حديث حول الجبر والتفويض

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی البحراني المحرقي، السيد عبدالله

عنوان المؤلف واسمه: حدیث حول الجبر و التفویض/ تالیف السيد عبد الله السيد حسن الموسوي البحراني المحرقي.؛ [ویرایست 2؟]

تفاصيل النشر: قم: مؤسّسة المعارف الاسلامية، 1424ق. = 1382.

مواصفات المظهر: 182ص.

فروست : مؤسّسة المعارف الاسلامية؛147.

شابک : :964-7777-05-1 20000ریال

حالة الاستماع: فاپا

لسان : العربية.

ملحوظة: کتابنامه: ص. 179-180.

موضوع : جبر و اختیار.

معرف المضافة: بنیاد معارف اسلامی

تصنيف الكونجرس: BP219/6/م 85ح 4 1382

تصنيف ديوي: 297/465

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 82-11258

ص: 1

اشارة

موسوی بحرانی محرقی ، عبد الله

حديث حول الجبر والتفويض / تالیف عبد الله حسن هاشم الموسوى البحراني .-

قم: مؤسسة المعارف الاسلاميه ، 1424 ق . = 1382 . عربی .

182 ص . : ISBN 964 - 7777 - 05 - 1

فهرستنویسی بر اساس اطلاعات فيبا .

کتابنامه : ص 179 - 180 .

1. جبر و اختيار . الف . بنیاد معارف اسلامی . ب . عنوان .

4 ح 219/6/85 B

کتابخانه ملی ایران 11258 - 82م

147

هويّة الكتاب :

اسم الكتاب : ... حديث حول الجبر والتفويض .

تأليف : ... السيّد عبدالله السيد حسن السيد هاشم الموسوي البحراني .

نشر ... مؤسسة المعارف الإسلامية .

الطبعة : ... الأولى 1424 ه- . ق .

المطبعة : ... عترت

العدد : ... 1000 نسخة

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة

المؤسّسة المعارف الإسلاميّة

ايران - قم المقدسة

ص . ب 768 / 37185 تلفون 7732009

E-mail: m_islamic@aYna.com

ص: 2

الطبعة الأولى

مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات

بيروت - لبنان 1406 ه- - 1986

الطبعة الثانية

مؤسسة المعارف الاسلامية

ایران - قم - 1424 ه- - 2003 م

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

ص: 4

المقدمة

بسمه تعالی

لقد تفضل علينا جناب الاخ الوجيه والخطيب البارع الشيخ عباس احمد الريس بهذه الكلمة القيمة نشكر شعوره الفياض ونتمنى له التوفيق الدائم .

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وبعد :

فإن حديث الجبر والتفويض له جذور راسخة في تاريخ العقيدة الاسلامية ، وله اهمية خاصة دون غيره من ابحاث علم الكلام ، وذلك لما كان فيه من موارد الخلاف بين علماء الشريعة الاسلامية من جميع الفرقاء .

أما أهميته فهي تكمن في كونه يتغلغل في اعماق الانسان وكيانه ؛ لأنه عقيدة ، والعقيدة مقرها ضمير الانسان ، والعقيدة اذعان فكري بدليل فطري ، او غير فطري . حتى اذا استقرت هذه بذاك ، تجسدت بأشكال شتى خارج كيان الانسان بفعل او قول

والطرح الذي جاء به أهل البيت عليهم السلام حول هذا الموضوع يتمثل في قول الامام الصادق عليه السلام : « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين » . وهذا الكلام - كما تراه - قريب في معناه بعيد في مرماه .

وتوضيحاً لهذا المعنى السامي أسوق مثالاً بسيطاً ، حتى يستطيع القارىء ان يدرك من خلاله تقريباً معنوياً .

رجل اعطى ابنه ديناراً ، وأمره ان يشتري كتاباً ليستفيد منه ، ويستزيد من ثقافته ، وحذره من ان يشتري به آلة لهو وطرب فإنها مفسدة للأخلاق ، ومضيعة

ص: 5

للوقت ، ومحرمة في الشرع . وخير الولد نفسه بين الدخول الى المكتبة لشراء الكتاب أو الدخول الى دكان آلات اللهو ·

فإن اشترى الكتاب نسب هذا العمل لأبيه لأنه نصحه بذلك ، ونسب اليه لأنه أحسن الاختيار .

وإن اشترى آلة اللهو ، فقد نسب اليه هو نفسه خاصة دون أبيه لأنه قد نهاه عن ذلك . ومن خلال هذا المثال نستطيع ان نفهم معنى الكلمتين ( الجبر والتفويض ) .

ولقد تداول هاتين الكلمتين علماء المعقول حتى كانتا أكثر في كانتا أكثر في هذا العلم من غيره . ولا اريد أن اتطرق الى معناهما اللغوي والعلمي ، لأني أكتب كلمة لا أؤلف كتاباً ؛ ولأن الكتاب الذي بين يدي القارىء قد أسهب في عرضهما بالشرح والتحليل .

ولكني اريد أن أشير إلى ما قاله علماء الشيعة الامامية عن فكرة التفويض ، فقد شددوا النكير اقتداء بأئمتهم على كل من يقول بالتفويض ، وعدوا قائله مشركاً ، وخارجاً عن الدين .

فقد ذكر العلامة المجلسي في بحاره بابا خاصا اسماه : ( باب نفي الغلو في النبي والائمة وبيان معاني التفويض )

سرد فيه كثيراً من الاحاديث عن اهل البيت الذين شجبوا فيها القول بذلك

فمنها ما جاء في عيون اخبار الرضا عليه السلام :

قال الراوي : سألت الرضا عليه السلام عن التفويض فقال :

(الغلاة كفار ، والمفوضة مشركون ، من جالسهم أو واكلهم ، أو شاربهم ، أو واصلهم ، أو زوجهم ، أو تزوج منهم ، أو أمنهم ، أو ائتمنهم على شيء ، او صدق حديثهم ، أو أعانهم بشطر كلمة ، خرج من ولاية الله عز

ص: 6

وجل ، وولاية الرسول ، وولايتنا أهل البيت )

وقال الصدوق رحمه الله في كتابه ( التوحيد ) بعد ان ذكر حديثاً عن الامام أبي الحسن الرضا حول مسألة آدم ، وأكله من الشجرة مع زوجه : إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة ، وقد علم انهما يأكلان منها ، ولكنه عز وجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة ، كما منعهما من الأكل منها بالنهي والزجر .

فهذا معنى مشيئته فيهما . ولو شاء عز وجل منعهما من الأكل بالجبر ، ثم أكلا منها لكانت مشيئتهما قد غلبت مشيئته ، كما قال العالم عليه السلام - تعالى الله عن العجز علواً كبيراً .

وفي هذا المعنى أو ما قاربه قال العلامة الشيخ حسين آل عصفور نور الله ضريحه في كتابه ( محاسن الاعتقاد ) في دفع شبهة للمعتزلة : إن ارادة العصيان قبيحة لا تصدر عن الله تعالى ، وتقدير الدفع ، إن الله تعالى ارادتين :

إحداهما : إرادة حتم لا تقع معها للعبد قدرة واختيار ، بل يصير محتوماً ، كإرادة مرض العبد وصحته .

وثانيتهما : إرادة عزم، أي يبقى للعبد معها اختيار وعزم وإرادة الله لعصيان العاصي إرادة عزم ، لا إرادة حتم ، لاستحالة تعلقها مع بقاء التكليف فلا يلزم تكليف ما لا يطاق.

وبهذا تنحل شبه كثيرة اوردها اهل الاعتزال والجبر .

وإذا رأيت ثم رأيت نهجاً جديداً في التبويب ، فالكتاب لم يكن جديداً في فنه فقد بحث هذا الموضوع كثير من علماء الفلسفة الاسلامية ، وأفاضوا فيه حتى ذكروا منه كل شاردة وواردة .

ولكن المهم في ذلك - وهو ما اردت ان أشير إليه - هو المنهجة التي طرأت على الكتاب ، حتى لقد سهلت السبيل وذللت كثيراً من العقبات التي

ص: 7

تلازم - عادة - هذا الفن مادة وروحاً .

ولقد اتبع السيد حفظه الله هذا المنهج ، بعد أن امتطى هذا الصعب ، علما منه بالعقبات التي تواكب ابحاث الكتاب المتلاحقة ، فقد حاول جهده في تبسيط العبارة من غير تهجين للمعنى ، ولكن العلم في ابحاثه الطافحة فضلا عن العميقة منه لم يستسلم له الا في بعض ، وتراه فرساً جموحاً في بعض خباياه الاخرى

ومن خلال الابحاث في الكتاب يستطيع القارىء ان يدرك الجهد الذي بذله المؤلف في سبيل عرض الكتاب في فصول ، وإن في ذلك شيئاً من التكلف .

وأريد أن أقول : بأن الحكم على الكتاب أوله ، يرجع الى القارىء الكريم ، ولكن ليس كل قارىء فإن الكتاب في محتواه الفكري والعقائدي يحتاج الى متأمل قد أوتي حظاً وافراً في المعرفة الشاملة ، والاطلاع الواسع لكي يعرف مرامي لفته التي هي عبارة عن مجموعة من الاصطلاحات العلمية والقياسات المنطقية .

والحمد لله اولاً وآخراً ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

البحرين - الدراز

18 صفر 1406ه-

عباس احمد الريس الدرازي

ص: 8

ولقد تفضل علينا جناب الوجيه الخطيب البارع الشيخ حسن بن عبد الله القيسي آل درويش بهذه المقطوعة الشعرية : نشكر شعوره الفياض

اقول وخير القول فصل ولا هزل * كما ان خير الفعل الجد في العمل

مقالاً جميلاً ما به اي شبهة * غيث به يا صاح السيد الاجل

هو الفذ عبد الله من نسل هاشم * ومن بمزايا نيلهم يضرب المثل

هو و العالم النحرير والحبر والذي * هو الندب بل للعلم في فنه بطل

وان كنت في شك لوصفي وقولي * فهاك كتاب الجبر عن وصفه فسل

ابا هاشم حياك ربي تحية * وساق لك التوفيق حلا ومرتحل

فدونكمن عندي الشهادة انما * حديثك حول الجبر يشفي من العلل

كتبت وقد اسديت للعلم خدمة * لها القيمة العظمى وسار به المثل

كتابا وللو د عذباً مسلسلاً * به يرتوي الظمآن علا ومنتهل

كتابا جليلاً ضم علماً ومنطقاً * عظيماً ينير الدرب اذكى من الشعل

وقلت مقالا ما به أي شبهة * وما فيه من ريب ولا يقبل الجدل

بأن ليس في الاسلام جبر ولا به * هنالك تفويض وبالحجة اكتمل

وفجرته علماً نميراً وصافياً * غزيراً وجما ليس ضحلاً ولا وشل

معيناً كينبوع يدافع بعضه ببعض * كسيل قد تحدر من جبل

فيروي به الضمئان ما اتى به * فيكرع منه ما به يطفي الغلل

وادليتها فيه براهين كلها * انت ساطعات النور كالصبح اذ اطل

وسقت من القرآن أي ادلة * اتت كافيات من تدبر اوعقل

ص: 9

وجئت به کالبدر تم تمام لبدر تم تمامه * نمته ليالي البيض حتى اذ اكتمل

تشعشعت الانوار منها فبان من * سواطع ذاك النور السهل والجبل

فهذا لعمري العلم يا طالب الحجا * علي-ك ب-ه لا تخشى عيا ولا فشل

ص: 10

ولقد تفضل علينا الخطيب الاديب الاخ الشيخ حسن بن عبد الله القيسي بهذه المقطوعة المتضمنة لنسبنا بالاضافة الى تلك المقطوعة المتقدمة ذكرها وهي التي تتضمن تقريضاً للكتاب .

نشكر شعوره الفياض ونسأل الله تعالى له الموفقية الدائمة لخدمة الإسلام

يا خليلي هاك استمع لي فها قد *** قلت قولاً مثل الجمان المنضد

مثل زهر الحدائق الغن حفتها *** رياض في غصنها الطير غرّد

اوكجيد الفتاة قد زانه عقد *** جميل من الثلالي وعسجد

ناظماً یا صويحبي نسب العلامة *** الفذ والخطيب المسدّد

نسب السيد الجليل عني-ت ب-ه *** العالم الجبهذ العظيم الامجد

انه السيد المبجل عبد الله *** من والد ل-ه ك-ري-م ال-م-ح-ت-د

حسن ذاك اسمه حسن الخير *** من هاشم ابوه بلا رد

ابن طهر واسمه حسن ايضاً *** سمّي الزكي من آل أحمد

ابن مرهون سید رهنت *** فيه المعالي وبالمكارم يحمد

وكذا بعده كريم ال-س-ج-اي-ا *** حسن بالكمال حقاً توحد

بعده طيب الخصال وفيه *** يدرك الخير والصلاح محمد

بعده سید سمى بالمعالي *** ماجد اسمه کریم ممجد

ثم من قد علا بعزّ علي *** قدعلابعزّعلي من علي بالمكرمات تفرّد

بعده الهاشمي العلوي الطهر *** من الكمال والجود جدّد

ثم ذاك المقدس الطيب الزاكي *** المسمّى بالفضل والنبل أحمد

بعده البحراني هاشم اکرم *** فيه من هاشمي عزاً وسؤدد

انه البحراني لكنه لا من ***اليه البرهان في العلم يسند

ص: 11

وعتيق الحسين خير عتيق *** علوي ذلك اسمه حسين يسرد

والغريفي بعده وأسمه *** فيه حسين بالحسين تودّد

حسن بعده الكريم المرجى *** باسم نجل الزكي سبط محمد

ثمَّ ذاك الذي بفضل وجود *** وسماح دعي وسمّي أحمد

بعده السيد المبارك عبد الله *** ذو عفة وصون وسؤدد

ثم عيسى سمّي عيسى سى كمالاً *** وعفافاً وبالحياء تأكد

وخميس مثل الخميس تراه *** مشرق الوجه خلته النجم فرقد

ثم ذو المكرمات والحسب العالي *** أخو الجود والمحامد أحمد

ناصر بعده ومن نصر المجد *** بكفيه فاستطال بلا عد

وعلي من لقبوه كمال الدين منه الكمال والنيل يوجد ***

وسليمان من علا بالمعالي *** سل من دوحة النبي محمد

جعفر بعده وانعم بذاك الاسم اسم *** لجعفر بن محمد

نجل من بالعشائري لقبوه *** فهو ذخر وللعشائر مقصد

انه الحائري حارت ذوي الالباب فيه *** وفضله ليس یجحد

وأبوه الامين ابن ابي الحمراء *** يدعى واسم ذاك محمد

وأبوه علي السيد الطاهر شخص ***له المحامد تسند

بعده الضخم الجليل علي *** بعلي علا وفي نبله جد

حسن بعده ويا خير اسم *** يتلألأ بلمع نور توقد

وأبوه الحائري وان *** تسأل عن اسمه فذاك محمد

ابن برعلا ولقب بالعابد *** من عابدين يدعى محمد

كاظم الغيظ ان سألت ابوه *** ماله قد علمت في حلمه حدّ

وأبوه الصادق القول واللهجة *** أكرم بجعفر بن محمد

باقر العلم قد علمت ابوه *** بال طهر بالمكرمات توحد

ذاك من قد أقر معترفاً فيما *** حواه من قد عتا وتعند

وأبوه السجاد عابد اهل البيت *** ان جنّة الدجى تهجد

وأبوه الحسين من قارع الظلم *** بيوم من المعارك أسود

ص: 12

خاض نار الوغى والحرب تغلي *** كالمرجيل بالوقود توقد

وأبوه الوصي حيدرة الكرار *** ما فر فی مقام ولا رد

ذاك من شيد الهدى ومن قد *** صدّ بالسيف فيلق الكفر فانصد

ان تسلني عن امهم خي- سر أم *** دوحة النور والهدى ليس يوجد

في الورى يا اخي لها من مثيل *** هي ست النساء بنت محمد

انها للزهراء أم التقى من *** قد منها نور الامامة فانقد

وأبوها خير الأنام رسول الله *** والمصطفى النبي المؤيد

نسب طاهر وفخر عظيم *** جاء نور أمنه الظلام تبدّد

هاك خذه واهنا به یا ابا هاشم *** لا زلت بالسداد مسدّد

واليكم يا طالبي العلم ما قلت *** وما قد نسبت للماجد الجد

للشريف النبيل السيد عبد الله *** أكرم به انتساب وم-ح-ت-د

طبّق ما قاله بمنظومة الكون *** وما سامة هناك وأورد

وصلاتي على النبي واهل البيت *** طرأ ما طار طير وغرد

ص: 13

المقدمة

ص: 14

ص: 15

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، لا سيما بقية الله في الارضين مولانا ومقتدانا الحجة ابن الحسن روحي وأرواح العالمين له الفداء

وبعد :

ربما يقول البعض . . . لماذا قد اختار المؤلف الحديث حول الجبر والتفويض بالذات والحال انه حديث كلامي فلسفي غامض يصعب على البعض ممن ليس له خلفية في هذا الفن فهمه وادراكه ؟ اعتقد ان الحديث حول الجبر والتفويض وان كان قديماً ولا يزال من اعظم الاحاديث الاسلامية غموضاً وأصعبها اشكالاً كما يرى البعض الا ان هذا لا يعني تركه وعدم الخوض فيه ، وكونه كلامي فلسفي يصعب على البعض فهمه لا يعني ان لا نتحدث به الى من عليه فهمه سيما واننا قد بسطنا ما يمكن تبسيطه من العبارات الكلامية لا يعسر والفلسفية بقدر الامان لكي تتكون لدى القارىء بموجب التبسيط فكرة واضحة عنه . وانك لسوف ترى من خلال قرائتك الكتاب سهولة الحديث بحيث قد تفهمه وان لم تكن من اهل فنه . وذلك لما قد امتاز به الكتاب من الجودة في التعبير وعرض أقوال الاكابر من العلماء في الموضوع بأسلوب لا يعسر على احد فهمه الا على من لا يعقل او لا يتدبر .

ص: 16

والكتاب كما تراه بين يديك يتلخص بالعناوين التالية : -

1 - مفهوم الجبر والاختيار 2 - بطلان الجبر بالادلة العقلية

3 - بطلان الجبر بالنصوص القرآنية 4 - اهل البيت يقولون ببطلان الجبر

5 - من هم القائلون بالجبر 7 - بطلان ادلة المجبرة

6 - ما هي ادلة المجبرة 8 - مفهوم التفويض

9 - بطلان التفويض بالادلة العقلية 10 - بطلان التفويض بالنصوص القرآنية

11 - اهل البيت يقولون ببطلان التفويض 12 مفهوم الأمر بين الأمرين

هذه مواضيع الكتاب على نحو الاجمال الا اننا سوف نتعرض قبل الشروع في الحديث عنها الى موضوع ( القضاء والقدر ) وذلك لما له من اهمية عظيمة بالاضافة الى ان التعرض له يثمر فائدة مهمة وهي تجنب القارىء من الوقوع في الالتباس والخلط بين موضوع «القضاء والقدر » وموضوع « الجبر والتفويض » .

وذلك لأن الاول : يرجع الى كيفية الايجاد وتحقق الارادة التكوينية وهو ما لم يكن له علاقة بموضوع حديثنا اما الثاني : فانه يرجع الى افعال الانسان وهذا ما سوف يكون موضوع حديثنا والفرق بينهما واضح الا ان الالتباس قد يقع في البين بواسطة ما ورد عن النبي «ص» والعترة الطاهرة عليهم السلام من أن أفعال العباد بقضاء الله وقدره .

لذا كان من اللازم علينا التعرض لموضوع القضاء والقدر بجميع من ما لهما معاني متعددة وبيان المعنى المراد من ذلك في افعال الانسان لكي نحصل على الفائدة المذكورة

ص: 17

ومن الله نستمد العون والتوفيق انه ولي ذلك والقادر عليه .

التاريخ 2 ذي القعدة 1405م

الاقل الفاني

السيد عبد الله السيد حسن السيد هاشم

الموسوي المحرقي البحراني

المحرق / البحرين

ص: 18

ص: 19

القضاء والقدر

ص: 20

ص: 21

إن موضوع «القضاء والقدر» ، يرجع الى كيفية الايجاد وتحقيق الارادة التكوينية وما جرى في عالم الأزل الذي لا تبديل فيه ولا تغيّر ولا تحويل وهذا مما لا يمكن لأحد معرفته لأنه من غوامض المسائل الكلامية التي لا تدركها العقول فلا يمكن لأحد أن يعرف - لماذا اختلفت مراتب الوجود ، ولماذا تعددت درجاته - ولماذا قرب بعض الموجودات من الحق سبحانه - ولماذا بعد البعض الآخر عنه ، كل هذه التساؤلات لم تكن تحت ادراك العقول والمعرفة الانسانية .

نعم يمكن للعقل البشري ان يدرك على نحو الاجمال ان الايجاد على حسب القابلية والتكوين على حسب الاستعداد .

ولهذا ورد عن الامام امير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه في حديث ادلى به الى بعض من سأله عن القدر ، فقال عليه السلام، ان القدر بحر عميق فلا تلجه وعند ما اعاد السائل السؤال مرة ثانية أجابه عليه السلام ان القدر طريق مظلم فلا تسلكه وعندما كرر عليه السؤال مرة ثالثة قال عليه السلام القدر سر الله فلا تتكلفه . وفي حديث آخر عنه عليه السلام انه قال عن القدر الا ان القدر سر من سر الله وحرز من حرز الله مرفوع في حجاب الله مطوي عن خلق الله مختوم بخاتم الله ، وضع الله تعالى عن العباد علمه لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بقدرة الصمدانية ولا بعظمة النورانية ولا

ص: 22

بعزة الوحدانية لأنه بحر زاخر موّاج ، خالص لله تعالى عمقه ما بين السماوات والارض عرضه ما بين المشرق والمغرب أسود كالليل الدامس ، كثير الحيتان والحيتان يعلو مرة ، ويسفل اخرى ، في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الاحد ، فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في حكمه ، ونازعه في سلطانه ، وكشف عن سره وستره وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير .

وعلى العموم ان «القضاء والقدر» في الجانب التكويني لا يمكن لأحد معرفته لأنه فوق إراءة أفكار البشر . لكن بقي علينا ان نعرف أنه ورد عن النبي «ص» كل شيء بقضاء وقدر ، وورد ايضاً ان افعال العباد بقضاء الله وقدره ، وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام انه قال لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء الا بمشيئة وارادة ، وقضاء وقدر ، واذن وأجل ، فمن زعم انه يقدر على نقض واحدة فقد كفر .

من هنا وقع بعض الناس في الاشتباه حيث التبس عليهم الأمر من انه اذا كانت الاشياء كلها بقضاء الله وقدره وان الانسان ليس له القدرة على نقض واحدة منها لزم ان يكون الانسان مجبرا في افعاله وأقواله

ولا شك ان الانسان هو أحد الموجودات في هذا العالم ، ترتبط كل قواه وأفعاله ، وجميع حركاته وسكناته بالقضاء والقدر الالهيين فدقات القلب ودوران الدم، والاحساس في العصب ، والهضم في المعدة ، والتصفية في الكبد ، والابصار بواسطة العين ، والسماع بواسطة الأذن كل اولئك يسير حسب قضاء الله وقدره . ولكن يجب ان يفهم هؤلاء أن النقطة المهمة في البحث هي ان القضاء والقدر بالنسبة الى الانسان على قسمين : - قسم منه يتسم بطابع الحتمية والجبرية حيث يجري من غير ارادة الانسان واختياره ، وقسم آخر جعله الله تعالى طوع ارادتنا وخاضعاً لاختيارنا .

لنأخذ مثلاً على ذلك ، اللسان ، فهو عضو من اعضائنا وجزء من بدننا له

ص: 23

مقدرات كثيرة . فإحدى تلك المقدرات جريان الدم في عروقه . ومنها ايضاً تكلمه ، اما جريان الدم في عروق اللسان فهو خارج عن ارادتنا واختيارنا ، فالدم يجري في الاوعية الدموية الموجودة في اللسان سواء شئنا أم أبينا . وهنا ( في دوران الدم في اللسان ) قضاءان : - الأول جريان الدم في عروق اللسان بالتقدير الالهي ايضاً . الثاني جبرية هذا الدوران وحتميته في اللسان بالتقدير الالهي ايضا حيث لا مجال لارادتنا واختيارنا فيه .

احد المقدرات بالنسبة الى اللسان ، وقد عرفنا التقدير الالهي فيه . اما المقدر الآخر فهو صدور التكلم منه . ولكن الواضح ان التكلم نفسه خاضع لارادتنا ، فبامكاننا ان نتكلم ، وبامكاننا ان نسكت ، كما اننا نستطيع ان نصدق في كلامنا ، ونستطيع ان نكذب . فهنا ايضاً « في تكلم اللسان » قضاء ان ، الاول صدور التكلم في اللسان بالتقدير الالهي. والثاني اختيارية التكلم واراديته بالتقدير الالهي. ومن هنا يتضح جليا ان القضاء والقدر قد يجريان بصورة جبرية .

وأحياناً يقع القضاء الحتمي بواسطة قدر اختياري لنا . فمثلاً نجد أن الموت أمر مسلم وحتمي على جميع البشر بحكم القضاء الالهي ، وهو صريح قوله تعالى ﴿ كل نفس ذائقة الموت ﴾ ، ولكن هذا القضاء الحتمي قد تم بنحو الموت الطبيعي وانقطاع النشاط الحيوي كما يمكن ان يتم بارادة واختيار من قبل شاب يملك من القوة وسلامة البدن ما يجعل باستطاعته ان يعيش سنين طوالا فيقدم على الانتحار . وهكذا فالشيخ الذي عمّر مائة سنة حتى مات حتف انفه ، والشاب الذي لم يعش أكثر من عشرين سنة حتى انتحر بارادته واختياره متساويان في انهما ماتا بقضاء الله وقدره ، مع فارق واحد وهو أنه في الصورة الاولى كان القضاء والقدر حتميين غير اختياريين بينما الصورة الثانية استغل الشاب حرية الاختيار بالنسبة الى القضاء والقدر وانهى بذلك حياته .

وعلى هذا يجب ان لا يستغرب من الاحاديث المتقدم ذكرها عن النبي (ص) والائمة المعصومين عليهم السلام والمتضمنة ان افعال العباد بقضاء الله

ص: 24

وقدره وكذلك يجب ان لا يستغرب من قول الامام زين العابدين عليه افضل التحية والسلام فيما اذا ناجى ربه بقوله : «اللهم اني قويت على معاصيك بنعمك» والمعنى ان الذي يقدم على المعصية انما يستغل نعمة الحرية والاختيار التي وهبها الله تعالى له بالقضاء والقدر استغلالاً سيئاً ، فيصاب بالانحراف ، ويؤيد هذا الموضوع بوضوح : ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام - فقال يا امير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا الى الشام أكان بقضاء الله وقدره ؟ فقال عليه التحية والسلام ، نعم يا شيخ ، ما علوتم تلعة ولا هبطتم وادياً الا بقضاء الله وقدره .

« فقال الشيخ : عند الله احتسب عنائي يا امير المؤمنين ؟ » أي فليس لاتعابنا التي تحملناها في سفرنا هذا من أجر عند الله ، فيجيب الامام علي-ه السلام مه یا شیخ ، فان الله تعالى قد عظم أجركم في مسيركم وانتم سائرون وفي مقامكم وانتم مقيمون ، وفي انصرافكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من أموركم مكرهين ولا اليه مضطرين ، لعلك ظننت يا شيخ أنه قضاء حتم وقدر لازم ؟ لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد . فنجد الامام عليه السلام في هذا الحديث ينسب جميع الافعال الارادية للبشر الى القضاء والقدر الالهيين . ولكنه مع ذلك يقول : أن هذا القضاء لم يكن حتمياً والقدر لم يكن لازماً .

وأما مشيئة الله وارادته بالنسبة الى افعال الانسان فذلك ما يبينه لنا الامام الرضا عليه التحية والسلام الى بعض من سأله « فهل الله عز وجل مشيئة وارادة في ذلك ؟ فقال عليه السلام : - اما الطاعات فارادة الله ومشيئته فيها الأمر بها والرضا لها، والمعاونة عليها. وارادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها ، والسخط لها، والخذلان عليها » فهذه الفقرة تبين ارادة الله في افعال البشر وكيفية التأثير عليها ، قلت : فلله عز وجل فيها القضاء ؟ قال نعم ، ما من فعل يفعله الانسان من خير وشر الا ولله فيه قضاء ، قلت : فما معنى هذا القضاء ؟ قال الحكم عليهم بما يستحقونه على افعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا

ص: 25

والاخرة .

فنجد الامام الرضا ؟ عليه التحية والسلام يسند جميع الافعال الصالحة والطالحة للبشر الى القضاء الإلهي بكل صراحة فإن قضاء الله في اعمال البشر هو حريتهم - تلك الحرية وذلك الاختيار - اللذين يستحق بهما الثواب في الطاعة والعقاب في المعصية . ولأجل ان يتضح الموضوع في القضاء الإلهي أكثر فأكثر نضرب لقارئنا الكريم مثالاً على الانتحار ، فلو ان شخصاً رمى بنفسه من فوق سطح العمارة الى الارض المبلطة بالرخام ، وقال في نفسه : لو كان المقدر لي ان أموت فاني الاقي حتفي وان لم أرم بنفسي من فوق السطح ، وان كان المقدر أن أبقى حياً فاني سأستمر على الحياة وان رميت بنفسي من على السطح : ففي ذلك خطأ فظيع . لأن الله تعالى عدة مقدرات ، جبرية بهذا الشأن ومقدر اختياري واحد .

أما المقدرات الجبرية فهي عبارة عن ما يلي : -

1 - ان القضاء والقدر الالهيين قد جعلا الرخام الذي يغطي مساحة هذه القاعة صلباً وقوياً .

2 - خلقت جمجمة الانسان بموجب القضاء والقدر من عظم دقيق قابل للتهشم

3 - القضاء والقدر اكسب الارض قوة الجاذبية ، حيث تجذب الاجسام

التي في الفضاء اليها

4 - ان القضاء والقدر الالهيين يحكمان بأن كل من يرمي شاهق الى ارض صلبة تتكسر جمجمته ويتلاشی مخه

5 - القضاء والقدر الالهيان يحكمان بأن للانسان الارادة والاختيار الكاملين ، فله أن بنفسه من السطح ويموت او يمتنع عن ذلك فينزل بنفسه من مكان السلم درجة درجة

ص: 26

اذا ، يجب ان نقول لذلك الشخص الواقف على السطح لغرض القاء نفسه الى الارض : -

ان القضاء الالهي بالنسبة الى موتك وحياتك يتبع ارادتك واختيارك . فان اخترت الالقاء بالنفس من السطح فالمقدر ان تموت . وإن اخترت الهبوط على السلم فالمقدر لك ان تبقى حياً . وعلى كلتا الصورتين تجري القضية بموجب القضاء والقدر الالهيين .

ومن خلال الحديث الثاني ، نتبين حرية الارادة الانسانية ، بالرغم من جريان القضاء والقدر على جميع الامور ، لأن للانسان تمام الاختيار في سلوك الطريق المؤدي الى الخير والشر ، فان سلك أحدهما وصل الى النتيجة بلا

شك : -

« عن ابن نباته قال : ان امير المؤمنين عليه السلام عدل من حائط مائل الى حائط آخر ، فقيل له يا امير المؤمنين تفر من قضاء الله ؟ قال : نعم أفر من قضاء الله الى قدر الله تعالى . ولا شك ان جانباً من القضاء والقدر يرجع الى ارادتنا واختيارنا . وان الرسالات السماوية تدور حول افعالنا الارادية ولهذا فان الثواب والعقاب من قبل الله تعالى نظير الجزاء والعقاب البشري في أنه يرجع الى ارادة البشر واختيارهم .

وهكذا ان لكل فرد منا ان يقرر مصيره بيده. وما أكثر اولئك الذين يدفعهم الكسل وحب الذات الى التقصير في اداء الواجبات الاجتماعية اللازمة ، ثم ينسبون الشقاء الذي يلاقونه الى القضاء والقدر ، في حين انهم كانوا يملكون الحرية الكاملة ، ولم يستغلوا هذه الحرية استغلالاً حسناً بل اساؤوا التصرف اليها وجلبوا الشقاء لأنفسهم .

ان الله تعالى يقرر في القرآن الكريم ان الذين يرثون الارض ولهم الحق في أن يقودوا بزمامها هم الرجال الصالحون فقط .

ص: 27

﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون ﴾

والعباد الصالحون هم الذين وصلوا الى جميع مدارج الكمال المادي والمعنوي بفضل الايمان والعلم . وفي ظل الفضائل الخلقية والملكات الطاهرة ونتيجة الجهد والجدّ . . . وبذلك صاروا يستحقون اسم الانسان

الحقيقي تلك الدرجة « ق-در » اختياري يتعلق به ذلك القضاء الحتمي . . .

هؤلاء هم الذين يتمكنون ان يتبعوا النبي ( ص ) بارادتهم واختيارهم ويصلوا الى المقام الذي يستحقون معه وراثة الأرض .

وهم الذين ان استغلوا حريتهم التي وهبها الله اياهم استغلالاً سيئاً هووا الى هوة سحيقة من الجهل والالحاد والفساد والكسل والانانية .

نستنتج مما سبق ان العالم كله يدار بواسطة القضاء والقدر ، أي ان السنن الالهية هي التي تحكم في هذا الكون . وكذلك الامور التي ترتبط بالانسان فهي خاضعة للقضاء والقدر ، غاية ما هناك ان جانباً من القضاء والقدر المتعلق بالبشر يكون مصيراً حتمياً لا اثر لاختيارنا وارادتنا فيه كدقات القلب ودوران الدم . . . وجانباً منه تابع لارادتنا واختيارنا ، ولنا ان نستغله اما استغلالاً حسناً أو سيئاً .

وزيادة على ما تقدم نلفت نظر قارئنا الكريم الى أمر تجدر الاشارة إليه وهو عرض المعاني المتعددة للقضاء والقدر وبيان ما هو المراد منها في أفعال الانسان .

فنقول : - ان القضاء قد يطلق ويراد به المعاني التالية : -

1 - العلم ، وهو قول الله تعالى : ﴿ الا حاجة في نفس يعقوب قضاها ﴾ بمعنى علمها .

