الأشارات الى مَدَاركِ الأحكام

هویة الکتاب

الأشارات الى مَدَاركِ الأحكام

تَقْريُر أبَحاث الأسْتَاذ الأعظَم آيَة اللهِ العُظمَى السِيّد ميرزا حِسن الموسَوى البجنوردى دامتْ ظلالهُ الوارفَة

تَأليف: الشيخ شمسِ الدّين الواعِظى

ص: 1

اشارة

الجُزْءُ الأوَّلْ

بِسِمِ اللهِ الْرّحَمِن الْرّحَيْمِ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير، محمد سيد الخلائق أجمعين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، الهداة المعصومين.

أما بعد:

فهذه ثمرات يانعة وبحوث قيمة استفدتها من دروس الاستاذ الأعظم فقيه عصره ووحيد دهره جامع المعقول والنقول الحاوي للفروع والأصول العلم الذي يرنو إليه الأعلام والجهبذ الذي يرتوي من فيض علمه الجهابذة سماحة آية الله العظمى السيد ميرزا حسن الموسوي البجنوردي - أدام الله أيام إفاضاته.

وكان المدار في المحاضرات التي ألقاها سماحته هو كتاب (العروة الوثقى) لسيدنا المحقق والفقيه الأعظم السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي - قدس سره الشريف - فلا جرم التّزمنا بتقييد ما استفدناه من محضر الاستاذ كشرح للعروة ليكون سهل التناول.

ويؤسفني جداً أن لم أوفق للحضور لدى سيدنا الاستاذ من أول الدورة الفقهية (أحكام التقليد) لهذا جاءت هذه الاشارات من أول

ص: 2

بحث(المطهرات) وأجدني فخورا أن تمكنت من تسجيل كل أبحاثه الفقهية والأصولية طيلة حضوري في مجالس بحثه، لكي أوفق لتقديمها الى طلاب العلم و رواد الفضل في فرص قريبة انشاء الله تعالى.

شمس الدين الواعظي

ص: 3

فصل (في المطهرات)

«أحدها» - الماء، هو عمدتها(1)،

لان سائر المطهرات مخصوصة بأشياء خاصة، بخلافه فانه مطهر لكل متنجس حتى الماء المضاف

ص: 4


1- . الدليل على أنه مطهر أمور: اولاً: الاجماع من جميع المسلمين بل ادعى بعض أنه من ضرورات الدين. الثاني: الآيات، كقوله تعالى: «وأنزلنا من السماء ماءاً طهوراً» (سورة الفرقان: 48.) بناءاً على أن يكون الطهور هو الطاهر في نفسه والمطهر لغيره، ويكون عبارة عما يتطهر به كالوضوء الذي هو عبارة عما بتوضأبه. والظاهر أن المراد منه - بقرينة عدم ذكر المتعلق - أن مطهريته عام لكل متنجس، كما هو مذكور إشكالاً وجواباً في مبحث المياه. وكقوله تعالى «وينزل عليكم من السماء ماءاً ليطهركم به» (سوره الأنفال: 11.) والظاهر من هذ الآية الشريفة هو أنه مطهر من الحدث والخبث، كما هو مذكور بتفاصيله في محله. الثالث: الاخبار. (منها) النبوي المشهور: «خلق الله الماء طهوراً» (الوسائل كتاب الطهارة، باب - 1- من ابواب الماء المطلق، الحديث 9). وتقريب الاستدلال به هو مثل ما ذكرنا في الآية الشريفة الاولى، لأن سياقه عين ذلك السياق، فاطلاق مطهريته كالآية يدل على مطهريته لكل متنجس. (ومنها) صحيحة داود بن فرقد، قال عليه السلام «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسع عليكم بأوسع ما بين السماء والارض، وجعل لكم الماء طهوراً، فانظروا كيف تكونون» (الوسائل كتاب الطهارة، باب - 1- من ابواب الماء المطلق، الحديث 4). وسياق هذه الصحيحة سياق الآية الأولى، ودلالتها مع إطلاقها على عموم مطهرية الماء لكل متنجس واضحة لاتحتاج الى الشرح والايضاح. (ومنها) ما رواه السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله «الماء يطهِّر ولا يطهَّر» (الوسائل كتاب الطهارة، باب - 1 - من ابواب الماء المطلق، الحديث 3 و 6). والاشكال على الاستدلال بهذه الرواية - بأن حذف المتعلق في الجملة الأولى لا يدل على عموم مطهرية الماء لكل متنجس، لقرب احتمال وروده مورد الايجاب الجزئي في قبال السلب الكلي المستفاد من قوله «لا يطهر» - ليس بشيء، لأن كون الايجاب الجزئي في مقابل السلب الكلي هو فيما إذا كانت القضيتان الموجبة والسالبة متحدتان محمولا وموضوعاً، فيرتفع السلب الكلي بالايجاب الجزئي فيكون نقيض السلب الكلي هو الايجاب الجزئي. وفي المقام المحمولان في القضيتين مختلفان، فانه في إحداهما يكون بالبناء للفاعل وفي الأخرى بالبناء للمفعول، فأي محذور في أن يكون الماء مطهراً لكل شيء متنجس ولا يطهره کل شیء وظني أن هذا التوهم نشأ مما قیل في قوله عليه السلام «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء» إن مفهومه موجبة جزئية، لأن السلب الكلي يرتفع بالايجاب الجزئي. ولكن أنت خبير بالفرق بين المقامين. وذلك لأن مفهوم القضية الشرطية نقيض منطوقه، فاذا كان المنطوق قضية سالبة كلية فيكون المفهوم موجبة جزئية. وفي المقام القضيتان حكمان مستقلان كل واحدة منهما قضية كلية لا ربط لا حداهما بالأخرى. وأما الاشكال عليها بأن الماء يطهر إذا صار نجساً بملاقاته للكر أو الجاري أو المطر، فيكون ظاهر الرواية الذي هو عبارة عن نفي المطهرية من الماء مطلقاً منافياً للواقع، وهذا طعن على الرواية موجب لعدم اعتبارها. ففيه (أولاً) أنه عام قابل للتخصيص كسائر العمومات والمطلقات. (وثانياً) أن المراد من الجملة الأولى أنه يطهر كل شيء غيره، فمقابله الجملة الثانية أنه لا يطهر بواسطة كل شيء يكون غيره، فطهارته من ناحية نفسه ويسببه خارجة عن العموم موضوعاً وبالتخصص ولا تخصيص في البين. وأما ما أشكل الشيخ الأعظم الأنصاري «قده» بقوله: إنها قضية مهملة لا عموم فيها من حيث المتعلق، ويكون من قبيل زيد یعطي ولايعطي ويحكم ولا يحكم عليه. ففيه: أن القضايا الشرعية حيث أن الشارع في مقام بيان الأحكام وماهو وظيفة المكلفين، فلا يناسبها الاهمال والاجمال ويكونان خلاف الأصل، بل يكون حذف المتعلق وعدم ذكره موجباً لظهوره في العموم، إذ أي فائدة في كون الماء مطهراً بنحو الاهمال والاجمال، بل الظاهر منها أن الماء يطهر كل شيء قابل للتطهير ولا يطهره شيء آخر غيره، فلا ينافي مطهريته لنفسه. (ومنها) موثق عمار في رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضأ من ذلك الإناء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلخة؟ قال عليه السلام: «إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعدما رآها في الاناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلما أصابه ذلك الماء» (الوسائل كتاب الطهارة، باب -4- من أبواب الماء المطلق، الحديث 1). ولا شك في أن المراد بغسل كلما أصابه ذلك الماء غسل جميع ما أصابه ومن أي جنس كان، فيكون الماء مطهراً لك شيء لا قى ذلك الماء المتنجس بسبب موت الفأرة فيه. نعم لابد من إحراز قابلية المحل للتطهير، فان شك في ذلك فلا يمكن الرجوع الى الاطلاقات، بل يكون مجرى استصحاب النجاسة في المغسول به. (ومنها) ما أرسله في المختلف عن بعض العلماء عن أبي جعفر عليه السلام قال مشيراً بيده الى غدير من الماء: «إن هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره». (ومنها) الأخبار الكثيرة الواردة في الموارد الخاصة من المتنجسات التي أمروا عليهم السلام بغسل ذلك المتنجس، بعد الفراغ عن أن المراد بالغسل هو الغسل بالماء حسب المتفاهم العرفي الذي هو المناط في باب تشخيص الظواهر وبناء العقلاء على حجيتها، مثل قوله عليه السلام «اغسل ثوبك من أبوال مالا يؤكل لحمه» (الوسائل كتاب الطهارة، باب - 8 - من أبواب النجاسات، الحديث 3). وغيره مما لايحصى من الموارد الكثيرة في أبواب الطهارات. وعلى كل حال لا ينبغي أن يشك أحد في دلالة الأخبار على عمومية مطهرية الماء لكل متنجس كالآيات.

ص: 5

بالاستهاك، بل يطهر بعض الاعيان النجسة كميت الانسان، فانه يطهر بتمام غسله.

ص: 6

ويشترط في التطهير به أمور بعضها شرط في كل من القليل والكثير، وبعضها مختص بالتطهير بالقليل. أما الاول: (فمنها) زوال العين والاثر، بمعنى الاجزاء الصغار منها لا بمعنى اللون والطعم ونحو هما(1)

ص: 7


1- . أمازوال العين عرفاً بالدقة العقلية فهو مما لابد منه في التطهير، لأنه مع بقاء العين عرفاً لا وجه للحكم بطهارة المحل وتحقق التطهير، لأن العين الباقية بنفسها نجسة وموجبة لنجاسة المحل أيضاً، فكيف مع وجودها يمكن الحكم بحصول التطهير. وهذا واضح لا ينبغي التكلم فيه. وأما الأثر فقد فسر بتفاسير كثيرة، أحسنها مافي المتن من أنه بمعنى الاجزاء الصغار من العين الباقية بعد إزالتها التي لا ترى بالنظر إلا بالدقة. فالفرق بينه وبين اللون والرائحة أنه يمكن رؤيته إن دقق النظر، وفي اللون والرائحة لا يمكن وان دقق النظر ووجودهما یثبت بالبرهان، العقلي، وهو أن انتقال العرض من محل الى محل آخر محال. وان شئت قلت في الأثر: ان العرف بعد التدقيق يحكم ببقاء العين وعدم زوالها، وأما في صرف اللون والرائحة لا يحكم ببقائها أصلا ولو بمرتبة خفيفة منها بل يحكم بزوالها بالمرة. وكذلك الأمر في بقاء الطعم، ولا يصدق على بقائه بقاء العين وإن كان فيه نوع خفاء، والحكم بزوال العين عند العرف أيضاً مع بقاء طعمها لا يخلو من نظر وتأمل. وعلى كل حال المناط في صدق الغسل بالماء والتطهير هو زوال العين عرفاً وإن لم يكن زائلاً بالدقة والبرهان العقلي، كالصفرة الباقية في المحل بعد الاستنجاء بالأحجار، والحمرة الخفيفة أو الكدرة التي ترى في لباس الحائض بعد الغسل الصحيح بالماء. لما قلنا من أن انتقال العرض من محل الى محل آخر محال، فلابد وأن تكون أجزاء صغار من العذرة في الأول لا ترى بالعين، وكذلك أجزاء صغار من الدم في الثاني أيضاً لا ترى بالعين، وتكون تلك الأجزاء الصغار منهما حاملة للونيهما. وعلى كل حال لابد من إرجاع زوال الأثر إلى إرجاع زوال العين بنظر العرف، والا فلا دليل على وجوب إزالته في مقام الغسل والتطهير.

(ومنها) عدم تغير الماء في أثناء الاستعمال(1).

(ومنها) طهارة الماء ولو في ظاهر الشرع(2).

ص: 8


1- . عدم تغير الماء بمعني عدم تغير أحد أوصافه الثلاثة - أي اللون والطعم والرائحة - بأوصاف النجس أثناء الاستعمال، إذ ينجس بذلك التغير والماء النجس منجس للمحل الطاهر، فكيف يمكن أن يكون مطهراً للمحل النجس. وبعبارة أخرى: لا يمكن أن يكون فاقد الشيء معطياً له في الارتكاز العرفي. وهذه القضية عند العقل والعرف أيضاً تعد من البديهيات. وإن شئت قلت: الماء النجس سبب لنجاسة ما يلاقيه، وهي ضد الطهارة، فاذا كان سبباً للطهارة أيضاً يلزم أن يكون علة للضدين، فيلزم اجتماعهما، وهو محال. ولكن يمكن أن يقال: ان التغير ان كان قبل الاستعمال أو كان بسبب آخر غير الاستعمال يأتي ما ذكرنا من لزوم المحال، وأما لو كان من ناحية نفس الاستعمال فلا يلزم المحال المذكور، لأن الماء غير المتنجس ورد على المحل وسحب النجاسة معه الى الخارج، فتغيره إنما يكون بواسطة سحبه النجاسة معه الى الخارج، والطهارة والنجاسة - وإن كانا على ما هو التحقيق عندنا من الاعتبارات الشرعية وليستا من الأعراض الخارجية - إلا أن منشأ اعتبار هما أمر خارجي بالماء يزول منشأ اعتبار النجاسة ويأتي منشأ اعتبار الطهارة، بناهاً على أن منشأ اعتبار الطهارة الخبیثة أمر عدمي، وهو إزالة الأخباث من الجسم المتنجس. وبعبارة أخرى: حال منشأ اعتبار هاتين عند الشارع حال القذارة والوسخ الخارجي وزوالهما الذي يسمى عند العرف بالنظافة، فكما أن الماء يسحب الوسخ الخارجي معه الى الخارج فيكون نظيفاً فكذلك الامر يمكن ان يكون في التطهير الشرعي. وبهذا البيان صححنا نجاسة الغسالة حتى في الغسلة الأخيرة مع طهارة المحل المغسول بها، فلابد لاعتبار هذا الشرط من التمسك بالاجماع أو استصحاب النجاسة عند تغير الماء أثناء الاستعمال، إذ لا اقل من احتمال شرطية عدم التغير المذكور.
2- . أي وإن كانت طهارة ظاهرية، لجريان قاعدة الطهارة أو استصحابها. وأما لو كانت مؤدى البينة أو من ناحية إخبار ذي اليد بناءاً على كونه من الأمارات فهما مثل العلم، ففي صورة المصادفة تكون طهارة واقعية، وفي صورة الخطأ ليس شيء في البين لا ظاهراً ولا واقعاً، فمؤداهما هي الطهارة الواقعية لكن اثباتاً لا ثبوتاً. والدليل على هذا الشرط هو ما ذكرنا في الشرط الثاني من تلك القضية الارتكازية عند العرف، وهي أن فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطياً له. وتطبيق هذه القاعدة على المورد باعتبار منشأ اعتبار هذا الحكم - أي الطهارة الشرعية - وإلا فباعتبار نفسه لا تنطبق، لأن الحكم مجعول من قبل الله تبارك وتعالى لا أنه معلول للغسل بالماء. والجواب الذي أجبنا به في الشرط السابق لا يأتي هاهنا، لأن المفروض في المقام هو أن لا يكون الماء طاهراً قبل الاستعمال، فالنجاسة في المقام لم يأت من قبل الاستعمال كي نقول سحبه الماء معه الى الخارج، ولا شك في أن أدلة التطهير بالماء والمطلقات منصرفة حسب الارتكاز العرفي الى الماء الطاهر ولا يشمل الماء النجس. ولعل منشأ هذا الارتكاز أن الشيء الذي يكون سبباً - أي موضوعاً لنجاسة ملاقية - كيف يمكن أن يكون سبباً - أي موضوعاً - لطهارة ما يصب عليه ويغسل به. ثم إنه على تقدير تسليم إطلاق الأدلة وأن مفادها زوال نجاسة المغسول بالماء سواءأ كان ذلك الماء نجساً أم طاهراً، فمقتضى تلك الا طلاقات وإن كان زوال النجاسة السابقة على الغسل ولكن مقتضى أدلة تنجيس ملاقي النجس وجود نجاسة جديدة، ولا يقع تعارض بين الطائفتين لتعدد موضوع مؤداهما، لأن الموضوع في احداهما زوال النجاسة السابقة على الغسل، وفي الأخرى وجود نجاسة أخرى جديدة غير النجاسة القديمة، فلو غسل ألف مرة في كل مرة يزول القديمة ويأتي الجديدة فلا يمكن حصول التطهير أبداً. وحيث حكم الشارع بحصول التطهير بالغسل مرة أو أكثر حسب اختلاف النجاسات في الشدة والضعف باعتبار منشأ اعتبارها، فلابد من القول باشتراط طهارة الماء الذي يغسل به. ثم لا يخفى أن هذا الشرط الثالث لا يغني عن الشرط الثاني، لأن كون الماء طاهراً قبل استعمال لا ينافي مع تغيره ونجاسة به في أثناء الاستعمال. هذا إذا قلنا إن مفاد الاطلاقات زوال النجاسة السابقة، وأما إن قلنا إن مفادها طهارة المغسول كما هو ظاهر الأدلة ومفاد الطائفة الأخرى - أي أدلة تنجس ملاقي النجس أو المتنجس - هي نجاسة المحل المغسول بذلك الماء النجس، فيقع التعارض بين الطائفتين، وبعد تساقطهما المرجع استصحاب النجاسة، فلابد أيضاً من اشتراط طهارة الماء قبل الاستعمال لحصول الطهارة بالغسل بالماء.

ص: 9

(ومنها) إطلاقه، بمعنى عدم خروجه عن الاطلاق في أثناء الاستعمال(1)

(وأما الثاني) فالتعدد في بعض المتجسات، كالمتنجس بالبول وكالظروف والتعفير كما في المتنجس بولوغ الكلب والعصر في مثل

ص: 10


1- . الدليل على هذا الشرط أنه إذا خرج من الاطلاق وصار مضافاً فليس بماء، وذلك المضاف - كما عرفناه - هو ما يصح سلب الماء عنه، مقابل المطلق الذي لا يصح سلب المائية عنه. وهذا أحد علائم الحقيقة والمجاز، وإذا لم يكن فلا دليل على أنه مطهر وليس من المطهرات، فوجوده كعدمه. نعم، لو صار مضافاً بعد الاحاطة على الجسم المتنجس ونفوذه فيه بوصف الاطلاق وحصول الاضافة له كان بواسطة بقائه في المحل ولم يكن العصر ولا انفصال الغسالة بوصف الاطلاق معتبراً في تطهيره، يمكن فرض كونه مطهراً مع صيرورته مضافاً بالبقاء في المحل، وذلك كالقند والملح المتنجس اللذين سرت النجاسة الى باطنهما وصارا يابسين فوصل الماء المطلق الى أعماقهما وأحاط بباطنهما، ولكن بعد مدة قليلة صار مضافاً فصار يابساً، خصوصاً إذا كان غسل بماء معتصم. لكن وقوع مثل هذا الفرض في الخارج لا يخلو من اشكال في غير الماء المعتصم، وأما في الماء المعتصم حيث لا يحتاج الى العصر فلا اشكال فيه ويقع كثيراً.

الثياب والفرش ونحوها مما يقبله والورود - أي ورود الماء على المتنجس دون العكس على الاحوط(1)

ص: 11


1- . ذكر المصنف في هذا القسم ماهو مختص بالتطهير بالماء القليل أيضاً، وهو أربعة أمور: «الأول» - تعدد الغسل في بعض المتنجسات، كالمتنجس بالبول وكالظروف والأواني وموت الجرذ وولوغ الخنزير، وسيأتي تفصيل هذه الأمور كل في محله انشاء الله تعالى. «الثاني» - التعفير في المتنجس بولوغ الكلب، بناءاً على اختصاصه بالتطهير بالماء القليل. «الثالث» - العصر أيضاً بناءاً على اختصاصه بالماء قليل، وسيأتى البحث عن هذه الشروط الثلاثة مفصلاً كل في محله انشاء الله تعالى. «الرابع» - ورود الماء على المتنجس دون العكس عندالمشهور، والوجه فيه: أولاً: انصراف أدلة التطهير بالماء القليل الى ما هو المتعارف في كيفية التطهير عندهم بالغسل بالماء القليل. ولا شك في أن المتعارف عندهم في الغسل بالماء القليل صب الماء على المتنجس لاغمس المتنجس في الماء، بل يرى العرف أن غمس المتنجس فيه تنجيس له لاأنه تطهير للمتنجس. وهذا المعنى مرتكز في أذهانهم بعد التفاتهم الى أن الماء القليل ينفعل ويتنجس بملاقاة النجس أو المتنجس. وثانياً: الأمر بالصب في طائفة من الأخبار، فيقيد بها الغسل لو كان فيه إطلاق يشمل كون الماء موروداً. وثالثاً: قيام السيرة عند المتشرعة من العصور القديمة على اجراء الماء وصبه على المتنجس في التطهير بالماء القليل. وأما الاستدلال برواية المركن (وهي صحيح ابن مسلم قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام من الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين، فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة. الوسائل كتاب الطهارة، باب - 2 - من أبواب النجاسات، الحديث 1.) على الاطلاق، بأن يقال فيه: إن الغسل في المرکن علی ما هو المتعارف ان یصب الماء في المرکن ویغمس الثوب المتنجس فيه، ولا أقل من إطلاقها بالنسبة الى كون الماء وارداً أو موروداً، فيشمل كلا الموردين صب الماء فيه وغمس الثوب فيه، أو وضع الثوب فيه أولا ثم صب الماء عليه ففيه: أولا أنه لا ظهور له في الاطلاق، لقوة احتمال أن يكون غسل الثوب في المركن بواسطة ما ذكرنا من الارتكاز العرفي، بأن يضع الثوب أولاً في المركن ثم يصب الماء عليه. وثانياً على فرض ظهوره في الاطلاق يقيد بروايات الصب. وهاهنا ذكروا احتمالات أخر في الرواية لنفي الاطلاق لا ينبغي أن تذكر لركا كتها وبعدها عن مفاد الصحيحة حسب المتفاهم العرفي الذي هو المناط في تشخيص المراد واستكشافه عن الألفاظ.

