في زيادة المنافع، وإلا لكنا شافعين فيه، فثبت في انتفاء المضار» (4).

أقول: اختلف الناس في جواز العفو عن الفاسق:

فمنع منه الوعيدية عقلاً وسمعاً.

والمعتزلة منعوه سمعاً، ثمّ اختلفوا في امتناعه عقلاً، فالبغداديون على منعه، والبصريون على جوازه.

واختار المصنف [دام ظلّه] جوازه عقلاً ووقوعه سمعاً، واستدلّ عليه بوجوه .

الأوّل: إنّه إحسان، وكلّ إحسان حسن، والمقدمتان بديهيتان.

الثاني : إن العقاب من جملة حقوقه، فيكون له إسقاطه، وهاتان المقدّمتان ظاهرتان .

الثالث: قوله تعالى: «وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ» .

ص: 401


1- سورة الرعد: 6 .
2- في ب توجد عبارة : (فيكون المعنى حال كونهم ظالمين).
3- سورة النساء: 48 .
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 82 الفصل الثالث عشر.

و(على) هاهنا إمّا للحال، أي: إنّ الله لذو مغفرة للناس حال ظلمهم.

أو الغرض، ومنه قول الشاعر:

على أنني راضي بأن أحمل الهوى***وأخلص منه لا عليَّ ولا ليا (1)

أي حال أنني راض بأن أحمل الهوى لأجل ظلمهم، كما يقال: ضربت العبد على ظلمه(2)، أي: لأجل ذنبه.

والأوّل متفق عليه في الآية، فبطل الثاني.

الرابع: قوله تعالى: «إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» ، فأما أن يكون مع التوبة أو لا معها، لا جائز (3)أن يكون مع التوبة [لتساوي الكفر وغيره في سقوطهما بالتوبة، فبقى أن يكون لا مع التوبة] (4)، وهو المطلوب.

الخامس: إنّه علیه السلام تثبت له الشفاعة بالإجماع، وإذا ثبت له الشفاعة، فإما أن تقتضي زيادة المنافع للمشفوع له، أو انتفاء المضار عنه، لا جائز أن يكون في زيادة المنافع، وإلا لكنا شافعين في النبي علیه السلام ! لأنا نقول: اللهم ارفع درج-ة محمّد وآل محمّد، وتقبل شفاعته، وهو باطل، فبقى أن يكون انتفاء الضرر، وهو المطلوب.

ص: 402


1- بيت الشعر ينسب إلى مجنون ليلى.
2- في د، ه: ذنبه.
3- في ج، د، ه: يجوز.
4- أثبتناه من ج، د، ه.

[بحث في التوبة]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث التاسع: في التوبة :

وهي الندم على المعصية والعزم على ترك المعاودة، إذ لولاه لكشف عن کونه غير نادم» .(1)

أقول: هذا حدّ أبي هاشم .(2)

وقال قوم: إنّه الندم على فعل المعصية فقط.

ثمّ اختلفوا في العزم على ترك المعاودة هل هو شرط أم لا:

فقال قوم: نعم، ومنع محمود الخوارزمي .(3)

والأولى ما قاله أبو هاشم لأنه لو لم يعزم على ترك المعاودة لكان عدم عزمه كاشفاً عن كونه غير نادم.

وأبو هاشم استدلّ على مذهبه بأنّ التوبة بذل الوسع، ولا يتحقق إلا بالندم على فعل المعصية والعزم على تركه.

قال [أدام الله أيامه]: «وهي واجبة لأنها دافعة للضرر، فإن كانت عن ظلم لم تتحقق إلا بالخروج إلى المظلوم أو إلى ورثته عن حقه، أو الاستيهاب، فإن

ص: 403


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 82 الفصل الثالث عشر
2- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.
3- محمود الخوارزمي: أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري، المعتزلي، اللغوي، ولد في زمخشر من قرى خوارزم سنة (467ه)، وقدم بغداد ، وسافر إلى مكة فجاور بها زمنا، فلقّب ب__(جار الله)، ثم عاد إلى الجرجانية من قرى خوارزم فتوفى فيها وتوفي سنة (538ه)، صاحب أبو الحسين البصري، له كتب كثيرة أشهرها (الكشاف عن حقائق التنزيل).

عجز عزم عليه.

وإن كانت عن إضلال، لم تتحقق إلا بعد إرشاد الضال.

وإن كانت عن فعل مختص به - كشرب الخمر والزنا - كفى الندم والعزم عن ترك المعاودة المتقدّمان.

وإن كانت عن ترك واجب كالزكاة لم تتحقق إلا بفعله. ولو لم يجب القضاء كفى الندم والعزم كالعيدين» .(1)

أقول: لما فرغ من حقيقة التوبة، شرع في أقسامها.

وهي إما أن تكون عن فعل قبيح، أو إخلال بواجب.

فإنّ كان الأوّل، فإما أن يكون ذلك القبيح متضمناً إيصال ضرر إلى الغير، كأخذ مال الغير وإضلاله عن الحق ، أو لا يكون متضمّناً، كالزنا، وشرب الخمر، فإن تضمّن لم تتحقق التوبة فيه إلا بعد إيصال المظلومين حقوقهم إن وجدهم، فإن ماتوا أوصل ورثتهم هذا إن أمكن، فإن لم يمكنه ذلك، فإن تمكّن من الاستيهاب فعل وبرئ، وإن لم يتمكن لم تتحقق توبته إلّا بالعزم على ذلك، وكذلك المضل لغيره من الهدى إلى الضلال، لم تتحقق توبته إلا بعد إرشاد ،الضال، وإن لم يتضمّن كفى الندم والعزم على ترك الفعل.

