تاريخ النّياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام

هوية الكتاب

المؤلف: السيد صالح الشهرستاني

المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان

الناشر: دار الزهراء

الطبعة: 1

الموضوع : سيرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام)

تاريخ النشر : 1419 ه.ق

الصفحات: 156

نسخة غير مصححة

تاريخ النياحة علی الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهماالسلام

(1)

تأليف: السيد صالح الشهرستاني

تحقيق و إعداد: الشيخ نبيل رضا علوان

الكتب بساتین العلماء

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

تاريخ النياحة علی الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهماالسلام

تأليف: السيد صالح الشهرستاني

1325 - 1395 ه

الجزء الأول

تحقيق و إعداد: الشيخ نبيل رضا علوان

ص: 3

شهرستاني، صالح 1904 - 1974.

تاريخ النياحة علی الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهماالسلام / تأليف: السيد صالح الشهرستاني؛ تحقيق و إعداد: الشيخ نبيل رضا علوان. - قم: انصاريان 1382 - 1424.

2 جلد در یك مجلد (ج1 - 152، ج2 - 104ص.)

كتابنامه بصورت زیرنویس.

شابك: 7-468-438-964

1.حسین بن علي عليهماالسلام، امام سوم، 4 - 61ق. - سوگواریها.

2. سوگواریها - تاریخ.

3. واقعه عاشوراء، 61ق.

الف. علوان، نبيل رضا، محقق.

ب. عنوان.

2ت9ش/ 4, 41 BP

297/953

1382

تاريخ النياحة علی الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهماالسلام

الجزء الأول والثاني

المؤلف: السيد صالح الشهرستاني

تحقيق وإعداد: نبيل رضا علوان

الناشر: مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر - قم

الطبعة الأولی 2003 - 1424 - 1382

المطبعة: صدر - قم

الكمية: 2000 دورة

عدد الصفحات: 256 ص.

حجم الغلاف: متوسط

ردمك: 7-468-438-964

جميع حقوق الطبع محفوظة ومسجلة للناشر

مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر

جمهورية ايران الإسلامية

قم - شاع الشهداء - فرع 22

ص.ب 187

هاتف: 7741744 (251) (98)

فاكس: 7742647

البريد الالكتروني: ansarian@noornet.net

www.ansariyan.org www.ansariyan.net

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

ص: 6

الاهداء

الى سيدي ومولاي سيد الشهداء الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام

الى ريحانة الرسول المصطفى صلی اللّه علیه و آله

الى سيد شباب أهل الجنة

الى ثار اللّه وابن ثاره

الى رائد الحق ، والهدى ، والتقى

اقدم هذا المجهود المتواضع في احياء الكتاب محققاً وكلي أمل باللّه تعالى ان ينال رضاكم ، وأن يكون ذخراً ليوم لا ينفع مال ولا بنون إنه سميع الدعاء.

خادم أهل البيت علیهم السلام

نبيل رضا علون

قم المقدسة

دار هجرة في 26 - صفر الحرام - 1416 ه-

ص: 7

ص: 8

تقديم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تجديد ذكرى الحوادث الهامة أو الشخصيات المرموقة ، ما هو إلا احياء لتلك الحوادث ولأولئك الشخصيات . تُكرر الذكريات لتبق الحوادث حية ملهمة ويبقى الأشخاص ماثلون يُستلهم منهم القوى الناهضة . نسيان التأريخ الصحيح يعني إماتة الحقائق التي يمكن أن تكون طريقاً لتجديد الحياة الكريمة ، الحياة التي يسعى لتحقيقها كل إنسان ينبض فيه عرق الإنسانية الحرة وتهفو لها النفوس الأبية المتطلعة الى عدم الإنضواء تحت وطئة الظالمين المتحكمين على الرقاب والأنفس.

هذه الذكريات تشكل أكبر خطر على أصحاب الحكم والسلطنة. إنها قدرات خفية تزعزع عروش الطغاة وتحارب الظلم والعس_ف ح__تى تزيله_ا م_ن صفحات التأريخ بإزالة من يمارسهما . من هنا اشتدت محاربة المسيطرين على خيرات الشعوب لها ، حاربوها بشتى الوسائل والطرق : بالإعلام الكاذب ، ببذل الأموال الطائلة ، بالإستمالة لوعاظ السلاطين، بإعطاء الوظائف والكراسي ، بالوعد والوعيد ، بالقتل والتشريد .

وما قضية سبط النبي الطاهر الحسين بن علي ، إلا قيام الحق في وجه الباطل ، الدعوة لتحقيق العدل بمكان الظلم ، النداء إلى تطبيق الاسلام الصحيح عوضاً عن الجاهلية الجهلاء ، إستقرار الحكومة الالهية التي نادى بها الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم

ص: 9

بدلاً عن الحكومة الطائشة المتحكمة على رقاب المسلمين وأموالهم وأعراضهم وكراماتهم، إزالة البدع المحدثة باسم الاسلام .. وبالأخير الإصلاح في أمة جده محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم.

وبذل الحسين عليه السلام في سبيل تحقيق هذه الأهداف المقدسة التي ليست إلا أهداف الاسلام الأسمى ، بذل نفسه الزكية ونفوس آله وأصحابه الكرام في أرض كربلا، وكسب بذلك الموقف الذي كان يستهدفه من زلزلة عروش الأمويين الأجلاف. حقق ما كان يصبو إليه وانقلبت الآية على آل أبي سفيان ، فعرف المسلمون ما كانوا يكنونه من محاربة الاسلام وإحياء سنن الجاهلية، عرفوا أن بني أمية لا يمتون الى الدين بصلة وليس لهم هم الا تحكيم حكومتهم باسم الدين الذي ليس لهم نصيب منه .

ذكرى يوم الطف دم يجري في عروق الثورات الإصلاحية داخل الدولة الاسلامية وخارجها، منها استلهم كثير من المصلحين المسلمين وغير المسلمين كانت شعاراً لهم دفعهم الى طلب الإصلاح الديني والدنيوي، رصيداً غنياً إذا استخدمه الدعاة بما لا يُخدش كرامته .

لقد عرفت الشيعة أهمية هذه الذكريات بتوجيه من أئمة الحق عليهم الصلاة والسلام ، وجددوها في كل مكان وزمان بمظاهر مختلفة وبأساليب شتى ، غير عابئين بما يخرج عليهم دعاة بني أمية ومرتزقتهم الذين يحاولون غمط الحق وتشويه الحقيقة ولا تروقهم الدعوة إلى الإصلاح والضرب على أيدي المفسدين .

الكتاب الذي يجده القارئ الكريم ماثلاً بين يديه « تاريخ النياحة » للاستاذ المرحوم السيد صالح الشهرستاني ، خير ما رأيته في تاريخ العزاء الحسيني منذ عصر الأئمة من آل البيت عليهم السلام الى حين تأليفه ، فانه استعرض تاریخ ذكری استشهاد سید

ص: 10

الأباة بأسلوب أخاذ جامع الأطراف الموضوع، استخرجه من مختلف المصادر القديمة والحديثة وكتبه بقلم أدبي رصين، فهو يجمع بين التاريخ والأدب والعواطف الدينية والانسانية .

طبع هذا الكتاب لأول مرة بطبعة غير متقنة في جزئين صغيرين، وقد أجاد أخونا فضيلة العلامة الشيخ نبيل علوان في إعادة طبعه محققاً، وأحياء بعد أن كان منسياً في زوايا الخمول .

رحم اللّه مؤلفه برحماته الواسعة، وأفاض على محققه أفضل توفيقاته، إنه واسع الرحمة فياض على عباده بالخير والبركة .

قم : يوم الأربعين ٢٠ صفر ١٤٢٤ ه

السيد أحمد الحسيني

ص: 11

ص: 12

مقدمة المحقق

اشارة

بعد التوكل على اللّه ، نبتدئ بالحمد لمالك الحمد كله ، والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة على سيد المرسلين ، وخاتم النبيين محمد صلی اللّه علیه و آله المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطاهرين الذين هم أحد الثقلين ، والمقرونين بالكتاب المبين.

حياة المؤلف

ولد السيد صالح الشهرستاني في كربلاء ( مسقط رأس أبيه وأجداده ) ليلة عيد الغدير 18 ذي الحجة 1325 ه- الموافق لعام 1907 م وقد أتم دراسته الأولية من قديمة وحديثة فيها وفي أوائل الحكم الوطني في العراق انتقل إلى بغداد حيث أتم فيها دراسته العالية متخرجا من جامعة آل البيت. وكانت الجامعة الوحيدة آنذاك. وفي أواسط سنة 1932 م اضطرته ظروفه الخاصة للنزوح الى طهران ( عاصمة ايران ) وفيها تخرج من كلية الحقوق والعلوم السياسية. وهو أديب في اللغتين العربية والفارسية وآدابهما وكاتب ضليع فيهما له تصانيف بهما بالإضافة إلى المقالات الأدبية والسياسية والتحقيقات التاريخية والأبحاث الاجتماعية التي دبجته وتدبجه يراعته بهاتين اللغتين ونشرته وتنشره له أمهات الصحف والمجلات العربية والفارسية سواء في العالم العربي أو في إيران بتوقيعه الصريح والمستعار أو

ص: 13

بدون توقيع.

كما أن له مقاماً مرموقاً في دائر الصحافة الإيرانية وخاصة جريدة إطلاعات ( أكبر الصحف الإيرانية اليومية على الاطلاق ) التي ساهم في تحرير صحفها مدة تنوف على الخمسة عشر عاماً.

ومن أهم تصانيفه :

1 - مجلة المرشد التي كانت تصدر في بغداد أثناء إقامته فيها باللغة العربية لمدة أربع سنوات متواليات.

2 - كتاب السيد جمال الدين الاسد أبادي الشهير بالافغاني بالعربية مخطوط وقد نشرت مجلة العرفان الصيداوية فصولاً منه قبل أكثر من 30 سنة.

كما أوردت فصولاً منه موسوعة ( أعيان الشيعة ).

3 - رسالة ( دليل العتبات المقدسة في العراق ) باللغة الفارسية طبع في طهران عام 1950 وقد ألفها وطبعها أثناء اشتغاله في السفارة العراقية بطهران ليستعين بها زوار العتبات المقدسة من الإيرانيين وغيرهم في تجوالهم وأثناء تنقلاتهم في العراق.

4 - تاريخ الأسرة الشهرستانية منذ أقدم العصور حتى الآن. في ثلاثة مجلدات كبيرة وباللغتين العربية والفارسية « مخطوط ».

5 - مجموعة الشهرستاني - مذكرات باللغتين ايضاً.

6 - ( من عاصرتهم ) بالعربية. « مخطوط » يتضمن تراجم من عاصرهم واتصل بهم من الشخصيات والرجال ، وله ايضاً ( شخصيات أدركتها ).

7 - ( كلمات فارسية الأصل قد استعربت ) باللغتين العربية والفارسية. وقد نشرت كل من مجلة « ماه نو » التي كانت تصدر في طهران وجريدة ( ناصر ) التي تصدر في مدينة يزد اسبوعياً فصولا من هذا الكتاب بقسمه الفارسي.

8 - تراجم كثيرة لشخصيات علمية ودينية وأدبية نشرت في المجلدات

ص: 14

الأخيرة من موسوعة ( أعيان الشيعة ) بعضها بتوقيعها الصريح وبعضها بدون توقيع مع تعليقات على بعض التراجم في تلك الموسوعة.

9 - رسالة بالعربية فيها تحقيق عن شخصية أحد أولاد الأئمة الأطهار علیهم السلام المعروف بإمام زاده يحيى والمدفون في أحد أحياء طهران القديمة ويزار ويتبرك به. « مخطوط ».

10 - رسالة كبيرة بالعربية في تاريخ حياة العلامة الإمام البروجردي الطباطبائي. حوت معلومات قيمة لم يسبق أن نشرت فيما كتب حتى الآن عن العلامة المذكور لأنها من مشاهدات الكاتب بنفسه في اجتماعاته المتكررة مع العلامة المذكور. « مخطوط ».

11 - مجموعة أدبية تضم بين دفتيها ألوفاً من القصائد القصيرة والرباعيات والأبيات الشعرية والأمثال والحكم باللغتين العربية والفارسية. وهي تتفق في المعنى والمفهوم وتختلف في اللغة والتنظيم.

12 - مجموعة تحتوي على منخبات من الشعر والأمثال والحكم باللغتين العربية والفارسية نظماً ونثراً اقتطفها من مختلف الأسفار والكتب قديمة وحديثة ووقعت من لدنه موقع الاستحسان. هذا ورغم إشتغال الاستاذ الشهرستاني بالأعمال الإدارية الكثيرة التي تستنفذ الكثير من وقته ، كان لا يترك فرصة فراغ تمر عليه دون أن يستغلها بترويض ذهنه وذاكرته بالتأليف والتحقيق والبحث والكتابة باللغتين العربية والفارسية.

وكان الأستاذ الشهرستاني بالإضافة إلى كل ذلك له إلمام واف باللغة الانجليزية التي يستعين بها أحياناً في تتباعاته. كما أنه كان يملك بداره في شمران مكتبة عامرة بالكتب العربية والفارسية وفيها بعض الكتب الخطية النادرة وكتب الأنساب المعتبرة ، وبعض المؤلفات الانجليزية.

هذا وقد نشرت مجلة « المكتبة » البغدادية في عددها 39 السنة الرابعة لشهر

ص: 15

آذار 1964 م نبذة عن الأستاذ الشهرستاني بقلم الأستاذ السيد سلمان هادي الطعمة بعنوان « أديب عراقي في طهران » قال فيها :

من الأدباء العراقيين الذين لهم منزلتهم الإجتماعية والأدبية في طهران : السيد صالح الشهرستاني فهو دبلوماسي وأديب موهوب ذو نفس وثابة للخير والفضيلة ..

وقد سبق أن أصدر مجلة « المرشد » في بغداد عام 1926 ونشر فيها الكثير من المقالات. كما وأنه ساهم في مجالات أخرى كانت تصدر في لبنان : والعراق ..

وسرعان ما انتقل إلى طهران وحط رحاله فيها وانخرط في سلك السفارة العراقية من أجل خدمة أبناء جلدته ومن ثم انتقل إلى السفارة الأردنية داره مهوى أفئدة الأدباء العراقيين والشخصيات المعروفة. ومكتبته حاوية للتراث العراقي الغزير من كتب ومجلات ..

وفي أثناء إقامتي في العاصمة الإيرانية قمت بزيارة إلى داره العامرة ودار الحديث حول الأدب العراقي والمجلات الأدبية التي تصدر هناك. فأول ما بادر الى ذهني مجلة ( المكتبة ) التي تصدرها مكتبة المثنى ببغداد. فسره أن تكون في متناول الأيدي. لأنها المجلة الأدبية - الوحيدة التي تصدر ببغداد ووعدته بارسالها لكي يكون على معرفة بالكتاب العراقي والأدب العراقي :

وقد نشرت ترجمة حياته موجزاً كثير من المجلات وكتب الإعلام - ومما جاء في مقال منشور في مجلة الاخاء التي تصدر باللغة العربية في طهران بعددها (39) المؤرخ في 1 / 5 / 1963 قول الكاتب ( تحت عنوان ادباء كربلائيون عرفتهم ) ما نصه :

السيد صالح الشهرستاني : - وهو أحد افراد اسرة علمية في كربلاء تنحدر من سلالة العلامة السيد مهدي الموسوي الشهرستاني. تولى رئاسة تحرير مجلة المرشد التي كان يصدرها في بغداد عام 1926 وفيها مقالات تطفح بالتوجيه. وقد

ص: 16

ساهم في مجلته كبار كتاب العراق. ومنهم سماحة العلامة السيد هبة الدين الحسيني الشهير بالشهرستاني. وللاستاذ صالح الشهرستاني مقالات مختلفة وتراجم وبحوث في كثير من المجلات العربية وعلى رأسها مجلة ( العرفان ) اللبنانية - إلى أن قال الكاتب - والسيد صالح اليوم يحتل مكانة مرموقة في السفارة الأردنية بطهران. انتهى.

هذا ويرتقى نسب السيد صالح الشهرستاني إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام فيعتبر بذلك من السادة الموسويين. وقد عثرنا على نسبه الطاهر الذي ندرجه فيما يلي :

السيد صالح بن المرحوم السيد إبراهيم الشهرستاني المتوفى في 25 شعبان 1376 بن السيد ميرزا صالح الشهرستاني الزعيم المعروف في كربلاء. والمتوفى في 1309 بن السيد ميرزا محمد حسين الموسوي الشهرستاني المعروف ب- ( آقا بزرك ) المتوفى في سنة 1247 بمرض الطاعون المعروف في كربلاء ابن السيد الميرزا محمد مهدي الموسوي الشهرستاني المتوفى في سنة 1216 في كربلاء ( وهو العلامة الكبير الذي يعد أحد المهادي الأربعة تلامذة العلامة المجدد آقا باقر البهبهاني ) ابن أبو القاسم بن ميرزا روح اللّه من علماء عهد السلطان الشاه حسين الصفوي بن جلال الدين الحسن بن ميرزا رفيع الدين محمد الصدر بن جلال الدين محمد بن أبو الفتوح ( الأمير نظام الدين أبو الفتوح المشهور بأمير نظاماً أو أمير فتوحاً وهو الأخ الأصغر للميرزا فضل اللّه واقف الموقوفات الشهيرة سنة 963 ه- ) ابن صدر الدين إسماعيل المشهور بمير سيد شهرستاني واقف الموقوفات المعروفة الكثيرة في إيران سنة 931 ه- ( وقد ذكره صاحب كتاب عالم آرا عباسى باسم - مير شريف شهرستاني - وكان على عهد الشاه اسماعيل الأول وقبله مستوفياً أي وزير المالية في أصفهان ) ابن زين الدين أمير علي بن صدر الدين إسماعيل بن زين الدين على بن علاء الدين الحسين بن معين الدين عبد اللّه بن ركن الدين حسين بن أشرف بن ركن الدين الحسن بن أشرف ابن نور الدين محد بن أبي طاهر عبد اللّه بن

ص: 17

محمد أبو الحرث بن علي أبي الحسن ويعرف بابن الديلمية ابن أبي طاهر عبد اللّه بن محمد أبي الحسن المحدث بن طاهر أبي الطيب بن الحسين القطعي بن موسى أبي السبحة بن ابراهيم المرتضى بن الإمام موسى بن جعفر علیهماالسلام .

هذا وكان الاستاذ السيد صالح الشهرستاني العضو الرئيسي والحساس في السفارة العراقية بطهران خلال مدة خمسة عشر عاماً أي من عام 1944 إلى أواخر عام 1958 حيث قام بدور هام خلال هذه المدة في تقريب وجهات النظر بين الحكومتين العراقية والإيرانية والتخفيف من حدة التوتر الذي كان يحصل بينهما بين آونة وأخرى. كما أنه كان نقطة الارتكاز في السفارة أثناء تلك المدة في خدمة الشعبين العربي والإيراني سيما زوار القطرين لبعضهما وقيامهم بأداء واجب الزيارة للعتبات المقدسة في العراق أو روضة الإمام الرضا علیه السلام في مشهد وسائر المراقد المقدسة في إيران. الأمر الذي جعله موضع تقدير وثناء رجال البلدين وسائر طبقات الشعبين.

وكان موقف لاستاذ الشهرستاني في يوم 14 تموز 1958 ( يوم الانقلاب العراقي ضد العهد الملكي الهاشمي في العراق ) موقفاً حياه به كل من سمع به. إذ أنه رغم جميع محاولات موظفي السفارة وعلى راسهم السفير السيد عبد الأمير الازري وقف لوحده يعارض ذلك الانقلاب الدموي ويندد به ويدافع عن العهد الملكي الهاشمي ويعدد الأخطار والمهالك والمتاعب والويلات التي كان يتوقع أن يلاقيه العراق وشعبه من جراء ذلك الانقلاب. وقد تحققت نبوءته في ذلك بعدئذ وغاب مدة قصيرة وحتى الآن وحتى أنه بلغ به التنديد بذلك الانقلاب درجة امتنع معه عن إنزال تصاوير الملك فيصل وسائر رجال الحكم المستشهدين في ذلك الانقلاب من على جدران غرفته متمسكاً بمبدأ الولاء لأولاد عمه الهاشميين العلويين الحسينين المستشهدين على يد عبد الكريم قاسم وشرذمته. الأمر الذي اغضب رجال الإنقلاب وأثار نقمتهم على الأستاذ الشهرستاني ففصلوه من

ص: 18

الخدمة بعد الانقلاب قبل ختام شهر تموز 1958 بأيام. وأضاعوا عليه جميع مزايا خدمته الطويلة. أما هو فقد تقبل هذا الفصل عن طيب خاطر غير عابئ بما حصل إرضاء لضميره وأداء لواجب الوفاء واستجابة لداعية الشهامة والإخلاص.

غير أن السفارة الاردنية الهاشمية في طهران التي كان يديرها وقتئذ السيد وصفي التل بوصفه قائماً بالأعمال والذي أصبح رئيساً للوزارة الأردنية عدة مرات فيما بعد. اتصلت بالأستاذ الشهرستاني في أمسية اليوم الذي فصل به من السفارة العراقية وأوفدت إليه أحد كبار موظفيها عارضة عليه اقتراح قبوله الإنتماء إلى السفارة الأردنية وخدمة الحكومة الهاشمية الأردنية تقديراً لموقفه النبيل من الانقلاب الدموي ضد الأسرة الهاشمية في العراق. فقبل دعوتها شاكراً. ومنذ ذلك التاريخ وحتى آخر أيام حياته تولى منصباً مرموقاً في السفارة الأردنية الهاشمية بطهران وكان له فيها مركزاً ممتازاً. فضلاً عن أنه كان موضع تقدير وثقة رجال الحكم في المملكة الأردنية الهاشمية. وليس أدل على ذلك من منحه وسام الكوكب الذي أنعمه عليه جلالة الملك حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 19 ربيع الأول 1368 تقديراً للاوصاف الحميدة التي اتصف بها ( كما جاء في عبارة البراءة الملكية في منح الوسام ) وكتاب التقدير الذي وجهه إليه العلامة السيد أكرم زعيتر وزير الخارجية الأردنية المؤرخ في 9 / 5 / 1966 وغيرها من رسائل التكريم والتقدير الكثيرة التي تضمها مكتبته العامرة في داره بمصيف شمران بإيران.

وقد نشرت مجلة الاخاء بعددها (82) الصادر في أول ايلول 1966 نبأ انعام جلالة الملك حسين على الاستاذ الشهرستاني بوسام الكوكب وهنأته عليه وقدرت ثقة الملك حسين فيه.

ص: 19

وفاته

هذا وقد توفي السيد صالح الشهرستاني يوم السبت 22 شعبان 1395 ه- الموافق 30 أغسطس 1975 في مستشفى « رضا بهلوي » بشميران ونقل جثمانه إلى مدينة كربلاء « العراق » بالطائرة حيث دفن في المقبرة الخاصة بالأسرة الشهرستانية والواقعة في باب السدرة للروضة الحسينية المقدسة قريباً من والده وزوجته العلوية « زهراء » وأخته والأفراد الآخرين من هذه العائلة الكريمة رحمهم اللّه جميعاً.

وقد استللت هذه الترجمة عن حياة المؤلف السيد صالح الشهرستاني « تغمده اللّه برحمته الواسعة » من كتابه « شخصيات أدركتها ».

المحقق

نبيل رضا علوان

قم المقدسة.

دار هجرة 26 - صفر الحرام - 1416 ه-

ص: 20

مقدمة المؤلف

كان الصديق الجليل الاستاذ السيد حسن الامين في إحدى زياراته في صيف سنة 1388 ه- ( 1968 م ) لطهران قد تكرم وعادني في داري بمصيف شمران. وفي أثناء مطالعاته في بعض مسودات إحدى مجموعاتي في مكتبتي المتواضعة عثر على قصاصات من وريقات دونت فيها نبذاً مما كنت قد نقلته من بطون مختلف الكتب والاسفار عن تاريخ العزاء الحسيني ، والتطورات التي طرأت على النياحة على الامام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام في مختلف العصور والقرون. فسألني هذا الزائر الكريم عن الهدف من تدوين هذه النبذ واستنساخها من مصادرها العديدة ، فأجبته أنها قد تكون نواة لرسالة يسعفني العمر بتدوينها وتبويبها وطبعها.

فوقعت هذه الفكرة من لدنه موقع الاستحسان والتشجيع ، وأخذ يحثني في اجتماعاتنا المتتالية ، وفي رسائله المتعاقبة لي من بيروت الى طهران على لزوم إتمام هذا المشروع وإخراجه الى حيز الطبع والنشر.

وهذه الالحاحات من السيد الأمين وحاجة المكتبات الاسلامية والعربية في مختلف أقطارها الى سفر يجمع بين دفتيه ما تناثر في بطون الكتب والمؤلفات عن تاريخ العزاء الحسيني والمناحات على الامام الشهيد علیه السلام ، دعتني بل واوجبت علي أن أبذل أقصى الجهد والتتبع والتحقيق في هذا الموضوع التاريخي الهام خلال السنوات الخمس الماضية ، وإتمامه وتدوينه في مجموعة مستقلة تسهل على القارئ

ص: 21

الكريم الرجوع اليه دون أن يضطر الى مراجعة العشرات والمئات من المؤلفات فيما لو أراد الاطلاع على بعض جوانب تاريخ العزاء الحسيني.

لقد كان التوفيق حليفي ولله الحمد في إنجاز ما اعتزمت على إتمامه وذلك في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام سنة 1393 ه- ( شباط 1973 م ). وعساني أن أكون قد أديت بذلك بعض الواجبات والخدمة لجدي الأعلى إمام الشهداء وعظيم المضحين في سبيل الحق والحققة ورفع راية القرآن الكريم.

وقد قسمت المواضيع على فصول حسب تسلسل التاريخ من صدر الاسلام حتى عصرنا هذا .. كما سيلاحظ القارئ ، ذلك. واللّه ولي القصد.

طهران - غرة ذي القعدة 1393 ه-

27 تشرين الثاني 1973 م

السيد صالح الشهرستاني

* * *

ص: 22

الفصل الأول: النبي صلی اللّه علیه و آله وأصحابه أول من بكوا الحسين علیه السلام

لقد اتفقت كتب الحديث والرواية سواء كانت من مؤلفات الشيعة أو من مصنفات إخواننا السنة على أن جبرئيل قد أوحى (1) إلى النبي صلی اللّه علیه و آله بنبأ مقتل الامام الشهيد الحسين علیه السلام ومكان استشهاده. وفيما يلي بعض هذه الروايات في ذلك :

1 - قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة « 30 » من مصنفه : ( إقناع اللائم على إقامة المآتم ) ما نصه :

ذكر الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي في كتابه ( اعلام النبوة ) صفحة 83 طبع مصر فقال :

ومن إنذاره صلی اللّه علیه و آله ما رواه عروة عن عائشة قالت : « دخل الحسين بن علي علیه السلام على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهو يوحى اليه ، فبرك عل ظهره وهو منكب ولعب على ظهره ، فقال جبرئيل : يا محمد ، إن أمتك ستفتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك ، ومد يده فأتاه بتربة بيضاء وقال : في هذه الأرض يقتل ابنك - اسمها الطف -. فلما ذهب جبرئيل خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الى أصحابه والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ فقال : أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني

ص: 23


1- اما ان نقول : « أن جبرئيل قد اخبر النبي » او نقول : « ان اللّه اوحى للنبي ».

بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه » (1) انتهى.

ثم يضيف السيد محسن العاملي على ذلك بقوله :

أقول : ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يبكي لقتل ولده وتربته بيده ، وأخبرهم بما أخبره جبرئيل من قتله ، وأراهم تربته التي جاء بها جبرئيل ، أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه وواسوه في الحزن على ولده ، فان ذلك مما يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي صلی اللّه علیه و آله والصحابة ، فكيف بهم معه؟! فهذا أول مأتم أقيم على الحسين علیه السلام يشبه مآتمنا التي تقام عليه ، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله والمستمعون أصحابه.

2 - جاء في الصفحة «31» من الكتاب نفسه :

وفي ( منتخب كنز العمال صفحة 112 الجزء الخامس ) للشيخ علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي من علماء أهل السنة. قال :

أخرج الطبراني في الكبير (2) : عن المطلب بن عبد اللّه بن حنطب ، عن أم سلمة قالت : كان النبي صلی اللّه علیه و آله جالساً ذات يوم في بيتي فقال : « لا يدخلن علي أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج النبي صلی اللّه علیه و آله يبكي ، فاطلعت فاذا الحسين في حجره أو الى جنبه يمسح رأسه وهو يبكي. فقلت : واللّه ما علمت به حتى دخل. قال النبي صلی اللّه علیه و آله : إن جبرئيل كان معنا في البيت فقال : أتحبه؟ فقلت : أما من حب الدنيا نعم ، فقال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء. فتناول من ترابها فأراه النبي صلی اللّه علیه و آله ، فلما أحيط بالحسين حين قتل قال : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا :

ص: 24


1- وذكر الخبر ايضاً بالفاظ مختلفة وبطرق متعددة في المصار التالية : مستدرك الصحيحين 3 : 176 ، 4 : 398 ، مسند أحمد بن حنبل 3 : 242 ، 265 ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى 147 ، 148 ، والمتقي الهندي في كنز العمال 6 : 222 ، 223 ، 7 : 106 ، والصواعق المحرقة : 115 ، والهيثمي في معجمه 9 : 187 ، 188 ، 189 ، 191.
2- المعجم الكبير للطبراني 23 : 289 / 637.

ارض كربلاء ، قال : صدق رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أرض كرب وبلاء .. ».

أقول : وقد نقلت هذه الرواية كثير من كتب أهل السنة بنفس العبارة أو بتعديل فيها ، كصاحب العقد الفريد (1) في الجزء الثاي ، وأحمد بن حنبل (2) ، وأبي يعلى ، وابن سعد ، والطبراني ، وأنس بن مالك ، وابن عساكر ، وغيرهم كثيرون (3). ورواها أيضاً من الشيعة كثيرون من علمائها ، منهم الشيخ أبو جعفر محمد بن علي المعروف بابن بابويه القمي عن الامام الخامس محمد الباقر علیه السلام بهذه العبارة :

« كان النبي صلی اللّه علیه و آله في بيت أم سلمة فقال لها : لا يدخل علي أحد ، فجاء الحسين وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبي صلی اللّه علیه و آله ، فدخلت أم سلمة على أثره ، فاذا الحسين على صدره ، وإذا النبي صلی اللّه علیه و آله يبكي وإذا في يده شيء يقبله. فقال النبي صلی اللّه علیه و آله : يا أم سلمة ، إن هذا جبرئيل يخبرني أن ابني هذا مقتول ، وهذه التربة التي يقتل عليها ، فضعيها عندك فاذا صارت دماً فقد قتل حبيبي ... » (4). انتهى قول العلامة العاملي.

3 - ذكر الشيخ المفيد في إرشاده ما لفظه :

روى الاوزاعي عن عبد اللّه بن شداد عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقالت : يارسول اللّه ، رأيت الليلة حلما منكراً. قال : وما هو؟ قالت : انه شديد. قال : ما هو؟ قلت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ؛ فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : خيراً رأيت تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة الحسين علیهماالسلام ، قالت : وكان في حجري كما قال رسول

ص: 25


1- عقد الفريد 4 : 383 / 10.
2- مسند أحمد بن حنبل 6 : 294.
3- كنز العمال 13 : 656 / 37666 عن ابن ماجه والطبراني وأبي نعيم.
4- امالي الصدوق : 130 / 3.

اللّه صلی اللّه علیه و آله فدخلت به يوماً على النبي - وأنا أحمل الحسين - (1) فوضعته في حجره ، ثم حانت مني التفاتة فاذا عينا رسول اللّه تهرقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما لك؟! قال : أتاني جبرئيل فأخبرني ان طائفة من أمتي ستقتل ابني هذا. وقلت : هذا؟ قال : نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء » (2) الخ.

وروى سماك ، عن ابن مخارق ، عن ام سلمة رضي اللّه عنها قالت : بينا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ذات يوم جالس والحسين جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع ، فقلت له : يا رسول اللّه ، مالي أراك تبكي ، جعلت فداك؟! فقال : « جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله ، لاأنالهم اللّه شفاعتي » (3).

وروى باسناد آخر عن أم سلمة أنها قالت : خرج رسول اللّه وهو اشعث أغبر ويده مضمومة ، فقلت له : يا رسول اللّه ، مالي أراك شعثاً مغبراً؟ فقال : أسري بي في هذا الوقت الى موضع من العراق يقال له : كربلاء ، فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي وبسطها الي فقال : خذيها واحتفظي بها ، فاخذتها فاذا هي شبه تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها ، فلما خرج الحسين من مكة متوجهاً نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر اليها ثم أبكي لمصابه ، فلما كان اليوم العاشر من محرم - وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين - أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ثم عدت اليها آخر النهار ، فاذا هي دم عبيط فضججت في بيتي وبكيت ، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي بنعيه

ص: 26


1- ليس في المصدر.
2- ارشاد الشيخ المفيد 2 : 129 ، وينابيع المودة 2 : 318 عن البيهقي.
3- ارشاد المفيد 2 : 130.

فحقق ما رأيت (1).

4 - جاء في « مسند أحمد بن حنبل 1 : 85 » : « بسنده عن عبد اللّه بن نجى عن ابيه انه سار مع علي علیه السلام وكان صاحب مطهرته - أي الاناء الذي يتطهر به ويتوضأ منه - فلما حاذى نينوي ، وهو منطلق الى صفين ، فنادى علي علیه السلام : إصبر أبا عبد اللّه ، إصبر أبا عبد اللّه بشط الفرات. قلت : وما ذاك؟ قال : دخلت على النبي صلی اللّه علیه و آله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت ؛ يا نبي اللّه ، أغصبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال : بل قام من عندي جبرئيل قبل أمد فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال : فقال : هل لك الى أن أشمك من تربته؟ قال : قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا .. ».

ونقل هذا الحديث بنفس العبارة أو مع إضافة عليها كتاب « الصواعق المحرقة » (2) لابن حجر ، وكتاب « منتخب كنز العمال » (3) ، وسبط ابن الجوزي الحنفي في « تذكرة الخواص » (4) ، والبغوي في معجمه ، وغيرهم كثيرون من رواة السنة والشيعة.

5 - وأخرج ابن سعد هذه الحكاية عن عائشة باضافة : « إن جبرئيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين ، فاشتد غضب اللّه على من يسفك دمه. فيا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني ، فمن هذا من أمتي يقتل حسيناً بعدي؟ » (5).

6 - أخرج أحمد بن حنبل فيما أخرجه من مسند ابن عباس ، قال : « رأيت النبي صلی اللّه علیه و آله فيما ير النائم بنصف النهار ، وهو قائم أشعث أغبر ، بيده قاروروة فيها

ص: 27


1- ارشاد المفيد 2 : 130.
2- الصواعق المحرقة / 115.
3- كنز العمال 7 : 105 ، وابن حجر في تهذيب التهذيب 2 : 347.
4- تذكرة الخواص : 225.
5- الصواعق المحرقة لابن حجر 115 قال أخرجه ابن سعد مع اختلاف في اللفظ.

دم. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ، ما هذا؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم فاحصينا ذلك فوجدوه قتل في ذلك اليوم (1).

7 - جاء في الصفحة «39» من كتاب « إقناع اللائم » المار ذكره ما نصه : « روى ابن شهر آشوب في المناقب (2) عن جامع الترمذي وكتاب السدي وفضائل السمعاني ، أن أم سلمة قالت : رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في المنام وعلى رأسه التراب. فقلت : مالك يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ فقال : شهدت قتل الحسين آنفاً .. ».

أقول : ومن روايات أصحابنا في ذلك ما رواه الصدوق في الأمالي (3) بسنده عن سلمى (4) قالت : « دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت لها : ما يبكيك؟ قالت : رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في المنام وعلى رأسه ولحيته أثر التراب فقلت : مالك يا رسول اللّه مغبراً؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفاً ».

وروى المفيد في المجالس والشيخ الطوسي في الأمالي بسندهما عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام قال : « أصبحت يوماً أم سلمة تبكي ، فقيل لها : مم بكاؤك؟ فقالت : لقد قتل ابني الحسين الليلة ، وذلك أنني ما رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله منذ مضى إلا الليلة ، فرأيته شاحباً كئيباً. فقلت : مالي أراك يا رسول اللّه شاحباً كئيباً؟ فقال : لم أزل منذ الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه » (5).

هذا وقد رويت امثال هذه الأحاديث باسانيدها من مصادر شيعية وسنية موثوق بها بكثرة لا تحصى.

ص: 28


1- مسند أحمد بن حنبل 1 : 242 ، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه 1 : 142 ، وابن الأثير في اسد الغابة 2 : 22 ، وابن حجر في اصابته 2 : 17 مع اختلاف فيه ورواه غير هؤلاء ايضاً من ائمة الحديث.
2- مناقب آل ابي طالب 4 : 55.
3- امالي الصدق 119 / 1 مع اختلاف فيه.
4- سلمى : هي زوجة أبي رافع مولى النبي صلی اللّه علیه و آله .
5- مشكاة المصابيح: 570، أسد الغابة 22:2.

8 - وقد أشار ابن نباتة في كتاب خطبه المشهور الذي وضعه ليقرأ على منابر الاسلام في الجمعات ، ولا يزال يقرأ على المنابر الى اليوم حيث قال في الخطبة الثانية للمحرم ضمن ما قال :

« وكان عليه الصلاة والسلام - يعني الرسول صلی اللّه علیه و آله - من حبه للحسين يقبل شفتيه ، ويحمله كثيراً على كتفه فكيف لو رآه ملقى على جنبيه ، شديد العطش والماء بين يديه ، وأطفاله يضجون بالبكاء عليه؟ لصاح عليه الصلاة والسلام وخر مغشياً عليه. فتأسفوا رحمكم اللّه على هذا السبط السعيد الشهيد ، وتسلوا بما أصابه لكم من موت الأحرار والعبيد واتقوا اللّه حق تقواه .. ».

9 - أما أم سلمة فهي إحدى زوجات الرسول الأكرم صلی اللّه علیه و آله ، وقد تقدم بها العمر الى أواخر سنة 61 للهجرة التي توفيت فيها. وتقول الدكتورة بنت الشاطئ في الصفحة «320» من كتابها « موسوعة آل النبي » الذي تكرر طبعه عدة مرات في القاهرة وبيروت ، عن هذه السيدة الجليلة ما نصه :

« وتقدم العمر بأم سلمة زوجة النبي حتى امتحنت كما امتحن الاسلام كله بمأساة كربلاء ومذبحة أهل بيت الرسول هناك. وتقول رواية : انها ماتت في آخر سنة 61 هجرية ، بعد ما جاءها نعي الحسين بن علي علیه السلام - الى ان تقول بنت الشاطئ - : وأم سلمة آخر من مات من نساء النبي صلی اللّه علیه و آله وصلى عليها أبو هريرة الصحابي ، ودفنت بالبقيع .. ».

10 - أقول : لقد وصل نبأ فاجعة كربلاء واستشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي علیه السلام وأصحابه في الطف في أواخر شهر محرم سنة 61 ه- الى المدينة المنورة ، ثم كان ما كان من هياج أهل الحجاز وخاصة مكة المكرة والمدينة لهذا الحادث الجلل والمصاب العظيم ، مما سيأتي تفصيله في الفصول التالية.

* * *

ص: 29

ص: 30

الفصل الثاني: بكاء علي وفاطمة على ابنهما علیهم السلام

وكان الامام أبو الشهداء ، علي بن أبي طالب علیه السلام قد بكى ابنه سيد الشهداء الحسين علیه السلام أيضاً ، والروايات في ذلك متضافرة ، وأنقل هنا بعضها :

1 - جاء في الصفحة «65» من كتاب « إقناع اللائم » للعلامة الأمين ما نصه :

روى الصدوق في الامالي بسنده عن ابن عباس قال : « كنت مع أمير المؤمنين علي علیه السلام في خروجه الى صفين ، فلما نزل نينوى ، وهي بشط الفرات ، قال بأعلى صوته : يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين ، فقال علیه السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي ، قال : فبكى كثيراً حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه وهو يقول : آه آه ، مالي ولآل أبي سفيان (1) ، صبراً يا أبا عبد اللّه ، فقد لقى أبوك مثل الذي تلقى منهم » (2).

2 - وروى ذلك غيره كسبط ابن الجوزي الحنفي في « تذكرة الخواص » حيث قال : روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل علي علیه السلام الى كربلاء وقف وبكى وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ها هنا ، هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل ، ثم ازداد بكاؤه (3).

ص: 31


1- في الاصل زيادة « مالي ولآل حرب ، حزب الشيطان واولياء الكفر ».
2- امالي الصدوق : 478 / 5.
3- تذكرة الخواص : 225.

وروي هذا الحديث أيضاً في مسند ابن حنبل (1) وصواعق ابن حجر (2) ، وفي منتخب كنز العمال (3) مع تفاوت في العبارة.

3 - قال ابن حجر في صواعقه في الفصل الثالث من الباب «11» : روى الملا : ان علياً مر بقبر الحسين فقال : « ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وهاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والارض .. » (4).

4 - روى ابن قولويه في الكامل بسنده عن الامام جعفر الصادق علیه السلام قال : « نظر علي الى الحسين فقال : يا عبرة كل مؤمن فقال : أنا يا أبتاه؟ فقال : نعم يا ابني .. » (5).

5 - جاء في الصفحة «12» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية ، لمؤلفه السيد محمد حسن آل الكيلدار ما لفظه :

« ويروي المفيد في إرشاده عن عثمان بن قيس العامري ، عن جابر بن الحر عن جويرية بن مسهر العبدي قال : كنت مع الامام علي علیه السلام عندما (6) توجهنا الى صفين عام 36 ه- فبلغنا طفوف كربلاء ، فوقفت في ناحية من المعسكر ، ثم رأيت الامام عليه علیه السلام ينظر يميناً وشمالاً واستعبر ، ثم قال : « هذا واللّه مناخ ركابهم وموضع قتلهم فسئل ما هذا الموضع؟ فاجاب علیه السلام ؛ هذه كربلاء ، يقتل فيها قوم يدخلون الجنة بغير حساب. ثم سار الامام دون أن يعرف الناس تأويل حديثه حتى كان

ص: 32


1- مسند أحمد بن حنبل 1 : 82.
2- الصواعق المحرقة : 115.
3- منتخب كنز العمال 5 : 112 في هامش مسند أحمد بن حنبل.
4- الصواعق المحرقة : 115.
5- كامل الزيارات : 108.
6- ليس في المصدر « كنت مع الامام عليه علیه السلام عندما » ، وانما بدلها ( لما توجهنا مع أمير المؤمنين عليه بن أبي طالب علیه السلام الى صفين ).

أمر الحسين علیه السلام ومقتله في كربلاء عام 61 ه- » (1).

اقول : وقد رأيت هذا الحديث في الصفحة «156» من كتاب « الارشاد » للشيخ المفيد قدس سره ، المتوفى سنة 413 ه-

6 - جاء في الصفحة «108» من كتاب « اقناع اللائم » ما نصه :

أورد ابن قولويه في الكامل بسنده عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق علیه السلام انه قال : « نظر أمير المؤمنين علیه السلام الى الحسين فقال : يا عبرة كل مؤمن. فقال : أنا يا أبتاه؟ فقال : نعم يا بني » (2).

7 - أما السيدة فاطمة الزهراء أم الامام الشهيد علیه السلام فقد تواترت الروايات أيضاً عن بكائها عليه في مواقف مختلفة ، من ذلك ما جاء في الصفحة «94» من أمالي الشيخ المفيد ، نقلاً عن النيسابوري : « ن درة النائحة رأت فاطمة الزهراء علیهاالسلام فيما يرى النائم انها وقفت على قبر الحسين تبكي وأمرتها أن تنشد :

أيها العينان فيضا *** واستهلا لا تغيضا

وابكيا بالطف ميتا *** ترك الصدر رضيضا

لم أمرضه قتيلا *** لا ولا كان مريضا

8 - نقل كتاب « بغية النبلاء » لمؤلفه السيد عبد الحسين سادن الروضة الحسينية بكربلا في صفحة «154» عن كتاب « نشوار المحاضرة » لمؤلفه أبي علي القاضي التنوخي المتوفى سنة 384 ه- ما عبارته :

« حدثني أبي قال : خرج الينا يوماً أبو الحسن الكاتب فقال : أتعرفون ببغداد رجلاً يقال له ابن أصدق؟ قال : فلم يعرفه من أهل المجلس غيري ، فقلت : نعم ، فلماذا سألت عنه؟ فقال : أي شيء يفعل؟ قلت : ينوح على الحسين علیه السلام . قال :

ص: 33


1- ارشاد المفيد 1 : 332 ، وقعه صفين لابن مزاحم 140 - 141 ، والصدوق في اماليه 117 / 6 ، ونقله العلامة المجلسي في البحار 41 : 286 / 6.
2- كامل الزيارات : 108.

فبكى أبو الحسن وقال : إن عندي عجوزاً ربتني من أهل كرخ جدان عفيطة اللسان (1) الأغلب على لسانها النبطية لا يمكنها أن تقيم كلمة عربية صحيحة فضلاً عن أن تروي شعراً ، وهي من صالحات نساء المسلمين ، كثيرة الصيام والتهجد وانها انتبهت البارحة في جوف الليل ومرقدها قريب من موضعي ، فصاحت بي : يا أبا الحسن ، فقلت :مالك؟ فقالت : الحقني ، فجئتها فوجدتها ترتعد. فقلت : ما اصابك؟ فقالت : إني كنت قد صليت وردي فنمت ، فرأيت الساعة في منامي كأني في درب من دروب الكرخ ، وإذا بحجرة نظيفة ، مليحة الساحة ، مفتوحة الباب ، ونساء وقوف ، فقلت لهن : من مات أو ما الخبر؟ فأومأن الى داخل الدار فدخلت ، فاذا بحجرة نظيفة في نهاية الحسن ، وفي صحنها امرأة شابة لم أر قط أحسن منها ولا أبهى ولا أجمل ، وعليها ثياب حسنة بيضاء مروي لينة وهي ملتحفة فوقها بأزار أبيض جداً وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً. فقلت : من أنت ، فقالت : لاعليك ، أنا فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وهذا رأس ابني الحسين علیه السلام . قولي لابن اصدق ينوح :

لم أمرضه فأسلوا *** لا ولا كان مريضا

فانتبهت فزعة. قال : وقالت العجوز : « لم امرطه » بالطاء لانها لا تتمكن من إقامة الضاد ، فسكنت روعها الى ان نامت.

ثم قال لي : يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل قد حملتك الامانة ولزمتك أن تبلغها له. فقلت : سمعاً وطاعة لأمرسيدة نساء العالمين.

قال : وكان هذا في شعبان والناس اذ ذاك يلقون جهداً جهيداً من الحنابلة اذا أرادوا الخروج الى الحاير. فلم أزل أتلطف حتى خرجت فكنت في الحاير ليلة النصف من شعبان فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته ، فقلت له : إن فاطمة علیهاالسلام

ص: 34


1- عفيطة اللسان : اي لكناء يصعب عليها الكلام.

تأمرك بان تنوح بالقصدية.

لم أمرضه فأسلوا *** لا ولا كان مريضا

وما كنت أعرف القصيدة قبل ذلك. قال : فانزعج من ذلك ، فقصصت عليه وعلى من حضر الحديث ، فاجتمعوا بالبكاء وماناح تلك الليلة إلا بهذه القصيدة ، وأولها :

أيها العينان فيضا *** واستهلا لا تغيضا

وهي لبعض الشعراء الكوفيين. وعدت الى أبي الحسن فاخبرته بما جرى.

9 - جاء في الصفحة «39» من المجلد «13» من موسوعة « أعيان الشيعة » لمؤلفه العلامة السيد الأمين العاملي ، نقلاً عن كتاب « اللّهوف » للسيد ابن طاووس ما نصه :

« إن إحدى السبايا [ كانت ] سكينة بنت الحسين قالت : لما كان اليوم الرابع من مقامنا بدمشق رأيت في المنام امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها ، فسألت عنها فقيل لي : هذه فاطمة بنت محمد صلوات اللّه عليها أم أبيك ، فقلت : واللّه لا نطلقن اليها ولا خبرنها ما صنع بنا ، فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها ، فوقفت بين يديها ابكي وأقول : يا أماه جحدوا واللّه حقنا. يا أماه بددوا واللّه شملنا ، يا أماه استباحوا واللّه حريمنا ، يا أماه قتلوا واللّه الحسين أبانا. فقالت لي : كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي ، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى ألقى اللّه به .. » (1).

ص: 35


1- اللّهوف لابن طاووس : 82.

ص: 36

الفصل الثالث: أهل الحجاز يبكون الحسين علیه السلام عند مفارقته لهم

ولما عزم الامام الحسين علیه السلام على مغادرة مدينة جده المصطفى صلی اللّه علیه و آله والتوجه الى العراق تلبية لنداءات ورسائل ورسل أهل الكوفة عز على أهل المدينة أن يفارقهم سبط الرسول صلی اللّه علیه و آله وهم في أمس الحاجة الى زعامته وإمامته وإرشاداته فتوسلوا اليه أن يعدل عن هذه الرحلة ذات المصير المجهول ، والاعداء - وخاصة الامويون منهم - مترصدون له وعازمون على قتله والفتك به وبأصحابه ، والقضاء على نهضته الاصلاحية التي بها احياء لدين جده محمد صلی اللّه علیه و آله مهما كلفهم الأمر. ولكن الامام الحسين علیه السلام كان قد قر قراره على الرحيل لأمور كان هو أعلم بها. وفيما يلي بعض المرويات عن بدء الامام بهذه الرحلة المشؤومة :

1 - جاء في الصفحة «75» من المجلد الرابع من موسوعة « أعيان الشيعة » القسم الاول منها عند بيان تفاصيل كيفية خروج الحسين علیه السلام من المدينة يصحبه اخوته وأهله وشيعته يريد مكة ثم الكوفة قوله :

« وأقبلت نساء عبد المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن أن الحسين علیه السلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن الحسين علیه السلام فقال : أنشدكن اللّه أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله ، فقالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، ورقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، جعلنا اللّه فداك من الموت يا حبيب الأبرار

ص: 37

من أهل القبور .. ».

وكأن القدر كان أوحى لهؤلاء النسوة بأن الامام وأهل بيته ومن يرافقه في هذه الرحلة مستشهدون لا محالة.

2 - وفي الصفحة «42» من كتاب « المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية » لمؤلفه العلامة الامين العاملي عند ذكر اجتماع محمد ابن الحنفية - أخي الامام الحسين علیه السلام - في المدينة به قبيل مغادرة الامام لها ، ونصيحة محمد للحسين بأن يخرج الى مكة فان اطمأن الى أهلها وإلا فإلى اليمن ، وإلا اللحاق بالرمال وشعوب الجبال ، هرباً من تعقيب يزيد وزمرته الامويين له ، قال له الحسين : يا أخي واللّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقطع محمد بن الحنفية عليه الكلام وبكى فبكى الحسين علیه السلام معه ساعة ثم قال : يا أخي ، جزاك اللّه خيراً ، فقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج الى مكة.

3 - وفي الصفحة «45» من الكتاب نفسه ، ينقل المؤلف الجليل كيفية خروج الحسين علیه السلام من مكة وشخوصه مع أهله وأصحابه الى العراق في 8 ذي الحجة سنة 60 ه- ، واجتماع أخيه محمد ابن الحنفية به مرة أخرى ومنعه من السفر الى العراق والرحيل الى اليمن ، وامتناع الامام علیه السلام عن ذلك ، ثم يقول :

« وسمع عبد اللّه بن عمر بخروج الامام من مكة فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعاً فأدركه في بعض المنازل ، فقال له : أين تريد يا بن رسول اللّه؟ قال : العراق. قال : مهلاً ارجع الى حرم جدك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فأبى الحسين علیه السلام فلما رأى ابن عمر إباءه فقال : يا أبا عبد اللّه اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول اللّه يقبله منك ، فكشف الحسين علیه السلام عن سرته ، فقبلها ابن عمر ثلاثاً وبكى ، وقال : استودعك اللّه يا أبا عبد اللّه فانك مقتول في وجهتك هذه ... ».

* * *

ص: 38

الفصل الرابع: الحسين علیه السلام يتنبأ الكارثة

لم يكد الامام الشهيد يغادر مكة يوم 8 ذي الحجة سنة 60 ه- قاصداً العراق إلا وأخذت الأنباء المحزنة تتوارد عليه فيما يلاقيه رسله وموفدوه من نشوز وظلم وبغي وخيانة من أهل الكوفة بعد وصول الوالي الجديد اليها عبيد اللّه ابن زياد. وقد أصبح الامام متأكداً من أنه وآله وأصحابه ملاقون أسوأ المصير فيما هم عازمون عليه. ولكن لاراد لإرادة اللّه. وفيما يلي بعض ما يؤيد ذلك :

1 - جاء في كتاب « المجالس السنية » صفحة «53» عند ذكر حادث مسلم ابن عقيل في الكوفة ، ومحاربته جلاوزة الوالي الغشوم عبيد اللّه بن زياد ، ثم مقتل مسلم ، ما عبارته :

« وفي رواية المفيد : أن مسلم أخذ بالأمان بعد أن عجز عن القتال ، فأتي ببغلة فحمل عليها ، واجتمعوا حوله وانتزعوا منه سيفه ، فكأنه عند ذلك يئس من نفسه ، فدمعت عيناه ثم قال : هذا أول الغدر. قال له محمد بن الاشعث ارجو أن لا يكون عليك بأس فقال : وما هو إلا الرجاء ، أين أمانكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى ، فقال له عبيد اللّه بن العباس السلمي : إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك. فقال : إني واللّه ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل أرثي وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكني أبكي لأهلي المقبلين ، أبكي

ص: 39

للحسين وآل الحسين .. » (1).

2 - وجاء في الصفحة «58» من نفس الكتاب بعد ذكر مجزرة مقتل مسلم ابن عقيل في الكوفة ما نصه :

« وفي أثناء لطريق منمكة الى العراق لقي الفرزدق الشاعر الامام الحسين علیه السلام فسلم عليه وقال له : يا ابن رسول اللّه ، كيف تركن الى أهل الكوفة ، وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته؟ فاستعبر الحسين علیه السلام ثم قال : رحم اللّه مسلماً .. ».

3 - وفي الصفحة «64» من ذاك الكتاب ورد ذكر قصة نزول الحسين علیه السلام في الثعلبية بطريقه من الحجاز الى العراق ، ووصول أحد الأسديين من الكوفة ورؤيته مقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة في الكوفة ، وإخبار رجلين من الرحل الحسيني بهذا النباء المفجع ، ثم يستطرد الكتاب بعد ذلك ويقول : « فسكت الامام ، وارتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل ، وسالت الدموع عليه كل مسيل .. ».

4 - وجاء في الصفحة «73» من الكاتب المذكور بعد ذكر وصول ركب الامام الشهيد الى القرب من كربلاء يوم أول محرم سنة 61 ه- قوله : « فقال الحسين جواباً لمن اقترح عليه أن يبدأ بقتال الحر وجيشه : ما كنت لأبدأهم بالقتال. فقال له زهير : فسر بنا يا ابن رسول اللّه حتى ننزل كربلاء فانها على شاطئ الفرات فنكون هناك ، فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا اللّه عليهم. قال : فدمعت عينا الحسين علیه السلام ثم قال : اللّهم أعوذ بك من الكرب والبلاء .. ».

هذا ويستدل من الروايات المتواترة والأحاديث المتوفرة : ان الامام الحسين علیه السلام كان متأكداً من أنه قتيل آل أمية مهما حاول التملص من ذلك. وإن

ص: 40


1- ارشاد المفيد 2 : 59.

تنبؤاته بهذا المصيرالمحزن كثيرة ، استناداً الى ما كان قد سمعه من جده المصطفى صلی اللّه علیه و آله ومن أبيه الكرار علیه السلام ، وتطبيقاً منه لمجريات الحوادث التي كانت تمر عليه في كل يوم وليلة منذ أواخر عهد معاوية بن أبي سفيان وبعد استيلاء يزيد على الحكم. وفيما يلي بعض ماعثرت عليه في بطون الكتب في هذا الأمر :

5 - نقل كتاب « إقناع اللائم » في صفحته «189» عن مقال للمستشرق الالماني الشهير ( ماربين ) حول فاجعة كربلاء ، ما ترجمته تالياً.

« وأكبر دليل على أن الحسين علیه السلام كان ذاهباً لمصرعه ولم يقصد السلطنة والرئاسة أبداً ، هو أنه مع ذلك العلم ، وتلك السياسة والتجربة التي اكتسبها في عهد ابيه وأخيه في قتالهم مع بني أمية ؛ كان يعلم أنه لا يملك الاستعدادات اللازمة مع تلك القوة التي كانت ليزيد لتمكنه من المقاومة. وأيضاً فان الحسين بعد قتل أبيه كان يخبرعن نفسه أنه مقتول لا محالة ، ومن الساعة التي خرج فيها من المدينة كان يقول بصوت عال وبلا تستر : إنني ذاهب للقتل. وكان يصرح بذلك لاصحابه إتماماً للحجة ، وليبرئ نفسه من أنه يجاهد طمعاً في الجاه ، وكانت لهجته على الدوام : إن أمامي طريق المصرع. ولو لم يكن الحسين بهذه الافكار لم يكن ليستسلم للموت ، بل كان يسعى لاعداد جيش ، لا أن يفرق الجماعة الذين معه ، ولما لم يكن له قصد سوى القتل الذي هو مقدمة لتلك الأفكارالسامية ، وتلك الثورة المقدسة ، التي كانت في نظره أنها أكبر وسيلة لتلك الثورة التي سيفقد فيها الأنصار ويصاب بها بالقتل مظلوماً شهيداً ، لذلك اختارها لتكون مصائبه أشد تأثيراً في القلوب .. ».