(مسألة - 1) المدار في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها، فلو بقيت الريح أو اللون مع العلم بزوال العين كفى، الا أن يستكشف من بقائها بقاء الاجزاء الصغار أو يشك في بقائها، فلا يحكم حينئذ بالطهارة(1).

ص: 12


1- . تقدم الكلام في هذا الفرع، وعرفت أن من شرائط وقوع التطهير زوال العين عرفاً وإن كان باقياً بالدقة والبرهان العقلي، فبقاء الاوصاف - كاللون والرائحة بل الطعم - حيث أنها عند العرف من أعراض العين لا اعتبار به، والعرف يرى العين زائلة حتى مع وجودها، وذلك كالصفرة الباقية في المخرج بعد الاستنجاء بالاحجار، أو الكدرة الباقية في ثوب الحائض بعد غسل الحيض. نعم لو كان بقاء هذه الاوصاف بمقدار لا يحكم العرف بزوال العین بعد النظر الدقيق بل يرى بقاء مرتبة من العين ولو باعتبار بقاء أجزائها الصغار، فلا يمكن الحكم بحصول الطهارة، بل لوشك في بقائها يجري استصحاب النجاسة. هذا بحسب كبرى المسألة، وأما الصغرى فالانصاف أن بقاء الأوصاف تختلف في نظر العرف: فتارة يكون الوصف الباقي بمرتبة من القوة والشدة بحيث لا ينفك عند العرف عن بقاء العين، وأخرى ضعيفة لا يتلفت العرف الى أنها من بقاء أجزاء الصغار لتلك العين وإن كان بالبرهان العقلي هو كذلك، لعدم إمكان انتقال العرض من محله إلى محل آخر: وأما ما يقال من إمكان اكتساب الجسم لوناً أو رائحة من جسم آخر بالمجاورة من دون انتقال ذرات جسم ذي اللون أو ذي الرائحة، فاللحية مثلا تكتسب اللون من مجاورة الجناء من دون انتقال ذرات الحناء اليها، وكذلك الماء المجاور للجيفة يكتسب رائحة الجيفة من دون انتقال ذرات جسم الجيفة اليه، وهكذا فى سائر المقامات. فكلام شعري وإن صدر عن بعض أعاظم المحققين من أهل الفن. ورواية إبن المغيرة قال: ينقي ما ثمة ويبقى الريح، قال عليه السلام: الريح لا ينظر اليها (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب الخلوة - باب 13 - حديث 1.) الظاهر أن المراد منها أن العرف لا يرون بقاء الريح بقاء العين. نعم في خصوص اللون كلام، وهو أنه ليس من الأعراض الخارجية المحمول بالضمائم، فربما يحصل في الجسم الآخر بدون تفرق أجزاء ذي اللون في ذلك الجسم الاخر، بل باسباب اخر. وعلی فرض صحة هذه المقالة لیس الامر دائما کذلك، بل قد يكون بواسطة تفرق أجزاء ذي اللون في ذلك الجسم الآخر.

(مسألة - 2) انما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال، فلا يضر تنجسه بالوصول الى المحل النجس(1)

واما الاطلاق فاعتباره انما هو قبل الاستعمال وحينه، فلو صار بعد الوصول الى المحل مضافاً لم يكف، كما في الثوب المصبوغ فانه يشترط في

ص: 13


1- . قد عرفت الوجه في ذلك، وأن النجاسة الحاصلة للماء من ناحية الاستعمال مرجعه إلى أن الماء يسحب نجاسة المتنجس المغسول به معه إلى الخارج وينظف المحل المتنجس. وأيضاً عرفت الوجه في أن النجاسة التي قبل الاستعمال تكون للماء تمنع من كونه مطهراً، لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطياً. ولا يخفي أن ما قلنا من عدم مضرية نجاسته بعد الاستعمال وفي حاله هذا فيما إذا كان بواسطة ملاقاته للمحل المتنجس الذي يغسله به، وأما لو كان بسبب آخر و آتية من ناحية أخرى يجري ما قلنا من أن الماء يسحبه معه الى الخارج وينظف المحل المتنجس.

طهارته بالماء القليل بقاؤه على الاطلاق حتى حال العصر، فما دام يخرج منه الماء الملون لا يطهر الا اذا كان اللون قليلاً لم يصر الى حد الاضافة. وأما اذا غسل في الكثير فيكفي فيه نفوذ الماء في جميع اجزائه بوصف الاطلاق وان صار بالعصر مضافا: بل الماء المعصورالمضاف ايضا محكوم بالطهارة. وأما اذا كان بحيث يوجب اضافة الماء بمجرد ووصوله اليه ولا ينفذ فيه الا مضافاً فلا يطهر ما دام كذلك(1) وللظاهر ان اشتراط عدم التغير ايضا كذلك، فلو تغير

ص: 14


1- . عرفت أنه لابد من وصول الماء المطلق إلى أعماق الجسم المتنجس وإحاطته بكل موضع وصلت النجاسة اليه، فلو صار مضافاً قبل ذلك فوصوله إلى محل المتنجس لا أثر له، لأن الماء المضاف ليس من المطهرات. وأما اعتبار إطلاقه حال العصر فهو مبني على اعتبار العصر في التطهير، كما هو المشهور في الأجسام القابلة للعصر إذا غسل بالماء القليل من جهة دخوله في مفهوم الغسل، بمعنى أن الغسل لا يتحقق في الأجسام القابلة للعصر الا به، وإلا بصرف نفوذ الماء في أعماقه من دون عصر لا يصدق عليه الغسل. ولا شك في أن الغسل لابد وأن يكون بالماء المطلق، فلابد وأن يكون الاطلاق باقياً إلى آخر أزمنة تحقق الغسل الذي هو زمان تحقق العصر. وأما أن قلنا بعدم دخوله في مفهوم الغسل، بل الغسل يتحقق وإن كان الماء النافذ في الجسم باقياً أو خرج منه بوجه آخر كالتبخير أو بالتقاطر من جهة تعليقه، من مكان عال - كما هو المتعاد في غسل الفراش والبسط - فيحنئذ: تارة يكون الغسل بالماء القليل، وأخرى بالماء المعتصم، فان كان بالماء القليل فبقاعدة تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة يكون الماء النافذ في الجسم المتنجس نجساً، وعلى هذا الأساس قلنا ينجاسة الغسالة، فلو بقي ذلك الماء على اطلاقه حال العصر يكون انفصال المعصور عنه سبباً لطهارة ذلك الجسم المغسول وطهارة الماء المتخلف في ذلك الجسم اجماعا، والا یلزم القول بعدم امکان تطهیر المتنجسات بالماء القليل. وهذا الاجماع يكون في صورة انفصال المطلق عن الجسم المتنجس، وأما في صورة انفصال الماء المضاف لا وجود له، لاختلاف الأقوال في هذه الصورة، فيبقى الجسم المتنجس والماء المتخلف فيه على نجاستهما، خصوصاً إذا كان الماء المتخلف صار أيضاً مضافاً بواسطة العصر، كما أنه هو كذلك ظاهراً، لأن العصر يوجب الضغط على الذرات الملونة المنتشرة في الجسم المتنجس الذي تنجس بواسطة الصبغ المتنجس، فجميع الماء النافذ في أعماقه يتلون بذلك الصبغ، فيخرج منه مقدار مع الاضافة ويبقى مقدار منه في المحل مع الاضافة أيضا. فالماء المضاف الباقي في المحل المسمى بالمتخلف تنجس، ولا دليل على طهارته. هذا فيما إذا كان الغسل بالماء القليل، وأما إذا كان بالماء المعتصم فالماء الذي يدخل في الجسم المتنجس وينفذ في أعماقه بصفة الاطلاق يطهر المحل ولا ينجس، لا عتصامه بالاتصال بالمعتصم. فبعد أن خرج مقدار منه وإن كان بصفة الاضافة لا ينجس لأنه قبل الاضافة كان طاهراً وطهر المحل وبعد الاضافة حال العصر لم يوجد موجب لتنجسه، والباقي في المحل أيضاً في المحل أيضاً كذلك قبل الاضافة كان طاهراً لا تصاله بالمعتصم وصار مضافاً في المحل الطاهر، فلا موجب لتنجسه. فبناءاً على ما ذكرنا لابد وأن يفرق بين ما إذا كان التطهير بالماء القليل وصار مضافاً حين العصر وبين ما إذا كان بالماء المعتصم. فيقال في الأول ببقاء نجاسة الجسم المتنجس والماء المتخلف فيه وما خرج بالعصر، وفي الثاني بطهارة الجميع. ثم إنه على تقدير الشك في بقاء نجاسة الجسم المتنجس بانفصال الماء المضاف عنه فالمرجع استصحاب النجاسة فيكون أيضاً نجساً.

بالاستعمال لم يكف ما دام كذلك، ولا يحسب غسلة من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد(1).

ص: 15


1- . فكما أنه لو صار مضافاً حال الاستعمال - بل حال العصر أيضاً ان كان التطهير بالماء القليل لا يكون مطهراً وقد تقدم تفصيل ذلك فكذلك الحال او لو تغير حال الاستعمال بل حال العصر ايضاً. وذلك لعين ما ذكرنا في اشتراط عدم الاضافة وان الماء المضاف لا يكون مطهراً، فكذلك نقول: إن الماء المتغير لا يكون مطهراً حسب الارتكاز العرفي، فقول عليه السلام «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (الوسائل كتاب الطهارة، باب - 8 - من أبواب النجاسات، الحديث 3.) يفهم العرف منه حسب ارتكازه الغسل بالماء الغير المتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجس. نعم المتغير بأوصاف المتنجس لا يضر بمطهريته ان لم يصر مضافاً، وأما إن صار مضافاً لا من جهة تغيره بوصف المتنجس فالاشكال في مطهريته من ناحية صيرورته مضافاً لا من جهة تغيره بوصف المتنجس، ولذلك لو تغير ولم يصر مضافاً - كما إذا ألقي العطر المتنجس في ابريق من الماء وصار رائحة الماء رائحة ذلك العطر المتنجس ولكن لم يبلغ إلى مرتبة الاضافة ولم يخرج عن الاطلاق - فلا يكون مثل هذا التغير مانعاً عن مطهريته، ولذلك لو كان متصلاً بالكر يكون مطهراً مع تغيره. نعم لو لم يكن معتصماً وصار نجساً بواسطة ملاقاته مع ذلك المتنجس الذي تغير بوصفه يكون الاشكال في مطهريته من ناحية تغيره. وأما إذا كان التغير بأوصاف النجس فلا يكون مطهراً وان كان بعضاً من الكر أو من الجاري، وذلك إما لانصراف أدلة الغسل بالماء عن الماء المتغير بأوصاف النجس وعدم إطلاقه، وإما من جهة ما قلنا ان انفصال الغسالة يوجب طهارة الماء المتخلف في المحل المغسول إجماعاً، وذلك الا جماع لا يشمل المقام، لأن معقده الماء غير المتغير، فالغسل بهذا الماء لا يوجب طهاره المغسول ما دام متغيراً. نعم لو كان بعض الماء المعتصم أو كان متصلاً بالمعتصم وزال عنه التغير يكون مطهراً. فقول الماتن «فلو تغير بالاستعمال لم يكف ما دام كذلك» لابد وأن يكون المراد التغير بأوصاف النجس دون المتنجس.

ص: 16

(مسألة - 3) يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير على الاقوى، وكذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها، وأما على المختار من وجوب الاجتناب عنها احتياطا فلا(1)

ص: 17


1- . الذي يدل على ما ذكره «قده» في هذه المسألة هو اطلاقات ادلة غسل النجاسات بالماء، فانها وان كانت تقيد بكون الماء طاهراً حسب الارتكاز العرفي وأن فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطياً له ولكنه لا تقييد فيها من حيث الاستعمال في الاستنجاء أو في تطهير سائر النجاسات بل مطلق من هذه الجهة، فلا مانع من استمالها في تطهير سائر النجاسات. وأما ما يقال من أن كونه كذلك لا اقل من انه يوجب الشك في كونه مطهراً فيجرى استصحاب نجاسة المتنجس المغسول به. ففيه انه مع شمول إطلاقات أدلة التطهير بالماء لا يبقى شك في عالم التشريع كي تستصحب النجاسة، فان الاطلاقات حاكمة على دليل الاستصحاب. وأما دعوى انصراف الاطلاقات عن الماء المستعمل في الاستنجاء أو في رفع سائر النجاسات، فدعوى بلا بينة ولا برهان، وقياسه على الانصراف عن الماء النجس باطل ومع الفارق. وأما الاستدلال على عدم شمول الاطلاقات للماء المستعمل بموثق عمار عن الصادق عليه السلام قال: سئل عن الكوز والاناء يكون قذراً كيف يغسل وكم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر. بأن يقال: لو كان التطهير بالماء المستعمل في تطهير النجاسات جائزاً لما كان وجه للأمر بالتفريغ، بل كان له أن يحرك ذلك الماء ثلاث مرات في جميع المواضع النجسة كي تتحقق الغسلات الثلاث. ففيه: انه لا تدل الموثقة على عدم جواز التطهير بذلك الماء بعد التفريغ وأما الأمر بالتفريغ - وإن كان يدل على عدم كفاية تحريك الماء الأول ثلاث مرات وعلى عدم حصول التطهير به - إلا أنه ليس من جهة ان الماء المستعمل في ازالة النجاسة لا يرفع به النجس ثانياً، بل من جهة حصول تعدد الغسلات، إذ ظاهر الغسلات المتعددة هو أن يكون الماء في كل غسلة غيره في الغسلة السابقة عليه، فالغسل الجديد لا يتحقق إلا بماء جديد. هذا كله بناءاً على القول بطهارة الغسالة، وأما بناءاً على القول بالنجاسة - كما اخترناه في محله - فمعلوم أن الماء النجس لا يكون مطهراً، لما تقدم من الارتكاز العرفي بأن فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطياً له، فلا يجوز استعماله في التطهير، اي لا يحصل به طهارة المغسول. وأما بناءاً على وجوب الاجتناب عنها احتياطاً، فان كان لا يثبت به نجاسة المتنجس المغسول به واقعاً بل تابع للواقع، فان كانت الغسالة في الواقع نجسة يكون المغسول به واقعاً نجساً، وإلا فلا. ولكن حيث انه يكون مورداً للشك لوجود كلا الاحتمالين، فيجرى استصحاب بقاء نجاسة المتنجس المغسول بذلك الماء.

(مسألة - 4) يجب في تطهير الثوب أو البدن بالماء القليل من بول غير الرضيع الغسل مرتين(1)

ص: 18


1- . هذا هو المشهور بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وهناك قول آخر بالاكتفاء بالمرة، ونسب هذا القول إلى الشهيد وإلى الشيخ في المبسوط وإلى العلامة تارة مطلقاً وأخرى مع التفصيل بين الجاف فمرة وغيره فمرتان، كما انه في المعتبر نسب المرتين إلى علمائنا، وهذه العبارة مشعره بالاجماع. فالاقوال ثلاثة: مرتين مطلقا، ومرة واحدة مطلقا، والتفصيل بين الجاف وغيره. وعلى كل حال حيث ان مدرك هذه الاقوال هو اختلاف الأخبار فلنذكرها كي نرى على أي واحد منها تدل: فمنها - صحيح ابن مسلم عن الصادق عليه السلام عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين، فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات - باب - 2 - الحديث 1.) ومنها - صحيح ابن ابي يعفور قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن البول يصيب الثوب؟ قال: اغسله مرتين (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات - باب - 1 - الحديث 2.) ومنها - حسنة حسين بن ابي العلاء سألت ابا عبدالله عليه السلام عن البول يصيب الجسد؟ قال: صب عليه الماء مرتين، فانما هو ماء. وسألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال عليه السلام: اغلسه مرتين (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات - باب 1 - الحديث 4.) وسألته عن الصبي يبول على الثوب؟ قال عليه السلام: نصب عليه الماء قليلاً ثم تعصره (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات - باب 3 - الحديث 1.) ومنها - خبر ابي ابن مسلم الآخر عن احدهما عليهما السلام قال: سألته عن البول يصيب الثوب؟ قال: اغسله مرتين (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات - باب - 1 - الحديث 1. ) ومنها - خبر ابی اسحاق النحوي عن الصادق علیه السلام قال: سالته عن البول یصیب الجسد؟ قال: صب علیه الماء مرتین (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات - باب - 2 - الحديث 1. ) ومنها - المروي عن جامع البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال عليه السلام: صب عليه الماء مرتين، فانما هو ماء. وسألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله مرتين (الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات - باب 1 - الحديث 7.) ومنها - ما عن فقه الرضا عليه السلام: وإن أصابك بول في ثوبك فاغسله في ماء جار مرة وفي ماء راكد مرتين ثم اعصره (مستدرك الوسائل كتاب الطهارة، أبواب النجاسات - باب - 1 - الحديث 1.) وهذه الروايات ظهورها في القول المشهور ليس قابلاً للانكار وظاهر كثير منها - وان كان مطلقا بالنسبة إلى القلة والكثرة - فالماء الذي يغسل به ما أصابه البول لا فرق بين أن يكون جارياً أو راكداً، والراكد أيضاً لا فرق بين أن يكون قليلاً او كثيراً، فظاهر الروايات أنه في جميع أقسام المطلق يحتاج تطهير ما أصابه البول إلى التعدد والغسل مرتين. ولكن صحيح ابن مسلم يقيد الاطلاقات بالماء غير الجاري، بل يقيد بالماء الراكد القليل، لأن مفاده أن التعدد فيما إذا غسل في المركن. ومعلوم أن الماء الذي في الركن راكد وقليل، فأثبت التعدد في هذا المورد، اي فيما كان قليلاً وراكداً. وكذلك قوله عليه السلام في رواية ابي اسحاق النحوي «صب عليه الماء مرتين»، وهكذا في المروي عن جامع البزنطي من قوله «صب عليه الماء مرتين» ظاهر في الماء الراكد القليل، لأن الكثير وان كان راكداً وكذلك الجاري وان كان قليلاً لا يناسب مع كلمة «الصب». فهذا الحكم مخصوص بالقليل الراكد ولا يأتي في الراكد الكثير والجارى مطلقا. ان قلت: ان بعض الروايات مطلق يشمل المياه بأقسامها، وذلك في كل رواية امر عليه السلام فيها بالغسل مرتين كصحيحي محمد بن مسلم وصحيح ابن ابي يعفور وغيرها، فيخرج الجارى بقوله عليه السلام في رواية المركن «فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة»، ويبقى الراكد الكثير تحت الاطلاق. نقول: إن أحداً من الفقهاء لم يفرق بين الجاري والراكد الكثير، فيلزم من القول بشمول المطلق للراكد الكثير وتقييد بالنسبة الى الجارى خرق للاجماع المركب. ثم إنه على فرض عدم تحقق الاجماع المركب ووجود القول بالفرق بين الكثير الراكد والجارى بلزوم الغسل مرتين في الأول دون الثاني كما ادعاه بعضهم، يمكن أن يقال: إن ظاهر رواية المركن هو التفصيل بين الجارى وغيره، لأنه عليه السلام بعدما يأمر بالغسل مرتين في المركن بجعل الجارى مقابل المركن، فلابد وان یکون المراد من الجاري ما یشمل ما عدا ما في المرکن، والا يكون إهمالاً للحكم بالنسبة الى بعض أقسام المياه، وهذا خلاف ظاهر ما بصدده الامام عليه السلام، فقوله: «فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» أعم من أن يكون الماء المغسول به من مصاديق الجارى موضوعاً أو حكماً، فيشمل ماء المطر والحمام والكر والبئر - فتأمل. ولكن مع ذلك كله الأحوط هو التعدد في غير الجارى مطلقاً، خصوصاً مع ملاحظة ما في فقه الرضا عليه السلام «وإن أصابك بول فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره». ثم انه كما تقيد الأخبار المطلقة التي تدل على كفاية صدق الغسل بالماء في تطهير الأجسام المتنجسة بالبول بهذه الأخبار ولزوم كونه مرتين، كذلك تقيد هذه الأخبار بالأخبار الواردة في بول الصبي من كفاية الغسل أو الصب مرة، بأن المراد مما يلزم غسله مرتين هو ما عدا بول الصبي والمناط في كلا الموردين واحد، وهو الاطلاق والتقييد. وأما مرسلة الكافي «روى أنه يجزى ان يغسله بمثله من الماء اذا كان علی راس الحشفة او غیره» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 1 - الحديث 5.) فأولاً - يمكن أن يقال: إن المراد به بيان أقل كمية يمكن أن يغسل به المتنجس بالبول في كل مرة، سواء كان المتنجس هي الحشفة أو غيرها. وثانياً - على فرض تسليم ظهورها في المرة الواحدة هي مرسلة ولم يعمل بها الأصحاب كي يكون ضعف سندها منجبراً يعملهم. وثالثاً - من المحتمل القوى أن تكون هي نفس رواية نشيط بن صالح عن ابي عبدالله عليه السلام: سألته كم يجزى من الاستنجاء من البول؟ قال عليه السلام: مثلا ما على الحشفة (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب احكام الخلوة، باب - 26 - الحديث 5.) فتكون الرواية مضطربة متناً ونتيجته الاجمال وعدم صحة الاستدلال بها على كفاية المرة الواحدة وان كانت رواية اخرى كما انه ليس ببعيد، فتكون رواية نشيط معارضة لها بناءاً على ظهورها في المرتين، وسنتكلم عنها فيما سيأتي في أحكام الخلوة انشاء الله تعالى. وأما الاستدلال على كفاية الغسل مرة واحدة في الجسم المتنجس بالبول بالزيادة التي ذكرها في المعتبر في رواية حسين بن ابي العلاء، وهي بعد قوله عليه السلام صب عليه الماء مرتين: «الأولى للازالة والثانية للانقاء» (المعتبر كتاب الطهارة، احكام النجاسات ص 121، حق الرضا عن عوالي اللآلي.) ولو كانت هذه الجملة قول الامام عليه السلام فلا شك في أنها تدل على كفاية المرة الواحدة للتطهير، لأن الذى يقول بكفاية المرة يقول بها بعد إزالة العين، فالغسلة التى يتحقق بها التطهير غير الغسلة المزيلة لعين النجس، فالذى يقول بالمرتين لابد وان يقول بكونهما بعد الغسلة المزيلة كي تكون الغسلات جميعها ثلاثاً، فمفاد الرواية حيث أنه غسلة واحده بعد المزيلة فتدل الرواية مع هذه الزيادة على كفاية غسلة واحدة بعد زوال العين ولو كان بفرك ونحوه. ففيه: ان هذه الزيادة غير ثابتة في كتب الحديث وليس فيها عين ولا اثر منها. قال في الحدائق: وهذه الزيادة لا وجود لها في شيء من كتب الاخبار، وقال في المعالم: ولم أر لهذه الزيادة أثراً في كتب الحديث الموجودة الآن بعدالتصفح بقدر الوسع - انتهى. والظاهر أنها استنباط واستظهار عن المحقق في هذه الرواية، فلا حجية فيها. فظهر من جميع ما ذكرنا أنه بجب غسل المتنجس بالبول مرتين، وأما في الاستنجاء من البول يكفي المرة أو يحتاج الى مرتين، فهذا شيء سنتكلم فيه في محله انشاء الله تعالى.