وإن كان الثاني، فإما أن يجب عليه القضاء كالصلاة، والصوم، والزكاة، ولا تتحقق توبته إلّا بعد فعله، وإن لم يجب القضاء، كصلاة العيدين، كفى في

ذلك الندم على تركها والعزم على أن لا يعود.

ص: 404


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 83 الفصل الثالث عشر.

قال [أدام الله أيامه]: «ويصح من قبيح دون قبيح عند أبي علي، لأنّ الإتيان بواجب دون واجب ممكن [وكذا التوبة الواجبة عن كلّ ذنب].(1)

ومنع منه أبو هاشم، لأنّ التوبة إنّما تقبل إذا كانت من القبيح لقبحه، والقبح مشترك في الجميع، فلو تاب عن قبيح دون غيره، كشف ذلك عن كونه تائباً عن القبيح لا لقبحه.

أما الواجب فيجب أن يوقعه لوجوبه، ولا يجب عموم كلّ واجب في الفعل، فإنّ من قال: «لا آكل هذه الرمانة لحموضتها»، يجب أن يمتنع عن كلّ رمانة حامضة، بخلاف من قال: «أنا آكل هذه الرمانة الحموضتها» .(2)

أقول : اختلف الناس (3)في أنّ التوبة هل تصح من قبيح دون قبيح، كمن يتوب عن شرب الخمر دون الزنا:

فقال أبو علي (4)بصحتها، ومنعه الشيخ أبو هاشم .(5)

واحتج أبو علي بأنّ الإتيان بواجب دون واجب ممكن، فكذا يمكن (6)التوبة عن ذنب دون ذنب.

ص: 405


1- أثبتناه من المصدر، ج ، د، ه.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 83 الفصل الثالث عشر
3- في ج، د، ه: الشيخان.
4- أبو علي محمّد بن عبد الوهاب الجبائي، والد أبو هاشم، تقدّم.
5- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.
6- لا يوجد في ج، د، ه.

وأيضاً، إنّه لو لم يصح التوبة من ذنب دون ذنب(1)، لما صح الإتيان بواجب دون واجب. لكن التالي باطل، فالمقدّم مثله .

بيان الشرطية: إنّ التوبة كما أنّها تجب من القبيح لقبحه، كذا الواجب إنّما يجب فعله لوجوبه، فإن لزم من الاشتراك القبائح في القبح أن لا يصح التوبة من قبيح دون قبيح لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب أن لا يصح الإتيان منها بواجب دون واجب.

وأمّا [بيان] (2)بطلان التالي، فبالإجماع.

عارضه أبو هاشم بأنّ الفعل يصح ذلك فيه والترك لا يصح، ألا ترى أن من قال: «أنا آكل هذه الرمانة لحموضتها»، فإنّه لا يلزمه أن يأكل كلّ رمانة حامضة، بخلاف من قال: «أنا لا آكل هذه الرمانة لحموضتها»، فإنّه يجب أن يمتنع من كل رمانة حامضة.

قال [أدام الله أيامه]: «وهل سقوط العقاب بالتوبة واجب أو تفضّل ؟

المعتزلة على الأوّل.

والمرجئة على الثاني(3). وهو الأقرب!

لنا: إنّه لو وجب السقوط، لكان إمّا لوجوب قبولها، أو لزيادة ثوابها. والقسمان باطلان !

ص: 406


1- العبارة في ج، د، ه: (وأيضاً ، فإنّه لو لم يصح التوبة من قبيح دون قبيح).
2- أثبتناه من د، ه.
3- في المصدر ، د، ه: (والمرجئة وجماعة)، وفي ج: (والمرجئة وجماعة من الأشاعرة).

أمّا الأوّل: فلأنّه يلزم أن من أساء إلى غيره بأعظم الإساءات، ثم اعتذر إليه، وجب قبول عذره، والتالي باطل بالإجماع، فكذا المقدّم.

وأمّا الثاني: فلما مر من إبطال التحابط» .(1)

أقول: اختلف الناس في سقوط العقاب عقيب التوبة هل هو واجب أو تفضّل:

فالمعتزلة كافة ذهبوا إلى كونه واجباً

والمرجئة ومن تابعهم إلى كونه تفضّلاً. وهو الحق!

لنا: إنّه لو وجب سقوط العقاب عند التوبة، لكان [ذلك] (2)إما لأنّ قبولها واجب، أو لأنّ الثواب المستحق بها أكثر من العقاب الذي يسقط بها .

والأوّل باطل، وإلا لكان من أساء إلى غيره بأعظم الإساءات، كقتل أولاده، ونهب أمواله، وانتهاك حرمه، ثمّ إنّ ذلك الشخص اعتذر إليه، يجب عليه قبول اعتذاره، وذلك باطل عند العقلاء بالضرورة.

والتالي باطل أيضاً، لأنه قد تقدّم إبطال التحابط.

قال [أدام الله أيامه]: «احتجوا بأنه لو لم يجب السقوط لقبح تكليف العاصي بعد عصيانه والتالي باطل بالإجماع، فالمقدم مثله.