2 - الاعلام ، وهو قول الله تعالى : ﴿ وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب ﴾ وقوله تعالى : ﴿ وقضينا اليه ذلك الامر ﴾ بمعنى اعلمناه - والمعنى في الآية الأولى واعلمنا بني اسرائيل انكم سوف تفسدون في الأرض .

ص: 28

3 - الحكم ، وهو قوله عز وجل : ﴿ يقضي بالحق ﴾ أي انه تعالى يقول الحق .

4 - الحتم ، وهو قوله عز وجل ﴿ فلما قضينا عليه الموت ﴾ يعني حتمنا عليه الموت وهو القضاء الحتم

5 - الأمر ، وهو قوله عز وجل : ﴿ وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه ﴾ والمعنى أمر ربك الا تعبدوا الا اياه .

6 - الخلق ، وهو قوله عز وجل : ﴿ فقضاهن سبع سماوات في يومين ﴾ يعني خلقهن في يومين .

7 - الفعل ، وهو قوله عز وجل ﴿ فاقض ما أنت قاض﴾ يعني إفعل ما أنت فاعل .

8 - الاتمام ، وهو قوله عز وجل ﴿ فلما قضى موسى الأجل ﴾ وقوله عز وجل حكاية عن موسى ﴿ ايما الاجلين قضيت فلا عدوان علي ﴾ والمعنى ايما الاجلين اتممت .

9 - الفراغ من الشيء ، وهو قوله عز وجل ﴿ قضي الامر الذي فيه تستفتيان ﴾ وذلك بمعنى فرغ لكما منه كقول القائل قد قضيت لك حاجتك بمعنى فرغت لك منها ، واما القدر فيطلق على المعاني التالية : -

1 - الخلق ، كقوله عز وجل ﴿ وقد رفيها أقواتها ﴾

2 - الكتابة ، كقول الشاعر :

واعلم بان ذا الجلال قد قدر * في الصحف الأولى التي كان سطر

3 - البيان ، كقوله عز وجل ﴿ الا إمرأته قد رناها من الغابرين ﴾ بمعنى بينا وأخبرنا بذلك

من هنا يجب على قارئنا الكريم ان يعرف ان تعدد المعاني الكثيرة للقضاء

ص: 29

والقدر هو السبب الرئيسي الذي ترك البعض من الناس ان يجهلوا المعنى المراد من القضاء والقدر في افعال الانسان ويجهلوا المعنى المراد من قول النبي والائمة عليهم التحية والسلام ان افعال الانسان بقضاء الله وقدره . لذا فإنهم نسبوا الى الحق سبحانه ما لا يليق بشأنه وذلك نتيجة جهلهم بالمعنى الصحيح من هذه المعاني هذه المعاني الذي يمكن ان يتناسب مع الحق سبحانه وفي نفس الوقت يمكن أن تنحل به مسئلة خلق الافعال بدون ان ينسبوا الى الله تعالى ما لا يليق بجنابه .

ولا شك ان المراد بالقضاء والقدر في افعال الانسان هي المعاني التالية : -

1 - العلم : وهو ان يقال ان الله تعالى علم الامور وكتبها على ما هي عليه فهو سبحانه قد كتب ان فلانا يؤمن ويعمل صالحاً فيدخل الجنّة وفلانا يفسق ويعصي فيدخل النار ، كما انه تعالى علم وكتب ان فلاناً يتزوج امرأة ويطئوها فيأتيه ولد ، وأن فلانا يأكل ويشرب فيشبع ويروي . وان فلانا يبذر البذر فينبت الزرع . فمن قال ان كنت من اهل الجنة فأنا أدخلها بلا عمل صالح كان قولاً باطلاً متناقضاً لما علمه الله تعالى وقدره .

وكذلك لو قال : أحد انا لا اطاء امرأة فان كان قضى لي بولد فهو يولد من غير أن أطأ امرأة فهذا جاهل فان الله تعالى اذا قضى بالولد قضى أن أباه يطأ أم الولد فتحبل وتلد .

2 - الحكم ، بمعنى ان الله تعالى قدر وقضاء على الانسان بالعبادة كما في قوله تعالى ﴿ وقضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه ﴾ .

3 - الاعلام ، كقوله عز وجل ﴿ وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب ﴾ بمعنى اعلمناهم وأخبرناهم .

4 - الكتابة ، بمعنى ان الله تعالى قدر وقضاء على الانسان كتابة واخباراً كقوله عز وجل ﴿ الا امرأته قدرناها ﴾ بمعنى كتبناها في الالواح ، وكيف كان

ص: 30

فانه يمكن لهؤلاء الناس مع التروي أن يحملوا القضاء والقدر في افعال الانسان على احد المعاني المذكورة التي تتناسب مع الحق سبحانه ويسلمون في نفس الوقت من الانحراف او التذبذب في عقيدتهم بالقضاء والقدر .

بيد أنهم تركوا كل معنى يليق به وتمسكوا بكل معنى لا يليق به جهلاً او عناداً وزعموا ان القضاء والقدر الالهيين هما خلق الافعال من قبل الله تعالى خيراً كانت أو شراً ، وان الله تعالى الزم العباد بها دون ان يكون للعباد فيها ارادة واختيار ، وقالوا ان الله تعالى قضى وقدر أي خلق والزم كل ما يتعلق بعباده من الافعال والاقوال فهو قدر بالكفر على الكافرين، وقضى به عليهم ، وهو الذي قدر الايمان على المؤمنين وقضى به عليهم ، دون ان يكون للعباد قدرة على المخالفة او يكون لهم اختيار في ذلك او الترك .

ولا شك ان هذه الشبهة نشأت من سوء الفهم الصحيح وعدم التروي في معاني القضاء والقدر لمعرفة ما هو الانسب فيها للحق سبحانه وما هو الاقرب للواقع والصواب ومهما يكن الأمر فاننا ان شاء الله تعالى من خلال حديثنا حول الجبر والتفويض سوف نقوم بدراسة موضوعية كاملة عن افعال الانسان وأقواله ونعطي من خلالها لقارئنا الكريم صورة اجمالية مبسطة مدعمة بالادلة العقلية والنقلية القاضية والحكمة بان الانسان حرّ في أقواله وأفعاله وان جميع حركاته وسكناته وجميع ما يقوم به من الافعال هي صادرة منه بمحض ارادته واختياره .

ص: 31

مفهوم الجبر والاختيار

ص: 32

ص: 33

الجبر : لغة هو الاكراه والقهر ، وبمعنى آخر هو : الحمل على الفعل بالقسر والغلبة ، وهو في اصطلاح الفلسفة الالهية علم الكلام : ايجاد الفعل في الانسان من غير ان يكون للانسان القدرة على الدفع والامتناع .

وبعبارة أخرى أوضح : هو اجبار الله تعالى عبده على الفعل خيراً كان او شراً حسناً كان أو قبيحاً دون ان يكون للانسان ارادة وقدرة على الرفض والامتناع .

والاختيار : لغة هو الارادة والتمكن في الفاعل على فعل الشيء وتركه .

ونحن اذا انعمنا النظر ودققنا في أقوال الانسان وأفعاله وجدناها افعالاً مقدورة له وذلك لأن الله تعالى قد أودع في الانسان قوة على فعل الشيء وتركه ، ثم کلفه بما يريد منه ونهاه عما لا يريد ، والأمر والنهي مع ايداع القوة في الانسان على فعل الشيء وتركه دليل على ان الانسان مختار فيما يريد ان يفعل او يترك ، والآيات التالية تدعم الاختيار للانسان واليكها بالارقام التالية : -

آية رقم (1) قوله تعالى ﴿ انا هديناه السبيل اما شاكراً وإما كفوراً ﴾ الانسان آية (2) .

والمراد بالهداية بمعنى اراءة الطريق دون الايصال الى المطلوب والمراد

ص: 34

بالسبيل بحقيقة معنى الكلمة وهو المؤدي الى الغاية المطلوبة وهو سبيل الحق .

والشكر استعمال النعمة باظهار كونها من منعمها. وقوله تعالى ﴿ اما شاكراً وإما كفوراً ﴾ حالان من ضمير « هديناه » لا « من السبيل » كما قاله بعض المفسرين ، و « اما » يفيد التقسيم والتنويع أي هديناه السبيل حا لكونه منقسماً الى الشاكر والكفور اي انه مهدى سواء كان كذا أو كذلك .

والتعبير بقوله تعالى ﴿ اما شاكراً وأما كفوراً ﴾ هو الدليل اولاً : على ان المراد بالسبيل السنة والطريقة التي يجب على الانسان ان يسلكها في حياته الدنيا لتوصله الى سعادته في الدنيا والآخرة وتسوقه الى كرامة القرب والزلفى من ربه ومحصلة الدين الحق وهو عند الله الاسلام .

وثانياً : ان السبيل المهدى اليه سبيل اختياري وان الشكر والكفر اللذين يترتبان على الهداية المذكورة واقعان في مستقر الاختيار للانسان ان يتلبس بأيهما شاء من غير اكراه واجبار كما قال تعالى ﴿ ثم السبيل يسره ﴾ عبس 20 ، وما في آخر السورة من قوله تعالى ﴿ فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلاً وما تشاؤون الا ان يشاء الله ﴾ انما يفيد تعلق مشيئته تعالى بمشيئة الانسان لا بفعل الانسان الذي تعلت به مشيئة الانسان حتى يفيد قدرة مشيئة الانسان المتعلقة بفعله .

والهداية التي هي نوع ايذان واعلام منه تعالى للانسان هداية فطرية هي تنبيه يسبب نوع خلقته وما جهز به وجوده بالهام من الله سبحانه على حق الاعتقاد وصالح العمل قال تعالى : ﴿ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ﴾ الشمس 8 - وأوسع مدلولاً منه قوله تعالى ﴿ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ﴾ الروم : 30 وهداية قوليه من طريق الدعوة ببعث الانبياء وارسال الرسل وانزال الكتب وتشريع الشرائع الإلهية ، ولم يزل التدبير الربوبي يدعم الحياة الإنسانية بالدعوة الدينية القائم بها انبياؤه ورسله، ويؤيد بذلك دعوة الفطرة كما قال تعالى : ﴿ إنا أوحينا إليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده - الى ان

ص: 35

قال - رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون لناس على الله حجة بعد الرسل ﴾ النساء : 165 . ومن الفرق بين الهدايتين أن الهداية الفطرية عامة بالغة لا يستثنى منها إنسان لأنها لازم الخلقة الانسانية وهي في الافراد بالسوية غير أنها ربما تضعف أو يلغو أثرها لعوامل وأسباب تشغل الانسان وتصرفه عن التوجه الى ما يدعو إليه عقله ويهديه إليه فطرته أو ملكات وأحوال رديئة سيئة تمنعه عن اجابة نداء الفطرة كالعناد واللجاج وم-ا يشبه ذلك قال تعالى ﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله ﴾ الجاثية : 23 .

والهداية المنفية في الآية بمعنى الايصال الى المطلوب دون اراءة الطريق بدليل قوله تعالى : - ﴿ وأضله الله على علم ﴾ .

وأما الهداية القولية : وهي التي تتضمنها الدعوة الدينية فان من شأنها ان تبلغ المجتمع فتكون في معرض من عقول الجماعة فيرجع اليها من آثار الحق على الباطل وأما بلوغها لكل واحد منهم ، فان العلل والاسباب التي يتوسل بها الى بيان أمثال هذه المقاصد ربما تساعد على ذلك ما في الظروف والازمنة والبيئات من الاختلاف وكيف يمكن لانسان ان يدعو كل انسان الى ما يريد بنفسه أو بوسائط من نوعه ؟ فمن المتعذر ذلك جداً والى المعنى الأول اشار تعالى بقوله ﴿ وان من أمة الأخلى فيها نذير ﴾ فاطر الآية 24 والى الثاني ( بقوله تعالى ﴿ لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ﴾ يس الآية 6 .

فمن بلغته الدعوة وانكشف له الحق فقد تمت عليه الحجة ومن لم تبلغه الدعوة بلوغاً ينكشف له الحق فقد أدركه الفضل الالهي بعده مستضعفاً أمره الى الله إن شاء يغفر له وان شاء يعذبه قال تعالى : ﴿ الا المستضعفين من الرجال والولدان لا يستطيعون ولا يهتدون سبيلا ﴾ النساء الآية 98 .

ومن الدليل على أن الدعوة الالهية وهي الهداية الى سبيل الحق يجب على الانسان ان يتبعها لأنها فطرة الانسان وخلقته المجهزة بما يهدي اليها من الاعتقاد والعمل ، ووقوع الدعوة خارجا من طريق النبوة والرسالة فان سعادة كل

ص: 36

موجود وكما له في الآثار والاعمال التي تناسب ذاته وتلائمها بما جهزت به من القوى والادوات فسعادة الانسان وكماله في اتباع الدين الالهي الذي هو سنة الحياة الفطرية وقد حكم به العقل وجاءت به الانبياء والرسل عليهم السلام .

وخلاصة القول ان الله تعالى قد أوضح للانسان في الآية الكريمة طريق السعادة وطريق الشقاوة وجعل الخيار بيده في أن يتلبس بأيهما شاء من غير اكراه واجبار وله أن يفعل أو يترك بمحض ارادته واختياره .

الآية رقم 1 - قوله تعالى : - وهديناه النجدين - 8 ووجه الدلالة في هذه الآية واضح لا يحتاج الى بيان فقوله تعالى ﴿ وهديناه ﴾ أي علمناه طريق الخير وطريق الشر كل منهما فهو يعرف الخير ويميزه من الشر .

الآية رقم 2 : ﴿ لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ﴾ وجه الدلالة في هذه الآية واضح ايضاً فقوله تعالى ﴿ لا اكراه ﴾ الاكراه هو الاجبار والحمل على الفعل من غير رضى والمعنى في قوله تعالى ﴿ لا اكراه في الدين ﴾ ، نفي الدين الاجباري ، وذلك لأن الاعتقاد بالدين والايمان من الامور القلبية التي لا يحكم فيها الاكراه والاجبار ، فالآية تنادي بالحرية الكاملة للانسان في الاعتقاد فله ان يختر الايمان على الكفر وله ان يختر الكفر على الايمان بدون ان يكون مجبراً أو مكرهاً من قبل الله تعالى بأحدهما .

آية رقم 3 - ﴿ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾ الكهف آية 9 .

وجاء نص في الكتاب معتبر *** من شاء فليؤمن ومن شاء كفر

آية رقم 4 - قوله تعالى ﴿ ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلاً ﴾ الاشارة بهذه الى الآيات السابقة المتقدمة على هذه الآية بما تشتمل عليه من القوارع والزواجر والتذكرة والموعظة : ووجه الدلالة في هذه الآية ان الانسان يملك الارادة والقدرة ان يتخذ الى ربه سبيلا لو شاء واراد ذلك

آية رقم 6 - قوله تعالى: - ﴿ و إن تكفر وافان الله غني عنكم ولا يرضى لعباده

38

ص: 37

الكفر وإن تشكر وا يرضه لكم ﴾ - الزمر آية رقم 7 .

وجه الدلالة في هذه الآية واضح من قوله : ﴿ إن تكفروا فان الله غني عنكم ﴾ المعنى ان لكم أن تختاروا الايمان أو الكفر بمحض ارادتكم ، أي أنكم غير مسلوبين الارادة في التلبس بايهما شئتم فلو اخترتم الكفر وكفرتم بالله فلم توحده فانه غني عنكم لذاته لا ينتفع بايمانكم وطاعتكم ولا يتضرر بكفركم ومعصيتكم لأن النفع والضرر إنما يتحققان في مجال الامكان والحاجة وأما الواجب الغني بذاته فلا يتصور في حقه انتفاع ولا يتضرر ولكن الله تعالى لا يرضى لكم الكفر وان كان غني عنكم وغير محتاج اليكم لأن عدم احتياجه اليكم لا يستلزم بأن تكفروا بنعمته . والحال انكم عباده مملوكون له فكيف يجوز للعبد ان يكفر بنعمة سيده وينسى ولاية مولاه ويتخذ لنفسه أولياء من دونه ويعصي المولى ويطيع عدوه وهو عبد عليه طابع العبودية لا يملك لنفسه نفعا ولا ضراً .

ولكنكم ان تشكروا يرضه لكم : والمعنى وان تشكروا الله بالجري على مقتضى العبودية واخلاص الدين له يرض الشكر لكم وأنتم عباده .

ومما تقدم يظهر أن العباد في قوله : ﴿ ولا يرضى لعباده الكفر ﴾ عام يشمل الجميع فقول بعضهم انه خاص اريد به من عناهم في قوله : ﴿ ان عبادي ليس ذلك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين ﴾ الحجر 42 وهم المخلصون ، أو المعصومون على ما فسره الزمخشري ، ولازمه أن الله سبحانه وتعالى رضى الايمان لمن آمن ورضي الكفر لمن كفر الا المعصومين فانه اراد منهم الايمان ، وصانهم عن الكفر سخيف جداً ، والسياق يأباه كل الإباء ، اذ الكلام مشعر حينئذ برضاه الكفر للكافر فيؤول معنى الكلام الى نحو من قولنا ان تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضى للانبياء مثلا الكفر لرضاه لهم الايمان وان تشكروا أنتم يرضه لكم وان تكفروا يرضه لكم ، وهذا كما ترى يا قارئنا الكريم معنى رديء ساقط .

وعلى العموم ان في هذه الآية دلالة صريحة تنادي بالاختيار للعباد في

ص: 38

الافعال والاقوال الاختيارية . آية رقم 6 - : ﴿ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ﴾ الشمس - والمعنى واضح : أي ان الله تعالى عرفها طريق الفجور وطريق التقوى ورغبها في التقوى وزهدها في الفجور وجعل لها الاختيار في ان تلبس بأيهما شاءت لأن الترغيب في جانب الخير لا يستلزم الجبر . والتقوى - جعل النفس في وقاية مما يخاف ، والمراد بها التجنب عن الفجور والتحرز عن المنافي وقد فسرت في الرواية بأنها الورع عن محارم الله تعالى ، آية رقم (7) - ﴿ اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير ﴾ فصلت وجه الدلالة في الآية واضح ايضاً فانها أمرت الناس بالعمل وجعلت لهم الاختيار في الافعال الاختيارية دون غيرها .

والانسان يجد في نفسه حالة الندامة وفي غيره آثارها ، مع التقصير في بعض الافعال الموجب لتوجه ضرر اليه أو الى غيره، أو سلب نفع عنه ، ولا يجدها مع عدم التقصير ، كما لو وجد ذلك الفصل من غير اختيار ، وليس ذلك

من جهة كون الأول اختياريا دون الثاني ، مثلا : إذا لم يقم لمن يلزم احترم وانطبق عليه عنوان الهتك والاهانة ، فان كان ذلك عن تقصير تحصل الندامة بخلاف ما اذا لم يكن كذلك ، كما اذا لم يلتفت الى مجيئه وهكذا في سائر الافعال .

ص: 39

«بطلان الجبر بالأدلة العقلية»

ص: 40

ص: 41

لقد أوردنا لقارئنا الكريم بعض الآيات الدالة على حرية الانسان فيما يريد أن يفعل أو يترك وأوضحنا من خلالها ان الانسان له ارادة وقدرة على ايجاد الفعل الاختياري او عدمه .

ويلزمنا لأن نورد له بعض الادلة العقلية والنقلية التي تحكم ببطلان الجبر وتدعم الجانب الاختياري للانسان في نفس الوقت ايضاً · فنقول : -

1 - سقوط الثواب والعقاب ، وتقريره :

لو كان الانسان مجبراً على الطاعة او المعصية بالقسر والغلبة من غير ان يكون له القدرة على الدفع والامتناع لسقط الثواب والعقاب ولما صح الله تعالى أن يجازي عبده على شيء من الطاعات أو يعاقبه على شيء من المعاصي ، اذ على تقدير الجبر يكون الفاعل حقيقة هو الله تعالى وليس للانسان مدخل في الفعل، فعلى اي اساس يا ترى يحصل العبد ثواباً على طاعة لم يفعلها ، او عقاباً على معصية لم يقترفها

أما على تقدير ان العبد مختار في فعل الطاعة والمعصية يكون هو الفاعل حقيقة وعلى هذا الاساس يستحق الثواب على فعل الخير والعقاب على فعل الشر .

ص: 42

2 - التساوي بين المؤمن والكافر ، وتقريره :

لو كان المؤمن مجبراً على الايمان والكافر مجبراً على الكفر بارادة الله تعالى وقدرته ومشيئته ، لكان الكافر والمؤمن متساويين في الطاعة والمعصية ، لأن الكافر لم يختر الكفر بارادته والمؤمن لم يختر الايمان باختياره ، فلا يكون للمؤمن ميزة على الكافر بايمانه لأنه مجبرا على الايمان والكافر مجبرا على الكفر فيتساوى كليهما في الطاعة فعلى الله تعالى بمقتضى عدله ان يعاملهما معاملة واحدة ، في الثواب والعقاب أما ان يثيبهما جميعاً أو يعاقبهما جميعاً .

اما اذا كانا مختارين في الفعل فلا يتساويا وانما يجازا كل واحد منهما بما فعل .

أيخلق الطاعات والمعاصي *** لكي تكون حجة للعاصي

ويستوي المؤمن والكفور *** اذ يستوي الايمان والكفور

ولا شك اننا مختارون وان الله تعالى اعدل من ان يخلق في عبده الفعل ويعذبه عليه بل للعبد الاختيار والارادة والقدرة على الامتناع منه ودفعه عنه فيما لو لم يرده

3- بطلان البعثة والتكليف ، وتقريره :

لو كان الانسان مجبراً على الفعل ، وكان الشر والخير مخلوقين فيه ولا ارادة ولا قدرة للانسان على مخالفته فلمن يا ترى البعثة والتكليف اذا كان الانسان مسلوب القدرة والارادة ؟

فتبطل البعثة والتكليف *** ويهمل الترغيب والتخويف

ذلك حكم نفي قدرة البشر *** وما تحملوا من الكسب هدر

لانه ان كان هذا الوصف *** بقدرة الله فجبر صرف

وان يكن بقدرة العبد فقد *** نهدمت ارکان هذا المعتقد

ص: 43

والعلة العليا عديمة الأثر *** في كل معلوم على الدنيا صدر

مالم يكن منها بلا اختیار *** فانه من أثر الجبار

ولا شك ان بطلان البعثة والتكليف يستلزم بطلان الشرائع والاديان والكتب السماوية المنزلة من عند الله تعالى على الانبياء والمرسلين لأن مهمتهم توجيه الانسان وارشاده الى فعل الخير وتجنب الشر ، والمفروض ان الانسان مسير بارادة الله الذي خلق فيه الفعل وسلب منه القدرة على الدفع والامتناع فلا داعي الى انزال الكتب السماوية لانتفاء الغرض .

4 - اهمال الترغيب والتخويف ، وتقريره :

ان الله تبارك وتعالى قد رغب عباده الى الاعمال الخيرية وخوفهم عقوبة تركها ولا شك أن الترغيب والتخويف لا داعي له عقلا فيما اذا كان الانسان مجبراً على الفعل من قبل الله وانه غير قادر على دفعه عنه والامتناع منه ، وانما يصح الترغيب والتخويف فيما اذا كان الانسان مختاراً في الفعل .

5 - انتفاء الفارق بين المقدور وغير المقدور ، وتقريره :

اننا اذا تأملنا وأمعنا النظر الى الافعال على العموم وجدنا بعضها يتعلق بقصودنا ودواعينا واختيارنا بحركتنا الاختيارية الصادرة عنا ، كالحركة يمنة ويسرة ، والبعض الآخر من الافعال ما لا يتعلق بقصودنا ودواعينا وارادتنا كالآثار التي فعلها الله تعالى من الالوان وحركة النمو والتغذية والنبض وغير ذلك ، ولا شك اننا نعلم بالضرورة الفرق بين حركتنا الاختيارية والاضطرارية ونعلم بالضرورة قدرتنا على الحركة الاولى ، كحركتنا يمنة ويسرة ، وعجزنا عن الثانية كحركتنا الى السماء وحركة الواقع من شاهق .

فلو كان الانسان مجبراً في الافعال التي تتعلق بقصوده ودواعيه لانتفى وجود الفارق الذي ادركنا ضرورة وجوده بين الافعال المقدورة التي يفعلها

ص: 44

الانسان بمحض ارادته واختياره وبين الافعال التي هي غير مقدورة بالنسبة الى الانسان وانما هي افعال الله تعالى .

ولا شك ان الضرورة قاضية بوجود الفارق وان كل عاقل يدرك الفرق بين ما هو في قدرته من الافعال وبين ما لا يمكن ان يكون في قدرته واذا على فرض المحال لم يدرك الفرق يكون الحمار أكثر انتباهاً منه بل اعقل .

قال ابو الهذيل العلاف - حمار بشر اعقل من بشر فان حمار بشر لو اتيت به الى جدول صغير وضربته للعبور فانه يطفر ولو اتيت به الى جدول كبير وضربته فانه لا يطفر ويروغ منه ، لأنه فرق بين ما يقدر عليه وما لا يقدر عليه وبشر لا يفرق بين المقدور وغير المقدور .

6 - سقوط اللوم عن الانسان ، وتقريره :

لو كان الانسان مجبراً على الفعل بالقسر والغلبة ولم يكن له القدرة على الدفع والامتناع لسقط اللوم عنه ولما صح ان يلام الانسان على ما يفعله من المعاصي والجرائم كالقتل والسرقة والزنا وغير ذلك من الموبقات التي تهت المقدسة عنها وأمرت الناس بتركها ، وكذلك فيما لو تترك الواجبات الشرائع المأمور بها والمستحبات المندوب اليها .

ولجاز للانسان ان يحتج على من يلومه بأنه إنما يفعل المحرمات ويترك الواجبات والمستحبات بارادة الله وقدرته وانه مسلوب القدرة عن الدفع والامتناع .

والحال اننا نجد كافة العقلاء يوجهون اللوم للانسان فيما يفعله من المعاصي والجرائم وفيما يتركه من الواجبات والمستحبات لأنهم يرون أنها افعال اختيارية صادرة من الانسان بمحض ارادته واختياره .

لاجبر عندنا ولا تفويضا *** بل برزخ بينهما مفروضا

ونحن مختارون في الافعال *** كذلك القصود والاقوال

ص: 45

فمن اراد جرب الوجدانا *** يراه صدقاً وافق البرهانا

7 - لزوم الجبر يستلزم كونه تعالى ظالماً ، وتقريره :

لو كان الانسان مجبراً على الفعل بالقسر والغلبة من غير ان يكون له القدرة على الدفع والامتناع ، لصح أن يوصف الله تعالى انه ظالم وجائر تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، لأنه لا معنى للظالم الا فاعل الظلم ولا الجائر الا

فاعل الجور ولا القاتل الا فاعل القتل ولا المفسد الا فاعل الفساد ولهذا لا اثبات احدهما الا بنفي الآخر ولأنه لما فعل العدل عادلاً فكذا لو فعل الظلم سمي ظالماً ويلزم ان لا يسمي الانسان ظالماً ولا سفيها لأنه لم يصدر عنه شيء من ذلك .

ونسبة الظلم الى الرحمن *** يلزم للمجبر الشيطان

وأن يقول مالنا ثواب *** بمقتضى العدل ولا عقاب

وكيف للعادل ان يعاقبا *** ما ليس مختارا اذا ما ارتكبا

وجاء نص في الكتاب معتبر *** من شاء فليؤمن ومن شاء كفر

وعن علي مظهر الحقائق *** كما أتى عن الامام الصادق

وغير ذاكم من حديث قد أتى *** عن أحمد وآله قد ثبتا

8 - لزوم الجبر يستلزم عدم القدرة على الحركة وتقريره :

لو كان الانسان مجبراً على الفعل بالقسر والغلبة ، لما قدر على التنقل من مكان إلى آخر ، أو الصعود الى السطح والنزول من الدرج .

يقال ان قوم من الجبرية اجتاز عليهم راكباً يقول ببطلان الجبر يعني عدلي فقال له الجبري - الذي يعتقد ان الله تعالى يجبر العبد في الفعل : انزل حتى اسألك مسألة ، فقال له العدلي : أتقدر ان تسألني ؟ فقال : لا قال انا اقدر ان أنزل وأجيبك . قال لا فقال : العدلي كيف يطلب نزولي من لا يقدر على سؤالي ، ولا أقدر على النزول اليه ولا اقدر على جوابه ؟ فانقطع الجبري ولم يتكلم بكلمة واحدة .

ص: 46

قيل ان ثمامة كان في مجلس المأمون وأبو العتاهية حاضر فسأل ابو العتاهية الممأمون ان يأذن له في المناظرة مع ثمامة والاحتجاج عليه فأذن له ، فحرك ابو العتاهية يده وكان جبرياً ثم قال من حرك هذه ؟ فقال ثمامة وكان عدلياً حركها من امه زانية ، فقال ابو العتاهية شتمني يا أمير المؤمنين في مجلسك فقال ثمامة : ترك مذهبه يا أمير المؤمنين لأنه يزعم ان الله تعالى هو الذي حركها فلأي سبب غضب أبو العتاهية وليس الله أم ؟ فانقطع أبو العتاهية ولم يتكلم بكلمة واحدة .

وحكي ان جماعة من اليهود اجتمعوا الى ابي بحر الخاقاني فقالوا له انت سلطان عادل ومنصف، ومن المسلمين في بلدك المجبرة وهم يشهدون لنا اننا لا نقدر على الاسلام والايمان فجمع السلطان المجبرة فقال لهم ما تقولون فيما ذكره اليهود من احتجاجهم عليكم ؟ فقالوا : كذا نقول انهم لا يقدرون على الاسلام والايمان ، وطالبهم بالدليل فعجزوا عنه فنفاهم .

ص: 47

بطلان الجبر

بالنصوص القرآنية

ص: 48

ص: 49

لقد ورد في القران الكريم آيات متظافرة تدل على اسناد الافعال الاختيارية الى الانسان وانه لم يكن مجبراً ولا مكرهاً في كل ما يعمله ويفعله من خير وشر ، وله الارادة والاختيار والقدرة على ايجاد الفعل وتركه ، فهو يعمل ويفكر ، وينظر ويغمض ، ويحسن ويسيء كل ذلك بحسب ارادته ومشيئته واختياره .

والآيات الكريمة واضحة الدلالة والمعنى في ذلك لا تحتاج الى توضيح وانما بمجرد الالتفات والتوجه اليها يعلم انها تنادي بالاختيار للانسان فيما يفعل او يترك وقد صنفها بعض العلماء بعشرة اصناف الصنف الأول : الآيات الدالة على اضافة الفعل الى الانسان ونسبته اليه نذكر منها ما يلي : -

آية 79 قوله تعالى : ﴿ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كسبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون ﴾ ( سورة البقرة آية رقم 79 ) .

وجه الدلالة في هذه الآية : هو ان الله تعالى قد اعلمنا وأخبرنا بأن بعض عباده يعملون الافعال الاختيارية ثم يتبرؤون منها وينسبونها الى الحق سبحانه ، فيكون جزاء من يفعل ذلك الويل ، والويل هو الهلكة والعذاب والحزن والهوان كل ما يحذره الانسان اشد الحذر .

ص: 50

قوله تعالى : ﴿ ان الله لا يضر ما بقوم حتى يضروا ما بأنفسهم ﴾ سورة الرعد آية 11 .

وجه الدلالة في الآية : هو ان القوم مختارون في ايجاد الفعل وتركه فلهم ان يعملوا على استقامة الفطرة السليمة التي فطرهم الله عليها فيؤمنوا بالله ويعملوا صالحاً لكي يحصلون من الله تعالى النعم في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى ﴿ ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ﴾ .

ولهم الاختيار في ان ينحرفوا عن الفطرة ويغيروا ما في أنفسهم فاذا فعلوا ذلك غير الله سبحانه وتعالى حالهم الخارجية بتغير النعم نقماً ومخلص القول ان الآية تثبت لنا اختيار القوم في افعالهم وانهم غير مكرهين في شيء منها .

آية رقم 8 - قوله تعالى ﴿ بل سولت لكم انفسكم فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ﴾ .

آية 30 - المائدة - قوله تعالى - ﴿ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ﴾ .

قوله تعالى : ﴿ كل نفس بما كسبت رهينة ﴾ 38 المدثر : من عمل صالحاً فلنفسه ومن اساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ﴾ فصلت / 46 .

قوله تعالى : ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ﴾ . البقرة 289 .

الصنف الثاني :

الآيات الدالة على نفي الظلم من الله تعالى ويكاد يكون الظلم مصداقاً لكل الشرور بل هو محور الشر ، وركيزة القبائح كلها وقد تكرر نفي الظلم من الله تعالى في مواطن عديدة وفي آيات كثيرة :

ص: 51

التالية :

منها قوله تعالى ينفي عن نفسه الظلم ويسنده الى عبده وذلك في الآيات

قوله تعالى : ﴿ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ان الله سريع الحساب - ﴾ 17 غافر .

قوله تعالى : ﴿ وذلك بما قدمت ايديكم وان الله ليس بظلام للعبيد ﴾ 82 آل عمران .

قوله تعالى : ﴿ وذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد ﴾ آية 10 سورة الحج.

قوله تعالى : ﴿ ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً ﴾ آية 40 النساء .

قوله تعالى : ﴿ وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ - آية 18 سورة النحل .

قوله تعالى : ﴿ فاليوم لا تظلم نفس شيئاً ولا تجزون الا ما كنتم تعملون ﴾ - 54 .

الصنف الثالث :

الآيات الدالة على وجود الارادة والاختيار في العباد على احداث افعالهم وانهم مخيرون فيما يعملون من خير وشر وحسن وقبيح نورد منها على سبيل المثال قوله تعالى :

﴿ اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير ﴾ - فصلت 40 -

﴿ لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ﴾ المدثر 37

﴿ كلا انه تذكرة فمن شاء ذكره -﴾ المدثر - 54 - 55 .

ص: 52

﴿ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا ﴾ الكهف - 29

﴿ ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا ﴾ - المزمل - 19 -

الصنف الرابع :

الآيات الدالة على ذم المخالفين لأوامر الله تعالى عن طريق الاستفهام الانكاري : -

﴿ وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى ﴾ - الاسراء - 94

﴿ وما عليهم لو آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر ﴾

﴿ قل ما منعك الا تسجد اذ أمرتك قال أنا خير منه ﴾ الاعراف - 12

﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون ﴾ البقرة - 28

﴿ فما لهم عن التذكرة معرضين ﴾ المدثر - 49 .