ص: 19

ص: 20

ص: 21

وأما من بول الرضيع غير المتغذي بالطعام فيكفي صب الماء مرة، وان كان المرتان أحوط(1)

ص: 22


1- . مدرك هذا الحكم هو الأخبار الواردة في هذه المسألة. فمنها - ما روى الحسين بن ابي العلاء عن الصادق عليه السلام وفيه: وعن الصبي يبول على الثوب؟ قال عليه السلام: تصب عليه الماء قليلاً ثم تعصره (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 3 - الحديث 1.). ومنها - ما عن الحلبي: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن بول الصبي؟ قال: تصب الماء، فان كان قد أكل فاغسله غسلاً، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 30 - الحديث 2.). ومنها - مافي الفقه الرضوي: وإن كان بول الغلام الرضيع تصب عليه الماء صباً، وإن كان قد أكل فاغسله، والغلام والجارية سواء (مستدرك الوسائل كتاب الطهارة، في بيان احكام التيمم باب - 2 - الحديث 1.). وظاهر هاتين الروايتين كفاية الصب وعدم الاحتياج الى الغسل من بول الرضيع غير المتغذي، وادعى عليه الا جماع جماعة. وأما موثق سماعة عن بول الصبي يصيب الثوب؟ فقال عليهالسلام: اغسله. قلت: فان لم أجد مكانه؟ قال عليه السلام: اغسل الثوب كله (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 3 - الحديث 3.) فلابد وأن يحمل على الصبي المتغذي، وذلك للاجماع على عدم وجوب الغسل من بول الرضيع غير المتغذي، ولتقييدها برواية الحلبي وما في الفقه الرضوي بناءاً على اعتباره ولزوم حملها على المتغذي. نعم يبقى الكلام في كفاية الصب مرة أو يحتاج اليه مرتين، والمحكي عن كاشف الغطاء هو لزوم الصب مرتين، وفي المتن أنه أحوط، وقال في الجواهر أنه لم يعثر على موافق له في هذا القول. وغاية ما يمكن أن يوجه به كلامه «قده» أن المطلقات الواردة في باب تطهير ما أصابه البول مشتمل على حكمين مستقلين: أحدهما غسل المحل، ثانيهما هو اطلاق التعدد سواء كان غسلا أو صباً. وقيد الأول بغير الرضيع بهذه الروايات التي هي أخص من المطلقات، ونتيجة هذا التقييد وجوب الغسل في غير الرضيع غير المتغذي، أى في الكبير وفي الطفل المتغذى. وأما في الطفل الرضيع غير المتغذى فيكفي الصب. وأما الحكم الثاني - أي إطلاق التعدد سواء كان صباً أو غسلا فيعارض مع إطلاق الصب سواء كان مرة أو مرتين، ولا مرترجيح لأحدهما، فيتساقطان وتصل النوبة الى استصحاب النجاسة، ولا يرتفع إلا بتعدد الصب والقطع بعدم بقاء النجاسة. ولكن أنت خبير بأنه ليس هناك حكمين مستقلين، بل مفاد قوله عليه السلام «اغسله مرتين» هو الغسل المتخصص بخصوصية كونه مرتين، وذلك لأن «مرتين» بيان لكمية الغسل لا لكمية كل مطهر وإن كان هو الصب أو المطر أو غير ذلك. وأما الرجوع إلى استصحاب النجاسة فلا مورد له مع إطلاق الصب لحكومته عليه ورفع الشك به. هذا مضافاً إلى أن في قوله عليه السلام: في رواية حسين بن أبي العلاء «تصب عليه الماء قليلا» (قد مر ذكرها.) إشعار بكفاية المرة، وان نجاسة بول الرضيع غير المتغذي خفيف يرتفع بمقدار قليل من الماء، وكذلك قوله عليه السلام في رواية الحلبي «تصب عليه الماء صباً» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 3 - الحديث 2.) إشعار بذلك. فالانصاف أن لزوم التعدد في الصب - كما صدر عن هذا الفقيه المحقق - خلاف الانصاف. ويظهر من عبارة صاحب الجواهر «لم أعثر على موافق له» أنه خلاف الاجماع أيضاً. وأيضاً وردت روايات أخر تدل على كفاية الصب مرة واحدة من طرق المخالفين لنا توجب الاطمئنان بما ذكرناه وتؤيده.

وأما المتنجس بسائر النجاسات عدد الولوغ فالاقوى كفاية الغسل مرة بعد زوال العين، فلا تكفي الغسلة المزيلة لها الا أن يصب الماء

ص: 23

مستمراً بعد زوالها، والأحوط التعدد في سائر النجاسات ايضا، بل كونهما غير الغسلة المزيلة(1)

ص: 24


1- . أما كفاية الغسل مرة واحدة بعد زوال العين وإن كان بالماء القليل في سائر النجاسات عدا الولوغ فهو القول المشهور، وذهب جماعة الى لزوم التعدد واعتباره في التطهير عن سائر النجاسات أيضاً، منهم الشهيد «قده»، وقال العلامة بالتفصيل بين ماله قوام وثخن كالمني فمرتان وما ليس كذلك فمرة واحدة. وعلى كل حال سواء قلنا بالمرة أو لزوم المرتين لابد وأن يكون بعد زوال العين، فكفاية المرة على القول بها بعد الغسلة المزيلة، وكذلك الأمر بناءاً على القول باعتبار مرتين، وسنتكلم في هذا الأمر انشاء الله تعالى. والدليل على قول المشهور وجوه: (الأول) وهو العمدة إطلاق الأمر بالغسل الوارد في موارد كثيرة في مقام التطهير عن كثير من النجاسات، منها قوله عليه السلام «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 26 - الحديث 2). وأيضاً ورد في الكلب «إذا مسسته فاغسل يدك» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 12 - الحديث 9). وأيضاً ورد فيه قوله عليه السلام في جسد الرجل الذي يصيبه الكلب يغسل المكان الذي أصابه (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 12 - الحديث 8). ومنها ماورد في الخنزير قلت: وما على من قلب لحم الخنزير؟ قال عليه السلام: يغسل يده (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 13 - الحديث 4). ومنها ماورد في الثوب الذي أصابه خمر أو نبيذ: أغسله (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 38 - الحديث 3). ومنها ماورد في الثوب الذي أصاب جسد الميت: يغسل ما أصاب ثوبك منه (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 34 - الحديث 1). ومنها ماورد في المني يصيب الثوب: إن عرفت مكانه فاغسله، وإن خفى عليك مكانه فاغسل الثوب كله (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 16 - الحديث 1). ومنها ماورد في الكافر: فان صافحك بيده فاغسل يدك (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 14 - الحديث 5). ومنها ماورد في أوانى الكفار: إذا اضطررتم اليها فاغسلوها بالماء (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 14 - الحديث 12). ومنها ماورد في الثوب الذي يعرق فيه الجنب فليغسل ما أصاب من ذلك. إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي يقف عليها المتتبع، ولاشك في أن امتثال هذه الأوامر كما أنه يمكن بالغسل مرتين كذلك يمكن بالغسل مرة واحدة، بل الامتثال يحصل بالأول ولا يبقى مجال لتأثير الغسلة الثانية، لأن المطلوب بالأمر صرف الوجود من طبيعة الغسل، وصرف الوجود يتحقق بأول وجود منها، فيحصل الامتثال ويسقط الأمر ويوجد أثره وهو طهارة المتنجس المغسول، فتحصيلها بالوجود الثاني يكون من قبيل تحصيل الحاصل. وأما ما ربما يتوهم من عدم كون هذه الأوامر في مقام بيان كيفية الغسل وكميته من حيث المرة والمرتين كي يؤخذ باطلاقها، بل هي من قبيل الكنايات وذكر اللازم وإرادة الملزوم، بأن يكون المراد من الأمر بالغسل في هذه الأخبار نجاسة ذلك المحل الذي أمر بغسله. فهذه الأخبار في مقام بيان نجاسة الملاقى - بالفتح - لا في مقام بيان كيفية إزالة النجاسة عن الملاقي لتلك الأعيان، فلا إطلاق لها كي يتمسك به لاثبات كفاية الغسل مرة واحدة في غير البول وفي غير الولوغ. ففيه: انه لا شك في أن في جملة من هذه الأخبار يسأل الرواوي عن علاج ما ابتلى به بعد الفراغ عن نجاسة الملاقى - بالفتح - فكيف يمكن أن يكون الامام عليه السلام في مقام بيان نجاسة الملاقى - بالفتح - فقوله عليه السلام «يغسل يده» في جواب السائل «قلت وما على من قلب لحم الخنزير» في مقام ازالة ما حصل ليده من تقليب لحم الخنزير لا في مقام بيان نجاسة لحم الخنزير، لأن ظاهر هذا الكلام أنها كانت مفروغة عنها عند السائل، ولذلك يسأل عما عليه من طرف هذا الفعل الذي صدر منه. والانصاف أن القول بأن جميع الأخبار الواردة في أبواب غسل النجاسات من قبيل الكنايات وإثبات نجاسة ما أمر بغسل المحل عنها، مكابرة وخروج عن جادة الاعتدال. ثم انه ربما يرد على ما ذكرنا من التمسك باطلاق أخبار الغسل لكفاية المرة، بأنه لو سلم كون بعضها في مقام بيان كيفية إزالة النجاسة وكان له إطلاق لما كان له فائدة في المقام، لأنه لا يمكن استنباط حكم كلي عن مورد جزئي. ولكن يمكن الجواب عنه بوجهين: الأول: عدم القول بالفصل بين سائر النجاسات غير ما استثناها كالبول والولوغ. الثاني: العلم بعدم خصوصية لذلك المورد الجزئى، وان الحال فيه وفي سائر الموارد على حد سواء - فتأمل. (الوجه الثاني) ما أفاده الشيخ الأعظم الانصاري - قدس سره - وهو: أن الشارع بعدما حكم بنجاسة بعض الأشياء وجعل للجسم الملاقي معها مع رطوبة أحدهما أو كلاهما، بعد أن حكم على الملاقي الذي كان طاهراً بالنجاسة بواسطة الملاقاة مطهرات من جملتها الماء وهو أشملها، فأمر بغسلها، ولا شك في أن هذا الخطاب يكون كسائر خطاباته على طريقة أهل المحاورة، فيكون مفاد الخطاب ما يفهمه العرف من ذلك الخطاب، ولا شك في ان العرف يفهم من قولهم عليهم السلام «اغسل يدك اذا صافحت الكافر مع الرطوبة» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 14 - الحديث 4) إجراء الماء على يده وصرف الوجود منه، وهو يصدق على أول وجود من طبيعة الغسل، فيحصل الامتثال ويسقط الأمر. وكذلك يحصل إزالة النجاسة وطهارة المغسول بجعل من قبل الشارع، سواء سميت ذلك الغسل سبباً لطهارة المحل المغسول أو موضوعاً لها، وان كان الحق هو الأخير منهما. ولا يرد على هذا البيان أن الطهارة مجعول شرعي ليس للعرف طريق الى فهم كيفية إزالتها، ولابد في ذلك من تعيين الشارع طريقاً لازالتها، فاذا شككنا في إزالتها بغسل مرة يكون استصحاب النجاسة محكماً، وذلك لأنه بعد بيان الشارع أن التطهير يحصل بالغسل، فيكون فهم العرف هو الميزان في تحقق الغسل المأمور به وحصول التطهير به. (الوجه الثالث) قوله صلى الله عليه وآله للمرأة التي سألت عن كيفية تطهير ثوبها الذى تلطخ بدم الحيض «حتّيه ثم إغسليه». وتقريب الاستدلال بهذا الحديث الشريف: انه صلى الله عليه وآله أمر المرأة بحت الدم، والمراد بالحت هو الحك بتصريح اللغویين، ولاشك في أن الحت والحك لأجل إزالة عين النجس، إذ إزالته بنفس الغسل يحتاج الى استعمال الماء كثيراً والى مدة طويلة اذا كان الدم يابساً في الثوب، كما هو المفروض في المرد بقرينة قوله صلى الله عليه وآله «حتيه»، لأنه لا معنى لحته لو كان رطباً، فبعد إزالة العين بالحت - أي الحك - أمر صلى الله عليه وآله بغسله، ولا شك في صدق الغسل بوقوعه مرة واحدة. فيستفاد من الحديث أمران: أحدهما كفاية الغسلة الواحدة، ثانيهما أن تكون تلك الغسلة بعد إزالة عين النجاسة، سواء كانت الإزالة بالحك أو بالغسل بالماء. وأما أمره صلى الله عليه وآله بخصصوص الحت فمن جهة سهولته بالنسبة الى إزالتها بالغسل بالماء. وقد اعتمد المحقق «ره» على هذا الحديث في قوله بكفاية المرة في سائر النجاسات غير البول، قال في المعتبر: وهل يراعى العدد في غير البول؟ فيه تردد، أشبهه يكفي المرة بعد إزالة العين، لقوله صلى الله عليه وآله: في دم الحيض «حتّيه ثم اغسليه»، والأمر المطلق يتناول المرة. وفي الحقيقة هذا الحديث أحد المطلقات التي قلنا بأنها تدل على كفاية المرة، وإنما افردناه لجهتين: احداهما دلالته على أن الغسلة الواحدة التي يطهر بها المحل هي غير الغسلة المزيلة، ثانيتهما صراحته في الاطلاق وأنه صلى الله عليه وآله بصدد بيان كيفية تطهير الثوب عن دم الحيض، ووضوح أنه ليس بصدد اثبات نجاسة دم الحيض، فانها كانت معلومة، والمرأة كانت تسأل عن كيفية تطهير ثوبها. هذا مضافاً إلى استدلال المحقق به واعتماده في فتواه عليه، وهو شيخ الفقهاء. (الوجه الرابع) قوله عليه السلام «خلق الله الماء طهوراً» (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب الماء المطلق، باب - 1 - الحديث 9) بناءاً على أن الطهور هو الطاهر في نفسه والمطهر لغيره، وأن مطهريته عام لجميع الأجسام المتنجسة إلا ما خرج بالدليل أو مالا يمكن الوصول اليه بوصف الاطلاق، كما إذا تنجس أعماق القند أو الملح أو غير ذلك. واما احتمال عدم وروده في مقام البيان، ففيه ان ظاهر هذا الحديث النبوي مثل ظاهر الآيات التي وردت في هذا الباب، كقوله تعالى «وأنزلنا من السماء ماءاً طهوراً» (سورة الفرقان: 48) وقوله تعالى «وينزل عليكم من السماء ماءاً ليطهركم به» (سورة الانفال: 11) حيث أنها وردت في مقام الامتنان، ولطفه تعالى على العباد هو انه تعالى خلق الماء وجعله مطهراً لكل متنجس كي لايقعوا في ضيق. وقد تقدم صحيحة داود بن فرقد وأنه «كان بنو اسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهوراً». فهذه الرواية صريحة في أن الله تعالى جعل الماء مطهراً لكل متنجس وإلا لو كان مطهراً في الجملة وبطور الموجبة الجزئية لما كان أوسع ما بين السماء والأرض. فاذا ظهر ظهور هذه الآيات في عموم مطهريته لكل متنجس ولم يرد بيان من قبله تعالى في كيفية التطهير، فيستكشف أنه تعالى أحال كيفية التطهير إلى العرف، ولاشك في أن العرف إذا عرف أن الشارع جعل الماء مطهراً يحكم بكفاية الغسلة الواحدة بعد زوال العين في حصول التطهير. ثم انه تقدم في عنوان هذا الأمر الثالث انه بناءاً على القول بكفاية غسلة واحدة في سائر النجاسات غير البول وغير الولوغ لابد وأن تكون تلك الغسلة غير الغسلة المزيلة لعین النجاسة. والدليل على هذا - مضافاً إلى انصراف الاطلاقات إلى غير المزيلة وفهم العرف من الاطلاقات كفاية الغسلة الواحدة بعد زوال العين بالماء أو بشكل آخر من الحك والفرك وامثالها هو الحديث المتقدم عن النبي صلى الله عليه وآله حيث قال للمرأة التي سألت عن كيفية تطهيرها الثوب المتلطخ بدم الحيض «حتيه ثم اغسليه»، فجعل صلى الله عليه وآله الغسلة المطهرة بعد الحت الذي هو عبارة عن الحك وإزالة العين. وقد اتضح مما ذكرنا أن ما ذهب اليه المشهور من كفاية للغسلة الواحدة في تطهير سائر النجاسات، هو الاقوى. وأما الاستدلال على لزوم التعدد بما في صحيح ابن مسلم عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ذكر المنى فشدده وجعله أشد من البول (الوسائل الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 16 - الحديث 2) بأنه إذا كان المني أشد من البول من حيث النجاسة، فبعيد أن يكون مطهره أخف من مطهر البول بكونه مرة في الأول الأشد ومرتين فيما هو الأخف. ففيه: انه من الممكن أن يكون أشدتيه من البول باعتبار مانعيته للصلاة بدون الغسل لا باعتبار نجاسته، فربما يكون مانعية شيء للصلاة شديدة وليس بنجس اصلاً، وذلك كجلد غير المأكول المزكى أو وبره وصوفه وشعره فالمني يمكن أن يكون أشد من البول في مقام المانعية وأخف منه في مقام النجاسة. وأما الاستدلال للتفصيل الذي ذهب اليه العلامة «قده» بلزوم للتعدد، فيما فيه ثخانة دون ما هو مائع ورقيق برواية حسين بن ابي العلا والبزنطي من قوله عليه السلام «صب عليه الماء مرتين فانه ماء» بأن يقال: إن البول إذا كان لا يكفيه الغسلة الواحدة مع انه ماء، فالمتنجسات التي لها ثخانة تحتاج الى التعدد بطريق أولى. وفيه: أن التعليل بأنه ماء لكفاية الصب بدلاً عن الغسل لا للتعدد، وهذا واضح جداً. ثم لا يخفى أنه بناءاً على التعدد في غير البول أيضاً لابد وأن تكون المرتان بعد زوال العين، سواء كان زوال العين بالماء أو بغير الماء من الاسباب الأخر، لما ذكرنا من أن مقتضى الفهم العرفي من دليل التطهير بالماء مرة أو مرتين هو كون تلك الغسلة أو الغسلتين بعد زوال العين، وإلا مع وجود العين لا يفيد وإن كان ألف غسلة، لأنه مادام بقاء العين مقتضى النجاسة وموضوعها موجود فلو فرضنا وصول الماء إلى المحل مع وجود العين في ذلك المحل فكيف يمكن أن يكون ذلك الوصول مطهراً مع وجود سبب النجاسة؟ وارتفاع العين وإزالتها ليس بنفسه من المطهرات ولم يقل به أحد إلا السيد «قده» في خصوص الأجسام الصقيلة. فتطهير المحل بعد ارتفاع عين النجاسة يحتاج إلى مطهر، سواء كان هو الماء أو غيره. فلا فرق بين أن يكون المطهر هي الغسلة الواحدة أو الغسلتان. وعلى أي واحد من التقديرين لابد وأن يكون بعد زوال عين النجاسة، ولذلك لو كان ارتفاع عين النجاسة وإزالتها عن المحل بالماء فيحتاج إلى ثلاث غسلات إحداها للازالة واثنان للتطهير بناءاً على التعدد.