ثم يستطرد الكاتب الالماني فيقول :

« إنه - أي الحسين - لم يتحمل هذه المصائب للحصول على السلطنة ، ولم يرد هذه المهلكة العظمى على غير علم ، كما تصور ذلك بعض مؤرخينا ، بدليل : أنه كان قبل هذه الواقعة بسنين متطاولة يترنم بذكر مصائبه التي ستقع على سبيل التسلية

ص: 41

لخواص أصحابه من ذوي الافكارالعالية والأدمغة الواسعة قائلاً : سيظهر اللّه بعد قتلي وظهور تلك المصائب المفجعة اقواماً يميزون الحق من الباطل ، ويزورون قبورنا ، ويبكون على مصائبنا ، ويأخذون الثار من أعداء آل محمد صلی اللّه علیه و آله . هؤلاء الجماعة يروجون دين اللّه وشريعة جدي ، ونحبهم أنا وجدي ، وسيحشرون معنا يوم القيامة .. ».

6 - جاء في الصفحة «29» من كتاب « لمعة من بلاغة الحسين علیه السلام » لمؤلفه السيد مصطفى محسن الاعتماد الموسوي الحائري من خطبة للحسين علیه السلام عند عزمه على المسير من الحجاز الى العراق قوله : « وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً. لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا اللّه رضانا اهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفينا أجور الصابرين ... ».

7 - وجاء في الصفحة «32» من الكتاب نفسه في جواب الامام علي علیه السلام لأبي هرم - لما قال له : يا ابن رسول اللّه ، ماالذي أخرجك عن حرم جدك - قوله : « يا أبا هرم ، إن بني أمية شتموا عرضي فصبرت ، وأخذوا مالي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت : وأيم اللّه ليقتلونني فيلبسهم اللّه ذلاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ... ».

8 - جاء في الصفحة «35» من هذا الكتاب ايضاً - مانصه - عند مخاطبة الامام أصحابه قوله : « قال الحسين علیه السلام : إن رسول اللّه قال لي : يا بني إنك ستساق الى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى عجوزاً وإنك تستشهد بها ، ويستشهد معك جماعة من أصحابك تكون الحرب عليك وعليهم سلماً ... ».

9 - وفي الصفحة «37» منه جاء ضمن خطبة للامام علیه السلام يخاطب بها أصحابه ما لفظه : « وقد قال جدي رسول اللّه : ولدي حسين يقتل بطف كربلاء غريباً وحيداً عطشاناً ... ».

ص: 42

10 - وورد في الصفحة «67» منه في جواب للامام الشهيد علیه السلام على كتاب عبد اللّه بن جعفر الطيار الذي يرجو فيه من الامام عدم مغادرة مكة الى الكوفة لأن فيها هلاك الامام وصحبه ما نصه : « إعلم أني قد رأيت جدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في منامي فأخبرني بأمر أنا ماض له. فو اللّه يا ابن العم لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني حتى يقتلوني ... ».

11 - جاء في الصفحة «637» من كتاب« موسوعة آل النبي » للدكتورة بنت الشاطئ مانصه : « وكان الحسين - فيما يروي عدد من المؤرخين الاخباريين - يعلم منذ طفولته بما قدر له. كما كان دور أخته زينب حديث القوم منذ ولدت ، فهم يذكرون : أن سلمان الفارسي أقبل على علي علیه السلام يهنئه بوليدته ، فألفاه واجماً حزيناً يتحدث عما سوف تلقى ابنته في كربلاء. وبكى علي الفارس الشجاع ، ذو اللواء المنصور ، والملقب بأسد الاسلام ».

12 - جاء في الصفحة «685» من الموسوعة نفسها عند ذكرها إحضار والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان الحسين علیه السلام ليأخذ منه البيعة ليزيد ، وامتناع الامام عن ذلك ، وما حدث له في مجلس الوليد قولها : « خرج الحسين حتى أتى منزله وألقى الى أهله النبأ وأسر لهم بعزمه على الرحيل ».

ومر بمسجد المدينة. ويقال انه سمع اذ ذاك يتمثل بقول ابن مفرغ :

لا ذعرت والسوام في فلق الصبح *** مغيرا ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى من المهانة حيناً *** والمنايا يرصدنني إذ أحيدا

13 - وفي الصفحة «702» من نفس الموسوعة عند الحديث عن منع عبد اللّه ابن جعفر الحسين علیه السلام من الشخوص الى العراق وامتناع الامام عن ذلك وإصراره على الرحيل الى الكوفة قولها : « ثم مشى الحسين في طريقه لا يلوي على شيء فزار قبر جده مودعاً وهو يقول :

وقد غسلت يدي من الحياة ، وعزمت على تنفيذ أمر اللّه ».

ص: 43

14 - وفي الصفحة «706» من نفس الموسوعة ذكر عن مثول الاسديين الآتيين من الكوفة بين يدي الحسين علیه السلام في الطريق وإخباره بمقتل مسلم بن عقبيل ، ثم تقول : « فساد القوم - أنصار الحسين ومرافقيه - وجوم حزين لم يطل. ثم أعولت النساء وضج الجميع بالبكاء ، وكانت مناحة في العراء.

وحين خفت ضجة النياح أراد الحسين أن يرجع بآله ، فوثب عند ذلك بنو عقيل وهم يصيحون :

لا نرجع واللّه أبداً حتى ندرك ثارنا أو نذرق ما ذاق أخونا ونقتل بأجمعنا.

فنظر الحسين الى الأعرابيين اللذين نصحاه بالرجوع وقال في جد وأسى : لا خير في العيش بعد هؤلاء ، وأمن القدر على ما قاله بنو عقيل فلم يرجعوا بل قتلوا أجمعين ... ».

* * *

ص: 44

الفصل الخامس: الحسين علیه السلام ينعى نفسه ويبكي آله

تتابعت الروايات من المؤرخين وأرباب السير على أن الامام الشهيد علیه السلام قد أكد ما كان قد تنبأ به من قبل يوم التاسع من المحرم - أي قبل استشهاده بأربع وعشرين ساعة - بأنه مقتول لامحالة ، وأن الاسلام والمسلمين سيفجعون بمصرعه قريباً ،وأن خصومه وأعداءه مصممون على الفتك به وبأصحابه ، مهما كلفهم الأمر ، ومهما عملوا في سبيل ذلك من وزر ، وقد رويت في هذا الصدد روايات كثيرة نأتي على بعضها تالياً ونترك المكرر منها :

1 - جاء في ( إرشاد ) الشيخ المفيد :

« إنه في يوم الخميس 9 محرم سنة 61 ه- عصراً نادى عمر بن سعد : يا خيل اللّه اركبي وبالجنة ابشري ، فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر ، وحسين علیه السلام جالس أمم بيته محتب بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبتيه ، وسمعت أخته زينب الضجة فدنت من أخيها فقالت : يا أخي ، أماتسمع الأصوات قد اقتربت فرفع الحسين رأسه وقال ، إني رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الساعة في المنام فقال لي : إنك تروح إلينا. فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل. فقال لها : ليس لك الويل يا أخية ، اسكتي رحمك اللّه .. » (1).

ص: 45


1- ارشاد المفيد 2 : 89.

وقد قال بعض المؤرخين : إن هذا أول عويل في فاجعة الحسين علیه السلام .

2 - نقل الشيخ المفيد في « إرشاده » أيضاً الرواية التالية : « قال علي بن الحسين علیهماالسلام : إني لجالس في تلك العشية التي قتل ابي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني ، إذ اعتزل أبي في خباء وعنده جوين مولى أبي ذر الغفاري ، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول :

يا دهر أف لك من خليل *** كم لك بالاشراق والأصيل

من صاحب أو طالب قتيل *** والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الأمر الى الجليل *** وكل حي سالك سبيلي

فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتى فهمتها وعرفت ما أراد ، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت ، وعلمت أن البلاء قد نزل ، وأما عمتي فلما سمعت ما سمعت وهي امرأة ، ومن شأن النساء الرقة والجزع ، فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها لحاسرة ، حتى انتهت إليه فقالت : واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن ، يا خليقة الماضي وثمال الباقي. فنظر إليها الحسين علیه السلام فقال لها : يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان ، وترقرقت عيناها بالدموع وقال : لو ترك القطا لنام (1) ؛ فقالت : يا ويلتاه! افتغتصب نفسك اغتصاباً؟ فذاك اقرح لقلبي وأشد على نفسي. ثم لطمت وجهها وهوت الى جيبها فشقته وخرت مغشياً عليها.

فقام اليها الحسين فصب على وجهها الماء وقال لها : يا أختاه! اتقي اللّه وتعزي بعزاء اللّه ، واعلمي أن أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يبقون ، وأن كل شيء هالك إلا وجهه .. » (2).

3 - جاء في الصفحة «95» من كتاب ( نهضة الحسين ) لمؤلفه العلامة السيد

ص: 46


1- يضرب مثلاً للرجل يستثار فيظلم. انظر جمهره الامثال للعسكري 2 : 194.
2- ارشاد المفيد 2 : 93 ، مقتل الحسين لابي مخنلف : 110 ، تحقيق حسن الغفاري.

هبة الدين الحسيني الشهرستاني عند ذكرنعي الحسين نفسه قوله : إن زينبا باغتت أخاها الحسين علیه السلام في خبائه ليلة مقتله فوجدته يصقل سيفاً له ويقول : « يا دهر أف لك من خيل » الى آخر الابيات المار ذكرها.

ذعرت زينب عند تمثل أخيها بهذه الأبيات ، وعرفت أن أخاها قد يئس من الحياة ومن الصلح مع الاعداء ، وانه قتيل لا محالة - الى أن يقول المؤلف الجليل - :

« فصرخت أخت الحسين نادبة أخاها وقالت : اليوم مات جدي ، وأبي ، وأمي ، وأخي. ثم خرجت مغشية عليها ، إذ غابت عن نفسها ولم تعد تملك اختيارها ، فاخذ اخوها الحسين علیه السلام برأسها في حجره يرش على وجهها من مدامعه حتى أفاقت وسعد بصرها بنظرة من شقيقها وأخذ يسليها فقال : يا أختاه ، إن أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يبقون ، فلا يبقى إلا وجهه. وقدمات جدي وأبي وأمي وأخي وهم خير مني ، فلا يذهبن بحلمك الشيطان. ولم يزل بها حتى اسكن بروحه روعها ، ونشف بطيب حديثه دمعها .. ».

4 - روى ابن قولويه في الكامل بسنده عنابن خارجة ، قال : « كنا عند أبي عبد اللّه جعفر الصادق علیه السلام فذكرنا الحسين بن علي علیه السلام ، فبكى أبو عبد اللّه وبكينا ، ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين بن علي : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا بكى .. » (1).

5 - جاء في الصفحة «98» من كتاب « مقتل سيد الاوصياء ونجله سيد الشهداء » لمؤلفه الشيخ عبد المنعم الكاظمي قوله : « إنه في ليلة العاشوراء - أي مساء الخميس - عندما كان الامام الحسين يصقل سيفه ويردد شعر « يا دهر أف لك من خليل » ... سمعته زينب ووثبت تجر ثوبها وإنها لحاسرة حتى انتهت اليه

ص: 47


1- كامل الزيارات لابن قولويه 108 / 6.

فقالت : واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة. اليوم ماتت أمي فاطمة ، وأبي علي ، وأخي الحسن ، يا خليفة المسلمين ، وثمال الباقين - الى أن قالت : يا ويلتاه ، أفتغتصب نفسك اغتصاباً فذلك اقرح لقلبي ، وأشد على نفسي. ثم لطمت وجهها ، وأهوت الى جيبها فشقته ووقعت مغشية عليها. فقام اليها الحسين وصب على وجهها الماء حتى أفاقت ، وذكرها المصيبة بموت ابيه وجده ، وبكت النسوة ، ولطمن الخدود ، وشققن الجيوب ، وجعلت أم كلثوم تنادي : وامحمداه ، واعلياه ، واأماه ،واحسناه ، واحسيناه ، واضيعتاه بعدك يا ابا عبد اللّه .. » (1).

6 - جاء في الصفحة «78» من كتاب « المجالس السنية » المار ذكره بعد أن أشار الى قطع ماء الفرات عن الامام في اليوم السابع من محرم سنة 61 ه- وإرسال عمر بن سعد (500) فارس لمنع أصحاب الحسين من الوصول الى الماء ، وخطبة الحسين في تعريف نفسه الى جيش ابن سعد مخاطباً بها إياهم - يقول : « فلما خطب الحسين هذه الخطبة ، وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وارتفعت اصواتهن ، فوجه اليهن أخاه العباس وعلياً ابنه ، وقال لهما : سكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن .. ».

7 - جاء في الصفحة «108» من كتاب « اقناع اللائم » المار الذكر ما لفظه :

« روى الكامل باسانيده الى جعفر الصادق علیه السلام انه قال : قال الحسين : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروباً ، وحقيق على اللّه أن لا يأتيني مكروب إلا رده اللّه وقلبه الى أهله مسروراً .. » (2).

8 - ورد في الصفحة «35» من كتاب « لمعة من بلاغة الحسين علیه السلام » المار ذكره ما لفظه :

« ومن دعائه علیه السلام لما وصل أرض كربلاء ، انه جمع ولده وإخوته وأهل بيته

ص: 48


1- ارشاد المفيد 2 : 93 مع اختلاف فيه.
2- كامل الزيارات لابن قولويه 109 / 7.

ثم نظر اليهم وصلى ساعة ، ثم قال : اللّهم إنا عترة نبيك محمد ، وقد أزعجنا وطردنا وأخرجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية عليا.اللّهم فخذ بحقنا ، وانصرنا على القوم الظالمين .. ».

9 - وجاء في الصفحة «718» من « موسوعة آل النبي » ما نصه :

« وفي خبر : إن أبا عبد اللّه الحسين خرج في جوف الليل يتفقد عسكره فتبعه نافع بن هلال ، فساله الحسين عما أخرجه ، قال : يا ابن رسول اللّه ، يعز علي خروجك الى جهة معسكر هذا الطاغية ، فتلطف الامام وقال له :

ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟

أجاب صارخاً :

ثكلتني أمي ، إن سيفي بألف وفرسي مثله ، فو اللّه الذي من بك علي لا أفارقك حتى يكلا عن فري وجري.

ثم دخل الحسين خيمة أخته زينب ووقف نافع بازاء الخيمة ينتظره ، فسمع زينب تقول لأخيها :

هل استعلمت من أصحابك ثباتهم ، فأني أخشى أن يسلموك عند الوثبة ، قال لها :

واللّه لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا من يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل الى محالب أمه.

فلما سمع نافع كلمة الامام لم يملك وضعه وذهب الى حبيب بن مظاهر فحكى له ما سمع. ثم تستطرد الموسوعة فتقول :

ومضى حبيب باصحابه حتى شارف خيام النساء فصاح : يا معشر حرائر رسول اللّه ، هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلى في رقاب من يريد السوء فيكم ، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا أن لا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم.

فخرجت النساء اليهم ، فضج القوم بالبكاء حتى كأن الأرض تمور ... ».

ص: 49

ص: 50

الفصل السادس: النياحة على آل الحسين علیه السلام

أكدت الروايات الموثوقة على أن علي بن الحسين الأكبر كان أول قتيل استشهد يوم عاشوراء بين يدي والده ، وكان أول من تصايحت نساء آل محمد صلی اللّه علیه و آله وضجت في الوح عليه. وهاك بعض الروايات في ذلك :

1 - جاء في كتاب « نهضة الحسين » المار ذكره عند وصفه قتال علي بن الحسين واستئذانه أبيه في ذلك ، وأنه أول قتيل من آل الحسين علیه السلام في ذلك اليوم المشؤوم ما نصه :

« فأسرع علي نحو الأعداء وعين أبيه تشيعه وترسل دموعها الحارة مصحوبة بالزفرات ، والنساء على أثره تولول ، وتعول أمه بشجو ، فاقدة الاصطبار ، إذ فقدت مركز آمالها ، والامام ينادي بأعلى صوته يا ابن سعد ، قطع اللّه رحمك كما قطعت رحمي (1) ، ولم تحفظ قرابتي من رسول اللّه ».

2 - وجاء في « إرشاد » الشيخ المفيد عند ذكر مقتل علي بن الحسين علیه السلام ما عبارته :

« فصرع - اي علي بن الحسين - واحتواه القوم فقطعوه بأسيافهم ، فجاء الحسين علیه السلام حتى وقف عليه ، فقال: قتل اللّه قوماً قتلوك ، يا بني ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول! وانهملت عيناه بالدموع ثم قال : على الدنيا

ص: 51


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 49.

بعدك العفا. وخرجت زينب أخت الحسين مسرعة تنادي : يا أخياه وابن أخياه ، وجاءت حتى أكبت عليه ، فأخذ الحسين برأسها فردها الى الفسطاط ، وأمر فتيانه فقال : أحملوا أخاكم. فحملوه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه » (1).

3 - ورد في الصفحة «107» من كتاب « المجالس السنية » عند ذكر قتال علي ابن الحسين الأكبر ما عبارته :

« فاستأذن علي اباه في القتال فاذن له ، ثم نظر اليه نظرة آيس منه وأرخى عينيه فبكى ، ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال : اللّهم كن أنت الشهيد عليهم - الى أن يقول الكاتب - : إن علياً قال أثناء القتال : يا أبت ، العطش قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل الى شربة من الماء سبيل؟ فبكى الحسين علیه السلام ... ».

وكان علي هذا أول قتيل يوم كربلاء من آل أبي طالب. كما أن عمره يوم قتله كان «19» سنة.

4 - جاء في كتاب « مقاتل الطالبيين » لمؤلفه أبي الفرج الاصفهاني طبع مصر عند ذكر خروج علي بن الحسين الاكبر للقتال ما نصه :

« قال حميد : وكأني أنظر الى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة ، تنادي : يا حبيباه ، يا ابن اخاه. فسالت عنها فقالوا : هذه زينب بنت علي بن أبي طالب. ثم جاءت حتى أنكبت عليه ، فجاءها الحسين فأخذ بيدها الى الفسطاط ... » (2).

5 - ذكر مؤلف « أعيان الشيعة » في الصفحة «130» من المجلد الرابع القسم الأول منه عن مقتل العباس بن علي علیه السلام أخ الامام الحسين ما لفظه : « فلم يستطع العباس حراكاً بعد أن أثخن بالجراح ، فبكى الحسين علیه السلام لقتله بكاء شديداً .. ».

ص: 52


1- ارشاد المفيد 2 : 106.
2- مقاتل الطالبيين : 115 ، مقتل الحسين : 82 ، وابن الاثير 4 : 33 ، والطبري 6 : 256.

6 - جاء في الصفحة «131» من المجلد نفسه عن حادث قتل جميع أنصار الامام وبقائه وحده يقاتل ما عبارته : « هل من موحد يخاف اللّه فينا؟ ، هل من مغيث يرجوا اللّه في إغاثتنا؟ هل من معين يرجوا ما عند اللّه في إعانتنا؟ فارتفعت أصوات النساء بالعويل .. » (1).

7 - ذكر كتاب « لمعة من بلاغة الحسين » ضمن الاشارة الىكلامه علیه السلام لما نظر كثرة من قتل من أصحابه ما يلي :

« ثم صاح الامام علیه السلام : أما من مغيث يغيثنا؟ أو من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ فبكت النسوة ، وكثر صراخهن ... ».

8 - جاء في الصفحة «704» من كتاب « موسوعة آل النبي » عند وصف مقتل علي بن الحسين وقول الامام الشهيد : قتل اللّه قوماً قتلوك يا بني. « قالوا : ولم يكد يتم عبارته حتى اندفعت من خيام النساء امرأة كأنها الشمس طالعة تنادي في جزع : ( يا حبيباه ، يا ابن أخاه ) (2).

فسال عنها من لا يعرفها ، فقيل : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه.

اندفعت زينب حتى انكبت على الفتى الشهيد ، فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها الى الفسطاط ، ثم عاد الى ولده وقد اقبل فتيانه اليه ، فقال مفجوعاً : احملوا اخاكم ، فحملوه من مصرعه الى الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه ... » (3).

* * *

ص: 53


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 50.
2- اللّهوف في قتلى الطفوف : 49.
3- راجع هامش 2 ص 44.

ص: 54

الفصل السابع: أعداء الحسين علیه السلام يبكونه

كانت فاجعة الامام الحسين الشهيد علیه السلام أليمة ومفجعة ومشجية الى درجة بحيث أبكت عيون أعدائه الأشداء ، وأقرحت قلوب مقاتليه الظلمة ، فضلا عن مواليه والمناضلين عنه. وقد بحثت كتب التاريخ وأسفار الرواة هذا الامر ، وأنقل منها هنا بعض ما توفر :

1- جاء في الصفحة « 108» من كتاب « نهضة الحسين » المار ذكره عند وصف شجاعة الحسين في قتاله يوم عاشورا حيث يقول : « وكلما تمايل الامام ليهوي الى الأرض توازن معه فرسه - وكانت من الجياد الأصيلة - حتى اذا ضعفت هي أيضا بما أصابها من الجروح ، خر الامام من سرجه على وجهه ، وأقبل فرسه نحو مخيمه يصهل ويحمحم ، فخرجت زينب من فسطاطها واضعة عشرة أصابعها على رأسها قائلة :( ليت السماء أطبقت على الارض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل. ثم صاحت بابن سعد قائلة : ياعمر ، أيقتل أبو عبد اللّه وأنت تنظر اليه؟ فدمعت عينا عمر ، وسالت دموعه على لحيته لكنه صرف بوجهه عنها ) (1) .. ».

2- جاء في كتاب « أعلام النساء في عالمي العرب والاسلام » تأليف رضا

ص: 55


1- مقتل الحسين لابي مخنف ، تحقيق حسن غفاري : 195.

كحالة عند ترجمة حياة السيدة زينب أخت الامام الحسين علیه السلام ما نصه : « ثم مرت زينب عقب قتل أخيها الحسين فوجدته صريعاً ، فقالت : يا محمداه ، يا محمداه ، صلى عليك ملائكة السماء ، هذا حسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع الاعظاء. يا محمداه وبناتك سبايا ، وذريتك مقتلة (1). فابكت بكلامها هذا كل عدو وصديق. ولما دنا عمر بن سعد من الحسين فقالت : يا عمر بن سعد ، أيقتل أبو عبد اللّه وأنت تنظر اليه؟ فسالت دموع عمر على خديه ولحيته ، وصرف بوجهه عنها .. ».

3 - وروت بعض الروايات أن يزيد بن معاوية لما أخبر بقتل الحسين دمعت عيناه. إذ جاء في الصفحة «740» من كتاب « موسوعة آل النبي » للدكتورة عائشة بنت الشاطئ : « إن زحر بن قيس لما حمل الى يزيد بن معاوية خبر قتل الحسين علیه السلام وقال : ابشر يا أمير المؤمنين بفتح اللّه ونصره .. الى آخر كلامه. تعلق المؤلفة الباحثة على ذلك بقولها : « فيقال : ان يزيد دمعت عيناه وقال : قد كنت أرضى من طاعتكم بما دون قتل الحسين ، لعن اللّه ابن مرجانة » (2).

* * *

ص: 56


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 58.
2- مقتل الحسين : 195.

الفصل الثامن: نساء الحسين علیه السلام يندبنه في ساحة المعركة

لم يكد ينتهى عمر بن سعد وزمرته الشريرة من قتل الامام الثالث الحسين ابن علي بن أبي طالب علیهماالسلام وآله وصحبه في ساحة كربلاء بعيد ظهيرة يوم الخميس العاشر من محرم الحرام سنة 61 ه- إلا وأمر ابن سعد في بقية ذلك اليوم وأمسيته وفي صبيحة اليوم التالي ( 11 محرم 61 ه- ) بدفن أجساد جنده بعد أن صلى عليها ، تاركاً أشلاء الامام الحسين علیه السلام والذين استشهدوا معه في العراء ، بين لهيب الشمس وحميم الارض الرمضاء ، وعرضة للنسور والعقبان ، دون غسل ، أو صلاة ، او دفن. وقبيل ظهيرة اليوم الحادي عشر من محرم - أي بعد مرور حوالي عشرين ساعة على مقتل الامام وصحبه - رحل ابن سعد وما تبقى من جيشه عن كربلاء ، تاركاً ساحة المعركة ، وعائداً الى الكوفة ليقدم تقريره عن نتائج فعلته الشنيعة الى رئيسه عبيد اللّه بن زياد ، وآخذاً معه ما بقي من رحل الامام الشهيد وأهله وبينهم الامام علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين - وكان عليلاً بالذرب - وكذا رؤوس الشهداء أصحاب الامام ال- «72» راساً عدا رأس الامام الحسين علیه السلام الذي كان ابن سعد قد أرسله الى ابن زياد في الكوفة بعد القتل مباشرة - أي بعد ظهر يوم العاشر من المحرم سنة 61 ه- - وذلك على يد خولى بن يزيد.

هذا وقبل أن يغادر الاسرى من النسوة والاطفال والصبية ، بما فيهم الامام

ص: 57

العليل زين العابدين علیه السلام ، أرض المجزرة الرهيبة ، تحت حراسة جلاوزة ابن سعد ، قالت النسوة السبايا للحراس : بحق اللّه إلا مررنا على مصرع الحسين وأحدات الشهداء ، فجاز الركب ساحة المعركة حيث الاشلاء مبعثرة في الدماء. فلما نظر النسوة الى القتلى صحن وضربن وجوههن. فصاحت زينب : وامحمداه ، صلى عليك ملائكة السماء ، هذا الحسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع الاعضاء ( الى آخر ما مر ذكره في الفصل السابق ). فضجت النسوة من ورائها بالنواح ، وبكى كل عدو وصديق من هذا الموقف الرهيب. كما أن سكينة بنت الحسين علیه السلام اعتنقت جسد أبيها فاجتمع عليها عدة من الأعراب حتى جروها عنه. وكان هذا أول نواح عام على ضحايا الطف بعد المعركة الشنيعة والمجزرة الرهيبة.

وفيما يلي أقوال بعض المؤرخين الثقات في وصف المعركة بإيجاز ، مما له صلة ببحث النياحة :

1 - جاء في الجزء «1 : 121» من « المجالس السنية » عند وصف ساعة طعان الامام لوحده للاعداء ، قول المؤلف : « فسقط علیه السلام عن فرسه الى الارض على خده الأيمن ، ثم قام. وخرجت أخته زينب الى باب الفسطاط وهي تنادي : وا أخاه ، وا سيداه ، وا أهل بيتاه ، ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل (1). وختمت نداءها هذا - الذي مر ذكره في الفصل السابق - قائلة : ويلكم أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء ».

2 - وجاء في الصفحة «125» من الكتاب نفسه ما عبارته : « لما قتل الحسين وضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت : وا محمداه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، هذا حسين بالعراء ، صريع بكربلاء ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا - الى أن يقول المؤلف الجليل عند وصف سلب خيم الامام وزين العابدين

ص: 58


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 54.

علي بن الحسين علیه السلام طريح الفراش مريض بالذرب ( الاسهال ) وأراد شمر قتله فمنعه عمر بن سعد - ما نصه : « حتى جاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين فقال لأصحابه : لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء ، ولا تتعرضوا لهذا الغلام المريض .. ».

ثم يضيف المؤلف الى ذلك قوله : « وفي رواية : انهم أشعلوا النار فالفسطاط فخرجن منه النساء باكيات مسلبات .. ».

3 - جاء في الجزء «1 : 116» من الكتاب نفسه عن حادث مقتل العباس بن علي علیه السلام فيقول : فضربه آخر من الاعداء بعمود فقتله ، فوقف عليه الحسين علیه السلام منحنياً ، وجلس عند رأسه يبكي بكاء شديداً حتى فاضت نفس العباس الزكية. ولنعم ما قال القائل :

أحق الناس أن يبكي عليه *** فتى أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده علي *** أبو الفضل المضرج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء *** وجاد له على عطش بماء

4 - وفي الصفحة «123» من نفس الكتاب قوله : « وبعد أن احتز شمر رأس الحسين دفعه الى خولي فقال : احمله الى الأمير عمر بن سعد ، وهذا أرسله حالاً الى ابن زياد في الكوفة .. ».

5 - وفي الجزء «1 : 126» منه قوله : « لما كان يوم عاشوراء سرح عمر بن سعد برأس الحسين مع خولى بن يزيد الى عبيد اللّه بن زياد. قال الطهري وابن الأثير وغيرهما : فوجد خولى القصر مغلقاً فأتى بالرأس الى منزله فوضعه تحت أجانة ودخل فراشه وقال لامرأته جئتك بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين علیه السلام معك في الدار : فقالت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن بنت رسول اللّه ، واللّه لا يجمع راسي ورأسك بيت ، وقامت من الفراش فخرجت من الدار .. ».

6 - وفي الصفحة «126» منه أيضاً بعد وصف حز رأس الحسين علیه السلام من قبل

ص: 59

شمر وأرساله الى ابن سعد ثم الى ابن زياد ما نصه : « وأمر ابن سعد برؤوس الباقين من أصحاب الحسين وأهل بيته فقطعت وكانت «72» رأساً وسرح بها الى ابن زياد ، وأقام بقية اليوم العاشر واليوم الحادي عشر الى الزوال ثم توجه الى الكوفة ، وحمل مع نساء الحسين وبناته وأخواته ومن كان معه من الصبيان ، وفيهم علي بن الحسين قد نهكته العلة فقالت النسوة : بحق اللّه إلا مررتم بنا على مصرع الحسين ، فمروا بهم على الحسين وأصحابه وهم صرعى ، فلما نظر النسوة الى القتلى صحن وضربن وجوههن. قال الراوي : فواللّه لا أنسى زينب وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا محمداه ، صلى عليك ملائكة السماء ، هذا حسينك مرمل بالدماء ، مقطع الأعظاء ، وبناتك سبايا ، الى اللّه المشتكى ، والى محمد المصطفى والى علي المرتضى والى فاطمة الزهراء والى حمزة سيد الشهداء. يا محمداه ، هذا حسين بالعراء تسفي عليه ريح الصبا. واحزناه ،واكرباه عليك با أبا عبد اللّه. اليوم مات جدي رسول اللّه. يا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا - الى أن يقول المؤلف - قال : فأبكت واللّه كل عدو وصديق. ثم ان سكينة بنت الحسين اعتنقت جسد أبيها فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه ... ».

7 - وفي الصفحة «138» من كتاب « سيد الاوصياء ونجله سيد الشهداء » المار ذكره قول المؤلف : « الرحيل - ثم أمر عمر بن سعد بسبي العيال وترحيلهم الى الكوفة ، فأركب النساء ومروا بهن على مصارع القتلى ، فلما رأين النساء تلك الأجساد المطهرة مقطعة الأوصال ، قد فصلت عنها رؤوسها ، علت أصواتهن بالبكاء ، وصحن صيحة واحدة : وا جداه ، وا محمداه ، وا أبتاه ، وا علياه. وألقت عقيلة بني هاشم زينب نفسها على جسد أخيها الحسين ، ووضعت يدا تحت جسده الطاهر ورفعته الى السماء وقالت : الهي تقبل منا هذا القربان .. ».

8 - جاء في الجزء «1 : 107» من كتاب « المجالس الحسينية » لمؤلفه الشيخ

ص: 60

محمد جواد مغنية ، نقلاً عن مقال منشور في عدد شباط 1959 م من مجلة « الغد » المصرية ما نصه : « واندفعت زينب من خبائها نحو أخيها حاسرة الرأس ملتاعة وزعقت بكل قواها .. واحسيناه. ثم سقطت مغمى عليها من الحزن العميق ... ».

9 - جاء في الصفحة «63» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية المار ذكره ، نقلاً عن كتاب « الحدائق الوردية » ما عبارته : « بعث عمر بن سعد برأس الحسين مع خولى بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم في عشية عاشوراء الى عبيد اللّه بن زياد في الكوفة ... ».

وقال هذا المؤلف في مكان آخر من كتابه ما نصه : « وكان مع رأس الحسين رأس العباس. كما أمر عمر بن سعد بقطع رؤوس الباقين من أصحاب الحسين فقطعت وأرسلت الى الكوفة .. ».

* * *

ص: 61

ص: 62

الفصل التاسع: بنو أسد تدفن أجساد الشهداء

ما عتمت عشية اليوم الثاني عشر من المحرم سنة 61 ه- - أي اليوم الثالث على استشهاد الامام وصحبه وآله - إلا وكانت قد عادت العشائر التي كانت تحيط بمنطقة القتال في كربلاء ، والتي كانت قد ضعنت موقتاً عنها بمناسبة القتال ، وهي عشائر بني عامر من قبائل بني أسد من سكان قريتي الغاضرية ونينوى ، وكانت أكثريتها تشايع آل بيت النبوة صلی اللّه علیه و آله وتوالي الحركة الحسينية ، فبادرت هذه العشائر فور عودتها الى التعرف على أجساد المستشهدين الزكية التي تركها ابن سعد في العراء تسفي عليها الرياح. ثم أخذ أفراد هذه العشائر يحفرون للأجساد الحفر اللازمة ، وقد دفنوا فيها أشلاءها الممزقة. وقد وصفت كتب التاريخ بايجاز حادث دفن هذه الأجساد على يد تلك العشائر. وانقل تالياً بعض المرويات عن ذلك الوصف :

1- جاء في الصفحة «64» من كتاب « مدينة الحسين » المار ذكره ما نصه : « أجمع المؤرخون على أن قوماً من بني أسد (1) كانوا نزولاً في الغاضرية قدموا كربلاء بعد أن رحل ابن سعد فصلوا على الجثث الطاهرة ودفنوها .. ».

2 - تقول رواية أخرى روتها كتب المقتل : إن نياحة الذين قاموا بدفن

ص: 63


1- ينابيع المودة 2 : 350 ، ارشاد المفيد 2 : 114.

أجساد الشهداء كانت عظيمة حين الدفن وبعده ، لا سيما بعض النسوة اللواتي كن يرافقن الرجال في ساحة المعركة وساعة الدفن. وهكذا لم تمرالايام والاسابيع والشهور والسنوات إلا وأصبحت تلك القبور مزارات تجرى عليها الخيرات ، وتتلى عليها المدائح ، وتقام حولها المناحات في السر والعلن ، وتتردد ذكرى هذه الفاجعة الاليمة التاريخية حول تلك القبور وفي البلدان الاسلامية بأقطارها المختلفة في جميع بقاع الأرض ، وتسير مواكب العزاء ، وينشد الرثاء ، وتمثل الواقعة ، وتجدد حوادث المجزرة الرهيبة.

* * *

ص: 64

الفصل العاشر: أهل الكوفة ينوحون على الحسين علیه السلام وأهله

قلت في الفصل الثامن : إن عمر بن سعد بارح أرض المعركة « كربلاء » قبيل ظهيرة اليوم الحادي عشر من محرم ، ومعه سبايا سيد الشهداء علیهماالسلام من النساء والأطفال ، وفي مقدمتهم الامام العليل علي بن الحسين زين العابدين و «72» رأساً من رؤوس شهداء الطف ، سائراً بهم الى الكوفة حيث قصر أميره عبيداللّه بن زياد. وفيما يلي وصف لما جرى على هذه السبايا منذ وصولها الى ضواحي الكوفة ، ومدة مكوثا وحتى خروجها منها قاصدة الشام ، وما لاقاه ركب هذه السبايا من أهل الكوفة من نياحة وعزاء ومناحة :

1- جاء في الصفحة « 145 » من كتاب « مقتل سيد الاوصياء ونجله سيد الشهداء » المار ذكره ما لفظه : « ثم أمر عمر بن سعد بأن تسير سبايا آل محمد صلی اللّه علیه و آله الى الكوفة. فلما دخلت السبايا الكوفة اجتمع الناس للنظر اليها ، فأشرفت امراة من أهل الكوفة على الأسارى وسألت النساء وقالت : من أي الاسارى أنتن؟ فاجبنها نحن أسارى آل محمد صلی اللّه علیه و آله ، فنزلت من شرفتها وجمعت لهن أزرا ومقانع وضج أهل الكوفة بالبكاء. فقال لهم الامام زين العابدين : « أتنوحون وتبكون من أجلنا ، فمن الذي قتلنا »؟

وفي هذه الأثناء خطبت زينب ، ثم فاطمة بنت سيد الشهداء ، ثم أم كلثوم

ص: 65

بنت الامام علي علیه السلام ، ثم الامام زين العابدين. وبعد كل خطبة كان الناس يضجون بالبكاء والنحيب ، ونشرت النساء شعورهن ، وخمشن وجوهن ، ولطمن خدودهن ، ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال والاطفال والنساء ، فلم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم.

2- قال الشيخ المفيد في « ارشاده » ما نصه « ولما وصل رأس الحسين من كربلاء الى الكوفة ووصل ابن سعد - لعنه اللّه - من غد يوم وصوله ومعه بنات الحسين وِأهله ، جلس ابن زياد للناس في قصر الامارة فأذن للناس اذنا عاما وأمر باحضار الرأس فوضع بين يديه ، فجعل ينظر اليه ويتبسم وفي يده قضيب يضرب به ثناياه ، وكان الى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهو شيخ كبير ، فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فواللّه الذي لا اله غيره لقد رأيت شفتي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ما لا احصيه كثرة تقبلهما ، ثم انتحب باكياً. فقال له ابن زياد : أبكى اللّه عينك ، أتبكي لفتح اللّه؟ واللّه لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فنهض زيد بن أرقم وهو يقول : أيها الناس أنتم العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة ، واللّه ليقتلن خياركم ، وليستعبدن شراركم ؛ فبعداً لمن يرضى بالذل والعار .. » (1).

ويستطرد المفيد في « إرشاده » بوصف مثول بقية الأسرى من آل الحسين علیه السلام بين يدي ابن زياد ، وقوله لزينب : قد شفى اللّه نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك. فيقول المفيد : « فرقت زينب وبكت وقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ... » (2) الى آخر الحديث.

ص: 66


1- ليس في المصدر « وهو يقول : ايها الناس ... بالذل والعار » ، وبدلها في المصدر « من بين يديه وصار الى منزله ».
2- ارشاد المفيد 2 : 114.

وقد أستمر عويل ونحيب وبكاء ونواح أهل الكوفة من الرجال والنساء على مرأى من السبايا والاسارى ، وأسقط في ايدي أهل الكوفة من هول الفاجعة وذهلوا. وقد عمت هذه النوائح على سبايا الحسين علیه السلام الاوساط الكوفية طيلة ايام مكوثها فيها.

3 - جاء في الجزء «1 : 135» من كتاب « المجالس السنية » السابق الذكر بعد ان يذكر المؤلف تفصيل الخطبة التي ألقتها فاطمة الصغرى بنت الامام الشهيد علیه السلام على الكوفيين ما نصه : « وقبيل انتهائها من الخطبة ارتفعت اصوات الكوفيين بالبكاء والنحيب وقالوا : حسبك يا بنت الطيبين فقد احرقت قلوبنا ، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت اجوافنا ، فسكتت .. » (1).

4 - وفي الجزء « 1 : 132 » منه ما نصه : « لما جيء بالسبايا من أهل البيت الى الكوفة ، خطبت أم كلثوم بنت علي علیه السلام في ذلك اليوم من وراء كلتّها ، رافعة صوتها بالبكاء » (2).

ثم قال المؤلف - بعد أن ذكر خطبتها ما عبارته : « فضج الناس بالبكاء والنحيب ، ونشر النساء شعورهن ، ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن ، ولطمن خدودهن ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال ، فلم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم ... ».

ثم يستطرد الكتاب مشيراً الى خطبة الامام زين العابدين مخاطباً الناس يقول : « فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية ، وقال بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون ».

5 - روى ابن طاووس الحسيني في كتابه « اللّهوف في قتلى الطفوف » هذه

ص: 67


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 67.
2- في المصدر زيادة ( واللّه ).

الرواية : « إنه لما جيء بسبايا أهل البيت الى الكوفة جعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون. قال بشر (1) بن خزيم الاسدي : ونظرت الى زينب بنت علي علیه السلام يومئذ فلم أر خفرة أنطق منها ، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين علیه السلام وقد أومأت الى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس ، ثم قالت : الحمد لله ، والصلاة على محمد وآله الطاهرين. أما بعد ، يا أهل الكوفة (2) فلا رقأت الدمعة ولا قطعت (3) الرنة ... » الى آخر الخطبة.

ويستطرد ابن طاووس بعد نقل الخطبة كلها ويقول نقلاً عن بشر : « فواللّه لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاً واقفاً الى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول : بأبي أنتم وأمي ، كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يخزى ولا يبزى ... » (4).

6 - جاء في كتاب « الصواعق المحرقة » لابن حجر قوله : « ومن الصحابة الذين بكوا الحسين أنس بن مالك ، فانه لما حمل رأس الحسين لابن زياد في الكوفة ، جعله في طست ، وجعل يضرب ثناياه بقضيب ويدخله في أنفه ويقول : ما رأيت مثل هذا حسناً ، إنه كان لحسن الثغر. وكان عنده أنس فبكى وقال : كان أشبههم برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » (5).

وروى هذا الحادث الترمذي (6) ، وكذا كتاب « تذكرة الخواص » (7) لسبط

ص: 68


1- في المصدر ( بشير ).
2- في المصدر زيادة ( يا اهل الختل والغدر اتبكون ).
3- في المصدر ( ولا هدأت ).
4- اللّهوف في قتلى الطفوف : 63.
5- الصواعق المحرقة : 118.
6- صحيح الترمذي 5 : 659 / 3778.
7- تذكرة الخواص: 231.

ابن الجوزي ، كذا البخاري (1) عن ابن سيرين.

7 - جاء في الصفحتين « 137 و 138» من كتاب « نهضة الحسين » عند وصفه وصول السبايا والأسرى الى الكوفة ما نصه : « وأهل الكوفة في عبرة وعبرة من هذا المشهد الغريب ، يضجون ويعجون مما جرى على آل الرسول صلی اللّه علیه و آله ، وفيهم من يناول الأطفال بعض الخبز والتمر رأفة ورحمة. فحري بالحرة الهاشمية - زينب سليلة الرسول - أن تصرخ بهم وتقول : إن الصدقة محرمة علينا أهل البيت. ونساء الأزقة والسطوح باكيات على هؤلاء.

قال خزيمة الاسدي : دخلت الكوفة فصادفت منصرف علي بن الحسين بالذرية من كربلاء الى ابن زياد فرأيت نساء الكوفة يومئذ قياماً يندبن متهتكات الجيوب ، وسمعت علي بن الحسين وهو يقول بصوت ضئيل قد نحل من شدة المرض : يا أهل الكوفة ، أتبكون علينا فمن قتلنا غيركم؟ ».

ويستطرد كاتب « نهضة الحسين » نقلاً عن خزيمة قوله : « فو اللّه لقد رأيت الناس يومئذ حيار يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ... ».

8 - وذكرت الدكتورة بنت الشاطئ - وهي عائشة بنت عبد الرحمن - في الصفحة «734» من « موسوعة آل النبي » ما نصه : « ودخل الموكب الكوفة. ووقفت الجموع محتشدة تشهد نساء البيت النبوي في طريقهن الى عبيد اللّه بن زياد ، وسمعت آهة من هنا ، وشهقة من هناك ، وكلمة من هنالك ، رثاء وعزاء. ورؤيت نساء الكوفة قياماً يندبن مخرقات الجيوب ، وبكى الباكون الكريمات المستذلات. فلم تطق زينب على ذلك صبراً ، لم تطق أن ترى أهل الكوفة يبكون الحسين وآله وهم ضحاياهم ، ويرثون للأميرات من بنات الرسول وما انتهك

ص: 69


1- صحيح البخاري 5 : 32 باب مناقب الحسن والحسين علیهماالسلام .

حرمتهن سواهم ».

ثم تستطرد بنت الشاطئ فتقول : « حتى استقرت عينا زينب على أولئك الباكين فأشارت اليهم أن اسكتوا ، فطأطأوا رؤوسهم ، خزياً وندماً على حين مضت هي تقول ... » الخ.

ثم تنقل هذه المؤلفة الباحثة فقرات من خطبة زينب في الكوفة وتقول : « قال من سمعها : فلم أر واللّه خفرة أنطق منها ، كأنما تفرغ عن لسان أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب. فلا واللّه ما أتمت حديثها حتى ضج الناس بالبكاء ، وذهلوا وسقط ما في أيديهم من هول المحنة الدهماء ... ».

ص: 70

الفصل الحادي عشر: الشام ومناحتها على الحسين علیه السلام وأهله

وقد سارع عبيد اللّه بن زياد بالكتابة الى يزيد بن معاوية في الشام يعلمه بمصرع الامام الشهيد علیه السلام ووصول سباياه ورؤوس القتلى الى الكوفة ، فأجابه يزيد بالاسراع في إيفاد الأسرى من السبايا مع الرؤوس اليه ، فبادر ابن زياد حالاً بارسال ركب الأسرى والسبايا والرؤوس الى الشام. فبعث الرؤوس مع زجر بن قيس ، وأرسل السبايا أثر الرؤوس مع مخفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن.

ولم يكد هذا الركب الحزين يصل الى العاصمة الأموية إلا وعمت النياحات أو ساطها عليه ، كما كانت قد عمت الأوساط الكوفية وسائر المدن والنواحي والقصبات التي مر بها هذا الركب المفجع. ولقد تناقلت الروايات وصف هذه المناحات في الشام فانقل منها بعض ما يلي :

1 - جاء في الجزء «1 : 143» من كتاب « المجالس السنية » السالف الذكر ما نصه : « إنه عند ما أدخل ثقل الحسين علیه السلام وسباياه ونساؤه على يزيد بن معاوية في الشام ، وهو بين حاشيته وأعيانها ووجهائها ، وهم مقزنون في الحبال ، والامام زين العابدين علیه السلام مغلول. قال الامام علیه السلام مخاطباً يزيد : أنشدك اللّه ما ظنك برسول اللّه لو رآنا على هذه الصفة؟ فلم يبق في القوم أحد إلا وبكى. فأمر يزيد بالحبال فقطعت ، وأمر بفك الغل عن الامام زين العابدين علیه السلام .

ثم وضع رأس الحسين علیه السلام بين يدي يزيد الذي أجلس النساء خلفه لئلا

ص: 71

ينظرن اليه ، فجعلت فاطمة وسكينة بنتا الامام الحسين علیه السلام يتطاولان لينظرا الرأس ، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس. فلما رأين الرأس صحن ، فصاحت نساء يزيد ، وولولت بنات معاوية ، فقالت فاطمة : أبنات رسول اللّه سبايا يا يزيد؟ فبكى الناس ، وبكى أهل داره حتى علت الأصوات. وأما زينب فأنها لما رأت الرأس أهوت الى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : ياحسيناه ، يا حبيب رسول اللّه ، يا ابن مكة ومنى ، يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا ابن بنت المصطفى ... قال الراوي فأبكت واللّه كل من كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت ، ثم جعلت امرأة من بني هاشم كات في دار يزيد تندب الحسين وتنادي : يا حبيبا ، يا سيد أهل بيتنا ، يا ابن محمداه ، يا ربيع الأرامل واليتامى ، يا قتيل أولاد الأدعياء ، فأبكت كل من سمعها. وكان في السبايا الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين علیه السلام ، وهي أم سكينة بنت الحسين وأم عبد اللّه الرضيع المقتول بكربلاء ، فأخذت الرباب الرأس ووضعته في حجرها وقبلته ... ثم أقيمت المناحة ثلاث أيام وصالا ... ».

وكانت هذه أول مناحة عامة على الحسين علیه السلام وأهله وآله وصحبه تقام في الشام ، إذ إن الروايات تفيد بأن يزيد أمر بأن تقام للسبيا والأسرى دار تتصل بداره ، وكان هؤلاء مدة مقامهم في أيامهم الحزينة بالشام ينوحون على الحسين في سرهم وعلنهم.

هذا ولم تكن بنات آل البيت والهاشميات وحدهن الباكيات بل واستهن نساء بني أمية بدموعهن ، فلم تبق أموية إلا وأخذت تبكي وتنوح على الحسين علیه السلام وسباياه.

2 - جاء في كتاب « أعلام النساء في عالمي العرب والاسلام » لمؤلفه عمر كحالة ، عند بحثه عن مجلس يزيد في الشام وحضور السبايا فيه. قوله : « ثم أخرجهن فأدخلهن دار يزيد بن معاوية ، فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا أتتهن

ص: 72

وأقمن على الحسين المناحة ثلاثاً ... » (1).

3 - وصف السيد عبد العزيز سيد الأهل في مؤلفه : « زين العابدين علي بن الحسين علیه السلام » كيفية وصول الامام علیه السلام ومعه السبايا الى الشام وصعود الامام المنبر ليخطب في الناس ، ثم يقول : « وجعل علي بن الحسين يخطب ويفتخر بأهل بيته ويسميهم باسمائهم فرداً فرداً ، ويذكر فضائلهم وأياديهم على الملة والناس ، وما زال يقول ويطنب حتى بكى الناس وانتحبوا ، وتحركوا أو كادوا. فكان أيضاً أول انتحاب ... ».

4 - جاء في « موسوعة آل النبي » المار ذكرها عند ترجمة الرباب بنت امرئ القيس بن عدي زوجة الامام الحسين التي توفيت سنة 62 ه- ، والتي كانت ضمن أسرى ركب سبايا الحسين الى الكوفة وفي الشام والمدينة : « إنها - أي الرباب - قد أنشدت هذين البيتين عندما أخذت رأس الحسين وقبلته ووضعته في حجرها :

واحسينا فلا نسيت حسيناً *** أقصدته أسنة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعاً *** لا سقى اللّه جانبي كربلاء

وكانت هذه السيدة الجليلة لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد سنة كاملة ... ».

5 - وفي الجزء «1 : 141» من « المجالس السنية » عند وصفه كيفية وصول السبايا الى درج باب المسجد الجامع ، في الشام ، قال المؤلف ما عبارته : « جاء شيخ وأخذ يشتم النساء والسبايا ، جابهه الامام زين العابدين بتعريف السبايا وبذكر بعض آيات القرآن الكريم ، وقال له : نحن هم الذين أشار اليهم القرآن ، فبكى الشيخ ورمى عمامته ، ثم رفع رأسه الى السماء وقال : اللّهم أني أبرأ اليك من عدو آل محمد. ثم قال : هل لي من توبة؟ فقال له الامام : نعم إن تبت تاب عليك اللّه ،

ص: 73


1- أعلام النساء 2 : 97.

وأنت معنا ، فقال : إني تائب. فبلغ يزيد ذلك فأمر به فقتل ... ».

6 - في الجزء «1 : 149» من « المجالس السنية » عند وصف صعود الامام زين العابدين المنبر في الشام وإلقائه خطبة موجزة جاء ما نصه : « فلم يزل يقول الامام : أنا ، حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام .. ».

7 - جاء في الصفحة «746» من « موسوعة آل النبي » في وصف مثول السبايا بين يدي يزيد ما نصه : « فهم يزيد أن يتلو الآية : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) [ الشورى : 30 ] .. لكنه ما لبث أن سكت ، فقد كان صراخ النسوة يسمع من بعيد ، فاجعا مؤثراً ، عالي الرنين. ولم تكن بنات بني هاشم وحدهن الباكيات بل واستهن نساء بني أمية بدموعهن. فلم تبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي وتنوح على الحسين ، وأقيمت المناحة ثلاثة أيام وصالاً ثم أمر يزيد فجهزن للسفر لى المدينة في صحبة حارس أمين ، معه خيل وأعوان ».

8 - في الصفحة «147» من كتاب « نهضة الحسين » عند الحديث عن اختتام مثول السبايا والأسرى بين يدي يزيد يقول مؤلفه الجليل ما لفظه : « هنا ، وفي هذه الساعة انطفأت جذوة الانتقام التي كان لهيباً يستعر في صدر يزيد من قبل. وهنا خاتمة المصائب. هنا أذن يزيد لأهل البيت النبوي بإقامة العزاء لفقد سيدهم ليالي وأياماً ، وعلت من بيوت يزيد ونسوته أصوات البكاء والعويل كحمامات الدوح يتجاوبن مع النوادب من آل الرسول على سيد شباب أهل الجنة ».

9 - جاء في الصفحة «133» من كتاب « المجالس الحسينية » لمؤلفه الشيخ مغنية ، نقلاً عن كتاب « نفس المهموم » ما نصه : « إن هند بنت عبد اللّه بن عامر كانت تحت الحسين علیه السلام فطلقها وتزوجت يزيد. وحين دخل السبايا على يزيد في الشام حسرت هند عن رأسها وشقت الثياب ودخلت على يزيد في مجلسه تندب وتصيح ، وقالت : يا يزد أرأس ابن فاطمة بنت رسول اللّه مصلوب؟ ... ».

ص: 74

10 - جاء في الصفحة «142» من « المجالس السنية » ما عبارته : « روي أن بعض فضلاء التابعين وهو خالد بن معدان لما شاهد رأس الحسين علیه السلام بالشام أخفى نفسه شهراً من جميع أصحابه ، فلما وجدوه بعد أن فقدوه وسألوه عن سبب ذلك فقال : ألا ترون ما نزل بنا؟ ثم أنشأ يقول :

جاءوا برأسك يابن بنت محمد *** مترملاً بدمائه ترميلا

وكانما بك يابن بنت محمد *** قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا *** في قتلك التأويل والتنزيلا

ويكبرون بأن قتلت وإنما *** قتلوا بك التكبير والتهليلا (1)

11 - ورد في الصفحة «153» من كتاب « إقناع اللائم » ما عبارته :

« وفي العقد الفريد (2) عن المدائني بسنده عن الحسن البصري قال : قتل مع الحسين ستة عشر من أهل بيته واللّه ما كان على الأرض يومئذ أهل بيت يشبهون بهم ، وحمل أهل الشام بنات رسول اللّه سبايا على ظهور الابل ، فلما أدخلوا على يزيد قالت فاطمة بنت الحسين : يا يزيد ، أبنات رسول اللّه سبايا؟ قال : بل حرائر كرام ، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت. قالت : فدخلت اليهن فما وجدت فيهن سفيانية إلا متلدمة تبكي. وقالت بنت عقيل بن أبي طالب ترثي الحسين ومن أصيب معه :

عيني ابكي بعبرة وعويل *** واندبي إن ندبت آل الرسول

ستة كلهم لصلب علي *** قد اصيبوا وخمسة لعقيل

12 - جاء في الصفحة «356» من تاريخ الطبري المجلد الرابع ، عند ذكره وضع رأس الحسين بين يدي يزيد في الشام ما نصه : « وقيل (3) : إن هنداً بنت

ص: 75


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 76.
2- العقد الفريد 5 : 132.
3- في المصدر هكذا : ( قال : فسمعت دور الحديث هند بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز وكانت تحت يزيد بن معاوية فتقنعت ).

عبد اللّه بن عامر زوجة يزيد سمعت بما يدور في مجلس زوجها فتقنعت بثوبها وخرجت ، فقالت : يا أمير المؤمنين أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّه؟ قال : نعم ، فأعولي عليه وحدي (1) عجل عليه ابن زياد فقتله ، قتله اللّه ... ».

13 - جاء في الصفحة «211» من « إقناع اللائم » عند بحثه عن أفراح عاشوراء لدى بعض الفرق وخاصة في الشام قوله : « والصحيح أن الذين سنوها هم بنو أمية كلهم وأتباعهم من زمن يزيد لا خصوص الحجاج. ولما دخل سهل بن سعد الصحابي الشام رآهم قد علقوا الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول. فقال في نفسه : ترى لاهل الشام عيداً لا نعرفه؟ ثم علم أن ذلك بسبب دخول رأس الحسين علیه السلام ، فعجب لذلك ».

14 - وللسيد الرضي في هذه الأعياد هذا البيت الذي أورده كتاب « اقناع اللائم » أيضاً :

كانت مآتم بالعراق تعدها *** أموية بالشام من أعيادها

وكذلك لابن منير الدين الطرابلسي في رائيته المشهورة هذه الأبيات في تلك الأعياد :

وحلقت في عشر المحر *** م ما استطال من الشعر

ونويت صوم نهاره *** وصيام أيام أخر

ولبست فيه أجمل ثو *** ب للملابس يدخر

وسهرت في طبخ الحبو *** ب من العشاء الى السحر

وغدوت مكتحلا أصا *** فح من لقيت من البشر

ووقفت في وسط الطر *** يق أقص شارب من عبر

* * *

ص: 76


1- في المصدر زيادة ( على ابن بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وصريحة قريش ).

الفصل الثاني عشر: نوح السبايا والصحابة يوم أربعين استشهاد الحسين علیه السلام

لقد تأكد بالروايات المتواترة أن السبايا والاسرى عرجوا بعد خروجهم من الشام على مجزرة كربلاء في اليوم العشرين من شهر صفر ، هو اليوم المصادف لمرور أربعين يوماً على مقتل الامام الحسين علیه السلام ومصرع آله وأصحابه ، وأقامت المناحات على الشهداء حول مصرعهم ومدفنهم بكربلا غير أن هناك خلافاً بين المؤرخين حول ان حضور ركب الاسرى والسبايا على قبول الشهداء في كربلاء هل كان في السنة نفسها - أي سنة 61 ه- - أو في السنة التي تلتها ، - أي سنة 62 ه- - ومعظم الروايات صريحة وكثير من الأدلة ناطقة بأن ذلك قد تم في العشرين من شهر صفر سنة 61 ه- وهي السنة التي صرع فيها الحسين وآله بكربلاء.

هذا بالاضافة الى أن بعض الصحابة من شيعة آل علي علیه السلام كانوا قد توافدوا أيضاً على ساحة المعركة في ذلك اليوم ، وأقاموا العزاء والنوح فيه على تلك القبور. وصادف أن التقى ركب السبايا والأسرى بوفود الصحابة في هذه الساحة الحزينة العزلاء ، فاقام الفريقان فيها مناحة على ضحايا البغي والظلم لم يسبق لها مثيل في ذلك العصر.

وانقل فيما يلي ماتوفر لدي من هذه الروايات.