﴿ لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون ﴾ آل عمران - 71

الصنف الخامس :

الآيات الدالة على ان الله يجزي العباد على اعمالهم وما كسبته ايديهم وهي كثيرة :

منها ، قوله تعالى :

ا﴿ليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ان الله سريع الحساب ﴾

غافر - 17

﴿ اليوم تجدون ما كنتم تعملون ﴾ الجاثية - 28

ص: 53

﴿ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ﴾ الانعام - 160

﴿ لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾ طه - 15

﴿ اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ﴾ الانعام 93

﴿ ليجزى الله كل نفس بما كسبت ان الله سريع الحساب ﴾ ابراهيم - 51 .

﴿ ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً ﴾ طه - 124

الصنف السادس :

الآيات الدالة على المسارعة الى الاعمال الخيرية لطلب المغفرة من الله تعالى وتلبية اوامره وتعاليمه منها قوله تعالى : -

﴿ وسارعوا الى مغفرة من ربكم ﴾ آل عمران - 132 .

﴿ ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض ﴾ الاحقاف - 32

﴿ وانيبوا الى ربكم واسلموا له ﴾ الزمر - 54

﴿ واتبعوا احسن ما أنزل اليكم ﴾ .

الصنف السابع :

الآيات الدالة على اعتراف المجرمين بذنوبهم في يوم القيامة منها قوله تعالى :

﴿ كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها الم يأتكم نذير ، قالوا بلى قد جاءنا نذیر فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ان انتم الا في ضلال كبير ﴾ الملك - 8 - 9 .

﴿ فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ﴾ الملك - 11 .

ص: 54

﴿ ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين ﴾ المدثر - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 .

الصنف الثامن :

الآيات الدالة على ذم المجرمين وطلبهم العودة الى الدنيا ليعملوا الصالحات عندما يحدق بهم العذاب واعترافهم بذنوبهم وما عملوا من السيئات - منها قوله تعالى :

﴿ قال ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل ﴾ - المؤمن 11

﴿ رب ارجعوني لعلي اعمل صالحاً ﴾

﴿ ولو ترى اذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً انا موقنون ﴾ السجدة - 12 .

﴿ او تقول حين ترى العذاب لو ان لي كرة فأكون من المحسنين ﴾ الزمر 58 .

الصنف التاسع :

الآيات الدالة على الاستعانة بالله وطلب الرحمة والهداية منه على الاعمال الخيرية ، منها قوله تعالى :

﴿ استعينوا بالله واصبروا ﴾ الاعراف 128 ﴿ و وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم ﴾ 200 ﴿ فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ النحل - 98 .

﴿ اياك نعبد واياك نستعين ﴾ الحمد - 4

الصنف العاشر :

ص: 55

الآيات الدالة على طلب المغفرة والعفو والصفح منه ، قال تعالى على ما صدر من العبد ما يخالف أمر الله تعالى كقوله :

﴿ قالا ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ﴾ الاعراف - 23 .

﴿ وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير ﴾ البقرة - 285 .

﴿ فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب ﴾ ص - 24 .

﴿ والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ﴾ آل عمران - 135 .

﴿ ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ﴾ ابراهيم - 41 .

﴿ قل ربي غفور رحيم واغفر لأبي انه كان من الضالين ﴾ الشعراء 86.

﴿ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي انه كان بي حفياً ﴾ مريم 47 .

ومن المناسب ونحن نختم هذا البحث ان نذكر الحديث الذي دار بين الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام وبين ابي حنيفة كما يرويه الشيخ المفيد في كتابه - تصحيح الاعتقاد - قال ، ان ابا حنيفة سأل الامام الكاظم - موسى بن جعفر عليه السلام عن افعال العباد ، قال الامام ، ان افعال العباد لا تخلو من ثلاثة اما ان تكون من الله خاصة ، او من الله تعالى ومن العبد على وجه الاشتراك ، أو تكون من العبد خاصة ، فلو كانت من الله تعالى خاصة كان الله أولى بالحمد على صنعها والزم على قبحها ، ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم . وان كانت من الله تعالى ومن العبد على وجه الاشتراك كان الحمد لهما والزم عليهما معا ، واذ بطل هذان الوجهان تبين انها من العبد فان عاقبه الله تعالى على جنايته بها فله ذلك وان عفى عنه فهو اهل التقوى والمغفرة .

ص: 56

ص: 57

«اهل البيت يقولون ببطلان الجبر»

ص: 58

ص: 59

لقد وردت أحاديث عن اهل البيت عليهم التحية والسلام في نفي الجبر وبطلانه فهي كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المختصر وانما نذكر منها ما يلي :

1 - عن الامام الصادق عليه السلام : قال عليه التحية والسلام لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ومنزلة بين منزلتين .

2 - وعنه ايضا : انه قال : ما استطعت ان تلوم العبد عليه فهو فعله ، وما لم تستطع ان تلوم العبد عليه فهو فعل الله ، يقول الله تعالى للعبد يوم القيامة : لم عصيت ؟ لم فسقت ؟ فهذا فعل العبد ولا يقول الله للانسان : لم مرضت ؟ لم قصرت ؟ لم ابيضضت ؟ لم اسوددت لأنه فعل الله تعالى .

3 - عن الامام الرضا عليه التحية والسلام : انه سئله الفضل بن سهل بين يدي المأمون فقال : يا ابا الحسن الخلق مجبورون ، فقال عليه التحية والسلام ، الله اعدل من ان يجبر ثم يعذب .

4 - عن الصادق عليه السلام انه قال يوما لبعض المجبرة ، هل يكون احد أقبل للعذر الصحيح من الله تعالى ؟ فقال الجبري : لا ، فقال له الامام عليه السلام فما تقول فيمن قال لا اقدر وهو لا يقدر ، أيكون معذوراً أم لا ؟ فقال المجبر : يكون معذوراً . فقال الامام عليه السلام فاذا كان الله يعلم من عباده

ص: 60

بأنهم ما قدروا على طاعته وقال لسان حالهم أو مقالهم لله يوم القيامة :

يا رب ما قدرنا على طاعتك لأنك منعتنا منها اما يكون قولهم في عذرهم صحيحاً على قول من يقول بالجبر ؟ فقال : بلى والله ، فقال عليه السلام فيجب على قولك . ان يقبل الله تعالى هذا العذر الصحيح ولا يؤخذ احداً ابداً

وهذا خلاف قول اهل الملل كلهم ، فتاب الجبر من القول بالجبر في الحال .

5 - عن الامام أمير المؤمنين عليه التحية والسلام في حديث أدلى به الى بعض اصحابه ، انه قال : أتظن أن الذي نهاك دهاك ، انما دهاك اسفلك واعلاك ، والله بريء من ذاك .

6 - وعنه عليه التحية والسلام : انه قال : لو كان الوزر في الاجل محتوماً لكان الموزور في القصاص مظلوماً .

7 - وعنه عليه التحية والسلام : انه قال : أيدلك على الطريق ، ويأخذ عليك المضيق .

8 - وقال عليه السلام ، كل ما استغفرت الله تعالى عنه فهو منك وكلما حمدت الله تعالى عليه فهو من الله

9 - وعن أبي ابراهيم عليه التحية والسلام : انه قال ، مر أمير المؤمنين عليه السلام بجماعة بالكوفة وهم يختصمون في الجبر فقال عليه السلام للمتكلم : ابالله تستطيع ، ام مع الله ، ، أم من دون الله فلم يدر ما يردّ عليه ، فقال امير المؤمنين عليه السلام ان زعمت انك بالله تستطيع ، فليس اليك من الامر شيء وان زعمت أنك مع الله تستطيع فقد زعمت انك شريك معه في ملكه وان زعمت انك من دون الله تستطيع فقد ادعيت الربوبية من دون الله تعالى ، فقال : لا يا أمير المؤمنين بل بالله استطيع فقال عليه السلام ، أما انك لو قلت غير هذا لضربت عنقك.

10 - وعن الصادق عليه السلام انه قال : ان الله أكرم من ان يكلف الناس

ص: 61

ما لا يطيقون .

11 - عن الرضا عليه السلام لما سئل أجبر الله عباده على المعاصي ؟ فقال عليه السلام الله اعدل وأحكم من ذلك .

12 - وعن الرضا عليه السلام قال : ان الله عز وجل لم يطع باكراه ولم يعص بغلبة

13 - وعن الصادق عليه السلام قال الله أكرم من ان يكلف الناس ما لا يطيقون

14 - وعن الامام امير المؤمنين عليه السلام في جوابه للشيخ الذي سأله بعد منصرفه من صفين ، قال عليه السلام أتظن انه قضاء حتم وقدر لازم أنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر وسقط معنى الوعد والوعيد فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن ، ولكان المحسن اولى بالعقوبة من المذنب .

15 - وعن اسماعيل بن جابر قال : كان في مسجد المدينة رجل يتكلم في الجبر والناس مجمعون قال : فقلت يا هذا اسألك ، قال سل : قلت يكون ملك الله ما لا يريد ؟ قال : فأطرق طويلا ثم رفع رأسه فقال ، يا هذا لئن قلت يكون في ملكه ما الا يريد انه لمقهور ، ولئن قلت انه لا يكون في ملكه الا ما يريد اقررت لك بالمعاصي قال فقلت لأبي عبد الله عليه السلام سألت هذا الجبري فكان من جوابه كذا وكذا فقال عليه السلام لنفسه ينظر أما لو قال غير

ذلك لهلك .

16 - وعن الصادق عليه السلام قال : ان الله خلق الخلق فعلم منهم ما هم صائرون اليه ، وأمرهم ونهاهم فما أمرهم به في شيء فقد جعل لهم السبيل الى تركه .

17 - وعن الصادق عليه السلام ايضاً انه قال قال رسول الله «ص» من زعم ان

ص: 62

الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله .

18 - عن النبي الاعظم (ص)» قال : جف القلم بما هو كائن ، اعملوا كل میسر لما خلق له .

19 - عن الصادق عليه السلام انه قال من زعم ان الله يفعل افعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ، والقائل بالجبر كافر .

20 - عن الثقة الجليل احمد بن أبي طالب الطبرسي انه قال دخل ابو حنيفة المدينة ومعه عبد الله بن مسلم فقال له : يا أبا حنيفة ان ههنا جعفر بن محمد عليه السلام من علماء آل محمد «ص» فاذهب بنا نقتبس منه علما فلما اتيا اذا هما بجماعة من شيعته ينتظرون خروجه او دخولهم عليه فبينما هم كذلك اذ خرج غلام حدث السن فقام الناس هيبة له فالتفت ابو حنيفة وقال يا ابن مسلم من هذا ؟ فقال له : هذا موسى بن جعفر فقال : أبو حنيفة والله لأجبننه بين يدي شيعته قال له مه لن تقدر على ذلك قال والله لأفعلنه ثم التفت الى الامام موسى عليه السلام فقال له يا غلام اين يضع الغريب حاجته في بلدتكم هذه ؟ قال الامام عليه السلام يتوارى خلف الجدار ويتوقى اعين الجار وشطوط الانهار ومسقط الثمار ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها فحينئذ يضع حيث شاء ، ثم قال يا غلام فممن المعصية ؟ فقال عليه السلام لا تخلو من ثلاث : اما ان تكون من وليس للعبد شيء فليس للحكيم ان يأخذ عبده بما لم يفعله . واما ان تكون من العبد ومن الله والله أقوى الشريكين فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الاصغر بذنبه ، واما ان تكون من العبد وليس من الله شيء فان شاء عفى وان شاء عاقب .

لم تخل افعالنا اللاتي نذم بها *** احدى ثلاث معان حين نأتيها

اما تفرد با رینا بصنعتها *** فيسقط اللوم عنا حين ننشیها

أوكان يشركنا فيها فيلحقه *** ما سوف يلحقنا من لائم فيها

أولم يكن لالهي في جنايتها *** ذنب فما الذنب الا ذنب جانيها

ص: 63

21 - روى الصدوق بسند صحيح عن الامام الرضا عليه السلام قال ذكر عنده الجبر والتفويض فقال عليه السلام الا اعلمكم في هذا اصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه احد الا كسر تموه قلنا : ان رأيت ذلك فقال ان الله عزّ وجلَّ لم يطع باكراه ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملکه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما اقدرهم عليه ، فان ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله منها صادا ولا منها مانعا ، وان ائتمروا بمعصيته فشاء ان يحول بينهم وبين ذلك فعل . وان لم يحل فعلوه . ثم قال عليه السلام : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالقه .

22 - وعن محمد بن عجلان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام أأجبر الله العباد على افعالهم ؟ فقال عليه السلام الله أعدل من ان يجبر عبداً على فعل ثم يعاقب عليه .

23 - عن مهزم قال أبو عبد الله عليه السلام : اخبرني عما اختلف فيه من خلفك من موالينا ؟ قال قلت : في الجبر والتفويض قال فاسألني ، قلت أجبر الله العباد على المعاصي ؟ فقال عليه السلام الله أقهر لهم من ذلك .

24 - عن امامنا الهادي عليه السلام في حديث انه سئل عن افعال العباد أهي مخلوقة الله فقال لو كان خالقاً لها لما تبرأ منها .

25 - خبر صالح النيلي عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث ولكن حين كفر كان في ارادة الله تعالى ان يكفر وهم في ارادة الله تعالى وفي علمه ان لا يصيروا الى شيء من الخير ، قلت اراد منهم ان يكفروا ، قال عليه السلام ليس هكذا اقول ولكني أقول علم أنهم سيكفرون .

26 - عن عبد العظيم الحسني عن ابراهيم بن ابي محمود قال سألت ابا الحسن الرضا عليه التحية والسلام عن قول الله عز وجل وتركهم في ظلمات لا يبصرون فقال ان الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف وخلا بينهم وبين

ص: 64

اختيارهم .

27 - وعنه ايضاً قال : سألته عن قول الله عزّ وجلَّ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم قال الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى : بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا .

28 - وعنه ايضاً قال سألته هل ان الله اجبر العباد على المعاصي ؟ قال بل يخيرهم حتى يتوبوا قلت فهل يكلف عباده ما لا يطيقون ؟ فقال عليه السلام كيف يفعل ذلك وهو يقول وما ربك بظلام للعبيد ثم قال حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام انه قال من زعم ان الله يجبر عباده على المعاصي او يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته ولا تقبلوا شهادته ولا تصلوا على جنازته ، ولا تعطوه من الزكاة شيئاً .

29 - وعن ضرير قال قال ابو عبد الله الصادق عليه السلام ان الناس في القدر على ثلاثة اوجه رجل يزعم ان الله أجبر العبد على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه وهو كافر ورجل يزعم ان الامور مفوضة اليهم فهذا شارك الله في سلطانه فهو كافر ، ورجل يقول ان الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون فاذا احسن حمد الله تعالى واذا اساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ .

30 - وعن الامام العسكري عليه السلام في جواب رسالته التي وجهها الى الاهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض ما هو ؟ وأفاد بهذا المعنى وفي ( آخره ) قال الامام عليه السلام بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السلام لما سأله عباية بن ربعي الاسدي عن الاستطاعة فقال امير المؤمنين عليه السلام تملكها من دون الله أو مع الله فسكت عباية فقال له عليه السلام يا عباية قل قال وما اقول يا أمير المؤمنين قال تقول تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن يملكها كان ذلكمن عطائه وان سلبكها كان ذلك من بلائه هو المالك لما ملكك والمالك لما عليه اقدرك اما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حيث يقولون لا حول ولا قوة الا بالله فقال الرجل وما تأويلها يا امير المؤمنين قال لا حول بنا عن معاصي الله

ص: 65

الا بعصمة الله ولا قوة لنا على طاعة الله الا بعون الله قال فوثب الرجل وقبل يديه ورجليه .

31 - في الحديث من وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه .

وبالجملة ان مجموعة الاحاديث المتقدمة التي مرت بقارئنا الكريم فيها دلالة واضحة على بطلان الجبر وثبوت الاختيار في نفس الوقت للانسان في افعاله وجميع حركاته الاختيارية وان العقل والبرهان والنقل والوجدان أكبر شاهد على ذلك فالافعال صادرة من الانسان بالاختيار والله تبارك وتعالى امراً ونهي-اً والامر والنهي منه تعالى بالارادة التشريعية وهي العلم بالمصلحة للانسان وعلم الله وقدرته لا يجبران العبد على المعصية او الطاعة لأن العلم لا يؤثر في المعلوم ولا يستلزم منه الايجاب او السلب بل هو تابع لما في الواقع ليس بموجب ولا بمانع وتقريب الدليل بوجه آخر هو انه مما لا شبهة فيه ان الافعال تصدر بعد القصد ووجود الداعي وانتفاء الموانع شرعية كانت ام عقلية ، كما وان الترك انما يكون لوجود الداعي اليه ولصارف عن الفعل .

ولو قطعنا النظر عن هذه الادلة ، فالوجدان خير شاهد كما تقدم على ان افعال العباد انما تصدر عنهم مختارين في صدورها ويرى الانسان نفسه حين العمل قادراً على الفعل والترك ، وهو الذي نفيده من الاختيار في المقام .

واما علم الله تبارك وتعالى وقدرته فلا يستلزم منهما الجبر بل غاية ما في الامر ان الله تعالى علم ان عبده فلان سوف يعمل المعصية او الطاعة والعلم ليس فيه الزام ولا ايجاب ولا سلب وانما هو يتبع للواقع كما مر .

والعلم تابع لما في الواقع *** ليس بموجب ولا بمانع

والعقل قاض ان منا فعلنا *** ورب جاحد لما تيقنا

فالظلم والعدوان مخصوص بنا *** والله لا يفعل الا الحسنا

له الغنى والعلم والكمال *** فنسبة القبح له ضلال

ص: 66

وأما ما ورد من الاحاديث عن اهل البيت عليهم السلام والتي يشم من بعضها رائحة ظاهرها موافق لمذهب الجبرية فقد وجهها علمائنا الاعلام بوجوه كحديث واصل بن سليمان ، عن ابي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول امر الله ولم يشاء ، وش-اء ولم يأمر ، امر ابليس ان يسجد لآدم وشاء ان لا يسجد ، ولو شاء لسجد ، ونهى آدم عن أكل الشجرة وشاء ان يأكل منها ولو لم يشأ لم يأكل .

فان ظاهر هذا الحديث موافق لمذهب الجبرية القائلين بأنه تعالى قد يأمر بالشيء وهو لا يريده وينهى عن الشيء وهو يريده يريد كل ما يدخل في الوجود وان كان معصيته ، ولا يريد ما لا يدخل فيه وان كان طاعته بناء على ما تقرر عندهم من انه تعالى خالق لا فعال العباد ، فكل ما خلقه فقد اراده وكل ما لم يخلقه لم يريده ، فأمر ابليس بالسجود ولم يرده لعدم تحققه ، ونهى آدم عن الاكل واراده، لتحققه ، ولم يرد تركه لعدم تحققه واما على مذهب العدلية القائلين انه تعالى :

كل ما يأمر به فهو يريده ، وكل ما ينهى عنه فهو لا يريده ، بل يكرهه . وانه يريد كل ما هو خير محض وحسن وجد او لم يوجد ، ولا يريد كل ما هو شر وقبيح فان الحديث المتقدم لا ينطبق على مذهبهم في الظاهر نعم يمكن توجيهه بالوجوه التالية .

1 - ان يكون المعنى ان الله امر بالاشياء على وجه الاختيار وارادها على وجه التفويض والاختيار ، ولم يشأ تلك الاشياء مشيئة جزم ، ولم يردها ارادة قسر ، وشاء شيئاً مشيئة تكليفية، واراده ارادة تخيرية ، يعني اراد ايقاعه باختيار الانسان ولم يأمر به على وجه القسر ، ولم يرده على وجه الجبر ، ثم وضح ذلك بقوله عليه السلام : امر ابليس ان يسجد لآدم . على سبيل الاختيار واراد منه السجود من غير قسر ولا اجبار ، وشاء ان لا يسجد بالجبر والقسر ، او المعنى ولم يشأ أن يسجد مشيئة جبر ولم يرده بارادة قسر بقرينة قوله سابقاً ، امر الله ولم يشأ ولو شاء سجوده لآدم على القسر والجبر لسجد له لأن الافعال

ص: 67

القسرية لا تتخلف عن الفاعل القادر المختار ، ونهى آدم عن اكل الشجرة على وجه الاختيار وكره منه أكل ثمرها من غير قسر ولا اجبار وشاء ان يأكل منها باختياره ، أي لما شاء الاختيار له فكأنه شاء ما اختاره او شاء ان يكون له اختيار فی أكله منها واراد ان لا يكون مجبوراً في تركه ، ولو لم يشاء ان يكون له اختيار في أكله ويكون مجبوراً على تركه لم يأكل لأن المجبور على ترك الشيء ومسلوب الاختيار في فعله لا يقدر على الاتيان بذلك الشيء ، وحيث أكل علم أنه صاحب القدرة والاختيار فيه ، وانه تعالى اراد أن يكون فعل العبد وتركه بقدرته حفظاً لنظام التكليف ، وتحقيقاً لمضي الثواب والعقاب .

2 - أن يكون المراد بالمشيئة العلم ، ويؤيده ، ما روى عن الفقه الرضوي 1 حيث قال عليه السلام : قد شاء الله من عباده المعصية وما اراد ، وشاء الطاعة واراد منهم ، لأن المشيئة مشيئة الأمر ، ومشيئة العلم وارادته ارادة الرضاء . وارادة الأمر أمر بالطاعة ورضى بها وشاء المعصية يعني : علم من عباده المعصية ولم يأمرهم بها ، ويكون المعنى أنه أمر بشيء ولم يعلم وقوع ذلك الشيء ء كعلمه بعدم وقوعه ، فلا يتعلق علمه بوقوعه ، وشاء يعني : علم وقوع الشيء ولم يأمر به لكونه غير مرضي له ، وقد ورد في بعض الاخبار انه عليه السلام سئل عن شيء لا يعلمه الله ، فقال عليه السلام ان الله لا يعلم ان له شريك .

3 - ان يكون المراد بمشيئة الطاعة هداياته والطافه الخاصة التي ليست من ضروريات التكليف وبمشيئة المعصية خذلانه وعدم فعل تلك الالطاف بالنسبة اليه وشيء منهما لا يوجب جبره على الفعل والترك ، ولا ينافي في استحقاق الثواب والعقاب .

4 - أن معنى قوله عليه السلام : أمر الله ولم يشاء هو : أنه تعالى امر بشيء ولم يرد تعلق علمه بوقوع ذلك الشيء لعلمه بعدم وقوعه ، ومعنى قوله عليه السلام : وشاء ولم يأمر هو : أنه اراد تعلق عمله بوقوع شيء لعلمه بوقوعه ولم يأمر بذلك الشيء لأنه يكرهه .

ص: 68

5 - ان المراد تهيئة اسباب فعل الانسان بعد ارادة الانسان ذلك الفعل .

6 - انه لما اقتضت المصلحة بتكليف من علم الله منه المعصية وكلفه مع علمه بذلك ووكله الى اختياره ، ففعل تلك المعصية فكأنه شاء صدوره منه ، وكذا في الطاعة اذا علم صدوره منه ، فيسمى ذلك مشيئة مجازاً ، وهذا مجاز شائع كما اذا أمر المولى عبده بأوامر وخيّره في ذلك ومكنه على الفعل والترك مع علمه بأنه لا يأتي بها فقال له : انت فعلت ذلك اذا كنت تعلم انه لا يفعل ، ومكنته ووكلته الى نفسه .

7 - ان يقال المراد بالمشيئة عدم جبره على فعل الطاعة او ترك المعصية ، وبعبارة اخرى مسمى عدم المشيئة مشيئة العدم هو قريب مما قبله بل يرجع اليه .

8 - انه اسناد للفعل الى العلة البعيدة ، فان العبد وقدرته وارادته لما كانت مخلوقة لله تعالى فهو جل وعلا علة بعيدة لجميع افعاله .

9 - ان فعل الانسان واقع بمجموع القدرتين قدرة الله تعالى وقدرة الانسان ، والانسان لا يستقل في ايجاد فعله بحيث لا دخل لقدرته تعالى فيه ، بمعنى انه اقدر الانسان على فعله ، بحيث يخرج عن يده ازمة الفعل المقدور للعبد مطلقاً ، كما ذهب اليه المفوضة اولا تأثير لقدرته تعالى فيه وان كان قادراً على طاعة العاصي جبراً لعدم تعلق ارادته بجبره في افعاله الاختيارية كما ذهب اليه المعتزلة ، وهذا ايضاً نحو من التفويض ، وليس قدرة العبد بحيث لا تأثير له في فعله اصلاً سواء كانت كاسبة كما ذهب اليه الاشعري ويؤول مذهبه الى الجبر ، ام لا تكون كاسبة ايضاً بمعنى ان لا يكون له قدرة واختيار اصلا بحيث لا يكون فرق بين مشي زيد وحركة المرتعش كما ذهب اليه الجبرية ، وهم جهم ابن صفوان ومن تبعه، وهذا معنى الامر بين الامرين ولما كانت مشيئة الانسان وارادته وتأثيره في فعله جزءاً خيراً للعلة التامة وانما يكون تحقق الفعل والترك مع وجود ذلك التأثير وعدمه فينتفي صدور القبيح عنه تعالى عنه تعالى . بل انما يتحقق

ص: 69

بالمشيئة والارادة الحادثة بالتأثير من العبد الذي هو متمم للعلة التامة ، ومع عدم تأثير الانسان والكف عنه بارادته واختياره لا يتحقق فعله بمجرد مشيئة الله سبحانه وارادته وقدرته اذا لم يتحقق مشيئته وارادته وتعلق ارادة منه تعالى بذلك الفعل مجرداً عن تأثير العبد فحينئذ الفعل لا سيما القبيح مستند الى العبد ، ولما كان مراده تعالى من اقداره العبد في فعله وتمكينه له فيه صدور الافعال عنه باختياره وارادته اذا لم يكن مانع اي فعل اراد واختار من الايمان والكفر والطاعة والمعصية ، ولم يرد منه خصوص شيء من الطاعة والمعصية ، ولم يرد جبره في افعاله ليصح تكليفه لأجل المصلحة المقتضية له وكلفه بعد ذلك الاقدار بأعلامه بمصالح افعاله ومفاسدها في صورة الأمر والنهي لأنهما منه تعالى من قبيل امر الطبيب للمريض بشرب الدواء النافع ونهيه عن اكل الغداء الضار ، فمن صدور الكفر والعصيان عن العبد بارادته المؤثرة واستحقاقه بذلك للعقاب لا يلزم ان يكون العبد غالباً عليه تعالى ، ولا يلزم عجزه تعالى كما لا يلزم غلبة المريض على الطبيب ولا عجز الطبيب اذا خالفه المريض وهلك ، ولا يلزم ان يكون في ملکه امر لا يكون بمشيئة الله تعالى وارادته ، ولا يلزم الظلم في عقابه لأنه فعل القبيح بارادته المؤثرة وطبيعة ذلك الفعل توجب ان يستحق فاعله العقاب ولما كان مع ذلك الاعلام من الامر والنهي بواسطة الحجج عليهم السلام اللطف والتوفيق في الخيرات والطاعات من الله جل ذكره ، فما فعل الانسان من حسنة فالاولى ان يسند وينسب فعلها اليه تعالى لأنه مع اقداره وتمكينه له وتوفيقه للحسنات اعلمه بمصالح الاتيان بالحسنات ومضار تركها والكف عنها بأوامره ، وما فعله من سيئة فمن نفسه لأنه مع ذلك اعلمه بمفاسد الاتيان بالسيئات ومنافع الكف عنها بنواهيه وهذا من قبيل اطاعة الطبيب ومخالفته فانه من اطاعه وبرء من المرض يقال : عالجه الطبيب ، ومن خالفه وهلك يقال : اهلك نفسه بمخالفته للطبيب ، وهذا تحقيق لطيف تنحل به شبهة الجبر والاختيار ويتضح به معنى (الأمريين الامرين) وحينئذ فمعنى قوله أمر الله ولم يشأ انه اعلم العباد وأخبرهم بالافعال النافعة لهم كالايمان والطاعة ، ولم يشأ صدور خصوص تلك الافعال عنهم كيف ولو شاء ولم يصدر عن بعضهم لزم عجزه تعالى ومغلوبيته تعالى الله

ص: 70

عن ذلك علواً كبيراً بل انما شاء صدور الافعال عنهم بقدرتهم واختيارهم اي فعل ارادوه فما شاء الله كان ومعنى قوله : شاء ولم يأمر أنه ، شاء صدور الافعال عن العباد باختيارهم أي فعل ارادوه ولم يأمر بكل ما ارادوه بل نهاهم عن بعضه واعلمهم بمضرته كالكفر والعصيان فقوله: امر ابليس ان يسجد لآدم أي اعلمه بأن سجوده لآدم نافع له ، وكفّه عنه مضر له ، وشاء ان لا يسجد يعني لم يشاء خصوص السجود ولو شاء خصوص السجود منه السجد لاستحالة عجزه تعالى وغلبة ابليس عليه بل انما شاء صدور أيهما كان من السجود وتركه او كفه بارادته واختياره ، ولم يسجد ابليس اي كف عن السجود بارادته فهو تعالى لأجل ذلك شاء كفه ، ولما كان الكف انما يتحقق بمشيئة ابليس وارادته المؤثرة وهي جزء آخر للعلة التامة فلذا يستحق ابليس الذم والعقاب . والقبح صادر عنه لا عن الله تعالى ، وكذلك الكلام في نهي آدم عن أكل الشجرة .

10 - حملها على التقية لكونها موافقة لأصول الجبرية وأكثر المخالفين منهم ، ويؤيده ما رواه الصدوق في العيون والتوحيد باسناده عن الحسين بن خالد قال : قلت للرضا عليه السلام يا بن رسول الله ان الناس ينسبونا الى القول بالتشبيه والجبر لما روى من الاخبار في ذلك عن آبائك الائمة عليهم السلام ، فقال عليه السلام يا بن خالد اخبرني عن الاخبار التي رويت عن آبائي الائمة في التشبيه أكثر أم الاخبار التي رويت عن النبي «ص» في ذلك ؟ فقلت بل ما روى عن النبي «ص» في ذلك أكثر ، فقال عليه السلام ، فليقولوا ان رسول الله «ص» كان يقول بالتشبيه والجبر ، فقلت له انهم يقولون : ان رسول الله لم يقل من ذلك شيئاً ، وانما روى عليه قال عليه السلام فليقولوا في آبائي عليهم السلام ، انهم لم يقولوا من ذلك شيئاً وانما روى عليهم ، ثم قال عليه السلام من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة ، يا بن خالد انما وضع الاخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله فمن أحبهم فقد أبغضنا ومن أبغضهم فقد أحبنا .

ص: 71

ومن الاحاديث التي ظاهرها يوافق لمذهب الجبرية حديث الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام قال : ان الله ارادتين ومشيئتين ، ارادة حتم ، وارادة عزم ، ينهي وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء او ما رأيت انه نهى آدم وزوجته ان يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ، ولو لم يشاء ان يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى وأمر ابراهيم عليه السلام ان يذبح اسحاق ولم يشاء أن يذبحه ولو شاء ان يذبحه لما غلبت مشيئة ابراهيم عليه السلام مشية الله تعالى ، ورواه الصدوق في التوحيد ، الا انه قال وأمر ابراهيم عليه السلام بذبح ابنه وشاء ان لا يذبحه .

والكلام في هذا الخبر كالذي قبله ، أي انه تعالى نهاهما عن أكل الشجرة وشاء ذلك ، أي أكلهما منها باعتبار انه لم يجبرهما على الترك ، ولو لم يشأ ان يأكلا بجبره لهما على المنهي عنه ومشيئته لتركه حتماً لما غلبت مشيئتهما للأكل مشيئة الله تعالى لكونهما مجبورين مقهورين فلا يمكنهما الاتيان بفعل فضلا عن ان تغلب مشيئتهما مشيئة القاهر ، وباقي الوجوه السابقة تجري هنا وقال الصدوق بعد ايراد هذا الخبر : ان الله تعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وقد علم انهما يأكلان منها ، لكنه عز وجل شاء ان لا يحول بينهما وبين الاكل منها بالجبر والقدرة كما منعهما من الأكل منها بالنهي والزجر ، فهذا معنى مشيئته فيهما ولو شاء عز وجل منعهما من الاكل بالجبر ثم أكلا منها لكانت مشيئتهما قد غلبت مشيئة الله كما قال العالم تعالى الله عن العجز علواً كبيراً .

ومن جملة الاحاديث التي ظاهرها يوافق لمذهب الجبرية وقد وجهه علمائنا بما يوافق مذهب العدلية حديث فضيل بن يسار قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : شاء وأراد ولم يحب ولم يرضى ، شاء أن لا يكون شيء الا بعلمه، واراد مثل ذلك ، ولم يحب ان يقال له : ثالث ثلاثة ، ولم يرضى لعباده الكفر .

فقوله عليه السلام شاء ان لا يكون شيء الا بعلمه ، واراد أي انه شاء بالمشيئة الحتمية واراد بالارادة الجزمية ان لا يكون شيء الا بعلمه وعلى طباق

ص: 72

ما في علمه بالنظام الاعلى ، وما هو الخير والاصلح ولوازمها ، وهذا هو احد المعاني لتعلق مشيئته وارادته بكل شيء خيراً كان او شراً ، ولم يحب الشرور اللازمة التابعة للخير والاصلح كأن يقال : ثالث ثلاثة وان يكفر به ولم يرض بهما ، أو أن المعنى انه تعالى لم يحب ولم يرض أي لم يأمر بهما بل جعلهما منهياً عنهما ، ولم يجعلهما بحيث يترتب عليهما النفع بل بحيث يترتب عليهما الضرر والمحبة في حق الانسان ميل النفس وسكونه بالنسبة الى موافقة وملائمة عند تصور كونه موافقاً وملائماً له ، وهذا مستلزم لارادته اياه ، ولما كانت هذه المحبة ممتنعة في حقه تعالى ارید به لازمها ، ولقد كشف الامام بقوله عليه السلام ولم يرض لعباده الكفر قيل فيه ردّ على الاشاعرة حيث قالوا : انه تعالى اراد الكفر من الكافر واراد ان يقال له ثالث ثلاثة بناء على ما تقرر عندهم من انه تعالى اراد كل ما له حظ من الوجود واذا ارادهما فقد احبهما ورضيهما لأن حبه تعالى للشيء ورضاه عبارة عن الارادة كما صرحوا به في كتبهم وصرح به اصحابنا ، ومن ثم قال ابن القيم الحنبلي وابن هشام على ما نقل عنهما شارح كشف الحق: ان هؤلاء الاشاعرة يقولون ان كل ما شاء الله وقضى فقد أحبه ورضيه ، ولما رأى جماعة المتأخرين منهم شناعة هذا القول وقبحه حاولوا التحرز عنه ، فقال بعضهم : ارادته تعالى لجميع الاشياء حتى الكفر وغيره عبارة عن تقديرها وتقديره للكفر لا يوجب ان يحبه ويرضاه .