ص: 25

ص: 26

ص: 27

ص: 28

(مسألة - 5) يجب في الاواني اذا تنجست بغير الولوغ الغسل ثلاث مرات في الماء القليل(1)

ص: 29


1- . أفتى الماتن بلزوم الغسل ثلاث مرات تبعاً للشيخ «قده» في جملة من كتبه، وحكى أيضاً الفتوى بذلك عن إبن الجنيد والشهيد في الذكرى والدروس والمحقق الثاني في جامع المقاصد وجماعة أخرى من المتأخرين، ومستندهم في هذه الفتوى موثق عمار بن أبي عبدالله عليه السلام سأل عن الكوز والاناء قذراً كيف يغسل وكم مرة يغسل؟ قال عليه السلام: يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه، ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصب فيه ماء ماء آخر فيحرك فيه، ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصيب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر (الوسائل كتاب الطهارة، باب - 53 - من أبواب النجاسات، الحديث 1). ودلالة الموثقة على الثلاث واضح لا يقبل الانكار، والكلام في سندها، وجماعة كالمحقق والعلامة والشهيدين والمدارك استضعفوها ولم يعملوا بها فأفتوا بكفاية المرة كما في غير الأواني، وعملوا بالمطلقات التي عرفت أن مفادها - حسب الفهم العرفي الذي هو المناط في تشخيص مرادات المتكلمين وفي باب حجية الظهورات من حيث تشخيص صغرى الظهورات - هو كفاية الغسل مرة، وحكى بعضهم عن الشهيد القول بمرتين. فالأقوال في المسألة ثلاثة: قول بثلاث، وقول باثنتين، وقول بواحدة. والمختار عندنا هو القول بالثلاث، لأن الفقهاء دائماً يعملون بموثقات عمار، وهو في حد نفسه واجد شرائط الحجية، لأن موضوع الحجية هو الخبر الموثوق الصدور، وهو ليس فيه خلل من هذه الجهة ولم يتحقق إعراض الأصحاب عنه كي يكون كاسراً لاعتباره، فالعمل به متعين. وبناءاً على ما اخترناه من لزوم العمل بالموثقة المذكورة لا فرق في تنجس الآنية بالبول أو سائر النجاسات، لاطلاق قوله عليه السلام «يغسل ثلاث مرات».

واذا تنجست بالولوغ التعفير بالتراب مرة وبالماء بعده مرتين(1) والاولى أن يطرح فيها التراب من غير ماء ويسمح به ثم يجعل فيه

ص: 30


1- . لا فرق في الحقيقة بين ما تنجس بالولوغ وبين ما تنجس بغيره في أصل تثليث الغسلات، وانما الفرق بين الولوغ وغيره - على ماهو المختار عندنا - من أن الغسلة الأولى من تلك الغسلات لابد من امتزاج مائها بمقدار من التراب كما سنبين. وجهه: هو أن الغسلات الثلاث في غير الولوغ كلها بالماء الخالص. وفيه: الأولى منها بالماء الممتزج مع التراب او التراب وحده، كي يكون بدلا عن إحدى الغسلات بالماء أو يكون إبتداءاً مسحاً بالتراب ثم ثلاث غسلات بالماء. وعلى كل حال لابد من ترجيح أحد هذه الاحتمالات من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام والاستظهار منها، والأخبار الواردة في هذا الباب: (منها) صحيحة أبي العباس البقباق في الكلب، قال: سألته عن عن الكلب؟ فقال عليه السلام: لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 20 - من أبواب النجاسات، الحديث 1). وفي المعتبر نقلها بزيادة كلمة «مرتين» وحكى أيضاً هذه الزيادة عن طائفة من كتب الأعاظم، منها الخلاف والمنتهى والتذكرة والنهاية وجامع المقاصد والنهاية وشرح الارشاد وغيرها، فمع هذه الزيادة صريح فيما ذكرنا من لزوم التثليث، بأن تكون الغسلة الأولى، بالتراب والأخريان بالماء الخالص. نعم يبقى الكلام في أن المراد بالغسل بالتراب أولاً هو المسح بالتراب وحده، وقد استعمل الغسل مجازاً، أو المراد منه الغسل بالماء الممتزج بالتراب وسنتكلم فيه إنشاء الله تعالى كي يكون استعمال الغسل فيه استعمالا حقيقیاً. وأما لو لم تكن هذه الزيادة في البين وكانت من استنباطات هؤلاء الأعاظم واستظهاراتهم - وإن كان هذا الاحتمال بعيداً - فأيضاً يفيد إطلاقها على فرض ثبوت الاطلاق فيها بموثقة عمار وسائرا أخبار الباب، وإن كانت هذه الرواية أخص بحسب المورد من الموثقة. وعلى كل حال النتيجة واحدة، وهي لزوم الغسلات الثلاث اولاهن بالتراب. (ومنها) ما في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام: إن وقع كلب في الماء أو شرب منه أهريق ذلك الماء وغسل الاناء ثلاث مرات مرة بالتراب ومرتين بالماء (المستدرك كتاب الطهارة، الباب - 43 - من أبواب النجاسات، الحديث 1). و(منها) ماروى الفضل عن ابي عبدالله عليه السلام في ولوغ الكلب في الاناء؟ قال عليه السلام: اغسله بالتراب مرة ثم بالماء مرتين (المستدرك كتاب الطهارة، الباب - 43 - من أبواب النجاسات، الحديث 4). ودلالة ما في الفقه الرضوي ومرسلة الفضل على لزوم الثلاث وان تكون الغسلة الأولى بالتراب واضحة لا تحتاج إلى البيان.

ص: 31

شيء من الماء ويسمح به، وان كان الاقوى كفاية الاول فقط بل الثاني ايضاً(1)شيء من الماء ويسمح به، وان كان الاقوى كفاية الاول فقط بل الثاني ايضاً(2)

ص: 32


1- . قوله عليه السلام «اغسله بالتراب أول مرة» في صحيحة البقباق مفهومه العرفي هو الغسل بالماء الممتزج مع التراب، لأنه لو كان التراب وحده لا يصدق عليه الغسل، بل لو كان المراد ذلك لوجب التعبير عنه بالمسح بالتراب أو التعفير به لا بالغسل، كما إذا قيل «اغسله بالصابون» لا يفهم العرف منه المسح عليه بالصابون، بل يفهم منه أن يكون الماء وحده ولابد ان يكون معه شيئاً من الصابون. فالظهور العرفي لهذه الجملة ان يكون في الماء الذي يغسل به ذلك الاناء مقدار وشيء من التراب بحيث يصدق عليه الغسل بالتراب، واما ارادة المسح من الغسل - على فرض صحته - يكون استعمالاً عنائياً ومجازياً لا يصار اليه إلا بدليل. فالاحوط بل المتعين أن يكون مع التراب مقدار من الماء بحيث يصدق عليه الغسل ولا يكفي التراب وحده. وأما توهم أن الغسل حقيقة في إجراء الماء المطلق علی المغسول، فلابد من عدم مزجه التراب بمقدار يخرجه عن الاطلاق، فلا يصدق عليه الغسل، وهذا المقدار القليل من التراب لا يصدق عليه الغسل بالتراب ولا يقول بكفايته أحد، فلابد من التصرف في مفهوم الغسل أيضاً كالتصرف في مفهوم التراب، فيكون مجازان: أحدهما إرادة إجراء غير ماء المطلق من الغسل، وهو خلاف ما وضع لفظ الغسل له. وثانيهما إرادة الطين من التراب، وهو أيضاً خلاف ما وضع له لفظ التراب. ففيه: أن كون معنى الغسل إجراء الماء المطلق على المغسول غير معلوم بل معلوم العدم، والغسل بالماء المضاف كماء الورد مثلا غسل حقيقة، بل الغسل بالحليب أيضاً غسل. وأما انصراف الغسل الى الغسل بالماء المطلق لو استعمل بدون المتعلق كما إذا قال «اغسل ثوبك من أبوال مالا يؤكل لحمه» أو قال «اغسلوا موتاكم» ليس لأجل أن كون ما يغسل به ماء مطلقاً مأخوذ في مفهوم الغسل بل إما لأجل أن المطهر لابد وأن يكون ماءاً مطلقاً بدليل خارجي أو يكون انصرافاً بدوياً لأجل غلبة الوجود فلا اعتبار. والصحيح أن ما أخذ في مفهوم الغسل هو أن يكون لما يغسل به ميعاناً، سواء كان مضافاً أو مطلقاً،بل وإن لم يصدق عليه الماء وان كان مضافاً. وخلاصة الكلام: إن مفهوم الجملة - حسب فهم العرف الذي نسميه بالظهور ويكون حجة في تشخيص المراد - ربما يختلف مع مفهوم أحزائها، فمن انضمام بعضها إلى بعض يتغير مفهوم الافراد وأجزائه، فلفظ «الغسل» إذا استعمل وحده إن كان فرضاً ظاهراً في إجراء الماء المطلق، وكذا لفظ «التراب» اذا استعمل وحده وان کان ظاهراً وان کان فرضنا ظاهراً فی التراب الممتزج مع الماء، ولكن إذا استعملا معاً وقيل «اغسله بالتراب» يكون ظاهراً في إجراء الماء الممتزج مع التراب. وحيث ليس في الأخبار لا المسح بالتراب ولا التعفير، بل قال عليه السلام «اغسله بالتراب أول مرة» فيتعين ما قلنا من مزج الماء مع التراب بحيث يصدق عليه هذه الجملة عرفاً. وعلى فرض عدم تعين ما قلنا وكفاية مسحه بالتراب وحده - بأن تحسب هذه احدى الغسلات الثلاث - فالقول بتعين الأخير كما نسب إلى جماعة ليس له وجه وجيه، فلو أراد الاحتياط يحصل بالجمع بين الأمرين كما ذكره في المتن، بأن يمسح بالتراب وحده تارة ويغسل بالماء الممتزج مع التراب مرة اخرى.
2- . قوله عليه السلام «اغسله بالتراب أول مرة» في صحيحة البقباق مفهومه العرفي هو الغسل بالماء الممتزج مع التراب، لأنه لو كان التراب وحده لا يصدق عليه الغسل، بل لو كان المراد ذلك لوجب التعبير عنه بالمسح بالتراب أو التعفير به لا بالغسل، كما إذا قيل «اغسله بالصابون» لا يفهم العرف منه المسح عليه بالصابون، بل يفهم منه أن يكون الماء وحده ولابد ان يكون معه شيئاً من الصابون. فالظهور العرفي لهذه الجملة ان يكون في الماء الذي يغسل به ذلك الاناء مقدار وشيء من التراب بحيث يصدق عليه الغسل بالتراب، واما ارادة المسح من الغسل - على فرض صحته - يكون استعمالاً عنائياً ومجازياً لا يصار اليه إلا بدليل. فالاحوط بل المتعين أن يكون مع التراب مقدار من الماء بحيث يصدق عليه الغسل ولا يكفي التراب وحده. وأما توهم أن الغسل حقيقة في إجراء الماء المطلق علی المغسول، فلابد من عدم مزجه التراب بمقدار يخرجه عن الاطلاق، فلا يصدق عليه الغسل، وهذا المقدار القليل من التراب لا يصدق عليه الغسل بالتراب ولا يقول بكفايته أحد، فلابد من التصرف في مفهوم الغسل أيضاً كالتصرف في مفهوم التراب، فيكون مجازان: أحدهما إرادة إجراء غير ماء المطلق من الغسل، وهو خلاف ما وضع لفظ الغسل له. وثانيهما إرادة الطين من التراب، وهو أيضاً خلاف ما وضع له لفظ التراب. ففيه: أن كون معنى الغسل إجراء الماء المطلق على المغسول غير معلوم بل معلوم العدم، والغسل بالماء المضاف كماء الورد مثلا غسل حقيقة، بل الغسل بالحليب أيضاً غسل. وأما انصراف الغسل الى الغسل بالماء المطلق لو استعمل بدون المتعلق كما إذا قال «اغسل ثوبك من أبوال مالا يؤكل لحمه» أو قال «اغسلوا موتاكم» ليس لأجل أن كون ما يغسل به ماء مطلقاً مأخوذ في مفهوم الغسل بل إما لأجل أن المطهر لابد وأن يكون ماءاً مطلقاً بدليل خارجي أو يكون انصرافاً بدوياً لأجل غلبة الوجود فلا اعتبار. والصحيح أن ما أخذ في مفهوم الغسل هو أن يكون لما يغسل به ميعاناً، سواء كان مضافاً أو مطلقاً،بل وإن لم يصدق عليه الماء وان كان مضافاً. وخلاصة الكلام: إن مفهوم الجملة - حسب فهم العرف الذي نسميه بالظهور ويكون حجة في تشخيص المراد - ربما يختلف مع مفهوم أحزائها، فمن انضمام بعضها إلى بعض يتغير مفهوم الافراد وأجزائه، فلفظ «الغسل» إذا استعمل وحده إن كان فرضاً ظاهراً في إجراء الماء المطلق، وكذا لفظ «التراب» اذا استعمل وحده وان کان ظاهراً وان کان فرضنا ظاهراً فی التراب الممتزج مع الماء، ولكن إذا استعملا معاً وقيل «اغسله بالتراب» يكون ظاهراً في إجراء الماء الممتزج مع التراب. وحيث ليس في الأخبار لا المسح بالتراب ولا التعفير، بل قال عليه السلام «اغسله بالتراب أول مرة» فيتعين ما قلنا من مزج الماء مع التراب بحيث يصدق عليه هذه الجملة عرفاً. وعلى فرض عدم تعين ما قلنا وكفاية مسحه بالتراب وحده - بأن تحسب هذه احدى الغسلات الثلاث - فالقول بتعين الأخير كما نسب إلى جماعة ليس له وجه وجيه، فلو أراد الاحتياط يحصل بالجمع بين الأمرين كما ذكره في المتن، بأن يمسح بالتراب وحده تارة ويغسل بالماء الممتزج مع التراب مرة اخرى.

ولابد من التراب، فلا يكفي عنه الرماد والاشنان والنورة ونحوها. نعم يكفي الرمل، ولا فرق بين أقسام التراب(1)

ص: 33


1- . ظاهر الدليل هو لزوم كون الغسلة الأولى بالتراب، فعلى أي شيء صدق «التراب» صدقاً حقيقياً - بمعنى أنه لم يكن سلب الترابية عنه صحيحاً - فيكفي. ولعل الحصى والرمل من هذا القبيل، لأن الظاهر من لفظ «التراب» حسب المتفاهم العرفي هي الاجزاء الأرضية مطلقاً مالم يخرج عن اسم الأرض بصيرورته من قبيل المعادن أو بالطبخ وأمثاله. وأما قول الشاعر «عدد الرمل والحصى والتراب» حيث قابل التراب مع الحصى والرمل، فيستفاد من جعله التراب مقابلا للحصى والرمل أنه غيرهما ففيه: أن الظاهر أن التراب مع هذين من قبيل المسكين والفقير إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، فأحد معنييه هو التراب الخالص عن الرمل والحصى، والثاني بمعنى الأرض. كما أنهم إذا قالوا «تربة العراق أو الحجاز» لا يريدون به الخالص عن الرمل والحصى، والذي يصنعون منه الكوز وأمثاله. والغالب أنه إذا استعمل وحده يدون انضمامهما اليه - كما في المقام - يكون المراد منه ذلك المعنى العام الذي يشملهما. وأما الرماد والنورة والاشنان فلا يصدق عليها التراب قطعاً. وأما القول بكفاية هذه الأمور بل كفاية كل ما يزيل الأوساخ سواء صدق عليها التراب أو لا يصدق، وذلك من جهة أن الغرض من التعفير هي المبالغة في إزالة ما أتى من قبل الولوغ، وهذا ربما يحصل من هذه الأمور أزيد من التراب. ففيه: أن هذا قياس في الفقه، وليس من مذهبنا، ولا اعتبار بالأولوية الظنية عندنا، والظنون مالم يقم دليل على اعتبارها حالها حال الشك لاأثر لها. هذا مضافاً إلى منع الصغرى، لان النجاسة الآتية من قبل الولوغ ليست من قبيل الأوساخ كي تكون هذه الأمور أبلغ في ازالتها، بل ربما يكون الأثر في تلك النجاسة لا يزيله إلا التراب. وجاء في بعض المقالات الطبية تأكيد الكاتب بأن بعض الجراثيم الفاسدة المضرة لا يزيلها إلا التراب. وهذا مما يوجب القطع بأن الإئمة المعصومين عليهم السلام تلقوا هذا الأمر من مبادىء الوحي، أي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتوسط أمير المؤمنين عليه السلام، لعدم اطلاع أهل تلك العصور على هذه الأمور.