1 - جاء في الصفحة «747» من « موسوعة آل النبي » عند وصف الرحلة من الشام الى المدينة ، وإلحاح دليل قافلة الأسرى والسبايا على قضاء حوائجهم

ص: 77

ما نصه :

« قالت زينب للدليل مرة : لو عرجت بنا على كربلاء فأجاب الدليل محزوناً : أفعل ، ومضى بهم حتى أشرفوا على الساحة المشؤومة ، وكان قد مضى على المذبحة يومئذ أربعون يوماً ، وما تزال الأرض ملطخة ببقع من دماء الشهداء وبقية من أشلاء غضة ، عفا عنها وحش الفلاة وناحت النوائح ، وأقمن هناك ثلاثة أيام ، لم تهدأ لهن لوعة ، ولم ترفأ لهن دمعة. ثم أخذ الركب المتهك طريقه الى مدينة الرسول ... ».

2 - ورد في رواية أخرى تنقلها أسناد الرواية المعتبرة مفادها : ان يزيد أمر برد السبايا والأسارى من الشام الى المدينة المنورة في الحجاز ، مصطحبين بالرؤوس ، تحت إشراف جماعة من العرفاء ، يرأسهم النعمان بن بشير الأنصاري ، فلما بلغ الركب أرض العراق في طريقه الى مدينة الرسول قالت زينب للدليل : مر بنا على طريق كربلاء ، ومضى بهم حتى أشرفوا على ساحة القتل المشؤومة وكان جابر بن عبد اللّه الأنصاري الصحابي الجليل ، وجماعة من بني هاشم ، ورجال من آل الرسول صلی اللّه علیه و آله قد وردوا العراق لزيارة قبر الحسين علیه السلام . فيقول في ذلك علي بن طاووس في كتابه « اللّهوف » : « إن الأسارى لما وصلوا الى موضع مصرع الامام الحسين ، وجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول صلی اللّه علیه و آله قد وردوا لزيارة قبر الحسين علیه السلام . فتوافدوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد واجتمع عليهم أهل ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياماً » (1).

3 - أما قصة الصحابي الاشهر جابر بن عبد اللّه الأنصاري فتتلخص في أنه بعد أن علم بمقتل الامام الشهيد - وكان قد كف بصره - توجه من المدينة نحو

ص: 78


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 86.

أرض كربلاء ، وعندما وصل الى قرية الغاضرية على شاطئ نهر الفرات ، اغتسل في شريعتها ، وتقمص بأطهر ثيابه ، وتطيب بسعد كان مع صاحبه عطاء ، ثم سعى نحو القبر الشريف حافي القدمين ، وعليه علامات الحزن والكآبة ، حتى وقف على الرمس الكريم ، ووقع مغشياً عليه. وعند إفاقته من غشوته سمعه عطاء يقول : « السلام عليكم يا آل اللّه ... » الخ.

4 - جاء في الجزء «1 : 151» من « المجالس السنية » ما عبارته : « لما رجع أهل البيت من الشام الى المدينة قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلاء ، فلما وصلوا الى موضع المصرع وجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري وجماعة من بني هاشم (1) ورجالاً من آل الرسول صلی اللّه علیه و آله قد وردوا لزيارة قبر الحسين ، فتوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم ، واجتمع عليهم أهل ذاك السواد ، وأقاموا على ذلك أياماً.

وعن الأعمش عن عطيه العوفي قال : « خرجت مع جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضی اللّه عنه زائراً قبر الحسين ، فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ، ثم اتزر بإزار وارتدى بآخر ، ثم فتح صرة فيها سعد فنشرها على بدنه ، ثم لم يخط خطوة إلا ذكر اللّه تعالى حتى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه ياعطية ، فألمسته إياه فخر على القبر مغشياً عليه. فرششت عليه شيئاً من الماء ، فلما أفاق قال : يا حسين - ثلاثاً -. قال : حبيب لا يجيب حبيبه. ثم قال : وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك ، وفرق بين بدنك ورأسك. أشهد أنك ابن خير النبيين ، وابن سيد المؤمنين ، وابن حليف التقوى وسليل الهدى ، وخامس آل الكسا ، وابن سيد النقبا ، وابن فاطمة سيدة النسا. ومالك لا تكون هكذا ». الى آخر كلامه.

ص: 79


1- ينابيع المودة 2 : 353.

ثم يستطرد الكتاب حيث يقول : « ومضى عبد جابر ليرى منهم القادمون من ناحية الشام فما كان بأسرع من أن يرجع وهو يقول : يا جابر قم واستقبل حرم رسول اللّه ، هذا زين العابدين قد جاء بعماته وأخواته. فقام جابر حافي الأقدام مكشوف الرأس الى أن دنا من زين العابدين ، فقال الامام علیه السلام : أنت جابر؟ قال : نعم يا ابن رسول اللّه. قال : يا جابر ها هنا واللّه قتلت رجالنا ، وذبحت أطفالنا ، وسبيت نساؤنا ، وحرقت خيامنا ... ».

5 - جاء في الصفحة «361» من كتاب « المدخل الى موسوعة العتبات المقدسة » لجامعه جعفر الخليلي عند ترجمة حال جابر بن عبد اللّه الانصاري الصحابي الجليل ما نصه : « وهو - أي جابر - أول من زار الامام الحسين في كربلاء بعد أربعين يوماً من وفاته. وزيارته هذه من الزيارات المشهورة ».

6 - أقول : ومنذ ذلك التاريخ ، ويوم «20» صفر من كل عام أصبح يوماً مشهوداً في التاريخ الاسلامي. كما أنه صار من أعظم أيام الزيارات لقبر الحسين علیه السلام وشهداء الطف في كربلاء ، إذ تحتشد فيه مئات الألوف من المسلمين في مدينة كربلاء ، ويقيمون فيه المناحات الحزينة عند قبر الامام ، ويسيرون المواكب العظيمة التي تمثل ركب الامام الشهيد علیه السلام وتعيد ذكراه المقرحة.

هذا ويحدثنا التاريخ بأن ركب السبايا والأسرى ترك أرض كربلاء بعد بقائه فيها مدة ثلاثة أيام أو أربعة ميمّمين شطر مدينة الرسول صلی اللّه علیه و آله في الحجاز.

* * *

ص: 80

الفصل الثالث عشر: مدينة الرسول تندب الحسين علیه السلام وآله

أما في مدينة الرسول صلی اللّه علیه و آله فيذكر التاريخ وتؤكد الروايات بأن عبيداللّه بن زياد بعد أن كتب من الكوفةالى يزيد في الشام يخبره بمقتل الامام علیه السلام وتسلمه جواب يزيد بإيفاد الأسرى والسبايا ومعهم الرؤوس اليه في الشام ، بادر يزيد حالاً بارسال عبد الملك بن حارث السلمي الى عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق وكان والي المدينة ، وحاكمها ، وعامل يزيد فيها ، وأمره بأن يبشره بمقتل الامام الحسين علیه السلام وآله وصحبه. وفيما يلي بعض الروايات التي تحدثنا عن تفاصيل هذا الأمر :

1 - جاء في ( إرشاد ) المفيد ما نصه : « أنفذ يزيد عبد الملك بن أبي الحديث السلمي الى المدينة ليخبر عمرو بن سعيد بن العاص عامله على المدينة بقتل الحسين ، فيقول عبد الملك (1) :

لما دخلت على عمر بن سعيد قال : ما وراءك؟ فقلت : ما يسرّ الأمير ، قتل

ص: 81


1- في المصد هكذا « ولما أنفذ ابن زياد برأس الحسين علیه السلام الى يزيد ، تقدم الى عبد الملك بن أبي الحديث السلمي فقال : انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فبشره بقتل الحسين ، فقال عبد الملك : فركبت راحلتي وسرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش فقال : ما الخبر؟ فقلت : الخبر عند الأمير تسمعه ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قتل - واللّه - الحسين ».

الحسين بن علي. فقال : أخرج فناد بقتله ، فناديت ، فلم أسمع (1) واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله.

ثم يستطرد فيقول : وخرجت أم لقمان زينب بنت عقيل بن أبي طالب رحمه اللّه حين سمعت نعي الحسين حاسرة ، ومعها أخواتها أم هاني ، وأسماء ، ورملة ، وزينب بنات عقيل بن أبي طالب تبكي قتلاها في الطف ، وهي تقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم *** ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي *** منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم *** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي (2)

2 - تقول الدكتورة بنت الشاطئ في كتابها « سكينة بنت الحسين » صفحة «68» عند الاشارة الى وصول السبايا الى المدينة عام 61 ه- ما نصه : « وضجت المدينة بسكانها وهي تستقبل بقايا الركب الحسيني الذي ودعته منذ قليل. وبرزت النساء - كل النساء - صارخات باكيات ، وخرجت عقيلات بني هاشم من خدورهن حاسرات الوجوه ، يندبن في لوعة : واحسيناه ، واحسيناه. ولم تبق في المدينة دار إلا وبها مأتم ، ولبثت مناحة الشهداء هناك قائمة أياماً وليالي ، حتى جفت المآقي من طول ما سكبت من دمع ، وحتى ضحل الحلق من طول ما أجهدها النواح ... ».

وتستطرد الدكتورة بنت الشاطئ فتقول : « وفي المدينة أقامت الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين المأتم عليه ، وبكت النساء معها حتى جفت دموعها. ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت أن يصنع السويق ، وقالت : إنها تريد أن تقوى على البكاء ، وقد خطبها بعد الحسين الأشراف ، فأبت وقالت ما كنت لأتخذ حماً - أي أقارب الزوج - وهكذا بقيت الرباب سنة بعد

ص: 82


1- في المصدر زيادة ( واللّه ).
2- ارشاد المفيد 2 : 123.

الحسين لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت ».

3 - جاء في الصفحة «508» من كتاب « أعلام النساء في عالمي العرب والاسلام » المار ذكره بعد وصف مسيرة السبايا من الشام الى المدينة ما نصه : « فلما دخلوا المدينة خرجت امرأة من بني عبد المطلب ، ناشرة شعرها ، واضعة كمها على رأسها ، تلقاهم وهي تبكي وتنشد : « ماذا تقولون إن قال النبي لكم .. » الى آخر الاشعار المارة ذكره.

4 - وقد نقل صاحب كتاب « إقناع اللائم » هذا الحادث بالنص التالي : « وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي الحنفي قال الواقدي : لما وصل الرأس - رأس الحسين - الى المدينة والسبايا ، لم يبق بالمدينة أحد إلا وخرجوا وهم يضجون بالبكاء وخرجت زينب بنت عقيل بن أبي طالب تصيح : واحسيناه ، وا أخوياه ، وا أهلاه ، وا محمداه ثم قالت :

ماذا تقولون إذا قال النبي لكم *** ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بأهل بيتي وأولادي أما لكم *** عهد أما أنتم توفون بألذمم

ذريتي وبنو عمي بمضيعة *** منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم *** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي(1)

5 - وفي الجزء «1 : 113» من « المجالس السنية » ما لفظه : « وكانت أم البنين - وهي فاطمة بنت حزام الكلابية - أم العباس واخوته : عبد اللّه ، وجعفر ، وعثمان ، الذين قتلوا مع أخيهم الحسين يوم عاشوراء - أم هؤلاء الاخوة الاربعة - بعد قتلهم تخرج كل يوم الى البقيع في المدينة ، وتحمل معها عبيد اللّه ابن ولدها العباس فتندب أولادها الأربعة خصوصاً اشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس يستمعون بكاءها وندبتها ، وكان مروان بن الحكم على شدة عداوته لبني هاشم فيمن يجيء

ص: 83


1- اقناع اللائم : 154 ، عن تذكرة الخواص.

فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي. فمما كانت ترثي به قولها في أولادها الأربعة :

لا تدعيني ويك أم البنين *** تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي أدعى بهم *** واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى *** قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلاءهم *** وكلهم أمسى صريعاً طعين

يا ليت شعري أكما أخبروا *** بان عباساً قطيع اليمين

وفي الصفحة «109» من الكتاب نفسه ما عبارته : « وروي عن علي بن الحسين علیه السلام أنه نظر يوماً الى عبيد اللّه بن العباس بن علي فاستعبر ... ».

6 - جاء في الجزء «1 : 153» من كتاب « المجالس السنية » أيضاً ما نصه : « قال بشير بن حذلم ، وكان من جملة ركب الأسارى والسبايا ، ومعروفاً بقرض الشعر : بأنه حينما وصل ركب السبايا والأسرى ضواحي المدينة المنورة قال لي الامام زين العابدين علیه السلام : ادخل المدينة وانع أبا عبد اللّه الحسين علیه السلام . قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة ، فلما بلغت مسجد النبي رفعت صوتي بالبكاء ، وأنشدت أقول :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها *** قتل الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج *** والرأس منه على القناة يدار

ثم قلت : يا أهل المدينة ، هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله اليكم أعرفكم مكانه. قال بشير : فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن وهن يدين بالويل والثبور ، ولم يبق في المدينة أحد إلا وخرج وهم يضجون بالبكاء ، فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوماً أمر على المسلمين منه بعد وفاة رسول اللّه وسمعت جارية تنوح على الحسين وتقول :

نعي سيدي ناع نعاه فأوجعا *** وأمرضني ناع نعاه فأفجعا

ص: 84

فعينيي جودا بالدموع وأسكبا *** وجودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دهى عرش الجليل فزعزعا *** فأصبح هذا المجد والدين أجدعا

على ابن نبي اللّه وابن وصيه *** وإن كان عنا ساخطاً الدار أثسعا

ثم قالت : أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد اللّه ، وخدشت منا قروحاً لم تندمل ، فمن أنت رحمك اللّه؟ فقلت : أنا بشر بن حذلم ، وجهني مولاي علي بن الحسين وهو نازل بوضع كذا مع عيال أبي عبد اللّه الحسين ونسائه. قال : فتركوني مكاني وغادروني. فضربت فرسي حتى رجعت ، فوجدت الناس قد أخذواالطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطأت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان علي بن الحسين داخلاً فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسي فوضعه له ، وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة ، وارتفعت اصوات الناس بالبكاء من كل ناحية يعزونه ، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة ، فأومأ بيده أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم ، فخطب فيهم خطبة مؤثرة ثم دخل زين العابدين الى المدينة فرآها موحشة باكية ، ووجد ديار أهله خالية ، تنعى أهلها ، وتندب سكانها ... » ، وهكذا أقامت مدينة الرسول أياماً بلياليها تشهد المأتم الرهيب ، وتصغي الى النواح الفاجع.

7 - في الصفحة «218» من كتاب « سكينة بنت الحسين » السالف ذكره ما عبارته : « المؤرخون يقررون : أن المدينة كلها كانت في مأتم عام لسيد الشهداء ، وأن أمها الرباب - أي أم سكينة - قد أمضت عاما بأكمله حادة حزينة حتى لحقت بزوجها الشهيد ، وأن أم البنين بنت حزام بن خالد العامرية ، زوجة الامام علي بن أبي طالب علیه السلام ، كانت تخرج الى البقيع كل يوم فتبكي أبناءها الأربعة .. ».

8 - روى الشيخ الطوسي في أماليه المجلد الأول الصفحة 322 بسنده عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه أبي المقدام ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس قال : « بينا أنا راقد في منزلي اذ سمعت صراخاً عالياً من بيت أم سلمة زوج النبي صلی اللّه علیه و آله ، فخرجت

ص: 85

يتوجه بي قائدي الى منزلها ، وأقبل أهل المدينة اليها الرجال والنساء (1) فقلت : يا ام المؤمنين مالك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني ، وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت : يا بنات عبد الطلب أسعدنني وأبكين معي ، فقد قتل واللّه سيدكن وسيد شباب أهل الجنة ، فقد قتل واللّه سبط رسول اللّه وريحانته الحسين. فقلت (2) : يا أم المؤمنين ومن أين علمت ذلك؟ قالت : رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في المنام الساعة شعثاً مذعوراً ، فسألته عن شأنه ، فقال : قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم ، فدفنتهم والساعة فرغت من دفنهم ، قالت : فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أعقل ، فنظرت وإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء فقال إذا صارت هذه التربة دماً فقد قتل ابنك واعطانيها النبي فقال : اجعلي هذه التربة في زجاجة أو قال : في قارورة ولتكن عندك ، فاذا صارت دماً عبيطاً فقد قتل الحسين. فرأيت القارورة الآن وقد صارت دماً عبيطاً تفور.

قال : فأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها ، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين فجاءت الركبان بخبره وأنه قتل في ذلك اليوم.

قال عمرو بن ثابت - أحد رواة هذا الحديث - : دخلت على أبي جعفر محمد بن علي علیه السلام فسألته عن هذا الحديث ، وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبد اللّه بن عباس فقال أبوجعفر : حدثنيه عمرو بن أبي سلمة ، عن أمه أم سلمة .. ».

9 - قال سبط ابن الجوزي في كتابه « تذكرة الخواص » (3) : « ذكر ابن سعد عن أم سلمة : أنها لما بلغها قتل الحسين علیه السلام قالت : أو قد فعلوها؟ ملأ اللّه قبورهم

ص: 86


1- في المصدر زيادة ( فلما انتهيت اليها ).
2- في المصدر ( فقيل ).
3- تذكرة الخواص : 240.

ناراً. ثم بكت حتى غشي عليها ». وذكر هذا الحديث « الصواعق المحرقة » (1) أيضاً.

10 - ذكر ابن الاثير في تاريخه صفحة «38» مجلد «4» ونقلت ذلك « موسوعة آل النبي » صفحة «748» ما يلي : « قال ابن عباس : رأيت النبي صلی اللّه علیه و آله الليلة التي قتل فيها الحسين وبيده قارورة وهو يجمع فيها دماً. فقلت : يا رسول اللّه ما هذا؟ قال : هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها الى اللّه تعالى فأصبح ابن عباس فأعلم الناس بقتل الحسين وقص عليهم رؤياه ».

وعلقت الدكتورة بنت الشاطئ في الصفحة نفسها من موسوعتها تلك على ذلك بقولها : « عندما نادى المنادي بقدوم علي بن الحسين الى المدينة ، وانتشر صدى النعي حتى بلغ سفح أحد ، ارتد الى البقيع ، فقباء ، خافتاً ممزقاً وما لبث أن تلاشى في صراخ الباكين وعويل المناديات. وبلغ العويل سمع أمير المدينة عمرو بن سعيد الأشدق فابتهج وقال :

عجت نساء بني زياد عجة *** كعجيج نسوتنا غداة الارنب

يوم بيوم عثمان ، وناعية بناعية عثمان. ولم تبق مخدرة في المدينة إلا برزت من خدرها نائحة معولة ... ».

أقول : لقد نقل أقوال عمرو بن سعيد كل من تاريخ الطبري ، وابن الأثير ، وغيرهما من كتب المقتل.

ثم تواصل الدكتورة بنت الشاطئ كلامها فتقول : « وأهل الركب الحزين على الجموع التي خرجت لاستقباله ، فما رأت مدينة الرسول افجع مشهداً ، ولا رأت مثل ذلك اليوم أكثر باكياً وباكية ... ».

وختمت الكاتبة قولها بما يلي :

« وأقامت مدينة الرسول أياماً بلياليها تشهد المأتم الرهيب ، وتصغي الى

ص: 87


1- الصواعق المحرقة : 297 قطعه منه ، تاريخ ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسين علیه السلام : 63 و 65.

النواح الفاجع ، وتتلقى في ثراها الطاهر دموع الباكين ».

11 ذكر كتاب « الأغاني » لأبي الفرج الاصفهاني نقلاً عن هشام الكلبي عن الرباب زوجة الحسين مانصه : « وخطبت بعد استشهاد الحسين فأبت وقالت : ما كنت لأتخذ حمواً بعد ابن رسول اللّه (1). ثم قالت ترثي الحسين :

ان الذي كان نورا يستضاء به *** بكربلاء قتيل غير مدفون

سبط النبي جزاك اللّه صالحة *** عنا وجنبت خسران الموازين

قد كنت لي جبلاً صعبأ ألوذبه *** وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن *** يغني ويؤوي اليه كل مسكين

واللّه لا ابتغي صهراً بصهركم *** حتى اغيب بين الرمل والطين (2)

12 - قال ابن الأثير في المجلد الرابع صفحة «45» من تاريخه ، عن الرباب زوجة الحسين ما عبارته : « وبقيت بعد الحسين سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً. وقيل : إنّها أقامت على قبره سنة وعادت الى المدينة فماتت أسفاً عليه ... ».

13 - جاء في الصفحة «85» من كتاب « مقاتل الطالبيين » لأبي الفرج الأصفهاني ما نصه عن نياح أم البنين :

« وكانت أم البنين أم هؤلاء الاربعة الأخوة القتلى تخرج الى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس اليها يسمعون منها. فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي ».

14 - روى الطبري في تاريخه المجلد 4 : الصفحة 358 ضمن حوادث سنة 61 ه- عن هشام ، بسنده عن عمرو بن عكرمة : قال : « أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة ، فاذا مولى لنا يحدثنا : قال : سمعت البارحة منادياً ينادي وهو يقول :

ص: 88


1- الاغاني 16 : 141.
2- الاغاني 16 : 142.

أيها القاتلون جهلاً حسيناً *** أبشروا بالعذاب والتنكيل

كل أهل السماء تدعو عليكم *** من نبي ومليك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داو *** د موسى وحامل الانجيل

وقد روى ابن حجر (1) عن الملا هذا الحديث عن أم سلمة حيث أنها قالت : لما كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول : « أيها القاتلون جهلاً حسيناً ». الى آخر الابيات.

ونقل الرواية والأبيات ابن الأثير (2) ايضاً. وكذلك نقلها « إرشاد » (3) المفيد ، و « بحار الانوار » (4) للمجلسي.

15 - جاء في الصفحة «147» من كتاب « نهضة الحسين » السالف الذكر ما نصه : « بلغ السبي النبوي المدينة ، ولكن بأية خالة تعرف مبلغ التأثير في أهل البيت؟ خاطبت زينب المدينة قائلة :

مدينة جدنا لا تقبلينا *** فبالحسرات والاحزان جينا

خرجنا منك بالاهلين جمعا *** رجعنا لا رجال ولا بنينا

وكنا في الخروج بجمع شمل *** رجعنا حاسرين مسلبينا

وكنا في أمان اللّه جهراً *** رجعنا بالقطيعة خائفينا

ومولانا الحسين لنا أنيس *** رجعنا والحسين به رهينا

فنحن الضائعات بلا كفيل *** ونحن النائحات على أخينا

ونحن السائرات على المطايا *** نشال على جمال المبغضينا (5)

ص: 89


1- الصواعق المحرقة : 293.
2- الكامل لابن الاثير 4 : 90.
3- الارشاد للشيخ المفيد 2 : 124.
4- بحار الانوار 45 : 199.
5- بحار الانوار 45 : 197 يروي هذه الابيات عن أم كلثوم.

ثم أخذت بعضادتي باب مسجد النبي صلی اللّه علیه و آله وقالت بلهفة : يا جداه إني ناعية اليك أخي الحسين. ولا زالت بعد ذلك لا تجف لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنحيب. وكلما نظرت الى علي بن الحسين علیه السلام تجددت احزانها وزاد وجدها ... ».

16 - وفي الصفحة «151» من الكتاب نفسه عند وصف وفود المعزين في المدينة على آل النبي للمواساة والتسلية يقول : « وكانت العائلة النبوية تجدد ذكراها في المدينة صباح مساء في حزن عميق ، وشجن عظيم .. وتبكي على الحسين رجالاً ونساء ... ».

ثم يستطرد فيقول : « وكان وجوه المسلمين والموالون لآل البيت يفدون على بيوت آل النبي بالمدينة معزين ومواسين ، وكان الواحد منهم يعبر عن مشاعره وأحزانه بأبلغ ما أوتي من روعة وقوة البيان ، وحسن المواساة لهذه المصيبة ، حتى تركوا ثروة أدبية رائعة في أدب التسلية والمواساة ... وبقيت بيوت آل البيت مجللة بالحزن والسواد ، ولا توقد فيها النيران .. ».

ويختم الكاتب الجليل كلامه بقوله : « فصارت المآتم منهم وفيهم تقام في السنة مرة بعد ما كانت مستمرة .. ».

17 - جاء في الصفحة «162» من « إقناع اللائم » عند ذكر أم البنين ونياحتها في المدينة على استشهاد أولادها الأربعة في فاجعة كربلاء ما عبارته : « وكانت تقول في ندبتها ، كما عن الأخفش في شرح كامل المبرد :

يا من رأى العباس كر *** على جماهير النقد (1)

ويلي على شبلي أما *** ل برأسه صوب العمد

لو كان سيفك في يد *** يك لما دنا منك أحد

ص: 90


1- النقد : جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه ، وزاد البيت حسناً ان العباس من اسماء الاسد.

الفصل الرابع عشر: أول نياحة على الحسين علیه السلام وآله في مصر

أما السيدة زينب أخت الحسين علیه السلام فكان وجودها في مدينة الرسول بعد عودتها مع السبايا كافياً لأن يلهب شعور الحزن والأسى على شهداء كربلاء وأن يؤلب الناس على الطغاة وسفاكي الدماء ، حتى كاد الأمر من جزاء ذلك يفسد على بني أمية ، فكتب واليهم بالمدينة الى يزيد : « إن وجود زينب بين أهل المدينة مهيج للخواطر ، وأنها فصيحة عاقلة لبيبة ، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين ».

وفور تسلم يزيد - في الشام - هذه الرسالة من عامله والي المدينة أمره يزيد بأن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار. فطلب الوالي الى السيدة زينب بأن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء ، فامتنعت في بادئ الأمر عن الخروج من المدينة ، لكنها نزلت في النهاية على رأي نساء بني هاشم ، فخرجت من المدينة ، ورحلت الى مصر. وقد وصلتها في أول شعبان سنة «61» ه- ، أي بعد مجزرة كربلاء بأكثر من سبعة أشهر.

واستقبلت من قبل أهالي مصر أعظم استقبال ، وساروا بها الى قرية قرب « بليبس ». وكان في مقدمة مستقبليها مسلمة بن مخلد الانصاري أمير مصر. فلما أطلت على المستقبلين أجهش الجميع بالبكاء وحفوا بركبها ، حتى إذ بلغت عاصمة مصر مضى بها « مسلمة » الى داره فأقامت بها قرابة عام.

ص: 91

وفي خلال هذه السنة التي أقامتها بمصر بذرت بذور الحركة المعادية لبني أمية ، وأثارت الرأي العام المصري ضد من قاموا بقتل الامام الحسين وآله وأصحابه في كربلاء ، كما أقامت المآتم الخاصة والعامة على أرواح هؤلاء الشهداء الميامين.

وقد ماتت السيد زينب عشية اليوم الرابع عشر من رجب ، سنة «62» ه- ولا زال قبرها منذ ذلك التاريخ حتى الآن في مصر مزاراً يفد اليه المسلمون للتبرك به.

وهكذا أخذت المآتم والمناحات تقام في مختلف المدن والقرى والقصبات والدساكر المصرية سراً وجهراً على شهداء الطف بكربلاء رغم ماكانت تلاقي من معارضة ومناهضة القائمين بالسلطة والحكم من الامويين ، وقد اتسع نطاق إقامة هذه المآتم والأحزان والنياحات على استشهاد الامام الحسين علیه السلام في مجزرة كربلاء في جميع أكناف وأرجاء القطر المصري تدريجاً ، وخاصة على زمن الفاطميين الذين أطلقوا الحرية للمصريين بمزاولة شعائر العزاء والحزن لسيد الشهداء علیه السلام طوال السنة وبالأخص في العشرة الأولى من شهر محرم من كل سنة ، وخاصة يوم عاشوراء منه.

وفيما يلي أنقل بعض النتف التاريخية من أوثق المصادر عن إقامة شعائر المأتم الحسيني في القطر المصري منذ وطئت قدم السيدة زينب أرض مصر :

1 - جاء في « موسوعة آل النبي » قسم « بطلة كربلاء » صفحة «755» ما نصه : « بزغ هلال شعبان عام 61 ه- في اللحظة التي وطئت قدم السيدة زينب أرض النيل ، فاذا جموع من الناس قد احتشدت لاستقبالها. وساروا هكذا حتى بلغوا قرية بلبيس ، فقابلتهم هناك جموع اخرى آتية من عاصمة الوادي الطيب.

إنه مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر في وفد من أعيان البلاد وعلمائها ، قد خرجوا للقاء بنت الزهراء والامام علي وأخت الامام الشهيد.

فلما أطلعت عليهم بطلعتها المشرقة بنور الاستشهاد اجهشوا بالبكاء ، وحفوا

ص: 92

بركبها ، حتى إذا بلغت العاصمة مضى بها مسلمة الى داره ، فأقامت بها قرابة عام لم تر خلالها إلا عابدة متبتلة.

ثم كانت نهاية المطاف ، ماتت السيدة زينب عشية يوم الأحد ، لأربع عشرة مضين من رجب ، عام 62 ه- ، على أرجح الأقوال. وأغمضت العينان اللتان شهدتا مذبحة كربلاء وآن للجسد المتعب المضنى أن يستريح.

فمهدت لها الارض الطيبة مرقداً لينا في مخدعها ، وحيث اختارت أن تكون ضجعتها الأخيرة.

وبقي قبرها مزاراً مباركاً يفد اليه المسلمون حتى يومنا هذا من كل فج عميق .. ».

وقالت الدكتورة بنت الشاطئ ايضاً في الصفحة «768» من موسوعتها ما يلي :

« أجل ، هي زينب التي دعلت من مصرع أخيها الشهيد مأساة خالدة ، وصيرت من يوم مقتله ماتماً سنوياً للاحزان والآلام ».

2 - وبهذه المناسبة نوجز كلمة عن المكان الذي قبرت فيه السيد زينب. إذ إن الخلاف بين المؤرخين في مكان قبرها كبير ، فبعضهم أقر بوجوده في مصر بمحله الحالي المعروف ، وآخرون قالوا : إنه في دمشق. وأفاد غيرهم : إنه في المدينة. وأنقل فيما يلي رأى العلامتين ، السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ، والسيد محسن الأمين العاملي ، حسماً للخلاف. سيما وانهما الحجتان في مثل هذه المواضيع في هذا القرن ، واتبع ذلك بالمرويات عن النياحات الحسينية في مصر ، منذ وطئت قدم السيدة زينب تلك البلاد.

3 - جاء في الصفحة «256» من الجزء «6» من المجلد «3» من مجلة « المرشد » البغدادية ، بقلم العلامة الشهرساتي الحسيني ، ما نصه : « واختلف المؤرخون في المكان الذي دفنت فيه السيدة زينب ، والمشهور انها دفنت في قناطر

ص: 93

السباع بمصر ».

وجاء في كتاب «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور» صفحة 235 ما يلي : « وعلى اختلاف الروايات ان للسيدة زينب مقامين : أحدهما بدمشق ، وهو مقصود من كل الجهات ، خصوصا من أهل الشيعة. والثاني بمصر ، وهو أشهر من الاول ، ولها أوقاف وايراد زائد من ديوان عموم الأوقاف المصرية ، ولها مسجد بمصر لم يوجد مثله ».

وقال صاحب دائرة المعارف البستاني ، مجلد «9» صفحة «355».

« وللسيدة زينب ، بنت علي بن أبي طالب ، أخت الحسن والحسين ، مزار في قناطر السباع بمصر ، يزار ويتبرك به ».

كما أن السيد محسن الأمين العاملي ذكر ضمن مقال عن الشيعة الاسماعيلية ، في الجزء «3» من المجلد «16» من مجلة العرفان بأن « مزار القبر المنسوب الى السيدة زينب في دمشق هو قبر السيدة زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم ، بنت الامام علي علیه السلام . ويقع بقرية راوية ، على بعد فرسخ من مدينة دمشق : » إنتها كلام العلامة الشهرستاني الحسيني.

4 - أمّا العلامة السيد محسن الأمين العاملي فقد اشار الى هذا الموضوع في الجلد «33» في الصفحة «218» من موسوعته « أعيان الشيعة » حيث قال :

« وهذا المشهد - أي مشهد زينب في مصر - مزار ، معظم ، مشيد البناء ، بناؤه غاية الاتقان ، فسيح الأرجاء دخلته وزرته في سفري الى الحجاز بطريق مصر ، عام «1340 ه- » ويعرف بمشهد السيدة زينب وأهل مصر يتوافدون لزيارته زرافات ووحدانا ، وتلقى فيه الدروس وهم يعتقدون أن صاحبته زينب بنت علي بن أبي طالب ، حتى إني رأيت كتاباً مطبوعاً بمصر لا أذكر اسمه الآن ، ولا اسم مؤلفه وفيه : إن صاحبة هذا المشهد هي زينب بنت علي بن أبي طالب ... ».

وأنا أكتفي بهذا القدر من البحث عن قبر السيدة زينب ، وأعود الى موضوع

ص: 94

الرسالة في المناحة على الامام الحسين في مصر منذ صدر الاسلام.

5 - جاء في كتاب « الدلائل والمسائل » لمؤلفه السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ما نصه :

« وتروي تواريخ الدولة العبيدية بمصر اهتمام الملك المعز الفاطمي بأمر أقامة عزاء الحسين في خارج البيوت أيضاً ، فكانت النساء يخرجن في أيامه ليلاً ، كما يخرج الرجال نهاراً ... ».

6 - جاء في الصفحة «66» في كتاب « دول الشيعة في التاريخ » لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية ، ما نصه :

« وعن خطط المقريزي : إن شعار الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الأخشيديين ، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين ، فكانت مصر في عهدهم بوقت البيع والشراء تعطل الاسواق ، ويجتمع أهل النوح والنشيد يكونون بالازقة والاسواق ، ويأتون الى مشهد أم كلثوم ونفيسة ، وهم نائحون باكون. وقال السيد مير علي في مختصر تاريخ العرب : وكان من أفخم عمارة القاهرة في عهد الفاطميين : الحسينية ، وهي بناء فسيح الارجاء ، تقام فيه ذكرى مقتل الحسين في موقعة كربلاء ، وأمعن الفاطمييون في إحياء هذه الشعائر وما إليها من شعار الشيعة حتى أصبحت جزء من حياة الناس ... ».

7 - ورد في الصفحة «159» من كتاب « اقناع اللائم » ما نصه :

« وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة (1) الخواص : إن أبا عبيد اللّه النحوي بمصر قال : كحل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء ، فعوتب على ذلك فقال :

وقائل : لم كحلت عيناً *** يوم استباحوا دم الحسين

فقلت : كفوا ، أحق شيء *** تلبس فيه السواد عيني

ص: 95


1- تذكرة الخواص : 245.

8 - ولم يكد يستولي صلاح الدين الأيوبي على مصر إلا وأخذ بالضغط على الشيعة فيها ومطاردتهم ، ومنعهم عن إقامة شعائر الحزن والعزاء على الامام الحسين علیه السلام وقد تواترت أخبار المؤرخين في ذلك ، واتفقت كلمتهم على ذلك وفيما يلي بعض مروياتهم :

9 - جاء في كتاب « إقناع اللائم » صفحة «3» نقلاً عن خطط المقريزي ، في جزئه الثاني ، صفحة «385» ما عبارته :

« فإنه - أي المقريزي - بعد ما ذكر أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن ، تعطل فيه الاسواق ، قال : فلما دالت الدولة ، اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور ، يوسعون فيه على عيالهم ، ويتبسطون في المطاعم ، ويصنعون الحلاوات ، ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام ، جرياً على عادة أهل الشام التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ، ليرغوا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب - كرم اللّه وجهه - الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي ، لأنه قتل فيه ... ».

ثم قال : « وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب ، من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسط ... ».

10 - جاء في الجزء الأول القسم الأول من موسوعة « أعيان الشيعة » صفحة «61» ما نصه :

« وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر ، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا ، وذلك من الظلم الفاحش. وأعيد اتخاذ يوم قتل الحسين عيداً الذي كان قد سنه بني أمية والحجاج بالشام وغيرها ، وأحدث جعله عيداً بمصر ، ولم يكن معروفاً فيها بنص المقريزي ».

11 - ورد في الصفحة «92» من كتاب « الشيعة والحاكمون » لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية ، عند ذكره مطاردة صلاح الدين الايوبي للفاطميين والشيعة في

ص: 96

مصر قوله : « وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر ، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا وأعاد يوم قتل الحسنين عيداً الذي قد سنه بني أمية والحجاج ... ».

12 - وبمناسبة ذكر المناحات على الامام الشهيد في مصر ، وتأييدها حيناً ومنعها أحياناً ، حسب رغبة الحكام فيها ، لا أجد ضيراً من الاشارة الى المكان الذي قبر فيه رأس الامام الشهيد علیه السلام بعد نقله من كربلاء الى الكوفة ، ثم الشام ، ثم عسقلان والقاهرة ، واختلاف المؤرخين والمحققين في المكان الذي دفن فيه في نهاية المطاف ، ورأي الأكثرية منهم في انهم نقل على عهد الفاطميين من عسقلان الى القاهرة حيث وري التراب في محله الحالي في القاهرة.

وهنا أكتفي برأي السيد حسن الامين ، المحقق المعاصر ، الذي أيد هذا الأمر في مقال تحقيقي نشرته له مجلة « العربي » الصادرة في الكويت ، بعددها «155» المؤرخ شعبان 1391 ه- حيث قال السيد الأمين ما نصه :

« لقد دفن سليمان بن عبد الملك الأموي الرأس في مقابر المسلمين ، ولكن لا في دمشق بل في مدينة عسقلان بفلسطين لأنه حدس بأن سيكون لمدفن الرأس شأن يوماً ما فلم يشأ أن يكون هذا الشأن في دمشق ، فأبعده الى عسقلان وفي العام «548 ه» نقل الفاطميون الرأس من مدفنه في عسقلان الى مكانه الحالي في القاهرة ... ».

وقد كتب السيد الامين هذا البحث رداً على ما نشرته مجلة « العربي » بأن سليمان بن عبد الملك دفن الرأس في دمشق بمقابر المسلمين ، بعد نقله من مخازن الأسلحة فيها ، التي خزن فيها يزيد الرأس.

* * *

ص: 97

ص: 98

الفصل الخامس عشر: اول من رثى الحسين علیه السلام بعد دفنه

تقول الروايات : إنه لم يكن يجسر أحد من الشعراء وغيرهم على المجاهرة برثاء الحسين علیه السلام والبكاء عليه مدة ملك بني أمية وسلطانتهم ، عدا من شدّ مّمن كان يقول الأبيات المعدودة في الرثاء مجاهراً بها ، وبما يبديه من حزن وجزع وبكاء على الامام الشهيد علیه السلام ، وقد نقلت بعض الأبيات في رثائه التي قيلت على عهد بني أمية في أوائل ملك العباسيين.

ويستدل من هذه الابيات أن رثاء الامام علیه السلام والنياحة عليه في أوائل عهد العباسيين وفي أواخره تبارى شعراء الاسلام فيه. وكان في مقدمة هؤلاء الشعراء الشيعة الذين أكثروا في هذا الرثاء والنحيب ، نظراً لما لا قوه من الحرية نتيجة ضعف العباسيين. ولقد اختلفت الروايات وتباينت الأخبار في أول من قام بزيارة قبر الحسين علیه السلام وقبور آله وأصحابه ، ورثائه ، والنوح عليه وعليهم ، بعد أن تم دفن الاجساد من قبل أفراد من قبيلة بني أسد.

وقد تواترت هذه الروايات بأن أول هؤلاء الراثين والنائحين على القبر هو عبيد اللّه بن الحر الجعفي ، لقرب موضعه من ساحة الشهداء. كما أن هناك رواية أخرى تقول : إن سليمان بن قتة كان أول من زار هذه القبور وناح عليها.

وفيما يلي نبذة من هذه الروايات التي إن دلت على شيء فانها تدل على شدة اهتمام شيعة علي علیه السلام بمصرع ابنه علیه السلام فور علمهم به :

ص: 99

1 - جاء في الصفحات «120 - 121» من كتاب « الحسين في طريقه الى الشهادة » نقلاً عن « إرشاد » الشيخ المفيد ما نصه :

« ثم مضى الحسين علیه السلام حتى انتهى الى قصر بني مقاتل فنزل به ، فاذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الخباء؟ فقيل : لعبيد اللّه بن الحر الجعفي ، قال : ادعوه إلي. فلما أتاه الرسول قال له : هذا الحسين بن علي يدعوك. فقال عبيد اللّه : إنا لله وإنا إليه راجعون ، واللّه ماخرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها. واللّه ما أريد أن أراه ولا يراني فأتاه الرسول فأخبره. فقام الحسين فجاء حتى دخل عليه ، وسلم وجلس ، ثم دعاه الى الخروج معه ، فأعاد عليه عبيد اللّه بن الحر تلك المقالة واستقاله مما دعاه اليه. فقال له الحسين : فان لم تكن (1) تنصرنا فاتق أن تكون ممن يقاتلنا ، فو اللّه لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك. فقال : أما هذا فلا يكون أبداً إن شاء اللّه ، ثم قام من عنده حتى دخل رحله ... » (2).

2 - وفي الصفحة «65» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية المار الذكر ما نصه :

« إن أول من زار قبر الحسين علیه السلام بعد مصرع الحسين ودفن الأجساد ، كما روي عن أبي مخنف ، هو عبيد اللّه بن الحر الجعفي ، الذي كان من شجعان العرب ومن شعرائهم الأفذاذ وكان من المحبين للامام علي علیه السلام وحضر معه معظم حروبه. وعندما سمع بقدوم الحسين خرج من الكوفة وأتى قصر بني مقاتل حتى نزله الحسين في طريقه الى كربلاء ... ».

وبعد أن يذكر الكاتب اجتماع الحسين بعبيد اللّه ، وامتناع هذا عن نصرة الحسين يقول :

« فودع الحسين عبيد اللّه بن الحر ، ثم سار الحسين الى كربلاء وترك عبيد اللّه

ص: 100


1- ليس في المصدر.
2- ارشاد المفيد 2 : 81.

في فسطاطه ، وبد رحيل الحسين أتى منزله على شاطئ الفرات فنزله. ولما كان مقتل الحسين جاء الى كربلاء ووقف على أجداث الشهداء ، وبكى بكاء شديدا ، واستعبر ، ورثى الحسين وأصحابه الذين قتلوا معه بعد أن جرى ما جرى بينه وبين ابن زياد ، ووقف باكياً متأوهاً ، منشداً قصيدة طويلة في رثاء الامام وندمه لعدم اشتراكه في القتال. وهذه الابيات من تلك القصيدة :

يقول أمير غادر وابن غادر *** ألا كنت قابلت الشهيد بن فاطمه

ونفسي على خذلانه واعتزاله *** وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته *** ألا كل نفس لا تسدد نادمه

ويا ندمي أن لم أكن من حماته *** لذو حسرة ما إن تفارق لازمه

سقى اللّه أرواح الذين تآزروا *** على نصره سقياً من الغيث دائمه

وقفت على أجداثهم ومجالهم *** فكاد الحشى ينفض والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى *** سراعاً الى الهيجا حماة خضارمه

تآسوا على نصر ابن بنت نبيهم *** بأسيافهم آسا دغيل ضراغمه

فان تقتلوا فكل نفس تقية *** على الارض قد اضحت لذلك واجمه

وما إن رأى الراؤون أفضل منهم *** لدى الموت سادات وزهراً قماقمه

أتقتلهم ظلماً وترجوا ودادنا *** فدع خطة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد راغمتمونا تقتلم *** فكم ناقم منا عليكم وناقمه

أهم مراراً أن أسير بجحفل *** الى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفوا وإلا زرتكم في كتائب *** أشد عليكم من رصوف الديالمه (1)

3 - جاء في الصفحتين « 237 - 238 » من تاريخ « الكامل » لابن الأثير المجلد الرابع وكذا في تاريخ « الرسل والملوك » حول حادث الجعفي ما نصه :

ص: 101


1- مقتل الحسين (عليه السلام) ، لابي مخنف : 245.

« لما مات معاوية ، وقتل الحسين بن علي ، لم يكن عبيد اللّه بن الحر الجعفي من حضر قتله ، وتغيب عن ذلك تعمداً. فلما قتل الحسين جعل ابن زياد يتفقد الاشراف من أهل الكوفة فلم ير عبيد اللّه بن الحر ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه ، فقال له : أين كنت يا ابن الحر؟ قال : كنت مريضاً ، قال : مريض القلب ، أم مريض البدن؟ فقال : أمّا قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فقد من اللّه عليّ بالعافية ، فقال ابن زياد: كذبت ، ولكنك كنت مع عدونا. فقال : لو كنت معه لرأى مكاني. وغفل عنه ابن زياد فخرج ، فركب فرسه ، ثم طلبه ابن زياد فقالوا: ركب الساعة. فقال : عليّ به. فاحضر الشرطة خلفه. فقالوا : أجب الأمير. فقال : أبلغوه عني أني لاآتيه طائعاً أبداً.

ثم أجرى فرسه وأتى منزل أحمد بن زياد الطائي ، فاجتمع اليه اصحابه. ثم خرج حتى أتى كربلاء ، فنظر الى مصارع الحسين ومن قتل معه فاستغفر لهم ، ثم مضى الى المدائن. وكان عبيد اللّه قد قال في هؤلاء الصرعى قصيدة :

« يقول امر غادر وابن غادر ... » الى آخر القصيدة.

وأقام ابن الحر بمنزله على شاطئ الفرات الى أن مات يزيد ... ».

4 - ذكر كتاب « الحسين في طريقه الى الشهادة » وكذا العلامة العاملي في أعيانه ، وسبط ابن الجوزي عن السدي في تذكرته ، وكذا المفيد بسنده عن إبراهيم بن داحة ما نصه :

« إن عقبة بن عمر العبسي أو السهمي وهو من بني سهم بن عون بن غالبة كان أول من ناح الحسين وزار قبره ، ورثاه بقصيدة ندرج بعض أبياتها تالياً وذلك في أواخر المائة الأولى من الهجرة. والأبيات هي :

مررت على قبر الحسين بكربلاء *** ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وناديت من بعد الحسين عصائباً *** أطافت به من جانبيه قتورها

إذا العين قرت في الحياة وأنتم *** تخافون في الدنيا فأظلم نورها

ص: 102

سلام على أهل القبور بكربلاء *** وقل لها مني سلام يزورها

سلام بآصال العشاء وبالضحى *** تؤديه نكباء الرياح ومورها

ولا برح الوفاد زوار قبره *** يفوح عليهم مسكها وعبيرها (1)

5 - جاء في المجلد «25» من موسوعة « أعيان الشيعة » صفحة «365» ما نصه :

« وقيل : إن سليمان بن قتة العدوي التيمي مر بكربلاء فنظر الى مصارع الشهداء فبكى حتى كاد أن يموت ، ثم قال هذه الأبيات. وكان مروره بكربلاء بعد قتل الحسين بثلاثة أيام ، فنظر الى مصارع الشهداء ، واتكأ على فرس له عربية وأنشد. وهو المتوفى سنة 126 في دمشق. والأبيات هي :

الى أن يقول :

وإن قتيل الطف من آل هاشم *** أذل رقاب المسلمين فذلت

وقد أعولت تبكي السماء لفقده *** وأنجمها ناحت عليه وصلت(2)

وسليمان هذا هو مولى بني تيم بن مرة ، وانه كان منقطعاً الى بني هاشم :

وجاء في الصفحة نفسها من الأعيان لسليمان هذه الأبيات :

عين جودي بعبرة وعويل *** واندبي إن ندبت آل الرسول

تسعة كلهم لصلب علي *** قد أصيبوا وسبعة لعقيل

وإندبي إن بكيت عوناً اخاهم *** ليس فيما ينوبهم بخذول

وسمي النبي غودر فيهم *** قد علوه بصارم مصقول

ص: 103


1- الامالي للشيخ المفيد 324 مع تقديم وتأخير في الشعر ، تذكرة الخواص : 242.
2- المجالس السنية 1 : 42.

واندبي كلهم فليس إذا ما *** عد في الخبر كهلهم كالكهول

فلعمري لقد أصيب ذوو القربى *** فابكى على المصاب الجليل

فاذا ما بكيت عيني فجودي *** بدموع تسيل كل مسيل

6 - جاء في كتاب « مجالس المؤمنين » ما يلي :

« إن المختار بن عبيد اللّه الثقفي بعد رجوعه من الحج أتى وسلم على القبر ، وقبل موضعه ، وأخذ بالبكاء وقال : يا سيدي ، قسماً بجدك وأبيك وأمك الزهراء ، وبحق شيعتك وأهل بيتك. قسماً بهؤلاء جميعاً ، أن لا أذوق طعاماً طيباً أبداً حتى انتقم من قتلتك .. ».

7 - في الصفحة «152» من كتاب « نهضة الحسين » نقلاً عن « المجالس السنية » (1) ما نصه :

« ومر ابن الهبارية الشاعر بعد سليمان بن قتة العدوي بكربلا ، فجلس على الحسين وأهله ، وقال بديهاً :

أحسين والمبعوث جدك بالهدى *** قسماً يكون الحق عنه مسائلي

لو كنت شاهد كربلاء لبذلت في *** تنفيس كربك جهد بذل الباذل

وسقيت حد السيف من أعدائكم *** عللاً وحد السمهري الذابل

لكنني أخرت عنك لشقوتي *** فبلابلي بين الغري وبابل

هبني حرمت النصر من أعدائكم *** فأقل من حزن ودمع سائل

ويقال : إنه نام فرأى النبي فقال له : جزاك اللّه عني خيراً ، أبشر فإن اللّه قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين ».

8 - جاء في الصفحة «153» من « إقناع اللائم » ما عبارته :

« وعن المرزباني : أنه دخل أبو الرجح الخزاعي الى فاطمة بنت الحسين ،

ص: 104


1- المجالس السنية 1 : 42.

فأنشد مرثية في الحسين منها :

أجالت على عيني سحائب عبرة *** فلم تصح بعد الدمع حتى ارمعلت

تبكي على آل النبي محمد *** وما أكثرت في الدمع لا بل أقلت

أولئك قوم لم يشجوا سيوفهم *** وقد نكأت أعداؤهم حين سلت

وإن قتيل الطف من آل هاشم *** أذل رقاباً من قريش فذلت

فقالت فاطمة : يا أبا الرجح هكذا تقول. قال : فكيف أقول ، جعلني اللّه فداك؟ قالت : قل : أذل رقاب المسلمين فذلت. فقال : لا أنشدها بعد اليوم إلا هكذا ... ».

* * *

ص: 105

ص: 106

الفصل السادس عشر: موقف الأمويين من النياحة على الحسين علیه السلام

لقد بذل الأمويون ولا سيما ملوكهم وأمراؤهم بعد يزيد ، جهدهم لعزل ذكر الحسين عن ذهنية المسلمين. وذلك بفصل الناس عن زيارة قبره الطاهره ومنعهم عن إقامة العزاء والنوح عليه ، بكل ما عرفوه من الوسائل السرية والعلنية. وكان الأمويون لا يتورعون عن اتخاذ أية وسيلة إرهابية في منع الناس عن مراودة القبر الشريف بكربلاء ، وإقامة المآتم والمناحات على الحسين علیه السلام وصحبه وآله سراً وعلناً ، في جميع الأقطار الاسلامية التي كانت سيطرتهم عليها نافذة ، فكانوا قد أحاطوا البقعة التي ضمن جثمان الشهيد في كربلاء بحراسة شديدة ومراقبة واعية ، منعاً من وفود الزوار عليها وإقامة المناحات حولها. حتى أن كثيراً من الوافدين لقوا حتفهم فور وقوعهم في شباك تلك الحراسة ، وكان قد اشتد هذا المنع في أوائل عصر الامام الصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام على عهد هشام بن عبد الملك. وذلك على أثر خروج زيد بن علي بن الحسين علیهماالسلام في الكوفة ومقتله فيها سنة «121 ه» فصار جلاوزة هشام يشددون المنع ، ويمثلون بمن يقع بأيدي المسالح من الزوار.

وروى التاريخ حوادث كثيرة في ذلك ، منها :

1 - جاء في الصفحة «95» من كتاب « إقناع اللائم » ما نصه :

« روى ابن قولويه في الكامل بسنده عن مسمع كردين قال : قال لي أبو

ص: 107

عبد اللّه : يا مسمع ، أنت من أهل العراق ، أم تأتي قبر الحسين؟ قلت : لا ، أنا رجل مشهور من أهل البصرة ، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة ، وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصاب وغيرهم ، ولست آمنهم أن يرقبوا حالي عند ولد سليمان فيميلوا عليّ. قال : أفما تذكر ما صنع به؟ قلت : بلى. قال : فتجزع؟ قلت : إي واللّه أستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ ، فأمتنع عن الطعام حتى يستبين ذلك في وجههي. قال : رحم اللّه دمعتك أما انك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا ، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ، ويأمنون إذا أمنا ... ».

الى أن يقول مسمع : « ثم استعبر واستعبرت معه ، فقال : الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة ، وخصنا أهل البيت بالرحمة يا مسمع ، إن الارض والسماء تبكي منذ قتل أمير المؤمنين ، رحمة لنا وما بكى لنا من الملائكة أكثر ، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا ، وما بكى أحد رحمة لنا ، وما لقينا إلا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه ... » (1).

أقول : أما سليمان ، فهو سليمان بن عبد اللّه بن العباس الذي كان أمير البصرة.

2 - جاء في مقال للشيخ باقر شريف القرشي نشر في العددين 3 - 4 من نشرة « أجوبة المسائل الدينية » المنشورة في كربلاء ما عبارته : « نشأ الامام زيد ، ولكنه لم يفتح عينه إلا على نفوس قد أذابها الحزن وأفناها الألم ، ولا يسمع إلا البكاء والعويل والنادبات من عماته ، يندبن سيد الشهداء ، ويعدون رزاياه وما حل به من فادح الخطب وفاجع الرزء ، ويشاهد أباه زين العابدين وقد نخر الحزن قبله ، وهو يواصل أوقاته بالبكاء والحزن على أبيه. قد انهكت العبادة جسمه حتى صار كأنه صورة جثمان ».

أقول : كانت هذه حالة شيعة آل علي علیه السلام على عهد بني أمية ، الذين لم يألوا

ص: 108


1- كامل الزيارات : 101.

جهداً في إيذاء أهل البيت وأصحابهم ومواليهم ، مقاومة من ينوح على الحسين علیه السلام ويزور قبره بأشد العقوبت.

3 - وهذا البيت لأحد الشعراء على عهد الامويين ، من قصيدة له في رثاء الامام الشهيد ، يدل على ما كان يلاقيه الموالون لآل علي وأولاده عليهم سلام :

تجاوبت الدنيا عليك مأتماً *** نواعيك فيها للقيامة تهتف

فكان عقاب هذا الشاعر التعذيب والموت على يد حكام آل أبي سفيان.

* * *

ص: 109

ص: 110

الفصل السابع عشر: التوابون ينوحون الحسين علیه السلام ويثورون على الأمويين

وما دخلت سنة «65» ه- حتى تفاقمت حركة التوابين في الكوفة ، فأخذوا يطالبون بدم الحسين علیه السلام ، وينادون بنداء « يا لثارات الحسين » ولم يكتموا أمرهم ولا عمدوا الى الخفاء وصاروا يشترون السلاح ، ويتجهزون من كل جانب ، طالبين التوبة مما بدر منهم بشأن عدم تلبية نداء الحسين علیه السلام لهم يوم عاشوراء ، وصار عمال بني أمية في الكوفة يشاهدونهم بسلاحهم منطلقين ، ساعين نحو قبر الحسين بكربلاء ، لإقامة المآتم والمناحات على قبر الحسين علیه السلام ولا يستطيعون اتخاذ أي إجراء ضدهم. وعندما بلغ هؤلاء التوابون في بعض انطلاقاتهم قبر الحسين علیه السلام صاحوا صيحة واحدة بالعويل والبكاء ، وأقاموا عنده يوماً وليلة يبكون ويتضرعون ، قائلين : « اللّهم ارحم حسيناً الشهيد ابن الشهيد. اللّهم إنا نشهدك أنا على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم. اللّهم إنا خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ».

ولقد وصفت كتب التاريخ هذا الحادث على الوجه التالي :

1 - جاء في الصفحة «70» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية المار ذكره ما نصه :

« وقد جمع سليمان - يعني سليمان بن صرد الخزاعي أصحابه وجماعة وساروا الى النخيلة وعسكروا بها ، وكان ذلك في غرة ربيع الثاني ، سنة «65» ه- ثم رحلوا

ص: 111

عنها بعد أن أقاموا فيها ثلاثة ايام يستكملون قواهم حتى بلغت أربعة آلاف مقاتل ، ثم ساروا حتى أتوا أقساس بني مالك على شاطئ الفرات ، ثم أصبحوا عند قبر الحسين في كربلاء وذلك في العقد الأول من ربيع الثاني سنة «65» ه- فلما وصلوا موضع القبر صاحوا صيحة واحدة ، وضجوا بالبكاء والعويل ، فلم ير يوماً أكثر بكاء حول قبر الحسين من ذلك اليوم. وقد خطب فيهم خطباء كثيرون ».

ثم يستطرد الكاتب فيقول : « وازدحموا على لثم القبر كازدحام الحجاج على لثم الحجر الاسود في الكعبة ، ثم ودعوا القبر ورحلوا عنه. وبقي سليمان بن صرد مع ثلاثين نفراً من أصحابه عند القبر ... ».

ويواصل الكاتب كلامه فيقول :

« ثم قام من بينهم وهب بن زمعة الجعفي وهو يبكي عند القبر الشريف ، أنشد أبياتاً من قصيدة عبيد اللّه بن الحر الجعفي :

تبيت النشاوى من أمية نوماً *** وبألطف قتلى ما ينام حميمها

وما ضيع الاسلام إلا قبيلة *** تآمر نوكاها ودام نعيمها

وأضحت قناة الدين في كف ظالم *** إذا اعوج منها جانب لا يقيمها

فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة *** وعيني تبكي لا يخف سجومها

حياتي أوتلقى أمية خزية *** يذل لها حتى الممات قرومها

ثم ساروا عن كربلاء بعد أن باتوا ليلتهم.