وقال في المواقف : الرضا عبارة عن ترك الاعراض والله يريد الكفر للكافر ويغرض عنه ويؤاخذه به ويؤيده ان العبد لا يريد الآلام والامراض وليس مأموراً بارادتها وهو مأمور بترك الاعراض عنها والجواب عن الاول : ان الارادة لم تجىء لغة وعرفا ، بمعنى التقدير ولم يصطلح عليه سوى هذا القائل ، ولهذا لم يتمسكوا في دفع هذه الشناعة العظيمة عن انفسهم بهذا القول ، مع انه لا ينفعهم اصلاً لأن افعال العباد كلها مخلوقة له تعالى عندهم ولا معنى لخلق الفاعل المختار لها بدون ارادتها فالقبيح بحاله . والجواب عن الثاني بوجوه :

« الأول » انه لم يثبت في اللغة ولا العرف ، ان الرضا عبارة عن ترك

ص: 73

الاغراض ، بل الثابت فيهما انه : عبارة عن الارادة وبذلك يشعر كلام ابن القيم في شرح منازل السائرين وكلام الآبي في كتاب « إكمال الاكمال » وكلام بعض شراح « نهج البلاغة » حيث قال : المحبة ارادة وهي مبدأ فعل وأما محبته للشيء هي ارادته والرضاء قريب من المحبة ويشبه ان يكون اعم منها لأن كل محبّ راض بما احبه ولا ينعكس ، وقد قيل ان الرضا على ما يقتضيه القرآن مستلزم للارادة او ارادة مخصوصة ، ولعل تلك الارادة المخصوصة هي التي ذهب اليها بعض الاصحاب من ان الرضا ارادة متعلقة بالامور الحسنة من حيث هي

كذلك .

« الثاني » ان ارادة الكفر من الشخص والاعتراض عليه قبيح العقل فلا يصح اسناده الله تعالى .

« الثالث » ان ترك الاعتراض متحقق في المباحات والمكروهات ، ولا يقال انه تعالى راضي عن العباد بفعلها .

« الرابع » ان التأييد المذكور في محل المنع ، لأن رضاء العبد بالآلام عبارة عن ارادتها ترجيحاً لارادته تعالى على ارادة نفسه وترك الاعتراض تابع لتلك الارادة والله العالم .

ومن جملة الاحاديث التي ظاهرها يوافق لمذهب الجبرية حديث محمد ابن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام شاء الله واراد وقدر وقضى قال عليه السلام نعم : قلت : وأحب ؟ قال عليه السلام لا قلت : وكيف شاء واراد وقدر وقضى ولم يحب ؟ فقال عليه السلام هكذا خرج الينا . وقد وجه الحديث الشريف بوجوه :

الوجه الاول : ان يكون المراد بالقضاء والقدر والمشيئة والارادة فيما يتعلق بأفعال العباد علمه سبحانه بوقوع الفعل وثبته في الالواح السماوية وشيء منها لا يصير سبباً للفعل ، بل هو تابع للفعل ، كالعلم ، وأما المحبة

ص: 74

فهي عبارة عن أمره تعالى بالشيء واثابته عليه ، فهو لا يأمر بالمعاصي ولا يثيب عليها فصح اثبات القضاء وما يليه دون المحبة .

الوجه الثاني : انه لما كانت المشيئة والارادة وتعلقها بايقاع الفعل من الانسان مقارنا لمحبته وشوقه وميل قلبه الى ذلك الفعل توهم السائل أن له سبحانه صفة زائدة على ما ذكره وهي المحبة والشوق وميل القلب ، فأجاب عليه السلام بأنه ليس له تعالى محبته بل اسنادها اليه مجاز ، وهي كناية عن عدم امره ، او عدم نهيه ، أو ثوابه ومدحه .

الوجه الثالث : بأن المشيئة والارادة والتقدير والقضاء كلها من فعل الله سبحانه وتعالى ، وهي حكم الله في الاشياء على حد علمه بها ، واما الشيء المراد والمقدر المقضي الذي يقع في الوجود فانه ربما يكون من فعل العبد الذي يطلبه من الله باستعداده ، وهو قد يكون محبوباً مرضياً كالطاعات ، وقد يكون مبغوضاً كالكفر والمعاصي ، ولا شك ان الحكم غير المحكوم ب-ه والمحكوم عليه ، لكونه نسبة قائمة لهما ، قد يلزم من كون الحكم الذي من طرف الحق خيراً من أن يكون المحكوم به الذي من جهة العدل خيراً ومحبوباً وهذا هو التحقيق في النفي عن شبهة مشهورة ، هي انه قد ثبت وجوب الرضا بالقضاء ، وعدم جواز الرضا بالكفر والمعاصي ، فاذا كان الكفر والمعاصي بالقضاء فكيف التوفيق .

الوجع الرابع : انه لا منافاة بين تعلق الارادة والمشية بشيء وان لا يحبه ، لأن التعلق والارادة بما لا يحبه بتعلقتهما بوقوع ما يتعلق به ارادة العباد باراداتهم وترتبه عليها ، فتعلقهما بالذات بكونهم قادرين مريدين لأفعالهم وترتبهما على ارادتهم وتعلقهما بما هو مرادهم بالتبع شر غير محبوب له ، فان دخول الشر وما لا يحبه في متعلق ارادته بالعرض جائز فان كل من تعلق مشيئته وارادته بخير وعلم لزوم شر له شرية لا تقاوم خيريته تعلقها بذلك الشر بالعرض وبالتبع وذلك التعلق بالتبع لا ينافي ان يكون المريد خيراً محضاً ، ولا يتصف بكونه شريراً ومحباً للشر .

ص: 75

ومن جملة الاحاديث التي ظاهرها يوافق لمذهب الجبرية .

حديث حريز وعبد الله ابن مسكان عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء الا بهذه الخصال السبع .

1 - مشيئة 2 - ارادة 3 - قدر 4 - قضاء 5 - اذن 6 - كتاب 7 - أجل ، ثم قال عليه السلام فمن زعم انه يقدر على نقض واحدة فقد كفر .

لقد تقدم الكلام عن معنى المشيئة ومن جملة معانيها ايضاً، العزم والارادة هي تأكد العزم والثبوت عليه ، والقدر تقدير الامور طولاً وعرضاً وكيلاً ووزناً ونحوها والقضاء في افعاله تعالى هو الحكم بالوجود في افعالنا والحكم عليها بالثواب والعقاب ، والاذن العلم كما في قوله تعالى : ﴿ فأذنوا بحرب من الله ورسوله ﴾ أي كونوا على علم ، وقد يطلق على الامر والكتاب اللوح والاجل الامل المعيّن ، وظاهر الحديث ينطبق على مذهب الاشاعرة والجبرية القائلين بأن الارادة موافقة للعلم بمعنى ان كل ما علم الله وقوعه فهو مراد الوقوع ، وكل ما علم الله عدم وقوعه فهو مراد العدم، وان جميع افعال العباد التي منهم من الطاعات والمعاصي والكفر والزندقة مراد له تعالى وبقضائه وقدره واذنه وكتابه ، وأما تطبيقه على مذهب العدلية القائلين بأنه تعالى يريد من افعال العباد الطاعات ولا يريد المعاصي والشرور وأنه تعالى لم يأمر بالمعاصي والشرور فيحتاج انطباقه الى توجيه اما من حيث الارادة فمن وجوه .

الوجه الاول : ان مشيئته تعالى وارادته متعلقة بجميع الموجودات بمعنى انه اراد ان لا يكون شيء الا بعلمه

الوجه الثاني : ان الارادة متعلقة بالاشياء كلها ولكن تعلقها بها على وجوه مختلفة اذ تعلقها بأفعال نفسه سبحانه بمعنى ايجادها والرضا بها لكونها كلها حسنة واقعة على وجه الحكمة ، والشر القليل تابع لخيرات كثيرة فيه ، وليس مرادا بالذات ، وتعلقها بأفعال العباد امّا بالطاعات . فهو ارادة وجودها والرضا بها او الامر بها ، واما بالمباحات فهو الرخصة بها ، واما بالمعاصي فهو ارادة ان لا

ص: 76

يمنع منها بالجبر والقهر ، كما صرح به الصدوق في كتاب الاعتقادات او ارادة عدمها كما فسر به قوله تعالى ﴿ ولو شاء الله ما أشركوا ﴾ أي ولو شاء الله عدم شركهم على سبيل الاجبار ما اشركوا ، ولكن لم يشاء على هذا الوجه لمنافاته غرض التكليف وانما شاء على سبيل الاختيار ليكون لهم القدرة على الفعل والترك ، ويدلّ على هذا المعنى ما رواه الطبرسي في احتجاجه عن الرضا عليه السلام قال : ارادة الله ومشيئته في الطاعات الأمر بها والرضا لها والمعونة عليها وارادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها ، قال السائل : فلله فيه قضاء ؟ قال : نعم ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر الا والله فيه قضاء قال السائل : ما معنى هذا القضاء قال عليه السلام الحكم عليهم بما يستحقونه من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة .

الوجه الثالث : - أن تعلقها بأفعاله ما مرّ وتعلقها بأفعال عباده على سبيل التجوز لأنه تعالى حيث كان هو الموجد لآلاتها والقدرة عليها ، ولم يمنع منها مع قدرته على المنع فكأنه ارادها وفيه نظر .

الوجه الرابع : - ان ارادته تعالى عبارة عن العلم بما في الفعل من المصلحة .

الوجه الخامس : - ان ارادة العبد لأفعاله مخلوقة الله تعالى كما تقدم نقله عن السيد الداماد في تفسير قوله عليه السلام خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشيئة ، فحيث كانت مخلوقة له تعالى فكأنه فاعلها مجازاً وفيه من البعد ما لا يخفى وأما دفع الاشكال من حيث القضاء والقدر فالمراد بالقدر العلم أو تقدير الموجودات والمراد بالقضاء في افعالنا الحكم عليها بالثواب والعقاب كما تقدم عن الامام الرضا عليه السلام في مقدمة هذا الكتاب وكما هو المحكي عن العلامة «ره» في شرحه على التجريد انه قال يطلق القضاء على الخلق والاتمام قال تعالى ﴿ فقضيهنّ سبع سموات في يومين ﴾ أي خلقهن وأتمهنّ ، على الحكم والايجاب ، كقوله تعالى ﴿ وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه ﴾ أي أوجب وألزم ، وعلى الاعلام والاخبار كقوله تعالى ﴿ وقضينا الى بني

ص: 77

اسرائيل في الكتاب ﴾ أي اعلمناهم وأخبرناهم ، ويطلق القدر على الخلق كقوله تعالى ﴿ وقدر فيها أقواتها ﴾ والكتاب كقول الشاعر :

واعلم بأن ذا الجلال قد قدر *** في الصحف الأولى التي كان سطر

والبيان كقوله تعالى ﴿ الا امرأته قدرناها من الغابرين ﴾ أي بينا وأخبرنا بذلك .

اذا عرفت يا قارىء الكريم هذا أمكنك ان ترد على الاشعري وتقول له : ما تعني يا اشعري بقولك ان الله تعالى قضاء اعمال العباد وقدرها ان اردت به الخلق والايجاد ، فقد بينا بطلانه وان الافعال مستندة الينا وان عنيت به الالزام لم يصح الا في الواجب خاصة وان عنيت به انه تعالى بينها وكتبها وعلم انهم سيفعلونها فهو صحيح لأنه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته ، وهذا المعنى الاخير هو المتعين للاجماع على وجوب الرضا لقضاء الله وقدره ولا يجوز الرضا بالكفر وغيره من القبائح ولا ينفعهم الاعتذار بوجوب الرضا به من حيث انه فعله وعدم الرضا من حيث الكسب لبطلان الكسب أولاً ، وثانياً نقول : ان كان الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب وهو خلاف قولكم ، وان لم يكن بقضاء وقدر بطل اسناد الكائنات بأجمعها الى القضاء والقدر ، واما من حيث الاذن فقد عرفت ان معناه العلم والكتاب ما كتب في اللوح فلا اشكال ، او ان المراد بالاذن الامر بالطاعات او رفع الموانع وبالكتاب الكتابة في الالواح السماوية وقيل ان المراد بالمشيئة القدر وهي كون الفاعل بحيث ان شاء فعل ، وان لم يشأ لم يفعل والمراد بالقدر تعلق الارادة ، وبالقضاء الايجاد وبالاذان رفع المانع وبالكتاب العلم ، وبالاجل وقت حدوث الحوادث والترتيب غير مقصود اذ العلم مقدم على الكل ، بل المقصود ان هذه الامور مما تتوقف عليها الحوادث ويمكن حمل هذه الخصال السبع على اختلاف مراتب التقدير في الالواح السماوية والارضية أو يكون بعضها في الامور التكوينية ، وبعضها في الاحكام التكليفية او كلها في الامور التكوينية والله العالم بحقيقة الحال واليه المرجع في المبدأ والمآل .

ص: 78

ص: 79

من هم القائلون بالجبر

اشارة

ص: 80

ص: 81

القائلون بالجبر ونفي الاختيار والارادة عنالانسان من المسلمين ثلاثة فرق .

الفرقة الاولى :

الاشاعرة

وهم اتباع علي بن اسماعيل المعروف بأبي الحسن الاشعري . وهو الذي وضع أصول هذا المذهب في سنة 300 تقريباً ، بعد ان انفصل عن استاذه محمد بن عبد الوهاب الجبائي ، وناصر المحدثين في أكثر آرائهم في أصول العقائد ، وينسب المذهب اليه ، لأنه سلك طريقاً وسطاً بين المحدثين الذين يعتمدون على النصوص ، ولا يرون للعقل سلطاناً في مقابل النصوص وظواهر الآيات والاحاديث ، وبين المعتزلة الذين اعتمدوا على العقل ،واعتبروا الوحي مقرراً لأحكام العقل ، ولما جاء الاشعري لم يعتمد على العقل مستقلا . ولا وقف مع النصوص والتزم بها وان خالفت العقل ، وحاول ان يجمع بين الأمرين .

وقد جاء في ترجمته ، انه ولد في البصرة سنة 260 ، وتوفي سنة 333 ، وينتهي نسبه الى ابي موسى الاشعري ، وقد نشأ ببغداد ، وتوفي بها ، واخفى اصحابه قبره خوفاً من أن تنبشه الحنابلة، لأنهم حكموا بكفره ، واباحوا دمه ، وحينما توجه لدراسة العلم اتصل بالمعتزلة فلازم الجبائي ، وبقي معه حوالي اربعين سنة ، وكان من الصق الناس به، وأشدهم ايماناً بآرائه ، واحصاء لأقواله وجرت بينهما مناظرات في مختلف المواضيع ، ادت الى انفصاله عنه ، ووقوفه بجانب الاخصام الاشداء على المعتزلة ، وقد سأله يوماً عن حقيقة الطاعة ،

ص: 82

فقال الجبائي ، هي موافقة الارادة ، فقال له : هذا يوجب ان يكون الله مطيعاً لعبده اذا اعطاه مراده، فالتزم الجبائي بذلك .

وقال الشهرستاني في الملل والنحل : ومن غريب الاتفاق ان ابا موسى الاشعري كان يقرر رأي حفيده الاشعري في القدر ، وقد جرت بينه وبين عمرو ابن العاص مناظرة في القدر ، فقال عمرو بن العاص ، لو أجد احداً اخاصم اليه ربي ، قال أبو موسى : أنا ذلك الشخص ، قال عمرو بن العاص : يقدر علي شيئاً ثم يعذبني عليه ؟ قال نعم ، قال عمرو بن العاص ، ولم قال : لأنه لا يظلمك .

ويبدو ان ابا الحسن الاشعري بعد أن نضج، وأحاط بآراء المعتزلة ، ونظرياتهم ، كان يقف لاستاذه موقف الخصم العنيد في أكثر الاحيان . ويروى كتاب الفرق والمذاهب ان الخصومة بينهما بلغت اشدها في مسألة وجوب الاصلح على الله سبحانه ، وكان لا يرى ذلك أبو الحسن الاشعري . فقال له ما قولك في ثلاثة : مؤمن ، وكافر، وصبي ؟

قال الجبائي : المؤمن من اهل الدرجات، والكافر من اهل الدركات ، والصبي من اهل النجاة .

قال الاشعري : فان اراد الصبي أن يرقي الى اهل الدرجات بعد موته صبيا ، هل يمكن ذلك ام لا ؟

قال الجبائي : لا يمكن ذلك ، لأن المؤمن انما نال هذه الدرجات بالطاعة ، وليس للطفل مثلها .

قال ابو الحسن الاشعري : للطفل ان يقول له : ان التقصير ليس مني ، فلو أحييتني كنت اعمل الطاعات كعمل المؤمن .

فرد عليه الجبائي ، ان الله يقول له : كنت اعلم انك لو بقيت لعصيت ، فراعيت مصلحتك ، وأمتك قبل أن تنتهي الى سن التكليف .

ص: 83

فقال الاشعري : فللكافر اذن ان يقول له : لقد علمت حالي كما علمت حال الطفل . فهل راعيت مصلحتي مثله ، وأمتني قبل سن التكليف ، كي لا اقع في معصيتك التي تلت بها العقاب

وعندما وصل النزاع بينهما الى هذا الحد رأى الجبائي نفسه عاجزاً فأعرض عنه .

وقد اورد نظير هذه المحاورة بينهما الاسفرايني في معرض النقض على المعتزلة القائلين بوجوب الاصلح على الله سبحانه ، ويؤكد جماعة من كتاب الفرق الاسلامية ان الاشعري بعد هذه المناظرات التي جرت بينه وبين استاذه ، الجبائي قد اعتكف في بيته مدة طويلة انقطع فيها من جميع الناس ، وتفرغ للمقارنة بين آراء المحدثين ، وآراء المعتزلة

وبعد دراسة واسعة لآراء الفريقين ، وقف على جوانب النقص فيها ، وكون لنفسه رأياً وخرج على الناس ودعاهم الى الاجتماع في مسجد البصرة . وبعد الصلاة وقف خطيبا بتلك الجماهير المحتشدة ثم قال : ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي ، انا علي بن اسماعيل بن اسحاق الاشعري كنت اقول بخلق القرآن وان الله تعالى لا يرى بالابصار ، وان افعال الشر انا افعلها ، وانا نائب مقلع عما كنت اقول ، ومتصد للرد على المعتزلة ، ومخرج الفضائحهم وقد تغيبت عنكم هذه المدة ، ونظرت في الادلة فتكافأت عندي ، ولم يترجح عندي شيء ، فاستهديت الله سبحانه وتعالى فأهداني الى اعتقاد ما اودعته كتبي هذه ، وانخلعت من جميع ما كنت اعتقد كما انخلعت من ثوبي هذا .

ثم انخلع من ثوب كان عليه ، وابرز للناس ما كتبه في المدة التي احتجب فيها عن الناس ، وكان قد الف كتابه ( ( الابانة ) الذي أورد فيه المذهب الذي اتخذه لنفسه ، كما الف في الموضوع نفسه كتابين آخرين وهما الموجز ،والمقالات ، ومما جاء في كتبه التي ابرزها للناس بالاضافة الى ما تقدم ، ان

ص: 84

ديانتنا التي ندين بها ، هي التمسك بكتاب الله ، التمسك بكتاب الله ، وسنة رسوله «ص» وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث . واستطرد يقول : ونحن بذلك معتصمون ولما عليه احمد بن حنبل متبعون ولمن خالف قوله مجانبون ، لأنه الامام الفاضل والرئيس الكامل الذي ابان به الله الحق عند ظهور الضلال ، وأوضح به المنهاج ، وقمع به بدع المبدعين ، وزيغ الزائغين ، وشك الشاكين ومن ذلك يتبين ان الاشعري بعد أن اعتكف في بيته خرج على الناس مناصراً لآراء المحدثين ، وعلى الاخص احمد بن حنبل ، الخصم العنيد لمذهب الاعتزال ومع ذلك فقد لقى من الحنابلة في حياته وبعد وفاته ، عنتا وتحاملاً عليه وعلى اتباعه ، ومؤيدي افكاره وآرائه ، وقد بلغ بهم الحال انهم حاولوا ان يمنعوا الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 من دخول المسجد الجامع ببغداد ، لأنه كان يرى رأي الاشعري في الاصول الاسلامية ، كما اضطهدوا اكابر الاشاعرة في ذلك القرن ونفوهم من بلادهم .

ووقع بينهم وبين الاشاعرة قتال في شوارع بغداد ، كان منشأ تحاملهم على رجل من شيوخ الاشاعرة يدعى القشيري ، فاضطر الى الخروج من بغداد وهجرها. وكانت اللعنات تنهال على أبي الحسن الاشعري ، ونسبوا اليه بعض الآراء الشاذة ليوجهوا الرأي العام ضدهم ، ومن ذلك ان الرسول «ص» كانت نبوته في حال حياته اما بعد وفاته فقد انتهت نبوته ، ويفرد بعض الكتاب والمترجمين هذا الصراع العنيف الذي حدث بين الاشاعرة والمحدثين الحنابلة الى ان الاشعري وان تجاهر بالدعوة لمذهبهم وثانية لآراء الامام احمد شيخ الحنابلة الاول ، وخطب بذلك على منابر بغداد ، الا ان دراسته الطويلة على المعتزلة ، وانطباعاته بمناهجهم واتباعه لطريقتهم نحواً من ثلاثين عاماً أو أكثر ، هذه المدة الطويلة قد اثرت على تفكيره تأثيراً عميقاً ، وعلى جميع اتجاهاته ، فلم يستطع ان يتحرر منها ، ولذا فانه في جميع ابحاثه لم يتعبد بالحديث وحده ، ولا بالعقل وحده ، بل حاول ان يوفق بينهما .

ويبدو ذلك واضحاً من آرائه في المسائل التي كانت محلا للخلاف بين

ص: 85

المعتزلة والمحدثين . ومن أمثلة ذلك أفعال الانسان ، فالمعتزلة قد ذهبوا الى ان الانسان موجد لأفعاله . قال الغزالي في كتابه الاربعين ، « ان المعتزلة اثبتوا لأنفسهم الاختيار الكلي ، ونسبوا اليه العجز في ضمن ذلك » .

والمحدثون يدعون ان الافعال مخلوقة لله سبحانه ولا أثر للعبد في ذلك . اما الاشعري فقد ذهب الى ان الله قد خلق الاختيار في العبد بنحو الكسب ، والفعل المخلوق الله سبحانه مقارن لاختيار العبد ، من غير ان يكون للعبد قدرة مؤثرة في ذلك الاختيار ، ولا في مقارنة الفعل له .

فهو مع قوله بأن افعال الانسان من صنع الله سبحانه يقول بالكسب بهذا النحو ليصحح الثواب والعقاب فقد وافق المحدثين الذين التزموا بظاهر بعض النصوص القرآنية ، وخالفهم في القول بخلق الاختيار ، وان لم يكن مؤثراً في ایجاد الافعال .

ص: 86

ص: 87

الفرقة الثانية : -

المرجئة

لقد غلب لفظ المرجئة على فئة من الناس وقفوا من الخوارج والمعتزلة موقفاً وسطاً ، فقال الخوارج، ان العصاة كفار ، وقال المعتزلة : انهم مخلدون في النار ، وقال غيرهما : انهم مؤمنون ولم يحكموا عليهم بالعذاب ، ولفظ الارجاء يستعمل في معنيين :

الأول - التأخير ، ومن ذلك قولهم ارجأت الامر أي اخرته ، وبهذا المعنى ورد في الآية ﴿ أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين ﴾ .

المعنى الثاني - اعطاء الرجاء والفرقة التي شاع تسميتها بالمرجئة يمكن ان يكون تسميتها بهذا الاسم بلحاظ المعنى الأول ، حيث انها لم تقل بمقالة الخوارج الذين حكموا بكفر العصاة ، ولا بمقالة القائلين بأنا لا نحكم عليهم بالكفر ولا بالايمان ، ومع ذلك فهم مخلدون في النار ذلك فهم مخلدون في النار ، بل قالوا : بأنهم مؤمنون لأن الايمان عقد القلب ، والعمل ليس جزءاً منه ولا شرطاً في تحققه ، فارتكاب المعاصي لا يسلب العبد صفة الايمان .

ويمكن ان يكون تسميتهم بذلك بلحاظ المعنى الثاني ، لأن المعروف عنهم انهم يقولون لا تضر مع الايمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة . ولازم ذلك اعطاء الرجاء للعصاة ما دامت المعاصي لا تسلبهم صفة الايمان . والناس عندهم فريقان : فريق في الجنة وفريق في السعير ، وهم الكفار لا

ص: 88

غير ، أو لأنهم يؤخرون الحكم على مرتكبي الكبائر ولا يحكمون عليهم في الدنيا باستحقاق العقاب .

ويرجع الدكتور احمد أمين في فجر الاسلام ان الارجاء بمعنى الامهال والتأخير وان هذا الاسم اصبح علماً على الذين يرجئون أمر الفريقين ، الذين سفكوا الدماء ، الى يوم القيامة لا يقضون بحكم على هؤلاء ولا على هؤلاء

والذي يؤيد هذا المعنى منها هو ان كلمة المرجئة لم تعرف قبل العصر الأموي ، ولم تستعمل الا بعد ان علم من حال الخوارج انهم يكفرون العصاة سواء كانوا من الحكام ام من غيرهم. وفي مقابل هؤلاء ذهب المعتزلة ، ولم يحكموا بالكفر ولا بالعقاب في الدنيا وتركوه الى اليوم الآخر .

وفي التعليقة على مقالات الاسلاميين للاشعري ان المرجئة الذين يسمون بهذا الاسم يجزمون بأنه لا عقاب على مرتكب الكبيرة لأنه لا يضر مع الايمان ذنب .

وفي ذلك دلالة على ان الارجاء قد اطلق على فئة من الناس كانت تخالف الخوارج والمعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة ، وان كان له أكثر من معنى بحسب اللغة .

ومهما كان المراد من هذه الكلمة فالذين خالفوا المعتزلة والخوارج في حكم العصاة كان لهم شأن في النزاع القائم بين علماء المسلمين في العصرين الاموي والعباسي ، وانهم وصفوا بالارجاء لأنهم خالفوا الفريقين المعتزلة والخوارج ، وجميع المسلمين اذا صح انهم يدعون ان الايمان لا تضر معه المعاصي ، كما لا تنفع مع الكفرالطاعات، واصبحوا في مقابل غيرهم من المسلمين على اختلاف نزعاتهم وعقائدهم .

ومما لا شك فيه ان الارجاء بأي معنى اريد منه قد ظهر في القرن الأول الهجري ، اما تحديد الزمان الذي ظهر فيه فقد اختلفت آراء الكتاب فيه ، فذهب بعضهم الى انه ظهر في عصر الصحابة حينما اختلف المسلمون في عهد

ص: 89

عثمان بن عفان ، واحتجوا لذلك بما رواه ابو بكر عن الرسول «ص» انه قال ستكون بعدي فتنة ، القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي اليها ، الا فاذا نزلت فمن كان له ابل فليلحق بإبله ، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له ارض فليلحق بأرضه . فقال له رجل يا رسول الله ، من لم تكن له ابل ولا غنم ولا ارض ؟ قال : يعمد الى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج ان استطاع النجاة ، وعملا بهذا الحديث وقف جماعة من المسلمين موقفاً حيادياً من النزاع الذي نشب بين عثمان وخصومه ، وبين علي عليه السلام والخارجين عليه ، ولم يحكموا على الجميع بخير أو شر ، فكان هذا الموقف منهم البذرة الاولى لفكرة الارجاء . ولما اشتد النزاع بين الخوارج والمعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة وحكم الحكام الامويين ، وقف جماعة في مقابل الفريقين ، وقالوا : ان الجميع مؤمنون ، وأمرهم في الآخرة يعود الى الله ، ان شاء عذبهم وان شاء عفى عنهم .

والانصاف ان موقف الذين اعتزلوا النزاع القائم بين عثمان وجمهور المسلمين ، والنزاع الذي احدثه الخارجون على خلافة علي عليه السلام لا ينطبق على الارجاء بكلا معنييه ، لأن المسلمين كلهم قد اتفقوا على ان عثمان قد اخطأ في سياسته ، وتخطى الحدود التي وضعها الاسلام للحاكم ، ولم يتوقفوا في الحكم عليه بالخطأ والانحراف . ولذا وقفوا من هذا النزاع موقفاً حيادياً ، وتركوا الامر الى الثوار ، كما وان الذين اعتزلوا عليا في مواقفه مع اخصامه في البصرة وصفين والنهروان لم يشتبه عليهم الحال . ولا سيما وان عليا عليه السلام هو القائم على امور المسلمين ، ولكن موقفهم منه كان لمرض في نفوسهم ، ولأنهم يعلمون جيداً أن علياً سيواسي بينهم وب-ي-ن س-ائ-ر الناس ويؤيد ذلك ما اورده جماعة من المؤرخين من أقوال المتخلفين وآرائهم في معاويه وعثمان وكان طلحة والزبير وعائشة من اشد الناس على عثمان وأكثرهم تحريضاً عليه ، وجاء عن السيدة عائشة أنها كانت تقول : ايها الناس هذا جلباب رسول الله ولم يبل ، وقد ابلى عثمان سنته ولما استنصرها مروان ليدفع عنه الثائرين اجابت : لعلك ترى اني في شك من صاحبك ، اما والله

ص: 90

لوددت انه مقطع في غريزة من غرائزي واني اطيق حمله فاطرحه في البحر وكانت تعبر عن رأي عامة المسلمين في موقفها من عثمان ، والاحداث التي ادت الى قتله ، لأن النقمة عليه كانت عامة حتى من الذين ناصروه على الوصول الى الحكم . ولا سيما بعد ان فسح المجال لبني امية وولاهم جميع المراكز الحساسة في الدولة .

ولو فرضنا ان الفتنة التي اعتزلت القتال الذي نشب بين علي من جهة ، وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية من جهة ثانية، لو افترضنا ان الرشد لم يتضح لها في اي الجانبين ، وان تلك الفئة قد اعتزلت القتال لهذه الغاية ، لا حسداً ولا كرهاً لعلي عليه السلام ولا تهرباً من عدله فهو لا يتفق مع الارجاء بجميع معانيه سواء فسرناه بعدم الحكم على العصاة باستحقاق العقاب وتركهم الى الله ليصنع بهم ما يشاء . او فسرناه باعطاء الرجاء الذي يتفق مع قولهم لا تضر مع الایمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة ، لأن المتخلفين لم يتضح لهم عصيان احد الفريقين على حد زعمهم .

ومهما كان الحال فمما لا شك فيه ان المرجئة قد ظهروا في الاوساط الاسلامية ، وناصرهم الحكام الأمويون على اشاعتهم وانتشارها لأنها تثبت ايمانهم، وهم في امس الحاجة الى هذه الصفة ، ولا سيما في تلك الظروف التي كان الخوارج ينادون بكفر الامويين وجميع الصحابة ، والمعتزلة يرون ان الاسلام عقيدة وعمل بالفرائض وبكل ما جاء به الاسلام ، فمن لم يعمل يستحق الخلود في جهنم ، ولو كان معتقداً بكل اركان الاسلام

فالأمويون اما كفار كما يدعى الخوارج ، او مخلدون في جهنم كما يدعي المعتزلة . اما عند المرجئة فهم مؤمنون لم يخرجوا عن الايمان بالرغم من اسرافهم في المنكرات والمعاصي ، بل ذهب بعضهم الى ان الايمان لا يعتبر فيه أكثر من الاعتقاد بالله ورسوله ، وان اعلن الكفر بلسانه ، وعبد الأوثان ، ولازم اليهودية والنصرانية في دار الاسلام . واضافوا الى ذلك انه في هذه الحالة يكون من اولياء الله ومن اهل الجنة .

ص: 91

ومن الطبيعي ان تجد لهذه الفكرة انصاراً ومؤيدين من الحكام ، لأنهم لا يجدون فرقة من فرق الاسلام تمنحهم هذه الصفات التي تؤكد لهم شرعية ملكهم وتسلطهم على رقاب المسلمين مهما اسرفوا في المعاصي واستهتروا بتعاليم الاسلام ومقدماته ، ومن الغريب ان يكون الحكام انفسهم هم ابطال هذه الفكرة في العصر الذي احتدم فيه الصراع الفكري في العقائد وشاعت فيه آراء الخوارج والمعتزلة في العصاة ومرتكبي الكبائر ، ومن السهل عليهم شراء الانصار والدعاة لها من العلماء وغيرهم في ذلك العصر الذي ظهر فيه من يحكم عليهم بالكفر والخلود في نار جهنم ، أما الزمان الذي حدثت فيه هذه الفكرة على التحقيق ، فليس في المصادر التي تبحث عن الفرق وتاريخها ما يؤكد زمان نشأتها على الدقة . ويؤيد ذلك ما جاء عن بعض المستشرقين : ان البحث عن المرجئة وبدء تكوينها وتاريخها محاط بشيء من الغموض . والسبب في ذلك يرجع الى ان الدولة العباسية قضت عليهم وأفنت اصحاب هذه المقالة ، لأنهم كانوا يناصرون الامويين وجاء في التعليقة على كتاب التبصير في الدين ، ان اول من سمى من اهل السنة والجماعة بالمرجئة هو نافع بن الازرق الخارجي ، احد زعماء الخوارج في العصر الاموي. وعندما شاع بينهم ان الايمان هو التصديق بما جاء به النبي تفصيلاً واجمالاً ، ولا يحتمل الزيادة والنقصان ، لأن الجزم الذي ينعقد القلب عليه ان نقص اصبح جهلاً اوشكاً أو وهماً ، وبذلك يخرج عن حقيقة الايمان . اما العمل فهو خارج عن حقيقته .