والمراد من الولوغ شر به الماء أو مائعا آخر بطرف لسانه، ويقوى إلحاق لطعه الإناء بشربه، وأما وقوع لعاب فمه فالاقوى فيه عدم اللحوق(1)

ص: 34


1- . هل المراد من الولوغ هو خصوص شربه من الاناء بطرف لسانه كما هو معناه لغة وعرفاً، أو أعم منه ومن لطعه للآنية أي لحسه لها وإن لم يكن فيها ماء. ثم أنه هل يختص هذا الحكم - أي التعفير - بما إذا شرب الماء في الآنية بطرف لسانه، أو يشمل ما إذا شرب مائعاً آخر أيضاً كذلك. وأيضا إذا وقع لعاب فمه في الآنية الفارغة أو التي فيها الماء مشمول لهذا الحكم أم لا؟ فهاهنا أمور: (الأول) في أنه هل اللطع مثل الولوغ في هذا الحكم أم لا؟ اقول: بعد الفراغ عن عدم حجية كل ظن لم يقم دليل على حجيته وبطلان القياس وتنقيح المناط الظني والأولوية الظنية، فلابد من وجود دليل معتبر على ثبوت هذا الحكم في المطع مثل الولوغ. أما دليل الولوغ لا يشمله، لأن الولوغ لغة وعرفا غير اللطع هو واضح. وأما ما ذكروه من أن في الولوغ لا يصل لسانه إلى الآنية مباشرة بل يكون وصوله إلى الماء الواصل إلى الآنية، فلو كان مناط التنجيس تأثير فصل: في المطهرات لسانه في نجاسة الآنية ولزوم التعفير فاللطع أولى بهذا الحكم من الولوغ لوصول لسانه إلى الآنية بدون توسط شيء. ففيه: ما عرفت أن هذه الظنون والاستحسانات لا اعتبار بها، والمعتمد هو الدليل، ودليل الحكم نص في الولوغ في ما رواه الفضل وهو غير اللطع. واما الاستدلال لشمول هذا الحكم له بصحيحة البقباق السابقة الذكر وانه فيها لم يجعل المناط لهذا الحكم خصوص الولوغ بل أمر بصب فضل الكلب وتعفير الاناء، فعجيب لأن الفضل لا يصدق على الماء الموجود في في الاناء إلا بعد شربه مقداراً منه وبقاء مقدار آخر، وهذا عين الولوغ، لأن الكلب لا يشرب إلا بتلك الصورة وعلى هذه جرت عادته حسب فطرته التي فطره الله تعالى عليها. وأما الاستدلال له بما في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام من قوله «ان وقع كلب في الماء أو شرب منه أهريق ذلك الماء وغسل الاناء ثلاث مرات مرة بالتراب ومرتين بالماء» بناءاً على حجيته، بأن يقال ظاهر جملة «إن وقع كلب في الماء» بعد الفراغ من أنه ليس المراد منه خصوص وقوع الكلب فيه بتمام بدنه، فكل عضو منه إذا وقع في الماء أو الاناء يجب تعفيره. ففيه: على فرض تسليم ما ذكر والإغماض عما يرد عليه، ظاهره وقوع العضو في الماء لا في الاناء، واللطع ليس وقوع اللسان في الماء، بل هو عبارة عن لحس الاناء بلسانه. فالانصاف أنه لا دليل على الالحاق إلا تلك الظنون والاستحسانات التي لا دليل على اعتبارها. نعم لا بأس بالاحتياط لأجل تلك الاحتمالات، اللهم إلا أن يدعى القطع بأن المناط في لزوم التعفير هو وصول أثر اللسان في الولوغ بتوسط الماء إلى الاناء، فاذا كان هذا هو المناط والعلة لهذا الحكم فهذا المناط في اللطع أقوى، فيترتب عليه هذا الحكم ترتب المعلول على علته، فيكون ثبوت الحكم في المقيس من باب تخريج المناط القطعي واستنباط العلة. ولعله لهذه الجهة قال في المتن «ويقوى إلحاق لطعه الاناء بشربه»، ولكن بناءاً على هذا لا وجه للتفصيل بين اللطع ووقوع لعاب فمه في الاناء، بتقوية ثبوت هذا الحكم والالحاق في الاول وتقوية عدم الثبوت والالحاق في الثاني، مع انهما من هذه الجهة من واد واحد. (الثاني) وقوع لعاب فمه في الاناء، وفرق الماتن بينه وبين اللطع، وقد عرفت أن المناط فيهما واحد ولا وجه للفرق بينهما. (الثالث) لو كان في الاناء، مائع آخر غير الماء فشرب بطرف لسانه منه، فهل هو مثل الماء ام لا؟ اقول: تارة نتكلم في صدق الولوغ عليه موضوعاً، بمعنى ان الولوغ عبارة عن شرب الكلب مائعاً سواء كان هو الماء أو غيره كالحليب مثلاً، وأخرى في أنه على تقدير أن لا يكون مطلق شربه ولوغاً بل يكون الولوغ عبارة عن شربه الماء فقط، فهل يشمله حكما أم لا؟ اما الأول: فالظاهر أن الولوغ موضوع لمطلق شرب خصوص الكلب أو مطلق السباع عن الاناء، سواء كان فيه الماء او مائع آخر. قال في القاموس: ولغ الكلب في الاناء وفي الشراب، ومنه وبه يلغ كيهب - إلى ان يقول - شرب ما فيه بأطراف لسانه، أو ادخل لسانه فيه فحركه. وفي نهاية ابن اثير: ولغ شرب ما في الاناء بلسانه، وحكى عن الصحاح أنه شرب الكلب في الاناء الذي فيه الماء او غيره بطرف لسانه، وعن مجمع البحرين: انه شرب الكلب من الاناء أو لطعه. وصرح بعضهم أن الشرب بأطراف اللسان ليس إلا في السباع. وقد ظهر مما ذكرنا أن الولوغ ليس مخصوصاً بشرب خصوص الماء بأطراف لسانه بل يستعمل في مطلق شرب المائعات. فبناءاً على هذا لا يبقى مجال للتكلم في أن الولوغ يشمله حكماً ام لا، وذلك لأن شرب سائر المائعات أيضاً ولوغ. وأما إذا قلنا بعدم صدق الولوغ حقيقة على شرب سائر المائعات غير الماء، بل إذا استعمل فيها يكون استعمالاً مجازياً، فالحاقه بالولوغ حكماً لا يخلو من نظر، لأن دليل هذا الحكم إذا كان رواية الفضل فموضوع هذا الحكم فيها هو الولوغ، والمفروض أنه لا يشمل شرب سائر المائعات غير الماء، وإن كان صحيحة البقباق فهي في مورد شرب الماء، لأنه عليه السلام نهى عن التوضؤ بفضله وأمر بصب ذلك الماء وغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء. ولا يستفاد منها ثبوت هذا الحكم إلا بوحدة المناط في الماء وسائر المائعات، وقد عرفت أن هذه الظنون والاستحسانات لا اعتبار بها، فلا يمكن أن يكون مدركاً للحكم الشرعي. فالحق في المقام عدم اختصاص الولوغ بشرب الماء.

ص: 35

ص: 36

فصل: في المطهرات

بل الاحوط إجراء الحكم المذكور في مطلق مباشرته ولو كان بغير اللسان من سائر الاعضاء حتى وقوع شعره أو عرقه في الاناء(1).

ص: 37


1- . منشأ هذا الاحتياط تارة تلك الوجوه والظنون الاستحسانية وقد عرفت الحال فيها، وأخرى يتمسك له بما في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام، وهو قوله عليه السلام «إن وقع الكلب في الماء او شرب منه اهریق ذلك الماء وغسل الاناء ثلاث مرات مرة بالتراب مرتین بالماء» بان یقال کما تقدم: ان المراد بوقوع الکلب في الماء ليس خصوص وقوع مجموع بدنه في الماء، وذلك أولاً لا طلاق لفظ «الكلب»، وإطلاق هذا اللفظ على كل عضو منه، وثانياً لو سلم ظهوره في حد نفسه في المجموع فالمراد هاهنا ليس المجموع بقرينة قوله عليه السلام «أهريق ذلك الماء»، لأن الماء الذي قابل للاهراق هو الماء الذي في الاناء لا ماء النهر أو الحوض أو البئر، والمتعارف من الأواني ليس من الكبر بحد يقع مجموع بدن الكلب، فالمراد من وقوع الكلب فيه وقوع عضو منه فيه يده أورجله أو غير ذلك. وفيه: أولا عدم ثبوت حجية هذا الكتاب عند أعاظم المحدثين والفقها، وثانياً صدق الكلب على شعره وعرقه لا يخلو من نظر.

(مسألة - 6) يجب في ولوغ الخنزير غسل الاناء سبع مرات، وكذا في الجرذ، وهو الكبير من الفأرة البرية. والاحوط في الخنزير التعفير قبل السبع أيضاً، لكن الاقوى عدم وجوبه(1).

ص: 38


1- . ذكر الماتن في هذه المسألة أموراً ثلاث: (الأمر الأول) غسل الاناء سبع مرات في ولوغ الخنزير، والدليل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في إناء شرب منه خنزير؟ قال: يغسل سبعاً (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 1 - من أبواب الأسآر، الحديث 2). ودلالتها على هذا الحكم واضحة لا تحتاج إلى البيان، وقد تحقق في محله أن الجملة الخبرية آكد في الوجوب عن ظهور الأمر في الوجوب، فما ذهب اليه المحقق «قده» من القول باستحباب السبع لا أساس له، والرواية صحيحة وقد عمل بها جمع من أعاظم الفقهاء، فيلزم الأخذ بمضمونها الذي هو وجوب الغسل سبعاً. (الأمر الثاني) الاحتياط بالتعفير أيضاً مضافاً إلى غسله سبعاً. ولا دليل على التعفير في ولوغم الخنزير، بل لا وجه له إلا ماتوهم من إطلاق الكلب عليه وورود التعفير فيه. وفيه: الفرق بين مفهوم الكلب والخنزير لغة وعرفاً، فالحكم الجاري على الكلب لا يصح إجراؤه على الخنزير، لأنه ليس بكلب لا لغة ولا عرفاً. نعم أطلق في بعض الأخبار لفظ الكلب على غير هذا الحيوان المعروف من سائر السباع، كما روي عن الصادق عليه السلام أنه لما سمع شعر حكم بن عباس الكلبي بعد قتل زيد وهجائه له قال عليه السلام: اللهم إن كان عندك كاذباً فسلط عليه كلبك، فافترسه الأسد بين الشام والكوفة. ولكن إطلاقه على الخنزير لم يسمع في كلام العرب. (الأمر الثالث) غسل الاناء سبعاً من موت الجرذ فيه. والدليل على هذا الحكم موثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إغسل الاناء الذي تصيب الجرذ ميتاً سبع مرات (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 53 - من ابواب النجاسات، الحديث 1) وحيث أن المشهور عملوا بهذه الموثقة فاستضعاف النافع والقواعد وكشف الرموز في غير محله، مع أنها في حد نفسها موثقة وحجة، فيجب العمل بها. وأما الجرذ بضم الجيم وفتح الراء المهملة وفي آخره ذال معجمة، وقد يستعمل بالدال المهملة: حيوان معروف من أصناف الفيران.

(مسألة - 7) يستحب في ظروف الخمر الغسل سبعاً، والأقوى كونها كسائر الظروف في كفاية الثلاث(1).

ص: 39


1- . الأقوال في هذه المسألة ثلاثة: قول بوجوب السبع ذهب اليه جماعة من الأساطين كالمفيد والشيخ والشهيد والمحقق بل نسب إلى المشهور، وقول بوجوب الثلاث واختاره في الشرائع والقواعد وحكي أيضاً عن الخلاف، وقول بكفاية المرة وذهب اليه جماعة كالمعتبر والمختلف والروض وغيرها. واختلاف هذه الأقوال لاختلاف الاخبار: فمن قال بوجوب السبع استند الى موثقة عمار من الاناء يشرب فيه النبيذ؟ فقال عليه السلام: تغسل سبع مرات وكذلك كلب (الوسائل، كتاب الأطعمة والأشربة، باب - 3 - جواز استعمال الأواني، الحديث 1). ومن قال بوجوب الثلاث استند الى موثقته الأخرى في قدح او اناء يشرب فيه الخمر؟ قال عليه السلام: تغسله ثلاث مرات. وسئل أيجزيه ان يصب فيه الماء؟ قال عليه السلام: لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات (الوسائل، كتاب الطهارة، الباب - 51 - من أبواب النجاسات، الحديث 1). ولعل الوجه في سؤال الراوي عن كفاية الصب من جهة ما كان في ذهنه من رسوب الأجزاء الخمرية غالباً في القدح أو الاناء الذي يشرب فيه الخمر، فليس الخمر مثل البول كي يكفيه الصب، لأنه ماء كما علل كفاية الصب في التطهير عن البول وقد تقدم، ولذلك أجاب الامام عليه السلام بعدم الإجزاء حتى يدلكه بيده لازالة الأجزاء الخمرية. ومن قال بكفاية المرة تمسك بالاطلاقات، وهي كثيرة: (منها) موثقة عمار الثالثة: سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال عليه السلام: اذا غسل فلابأس. وعن الابريق وغيره يكون فيه خمر أيصلح ان يكون فيه ماء؟ قال عليه السلام: اذا غسل فلابأس (الوسائل، كتاب الأطعمة والاشربة، الباب - 30 - من ابواب الأشربة المحرمة، الحديث 1). (ومنها) ما عن قرب الاسناد باسناده عن علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام قال: سألته عن الشراب في الاناء يشرب فيه الخمر قدحان قدح عيدان او باطية؟ قال: اذا غسله فلابأس. وسألته عن دن الخمر أيجعل فيه الخل والزيتون أو شبهه؟ قال: اذا غسل فلابأس (المستدرك، كتاب الطهارة، الباب - 35 - من ابواب النجاسات والأواني، الحديث 1) ولا حاجة الى ذكر سائر الروايات. أقول: أما المطلقات فهي في الأواني وغيرها وان كانت كثيرة لكن كلها في مقام أن استعمال المتنجس بالخمر بعد التطهير بالماء لا بأس فيه وعبر عن التطهير بالغسل. وليست في مقام بیان کیفیة التطهیر وأنه یحتاج الی تعدد الغسل أم لا، فلیس لها إطلاق كي يتمسك بها. وعلى فرض التسليم تقيد بروايات التحديد بالعدد ثلاثة أو سبعة، بل بروايات التثليث في مطلق الأواني في مطلق النجاسات شأن سائر المطلقات والمقيدات. نعم يبقى التعارض بين ما مفاده وجوب السبع وما مفاده وجوب الثلاث، لأن كليهما في مقام تحديد عدد الغسلات، فرواية السبع ينفي الأقل ورواية الثلاث ينفي وجوب الزائد عليه. ولكن الانصاف أن العرف يجمع بينهما بحمل الزائد على الثلاث على استحباب، وذلك من جهة أن الفهم العرفي من الكلام في أمثال المقام هو أن ازالة النجاسة الاعتباریة الشرعیة مثل ازالة الاوساخ الخارجیة التکوینیة فیغسل ثلاث مرات تحصل المرتبة التي يجب تحصيلها، والمرتبة التي فوق هذه المرتبة ليست لازم التحصيل، لكنه لو أتى بها أتى بالإفضل. ولعل هذا هو المراد من وجوب الثلاث واستحباب السبع الذي اختاره في المتن، وهو الصحيح.

(مسألة - 8) للتراب الذي یعفر به يجب أن يكون طاهراً قبل الاستعمال(1).

ص: 40


1- . ذهب المشهور الى اشتراط طهارة تراب. الذي يستعمل في تطهير ما يحتاج تطهيره الى التراب. وعمدة الدليل عليه هو ما تقدم في اشتراط الطهارة في الماء الذي يستعمل في تطهير المتنجسات، من ان قضية أن معطي الشيء لا يمكن أن يكون فاقداً له، أو أن فاقد الشيء لا يمكن ان يكون معطياً له قضية ارتكازية في اذهان العرف، وهذا الارتكاز يوجب انصراف المطلق إلى ما كان طاهراً قبل استعمال، فقوله عليه السلام «اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين» (المستدرك، كتاب الطهارة، باب - 42 - من ابواب النجاسات والاواني، الحديث 1) فكما ان ذهن العرف في الماء ينصرف إلى الماء الطاهر ولا يأخذ باطلاقه، فكذلك بالنسبة الى التراب ذهنه ينصرف الى التراب الطاهر ولا يأخذ باطلاق التراب لتلك القضية الارتكازية. وأما ان المقام ليس من مصاديق تلك القضية الارتكازية، لأن الطهارة حكم شرعي مجعول من قبل الشارع وليس معلولاً للماء ولا للتراب، فهذا القول وان كان صحيحاً بالدقة والكن العرف يرى الماء والتراب سبباً لحصول الطهارة في الجسم المغسول بهما، ولذلك - بعد أنه مرتكز في أذهانهم ان فاقد الشيء لا يعقل أن يكون معطياً له - ينصرف ذهنهم من الخطاب الشرعي الى الماء والتراب الطاهرين. هذا مضافاً الى أن الطهارة - وان كانت حكماً شرعياً ومجعولاً شرعياً - الا أن الشارع لا يجعلها جزافاً، فلابد وأن يكون للماء والتراب تأثير واقعى في الجسم المغسول بهما كي يجعله الشارع طاهراً، واذا كانا نجسين لا يرى لهما تلك القابلية، بل بهما حينئذ يكون الجسم المغسول قابلاً لضد الطهارة. وعلى كل حال لاشك في انصراف أذهان العرف من قوله عليه السلام «اغسله بالماء» وكذا من قوله «اغسله بالتراب» الى الطاهرين منهما، ومع هذا الانصراف لا يبقى مجال لاستصحاب مطهريتهما قبل طرو النجاسة عليهما لأن مفاد الدليل بناء على ما ذكرنا هو ان الطاهر منهما مطهر، فلا شك في مطهرية النجس منهما كي يستصحب بالاستصحاب التعليقي مطهريتهما قبل طرو النجاسة عليهما. مضافا إلى عدم حجية الاستصحاب التعليقي في نفسه وقد حققت المسألة في كتاب منتهى الأصول. نعم بناءاً على جريانه يكون حاكماً على استصحاب نجاسة الجسم المغسول بهما.

(مسألة - 9) اذا كان الاناء ضيقاً لا يمكن مسحه بالتراب فالظاهر كفاية جعل التراب فيه وتحريكه الى ان يصل الى جميع أطرافه، وأما

ص: 41

اذا كان مما لا يمكن فيه ذلك فالظاهر بقاؤه على النجاسة ابداً الا عند من يقول بسقوط التعفير في الغسل بالماء الكثير(1)

ص: 42


1- . قد عرفت فيما تقدم اختيارنا في مسألة التعفير انه عبارة عن مزج التراب بالماء، وذلك لمكان قوله عليه السلام «اغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء»، فانه لا يصدق الغسل الا فيما اذا كان بالمائعات وان كان مضافاً، وأما المسح بجسم ذي ثخن خصوصاً اذا كان جافاً فلا يصدق عليه الغسل. وهذا واضح جداً، وبناءاً على هذا لا يبقى لهذه المسألة مجال ومورد، بل كل إناء وان كان ضيقاً بلغ مابلغ من الضيق قابل للتعفير بهذا المعنى. نعم لو قلنا بأن التعفير عبارة عن المسح بالتراب الخالص غير ممزوج مع الماء، فتصل النوبة إلى هذا الفرع وانه هل يسقط التعفير فيما لا يمكن أو ينوب عنه الماء أولا هذا ولا ذاك يبقى على النجاسة أبداً كما في المتن. ثم انه بناءاً على أن يكون التعفير عبارة عما ذكر - أي المسح بالتراب من دون إمتزاجه بالماء - وإن كانت تأتي الاحتمالات الثلاث - أي سقوط شرطية التعفير فيما لا يمكن، ونيابة الماء عنه، والبقاء على النجاسة أبداً - ولكن الصحيح منها هو بقاء النجاسة أبداً كما ذكر في المتن. وذلك لأن القول بسقوط شرطية التعفير في المورد المذكور مبني على عدم شمول الأمر بالتعفير مورد تعذره، لعدم إمكان إطلاقه لمورد عدم إمكانه، وإلا يلزم التكليف بالمتعذر وما لا يطاق، وهو قبيح وصدوره عن الحكيم محال. وفيه: أن هذا صحيح لو كان الأمر تكليفياً محضاً، وأما لو كان إرشاداً إلى ما هو السبب للتطهير فتعذره لا يوجب أن يكون السبب ما عداه، بل نتيجته عدم وجود المسبب لعدم وجود سببه. وهذا معنى بقائه على النجاسة أبداً. وأما كون الماء نائباً وبدلا عنه، وإن كان أمراً ممكناً ولكنه يحتاج في مقام الاثبات إلى دليل مفقود في المقام، فلا مناص إلا القول ببقاء النجاسة أبداً إلا عند من يقول بعدم لزوم التعفير في الغسل بالماء الكثير كما ذكره في المتن. وما ذكره بعض من التمسك بقاعدة الميسور وقاعدة نفي الحرج لوجوب ماعدا التعفير المتعذر. ففيه: أن قاعدة الميسور على فرض تسليم جريانها فيما نحن فيه لا تثبت إلا وجوب ماعدا التعفير المتعذر، وأما أنه سبب للتطهير فلا. وكذلك قاعدة نفي الحرج ترفع وجوب هذا الشرط المتعذر ولا تثبت سببية الباقي للتطهير. وأما القول بأن شرطية التعفير ومدخليته في التطهير في صورة إمكانه فقول بلا دليل ينفيه إطلاق قوله عليه السلام «إغسله أولا بالتراب مرة ثم بالماء مرتين»، حيث أن ظاهر الكلام مدخلية الغسل بالتراب في حصول الطهارة، وحاله من هذه الجهة حال الماء، فكما أنه لو تعذر الماء لا يمكن أن يقال بسقوط الماء عن المدخلية في التطهير ولم يقل به أحد، فكذلك الأمر في التراب.