بيان الملازمة: أنه لو كلّف بعد العصيان لكانت الفائدة إما الثواب أو غيره، والثاني باطل إجماعاً، والأوّل محال هنا للتنافي بين استحقاق الثواب

ص: 407


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 83 الفصل الثالث عشر .
2- أثبتناه من د ه.

والعقاب، ولا مخلص للعاصي من استحقاق العقاب حينئذ، وكان يقبح تكليفه» .(1)

أقول: هذا [هو] (2)احتجاج المعتزلة.

وتقريره أنه لو لم يجب سقوط العقاب عند التوبة، لما حسن تكليف العاصي بعد عصيانه واللازم باطل، فالملزوم مثله.

بيان الملازمة: [إنّه](3)لو كلّف بعد فعل المعصية، فإما أن يكون لفائدة أو لا لفائدة والثاني محال عليه تعالى.

والأوّل إمّا أن تكون تلك الفائدة هي الثواب أو غيره. وغير الثواب باطل بالإجماع، والأوّل محال أيضاً للتنافي بين استحقاقي الثواب والعقاب.

والعاصي لا مخلص له من العقاب على هذا التقدير، فكان يقبح تكليفه.

قال [أدام الله أيامه]: «والجواب : المنع من دوام عقاب الفاسق، وقد سبق، والمنع من عدم المخلص، لجواز العفو، أو كثرة الطاعات وزيادتها على العقاب».(4)

أقول: هذا هو الجواب عن حجّة المعتزلة.

وتقريرها: إنّهم قالوا استحقاق الثواب والعقاب متنافيين.

قلنا: ممنوع؛ وقد مضى أن عقاب الفاسق منقطع.

ص: 408


1- نهج المسترشدين في أصول الدين : 84 الفصل الثالث عشر .
2- أثبتناه من ج، د، ه.
3- أثبتناه من ج، د، ه.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 84 الفصل الثالث عشر.

قولهم: «لم يبق له مخلص»، ممنوع من وجهين:

الأوّل: لم لا يجوز العفو من الله تعالى، وقد مضى جوازه في ما تقدّم؟!

الثاني: لم لا يجوز أن يفعل العاصي فعلاً حسناً يزيد ثوابه على عقاب المعصية؟!

[بحث في الأسماء والأحكام]

قال [أدام الله أيامه]: «البحث العاشر : في الأسماء والأحكام:

الإيمان لغة التصديق. واصطلاحاً هو تصديق الرسول علیه السلام في جميع ما علم بالضرورة مجيئه به، مع الإقرار باللسان.

وعند المعتزلة : أنه فعل الطاعات.

لنا: إنّه قيد الإيمان بنفي الظلم، في قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلم» (1). وعطف عليه فعل الطاعات في قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»(2)، وكل ذلك يدل على المغايرة» .(3)

أقول: الإيمان في أصل اللغة: التصديق.

واختلفوا في تعريفه في الاصطلاح

فقال جماعة من المحققين: إنّه تصديق الرسول علیه السلام في جميع ما علم بالضرورة مجيئه ،به، مع الإقرار باللسان.

ص: 409


1- سورة الأنعام: 82.
2- سورة الرعد: 29 .
3- نهج المسترشدين في أصول الدين : 84 الفصل الثالث عشر.

والأشاعرة قالوا: إنّه التصديق النفساني، وهو باطل ! لما مرّ في [باب](1)کونه تعالى متكلّماً.

وقالت الكرّاميّة : إنّه عبارة عن التلفّظ بالشهادتين، وهو باطل! لقوله تعالى: «قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا»(2) .

وقالت قدماء المعتزلة : إنّه عبارة عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات.

وهو اختيار القاضي عبد الجبار بن أحمد (3)من متأخريهم، وقال أبو هاشم(4): إنّه عبارة عن مجموعها.

واختار المصنّف الأوّل، وضعف قول المعتزلة في هذه المسألة من وجهين:

[الوجه] الأوّل: قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ» .

وجه الاستدلال: أنه قيد الإيمان بنفي الظلم، فدلّ على أنه مغاير له، وإلاّ لكان تكريراً.

الوجه الثاني: قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ».

وجه الاستدلال إنّه عطف «عَمِلُوا الصّالِحاتِ» على الإيمان، فلو لم يكونا متغايرين لكان عطف الشيء على نفسه، وهو غير جائز. وأيضاً يكون تكريراً.

ص: 410


1- أثبتناه من ج، د، ه.
2- سورة الحجرات: 14 .
3- القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار المعتزلي، تقدّم.
4- أبو هشام الجبائي المعتزلي، تقدّم.

قال [أدام الله أيامه]: «احتجوا بأن قاطع الطريق يخزى، والمؤمن لا يخزى، فقاطع الطريق ليس بمؤمن.

أما الصغرى: فلأنّ الله تعالى يدخلهم النار لقوله تعالى: «وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(1)، وكلّ من يدخل النار يخزى، لقوله تعالى: «رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْنَهُ» .(2)

وأما الكبرى فلقوله تعالى: «يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ»(3)».(4)

أقول: لما فرغ من حجّة المحققين (5)، شرع في تقرير شبهة الخصم.

وتقريرها : إنّهم قالوا: قاطع الطريق يوم القيامة يخزى، والمؤمن لا يخزى يوم القيامة، فقاطع الطريق ليس بمؤمن.