أقول : أما العلامة السيد محسن الأمين العاملي فقد ذكر جميع القصيدة ونسبها الى وهب بن زمعة في الصفحة «169» من المجلد «4» القسم الرابع من « أعيان الشيعة » وهذه هي :

عجبت وأيام الزمان عجائب *** ويظهر بين المعجبات عظيمها

تبيت النشاوى من أمية نوما *** وبالطف قتلى ماينام حميمها

وتضحى كرام من ذوابة هاشم *** يحكّم فيها كيف شاء لئيمها

ص: 112

وربات صون ماتبدت لعينها *** قبيل الصبا إلا لوقت نجومها

تزاولها أيدي الهوان كأنما *** تقحم ما لا عفو فيه أثيمها

وما أفسد الاسلام إلا عصابة *** تآمر نوكاها ودام نعيمها

وصارت قناة الدين في كف ظالم *** أذا مال منها جانب لا يقيمها

وخاض بها طخياء لا يهتدى لها *** سبيل ولا يرجو الهدى من يعومها

الى حيث القاها ببيداء مجهل *** تضل لأهل الحلم فيها حلومها

رمتها لأهل الطف منها عصابة *** حداها الى هدم المكارم لومها

فشفّت بها شعواء في خير قتية *** تخلت لكسب المكرمات همومها

أولئك آل اللّه آل محمد *** كرام تحدت ماحداها كريمها

يخوضون تيار المنايا ظوا ميا *** كما خاض في عذب الموارد هيمها

يقوم بهم للمجد أبيض ماجد *** أخو عزمات أقعدت من يرومها

فأقسمت لا تنفك نفسي جزوعة *** وعيني سفوحاً لا يمل سجومها

حياتي أو تلقى أمية وقعة *** يذل لها حتى الممات قرومها

ووهب بن زمعة هو أبو دعبل الجحمي ، المعاصر لمعاوية وابنه يزيد.

2 - جاء في الصفحة «764» من « موسوعة آل النبي » مختصراً عن الطبري (1) وابن الأثير عن نهضة التوابين وقيامهم ضد الأمويين ما عبارته :

« وما دخلت سنة «65 ه» حتى كانت صيحة التوابين : ( يا لثارت الحسين علیه السلام ) تزلزل الأرض تحت بني أمية ، وحتى كانت الكوفة تشهدهم في سلاحهم ينطلقون ساعين نحو قبر الحسين وهم يتلون الآية : (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ) [ البقرة : 54 ] فلما بلغوا القبر صاحوا صيحة واحدة ، فما رئي أكثر باكياً من ذلك اليوم ، وأقاموا عنده يوماً وليلة

ص: 113


1- تاريخ الطبري 4 : 451 احداث سنة خمس وستين.

يتضرعون ... ».

وتستطرد الكاتبة فتقول : « وغادروا القبر وقد ازادادوا ندماً وحماسة ، فاندفعوا كالموج مستبسلين يلقون الالوف المؤلفة من جند بني أمية وأقصى أمانيهم أن يقتلوا في ثار الحسين ».

وتواصل الدكتورة عائشة بنت عبد الرحمن الشهيرة ببنت الشاطئ كلامها في الصفحة «765» من مسوعتها عند ذكر مناحات التوابين ، وتعرج على إثارة السيدة زينب النفوس وإلهابها في الأخذ بثأرالحسين من بني أمية ، وتقول :

« وكانت السيد زينب هي التي جعلت من مصرع الحسين مأساة خالدة لاتعرف ما هو أبعد أثراً في تطور العقيدة عند الشيعة ، وصيرت من يوم مقتله مأتماً سنوياً للأحزان والآلام.

وكانت زينب هي التي صيرت من ليلة العاشر من المحرم مأتماً سنوياً للأحزان والآلام يحج فيه أحفاد التوابين الى المشهد المقدس في كربلاء ، حيث يعيدون تمثيل المأسات ، ويفرضون على أنفسهم أقسى أنواع العذاب الجسدي ، تكفيراً عن خطيئة آبائهم وأجدادهم الذين قتلوا الحسين وآله وصحبه ، وبقى شعار التوابين الى أن انقرضوا ».

وتستطرد هذه الدكتورة فتقول :

« وما أحسب أن التاريخ قد عرف حزناً كهذا طال مداه حتى استمر بضعة عشر قرناً دون أن يفتر ، فمراثي شهداء كربلاء هي الأناشيد التي يترنم بها الشيعة في عيد حزنهم يوم عاشوراء في كل عام ، ويتحدون الزمن أن يغيبها في متاهة النسيان .. ».

ثم تستأنف الكلام وتقول :

« وكذلك كانت زينب عقيلة بني هاشم في تاريخ الاسلام وتاريخ الانسانية بطلة استطاعت أن تثأر لأخيها الشهيد ، وأن تسلط معاول الهدم على دولة بني

ص: 114

أمية ، وأن تغير مجرى التاريخ ... ».

3 - جاء في الصفحة «99» من كتاب « المجالس الحسينية » السالف ذكره مانصه :

« وقد ندم التوابون بعد قتل الحسين على تركهم نصرته فنهضوا ، وثاروا ، وقتلوا. ولكن عملوا بعد قتل الحسين ، ولا عمل بعد قتله إلا الحسرة والتلهف. قال شاعرهم عبيد اللّه بن الحر :

فيا لك حسرة ما دمت حيا *** تردد بين حلقي والتراقي

فلو علق التلهف قلب حيًّ *** لهم اليوم قلبي بانفلاق

فقد جاء الأولى نصروا حسيناً *** وخاب الآخرون الى النفاق

4 - جاء في الصفحة «190» من المجلد الأول ، قسم كربلاء من « موسوعة العتبات المقدسة » نقلاً عن المستشرق « رينولد نطلس » في كتاب ( تاريخ العرب الأدبي ) عند ذكر فاجعة كربلاء ما نصه :

« وخلال بضع سنوات من مصرع الحسين علیه السلام أصبح ضريحه في كربلاء محجاً تشد اليه رحال الشيعة ، وعند ما ثار التوابون سنة 674 م - 65 ه- قصدوها ورفعوا عقائرهم منتحبين بصوت واحد ، وبكوا وتضرعوا الى اللّه ان يغفر لهم لتنكرهم لسبط الرسول صلی اللّه علیه و آله في ساعة شدته وضيقه ، وصاح زعيمهم : ربّ ارحم الحسين ، الشهيد ابن الشهيد ، المهدي ابن المهدي ، الصديق ابن الصديق : ربّ اشهد أننا اتباع دينهم وسبيلهم ، وأننا أعداء قاتليهم وأحباء محبيهم .. ».

أجل هاهنا تكمن نواة التعازي والمشاهد الدينية التي تمثل كل سنة في العاشر من محرم حيثما وجد الشيعة.

5 - جاء في الصفحة «375» من الجزء «8» من المجلد الرابع من مجلة « المرشد » البغدادية ، عند البحث عن مدينتي الأنبار والمسيب في العراق ومنشئيهما ، ثم الكلام عن التوابين ، يقول الكاتب السيد علي نقي النقوي الكهنوري

ص: 115

ما نصه :

« إن الذي نعهده من التاريخ أن أولئك الثائرين - أي التوابين - لم يزالوا في الكوفة من أول بيعتهم لسليمان حتى خرجوا منها في المحرم سنة «65 ه» ، فكان معسكرهم عندئذ النخيلة ، وهناك كانت تنظم الثوار ، ويهيئون العدة والعتاد. وارتحلوا منها ، فاتفقت كلمتهم على زيارة أبي عبد اللّه الحسين في الطف ، فحضروا هناك ، وباتوا ليلتهم ، باكين ، متضرعين ، صارخين بالاستغفار والإنابة الى اللّه تعالى. وفي صباح الغد ساروا منها متوجهين الى ارض الشام ... ».

* * *

ص: 116

الفصل الثامن عشر: بكاء الائمة على الحسين علیه السلام

اشارة

أما حزن الائمة علیهم السلام من أولاد الحسين علیه السلام وذريته وسائر العلويين ، ونياحتهم عليه في سرهم وعلنهم ، وفي محافلهم الرسمية ومجالسهم الخاصة ، وفي دورهم وأنديتهم ودواوينهم ، فحدث عنها ولا حرج ، حيث أنها لم تنقطع ، بل استمرت استمرار حياتهم.

ولقد تحدثت الروايات وتناقلت الاسفار والكتب ذلك بوفرة وكثرة. منها : ما ذكرته عن بكاء وحزن الامام الرابع علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين مدة أربعين سنة عاشها بعد استشهاد والده المظلوم ، وبكاء الامام الصادق علیه السلام لمصيبة جده الشهيد واستنشاده الشعر في رثائه ، وكذا الامام الكاظم علیه السلام الذي كان لا يرى ضاحكاً إذا أقبل شهر محرم الحرام ، وكان يرى كئيباً حزيناً في العشرة أيام الأولى من هذا الشهر ، وهكذا الامام الرضا علیه السلام وغيرهم من الأئمة.

وها إني أنقل تالياً ما روي عن حزن الأئمة ونياحهم وبكائهم على جدهم الحسين الشهيد علیه السلام ، وحثهم اسرهم وشيعتهم المفجوعين بإحياء هذه الذكرى الأليمة والمأساة العظمى باستشهاد الامام الحسين وصحبه الميامين يوم العاشر من محرم سنة «61 ه» :

قال السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة «93» من تأليفه « إقناع اللائم »

ص: 117

عند بحثه عن نياحة الأئمة علیهم السلام على جدهم الشهيد ما نصه :

« اما انهم - اي الائمة - بكوا على الحسين ، وعدوا مصيبته أعظم المصائب وأمروا شيعتهم ومواليهم وأتباعهم بذلك ، وحثوا عليه ، واستنشدوا الشعر في رثائه ، وبكوا عند سماعه ، وجعلوا يوم قتله يوم حزن وبكاء ، وذموا من اتخذه عيداً وأمروا بترك السعي في في الحوائج ، وعدم ادخار شيء فيه. فالاخبار فيه مستفيضة عنهم ، تكاد تبلغ حد التواتر ، رواها عنهم ثقات شيعتهم ومحبيهم بأسانيدها المتصلة اليهم .. ».

أ - حزن الامام الرابع زين العابدين علیه السلام

وقد شهد الامام علي بن الحسين علیه السلام زين العابدين وسيد الساجدين مصرع أبيه وأخوته وبني عمه وأصحاب أبيه وغيرهم وتجرع الغصص والغم والألم من هذه المشاهد المفجعة. ثم قاسى مرارة الأسر ولم تنقطع عبرته على ذلك ما دام حياً.

1 - جاء في الصفحة «82» من كتاب « زين العابدين » تأليف عبد العزيز سيد الأهل ما عبارته عند ذكر ورع الامام :

« بل كان علي كلما جاء وقت الطعام وفتحت مصاريع الأبواب للناس ووضع طعامه بين يديه دمعت عيناه. فقال له أحد مواليه ذات مرة : ياابن رسول اللّه ، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له زين العابدين : ويحك إن يعقوب علیه السلام كان له اثنا عشر ابناً فغيب اللّه واحداً منهم فابيضت عيناه من الحزن ، وكان ابنه يوسف حياً في الدنيا. وأنا نظرت الى أبي ، وأخي وعمي ، وسبعة عشر من أهل بيتي ، وقوماً من أنصار أبي مصرعين حولي ، فكيف ينقضي حزني؟ .. ».

أقول : وقد نقل هذا الحديث كل من العاملي في « أعيان الشيعة » وابن شهر

ص: 118

آشوب في بعض مؤلفاته (1).

2 - روى ابن قولويه في « الكامل » بسنده قال :

« أشرف مولى لعلي بن الحسين وهو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له : يا علي بن الحسين ، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه اليه. فقال : ويلك - أو ثكلتك أمك - أما واللّه لقد شكا يعقوب الى ربه في أقل مما رأيت ، حتى قال : يا أسفى على يوسف. وانه فقد ابناً واحداً وأنا رأيت ابي وجماعة من أهل بيتي يذبحون حولي » (2).

ولقد نقل هذه الروايات وأمثالها عن الامام زين العابدين كثير من كتب الحديث وغيرها مع تغيير طفيف في العبارة.

3 - وروي ايضاً كما في « أعيان الشيعة » : إن الامام علي بن الحسين بكى حتى خيف على عينيه. وكان إذا أخذ ماء بكى حتى يملأه دمعاً. فقيل له في ذلك ، فقال : كيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش؟ وقيل له : إنك لتبكي دهرك ، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا. فقال : نفسي قتلتها وعليها ابكي.

4 - نقل كتاب « إقناع اللائم » (3) رواية عن ابن قولويه في كامله بسند معتبر عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق علیه السلام انه قال : « ما اختضبت منا امرأة ، ولا ادهنت ، ولا اكتحلت ، ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد. وما زلنا في عبرة بعده. وكان جدي علي بن الحسين علیه السلام إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته ، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه ، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة ...

ص: 119


1- مناقب ابن شهر آشوب 4 : 166.
2- كامل الزيارات : 107.
3- اقناع اللائم : 98.

الى ان قال علیه السلام : وما من عين أحب الى اللّه ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه وما من باك يبكيه الا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ، ووصل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأدى حقنا. وما من عبد يحشر الا وعيناه باكية الا الباكي على جدي ، فانه يحشر وعينه قريرة ، والبشارة تلقاه والسرور بيّن على وجهه »(1).

5 - وفي « إقناع اللائم » (2) أيضاً برواية عن ابن شهر آشوب في مناقبه عن الامام الصادق علیه السلام إنه قال :

« عاش (3) علي بن الحسين أربعين (4) سنة وما وضع طعام بين يديه إلا وبكى ، حتى قال له مولى له : جعلت فداك ، يا ابن رسول اللّه ، إني أخاف أن تكون من الهالكين ، قال علیه السلام : (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة » (5).

6 - جاء في الجزء «1 : 155» من كتاب « المجالس السنية » ما عبارته :

« وعن الصادق علیه السلام إنه بكى على أبيه الحسين أربعين سنة ، صائماً نهاره ، قائماً ليله ، فاذا حضره الافطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه ، فيقول : كل يا مولاي (6) فيقول : قتل ابن رسول اللّه جائعاً ، قتل ابن رسول اللّه عطشاناً ، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ، ثم يمزج شرابه بدموعه. فلم يزل كذلك حتى لحق باللّه عز وجل ».

7 - جاء في الجزء «1 - 155» من الكتاب نفسه ما لفظه :

« قال الصادق علیه السلام : البكاؤون خمسة : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت

ص: 120


1- كامل الزيارات : 81.
2- اقناع اللائم : 94.
3- في المصدر ( بكى ).
4- في المصدر ( عشرين ).
5- مناقب ابن شهر آشوب 4 : 165.
6- ليس في المصدر « كل يا مولاي ».

محمد ، وعلي بن الحسين - الى أن يقول علیه السلام - : وأما علي بن الحسين علیهماالسلام فبكى على أبيه الحسين أربعين سنة. وما وضع طعام بين يديه إلا بكى حتى قال له مولى له : جعلت فداك ، يا ابن رسول اللّه ، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين. قال : (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ( يوسف : 86 ) إني لم أذكر مصرع ابن فاطمة إلا خنقتني العبرة ».

8 - وجاء في الجزء «1 : 156» من نفس الكتاب ما عبارته :

« روي انه كان إذا حضر الطعام لإفطاره ذكر قتلاه وقال : واكرباه (1) ، يكرر ذلك. ويقول : قتل ابن رسول اللّه خائفاً ، قتل ابن رسول اللّه عطشاناً ، حتى يبل بالدموع ثيابه.

وحدّث مولى له ، أنه مر (2) يوماً الى الصحراء قال : فتعقبته (3) فوجدته قد سجد على حجارة خشنة. وقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه وأحصيت عليه ألف مرة وهو يقول : لا إله إلا اللّه حقاً حقاً. لا إله إلا اللّه تعبداً ورقاً. لا إله إلا اللّه إيماناً وتصديقا. ثم رفع رأسه من سجوده وإذا لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينه (4). فقلت : يا سيدي ، أما آن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقل؟ فقال لي : ويحك .. » الى آخر القصة التي مر ذكرها.

9 - جاء في الصفحة «249» من موسوعة « أعيان الشيعة » المجلد «4» القسم الأول ، عند ذكر شعر الامام زين العابدين هذه الابيات :

نحن بنو المصطفى ذوو غصص *** يجرعها في الأنام كاظمنا

عظيمة في الأنام محنتنا *** أولنا مبتلى وآخرنا

ص: 121


1- في المصدر ( واكربلاه ).
2- في المصدر ( برز ).
3- في المصدر ( فتبعته ).
4- في المصدر ( عينيه ).

يفرح هذا الورى بعيدهم *** ونحن أعيادنا مآتمنا

والناس في الامن والسرور وما *** يأمن طول الزمان خائفنا

وما خصصنا به من الشرف الطا *** ئل بين الانام آفتنا

يحكم فينا والحكم فيه لنا *** جاحدنا حقنا وغاصبنا

10 - وفي الصفحة «107» من كتاب «أقناع اللائم» ماعبارته :

« روي عن علي بن ابراهيم في « تفسيره »(1) ، وابن قولويه في «الكامل»(2) ، والصدوق في «ثواب الاعمال»(3) باسانيدهم : ان الامام الخامس الناقر علیه السلام قال : كان علي بن الحسين يقول : «أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي علیهماالسلام دمعة حتى تسيل على خده (4) لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بواه اللّه مبوا صدق في الجنة ».

11- وروي في «الكامل» بسنده عن أبي جعفر الصادق علیه السلام قال : « كان علي بن الحسين يقول : من ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه عز وجل ولم يرض له بدون الجنة »(5).

12- جاء في الصفحة «645» من «موسوعة آل النبي» عند ذكر اسم الامام زين العابدين في سلسلة أسماء البكائين ما نصه :

« ويضاف اسمه - أي اسم زين العابدين - الى أسماء البكائين فيقال : وبكى زين العابدين أباه الحسين ... ».

ص: 122


1- تفسير علي بن ابراهيم 2: 291.
2- كامل الزيارات لابن قولويه : 100.
3- ثواب الاعمال للصدوق : 83.
4- في التفسير زيادة ( بواه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ، وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى تسيل على خده لأذى ... ).
5- كامل الزيارات : 100.

ب - بكاء الامام الخامس محمد الباقر علیه السلام .

أما الامام الخامس محمد بن علي بن الحسين علیه السلام الباقر فقد شحت الروايات عن ذكر اقامة المآتم والنياحات العلنية على عهده. وسبب ذلك هو شدة ضغط الأمويين عليه وعلى آله وصحبه ، الأمر الذي كان يدعو الامام علیه السلام وآله الى اتخاذ جانب الحيطة والحذر والتقية ، واقامة مثل هذه المآتم في بيوتهم الخاصة وراء الاستار الكثيفة ولم يحضرها سوى خاصتهم ، وفيما يلي بعض الروايات عن ذلك :

1- جاء في الصفحة «152» من كتاب «نهضة الحسين» ما نصه :

« يحدثنا التاريخ الاسلامي عن أعلام أهل البيت النبوي انهم كانوا يستشعرون الحزن كلما هل هلال المحرم ، وتفد عليهم وفود من الشعراء العرب لتجديد ذكرى الحسين لدى أبنائه الأماجد. وقد ألقوا روائع في فن الرثاء والتسلية والتذكير باسلوب ساحر أخاذ ، وظل شعرهم خالدا رغم كر العصور.

فقد كان الشاعر العربي الكميت بن زيد الأسدي من شعراء العصر الأموي ، والمتوفى في سنة «126ه- » قد جعل معظم قصائده في مدح بني هاشم وذكر مصائب آل الرسول علیهم السلام حتى سميت قصائده بالهاشميات ، وكان ينشد معظمها في مجالس الامام الصادق ، وأبيه محمد الباقر ، وجده علي بن الحسين علیهم السلام ».

2- جاء في « كامل الزيارات » لابن قولويه صفحة «175» عن مالك الجهني قال :

« ان الباقر قال في يوم عاشورا : وليندب الحسين ويبكه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ، ويقيم في داره مصيبة باظهار الجزع عليه ، ويتلاقون بالبكاء عليه ، بعضهم في البيوت. وليعّز بعضهم بعضا بمصاب الحسين. فانا ضامن على اللّه لهم اذا فعلوا ذلك أن يعطيهم ثواب ألفي حجة وعمرة وغزوة مع رسول اللّه والائمة الراشدين ».

ص: 123

3- جاء في الصفحة «126» من كتاب « الشيعة والحاكمون » عند ذكر شاعر آل البيت الكميت الأسدي صاحب « الهاشميات » قوله :

« فحينئذ قدم الكميت المدينة وأنشد الامام محمد الباقر بن علي بن الحسين ، فلما بلغ من الميمية قوله :

وقتيل بالطف غودر منهم *** بين غوغاء أمة وطغام

بكى الامام ، ثم قال : ياكميت ، لو كان عندنا مال لأعطيناك ، ولكن لك ما قال الرسول لحسان بن ثابت : لا زلت مؤيدا بروح القدس ماذببت عنا أهل البيت ... ».

4- جاء في الصفحة «106» من كتاب « اقناع اللائم » ماعبارته :

« وروى الشيخ الطوسي في « مصباح المتهجد » بسنده عن أبن جعفر الباقر علیه السلام أنه قال وذكر ثواب زيارة الحسين علیه السلام يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيا وقال :

« ان البعيد يومئ اليه بالسلام (1) ، ويجتهد(2) في الدعاء على قاتله ، ويصلي(3) من بعده ركعتين. قال : وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ثم ليندب الحسين وليبكه ، ويأمر من في داره ممن لا يتعبه(4) بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة باظهار الجزع عليه ... » (5).

5- وجاء في الصفحة «105» من الكتاب نفسه مانصه :

« روى ابن قولويه في كامله بسنده عن الباقر علیه السلام انه قال : ايما مؤمن دمعت

ص: 124


1- في المصدر هكذا العبارة : وصعد سطحا مرتفعا في داره وأوما اليه بالسلام.
2- في المصدر (واجتهد).
3- في المصدر (وصلى من بعد).
4- في المصدر ( لا يتقيه ).
5- مصباح المتجهد : 714.

عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده بوّأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا »(1).

6- في الصفحة «33» من كتاب « ثورة الحسين» لمؤلفه الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، المطبوع في النجف سنة 1390ه- قوله :

« لقد بدأت تظهر آثار ثورة الحسين في الوجدان الشعبي من شعر الرثاء لشهداء الثورة ، وفي شعر النوح والتوبة من أولئك الذين قعدوا عن مناصرة الثورة أو ساهموا في الحرب ضدها ... ».

ثم يستطرد المؤلف ويقول :

« ولكن نشوب الثورة في الحجاز ضد الحكم الأموي وامتدادها الى العراق وغيره ، وانطلاق الأعمال الانتقامية ضد الامويين وأعوانهم ، أطلق فيضا من الشعر الرثائي لثوار كربلاء.

ويبدو لي أنه في هذه المرحلة بالذات بدأت المآتم الحسينية بشكل بسيط. ولا بد أنها بدأت على شكل اجتماعات صغيرة ، يعقدها نفر من المسلمين الناقمين من أتباع أهل البيت وغيرهم في بيت أحدهم ، فيتحدثون عن الحسين وعما جرى عليه ، وينتقدون السلطة التي حاربته وامتدادها القانوني المتمثل في السلطة المعاصرة له ويتبرأون منها. وربما تناشدوا شيئا من شعر الرثاء الذي قيل في الثورة ، وفي بطلها وقتلاها ، وقد تطورت هذه المآتم عبر العصور فمرت في أدوار متميزة حتى انتهت الى أيامنا هذه الى الشكل الذي تقام به الآن ... ». ثم يواصل الكاتب كلامه ببيان العوامل التي أنشات هذه المآتم ويقول ماعبارته :

« الرابع : تشجيع أئمة أهل البيت على احياء هذه الذكرى ، وحثهم على نظم الشعر وانشاده في شأنها ، وعقدهم لمجالس الذكرى في بيوتهم ، واستقبالهم للشعراء

ص: 125


1- كامل الزيارات : 100.

وسماعهم لهم.

وقد تعاظم تركيز الأئمة على هذا منذ عهد الامام الباقر والصادق علیهماالسلام ، ومن الاسماء البارزة في هذه المجالس الكميت بن زيد الأسدي ، والسيد الحميري ، وجعفر بن عفان ، ودعبل الخزاعي ، وغيرهم ... ».

ج - بكاء الامام السادس جعفر الصادق علیه السلام

أما الامام السادس جعفر بن محمد الصادق علیه السلام فإنه كان من أكثر الأئمة علیهم السلام حزناً وبكاء ونياحة على جده الامام الشهيد علیه السلام . والروايات في وصف بكائه ونحيبه كثيرة ومتواترة ، وقد ملأت بطون كتب التاريخ وأسفار الحديث والمرويات. وأنقل تالياً بعض هذه الرويات :

1 - روى كتاب « إقناع اللائم » صفحة «97» عن ابن قولويه في « الكامل » بسنده عن ابن بصير. قال : « كنت عند أبي عبد اللّه الصادق علیه السلام فدخل عليه ابنه ، فقال له : مرحباً وضمه وقبله ، وقال : حقر اللّه من حقركم ، وانتقم ممن وتركم ، وخذل اللّه من خذلكم ، ولعن اللّه من قتلكم ، وكان اللّه لكم ولياً وحافظاً وناصراً ، فقد طال بكاء السماء وبكاء الانبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ، ثم بكى وقال : يا أبا بصير ، إذا نظرت الى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أوتى الى أبيهم واليهم. يا أبا بصير إن فاطمة لتبكي ... ».

ثم يستطرد الامام فيقول :

« أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة. فبكيت حين قالها فما قدرت على النطق من البكاء » (1).

2 - وفي « إقناع اللائم » أيضاً ما نصه :

ص: 126


1- كامل الزيارات : 82.

« عن معاوية بن وهب قال : دخلت يوم عاشوراء الى دار مولاي جعفر الصادق علیه السلام فرأيته ساجداً في محرابه فجلست من ورائه حتى فرغ ، فأطال في سجوده ، وبكائه ، فسمعته وهو ساجد يناجي ربه ويدعو بالغفران لنفسه ولإخوته ولزوار أبي عبد اللّه الحسين ويكرر ذلك ... ».

ثم يستطرد معاوية فيقول :

« فلما رفع مولاي رأسه أتيت اليه وسلمت عليه وتأملت وجهه ، فإذا هو كاسف اللون ، متغير الحال ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب. فقلت : يا سيدي ممن بكاؤك لا أبكى اللّه لك عيناً؟ وما الذي حل بك؟ فقال لي : أو في غفلة أنت عن هذا اليوم؟ فبكيت لبكائه ، وحزنت لحزنه. فقلت : يا سيدي فما الذي فعل في مثل هذا اليوم؟ فقال : يا ابن وهب ، زر الحسين علیه السلام من بعيد أقصى ، ومن قريب أدنى وجدد الحزن عليه ،وأكثر البكاء عليه والشجو له ... ».

ثم يواصل معاوية الكلام ويقول :

« فقلت : جعلت فداك ، لم أدر أن الأجر يبلغ هذا كله حتى سمعت دعاءك لزواره. فقال لي : يا ابن وهب إن الذي يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعون لهم في الارض ، فإياك أن تدع زيارته لخوف من أحد. فمن تركها لخوف أحد رأى الحسرة والندم. يا ابن وهب ، أما تحب أن يرى اللّه شخصك؟ أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول اللّه علیه السلام يوم القيامة؟

قلت : يا سيدي فما قولك في صومه من غير تبييت؟ فقال لي : لاتجعله صوم يوم كامل. وليكن إفطارك بعد العصر بساعة ، على شربة من ماء ، فإنه في ذلك الوقت انجلت الهيجاء عن آل الرسول وانكشفت الغمة عنهم ، ومنهم في الارض ثلاثون قتيلاً ، يعزعلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مصرعهم ، ولو كان حياً لكان هو المعزى بهم.

ثم بكى الصادق علیه السلام حتى اخضلت لحيته بدموعه ، ولم يزل حزيناً كئيباً

ص: 127

طول يومه ذلك : وأنا أبكي لبكائه وأحزن لحزنه ... » (1).

3 - روى الصدوق في « الامالي » (2) ، وابن قولويه في « الكامل » (3) بسنديهما عن أبي عمارة المنشد ، عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق علیه السلام قال لي : يا أبا عمارة ، أنشدني في الحسين بن علي. فانشدته فبكى ، ثم انشدته فبكى قال : فو اللّه ما زلت أنشده فيبكي حتى سمعت بكاء من في الدار. فقال : يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكى خمسين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة ... ».

4 - وروى الكشي في كتاب « الرجال » (4) عن زيد الشحام قال : كنا عند أبي عبد اللّه جعفر الصادق ، ونحن جماعة من الكوفيين. فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد اللّه ، فقربه وأدناه. ثم قال : يا جعفر. قال : لبيك ، جعلني اللّه فداك. قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين علیه السلام وتجيد فقال له : نعم ، جعلني اللّه فداك. قال : قل. فأنشده ، فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته. ثم قال : يا جعفر ، واللّه لقد شهدت ملائكة اللّه المقربين هاهنا يسمعون قولك في الحسين ، ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر. ولقد أوجب اللّه تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها ، وغفر اللّه لك فقال : يا جعفر ، أولا أزيدك! قال : نعم يا سيدي. قال : ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب اللّه له الجنة وغفر له .. ».

ص: 128


1- اقناع اللائم : 96 مع اختلاف فيه.
2- أمالي الصدوق : 121 / 6.
3- كامل الزيارات : 105 مع اختلاف فيه.
4- الكشي في كتاب الرجال : 289 / 508.

5 - وروى أبو الفرج الاصفهاني في أغانيه (1) ، بسنده عن علي بن إسماعيل التميمي ، عن أبيه قال : « كنت عند بي عبد اللّه جعفر بن محمد ، فاستأذن (2) آذنه للسيد الحميري ، فأمر بإيصاله ، واقعد حرمه خلف ستر. ودخل فسلم وجلس ، فاستنشده فأنشده قوله :

امرر على جدث الحسين *** فقل لأعظمه الزكيه

آ أعظماً لا زلت من *** وطفاء ساكبة رويه

واذا مررت بقبره *** فأطل به وقف المطيه

وأبك المطهر للمطهر *** والمطهرة النقيه

كبكاء معولة أتت *** يوما لواحدها المنية

قال : فرأيت دموع جعفر بن محمد علیه السلام تتحدر على خديه ، وارتفع الصراخ من داره حتى أمره بالإمساك فأمسك ... ».

وروى ابو الفرج في أغانيه (3) ، عن التميمي ، عن أبيه ، عن فضيل الرسان. قال : أنشد جعفر بن محمد قصيدة السيد :

لأم عمرو باللوى مربع *** دارسة أعلامه برقع

فسمعت النحيب من داره فسألني لمن هي؟ فأخبرته انها للسيد. وسألني عنه فعرفته وفاته ، فقال : رحمه اللّه ... ».

6 - وروى الصدوق في « ثواب الاعمال » بالاسناد الى أبي هارون المكفوف. قال : أدخلت على أبي عبد اللّه الصادق فقال لي : يا أبا هارون ، أنشدني في الحسين ، فأنشدته ، فقال لي : أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقة - فأنشدته.

أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكيه.

ص: 129


1- الاغاني 7 : 240.
2- في المصدر ( إذ استأذن ).
3- الاغاني 7 : 241.

قال : فبكى .. ثم قال : زدني ، فأنشدته القصيدة الأخرى.

ما لذ عيش بعد رضك *** بالجياد الأعوجيه

فبكى. وسمعت البكاء من خلف الستر (1).

7 - وفي « إقناع اللائم » عن خالد بن سدير عن الصادق علیه السلام قال : « لقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي علیه السلام . وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشق الجيوب ... ».

8 - وفي بعض الروايات : « إن الصادق علیه السلام قال : من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى غفر اللّه له ، ووجبت له الجنة » (2).

9 - في الصفحة 159 من المجلد الأول « المجالس السنية » ما نصه :

« روي عن الصادق أنه قال : ما اكتحلت هاشمية ، ولا اختضبت ، ولا رؤي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد اللّه بن زياد.

وعن فاطمة بنت علي بن أبي طالب انها قالت : ما تحنأت امرأة منا ، ولا أجالت في عينها مروداً ، ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد اللّه بن زياد .. ».

10 - وفي صفحة «81» من كتاب « المجالس الحسينية » السالف الذكر ، من دعاء للامام الصادق علیه السلام :

« اللّهم أرحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا. وأرحم تلك القلوب التي حزنت واحترقت لنا .. وأرحم تلك الصرخة التي كانت لنا ... ».

11 - جاء في الصفحة «108» من « إقناع اللائم » ما يلي :

« روى ابن قولويه في الكامل بأسانيده عن أبي عماره المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد اللّه جعفر الصادق في يوم قط فرؤي مبتسماً ذلك

ص: 130


1- ثواب الاعمال للشيخ الصدوق : 83.
2- ثواب الاعمال للشيخ الصدوق : 84.

اليوم الى الليل. وكان أبو عبد اللّه يقول : الحسين عبرة كل مؤمن » (1).

12 - وجاء في الصفحة «105» منه أيضاً ما يلي :

« روى الشيخ الطوسي في الأمالي ، عن المفيد ، بسنده عن أبي عبد اللّه الصادق أنه قال : « كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين ... » (2).

وروى ابن قولويه في الكامل بسنده عن الصادق انه قال : « إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي علیه السلام فأنه فيه مأجور » (3).

ومما يجدر الاشارة اليه هنا : ان النائحين على الحسين قد وجدوا متنفساً على أواخر عهد الامام الباقر وطوال عهد الامام الصادق لبيان حزنهم ، وإقامة مآتمهم ، وإحياء ذكرى عزاء الحسين وآله وأصحابه.

إذ إن الفترة الواقعة في زمن هذين الإمامين بين عهد مروان الحمار آخر الخلفاء الأمويين ، وأبي العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين ، كانت فرصة مؤآتية للامام محمد الباقر وابنه الامام جعفر الصادق لبث علوم أهل البيت ونشرها على الناس ، وإحياء ذكرى الامام الحسين وإذاعتها ، والنياحة عليه علناً بعد أن كانت سراً.

د - بكاء الإمام موسى بن جعفر علیه السلام

والمرويات عن نياح وبكاء الامام السابع موسى بن جعفر الكاظم علیه السلام ضئيلة. وأنقل تالياً ما عثرت عليه من ذلك في بطون الكتب.

ص: 131


1- كامل الزيارات : 108.
2- امالي الطوسي 1 : 163.
3- كامل الزيارات : 100.

1 - نقل عن الامام الثامن علي بن موسى الرضا علیه السلام المدفون في مشهد طوس بخراسان في إيران أنه قال :

« كان أبي إذا دخل محرم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي منه عشرة أيام. فإذا كان اليوم العاشر منه كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه. ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه جدي الحسين » (1).

أقول : أما سبب عدم تحرك أهل البيت ونشاطهم ومواليهم في إحياء ذكرى مجزرة كربلاء ومقتل الامام الشهيد وأصحابه على عهد هذا الامام ، فهو الضغط الشديد عليهم من جراء السياسة الخشنة التي كان يمارسها الخلفاء العباسيون ولا سيما هارون الرشيد ضد آل البيت والعلويين ، وما كان يلاقيه الامام موسى الكاظم من عنت ومعارضة وتحديد لحريته ، وتقييد لحركاته وسكناته من قبل السلطات الممثلة للخلفاء العباسيين ، وكانت نكبة آل البيت وشيعتهم على هذا العهد رهيبة للغاية ، وأصبحت اجتماعاتهم ومجالسهم محدودة جداً ، ومراقبة مراقبة شديدة كما كانت تحصى عليهم حركاتهم وسكناتهم وحتى أنفاسهم. خاصة وأن إمامهم موسى بن جعفر علهيما السلام قضى أكثر أيامه مطارداً أو رهين سجن العباسيين ، ذلك السجن الذي قضى فيه نحبه مسموماً.

ه - بكاء الامام علي بن موسى الرضا علیهماالسلام

وقد امتلأت كتب التاريخ ومؤلفات الرواة بأخبار حزن ونياحة الامام الثامن علي بن موسى الرضا علیهماالسلام على جده الحسين علیه السلام وأنقل تالياً نبذاً منها :

1 - جاء في كتاب « إقناع اللائم » انه :

« روى الصدوق في الأمالي بسنده عن الرضا علیه السلام قال : إن المحرم شهر كان

ص: 132


1- أمالي الصدوق 2 : 111.

أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النار في مضاربنا ، وانتهبت ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حرمة في أمرنا. إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام » (1).

2 - وروى الصدوق في « الأمالي والعيون » بسنده عن الريان بن شبيب قال : « دخلت على الرضا علیه السلام في أول يوم محرم. قال : يا ابن شبيب ، إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتل لحرمته ، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ، ولا حرمة نبيها صلی اللّه علیه و آله ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر اللّه لهم ذلك أبداً. يا ابن شبيب ، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب ، فانه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل الى الارض من الملائكة أربعة الآف لنصره فوجدوه قد قتل ، فهم عند قبره شعث غبر الى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم : ( يا لثارت الحسين ). يا ابن شبيب ، لقد حدثني أبي ، عن أبيه عن جده أنه لما قتل جدي الحسين علیه السلام أمطرت السماء دماً وتراباً أحمراً. يا ابن شبيب ، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر اللّه لك كل ذنب أذنبته ، صغيراً كان أو كبيراً ، قليلاً كان أو كثيراً ... » الى آخر الحديث (2).

3 - وحكي عن الشاعر الشهير دعبل الخزاعي أنه قال : « دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى علیهماالسلام بمرو في أيام عشرة المحرم ، فرأيته جالساً

ص: 133


1- امالي الصدوق : 111 / 2.
2- امالي الصدوق : 112 / 5.

جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه جلوس حوله. فلما رآني مقبلاً قال لي : مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه ، ثم إنه وسع لي في مجلسه ، وأجلسني الى جانبه ، ثم قال : يا دعبل أحب أن تنشدني شعراً فإن هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا ، خصوصاً بني أمية. ثم إنه نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدهم الحسين. ثم التفت اليّ وقال يا دعبل ، إرث الحسين ، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حياً. قال دعبل : فاستعبرت ، وسالت دموعي وأنشأت :

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً *** وقد مات عطشانا بشط فرات

إذاً للطمت الخد فاطم عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات

الى آخر القصيدة التائية التي تناقلتها جميع كتب التاريخ وأسفار الحديث ، واعتبرتها من أبلغ القصائد رثاء وفجيعة وحزناً (1).

4 - وفي « إقناع اللائم » ما نصه :

روى الصدوق في « عيون أخبار الرضا » بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه اللّه على ابي الحسن علي بن موسى الرضا علیهماالسلام بمرو فقال له : يا ابن رسول اللّه ، إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك. فقال علیه السلام : هاتها فأنشده :

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ البيت :

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً *** وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى الامام الرضا علیه السلام وقال له : صدقت يا خزاعي (2).

5 - نقلت كتب الحديث عن الامام الرضا علیه السلام عن يوم عاشوراء ما يلي :

ص: 134


1- بحار الأنوار 45 : 157.
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 267.

« من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل اللّه عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت في الجنان عينه ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك فيما ادخر » (1).

6 - وجاء في الروايات : إن الشاعر إبراهيم بن عباس دخل على الامام الرضا علیه السلام وأنشد قصيدته التي يقول في أولها :

أزال عزاء القلب بعد التجلد *** مصارع أولاد النبي محمد

فبكى الامام علیه السلام ، وبكى من في مجلسه عند إنشاد هذه القصيدة.

7 - جاء في الصفحة «178» من كتاب « الشيعة والحاكمون » عند ذكر قصيدة دعبل التائية وإنشادها أمام الامام الرضا قوله :

« وبكى الامام الرضا حين أنشد دعبل القصيدة ، وبكت معه النسوة والأطفال. وما زال الشيعة يتلونها الى اليوم على المنابر ويبكون ... ».

أقول : إن قصيدة دعبل الخزاعي هذه بلغت «120» بيتاً ، وكل أبياتها شجية ، ومن أشجاها هذان البيتان :

سأبكيهم ما ذر في الأرض شارق *** ونادى مناد الخير للصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها *** وبالليل أبكيهم وبالغدوات (2)

وقد عاش دعبل «98» سنة وكان مجيئه الى مرو لزيارة الامام الرضا عن طريق البصرة سنة «198 ه» ، وبقى فيها عند الامام الى سنة 200 ه- وتوفي سنة «246 ه» بالطيب ، وهي بلدة بالقرب من الاهواز.

وأجد مناسباً هنا بأن أنقل بعض ما نظمه دعبل في رثاء الامام الشهيد علیه السلام والنياحة عليه. فمن قصيدة له فيه :

ص: 135


1- امالي الصدوق 112 / 4.
2- بحار الانوار 45 : 257.

زر خير قبر بالعراق يزار ***

واعص الحمار فمن نهاك حمار

لم لا أزورك يا حسين لك الفدا ***

قومي ومن عطفت عليه نزار

ولك المودة من قلوب ذوي النهى ***

وعلى عدوك مقتة ودمار

يابن الشهيد ويا شهيداً عمه ***

خير العمومة جعفر الطيار (1)

ولدعبل أيضاً من قصيدة :

رأس ابن بنت محمد ووصيه *** يا للرجال على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع *** لا جازع من ذا ولا متخشع

أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى *** وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع

كحلت بمنظرك العيون عماية *** وأصم نعيك كل أذن تسمع

ما روضة الا تمنت أنها *** لك مضجع ولحط قبرك موضع

و - بكاء بقية أئمة الهدى علیهم السلام على جدهم

أما شعائر النياحة والحزن ، وإقامة المآتم والعزاء على شهيد كربلاء وآله بعد الامام الثامن علي بن موسى الرضا وعلى عهد الأئمة الاربعة الآخرين - الامام التاسع : محمد بن علي التقي ، والامام العاشر : علي بن محمد النقي ، والامام الحادي عشر : الحسن بن علي العسكري ، والامام الثاني عشر : القائم ، محمد بن الحسن علیهم السلام - فقد أخذت تسير سيراً صعودياً أحياناً ، وهبوطياً أحياناً أخرى ، تبعاً للساسة التي كان يمارسها الخلفاء العباسيون وسلطاتهم تجاه شيعة آل محمد علیه السلام وهؤلاء الأئمة الأربعة الهداة. وكانت الحرية تطلق بعض الوقت لهؤلاء الأئمة ومواليهم وشيعتهم بإقامة شعائرهم ومناحاتهم على الامام الشهيد ، فيقيمونها سراً أو علناً كما كانت تحدد هذه الحرية زمناً ، ويمنع إقامة هذه الشعائر

ص: 136


1- مقتل الخوارزمي 2 : 100.

الحزينة علناً ، وحتى سراً أحياناً.

ففي عهد الامام التاسع محمد الجواد التقي ، نالت الشيعة بعض الحرية في إقامة شعائرهم الكئيبة هذه ، لأن الخليفة المأمون كان متساهلاً معهم خاصة وأن الامام محمد الجواد كان صهره على ابنته أم الفضل ، وكانت المآتم على الامام الحسين تقام في دور العلويين علناً ودون أي ضغط ، وليس من يعارضهم في ذلك. وقد استمرت هذه الحالة على عهد المعتصم ايضاً الذي كان يسعى لمراعاة شعور العلويين والموالين لآل البيت ، ويمنع إدخال الضغط عليهم الى حد ما ، ويسمح لهم بإقامة المناحات على الحسين الشهيد ، في دورهم وخارجها ، سراً وعلناً.

أما بعد المعتصم - أي على عهد الأئمة الثلاثة الآخرين - فقد أخذت السلطات الحاكمة بإيعاز من الخلفاء العباسيين الذين خلفوا المعتصم تشدد على هؤلاء الأئمة علیهم السلام وشيعتهم ومواليهم ، وتمنعهم من إقامة شعائر العزاء والحزن على الحسين علیه السلام ، وتحد من حرياتهم في ذلك. غير أن المقيمين لهذه المآتم لم يمتنعوا عن إقامتها سراً في دورهم وإن لم يستطيعوا إقامتها علناً وجهاراً ، وكانوا يستعملون التقية ، ويسدلون الأستار على الأماكن التي كانوا يقيمون فيها هذه الشعائر الحزينة في دورهم ، وخاصة عند قبور الأئمة ، كقبر الامام الحسين بكربلاء ، وقبر الامام أمير المؤمنين علي علیه السلام في النجف ، وقبري الامامين الجوادين في الكاظمية - مقابر قريش -. ولذلك نجد أخبار وروايات إقامة هذه الشعائر المأتمية على عهد هؤلاء الأئمة الثلاثة شحيحة جداً.

وهكذا كان شأن إقامة هذه النياحات والمآتم ، وحفلات الحزن وشعائر العزاء على الحسين الشهيد ، على عهد الأئمة الأطهار الاثني عشر علیهم السلام بين مد وجزر ولكنهم علیهم السلام كانوا لا يتركون أية فرصة في كل عصر وجيل إلا حثوا شيعتهم ومواليهم على البكاء على الحسين علیه السلام ، والحزن لقتله ، ورثائه بالأشعار والقصائد ، وإقامة العزاء والمآتم عليه ، واتخاذ يوم عاشوراء خاصة يوم حزن وبكاء ونياحة.

ص: 137

ص: 138

الفصل التاسع عشر: نياحة المشايخ والصحابة والعظماء على الحسين علیه السلام

أما حزن الصحابة ومن على شاكلتهم ، ونياحتهم على الامام الشهيد علیه السلام وفي مختلف العصور والأدوار ، فقد ملأت أخبارها بطون الكتب والأسفار ، وتحدث بها الركبان ، وتناقلتها الألسنة. وقد بدأ ذلك منذ وقوع الحادث المفجع وحتى الوقت الحاضر ، ولم تتقصر هذه النياحات على فئة خاصة ، من المشايخ ، والصحابة ، والأمراء والوزراء. والعلماء ، والعظماء ، والأماجد ، بل شملت جميعهم ..

وفيما يلي نأتي على ذكر طائفة قليلة من أسماء هؤلاء الذين ناحوا على الحسين وبكوه ورثوه وحزنوا عليه ، منذ اليوم الذي أحتز رأسه في ساحة كربلاء ، ثم نقل الى الكوفة ، ثم الى دمشق وغيرها من المدن والأمصار وخاصة منهم من كان قريب عهد بتلك المجزرة الرهيبة ..

1 - جاء في « الصواعق المحرقة » (1) لابن حجر ، و « تذكرة الخواص » (2) لسبط ابن الجوزي وغيرهما من رواة الحديث السنة :

انه روى ابن أبي الدنيا عند ذكر وضع رأسه الحسين علیه السلام بين يدي ابن زياد في الكوفة وضربه ثنايا الامام علیه السلام بالقضيب ما نصه :

ص: 139


1- الصواعق المحرقة : 118.
2- تذكرة الخواص : 231.

« إنه كان عند ابن زياد الصحابي زيد بن الأرقم ، فقال لابن زياد : إرفع قضيبك ، فو اللّه لطالما رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقبل ما بين هاتين الشفتين. ثم جعل زيد يبكي. فقال له ابن زياد : أبكى اللّه عينك ، لو لا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك. فنهض زيد وهو يقول : أيها الناس ، أنتم العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة ، واللّه ليقتلن خياركم وليستعبدن شراركم ، فبعداً لمن رضي بالذل والعار.

ثم قال : يا ابن زياد ، لاحدثنك بما هو اغلظ عليك من هذا : رأيت رسول اللّه أقعد حسناً على فخذه اليمنى وحسيناً على فخذه اليسرى ، ثم وضع يده على يافوخيهما ، ثم قال : اللّهم إني استودعك إياهما وصالح المؤمنين. فكيف كانت وديعة النبي صلی اللّه علیه و آله عندك يا ابن زياد؟ .. ».

ونقل هذا الحادث الطبري (1) أيضاً بسنده عن حميد بن مسلم ، وأورده ابن الأثير في تاريخه باختصار. وكذا أبو حنيفه الدينوري في « الاخبار الطوال » ، وكذا « منتخب كنز العمال » للشيخ علي الهندي ، ولكن بعبارات قليلة الاختلاف.

2 - ومن التابعين الذين بكوا الحسين بغزارة الحسن البصري. ففي « تذكرة الخواص » لسبط ابن الجوزي : قال الزهري : « لما بلغ الحسن البصري قتل الحسين بكى حتى اختلج صدغاه. ثم قال : واذل أمة قتلت ابن بنت نبيها ، واللّه ليردّنّ رأس الحسين الى جسده ثم لينتقمن له جده وأبوه من ابن مرجانة » (2).

3 - وممن بكى الحسين وكان قد رآه قبل استشهاده أم سلمة زوجة النبي صلی اللّه علیه و آله ، والربيع بن خيثم ، وأنس بن مالك وغيرهم.

فقد جاء في الصفحة «67» من كتاب « إقناع اللائم » ما عبارته :

ص: 140


1- تاريخ الطبري 4 : 349.
2- تذكرة الخواص : 240.

« وفي تذكرة الخواص (1) : ذكر ابن سعد عن أم سلمة انها لما بلغها قتل الحسين قالت : أو فعلوها؟ ملأ اللّه قبورهم ناراً ، ثم بكت حتى غشي عليها .. ». ونقل هذا الخبر في « الصواعق المحرقة » لابن حجر.

ويستطرد « إقناع اللائم » فيقول :

« ومن الصحابة الذين بكوا الحسين أنس بن مالك ، ففي « الصواعق المحرقة » (2) : ولما حمل رأسه - رأس الحسين - لابن زياد ، جعله في طست ، وجعل يضرب ثناياه بقضيب ويدخله في انفه ، ويقول : ما رأيت مثل هذا حسناً ، إنه كان لحسن الثغر ، وكان عنده أنس بن مالك فبكى وقال : أشبههم برسول اللّه ». وروى هذا الحديث الترمذي وغيره.

4 - وفي الصفحة «71» من « إقناع اللائم » ما نصه :

« ومن الاُلى الذين بكوا على الحسين الربيع بن خيثم. ففي « تذكرة الخواص» (3) لسبط ابن الجوزي الحنفي ما نصه :

قال الزهري : لما بلغ الربيع بن خيثم قتل الحسين بكى وقال : لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لأحبهم وأطعمهم بيده ، وأجلسهم على فخذه.

5 - وجاء في الصفحة «156» من الكتاب نفسه ما عبارته :

وقال جعفر بن عفان ، وهو من أصحاب الصادق جعفر بن محمد ، يرثي الحسين :

لبيك على الاسلام من كان باكيا *** فقد ضعيت أحكامه واستحلت

غداة حسين للرماح دريئة *** وقد نهلت منه السيوف وعلت

وغودر في الصحراء لحماً مبدداً *** عليه عناق الطير باتت وظلت

ص: 141


1- تذكرة الخواص : 240.
2- الصواعق المحرقة : 300.
3- تذكرة الخواص : 240.

فما نصرته أمة السوء إذ دعا *** لقد طاشت الأحلام منها وضلت

ألا بل محوا أنوارهم بأكفهم *** فلا سلمت تلك الأكف وشلت

وناداهم جهداً بحق محمد *** فإن ابنه من نفسه حيث حلت

فلا حفظوا قربى الرسول ولا رعوا *** وزلت بهم أقدامهم واستزلت

أذاقته حر القتل أمة جده *** هفت نعلها في كربلاء وزلت

فلا قدس الرحمن أمة جده *** وإن هي صامت للإله وصلت

كما فجعت بنت الرسول بنسلها *** وكانوا حماة الحرب حيث استقلت (1)

6 - وممن بكى الحسين ورثاه الامام الشافعي. ففي الصفحة «157» من الكتاب نفسه ما عبارته :

« وفي البحار (2) : عن بعض كتب المناقب القديمة : أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي عن محيي السنة أبي الفتح احاد قال : أنشدني أبو الطيب البابلي ، أنشدني أبو النجم بدر بن إبرهيم بالدينور ، للشافعي محمد بن إدريس. وفي ينابيع المودة (3) قال الحافظ جمال الدين الزرندي المدني في كتاب « معراج الوصول في معرفة آل الرسول » : نقل أبو القاسم الفضل بن محمد المستحلي : إن القاضي أبا بكر سهل بن محمد حدثه قال : قال أبو القاسم بن الطيب : بلغني أن الشافعي أنشد هذه الأبيات.

أقول : وأوردها ابن شهر آشوب في المناقب (4) للشافعي. وهي :

تأوب همي والفؤاد كئيب *** وأرق عيني والرقاد غريب

ومما نفى جسمي وشيب لمتي *** تصاديف أيام لهن خطوب

ص: 142


1- بحار الانوار 45 : 286.
2- بحار الانوار 45 : 273 ، وقد صححنا هذه الابيات كما وردت في البحار.
3- ينابيع المودة 2 : 332.
4- مناقب ابن شهر آشوب 4 : 124 مع اختلاف فيه وزيادة ابيات فراجع.

فمن مبلغ عني الحسين رسالة *** وإن كرهتها أنفس وقلوب

قتبلا بلا جرم كأن قميصه *** صبيغ بماء الارجوان خضيب

وللسيف إعوال وللرمح رنة *** وللخيل من بعد الصهيل نحيب

تزلزلت الدنيا لآل محمد *** وكادت لها صم الجبال تذوب

يصلى على المهدي من آل هاشم *** ويغزي بنوه إن ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حب آل محمد *** فذلك ذنب لست منه اتوب

تزلزلت الدنيا لآل محمد *** وكادت لهم صم الجبال تذوب

فمن يبلغن عني الحسين رسالة *** وان كرهتها أنفس وقلوب

قتيلا بلا جرم كأن قميصه *** صبيغ بماء الأرجوان خضيب

نصلي على المختار من آل هاشم *** ونعزي بنيه إن ذلك عجيب

لئن كان ذنبي حب آل محمد *** فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي *** وحبهم للشافعي ذنوب (1)

7 - وقال مؤلف « إقناع اللائم » في الصفحة «159» ما نصه :

قال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص : ذكر جدي في كتاب التبصرة قال : إنما سار الحسين الى القوم ، لأنه رأى الشريعة قد دثرت فجد في رفع قواعد أصلها. فلما حصروه فقالوا له : انزل على حكم ابن زياد. فقال : لا أفعل ، واختار القتل على الذل. وهكذا النفوس الأبية ، ثم أنشد جدي رحمه اللّه :

ولما رأوا بعض الحياة مذلة *** عليهم وعز الموت غير محرم

أبوا أن يذوقوا العيش والذل واقع *** عليه وماتوا ميتة لم تذمم

ولا عجب للاسد إن ظفرت بها *** كلاب الأعادي من فصيح وأعجم

فحربة وحشي سقت حمزة الردى *** وحتف علي من حسام ابن ملجم (2)

ص: 143


1- ينابيع المودة 2 : 332.
2- تذكرة الخواص : 245.

8 - جاء في الصفحة «22» من تاريخ « الكامل » (1) لابن الأثير ، المجلد الثامن ، في حوادث سنة «294 ه» ، ما نصه :

« لما توفي القداح قام بعده ابنه أحمد ، وصحبه إنسان يقال له : رستم بن راذان النجار ، من أهل الكوفة ، وكانا يقصدان المشاهد. وكان باليمن رجل اسمه محمد بن الفضل ، كثير المال والعشيرة ، من أهل الجند ، يتشيع. فجاء الى مشهد الحسين بن علي يزوره ، فرآه أحمد ورستم يبكي كثيراً. فلما خرج اجتمع به أحمد وطمع فيه لما رأى من بكائه ، والقى اليه مذهبه فقبله ، وسير معه النجار الى اليمن ».

9 - في الصفحة «526» من كتاب « مقاتل الطالبيين » السالف الذكر ، في حوادث سنة «199 ه» ، عند ذكر قصة لحاق أبي السرايا السري بن المنصور بمحمد بن إبراهيم بن اسماعيل طباطبا ، وقيامهما ضد السلطة العباسية ، قوله :

« وأقبل أبو السريا على طريق البر حتى ورد عين التمر - وهي شفاثا الحالية بالعراق - في فوارس معه لا راجل فيهم ، وأخذ على النهرين حتى ورد الى نينوى ، فجاء الى قبر الحسين علیه السلام . قال نصر بن مزاحم : فحدثني رجل من أهل المدائن قال : إني لعند قبر الحسين في تلك الليلة وكانت ليلة ذات ريح ورعد ومطر ، إذ بفرسان قد أقبلوا فترجلوا ، ودخلوا الى القبر ، فسلموا ، وأطال رجل منهم الزيارة ، ثم جعل يتمثل أبيات منصور بن الزبرقان الثمري وهو يبكي :

نفسي فداء الحسين يوم عدا *** الى المنايا عدو الأقافل

ثم أقبل عليّ وقال : ممن الرجل؟ قلت : رجل من الدهاقين من أهل المدائن (2).

10 - في الصفحة «21» من كتاب « مدينة الحسين » المار ذكره ما عبارته :

« روى الطوسي في اماليه ، بسنده عن أبي علي القماري.

ص: 144


1- تاريخ الكامل لابن الأثير 8 : 30 سطر أول.
2- الكامل لابن الأثير 8 : 29 مع اختلاف فيه.

ومما يجب الاشارة اليه في هذه الفترة من الزمن : أنه في حوادث أواسط المائة الثانية من الهجرة سأل أحد المسيحيين المدعو يوحنا بن سرافيون بن موسى بن سريع أحد زملائه من المسلمين : لمن هذا القبر الذي يحجه المسلمون على شاطئ الفرات؟ فقيل له : قبر الامام الشهيد المظلوم أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام قتيل الطف. فعند ذلك خرج يوحنا قاصداً كربلاء في صفوف الزائرين ، وشاهد ما يعمله المسلمون المحبون لأهل البيت من النياح والبكاء عند القبر المطهر ، ثم يتبركون بتربة القبر .. وعلى أثره استسلم يوحنا وأخذ يزور قبر الحسين كل مرة مع الزائرين والوافدين الذين يقصدون زيارة قبر الحسين علیه السلام ».