(مسألة - 10) لا يجري حكم التعفير في غير الظروف مما تنجس بالكلب ولو بماء ولوغه أو لطعه. نعم لا فرق بين أقسام الظروف في وجوب التعفير حتى مثل للدلو لو شرب الكلب منه، بل والقرية والمطهرة وما أشبه ذلك(1)

ص: 43


1- . لو كان موضوع حكم الشرع بوجوب التعفير إذا ولغ الكلب فيه أو لطعه هو الأواني فلا شبهة في صحة ما أفاده «قده» في المتن، لأن الدليل الذي مفاده وجوب التعفير يكن مختصاً بالاواني، فاسراء الحكم من الاواني إلى غيرها بالاستحسانات والظنون غير المعتبرة يكون من القياس المردود. ولكن الشأن في إثبات ذلك، لأن العمدة في دليل وجوب التعفير هي صحيحة البقباق (قد مر ذكر الصحيحة). وليس فيها ذكر من الأواني، بل فيها: سألته عن الكلب؟ فقال عليه السلام: لا تتوضأ بفضله وأصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء. فحكم بعدم جواز التوضؤ بفضل ما شرب منه وصب ذلك الماء وأمر بالتعفير بعبارة «إغسله بالتراب أول مرة» في مثل هذا الموضوع، وليس فيه أثر ولا خبر عن ذكر الآنية، بل هذا الحكم جار ووارد على كل ما صدق عليه أنه فضل الكلب سواء كان في الآنية أو في غيرها كالدلو والقربة وأمثال ذلك مما ليس بآنية. ولكن يمكن أن يقال: أولاً - إن صحيحة البقباق وإن لم يجعل الأواني فيها موضوع الحكم، ولكن بقرينة قوله عليه السلام «واصبب ذلك الماء» يكون المراد هو خصوص ما إذا كان فضل مائه في الآنية، لأنه لو كان مطلق فضل مائه كما إذا كان في ساقية أو حوض صغير فلا يصح قوله «واصبب ذلك الماء»، والمتعارف من هذا الكلام هو أنه إذا شرب في آنية وزاد يقال في مقام التنفر عنه وعدم تأثيره في تطهير شيء «أصبب ذلك الماء». وثانياً - هناك رواية صرح فيها بالآنية وجعلها موضوعاً للحكم، كرواية الفضل التي تقدمت، فيمكن حمل المطلق على ذاك - فتأمل. وأما من طرق العامة فقد وردت روايات تصرح بالاناء: (منها) ما رواه إبن سيرين عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب. (ومنها) عن ابن المغفل قال: أمر رسول الله (ص) بقتل الكلاب ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب، ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وقال: إذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب (الروايتان ذكرهما في صحيح مسلم 1 / 161). و على كل حال عده القربة في المتن من أقسام الظروف لا يخلو من إشكال.

(مسألة - 11) لا يتكرر التعفير بتكرر الولوغ من كلب واحد أو أزيد، بل يكفي التعفير مرة واحدة(1)

ص: 44


1- . تداخل الأسباب - سواءأ كانت من سنخ واحد أو من اسناخ متعددة - على خلاف الأصل، وكذلك الأمر بالنسبة الى تداخل المسببات اذ معنى تداخل الأسباب أن الأسباب المتعددة مع أن كل واحد منها سبب مستقل لا جزء سبب تؤثر في مسبب واحد مع ان المسبب قابل للتكرار. وهذا خلف، إذ ما فرضته سبباً مستقلاً يلزم أن لا يكون مستقلاً ويكون جزء سبب. نعم فيما لا يكون المسبب قابلاً للتكرار فلا محالة يكون من تداخل الأسباب ان وجدت دفعة واحدة، وأما ان وجدت متعاقبة وعلى التوالي فالمسبب مستند الى أول وجود من تلك الأسباب وغيره لا اثر له والا يلزم تحصيل الحاصل. ومعنى تداخل المسببات هو أن يكون المسبب الواحد ينوب عن أثر كل واحد من الأسباب المتعددة، والا فنفس المسبب الواحد يكون أثراً لكل واحد بنحو الاستقلال محال، فلب تداخل المسببات يرجع الى ترتب الآثار المتعددة على ذلك الأثر على ذلك الأثر الواحد وكفايته عن الجميع. وعلى كل حال التداخل في كليهما - أي الأسباب والمسببات على خلاف مقتضى الأصل، وقد ذكر سيدنا الأستاذ في كتاب القواعد الفقيهة قاعدة أصالة عدم تداخل الأسباب ولا المسببات مفصلاً، ومقتضى تلك القاعدة تكرر التعفير بتكرر الولوغ. ولكن الشيخ «قده» ادعى في الخلاف اجماع الفقهاء قاطبة الا من شذ من العامة على عدم تكرر التعفير بتكرر الولوغ وهو الحجة، فيكون حال تكرر الولوغ من كلب واحد أو كلاب متعددة بالنسبة الى التعفير حال الاحداث المتعددة الصغيرة بالنسبة الى الوضوء والاحداث المتعددة الكبيرة بالنسبة الى الغسل.

(مسألة - 12) يجب تقديم التعفير على الغسلتين، فلو عكس لم يطهر(1).

(مسألة - 13) اذا غسل الاناء بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث، بل يكفي مرة واحدة حتى في إناء الولوغ(2).

ص: 45


1- . ووجهه تقدم في ظاهر صحيحة البقباق في قوله عليه السلام: «اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء» وفي بعض النسخ «ثم بالماء مرتين» وفي بعض الروايات «أولاهن بالتراب» (قد مر ذكر الرواية).
2- . يطلق الماء الكثير تارة على البالغ كراً، ومقابله القليل أي الذي لم يلبغ قدر الكر. ولعله هو المعروف منه حسب اصطلاح الفقهاء، فيكون بهذا المعنى مقابلا لسائر الأقسام الخمسة للماء، أي الجاري وماء المطر القليل والبئر. وتارة یطلق علی ما هو مقابل القلیل، اي الراکد الذي لم یبلغ قدر الکر فما عداه يكون كثيراً سواء أكان جارياً أو راكداً، أي: كان كراً أو كان ماء المطر أو البئر. والعبارة الجامعة لهذه الأقسام الأربعة هو: الماء المعتصم الذى لا ينفعل بصرف ملاقاة النجس. والظاهر أن المراد من الكثير في المقام هو هذا المعنى الأخير، أي الماء المعتصم. ففي هذه المسألة يذكر أمرين: أحدهما عدم احتياج تطهير الاناء به الى التعدد بل يكفي الغسل به مرة واحدة وان كان ذلك الاناء أناء الولوغ. وثانيهما سقوط التعفير في إناء الولوغ. (أما الاول) فلوجوه: الاول - انصراف أدلة التعدد الى القليل، فليس على التعدد في الغسل بالماء الكثير دليل. ووجهوا الانصراف بعدم تعارف تطهير الأواني في عصر صدور هذه الروايات بالكثير الراكد أو الجاري، فروايات التعدد تنصرف قهراً إلى التطهير بالماء القليل. وفيه: ان البلدان من أول الامر كانت مختلفة. نعم في البراري والبوادي غالباً لم يمكنهم التطهير بالماء الكثير أو الجاري لعدم وجودهما عندهم وأما البلدان التي تكون على ساحل الشط فتطهيرهم الاواني بالماء القليل قليل، فلابد وأن ينظر الى نفس الدليل وهل له إطلاق أو مقيد بالقليل او بالكثير أو مهمل من هذه الجهة. ولا شك أن بعض أدلة التعدد لا إطلاق له، كموثقة عمار المتقدمة، فقوله علیه السلام: «يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر» ما قال لا إطلاق له يشمل القليل والكثير، بل له كمال الظهور في الماء القليل ولكن الدليل ليس منحصراً بتلك الموثقة. الثاني - قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 2 - من ابواب النجاسات، الحديث 1) وهذا التفصيل بين الغسل في المركن الذي هو كناية عن الماء القليل وبين الجارى يدل على قيام الواحد في الجارى مقام المتعدد في القليل، سواء كان المتنجس هو الثوب أو الاناء. وبضميمة عدم القول بالفصل بين الجاري وسائر أقسام الماء المعتصم يتم المطلوب. وفيه: أن اثبات هذا الحكم - اي كفاية الغسل مرة واحدة اذا كان كان بالماء الجاري في الثوب أو البدن المتنجس بالبول - في الاناء المتنجس أشبه بالقياس لا مكان أن تكون في الاناء خصوصية توجب عدم ارتفاع نجاسته إلا بالتعدد وإن كان بالماء الكثير أو خصوص الجارى، كما أنه لا ترتفع بمرتين اذا کان بالماء القلیل، مع ان الثوب او البدن المتنجس ترتفع نجاسته بمرتین ان كان بالقليل. نعم يظهر من الجواهر الاتفاق على طهارة الاناء اذا غسل بالجاري ولو مرة واحدة. الثالث - قوله عليه السلام: «كل شيء يراه ماء المطر فهو طاهر» (الوسائل كتاب الطهارة، باب - 6 - من ابواب الماء المطلق، الحديث 5) فهذه الرواية تدل بظاهرها على أن كل متنجس قابل للتطهير يطهر بمحض رؤية ماء المطر له سواء كان آنية أو غيرها، ولا يحتاج تطهيره الى تعدد الاصابة أو الغسل. وبضميمة عدم القول بالفصل بين أقسام الماء العتصم يثبت الحكم، اي كفاية غسل المرة الواحدة أو الاصابة دفعة واحدة في جميع أقسام الماء المعتصم. لا يقال: إن عموم قوله عليه السلام: «كل شىء يراه ماء المطر فهو طاهر» معارض باطلاق صحيحة البقباق، لأن مفادها تعدد الغسل بالماء مطلقاً، سواء أكان قليلا او كثيراً مطراً او غير مطر، لانه تقرر في الاصول في تعارض الاطلاق والعموم تقديم العموم على الاطلاق، لان العموم بالوضع والاطلاق بمقدمات الحكمة، والاطلاق معلق على عدم وجود قرينة على الخلاف» والعموم حيث انه بالوضع يصلح لان يكون قرينة على عدم ازالة الاطلاق، فلو قال «اكرم العلماء» ثم قال «لا تكرم الفاسق» فحيث ان الاطلاق الشمولي في «لا تكرم الفاسق» بحيث يشمل العالم ايضاً لو كان فاسقاً معلق على عدم قرينة تنفي الاطلاق، وعموم «اكرم العلماء» يصلح لان يكون قرينة على عدم الاطلاق، فيرفع الظهور الاطلاقي في «لا تكرم الفاسق» ويقيده بالفاسق غير العالم. ففيما نحن فيه قوله عليه السلام «كل شيء يراه ماء المطر» عام يشمل الاواني بالعموم، ولو كان الاناء اناء ولوغ، وما دل على التثليث في الأواني مطلق بالنسبة الى الماء، سواء كان قليلا أو كثيراً، فعموم «كل شىء يراه ماء المطر فهو طاهر» يكون قرينة يجوز أن يعتمد عليه في عدم إرادة الاطلاق، بل يكون مراده التثليث في خصوص ماء القليل، ومع هذه القرينة لاتّم مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق بها، فلا إطلاق لها يشمل الكثير. وإن شئت قلت: إن ظهور العام في العموم حيث انه بالوضع تنجيزي ليس معلقاً على عدم اطلاق على خلافه، بخلاف ظهور المطلق في الاطلاق حيث أنه بمقدمات الحكمة، فانه تعليقي - أى معلق على عدم دليل على خلافه - ولا شك في أن العموم دليل على خلافه واذا كان كذلك، فيرفع موضوع الاطلاق. وهذا واضح جداً. الرابع - قوله عليه السلام: «ان هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره» فيما رواه ابن ابي عقيل مرسلة على حكاية المختلف انه كان بالمدينة رجل يدخل على ابي جعفر محمد بن علي عليه السلام، وكان في طريقه ماء فيه العذرة والجيفة وكان يأمر الغلام أن يحمل كوزاً من الماء يغسل به رجله اذا خاضعه. قال: فأبصرني يوماً أبو جعفر عليه السلام فقال: ان هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره فلا تعد لله منه غسلا (المستدرك، كتاب الطهارة، باب - 9 - من احكام المياه، الحديث 8). فتدل هذه الجملة - اى قوله عليه السلام «ان هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره فلا تعد لله منه غسلا» - أن إصابة الماء لشيء أو اصابة شيء للماء يوجب طهارته ان كان متنجساً اي شيء كان، سواء أ كان ذلك الشىء اناءاً أو غير اناء. وهذا العموم من ناحية وقوع الشيء الذى هو نكرة في سياق النفي وهو من ألفاظ العموم، فيكون مفاد هذا الكلام هو مفاد قوله عليه السلام: «كل شىء يراه ماء المطر فهو طاهر»، غاية الأمر إن العموم من ناحية كلمة «كل» وها هنا من ناحیة وقوع النکرة في سیاق النفي. وعلی کل حال یدل على طهارة كل متنجس بمحض إصابة ماء الكثير له، ومعلوم أن ذلك الماء كان كثيراً بمقدار الكر، وإلا كان ينجس نفس ذلك الماء بملاقاة العذرة والجيفة الموجودتان فيه على الفرض. وأما الاشكال على الاستدلال بهذه المرسلة بأنه من المحتمل بأن يكون نهيه عليه السلام عن غسل رجله رطبة فانه كر لا ينجس لا لأنه مطهر لكل نجس. ففيه: ان الاستدلال بكلامه عليه السلام: «ان هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره» من حيث عمومه لكل شىء وتطهيره بمحض إصابته لذلك الشىء وأما تطبيقه على المورد ان رجل هذا الرجل يمكن أن تكون تنجست بملاقاة نفس العذرة الموجودة في ذلك الماء أو بملاقاة الميتة الموجودة فيه، فهو عليه السلام يأمره بعدم غسلها لأن نفس ذلك الماء يطهرها من دون احتياج إلى ماء خارج. نعم لابد من فرض كون ذلك الماء كراً أو عدم انفعال ماء القليل بملاقاة النجاسة. فالانصاف ان المرسلة تدل على عدم التعدد في الكثير بناءاً على كون ذلك الماء كثيراً، وأما لو كان قليلا فتدل على عدم التعدد حتى في القليل، فتكون معارضة للروايات الدالة على التعدد في القليل ان كان متنجساً بالبول أو كان المتنجس من الأواني أو غير ذلك من موارد التعدد. ثم إنك عرفت أنه لا فرق فيما ذكرنا من كفاية المرة في الغسل بالماء الكثير بين أن يكون الاناء اناء ولوغ أو كان غيره. نعم يبقى الاشكال في اعتبار المرسلة لضعف سندها، فان ثبت عمل المشهور بها فيكون جابراً لعضف سندها، ولكنه مع هذه المدارك المتعددة التي ذكروها لعدم لزوم التعدد للتطهير بالكثير لا مجال لاثبات ذلك. وعلى كل حال لو ثبت عدم القول بالفصل بين أقسام غير القليل والاجماع على اتحادها في الحكم فلا احتياج الى هذه المرسلة، بل يكفي في اثبات هذا الحكم قوله عليه السلام في رواية الكاهلي المتقدمة «كل شىء يراه ماء المطر فهو طاهر» المعمول بها عند الأصحاب، وان كان فيها أيضاً إرسال.

ص: 46

ص: 47

ص: 48

نعم الاحوط عدم سقوط التعفير فيه،بل لا يخلوا عن قوة، والاحوط التثليت حتى في الكثير(1).

ص: 49


1- . إن الأدلة التي تقدمت في كفايه المرة الماء الكثير - على فرض دلالتها على ذلك - لا ربط لها بسقوط التعفير، لأن تلك الأدلة التي عمدتها قوله عليه السلام: «كل شىء يراه ماء المطر فقد طهر» ظاهرها كفاية ملاقاة الماء المعتصم لتطهير ما من شأنه أن يطهر بالماء، وأما لو كان شىء آخر دخيلا في طهارته فلا يثبت عدم الاحتياج اليه.م والمعلوم أن في مورد لزوم التعفير لا تحصل الطهارة بصرف الغسل بالماء، بل هناك شىء آخر دخيل في حصول الطهارة وهو التعفير. وفيه: أن ظاهر قوله عليه السلام: «كل شىء يراه ماء المطر فقد طهر» ان اصابة المطر ووصوله الى الجسم المتنجس سبب تام لطهارته، وليس لشىء آخر دخل فيها، وإلا كان عليه أن يبين، فاطلاق كلامه دليل على أن ملاقاة المتنجس بنفسه علة تامة لحصول التطهير، ولا إحتياج فيه الى التعفير. وهذا معنى سقوط التعفير، فقوله في المتن «بل لا يخلو عن قوة» لا قوة فيه. وأما استصحاب النجاسة بدون التعفير لا حتمال مدخليته في التطهير» فمدفوع بالاطلاق الذي ذكرناه في قوله «كل شىء يراه ماء المطر فقد طهر».

(مسألة - 14) في غسل الاناء بالماء القليل يكفي صب الماء فيه وإدارته الى أطرافه ثم صبه على الارض ثلاث مرات كما يكفي أن يملأه ماءاً ثم يفرغه ثلاث مرات(1).

(مسألة - 15) إذا شك في متنجس أنه من الظروف حتى يعتبر غسله ثلاث مرات أو غيره حتى يكفي فيه المرة، فالظاهر كفاية المرة(2).

ص: 50


1- . قد تقدم فيما تقدم أن تطهير الأواني بالماء القليل بأحد هذين الوجهين، ويدل على صحة التطهير وحصول الطهارة بأحد هذين الوجهين موثق عمار المتقدمة: أما على الوجه الأول فبالصراحة، لأن قوله عليه السلام فيه «يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء» عين ما في المتن، غاية الأمر أنه عليه السلام عبر في الموثقة بالتحريك وفي المتن بالادارة وأما على الوجه الثاني فلوضوح ان المراد من التحريك هو وصل الماء اي تمام المحل الذي تنجس، وهذا کما یمکن بالتحریك كذلك يمكن بأن يملأه ماءاً. والعجب من صاحب الجواهر حيث أنه استشكل في حصول التطهير بالوجه الثاني، وكأنه «قده» إحتمل أن يكون للتحريك خصوصية في إزالة النجاسة، وليس المقصود منه صرف وصول الماء الى جميع المحل الذي تنجس، وذلك لأن التحريك أبلغ في قلع ذرات النجس. ولكن أنت خبير بأن التطهير بهذه الصورة بعد زوال عين النجاسة، فهذا الاحتمال لا أساس له. أما احتمال لزوم التحريك وعدم كفاية الوجه الثاني لأجل صدق الغسل مع التحريك وعدم صدقه مع ملء الاناء وإفراغه بدون التحريك، فمما لا ينبغي ان يلتفت اليه.
2- . ما أفاده في المتن من أن الظاهر كفاية المرة صحيح ان كانت الشبهة مفهومية، لأن المرجع حينئذ الاطلاقات والعمومات، ومعلوم أن مفادها كفاية المرة. وأما إن كانت الشبهة مصداقية ان انفق ذلك فلا يمكن التمسك بالاطلاقات والعمومات، لأنه تمسك بالعام أو المطلق في الشبهة المصداقية، وهو مما لا مجوز له، وقد حققت المسألة في المجلد الأول من كتاب منتهى الأصول. فان كان هناك أصل موضوعي مفاده عدم كون المشكوك من الظروف والأواني فيرجع إلى العمومات والاطلاقات فتكفي المرة، وإلا فاستصحاب النجاسة محكم ولا تصل النوبة إلى أصالة الطهارة أو إلى اصالة البراءة عن وجوب ما عدا المرة وقد جاء هذا التفصیل في هذه المسألة في التعليق على العروة الوثقى. وقد علق شيخنا الاستاذ «قده» على هذه المسألة في هذا المقام بقوله «بل الظاهر اعتبار الثلاث» من دون التفصيل، وأنت خبير بأن إطلاق القول باعتبار الثلاث - أي سواء كانت الشبهة مفهومية أو مصداقية - لا يستقيم إلا بناءاً على عدم إطلاق يدل على كفاية المرة، وإلا فمع وجوده كون الشبهة مفهومية فلا محالة يكون المرجع هو ذلك المطلق، كما أنه لو كانت الشبهة مصداقية أيضاً - لو قلنا بجريان أصالة العدم الأزلي النعتى لا ثبات حكم العدم النعتى أيضاً - يكون المرجع ذلك الاطلاق ولا تصل النوبة إلى استصحاب النجاسة. وحيث ثبت وجود الاطلاق فيما تقدم ففي الشبهة المفهومية الحق كما في المتن، وهو كفاية المرة. وأما في الشبهة المصداقية حيث انا لا نقول بجريان استصحاب العدم النعتي الازلي، فلا مجال للتمسك بالاطلاق، لأنه من قبيل التمسك به في الشبهة المصداقية للمخصص والمقيد، وهو لا يجوز. فجريان استصحاب بقاء النجاسة بلا مانع، فلا تكفي المرة. فاطلاق قول الماتن بكفاية المرة فيه اشكال.