وهذا النوع من الارجاء قد نسب الى ابي حنيفة كما في التعليقة على مقالات الاسلاميين للاشعري وقد خالفه فيه بعض الفقهاء والمحدثين واعتبروه مؤلفاً ، من ثلاثة اركان : تصديق بالجنان واقرار باللسان، وعمل بالاركان .

وقد تبين مما جاء في التعليقة على التبصير في الدين ان اسم المرجئة لم يكن قبل العصر الاموي ، وان اول من وصف الجمهور به هو نافع بن الازرق الخارجي المعاصر لأبي حنيفة ، ومعلوم ان الخوارج يكفرون في الغالب جميع مخالفيهم ، فضلاًعن مرتكبي الكبائر ، والجمهور لا يقولون بمقالة الخوارج

ص: 92

ولا بمقالة المعتزلة وانما يذهبون الى ان الايمان هو التصديق بما جاء ب-ه الرسول ، ولا يحكمون على مرتكب الكبيرة بالعقاب ويتركونه الى الله ان شاء عذبه وان شاء عفا عنه فيكون الارجاء المنسوب اليهم وسطاً بين رأي المعتزلة والخوارج . وهذا بخلاف الارجاء عند من يقول بأن الايمان لا تضر معه المعاصي كما لا تنفع مع الكفر الطاعات ، فان الارجاء بهذا المعنى يقابل رأي المعتزلة والخوارج وجميع الفرق الاسلامية .

وقد أنهى الحسن الاشعري المرجئة الى اثني عشرة فرقة وكلها تتفق على ان الايمان اعتقاد ويقين ، والعمل خارج عن حقيقته ، ولم يخالف في ذلك الا الكمرامية اتباع محمد بن كرام، فقد ذهبوا الى ان الايمان هو الاقرار باللسان دون القلب ، ورتبوا على ذلك ان المنافقين الذين كانوا على عهد الرسول «ص» مع انهم لم يؤمنوا بقلوبهم كانوا مؤمنين حقيقة كما وان الكفر هو الجحود والانكار باللسان .

وفي كتاب التبصير اللاسفرائيني ان القائلين بالارجاء قد افترقوا الى خمس فرق ، وعد منهم اليونسية اتباع يونس بن عون ، القائلون ان الايمان بالقلب واللسان، وحقيقته معرفة الله سبحانه ومحبته ، والتصديق برسله وكتبه .

والغسانية اتباع غسان المرجئي القائل بأن الايمان هو الاقرار بالله والمحبة له ، ولكن يقبل الزيادة والنقصان .

والثنوية اتباع ابي معاذ القائل بأن الايمان ما وقاك من الكفر .

والثوبانية اصحاب ابي ثوبان المرجئي ، وهؤلاء قد اضافوا الى الاقرار بالله ورسله، الواجبات العقلية واعتبروا بصحة كل ما يراه العقل من اركان الايمان .

والمرسية اتباع بشير المريسي الذي اضاف الى اقوال من ذكرناهم القول بخلق القرآن ، ويبدو من ذلك ان المرجئة متفقون على ان العمل ليس من اركان الايمان ، وانهم بذلك يحاولون تحديد معنى الايمان في مقابل الخوارج الذين

ص: 93

وقفوا في جانب والمسلمون بأجمعهم في جانب آخر ، وكفروا كل من يخالفهم فضلا عن مرتكبي الكبائر ، كما وقفوا في مقابل المعتزلة الذين اعتبروا العمل من اركان الايمان ، واثبتوا للعصاة الخلود في جهنم ، وبعد ان ظهر رأيهم في الايمان في مقابل الخوارج الذين احتكروا الايمان لأنفسهم ، والمعتزلة الذين اضافوا الى التصديق العمل بالاركان ، واصبح من جملة الآراء المنتشرة في ذلك العصر تطور كغيره من الآراء التي تبرز في بدايتها كفكرة ثم تتسع كلما اتسع البحث فيها وطال بها الزمن ، ولا سيما والفكرة من اساسها تخدم مصلحة الحكام كما ذكرنا ، ولا بد وان يساعدوا على انتشارها وتداولها وتحويرها لصالحهم ، ولذلك فقد ادعى بعضهم ان الانسان مهما فعل من الذنوب وارتكب من المنكرات لا يعذب في النار ما دام مؤمناً بالله ورسله بقلبه ولسانه ، وأسرف آخرون ، فذهبوا الى انه اقرار باللسان، ولو لم يكن معتقداً بما يقول .

وجاء في فجر الاسلام ، وقد اشتهر من شعراء بني امية بالقول بالارجاء ثابت بن قطنة ، وكان من اصحاب يزيد بن المهلب واعوانه ، وله قصيدة توضح مذهبه في الارجاء ، ويستفاد منها انه لا يحكم على احد بالكفر مهما ارتكب من الذنوب ، وان المسلمين اذا اختلفوا وكفرت كل طائفة منهم الأخرى تركناهم الى الله يحكم عليهم يوم القيامة بما يستحقون والى ذلك يشير بقوله :

ولا أرى ان ذنباً بالغ احد *** من الناس شركا اذا ما وحدوا الصمدا

يجزي عليا وعثماناً بسعيهما *** ولست ادري بحق آية وردا

الله يعلم ماذا يحضران به *** وكل عبد سيلقى الله منفردا

والارجاء الذي يدين به صاحب هذه الابيات هو الارجاء الذي يقول به ء جمهور الفقهاء ، وهو من أقرب المرجئة الى الواقع . لأنه لا ينفي العذاب عن العصاة ، ولا يقطع بعقوبتهم ، ويترك الحكم عليها الى الله وحده .

ومجمل القول ان الارجاء الذي شاع القول به في العصرين الاموي والعباسي ، وأصبح مذهباً لفريق من الناس في مقابل غيرهم من اصحاب

ص: 94

المذاهب لا يقول به الامامية ، لأن المرجئة لا يحكمون على العصاة بأي حكم من الاحكام، وبعضهم يدعي بأنهم مؤمنون منعمون في الجنة ، والامامية مجمعون على انهم فساق معذبون بذنوبهم وجاء عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام ان النبي «ص» قال : صنفان من امتي ليس لهم في الآخرة نصيب المرجئة والقدرية .

وجاء عن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام انه قال : لعن الله المرجئة لأنهم اطمعوا الفساق في عفو الله .

ص: 95

الفرقة الثالثة :

الجهمية

وهم جهم بن صفوان واتباعه حيث ذهبوا الى ان الفعل من الله سبحانه بلا تأثير ولا ارادة للعبد وقدرته فيه ولا كسب بل لا صلة لا فرق عندهم بين مشي زيد وحركة المرتعش ولا بين الصاعد الى السطح والساقط منه .

وبالجملة ان هذه الفرقة والفرقتين المتقدم ذكرهما يقولون بالجبر ونفي الاختيار والقدرة عن الانسان ولهم على ذلك أدلة من طريق العقل والنقل سوف نوردها ون-دلل على بطلانها وفي نفس الوقت نأتي بأدلة الشيعة الامامية ، والمعتزلة المؤيدة لبطلان ما ذهب اليه الفرق الثلاثة من القول بالجبر ونفي الاختيار عن الانسان .

ص: 96

ص: 97

ما هي أدلة المجبرة

ص: 98

ص: 99

لقد استدل المجبرة على القول بالجبر ونفي الاختيار والارادة والقدرة عن الانسان بالادلة التالية : -

1 - ان حين صدور الفعل من العبد اما ان يمتنع لا صدوره وهو - الجبر - اولا او لا يمتنع بل يجوز كل من الصدور واللاصدور ، وحينئذ فإما ان يتساوى الطرفان وهو مستلزم للترجيح بلا مرجح - أو يترجح جانب الصدور ، فننقل الكلام في ذلك المرجح فان لم يكن ملزماً للفعل احتاج الى مرجح آخر ولزم التسلل - وان كان ملزما لزم الجبر .

2 - ان الانسان لو كان موجداً لأفعال نفسه لكان عالماً بها - اذ الفعل الاختياري لا يقع الا عن العلم ضرورة لكن الانسان غير عالم بجزئيات فعله لبداهة ان الماشي الى مقصد لا يعلم تفاصيل الاجزاء التي بين المبدأ والمنتهى والناطق لا يعلم تفاصيل المخارج والهيئات الى غير ذلك ، فلا يكون موج-داً لأفعال نفسه . .

3 - قالوا لو كان العبد موجداً لفعل نفسه ثم اراد تحريك حجراً مثلاً واراد الله تعالى سكونه فاما ان يقع المرادان وهو باطل او لا يقع شيء منهما وهو باطل ايضاً وإما ان يقع احد المرادين وهو ترجيح بلا مرجح لغرض استقلال كل من القدرتين في التأثير .

ص: 100

4 - ان الفاعل لا بد وان يكون مخالفاً لفعله في الجهة التي بها يتعلق الفعل ، ولذا تؤثر النار في النار ، والبرد في البرد ، اذ مع التساوي لا ترجيح لتأثير هذا في ذاك على تأثير ذاك في هذا واذا تبين هذه الكلية نقول : الممكن حادث فلا يؤثر في الفعل الذي هو حدوث .

5 - ان الانسان لو كان موجداً لفعل نفسه لجاز ان يوحد الجسم ايضاً ، لأن المصحح لتعلق الايجاد بفعل نفسه هو الامكان وهو متحقق في الجسم ايضاً .

6 - ان الانسان لو كان قادراً على ايجاد فعل لكان قادرا على ايجاد مثله اذ حكم الامثال فيما يجوز واحد ، لكنا لا نقدر على ايجاد المثل من كل جهة ، ولذا يختلف خطا الكاتب ولو دقق في المرة الثانية ، فلا نقدر على ايجاد الفعل

7 - انه لو كان الانسان موجداً للافعال لكان بعض افعاله احسن من افعال الله تعالى فان الايمان فعل الانسان وخلق العقرب فعل الله تعالى والايمان احسن من خلق العقرب وسائر المؤذيات لكن التالي باطل اجماعا فالمقدم مثله .

8 - انه لو كان الايمان والطاعة من فعل الانسان لم يكن معنى لشكر الله تعالى عليهما ، لأن شكر الغير على فعل النفس قبيح لكنّ الشكر عليها حسن بالاجماع فليسا من فعلنا .

9 - قالوا ان في القرآن الكريم من الآيات ما يثيب ان الله تعالى هو خالق العباد وخالق افعالهم وان الحسنات والسيئات آية من الله وكلها من عنده ولق-د استدلوا بالآيات التالية .

1 - قوله تعالى ﴿ والله خلقكم وما تعلمون ﴾ - الصافات - 96 .

2 - قوله تعالى - ﴿ وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله ﴾ - النساء 78 .

ص: 101

3 - قوله تعالى - ﴿ وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ ابراهيم - 4 .

4 - قوله تعالى ﴿ ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ النحل 93

5 - قوله تعالى ﴿ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ﴾ .

6 - قوله تعالى ﴿ وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ﴾ .

7 - قوله تعالى ﴿ سواء عليهم أأنذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون ﴾ .

8 - قوله تعالى ﴿ سأرهقه صعوداً ﴾ .

9 - قوله تعالى ﴿ تبت يدا أبي لهب وتب ﴾ .

ص: 102

ص: 103

بطلان أدلة المجبرة

ص: 104

ص: 105

اننا فيما تقدم قد أوردنا لقارئنا الكريم بعض الادلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة وبعض الادلة العقلية على بطلان الجبر وأوضحنا بأن العاقل لا يغفل عن الفرق بين الحركات الاختيارية وغيرها ويرى نفسه مختاراً في جميع افعاله وتصرفاته ، ويستحسن بنظر العقل ان نمدح فاعل الخير والمحسن الى الناس وان نذم الظالم الجائر والمسيء لغيره فلولا ان الافعال من صنع الانسان وتصح نسبتها اليه بدون تجوز لما استحق مدحا او ذما ولذا فان الافعال التي يكون الانسان مسلوب الارادة فيها لا يستحق المتصف بهما ذما او مدحا لأنه كالآلة بالنسبة اليها .

وذكرنا ايضاً أن الله سبحانه وتعالى امر عباده بأشياء كثيرة وجعل لها حدوداً ليقف الانسان عندها وكذلك نهاهم عن اشياء ، وأراد منهم فعل ما امر وترك ما نهاهم عنه .

اما الآن فنحن مع نقض ادلة المجبرة وابطالها بالاجوبة العقلية والنقلية التالية :

1 - الجواب عن دليلهم الأول : - هو انا نختار الشق الاخير - أي كون المرجح ملزماً - ولا يلزم الجبر ، لأن الفعل بالنظر الى قدرة الانسان ممكن - وبالنظر الى داعيه واجب ، و ( الوجوب للداعي لا ينافي القدرة ) فان الوجوب

ص: 106

بالاختيار لا ينافي الاختيار بل يحققه كما لا يخفى وهذا الجواب عن الدليل حلي يعني انه جواب مولانا العلامة الحلي .

الجواب عن دليلهم الثاني : ان «الايجاد لا يستلزم العلم» فان النار تحرق بدون العلم بالاحتراق والنائم يتحرك بدون علم بذلك « الا مع اقتران القصد » فانه يستلزم العلم لكن لا يستلزم العلم التفصيلي ، ( فيكفي الاجمالي ) والعلم الاجمالي حاصل في الحركات الجزئية بين المبدأ والمنتهى ومخارج الحروف والهيئات في التكلم .

الجواب عن دليلهم الثالث : انه « مع الاجتماع يقع مراده تعالى » لأنه أقوى الارادتين وهذا هو المرجّح .

الجواب عن دليلهم الرابع : نقول في جوابه

بعد النقض بأن الله موجود ويؤثر في الوجود ان الفاعل لا يؤثر في ( الحدوث ) الذي هو « اعتباري » بل يؤثر في المهية والمهية مغايرة لنا ، وانما كان الحدوث اعتبارياً لأنه لو كان خارجياً لزم التسلسل .

الجواب عن دليلهم الخامس : - نقول في جوابه

ان و « امتناع » ، صدور « الجسم » عنا ليس لكونه ممكناً حتى يعم الامتناع بل « لغيره » أي المانع خارج وهو اما جسم والجسم لا يؤثر في الجسم لما تقدم من امتناع صدور الشيء عن مثله .

الجواب عن دليلهم السادس :

نقول في جوابه ( اولاً ) ان بعض الافعال لا يتعذر فيه المماثلة ( ثانياً ) ان تعذر المماثلة في بعض الافعال ليس بسبب عدم وقوعه تحت القدرة بل ( لتعذر الاحاطة ) بما فعلناه اولا بجميع خصوصياته هذا مضافاً الى ان الفعل الاختياري لا يستلزم كون جميع خصوصياته صادرة عن الاختيار ، فان المرتعش الذي يكتب تكون الكتابة فعله وان لم يصدر فيه جميع خصوصيات الخط ،

ص: 107

وحالنا بالنسبة الى الدقائق المكتنفة بالافعال كذلك فان الصادر منا اصل العمل لا خصوصياته القهرية والاختلاف بين الفعلين انما هي في تلك الخصوصيات ومثل هذا لا يوجب الخروج عن القدرة فتأمل .

الجواب عن دليلهم السابع :

نقول في جوابه ( لا نسبة في الخيربين فعلنا وفعله تعالى ) اذ النسبة في الخيرية انما يكون بين المتحدين نوعا وفعلنا وفعله تعالى ليس من هذا القبيل تعالى الله في افعاله وأقواله علواً كبيراً .

الجواب عن دليلهم الثامن :

نقول في جوابه : ان الشكر ليس على نفس الايمان والطاعة بل على مقدمات الايمان والطاعة من اعطاء الفهم والجوارح والهداية ونحوها .

الجواب على دليلهم التاسع :

نقول في جوابه - انه ما ورد من ادلة « السمع » مما ظاهره الجبر ( متأول ) كما لا يخفى على من راجع تفاسير الشيعة والمعتزلة وكتبهم الكلامية المبسوطة .

ومع ذلك هو « معارض بمثله » من الآيات والاخبار التي قد بيناها لقارئنا الكريم فيما سبق والتي دلّت بكل وضوح على كون نسبة الافعال الى الانسان نفسه فالآية الأولى وهي قوله تعالى ﴿ والله خلقكم وما تعلمون ﴾ معارضة بقوله تعالى ﴿ اليوم تجزون بما كنتم تعملون ﴾ والآية الثانية وهي قوله تعالى ﴿ وان تصبهم ﴾ معارضة بقوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ﴾ والآية الثالثة وهي قوله تعالى ﴿ فيضل من يشاء ﴾ معارضة بقوله تعالى ﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا اذ جاءهم الهدى ﴾ وقوله تعالى لابليس ﴿ ما منعك الا تسجد اذ امرتك ﴾ وقوله تعالى ﴿ فما لهم لا يؤمنون ﴾ الى غير ذلك من الآيات التي أوردناها بتسلسل المرقم لكي يكون القارىء الكريم على بينة من معتقده حول

ص: 108

الاختيار وبطلان الجبر .

ولا شك ان ( الترجيح معنا ) لأنه مضافاً الى اعتقاد الطائفة الثانية بالضرورة - ان التكليف انما يتم باضافة الافعال الينا والا فلا باضافة الافعال الينا والا فلا معنى لتكليف بقي علينا ان نعرف اصحاب الشبهة ربما يتمسكون لاثبات شبهتهم زيادة بما ذكروه بظواهر بعض الآيات الواردة في الكتاب الكريم وهي كما يلي :

1 - قوله تعالى في سورة البقرة ﴿ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور ﴾ .

وظاهر الآية يقتضي كونه سبحانه وتعالى هو الموجد للايمان في نفوسهم ، لأن النور هو الايمان والظلمة هي الكفر.

وقد أضاف ذلك اليه سبحانه وتعالى فيكون هو الفاعل . وبعد التأمل في الآية الكريمة يتضح انها بعيدة عما يدعيه اصحاب الشبهة المذكورة لأن النور والظلمة كما يراد بهما الكفر والايمان ، يجوز ان يراد بهما الجنة والنار وظاهرها يساعد على المعنى الاخير لهما ، لأن اخراج المؤمنين من الظلمات الى النور بعد فرض اتصافهم بالايمان كان في رتبته سابقة على الاخراج ، ولا يصح والحال ذلك ان يراد بهما غير الثواب والعقاب لأنه فرض ثبوت الايمان لهم ، ومن يثبت ايمانه يخرج من غضب الله وعقابه الى رضوانه وثوابه ، ولو اريد من النور الايمان ومن الظلمة الكفر ، يلزم التناقض في مدلول الآية الكريمة وعليه يكون مفادها ، أن المؤمن يوصف كونه مؤمناً يخرج من الكفر الى الايمان ، وخروجه من الكفر الى الايمان يقتضي كونه كافراً قبل الاخراج وقد فرضنا ايمانه كما هو نص الآية وهو تناقض ظاهر .

ويؤكد ما ذكرناه من معنى الآية قوله تعالى ﴿ والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات ﴾ فأسند اخراجهم الى الطاغوت ولازم ذلك كون الطاغوت هو الفاعل للكفر ، لو فسرنا الظلمة والنور بالكفر والايمان ولا يلتزم بذلك اصحاب الشبه ، فلا بد وان يكون المراد بالنور والظلمة

ص: 109

الثواب والعقاب في المقامين ، لأن الاخراجين من نوع واحد ، وانما نسب الاخراج الى الطاغوت ، مع ان الله سبحانه هو الذي يدخل الانسان الجنة والنار ، من حيث انه زين لهم الكفر والتمرد على المولى وصدهم عن اطاعته ، واغراهم بمعصيته ، فصحت هذه النسبة توسعاً وتجوزاً في الكلام وكما وان نسبة الاخراج من الظلمة الى النور الله سبحانه وتعالى ، لأنه رغب عبده في الطاعة وقوى في نفسه الدواعي التي تسهلها له وذلك بعد وجود بقية المقدمات .

2 - قوله تعالى ﴿ اتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعلمون ﴾ والمراد من الآية كما يزعم المجبرة ان المعنى والله خلقكم وخلق الذين تعملون اي وخلق اعمالكم الآية المتقدم ذكرها .

واذا كانت الاعمال مخلوقة لله سبحانه وتعالى ، لا يصح منه ان يعاقب عليها ، والا كان ظالماً لعباده تعالى الله من الظلم علواً كبيراً .

ولكن بعد التأمل في الآية الكريمة يتضح ان المراد بقوله : وما تعلمون هو ما يعلمونه فيه من الاحجار والاخشاب التي تتخذونها ارباباً تعبدونها من دون الله .

والمراد من الآية هو الانكار عليهم وتوبيخهم على عملهم لأنهم نحتوا الاصنام في الاحجار والاخشاب واتخذوها الهة لهم مع ان ما ينحتون فيه من مخلوقاته سبحانه وتعالى فقد عبدوا مخلوقا مثلهم .

3 - قوله تعالى ﴿ ولا ينفعكم نصحي ان اردت أنصح لكم ان كان الله يريد ان يغويكم ﴾ .

والذي يمكن ان يقال تمشيا مع المجبرة ، ان المراد بالغواية هو الضلال واذا اراد الله سبحانه ان يضل قوماً لا تختلف ارادته عن مراده ، فلا يبقى اثراً النصح الرسول وارشاده، واذا كانت الغواية منه لا يحسن منه سبحانه وتعالى العقاب عليها والا كان ظالماً لعباده تعالى الله عن ذلك ولو ان المجبرة يلتزمون بجواز الظلم وعدم قبحه لم يبق لنا نزاع معهم في هذه المسألة .

ص: 110

وبعد التأمل في الآية يظهر ان الله سبحانه وتعالى لم تقع منه الغواية ولم يردها لعباده .

وانما اخبرهم على لسان رسوله ، ان نصح النبي لا ينفع ان كان الله يريد غوايتهم ، وجواز وقوع الارادة منه سبحانه لا يدل على ان المراد بالغوايه هو التمادي في المعصية بل من القريب ان يكون المراد لها هو العقاب فيكون معنى الآية هو ان نصحي وارشادي لا يدفع عنكم العقاب ما دمتم مصرين على ما انتم عليه من الضلال والعصيان الا ان تطيعوا وتتوبوا الى ربكم من سوء اعمالكم .

وقد عبر سبحانه وتعالى عن العقاب بالغواية في اية اخرى قال ﴿ فسوف يلقون غيا ﴾ وهو مصدر مشتق من ( غوى ) .

ومهما يكن فالمراد من الآية ان نصحي وارشادي لا يدفع عنا عذاب الله وعقابه ، ما دمتم مصرين على سوء اعمالكم

وفي الأمالي للسيد المرتضى عن جعفر بن حرب ان الآية كانت في طائفة من قوم نوح تدعى بأن الله اراد غوايتهم وعدم ايمانهم به ، فنبههم الله سبحانه وتعالى على فساد مذهبهم على سبيل الانكار لقولهم اي ان الله كما يقولون وتزعمون يفعل فيكم الكفر والعصيان فما ينفعكم نصحي ولا تطلبوه مني وأنتم على هذه العقيدة الفاسدة لأنكم لا تنتفعون به ، اذا كان هو الذي يغويكم .

ويمكن ان يكون المراد بها ان النصح لا ينفع الظالم عند عقابه ونزول العذاب به ، اذ لو تاب والحال هذه لا تنفعه التوبة ولا تقبل منه ، فلا فائدة في نصحه وارشاده

4 - قوله تعالى ﴿ ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من أناب ﴾ ، وقوله تعالى ﴿ ومن يضلل الله فما له من هاد ﴾ وفي سورة الانعام ﴿ ومن شاء الله يضلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم ﴾ وغير ذلك من الآيات التي جعل فيها هداية العبد وضلاله مترتبة على مشيئة الله سبحانه وتعالى . والجواب عنها انه ليس في هذه ما يدلنا على انه تعالى قد اضل فريقاً من عباده وهدى فريقاً آخر ، بل غاية ما تدل على انه لو اقتضت مشيئته ذلك لوقع العبد في شرك العصيان

ص: 111

والخذلان من حيث قدرته على التصرف بعباده بكل انحاء التصرفات ولا يتنافى ما عليه الامامية القائلين بالعدل وعدم جواز القبح عليه سبحانه لأن قدرته على كل شيء لا يستوجب فعل القبيح تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

وثانياً - ان المراد بالضلال هو ان يسلب العبد الطافه وفوائده فيما اذا تواترت عليه الحجج والبراهين ، وبقي مصرا على طغيانه واعراضه عنها ، ففي هذه الحالة يبقيه الله على ما يختار ويمنع عنه اللطف الالهي ، والنور الذي يمكن ان يهتدي بواسطته الى الله سبحانه ولا تضر في هذه الاحوال نسبة الاضلال الى الله لأن العبد بطغيانه وتمرده كان سبباً لاعراضه عنه ، وعدم ازاحة الشر من نفسه فتركه على ما هو عليه خذلان منه سبحانه وتعالى لذلك العبد المتمرد ، فليس المراد فيها انه خلق الضلال والهداية لعباده ولأمرهم بها ، ومهما يكن الحال فجميع الآيات التي يمكن ان تكون محلاً للشبهة ليست نصاً فيما يدعون ، وظاهر بعضها وان دل على ذلك ولكن هذا الظاهر لا بد من التصرف فيه بعد قيام الدليل العقلي على عدم جواز نسبة الظلم اليه سبحانه وتعالى لا سيما وان الكثير من آيات الكتاب نص فيما تدعيه الامامية .

5 - قوله تعالى ﴿ واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً ﴾ فان هذه الآية المباركة تدل بظاهرها على ان الله سبحانه وتعالى اذا اراد ان يهلك قوماً ويعذبهم امر المترفين منهم ففسقوا وكان فسقهم مترتب على الامر فكأنه أمرهم بالفسق او أمرهم ليفسقوا ومعنى ذلك انه اراد منهم الفسق ليعذبهم عليه الفسق ليعذبهم عليه ، فلا يكون السبب في العقاب عصيان العبد المنبعث عن اختياره وتمرده على الله تعالى ، بل هو من حيث ارادته لذلك ابتداء غايته انه أمرهم بعد ان اراد عقابهم ، ليتحقق منهم الفسق فكأنه يريد ان ينتقم منهم على كل حال ولكنه يريد ان يخلق له سبباً للانتقام ، وسواء كان مفادها انه ، منه العقاب أمرهم بالفسق ، أو اراد ان ينتقم منهم فأوجد السبب لذلك ، ليصح وايا كان مفادها فلا يجوز عليه سبحانه وتعالى عن ذلك .

ويمكن الجواب عنها بأن قوله تعالى امرنا مترفيها ، ليست جواباً لقوله

ص: 112

تعالى واذا اردنا ان نهلك قرية ، بل هي صفة لأهل القرية ، فيكون مفادها واذا اردنا ان نهلك قرية صفتها كذا انا امرنا مترفيها ، ففسقوا فيها ، وخالفوا ما امرناهم به باختيارهم وارادتهم .

وعلى هذا تكون اذا بدون جواب ظاهر ، وقد استغنى عنه بدلالة الكلام عليه ، ونظير ذلك في الاستغناء عن جواب اذا لدلالة ظاهر الكلام عليه قوله تعالى ﴿ حتى اذا جاؤوها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها طبتم فادخلوها خالدین ﴾ .

وقد ورد حذف الجواب للاستغناء عنه اختصارا وعلى هذا لا تكون ارادته للعقاب سابقة على معصيتهم، بل تكون المعصية مفروضة الوجود قبل ان تتعلق ارادته بعقابهم .

ويمكن ان يكون في الآية تقديم وتأخير ، ويكون المعنى على هذا الوجه اذا امرنا مترفي القرية بالطاعة وفسقوا اردنا هلاكهم وعقابهم . نظير قوله تعالى ﴿ يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم ﴾ مع أن الغسل انما يجب قبل القيام الى الصلاة ، والمراد منها هو الامر بغسل وجوههم وايديهم عند القيام للصلاة .

وهذا النحو من التصرف بعد وجود الشاهد عليه ، لا يتنافى مع ظاهر الآيات الكريمة .

اذا عرفت يا قارىء الكريم ما أوردناه من الادلة العقلية والنقلية القاضية والحاكمة بنقض ادلة المجبرة وبطلانها فعليك ان تستزيد انارة بما سوف نورده اليك من البيانات المعقولة بالوجوه التالية

1 - ان الله تعالى قال في كتابه المبين ﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ﴾ وقال تعالى ﴿ ولو انا اهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولاً فنتبع اياتك ﴾ فقد تبين انه تعالى ما ابقى اليهم عذر الا وقد ازاله عنهم ، فلو كان علمه تعالى بكفر من كفر من عباده

ص: 113

مانعا له من الايمان او كان علمه بفسق من فسق من عباده مانعاً له من الطاعة لكان ذلك من اعظم الاعذار ، واقوى الوجوه الدامغة لاستحقاقهم للعقاب ، والتالي باطل فكذا المقدم .

2 - ان الله تبارك وتعالى ذكر في مقام الذم والزجر والتقبيح قوله تعالى ﴿ ان الذين كفروا سواء عليهم ﴾ فلو كان ممنوعين من الايمان غير قادرين عليه لما استحقوا التقبيح البتة بل كانوا معذورين كالاعمى في ان لا يرى .

3 - ان القرآن انزل ليكون حجة الله ولرسوله لا ان يكون حجة لهم على الله ورسوله ، فلو كان العلم والخبر مانعين لكان لهم ان يقولوا انا كفرنا لسبق القضاء على كفرنا وترك المقضي مستحيل ، فلم يطلب المحال منا ولم يأمرنا بالمحال .

4 - انه لو كان علمه السابق بعدم الايمان مانعاً عن الايمان لوجب ان لا يكون الله تعالى قادراً على شيء اصلا والتالي باطل فكذا المقدم ، بيان الملازمة ان الذي علم وقوعه واجب ، والذي علم عدم وقوعه ممتنع ، وشيء من الواجب الممتنع لا يكون مقدوراً اذا المصحح للمقدورية هو الا كان دون قسميه .

5 - ان الامر بالمحال سفه وعبث فلو جاز ورود الشرع به لجاز وروده بكل انواع السفه فما كان يمتنع وروده باظهار المعجزة على يد الكاذب فلا يبقى وثوق بصحة النبوات ولا صحة القرآن وسائر الكتب بل يجوز ان يكون الكل سفها وباطلا .

6 - لو جاز ورود الأمر بالمحال لجاز الأمر للأعمى برؤية ما في السماء والزم بالطيران في الهواء ولو جاز ذلك لجاز بعثة الانبياء الى الجمادات والعجماء وانزال الكتب والملائكة عليها لتبليغ التكاليف حالا بعد حال ، ومعلوم ان ذلك سخرية وتلاعب بالدين .

ولا شك ان الله تعالى امر عباده بالايمان فكيف يأمرهم بالايمان وقد

ص: 114

منعهم عنه ، وينهاهم عن الكفر وقد حملهم عليه ، وكيف يصرفهم عن الايمان ثم يقول ( أنى يصرفون ) ويخلق فيهم الكفر ثم يقول ( فانى يؤفكون ) وان شاء فيهم الكفر ثم يقول ( لم تكفرون ) وخلق فيهم لبس الحق بالباطل ثم يقول ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) وصدهم عن السبيل ثم يقول ( لم تصدون عن سبيل الله ) وحال بينهم وبين الايمان ثم يقول ( وماذا عليهم لو آمنوا) وذهب بهم عن الرشد ثم قال ( فأين تذهبون ) وأضلهم عن الدين حتى اعرضوا ثم قال ( فما لهم عن التذكرة معرضين ) وغيرها من الآيات الدالة على ان التكليف بما لا يطاق لم يقع قال تعالى ﴿ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ﴾ وقال وما جعل عليكم في الدين من حرج - وقال تعالى ﴿ ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم ﴾ وأي حرج ومشقة فوق التكليف بالمحال .

7 - نقول لمن ادعى نفي الاختيار عن العبد وانه مجبور في افعاله وأقواله اننا ما نعرف حقيقة الجبر للانسان الا اذا كان الانسان مختاراً فجبره غيره ومنعه من اختياره .

8 - نقول لمن ادعى نفي الاختيار انه لو كان كما زعمتم : ان لا فاعل في العالم سوى الله تعالى لزم ان يكون الله تعالى قد ارسل الرسل الى نفسه وأنزل الكتب على نفسه وكل وعد وعيد وتهديد صدر على لسان الملائكة والانبياء والاوصياء وفي كتبه فانه يكون على قول المجبرة قد وعد بذلك نفسه وتوعده-ا وتهددها واذا جاز عند الاشاعرة الا باعرة على الله تعالى ان يضل العباد ويجبرهم على الفساد ويلبس عليهم بالمحال ويصدق الكذابين بالمعجزات ويظهر الدلالات الباهرات على ايدي المبطلين فكيف يمكن اثبات نبوة نبي وصحة شريعته .

واطرحوا هنا النصوص قاطعة *** وأولوا تعليلها بالعاقبة

وما دروا ان لهذا المعتقد *** لوازماً تفضح م-ن ل-ه اعتقد

أدلة يأخذها بقوة *** ذو الكفر في ابطاله النبوة

من حيث ان المعجز الحقيقي *** ان لم يكن لغاية التصديق

ص: 115

فأي برهان على صدق النبي *** وأي حاسم لدعوى الكذب

9 - يجوز على قواعد المجبرة وعقائدهم بل صرحوا به ان يجمع الله تعالى مع عدله وحكمته الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين وعباده الصالحين فيخلدهم في الجحيم والعذاب الأليم ابد الابدين ويجمع الكفار والملحدين والزنادقة والمنافقين وابليس والشياطين فيخلدهم في الجنة والنعيم ابد الابدين ويزعمون لعنهم الله ان ذلك من الانصاف والعدل لأنه يتصرف في ملكه كيف يشاء قبحهم الله تعالى قال تعالى وما قدروا الله حق قدره ان هذا الاعتقاد باطل بدلیل قوله تعالى ﴿ وما يستوي الاعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الاحياء ولا الاموات ﴾ وبدليل قوله تعالى أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ﴾ وبدليل قوله تعالى ﴿ ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ﴾ هذه المجموعة من الآيات الكريمة تبين للقاريء الكريم فساد

معتقدهم .