وإنّما قلنا: إنّ قاطع الطريق يخزى، لأنه تعالى يدخله النار القيامة، يوم وكل من يدخل النار يخزى، أما أنه يدخل النار، فلقوله تعالى: »وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» ، وأما أن كل من يدخل النار يخزى، فلقوله تعالى: «رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ» ، وأما بيان أنّ المؤمن لا يخزى، فلقوله تعالى: «يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» ، فقد ثبت أن قاطع

ص: 411


1- سورة البقرة: 114 .
2- سورة آل عمران: 192.
3- سورة التحريم: 8.
4- نهج المسترشدين في أصول الدين: 84 - 85 الفصل الثالث عشر .
5- العبارة في ج، د، ه: (لما فرغ من حجّته).

الطريق ليس بمؤمن.

قال [أدام الله أيامه]: «والجواب: منع (1)انحصار العذاب العظيم في دخول النار. سلّمنا، لكن يحتمل تخصيصها بالكافر، لأنّ المؤمن لا يحارب الله ورسوله غالباً. سلّمنا، لكن نفي الخزي عن المؤمنين المصاحبين للنبي علیه السلام ، فلا يعم غيرهم .(2)

:أقول لما فرغ من تقرير حجّة المعتزلة، شرع في الجواب عنها.

[وتقرير الجواب:](3) أن نقول : لا نسلّم أوّلاً أنّ العذاب العظيم منحصر في عذاب النار، لأنّ العذاب أعم من أن يكون عذاب النار أو غيره، ومع تسليمنا ذلك، نمنع كونه عاماً لاحتمال التخصيص بالكافر جمعاً بين الأدلّة. وأيضاً فإنّ المؤمن لا يحارب الله ورسوله غالباً. [فلا] (4)فيكون مراده تعالى غير النار، لما قلناه

ومع تسليمنا [ذلك] ، نمنع كونه يريد جميع المؤمنين، لكن جميع المؤمنين .(5)

المصاحبين له علیه السلام ، فلا يتأتى (6)ما قالوه .

قال [أدام الله أيامه]: «والإيمان لما كان لغة هو : التصديق، لم يقبل الزيادة

ص: 412


1- في ج، د، ه: بمنع.
2- نهج المسترشدين في أصول الدين: 85 الفصل الثالث عشر.
3- أثبتناه من د ه.
4- أثبتناه من ج، د، ه.
5- أثبتناه من ج، د، ه.
6- في د، ه: ينافي.

والنقصان، خلافاً للمعتزلة» .(1)

أقول: اختلف الناس في أنّ الإيمان هل يقبل الزيادة والنقصان:

فالمعتزلة لما قالوا إنّه فعل الطاعة، قالوا: إنّه يقبلها .

ونحن لما أبطلنا مذهب المعتزلة، وأثبتنا أنّ الإيمان هو التصديق بجميع ما علم مجيء الرسول علیه السلام به ضرورة، بطل هذا القول.

قال [أدام الله أيامه]: «ولما كان عبارة عن التصديق(2)، لكان صاحب الكبيرة مؤمناً، خلافاً للمعتزلة، فإنّهم لم يسمّوا الفاسق مؤمناً ولا كافراً، بل أثبتوا له منزلة بين المنزلتين» .(3)

أقول: لما كان الإيمان عندنا هو التصديق، كان صاحب الكبيرة مؤمناً.

وخالف في ذلك المعتزلة، حيث حكموا بأنه لا يكون مؤمناً ولا كافراً، بل منزلة بين المنزلتين وهي الإيمان والكفر.

واحتجوا على ذلك بانّ الفاسق ليس بمؤمن لأنه لا يفعل الطاعات، ولا يترك المعاصي، ولا بكافر لأنه يقام عليه الحدود، ولأنه يدفن في مقابر المسلمين،

ويغسّل تغسيل المؤمنين.

والجواب: أنّه مسلّم، لكن لا يدلّ على المطلوب! إذ الإيمان هو التصديق لما مضى.

ص: 413


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 85 الفصل الثالث عشر .
2- العبارة في ج، د، ه: (لو كان الإيمان عبارة عن التصديق).
3- نهج المسترشدين في أصول الدين: 85 الفصل الثالث عشر .

قال [أدام الله أيامه]: «والكفر : هو إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول صلی الله علیه و آله وسلم به » .(1)

أقول: الكفر فيه خلاف بين الناس.

فالمعتزلة: على أنه فعل قبيح، أو إخلال بواجب، يستحق به أعظم العقوبات.

والحق : [إنه](2) إنكار ما علم مجيء الرسول علیه السلام به بالضرورة، وما عداه باطل !

أمّا مذهب المعتزلة فباطل ، لأنّ عقوبات الكفر متفاوتة، وكلّ ما زاد فهو أعظم عقاباً مما دونه فلا يبقى قولهم يستحق به أعظم العقوبات جيّداً!

وأما قول من قال إنّه الجحد، فباطل ! لعدم انعكاسه .

قال [أدام الله أيامه]: «والفسق لغة: الخروج عن الشيء، ولذلك تُسمّى الفأرة (فويسقة) لخروجها من بيتها.

وفي الشرع: الخروج عن طاعة الله تعالى في ما دون الكفر.

والنفاق: إظهار الإيمان وإبطان الكفر.

وليكن هذا آخر ما نورده في هذه المقدّمة. ومن أراد التطويل فعليه بكتابنا الكبير المسمّى ب__(نهاية المرام في علم الكلام) (3)ومن أراد التوسط فعليه بكتابنا

ص: 414


1- نهج المسترشدين في أصول الدين: 85 الفصل الثالث عشر.
2- أثبتناه من د، ه.
3- من مصنفات العلامة الحلّي، مطبوع.