(مسألة - 16) يشترط في الغسل بالماء القليل انفصال الغسالة على المتعارف، ففي مثل البدن ونحوه مما لا ينفذ فيه الماء يكفي صب الماء عليه وانفصال معظم الماء(1)

ص: 51


1- . يدل على هذا أمور: (الأول) عدم صدق الغسل عليه بدون ذلك مع أن الشارع أمربالغسل مرة أو أكثر على إختلاف الموارد لحصول طهارة المتنجس المغسول، وذلك من جهة أن المتنجس الذي لا ينفذ فيه الماء كالبدن أو الأجسام الصلبة كالأواني المصنوعة عن الصفر أو من سائر المعادن والفلزات إذا قيل صب عليه الماء يصدق عليه الصب وإن لم ينفصل الماء المصبوب عنه، وأما الغسل فلا يصدق إلا مع انفصال المعظم، فاذا لم يصدق عليه الغسل فلم يوجد ماهو سبب التطهير شرعاً. نعم يلزم الانفصال على النحو المتعارف، وعبر عنه في المتن بمعظم الماء، والمناط في الصدق العرفي هو الأول. (الثاني) انه بناءاً على نجاسة الغسالة - خصوصاً في الغسلة الأولى كما هو المشهور والمختار - فلو لم ينفصل عن المحل وبقى فيه فيكف يمكن أن يحكم بطهارة ذلك المحل مع بقاء النجس فيه، وذلك الماء الباقي في المتنجس لو لاقى جسماً طاهراً ينجسه، فوجود مثل هذا الماء في المحل الذي كان قبلا نجساً إن لم يكن موجباً لشدة نجاسته لا يكون موجباً لزوال النجاسة. وبعبارة أخرى: بناءاً على نجاسة الغسالة الماء القليل تنجس بواسطة ملاقاته للمحل المتنجس، فلو انفصل عن ذلك المحل يمكن أن يقال: أخذ النجاسة معه وذهببها، أما بقائه في ذلك المحل فكان النجس واحداً أي المحل فصار اثنان أحدهما المحل المتنجس والثاني ذلك الماء البقاي في المحل. وأما احتمال انتقال النجاسة إلى الماء وطهارة المحل لذلك مع أن الماء باق في المحل، فاحتمال باطل مخالف للقواعد المقررة في الفقه. وأما الاشكال على هذا الدليل بأنه بانفصال المعظم لا يرتفع هذا الاشكال، إذ ما بقي من الماء الذي لابد من بقائه أيضاً نجس فكيف مع بقائه في المحل، تحكم عليه بالطهارة. فهذا الاشكال مشترك الورود على كلا تقديري انفصال معظم الماء وعدم انفصاله. فيمكن أن يجاب عنه: بأنه بعد خروج معظم الماء المقدار الباقي في المحل طاهر وليس بنجس. ولا ينافي ذلك مع نجاسة الغسالة، لأن الغسالة عبارة عن الماء الخارج لا الباقي في المحل، ولا غرو في اختلاف الماء الواحد في الحكم بعد انفصال بعضه عن بعض، وذلك كالدم المسفوح حال الذبح مع الدم المتخلف، فأحدهما طاهر والآخر نجس، مع أنهما كانا قبل الانفصال دماً واحداً. (الثالث) موثقة عمار المتقدمة في المسألة الخامسة، فان فيها قوله عليه السلام «يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء». وهذا يدل على لزوم تفريغ الماء منه وانفصال الغسالة عنه. لا يقال: إن التعدد معتبر في تطهير الأواني، والامر بالتفريغ لأجل حصول التعدد المعتبر فيها لا لأجل مدخلية انفصال الغسالة في التطهير، وذلك لأنه عليه السلام أمر بالتفريغ في المرة الثالثة أيضاً مع أن التعدد حصل قبلا، ولا أثر للتفريغ في حصوله. وخلاصة الكلام أنه لا يمكن إنكار لزوم انفصال الغسالة بالمقدار المتعارف عن المتنجس المغسول، وبدونه لا يصدق الغسل، فلو قلنا بطهارة الغسالة أيضاً يلزم انفصالها عن المحل لعدم صدق الغسل عرفاً بدونه. مثلا لو قال من يجب إطاعته «إغسل هذا الاناء» والاناء طاهر فملأه المأمور ماءاً لا يصدق عليه أنه غسله إلا أن يفرغ ذلك الماء منه ويصب ماءاً آخر فيه ويأتي به للمولی الآمر، فليس لزوم انفصال الغسالة منوطاً بالقول بنجاستها. نعم بناءاً على القول بنجاستها يأتي وجه آخر للزوم انفصالها على النحو المتعارف في مقام التطهير، وذكروا هاهنا وجوهاً أخر للزوم انفصال الغسالة عن المتنجس المغسول لا تخرج عن كونها ظنوناً واستحسانات لا يمكن أن تكون مدركاً للحكم الشرعي، ككون الأمر بالغسل لازالة النفرة والقذارة، وذلك لا يحصل عرفاً الا بانفصال الغسالة، وما دام موجوداً لا ترتفع تلك النفرة والقذارة، وغير ذلك مما ذكروه.

ص: 52

وفي مثل الثياب والفرش مما ينفذ فيه الماء لابد من عصره أو ما يقوم مقامه، كما اذا داسه برجله أو غمزه بكفه أو نحو ذلك(1)

ص: 53


1- . والدليل على لزوم العصر فيما ينفذ فيه الماء أمور: (الأول) ما ذكرنا من لزوم انفصال الغسالة، وهو في الجسم الذي لا ينفذ فيه الماء يحصل بنفسه بعد صب الماء عليه لو لم يكن حاجز يمنع عن خروجه عن ذلك الجسم المتنجس، مثل الأواني التي لها حاجز يمنع عن خروجه الماء الذي غسل الاناء به، فانفصال الغسالة في أمثالها إما باكفائها وإما بتفريغها بآلة وإما بسيلانها على المغسول كما في غسل البدن واليد، وأما في الجسم الذي ينفذ فيه فلا يمكن ذلك إلا بالعصر أو بما يقوم مقامه كالدوس والغمز، فالعصر فيما ينفذ فيه الماء مع قابليته للعصر مقدمة لخروج الماء عن المغسول الذي هو عبارة عن انفصال الغسالة. وحيث تقدم أن انفصال الغسالة لازم في التطهير بالماء القليل، فالعصر أيضاً لازم لنفس ذلك الدليل. (الثاني) الاجماع، فانهم اتفقوا على لزوم العصر في تطهير المتنجس الذي ينفذ فيه الماء مع كونه قابلاً للتطيهر. وفي الحدائق والوسائل البغدادي نفى الخلاف في وجوب العصر فيما ذكرنا، وعن المعتبر نسبته إلى علمائنا، وهذه العبارة من المحقق ظاهر في ادعائه الاجماع، ولكن أمثال هذه الاجماعات التي لها مدارك متعددة حجيتها غير معلوم، بل لابد من مراجعة نفس تلك المدارك، مضافاً إلی منع الصغرى لوجود المخالف. (الثالث) استصحاب النجاسة بدون العصر مع احتمال، مدخليته في التطهير. ومع ما ذكرنا من الوجوه للزوم العصر لا يمكن نفي احتمال مدخليته فيه، فيكون مجرى الاستصحاب، ولا يمكن رفع حكمه الا باتيان الدليل على أحد الطرفين لزوم العصر أو عدم لزومه. وفيه: ان استصحاب بعد فقد الدليل، ومع وجود الدليل على كل واحد من الطرفين لا يبقى مورد للاستصحاب، وفي المقام كل واحد من الطرفين يقيم الدليل على ما يدعيه من لزوم العصر أو عدم لزومه، فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب. نعم لو فرضنا عدم الدليل ووصلت النوبة إلى الأصل فالاستصحاب مقدم على أصالة الطهارة أو البراءة أو أي اصل غير تنزيلي، كما هو الشأن في باب تعارض الأصول. (الرابع) الروايات الواردة في المقام التي تدل على وجوب العصر: منها - خبرحسين بن ابي العلاء عن الصادق عليه السلام قال: وسألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال عليه السلام: اغسله مرتين. وسألته عن الصبي يبول على الثوب؟ قال عليه السلام: تصب عليه الماء قليلاً ثم تعصره (التهذيب باب - 12 - من تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، الحديث 1). وفيه: أن الظاهر من الصبي هاهنا بقرينة امره عليه السلام بالصب قليلاً هو الرضيع الذي لم يتغذ. وأيضاً بقرينة ان هذا السئوال بعد السؤال عن حكم البول يصيبه الثوب وجواب الامام (ع) بالغسل مرتين وعدم ذكر العصر، فلابد وأن يكون السؤال الثاني عن موضوع خاص لم يكن داخلاً في الموضوع السابق، أو يكون دخوله مشكوكاً عنده، وهو ليس الا الصبي غير المتغذي، فلابد من حمله على الاستحباب أو طرحه لعدم عمل الاصحاب، فان أحداً من الفقهاء لم يقل بوجوب العصر في الثوب المتنجس ببول الصبي غير المتغذي مع كفاية الصب قليلاً والغسل مرتين بدون العصر في سائر الابوال، فالعمل بها متروك، أو يحمل على مورد يكون اخراج عين النجس متوقفاً على العصر. والانصاف أن هذه الرواية مجملة ليست ظاهرة في شيء من ذلك، فلا يصح الاستدلال بها. ومنها - ما عن الفقه الرضوي قال: وإن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره، وان كان بول الغلام الرضيع فتصب على الماء صباً وان كان قد أكل الطعام فاغسله (فقه الرضا، في المياه وشربها والتطهير منها ص 6). ودلالة هذه الرواية المحكية عن الفقه الرضوي على وجوب العصر واضحة، وانما الكلام في حجيتها. ومنها - ما هو المروي عن دعائم الاسلام عن علي عليه السلام قال في المنى يصبب الثوب: يغسل مكانه، فان لم يعرف مكانه وعلم يقيناً أنه أصاب الثوب غسله كله ثلاث مرات، يفرك في كل مرة ويغسل وبعصر (المستدرك، كتاب الطهارة، القول في النجاسات والأواني، باب - 3 - الحديث 2). وفيه: انه لا يبعد أن يكون وجوب العصر لأجل إخراج عين النجس الذي هو المني، ولذلك يأمر عليه السلام بالفرك في كل مرة، وبعده الغسل والعصر كي يطمئن بزوال عين النجس. هذا مضافاً إلى الكلام في حجيتها، ومع انها مرسلة ولكن الانصاف أن الفقيه يطمئن من مجموع ما ذكرنا بلزوم العصر في المتنجس الذي ينفذ فيه الماء، وان كان من جهة توقف انفصال الغسالة عليه.

ص: 54

ولا يلزم انفصال تمام الماء ولا يلزم الفرك والدلك لا اذا كان فيه عين النجس أو المتنجس(1)

وفي مثل الصابون والطين ونحوهما

ص: 55


1- . بعد ما عرفت أن عمدة الوجه في لزوم العصر في الأجسام التي تنفذ فيها النجاسة وكذلك الماء الذي تغسل به فيها، هو فهم العرف من خطاب «اغسله» مثلاً إزالة تلك النجاسة التي رسبت فيها، فلابد من إخراج ذلك الماء من الجسم المتنجس كي يصدق إزالتها بتوسط الماء، فالمقدار الذي يلزم إخراجها هو القدر الذي يصدق عندالعرف انه أزيلت النجاسة به، وليس المراد منه اخراج جميع الماء الذي دخل ورسب فيه وانفصال تمام اجزائه بالدقة العقلية، وعبر عن ذلك في المتن بمعظم الماء، ولكن المناط هو الذى ذكرنا، سواء كان بمعظم الماء أو تمامه أو بأقل من ذلك أو كان بأكثر من معظمه. وقد ظهر مما ذكرنا عدم لزوم الفرك والدلك الا فيما إذا كان زوال عين النجاسة متوقفاً عليهما، مثل المني الذي يبس في الثوب ولا يزول بصرف الغسل وبل بالعصر أيضاً، فيحتاج إلى الفرك أو الدلك حتى يزول كما ورد فيما تقدم من رواية دعائم الاسلام في قوله عليه السلام «غسله كله ثلاث مرات يفرك في كل مرة ويغسل ويعصر».

مما ينفذ فيه الماء ولا يمكن عصره فيطهر ظاهره باجراء الماء عليه ولا يضره بقاء نجاسة الباطن على فرض نفوذها فيه(1)

ص: 56


1- . أما فيما إذا لم تنفذ النجاسة إلى باطنه، فالحكم واضح ويطهر باجراء الماء على ذلك الظاهر النجس والباطن لم ينجس على الفرض، وظاهره وان كان نجساً على الفرض ايضاً إلا أنه يطهر باجراء الماء عليه ان كان قليلاً، أو بغمسه فيه ان كان كثيراً معتصماً، أو نزل ماء المطر عليه. نعم يبقى اشكال اعتبار العصر في التطهير بالماء القليل، والمتنجس في هذا القسم على الفرض ليس قابلاً للعصر، فينتج أنه ليس قابلا للتطهير. وفيه: ان اعتبار العصر فقد ذكرنا انه كان لأجل انفصال الغسالة، وفي المفروض الغسالة لا تنفذ فيه على الفرض، وظاهره تنجس فقط، والماء وان كان قليلا يعبر عليه وينفصل عنه، فلا اشكال في البين. وأما فيما إذا نفذت النجاسة إلى الباطن - كما هو مفروض المتن - فالظاهر يطهر لمرور الماء عليه ويبقى الباطن على نجاسته، ولا تنافي بينهما عدا ما ربما يتخيل من سراية النجاسة من الباطن إلى الظاهر لاتصالهما ورطوبتهما. وفيه: أن صرف رطوبة متنجس بتمامه لا يوجب سراية نجاسة الجزء المتنجس إلى الجزء الطاهر، فلو كانت يده مرطوبة من الكتف إلى الأصابع وصار أصبعه نجساً بواسطة ملاقاته للنجاسة، فلا تسري النجاسة منه إلى سائر أجزاء اليد، كما أنه لو كان تمام اليد نجساً فطهرت البعض فيكون هذا البعض طاهراً والبعض الآخر يبقى على النجاسة، اذ هذا هو مقتضى ظاهر الروايات وإطلاقاتها. وأما تطهير الباطن فهل يمكن مطلقاً أو لا يمكن مطلقاً أو التفصيل بين الكثير فيمكن والقليل فلا يمكن، وجوه بل أقوال. وهناك تفصيل آخر، وهو أن الماء لو يصل إلى الباطن مطلقاً یطهر ایضاً مثل الظاهر، وأما إذا لم يصل إلى الباطن إلا مضافاً فلا يطهر. أقول: أما فيما إذا لم يصل الماء المطهر إلى الباطن اصلاً أو يصل ولكن مضافاً، فلا وجه للقول بطهارة الباطن أصلاً، لأن مرجع هذا الكلام إلى حصول الطهارة للشيء المتنجس بدون أن يكون مطهر في البين، ومعنى هذا وجود المسبب بغير سبب. وبشاعة هذا القول غير مخفي على احد. وأما القول بطهارته بالتبعية - اي تبعية الباطن للظاهر - ففيه: أن التبعية في كل مورد يقول بها الفقهاء فهي لدليل خاص في ذلك المقام، وليس هاهنا دليل على تبعية الباطن للظاهر، وقد يستدلون له باطلاق قوله عليه السلام «ويغسل اللحم ويؤكل» في رواية السكوني، وهو ما رواه في الوسائل عن السكوني عن امير المؤمنين عليه السلام من انه سأل عن قدر طبخت وإذا في القدر فارة؟ فقال عليه السلام: يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل (الوسائل، الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرمة، باب - 44 - الحديث 1). وباطلاق قوله عليه السلام «واللحم اغسله واكله» في رواية زكريا ابن آدم، سألت ابا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير؟ قال عليه السلام: يهراق المرق أو يطعمه اهل الذمة او الكلب واللحم اغسله وكله (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 38 - الحديث 8). وإطلاق هاتين الجملتين في رواية السكوني وكذلك في رواية زكريا ابن آدم يشمل صورة نفوذ النجاسة الى الباطن، ومع ذلك أمر عليه السلام بغسله وأكله، مع أنه بالغسل لا يصل الماء الى باطن اللحم، فلابد وأن يقال بطهارة الباطن بالتبعية. وفيه: انه لابد وان يحملا على مالا ينافي عدم طهارة الباطن بوصول الماء الى الظاهر، بأن يقال: لعل الفارة وقعت في القدر بعد طبخ ما فيها فلم تصل النجاسة الى باطن اللحم. وهكذا الأمر في رواية زكريا بن آدم. بل هذا التوجيه فيه أسهل، لأنه ليس فيه قرينة على وقوع تلك القطرة من الخمر أو النبيذ حال الطبخ، بل يمكن أن يكون وقوعها بعد الطبخ فلم تنفذ فيه النجاسة. فالحق عدم طهارة الباطن بتطير الظاهر من باب التبعية وان نسب الى فقيه عصره كاشف الغطاء «قده»، ولعله لمرسلة الصدوق في لقمة خبز وجدها ابو جعفر عليه السلام في القدر فغسلها - إلى آخر الرواية. ولكن توجيهها أسهل مما تقدم. وأما لو وصل الماء المطلق الى الباطن والى كل نقطة نفذت فيها النجاسة فلا وجه للقول بعدم تطهيره له وإن كان الماء قليلاً فضلاً عن أن يكون كثيراً، وذلك لاطلاق أدلة مطهرية الماء وعدم الفرق من هذه الجهة بين الباطن والظاهر. ولكن ربما يورد عليه بإيرادين: احدهما مختص بالماء القليل، وثانيهما مشترك الورود سواء كان المطهر ماءاً قليلاً او كثيراً: (أما الأول) هو أن الماء القليل بصرف الاتصال بأول نقطة من النجس ينجس، فيلزم أن يكون تطهير الباطن والأعماق بوصول الماء النجس اليها، ومن شرائط مطهرية الماء هو أن يكون طاهراً في حد نفسه قبل ملاقاة محل النجس، وان كان يتنجس بواسطة الملاقاة بناءاً على نجاسة الملاقي. وفيه: ان الشرط كون الماء المطهر طاهراً من غير ناحية ملاقاة المتنجس الذي يطهره، وأما تنجسه من تلك الناحية لا يكون مضراً بمطهريته ولو تنجس بأول نقطة الملاقاة. والدليل على ذلك قوله عليه السلام في رواية عمار المتقدمة في كيفية تطهير الأواني «يصب فيه الماء فيحركه» ولا شك في أنه بناءاً على نجاسة الغسالة ذلك الماء الذي صبه في الاناء النجس يتنجس بملاقاة أول نقطة منه، فتحريكه لتطهير البقية مرجعه الى إيصال الماء النجس اليها، فلا بأس بذلك لما ذكرنا من أن الشرط طهارة الماء المطهر من غير ناحية ملاقاة المتنجس الذي يطهره. (وأما الثاني) فهو أن الماء سواء كان قليلاً او كثيراً لا يصل الى أعماق ذلك المتنجس بوصف المائية، بل الذي يصل اليها هي الرطوبة لا الماء عرفاً، والرطوبة ليست من المطهرات. وفيه: ان العرف يرى وصول الماء بوصف أنه ماء إلى أعماق ذلك المتنجس بذلك الشكل، أي بوصول ذرات الماء تدريجاً اليها. فهذا الاشكال أيضاً ليس بشيء. فتلخص مما ذكرنا أن الباطن أيضاً مثل الظاهر قابل للتطهير. نعم يرد إشكال آخر، وهو أنه بناءاً على لزوم انفصال الغسالة في التطهير لا طريق الى الانفصال في مثل تلك الأجسام، بل الماء يبقي في محله، غاية ما يمكن هو أن يجفف الماء الذي نفذ فيه، والتجفيف في المحل لا يعد انفصالاً عرفاً، وإن كان بالدقة هو أيضاً خروج وانفصال بالتبخير. فان قلنا بأن انفصال الغسالة عن المغسول له مدخلية في تحقق الغسل - وإلى هذا يرجع اعتبار العصر في الغسل في الأجسام القابلة للعصر - فهاهنا صدق الغسل مشكل بصرف نفوذ الماء في اعماقه تدريجاً والبقاء في محله إلى أن يجفف بالتبخير. فظهر من جميع ما ذكرنا انه إن قلنا بعدم لزوم العصر وانفصال الغسالة في التطهير بالماء الكثير، فتطهير باطن تلك الأجسام لا مانع منه، ولكن بعد تجفيفها كي يصل الماء إلى أعماقها. وأما لو لم يجفف وكانت مساماتها مملوءة من الرطوبة النجسة فلا طريق الى تطهيرها.