10 - ان الشيطان اعترف بأنه أظل الكافرين والفاسقين كما حكى الله تعالى عنه بقوله تعالى ﴿ ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فأستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ﴾ مضافاً الى ان الله تعالى شهد بذلك حيث قال تعالى : ﴿ الشيطان سول لهم وأملى لهم ﴾ ومع ذلك فان المجبرة نزهوا الشيطان عن اعترافه بأضلالهم وغرورهم وقالوا : ما أضلنا الا الله وردوا شهادة ربهم ونسبوا قبائح افعالهم الى الله - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

11 - اعتراف المجبرة على انفسهم يوم القيامة بخلاف معتقدهم في الدنيا ﴿ وقالوا ربنا انا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيراً ﴾

ص: 116

والحال انهم في دار الدنيا يعتقدون ان الله هو المضل لهم ، وتارة ينسبون اضلالهم الى الذين اضلوهم وقالوا : ﴿ ربنا ارنا الذين اضلانا من الجن والانس نجعلهما تحت اقدامنا ليكونا من الاسفلين ﴾ .

11 - قال الله تعالى ﴿ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ﴾ فاذا كان الله تعالى هو الذي قتل المؤمن كما يزعم المجبرة - فلمن يهدد ؟ ولمن يلعن ؟ وكذا قوله تعالى ﴿ فلما آسفونا انتقمنامنهم ﴾ .

13 - قال الله تعالى ﴿ انا خلقنا الانسان نطفة من امشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا انا هديناه السبيل اما شاكراً وإما كفوراً ﴾ وسمحة الاختيار للانسان واضحة في هذه الآية فهي تقرر ، ان الانسان قادر على فعل الخير وفعل الشر ، وانه يستطيع ان يشكر نعمة الهداية الالهية بحرية ويؤدي واجبه على أحسن صورة ويكفر بالنعمة وينحرف عن طريق الحق والاستقامة والآية الكريمة في نفس الوقت قاضية ببطلان ما يزعمه المجبرة .

14 - نقول للمجبرة انكم تزعمون ان الناس مجبورون في أقوالهم وأفعالهم وبموجب هذا الزعم يلزمكم ان لا تنكروا على من يظلمكم ويشتمكم ويأخذ اموالكم لأنه مجبور فيما يفعل ويلزمكم ان لا تذموه ولا تبغضوه ولا تقولوا عنه أنه ظالم ولو فعل ما فعل. ومن هنا يظهر لقارئنا الكريم التناقض في أقوال هؤلاء فان احدهم لا يزال يذم هذا ويبغض هذا ويخالف هذا حتى ان الذي ينكر عليهم يبغضونه ويعادونه وينكرون عليه فتبين بطلان مذهبهم وان زعمهم فاسد لا يقبله العقل والشرع .

ولأهل الجبر اضاليل *** وعدول عن نهج السبل

زادوا قدماء ثمانية *** غير الاحد الباقي الازلي

ورأوا ايجاب القادر في *** ايجاد الاوصاف النبل

وعزوا كل الافعال له *** لا بال ببية للعلل

ص: 117

بل بالتأثير مباشرة *** فی الجيد منها والرذل

فيقال لهم لا فرق اذن *** بين الكفار ولا الرسل

وكذا لا فرق اذن بین *** القرآن وانشاد الغزل

وعبادة عباد الازلي *** وعبادة عباد الهبل

ايلوم الناس على ماليس *** لهم فیه من مدخل

ويعاقبهم والفعل له *** وهم براء من العمل

جل العدل المتعالي عن *** دعوى من ضل من الملل

15 - نقول بالاضافة الى ما ذكرناه في جواب الآيات المتقدمة التي مرّ ذكرها والتي قد استدل بها المجبرة على الجبر ان هذه الآيات وغيرها من الآيات التي وردت فيها كلمة ( الهدى والضلال ) قد فسرت على الوجه الصحيح المطابق للحقيقة والواقع ، ولا اظن هناك من درس اللغة وعرف معاني الفاظها المترادفة لا سيما كلمة - الهدى والضلال - لا يعرف أن لفظة الضلال وكلمة الهدى الواردة في القرآن الكريم لم تستعمل بمعنى الخروج عن الحق وان الله تعالى هو الذي يجبر العباد على الهدى والايمان ، وقد قدمنا لقارئنا ما يدل على ذلك فيما سبق وبالاضافة الى ما ذكرنا نقول ان الله تبارك وتعالى يقول في الآية المتقدمة ﴿ الله خلقكم وما تعلمون ﴾ ان هذه الآية الكريمة وردت في سياق الآيات المدرجة في سورة ( الصافات ) من آية 82 الى آية 96 - في احتجاج النبي ابراهيم عليه السلام على قومه الذين كانوا ينحتون الاصنام ويعبدونها من دون الله تعالى وهي :

﴿ وان من شيعته لابراهيم اذ جاء ربه بقلب . اذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون . أئفكا الهة دون الله تريدون. فما ظنكم برب العالمين . فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم فتولوا عنه مديرين فراغ الى الهتهم فقال الا تأكلون .مالكم لا تنطقون ، فراغ عليهم ضرباً باليمين فاقبلوا عليه يزفون قال اتعبدون ما تنحتون . والله خلقكم وما تعلمون . قالوا ابنوا له بيتا فألقوه في الجحيم » .

ان كل من اوتي من الفهم والادراك علم من سياق هذه الآية ان ابراهيم

ص: 118

عليه السلام بعد ان اختبر عبادة قومه راح يسخر من آلهتهم التي نحتوها بأيديهم ويقول لهم الا تأكلون ما لكم لا تنطقون ؟ ثم عمد اليها وكسرها بيده اليمنى وحطمها في غياب قومه ، ولما اقبلوا اليه ووجدوه ق-د هشم اصنامهم قال لهم ابراهيم على سبيل الاستنكار ، اتعبدون ما تنحتونه بأيديكم ، والله خلقكم وخلق المادة التي نحتم منها اصنامكم فأنتم وما تعبدون من هذه الاحجار التي صيرتموها اصناماً هي من خلق الله تعالى مستنكراً على قومه اتخاذ المخلوقات خالقاً ومعبوداً وليس في الآية ما يدل على ان الله تعالى هو الذي خلق الاحجار الهية وأجبر قوم ابراهيم على عبادتها بدليل قوله تعالى اتعبدون ما تنحتون اي انكم تعبدون ما ايديكم وصير تموها آلهة من دون الله .

يضاف على ما تقدم ان ابراهيم عليه السلام كان في مقام محاججة قومه وانه كان يستنكر عليهم عبادة الاصنام من دون الله .

قوله تعالى : - ﴿ قل كل من عند الله ﴾ ان هذه الآية الكريمة ﴿ وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله ﴾ فان هذه الآية التي استدل بها المجبرة وغيرهم في اثبات الجبر ، وقالوا ان السيئات والحسنات كلها من عند الله ، استدلال باطل وليس في الآية للمتأمل فيها أي دليل على زعمهم ، وللدليل على ذلك يجب علينا الرجوع الى اللغة العربية لنعرف من قاموسها معنى - الحسنة والسيئة - .

ان الحسنة في اللغة لم تنحصر في معنى الطاعة والايمان وهكذا السيئة لم تكن بمعنى المعصية والكفر والشر ، ان للحسنة في اللغة معان أشهرها - النعم - والرخاء - والرحمة - والخير - والشيء الحسن . ومن معاني السيئة القحط والكوارث والحوادث السود والمحن والعذاب .

وقد ورد في القرآن الكريم ما يؤيد ذلك منه قوله : تعالى ﴿ ان تمسكم حسنة تسوءهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها ﴾ آل عمران 119 فالحسنة هنا بمعنى النعمة والسيئة بمعنى المحنة وقوله تعالى

ص: 119

﴿ ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ﴾ الرعد - 6 - فالسيئة هنا وردت بمعنى العذاب والحسنة بمعنى الرحمة فلا يريدون ان يؤمنوا لتشملهم الرحمة ولا يريدون الانتظار لربما تابوا قبل يوم القيامة وشملهم الغفران . بدليل ما جاء بعد ذلك في آخر الآية ﴿ ﴿ وقد خلت من قبلهم المثلات ﴾ اي العقوبات التي نزلت على من سبقهم من المسخ والخسف - « وان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وان ربك لشديد العقاب » .

وقوله تعالى - ﴿ ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ﴾ اي الكلام المقبول الحسن المقنع للخصم لكي يؤمنوا - النحل - 125 - وقوله تعالى ﴿ ولقد اخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ﴾ .

فإذا جاء بهم الحسنة قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن مع- الا انما طائرهم عند الله ولكن اكثرهم لا يعلمون - الاعراف 131 - الحسنة في الآية الكريمة بمعنى الخير والنعم والرخاء ، والسيئة بمعنى القحط والبلاء - بدليل قوله تعالى - ولقد اخذنا آل فرعون بالسنين - اي القحط ونقص من الثمرات ان الآية وأخذنا آل فرعون الخ - تفسر لنا على طريقة القرآن يفسر بعضه بعضاً ، الآية الكريمة الموضوعة البحث ، وهي - وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك - قل كل من عند الله .

هاتان الآيتان نزلتا في وصف السفهاء والمنافقين من قوم موسى عليه السلام وقوم محمد «ص» وهما يحكيان صورة واقعية لسفه القومين .

والآيتان تفسران معنى واحداً ، فالقائلون لموسى عليه السلام كما في الآية الكريمة هم آل فرعون ولا يبعد ان يكونوا من بني اسرائيل الذين كانوا من زمرة آل فرعون وعلى هذا التقدير يكون القائلون لمحمد «ص» كما في الآية ايضاً من بني اسرائيل آخذاً اللاحقون منهم عن السابقين اسلافهم هذا القول ، لأن زمرة المنافقين في عهد رسول الله «ص» كانوا من اليهود ومن حالفهم على النفاق ، وان مقدمة الآيتين والحوادث التي نزلت بها هاتان الآيتان تكشف لنا

ص: 120

معنی الحسنة والسيئة في الآيتين .

تصدرت الآية التي نزلت في السفهاء في عهد موسى عليه السلام قوله تعالى ﴿ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص في الثمرات لعلهم يذكرون فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه ﴾ اي اذا حلت فيهم البركات واصابهم الرخاء قالوا هذه بسبب ما نحن عليه من عبادة فرعون ، وأصنامنا ، وان نزلت بهم كارثة القحط والمحن والبلاء قالوا هذه بسبب موسى عليه السلام ومن آمن معه فتطيروا وتشاء موا من وجودهم وزعموا ان ما اصابهم كان شؤم موسى واتباعه - فقال الله تعالى - ﴿ انما طائرهم عند الله ﴾ أي ان الذي يتشاءمون منه لم يكن من وجود موسى ومن معه ولا البركات والخيرات التي يتنعمون بها هي من صنع فرعون وآلهتهم وانما هي من فعل الله تعالى فهو الذي اصابهم بالقحط والسنين والنقص في الثمرات لعلهم يذكرون بطشه فيخافون من عذابه ويتوبون اليه وهو الذي ينعم عليهم بالحسنات .

اما الآية الكريمة التي نزلت في السفهاء والمنافقين من قوم محمد «ص» فقد سبقتها آیات ارتبطت بعضها ببعض وكشفت عن تفسير قوله تعالى ﴿ قل كل من عند الله ﴾ وهي ﴿ الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم وأقيموا الصلوات وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا الى اجل قريب ، قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ، اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ، وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ، قل كل من عند الله - فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً ﴾ النساء 77 - 78 - 79 .

فكما خبر الله تعالى كان امر المنافقين والسفهاء في عهد رسول الله «ص» وذلك لما أمر النبي «ص» اصحابه بجهاد المشركين والكافرين عظم الامر على فريق المنافقين ، ووجدوا في حرب المشركين كارثة مؤلمة سيئة لأنهم كانوا

ص: 121

يخشونهم اشد خشية من الله ، فراحوا يماطلون في جهادهم ويطلبون تاجيل الحرب والقتال ، ويعارضون امر الجهاد الذي كتب عليهم لأنهم لا يريدون جهاد الكافرين ، ولأنهم كانوا يخادعون الله في اسلامهم ، كما وصفهم الله تعالى - واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء واعتبروا جهاد الكافرين كارثة حلت بهم بسبب رسول الله «ص» فجابهوا النبي «ص» بما جابه السفهاء به موسى في عهده وزعموا ان كل خير ينزل عليهم هو من الله وكل سوء او كارثة تصيبهم هو من عند رسول الله «ص» ففضح الله تعالى ايمانهم الكاذب ونفاقهم ورد زعمهم بقوله قل كل ما يصيبكم من خير ومن سوء بسبب القتال هو ما حكم به الله تعالى وأمر به لأنه امر الجهاد من اوامر الله تعالى امر به عباده لنشر الاسلام واعلاء كلمة الدين الذي اراد الله تعالى له ان ينشر ، فالحرب وان كانت كارثة تسبب القتل الا ان في قتل البعض ما يصلح أمر الناس وللمقتول في سبيل الله الاجر العظيم، فالذي لا يقتل في سبيل الله فسوف يدركه الموت اينما كان ، والموت في سبيل الله واصلاح الناس والحفاظ على سعادة المجتمع غاية كل عاقل في الدنيا ، فالذي اعتبره المنافقون سيئة لم تكن في الواقع الا حسنة لأن الله تعالى منزه عن فعل السيئات كما اشار الى ذلك بقوله - ﴿ ما اصابك من حسنة ﴾ اي خير ونعمة وسعادة وهدى فهو من الله تعالى ﴿ وما اصابك من سيئة ﴾ اي شر او سوء فهو من نفسك وبذلك اعلن الله لعباده انه لم يفعل السوء والشر وان فعل الشر والقبيح هو من فعل الناس .

ومما يدل على ان المقصود من الحسنة في الآيتين النعم والخير والرخاء والمراد من السيئة الكوارث والقحط والوباء ، هو ان النعم والخير والقحط والحوادث المؤلمة هي ما تصب الانسان من الغير والطاعة والمعصية والكفر والايمان هو ما يصدر من الانسان نفسه والفرق بين ما يصيب الناس وما يصدر عنهم واضح .

وأما الجواب عن قوله تعالى - وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل من يشاء ويهدي من يشاء ان هذه الآية وغيرها من الآيات التي تشير

ص: 122

الى ان الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء والتي تستدل بها المجبرة ومن قال بالجبر على ان الله تعالى هو المضل وهو الهادي وليس للعبد ارادة واختيار في ذلك خلافا لمفاهيم تلك الآيات .

ان الجواب عنها جميعا يتوقف على معرفة معنى الهدى والضلال الذي كثر استعماله في القرآن واننا فيما تقدم ذكرنا لقارئنا ان الشيعة الامامية والمعتزلة وأهل العدل جميعا ينكرون على الاشاعرة والمجبرة دعوى - الجبر - وقالوا ان الله تعالى لم يجبر عباده على افعالهم ولم يكرههم على اعمالهم وان العبد فيما يفعل ويعمل مختار وله ارادة ان شاء فعل وان شاء لم يفعل وليس هناك من يرغمه ويجبره على فعل الحسن او القبيح لأن من صفات الله تعالى انه حكيم - والحكيم لا يريد ما يكره ولا يكره ما يريد ، لا يأمر بما ينهى عنه ولا ينهى عما امر به ، وانه لا يرضى لعباده الكفر والشر والظلم والفساد ، كما وان-ه تعالى - غني - والغني لا يحتاج الى عمل القبيح الذي منه الضلال والاضلال ، وكونه عالماً يعلم فساد فعل الشر والضلال .

ولا جدال بين المسلمين ان الله تعالى هو الهادي لعباده وان فعل الهداية واجب عليه كما بينه علماء الكلام في كتب الاعتقادات .

فالله تعالى لم يكلف عباده بشيء قبل ان يهديهم الى فعله ، ولم يحذر عباده عن شيء الا ابان لهم فساد ما حذرهم عنه ، وما في القرآن الكريم خير دليل على ذلك - كقوله تعالى - ﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾ الاسراء -

15 - ، وحيث ثبت الهداية من الله تعالى يبطل فعل الاضلال منه ، لأن الهادي لا يكون مضلاً ، والمضل لا يكون هادياً ، ومن اراد الهداية لعباده لا يريد لهم فعل الضلال ، وان نسبة الضلال والهدى الى الله تعالى معايوجب التناقض في صفاته مع العلم انه تعالى قادر على كل شيء ، وان قدرته على كل شيء لا تنافي امتناعه عن فعل الضلال لأن قدرته لا تلزمه ان يفعل كل شيء يقدر عليه ، فليس كل قادر ملزماً بفعل كل ما يقدر عليه ، فالحاكم العادل في وسعه ان يظلم

ص: 123

لأنه لم يكن مجبوراً على فعل العدل وامتناعه عن الظلم لم يكن عن عجز وعدم قدرة وانما المانع له قباحة فعل الظلم وحسن العدل والله تعالى وهو القادر على فعل الظلم اجل وارفع واعلى من ان يرتكب الظلم مع قدرته عليه لقباحة فعل الظلم ، وان من اتصف بالضلال تارة وبالهدى اخرى لا يثق احد في كلامه وأمره ونهيه ولا تجب طاعته .

ولكي يكون القارىء الكريم على بصيرة من معنى الهدى والضلال ، نرجع به الى اللغة لتعرف معنى الهدى والضلال في قاموس اللغة ان للضلال معان كثيرة .

منها - النسيان - كما ورد في القرآن الكريم ﴿ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى ﴾ اي ان نسيت احداهما - فكلمة - ان تضل - استعملت بمعنى النسيان - سورة البقرة آية رقم 282 . منها ﴿ البطلان - كقوله تعالى والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل اعمالهم ﴾ اي لن يبطل الله تعالى اعمالهم محمد - آية رقم 4 .

ومنها - الحيرة - كقوله تعالى ﴿ ووجدك ضالا فهدى ﴾ سورة الضحى 7 أي حيرنا لا معين لك ولا نصير فكفلك عمك ابو طالب ونصرك .

ومنها - الضياع - كقولك ضلت ناقتي وضللت عن الطريق - اي ضاعت ناقتي وتاهت وضعت عن الطريق .

ومنها - الموت والهلاك - كقوله تعالى - ﴿ وقالوا إذا ضللنا في الارض إنا لفي خلق جديد ﴾ - السجدة - آية - 10 - اي متنا وهلكنا .

ومنها العذاب - كقوله تعالى ﴿ ان المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ﴾ القمر - 47 اي في القمر - 47 اي في عذاب وسعير فالضلال ، لم ينحصر في معنى الخروج من الحق والكفر بالله والفساد في الارض ، فكل

ص: 124

ما ورد في كلمة الضلال في القرآن منسوبة الى الله تعالى لا يتعدى معنى النسيان والهلاك والعذاب والضياع في الآخرة ، وهو ما يصيب الكفار والمجرمين والفاسقين - ان المجرمين لفي ضلال وسعر - وما يضل به الا الفاسقين - والله تعالى وهو يذم ابليس على اضلاله الناس بقوله - ولقد اضل منكم جبلاً كبيراً - ويذم فرعون لأنه اضل قومه بقوله تعالى . ﴿ ولقد اضل فرعون قومه ﴾ وما هدى - وذم السامري بقوله تعالى ﴿ وأضلهم السامري وقال لهم هذا إلهكم واله موسى ﴾ والله اجل من ان يضل عباده عن طريق الايمان والخير والهدى .

أما كلمة الهدى والاهتداء والهداية الواردة في القرآن فهي بمعنى الثواب والدليل والارشاد فبمعنى الثواب قوله تعالى ﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم ﴾ اي يثيبهم بإيمانهم ويهديهم طريق الجنة .

والهدى بمعنى الدليل والارشاد قوله تعالى ﴿ فاتبعني اهدك صراطا سويا - وهديناه النجدين - اهدنا الصراط المستقيم ﴾ اي دلنا وارشدنا .

فالهداية الالهية واجبة على الله تعالى لأنها من مستلزمات التكليف وشروطه ولأن المكلف - بفتح اللام - يجهل ما يريده منه - المكلف - بكسر اللام - وما يرتضي عمله ولولا هداية الله تعالى العباد الى طاعته واقامة الدليل على طريقة عبادته لما صح التكليف ولما عرف المكلف كيف يعبد الله ويرضيه ، فكان من امر الله تعالى ان ارسل النبيين مبشرين ومنذرين ليرشدوا الناس اليه وليوضحوا لهم سبيل العدل والخير ، والسعادة مصداقاً لقوله تعالى - ﴿ انا هديناه السبيل اما شاكراً وأما كفوراً ﴾ وقوله تعالى - ﴿ وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ﴾ وقوله تعالى - ﴿ وانك تهدي الى صراط مستقيم ﴾ وقوله تعالى - ﴿ ولقد جاءهم من ربهم الهدى ﴾ وقوله تعالى ﴿ شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ﴾ وقوله تعالى - انا ﴿ هديناه النجدين وقوله تعالى ﴿ قد تبين الرشد من الغي ﴾ وفي

ص: 125

القرآن الكثير من الآيات الدالة على ان الله تعالى قد أوضح السبيل الى طاعته وحذر العباد عن معصيته .

واذا عرفت ايها القارىء الكريم معنى الهدى والضلال ، وعرفت ان الله تعالى منزه عن فعل القبح بجميع انواعه ومنه الاضلال هلم نبحث عن الآيات التي تمسك بها المجبرة من الاشاعرة وغيرهم وقالوا انها دلائل على الجبر - وان الله تعالى هو الهادي وهو المضل والعياذ بالله تعالى .

من تلك الآيات قوله تعالى ﴿ وما ارسلنا من رسول ﴾ الآية المتقدمة .

قالت - المجبرة - ان هذه الآية تدل على ان فعل الضلال من الله تعالى كما ان منه فعل الهدى ولو رجعنا الى الآية التي سبقت هذه الآية لما وجدنا دليلا على ان الله تعالى هو المضل كما زعمت المجبرة يقول الله في آية 3 من نفس السورة ﴿ الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله من آمن ويبغونها عوجا اولئك في ضلال بعيد ﴾ آية - 4 - وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل من يشاء ويهدي من يشاء .

يفهم من سياق الآيتين ان الله تعالى بعد ان ذم الذين يستحبون الحياة الدنيا وفضلوا متعها على متع الحياة الآخرة وصدوا الذين آمنوا عن سبيل الله وحملوهم على السبل المعوجة .

احتج الله عليهم بأنه ارسل اليهم من يكلمهم بلسانهم ويبين لهم آياته واحكامه وتعاليمه ممن آمن به وبرسوله وصدق ما جاء به فان الله سيثيبه ويؤجره علی ایمانه وطاعته ومن كفر به وکذب رسوله فانه سیهلكه ويعذبه فالضلال في الآية المباركة - 4 - بمعنى العذاب والهدى فيها بمعنى الثواب - والضلال في الآية رقم - 2 - السابقة بمعنى الخروج عن الحق ، وقد تقدم ان الضلال يأتي بمعنى العذاب والهلاك - والهدى يأتي بمعنى الثواب والذي يؤكد ان الضلال في

ص: 126

الآية الرابعة بمعنى العذاب والهدى فيها بمعنى الثواب هو ما جاء في آخر الآية - وهو العزيز الحكيم - فلو كان الضلال بمعنى الكفر لما وصف تعالى نفسه بالحكيم لأن من مستلزمات الحكمة كما تقدم ان لا يفعل الحكيم ما ينهي عنه ، ولا خلاف من أن الله تعالى نهى عن الكفر ، ولو كان فعل الهدى والضلال من الله تعالى وانه يجبر بعض الناس ان يكونوا مهتدين والآخرين يكرههم على الضلال والكفر دون أن يكون لهم ارادة واختيار في ذلك كان ارسال الرسول سواء بلسان قومهم او بلسان غيرهم باطلاً ولا أثر يترتب على بعثهم وارسالهم وعلى هذا لم يبق للمجبرة دليل على دعواتهم . واما الجواب عن قوله تعالى : ﴿ ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون ﴾ النحل - آية 92 . نقول مضافاً الى ما ذكرنا آنفاً من بطلان الاستدلال بهذه الآية على الجبر ان في هذه الآية احسن دلالة على خلاف ما زعموه لأنها تثبت الاختيار وتنفي عن الله تعالى فعل الجبر والاكراه ، بدليل قوله تعالى ﴿ ولو شاء لجعلكم امة واحدة ﴾ عن طريق الجبر والارغام . وان عدم جعل الله تعالى الناس وتكوينهم امة واحدة خير دليل على الاختيار لا على الجبر كما يقول المجبرة ، لأن مشيئة الله تعالى اقتضت ان يكلف عباده على طاعته واتباع اوامره على وجه الاختيار الذي هو من شروط التكليف ، فمن اختار الایمان به تعالی اهتدى، اي استحق الثواب كما اوعد الله ، ومن اختار الكفر بالله تعالى فقد ضل ، اي استحق العذاب والعقاب كما اوعد الله ، وقد تقدم ان من معاني الهدى - الثواب - ومن معاني الضلال - العذاب والعقاب .

2 - لنا أن نسأل المجبرة اذا كان الله تعالى اجبر بعض عباده على الايمان . وأكره بعض الاخر على الكفر ، فما هو وجه السؤال في قوله تعالى ولتسئلن عما كنتم تعملون ؟ ايسألهم عن فعل فعلوه بارادتهم وعمل اختاروه بأنفسهم ام يسألهم عن فعل خلقه هو لفهم وأجبرهم بقدرته وقوته على عمله ؟ والجواب لا يخرج من وجهين ، اما ان يكون السؤال عن عملهم الذي عملوه باختيارهم فيبطل بذلك الجبر ويثبت الاختيار - واما ان يكون السؤال عن افعال ارادها لهم

ص: 127

وأجبرهم على القيام بها - فعلى هذا لا وجه للسؤال اذ هو العالم بكل شيء والفاعل لكل شيء فلا العالم بالشيء يحتاج أن يسأل عنه ، ولا الفاعل للشيء يحتاج الى من يعلمه فعله الذي تم على يده، ثم اليس هو الفاعل والعامل والخالق الا فعال عباده من خير وشر وحسن وقبيح والعباد مجبرون على تنفيد ما اراده لهم ، فما هو الشيء الذي يترتب على سؤال العباد من المسؤولية التي نفاها الله تعالى عن المكره والمرغم على فعل الشيء بقوله تعالى - ﴿ من كفر بالله من بعد ايمانه الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم النحل آية - 106 - ﴾ ان نفي المسؤولية عن الكره وعدم شموله لغضب الله وعذابه واضح في هذه الآية التي إستثنت المكره على الكفر من الذين كفروا بالله عن قصد وعمد ، وعلى ضوء هذه الآية اشترطت القوانين العادلة في الدنيا القصد وسبق الاصرار في ارتكاب الجرائم ، وعلى ضوء هذه الآية نقول للمجبرة اذا كان الله تعالى هو الذي يكره العباد على المعاصي ويكرههم على فعل الشر والظلم لا يصح عقابهم لأنهم مكرهون على ذلك وبالاخير يجب على الله تعالى ان يمحو من مخلوقاته جهنم التي اعدت للكافرين والمجرمين ، او ينسحب المجبرة من قولهم، ان الله تعالى يجبر عباده على فعل الشر والكفر ويقولون

بالاختيار .

ان الآيات التي سبقت ولحقت الآية الموضوعة البحث - ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء - كلها تدل على عدم الجبر واثبات الاختيار .

يقول الله تعالى في آية - 90 و - 91 - السابقتين على آية ﴿ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .

ص: 128

وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم وكيلا ان الله يعلم ما تفعلون - 91 - ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ان تكون امة هي اربى من امة انما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون - 92 - ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون آية 92 - ولا تتخذوا ايمانكم دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم آية 94 - ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلا انما عند الله هو خير لكم ان كنتم تعلمون آية 95 - ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذي صبروا اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون آية 96 - من عمل صالحاً من ذكرا او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون آية 97 .

ان كل هذه الآيات وما اشتملت عليها من الحكم والمواعظ والاوامر والبشائر والزواجر ، كلها دلائل تنفي فعل الجبر عن الله تعالى وتدعو الناس الى الهدى والحق وترك الفحشاء والبغي والايفاء بالعهود والمواثيق لكي لا تزل اقدام العباد بعد ثبوتها على الايمان ، ومن جملة الايات التي تمسك بها الذين قالوا بالجبر قوله تعالى ﴿ ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يضل به كثيراً ويهدي به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين ﴾ البقرة آية 26 .

وليعلم القارىء الكريم ان تمسك المجبرة بهذه الآية الكريمة واتخاذهم منها دليلا على الجبر خارج عن مفهوم هذه الآية التي لا تدل على الجبر من قريب او بعيد ، وذلك ان هذه الآية نزلت في حق المنافقين فيما ضربه الله تعالى من المثال في البعوضة التي يستحقرونها ، فقال المنافقون على سبيل الاستفهام - ماذا اراد الله بهذا مثلاً - أي بالبعوضة هل اراد بذلك ان يضل به قوم

ص: 129

ويهتدي به قوم ؟ فقال الله تعالى في جوابهم : -

ان الذين آمنوا لا يضلون لأنهم مهتدون ويقولون هو من عند الله ، وان الذين يضلون به هم الفاسقون أي الذين ينكرون ويكذبون ويقولون انه لم يكن من عند الله ونسبة الضلال والهدى الى الله في هذه الآية نسبة مجازية من باب اتيان السبب بدلاً عن المسبب وهي قاعدة عربية كثيرة الاستعمال في لغة العرب وفي القرآن الكريم منها قوله تعالى - ﴿ واجنبني وبني ان نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيراً من الناس ﴾ آية 36 ، 37 .

ان الاصنام وهي مواد من الحجر والخشب وغيرها لا تعقل ولا تشعر ولا قدرة لها على اضلال الناس فالذین اضلوا الناس بعبادتها هم الذين نحتوها واتخذوها آلهة وعبدوها فضل الكثير بعملهم هذا وراحوا يعبدونها من دون الله تعالى ففعل الضلال هو للناس لا للأصنام وانما نسبت الى الاصنام مجازاً على قاعدة قيام السبب مقام المسبب .

ومن تلك الآيات التي استند اليها الجبريون قوله تعالى ﴿ ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملئن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾ السجدة 13 .

ان هذه الآية هي الاخرى لا تدل على ان الله تعالى هو الذي يكره الناس على الهدى ويجبرهم على الضلال وان من قرأ الآية التي تقدمت هذه الآية ، والآية التي لحقتها مباشرة عرف تفسيرها ومعناها دون ان يعتريه شك في بطلان ما ذهبت اليه المجبرة . يقول الله تعالى في وصف المجرمين يوم القيامة وما يلحقهم من الذل والندم والحسرة ﴿ ولو ترى المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند وجهم ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا انا موقنون ﴾ آية رقم 12 ، ﴿ ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملئن جهنم من الجنة والناس اجمعین ﴾ 13 - ﴿ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ﴾ 14 ان الآية رقم 12 - التي سبقت آية - رقم

ص: 130

13 - تكشف عن حال المجرمين وكيف انهم يأتون الله تعالى مطأطئين برؤوسهم قد غمرتهم الذلة والندامة والحسرة يطلبون من الله تعالى ان يعيدهم الى الدنيا من جديد ليعملوا الصالحات فيقول الله تعالى للمجرمين لو شئنا ان نأتي كل انسان هداه لفعلنا ذلك في الدنيا وحيث شاءت ارادتنا ان نترك ذلك لاختيار الانسان وارادته وحق القول منى على انزال العقوبة على من عصاني فلأملئن جهنم من العصاة جنا كانوا او انسا والدليل على ان الله تعالى لا يملأ جهنم الا من العصاة والكافرين من الذين اضلهم الشيطان هو ما جاء في قوله تعالى يجيب

الشيطان لما أقسم على اضلال آدم وذريته ، - بعد أن طرده الله من الجنة ﴿ قال اخرج منها مذموماً مدحوراً لمن تبعك منهم - لأملئن جهنم منكم اجمعين ﴾ الاعراف آية رقم 18 وبعد ان احتج الله تعالى على المجرمين الذين طلبوا منه الرجوع الى الدنيا ثانية ليعلموا على يقين العمل الصالح بأنه قد سبق منه القول بعقاب العصاة قال الله تعالى للمجرمين ﴿ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ﴾ أي انكم لما نسيتم واهملتم اوامري فاني اليوم اعاملكم بما عاملتموني به من النسيان أي لا التفت الى قولكم وطلبكم الرجوع ثانية .

وهذه الآية كالآية السابقة تدل على الاختيار - لقوله تعالى ﴿ ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ﴾ كما قال - ﴿ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ﴾ لأن مشيئته اقتضت ان لا يجبر الناس على الهدى او على الضلال ولا يجعلهم أمة واحدة

وانما ترك ذلك الى اختيارهم .

ص: 131

مفهوم التفويض

ص: 132

ص: 133

التفويض - لغة - لغة هو ايكال فعل الشيء الى الاخرين على وجه الاستقلال في التصرف دون ان يكون للمفوض - بكسر الواو - سلطان في فعل - المفوض - بفتح الواو .

والمراد منه في بحث علم الكلام هو ان الله تعالى فوض افعال العباد اليهم يفعلون ما يشاؤون وبتعريف آخر - رفع الحظر والمنع عن افعال العباد ، وان جميع افعالهم مباحة ، قال الشيخ المفيد (ره) في شرح الاعتقادات والتفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق. في الافعال والاباحة لهم ما شاؤوا من الاعمال ، وهذا قول الزنادقة وأصحاب الاباحات .

وبتعريف ثالث - إيكال امر الخلق والرزق وتدبير العالم إلى بعض العباد ، قال الامام الرضا عليه السلام على ما في خبر رواه الصدوق باسناده عن ابن عمير : ومن زعم ان الله عز وجل فوض امر الخلق والرزق الى حججه عليهم السلام فقد قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك وكان ائمة اهل البيت عليهم السلام يتبرون الى الله تعالى من هذا المعتقد وممن يدعيه لهم .

فمن ذلك ما روى عن الامام الرضا عليه السلام في دعائه حيث قال عليه

ص: 134

السلام اللهم اني ابرء اليك من الحول والقوة ولا حول ولا قوة الا بك .