11 - وفي الصفحة «110» من الكتاب نفسه ما عبارته :

« كما روى ابن الأثير : إنه وفد الى كربلاء ، صبيحة يوم العرفة سنة «296 ه» ، أحد أقطاب الشعوبيين المدعو أحمد بن عبد اللّه القداح ابن ميمون الديصان وبرفقته أحد دعاتهم ، المدعو رستم بن الحسين النجار ابن جوشب بن دادان الكوفي ، وصادف عند وصولهم الحائر وجود محمد بن الفضل اليماني ، الذي كان قادماً من اليمن لزيارة قبر الحسين ، ومحمد هذا من رجال المال والثراء والعشيرة في اليمن ، يتبعه كثير من الجند والخيل ، فشاهده يكثر البكاء عند قبر الحسين ، فاستغل ابن القداح كثرة بكائه ، ولما انتها من الزيارة وهم بالخروج من الحائر تبعه حتى اجتمع اليه وأفشى له سره ، معلناً له مطالبته بدم الحسين ، الأمر الذي دعا بمحمد أن يطاوعه وراح يشد أزرهم بماله ورجاله ، فتعاقدوا على بث الدعاية للخليفة الفاطمي ، محمد بن عبيد اللّه بن أحمد بن حسين بن عبد اللّه بن محمد بن اسماعيل بن الامام جعفر الصادق القائم بالقيروان ».

12 - وجاء في الصفحة «119» من الكتاب نفسه ما هو آت ، عند ذكر زيارة الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن فريد ، أبو الأغر الأسدي ، للمرقد الحسيني سنة « 513 ه- » قال :

ص: 145

« قال : ولما ورد كربلاء دخل الى الحائر الحسيني باكياً حافياً ، متضرعاً الى اللّه أن يمن عليه بالتوفيق ، وينصره على أعدائه ... ».

هذه نبذة موجزة جداً عن أسماء بعض الصحابة والتابعين والأمراء وغيرهم ممن زاروا قبر الحسين بكربلا وبكوه ورثوه ، جئت بها على سبيل الايجاز ، إذ لو أردت إيراد التفاصيل في هذا الفصل لطال بي الكلام.

* * *

ص: 146

الفصل العشرون: النياحة على الحسين علیه السلام في عهد الأمراء البويهيين

لقد اتسع نطاق إقامة المناحات ومجالس العزاء على الحسين علیه السلام على عهد آل بويه ، في أواسط الحكم العباسي ، وقد أحيا هؤلاء الأمراء ورجال السلطة البويهية ما كان قد سبق من ذكريات هذه المناحات وشعارات المآتم ، وأضافوا عليها كثيراً من الحالات ، رغم معارضات ومخالفات معظم الخلفاء العباسيين لهم. ولم يقتصر إحياء هذه الذكريات والشعائر المؤلمة من قبل البويهيين على العراق ، بل تعداه الى سائر البلدان الاسلامية ، كمصر ، وشمال إفريقية ، وبعض البلدان العربية الأخرى ، وإيران ، وغيرها.

وإنه وإن لم يكن الأمراء البويهيون أول من أقام المناحة والعزاء والمآتم على الامام الحسين علیه السلام ولكنهم كانوا أول من وسعوها وأخروجوها من دائرة النواح الضيقة ، في البيوت والمجالس الخاصة والنوادي الهادئة ، وعلى قبر الامام الشهيد علیه السلام بكربلا ، الى دائرة الأسواق العلنية والشوارع المتحركة ، وتعويد الناس على اللطم على الصدور.

ولقد استمرت عادة النياحة على الامام الحسين علیه السلام واتسعت شعاراتها خلال مدة حكم آل بويه في العراق وإيران.

ذلك الحكم الذي ابتدأ سنة «334 ه» وانتهى في سنة «467 ه». وقد سقطت في فترة هذا الحكم السلطة من أيدي الخلفاء العباسيين ولم يبق لهم فيه غير الاسم

ص: 147

المجرد ، إذ كانت السلطة الحقيقية بيد البويهيين.

وفيما يلي بعض ما روته كتب التاريخ ومؤلفات السير عن النياحة على عهد البويهيين :

1 - ذكر كتاب « مدينة الحسين » في سلسلته الثانية ، عند البحث عن خدمات آل بويه في العراق والعتبات المقدسة ما عبارته :

« وهم - أي آل بويه - أول من بادروا بتخليد ذكر الحسين علیه السلام يوم عاشوراء إذ في محرم سنة 352 ه- أمر السلطان معز الدولة الذي استولى على بغداد سنة 334 ه- ، على عهد الخليفة المستكفي ، بتعطيل الأسواق ، وشل حركة البيع والشراء وأن يسقوا الماء بنصبهم القباب في الاسواق ، وخرجن النساء يلطمن وجوههن وينحن على الحسين علیه السلام . وبقيت هذه العادة مستمرة في كل عام من يوم عاشوراء حتى أواسط القرن السادس ، على عهد السلاجقة ... ».

2 - جاء في الصفحة «372» من المجلد الأول من « موسوعة العتبات المقدسة » المار ذكرها ، نقلاً عن كتاب « تاريخ الشيعة في الهند » لمؤلفه الدكتور هولبيستر ما نصه :

« وكان معز الدولة البويهيي في أيام تفوق البويهيين وحكمهم في بغداد هو الذي أدخل عادة إحياء الذكرى المؤلفه للحوادث التي وقعت في محرم ، وعين فترة الحداد ، فكانت بموجبه تغلق الأسواق ويعطل القصابون أعمالهم ويتوقف الطباخون عن الطبخ ، وتفرغ الأحواض والصهاريج بما فيها من الماء ، وتوضع الجرار مغلقة باللباد في الشوارع والطرق ، وكانت النساء يمشين بشعور منشورة ، وأوجه مسودة ، وملابس ممزقة ، يلطمن الخدود ويولولن ، حزناً على الحسين الشهيد ، وكانت تقرأ في ذلك اليوم المراثي والمناحات كذلك.

وإن عادة إعلان الحداد العام خلال العشرة الاولى من محرم الحرام كانت أعظم ابتداع ابتدعه معز الدولة البويهي وكان هذا الأمر قد أصدره سنة 963 م ،

ص: 148

فحتم على الناس إحياء الذكرى السنوية لمقتل الحسين. وقد استمرت هذه العادة منذ ذلك الوقت وأصبحت أشهر العادات وأبعدها صيتاً بين العادات والأعراف الشيعية المألوفة ... ».

3 - ذكر السيد جواد الشهرستاني في الصفحة «160» من كتاب « نهضة الحسين » ختاماً لكتاب والده هذا ، ما نصه :

« وقد سجل التاريخ اهتمام معز الدولة البويهي ، وسائر الملوك البويهيين ، في الدولة العباسية ببغداد ، عام «352 ه» ، بشأن إقامة مآتم الحسين وإبرازها في هيئة مواكب خارج البيوت. فكانت النساء يخرجن ليلاً ، ويخرج الرجال نهاراً ، حاسري الروؤس ، حفاة الأقدام ، تحيتهم التعزية والمواساة بمأساة الحسين علیه السلام . ولا تزال هذه العادة الى الآن في مدن العتبات المقدسة ، في العراق وإيران ... ».

أقول : إنها لم تقتصر على العتبات المقدسة ، ولم تقتصر أيضاً على العراق وايران ، وإنما هي عادة متبعة في معظم بلدان العالم الاسلامي وقراها وقصباتها ..

4 - ذكر الشيخ عبد العزيز جواهر الكلام ، في الصفحة «11» من المجلد الأول من تأليفه « آثار الشيعة الامامية » ، عند ترجمة حياة معز الدولة أحمد بن بويه قوله :

« وكان متصلباً في التشيع ، أمر الناس بإقامة المأتم للحسين الشهيد علیه السلام في العشرة الأولى من محرم ، واستمرت عليها الشيعة من ذلك الحين ... ».

5 - قال مؤلف « بغية النبلاء » السالف الذكر ، في الصفحة «68» ما عبارته :

« وكان آل بويه يناصرون الشيعة ، وقد استكمل التشيع على عهدهم ، حتى أن معز الدولة أمر سنة «352 ه» بإقامة المآتم في عاشوراء. وكان ذلك أول مأتم أقيم في بغداد ... ».

أقول : لم يكن هذا أول مأتم في بغداد ، بل سبقته مآتم كثيرة فيها ، كما مر ذكر ذلك في الفصول المتعاقبة ، إلا إذا أريد بأنه كان أول مأتم عام في الاسواق

ص: 149

والشوارع ببغداد.

6 - جاء في الصفحة «198» من المجلد الثالث ، من كتاب « قهرمانان إسلام » باللغة الفارسية ، أي : « أبطال الإسلام » لمؤلفه علي أكبر تشيد ، ما ترجمته :

« وكان معز الدولة الديلمي قد أصر بمزاولة عادة إقامة المأتم في يومي تاسوعاء وعاشوراء في بغداد وصارت الجماعات من القائمين بهذه المآتم تجوب أسواق بغداد ، بأعلامها الخاصة ، لاطمة صدورها ورؤوسها. كما أن السلطان معز الدولة البويهي كان يرتدي رداء الحداد والحزن ، ويتقدم عسكره المشترك في هذا المأتم. وهذه العادة التي لا زالت متداولة حتى الآن في الأقطار الاسلامية هي من آثار معز الدولة الممتازة وكان معز الدولة سلطاناً عادلاً ، وتوفي سنة 356 ه- ... ».

7 - جاء في الصفحة «55» من كتاب « تاريخ الامامين الكاظمين » لمؤلفه الشيخ جعفر نقدي ، ما نصه :

« وكان معز الدولة البويهي مع وزرائه وأعيان دولته يزور الامامين علیهماالسلام في كل خميس ، وكان يبيت مع هؤلاء ليلة الجمعة في بيت فخم أعده حول المشهد ، ثم يرتحل نهار الجمعة بعد تجديد الزيارة الى محل الحكم ».

وفي سنة «352 ه» أمر بإقامة العزاء لسيد الشهداء الحسين بن علي علیهماالسلام في شهر محرم ...

وأمر الناس ببغداد أن يغلقوا دكاكينهم في العاشر منه ويعطلوا الأسواق والبيع والشراء ، وأن يظهروا النياحة ، ويلبسوا قباء عملوها بالمسوح ، وأن يخرج الرجال والنساء ، لاطمي الصدور والوجوه ، وكانوا بهذه الحالة يأتون مشهد الامامين الكاظمين يعّزونهما بالحسين علیه السلام .

وبقيت هذه السنة في العراق مدة الحكم البويهي. والعزاء الحسيني الذي يقام اليوم من آثار تلك السنة الكريمة ... ».

أقول : وهكذا كان معز الدولة البويهي قد أمر بالضرب على الصدر علناً

ص: 150

بهذه الكيفية التي نشاهدها اليوم ، وأيده العلماء والفقهاء في عصره الى يومنا هذا.

8 - علق الشيخ محمد جواد مغنية في الصفحة «28» من كتابه « دول الشيعة في التاريخ » على قول السيد مير علي في كتابه مختصر تاريخ العرب : وهو أي معز الدولة البويهي جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعه كربلاء. علق على ذلك بما نصه :

« أي جعله يوم حزن بصفة رسمية ، تعطل فيه الدوائر الحكومية وتقفل الأسواق ، وإلا فإن هذا اليوم هو يوم حزن عند الشيعة قبل المعز ، ومنذ اليوم الأول الذي استشهد فيه سيد الشهداء علیه السلام .. ».

9 - قال ابن الاثير في حوادث سنة «352 ه» ما عبارته :

« في هذه السنة أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم في عاشر المحرم ، ويعطلوا الأسواق والبيع الشراء ، ويظهروا النياحة على الحسين ، ففعل الناس ذلك ولم يكن للسنة قدرة على المنع ؛ لكثرة الشيعة ؛ ولأن السلطان منهم ... » (1).

واستطرد ابن الاثير في حوادث سنة «389 ه» وقال : « وكذلك عمل السنة في 18 محرم مثل ما عمل الشيعة يوم عاشوراء ، وقالوا : هو يوم قتل فيه مصعب بن الزبير ... » (2).

10 - جاء في الصفحة «40» من كتاب « دول الشيعة في التاريخ » المار الذكر ، ما لفظه :

« وما اقتصر آل بويه في خدمة التشيع على مظاهر الفرح يوم الغدير ، وشعائر الحزن يوم عاشوراء ، بل كانوا يبذلون جهدهم في خدمة أهل البيت بشتى الوسائل ».

11 - وفي الصفحة «38» من نفس الكتاب ، نقلاً عن كتاب مختصر تاريخ

ص: 151


1- الكامل لابن الأثير 8 : 549.
2- الكامل لابن الأثير 9 : 155.

العرب للسيد مير علي يقول :

« وكان معز الدولة محباً للفنون والعلم ، وهو الذي جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعة كربلاء .. ».

وقد علق الشيخ مغنية على هذا القول : « بأنه جعله يوم حزن بصفة رسمية » كما مر ذلك.

12 - قال محمد كرد علي في كتابه « خطط الشام » صفحة «251» عن فرقة المتأولة - أي الشيعة - عند ذكر مأتم الحسين ما نصه :

« ويجتمع الشيعة في أيام عاشوراء ، فتقيم المآتم على الحسين بن علي شهيد كربلاء علیه السلام وعهدهم بذلك بعيد يتصل بعصر الفاجعة. وأول من رثاه أبو باهل الجمحي بقصيدة يقول فيها :

تبيت النشاوى من أمية نوماً *** وبالطف قتلى ما ينام حميمها (1)

والظاهر من سيرة ديك الجن الحمصي في كتاب الأغاني (2) : أن هذه الاجتماعات للمآتم كانت معروفة في زمانه ثم إن بني بويه أيام دولتهم عنوا بها مزيد العناية ، ولا تزال الى اليوم تقام في جميع أقطار الشيعة وليست هي من المفروض كما يتوهم بل يستحبونها ، لأنها تصدر عن ولاء ومحبة .. ».

وعلى ذكر ديك الجن ، الشاعر الشهير ، وحضوره بعض اجتماعات المآتم الحسينية أنقل تالياً بعض الأبيات المنقولة عنه في البكاء على الامام الشهيد علیه السلام ورثائه ، وهي :

جاءوا برأسك يا بن بنت محمد *** مترملاً بدمائه ترميلا

وكأنما بك يابن بنت محمد *** قتلوا جهارا عامدين رسولا

قتلوك عطشانا ولما يرقبوا *** في قتلك التنزيل والتأويلا

ص: 152


1- الأغاني 7 : 138 والصحيح أن الشاعر أبو دهبل كما ورد.
2- الأغاني 14 : 51.

ويكبرون بأن قتلت وإنما *** قتلوا بك التكبير والتهليلا (1)

وديك الجن ، هو أبو محمد عبد السلام بن رغبان ، وقد توفي سنة 236 ، أو 235 ه.

13 - جاء في الصفحة «84» من كتاب « تاريخ كاظمين » باللغة الفارسية. لمؤلفه ميرزا عباس فيض ، ما ترجمته :

« وفي عاشوراء سنة 423 ه- 1031 م وعلى عهد جلال الدولة البويهي ، اجتمع لفيف من شباب الشيعة الامامية من سكان الكرخ في مسجد براثا وارتقى الخطيب المنبر ، وشرع في بيان النهضة الحسينية وأسباب قيام الامام علیه السلام ضد الظلم والبغي والاستبداد ، ثم سرد فاجعة يوم عاشوراء سنة «61 ه» وما جرى على الحسين الشهيد وآله وصحبه ، من فتك وقتل وسبي ، على يد جلاوزة بني أمية. مما أثار شعور المسلمين وألهب فيهم روح الحماس ، وبعد نزول الخطيب من المنبر تكتل المجتمعون الذين جاشت عواطفهم في هذا اليوم الفجيع والتحقق بهم عدد كبير من سكان تلك النواحي وساروا نحو المشهد الكاظمي ، لاطمين على صدورهم ورؤوسهم ، باكين نائحين ، ومرددين عبارات الحزن والأسى غير آبهين بأي شيء. ومهرولين تحت تأثيرحماء الحزن والكآبة لفاجعة كربلاء من ذلك المسجد حتى انتهوا الى مشهد الامامين الكاظمين ، وقد أقاموا فيه المناحة والنياحة طيلة ذلك اليوم ، مما لم يسبق له مثيل حتى ذلك التاريخ ... ».

14 - جاء في الصفحة «286» من تاريخ الكامل لابن الأثير المجلد التاسع في حوادث سنة 422 ه- ، ما نصه :

« زار الملك جلال الدولة ، أبو طاهر ، بن بهاء الدولة ، بن عضد الدولة ، بن بويه مرة مشهدي علي والحسين علیهماالسلام . وكان يمشي حافياً قبل أن يصل الى كل

ص: 153


1- بحار الأنوار 45 : 244 ، مناقب ابن شهر آشوب 4 : 117 ، وفي كلا المصدر بن عز خالد بن معدن.

مشهد منهما نحو فرسخ ، يفعل ذلك تديناً ... ».

15 - جاء في الصفحة «87» من كتاب « التشيع والشيعة » لمؤلفه أحمد الكسروي ، عند ذكر آل بويه ما نصه :

« فمن الواضح أن الشيعة قد رجوا من ذكر مصاب الحسين والنواح عليه فوائد لهم. والظاهر من الكتب أنهم ابتدأوا بها من زمن آل بويه في بغداد ، حيث كان التنافس بين الفريقين شديداً ، والمشاحنات دائبة. كان السنيون يتخذون عاشوراء يوم سرور لهم لأنها عندهم من الأيام المتبركة ، والشيعة يتخذونها يوم غم ومأتم ، فيجتمعون في مجتمع ، أو ينشد لهم المنشد أشعاراً ، فيبكون وينوحون .. ».

16 - ذكر ابن كثير المتوفى سنة «774 ه» في تاريخه « البداية والنهاية » ما نصه :

« إنه في سنة 352 ه- أمر معز الدولة أحمد بن بويه في العشر الأول من المحرم ببغداد بإغلاق جميع أسواق بغداد ويبطلون البيع والشراء ، وأن يلبس الناس السواد وأن يقيموا مراسم العزاء ويظهرون النياحة ، وأن يخرج الرجال والنساء لاطمي الصدور والوجوه ، وكانوا بهذه الحالة يأتون مشهد الامامين الكاظمين يعزونهما بالحسين علیه السلام . والعزاء الحسيني الذي يقام الآن في العالم الاسلامي هو من آثار تلك السنة. وقد توفي معز الدولة سنة 356 ه- ودفن في داره ثم نقل الى مقابر قريش حيث بني له مشهد فيها ».

* * *

تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني

ص: 154

المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: السيد صالح الشهرستاني

المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان

الناشر: دار الزهراء

الطبعة: 1

الموضوع : سيرة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام)

تاريخ النشر : 1419 ه.ق

الصفحات: 104

نسخة غير مصححة

تاريخ النياحة علی الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهماالسلام

تأليف: السيد صالح الشهرستاني

1325 - 1395 ه

الجزء الثاني

تحقيق و إعداد: الشيخ نبيل رضا علوان

ص: 1

اشارة

شهرستاني، صالح 1904 - 1974.

تاريخ النياحة علی الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهماالسلام / تأليف: السيد صالح الشهرستاني؛ تحقيق و إعداد: الشيخ نبيل رضا علوان. - قم: انصاريان 1382 - 1424.

2 جلد در یك مجلد (ج1 - 152، ج2 - 104ص.)

كتابنامه بصورت زیرنویس.

شابك: 7-468-438-964

1.حسین بن علي عليهماالسلام، امام سوم، 4 - 61ق. - سوگواریها.

2. سوگواریها - تاریخ.

3. واقعه عاشوراء، 61ق.

الف. علوان، نبيل رضا، محقق.

ب. عنوان.

2ت9ش/ 4, 41 BP

297/953

1382

تاريخ النياحة علی الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهماالسلام

الجزء الأول والثاني

المؤلف: السيد صالح الشهرستاني

تحقيق وإعداد: نبيل رضا علوان

الناشر: مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر - قم

الطبعة الأولی 2003 - 1424 - 1382

المطبعة: صدر - قم

الكمية: 2000 دورة

عدد الصفحات: 256 ص.

حجم الغلاف: متوسط

ردمك: 7-468-438-964

جميع حقوق الطبع محفوظة ومسجلة للناشر

مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر

جمهورية ايران الإسلامية

قم - شاع الشهداء - فرع 22

ص.ب 187

هاتف: 7741744 (251) (98)

فاكس: 7742647

البريد الالكتروني: ansarian@noornet.net

www.ansariyan.org www.ansariyan.net

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

الفصل الحادي والعشرون: موقف العباسيين من النياحة على الحسين علیه السلام

بعد أندثار الحكم الأموي حدثت فترة تنفس للشيعة قصيرة ، حيث انفسح لهم المجال نوعاً ما لزيارة المرقد الشريف بكربلاء وإقامة المناحات حوله ، وإظهار حزنهم في العشرة الأولى من محرم ، وخاصة في يوم عاشوراء ، وإعادة الذكريات الأليمة لهذا اليوم المشؤوم ، ولكنها كانت فترة قصيرة حيث لحقتها فترة الحكم العباسي الذي كانت مكافحته للنهضة الحسينية أعظم بكثير من مقاومة الحكم الأموي.

وقد جر الحكم العباسي على المرقد الشريف في كربلاء وزائريه والوافدين عليه ومقيمين المناحات والمآتم على الحسين علیه السلام ما لم يجره الأمويون أيام سلطانهم ؛ لأن العباسيين الذين لم يتسن لهم قتل الحسين والتمثيل به عمدوا الى النيل من قبره المقدس ومثواه الشريف والموالين له ، فأمعنوا في القبر تخريباً وإهانة ، وحالوا ما وسعهم دون إعادة ذكريات مقتله الأليم ، وإقامة المآتم والمناحات عليه.

وكان من بين الذين يمكن أن نجعلهم في مقدمة الخلفاء العباسيين في ذلك هو أبو جعفر المنصور الدوانيقي الذي كان أول ما أمر به هو هدم قبر الحسين علیه السلام ومنع الزوار من زيارته وإقامة المآتم والمناحات حوله وفي الجهات الأخرى ، بخلاف سلفه أبي العباس السفاح الذي ساير الشيعة كثيراً ؛ ليستعين بهم ضد بقايا الأمويين ، إذ سمح لهم بإقامة شعائرهم ومآتمهم ، وبزيارة قبر الحسين علیه السلام ، وإقامة

ص: 5

العزاء عند قبره ، وفي دورهم ، ومجتمعاتهم ومحافلهم.

كما أن الخليفة المهدي الذي خلف المنصور قد تساهل مع شيعة علي علیه السلام ، وأمر بأن تعاد سقيفة قبر الامام علیه السلام ، وفسح المجال للشيعة الموالين لآل البيت بزيارة القبر الكريم ، وإقامة المآتم عنده ، وفي دورهم ومجتمعاتهم ، وسهل لهم أمر الشخوص الى القبر الشريف وزيارته.

أما الهادي فنظراً لقلة مدة خلافته لم يرو التاريخ شيئاً عن سوء معاملته للعلويين ، ومنعه إقامة المناحة على قبر الحسين علیه السلام .

ولكن هارون الرشيد الذي خلف المهدي أمر بهدم القبر المطهر ، وكرب موضعه ، وقص شجرة السدرة التي كانت بجوار القبر من جذورها سنة «171 ه» ، ومنع إقامة المآتم والمناحات ، سواء على القبر ، أو في دور ومجتمعات الشيعة ومجالس العزاء.

وبقيت الحال على هذه الوتيرة حتى توفي هارون الرشيد في خراسان ودفن بطوس سنة «193 ه» وأصبح ابنه الأمين يتساهل مع الشيعة الى حد ما ، وجدد بناء سقيفة قبر الحسين علیه السلام وسمح لهم بإقامة المآتم والمناحات على القبر وغيره.

كما أخذ المأمون يساير الشيعة ، وخفف من وطأة الضغط عليهم وسمح تدريجياً للوافدين على الطف بزيارة قبر الامام الشهيد علیه السلام وإقامة المآتم حوله ، كما فسح المجال للشيعة في مختلف البلدان الاسلامية بإقامة العزاء والمناحات على الامام الشهيد في أيام السنة ، وخاصة خلال العشرة الأولى من محرم كل سنة.

وفي خلافة المعتصم والواثق كان العلويون في رخاء وحرية الى حد ما من حيث عدم الضغط عليهم. كما كانت وفود الزوار من شيعة آل النبي صلی اللّه علیه و آله ترد على عهديهما جماعات وأفراداً على قبر الامام الشهيد علیه السلام في كربلاء ، وتقوم بدورها في إقامة مجالس العزاء والمناحات على ذلك القبر الطاهر وعلى سائر قبور الشهداء ، وعقب هارون الرشيد في مطاردة الشيعة حفيدة المستهتر جعفر المتوكل ، الذي

ص: 6

افتتح أعماله في الخلافة بمطاردة شيعة علي بن أبي طالب علیه السلام وتضييق السبيل عليهم ، ومنع إقامة أية مناحة أو مأتم على الحسين الشهيد علیه السلام وهدم قبره الشريف عدة مرات ، ثم كربه وحرثه وأسال الماء عليه ، وأقام المراصد والمسالح على السبل المنتهية الى المثوى الطاهر ، وحجز زائريه عن زيارته ، وعاقبهم بالقتل والتمثيل بهم أفضع تمثيل ، كل ذلك على يد قائده ديزج اليهودي.

ولكن ابنه المنتصر عارض أباه في كلّ ذلك ، بل أعاد قبر الامام الشهيد علیه السلام الى ما كان عليه ، وأصلح القبور حوله ، وأطلق الحرية للشيعة في زيارة مثوى الإمام ، وإقامة المآتم والمناحات حوله ، وفي دورهم ومحلات عبادتهم. كما أمر بإقامة ميل يستدل به الزائر على قبر الامام الشهيد.

وفي عهده تزايد وفود الزوار ولا سيما العلويون منهم على زيارة قبر الامام الحسين وإقامة المآتم والعزاء حوله ، ثم السكنى بجواره.

وكان في مقدمة هؤلاء المجاورين السيد إبراهيم المجاب الضرير الكوفي الجد الأعلى لكثير من الأسر العلوية في العالم. وقد وضع السيد إبراهيم الحجر الأساس لمجالس العزاء والمآتم والمناحات الدائمة على الامام الحسين حول قبره المطهر ، بصورة منتظمة ، وبترتيب منسق ، ونزل المجاب كربلاء سنة «247 ه».

أما الخلفاء الذين خلفوا المنتصر فكانوا من الضعف ومن سوء التدبير وعدم تسلطهم على السلطة الزمنية بحيث لم يبق لهم حول ولا قوة على مجريات الأمور ، وكانوا يقنعون بلقب الخلافة وإدارة بعض الشؤون الدينية ، وإلقاء الخطبة باسمهم على المنابر ، أما شؤون الدولة وإدارة البلاد فكانت تسير القهقرى ، خاصة بعد استفحال نفوذ الأتراك الذين اصطفاهم الخلفاء لدرء بعض الأخطار. ثم أصبحت الأمور بعد ذلك يبد الأمراء البويهيين لمدة «133» سنة ، أي من سنة «334 ه» الى سنة «467 ه» ، ثم انتقلت منهم الى يد السلجوقيين الأتراك لمدة «108» سنة ، أي من «467 ه» الى «575 ه».

ص: 7

ومن أجل ذلك فقد كانت حرية إقامة العزاء الحسيني تتبع مذهب وسياسة هذه السلطات الحاكمة عملياً في البلاد ، كالبويهيين ، والسلوقين الأتراك وغيرهم.

وفي عهد الناصر لدين اللّه الذي ولي الخلافة سنة «575 ه» ، والذي أراد أن يعزز شؤون الخلافة ويسترجع السلطة من يد السلاجقة ويعيد هيبتها ، فقد تنفس الشيعة الصعداء بعض الشيء ، وأطلقت لهم الحرية في إقامة المآتم والمناحات على الحسين علیه السلام . وكان هذا الخليفة يعطف على العلويين ، ويمنع إيذاءهم ومطاردتهم قدر الامان. كما قد أجرى إصلاحات كثيرة على مشهد الامامين علیهماالسلام في الكاظمية ، وسمح بإقامة العزاء والمآتم ، ولا سيما في عشرة عاشوراء في الكرخ ببغداد ، وخاصة في المشهد الكاظمي.

وكذا من جاء بعده من الخلفاء ، كالظاهر بأمر اللّه ، والمستنصر باللّه ، الذي آل الأمر اليه سنة «623 ه» وكان مثل جده الناصر مسايراً للشيعة ، لا يمانع من إقامة شعائر المناحة على الامام الشهيد علیه السلام .

أما المستعصم الذي انقرضت على عهده الخلافة العباسية سنة «656 ه» فكان ضعيف الرأي والسلطان ، وكان يساير الشيعة ويظهر ميلاً إليهم أحياناً ، ويزور قبور أئمتهم ويعتني بها ، ويأمر بعمرانها وإجراء الاصلاحات فيها ، ويسمح بإقامة المناحات والمآتم على الحسين علیه السلام ، كما كان يقع أحياناً تحتا ضغط المتعصبين من علماء السنة وحاشيته وخاصة ابنه أبو العباس أحمد الحاقد على الشيعة فيتقدم بمنع إقامة المناحة على الامام الشهيد علیه السلام ، وقراءة مقتله يوم عاشوراء بججة الحيلولة دون نشوب الفتنة بين الطرفين.

وهكذا كان عزاء الحسين ومأتمه رغم جميع المطاردات والمخالفات قائماً كل عام في موسمه في شهر محرم الحرام على عهد الخلفاء العباسيين. وإنما تختلف ظروفه من حيث التقلص والاتساع ، والقوة والضعف ، كما مر أعلاه ، ولكنه في جميع

ص: 8

الأحوال كان يزداد تمكناً في النفوس واستقراراً في القلوب.

وبعد أن اتسعت دائرة التشيع صار الموالون لآل الرسول صلی اللّه علیه و آله يقيمون العزاء باسم « النياحة » أو « الرثاء » ، بمشاهد الأئمة علیهم السلام من عترته ، أو بمحضر من يوثق بتشيعه وموالاته ، أو في المجتمعات العامة وفي الاسواق والشوارع. وقد أصبح اسم النائح في القرن الثالث الهجري وما بعده علماً لمن يرثي الحسين أو يقيم النياحة عليه ، وصارت مجتمعات النياحة لا تقام فقط في العراق بل تعدته الى سائر الاقطار الاسلامية ، كمصر ، وإيران ، وأنحاء من الجزيرة العربية.

وأنقل فيما يلي بعض المرويات عن مواقف الخلفاء العباسيين حيال النياحة على الحسين ، مستقاة من أوثق المصادر ، ومرتبة حسن ترتيب السنوات :

1 - جاء في الصفحة «184» من موسوعة أعيان الشيعة القسم الأول عند بحثه عن أول قبة أو سقيفة أقيمت على قبر الحسين علیه السلام من قبل قبيلة بني أسد على زمن الأمويين قوله :

« وبقيت هذه القبة الى زمن الرشيد فهدمها وكرب موضع القبر ، وكان عنده سدرة فقطعها. وقال السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الحائري فيما حكى عن كتاب « تسلية الخواطر وزينة المجالس » : وكان قد بني عليه مسجد ، ولم يزل كذلك بعد بني أمية وفي زمن العباسيين إلا على زمن هارون الرشيد ، فإنه خربه ، وقطع السدرة التي كانت نابتة عنده ، وكرب موضع القبر ... ». ويوجد الى الآن باب من أبواب الصحن الشريف يسمى باب السدرة ولعل السدرة كانت عنده أو بجنبه (1).

ص: 9


1- أقول : ان الحي المجانب لباب السدرة في كربلاء هو الحي الذي تقع فيه بيوتنا « أسرة الشهرستاني » منذ أكثر من «240» سنة لأن جدنا الأعلى السيد الميرزا محمد المهدي الموسوي الشهرستاني المتوفى في 12 صفر 1216 ه- ، بعد هجرته في طفولته من إصفهان الى كربلاء حوالي سنة 1150 ه- ، استوطن هذه المدينة وسكن هذا الحي الذي كان يعرف بحي آل عيسى ، وابتاع فيها بستان السيد بهاء الدين بموجب وثيقة البيع الرسمية ، المؤرخة سنة 1188 ه- ، وقسمها الى بيوت سكنها هو وأولاده وأحفاده. وهي لا زالت في تصرفنا. وأهمها الدار الكبيرة التي == أوقفتها والمرحوم والدي الحاج السيد إبراهيم الشهرستاني في حياته وجعلناها « حسينية الشهرستاني ». وتقع في إحدى هذه الدور بئر عميقة جداً يقال انها كانت قد حفرت منذ السنوات الأولى التي أخذت وفود الزوار والبكائين تفد على قبر الامام للاستفادة منها. كما أن بجنبها سدرة قد يتجاوز عمرها ال- «500» سنة. وتبعد هذه الدور بضع عشرات من الأمتار فقط عن القبر الشريف. ويفصلها في الوقت الحاضر عن المشهد المطهر شارع فقط. وهذه الحسينية يقام فيها مأتم الامام الشهيد على طول السنة ، وخاصة في محرم وصفر وشهر رمضان من كل سنة.

2 - في الصفحة «27» من رسالة « نزهة الحرمين في عمارة المشهدين » لمؤلفها السيد حسن الصدر الكاظمي ، ما نصه :

« ولم يزل مشهد الحسين علیه السلام معموراً الى أيام الرشيد ، أخرج الشيخ محمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة في أماليه (1) حديث كرب الرشيد قبر الحسين علیه السلام رواه باسناده الى المصفن عن يحيى بن مغيرة الرازي ، قال : كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاء رجل من أهل العراق ، فسأله جرير عن خبر الناس. فقال : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين علیه السلام وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت ، فرفع جرير يده الى السماء وقال : اللّه أكبر ، جاءنا فيه حديث عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنه قال : لعن اللّه قاطع السدرة ثلاثاً ، فلم نقف على معناه حتى الآن : لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين حتى لا يقف الناس على قبره ... ».

3 - جاء في الصفحة «543» من كتاب « مقاتل الطالبيين » عن معاملة من خلف هارون الرشيد الى عهد المعتصم والواثق للعلويين ، ما نصه :

« وكان آل أبي طالب مجتمعين بسر من رأى في أيامه تدور الأرزاق عليهم حتى تفرقوا في أيام المتوكل ... ».

وفي هامش هذه الصفحة نقلاً عن أبي الفداء 2 / 39 وابن الأثير 7 / 11 ،

ص: 10


1- امالي الطوسي : 333.

ما يلي :

« ولما توفي المعتصم وجلس الواثق في الخلافة أحسن الى الناس ، واشتمل على العلويين ، وبالغ في إكرامهم والإحسان اليهم ، والتعهد لهم بالأموال ... ».

أقول : لقد بويع الواثق سنة «227 ه» ، ومات سنة «232 ه» ، وكما مر في صدر هذا الفصل : إن هذين الخليفتين قد مهدا السبيل لزوار قبر الحسين في كربلاء ، وازالا عن طريقهم العقبات في إقامة المناحات والمآتم على الامام الشهيد.

4 - جاء في الصفحتين «36 و 37» من المجلد «7» من الكامل لابن الأثير عند ذكر حوادث سنة «236 ه» ما نصه :

« في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي علیهماالسلام وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يبذر ويسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فنادى بالناس في تلك الناحية : من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق ، فهرب الناس وتركوا زيارته وخرب وزرع. وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب علیه السلام ولأهل بيته. وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم.

وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث ، وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ، ويكشف رأسه وهو أصلع ، ويرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون :

قد أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين.

يحكي بذلك علياً علیه السلام والمتوكل يشرب ويضحك ، ففعل ذلك يوماً والمنتصر - ابنه - حاضر ، فأومأ الى عبادة يتهدده ، فسكت خوفاً منه. فقال المتوكل : ما حالك؟ فقام وأخبره. فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين : إن الذي يحكيه هذا الكاذب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك ، فكل أنت لحمه إذا شئت ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله فيه. فقال المتوكل للمغنين : غنوا جميعاً :

غار الفتى لابن عمه - رأس الفتى في حر أمه.

ص: 11

فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل أبيه المتوكل.

وقيل : إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء المأمون والمعتصم ، والواثق في محبة علي وأهل بيته ، وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامه بن لؤي ، وعمرو بن فرخ الرخجي ، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية ، وعبد اللّه بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجه. وكانوا يخوفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة اليهم ، ثم حسّنوا اليه الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس بعلو منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان فغطت هذه السيئة جميع حسناته ... ».

5 - قال ابن خلكان ما يلي :

لما هدم المتوكل قبر الحسين في سنة «246 ه» قال البسامي علي بن محمد الشاعر البغدادي المشهور :

تاللّه إن كانت أمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيها مظلوماً

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله *** هذا لعمرك قبره مهدوماً

اسفوا على أن لا يكونوا شايعوا *** في قتله فتتبعوه رميماً (1)

6 - جاء في الصفحة «30» من رسالة « نزهة أهل الحرمين » المار ذكرها ما نصه :

وكذلك ما ذكره الملك المؤيد اسماعيل أبو الفداء في تاريخه « مختصر أخبار البشر » قال ما لفظه : ثم دخلت سنة «236 ه» في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب علیهماالسلام وهدم ما حوله من المنازل ، ومنع الناس من إتيانه. انتهى موضع الحاجة من كلامه. وكذلك محمد بن شاكر بن أحمد الكتبي في

ص: 12


1- وفيات الاعيان لابن خلكان 3 : 365.

« فوات الوفيات » قال ما لفظه :

« وكان المتوكل قد أمر سنة «236 ه» بهدم قبر الحسين علیه السلام وهدم ما حوله من الدور ، وأن يعمل مزارع ويحرث ، ومنع الناس عن زيارته ويبقى صحراء ، وكان المتوكل معروفاً بالنصب فتألم المسلمون لذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان ، وهجاء الشعراء ».

7 - وجاء في الصفحة نفسها من تلك الرسالة : « وفي أمالي شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي : أسند مصنفناً عن القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي ، وكان له علم بالسير وأيام الناس. قال : بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون ينينوى لزيارة قبر الحسين فيصير الى قبره منهم خلق كثير ، فأنفذ قائداً من قواده وضم اليه كثيفاً من الجند كثيراً ليكرب قبر الحسين علیه السلام ويمنع الناس عن زيارته والاجتماع الى قبره ، فخرج القائد الى الطف ، وعمل ما أمره ، وذلك سنة «237 ه» فنادى أهل السواد له واجتمعوا عليه ، وقالوا : لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر الى الحضرة ، فورد كتاب المتوكل الى القاعد بالكف عنه والمسير الى الكوفة ، مظهراً أن مسيرته اليها في مصالح أهلها ، والانكفاء الى المصر فمضى الامر على ذلك ، حتى إذا كانت سنة «247 ه» ، فبلغ المتوكل أيضاً مسير الناس من أهل السواد والكوفة الى كربلاء لزيارة قبر الحسين ، وأنه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائداً في جمع كبير من جنده ، وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبره ، وهدم القبر وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة ، وعمد على التتبع لآل أبي طالب والشيعة ، ففعل ولم يتم له ما قدره ... » (1).

8 - وجاء في الصفحة «31» من الرسالة نفسها ما عبارته :

ص: 13


1- امالي الطوسي 1 : 337.

« أما المنتصر ابن المتوكل فأمر بعمارة الحائر ، وبنى ميلا على المرقد الشريف أيام تملكه ، كما نص المجلسي وغيره ، وكان تملكه ستة أشهر ... ».

9 - وأورد الطوسي في الأمالي 1 : 337 عن عبيد اللّه بن دانية الطوري ما نصه :

« قال : حججت سنة «247 ه» فلما صدرت من الحج وصرت الى العراق زرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام على حال خيفة من السلطان ، ثم توجهت الى زيارة قبر الحسين علیه السلام ، فإذا هو قد حرث أرضه ، وفجر فيها الماء وأرسلت الثيران والعوامل في الأرض ، فبعيني وبصري كنت أرى الثيران تساق في الأرض فتنساق لهم حتى إذا حاذت القبر حادث عنه يميناً وشمالاً ، فتضرب بالعصى الضرب الشديد فلا ينفع ذلك ، ولا تطأ القبر بوجه ، فما امكننى الزيارة ، فتوجهت الى بغداد وأنا أقول : تاللّه إن كانت أمية ... » الخ.

أقول : إن هذا الأمر كان للمرة الثانية ، وكانت المرة الأولى سنة «237 ه» ، كما مر.

10 - وف الجزء 1 : 158 من كتاب المجالس السنية عند ذكر إقدام المتوكل على حرث قبر الحسين سنة «237 ه» ، وسنة «247 ه» ، وامتناعه في الأولى عن الحرث خشية ثورة الشعب ، وإقدامه عليه سنة «247 ه» ، ما نصه :

« حتى كانت سنة «247 ه» فبلغ المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة الى كربلاء لزيارة قبر الحسين ، أنه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم عون كثير. فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند ، وأمر منادياً ينادي : أن برئت الذمة ممن زار قبر الحسين ، وأمر بنبش القبر ، وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة ».

الى أن يقول الأمين في المجالس السنية :

« ولما كان بعض المحبين قد حضر لزيارة الحسين حين أمر المتوكل بحرث

ص: 14

القبر الشريف فلم تمكنه الزيارة فتوجه نحو بغداد وهو يقول :

تتبعوكم وراموا محو فضلكم *** وخيّب اللّه من في ذلكم طمعا

أني وفي الصلوات الخمس ذكركم *** لدى التشهد للتوحيد قد شفعا

11 - في الصفحة «636» من كتاب « مقاتل الطالبيين » السالف الذكر ما نصه :

« أيام المنتصر كان المنتصر يظهر الميل الى أهل هذا البيت ويخالف أباه في أفعاله ، فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس ولا مكروه ، فيما بلغنا ، واللّه أعلم ».

12 - وفي الصفحة «75» المجلد السابع من الكامل لابن الأثير ، طبع لندن ، سنة «1865 م» في تاريخ حياة المنتصر ، المتوفى سنة «248 ه» ، ومعاملته للعلويين ما لفظه :

« كان المنتصر عظيم الحلم ، راجح العقل ، غزير المعروف ، راغباً في الخير ، جواداً ، كثير الانصاف ، حسن العشرة ، وأمر الناس بزيارة قبر الحسين علیه السلام فأمّن العلويين وكانوا خائفين أيام أبيه المتوكل وأطلق وقوفهم ، وأمر برد فدك الى ولد الحسن والحسين ابني علي بن ابي طالب علیهم السلام ».

13 - جاء في الصفحة «186» من كتاب « أعيان الشيعة » المجلد الرابع ، القسم الأول ما عبارته :

« وقام بالأمر بعد المتوكل ابنه المنتصر ، فعطف على آل أبي طالب وأحسن اليهم ، وصرف فيهم الأموال وأعاد القبور في أيامه. وذكر غير واحد من المؤرخين بأنه أمر الناس بزيارة قبر الحسين ؛ وإقامة العزاء على الحسين علیه السلام ».

14 - جاء في كتاب « بغية النبلاء » المار ذكره ما نصه :

كانت ببغداد نائحة مجيدة حاذقة تعرف بخلب تنوح بقصيدة الناشئ ، فسمعناها في دور بعض الرؤساء لأن الناس إذ ذاك كانوا لا يتمكنون من النياحة

ص: 15

إلا بعزّ سلطان أو سراً لأجل الحنابلة ، ولم يكن النوح إلا مراثي الحسين وأهل البيت علیهم السلام فقط ، من غير تعريض بالسلف.

قال : فبلغنا أن البريهاري قال : « بلغني أن نائحة يقال لها خلب تنوح ، اطلبوها فاقتلوها ».

أقول : إن البربهاري توفي سنة «329 ه» وكان الحادث أعلاه سنة 323 ه-

15 - وفي « بغية النبلاء » ايضاً صفحة «161» ما نصه :

« قال : الخالع ... قال : كنت مع والدي سنة «346 ه» وأنا صبي في مجلس الكبوذي ، في المسجد الذي بين الوارقين والصاغة ببغداد ، وهو غاص بالناس ، وإذا رجل قد وافى وعليه مرقعة ، وبين يديه سطيحة وركوة ، ومعه عكاز ، وهو شعت ، فسلم على الجماعة بصوت رفيع ، ثم قال : أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليها. فقالوا : مرحباً بك وأهلاً ورفعوه. فقال : أتعرفون لي أحمد المزوق النائح؟ فقالوا : ها هو جالس. فقال : رأيت مولاتنا علیهاالسلام في النوم فقالت لي : امض الى بغداد وأطلبه وقل له : نح علي ابني بشعر الناشئ الذي يقول :

بني أحمد قلبي لكم يتقطع *** بمثل مصابي فيكم ليس يسمع

وكان الناشئ حاضراً فلطم لطماً عظيماً على وجهه ، وتبعه المزوق والناس كلهم ، وكان أشد الناس في ذلك الناشئ ثم المزوق ، ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم الى أن صلى الناس الظهر وتقوض المجلس وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئاً منهم فقال : واللّه لو أعطيت الدنيا ما أخذتها ، فإنني لا أرى أن أكون رسول مولاتي علیهاالسلام ثم آخذ عن ذلك عوضاً ، وانصرف ولم يقبل شيئاً قال : ومن هذه القصيدة ، وهي بضعة عشر بيتاً :

عجبت لكم تفنون قتلاً بسيفكم *** ويسطو عليكم من لكم كان يخضع

كأن رسول اللّه أوصى بقتلكم *** وأجسامكم في كل أرض توزّع

أقول : أما الناشئ فهو علي بن عبد اللّه بن وصيف ، أبو الحسن ، المولود سنة

ص: 16

« 271 ه- » ، والمتوفى سنة «365 ه» والمدفون في مقابر قريش - الكاظميين - وكان يعمل الصفر ويخرمه ، وله فيه صنعة بديعة ، وكان شاعراً يمدح أهل البيت فسمي شاعرا أهل البيت.

16 - جاء في « إرشاد الأريب » لمؤلفه ياقوت الحمومي ، صفحة «335» المجلد «5» ما نصه :

« وحدثنا الخالع قال : اجتزت بالناشئ يوماً وهو جالس في السرّاجين. فقال لي : قد عملت قصيدة وقد طلبت ، وأريد أن تكتبها بخطك حتى أخرجها. فقلت : أمضي في حاجة وأعود ، وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه ، فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح ، فقال لي : أحب أن تقوم فتكتب قصيدة الناشئ البائية ، فإنا قد نحتاجها بالمشهد ، وكان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة ، فقمت ورجعت اليه وقلت : هات البائية حتى أكتبها فقال : من أين علمت أنه بائية وما ذكرت بها أحداً؟ فحدثته بالمنام ، فبكى ، وقال : لا شك أن الوقت قد دنا فكتبتها ، وكان أولها :

رجائي بعيد والممات قريب *** ويخطئ ظني والمنون تعيب

وهي في رثاء الامام الشهيد علیه السلام ».

17 - جاء في كتاب « الأنوار الحسينية » لمؤلفه الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء قال :

« زار كربلاء الشريف الرضي سنة «386 ه» وشاهد قوماً يبكون ويتضرعون عند قبر الحسين علیه السلام فهرول اليهم وأخذ يرثي الحسين بقصيدته المشهورة ».

18 - روى صاحب كتاب « القمقام » فرهاد ميرزا بسنده عن الشيخ ابن حكيم عبد اللّه بن إبراهيم ، جامع ديوان الرضي قال : زار الشريف الرضي كربلاء لآخر مرة ، ورثى الحسين عند قبره بقصيدة مشهورة ، وهي آخر ما انشده من

ص: 17

الشعر ، فلذا لم تثبت في ديوانه فنثبت مطلعها :

كربلا لازلت كرباً وبلا *** ما لقى عندك آل المصطفى

كم على تربك لما صرعوا *** من دم سال ومن دمع جرى

أقول : وللسيد الرضي هذه الأبيات في بكاء الحسين :

لو رسول اللّه يحيى بعده *** قعد اليوم عليه للعزا

يا رسول اللّه لو عاينتهم *** وهم ما بين قتل وسبا

لرأت عيناك منهم منظراً *** للحشى شجواً وللعين قذا

19 - نقل كتاب « المواكب الحسينية » لمؤلفه عبد الرزاق الحائري الاصفاني ، عن كتاب « عمدة الأخبار » صفحة «43» ما نصه :

« إن السيد المرتضى رحمه اللّه زار الحسين بكربلاء في يوم عاشوراء سنة «396 ه» مع جمع من أصحابه وتلامذته ، فوجد هناك جمعاً من الأعراب يضربون على الخدود ، ويلطمون على الصدور ، وينوحون ويبكون ، فدخل معهم السيد مع تلامذته وهو يلطم على صدره ورأوه ينشد :

« كربلاء لا زلت كرباً وبلا ... » الى آخر القصيدة المنظومة من قبل أخيه الشريف الرضي ».

20 - جاء في حوادث سنة «401 ه» من كتاب « مرآة الجنان وعبرة اليقظان » لمؤلفه اليافعي ، في أول الجزء الثاني منه ، ما نصه :

« إن القادر باللّه العباسي أبطل عاشوراء الرافضة ، وأباد الحرامية والشطار ».

21 - جاء في « تاريخ المشهد الكاظمي » لمؤلفه الشيخ محمد حسن آل ياسين ما نصه :

« وفي سنة (441 ه) منع الشيعة من إقامة ما جرت العاعدة بفعله يوم عاشوراء في المشهد الكاظمي وغيره ، وحدثت على أثر ذلك فتنة كبرى ، لعلها

ص: 18

كانت مفتاح القتن التي ستأتي الاشارة اليها ... ».

وقد أيد هذا الحادث كتاب « تاريخ الامامين الكاظميين » لجعفر نقدي.

22 - جاء في الصفحة «70» من كتاب « عمران بغداد » لمؤلفه السيد محمد صادق الحسيني ( نشأة ) ما يلي :

« منع النوح على آل البيت ونتائجه. وفي سنة «422 ه» منع أهل الكرخ عن إتيان ما جرت عادتهم بفعله يوم عاشوراء ، من النوح على الامام الحسين علیه السلام فلم يقبلوا ، فجرت بينهم وبين السنة فتنة عظيمة ، قتل فيها كثير من الناس ، ولم ينفصل الشر بينهم حتى عبر الأتراك الكرخ وخربوا خيامهم هناك ».

23 - يروي ابن الجوزي في « المنتظم » المجلد التاسع ، صفحة «207» ما عبارته :

« إن دبيس بن صدقة بن منصور الأسدي زار قبر الحسين في كربلاء سنة «513 ه». وكان شجاعاً ، أديباً ، شاعراً ، ملك الحلة بعد والده وحكمها زهاء «17» عاماً ، قتل سنة «529 ه» بتحريض السلطان مسعود السلجوقي. ولما ورد كربلاء دخل الى الحائر الحسيني باكياً حافياً ، متضرعاً الى اللّه أن يمن عليه بالتوفيق وينصره على أعدائه ، ولما فرغ من مراسم الزيارة أمر بكسر المنبر الذي كان يخطب عليه باسم الخليفة العباسي عند صلاة الجمعة ، قائلاً : لا تقام في الحائر الحسيني صلاة الجمعة ، ولا يخطب هنا لأحد ».

24 - جاء في الصفحة «96» من كتاب « تاريخ كاظمين » المار ذكره بعد ذكر حادث عودة الخليفة المسترشد باللّه من التنكيل بدبيس بن صدقة الى بغداد ، ما تعريبه عن اللغة الفارسية :

« وعند وصول الخليفة الى بغداد أقام سلطانها المهرجانات والأفراح لذلك ، وقد صادف يوم دخوله بغداد يوم العاشر من محرم سنة «517 ه» - «1123 م» وإقامة مراسم العاشوراء والعزاء الحسيني من قبل الشيعة على فاجعة كربلاء. وقد

ص: 19

استغل الرعاع من أهالي بغداد هذه المناسبة وقيام الشيعة بأداء شعارات احزانهم وما اعتادوا عليه من إقامة المأتم الحزين ، فتوجهوا نحو المشهد الكاظمي ودخلوه عنوة وشرعوا في نهب محتوياته الثمينة ... ».

25 - في الصفحة «86» من كتاب « عمران بغداد » السالف الذكر ما نصه :

« أما الحوادث الداخلية المهمة التي حدثت في عهد الناصر ببغداد فهي : أن الشيعة أخذت بالظهور شيئاً فشيئاً ، حتى عادوا بإقامة المأتم بأمر الوزير هبة اللّه بن علي ».

أقول : إن الخليفة الناصر لدين اللّه حكم من سنة «575 ه» الى سنة «622 ه».

26 - وفي كتاب « الحوادث الجامعة » لابن الفوطي ، صفحة «152» و «155» قال :

« وفي سنة «640 ه» حدث حريق في مشهد سامراء فأتى على ضريحي الهادي والحسن العسكري علیهماالسلام فتقدم الخليفة المستنصر باللّه بعمارة المشهد المقدس والضريحين الشريفين وإعادتهما الى اجمل حالاتهما ... » الخ.

أقول : توفي المستنصر في «10» جمادي الثانية سنة «640 ه».

27 - وفي الصفحة «185» من الكتاب نفسه يقول : « وفي 17 رجب سنة 641 قصد المستعصم مشهد موسى بن جعفر علیهماالسلام وكان يوماً مطيراً ، ونزل عن مركوبه من باب سور المشهد ، وانحدر في 4 شعبان الى زيارة سلمان رحمه اللّه ».

وفي الصفحة «244» منه : « إن المستعصم أمر سنة «647 ه» بعمارة سور مشهد موسى بن جعفر علیهماالسلام ».

وفي الصفحة «257» منه : « إن المستعصم زار النجف بعد أن لبس سراويل الفتوة من أمير المؤمنين علیه السلام فلبس الخليفة السراويل عند الضريح الشريف ، وذلك سنة 649 ه- ».

ص: 20

28 - جاء في « الحوادث الجامعة » ايضاً ، صفحة «183» ما نصه :

« وفي سنة 641 تقدم المستعصم ، الى جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي المحتسب ، بمنع الناس من قراءة المقتل في يوم عاشوراء ، والإنشاد به في سائر المحال بجانبي بغداد ، سوى مشهد موسى بن جعفر علیهماالسلام ».

وفي الصفحة «248» منه أيضاً يقول : « وفي محرم سنة «648 ه» تقدم المستعصم بمنع أهل الكرخ والمختارة من النياحة والانشاد ، وقراءة مقتل الحسين ، خوفاً من تجاوز ذلك الى ما يؤدي الى وقوع الفتنة ... ».

29 - جاء في الصفحتين «115 و 116» من كتاب « تاريخ كاظمين » باللغة الفارسية ، لميرزا عباس فيض ما ترجمته :

« والذي ساعد على انتشار العمران في المشهد الكاظمي هو إقبال البغداديين على السكنى هناك ، على عهد الخليفة المستعصم باللّه ؛ لأن هذا الخليفة كان قد أوعز الى جمال الدين عبد الرحمن بن يوسف الجوزي بأن يمنع إقامة العزاء الحسيني والمأتم على الامام الشهيد علیه السلام في جميع أنحاء البلاد عدا المشهد الكاظمي ، حيث أطلق الحرية لسكانه بإقامة الحداد الذي اعتادوا عليه ، والنياحة على الحسين علیه السلام . وهكذا منع الشيعة في بغداد حتى عن قراءة المقتل وإنشاد قصائد الرثاء وإقامة النياحات والعزاء بصورة علنية ؛ لذلك انتقل كثير من هؤلاء الشيعة الى المشهد الكاظمي واستوطنوه ، حيث كانت الحرية قد أطلقت فيه لإقامة هذا المأتم ، وحتى أن كثيراً من سكان سائر مدن العراق كانوا يفدون على هذا المشهد في شهري محرم وصفر من كل سنة للاشتراك في الأحزان الحسينية ، ويمكثون فيه طيلة هذين الشهرين ».

30 - جاء في كتاب « التشيع والشيعة » المار ذكره ، ما نصه :

« وكان الكرخ في بغداد على عهد العباسيين وبعدهم محلة الروافض ، وكانوا قد كثروا فيها ، فأخذوا يبارون العامة في الاحتفال بالمراسم والاعياد ، وبنوا على

ص: 21

قبور أئمتهم في النجف وكربلاء والكرخ وسامراء ، وجعلوها مشاهد ومزارات ، واتخذوا إقامة النياحات على الحسين أيام عاشوراء سنة لهم ».

31 - جاء في الصفحة «176» من مجلة « تاريخ إسلام » باللغة الفارسية العدد المؤرخ محرم «1388 ه» عند ذكر المدعو أبو العباس أحمد ، الابن الأكبر للخليفة المستعصم ، آخر الخلفاء العباسيين وولي عهده وحقد هذا على الشيعة ما ترجمته :

« وكان الكثير من ملازمي أبي العباس بن المستعصم يلقنونه باستمرار بلزوم إيذاء الشيعة في بغداد والإضرار بهم ، حتى أدى الأمر الى أن يخرج من حالته الطبيعية وأصبح كشعلة نار ضد الشيعة ، وأوعز خلافاً لمشيئة أبيه الى فرقة من الجيش المدجج بالسلاح بالإغارة على محلة الشيعة في الكرخ ، حيث أوغلوا في قتل الرجال والنساء والشيوخ والاطفال وسلب أموالهم ونهبها ، وحتى أن الجنود أسروا كثيراً من الهاشميات في هذه المحلة وسبوهن الى أماكن لم يعلم بها أحد ».

* * *

ص: 22

الفصل الثاني والعشرون: النياحة على الامام الحسين علیه السلام بعد العباسيين

أما النياحة وإقامة شعائر العزاء على الامام الحسين علیه السلام بعد انقراض الدولة العباسية وزوال ملكها ، فكانت تقع أيضاً تحت عوامل سياسة الحكومات المختلفة التي تتولى السلطة على مقدارات العراق ، من حكام عرب ، أو فرس ، أو أتراك ، أو غيرهم. فمنهم من كان شيعياً ، ومنهم من كان سنياً ، ومنهم من كان علمانياً لا دين ولا مذهب له. وقد استطاع الشيعة في كثير من الأزمان على هذا العهد أن يتنفسوا الصعداء وأن ينالوا قسطاً وفيراً من حريتهم في إقامة شعائرهم ، من النوح وإقامة المأتم على الحسين علیه السلام ، اما لكون السلطة القائمة شيعية الحكام ، أو لكونها مؤلفة من حكام ضعفاء من غير الشيعة لا تستطيع الضغط على هذه الفرقة المسلمة. فمثلاً عندما تولى السلطة على العراق الملوك الصفويون أو غيرهم من الحكام الايرانيين كان الإقبال على إقامة هذه المآتم والنياحات عظيماً ، وكانت حرية الشيعة في إحياء هذه الذكرى الأليمة مضمونة ، وقد غالى الشيعة في إقامتها ، والعكس بالعكس ، كلما قويت السلطة السنية في العراق كالحكومة العثمانية وقع الضغط على الشيعة ، ومنعوا عن إقامة المناحات ومزاولة شعائرهم التقليدية فيها ؛ الأمر الذي كان يضطرهم الى إقامتها وإحياء ذكرياتها سراً وداخل البيوت ، وفي سراديب الدور ، وتحت طائلة الخوف والجزع والتقية.