المسمّى ب__(الوصول) (1)، و (مناهج الأصول)(2)، وغيرهما من كتبنا(3)».(4)

أقول: الفسق في اللغة: الخروج عن الشيء، يقال للفأرة (فويسقة) باعتبار خروجها من بيتها.

وفي الاصطلاح عبارة عن الخروج عن طاعة الله تعالى في ما دون الكفر، ليحترز به عن الكافر

والنفاق في اللغة : إظهار خلاف ما يعتقده الإنسان.

وفي الاصطلاح هو أن يبطن الإنسان الكفر، أي: يخفيه ويظهر [الإيمان] .(5)

***

فهذا آخر ما تيسر لي من شرح (نهج المسترشدين في أصول الدين)، فإذ قد وفقنا الله لإتمام ما رجوناه وتحصيل ما أملناه، فلنحمد الله الذي خضع كلّ موجود لربوبيته، وذل كل مصنوع لعظمته(6)، الذي أوضح الحجّة لأوليائه،

ص: 415


1- الظاهر: نهاية الوصول، أو نهاية الأصول.
2- الظاهر : مناهج اليقين في أصول الدين.
3- العبارة في المصدر: (بكتابنا منتهى الوصول، والمناهج ، وغيرهما من كتبنا)، وفي ج، د، ه: (بكتابنا مناهج الوصول).
4- نهج المسترشدين في أصول الدين 85 الفصل الثالث عشر.
5- أثبتناه من د، ه. والعبارة في ج: (هو أن ينطق الإنسان خلاف ما يخفيه ويظهر الإيمان).
6- (الذي خضع كلّ موجود لربوبيته، وذلّ كلّ مصنوع لعظمته) لا يوجد في ج.

وأنار المحجّة لأصفيائه، وفضّل أهل العلم على سائر الحيوانات، ورجح أصحاب الفضل على كثير من المخلوقات فيالها من نعمة ما أعظمها وكرامة ما أجسمها، ولنصلّ على أشرف مصنوع، وأعظم متبوع محمد المصطفى، الراقي إلى أعلى عليين، والواصل إلى أرفع درجات النبيين والمرسلين، وعلى آله المتفرّعين وعترته الأئمة الطاهرين(1)، وسلم تسليماً كثيراً.

فمن أراد الوصول إلى هذا العلم ،وغايته، والبحث عن ودقائق هذا الفنّ، والمصير إلى نهايته، فعليه بكتاب المصنف المسمّى ب_(نهاية المرام)(2)، فإنّه قد اشتمل على أشرف مطالب هذا العلم ودقائقه، وأعظم مسائل هذا الفنّ وحقائقه، ومن أراد التوسط فعليه بكتاب (المناهج)(3)، و(منتهى الوصول)(4)، وهما من كتب المصنف.

وهذا كتابي مع كونه صغير الحجم، فهو كثير العلم، فمن كان من أهل العلم فهو منقول منّي إليه، ومن كان من أهل الجهل فهو حرام عليه. (والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على خير خلقه ومظهر لطفه محمّد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين).(5)

ص: 416


1- (وعلى آله المتفرّعين، وعترته الأئمة الطاهرين) لا يوجد في د، ه
2- (نهاية المرام في علم الكلام) ، من مصنفات العلامة الحلّي، مطبوع.
3- الظاهر المراد به کتاب (منهاج الهداية ومعراج الدراية)، وكتاب (منهاج اليقين في أُصول الدين)، من مصنفات العلامة الحلّي.
4- (منتهى الوصول إلى علمي الكلام والأصول)، من مصنفات العلامة الحلي.
5- إلى هنا تنتهي نسخة ج.

فرغت من تسويده وقد بلغت تسعة عشر من السنين ودخلت في سنة العشرين، وهو شهر جماد الآخر سنة ثلاث وسبعمائة بعد الاشتغال في خدمة شيخنا وسيدنا مصنف الكتاب الذي أنعم الله عليَّ بالانتساب إلى خدمته، والمثول في أكثر الأوقات في حضرته والحمد لله بما أقسم، وله الشكر على ما أنعم، إنه ولي ذلك .(1)

اللهم اجعل هذه الكتابة، والسعي والنظر فيها، والبصر والفكر والتفكر عليها لوجهك خالصاً، ووفقنا في دراسته ودرايته، واحفظنا عن مزالق الطريق ومسالك سبيل الفريق الذي لما لك فيها رضا ولي صلاح وهدى ونجاة، واحشرنا [مع] الفائزين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بمحمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين.

ص: 417


1- العبارة في نسخة د، ه: (فرغ الشارح من تسويد هذا الكتاب وقد بلغ سنه تسع عشر سنة ودخل في العشرين في شهر جمادي الآخر سنة ثلاث وسبعمائة وهذا السيّد المرحوم المغفور المتبحر في علم الكلام والأُصول عبد الحميد بن محمد الأعرج الحسيني طاب ثراه، وجعل الجنة مثواه، وحشره مع الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين)، وبها تنتهيان.