اللهم اني ابرء اليك وأعوذ بك من الذين ادعو لنا ما ليس بحق ، اللهم اني ابرء اليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في انفسنا ، الهم لك الخلق ومنك الرزق واياك نعبد واياك نستعين اللهم انت خالقنا وخالق آبائنا الاولين وابائنا الآخرين ، اللهم لا تليق الربوبية الا بك، ولا تصلح الالوهية الا بك اللهم العن النصارى الذين صغر وا عظمتك ، والعن الضاهئين اللهم انا عبيدك وابن عبيدك ، لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضرا ولا موتاً ولا حياتاً ولا نشورا .

اللهم من زعم اننا ارباب فنحن اليك منهم براء ، ومن زعم ان الينا اياب الخلق وعلينا الرزق فنحن اليك منهم براء كبرائة عيسى من النصارى ، اللهم انا لم ندعهم الى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون ، رب لا تزد على الارض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجر اكفارا ، وعن زرارة قال : قلت للصادق عليه السلام : ان رجلا من المفوضة يقول بالتفويض قال عليه السلام وما التفويض قلت يقول ان الله عز وجل خلق محمد وعلياً ثم فوض الامر اليهما ، فخلقا ورزقا ، وأمانا وأحيا ، فقال كذب عدو الله ، اذا انصرفت اليه فأقر ، عليه هذه الآية التي في سورة الرعد : ﴿ ام جعلوا الله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار ﴾ يقول زرارة فانصرفت الى الرجل فأخبرته فكأنما ألقم حجر .

ولا شك ان الغلاة قد تجاوزوا الحد وخرجوا عن القصد من حيث انهم نسبوا الامام امير المؤمنين والائمة من ذريته عليه السلام الى الالوهية والنبوة وهم ضلال كفار قد حكم امير المؤمنين عليه السلام فيهم بالقتل والتحريق بالنار وقضت الائمة عليهم السلام فيهم بالكفر والخروج عن الاسلام .

وأما المفوضة فأنهم صنف من الغلاة ، غير انهم يختلفون عن الغلاة في الاعتقاد بحدوث الائمة وخلقهم ونفي القدم عنهم ولكنهم في نفس الوقت يضيفون الخلق والرزق اليهم ويدعون ان الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم

ص: 135

خاصة ، وانه فوض اليهم خلق العالم بما فيه وجميع الفئات ولا شك ان هذا القول باطل عند الامامية لأن المعصومين من الموجودات الممكنة وان الممكن ذاته تأبى عن الاستغناء ولو أناما فلا يمكن ان يوجد موجود ممكن يستغل عن موجده لحظة ، فحال بقائه كحال صدوره وايجاده بمدد من موجده ، والا انقلب حين الاستغناء واجباً وهو محال ، فلا يمكن ولا يعقل في حق ممكن من الممكنات الاستغلال او الشركة او التفويض في شيء سواء في ذلك النبي والامام او أي مخلوق من مخلوقات الله تعالى لاستلزام ذلك كله الاستغناء ، كيف لا والفقر ذاتي الممكن لا يختلف عنه ولا يزول .

ومعلوم ان القائل بالتفويض المذكور في حق المعصومين الاربعة عشر عليهم السلام قد غلا وأفرط وجاوز ائمة اهل البيت عليهم السلام عن مقامهم وهم فقراء الى مدد بارئهم ، كل ان واقفون ببابه ، ولائذون الى جنابه لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا .

نعم هم ( عباد مكرمون ) لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون بل هم دعائم الاسلام ولقد اشار الامام امير المؤمنين عليه السلام الى هذا المعنى في مواضع عديدة في نهج البلاغة .

« منها » .

قوله عليه السلام في وصف آل محمد .

هم عيش العلم ، وموت الجهل يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم. لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه وهم دعائم الاسلام ، وولائج الاعتصام. بهم عاد الحق الى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية فان رواة العلم كثير ورعاته قليل .

« ومنها » .

انه ذكر عليه السلام رسول الله واهل بيته عليهم السلام فقال حتى أفضت

ص: 136

كرامة الله سبحانه وتعالى الى محمد «ص» ، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا واعز الارومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبياؤه وأنتجب منها امناؤه عترته خير العتر وأسرته خير الاسر وشجرته خير الشجر نبتت في حرم وبسقت في كرم ، لها فروع طوال ، وثمر لا ينال ، فهو امام من اتقى وبصيرة من اهتدى ، سراج لمع ضوءه ، وشهاب سطع نوره ، وزند وشهاب سطع نوره ، وزند لمعه ، سيرته القصد وسنته الرشد وكلامه الفصل وحكمه العدل ، ارسله على حين فترة من الرسل ، وهفوة عن العمل وغباوة من الأمم .

« ومنها »

انه قال عليه السلام في ذكر آل محمد ، الا ان مثل آل محمد «ص» كمثل نجوم السماء اذا هوى نجم طلع نجم ، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع وأراكم ما كنتم تأملون .

« ومنها »

انه قال عليه السلام ، هم موضع سره ولجاء امره وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه ، بهم اقام انحناء ظهره واذهب ارتع-اد فرائصه ثم قال بعد كلام قصير لا يقاس بآل محمد «ص» من هذه الامة احد ، ولا يساوي بهم من جرت نعمتهم عليه ابدا هم اساس الدين وعماد اليقين اليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة ، فاعتقادنا بالمعصومين الاربعة عشر نفس عقيدة امير المؤمنين عليه السلام من نفسه ومن نبيه ومن اولاده الاحد عشر عليهم السلام بأنهم موضع سر الله ودعائم دين الله لا ان الله تبارك وتعالى فوض اليهم الخلق والرزق او انه فوض العباد من الفعل على وجه الاستغلال .

نعم ورد عن اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى ادب نبيه فلما انتهى به الى ما اراد قال له ( وانك لعلى خلق عظيم ) ففوض اليه دينه فقال تعالى ﴿ وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه

ص: 137

فانتهوا ﴾ وان الله عز وجل فرض الفرائض ولم يقسم للجد شيئاً وان رسول الله «ص»اطعمه السدد فأجاز الله جل ذكره ذلك وذلك قول الله ﴿ هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب ﴾ وجاء في خبر عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ما وضع رسول الله دية العين ودية النفس وحرم النبيذ وكل مسكر فقال له رجل : وضع رسول الله «ص» من غير ان يكون جاء فيه شيء قال «ص» نعم ليعلم من يطع الرسول ممن يعصيه . وورد عن الباقر والصادق عليهما السلام قالا : ان الله تبارك وتعالى فرض الى نبيه امر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثم تلا هذه الآية ﴿ وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ .

والاخبار بهذا المضمون كثيرة رواها المحدثون في كتبهم كالكليني في الكافي ، والصفار في البصائر وغيرها ، وحاصلها ان الله سبحانه فرض امر الشريعة الى نبيه بعد ان ايده واجتباه وسدده واكمل له محاميده وابلغه الى غاية

الكمال .

والتفويض بهذا المعنى غير التفويض الذي اجمعت الفرقة الامامية المحقة على بطلانه وقال به بعض هل المذاهب الباطلة والمقالات الفاسدة حيث ذهبوا الى ان الله تعالى خلق محمد «ص» وفوض اليه امر العالم فهو الخلاق للدنيا وما فيها او انه فرض اليه امر الرزق دون الخلق او انه فوض العباد في الفعل على وجه الاستقلال .

وبطلان التفويض في الأولين من ضروريات الدين وفي الاخير من ضروریات مذهب الامامية وقيل ان من اقسام التفويض الصحيح هو تفويض امر الخلق الى النبي «ص» بمعنى انه تعالى اوجب عليهم طاعته «ص» في كل ما يأمر به وينهي عنه سواء علموا وجه الصحة ام لم يعلموا ، وانما الواجب عليهم الانقياد والاذعان بأن طاعته طاعة الله ، كما قال تعالى ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا ﴾ وهناك قول بأن المراد بالتفويض الصحيح هو تفويض الاحكام والافعال الى النبي «ص» بأن يثبت ما يراه حسنا ، ويرد ما يراه قبيحا ، فيجيزه الله تعالى لارادته اياه .

ص: 138

والاحاديث الواردة في صحة التفويض تنطبق على هذه المعاني . وحاصل. هذه الاخبار ان الله تعالى انما فوض الاحكام الشرعية الى نبيه بعد ان اجتباه بالهداية الى جميع ما فيه صلاح العباد في امور المعاش والمعاد وأكرمه واصطفاه بالعصمة المانعة عن الخطأ والزلل في القول والعمل لعلمه سبحانه بأن كل ما يصنعه ويحكم به فهو حكم الله عز وجل ولذلك كان تعالى يجيزه ويمضيه في الاحكام التي فوضها اليه فتلك الاحكام من الله تعالى حيث انها لم يسبق فيها من الله تعالى وحي ولا خطاب بتحريم او ايجاب ومع ذلك فقد حكم بها النبي «ص» ووضعها ، فهي احكام النبي «ص» وموضوعاته ومن حيث انها صدرت عن اسباب مقتضية لها هي فعل الله تعالى فعل الله تعالى مع تعقب الاجازة منه تعالى والامضاء فهي احكام الله تعالى ظهرت على لسان نبيه «ص» وعلى هذا ينزل قوله تعالى ﴿ من يطع الرسول فقد اطاع الله ﴾ ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ .

والتفويض بهذا المعنى وان ورد به النقل ولم يحله العقل الا ان فيه اشكال من وجوه : -

«الوجه الأول »

انه مخالف لقوله تعالى ﴿ ان هو الا وحي يوحى ﴾ وقوله تعالى ﴿ قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ان اتبع الا ما يوحى التي ﴾ .

«الوجه الثاني »

ان التفويض انما يكون فيما لم يرد فيه وحي من الله تعالى ولا كتاب والاحكام الشرعية بأسرها منصوصة حتى ارش الخدش وسوف نورد لقارئنا الكريم الآيات والاحاديث الدالة على ذلك .

« الوجه الثالث »

ان اكثر الروايات الدالة على تفويض الاحكام الى النبي «ص» تضمنت

ص: 139

تفويض الاحكام الى الائمة عليهم السلام ففي الكافي عن الصادق عليه السلام قال ان الله عز وجل ادب الرسول حتى قومه على ما اراد ثم فرض اليه عز اسمه فقال ﴿ ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ فما فوض الله تعالى الى رسوله فقد فوضه الينا . وعنه عليه السلام قال : لا والله ما فوض الله تعالى الى احد من خلقه الا الى رسول الله «ص» والى الائمة عليهم السلام قال عز وجل ﴿ انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله وهي جارية في الاوصياء ، والاخبار في ذلك كثيرة ولكن القول بتفويض الاحكام الى الائمة مناف لما ثبت من استكمال الشرع في زمن النبي «ص» كما قال تعالى ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ﴾ وكذا لما علم من امتناع تطرق النسخ والزيادة والنقصان في شريعة نبينا محمد «ص» وما ورد من ان حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة ويمكن رفع الاشكال بالنسبة الى دفع الاشكال الاول ، ان كل واحد من معاني التفويض الصحيحة قد ثبت بالوحي ايضاً الا ان الوحي تابع لارادته «ص» يعني اراد ذلك فأوحى اليه كما انه «ص» اراد تعيين القبلة وزيادة ركعتين في الصلاة الرباعية والركعة في الثلاثية وغير ذلك فأوحى الله تعالى اليه بما اراد وبالنسبة الى البواقي بأن المراد بالتفويض اليهم عليهم السلام التفويض في الاحكام الظاهرية كالتقية ونحوها دون الاحكام الواقعية .

ومجمل القول : ان التفويض بجميع تعريفاته المذكورة باطل سواء فسرناه بارجاع الامر الى الانسان واستقلاله بجميع الافعال استقلالا تاما على وفق مشيئته واختياره ، وليس الله في اعماله دخل ولا سلطان له عليه فيما يفعل ، او فسرناه امر الخلق والرزق من الله الى بعض عباده وحججه عليهم السلام واننا ان شاء الله تعالى سوف نورد لقارئنا الكريم بعض الادلة المحكمة ببطلانه من الكتاب والسنة المطهرة والعقل السليم .

ص: 140

ص: 141

بطلان التفويض بالادلة العقلية

ص: 142

ص: 143

تقدم ان هناك جماعة قالوا بالتفويض وهو نقيض الجبر والمراد منه في بحث علم الكلام هو ان الله تعالى فوض الى عباده افعالهم .

اما هنا فنورد لقارئنا الكريم بعض الادلة العقلية القاضية ببطلانه بالتسلسل المرقم : -

1 - لو صح التفويض لكان الله تعالى بعد أن خلق الخلق ومكنهم من لوصح افعالهم عجز عن تدبير أمرهم وادارة شؤونهم ، ففوض خلقه بذلك وهذا يثبت عجز الخالق وقدرة المخلوق ، وهذا يتنافا مع ما قد ثبت في الفلسفة الالهية من ان واجب الوجود لذاته لا يتصف بالعجز لأن العجز يجعله في عداد الممكنات اي المخلوقات المفتقرة الى الكمال .

2 - يلزم اخراج القادر المطلق عن سلطانه ونسبة العجز الظاهر الى من لا يدخل النقص في شأنه .

3 - لوصح - لو صح التفويض بالمعاني المذكورة لزم ان يكون الممكن مستغنا ولو كان كذلك انقلب حين الاستغناء واجبا ، وهو محال ، فلا يمكن ولا يعقل في حق ممكن من الممكنات الاستقلال او الشراكة او التفويض في شيء من ذلك سواء في ذلك النبي والامام او اي مخلوق من مخلوقات الله تعالى لأن الفقر

ص: 144

ذاتي الممكن لا يتخلف عنه ولا يزول .

4 - ان القول بالتفويض يوجب انعزال الحق سبحانه عن تدبير ملکه .

5 - لو كان الانسان مفوضا ومستقلاً في افعاله لزم صدور الفعل منه اذا انقطع عنه مدد الله سبحانه وتعالى وإفاضته ، كما هو مقتضى الاستقلال، والبداهة تقتضي ببطلانه ، فجميع افعاله قائمة ومحققة بالاتيان بمدد الله وقدرته وافاضته عليه .

ص: 145

بطلان التفويض بالنصوص القرآنية

ص: 146

ص: 147

لقد دلت جملة من الآيات القرآنية المباركة على بطلان التفويض بالمعاني المذكورة وأثبت التصرف للحق سبحانه في مملكته وسلطانه وان كل شيء كان أو يكون ، وكل صغير وكبير ، مكتوب عنده تبارك وتعالى في كتاب مبين . واليك الآيات بالتسلسل المرقم :

1 - قال تعالى ﴿ كل شيء فعلوه في الزبر ﴾ والزبر جمع زبور وقد ذكر المفسرون ان المراد بالزبر في هذه الآية الكريمة هي الكتب السماوية المنزلة على الانبياء ، والمعنى ان الله تبارك وتعالى لم يفوض امر الخلق والرزق الى بعض عباده بل كل شيء كتبه تبارك وتعالى في الزبر

مبين

2 - قوله تعالى ﴿ ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين ﴾

3 - قوله تعالى : ﴿ ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبین ﴾

4 - قوله تعالى : ﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾

5 - قوله تعالى : ﴿ ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ﴾ .

ص: 148

6 - قوله تعالى : ﴿ وافوض أمري إلى الله ان الله بصير بالعباد ﴾ غافر - آية 44 -

7 - قوله تعالى : ﴿ الا له الخلق والامر ﴾

8 - قوله تعالى : ﴿ وهل من خالق غير الله ﴾

9 - ام جعلوا الله شركاء خلقوا كخلقه ما يحتاج اليه فقال عز وجل : ﴿ و ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾ .

10 - قوله تعالى : ﴿ الله خالق كل شيء اروني ماذا خلقوا من الأرض ام لهم شرك في السماء ﴾ .

11 - قوله تعالى : ﴿ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين ﴾ .

12 - قوله تعالى : ﴿ ومن يرزقكم من دون الله ﴾

13 - ﴿ ه-و ال-ذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحيكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾ .

14 - قوله تعالى : ﴿ له الملك وله الحمد ﴾

15 - قوله تعالى ﴿ لله ما في السموات وما في الارض ﴾

16 - قوله تعالى : ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾ .

17 - قوله تعالى : ﴿ فيه تبيان كل شيء ﴾ .

18 - قوله تعالى : ﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء ﴾

19 - - قوله تعالى : ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ﴾ .

20 - قوله تعالى : ﴿ ليس لك من الامر شيء ﴾ .

ص: 149

اهل البيت يقولون ببطلان التفويض

ص: 150

ص: 151

لقد وردت احاديث عن ائمة اهل البيت عليهم السلام في نفي التفويض وبطلانه وهي كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المختصر وانما نذكر منها ما يلي على سبيل المثال :

1 - عن الحسن بن علي الوشا ، عن ابي الحسن علي بن موسى الرضا - عليه السلام قال سألته فقلت له : الله فوض الامر الى العباد فقال : عليه السلام الله اعز من ذلك ، قلت فأجبرهم على المعاصي ، قال الله اعدل وأحكم من ذلك .

2 - عن سليمان بن جعفر الجعفري عن الرضا عليه السلام قال : ذكر عنده الجبر والتفويض فقال عليه السلام الا اعطيكم في هذا اصلا لا تختلفون فيه الحديث المتقدم .

3 - وفي الاحتجاج عن الثمالي انه قال : قال ابو جعفر عليه السلام للحسن البصري اياك ان تقول بالتفويض فان الله عز وجل لم يفوض الامر الى احد من خلقه وهنا منه وضعفاً ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً .

4 - وعن الباقر والصادق عليهما السلام :قالا : ان الله ارحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها والله اعز من ان يريد امرا فلا يكون .

ص: 152

5 - وعن الصدوق (ره) في العلل باسناده عن الصادق عليه السلام ان-ه سئل لم خلق الله الخلق فقال ان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم لاظهار قدرته ولتكليفهم طاعته . فيستوجبوا بذلك رضوانه . وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة ، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم الى نعيم الابد .

6 - وعن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال الله احكم من ان يهمل عبده ويكله الى نفسه .

7 - عن الصادق عليه السلام قال : ما من أمر يختلف فيه اثنان الا وله اصل في كتاب الله تعالى ولكن لم تبلغه عقول الرجال .

8 - وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال : ان الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج اليه الامة الا انزله في كتابه وبينه لرسوله «ص» الحديث .

9 - وعنه عليه السلام قال : ان الله تبارك وتعالى انزل في القرآن تبيان كل شيء والله ما ترك شيئاً يحتاج اليه العباد حتى لا يستطيع عبد ان يقول لو كان هذا انزل في القرآن الا وقد انزله الله تعالى فيه .

10 - وفي العيون عن الرضا عليه السلام قال : جهل القوم وخدعوا عن - دينهم ان الله لم يقبض نبيه حتى اكمل له الدين وانزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء وتفصيل كل شيء ، وبين فيه الحلال والحرام والحدود والاحكام وجميع ما يحتاج اليه فقال عز وجل ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾ .

11 - عن امير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في حديث اختلاف العامة في الفتيا في كلام له عليه السلام قال ام انزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه ، ام كانوا شركاء له فعليهم ان يقولوا ، وعليه ان يرضى ، أم انزل الله دينا تاما فقصر الرسول «ص» في تبليغه وادائه ، والله يقول ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء وفيه تبيان كل شيء ﴾ .

ص: 153

12 - عن الصادق عليه السلام قال : ولدني رسول الله «ص» وانا اعلم بكتاب الله وفيه بدء الخلق وما هو كائن الى يوم القيامة ، وفيه خبر السماء وخبر الارض ، وخبر الجنة وخبر النار ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن اعلم ذلك كما انظر الى كفي ان الله يقول ﴿ فيه تبيان كل شيء ﴾ .

13 - عن كامل بن ابراهيم المدني حين وجهه قوم من المفوضة والمجبرة الى ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام ليسأله عن مقالتهم الى ان قال فسلمت وجلست الى باب عليه ستر مرخى فجاءت الريح فكشفت طرفه فاذا انا بفتى كأنه فلقة قمر رباعي أو خماسي . فقال يا كامل بن ابراهيم فأقشعررت من ذلك فألهمت ان قلت لبيك يا سيدي فقال عليه السلام : جئت الى ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل الجنة الا من عرف معرفتك وقال بمقالته فقلت : اي والله قال : اذن والله يقل داخلها والله انه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية قلت : يا سيدي ومن هم ؟ قال : قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله ، ثم سكت عليه السلام عني ساعة ثم قال قال وجئت تسأل عن مقالة المفوضة ، كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله ، فاذا شاء شئنا والله يقول وما تشاؤون الا ان يشاء الله ثم رجع الستر الى حالته فلم استطع كشفه ، فنظر الي ابو الحسن مبتسماً فقال : يا كامل ما جلوسك ؟ قد انبأك بحاجتك الحجة من بعدي ، فقمت وخرجت ولم اعاينه بعد ذلك .

فقول الحجة عجل الله فرجه وعليه السلام كذبوا بل قلوبنا اوعية لمشيئة الله الى آخر الحديث انما نريد ونفعل من التغيرات والتصرفات والتبديلات في ملك الله سبحانه كلها بمشيئة الله وارادته لا بمشيئتنا وارادتنا مستغلين في ذلك كما تزعمه المفوضة وتعتقده فينا فالامام عجل الله تعالى فرجه الشريف يكذبهم في دعواهم .

14 - في العيون عن الرضا عليه السلام انه قال: من زعم ان الله عز وجل فوض أمر الخلق والرزق الى حججهم عليهم السلام فقد قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك .

ص: 154

15 - عن أبي عبد الله عليه السلام سأله رجل قال جعلت فداك يابن رسول الله اجبر الله العباد على المعاصي ؟ فقال : الله اعدل من ان يجبرهم ثم يعذبهم عليها ، فقال له : جعلت فداك مفوض الى العباد فقال عليه السلام : لو فوض اليهم لم يحصرهم بالامر والنهي .

16 - عن المعلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته فقلت : الله فوض الامر الى العباد فقال عليه السلام : الله اعز من ذلك .

17 - وعن النبي «ص» مستفيضاً قال : جف القلم ، اعملوا فالكل ميسر لما خلق له .

18 - عن ثقة الاسلام في الكافي عن علي بن حنظلة ، عن الصادق عليه السلام قال : يسلك بالسعيد في طريق الاشقياء حتى يقول الناس ما اشبهه بهم بل هو منهم ثم تداركه السعادة ، وقد يسلك بالشقي طريق السعداء ، حتى يقول الناس ما اشبهه بهم بل هو منهم ثم تداركه الشقاوة ، ان من كتبه الله سعيداً وان لم يبقى من الدنيا الا فواق ناقة ختم الله له السعادة .

ولهذا يقال عن السر في اختلاف الناس في السعادة والشقاوة : ان الانسان عبارة عن مجموع الجوهرين ، النفس والبدن ولكل واحد منهما طريقان طريق الخير وطريق الشر ، فطريق الخير للأول : العقائد الصحيحة والاخلاق المرضية ، وللثاني : الاعمال الحسنة، وطريق الشر للأول ، العقائد الباطلة والاخلاق الرديئة ، وللثاني هي : الاعمال القبيحة فان استقام هذان الجوهران في شخص دائما كما في الانبياء والاوصياء كان سعيداً مطلقاً محبوباً الله تعالى دائماً غير مبغوض ابدا ، وان لم يستقم شيئاً منهما ابدا كان شقيا مطلقاً ، مبغوضاً ابداً غير محبوب اصلا ، وان استقام الأول دائما دون الثاني كان ه-و محبوباً دائماً غير مبغوض ابداً لأن الجوهر الاول اولى بالحقيقة الانسانية بل هو الانسان حقيقة وكان عمله مبغوضاً ، وان استقام الثاني دون الأول كان هو مبغوضاً وعمله محبوباً وان استقام كل واحد منهما في وقت دون آخر يعتبر حاله

ص: 155

في الخاتمة فان استقاما او استقام الأول وحده كان عند الله محبوباً وكان عمله مبغوضاً وان استقام الثاني اولم يستقم شيء منهما كان هو عند الله مبغوضاً وكان عمله محبوباً وكلما كان العمل وحده مبغوضاً امكن ان تداركه التوبة او المصيبة او البرزخية او الشفاعة او العفو ومما ذكرنا ظهر ان الكافر الذي يؤمن محبوب عند الله في عالم الغيب والمؤمن الذي يكفر مبغوضا ابدا لا يقال هذا ينافي قوله تعالى ﴿ لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة ﴾ فان هؤلاء كانوا محبوبين عند الله تعالى لأن الرضا عنهم يوجب المحبة ثم صار بعضهم مبغوضاً بالنفاق في حال حياته «ص» وبعضهم بالخلاف بعده لأنا نقول : الرضا متعلق بالمؤمنين وكون هؤلاء من المؤمنين عند المبايعة ممنوع ، وعلى تقدير التسليم ما كان الرضا مشروط بالوفاء وعدم النكث كما يدل عليه قوله تعالى : ﴿ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ﴾ وهؤلاء لما نكثوا علم انهم فقدوا شروط المحبة ، وقال المحدث الكاشاني : ان السر في تفاوت النفوس في الخير والشر ، واختلافها في السعادة والشقاوة هو اختلاف السعادات وتنوع الحقائق فان المواد السفلية بحسب الخلقة والماهية متباينة في اللطافة والكثافة ، وامزجتها مختلفة في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي والارواح الانسية التي بازائها مختلفة بحسب الفطرة الاولى في الصفاء والكدورة والقوة والضعف ، مترتبة في درجات القرب والبعد من الله تعالى لما تقرر وتحقق ان بازاء كل مادة ما يناسبها من الصور ، فاجود الكمالات لأتم الاستعدادات وأحسنها لا نقصها كما اشير اليه بقوله عليه السلام : الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام ، فلا يمكن لشيء من المخلوقات ان يظهر في الوجود ذاتاً وصفة وفعلا الا بقدر خصوصية قابليته واستعداده الذاتي ، ووجه آخر وهو انه قد ثبت أن الله عز وجل صفات واسماء متقابلة هي من اوصاف الكمال ونعوت الجلال، ولها مظاهر متباينة بها يظهر اثر تلك الاسماء ، فكل اسم من الاسماء يوجب تعلق ارادته سبحانه وقدرته الى ايجاد مخلوق يدل عليه من حيث اتصافه بتلك الصفة ، فلذلك اقتضت رحمة الله عز وجل ايجاد المخلوقات كلها لتكون مظاهر لاسمائه الحسنى ومجالي لصفاته العليا مثلا لما كان قهارا اوجد

ص: 156

المظاهر القهرية التي لا يترتب عليها الا اثر القهر من الجحيم وساكنيه والزقوم ومتناوليه ، ولما كان عفوا أوجد مجالي للعفو والغفران يظهر فيها آثار رحمته ، وقس على هذا ، فالملائكة ومن ظاهاهم من الأخيار وأهل الجنة مظاهر اللطف ، والشياطين ومن والاهم من الاشرار واهل النار مظاهر القهر ، ومنها تظهر السعادة والشقاوة ، فمنهم شقي وسعيد فظهر ان لا وجه لاسناد الظلم والقبائح الى الله ،تعالى لأن هذا الترتيب والتمييز من وقوع فرق في طريق اللطف وآخر في طريق القهر من ضروريات الوجود والايجاد ، ومن مقتضيات الحكمة والعدالة ومن هنا قال بعض العلماء ، ليت شعري لم لا ينسب الظلم للملك المجازي حيث يجعل بعض من تحت تصرفه وزيراً قريباً ، وبعضهم كناسا بعيدا لأن كل منهما من ضروريات مملكته وينسب الظلم الى الله تعالى في تخصيص كل من عبيده بما خصص ، مع ان كل منهما ضروري في مقامه .

19 - وفي الاحتجاج عن الثمالي انه قال ابو جعفر عليه السلام للحسن البصري اياك ان تقول بالتفويض فان الله عز وجل لم يفوض الامر الى خلقه وهناً منه وضعفاً ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً .

20 - وفي احتجاج الطبرسي عن علي بن احمد قال : اختلف جماعة من الشيعة في ان الله تعالى فوض الى الائمة عليهم السلام يخلقوا ويرزقوا ، فقال هذا محال لا يجوز على الله تعالى ، لأن الاجسام لا يقدر على خلقها غير الله وقال آخرون : بل الله اقدر الائمة على ذلك فخلقوا ورزقوا فتنازعوا في ذلك نزاعا شديدا ، فقال قائل منهم ، مالكم لا ترجعون الى ابي جعفر عليه السلام فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه فانه الطريق الى صاحب الامر ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر ، فسلمت وأجابت الى قوله ، فكتبوا المسألة وانفذوها اليه ، فخرج من جهته توقيع نسخته ان الله هو الذي خلق الاجسام وقسم الارزاق لأنه ليس يجسم ولا حال ولا حال في جسم وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، واما الائمة عليهم السلام فيسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق .

21 - عن ابي بصير عن الصادق عليه السلام قال : يا ابا محمد أبرء ممن زعم

ص: 157

اننا ارباب قلت : برئت منه ، فقال ابرء ممن زعم اننا انبياء فقلت برئت منه .

22 - عن أبي مسكان عن الصادق عليه السلام قال : لعن الله من قال فينا ما لم نقوله في انفسنا لعن الله من از النا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا .

23 - عن الامام الرضا عليه السلام قال : امير المؤمنين عليه السلام لا تتجاوزوا بنا العبودية ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا ، واياكم والغلو كغلو النصارى فاني بريء من الغالين .

ص: 158

ص: 159

مفهوم الأمر بين الأمرين

ص: 160

ص: 161

قد عرفت فيما سبق ان الجبر : لغة هو الاكراه والقهر وفي علم الكلام معناه ايجاد الفعل في الانسان من غير ان يكون للانسان القدرة على الدفع والامتناع .

وعرفت ان التفويض - لغة هو ايكال فعل الشيء الى الآخرين على وجه الاستقلال في التصرف دون ان يكون للمفوض - بكسر الواو - سلطان في فعل - المفوض - بفتح الواو .

وفي علم الكلام : معناه : ان الله تعالى فوض افعال العباد اليهم يفعلون ما يشاؤون على وجه الاستقلال دون أن يكون الله سلطان على افعالهم واباح لهم ما يشتهون .

اما الامر بين الأمرين : فهو مبدأ الوسط بين الجبر والتفويض ومعناه : - ان الله تعالى لم يجبر الانسان على الفعل بالقسر والغلبة ولم يفوض اليه الفعل على نحو الاستقلال بحيث لم يكن الله سلطان في فعل عبده وانما الامر بين امرين او منزلتين كما سيمر عليك في الاخبار .

وقد أوضحنا لقارئنا الكريم بطلان المذهبين المتقدم ذكرهما وهما « الجبر والتفويض » وذلك بالادلة القاطعة من الكتاب والسنة بما لا مزيد عليه

اما الامر بين الأمرين فان الروايات تؤيده : منها ما ورد في الحديث القدسي

ص: 162

قال الله تعالى - يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني ، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك .

ومنها ما ورد في حديث عن الصادق عليه السلام قال وأما الامر بين الأمرين فهو ان لهداياته وتوفيقاته تعالى مدخلا في افعالهم بحيث لا يصل الى حد الالجاء والاضطرار كما ان خذلانه تعالى مدخلا في فعل المعاصي وترك الطاعات ، لكن لا بحيث ينتهى الى حد لا يقدر معه على الفعل او الترك .

ومنها عن الصادق والباقر عليه السلام وقد سئلا هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة ؟ قالا : نعم اوسع ما بين السماوات والارض .

ومنها ما ورد عن الصادق عليه السلام وقد سئل عن الجبر والقدر فقال : ( عليه السلام ) لا جبر ولا قدر ولكن منزلة بينهما فيها الحق التي بينهما لا يعلمها الا العالم او من علمها اياه العالم .

ومنها ما ورد في التوحيد عن المفضل عن الصادق عليه السلام قال لا ولا تفويض ، بل امر بین امرین قال : قلت : ما أمر بين امرين قال : - مثل ذلك مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية ، فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته .

ومنها ما ورد عن معاوية الشامي قال : دخلت على الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام في مرو قلت : يا بن رسول الله روى عن الصادق جعفر بن محمد انه قال لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين فما معناه ؟ قال عليه السلام من زعم ان الله يفعل افعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ، ومن قال ان الله فوض أمر الخلق والرزق الى حجحه عليهم السلام فقد قال بالتفويض ، فالقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك ، فقلت يا بن رسول الله فما أمر بين امرين ؟ فقال عليه السلام « وجود السبيل الى اتيان ما أمروا به ، وترك ما نهوا عنه. فقلت له هل الله مشيئة وارادة في ذلك ؟ فقال عليه السلام « اما الطاعات فمشيئته فيها الأمر بها والرضا لها والمعاونة عليها ، وارادة الله ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط عليها

ص: 163

والخذلان عليها » .

قلت : فلله فيها القضاء ؟ قال عليه السلام نعم الحكم عليهم بما يستحقونه على افعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا .

ومنها أنه قيل للصادق عليه السلام أجبر الله العباد على المعاصي قال عليه السلام لا قيل له : ففوض اليهم الامر قال عليه السلام لا قلت فماذا ؟ قال عليه السلام لطف من ربك يبين ذلك .

وعن الصادق والباقر عليهما السلام حين سئلا هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة ، قالا اوسع ما بين السماء والارض .

ومنها ما ورد عن أحمد بن ابي نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام ان بعض اصحابنا يقولون بالجبر ، وبعضهم يقولون بالاستطاعة ، قال : فقال عليه السلام اكتب بسم الله الرحمن الرحيم الله الرحمن الرحيم قال علي بن الحسين عليه السلام ، قال الله عز وجل : يا بن آدم بمشيئتي كنت الذي تشاء ، وبقوتي اديت الى فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعا بصيراً ، ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك ، وذلك اني اولى بحسناتك منك وانت اولى بسيئاتك مني ، وذلك اني لا اسئل عما أفعل وهم يسئلون وقد نظمت لك كل شيء تريد .