وعلى سبيل المثال أقول : إن الشيعة كانوا على زمن الأسرة الايلخانية ،

ص: 23

وخاصة على عهد ملكها محمد خدا بنده ، المتوفى سنة «715 ه» ، الذي كان أول من جاهر من ملوك هذه الاسرة بالتشيع لآل البيت ، وأول من أمر بتخليد اسماء الائمة الاثني عشر ، فنقشت اسماؤهم على مسكوكاته.

وكذا على عهد ابنه أبي سعيد. وأيضاً على عهد الأسرة الجلائرية ، ثم عهد الملوك الصفويين ، ومنهم الشاه إسماعيل الذي ناصر الشيعة وأعلن المذهب الشيعي في إيران والعراق رسمياً. وكذا على عهد بعض السلاطين العثمانيين كالسلطان سليمان القانوني المتوفى سنة «941 ه» ، الذي زار كربلاء والنجف. وكذا على عهد عدد من الأمراء الشيعة الآخرين ، الذين حكموا بعض أنحاء العراق ، على عهد عدد من الأمراء الشيعة الآخرين ، الذين حكموا بعض أنحاء العراق ، كدولة بني مزيد في الحلة وبني شاهين في البطيحة ، وبني حمدان وآل المسيب في الموصل ونصيبين.

أجل على عهد هؤلاء الملوك والأمراء صار الشيعة يتمتعون بحريتهم في إقامة المأتم الحسيني ، غير أنه على زمن سائر الخلفاء العثمانيين بعد استعادة العراق من الصفويين ، وخاصة السلطان مراد الرابع العثماني ، الذي أسرف في قتل الشيعة وسفك دمائهم ، وإحراق كتبهم وتعذيبهم ، فقد منعت إقامة هذه المآتم ، وطورد القائمون بها ، بيد أن من خلفه من السلاطين أطلقوا بعض الحرية للشيعة في إحياء ذكريات الحزن على الحسين ، وإقامة شعائره ، بمختلف المظاهر ومتنوع التقاليد التي درجوا عليها وتعودوا على إقامتها سراً ثم علناً منذ العهدين الأموي والعباسي. وإنما كانوا يقيمونها على ذينك العهدين تحت الستار والتقية ، عدا على زمن بعض الخلفاء العباسيين الذين سمحوا لهم بإقامتها علناً كما مر في الفصل السابق. وفي هذه العهود صار الشيعة يقيمونها بصورة علنية وفي الأماكن العامة وغيرها ، فيبكي المجتمعون فيها على مصاب الامام الحسين واستشهاده بتلك الحالة المفجعة وينوحون عليه بقريض من الشعر ، ينشأه وينشئه الناشد منهم ، الذي كان يطلق عليه اسم « النائح » أو « خطيب المنبر الحسيني ».

ص: 24

وفيما يلي فقرات مما ذكره المؤرخون عن إقامة شعائر العزاء على الحسين بعد العباسيين الى أوائل الحرب العالمية الأولى :

1 - ذكر كتاب « الحوادث الجامعة » لمؤلفه ابن الفوطي ضمن حوادث سنة «698 ه» ، عن إطلاق الحرية للشيعة في إحياء ذكرى استشهاد الحسين علیه السلام وإقامة المناحات عليه على عهد السلطان غازان ، قوله :

« ثم توجه - أي السلطان غازان - الى الحلة ، وقصد زيارة المشاهد الشريفة في النجف وكربلاء ، وأمر للعلويين والمقيمين بها بمال كثير. ثم أمر بحفر نهر بأعلى الحلة فحفر وسمي بالنهر الغازاني ... » الخ.

ويستطرد الكتاب فيقول :

« ثم توجه غازان للحلة ، وقصد مشهد علي في النجف فزار ضريحه الشريف ، وأمر للعلويين بشيء كثير. ثم مضى الى مشهد الحسين بكربلا وفعل مثل ذلك ، وعاد الى أعمال الحلة وقوسان متصدياً وزار قبر سلمان الفارسي ، وأمر للفقراء المقيمين هناك بمال ».

2 - وجاء في الكتاب « ومضات من تاريخ كربلاء » للسيد سلمان هادي آل طعمة صفحة «32» عند ذكر هجوم جيش تيمور لنك على بغداد ، ومناجزة سلطانها أحمد الجلايري ودخولهم سنة «795 ه» الجانب الشرقي من بغداد « الرصافة » قوله :

« أما أمراء تيمور بعد استيلائهم على خزائن السلطان توجهوا قاصدين زيارة مرقد أبي عبد اللّه الحسين بكربلاء ، يتبركون به ، ويستجمعون قواهم. وبعد فراغهم من مراسم الزيارة أجزلوا بالنعم والهدايا على السادة العلويين الملازمين لقبر أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام ثم رحلوا بعد أن مكثوا فيها بعض اليوم ، واشتركوا في بعض المناحات المقامة على الامام الغريب ... » الخ.

3 - جاء في الصفحة «39» من كتاب « ثورة الحسين » لمؤلفه الشيخ محمد

ص: 25

مهدي شمس الدين عن موقف العثمانيين من مجزرة كربلاء واستشهاد الحسين ، قوله :

« وفي العصور التالية لاحق العثمانيون هذه المآتم ومنعوا من إقامتها في أحيان كثيرة فكانت تقام سراً. وفيما بعد العثمانيين لوحقت هذه المآتم ثم منعتها السلطة في بعض الأحيان ، وقيدتها بقيود كثيرة ثقيلة في أحيان أخرى لأجل إفراغها من محتواها النقدي للسلطة القائمة ... » الخ.

4 - جاء في الصفحة «60» من كتاب « تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني » تأليف عبد الرزاق الهلالي ، ما نصه :

« ولا بد من الاشارة في هذا الباب الى أن كتاتيب البنات كانت تكثر في العتبات المقدسة ، والمدن التي أكثريتها من الشيعة ، بسبب ما تحتمه الضرورة من وجود ملايات يقرأن مقتل الحسين في شهر محرم أو في الأشهر الأخرى ، أو قراءة المواليد في المناسبات النسوية المختلفة ... » الخ.

5 - وجاء في الصفحة «126» من الكتاب نفسه ، المطبوع في بغداد ، سنة 1959 م ، قوله :

« أما الشعر في المناطق الشيعية فقد تأثر نتيجة للتعصب الذي كانت تبديه السلطة الحاكمة ضدهم ، واتجه وجهة لم يتجه لها الشعراء من أبناء السنة. لذا كان الشعر في مدح الامام الحسين يمثل التيارات الصاخبة ، التي كانت تعتلج في نفوس الناس ويحاولون أن يأتوا بالجيد من النظم ، الرصين من العبارة ... » الخ.

* * *

ص: 26

الفصل الثالث والعشرون: تأثير النياحة على الحسين علیه السلام في الاقطار العالمية

الآن وقد انتهيت من سرد حوادث تاريخ العزاء الحسيني والنياحة عليه ، وإحياء ذكرى مجزرته في كربلاء منذ بدئها حتى العصور الأخيرة ، وكذا الأدوار التي مرت عليها في مختلف القرون والعصور والمراحل التي اجتازتها من مد وجزر على أيدي الحكام وأصحاب السلطة ، وتمسك الموالين لآل بيت النبوة بهذا التقليد ، الذي أصبح لديهم من مستحبات شؤونهم التي يتقيدون بها في شهري محرم وصفر من كل سنة ، وفي العشرة الأولى من محرم بالأخص ، وكذا في بعض أيام الاسبوع على طول السنة ، مما عودوا أنفسهم عليها ، وتوارثها الخلف عن السلف.

وحيث إن إحياء هذه الذكرى الحزينة وإقامة شعائرها التقليدية ، قد تعدت المركز الرئيسي للحادث المحزن - أي العراق - الى سائر البلدان الاسلامية ، وحتى كثير من الأصقاع غير الاسلامية ، فإني أفضل أن أختم رسالتي هذه بسرد بعض ما يجري في هذه الأقطار خلال شهري محرم وصفر من كل سنة ، أو العشرة الأولى من محرم ، أو يوم عاشوراء فقط ، من إحياء ذكرى هذا الحادث المحزن.

إن كل من جاب عواصم وحواضر ومدن الأقطار الاسلامية في أرجاء المعمورة ، سيما المجتمعات الشيعية في هذه الأقطار وبالأخص منها العراق ، والبلاد العربية الأخرى ، والهند ، وإيران ، وأفغانستان ، وغيرها من الأقاليم الآسيوية ، وبعض بلدان افريقية وجد المباني ، الفخمة ، والعمارات الكبيرة مقامة ، وتدعى عند

ص: 27

العرب « الحسينية » وعند الهنود « إمام بهره » وعند الفرس « مأتم سراً أو حسينية أو تكية » وسائر الأقطار تسميها باسمها العربي « الحسينية » وفي هذه المباني التي يوقفها أصحابها على إقامة النياحات فيها على الإمام الحسين علیه السلام ويوقفون عليها أوقافاً كثيرة وصدقات جارية ، تنفق إراداتها وأرباحها على إدارة هذه الحسينية. وفي هذه المباني تقام مجالس العزاء والنياحة لذكرى الامام الشهيد علیه السلام . وفي هذه المجالس التي تغص بالمجتمعين والمستمعين من شتات المسلمين يرقى الخطيب المنبر ، فيفتتح كلامه بسرد آي من الذكر الحكيم ، وتفسير علومها من أحاديث الرسول الكريم صلی اللّه علیه و آله والأئمة الطاهرين علیهم السلام ثم يتلو تاريخ مجزرة كربلاء ، منذ البداية حتى النهاية ، موجزاً أو تفصيلاً ، حسب مقتضيات المجلس وظروفه.

وهذا الخطيب الذي يطلق عليه في أكثر البلدان العربية والاسلامية اسم « خطيب المنبر الحسيني » أو « روضة خوان » هو خطيب جرد نفسه لخدمة النياحة على الحسين علیه السلام وآله ، وأحياناً النوح على مصائب سائر الأئمة علیهم السلام أيضاً وقد جعل مهنته في الحياة هذه الخدمة الشريفة.

أما كلمة « رضوان خوان » فمشتقة من لفظتين عربية وفارسية ، فالروضة مأخوذة من اسم كتاب « روضة الشهداء » تأليف المولى الحسين بن علي الكاشفي ، المعروف بالواعظ البيهقي ، المتوفى سنة «910 ه» و « خوان » فارسية بمعنى « القراءة » وتأتي جملة « روضة خوان » بمعنى « قارئ الروضة ».

وقد جرت العادة أن توزع في هذه المجالس النياحية في أولها أو في آخرها المبردات ، أو الشاي أو القهوة ، أو بعض المأكولات التي تتناسب وتلك المشروبات حسب فصول السنة من برد أو حر ، ونفقات هذه المجالس تبذل من موقوفات الواقفين أو من خيرات أصحاب البر.

وقد ثبت مما أوردته في الفصول السابقة أن إقامة العزاءالحسيني والنياحة على الامام الحسين علیه السلام وآله وصحبه ترقى بتأريخها الى عهد قديم ، أي القرن الأول

ص: 28

الهجري ، والى زمن وقوع هذه الفجيعة العظمى ، أي منذ استشهاد الامام علیه السلام وما يقرب من عهد الصحابة والتابعين لهم. وكما قلت في تلك الفصول : إن هذا العزاء كان في أول أمره محدوداً جداً وصغير الحجم ، وكان يقام تحت التستر والخفاء والتقية ، كما أن إقامة هذه النياحة على الامام الشهيد لم تكن كما يتصوره البعض من مستحدثات القرون الوسطى والأخيرة ، مدعين أنها تولدت على عهد الملوك الصفويين ، وإنما هي قديمة ولكنها على زمن الصفويين اتسع نطاقها ، واشتد إقبال الناس عليها.

وكما مر في تلك الفصول أيضاً : انه كلما توسع المذهب الشيعي في العراق أو سائر البلدان العربية والاسلامية ، وخفت وطأة السلطات المعادية له ، كلّما اشتد الموالون لآل الرسول صلی اللّه علیه و آله بإقامة ذلك العزاء وتلك النياحة ، تحت اسم الرثاء أو النياحة خاصة في مشاهد الأئمة الاطهار علیهم السلام . وكما أثبت التاريخ أن جذور هذه النياحات والمآتم كانت في العراق ثم اتسع نطاقها وامتدت الى الشعوب والأمم الأخرى ، كمصر على عهد الفاطميين ، وإيران على عهد الصفويين ، وسوريا والموصل ولبنان على عهد الحمدانيين ، والمغرب الأفريقي على عهد العلويين والادريسيين ، والهند على عهد كثير من راجات الشيعة وملوكهم.

ولذلك أبدأ بوصف موجز جداً لما كان ولم يزل يجري في البلاد العربية ، ثم البلدان الاسلامية والاقطار العالمية ، من مراسم وشعارات مجالس الحزن ومجتمعات النياحة على الحسين علیه السلام وبعض ما تناقلته المؤلفات وأقلام الكتاب من مغزى هذه الفاجعة العظيمة :

1 - جاء في الصفحة «135» من كتاب « نهضة الحسين » لمؤلفه السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ، ما عبارته :

« وامتدت جاذبية الحسين علیه السلام وصحبه من حضرة الحائر الى تخوم الهند وأعماق العجم ، وما وراء الترك والديلم والى أقصى من مصر والجزيرة والمغرب

ص: 29

الأقصى يرددون ذكرى فاجعته بممر الساعات والايام ، ويقيمون مأتمه في رثائه ومواكب عزائه ، ويجدون في إحياء قضيته في عامة الانام ، ويمثلون واقعته في ممر الأعوام ... » الخ.

2 - قال جرجي زيدان في ختام روايته « غادة كربلاء » ما نصه :

« لا شك أن ابن زياد ارتكب بقتل الحسين جريمة كبرى لم يحدث أفظع منها في تاريخ العالم ، ولا غرو إذا تظلم الشيعة لقتل الحسين وبكوه في كل عام ، ومزقوا جيوبهم وقرعوا صدورهم أسفاً عليه ، لأنه قتل مظلوماً ».

3 - جاء في الصفحة «162» من كتاب « نهضة الحسين » في طبعته الخامسة ، بقلم نجل المؤلف السيد جواد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ، ما نصه :

« اهتمام الأقطار الاسلامية بعزاء الحسين : وهكذا أصبح المسلمون في اليوم العاشر من محرم كل عام يحتفلون بذكرى عاشوراء ، إحياء لذكرى شهيد الطف الامام الحسين علیه السلام في جميع الأقطار الاسلامية .. ويعتبر هذا اليوم عطلة رسمية لدى معظم هذه الدول ، ويشترك كثير من رؤوساء الدول الاسلامية في مراسيمه.

وحين تمر هذه الذكرى بالمسلمين في العشرة الأولى من محرم أو في اليوم العاشر منه ، فإنه تغمر غالبية العالم الاسلامي موجة من الأسى ، ويخيم عليه سحاب من الحزن كأن الامام الحسين قد قتل حديثاً ، وكأن أشلاء آله وأنصاره لا تزال على منظرها المؤلم فوق تلك الترب ، وكأن دم أولئك الضحايا من الشهداء لم يزل يفور على تلك الأرض .. فيثير في نفوس المسلمين كل تلك المشاعر والأحزان ، مما جعلت معظم الحكومات العربية والاسلامية تحافظ على حرمة هذه المناسبة ، وتلاحظ شعور المسلمين نحوها ... ومن أجل ذلك تصدر أوامرها بغلق دور اللّهو واللعب ، وحانات الخمور والشرب والمسارح ، وأمثالها مما تحمل طابع اللّهو والطرب ، كما تقلص على غرارها ما في برامج الأذاعة والتلفزيون خلال العشرة الأولى من المحرم ببرامج تتسم بالطابع الديني والروحي والعلمي ، مجرداً من

ص: 30

كل أسباب اللّهو والطرب ... كل ذلك رعاية لشعور المسلمين ، واحتراماً لمكانة هذه الذكرى. كما هو الحال في العراق وإيران وفي الهند والباكستان وعديد من الدول الاسلامية الأخرى ...

والمسلمون إذ يحتفلون بهذه الذكرى الدامية ببالغ الاسى وعظيم الألم ، إنما يشيدون فيها بموقف الامام الحسين في ساحة الطف ، ويمجدون مواقف آله وأصحابه وما قدموه في ذلك الموقف ، من جسيم التضحية ، وعظيم البسالة التي أدهشت الأجيال ، وأذهلت التاريخ.

ثم هم إذ يعبرون في إيحائهم لهذه الذكرى الدامية عن شعورهم نحو الامام الشهيد ، فانهم يختلفون في هذا التعبير حسب معتقداتهم فيه وفي حركته ، واستشهاده ؛ وباختلاف مداركهم وعاداتهم.

فمنهم من يعتبره عيداً مجيداً ؛ لأن الفضيلة فيه قد انتصرت على الرذيلة ، وأن الامام بموقفه ذاك من يزيد قد أسند تعاليم جده سيد الرسل ... وجدد مجد شريعته السمحاء ... كما هو الحال لدى المسلمين في بعض أنحاء المغرب العربي بشمال افريقية ، الذين يعتزون بهذه الذكرى.

ومنهم من يندفع مع العاطفة الى إيلام نفسه وإيذائها بمختلف الوسائل والأساليب ، كضرب نفسه بالسلاسل أو بالتطبير ، ظناً منه أن هذا النحو من الأيذاء من دلائل المواساة أو الاقتداء بأولئك الشهداء ... كما هو الحال في بعض أنحاء العراق ، وإيران ، والهند ، والباكستان ».

ويستطرد الكاتب كلامه في الصفحة «164» من كتاب فيقول :

« والى جانب ما تقدم تلبس مدن العتبات المقدسة في العراق وإيران ، والمساجد المهمة والأماكن المتبركة في الهند والباكستان وغيرها من الأقطار والمناطق التي يتعصب أهلها في الحب والولاء لآل البيت النبوي حلة من السواد ، كشعار الحزن والحداد ... وتبتعد عن مظاهر الزينة والبهرجة ، ومباعث الأنس

ص: 31

والانشراح.

هذه هي الحالة في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام عند المسلمين بالنسبة لهذه الذكرى إن لم يكن الشهر كله من كل عام. وفي الأقطار الاسلامية كالعراق ، وإيران ، والهند ، والباكستان الى ما بعد العشرين من صفر ، حيث تستكمل هذه الذكرى يومها الأربعين. ولها زيارتها الخاصة ، ومراسيمها المختصة في كربلاء بالعراق ... حيث يؤمها أكثر من مليون زائر في يوم واحد لزيارة قبر الحسين علیه السلام والطواف حول ضريحه في ذكرى اربعينه .. وتطوف المواكب الزاخرة حول مشهده لليمن والبركة ».

4 - جاء في الصفحة «280» من « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء ، ما نصه :

« أن الكاتبة الانجليزية القديرة ( فرايا ستارك ) كانت قد كتبت فصلاً صغيراً عن عاشوراء في كتابها المعروف باسم « صور بغدادية » وتبدأ هذا الفصل بقولها : إن الشيعة في جميع أنحاء العالم الاسلامي يحيون ذكرى الحسين ومقتله ويعلنون الحداد عليه في عشرة محرم الأولى كلها ، حتى يصل بهم مد الأحزان البطيء الذي يستولي على أنفسهم الى أوجه بمواكب العزاء التي تخرج في اليوم الأخير ، حاملة النعش بجثته المذبوحة ».

ثم تشير الكاتبة الى مواكب العزاء والسبايا التي تمثل فيها وقائع معركة كربلاء كلها ، وهي تقول :

« إن هذه المواكب التي تقام في بغداد والمدن المقدسة يعرف مجيئها من بعيد ، بصوت اللطم على الصدور العارية ».

5 - جاء في الصفحة «297» من الموسوعة سالفة الذكر قسم كربلاء ، نقلاً عن رحلة « جون أشر » الانجليزي منقولاً عن المؤرخ « غيبون » بعد سرد مجزرة كربلاء ، فيقول :

ص: 32

« إن الشيعة من المسلمين في العالم يقيمون في كل سنة مراسيم العزاء الأليمة تخليداً لبطولة الحسين واستشهاده فينسون أرواحهم فيها من شدة ما ينتابهم من الحزن والأسى ».

6 - نقلت مجلة « العلم » النجفية عن جريدة « حبل المتين » الفارسية التي كانت تصدر في الهند مقالاً كتبه الدكتور جوزف الفرنسي ، عن المسلمين في أنحاء العالم وتقسيمهم الى فرقتين : شيعية وسنية ، وما اتصف به الشيعة من التقية ، قال فيه :

« ويقيم الشيعة المآتم تحت الستار ، يبكون فيها على الحسين ، فأثرت هذه المآتم في قلوب هذه الطائفة الى حد أنه لم يمر عليها زمن طويل حتى بلغت الأوج في الشرق ، ودخل في هذه الطائفة بعض الوزراء وكثير من الملوك والخلفاء ، فبعضهم أخفى ذلك تقية ، وبعضهم أظهره جهاراً ».

ويستطرد الكاتب الفرنسي فيقول :

« ويمكن القول بأنه لا يمضي قرن أو قرنان حتى يزيد عدد الشيعة على عدد سائر فرق المسلمين. والعلة في ذلك هي إقامة هذه المآتم التي جعلت كل فرد من أفرادها داعية الى مذهبه ، اليوم لا توجد نقطة من نقاط العالم يكون فيها شخصان من الشيعة إلا ويقيمان فيها المأتم ، ويبذلان المال والطعام ، رأيت في ميناء « مارسال » في الفندق شخصاً واحداً عربياً شيعياً من أهل البحرين ، يقيم المأتم منفرداً ، جالساً على الكرسي ، بيده الكتاب يقرأ ويبكي ، وكان قد أعد مائدة من الطعام فرقها على الفقراء.

هذه الطائفة تصرف في هذا السبيل الأموال على قسمين : فبعضهم يبذلون في كل سنة من أموالهم خاصة في هذا السبيل بقدر استطاعتم ما يقدر بالملايين من الفرنكات ، والبعض الآخر من أوقاف خصصت لإقامة هذه المآتم ، وهذا المبلغ طائل جداً ».

ص: 33

ثم يواصل الكاتب الفرنسي كلامه ويقول :

« فلهذا ترك جمع غفير من عرفاء هذه الفرقة أسباب معاشهم واشتغلوا بهذا العمل ، فهم يتحملون المشاق ليتمكنوا من ذكر فضائل كبراء دينهم ، والمصائب التي أصابت أهل هذا البيت ، بأحسن وجه وأقوى تقرير على رؤوس المنابر وفي المجالس العامة. وبسبب هذه المشاق التي أختارتها هذه الجماعة في هذا الفن يفوق خطباء هذه الفرقة على جميع الطوائف الاسلامية ».

ويستطرد الكاتب فيقول :

« إن العدد الكثير الذي يرى اليوم في بلاد الهند من الشيعة هو من تأثير إقامة هذه المآتم. فرقة الشيعة حتى في زمن السلاطين الصفوية لم تسع في ترقي مذهبها بقوة السيف بل ترقت هذا الترقي المحير للعقول بقوة الكلام الذي هو أشد تأثيراً من السيف ، ترقت اليوم هذه الفرقة في أداء مراسيمها المذهبية بدرجة جعلت ثلثي المسلمين يتبعونها في حركاتها ، جم غفير من الهنود والفرس وسائر المذاهب أيضاً شاركوهم في أعمالهم ».

ويواصل الكاتب قوله بهذه العبارة :

« ومن جملة الأمور السياسية التي ألبسها روساء فرقة الشيعة لباس المذهب منذ عدة قرون ، وصارت مؤثرة جدً لجلب قلوبهم وقلوب غيرهم ، هي أصول التمثيل باسم المأتم والتعزية في مأتم الحسين ».

ويقول الكاتب بعد ذلك :

« فرقة الشيعة حصلت من هذه النكبة على فائدة تامة ، فألبست ذلك لباس المذهب. وعلى كل حال فالتأثير الذي يلزم أن يحصل على قلوب العامة والخاصة في إقامة العزاء والمأتم قد حصل :

فمن جهة يذكرون في مجالس قراءة التعزية المتواصلة وعلى المنابر المصائب التي وردت على رؤساء دينهم ، والمظالم التي نزلت على الحسين مع تلك

ص: 34

الأحاديث المشوقة الى البكاء على مصائب آل الرسول ، فبيان تلك المصائب للأنظار أيضاً له تأثير عظيم ، ويجعل العام والخاص من هذه الفرقة راسخ العقيدة فوق التصور. وهذه النكات الدقيقة أصبحت سبباً في أنه لم يسمع بأحد من هذه الفرقة من ابتداء ترقي مذهب الشيعة أنه ترك دين الاسلام ، أو دخل في فرقة إسلامية أخرى. هذه الفرقة تقيم المآتم بأقسام مختلفة ، فتارة في مجالس مخصوصة ومقامات معينة ، وحيث إنه في أمثال هذه المجالس المخصوصة والمقامات المعينة يكون اشتراك الفرق الأخرى معهم أقل ، أوجدوا المآتم بوضع خاص ، فعملوا في الأزقة والأسواق ، وداروا به بين جميع الفرق. وبهذا السبب تتأثر قلوب جميع الفرق منهم ومن غيرهم بذلك الأمر الذي يجب أن يحصل من البكاء. ولم يزل هذا العمل شيئاً فشيئاً يورث توجه العام والخاص اليه حتى أن بعض الفرق الاسلامية الأخرى وبعض الهنود قلدوا الشيعة فيه ، واشتركوا معهم في ذلك. وهذا العمل في الهند أكثر رواجاً منه في جميع الممالك الاسلامية ، كما أن سائر فرق الاسلام هناك أكثر اشتراكاً مع الشيعة في هذا العمل من سائر البلاد.

ويظن أن هذا العمل بين الشيعة قد جاء من ناحية سياسة السلاطين الصفوية ، الذين كانوا أول سلسلة استولت على السلطة بقوة المذهب ، ورؤساء الشيعة الروحانيون أيدوا هذا العمل ، وأجازوه شيئاً فشيئاً.

ومن جملة الأمور التي صارت سبباً في ترقي هذه الفرقة وشهرتها في كل مكان ، هو إزادة أنفسهم بالرأي الحسن ، بمعنى أن هذه الطائفة بواسطة مجلس المآتم واللطم والدوران وحمل الأعلام في مأتم الحسين جلبت اليها قلوب باقي الفرق ، بالجاه والاعتبار ، والقوة والشكوكة ».

ويختم الكاتب كلامه بقوله :

« لهذا نرى أنه في كل مكان ولو كانت جماعة من الشيعة قليلة ، يظهر عددها في الأنظار بقدر ما هي عليه مرتين ، وشوكتها وقدرتها بقدر ما هي عليها

ص: 35

عشرات المرات وأكثر أسباب معروفية هؤلاء القوم وترقيهم هي هذه النكبة.

ومصنفو أوربا الذين كتبوا تفصيل مقاتلة الحسين وأصحابه وقتلهم ، مع أنه ليس لهم عقيدة بهم قط ، أذعنوا بظلم قاتليهم وتعديهم ، وعدم رحمتهم ، ويذكرون أسماء قاتليهم بالاشمئزاز ، وهذه الأمور طبيعية لا يقف أمامها شيء ، وهذه النكبة من المؤيدات الطبيعية لفرقة الشيعة ».

7 - جاء في الصفحة «200» من كتاب « المجالس السنية » المار ذكره ، نقلاً عن رسال الحكيم والفيلسوف الالماني في رسالته عن النهضة الحسينية وتأثيرها على العالم الاسلامي ، قول هذا الفيلسوف عن تأثير إقامة المآتم الحسينية على حياة المسلمين وتقدمهم ، قوله :

« وليس لواحدة من الروابط الروحانية التي بين المسلمين اليوم تأثير في نفوسهم كتأثير إقامة مآتم الحسين ، فإذا دام انتشار وتعميم هذه المآتم بين المسلمين مدة قرنين آخرين لا بد أن تظهر فيهم حياة سياسية جديدة ، وان الاستقلال الباقي للمسلمين اليوم نصف أسبابها هو اتباع هذه النكبة وسنرى اليوم الذي يتقوى فيه سلاطين المسلمين تحت ظل هذه الرابطة ، وبهذه الوسيلة سيتحد المسلمون في جميع أنحاء العالم تحت لواء واحد ؛ لأنه لا يرى في جميع طبقات الفرق الاسلامية من ينكر ذكر مصائب الحسين وينفر منها بسبب ديني ، بل للجميع رغبة طبيعية بشكل خاص في أداء هذه المراسيم المذهبية ، ولا يرى في المسلمين المختلفين في العقائد سوى هذه النكبة الاتحادية.

الحسين أشبه الروحانيين بحضرة المسيح ، ولكن مصائبه كانت أشد وأصعب. كما أن أتباع الحسين كانوا أكثر تقدماً من أتباع المسيح في القرون الأولى ، فلو أن المسيحيين سلكوا طريقة أتباع الحسين ، أو أن أتباع الحسين لم تمنعهم من ترقياتهم عقبات من نفس المسلمين ، لسادت إحدى الديانتين في قرون عديدة جميع المعمورة ، كما أن من حين زوال العقبات عن طريق أتباع الحسين

ص: 36

أصبحوا كالسيل المنحدر يحيطون بجميع الملل وسائر الطبقات ».

8 - جاء في الصفحة «381» من « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء ، ما نصه :

« في سنة 1943 م » كتب المستر ستيون لويد - خبير الآثار القديمة في بغداد لعدة سنوات - كتابه الموجز عن تاريخ العراق ، باسم « الرافدان » وقد حلل في عدة من صفحاته تحليلاً بارعاً موقف الامام علي من معاوية ، وخرج منه الى مقتل الحسين في كربلاء ، وهو يقول :

« إن الفظاعة التي اقترفت في المعركة ، والفزع الذي أصاب المسلمين بقتله ؛ يكونان أسس المسرحية الأليمة التي تثير الطوائف الشيعية في العالم الاسلامي كله الى حد الحنق الديني في عشرة عاشوراء من كل سنة ».

وبعد أن يستطرد الكاتب في سرد حادث استشهاد الامام الحسين وآله وصحبه يقول :

« وتعد قبورهم - أي قبور الأئمة الأطهار علیهم السلام - في الفرات الأوسط وخراسان نماذج بديعة للفن الاسلامي الرفيع ، كما يعد كل واحد منها حججاً للزوار الشيعة ».

والخلاصة : فانه أينما وجدت الأسر الشيعية على اختلاف قومياتها ومللها ، ولغاتها ، وجدت معها مراسيم العزاء الحسيني ، ومآتمه ، وشعائره ، ومواكبه ، ومجالسه ، ونياحاته بصورها المختلفة ، وأنواعها المتعددة ، وبمظاهرها الموسعة أو تشكيلاتها المحدودة ، وبصورة خفية أو علنية ، حسب ظروف تلك الأسر الاجتماعية.

وتقام هذه المناحات على الحسين علیه السلام من قبل الشيعة على الغالب في العشرة الأولى من المحرم ، وبالأخص يوم العاشر منه في كل سنة.

وحين يهل هلال شهر محرم يستعد المسلمون الشيعة في مختلف أنحاء

ص: 37

المعمورة للتعبير عن شعورهم إزاء هذه الذكرى الدامية ، حيث يحتفلون بهذه المناسبة الأليمة ، متذكرين مصارع آل النبي صلی اللّه علیه و آله في مجزرة الطف ، في حزن عميق ، وشجن عظيم ، ومستعرضين مواقف الحسين ومن استشهد معه بما يناسبها من الإشادة والتكريم.

أكرر في هذا المقام وأقول : إن من يتصور أن هذه الشعائر والمظاهر في العزاء الحسيني إنما هي من محدثات العصور الأخيرة فإنه على خطاء لأن هذا التعبير عن شعور التأثير والتألم تجاه مصرع الحسين علیه السلام - كما مر في الفصول السابقة - إنما يرتقي في تاريخه الى القرن الأول الهجري ، غير أنه كان في أول أمره محدوداً جداً وصغير الحجم ، يقام بمحضر أخص الناس بالحسين والأئمة الأطهار ، للتخفيف عن عظم المصاب.

* * *

ص: 38

الفصل الرابع والعشرون: النياحة على الحسين علیه السلام في القرون الاخيرة

ألف - في العراق :

ففي العراق ، وهو مهد مجلس العزاء والسبايا ، والحزن والألم ، والنياحة والمواكب الحزينة على الامام الحسين وخاصة في مدن العتبات المقدسة في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء ، تقام هذه المجالس والمجتمعات وتسير المواكب على أتم وجه في العشر الأولى من أيام وليالي محرم ، وفي سائر أيام شهري محرم وصفر ، وفي بعض أيام الاسبوع.

وفيما يلي أقوال بعض الكتاب في ذلك :

1 - جاء في الصفحة «164» من كتاب « نهضة الحسين » السالف الذكر عن إقامة المأتم على الامام الحسين في العراق خلال هذا القرن بقلم نجل المؤلف السيد جواد الشهرستاني ما نصه :

« ومما تجدر الاشارة اليه على أثر تطور العزاء الحسيني واتساعه عن طريق اللطم والضرب بالسلاسل وما اليها ، وما أظهره شباب الكاظمية عام 1360 ه- - 1941 م الى المرحوم الوالد السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني من تأثرهم لهذا التطور المشين ، والذي يكمن وراءه من الإظرار بهذا العزاء وبأهداف سيد الشهداء علیه السلام ، فاقترح عليهم تطويره الى إقامة حفلات وإلقاء قصائد تشيد بالذكرى وتؤبن شهداءها ، وتبنى هذا الأمر لعدة سنوات ، ساهم فيها كثير من

ص: 39

أعلام القطر العراقي ، وأساتذة الجامعات وقادة الرأي وشباب البلد ، من شعراء وخطباء ، كان لها أكبر الأثر في جذب النفوس اليها ، ساهمت بنقل هذه الحفلات حية عبر الأثير عن طريق الإذاعة من صحن الامامين الكاظميين صبيحة العاشر من محرم في كل عام ، وكان يحضرها عشرات الآلاف من المستمعين الى جانب الهيئات الرسمية ، وممثلي الدول الاسلامية ، مما أعطت أروع صورة محترمة عن هذه الذكرى الى المستمعين ، وكان الشعراء والخطباء يتبارون في الرثاء والابداع فيه ، مما تغذي الفكر الاسلامي والشعر العربي باسلوب لم يكن معروفاً من قبل .. ويوجه الرأي العام الى أسرار نهضة الامام الحسين والعوامل النفسية والروحية التي حملته للصمود والاستشهاد ... » الخ.

وبعد أن يصف الكاتب السيد جواد مواكب العزاء في العراق ، ولا سيما في مدن العتبات المقدسة فيه ، وما يجري فيها من مراسيم وعادات أدخلت على هذه المواكب والتعازي والمآتم خلال القرون الثلاثة الأخيرة ، يقول في الصفحة «168» من الكتاب ما عبارته :

« وكانت الهيئات الرسمية في العراق وإيران والهند والباكستان تحضر هذه التعازي وتشهد ما يجري فيها كل عام ، وتتخذ كافة الاحتياطات الأمنية فيها حتى تنتهي هذه المراسيم بسلام.

وفي سنة «1936 م» ، وعلى أثر حدوث اصطدامات دموية بين المواكب العزائية ، أصدرت وزارة ياسين الهاشمي في العراق أمراً بمنع إقامة التشابيه ومواكب السلاسل والتطبير منعاً باتاً .. ومنع لعدة سنوات.

إلا أن الجهات الرسمية عادت سنة «1947 م» فسمحت لمواكب التطبير بالظهور ، وكذلك مواكب الضرب بالسلاسل .. وتوسع الأمر وشمل مواكب الشبيه ، حيث أخذت بالظهور من سنة «1952 م» في العراق. ومع توالي السنوات توسعت وأخذ الشبيه شكله الموسع في السنوات الأخيرة في مختلف أنحاء العراق ،

ص: 40

الى جانب الأقطار الاسلامية المذكورة ».

وجاء في هامش الصفحة نفسها قوله :

« وتقام مجالس العزاء الحسيني إضافة إلى شهري محرم وصفر في شهر رمضان ، وذلك في لياليه وفي سائر أيام السنة على سبيل النية والنذر لحاجة من الحاجات قضاها اللّه ، فيقيم صاحبها مجلس عزاء ليوم واحد ، أو لثلاثة أيام في الأسبوع ، أو عشرة أيام ، أو أكثر حسب ما نوى ، وتوزع فيها الخيرات للفقراء والمساكين. وكثيراً ما يرافق مجالس العزاء الحسيني إطعام أو خيرات للحاضرين ».

2 - نقلت « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء صفحة «380» عن الكاتبة الانجليزية المس « فرياستارك » في كتابها « صور بغدادية » في فصل النجف ، عند ذكر قصة مجزرة كربلاء ، قولها :

« وهي من القصص القليلة التي لا استطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء ... » الخ.

3 - جاء في الصفحة «371» من « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء في فصل : « كربلاء في المراجع الغربية » ما لفظه :

« وقد كتب عن مأساة كربلاء كذلك ، ومحرم الحرام بوجه عام ، المستر « توماس لايل » الذي اشتغل في العراق معاوناً للحاكم السياسي في الشامية والنجف ، في 1918 - 1921 م ومعاوناً لمدير الطابو في بغداد ، وحاكماً في محاكمها المدنية ، في كتابه « دخائل العراق » ما يقرب من عشرين صفحة ، وهو يقول بعد أن شهد مواكب العزاء ولطم اللاطمين فيها :

« ولم يكن هنالك أي نوع من الوحشية أو الهمجية ولم ينعدم الضبط بين الناس. فشعرت - وما زلت أشعر - بأنني توصلت في تلك اللحظة الى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الاسلام ، وأيقنت بأن الورع الكامن في أولئك الناس ،

ص: 41

والحماسة المتدفقة منهم بوسعهما أن يهزا العالم هزاً فيما لو وجها توجيهاً صالحاً ، وانتهجا السبل القويمة ، ولا غرو ، فلهؤلاء الناس عبقرية فطرية في شؤون الدين » الخ.

4 - جاء في الصفحة «193» من « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء ، ما نصه أيضاً :

« فيليب حتى وكربلاء : وقد أورد الاستاذ فيليب حتى أستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة برستن بأمريكا ، ذكر كربلاء في مواضع من كتابه المشهور « تاريخ العرب » باللغة الانجليزية. ففي الصفحة «183» يقول ما ترجمته :

« إن حشود الزوار التي ما تزال تتدفق الى مشهد علي في النجف ومشهد ولده الحسين - سيد القديسين والشهداء عند الشيعة - في كربلاء القريبة من النجف ، والمسرحية الدينية التي تمثل سنوياً في العاشر من محرم في العالم الشيعي بأسره ، كل ذلك يشهد على أن الموت قد ينفع القديس أكثر من الحياة ».

وبعد أن يوجز الاستاذ « حتى » قصة استشهاد الامام الشهيد وصحبه وآله يقول :

« وقد أوجد المسلمون الشيعة - إحياء لذكرى استشهاد الحسين - عادة مراسيم الحزن في العشرة الأولى من محرم الحرام سنوياً ، ووضعوا مسرحية عاطفية دينية تؤكد صراعه البطولي وآلامه. وهذه المسرحية الدينية السنوية تمثل في فصلين ، يعرف الأول « عاشوراء » : يمثل في الكاظمية على مقربة من بغداد ، إحياء لذكرى المعركة ، والفصل الثاني بعد العاشر من محرم بأربعين يوماً في كربلاء ، وعنوانه : مرد الرأس » (1) الخ.

وبمناسبة ذكر يوم « مرد الرأس » ويوم الاربعين ، أقول : إن احياء ذكرى هذا

ص: 42


1- إن مراسيم العزاء في يوم عاشوراء تقام في كربلاء وسائر البلدان في العراق ، وفي الأقطار الاسلامية ، ولم تقتصر على الكاظمية. ومر تفصيل ذلك في الفصول السابقة.

اليوم - الذي سبق وفصلت الكلام عنه في فصل سابق - يقام في أكثر المدن في البلدان الاسلامية ، وخاصة التي تسكنها الجاليات الشيعية ، ولكن مظاهر إحياء هذه الذكرى تتجلى أكثر فأكثر في مدينة كربلاء التي حدثت فيها المجزرة الفجيعة.

وأنقل تالياً أقوال بعض الكتاب في وصف ما يجري في هذا اليوم بكربلاء :

جاء في الصفحة «146» من كتاب « تاريخ كربلاء وحائر الحسين » للسيد الجواد الكليدار عن هذا اليوم الحزين قوله :

« زيارة الأربعين : وهي في يوم 20 صفر من كل سنة وهي من أعظم زيارات كربلاء ، إذ تحتشد فيها مئات الألوف من الزائرين ، الذين يشدون الرحال اليها من مختلف الأقطار الاسلامية القريبة والنائية ، فيزورها خلق عظيم ، على الأخص من المدن العراقية من الشمال الى الجنوب ، فتسير فيها المواكب العظيمة باسم « موكب الأنصار » يتراوح عدد من يسيرون في كل موكب فيما بين خمسمائة وألف نسمة. فيخرج كل موكب من العزاء بكل سكينة ووقار ، في مظهر من الحزن العميق البادي على الوجوه ، حاسري الرؤوس وحافيي الأقدام ، ومرتدين الملابس السود علامة الحداد ، يبكون ويلطمون على الصدور والخدود ، يعزون النبي صلی اللّه علیه و آله بقتل سبطه الحسين علیه السلام محتجين على جفاء الأمة له ، وتخفق الرايات السود شعار العزاء والحزن أمام كل موكب ، وقد كتب عليها - بالكتابة الواضحة - اسم الموكب والبلد الذي ينتمون اليه ».

6 - جاء في الصفحة «165» من كتاب « نهضة الحسين » وصفاً لبعض أنواع المواكب الحسينية في العراق المعروف بالشبيه يوم الأربعين ، أدرج خلاصته تالياً :

« وهناك لون آخر من العزاء الحسيني المسمى بالشبيه. وقد ظهر بادئ الأمر في القرن العاشر الهجري على هيئة حصان مغطى بكفن مدمى وفيه بعض النبال ، يتقدم مواكب اللطم كأنه حصان الحسين علیه السلام بعد المعركة ...

ثم توسع الى خيول متعددة على نفس الشاكلة ترافق المواكب .. ثم ظهرت

ص: 43

شخصية الحر الرياحي ومعه بعض قادة الجيش الأموي برفقة هذه الخيول أمام المواكب ، وظهرت شخصية الامام علي بن الحسين السجاد في حالة رجل عليل مكبل بالأغلال على صهوة جواده ، وسط الموكب يوم الأربعين من صفر ، يردد ما قاله حين دخل المدينة .. والناس تلطم من فرط التأثر لمشهده ، ثم تطور بالتدريج الى ظهور الهوادج والنساء فيها كأنهن السبايا عائدين من الشام عبر العراق الى المدينة ، ويمرون بأرض الطفوف في كربلاء يوم زيارة الأربعين .. والجماهير الغفيرة تلطم متأثرة من هذا المنظر المفجع يتذكرون الموقف نفسه .. ثم تطور هذا العزاء بتوالي السنين بظهور أشخاص يتقمصون دور أصحاب الحسين وعدد من آل الرسول صلی اللّه علیه و آله يتقدمون مواكب العزاء ، ومعهم شبيه قادة الجيش الأموي .. وفي أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر الهجري ، برزت شخصية الحسين وسط الشبيه ، يتقدم موكب العزاء ومن خلفه شخصية أخيه العباس ».

ويستطرد الكاتب كلامه ويقول :

« وتطور موكب الشبيه الذي كان يأخذ مسيره عبر الشوارع والطرقات ، ومن وسط الجموع الغفيرة من المشاهدين الى الساحة الرئيسية في المدينة ، أو الى وسط الصحن في المراقد المتبركة حيث تجري هناك صورة مصغرة لتلك المعركة التاريخية .. وبتوالي السنين توسع هذا اللون من العزاء الى إقامة صرح له وسط الصحن أو الميدان ، وبجواره خيام تمثل خيام أهل البيت ».

ثم يتوسع الكاتب الى شرح هذا اللون من المواكب العزائية والمآتم الحسينية ، مما لا أجد حاجة الى نقلها كلها ، لأنها معروفة لدى قراء العربية بأقطارهم المختلفة .. كما أن مثل هذه المواكب تسير في كثير من البلدان الاسلامية وخاصة إيران والهند ، ولكن بصورة أضيق أحياناً ، وبشكل أوسع حيناً آخر.

ومن أهم المواكب العزائية التي تؤم كربلاء في اليوم الثاني عشر من المحرم كل عام - أي اليوم الثالث على قتل الامام الشهيد وصحبه - مواكب عزاء سكان

ص: 44

قرية « طويريج » الواقعة على بعد عشرة أميال شرقي مدينة كربلاء ، على شاطئ نهر الفرات ، والتي تعرف بالهندية. إذ منذ الصباح الباكر في هذا اليوم تحتشد مواكب هذه القرية ، مهرولة بجموعها نحو كربلاء وكلما اقتربت من هذه المدينة التحقت بها جموع بقية عشائر وسكان القصبات والدساكر والتجمعات العشائرية التي تمر بها ، فيتألف منها حوالي مائة ألف نسمة ، من الرجال والنساء ، والشيوخ والشباب والأطفال ماشين على الأقدام ، يصلون كربلاء عند زوال ذلك اليوم ، وهم ما بين معول وصارخ ، وباك ومفجوع ، ولاطم. ويشترك معهم في ضواحي مدينة كربلاء سكانها ثم يدخلون صحن الامام الحسين ، ثم يدورون حول ضريح الامام الشهيد ، ثم يتوجهون الى ضريح أخيه العباس ، وبعدها يمرون ببعض شوارع المدينة الى أن يصلوا الى محل مخيم الامام الحسين علیه السلام وهناك يعيدون ذكرى فاجعة الطف ، ثم يتفرقون.

أما منشأ هذا الموكب الذي يرتقي بتاريخه الى أكثر من ثلاثة قرون ، فهو أن المشتركين فيه يعتقدون بأنهم يمثلون أفخاذ بني عامر من عشائر بني أسد الذين حضروا ساحة القتال عصر اليوم الثاني عشر من المحرم سنة 61 ه- ، بعد أن غادرها جيش ابن سعد في اليوم الحادي عشر منه ، متوجهاً الى الكوفة ومعه الرؤوس والسبايا ، ودفنوا أجداث الشهداء بعد أن بقيت هذه الأجساد ليلتين وثلاثة أيام في العراء ، وهذه المواكب التي تفد بجموعها على كربلاء ، وتشترك في هذا اليوم في مأتم الامام الشهيد ، إنما تحيي ذكرى أجدادها الاشاوس من عشائر بني أسد.

ويذكر المعمرون ان مبدأ هذا العزاء شرع منذ أكثر من 300سنة ، حيث أخذت العشائر القاطنة في المنطقة الواقعة بين الحلة وكربلاء ، بالقرب من قرية « طويريج » ، تأتي عند زوال اليوم الثاني عشر من المحرم كل سنة الى كربلاء ، وتشترك في العزاء الحسيني على شكل جماعات صغيرة.

ص: 45

وكان العلامة السيد محمد المهدي الطباطبائي بحر العلوم ، المتوفى سنة 1212 ه- في النجف ، يتقدم في بعض السنوات هذه الجماعات النائحة في وفودها على كربلاء ، وعندما سئل عن سبب اشتراكه في هذا العزاء أجاب : إنه رأى في المنام الامام الثاني عشر صاحب الزمان «عج» مشتركاً في هذا العزاء ، فآثر أن يكون من المشتركين فيه.

كما ذكر أن بعض كبار الشعراء - كالكعبي - وعظماء المجتهدين من فقهاء الشيعة ، كالشيخ زين العابدين المازندراني وغيرهما كانوا يشتركون فيه من ضواحي مدينة كربلاء.

ولقد تطور هذا العزاء المتحرك من تلك المسافات البعيدة الى أن أصبح كما هو عليه الآن ، وأطلق عليه اسم عزاء « بني أسد ».

7 - يقول الدكتور السيد علي الوردي في الصفحة «386» من كتابه « مهزلة العقل البشري » حول مجزرة الطف والعزاء الحسيني ، ما نصه :

« لم يكد معاوية يموت حتى حدثت حادثة هزة المجتمع الاسلامي هزاً عنيفاً ، تلك هي مأساة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي. وهذه الحادثة أنتجت آثاراً اجتماعية بالغة قلماً تجد لها مثيلاً في التاريخ ».

ويستطرد الكاتب فيقول :

« كانت شهادة الحسين تتمة لشهادة أبيه العظيم. وقد يصح أن نقول : إن مأساة كربلاء أضافت الى مأساة الكوفة لوناً جديداً ، ولولاها لما أحس الناس بأهمية تلك المبادئ الاجتماعية التي نادى بها علي في حياته. فقد صبغ الحسين مبادئ أبيه بالدم ، وجعلها تتغلغل في أعماق القلوب تغلغلاً عميقاً ... ».

ويواصل الكاتب كلامه في الصفحة «387» ويقول : « يحتفل الشيعة في أيامنا هذه بمقتل الحسين أحتفالاً ضخماً ، فهم يذرفون فيه الدمع الغزير ويلدمون الصدور والظهور ، ويجرحون الرؤوس. ولنا أن نقول إن احتفال الشيعة هذا قد

ص: 46

أمسى طقوسياً » الخ.

8 - بحث الدكتور علي الوردي في بعض فصول كتابه « دراسة في طبيعة المجتمع العراقي » موضوع التوزيع الطائفي في العراق ، وتطرق خلاله الى اشتراك الطائفة السنية مع الشيعة في العزاء الحسيني ومواكبه ، فقال مثلاً عند إشارته الى التوزيع الطائفي في منطقة ديالى صفحة «236» ما نصه :

« وربما جاز القول بأن التعايش السلمي في منطقة ديالى بين الطائفتين غير قليل وليس في النادر أن نرى محلة سنية تشارك محلة شيعية في بعض مواكبها ومجالسها الحسينية ، وقد تشاركها أيضاً في تقديس مراقدها وأئمتها ».

وعندما تطرق الكاتب الى هذا التعايش في مدن المنطقة الرسوبية في العراق كمدينة الناصرية في الصفحة نفسها قال :

« فأخذوا - أي أفراد الطائفة السنية - يشاركون في مواكب الشيعة ويحضرون مجالسهم. وربما أخرج بعضهم مواكب خاصة بهم. وهذا يدل على أنهم سائرون في سبيل التشيع تدريجياً ... » الخ.

ثم يصف الكاتب في الصفحة «237» من كتابه هذه المواكب ويقول :

« فقد اعتاد الشيعة في العشرة الأولى من شهر محرم أن يخرجوا بالمواكب العظيمة إحياء لذكرى مقتل الحسين. وهذه المواكب تسير في الطرقات وفيها الأعلام والطبول والبوقات ، وتقرأ فيها القصائد العامية الحزينة وتلطم فيها الصدور ، أو تضرب الظهور بالسلاسل ، وفي اليوم العاشر تخرج مواكب التطبير ... » الخ.

ثم يستطرد الكاتب فيقول :

« ومجالس التعزية ، فإن كل وجيه أو غني من الشيعة يميل الى إقامة مجلس يقرأ فيه مقتل الحسين لمدة عشرة أيام ، خصوصاً في شهري محرم وصفر من كل عام. ومن يشهد هذه المجالس ، ويستمع الى القصائد الحزينة التي يلقيها الخطباء

ص: 47

فيها ، والى وصفهم مقتل الحسين وأولاده واخوته وأقربائه ، يحس بالميل الى البكاء ... » الخ.

9 - جاء في الصفحة «69» من كتاب « السيد محسن الأمين ، سيرته - بقلمه وأقلام آخرين » وهو المجلد الأربعون من موسوعته « أعيان الشيعة » عند وصفه بعض عادات النجفيين التي شاهدها أثناء إقامته الدراسية في النجف خلال العقد الثاني من القرن الرابع عشر الهجري ووصفه مجالس العزاء وإقامتها فيها من قبل الرجال والنساء قوله :

« والنساء أيضاً يجلسن للعزاء منفردات عن الرجال ، ولهن نوائح صناعتهن النياحة على الأموات وعلى الحسين علیه السلام في أيام عاشوراء وغيرها ، ومنهن من تنشد الشعر الزجلي ارتجالاً ومجالسهن منفردة عن مجالس الرجال ، وكانت رئيستهن نائحة تسمى ملا وحيدة - بتشديد الياء - وكانت تنشد الشعر الزجلي للنياحة ارتجالاً ، ولها مجموعة كبيرة من إنشائها في الحسين علیه السلام ».

ب - في سورية ولبنان

أما في سورية ولبنان وتوابعهما ، فإن النياحة على الامام الحسين الشهيد كانت في مد وجزر ، منذ أن وطئت أقدام السبايا بالشام سنة 61 ه- ومثولها بين يدي يزيد ، كما مر تفصيل ذلك في فصل سابق. وقد أخذت الأوساط الشامية وغيرها من المدن السورية واللبنانية منذ ذلك التاريخ تقيم المآتم والمناحات على فاجعة كربلاء في الدور وأماكن العبادة المخصصة لها بصورة علنية أو سرية حسب الظروف التي تفرضها السلطة القائمة والحكومة المسيطرة على الحكم من إطلاق الحرية للجاليات الشيعية أو الضغط عليها.

ومن الملوك الذين تنفس الشيعة الصعداء على عهدهم في هذه البلاد الملوك الحمدانيون الذين كانوا على مذهب الشيعة ، والذين لهم مواقف مشهودة في خدمة

ص: 48

هذا المذهب ، وخاصة على عهد الملك عبد اللّه بن حمدان ، الذي كان له السهم الأوفر في إقامة معالم هذا المذهب في المناطق التي كان يملكها أولئك الملوك الشيعة.

ومما ساعد على انتشار مذهب الشيعة في هذه البلدان ، وخاصة في القرون التي أعقبت القرن الثالث الهجري ، قيام الحكم البويهي في العراق وإيران ، والحكم الفاطمي في مصر ، والحكومات التي أعقبت الحكم الحمداني في سورية ولبنان وما جاورهما ، كبني مروان وغيرهم من الأمراء ، وحتى حلول الحكم العثماني ، وكلما اشتد ساعد الشيعة في هذه البلاد كلما انتشرت شعائر إقامة العزاء الحسيني والنياحات عليه ، خاصة في بيروت ، ودمشق ، وحلب ، وصور ، وصيدا ، وطرابلس ، وبعلبك ، والنبطية ، وبنت جبيل وغيرها من القرى والدساكر.

أما على العهد العثماني فقد أخذ ضغط السلطات العثمانية يشتد على الشيعة في مدن سوريه ولبنان الكبرى ، مما اضطر أفراد هذه الجالية إلى الانسحاب منها والهجرة الى الأقطار المجاورة أو الى القرى النائية في منطقة جبل عامل التي أصبحت بصورة تدريجية مقراً رئيسياً للشيعة في البلاد السورية واللبنانية ، وصاروا يقيمون فيها مراسيم العزاء الحسيني ومواكبه النياحية في شهري محرم وصفر وسائر أيام السنة.

وفيما يلي نبذ مما عثرت عليه في بطون الكتب عن هذه النياحات على عهد عزة الشيعة في تلك الديار :

1 - جاء في الصفحة «69» من كتاب « خطط جبل عامل » لعلامة الفقيد السيد محسن الأمين ، ما عبارته :

« ويوجد في حلب مشهد ينسب الى الحسين علیه السلام وله أوقاف جمة يصرف ريعها على الإطعام يوم عاشوراء ، وهي باقية الى الآن ، لكن أهل حلب يصرفونه على الإطعام في ذلك اليوم بعنوان أنه يوم عيد لا يوم حزن. والظاهر أن هذه الأوقاف من الشيعة الذين كانوا بحلب ، أما المشهد فلا نعلم أصله ، وربما كان من

ص: 49

زمن سيف الدولة ».

2 - وجاء في الصفحة «149» من الكتاب نفسه ، ما لفظه :

« حسينيات جبل عامل - جمع حسينية - وهي : بمثابة تكية منسوبة الى الامام الحسين السبط الشهيد ، لأنها تبنى لإقامة عزائه فيها. وأصل الحسينيات من الايرانيين والهنود ، بنوها في بلادهم ، وبنوها في العراق ايضاً ، ووقفوا لها الأوقاف ، وجعلوا لكل منها ناظراً وقواماً. وهي : عبارة عن دار ذات حجر وصحن فيها منبر يأوي اليها الغريب ، وتقام فيها الجماعة ، وينزلها الفقراء ، ويقام فيها عزاء سيد الشهداء في كل أسبوع في يوم مخصوص وفي عشرة المحرم ، وتختلف حالتها في الكبر والصغر ، والاتقان وكثرة الريع ، باختلاف أحوال منشئيها. وهذه لم تكن معروفة قبل عصرنا في جبل عامل ... » الخ.

ويستطرد الكتاب فيقول :

وأول حسينية أنشئت في جبل عامل ، هي « حسينية النباطية التحتا » ثم أنشئت عدة حسينيات في صور ، والنبطاية الفوقا ، وكفر رمان ، وبنت جبيل ، وحاروف ، والخيام ، والطيبة ، وكفر صبر ، وغيرها .. ». الخ.

وتجمع الشيعة في جبل عامل وقراه ساعد كثيراً بمرور الأيام على انتشار مجالس العزاء الحسيني وإقامة النياحات فيها ، إحياء هذه الذكرى المؤلمة على طول السنة ، وخاصة في شهري محرم وصفر ، وبالأخص العشرة الأولى من المحرم.