ص: 418

الفهارس الفنية

ص: 419

ص: 420

فهرس الآيات

سورة البقرة

الآية (23) «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ» ص 316

الآية (114) «وهَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» ص 411

الآية (198) «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ» ص 295

الآية (217) «وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ» ص 395

الآية (254) «أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ» ص 294

الآية (259) «وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ تُنْشِرُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً» ص 385

الآية (284) «وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

سورة آل عمران

الآية (29) (189) «وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ص 38

الآية (33) «إنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْرَاهِيمَ....» ص 320

الآية (37) «وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً» ص 293

الآية (191) «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» ص 38

الآية (192) «رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِل النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا....» ص 411

ص: 421

سورة النساء

الآية (8) «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى...» ص 293

الآية (48) «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ....» ص 398 ، 399، 402،401

الآية (153) «أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً» ص 255

الآية (172) «لَنْ يَسْتَنْكِفَ المُسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدا الله...» ص321، 322

سورة المائدة

الآية (17) (19) «وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ص 38

الآية (55) «إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا....» ص 339، 342،340

سورة الأنعام

الآية (82) «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ» ص 409 ، 410

الآية (103) «لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ» ص 212 ، 251 ، 253

سورة الأعراف

الآية (20) «ما نَهَاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا....» ص 321، 322

الآية (142) «أُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» ص 346، 347

الآية (143) «لَنْ تَرَانِي وَلَكِن انظُرْ إِلَى» ص 251،253،256

سورة الأنفال

الآية (41) «وَاللهُ عَلَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ص 38

ص: 422

سورة التوبة

الآية (39) «وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ص 38

سورة يونس

الآية (35) «أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ» ص 335

الآية (101) «قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» ص 38، 126

سورة هود

الآية (13) «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بعشر سُوَرٍ مِثْلِهِ ....» ص 315

سورة الرعد

الآية (6) «وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى....» ص 401

الآية (29) «الَّذِينَ آمَنُوا َوعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» ص 409، 410

سورة الحجر

الآية (9) «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» ص 225

سورة الإسراء

الآية (38) «كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيْتُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوها» ص 276

الآية (51) «فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُل الَّذِي....» ص 385

الآية (61) «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا....» ص 321

الآية (88) «لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا....» ص 316

ص: 423

سورة الكهف

الآية (24،23) «وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً....» ص 48

سورة مريم

الآية (42) «يَا أَبَتِ لم تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلاَ....» ص 212

سورة طه

الآية (46) «لا تَخَافًا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى» ص 212

سورة الأنبياء

الآية (2) «مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرِ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ....» ص 224 ، 225

الآية (30) «وَجَعَلْنَا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» ص 225

الآية (104) «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا....» ص 374

سورة الحج

الآية (17) «اللهُ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الآية» ص 290

الآية (38) «وإنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانِ كَفُورٍ» ص 276

الآية (78) «مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» ص 400

سورة المؤمنون

الآية (23) «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ» ص 226

الآية (45) «أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ بِآيَاتِنَا» ص 347

سورة القصص

الآية (88) «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» ص 373، 374

ص: 424

سورة يس

الآية (79،78) «قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ....» ص 383

الآية (81) «أُولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ....» ص 377 ،383

سورة الزمر

الآية (65) «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» ص 394 ، 395

سورة الزخرف

الآية (3) «إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً» ص 225

سورة محمد

الآية (19) «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الله» ص 38

سورة الحجرات

الآية (14) «قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا....» ص 126، 410

سورة الحديد

الآية (3) «هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُم» ص 375

الآية (15) «النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ» ص 344

سورة الحشر

الآية (6) «وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ص 38

سورة الجمعة

الآية (10) «فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي....» ص 294، 295

ص: 425

الآية (8) «يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» ص 411

سورة الملك

الآية (2) «خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ» ص 103

سورة الحاقة

الآية (12) «وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» ص 349

سورة القيامة

الآية (3)(4)« أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ....» ص 385

سورة الإنسان (الدهر)

الآية (8) «ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً....» ص 351

سورة الزلزلة

الآية (7)(8) «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ....» ص 398 ،399

***

ص: 426

فهرس الأعلام

إبراهيم علیه السلام: ص 320، 321

إبراهيم بن سيار أبو إسحاق النظام: ص 312

إبراهيم بن محمد ابن عياش النصيبي: ص 46

إبراهيم بن محمد الأسفراييني: ص 40

أحمد بن حنبل: ص 225

الأخطل: ص 344

آدم علیه السلام: ص 321،320

أرسطو: ص 77، 79، 137

الاسكندر بن فيلبس: ص 79

أفلاطون: ص 79

الأعشى أبو بصير: ص 340

بخت نصر: ص 319،318

جعفر بن أبي طالب: ص 345

جعفر بن محمد الصادق علیه السلام: ص 277

جندب بن عبد الله الأزدي: ص 353

الحسين بن عبد الله أبو علي سينا: ص 80 ،88 ،98

ص: 427

الحسين بن علي علیه السلام: ص 351، 354

الحسين بن علي بن إبراهيم الجعَل: ص 46

الحسين بن محمّد النجار: ص 210،209

زيد بن علي: ص 336

سفيان بن عيينة: ص 336

سفيان الثوري: ص 336

صالح بن حيّ: ص 336

ضرار بن عمر: ص 249

عبّاد بن سلمان أبو سهل: ص 195

العبّاس بن عبد المطلب: ص 336، 338

عبد الله بن أحمد الكعبي البلخي: ص 45 ، 46 ، 103 ، 197 ، 212 ، 291 ، 292 ، 313 ، 388 ، 389 ، 391