ومنها ما ورد عن تحف العقول كتب علي بن محمد الى شيعته من اهل الاهواز كتاباً مفصلاً وهو مشحون بالتحقيقات مشتمل على البرهان لاثبات الامر بين الأمرين ، ولغيره من المطالب الدقيقة . تذكر بعض ما رواه عن آبائه عليهم السلام قال عليه السلام فانا نبدأ بقول الصادق عليه السلام لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين ، وهي صحة الخلقة وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد مثل الراحة والسبب المهيج للفاعل على الفعل ، فهذه خمسة اشياء جمع بها الصادق عليه السلام جوامع الفصل . ثم في آخر الرسالة فسر كلام الصادق عليه السلام ففسر صحة الخلقة بكمال الخلق للانسان ، وبكمال الحواس وثبات

ص: 164

العقل والتمييز واطلاق اللسان بالنطق ، وفسر تخلية السرب، بأنه الذي ليس عليه رقيب يمنعه العمل مما امر الله به . وفسر المهلة في الوقت : بالفعل الذي يتمنع به الانسان من احد يجب عليه المعرفة الى أجل الوقت ، وذلك من وقت تميزه وبلوغ الحلم الى ان يأتيه اجله ، وفسر الزاد بالجدة والبلغة التي يستعين بها الانسان على ما امر الله تعالى به ، مثل الراحة في الحج وفسر السبب المهيج بالسنة التي هي داعية الانسان الى جميع الافعال وما اشتهاه القلب .

وبالجملة فان الروايات في ذلك كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المختصر ، وقد اخذنا منها مقدار الحاجة والامر المهم الذي تجدر الاشارة اليه : هو ما معنى الامر بين الأمرين على وجه التقريب .

الروايات تشير الى انه امر دقيق ، لا يعلمه الا العالم او من علمه اياه العالم ، كما في خبر صالح بن سهل ، وسر الله كما في النبوي ، وبمعناهما اخبار آخر . . .

وقد حار فكر الفخر الرازي فيه : فقال حال هذه المسألة عجيبة ، فان الناس كانوا فيها مختلفين ابدا ، بسبب ان ما يمكن الرجوع فيها اليه متعارضة متدافعة ،ثم ذكر جملة من ادلة الطرفين ، ثم قال واما الدلائل السمعية وكذا الاوضاع والحكايات متدافعة من الجانبين ، حتى قيل : ان وضع النرد على الجبر ووضع الشطرنج على القدر، ومثله في الاعتراف بالشك والحيرة محي الدين ابن العربي في محكي الفتوحات .

اما علمائنا الاكابر فلهم في تحقيقه المسالك التالية :

« الاول » ان معنى امر بين امرين، هو ان الله اقدر الخلق على افعالهم ، ومكنهم من اعمالهم وحد لهم الحدود في ذلك ، ونهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف والوعد والوعيد ، فلم يكن بتمكينهم من الاعمال مجبراً لهم عليها ولم يفوض الاعمال اليهم لمنعهم من أكثرها ، ووضع الحدود لهم فيها ، وأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها فهذا هو الفصل بين الجبر والتفويض وهذا القول

ص: 165

« الثاني » ان معنى امر بين امرين هو ان الاسباب القريبة للفعل بقدرة العبد والاسباب البعيدة كآلات والادوات والجوارح والاعضاء والقوى بقدرة الله سبحانه وتعالى ، فقد حصل الفعل بمجموع القدرتين وارد عليه : ان هذا التفويض بهذا المعنى لم يقل به احد حتى يحتاج الى نفيه .

«الثالث » ان المراد بالامر بين الأمرين كون بعض الاشياء باختيار العبد - وهي الافعال التكليفية وبعضها بغير اختياره - كالصحة والمرض والنوم واليقظة واشباهها .

« الرابع » ان المراد بالامر بين الأمرين ان الله تعالى جعل عباده مختارین بالفعل والترك مع قدرته على صرفهم عما يختارون ، وعلى جبرهم على فعل ما يفعلون ، وهو حسن الا ان الامر بين الأمرين ادق من ذلك .

« الخامس » ما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي قال رضوان الله عليه : ان الآراء اربعة اثنان فاسدان وهما الجبر والتفويض ، اللذان بهما يهلك كثير من الناس ، واثنان دائران حول التحقيق ، ومرجعهما الى الامر بين الأمرين ، واحدهما أقرب الى الحق والقبول وابعد من الاوهام والعقول ، وهو طريق اهل الشهود العارفين بأسرار الاخبار والآخر بالعكس وهو طريقة اهل العقول والانظار فبيان الاول عسير لغموضه جداً فلنطوه طياً ، ونكتفي بالبيان الثاني ، وان لم نعتقده لتضمنه اكثر ما يترتب على الجبر من المفاسد الا انه يخرج عقول الخواص عن بعض اسباب الحيرة فلهذا مال اليه فحول العلماء ، ولنذكر في بيان ما ذكره بعض المحققين موافقاً لما حققه المحقق الطوسي نصير الملة والدين قدس سره في بعض رسائله المعمولة في ذلك قال : قد ثبت انما يوجد في هذا العالم فقد قدر بهيئته وزمانه في عالم آخر فوق هذا العالم قبل وجوده ، وقد ثبت ان الله تعالى قادر الممكنات ولم يخرج شيئاً من الاشياء عن مصلحته وعلمه وقدرت-ه على جميع و ایجاده بواسطة او بغير واسطة والا لم يصلح لمبدئية الكل ، فالهداية والضلال والايمان والكفر والخير والشر والنفع والضر وسائر المتقابلات كلها منتهية الى

ص: 166

قدرته وتأثيره وعلمه وارادته ومشيئته اما بالذات او بالعرض فأعمالنا وافعالنا كسائر الموجودات وافاعيلها بقضائه وقدره هي واجبة الصدور منا بذلك ولكن يتوسط اسباب و علل من ادراكاتنا واراداتنا وحركاتنا وسكناتنا وغير ذلك من الاسباب العالية الغائبة عن علمنا وتدبيرنا الخارجة عن قدرتنا وتأثيرنا فاجتماع تلك الامور التي هي الاسباب والشرائط مع ارتفاع الموانع علة تامة علة تامة يجب عندها وجود ذلك الامر المدير والمقضي المقدر ، وعند تخلف شيء منها او حصول مانع يبقى وجوده في حيز الامتناع ويكون ممكناً وقوعياً وقديماً بالقياس الى كل واحد من الاسباب الكونية ولما كان من جملة الاسباب وخصوصاً القريبة منها ارادتنا وتفكرنا وتخيلنا بالجملة ما نختار به احد طرفي الفعل والترك فالفعل اختياري لنا فان الله تعالى اعطانا القوة والقدرة والاستطاعة ليبلونا اينا احسن عملاً مع احاطة علمه فوجوبه لا ينافي امكانه واضطراريته لا تدافع كونه اختيارياً ، كيف وانه ما وجب الا بالاختيار .

ولا شك ان القدرة والاختيار كسائر الاسباب من الادراك والعلم والارادة والتفكر والتخيل وقواها وآلاتها كلها بفعل الله تعالى لا بفعلنا واختيارنا ، والا لتسلسلت القدرة والارادة الى غير نهاية وذلك لأنا وان كنا بحيث ان شئنا فعلنا ، وان لم نشأ لم نفعل ، بل اذا شئنا فلا تتعلق مشيئتنا بمشيئتنا بل بغير مشيئتنا فليست المشيئة الينا اذ لو كانت الينا لاحتجنا الى مشيئة اخرى سابقة . وتسلسل الامر الى غير نهاية ومع قطع النظر الى استحالة التسلسل تقول : جملة مشيئتنا غير المتناهية بحيث لا يشذ منها مشيئة لا تخلو اما ان يكون وقوعها بسبب امر خارج عن مشيئتنا او بسبب مشيئتنا ، والثاني باطل لعدم امكان مشيئة اخرى خارجة عن تلك الجملة ، والاول هو المطلوب ، فقد ظهر ان مشيئتنا ليست تحت قدرتنا كما قال عز وجل ، وما تشاؤون الا ان يشاء الله فإذن نحن في مشيئتنا مضطرون ، وانما

، تحدث المشيئة عقيب الداعي ، وهو تصور الشيء الملائم تصوراً ظنياً ، او تخيلياً ، او علمياً ، فاننا اذا ادركنا شيء فان وجدنا ملائمته او منافرته لنا رفعه بالوهم او ببديهة العقل انبعث منا شوق الى جذبه او دفعه، وتأكد هذا الشوق وهذا هو العزم الجازم المسمى بالارادة ، واذا انضمت الى القدرة التي هي هيئة للقوة

ص: 167

الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك الاعضاء من الادوية من العضلات وغيرها ، فيحصل الفعل فاذن اذا تحقق الداعي للفعل الذي تنبعث منه المشيئة تحققت المشيئة ، فاذا تحققت المشيئة التي تصرف القدرة الى مقدورها انصرفت القدرة لا محالة ، ولم يكن لها سبيل الى المخالفة فالحركة لازمة ضرورة بالقدرة ، والقدرة محركة ضرورة عند انجزام المشيئة ، والمشيئة تحدث ضرورة في القلب عقيب الداعي، فهذا ضروريات يترتب بعضها على بعض وليس لنا ان ندفع وجود شيء منها عند تحقق سابقه فليس يسكن لنا ان ندفع المشيئة عند تحقيق الداعي للفعل ، ولا انصراف القدرة الى المقدور بعدها ، فنحن مضطرون من الجميع ، فنحن في عين الاختيار مجبورون ، فنحن اذاً مجبورون على الاختيار .

ولا يخفى ما فيه من اشتماله على مفاسد الجبر ، وايضاً ليس في فهم-ه وافهامه كثير غموض حتى يلزم العارفين كتمانه ، وعدم الرخصة في افشائه فعلم ان الحق فيه امر آخر لا يصل اليه الا من هو اهله « وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم » .

« السادس » ان معنى الأمر بين الأمرين هو ان المخلوقات مع تباينها في الذوات والصفات والفعل وترتبها في القرب والبعد من الحق الأول والذات الاحدية تجمعها حقيقة واحدة الهية جامعة لجميع حقائقها وطبقاتها لا بمعنى ان المركب من المجموع شيء واحد هو الحق سبحانه ، حاشا الجناب الالهي عن وصمة الكثرة والتركيب ، بل هو والاشياء اشياء ، بل بمعنى ان تلك الحقيقة الالهية مع انها في غاية البساطة والاحدية ينفذ نورها في اقطار السموات والارضين ، كما قال امام الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام : مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة وكذلك للصفات المخلوقات جهة واحدة الهية جامعة للجميع ، فان السمع والبصر وغيرها من الصفات في اي موصوف كان هو الله سبحانه حقيقة ولذلك قال « وهو السميع البصير » اي لا غيره ، يعني ، هو السميع بعين كل سميع والبصير بعين كل بصير » وقال « وهو الحي لا اله الا هو » اي بمعنى كل حياة . وفي الحديث القدسي « في يسمع وبي يبصر » وكذلك

ص: 168

الافعال فانها منسوبات من ذلك الوجه الذي ينسب الى الحق بعينه فكما ان وجود زید بعینه امر متحقق في الواقع وهو شأن من شؤون الحق سبحانه وتعالى ولمعة من لمعاته ، ومظهر من مظاهره ، فكذلك هو فاعل لما يصدر عنه بالحقيقة لا بالمجاز ذلك ففعله أحد افاعيل الحق سبحانه بلا شوب قصور وتشبيه ، تعالى الله عن ومع ذلك علواً كبيراً كما قال الله تعالى ﴿ وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى ﴾ فأحمد ضرام أوهامك ايها الجبري فالعقل ثابت لك بمباشرتك اياه وقيامه بك ، وسكن حواسك ايها القدي فالفعل مسلوب عنك من حيث انت انت لأن وجودك اذا قطع النظر عن ارتباطه بوجود الحق فهو باطل ، فكذا فعلك اذ كل فعل متقوم بوجود فاعله ، وانظرا جميعا بعين الاعتبار في فعل الحواس كيف انمحى وانطوى في فعل النفس وتصورها في تصور النفس واتلوا جميعا قوله تعالى ﴿ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديهم ﴾ وتصالحا بقبول الامام بالحق : لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين .

قال تعالى ﴿ وما تشاؤون الا ان يشاء الله ﴾ اثبت المشيئة للعبد فنفى به الجبر ؛ وجعلها بعد مشيئة الله فنفى به التفويض قال تعالى ﴿ فبما كسبت ايديكم ﴾ وما كسبت ايديهم الا بالله لا من دون الله فيكون وهنا في سلطانه ، ولا الله فيكون شركاً بالله ، فبيد العباد طاعة الله ومعصية الله ، الا انه لا حول عن المعصية ولا قوة على الطاعة الا بالله ولا مشيئة الا بعد مشيئة الله ، والتنزيه والحسنات والمحامد ترجع الى مقام الوحدة والتشبيه والسيئات ، والمذام ترجع الى محال الكثرة ، فسبحان من تنزه عن الفحشاء وسبحان من الفحشاء وسبحان من لا يجري في ملكه الا ما يشاء .

«السابع » ان معنی امر بين الامرين هو ان لهداياته وتوفيقاته تعالى مدخلاً في فعالهم بحيث لا يصل الى حد الالجاء والاضطرار كما ان لخذلانه سبحانه مدخلا في فعل المعاصي وترك الطاعات لكن لا بحيث ينتهي الى حد لا يقر معه على الفعل او الترك وهذا أمر يجده الانسان من نفسه في احواله المختلفة ، وهو مثلاً ان يأمر السيد عبده بشيء يقدر على فعله وفهمه ذلك ووعده على فعله شيئاً من

ص: 169

الثواب وعلى تركه قدراً من العقاب فلو اكتفى عبده بذلك ولم يزد عليه مع علمه بأنه لا يفعل . بمحض ذلك لم يكن معلوماً عند العقلاء لو عاقبه على تركه ولا ينسب عندهم الى الظلم ولا يقول عاقل : انه اجبره على ترك الفعل ولو لم يكتف السيد بذلك وزاد في الطافه الوعد باكرامه والوعيد على تركه ، وأكد ذلك ببعث من يحثه على الفعل ، ويرغبه فيه ويحذره على الترك ثم فعل ذلك بقدرته واختياره ، فلا يقول عاقل انه جبره على الفعل ، واما فعل ذلك بالنسبة الى قوم وتركه بالنسبة الى آخرين فيرجع الى حسن اختيارهم ، وصفاء طويتهم ، وسوء اختيارهم ، وقبح سريرتهم او الى شيء لا يصل اليه علمنا فالقول بهذا لا يوجب الظلم اليه سبحانه بأن يقال جبرهم على المعاصي ثم عذبهم عليها كما يلزم الأولين ، ولا عزله تعالى عن ملكه واستقلال العباد بحيث لا مدخل الله في افعالهم فيكونون شركاء الله في تدبير عالم الوجود كما يلزم الآخرين ويدل على هذا الوجه اخباراً كثيرة مما قدمنا ذكره وهذا المسلك جيّد لا غبار عليه ولا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه .

« الثامن » ان معنى الامر بين الأمرين انه ( يعني العباد ) ليسوا بحيث ما شاؤوا صنعوا بل فعلهم معلق على ارادة حادثة متعلقة بالتخلية او بالصرف ، وفي كثير من الاحاديث ان تأثير السحر موقوف على اذنه تعالى ، وكأن السر في ذلك انه لا يكون شيء من طاعته او معصيته او غيرها - كالافعال الطبيعية الا باذن جديد منه تعالى فيتوقف حينئذ كل حادث على الاذن توقف المعلول على شروطه لا توقفه على سببيه .

«التاسع » ان معنى امر بين امرين : هو ان فعل الانسان واقع بمجموع القدرتين والارادتين والتأثيرين من الانسان ومن الله تعالى ، والانسان لا يستقبل في ایجاد فعله بحيث لا مدخل لقدرة الله فيه اصلا ، بمعنى انه اقدر الانسان على فعله بحيث يخرج عن يده ازفة الفعل المقدور للانسان مطلقاً كما ذهب اليه المفوضة او لا تأثير لقدرته فيه وان كان قادراً على طاعة العاصي جبرا لعدم تعلق ارادته بجبره في افعاله الاختيارية كما ذهب اليه المعتزلة ، وهذا ايضاً نحو من التفويض وقول

ص: 170

بالقدر وبطلانه ظاهر ، كيف ولقدرة خالق الانسان وموجده تأثير في فعل الانسان بلا شبهة ، كما يحكم به الحدس الصائب، وليس قدرة الانسان بحيث لا تأثير له في فعله اصلاً سواء كانت كاسبه كما ذهب اليه الاشعري ويؤول مذهبه الى الجبر كما يظهر بأدنى تأمل ، ام لا يكون كاسبة ايضاً بمعنى ان لا تكون له قدرة واختيار اصلا بحيث لا فرق بين مشي زيد وحركة المرتعش كما ذهب اليه الجبرية وهم الجهمية .

« العاشر » ما روى مسنداً الى الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام وحاصله : ان معنى الامر بين الأمرين هو وجود السبيل الى اتيان ما امر به العباد وترك ما نهوا عنه ، وان جميع افعالهم بمشيئته تعالى وقضائه ، وان مشيئته في الطاعات الامر بها والمعاونة عليها . . . وفي المعاصي النهي عنها والخذلان عليها ، وان القضاء هو الحكم عليهم بما يستحقون على افعالهم من الثواب والعقاب ، ويؤيد ذلك ما قاله الشيخ المفيد (ره) في « شرح اعتقاد الصدوق ».. قال الشيخ ابو جعفر (ره) اعتقادنا في ذلك قول الصادق عليه السلام لزرارة حين سأله فقال : ( ما تقول يا سيدي في القضاء والقدر ) قال : ( اقول ان الله تعالى اذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد اليهم ، ولم يسألهم عما قضى عليهم ) .

« الحادي عشر » ما نقل عن المحقق السبزراري انه قال : واما بيان الامر بين الأمرين فهو بمقتضى ان ذوات الاسباب لا تعرف الا بأسبابها يتوقف على معرفة كيفية الخلق بالخالق ومعية وجه الله ووجه النفس ، فما لم يعلم انه كيف وجد الممكن لم يعلم انه كيف ايجاده ... ان كل وجود ذو وجهين وجه الى الرب ووجه الى النفس . . . الفعل بسيط محض في عين كونه اختياراً بحتا ، واختيار بحت في عين كونه تسخيراً محضا .

وهذا مسلك يومي الى اسباب الفعل البعيدة الخارجة عن نطاق اختيار المكلف وهذه ناحية من نواحي مسلك شيخ الطائفة الذي عن قريب سوف نبينه ان شاء الله .

ص: 171

« الثاني عشر » ما نقله محمد الجواد الجزائري وغيره في كتابه فلسفة الامام الصادق عن مولانا المحقق شيخ الطائفة ابي جعفر الطوسي (ره) قال في بيان الجبر والاختيار من ( رسالة العلم ) انه لا شك عند الاسباب يجب الفعل وعند فقدانها يمتنع ، فالذي ينظر الى الاسباب الأول ، ويعلم بانها ليست بقدرة الفاعل ولا بارادته .. يحكم بالجبر ، وهو غير صحيح مطلقاً ، لأن السبب القريب يحكم بالاختيار وهو ايضاً ليس بصحيح مطلقاً ، لأن الفعل لم يحصل بأسباب كلها مقدورة ومرادة والحق ما قاله عالم اهل البيت ( لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرین ) .

قال : وحاصل كلام الشيخ (ره) ان ارادة الانسان علة قريبة بفعله ، وارادة المبدع الأول تعالى المنتهية اليها الاسباب البعيدة ... علة بعيدة له ، والفعل موقوف على مجموع الارادتين والاشعري قصر نظره على العلة البعيدة فقال بالجبر والمعتزلي قصره على القريبة ، فقال بالتفويض .

« الثالث عشر » ان معنى الامر بين الأمرين كون بعض الاشياء باختيار الانسان وهي الافعال التكليفية - وبعضها بغير اختياره كالصحة والمرض والنوم واليقظة واشباهها .

ومجمل القول : فالمذاهب والاقوال في بيان الامر بين الأمرين كثيرة جدا : قال بعض الاكابر وفي ذلك دلالة واضحة على غموضه ودقته وصدق من ذهب الى انه لا يكشف عنه المقال غير الخيال بل يحتاج من يريد معرفته الى ان يصير من اهل المكاشفة والمشاهدة دون المفاكرة والمناظرة وحينئذ فالاولى بل المتعين الاقتصار في معناه على ما ورد في بيانه عنهم عليهم السلام لأنهم اعلم بمعاني ما ورد عنهم عليهم السلام فمن ذلك ما أجاب به سلام الله عليه من استفسره عنه لما قال قال لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين وقال له فماذا يا بن رسول الله «ص» قال صحة العقل وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد قبل الراحلة والسبب المهيج للفاعل فهذه خمسة فاذا نقص العبد منها خلة كان العمل مطروحا عنه بحسبه وفي الاحتجاج للفاضل المحقق الشيخ احمد بن ابي طالب الطبرسي عطر

ص: 172

الله مرقده عن مولانا الزكي العسكري عليه السلام فيما اجاب به في رسالته الى اهل الاهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض قال قال الامام الصادق عليه السلام لا جبر ولا تفويض ولكن امر بین امرین قیل فماذا يا ابن رسول الله «ص» قال صحة العقل .. الى ان قال كان العمل مطروحاً بحسبه ثم قال عليه السلام وأنا اضرب لكل باب من هذه الابواب الثلاثة وهي الجبر والتفويض والمنزلة بين منزلتين مثلاً يقرب المعنى للطالب ويسهل اليه البحث من شرحه ويشهد به القرآن بمحكم آياته وتحقيق تصديقه عند ذوي الالباب وبالله العصمة والتوفيق . ثم قال عليه السلام فأما الجبر فهو قول من زعم ان الله عزّ وجل جبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها . ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله وكذبه ورد عليه قوله - ولا يظلم ربك احداً - وقوله عز وجل ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد . مع أي كثرة في مثل هذا فمن زعم انه مجبور على المعاصي فقد احال بذنبه على الله عز وجل وظلمه في عقوبته له - ومن ظلم ربه فقد كذب كتابه ومن كذب كتابه لزمه الكفر باجماع الامة . والمثل المضروب في ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكاً لا يملك الا نفسه ولا يملك عرضا من عرض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه فأمره على علم منه بالمصير الى السوق لحاجة يأتيه بها ولا يملكه عن ما يأتيه به وعلم المالك ان على الحاجة رقيباً لا يطمع احدا في اخذها منه الا بما يرضي به من الثمن . وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة واظهار الحكمة ونفي الجور فأوعد عبده ان لم يأتيه بالحاجة ان يعاقبه . فلما صار العبد الى السوق حاول الى اخذ الحاجة التي بعثه اليها فوجد عليها مانعاً يمنعه الا بالثمن ولا يملك العبد ثمنها فانصرف الى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاض مولاه بذلك وعاقبه بذلك فانه كان ظالماً متعدياً مبطلاً لما وصف عن عدله وحكمته ونصفته وان لم يعاقبه كذب نفسه . اليس يجب ان لا يعاقبه ؟ والكذب والظلم ينفيان العدل والحكمة - تعالى الله عما يقول المجبرة علواً كبيراً - ثم قال عليه السلام بعد كلام طويل فأما التفويض الذي ابطله الامام الصادق عليه السلام وخطأ من دان به فهو قول القائل ان الله عز وجل فرض الى العباد اختيار امره ونهيه واهملهم وفي هذا كلام دقيق لم يذهب الى غوره الائمة المهدية عليهم السلام من عترة الرسول «ص» فانهم قالوا لو

ص: 173

فوض الله اليهم على جهة الاهمال لكان لازماً له رضى ما اختاروه واستوجبوا به منه الثواب ولم يكن عليهم فيما اجرموا العقاب اذ كان الاهمال واقعا فتصرف هذه المقالة على معنيين اما ان يكون العباد تظاهر وا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة كره ذلك ام احب فقد لزمه الوهن او يكون جل وتقدس عجز عن تعبدهم بالامر والنهي عن ارادته ففوض امره ونهيه اليهم واجراها على محبتهم اذ عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي على ارادته فجعل الاختيار اليهم في الكفر والايمان ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند امره ونهيه وادعا مالك العبد انه قادر / قاهر / عزيز / حكيم / فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع اوامره عظيم الثواب وأوعده على معصيته اليم العقاب فخالف العبد ارادة مالكه ولم يقف عند امره ونهيه فأي أمر أمره به أو نهي نهاه عنه لم يأتمر على ارادة المولى بل كان العبد يتبع ارادة نفسه واتبع هواه فلما رجع الى مولاه نظر الى ما اتاه فاذا هو خلاف ما أمره به فقال العبد اتكلت على تفويضك الامر الي فاتبعت هواي وارادتي لأن المفوض اليه غير محضور عليه لاستحالة اجتماع التفويض والتحضير . ثم قال عليه السلام من زعم ان الله سبحانه وتعالى فوض قبول امره ونهيه الى عباده فقد اثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كلما عملوا من خير او شر وأبطل امر الله تعالى ونهيه .

ثم قال عليه السلام ان الله تعالى خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الامر والنهي وقبل منهم اتباع امره ورضى بذلك منهم ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها والله تعالى الخيرة في الأمر والنهي يختار ما يريد ويأمر به وينهي عما يكره ويثيب ويعاقب بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع امره واجتناب معاصيه ، لأنه العدل ومنه النصفة والحكمة والحكومة بالغ الحجة بالاعذار والانذار واليه الصفوة يصطفي من يشاء من عباده اصطفى محمد «ص» وبعثه بالرسالة الى خلقه ولو فوض اختیار اموره الى عباده لاجاز لقريش اختيار امية ابن الصلت وأبي مسعود الثقفي اذ كانا عندهم افضل من محمد «ص» لما قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يعنونهما بذلك فهذا هو القول بين

ص: 174

القولين ليس بجبر ولا تفويض . بذلك اخبر امير المؤمنين عليه السلام حين سئله عباية بن ربعي الاسدي عن الاستطاعة فقال امير المؤمنين عليه السلام تملكها من دون الله تعالى او مع الله ( تعالى ) فسكت عباية فقال له يا عباية قال وما اقول قال عليه السلام ان قلت تملكها مع الله قتلتك وان قلت تملكها من دون الله تعالى الذي يملكها من دونك فان ملكها كان ذلك من عطائه تعالى وان سلبكها كان ذلك من بلائه وهو الملك لما ملك والمالك لما عليه اقدرك اما سمعت الناس يسئلون الحول والقوة حيث يقولون لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فقال لنا على طاعة الله الا بعون الله فوثب الرجل وقبل يديه ورجليه الى آخر الخبر بطوله وفيما سلف فما امر بین امرین قال عليه السلام وجود السبيل الى اتيان ما امروا به وترك ما نهوا عنه ويظهر من بعض الاخبار عنهم عليهم السلام ان حقيقة امر بين امرين هي ان لهداياته تعالى وتوفيقاته مدخلا في الافعال لكن لا يؤدي ذلك الى حد الالجاء كما ان الخذلانه مدخلا في فعل المعاصي وترك الطاعات لكن لا بحيث ينتهي الى حد لا يقدر معه على الفعل والترك .

والاخبار في بيان معنى ذلك وان اختلفت لفظا الا انها عند التأمل واعطاء النظر حقه متقاربة معنى ومع كونها كذلك فانما هي بيان لذلك منهم عليهم السلام بحسب ما تطيقه القوى والافهام والا فادراك كنه ذلك لغيرهم كما هو امر دونه خرط القتاد وهذا ظاهر لمن له ادنى مسكة بالاخبار .

وقد ظهر لك بما تلوناه عليه رجحان قول من ذهب الى ان القضاء والقدر بالنسبة الى الافعال هو وجود السبيل الى اتيان ما امروا به وترك ما نهوا عنه .

ويؤيده ما رواه الشيخ المقدس المدقق النبيل ابو الفتح محمد بن علي بن عثمان في کتاب كنز الفوائد ان الحسن البصري كتب الى الامام الحسن بن علي علیه السلام من الحسن البصري الى الحسن ابن رسول الله عليه السلام اما بعد فانكم معاشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة مصابيح الدجى واعلام الهدى والائمة القادة الذين من اتبعهم نجا والسفينة التي يؤول اليها المؤمنون وينجو فيها المتمسكون قد كثر يابن رسول الله «ص» عندنا الكلام في القدر واختلافنا في

ص: 175

الاستطاعة فعلمنا ما الذي عليه رأيك ورأى آبائك فانكم ذرية بعضها من بعض من علم علمتم وهو الشاهد عليكم وانتم الشهداء على الناس والسلام .

فأجابه صلوات الله وسلامه عليه من الحسن بن علي عليه السلام الى الحسن البصري اما بعد فقد انتهى الي كتابك عند حيرة فقد انتهى الي كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من امتنا وكيف ترجعون الينا وانتم معنا بالقول دون العمل واعلم انه لولا ما تناهي الي من حيرتك وحيرة الامة من قبلك لامسكت عن الجواب ولكني الناصح ابن الناصح الامين والذي انا عليه انه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر ان الله سبحانه لا يطاع باكراه ولا يعصي بغلبة ولا اهمل العباد من الملكة ولكنه عز وجل المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه اقدرهم فان اتمروا بالطاعة لم يكن الله تعالى لهم صادا ولا عنها مانعا وان ائتمروا بالمعصية شاء سبحانه أن يمن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل وان لم يفعل فليس هو حملهم عليها اجبارا ولا الزمهم بها اكراها بل احتجاجه عز ذكره عليهم عرفهم وجعل لهم السبيل الى فعل ما دعاهم اليه وترك ما نهاهم عنه ولله الحجة البالغة .

هذا ما وقفت عليه من تحقيقات فحول العلماء حول الامر بين الامرين ومن اراد التوسع في ذلك فليرجع الى الكتب المطولة فان فيها ما يحتاجه الطالب ، ويعجبني وانا في نهاية المطاف من حديثي حول الجبر والتفويض ان اذكر لقارىء الكريم هذه اللطيفة عن البهلول :

ان البهلول بن عمر الكوفي كان من اهل الموالاة والتشيع لأهل البيت عليهم السلام عن بصيرة نافذة ، وروى انه من اصحاب الامين الصادق وابنه الكاظم عليهما السلام وان اظهاره الجنون كان يأمر الامام الكاظم عليه السلام وقاية

لنفسه .

ومما يحكى عنه انه في يوم جاء الى باب بعض ائمة المذاهب فسمعه يقول لتلامذته ان اشياء لقولها جعفر بن محمد الصادق لا تعجبني ، يقول ان الشيطان يعذب بالنار وكيف يعذب بالنار وهو مخلوق من النار ، ويقول ان الله تعالى لا

ص: 176

يمكن ان يرى مع انه موجود وكل موجود يمكن رؤيته ، ويقول ان العبد هو الفاعل لافعاله مع ان الله تعالى هو خالق كل شيء ، فأخذ البهلول مدرة وضربه بها فشجه وهرب فتبعوه وقبضوا عليه ورفعوا امره الى الخليفة فقال البهلول انه يقول ان ابليس مخلوق من النار فلا يمكن ان تؤثر فيه وهو مخلوق من التراب فكيف اثر فيه ، ويقول ان كل موجود يرى فليرني الألم الذي برأسه ، ويقول ان الله هو الفاعل لافعال العباد فإذن الله هو الذي ضربه لا أنا .

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .

ص: 177

- اهم مصادر الكتاب -

اسم الكتاب

1 - القرآن الكريم

2 - مصابيح الانوار

3 - دلائل الصدق

4 - الطفل بين الوراثة والتربية

5 - عقائد الامامية

6 - تفسير الميزان

7 - ديوان نيل الاماني

8 - مفتاح القواعد

9 - الكلم الطيب

10 - نهج المسترشدين

11 - حق اليقين

12 - القول السديد في شرح التجريد العلامة آية الله الشيرازي

21 - الفصول المهمة في اصول الأئمة الحر العاملي

22 - فلسفة الامام الصادق

23 - الإمام الصادق معلم الانسان

24 - التكامل في الاسلام

25 - تفسير البيان

26 - تحفة الابرار في معرفة المقضية والاقدار

27 - الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

28 - نهج البلاغة

اسم المؤلف

آية السيد عبد الله شبر

آية الله محمد حسن المظفر

آية الله فلسفي

الحجة السيد ابراهيم الموسوي الزنجاني

آية الله العلامة محمد حسين الطباطبائي

آية الله الفيلسوف الشيخ حسن الدمستاني البحراني

الشيخ عباس الناصري

الشيخ محمد طاهر الخاقاني

العلامة الحلي

آية الله السيد عبد الله شير

آية الله محمد الجواد الجزائري

عبد الرسول اللاري

أحمد أمين

للإمام الخوئي

الشيخ عبد الله فرج العمران

هاشم معروف

الإمام علي عليه السلام

ص: 178

29 - الجبر والاختيار

30 - الثقافة الإسلامية

31 - القرآن في الإسلام

32 - إحقاق الحق

33- عقيدة الشيعة الإمامية

34 - الحلقة الاولى من سلسلة هذه عقيدتنا

آية الله محمد صادق الروحاني

آية الله محمد الشيرازي

آية الله محمد حسين الطباطبائي

میرزا موسى الاسكوئي

السيد هاشم معروف

عبد الواحد الانصاري

ص: 179

الفهرس

كلمة الشيخ عباس الريس حول الكتاب ... 5

قصيدة للشيخ حسن القيسي آل درويش ... 9

قصيدة اخرى القيسي حول نسب المؤلف ... 11

المقدمة ... 15

القضاء والقدر ... 21

مفهوم الجبر والاختيار ... 33

بطلان الجبر بالادلة العقلية ... 41

بطلان الجبر بالنصوص القرآنية ... 49

اهل البيت يقولون ببطلان الجبر ... 59

من هم القائلون بالجبر ... 81

الفرقة الاولى من المجبرة الاشاعرة ... 84

الفرقة الثانية : المرجئة ... 89

الفرقة الثالثة : الجهمية ... 97

ما هي ادلة المجبرة ... 99

بطلان ادلة المجبرة ... 105

مفهوم التفويض ... 133

بطلان التفويض بالادلة العقلية ... 143

ص: 180

بطلان التفويض بالنصوص القرآنية ... 147

اهل البيت يقولون ببطلان التفويض ... 151

مفهوم الأمر بين الأمرين ... 161

اهم مصادر الكتاب ... 179

ص: 181

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.