3 - جاء في الصفحة «215» من الجزء الأول ، من كتاب « هكذا عرفتهم » لمؤلفه جعفر الخليلي ، عند تعرفه على العلامة السيد محسن الأمين ، ووصف مواقفه الاصلاحية في الشؤون الدينية ، وخاصة في موضوع العزاء الحسيني علیه السلام ثم زيارته له في مدينة دمشق في إحدى زياراته لسورية قائلاً :

« ودعاني السيد محسن في تلك الزيارة لحضور مجلس من مجالس المآتم الحسينية تقام في تلك الليلة بدمشق فقلت له :

ص: 50

إنني أشكوا التخمة ، لكثرة ما حضرت هذه المجالس وما سمعت من أحاديثها قال : ولكنك ستسمع في هذا المجلس مالم يكن قد سمعت ... وسترى خطباء جدداً أعددتهم لمثل هذا ، وأنا أسعى لإعداد المزيد منهم. ثم قال : وإنني ألزمك بالحضور في هذه الليلة ، فإياك أن تتخلف ، ولكني خرجت ولم أعد.

وبعد يومين أو ثلاثة زرته في بيته المذكور فلامني على عدم حضوري المجلس في تلك الليلة ... » الخ.

4 - ولا زالت شعائر إحياء هذه الذكريات الحزينة تقام في كثير من الأنحاء والمدن في سوريا ولبنان ، وخاصة الأخيرة منها ، وبالأخص المناطق التي تقيم فيها الجاليات الشيعية ، كجبل لبنان ، وبيروت ، ودمشق ، وتقام هذه المآتم عادة في العشرة الأولى من محرم ، وتتجلى بأسمى مظاهرها يوم عاشوراء ، الذي تقام فيها الاحتفالات الحزينة الشاملة وخاصة الحفلة التي تقيمها الجمعية الخيرية الاسلامية العاملية التي يحضرها كبار الشخصيات الرسمية والأهلية في لبنان ، وتلقى فيها الخطب التي يستعرض فيها الخطباء الحادث المؤلم في كربلاء وملابساته ، وما جرى فيه من ظلم وعسف على آل بيت المصطفى صلی اللّه علیه و آله .

وفي سنة 1393 ه- - 1973 م ، قررت الحكومة اللبنانية جعل يوم عاشوراء - اي العاشر من محرم كل سنة - عطله رسمية في جميع أنحاء لبنان ، تعطل فيها جميع الدوائر الرسمية ، والمؤسسات الأهلية ، والأسواق والأعمال. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ لبنان تقدم فيه حكومة لبنان على جعل يوم عاشوراء الحسين يوم عطلة رسمية .. كما أفادت الأنباء أن سكان مدينة ( النبطية ) في لبنان التي يقيم الشيعة بصورة خاصة في محرم كل سنة فيها ذكرى مهيبة لمصرع الامام الحسين علیه السلام قد طبروا روؤسهم هذه السنة يوم عاشوراء ، وذلك ضمن شعائر الحزن الذي أقاموه ، والمواكب العزائية التي سيروها في ذلك اليوم الحزين ، وقدر عدد المطبرين (400) رجل.

ص: 51

5 - جاء في الصفحة «25» في كتاب « السيد محسن الأمين ، سيرته » السالف الذكر عند وصفه لدراسته الأولية في بنت جبيل سنة 1301 ه- ووصول الشيخ موسى شرارة اليها من النجف في تلك السنة قوله :

« وأحيا - أي الشيخ موسى - إقامة العزاء لسيد الشهداء ورتب لذلك مجالس على طريقة العراق ».

ثم يستطرد السيد الأمين في الصفحة «26» من الكتاب واصفاً المجالس العزائية التي تقام ليلاً في هذه المدينة اللبنانية لإحياء ذكرى استشهاد الحسين وذلك في العشرة الأولى من محرم كل سنة ويقول :

« وفي اليوم العاشر منه تعطل الأعمال الى ما بعد الظهر ويقرأ مقتل أبي مخنف ثم تزار زيارة عاشوراء ثم يؤتى بالطعام الى المساجد ، وفي الغالب يكون من الهريسة ، فيأتي كل انسان بقدر استطاعته ، فيأكل منه الفقراء ، ويأكل منه قليلاً الأغنياء للبركة ، ويفرق منه على البيوت. كل ذلك تقرباً الى اللّه - تعالى - عن روح الشهيد أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام . أما القرى التي ليس فيها نسخة المجالس فيقتصر على قراءة المقتل يوم العاشر ويقرأ منه في ليلتين أو ثلاث قبل ليلة العاشر ، كل ليلة شيئاً - حتى يكون الباقي الى يوم العاشر خاصة بالمقتل وحده. وكانت المجلس التي أنشأها الشيخ موسى على ما فيها من عيوب أصلح بكثير مما تقدمها. وكانت مبدأ الإصلاح لمجالس العزاء الحسيني ... » الخ.

وجاء في الصفحة «73» من الكتاب نفسه عند بحث الأمين موضوع عودته من النجف الى دمشق في شعبان سنة 1319 ه- وإحساسه بلزوم قيامه بالاصلاحات الدينية والاجتماعية فيها قوله :

« 3 - مجالس العزاء - أي العزاء الحسيني - وما يتلى فيها من أحاديث غير صحيحة وما يصنع في المشهد المنسوب الى زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم في قرية راوية من ضرب الرؤوس بالسيوف والقامات وبعض الأفعال المستنكرة ،

ص: 52

وقد صار ذلك كالعادة التي يعسر استئصالها ، لا سيما إنها ملبسة بلباس الدين ».

ويستطرد في كلامه ويقول في الصفحة «75» منه : « أما الأمر الثالث وهو اصلاح إقامة العزاء لسيد الشهداء علیه السلام فكان فيه خلل من عدة جهات ».

وبعد أن يفصل الكلام عن أسلوب إصلاح هذا الخلل يقول في الصفحة «77» من الكتاب :

« وكانت هذه الأعمال تعمل في المشهد المنسوب الى السيدة زينب بقرب دمشق .. » الخ.

لقد نقلت هذه النبذ عن الامام الثقة السيد محسن الأمين لتأكيد الدلالة على أن إقامة المأتم الحسيني ومراسمه والنياحة على الامام الحسين علیه السلام كانت مستمرة في دمشق ولم تنقطع منذ سنة «60 ه» التي أتي بالسبايا اليها بعد قتل الحسين علیه السلام في كربلاء كما مر في صدر هذا البحث.

ج - سائر بلدان الجزيرة العربية :

أما في سائر بلدان الجزيرة العربية وأقطارها كاليمن ، الذي كان أهله أول من تشيع لعلي بن أبي طالب وأهل بيته علیهم السلام والحجاز ، وحضر موت ، والكويت ، والبحرين ، ومسقط ، وعمان ، وقطر ، والاحساء ، والقطيف ، وبقية النواحي ، فإنه وإن لم يكن تقام شعائر الحزن على الامام الحسين بصورة موسعة فيها ، كما هي الحالة في العراق ولبنان والأقطار الاسلامية الأخرى ، إلا أن مجالس التعزية التي تنشد فيها المراثي ، وتتلى من على المنابر قصة المجزرة المفجعة في كربلاء ، من قبل خطباء المنابر ، في الحسينيات ومحلات العبادة والدور ، تعقد طوال أيام شهري محرم وصفر ، وخاصة في العشرة الأولى من شهر محرم كل سنة ، من قبل الشيعة فيها. وغالبية هؤلاء الخطباء يفدون على هذه البلدان من العراق وإيران ، وبالأخص على الكويت ، والبحرين ، ومسقط ، وقطر ، وقطيف ، التي تسكنها

ص: 53

جاليات شيعية كبيرة قبل حلول شهر محرم بعدة أيام ، استعدداً للاشتراك في تلك المجالس الحزينة ، وسرد قصة مقتل الامام الشهيد وصحبه وآله. وأما مشاهد السبايا والهوادج ، واللطم ، والضرب على الرؤوس والوجوه والصدور ، فقليلاً ما تبدو للشخص في هذه البلدان ، لو استثنيا يوم عاشورا فقط.

وقد وصف بعض الكتاب وخاصة الافرنج منهم ما شاهده من هذه المشاهد المؤلمة والمظاهر الحزينة ، في كتاباتهم ومذكراتهم ، أنقل منها نبذة على سبيل المثال :

1 - جاء في الصفحة «380» من « موسوعة العتبات المقدسة » الجزء الأول - قسم كربلاء - نقلاً عن الكاتبة الانجليزية « فرايا ستارك » في كتابها « صور بغدادية » عما شاهدته في الكويت من مجالس التعزية التي تقيمها النساء فيها ، بعد أن تصف هذه المجالس ، قولها :

« ويؤخذ الأطفال الايرانيون الموجودون في الكويت الى الملاّ في يوم العاشر من محرم ليمرر تحت ذقونهم امراراً رمزياً سكينته الكبيرة ، دلالة على فروض التضحية والفداء ».

ثم تعقب الكاتبة على ذلك قائلة :

« وهكذا تمر الحقيقة الناصعة من الميثولوجيا الى الديانة الحقة ، ومن الديانة الى التصوف. ومن المفيد أن تجدهم يتمسكون اليوم بهذه الطقوس البسيطة التي تدل على أول يوم فتحنا فيه أعيننا للوجود في هذا العالم ، لئلا ننسى الأخوة الانسانية ».

أما في الأردن وفلسطين وإن لم تسكنها جاليات شيعية تقوم بأداء شعارات الحزن والنياحة على الامام الحسين علیه السلام فيها حسب العرف المتبع عند الشيعة لكن العادة جرت عند الأسر العريقة من مختلف الطوائف الاسلامية منذ عهد بعيد وحتى الآن بالإنفاق على الفقراء والمعوزين يوم العاشر من المحرم « العاشوراء الحسيني » بما يتوفر لديها من الطعام ، كما تطبخ في هذا اليوم طبخة حساء تتألف

ص: 54

من بعض البقولات والحبوب والبصل ثم تعرض على كل عابر للتناول منها ولو قليلاً جداً ، ويفرق منها على البيوت ، والجميع يتناولون ولو ملعقة منها للبركة والثواب ، وكثير من العائلات تعطل أعمالها اليومية في هذا اليوم الحزين ، وتمتنع خاصة عن عملية الغسيل ، منتهجين في ذلك نهج السيدة الجليلة أم سلمة زوجة الرسول الأعظم صلی اللّه علیه و آله حينما نعي اليها الامام الحسين علیه السلام .

* * *

ص: 55

ص: 56

الفصل الخامس والعشرون: النياحة على الحسين علیه السلام في سائر أقطار القارة الاسيوية

الف - في ايران :

أما في ايران فمنذ أن وصلها نبأ الحادث المحزن باستشهاد الامام الحسين علیه السلام وآله وصحبه ، فقد عمت الأحزان الأوساط الايرانية من شعبية ورسمية ، نظراً لأواصر المصاهرة التي ربطت الايرانيين الفرس بأسرة الامام الحسين علیه السلام بتزوجه الأميرة شهربانو « شاهزنان » بنت الملك يزدجرد ، التي ولدت له الامام علي بن الحسين زين العابدين علیه السلام ، مضافاً الى ولاء كبار رجال إيران للامام علي بن أبي طالب وآله وبيته ، كسلمان الفارسي وغيره. ثم تحولت هذه الأحزان بصورة تدريجية الى مناحات ومآتم محدودة في داخل الدور وفي المجتمعات الخاصة ، وتطورت بعد ذلك ، حيث اتسعت دائرتها وأخذت تقام بصورة علنية على شكل إنشاد المراثي ، وذكر واقعة الاستشهاد ، بالاستناد الى المرويات على ألسنة الثقات ، ويحدثنا التاريخ بأن كثيراً من رؤساء قبيلة الأشاعرة وأفخاذها اضطروا الى الهجرة من الكوفة الى اصفهان ثم الى « قم » الحالية وضفاف نهرها للانتجاع ، بعد أن قتل الحجاج بن يوسف الثقفي زعيمهم الأكبر محمد بن سائب الأشعري ، وبعد أن أخذت النكبات تترى عليهم من قبل الحجاج وعمال الأمويين.

ومنذ استقرار هؤلاء المهاجرين التابعين للامام علي علیه السلام وآله في هذه الناحية خلال مدة عشر سنوات - أي من سنة «73 ه» الى سنة «83 ه» - شرعوا

ص: 57

بإقامة أسس بناء مدينة « قم » ونشر العمران فيها ، كما بدأوا فور سكناهم هنا بإقامة المآتم والمناحات في مجتمعاتهم الخاصة ومجالسهم السرية على شهيد الطف علیه السلام خاصة أنهم كانوا قريبي عهد بالفاجعة وتفاصيلها وملابساتها ، مرددين فيها ما جرى على الامام الحسين علیه السلام وآله في مذبحة عاشوراء.

ولقد استمر هؤلاء الأشاعرة الشيعة على إحياء ذكرى الطف الحزينة في يوم عاشوراء من محرم كل سنة وإقامة العزاء فيه ، ثم تناقل الخلف عن السلف هذا التقليد الحزين ، الى أن حلت الآنسة فاطمة بنت الامام موسى بن جعفر علیهماالسلام وأخت الامام علي بن موسى الرضا علیهماالسلام هذه المدينة سنة «201 ه» آتية من مدينة الرسول صلی اللّه علیه و آله وقاصدة أخاها الامام الرضا علیه السلام في مرو بخراسان ، ولكن الأجل لم يمهلها فكانت مدة إقامتها في هذه المدينة «17» يوماً مريضة طريحة الفراش في دار موسى بن الخزرج بن سعد الأشعري ، وبعد وفاتها دفنت في أرض كانت لهذا المضيف الجليل ، وأصبح قبرها روضة فيما بعد وللآن يقصده الميع للزيارة والتبرك وإقامة المأتم الحسيني حوله.

وبعد دفن هذه العلوية العذراء التي اشتهرت ب- « معصومة قم » تعاظمت سلطة الشيعة الأشعريين في هذه الناحية واتسع نطاق إقامة مآتم ذكرى شهيد الطف الحزينة بين مختلف طبقات سكان هذه المدينة وما جاورها من القرى والقصبات.

وهكذا كان الاشاعرة المهاجرون من الكوفة الى هذه الناحية في إيران من الأوائل الذين بذروا بذور التشيع لآل علي علیه السلام فيها ، مستغلين موضوع استشهاد الامام علیه السلام بكربلاء ومقيمين مآتمه وعزاءه ومجالس النياحة عليه.

أما في مرو بخراسان فعلى عهد الامام الثامن علي بن موسى الرضا علیهماالسلام الذي بدأ منذ أخريات القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجري ، فقد تعززت نهضة إقامة المآتم والمناحات واحياء ذكرى استشهاد الحسين علیه السلام ، بالأخص وأن

ص: 58

سياسة المأمون العباسي كانت تميل الى مسايرة العلويين وإطلاق الحرية لهم في إقامة شعائر الحزن والعزاء على الامام الشهيد. وقد مر ذكر تفصيل ذلك في الفصل الخاص بالمناحة على عهد الامام الرضا وابنه الامام محمد التقي علیهماالسلام .

وبعد استشهاد الامام علي بن موسى الرضا علیهماالسلام في طوس تبلورت حركة إقامة المناحات وحفلات العزاء على الامام الشهيد في إيران ، وتطورت بتطور سياسة الحكومات التي كانت تتولى السلطة في أنحاء إيران ومناطقها المختلفة بين القوة والضعف. فكانت هذه الحركة تسير سيرها المدي في بعض الاصقاع التي كانت تحكمها السلطة الموالية لآل بيت النبي صلی اللّه علیه و آله ، كالامراء البويهيين ، وتسير سيرها الجزري في الأقاليم الأخرى التي تتولى السلطة فيها حكومة تعادي العلويين وتناهضهم ، وقد استمرت هذه الحالة الى أن استولى على الحكم في إيران الملوك الصفويون ، الذين استطاعوا أن ينشئوا في إيران حكومة مركزية تسيطر على جميع الأقاليم الايرانية ، وأن يوجدوا في هذه البلاد وحدة متماسكة تحكمها حكومة مركزية قوية واحدة ، هي الدولة الصفوية.

وقد اهتم ملوك هذه الدولة الشيعية اهتماماً عظيماً بالعزاء الحسيني ومأتمه في داخل البيوت وخارجها ، وفي المساجد ، والتكايا ، والمعابد ، والأسواق ، والشوارع ، والساحات العامة ، وحتى في البلاط ودوائر الدولة ، كما تنوعت وتشعبت اساليب هذه المناحات وعمت جميع طبقات الشعب ، وأصبحت تقاليد متأصلة في النفوس ، كما أن الحكومات التي خلفت الدولة الصفوية في إيران كالأفشارية والزندية سارت على نفس نهج تلك الدولة ، في إحياء هذه الذكرى الحزينة ، وإقامة شعائرها ومتابعة تقاليدها. وخاصة على عهد الملوك القاجاريين وحتى الوقت الحاضر.

وأدرج فيما يلي بعض ما عثرت عليه في بطون الكتب والأسفار عما تقدم ذكره في هذا الأمر :

ص: 59

1 - جاء في كتاب « الشيعة والتشيع » للسيد أحمد الكسروي ما نصه :

« فمن الواضح أن الشيعة قد رجوا من ذكر مصاب الحسين والنوح عليه فوائد لهم ، والظاهر من أقوال المؤرخين أن إقامة شعائر المأتم ، وإحياء ذكرى مصائب آل علي علیهم السلام وإنشاد المراثي وإقامة العزاء على الحسين ، قد راجت في ايران لأول مرة على أيدي البويهيين ، وأن أحمد معز الدولة رحل من إيران الى بغداد سنة 334 وأعلن المذهب الشيعي فيها رسمياً ».

2 - وجاء في الصفحة «87» من الكتاب نفسه ما نصه :

« ثم لما قام الصفويون في إيران أشاعوا المناحة بين الايرانيين ؛ فأقبل العامة عليها إقبالاً عاماً ، وكبرت وظهرت فيها أعمال ضرب الجسد بالسلاسل ، وجرح الرأس ، وإقفال البدن ، وغير ذلك مما لا حاجة الى عدها ... » الخ.

3 - وجاء في الصفحة «88» منه ما عبارته :

ففي أيام القاجاريين في إيران كانت إقامة المأتم والاحتفال بمصاب الحسين شغلاً شاغلاً للشيعة ، يقضون نصفاً من ساعاتهم فيها ، وكان الناس يزيدهم إقبال عليها ما كانوا يسمعون من الاحاديث في فضل البكاء ، فقد روي عن أئمة الشيعة أنه : « من بكى أو أبكى أو تباكى وجبت له الجنة » فمن المسلّم عند الشيعة أن البكاء على الحسين من أفضل العبادات ، وأن من بكى عليه غفر اللّه ذنوبه ولو كانت عدد الرمال ... » الخ.

4 - ولقد سمعت من بعض المعمرين الذين أدركوا عهد قيام الملك ناصر الدين شاه ، كبير ملوك السلسلة القاجارية ، في زيارته. للعتبات المقدسة في العراق ، سنة 1287 ه- ، أنه حينما كان يزور مشهد الامام الحسين علیه السلام وهو عند ضريحه المطهر ، إذ خطب أمامه أحد خطباء المنبر الحسيني خطبة مؤثرة جداً عن الفجيعة الحسينية ، وتطرق أثناء كلامه الى كلمة يقال انها بدرت يوم عاشوراء من الامام الحسين علیه السلام في أحرج ساعاته ، وهي : « هل من ناصر ينصرني؟ » فقال الخطيب

ص: 60

صارخاً : أن ناصرك قد أتى ، وهو الآن بين يديك لينصرك فضج الجميع بالبكاء ، وكان نحيب ناصر الدين شاه وبكاؤه أعظم منهم وأنه رفع تاجه من رأسه وألقاه بحرارة أمام الضريح من شدة التأثير.

5 - جاء في الصفحة «220» من كتاب « جولة في ربوع الشرق الأدنى » لمؤلفه محمد ثابت المصري ، المطبوع في القاهرة سنة «1934 م» ، عند زيارته لمدينة مشهد الرضا في إيران وهي حاضرت اقليم خراسان ما نصه :

« أما شهرا محرم وصفر فأيام حداد ، لا يدار فيها لهو ولا موسيقى ، ويحيون 2 لياليها بجلسات الحداد ، يستمعون لقصص علي والحسين وهم يبكون. وغالب البيوت تراعي ذلك ليلة الجمعة من كل أسبوع حتى في غير هذين الشهرين ، وفي يوم عاشوراء - العاشر من المحرم - تقام حفلات في البلاد كلها لمأساة الحسين ».

ويستطرد الكاتب فيقول :

« خرجت من حرم الامام الرضا الى الفناء واذا في كل ركن من أركانه عالم - خطيب - يرتقي منبراً وحوله خلق كثير جلوس على الأرض في وجوم وشبه ذهول ، وهو يقص عليهم أنباء علي والحسن والحسين والأسرة الشريفة كلها ، وجميعهم يبكون ، وكلما أشار في قوله الى الفاجعة صاحوا عالياً ولطموا جباههم ، وخدودهم في قرقعة مؤلمة ، ومنهم الطفل ، والمراهق ، والسيد ، والعجوز ،والكهل الفاني والمثقف ، والأمي الجاهل ، وكنت أعجب لسيل دموعهم وبكائهم المر. وذلك الوعظ وقراءة المقتل يظل طوال اليوم في جميع أركان الأفنية ... » الخ.

ويواصل الكاتب كلامه فيقول :

« وبعد صلاة الغروب أخذ العلماء يقصون على الناس نبأ فاجعة علي والحسين ، والجماهير حولهم ».

6 - جاء في الصفحة «207» من كتاب « تاريخ خلفاي فاطمى » باللغة الفارسية ، تأليف المرحوم عبد الرحمن سيف آزاد ، ضمن البحث عن أجداد آقا

ص: 61

خان الاسماعيلي ، وانتقالهم بعد استيلاء هولاكوا المغولي على قلعة « الموت » قرب قزوين في ايران مركزهم الأصلي الى قرية « انجيدان » من قرى مدينة « أراك » بوسط ايران ، ما ترجمته :

« من الآثار القيمة التي لا زالت قائمة في الحسينية العائدة للشاه خليل الأول في انجيدان - انگيدان بالكاف الفارسية - والتي يحافظ عليها سكان هذه الناحية حتى الآن بكل احترام وتكريم ، هو تمثال نخلة كبيرة جداً وصلبة ، مصنوعة من مادة رخامية ، يرفعها سكان انجيدان في كل سنة أيام عاشوراء وفي مواسم إقامة العزاء الحسيني على أيديهم وفي مقدمة الأعلام والجهازات الأخرى العائدة لسائر القرى ، والسير بهذه النخلة ، يتبعهم الألوف من المشتركين في مراسم العزاء بكل إخلاص وحزن في مختلف القرى حتى يصلوا الى القرب من مدينة « اراك » ، وفي ضواحيها يتبرك الجميع بها بكل احترام وتعظيم. وبعد الانتهاء من مراسم العزاء خلال عشرة عاشوراء تعاد النخلة الى مكانها في حسينية الشاه خليل الأول للحفظ ».

7 - لقد ذكرت الصحف الطهرانية بمناسبة إقامة العزاء الحسيني في مدينة مشهد في العشرة الأولى من محرم ، سنة 1392 ه- ، ما ترجمته :

« إنه لأول مرة في تاريخ ايران تفد على مدينة مشهد أول جماعة منظمة بمواكبها الحزينة ، ومؤلفة من نخبة نساء مدينة بروجود ، تشكل السبايا والمواكب الحسينية وتسير في شوارع مدينة مشهد وفي أفنية صحن الامام الرضا علیه السلام ، على غرار مواكب الرجال ، وتنشد الأهازيج الحزينة وترثي الامام الشهيد وتضرب على الصدور وتنفش الشعور وهي مجللة بالسواد ».

8 - جاء في الصفحة «370» من « موسوعة العتبات المقدسة » قسم كربلاء نقلاً عن كتاب « تاريخ ايران » باللغة الانجليزية ، لمؤلفه السر برسي سايكس ، عن مجزرة كربلاء بعد بيان الحادث المفجع مفصلاً ، ما نصه :

ص: 62

« إن هذه الفاجعة كانت أساساً لتمثيل المسرحية الأليمة سنوياً ، ليس في ايران التي تعتبر العقيدة الشيعية مذهباً رسميا فيها فقط ، بل في كثير من البلاد الآسيوية التي يتيسر فيها وجود المسلمين الشيعة أيضاً. وقد شاهدت هذه المأساة تمثل أمامي مرات عديدة في ايران ، ولذلك يمكنني أن أعترف وأقر بأن الاستماع الى ولولة النساء الصارخة ، ومشاهدة الحزن الذي يغشى الرجال كلهم ، يؤثر تاثيراً عميقاً في المرء بحيث لا يسعه إلا أن يصب نقمته على الشمر ويزيد بن معاوية ، بقدر ما يصبه سائر الناس الحاضرين. والحقيقة أن هذه المسرحية الأليمة تدل على قوة عاطفية جامحة تمتلئ بالحزن والأسى الذي لا يمكن أن تقدر بسهولة ، وأن المناظر التي شهدتها بأم عيني ستبقى غير منسية في مخيلتي ما دمت في قيد الحياة ».

9 - وجاء في الصفحة «7» من مجلة « نامه استان قدس رضوي » العدد المؤرخ 1391 ه- ، وهي المجلة التي تصدرها باللغة الفارسية سدانة مشهد الامام الرضا في خراسان ، ضمن مقال طويل ما ترجمته :

« كان البويهيون من الشيعة المخلصين وقد بذلوا جهدهم من الصميم لنشر المذهب الشيعي واشاعة أحكامه ومبادئه. وقد نقل المؤرخون أن إقامة شعائر المأتم الحسيني وإحياء ذكرى مصائب آل علي علیهم السلام وإنشاد المراثي وإقامة العزاء على الحسين الشهيد قد راجت رواجاً عاماً في إيران لأول مرة على عهد البويهيين ، كما أن أحمد معز الدولة رحل من ايران الى بغداد سنة «334 ه» وأعلن المذهب الشيعي فيها رسمياً ، وأمر بلعن معاوية على المنابر في بغداد ، كما أمر سنة «352 ه» بإقامة الحداد على الحسين يوم عاشوراء وغلق الحوانيت والأسواق فيه ، ولبس الناس في هذه اليوم السواد وناحت النسوة فيه على الحسين مشعثات الشعر ».

ص: 63

ب - في تركية :

وفي الصقع التركي الذي كان يحكمه العثمانيون الى ختام الحرب العالمية الأولى ، ثم الحكومة الجمهورية التركية العلمانية الحالية ، فأينما وجد أفراد من الشيعة وجدت معهم هذه المآتم والنياحات على الامام الحسين وآله وصحبه ، وان كانت على صورة مصغرة وفي البيوت.

وقد نقل لي بعض زوار العتبات المقدسة في العراق من الأتراك ، من سكان القسم الشرقي من الأناضول ، عند مرورهم عبر طهران الى العراق لأداء مراسم زيارة مشاهد الأئمة علیهم السلام في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء ، وهم في الغالب من المزارعين في تلك المناطق التركية النائية المحاذية لآذربيجان الايرانية ، نقلوا بأنهم يقيمون المآتم والنياحات على الامام الشهيد في بعض أيام الأسبوع طيلة السنة ، في الدور وفي مجالس خاصة يشترك فيها من يكون حاضراً ، ويلقي فيها خطيب المنبر الحسيني ما يناسب المقام والمجلس ، من مآثر الامام الحسين علیه السلام وسائر الأئمة الاثني عشر ، ويختم كلامه ببيان نبذة عن مجزرة كربلاء واستشهاد آل بيت النبي فيها. أما في العشرة الأولى من محرم ، ولا سيما في يومي تاسوعاء وعاشوراء ، وفي يوم العشرين من شهر صفر « الأربعين » ولياليها ، فتقام المناحات بتفصيل في مختلف الأماكن والقرى هناك ، ويتلى المقتل ويشترك الرجال والنساء والشيوخ والشباب وغيرهم بإحياء هذه الذكريات الحزينة ، وحتى أن كثيراً من أبناء السنة يشتركون مع الشيعة في هذه المراسيم والشعارات الحزينة.

وأضاف ذلك الزائر : بأن الشيعة في هذه المناطق التركية ، ولا سيما الصوفية منهم على الطريقة البكتاشية التي تميل الى الشيعة ، ينتظرون سنتهم ويعدون أيامها ولياليها ، مغتنمين فرصة حلول شهري محرم وصفر ليعدوا العدة فيهما للسفر الى العراق عن طريق ايران لاداء فروض زيارة أضرحة ائمتهم علیهم السلام في العتبات

ص: 64

المقدسة ، والاشتراك في مراسيم العزاء التي تقام في هذه العتبات ، وخاصة في كربلاء ، وبذلك يكونون قد أدوا واجباً دينياً ، ورفعوا حملاً عن كاهلهم. وأما سبب زيارتهم لهذه العتبات عن طريق ايران ، فهو رغبتهم في انتهاز الفرصة لزيارة ضريح الامام الثامن علي بن موسى الرضا علیهماالسلام في مشهد « خراسان » وهم في طريقهم الى العراق.

وختم الزائر المذكور كلامه هذا بقوله : إن سكان هذه المناطق الشرقية من الأناضول ، السائرين على مذهب الشيعة ، هم من بقايا الأتراك الآذربيجانيين ، ممن اضطرتهم ظروف الحروب المتوالية بين الايرانيين والعثمانيين في القرون الماضية الى الهجرة من آذربيجان الايرانية الى الأناضول التركية.

وفيما يلي أدرج النبذة التالية عن النياحة في تركيا :

1 - جاء في الصفحة «198» من كتاب « المجالس السنية في ذكرى مصائب العترة النبوية » المار ذكره ، نقلاً عن رسالة للدكتور « ماربين » الألماني في فلسفة نهضة الحسين وثورته الكبرى ومأتمه ، مما يدل على إقامة النياحات على الإمام الشهيد في تركيا قوله :

« حضرت مجالس إقامة العزاء على الحسين علیه السلام مراراً في إسطانبول ، مع مترجم خاص ، فسمعتهم يقولون : الحسين الذي هو إمامنا ومقتدانا ، وطاعته وإتباعه واجبان علينا ، لم يتحمل الضيم ، ولم يدخل في طاعة يزيد ؛ ولأجل حفظ شرفه وعلو حسبه وارتفاع مقامه ، بذل نفسه ، بذل أولاده ، بذل عياله ، واستعاض عن ذلك بحسن الذكر في الدنيا والشفاعة في الآخرة والتقرب من اللّه ، وقد خسر أعداؤه الدنيا والآخرة ... » الخ.

وكانت مجالس النياحة والعزاء على الحسين الشهيد تقام أيضاً في اسطنبول ، خاصة في يوم عاشوراء من كل سنة من قبل الجاليات الشيعية المقيمة في هذه المدينة الكبرى ، ويحضرها أحياناً جماعات من السنة ولا سيما الرجال الرسميون ،

ص: 65

مواساة منهم للجاليات الشيعية.

ج - في الأفغانستان :

أما في بلاد الافغان فحيث أن الجالية الشيعية كثيرة العدد فيها وتناهز الملليوني نسمة تقريباً ، وهي من ذرية أولئك الخراسانيين الموالين لآل الرسول صلی اللّه علیه و آله الذين هاجروا من طوس وسائر مدن خراسان الى أفغانستان واستوطنوا مدنها ، ولا سيما مدن قندهار ، وهراة ، وبشاور ، وكابل ، ومزار شريف ، وجلال آباد وغيرها ، وذلك بعد استشهاد الامام الرضا علیه السلام في مدينة طوس سنة 203 ه- ، وضغط الحكومات السنية التي توالت على الحكم في خراسان وما جاورها من البلدان عليهم. فأن هؤلاء قد بقوا متمسكين بموالاتهم لآل البيت علیهم السلام ، واستمروا على ما كان قد اعتاد عليه آباؤهم وأجدادهم من إحياء ذكرى فجيعة كربلاء ومجزرة الطف ، وقد اتسع نطاق هذه الذكرى وإقامة مجالس العزاء ومجتمعات النياحة على الحسين فيها سراً وعلناً بمرور الزمن حتى اصبح من أهم تقاليد الشيعة في افعانستان خاصة على عهد إمارة طاهر الشيعية في هراة ، وبعض وزراء الشيعة من افغانستان. وكانت ولم تزل هذه المجالس العزائية تقام في المدن الأفغانية الرئيسية التي تسكنها الاسر الشيعية ، وبالأخص المدن والقرى والدساكر التي تقع على الحدود الأيرانية وحتى أن في بعض البلدان أنشئت الحسينيات وأقيمت المزارات خصيصاً لإقامة مجالس العزاء الحسيني ومواكب الحزن فيها.

ومنها : « مزار شريف » المقام في قرية خيران من قرى مدينة « بلخ » ، ذلك المزار الذي يدّعي الأفغانيون أنه مثوى جسد الامام علي بن أبي طالب علیه السلام حيث نقل من النجف بعد مرور ما يقرب من قرن على مدفنه فيها الى هذه القرية. وتقام في ساحة هذا المزار والتكية المجاورة له أيام العشرة الأولى من المحرم كل سنة

ص: 66

النياحات ومجالس العزاء ومواكب الحزن على الامام الحسين علیه السلام ويشترك فيها أبناء السنة أيضاً.

ومن أكبر ملوك الأفغان الذي كان يشجع العزاء الحسيني فيها الملك محمود ، الذي كان يميل الى الشيعة ، وعاش في القرن الثالث عشر الهجري.

وقد وقع بيدي قبل أكثر من ربع قرن ، الجزء الأول من كتاب باللغة الفارسية مطبوع في كابل ، باسم : « تاريخ مزار شريف واقع در بلخ » أي « تاريخ مزار شريف الواقع في بلخ » لمؤلفه السيد حافظ نور محمد ، وهو من القطع الكبير ، ويقع في «105» صفحة ، ويتضمن تفاصيل عن كيفية نقل رفات الامام علي بن أبي طالب الى القرية المذكروة - كما يدعى - ومعتقدات الأفغانيين عموماً في ذلك ، وتبركهم بهذا المزار ، وذكر الموقوفات الجسيمة التي أوقفت من قبل السلاطين والعظماء والسراة والأثرياء عليه. وفي بعض صفحات هذا الكتاب المزود بتصاوير كثيرة عن قباب ومآذن وضريح المزار المذكورة ذكر عما تقام في أرجائه وأفنائه من مجالس الذكر والدعاء ، ومنها مجالس العزاء على الامام الحسين علیه السلام .

وقد صدرت الصفحة الأولى وكذا غلاف الكتاب بالحديث النبوي الشريف : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ».

وتكملة للبحث عن النياحة على الامام الحسين في البلاد الأفغانية أنقل تالياً ما ذكره السيد جمال الدين الأسد آبادي المشتهر بالأفغاني في كتابه « تتمة البيان في تاريخ الأفغان » المطبوع سنة 1901 م - 1318 ه- في القاهرة عن الشيعة في أفغانستان وتقاليدهم وشؤونهم وإقامتهم العزاء الحسيني في هذه البلاد :

1 - فقد جاء في الصفحة «150» منه ما نصه :

« وجميع الأفغانيين سنيون ، متمذهبون بمذهب أبي حنيفة لا يتساهلون - رجالاً ونساءً ، وحضريين وبدويين - في الصلاة والصوم ، سوى طائفة « نوري » ، فإنهم متوغلون في التشيع ولهم محاربات شديدة مع جيرانهم السنيين ، ويهتمون

ص: 67

بأمر مأتم الحسين في العشرة الأولى من محرم ، ويضربون ظهورهم وأكتافهم بالسلاسل مكشوفة ».

ويستطرد الكاتب في الصفحة «152» ويقول :

« والأفغانيون مع شدة تعصبهم للدين والمذهب والجنس لا يعارضون غيرهم في حقوقهم ، ولا يتحاشون عن أن يروا شيعياً أو غير مسلم يقيم مراسم دينه ومذهبه ، ولا يمنعون المستحقين منها من نيل المراتب العالية في حكومتهم. فإنك ترى أرباب المناصب في البلاد الأفغانية من الشيعيين « القزل باش ».

وفي الصفحة «165» منه ، عندما يبحث السيد جمال الدين عن القبائل الأفغانية ، ويتطرق الى قبيلة « هزاره » ، يقول :

« وهذه القبيلة على مذهب الشيعة ، إلا فصيلة شيخ علي والجمشيدي. لكنها ليست على شيء من هذا المذهب إلا بغض الخلفاء ، ومحبة علي ، وإقامة مأتم ابنه في عاشوراء ، بضرب السلاسل على الصدور والظهور ، ولا يتقي آحاد هذه القبيلة إظهار مذهبهم ، مع أن التقية من واجبات مذهب الشيعة ، حتى لو سئل أحدهم عن مذهبه لقال بغلو وبدون مبالاة : إني « عبد علي » ولهم زيادة اعتصام بمذهبهم هذا ». ومما يحسن سرده هنا : أن سنياًعرض التسنن على جارية من الشيعة كانت عنده فأبت ، فعزرها وزجرها وألح عليها ، فاستشاطت غيظاً وقالت : « أهون علي أن أكون كلبة ولا أكون سنية ».

وفي الصفحة «170» من الكتاب يذكر المؤلف ما عبارته :

« ومن الطوائف الموجودة في البلاد الأفغانية طائفة الشرفاء « أولاد علي بن أبي طالب » ويلقبون في تلك البلاد بالسيد. وبعض من هذه الطائفة يسكن في « بشنك » من نواحي قندهار ، وبعض منها يسكن ولاية « كنر » الواقعة قرب جلال آباد. ولم يخل شرفاء « كنر » من الكبرياء والعظمة من عهد « بابر شاه » الى يومنا هذا. وللأفغانيين عموماً مزيد اعتقاد بهذه الطائفة. وأما عاداتهم وأخلاقهم

ص: 68

وملابسهم فتماثل عادات الأفغانيين وأخلاقهم وملابسهم ».

ويستطرد الكاتب الجليل كلامه في الصفحة «171» من الكتاب بالتطرق الى طائفة « قزل باش » التي جاءت الى الأفغان مع الملك نادر شاه الايراني ، حين استولى على هذه البلاد ، وهي من أصل ايراني ، ويسكن أفرادها الآن كابل ، وغزنة ، وقندهار ، ويقول :

« وأفراد هذه الطائفة كلهم من الشيعة ، يقيمون مأتم الحسين بن علي بن أبي طالب ، في العشر الأول من محرم ».

ويصف الكاتب أفراد هذه الطائفة بقوله :

« ولهم حذق في الآداب والصنائع والاعمال الديوانية ، ومن أجل ذلك ترى أن المتوظفين في الادارة الملكية الافغانية منهم ، وغالب الامراء يختارونهم لتربية أولادهم ولتعليمهم الأدب والشعر ، ويمتازون بالذكاء والفطنة والنظافة عن بقية سكان البلاد الأفغانية ، ويتصفون بالشجاعة والاقدام ... » الخ.

هذا والأفغانيون الشيعة يقومون بالسفر الى ايران والعراق والحجاز طول السنة ؛ لأداء مراسم زيارة أضرحة الأئمة الاثني عشر في هذه البلدان الثلاثة ، ويزداد عددهم لزيارة العراق عن طريق خراسان بإيران في العشرة الأولى من محرم كل سنة لغرض الاشتراك في شعارات النياحة بكربلاء أيام عاشوراء.

وقد تناقلت الأخبار بأنه لأول مرة في العصر الحديث قام ولي عهد أفغانستان ، ورئيس وزارئها ، وسائر كبار رجال الأفغان الرسميين ، فاشتركوا في حفلات مراسم العزاء التي أقيمت في محرم سنة «1393 ه» في كابل ، من قبل الجالية الشيعية.

د - في تركستان والقفقاز والتبت والصين :

وفي كل من القفقاز وتركستان والصين والتبت وغيرها من البلدان

ص: 69

الآسيوية التي يستوطنها المسلمون ، حيث ان الجالية الشيعية فيها قلة ضئيلة ، فإن شعائر الحزن ومراسم العزاء ومواكبها على الامام الحسين علیه السلام كانت وما زالت تقام فيها في حدود ضيقة جداً ، ولا تتجاوز إقامتها الدور وبعض الحسينيات والمزارات والمساجد.

ففي القفقاز التي كانت حتى قبل 100 سنة تحت الحكم الايراني ، ولا سيما في مدنها المعرة بأكثرية المسلمين فيها ، كنخجوان ، وإيروان ، وباكو ، وتفليس وغيرها ، كانت المناحات ومجالس العزاء ومواكبها تقام فيها بكثرة ، أيام محرم وصفر من كل سنة ، ولا سيما العشرة الأولى من محرم ، وبالأخص يومي تاسوعاء وعاشوراء على غرار ما كان متبعاً في جارة القفقاز الجنوبية ، أي منطقة آذربيجان الايرانية ، ولكن على نطاق أضيق. وقد انتشر أمر تقليد إقامة هذه المراسم العزائية في القفقاز منذ القرون الوسطى ، أي بعد استيلاء إيران عليها.

واستمرت الشيعة في القفقاز على عهد الحكم القيصري بإقامة هذه المناحات حتى انقلاب اكتوبر «1917 م». والقادمون من القفقاز الآن يقولون : إن مجالس العزاء والنوح على الامام الحسين علیه السلام ما زالت تقام في بعض البيوتات الشيعية في نخجوان وباكو ، ولكن تحت الستار وبخفاء تام ي نطاق ضيق جداً.

وفي تركستان وخاصة في مدنها الهامة ، مثل : خيوه ، ومرو ، وعشق آباد ، وسمرقند ، وطشقند ، وبخارى التي لا زالت بعض الجاليات من بقايا الشيعة مستوطنة فيها ، فإن وضع إقامة شعارات العزاء على الحسين علیه السلام لا تختلف كثيراً عن القفقاز ، وإن العائلات الشيعية التي قد لا يتجاوز عددها المئة عائلة في جميع تلك الأصقاع في الوقت الحاضر تقيم مجالس العزاء هذه في دورها بخفاء وخوف ووجل.

وقد انتقلت تقاليد إقامة هذه المراسم العزائية الى تركستان من إقليم خراسان الواقع بجنوبها منذ أوائل القرن الثالث الهجري ، عندما اضطر بعض

ص: 70

أهالي طوس من موالي آل البيت النبوي صلی اللّه علیه و آله الى الهجرة الى بخارى وخيوة ونواحي المتاخمة لها والاستيطان فيها.

ولا زالت آثار بعض الحسينيات التي كانت تقام فيها مجالس العزاء ظاهرة للعيان في مدن تركستان والقفقاز ، مما يدل على أن شعارات إقامة النياحات ومواكب العزاء على الامام الحسين علیه السلام كانت متداولة في تلك الأصقاع حتى انقراض العهد القيصري في روسيا.

أما في إقليم التبت في جنوب الصين فإن ظروف بعض الأسر الشيعية في بلاد الأفغان قد اضطرتها في أواخر القرون الوسطى الى الهجرة اليها والاستيطان فيها ، وإن هذه الأسر بحكم عقيدتها في موالاة آل البيت النبوي علیهم السلام أخذت تقيم مجالس العزاء هذه على الامام الحسين علیه السلام في دورها ، وتعطل أعمالها يومي تاسوعاء وعاشوراء من شهر محرم في كل سنة.

وقد نقل لي بعض طلبة الدين في كربلاء والنجف الذين كانوا يتلقون العلوم الدينية فيهما ، والمنتقلين اليهما من بلادهم « التبت » : بأن أسرهم لا زالت تقيم النياحات ومجالس العزاء على الامام الحسين تحت الخفاء التام ، حيث يجتمع أفراد هذه الأسر الشيعية في دار أحدهم ، ويلقي عليهم خطيب المنبر الحسيني أو أحدهم تفاصيل مجزرة كربلاء حسب ما هو متداول في العتبات المقدسة ، ويجري في هذه المجالس ما يجري في سائر الأقطار الاسلامية ، من البذل والانفاق ، وسكب الدموع ، والنياح ، والبكاء ، والعويل ، والضرب على الصدور ، واللطم على الرؤوس ، والجيوب ، الى غير ذلك من مراسيم العزاء.

أما في بلاد الصين الشاسعة الأرجاء فتقيم الجاليات الشيعية فيها في العشرة الأولى من محرم ، وبالأخص يوم عاشوراء العزاء الحسيني ومأتمه في دورها تحت الستار ، على غرار ما يفعله الشيعة في صقع التبت ، إذ المعروف أن أكثر شيعة الصين قد انتقلوا اليها في الثلاثة أعصر الأخيرة من تركستان وبلاد الأفغان ، عبر صقع

ص: 71

التبت.

وقد رأيت ضمن بعض الاحصائيات عن عدد المسلمين في الصين بعد الحرب العالمية الأولى : أن عدد الشيعة الذين يستوطنون البلاد الصينية لا يتجاوز العشرة آلاف نسمة. وهؤلاء رغم قلتهم الضئيلة متمسكون بتقاليد مذهبهم وطقوسه ، ومنها إحياء ذكرى مجزرة كربلاء واستشهاد الامام الحسين وآله وصحبه فيها ، وإقامة المأتم الحسيني وعزائه أيام عاشوراء ، في دورهم ، وفي مجالسهم ومجتمعاتهم الخاصة ، والانفاق فيها.

ه- - في شبه القارة الهندية :

أما في شبه القارة الهندية - أعني الهند والباكستان - فقد اعتاد سكانها على اختلاف مللهم ونحلهم ، وخاصة المسلمين منهم على إقامة المأتم على الامام الحسين علیه السلام وبذل النفس والنفيس في هذا السبيل منذ أن تسربت أخبار هذه الفاجعة في أواخر القرن الأول الهجري الى تلك الأصقاع ، وأنباء إقامة هذه المهرجانات الحزينة في الهند والباكستان متوفرة منذ أكثر من إثني عشر قرناً ، وقد طفحت الكتب والصحف بذلك ، مما يدل على اهتمام المسلمين وخاصة الشيعة منهم في أنحاء شبه القارة الهندية بهذه المناحات ، وبإقامة المآتم والتعازي ، وتسيير السبايا والهوادج ، وتشكيل مجالس العزاء واجتماعات الحزن في شهري محرم وصفر من كل عام ، ولا سيما في العشرة الاولى من محرم على الامام الحسين وآله وصحبه « رضوان اللّه عليهم ».

هذا وقد تأثر الهندوس والأقوام الهندية الأخرى غير المسلمة بمشاهد هذه المآتم والنياحات وحفلات الحزن ، فسايروا المسلمين فيها ، وأصبحت لديهم من العادات والتقاليد المتمسكين بها في هذين الشهرين ، وحتى أن في بعض المدن والمناطق الهندية أنشأ الهندوس ا لمباني والعمارات وأوقفوها على الامام

ص: 72

الحسين علیه السلام ومناحاته ، وأطلقوا عليها اسم ( الحسينية ) تأسياً بالمسلمين. ويقيمون فيها شعائر الحزن والأسى والمأتم ، وأصبح اسم الحسين علیه السلام لديهم من الأسماء التي يتبركون بها ويقدسونها ، ولا يذكرون هذا الاسم إلا بكل احترام وتعظيم وتجليل.

وأدرج فيما يلي ما توصلت الى العثور عليه من وصف لهذه المناحات في شبه القارة الهندية :

1 - وصف العلامة السيد عبد اللطيف الموسوي الشوشتري (1) في الصفحات المختلفة من مؤلفه القيم « تحفة العالم » باللغة الفارسية عند شرح تجوالة في مختلف أنحاء الهند ، وصف هذه المناحات وإقامة المآتم على الامام الحسين علیه السلام وصفاً دقيقاً ، أقتبس منه نبذاً تلائم بحثي في هذه الرسالة ، مترجماً إياها منه :

« نياح الهنود في دكن - حيدر آباد - : والغريب في هذه المدينة إنه على الرغم من عدم الشعور بالاسلامية فيها ، فان العظماء والأثرياء والهنود فيها يقيمون المآتم العظيمة على الامام الحسين علیه السلام في أماكنها الخاصة. فانهم فور رؤيتهم هلال شهر الأحزان يلبس الجميع لباس الحداد والحزن ، ويلقون جانباً الملذات ولذائذ الحياة ، ومعظمهم يتركون نهائياً تناول المأكولات والمشروبات اللذيذة. وحتى أن بعضهم لا يدعون الطعام يمر في حلقومهم خلال مدة الأيام العشرة الأولى من المحرم ، ويقضون ليلهم ونهارهم في هذه الأيام بترديد النياحات وقراءة المراثي ، باللغات الهندوسية ، أو الفارسية ، كما أن كل إنسان منهم يقوم بأطعام الفقراء والبذل على المساكين ، كل حسب طاقته ، ثم يوزعون ماء الورد بالمجان ، ويسبلونه على المارة في كل زاوية من زوايا الأسواق والشوارع والأزقة ، ويصنعون التماثيل من الخشب أو الورق على شكل الأضرحة المقدسة ، ويمرون أمامها. وبعد انقضاء العشرة الأولى من المحرم يلقون بهذه التماثيل إما في

ص: 73


1- هو العلامة السيد عبد اللطيف بن أبي طالب بن نور الدين بن نعمة اللّه الحسيني الموسوي الجزائري المولود سنة 1172 ه- في ايران. والمتوفى حوالي سنة 1219 ه- في الهند.

الأنهر أو يدفنونها في أماكن معينة من الأرض ، ويطلقون عليها اسم « كربلاء » ، أما في لكنهو ، وبنغاله ، وبنارس التي هي من بلاد الكفر أيضاً فقد شاهدت المشاهد والمناظر المذكورة بأم عيني. والغريب أن المسلمين في بنغاله وبقية المناطق الآهلة بهم يقلدون الهنادكة في تلك الحركات والشعائر ، فهم لا يتناولون الطعام ، ولا يشربون الماء ، أو يقتصرون منهما على أقل ما يمكن ، وفي مجالس المآتم ومجتمعات النياحات يبقون واجمين ، والفريقان يتسابقان في تعذيب الجسد في هذه العشرة الحزينة ، ويخدشون الوجوه ، ويجرحون الصدور ، ويكدمون الرؤوس ويعذبون البدن بالضرب واللطم تعذيباً يفقدون معه وعيهم.

أما في حيدر آباد دكن ، فان المسلمين والهندوس يقومون بحركات ما أنزل اللّه بها من سلطان ، مما لا يستطيع العقل أن يتصورها ، فإن كثيراً من أعزة القوم هناك يقيدون أيديهم وأرجلهم بالسلاسل الحديدية ، ويلقون على عواتقهم مثل هذه السلاسل ، ويقوم رجال من خدمهم بالقبض على رؤوس هذه السلاسل ويسحبون أصحابها كالأسرى والعبيد في مجالس العزاء ومجتمعات النياحة ، وهؤلاء يتمرغلون على الأرض كالبؤساء ، متملقين ومستعطفين ... » الخ.

2 - وجاء في الكتاب نفسه وصف للمأتم الذي يقيمه أحد راجات الهند المعروفين « آصف الدولة » في إحياء ذكرى الامام الحسين علیه السلام ما ترجمته :

« لقد أنشأ آصف الدولة ، ولاءً منه للأئمة الأطهار علیهم السلام ، مقراً عظيماً لإقامة العزاء الحسيني ومسجداً فخماً ، بالقرب من داره وقد أنفق على بنائهما وتزيينهما مبالغ طائلة جداً ، كل ذلك في سبيل إحياء ذكرى استشهاد الامام الحسين علیه السلام وإقامة النياحة عليه ، وقد قيل : إنه لم يكن في الهند كلها بناء أعظم وأوسع وأشرح للصدر من هذا المكان ، أجل إن لشاه جهان مقبرة شامخة في مدينة « أكبر آباد » تسمى « تاج گنج » ويتحدث عنها الناس أحاديث كثيرة تشير الى إعجابهم بها ... ».

ص: 74

ثم يستطرد الكاتب كلامه فيقول :

« إن هذا المقر المخصص لإقامة العزاء الحسيني والمسجد الملاصق له من عجائب الأبنية والعمارات في العالم كله ، ففي كل ساحة من ساحاته «14» قبة شامخة ، وتحت كل قبة ضريح يمثل قبور الأربعة عشر قبراً للمعصومين ، وقد صنعت كل الأضرحة من الفضة الخالصة ، وتضاء هذه الأضرحة أيام العاشوراء ولياليها بأربعمائة أو خمسامائة من الثريا البلورية ، وبألفي ثريا عادية ، وفوانيس بلورية ، وكلها تضاء بالشموع الكافورية ، وقد نصبت عند هذه الأضرحة الساعات الذهبية والفضية بأنواعها المختلفة ، بالإضافة الى سائر الزينات الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة ... ».

ويستطرد الكتاب فيقول :

« أما نفقات هذه الأيام العشرة من شهر محرم لإقامة تلك المآتم فتبلغ ثلاثة « الكاك » (1) من الروبيات ، ولو زاد من هذا المبلغ شيء يوزع على الزوار والفقراء والمستحقين ... ».

3 - نقلت « موسوعة العتبات المقدسة » في صفحتها «373» من المجلد الاول ، قسم كربلاء ، عن كتاب « تاريخ الشيعة في الهند » للدكتور « هوليستر » عن أهمية شهر محرم وإقامة مراسيم العزاء فيه ، ما نصه تالياً :

« إن إحياء مراسيم محرم وطقوسه في الهند قد انتشرت بانتشار الشيعة في البلاد. ويمكن أن تلاحظ في الهند وعلى الأخص في « لكنهو » حيث لا يزال شيء من البهاء والرونق الذين كانت تعرف بهما أيام ملوك « أوده » الأولين ، محتفظاً به حتى اليوم ، من أن البذخ الذي كان يبدو من النوابين الذين صرف أحدهم في سنة من السنين على مراسيم محرم وحفلاته الدينية ثلاثمائة ألف باون قد انتهى أمره ،

ص: 75


1- اللك يساوي 500 الف وحده نقديه.

ومع ذلك فإن الهبات والأوقاف التي أوقفها محمد علي شاه هناك تجعل المراسيم المقامة في محرم اليوم مفعمة بالحيوية والنشاط ، منذ أول ابتدائها من مساء اليوم الذي يتقدم أول يوم منه. كما أن عساف الدولة ملك « أوده » المتوفى سنة «1775 م» ، قد صرف على مراسيم العزاء خلال شهر محرم في إحدى السنين ستة ألكاك روبية ».

ثم يصف الدكتور « هوليستر » كيفية احتفال المسلمين في الهند خلال أيام الحداد العشرة من محرم ، ويعدد أنواع هذه الاحتفالات وأشكالها. فيبدأ بوصف مجالس التعزية التي تقرأ فيها قصة مقتل الحسين بصورة متسلسلة موزعة على عشرة أيام ، مبتدئة بدعوة أهل الكوفة للإمام علیه السلام ، ومنتهية باستشهاده المفجع. يقول :

« إن اليومين الأولين يروى فيهما للمحتفلين المحتشدين تهيؤ الحسين للسفر ، وزيارة المقربين له ، ومذاكراته معهم ، والمشهورات التي قدمت له ، ثم سفره ووصوله الى كربلاء. وتروى في اليوم الثالث أخبار المخيم الذي خيم فيه الحسين وآله وأصحابه ، وتردده ما بينه وبين النهر ، ومذاكرة بني أسد حول دفن القتلى الذين يمكن أو يخرّوا صرعى في ساحة القتال. أما في اليومين الخامس والسادس فتقص على المحتفلين فيها مصائب الامام وصحبه ، والبطولة التي ابداها علي الاكبر قبل استشهاده. وفي اليوم السابع تروى قصة القاسم بن الحسن وبطولته في القتال ، علاوة على قصة زواجه بابنة عمه الحسين. ويخصص اليومان الثامن والتاسع لأخبار العباس وأصحاب الحسين الاثنين والسبعين ، بينما تروى في اليوم العاشر الظروف الأليمة والشكل الفظيع الذي قتل فيه الامام الشهيد ، وهو بيت القصيد من مجالس التعزية كلها ».

ويستطرد « هوليستر » فيقول :

« إن هذه المجالس كما يسميها الهنود المسلمون لا تقام في المساجد والجوامع

ص: 76

التي تخصص للصلاة فقط ، وإنما تقام عادة في أماكن خاصة ، أو « الحسينيات » يطلق على الواحدة منها في الهند : « إمام باره ». وهذه تخصص لمجالس التعزية وحدها في الغالب أيضاً. ويذكر بالمناسبة : أن إحدى « الامام بارات » هذه قد بنيت في « جلال بور » بمبالغ جمعت من حاكة البلد ونساجيه ، بعد أن فرضوا على كل قطعه من منتوجاتهم مبلغ « بيزه » واحدة ويقال : إن « الإمام باره » الكبرى التي شيدت في ( هو كلي ) بالبنغال كانت قد كلفت لكين من الروبيات. وهناك في ( الكنهو ) ثلاث « إمام بارات » كانت ملوك اوده : محمد علي شاه وعساف الدولة وغازي الدين حيدر قد شيدوها بصورة تدعو للاعجاب. ويطلق على التي شيدها غازي الدين اسم : « شاه نجف » لأنها تضم بين جدرانها ضريحاً يعتبر تقليداً لضريح الامام علي في النجف. وعلى الشاكلة نفسها توجد في ( شاء جهانبور ) أيضاً « إمام باره » فيها ضريح يعتبر تقليداً لضريح الحسين كذلك ».

ويصف « هوليستر » ما يسمى في الهند بالتعزية ويعتبرها من أبرز ما يلفت النظر في احتفالات الحداد في الهند أثناء محرم. والظاهر أن كلمة « تعزية » تطلق في شمال الهند على الهيكل المصغر لقبر الحسين ، الذي يحمل مع مواكب العزاء الحسيني في يوم عاشوراء ، وتطلق على هذا في جنوب الهند كلمة - تابوت - ، وقد نشأت عادة حمل هذه الهياكل المصغرة في مواكب العزاء - على ما يقال - منذ أيام تيمور لنك الذي جاء بمثل هذا الهيكل الى الهند من كربلاء نفسها. وتوضع هذه التعازي على اختلاف حجومها ومظاهر الزينة فيها فوق هيكل من الخيزران ، فتحمل على اكتاف الرجال الذين يكونون عادة من الهندوس المستأجرين ، وتزين بأنواع الزينة والزخارف من الخارج ، وقد يعمد الأثرياء والموسرون الى إنشائها من الخشب المغلف بالعاج ، أو الأبنوس ، أو الفضة.