عبد الله الراوندي: ص 336

عبد الله بن سعيد الكلابي: ص 124، 164، 165

عبد الله بن عبّاس: ص 350،349

عبد الله بن محمد ابن الحنفية: ص 336

عبد الرحيم محمد أبو الحسين الخياط: ص 46

عبد السلام بن محمد أبو هشام الجبائي: ص 40، 45 ، 57، 59، 86 ، 100 ، 101 ، 150 ، 198 ، 199 ، 209 ، 210 ، 221 ، 223 ، 231 ، 232 ، 291 ، 292 ، 313 ، 403 ، 405 ، 406 ، 410

عبد الجبار بن أحمد القاضي : ص 45 ، 410

ص: 428

عبد الملك بن عبد الله أبو المعالي الجويني: ص 40 ، 128 ، 129 ،218

عبد الملك بن مروان: ص 344

عقيل بن أبي طالب: ص 345

علي بن أبي طالب علیه السلام: ص 336 ، 337 ، 338، 339، 340، 342، 345، 346، 348، 349، 350، 351 ، 352، 355،353

علي بن إسماعيل أبو الحسن الأشعري: ص 40 ، 56 ، 58 ، 218 ، 270

علي بن الحسين علیه السلام: ص 351

علي بن الحسين المرتضى: ص 194 ، 291 ، 292 ، 312 ، 313

عمران: ص 320 ، 321

عيسى المسيح علیه السلام: ص 321 ، 322 ، 323

الكميت بن زید: ص 341

مجنون ليلى: ص 402

محمد بن الحسن الطوسي: ص 104

محمد بن زكريا الطيب: ص 134

محمّد بن الطيب أبو بكر الباقلاني: ص 40 ، 128 ، 129 ، 218

محمد بن عبد الله صلی الله علیه و آله وسلم: ص 315 ، 315 ، 317 ، 318 ، 320 ، 402

محمد بن عبد الوهاب أبو علي الجبائي: ص 45 ، 56 ، 100 ، 198 ، 199 ، 209 ، 210 ، 223 ، 232 ، 233 ، 313 ، 404 ، 405

محمّد بن علي أبو الحسين البصري: ص 56 ، 58 ، 116 ، 148 ، 206 ، 207 ، 208 ، 210 ، 211 ، 212 ، 229 ، 270 ، 273 ، 403

ص: 429

محمّد بن عمر الفخر الرازي: ص 56 ، 116 ، 136 ، 207 ، 313 ، 320

محمد بن كرام السجستاني: ص 165 ، 239

محمّد بن محمد بن طرخان الفارابي: ص 80

محمد بن محمد الغزالي: ص 249

محمّد بن محمّد النعمان الشيخ المفيد: ص 40 ، 46

محمد بن يزيد المبرد: ص 341

محمود بن عمر الخوارزمي: ص 403

مقاتل بن سليمان: ص 40

المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف): ص 255

موسى علیه السلام: ص 253 ، 254 ، 255 ، 256 ، 317 ، 318 ، 319 ، 320 ، 346 ، 347

نوح علیه السلام: ص 320 ، 321

هارون علیه السلام: ص 346 ، 347 ، 348

واصل بن عطاء: ص 41

يوسف بن عبيد الله الشحّام: ص 45

أبو الأسود الدؤلي: ص 350

أبو بكر بن أبي قحافة: ص 377

أبو موسى الأشعري: ص 40 ، 56

أبو هذيل العلاف: ص 45

***

ص: 430

فهرس الأديان والمذاهب

الإسماعيلية: ص 313

الأشاعرة: مکرّر کثيراً

الإمامية: ص 252 ، 270 ، 336 ، 337 ، 339 ، 355 ، 391 ، 395 ، 396

البراهمة : ص 262 ، 278 ، 302

الحشوية: ص 124

الحنابلة: ص 224 ، 225

الزيدية: ص 252 ، 270 ، 336 ، 337

السُمّنية : ص 121 ، 122

الصابئة : ص 302

الصوفية: ص 237 ، 259

الكراميّة: ص 165 ، 212 ، 239 ، 240 ، 243 ، 410

الكعبية: ص 46

العبّاسية: ص 336

المجبّرة: ص 209

المجسمة: ص 236 ، 239

ص: 431

المرجئة: ص 391 ، 392 ، 393 ، 395 ، 396 ، 399 ، 406 ، 407

المعتزلة: مكرّر كثيراً

النجارية: ص 209

النصارى: ص 237، 247

الوعيدية: ص 399، 401

اليهود: ص 317 ،318

***

ص: 432

فهرس الموضوعات

كلمة المحقق....7

تمهيد....7

اسم المؤلّف ونسبه....8

ذكره في الكتب والتراجم....8

ولادته ووفاته....10

كتاب العلامة (نهج المسترشدين) وشروحه....11

حول الكتاب....13

ما يتعلّق بالنسخة المعتمدة (الأصل)....16

منهجنا في التحقيق....20

الصفحات الأولى للنسخ الخطية....21

مقدّمة المؤلّف....33

الفصل الأول

في تقسيم المعلومات....39

مبحث الوجود الذهني والخارجي....42

الفصل الثاني

في أقسام الممكنات....49

مبحث الجوهر....50

ص: 433

مبحث العرض....52

الفصل الثالث

في أحكام المعلومات....55

بحث في الوجود هل هو صفة زائدة....55

بحث في بيان اشتراك الوجود....58

بحث في تعريف الوجود....60

بحث في الوجوب والإمكان والامتناع....61

الفصل الرابع

في أحكام الموجودات....65

بحث في جوهر الفرد....65

بحث في أحكام الأجسام....69

في بقاء الأجسام....71

في تناهى الأجسام....74

في جواز الخلأ بين الأجسام....76

في حدوث الأجسام....78

بحث في أحكام خاصة للأعراض وأقسامها....82

مبحث الكون....82

مبحث اللون....86

مبحث الطعوم....89

مبحث الروائح....92

مبحث الحرارة والبرودة....93

مبحث الرطوبة....95

مبحث الصوت....96

ص: 434

مبحث الاعتماد....98

مبحث التأليف....101

مبحث الفناء....101

مبحث الحياة....102

مبحث القدرة....104

مبحث الاعتقاد....107

مبحث العلم....107

في الأوليات....107

في المحسوسات....109

في المجرّبات....109

في الحدسيات....110

في المتواترات....111

في حدّ العلم....112

مبحث الظنّ....115

مبحث النظر....116

في النظر الصحيح....120

في وجوب النظر.....124

وجوب النظر عقلى....127

القصد إلى النظر....127

في معنى الدليل....130

مبحث الإرادة الكراهة....132

مبحث الشهوة والنفرة....133

مبحث الألم واللذة....134

مبحث الإدراك....135

ص: 435

في الإبصار....136

في السماع....141

في الشم....142

في اللمس....143

في الذوق....144

بحث في أحكام عامة للأعراض....145

في قيام العرض بنفسه....146

في بقاء الأعراض....147

في عدم حلول العرض بمحلّين....149

في بيان حدوث الأعراض....151

بحث في الأحكام المشتركة بين الجواهر والأعراض....152

مبحث التماثل والاختلاف....152

في التقابل....153

في الضدين....155

في النقيضين....155

في العدم والملكة....156

في المتضايفين....157

في المثلين....158

مبحث الوحدة والكثرة....159

مبحث الحدوث والقدم....163

مبحث العلّة والمعلول....169

في تقسيم العلّة....171

في وحدة المعلول....173

في تأخير المعلول عن العلة....175

ص: 436

في إبطال تسلسل العلل والمعلولات....178

في العلة البسيطة....180

مبحث الموجود الكلى والجزئي....182

الفصل الخامس

في التوحيد....185

بحث في إثبات الواجب الوجود وصفاته....185

بحث في قدرة الواجب....189

في قدم الواجب....191

في أحكام القدرة....193

في أفعال العبد....198

بحث في علم الواجب....199

في علمه بالجزئيات....202

في علمه بذاته....203

بحث في حياة الواجب....205

بحث في إرادة الواجب....208

بحث في إدراك الواجب....211

بحث في كلام الواجب....214

الفصل السادس

في أحكام صفات الواجب....217

بحث في البقاء....217

بحث في نفى المعاني....219

بحث في أنّه مريد لذاته....223

بحث في حدوث كلامه....224

ص: 437

الفصل السابع

بحث في صدقه....226

بحث في أزلية صفاته....228

الفصل الثامن

في ما يستحيل عليه تعالى....231

بحث نفى المماثلة....231

بحث نفى التركيب....233

بحث نفى التحيّز....235

بحث نفي الجهة....238

بحث استحالة قيام الحوادث عليه....242

بحث في استغنائه....248

بحث أنّ ذاته غير معلومة....249

بحث استحالة رؤيته....251

بحث في أوحديته....256

الفصل الثامن

في العدل....259

بحث الحسن والقبح....261

بحث في نفى القبيح عنه....267

بحث في خلق الأعمال....269

بحث في أنه مريد....274

الفصل التاسع

في فروع العدل....277

بحث في التكليف....277

ص: 438

في وجوب التكليف....280

بحث في اللطف....282

بحث في الآلام....285

في عوض الألم....287

بحث في الرزق....293

في مسائل الأجل....296

في السعر....298

الفصل العاشر

في النبوّة....301

بحث في البعثة....301

بحث في العصمة....306

بحث في كيفية معرفته....310

بحث أدلة إثبات نبوة محمد صلی الله علیه و آله وسلم....315

في احتجاج اليهود ببطلان النسخ....317

بحث في أشرفية الأنبياء....320

الفصل الحادي عشر

في الإمامة....325

بحث في حدّ الإمامة....325

بحث في صفات الإمام....331

بحث في إمامة أمير المؤمنين علیه السلام....337

بحث في إمامة باقى الأئمة علیه السلام....353

في غيبة الإمام المهدي علیه السلام....355

ص: 439

الفصل الثاني عشر

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر....357

الفصل الثالث عشر

في المعاد....363

بحث في حقيقة الإنسان....363

بحث في إعادة المعدوم....370

بحث في إمكان انعدام العالم....372

بحث في إمكان خلق عالم آخر....377

بحث انقطاع التكليف....379

بحث في إثبات المعاد الجسماني382

بحث في الثواب والعقاب....387

في دوام الثواب والعقاب....392

بحث في التوبة....403

بحث في الأسماء والأحكام....409

الفهارس الفنية

فهرس الآيات....421

فهرس الأعلام....427

فهرس الأديان والمذاهب....431

فهرس المواضيع....433

ص: 440

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.