ومما يذكر في هذا الشأن أن أحد ملوك « أوده » كان قد أوصى في انجلترا بصنع « تعزية » مثل هذه من النحاس الأصفر والزجاج الأخضر. وقد شاهد

ص: 77

هوليستر نفسه « تعزية كبيرة » من هذا النوع يبلغ ارتفاعها عشرين قدما ، وذات أربعة طوابق ، ولا تحمل مثل هذه التعزية الكبيرة عادة ، وانما توضع وتزين في أماكن خاصة للتبرك بها.

ويتوسع « هولسيتر » في وصف هذه التعزيات وزينتها وكيفية التبرك بها ، وحملها في المواكب ، وما أشبه ذلك ، ثم يأتي كذلك على ذكر الأعلام التي ترفع بالتفصيل من حيث الشكل واللون والرأس ويقول :

« ان شيعة « لكنهو » محظوظون لأن عندهم وبين ظهرانيهم نفس « البنجة » أوالكف المعدنية التي كانت تعلو علم الحسين بكربلا ، وهي محفوظة في « درگاه » شيد خصيصا لها. أما كيفية أخذها الى الهند فيذكر قصة تروى عنها ، وهي : أن أحد الحجاج الهنود في مكة رآى في المنام ذات ليلة « عباس بن علي » حامل لواء الحسين ، فدله على المكان الذي توجد مدفونة فيه في كربلاء نفسها. وحينما ذهب الحجاج الهندي الى ذلك المكان وجد ( البنجه ) عينها ، فجاء بها الى النواب عساف الدولة عامل لكنهو فعمد هذا الى تشييد مزار خاص لها ، وعهد بسدانته الى الحاج المحظوظ الذي جاء بها من كربلاء بلد الحسين ، وبعد مدة تمرض سعادت علي خان وشفي ، فشيد على أثر ذلك « درگاهاً » أجمل للبنجة المقدسة. ويأتي الناس في اليوم الخامس من محرم الى هذا المركز كل سنة ليلمسوا البنجة بأعلامهم. ويقدر أن الأعلام التي يؤتى بها لهذا الغرض كانت تبلغ في الأيام السالفة حوالي 40 أو 50 ألف علم ».

ويقول « هوليستر » عن المراثي التي تلقى في مواكب العزاء.

« إنها عبارة عن قطع أدبية رائعة في بعض الأحيان ».

ويشير من بينها الى مرثية « المير أنيس » على الأخص التي يقول : « إنها مع ما فيها من طول إغراق في الغلو والمبالغة ، قطعة أدبية بليغة تثير أعمق العواطف وأقوى الأحاسيس ، حينما تقرأ خلال الأيام العشرة كلها ، وتنطوي بين تضاعيفها

ص: 78

على قوة بالغة في الوصف لا بد لأقوى الرجال من أن تدمع عيناه عند سماعها. أما في يوم عاشوراء فتستعد مواكب العزاء للخروج منذ الصباح الباكر في الهند ، وبعد مراسيم مختصرة ترفع « التعزية » العائدة لكل موكب من مكانها في « الامام باره » مع الأعلام ، وتؤخذ مشياً على الأقدام الى حيث تدفن في أماكن ، يطلق على كل منها اسم « كربلاء » ، أما في بومبي فتؤخذ الى البحر وترمى فيه ، لكن « التعزيات » الثمينة والكبيرة تعود بها المواكب الى مكانها الأول ، حيث تحفظ للسنين المقبلة. ويسير الموكب بطيئاً في العادة وعلى خط معين ، لكنه يتوقف عن السير بين حين وآخر لإلقاء المراثي وقراءتها ، ويقوم عدد كبير من الناس خلال السير باللطم على الصدور ، والتنادي بجملة « يا حسين ، يا حسين » بين حين وآخر. بينما يقوم آخرون بضرب ظهورهم يمنة ويسيرة ، بسلاسل الحديد أو الخشب ذي المسامير الحادة ، فيخرجون الدم منها ».

ثم يقول « هوليستر » :

« إن نظام « حيدر آباد » كان قد أصدر سنة 1927 م فرماناً يمنع فيه الضرب على الصدور أو الظهور بالسلاسل والمسامير ، خلال شهر محرم في ممتلكاته. وقد تمسح الدموع التي تذرف خلال محرم بالقطن أحياناً ، ويجمع هذا القطن بالذات من قبل الشخص الحزين نفسه أو شخص آخر ، والمعروف عن هذا القطن أنه مفيد لشفاء بعض الأمراض والأوجاع ».

ثم يستطرد « هوليستر » كلامه عن وصف هذه المآتم والأحتفالات العزائية في الهند ويقول :

« إن عدداً غير يسير من أهل السنة والهندوس يشاركون فيها ، ويعتقدون بها كثيراً. والمقول هناك : إن الطبقات الدنيا من الهندوس في مقاطعة « بيهار » يعبدون الحسن والحسين بالفعل ، ويعتبرونهما في صف الآلهة. وإن النساء والرجال من بين الطبقات العليا كذلك مثل « الكياشئا » و « الأنمار والأوالراجيوت »

ص: 79

ينذرون من أجل الحصول على النسل والأولاد أن يقوموا ببعض الأدوار في مواكب محرم ، لعدة سنين ، وخلال مدة حياتهم كلها في بعض الأحيان ، وهؤلاء يمتنعون خلال محرم عن تناول الملح والطعام الحيواني ، ويهجرون جميع وسائل الترف. ويتعتبر مختلف طبقات الهندوس في « بارودا » التعزيات التي تحمل مواكب العزاء أشياء مقدسة ، وهم يمارسون بعض الحركات للتبرك بها ، مثل المرورمن تحتها أو رمي أنفسهم على الأرض في طريقها ».

وتستطرد موسوعة « العتبات المقدسة » كلامها بعد انتهائها من نقل وصف الدكتور « هوليستر » فتقول ما لفظه :

« ولقد روى أحد الصحفيين : أن الهندوس في جنوب الهند من جميع الطبقات - عدا البراهمة - يطلقون على كل علم من أعلام محرم كلمة « بير » ؛ ولهذا صار يدعى علم الامام علي « لال صاحب » كما يعرف عن النساء العقيمات هناك أنهن يرمين بأنفسهن أمام أعلام محرم وينذرون النذور لها للحصول على الأولاد ، وحينما يرزقن بهم يطلقون عليهم أسماء مثل « هوسانا » أي الحسين ، أو فاطمة ، أو فقيراً ، أو ما أشبه.

وقد كان من المعروف في بارودا : أن الرئيس أو « الفيكوار » الهندوسي يرعى مراسيم العزاء في محرم بنفسه ، وأن المهراجا الهندوسي في « غواليور » يقود المواكب كل سنة في عاصمته ويقال : إن منشأ هذا هو أن المهراجا كان قد مرض قبل خمسين أو ستين سنة ، فرأى ذات ليلة من ليالي مرضه الامام الحسين في المنام فقيل له : إنه سوف يشفى ويبل من مرضه في الحال إذا ما أقام مجلساً من مجالس التعزية في محرم باسم الحسين علیه السلام ووزع الصدقات فيه ، وقد فعل ذلك ، فشفي بإذن اللّه ، فبقيت العادة حتى يومنا هذا. لكن المهراجا الحالي من نسله صار يكتفي اليوم بركوب حصان فاره يتقدم به موكب العزاء في يوم عاشوراء ، وتقوم خزينة الدولة هناك بتسديد مصاريف الموكب ».

ص: 80

4 - جاء في الصفحة «131» من كتاب « سفر نامه حاج بير زاده » باللغة الفارسية ، أي « رحلة الحاج بير زاده » من طهران الى لندن ، عند اجتيازه بمدينة بومبي في الهند ، ما ترجمته :

« والشيعة الإثنا عشرية من الهنود والايرانيين في بومبي كثيرون ، ولهم فيها مساجد وحسينيات زاهرة. وفي الهند يطلقون على الحسينية اسم : « إمام باره » يقيمون فيها في أيام شهر محرم وعشرة عاشوراء التعازي والمآتم على الاما الحسين الشهيد علیه السلام ».

أقول : إن الحاج محمد علي بير زاده ، وهو من أعاظم رجال الصفوية في إيران ، قام برحلته تلك سنة «1306 ه».

وقد أثبت التاريخ بمروياته أن اشتداد تمسك سكان شبه القارة الهندية بالعزاء الحسيني وذكراه قد ظهر على أتم صورة خلال القرون الأربعة الأخيرة ، أي بعد أن أصبح تردد الايرانيين ، من علماء وأمراء وادباء وسفراء وتجار وغيرهم ، يزداد على الهند ، وخاصة على عهد السلسلة الصفوية ، التي كانت صلاتها بملوك وأمراء الهند قوية ومستحكمة ، مما أدى الى انتشار المذهب الشيعي في هذه البلاد أكثر فأكثر.

5 - جاء في الصفحة «196» من كتاب « المجالس السنية » المار ذكره ، نقلاً عن رسالة الحكيم الألماني الدكتور ماربين ، عن النهضة الحسينية وأثرها في الاسلام والعالم الاسلامي ما نصه :

« كانت الرئاسة الروحانية بعد الامام الحسين في أولاده واحداً بعد واحد. وهؤلاء أيضاً جعلوا إقامة عزاء الحسين الجزء الأعظم من المذهب ، وألبست هذه النكتة السياسية شيئاً فشيئاً اللباس المذهبي. وكلما ازداد قوة أتباع علي علیه السلام ازداد إعلانهم بذكر مصائب الحسين ، وكلما سعوا وراء هذا الأمر ازدادت قوتهم وترقيهم ، وجعل العارفون بمقتضيات الوقت يغيرون شكل ذكل مصائب الحسين

ص: 81

قليلاً قليلاً فجعلت تزداد كل يوم بسبب تحسينهم وتنميقهم لها ، حتى آل الأمر الى أن صار لها اليوم مظهر عظيم في كل مكان يوجد فيه مسلمون حتى أنها سرت شيئاً فشيئاً بين الأقوام وأهل الملل الاخرى ، خصوصاً في الصين والهند ، وعمدة أسباب تأثيرها في أهل الهند ، هو أن المسلمين جعلوا طريقة إقامة العزاء مشابها لمراسيم إقامة العزاء عند أهل الهند. وقبل مائة سنة لم تكن إقامة عزاء الحسين شائعة في الهند شيوعاً تاماً وظاهرة علناً ، وفي هذه المدة القليلة استوعبت بلاد الهند من أولها الى آخرها ، ويظهر أنها في كل يوم في زيادة. ولعدم اطلاع بعض مؤرخينا على كمية وكيفية هذه المآتم ورواجها استرسلوا في كلامهم علىغير علم ، وجعلوا يصفون إقامة أتباع الحسين لها بأنها أفعال جنون ولم يقفوا أبداً على مقدار ما أحدثته هذه المسألة من التغييرات والتبدلات في الاسلام ، والحس السياسي ، والثوران والهيجان المذهبي ، التي ظهرت في هذه الفرقة من إقامة هذه المآتم لم يرمثلها في قوم من الأقوام. إن من يسبر غور الترقيات التي حصلت في مدة مائة سنة لأتباع علي في الهند - الذين اتخذا إقامة هذه المآتم شعاراً لهم - يجزم بأنهم متبعون أعظم وسيلة للترقي. كما أن أتباع علي والحسين في جميع بلاد الهند كانوا يعدون على الأصابع ، واليوم هم في الدرجة الثالثة بين أهل الهند من حيث العدد ، وكذلك في سائر البلدان. وعندما نقيس منهم دعاتنا « المبشرين » مع صرف تلك القوة والثورة بمنهج دعاة هذه الفرقة ، نرى أن دعاتنا لم يحوزوا العشر من تقدم هذه الفرقة ، رؤساء ديننا وإن كانوا يحزنون الناس بذكر مصائب حضرة المسيح ، ولكنه ليس بذلك الأسلوب والشكل الذي يتخذه أتباع الحسين. ويحتمل أن يكون السبب في ذلك أن مصائب المسيح في جنب مصائب الحسين لا تكون مؤثرة ومشجية للقلب ، بتلك الدرجة التي لمصائب الحسين على مؤرخينا أن يطلعوا على حقائق رسوم وعادات الأغيار ، ولا ينسبونها الى الجنون ».

ثم يستطرد هذا المحقق الألماني ويقول :

ص: 82

« نحن الأوربيين بمجرد أن نرى لقوم حركات ظاهرية في مراسيمهم الملية أو المذهبية ، منافية لعاداتنا ننسبها للجنون والتوحش ، نحن غافلون عن أننا لو سبرنا غور هذه الأعمال لرأيناها عقلية سياسية ، كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة الشيعية ، وفي هؤلاء القوم بأحسن وجه. والذي يجب علينا هو أن ننظر الى حقائق عادات وتقاليد كل قوم ، وإلا فإن أهل آسيا أيضاً لا يستحسنون كثيراً من عاداتنا ، ويعدون بعض حركاتنا منافية للآداب ويسمونها بعدم التهذيب ، بل بالوحشية ، وعلاوة على تلك المنافع التي ذكرناها ، والتي هي طبعاً أثر التهيج الطبيعي ، فإنهم يعتقدون أن لهم في إقامة مأتم الحسين درجات عالية في الآخرة ... » الخ.

6 - جاء في الصفحة «79» من المجلد « 56 » من « أعيان الشيعة » ما لفظه :

« كانت للمجالس الحسينية التي تعقد بانتظام خلال شهري محرم وصفر في مدن الهند والباكستان ، وأحياناً أيضاً خلال بقية الشهور الأثر الفعال ، لا في إنماء المعارف الدينية فحسب ، بل في التقدم الخلقي والعقلي والروحي للشيعة ، وبفضل هذه المجالس التي تقام لذكرى شهيد الاسلام العظيم الحسين بن علي علیهماالسلام نبغ بين الشيعة في شبه القارة الهندية خلال الأجيال الطويلة فحول الشعراء والكتاب وأخيراً الخطباء ... » الخ.

7 - جاء في الصفحة «254» من كتاب « دراسة في طبيعة المجتمع العراقي » للدكتور علي الوردي عن النياحة على الحسين في الباكستان ما نصه :

« إن مدينة تيري والمناطق المجاورة لها في الباكستان تحتوي على كثير من الشيعة الذين اعتادوا أن يقيموا المواكب الحسينية في يوم عاشوراء من كل عام. والغريب أن هذه المدينة فيها مدرسة دينية يدرس فيها المذهب الوهابي ويقيم فيها كثير من طلبة العلم ، واسمها « مدرسة الهدى ».

وأخذ الوهابيون يضايقون الشيعة ويهددونهم لكي لا يقيموا المواكب حسب عادتهم في كل عام ؛ فالمواكب في نظرهم بدعة ومروق عن الاسلام. وفي

ص: 83

عام «1962 م» استعد الوهابيون لمنع المواكب بالقوة ، وفي يوم عاشوراء هجم الوهابيون على المواكب بضراوة واستخدموا في هجومهم الأسلحة ، والمعاول ، والمجارف ، والفؤوس ، والخشب ، فسقط المئات من الجرحي والقتلى ، وكانت مذبحة فظيعة. ومما يلفت النظر أن عدداً من أهل السنة قد قتلوا فيها لأنهم كانوا يشاركون الشيعة في مواكبهم ، كما هو الحال في بعض مناطق العراق ».

و - في جنوب شرقي آسيا :

أما في جنوب شرقي آسيا ، وخاصة منها : جزر الهند الشرقية ، وأندونيسيا ، وسومطرة ، والفيليبين ، وملتا ، وجاوة ، التي يكثر فيها المسلمون العلويون الذين هاجروا اليها من حضر موت منذ مئات السنين. فان إقامة حفلات الحزن والعزاء والمناحة على الامام الحسين علیه السلام فيها متداولة على طول السنة ، وبالأخص في العشرة الأولى من شهر محرم كل سنة ، ولا سيما في اليومين التاسع والعاشر منها ، - التاسوعاء والعاشوراء -. وقد بدئ بإقامة مجالس هذه النياحات وشعائر الحزن في تلك الأرجاء والأصقاع منذ أن وطئت أرجل المسلمين من العلويين من أولاد علي العريضي أرضها. وعلى الرغم من مقاومة السلطان القائمة في تلك البلدان ، ولا سيما في جزر الفيليبين للمسلمين وتقاليدهم ، ومنعها لهم من مزاولة فروضهم الدينية ، وعبادتهم وشعائر دينهم ، فإن المسلمين وسيما الشيعة هناك يقيمون هذه المناحات ولو بصورة سرية.

وفيما يلي وصف لبعض ما يقام فيها من هذه الشعائر :

1 - جاء في مقال نشر في العددين 9 - 10 من المجلد «58» من مجلة « العرفان » الصيداوية ، صفحة «1026» المؤرخين ذي القعدة وذي الحجة سنة «1390 ه» بقلم الأستاذ السيد حسن الأمين ، بعنوان : « لمحات من تاريخ الشيعة من أندونيسيا » ما نصه :

ص: 84

« وعلى سبيل المثال يقول العالم الأندونيسي حسين جاجاد ننغرات فذكر انه في اليوم العاشر من المحرم - وهو اليوم الذي يحتفل فيه الشيعة بذكرى استشهاد الحسين - تقوم عائلات عديدة بإعداد طعام خاص يدعونه « بيرسورا » ، وهي كلمة مأخوذة من عاشوراء التي تعني العاشر من المحرم ، وكذلك يدعى شهر المحرم بالجاوية ( سورا ). ونجد أيضاً آثار نفوذ الشيعة في « اتجه » شمالي سومطرا ، إذ يدعى شهر المحرم باسم شهر الحسن والحسين. وفي « مينانج كابو » على الساحل الغربي من سومطرا يدعى شهر المحرم « شهر النعش » ، إشارة لعادة الشيعة واحتفالها بذكرى وفاة الحسين عندما يحملون نعشاً رمزياً ، يسيرون به في الشوارع ، ثم يلقونه في نهر أو مجرى مائي ... » الخ.

ثم يستطرد الكاتب فينقل الجملة التالية عن الكاتب الأندونيسي السيد محمد اسد شهاب ، ضمن البحث عن هجرة العلويين الى جاوة قوله :

« وحتى اليوم لا يزال شهرا المحرم وصفر محترمين عند الكثيرين من الأندونيسيين فلا يقيمون فيهما أفراحاً ، ولا يعقدون زواجاً ، ولا يجرون زفافاً ... » الخ.

2 - وفي الصفحة «70» من المجلد «56» من « أعيان الشيعة » عندما يبحث الكاتب عن تاريخ الشيعة في أندونيسيا يقول ما نصه :

« وقد كان المسلمون الأندونيسيون قديماً يواصلون بعد تأدية فريضة الحج السير الى العراق لزيارة العتبات المقدسة وحضور المأتم الحسيني في كربلاء ... ».

3 - جاء في الصفحة «66» من المجلد «56» من « أعيان الشيعة » أيضاً ما نصه :

« المأتم الحسيني في أندونيسيا : إن رمز البطولة الاسلامية باستشهاد مولانا الامام الشهيد الحسين بن علي علیهماالسلام في شهر المحرم ، له حرمة ممتازة لدى المسلمين في أندونيسيا الى اليوم بوجه عام. ويسمى شهر المحرم « سورا » ، وهذه الكلمة ربما

ص: 85

تحرفت عن كلمة « عاشوراء ». ويطلق على المأتم الحسيني في جزيرة « سومطره » ذكرى التابوت ، وفي اليوم العاشر من المحرم يقام تمثيل رمزي لاستشهاد البطل الاسلامي العظيم الحسين علیه السلام . أما في جزيرة « جاوا » فلهذا اليوم المعظم تقدير خاص وعوائد خاصة ، إذ تطبخ الشوربا فقط على نوعين من اللونين الأحمر والأبيض ، ثم يجمع الأولاد وتقسم الشوربا عليهم ، وهذا رمز للحزن العميق بجمع الاولاد الصغار والأطفال ، وذلك تصويراً لليتم والحزن ، أما اللون الأحمر فهو رمز الدماء الطاهرة المراقة ، واللون الأبيض رمز للاخلاص والتضحية. والى اليوم يعتبر شهرا محرم وصفر من كل سنة عند الكثيرين من الأندونيسيين شهرين محترمين لهما مكانتهما في القلوب ، فلا يقيمون أفراحاً ، ولا يعقدون زواجاً ، ولا يجرون زفافاً ، فالمعتقد السائد : أن من أقام أفراحاً فيهما قد يصيبه نحس. أما في مقاطعة آجيه بسومطره الشمالة ، فيسمى شهر المحرم ، شهر حسن وحسين.

4 - جاء في الصفحة «374» من الجزء التاسع ، من مجلة المرشد البغدادية ، لسنتها الثالثة ، المؤرخ أول رجب «1347 ه» وضمن مقال بقلم « محمد كاظم » عن إقامة النياحات على الامام الحسين علیه السلام في جزر الهند الشرقية ، وخاصة جزيرة سومطره ، ما عبارته :

« لا تزال عادة المأتم جارية في بعض نواحي جزائر الهند الشرقية ، وأغلب المتمسكين بهذه العادة هم من أهالي جزيرة سومطره. وليست هذه المآتم كما يسمونه تابوت على الأصول المتبعة عند الشيعة العلويين. ولكن هذه المآثر - على كل حال - لم تمح بالكلية ، فيظهر جلياً أن المذهب العلوي هو المذهب السائد في هاته الجزر ، بفضل العلويين الذين هاجروا اليها لادخال الشعب الجاوي في الديانة الاسلامية سابقاً.

كان المأتم في هاته الجزر قديماً : أنهم يظهرون حدادهم وحزنهم على سبطي الرسول صلی اللّه علیه و آله في يوم معين ، ويقومون بالمظاهرات التي تنم عن شعورهم نحوهما ؛

ص: 86

ولكن لما تمكنت الحكومة الحالية من الاستيلاء على هاته الجزر ، بدأت تمنع تلك المظاهرات رويداً رويداً حتى اضمحلت خصوصاً في جزيرة جاوه ، وبقيت بعض المدن الصغيرة في سومطره تقيم تلك المآتم.

أو من صنع التابوت وأقام المأتم هم أهل ميناء نقطايا - وإحدى مقاطعات جزيرة سومطره - ، وذلك إظهاراً لحزنهم وتفانيهم في حب سبطي الرسول صلی اللّه علیه و آله ، ثم سرت هذه العادة الى غيرها من المقاطعات المجاورة لها ، كمقاطعة آجيه ، وبقكولين.

يبتدئ المأتم عندهم في أول شهر محرم ، وذلك أنهم يخرجون فيها الى أحد الشواطئ ، ويأخذون منه تراباً ؛ يعنون به التراب الذي لطخ به وجه الحسين علیه السلام أثناء حربه ؛ ويضعونه في أحد الفلوات ، ويحيطونه بسور من خشب ، ويتركونه حتى اليوم التاسع من محرم.

ففي التاسع من محرم يخرجون جميعاً ومعهم الطبول والطاس لأخذ بعض جذور أشجار الموز ليضعوه على ذلك التراب الذي وضعوه في الفلاة ، وقد تحدث عند خروجهم مناوشات بين كل فرقة منهم أثناء سباقهم لأخذ ذلك.

وفي اليوم الثاني - أي العاشر من محرم - يخرجون ومعهم التابوت الصغير ، يسمونه « تابوت لينولنق » لطلب الصدقات من المحسنين ، ويحمل ذلك التابوت ولد عليه لباس أصفر يسمونه « انك مجنون » أي الولد المجنون فإذا وصلوا الى أحد البيوت التف الأولاد حوله ، وأخذوا يصيحون بأعلى صوتهم : « حسن حسين » ؛ كأنهم بذلك يذكرون الناس بما وقع علیهماالسلام ، ولا يزالون كذلك من بيت لآخر حتى الساعة الحادية عشرة نهاراً. وعند الساعة الثانية عشرة نصف النهار - الظهر - يبتدئون بضرب الطبول ، وينشدون الأناشيد المحزنة ، مما يثير العواطف ، والصياح والعويل آخذان في الازدياد من المشاهدين ، لماله من التأثيرات التي تذكّرهم بالفاجعة المشؤومة.

ص: 87

وعند الليل يخرجون بشبه أصابع يعملونها من الخشب ، ويلوون عليه قماشاً أو ورقاً أبيض ، ويضعون عليه الزهور ، يمثلون بذلك أصابع الحسين علیه السلام حين قتله الظالمون في كربلاء ، فاذا دخل الليل ابتدأ الناس يعودون الى القرية زرافات ووحداناً ليشاهدوا ذلك المأتم ، ويتغنون الليلة بالأناشيد الرثائية والوقائع المحزنة الى غير ذلك مما صار على الحسين علیه السلام .

وفي الليلة الثانية يخرجون أيضاً ومعهم تلك الأصابع ، ويضعون عليه شبه العمامة يسمونه « سربان » ، يعملونه من الطين الذي وضعوه في الفلاة ، ويحيطونه بخرق بيضاء يعنون بذلك عمامة الحسين علیه السلام التي استعملها في وقائعه. وفي الليلة الثانية عشرة من المحرم يخرجون بالتوابيت والطبول وغيرها مما يعتادون أخذه معهم ، ويقصدون الى بيت حاكم البلد ، ثم يطوفون البلاد بالتوابيت لأخذ شيء من الصدقات مرة أخرى ؛ وعند وصولهم أمام كل بيت ينشدون أناشيد يسمونها « انك ايندنق » مضمونها : « الحوادث والفظائع التي ارتكبها أعداء أهل البيت علیهم السلام ».

وعند النهار يخرج جميع أهل القرية ، ومع كل طائفة منهم تابوت ، ويمشون به الى أحد الشواطئ واثناء ذلك يرتجزون بأراجيز ، كل فرقة تفتخر بتابوتها ، حتى يصلون الى الشاطئ تقريباً السادسة مساء « المغرب ، فاذا وصلوا اليه رموا جميع التوابيت الى النهر أو البحر ، هنا يرتفع الصياح والبكاء تذكاراً للحسين علیه السلام عندما دفن ، ثم يرجع كل منهم الى محله.

هذه خلاصة العادة التي جرى عليها أهل سومطره ، بما فيها من التبدلات والزيادة والنقصان - حسب تطور الزمان - المخالف لما عليه الشيعة الآن في غيرها من الأقطار النائية ، كالعراق ، وإيران ».

5 - لقد نقل لي ابن أختي المهندس الحاج السيد محمد علي الشهرستاني الذي زار بانكوك عاصمة تايلند في العشرة الأولى من محرم سنة «1394 ه»

ص: 88

قائلاً :

« إن العزاء الحسيني يقام على أتم مظاهره في بانكوك وبعض أنحاء تايلند ، فانه شاهد بأم عينه أقامة مجالس العزاء والمآتم واجتماعات النياحات وقراءة المراثي على الامام الشهيد الحسين بن علي علیهماالسلام في هذه العشرة ، وإنه اشترك بنفسه في بعضها ، وخاصة في المواكب الحزينة ومجالس النياحة التي أقيمت في المساجد والحسينيات الأربع التي انشئت في بانكوك على مرور الزمن ومنذ أن نزلها أحد علماء الشيعة قادماً اليها من إيران على عهد الأسرة الملكية الصفوية منذ أكثر من «400 سنة ».

هذا ويقدر عدد الشيعة في الوقت الحاضر في تايلند بألفي نسمة ، يشترك كلهم في هذه المراسيم العزائية التي تقرأ فيها فاجعة الطف بتفاصيلها ، كما ويلبس في هذه العشرة الحزينة وخاصة يومي التاسوعاء والعاشوراء المشتركون في هذه المناحات اللباس الأسود ، وفي المواكب العزائية يتم اللطم على الصدور والظهور ، والضرب على الرؤوس ، وتسيل فيها الدموع مدراراً ، كما أن تقليد توزيع الخيرات وإطعام المساكين في هذه الشعرة الحزينة ، ولا سيما يومي تاسوعاء وعاشوراء قائم على قدم وساق وبأتم وجه بين مختلف الطبقات هناك.

* * *

ص: 89

ص: 90

الفصل السادس والعشرون: النياحة على الامام الحسين علیه السلام في القارة الافريقية

لقد بحثت في فصل سابق عن كيفية انتقال تقليد إقامة المأتم الحسيني وشعائره ، وتسيير مواكبه في بعض أصقاع القارة الافريقية التي انتقل اليها الاسلام منذ القرن الأول الهجري ، وخاصة القطر المصري وبلدان افريقية الشمالية ، وكذا عن اهتمام الملوك الفاطميين في مصر بهذه المآتم والنياحات ومما لا لزوم لتكراره.

أما في هذا الفصل ، فأورد تالياً بعض ما عثرت عليه في بطون الأسفار والكتب عن إقامة المآتم الحسينية في بلدان القارة الافريقية في مختلف القرون ، وخاصة المتأخرة منها :

1 - نشرت مجلة « الهادي » التي تصدر باللغة العربية في مدينة « قم » بإيران ، في عددها الثاني المؤرخ في ذي القعدة سنة «1391 ه» مقالاً بقلم الدكتور عبد اللطيف السعداني ، من فاس بالمغرب ، تحت عنوان : « حركات التشيع في المغرب ومظاهره » جاء فيه :

« بحلول شهر محرم في كل عام يتغير وجه الحياة في المغرب ، حيث يدع الناس أيام الدعة والاستكانة الى الأهواء ، ويتبدلون بها عودة الى محاسبة النفس فيستيقظ الضمير فيهم ، وتعود الذكرى الى حياتهم الاسلامية ليستنير فيهم واقعهم وما هم عليه ، وتحيي في إيمانهم المعنى الخفي للحقيقة التي انتقلت من الوحي النبوي في آل بيته وأبناء عترته ، تلك هي ذكرى عاشوراء واستشهاد سيدنا الحسين.

ففي هذا الشهر نرى الناس في جميع مدن المغرب في هرج ومرج ، لا يمكن أن

ص: 91

يوصف إلا بأن حدثاً عظيماً قد حل بهم ، وأي حدث أعظم من الفتنة الكبرى التي أدت الى انهيار ذلك الطود العظيم ، حفيد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ فاذا هم منصرفون الى القيام بأعمال وتصرفات امتزجت اليوم بكّلهم ، وحلت من السنة محلاً مرموقاً مترقياً ، ولكن الزمن أكسب هذه المناسبة طابع العادة حتى لا يكاد إلا القليل يدرك مغزاها الحقيقي.

غير أن الشيء الذي تعارف عليه أهل المغرب ونظروا اليه نظرة احترام وتقديس ، هو أن شهر المحرم شهر العزاء ، يهيمن فيه الأسى والحزن العميق على القلوب فلا يباح مطلقاً التجمل حتى ولا غسل بيوت أو ثياب ، ولا تزف عروس ، ولا تدق طبول أو تسمع مزامير ، بل إن الناس ليلبسون في هذه المناسبة لباس العزاء في بلاد المغرب ثياباً بيضاً.

وتبدأ الأسر العلوية هذه المراسيم منذ اليوم الأول من المحرم الى العاشر منه ، أما باقي الشرفاء فيستمرون الى آخر الشهر ، ويطبخ في اليوم المشهود الأكل للتصدق به ، وقد جعلت طبقة التجار هذه المناسبة لبذل المال ، فكان هذا اليوم هو يوم الزكاة في السنة ، لكأنما يرمز ذلك الى محاسبة الأعمال. اما الآخرون فيمسكون عن الأكل في هذا اليوم احتساباً لله ، وما ينفك الحزن غالباً على أحوالهم حتى ليعتقدون أنه غالباً ما يصادف أن يبكي الانسان في هذا اليوم ، يوم عاشوراء بل لتجدنهم سعداء بتلك الدموع الغالية التي تذرف تعبيراً عن الألم لفقدان شهيد الحق.

وأما الأطفال فلهم من هذه الذكرى اللعب ، وتلاحظ من بينها قلل الماء الصغيرة التي تهدى اليهم من ذويهم ، وذلك رمزاً للظماً الذي مات عليه شهيد الذكرى. وأكبر ما يستوقف الملاحظ هو مشاهد المراثي التمثيلية بالمراكز التي تقام كل سنة في مدينة مكناس ، وفاس ، ومراكش.

فكيف استقرت هذه العادات في الحيات المغربية؟ وإلى أي حد تغلغلت

ص: 92

عقيدة المغاربة؟ إن للمغاربة منذ بداية تاريخهم الاسلامي حباً شديداً وتعلقاً كبيراً بآل البيت الأطهار ، وليس أدل على ذلك من مؤازرتهم لهم ، حيث وجدوا عندهم الملاذ الأخير بعد أن حوربوا في بلادهم ويئسوا من البقاء فيها ، فالتجأوا الى بلاد المغرب ، فأيدهم المغاربة ، ونصروهم ، واعترفوا بحقهم. وبذلك تكونت في رحاب المغرب الأقصى وبين ظهراني المغاربة الدولة الهاشمية الإدريسية ، وهي أول دولة علوية تتكون في العالم الاسلامي. كما أن أول دولة شيعية ، وهي الدولة الفاطمية ، نشأت وترعرعت في بلاد المغرب بتونس ... » الخ.

ثم يتحدث الكاتب باسهاب عن انتقال بعض العلويين بعد موقعة فخ في ذي الحجة سنة «169 ه» ، وتشكيل الحكومات العلوية في الشمال الافريقي ، وخاصة في المغرب منذ سنة «172 ه» ، وموالاة سكان هاتيك المناطق لآل البيت ، مما لا مجال للولوج فيه بإسهاب. واكتفي بهذا القدر من هذا المقال الذي تطرق فيه كاتبه الى موضوع النياحة على الامام الحسين الشهيد علیه السلام في المغرب بإجمال ضمن بحثه عن النهضات الشيعية في الشمال الافريقي ، وخاصة في المغرب منذ القرن الثاني للهجرة ، وتمسكها من بداية نشاطاتها بموضوع مقتل الامام الحسين علیه السلام في كربلاء ، ثم اعتبار الشعب المغربي هذا الموضوع عقيدة يقوم باحيائها وتجديد ذكراها كل عام في شهر محرم حتى العصر الحاضر.

2 - جاء في الصفحة «211» من كتاب ( إقناع اللائم ) ما لفظه :

« والذي بلغنا ان الخوارج الاباضية في زنجبار يقيمون مراسيم الحزن يوم عاشوراء ، لا مراسيم الأعياد ، وأنهم بقدر بغضهم لعلي وولده الحسن علیهماالسلام يحبون الحسين علیه السلام لقيامه بالسيف ، ومقاومته للظلم ».

وجاء في الصفحة «62» من المجلد «56» من « أعيان الشيعة » ما نصه : « ولا ننسى كذلك اسم المرحوم علي باتو الذي أدى خدمات كبيرة لدولة زنجبار خلال الفترة بين 1914 - 1918 م ، وقد قال له السلطان ذات يوم : « اختر أنت بنفسك

ص: 93

الجائزة التي تريدها مقابل خدماتك » فأجاب على الفور :

كل ما أريده ان يكون اليوم الحادي والعشرون من الشهر التاسع القمري ، واليوم العاشر من الشهر الأول القمري ، يومي عطلة رسمية ، فوافق السلطان على ذلك. ومنذ ذلك اليوم تعطل الدوائر الرسمية كل سنة ، في ذكرى مقتل الشهيد علي ، ومقتل الشهيد الحسين.

أقول : وهذان اليومان هما : 21 شهر رمضان و 10 شهر محرم من كل سنة.

وقد نقل لي هذه الحكاية أيضاً في طهران أحد مسلمي زنجبار الذي هجرها وأقام في عاصمة ايران وقال : ان علي ناتو كان من كبار تجار زنجبار الأثرياء.

3 - أما في مصر فقد مر في فصل سابق ذكر لتاريخ النياحة على الحسين وشعائرها وتطورها في هذا البلد. اما في القرن الحالي فقد لخص الدكتور علي الوردي في الصفحة «233» من كتابه « دراسة في طبيعة المجتمع العراقي » هذه النياحة بما عبارته :

« وقد شهدت المتصوفة يحتفلون بمولد السيدة زينب والامام الحسين في القاهرة ، فيقومون بحلقات الذكر ، ويخرجون بالمواكب والرايات على منوال يشبه من بعض الوجوه ما يفعله الشيعة في العراق ، احتفالاً بوفيات ائمتهم ... ».

كما جاء في الصفحة «78» من كتاب « السيد محسن الامين - سيرته » المار ذكره عند وصفه رحلته سنة 1321 ه- الى الحجاز لأداء فريضة الحج ماراً بمدينة القاهرة بهذا الصدد قوله :

« وزرنا مشهد رأس الحسين علیه السلام فيها - أي في القاهرة - فخلنا أنفسنا في كربلاء ، لأن ما يفعله المصريون في ذلك المشهد لا ينقص عما يفعله العراقيون الشيعة في كربلاء ، وهو مشهد مبني بناءً متقناً ورأينا فيه مدرساً معمماً جالساً على منبر صغير وحوله تلاميذ يستمعون الى درسه ... ».

* * *

ص: 94

الفصل السابع والعشرون: النياحة على الحسين علیه السلام في القارة الاوروبية

اشارة

وفي القارة الاوروبية وخاصة الاقطار القريبة من الصقع الآسيوي ، وبالأخص بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط ، والممالك البلقانية التي كانت ردحا من الزمن تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية ، والتي تغلغل فيها المسلمون على مر الدهور والعصور منذ القرون الوسطى ، فقد كانت النياحة على الامام الشهيد الحسين علیه السلام واقامة شعائر العزاء والحزن عليه متداولة فيها الى حد ما ، ثم ان هذا التقليد الحزين قد تسرب من هذه البلدان الى سائر أقطار القارة الأوربية ، وخاصة خلال القرن الأخير ، وعقيب الحرب العالمية الاولى التي ازداد تردد المسلمين عليها ، واقيمت فيها المساجد ودور الضيافات الاسلامية.

وتحدثنا أنباء هذه الاقطار عن اقامة هذه النياحة على الامام الحسين في عواصم ومدن تلك البلدان في العشرة الاولى من محرم.

وفيما يلي وصف بعض هذه الحفلات الحزينة :

الف - في انجلترا:

1- جاء في الصفحة « 369 » من الجزء الثامن ، من السنة الرابعة ، من مجلة « المرشد » البغدادية ضمن مقال مترجم عن الصحف الانجليزية ما عبارته :

« ان أول ذكرى لشهيد الطف أقيم في لندن بمناسبة يوم عاشوراء ، في 17

ص: 95

جون 1929 م ، الموافق 9 محرم 1348 ه- فقد احتفلت بهذه الذكرى الجمعية الاسلامية الغربية في لندن. وكانت هذه أول مظاهرة إسلامية بهذا الشأن تقام في بريطانيا اجتمع فيها كثير من الانجليز الذي اعتنقوا الدين الاسلامي ، ومن المسلمين الهنود والعرب وغيرهم المقيمين في بريطانيا ، والقيت الخطب على المنابر بوصف مجزرة كربلاء واستشهاد الامام علیه السلام ، وأمّ شهادة الامام كانت لأجل توحيد كلمة المسلمين والوئام بين أفرادهم. ثم ذكر فيها نماذج من كارثة الطف وتضحية الإمام علیه السلام وكان احتفالاً حزيناً ، جرت فيه الدموع على مقتل الامام علیه السلام .

وأضافت هذه الصحف في وصف هذا الاحتفال الحزين وقالت :

« ثم قام الرئيس الدكتور عبد اللّه السهروردي ، وذكر نماذجاً من كارثة الطف ، ومثل للحضور ما برز للحسين علیه السلام فيه من الشجاعة والايثار وحب الحق والمثابرة ، وذكر ما كان عليه أهل البيت على عهد الرسول صلی اللّه علیه و آله من العز ، ثم ذكرهم ( بذي الفقار ) سيف الامام علي علیه السلام ، واستدعى من الزعيم « ذو الفقار علي خان » أن يفيد الجمع بخطابه ، فنهض قائلاً : إن شهادة الحسين قد وحدت كلمة الاسلام ، وأحكمت الرابطة بين المسلمين فانفض الجمع ، وكان الاحتفال يضم كثيراً من المسيحيين أيضاً ».

2 - وقد علمت من بعض الثقات الذين يترددون على انجلترا أنه خلال بعض سنوات الستينات من القرن العشرين الميلادي ، قام المسلمون المقيمون في لندن وبعض مدن انجلترا الأخرى ، بتسيير موكب للعزاء الحسيني في شوارعها في يوم عاشوراء ، لطم فيه المشتركون في الموكب وناحوا فيه على الحسين علیه السلام ولم تمنعهم الحكومة البريطانية من أداء هذه الشعائر ، وقد خطب فيه بعض المسلمين من الانجليز عن هذه الفاجعة الأليمة.

3 - وفي محرم سنة 1394 ه- أفادت أنباء لندن بأن ذكرى العزاء الحسيني أقيم أيضاً في بعض الدور التي يقيم فيها المسلمون في لندن خلال يومي التاسع

ص: 96

والعاشر من شهر محرم - التاسوعاء والعاشوراء - ومن بينها دار العلامة السيد محمد المشكاة أستاذ جامعة طهران سابقاً الذي اختار الإقامة في لندن في الآونة الأخيرة.

ولقد اشترك في هذه المجالس النياحية والحفلات الحزينة كثير من المسلمين الانجليز والجاليات الاسلامية في لندن من عرب وإيرانيين وباكستانيين وهنود وسائر القوميات وفي مقدمتهم رجال السلك الدبلوماسي الاسلامي والعربي المعتمدين لدى البلاط البريطاني (1).

ب - في الأندلس ( أسبانيا ) :

1 - جاء في مقال نشرته مجلة الهادي الصادرة في قم بإيران باللغة العربية في عددها الثاني لسنتها الأولى المؤرخ ذي القعدة 1391 ه- بقلم الدكتور عبد اللطيف السعداني ، بفاس « المغرب » تحت عنوان : « حركات التشيع في المغرب ومظاهره » مشيراً الى أثر التشيع في الأندلس ، وإقامة المأتم على الامام الحسين الشهيد علیه السلام فيما نصه :

« ومن حسن حظّنا هذه المرة أن أحد أعلام المفكرين في القرن الثامن الهجري ، لسان الدين ابن الخطيب ، أسعفنا بإشارة ذات أهمية كبرى ، والفضل في ذلك يعود الى إحدى النسخ الخطية الفريدة من مؤلفه التاريخي « أعلام الاعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام » التي حفظتها لنا خزانة جامعة القرويين بمدينة « فاس » من عاديات الزمن. وبهذه الإشارة تنحل العقدة المستعصية ، وينكشف لنا ما كان غامضاً من قبل ، مما أغفل الحديث عنه المؤرخون مما كان يجري في الأندلس من أثر التشيع ، ذلك أن ابن الخطيب عند حديثه عن دولة يزيد بن

ص: 97


1- كما أفادت الأنباء أن في يوم عاشوراء تسير المواكب في شوارع بريطانيا كأنك في مدينة كربلاء المقدسة فضلاً عن إقامة مجالس العزاء مفصلاً وفي أماكن بعيدة.

معاوية انتقل به الحديث الى ذكر عادات الأندلسيين خاصة في ذكرى مقتل سيدنا الحسين من التمثيل بإقامة الجنائز ، وإنشاد المراثي. وقد أفادنا عظيم الفائدة حيث وصف إحدى هذه المراسيم وصفاً حياً شيقاً ، حتى ليخيل أننا نرى إحياء هذه الذكرى في بلد شيعي. وذكر أن هذه المراثي تسمى الحسينية ، وأن المحفظة عليها بقيت من قبل تاريخ ابن الخطيب الى أيامه ونبادر الآن الى نقل هذا الوصف على لسان صاحبه :

« ولم يزل الحزن متصلاً على الحسين ، والمآتم قائمة في البلاد ، يجتمع لها الناس ويحتفلون لذلك ليلة يوم قتل فيه ، بعد الأمان من نكير دول قتلته ، ولا سيما بشرق الأندلس. فكانوا على ما حدثنا به شيوخنا من أهل المشرق - يعني مشرق الأندلس - يقيمون رسم الجنازة حتى في شكل من الثياب ، يستجنى خلف سترة في بعض البيت ، ويحتفل بالأطعمة ، ويجلب القراء المحسنون ، ويوقد البخور ، ويتغنى بالمراثي الحسنة ».

وفي عهد ابن الخطيب كان ما يزال لهذه المراثي شأن أيضاً ؛ فإنه في سياق حديثه السابق زادنا تفصيلاً وبياناً عن الحسينية وطقوسها ، فقال :

« والحسينية التي يستعملها الى اليوم المسمعون ، فيلوون لها العمائم الملونة ، ويبدلون الأثواب ، كأنهم يشقون الأعلى عن الأسفل بقية من هذا لم تنقطع بعد ، وإن ضعفت. ومهما قيل الحسينية أو الصفة لم يدر اليوم أصلها.

وفي المغرب اليوم ما لا يزال أولئك المسمعون الذين أشار اليهم ابن الخطيب يعرفون بهذا الاسم ، وينشدون ، وكثرت في إنشادهم عل الأخص المدائح النبوية. كما أن الأغنية الأندلسية الشائعة اليوم في بلاد المغرب تشتمل في أكثرها على المدائح النبوية أيضاً » انتهى كلام السعداني.

أقول : ويظهر من هذا الوصف أن النياحة على الامام الحسين وإقامة شعائر الحزن والاسى عليه ، قد تداوله المسلمون في الأندلس منذ أن وطئت أقدام

ص: 98

المسلمين أرض الأندلس وبقيت هذه التقاليد في هذه البلاد الاسلامية النائية حتى القرن الثامن الهجري - كما يستبان من كلام ابن الخطيب - ويستنتج من استعمال كلمة الحسينية التي استعملها المسلمون هناك لإقامة العزاء الحسيني وإنشاد المراثي فيها أنه كان للشيعة شأن يذكر في الأندلس.

هذا وقد نشرت المجلة السالفة الذكر في عددها الثالث لسنتها الأولى المؤرخ صفر 1392 ه- تتمة مقال الاستاذ السعداني ، الذي نقل فيه بعض المراثي على الامام الشهيد ، تلك المراثي التي إن دلت على شيء فإنما تدل على تغلغل المذهب الشيعي في بعض طبقات الشعب في الاندلس والمغرب العربي ، وعلى شدة تعلقهم بالحسين الشهيد ، وقيامهم بمراسيم النوح عليه في ذكراه الأليمة.

إن ما قاله الاستاذ السعداني في ذلك هو ما يلي :

كما أفادنا ابن الخطيب بنقله نموذجاً لهذه المراثي مدى عناية الشعراء بهذا الموضوع. وعرفنا بأحد شعراء الشيعة في الأندلس ، الذي اشتهر برثاء سيدنا الحسين ، وهو أبو البحر صفوان بن إدريس بن إبراهيم النجيي المرسي ( 561 - 598 ه) هذه القصيدة كانت مشهورة وينشدها المسمعون ، وهي كما يلي :

سلام كأزهار الربى يتنسم *** على منزل منه الهدى يتعلم

على مصرع للفاطميين غيبت *** لأوجههم فيه بدور وأنجم

على مشهد لو كنت حاضر أهله *** لعاينت أعضاء النبي تقسم

على كربلاء لا أخلف الغيب كربلا *** وإلا فان الدمع أندى وأكرم

مصارع ضجت يثرب لمصابها *** وناح عليهن الحطيم وزمزم

ومكة والاستار والركن والصفا *** وموقف حج والمقام المعظم

ثم يستطرد الشاعر بإسناد القصيدة على هذا الوتر ، ويقول :

لو أن رسول اللّه يحيى بعيدهم *** رأى ابن زياد أمهكيف تعقم

وأقبلت الزهراء قدس تربها *** تنادي أباها والمدامع تسجم

ص: 99

تقول : أبي هم غادروا ابني نهبة *** كما صاغه قيس وما مج أرقم

سقوا حسنا للسم كاسا روية *** ولم يقرعوا سنا ولم يتندموا

وهم قطعوا رأس الحسين بكربلا *** كأنهم قد أحسنوا حين أجرموا

فخذ منهم ثاري وسكن جوانحاً *** وأجفان عين تستطير وتسجم

أبي وانتصر للسبط واذكر مصابه *** وغلته والنهر ريان مفعم

ويختم الشاعر قصيدته الطويلة تلك بهذه الأبيات :

فيا أيها المغرور واللّه غاضب *** لبنت رسول اللّه أين تيمم؟

ألا طرب يقلى ألا حزن يصطفى *** ألا أدمع تجرى ألا قلب يضرم؟

قفوا ساعدونا بالدموع فأنها *** لتصغر في حق الحسين ويعظم

ومهما سمعتهم في الحسين مراثياً *** تعبر عن محض الأسى وتترجم

فمدوا أكفاً مسعدين بدعوة *** وصلوا على جد الحسين وسلموا

ثم يواصل الأستاذ السعداني كلامه ويقول :

« ونتلمس هذه الحركة فيما بعد عصر مبدع هذه القصيدة الحسينية ، فنعثر على أثر آخر للفكر الشيعي ؛ حيث نلتقي بأحد أدباء الأندلس في النصف الأول من القرن السابع الهجري ، هو القاضي أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه القضاعي البلنسي ، المقتول في 20 محرم سنة 658 ه- ونقف على اسم كتابين من مؤلفاته العديدة ، موضوعها هو رثاء سيدنا الحسين.

أولهما : « اللجين في رثاء الحسين » ولا يعرف اليوم أثر لهذا الكتاب غير اسمه.

وثانيهما : « درر السمط في أخبار السبط » وكان كل ما بقي من هذا الكتاب هو ما نقله المقري في كتابه : « نفح الطيب من غصن أندلس الرطيب » وقد اعترف المقري بأنه أغفل نقل بعض الفقرات من الكتاب مما يشم منه رائحه التشيع. ثم إنه اكتفى بنقل جزء من الباقي فقط ... » الخ.

ص: 100

الفصل الثامن والعشرون: النياحة على الحسين علیه السلام في القارة الأمريكية

لقد انتقلت مراسيم إقامة العزاء على الامام الحسين علیه السلام بمختلف أنواعها ، من شعائر النياحة ، وإقامة مجالس الحزن ، وتسيير السبايا في الشوارع خلال المائة سنة الأخيرة الى القارة الأمريكية ، حيث انتقلت هذه التقاليد مع المهاجرين المسلمين من عرب وغيرهم ، ممن تركوا ديارهم في آسيا وأفريقية وانتقلوا الى بلدان القارة الأمريكية ، بشطريها الشمالي والجنوبي. وكان كثير من هؤلاء المهاجرين المسلمين من الشيعة الموالين لآل النبي صلی اللّه علیه و آله والمتمسكين بشعائر دينهم وتقاليد مذهبهم ، وخاصة حزنهم على إمامهم الثالث الشهيد ، الحسين بن علي علیهماالسلام ، ومن هؤلاء المهاجرين جماعة من مسلمي لبنان ، وأفراد وأسر من مسلمي الهند والباكستان ، وبعض الايرانيين وغيرهم ، ممن اضطرتهم لقمة العيش إلى ترك مواطنهم والهجرة الى تلك الأصقاع النائية والاستيطان فيها.

وفيما يلي وصف لبعض ما يقوم به هؤلاء من شعائر الحزن في تلك البلدان :

1 - جاء في العدد «515» من مجلة « الاسبوع العربي » المؤرخ 21 / 4 / 1969 م بقلم السيد بهجت منصور ، عن النياحة على الامام الحسين في أمريكا ما عبارته :

« والهودج الكبير الذي يعده المسلمون في امريكا الوسطى وفي مدينة « بورت أو اسباني » إحدى حواضر جزيرة ترينيداد ، الواقعة في البحر الكاريبي ،

ص: 101

من شمال أمريكا الجنوبية بمناسبة إقامة شعائر الحزن على سيد الشهداء علیه السلام ، يزين هذا الهودج بالذهب والفضة ، وبأزهى الألوان الوهاجة وأحلاها. ويشترك المسيحيون والهنود مع المسلمين في احتفالاتهم العظيمة بيوم عاشوراء ، في مسيرة عظيمة ، في طليعتها هذا الهودج الفخم ، وتسير الجماهير وراءه تحف بها الطبول وآلات الموسيقى بأنغامها الحزينة ، تطوف شوارع العاصمة ، وبين تعالي العويل والهتاف بحياة الحسين علیه السلام سيد الشهداء في ذكرى مصرعه ، يلقى الهودج الى البحر الصاخب ، فتحمله الأمواج الى الأعماق الزرقاء المجهولة ، ويعود الجميع الى مجالس العزاء بذكرى الحسين علیه السلام . وأغلب الظن أن هذه الظاهرة انتقلت الى هذه الجزيرة مع الهنود المسلمين ؛ حيث يمارسون على غرارها في الهند ، تعبيراً عن عواطفهم نحو هذه الذكرى المؤلمة ، وعلى هذا النحو في معظم الأقطار الأفريقية والآسيوية يعبر المسلمون عن مشاعرهم حسب تصورهم ومعتقداتهم في هذه المناسبة. ومنهم من ينحو بها كعرض لذلك المسرح الحسين يوم الطف بالمنطق الرزين ، وبأرقى الأساليب الأخاذة بالمشاعر ، مستوحين من قدسية ذلك اليوم التاريخي ضروب العبر وأنواع البطولة والإيمان بالحق ، فينتزعون من ذكراه أروع الصور وأبلغ الدروس وأسمى العظات ، وإن كانت منهم مجرد سرد وترديد ... » الخ.

* * *

ص: 102

تقريظ الجزء الأول من الكتاب

نشرت مجلة « الإخاء » الغراء التي تصدر باللغة العربية في طهران بعددها «326» المؤرخ في 26 ربيع الأول «1394 ه» الكلمة التالية في التعريف بالجزء الأول من هذا الكتاب ومؤلفه :

تاريخ النياحة

للاستاذ السيد صالح الشهرستاني

عرف الأستاذ السيد صالح الشهرستاني بولعه واهتمامه الشديدين في البحث في بطون الكتب - المطبوعة والمخطوطة - واستخراج ما يصلح منها للدراسة والاستزادة في العلم والمعرفة ، ليتحف الراغبين بنتاج فكره وجهده في مقالات يكتبها وكتب يضعها.

ولقد أسهم السيد صالح الشهرستاني لفترة ليست بالقصيرة في الكتابة في مجلة « الإخاء » وكان له الفضل في تعريف قراءها بقضايا تاريخية ولغوية واجتماعية ، فله من أسرة « الإخاء » وافر الشكر وعظيم التقدير.

وقد أهدانا أخيراً الجزء الأول من كتابه القيم وهو بعنوان « تاريخ النياحة على الامام الشهيد الحسين بن علي علیهماالسلام » فتصفحناه ووجدنا فيه ما لم يتطرق اليه باحث من قبل في هذا الشأن ، مما يدل على الجهد الضخم الذي بذله الاستاذ السيد صالح الشهرستاني في استقصاء المعلومات من كتب عديدة اعتمدها مصادر لمؤلفه الجديد ، حتى خرج بهذا الشكل والمضمون.

ولا يسعنا إلا أن نقدم لسيادته شكرنا وتقديرنا ، راجين له الموفقية في أعماله وداعين له بالعمر المديد والصحة والسعادة.

ص: 103

ص: 104

فهرست الجزء الأول

تقديم... 7

مقدمة المحقق... 13

مقدمة المؤلف... 21

الفصل الأول : النبي وأصحابه أول من بكوا الحسين... 23

الفصل الثاني : بكاء علي وفاطمة على ابنهما ( عليهم السلام )... 31

الفصل الثالث : أهل الحجاز يبكون الحسين ( عليه السلام ) عند مفارقته لهم... 37

الفصل الرابع : الحسين علیه السلام يتنبأ الكارثة... 39

الفصل الخامس : الحسين ينعى نفسه ويبكي آله... 45

الفصل السادس : النياحة على آل الحسين ( عليه السلام )... 51

الفصل السابع : أعداء الحسين علیه السلام يبكونه... 55

الفصل الثامن : نساء الحسين يندبنه في ساحة المعركة... 57

الفصل التاسع : بنو أسد تدفن أجساد الشهداء... 63

الفصل العاشر : أهل الكوفة ينوحون على الحسين ( عليه السلام ) وأهله... 65

الفصل الحادي عشر : الشام ومناحتها على الحسين ( عليه السلام ) وأهله... 71

الفصل الثاني عشر : نوح السبايا والصحابة يوم أربعين استشهاد الحسين ( عليه السلام )... 77

الفصل الثالث عشر : مدينة الرسول تندب الحسين علیه السلام وآله... 81

الفصل الرابع عشر : أول نياحة على الحسين علیه السلام وآله في مصر... 91

الفصل الخامس عشر : اول من رثى الحسين ( عليه السلام ) بعد دفنه... 99

الفصل السادس عشر : موقف الأمويين من النياحة على الحسين ( ع )... 107

الفصل السابع عشر : التوابون ينوحون الحسين ( عليه السلام ) ويثورون على الأمويين... 111

الفصل الثامن عشر : بكاء الائمة على الحسين ( عليهم السلام )... 117

الفصل التاسع عشر : نياحة المشايخ والصحابة والعظماء على الحسين ( عليه السلام )... 139

الفصل العشرون : النياحة على الحسين علیه السلام في عهد الأمراء البويهيين... 147

ص: 105

فهرس الجزء الثاني

الفصل الحادي والعشرون : موقف العباسيين من النياحة على الحسين (عليه السلام)... 5

الفصل الثاني والعشرون : النياحة على الامام الحسين (عليه السلام) بعد العباسيين... 23

الفصل الثالث والعشرون : تأثير النياحة على الحسين (عليه السلام) في الاقطار العالمية... 27

الفصل الرابع والعشرون : النياحة على الحسين (عليه السلام) في القرون الاخيرة... 39

الفصل الخامس والعشرون : النياحة على الحسين (عليه السلام) في سائر أقطار القارة الاسيوية... 57

الفصل السادس والعشرون : النياحة على الامام الحسين (عليه السلام) في القارة الافريقية... 91

الفصل السابع والعشرون : النياحة على الحسين (عليه السلام) في القارة الاوروبية... 95

الفصل الثامن والعشرون : النياحة على الحسين (علیه السلام) في القارة الأمريكية... 101

ص: 106

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.