ص: 57

ص: 58

واما في الغسل بالماء الکثیر فلا یعتبر انفصال الغسالة ولا العصر ولا التعدد وغیره، بل بمجرد غمسه في الماء بعد زوال العين يطهر. ويكفي في طهارة أعماقه إن وصلت النجاسة اليها نفوذ الماء الطاهر فيه في الكثير، ولا يلزم تجفيفه أولا. نعم لو نفذ فيه عين البول مثلاً مع بقائه فيه يعتبر تجفيفه، بمعنى عدم بقاء مائيته فيه، بخلاف الماء النجس الموجود فيه، فانه بالاتصال بالكثير يطهر، فلا حاجة فيه الى التجفيف(1)

ص: 59


1- . ذكر المائن من هنا إلى اخر السمألة أمرين نذكر هما بالتفصيل انشاء الله تعالى: (الأمر الأول) ان ما قلنا بلزومه في التطهير بالقليل من اعتبار انفصال الغسالة والعصر والتعدد لا يلزم ولا يعتبر في التطهير بالكثير، وذلك من جهة أن لزوم العصر كان لأجل توقف انفصال الغسالة عليه فيما هو قابل للعصر، وبينا أن اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالماء القليل: إما من جهة نجاسة الغسالة لملاقائه للمتنجس لأن الماء القليل يتنجس بملاقاة النجس، وهذا التعليل لا يأتي في الماء الكثير، لأنه معتصم لا يتنجس بصرف الملاقاة للنجس، إلا أن يتغير لونه أو طعمه أو رائحته بالنجس، ولأجل هذه الجهة لا يعتبر الانفصال في الماء الكثير، فلا يعتبر العصر أيضاً بناءاً على ما ذكرنا من أن اعتبار العصر لأجل الانفصال. وإما من جهة قوله عليه السلام في موثق عمار «يصب فيه الماء فيحرك فيه ويفرغ منه» فالأمر بالتفريغ في كل مرة يدل على لزوم الانفصال. وأما كون الأمر بالتفريغ لأجل حصول التعدد المعتبر في التطهير بالماء القليل يدفعه الأمر بالتفريغ في المرة الثالثة، ولا شك في أن الموثقة في مورد القليل ولا يشمل الكثير. وأما عدم اعتبار التعدد في الكثير: أولاً للاطلاقات وعدم مقيد ودليل على التعدد، وثانياً لقوله عليه السلام «وإن غسلته في الماء الجاري فمرة واحدة» في صحيح ابن مسلم (قد مر ذكر هاتين الروايتين). وأما رواية عمار التي تدل على التعدد فلا تشمل الكثير قطعاً، لأنها في مورد القليل، بقرينة قوله عليه السلام «يصب فيه الماء» (قد مر ذكر هاتين الروايتين) الذي هو ظاهر في الماء القليل. (الأمر الثاني) أنه يكفي في طهارة أعماق الجسم المتنجس وصول الماء الكثير إلى تلك الأعماق مطلقاً، من دون صيرورتها مضافاً قبل الوصول اليها، لأنه لو صار مضافاً قبل الوصول اليها فلا يكون مطهراً لها لعدم كون الماء المضاف مطهرا. هذا فيما اذا كان النافذ في أعماقله الماء أو الرطوبة المتنجسة فلا يلزم تجفيفه، لأن ذلك الماء المتنجس الذي نفذ في ذلك الجسم يطهر بواسطة اتصاله بالكثير، وأما لو نفذت فيه عين النجاسة كالبول أو الخمر مثلاً فلابد من تجفيفه، كي يصل الماء المطلق الطاهر إلى تلك الأعماق.

(مسألة - 17) لا يعتبر العصر ونحوه فيما تنجس ببول الرضيع وإن كان مثل الثوب والفرش ونحوهما، بل يكفي صب الماء عليه مرة

ص: 60

على وجه يشمل جميع أجزائه(1)

وان كان الاحوط مرتين. لكنيشترط أن لا يكون متغذياً معتاداً بالغذاء(2) ولا یضر تغذیة نادراً،

ص: 61


1- . الدليل على هذا الحكم هي الروايات الواردة في هذا الباب: (فمنها) حسنة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن بول الصبي؟ قال عليه السلام: تصب عليه الماء، وان كان قد أكل فاغسله غسلاً، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء (الوسائل، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، باب - 3 - الحديث 2). (ومنها) ما عن الفقه الرضوي: وان كان بول الغلام الرضيع فصب عليه الماء صباً، وإن كان قد أكل فاغسله، والغلام والجارية سواء (المستدرك، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات والأواني، باب - 2 - الحديث 1). وورد عن طرق الجمهور عن علي عليه السلام أنه قال: يغسل من بول الجارية وينضح من بول الصبي مالم يطعم (سنن أبي داود، باب بول الصبي يصيب الثوب، الحديث 4). (ومنها) ما ورد من انه «ص» أخذ الحسن عليه السلام فأجلسه في حجره فبال عليه، فقلت له «ص»: ألبس ثوباً وأعطني أزارك حتى أغسله. فقال «ص»: انما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر (سنن أبي داود، باب بول الصبي يصيب الثوب، الحديث 2. تيسير الوصول 3/57 عن لبابة). (ومنها) ما نقل عن كشف الغمة عن زينب بنت جحش قالت: كان النبي «ص» نائماً فجاء الحسين عليه السلام فجعلت أعلله لئلا يوقظه، ثم غفلت فدخل فتبعته فوجدته على صدره صلى الله عليه وآله، فاستيقظ وهو يبول على صدره، فقال «ص»: دعي ابني حتى يفرغ من بوله. وقال: لا تزرموا بول أبني، ثم دعا بالماء فصبه عليه، ثم قال «ص»: يجزي الصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية (كنز العمال، الحديث 5 ص 128 - الرقم 2644، وقريب منه ما في الوسائل كتاب الطهارة الباب - 8 - من ابواب النجاسات، الحديث 4). وعن علي عليه السلام قال: بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل (سنن ابي داود، باب بول الصبي الثوب، الحديث 4). وعنه أيضاً عن النبي «ص»: يغسل الثوب من بول الجارية وينضح من بول الغلام مالم يطعم (نفس المصدر). وهناك أخبار أخر مروية عن طرق العامة تركنا ذكرها لكفاية ما ذكرناه في مدرك هذا الحكم. وأما عدم لزوم العصر فلقوله عليه السلام «فصب عليه الماء صباً» ولنقل زينب فعله صلى الله عليه وآله انه دعا بالماء وصبه عليه.
2- . لقوله صلى الله عليه وآله «ما لم يعطم»، وقوله على ما نقله الجمهور «وينضح على بول الصبي ما لم يأكل»، ولقول أبي عبدالله عليه السلام «وان كان قد أكل فاغسله».

وان یکن ذکراً لا انثی علی الأحوط، ولا يشترط أن يكون في الحولين(1) بل هو كذلك ما دام رضيعاً غير متغذ وان كان بعدهما(2) كما أنه لو صار معتاداً بالغذاء قبل الحولين لا يلحقه الحكم المذكور بل هو كسائر الابوال. وكذا يشترط في لحوق الحكم أن يكون اللبن من المسلمة، فلو كان من الكافرة لم يلحقه، وكذا لو كان من الخنزيرة(3).

(مسألة - 18) اذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن في مثل الصابون ونحوه بنى على عدمه، كما أنه اذا شك بعد العلم بنفوذه

ص: 62


1- . لقوله عليه السلام «بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل».
2- . لقوله صلى الله عليه وآله «ما لم يطعم».
3- . لم نجد عليه دليلاً إلا بعض ما ذكروه من الوجوه الاستحسانية التي لا يمكن أن تكون مدركاً للحكم الشرعي.

في نفوذ الماء الطاهر فيه بنى على عدمه، فيحكم ببقاء الطهارة في الاول وبقاء النجاسة في الثاني(1).

(مسألة - 19) قد يقال بطهارة للدهن المتنجس اذا جعل في الكر الحار بحيث اختلط معه ثم أخذ من فوقه بعد برودته، لكنه مشكل لعدمحصول العلم بوصول الماء الى جميع أجزائه وان كان غير بعيد اذا غلى الماء مقداراً من الزمان(2).

ص: 63


1- . لا إشكال في جريان كلا الاستصحابين وتمامية أركانهما، والنتيجة كما ذكره في المتن.
2- . وحيث ثبت في محله استحالة التداخل الحقيقي وامتناع وجود الجزء الذي لا يتجزأ، فليس للدهن أجزاء بالفعل قبل ملاقاته لذلك الماء الحار والأجزاء بالقوة غير متناهية، وإلا يلزم وجود الجزء الذي لا يتجزأ، وهو ممتنع على الفرض، وانما التجزؤ الفعلي يأتي من قبل ملاقاته لذلك الماء الحار، فان كان عدم العلم بوصول الماء إلى هذه الأجزاء التي جاءت من قبل ملاقاته لذلك الماء، فهذا ضروري البطلان وملاقاتها مع ذلك الماء من البديهيات، لا أنه غير بعيد لكن الشأن في مطهرية هذا المقدار من الوصول. وملاقاة الماء المطهر مع جميع أجزاء الجسم المتنجس التي بالقوة وان كان محالاً مطلقاً لامتناع التداخل، ولكن المدار على النظر العرفي، فان العرف في بعض الموارد يحكم بملاقاة جميع الاجزاء التي للجسم المتنجس مع الماء كما في الثياب، فاذا كان كذلك يكون الماء مطهراً بشرط أن تكون ملاقاته لها بوصف الاطلاق وإلا فلا. فالكلام فيما نحن فيه يرجع إلى أن في المفروض هل یلاقي جميع أجزاء الدهن المتنجس عرفاً كي يكون مطهراً أولا یلاقي إلا سطوح بعض أجزائه فلايكون مطهراً. والظاهر أن الدهن اذا كان قليلاً والماء الحار كان كثيراً وغلى مقدار معتداً به من الزمان مع الخلط دائماً بآلة يصدق عرفاً انه لاقى جميع الأجزاء التي للجسم المتنجس وصارت فعلية بواسطة الحرارة. ولكن هذا عمل شاق، لأن الدهن لابد وأن يكون قليلاً والماء كثيراً كي يصدق عرفاً انه لاقى جميع أجزاء الدهن المتنجس، والاملاقاة الماء لجميع أجزاء المتنجس حتى أعماقها عقلاً محال في كل جسم متنجس لاستحالة التداخل، وهو عبارة عن دخول جسم في اعماق الجسم الآخر بحيث يكون لكليهما حيز واحد. فهذا العمل خسارته اكثر من نفعه، ولذلك أمر عليه السلام بالقاء الزيت وما حوله لا من جهة ان تطهيره لا يمكن.

(مسألة - 20) اذا تنجس الارز أو الماش أو نحوهما يجعل في وصلة ويغمس في الكر، وإن نفذ فيه الماء النجس يصبر حتى يعلم نفوذ الماءالطاهر الى المقدار الذي نفذ فيه الماء النجس، بل لا يبعد تطهيره بالماء القليل، بأن يجعل في ظرف ويصب عليه ثم يراق غسالته(1)

ص: 64


1- . قد تقدم ذكر مباني هذه المسألة في المسألة السادسة عشرة، وإجماله: كل جسم متنجس يصل الماء الطاهر قبل الأستعمال بوصف الاطلاق الى محل النجس يطهر، سواء كان الواصل اليه قليلاً أو كثيراً ما دام يصدق عليه الماء عرفاً، وأما وصول الرطوبة بدون صدق الماء عليه فلا أثر له، لأن الله تبارك وتعالى جعل الماء مطهراً لا الرطوبة. وأيضاً وصول الرطوبة لا يوجب صدق الغسل الذي هو مناط تطهير المتنجسات. وأما الاشكال بأن إحراز قابلية المحل للتطهير شرط فيه، ففي كل مورد شككنا في قابلية المحل فلا يمكن الحكم بطهارته بصرف وصول الماء اليه. وبهذا استشكل على طهارة الدهن المتنجس إذا جعل في الكر الحار واختلط معه. ففيه: أولاً هذا لا ربط له بمسألتنا، لأن الحبوبات كلها نعلم بقابليتها للتطهير والدهن أيضاً كذلك، ولا اشكال فيه إلا من ناحية وصول الماء المطلق إلى جميع أجزائه. وثانياً أدلة عموم مطهرية الماء تشمل جميع الأجسام إلا نجس العين، لأن نجاستها ذاتية لا يمكن أن تنفك عنه مادام وجود عناوينها، ولا يمكن أن تطهر الا بزوال تلك العناوين بالاستحالة أو الانقلاب، كما سيجيء انشاء الله تعالى. فكل جسم يمكن وصول الماء الطاهر بوصف الاطلاق إلى جميع اجزائه عرفاً قابل للتطهير عدا النجاسات العينية، فالعمدة أنه إذا تنجست تلك الحبوبات هل يمكن وصول الماء المطلق إلى جميع المحال التي تنجست ام لا؟ فنقول: هذه الحبوبات تارةً ينجس ظاهرها من دون سراية النجاسة إلى باطنها وأعماقها، ففي هذه الصورة لا ينبغي أن يشك في قابليتها للتطهير بالماء القليل فضلاً عن الكثير، لأن القليل يجري على ظاهرها ويعبر عنها، فيصدق عليه الغسل ويطهر، ويكون حالها حال الأجسام الصلبة التي لاينفذ الماء فيها. وتارة ينجس باطنها وتصل النجاسة إلى أعماقها، فلا يمكن تطهيرها بالماء القليل وإن جففت، بناءاً على نجاسة الغسالة ولزوم انفصالها عن المحل المغسول كي يطهر، فيكون بقاء نجاستها لوجهين: أحدهما بقاء الغسالة النجس في المحل المغسول، ومعه كيف يمكن الحكم بطهارة المغسول. ثانيهما اشتراط التطهير بانفصال الغسالة عن المغسول وإن لم نقل بنجاسة الغسالة. وأما بالماء الكثير المعتصم، فان قلنا بعدم لزوم انفصال الغسالة في التطهير به - كما اخترناه - فلا يأتي كلا الاشكالين، وذلك لأن الانفصال غير لازم على الفرض، والماء حيث أنه معتصم لاينجس بملاقاة النجس. نعم هنا إشكال آخر، وهو أن الماء الذي يصل الى باطنها هل هو ماء أو رطوبة، فان كان الثاني فلا يكون مطهراً، وهذا الاشكال يأتي في التطهير بالقليل أيضاً، ولكن أجبنا عن هذا الاشكال فيما تقدم بأن العرف يرى مثل هذا من وصول الماء لا الرطوبة المحضة، وعلى كل حال يحتاج الى التجفيف وإخراج الماء النجس الذي نفذ فيها، إذ مع وجوده يمنع عن وصول الماء الطاهر الى أعماقها. وربما يقال: لو كان التطهير بالماء المعتصم فتلك الرطوبة أو الماء النجس الموجود في باطنها يطهر بواسطة الاتصال بالكثير المعتصم، ويصیر مع الماء المعتصم ماءاً واحدا، فيكون مطهراً. وفيه: ان أدلة التطهير منصرف عن مثل هذا الماء الذي كان فيه بوصف النجاسة، ثم في مقام التطهير صار طاهراً بواسطة الاتصال مع المطهر المعتصم، فالظاهر لزوم التجفيف وان قلنا بأنها تطهر بالماء الكثير.

ص: 65

ويطهر الظروف أيضاً بالتبع، فلا حاجة الى التثليت فيه وان كان هو الأحوط. نعم لو كان الظرف أيضاً نجساً فلابد من الثلاث(1).

ص: 66


1- . قد جعلوا التبعية من أسباب طهارة الشيء، حتى ان المصنف «قده» في مقام بيان المطهرات جعل التاسع منها هي التبعية في موارد: منها تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه في الطهارة لبدنه بعد اسلامه، كعرقه ومخاطه وأساخ بدنه بل ولباسه وغير ذلك مما ذكروه هناك وصار بعضها محل الخلاف والكلام، وكذلك تبعية ولده الصغار، وكذلك تبعية الأسير غير البالغ لآسره، وتبعية ظرف الخمر الذي انقلب خلا، وجعلوا طهارة الظرف الذي كان فيه خمر وانقلب خلاً تبعاً لطهارة ذلك الخمر بالانقلاب. ولكن لم يقم عندنا دليل عام يدل على طهارة كل ماهو تابع بسبب طهارة متبوعة. نعم في بعض الموارد دل دليل طهارة المتبوع على طهارة التابع بدلالة الاقتضاء، كما في ظرف الخمر الذي انقلب خلا، فلو لم يكن الظرف طاهراً وبقي على نجاسته يلزم أن يكون جعل طهارة الخمر المنقلب لغواً لا فائدة فيه، ولذلك نقول بطهارة الظرف أيضاً بالتبع، والا يتنجس الخل بملاقاته ويكون جعل الطهارة له لغواً. ففي كل مورد الحكم بالتبعية يحتاج الى دليل في نفس المورد لعدم دليل عام يكفي لأن يكون مستند الحكم في جميع الموارد. وفيما نحن فيه قيل بدلالة قوله عليه السلام في رواية المركن التي رواها في الصحيح محمد ابن مسلم «إغسله في المركن مرتين» وسكت عليه السلام عن غسل المركن بعد كل غسلة (الوسائل، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، باب - 20 - الحديث 1) وسكوته عليه السلام مع أنه في مقام بيان حكم تطهير الثوب وعلى تقدير بقاء نجاسة المركن - وهو الظرف الذي يغسل فيه ثوبه يتنجس الثوب بملاقاته ولا يطهر، يدل طهارته يتبع طهارة ذلك الثوب. ولكن يمكن أن يقال: إن المركن في مورد تلك الصحيحة طهارته ليست بتبعية طهارة ذلك الثوب الذي غسل فيه، بل مستند الى نفس الغسلتين اللتين غسل بهما الثوب فيه، فكما طهرتا الثوب كذلك طهرتا المركن. لايقال: إن موثقة عمار كانت تدل على التثليث في الأواني، وذلك من جهة أن الموثقة في مورد تنجس الآنية بنجاسة خارجية، وأما بالنسبة الى النجاسة الآنية من قبل ما يغسل فيه فلا تشملها، فيكون من هذه الجهة حال الاواني حال غيرها، فيكفي مرة واحدة في غير البول وفيها مرتين فتأمل.

(مسألة - 21) الثوب النجس يمكن تطهيره يجعله في طشت وصب الماء عليه ثم عصره وإخراج غسالته(1).وكذا اللحم النجس(2)، ويكفي المرة في غير البول والمرتان فيه اذا لم يكن الطشت نجساً قبل صب الماء، والا فلابد من الثلاث، والأحوط التثليث مطلقاً(3).

ص: 67


1- . هذا الترتيب الذي ذكره «قده» من جعل الثوب في الطشت وصب الماء عليه، إن كان مراده الترتيب - أي كان صب الماء عليه بعد جعله في الطشت - فهذا مبني على اعتبار الورود وأن لا يكون الماء موروداً، وأما إن كان من باب ذكر أحد القسمين في التطهير بالماء القليل وفي الأواني فهناك قسم آخر، وهو أن يملأ الطشت ماءاً بمقدار ماينغمس الثوب فيه ثم يغمس الثوب فيه ثم يخرجه ويعصره، فيطهر إن كان نجاسته من غير مايلزم فيه التعدد، وإن كان من أحدها فيكرر هذه العملية بمقدار ماورد التعدد في تلك النجاسة - اثنين إن كان بولا أو اكثر إن كان غيره مما ورد التعدد فيه اكثر من مرتين كما في ولوغ الكلب والخنزير وموت الجرذ فيه - بناءاً على عدم اختصاص هذا العدد بما اذا كان في الأواني، ولكن في عبارة المتن ليس فاء أو ثم قبل كلمة «صب عليه الماء» كي يدل على الترتيب فيشمل كلا القسمين.
2- . إن لم تنفذ النجاسة في باطن اللحم فحاله حال الثوب كما ذكره بل اسهل، لعدم احتياجه الى العصر، فيطهر بصب الماء القليل عليه فضلاً عن غمسه في الماء الكثير. وأما إن نفذ فيه فيأتي فيه جميع ماذكرنا في المسألة المتقدمة فلا نعيد.
3- . قد عرفت الكلام فيه مفصلا، وأن الطهارة بالتبعية في المقام لا اساس لها. نعم الطشت يطهر لما ذكرنا في المسألة المتقدمة لا للتبعية، فلا حاجة الى التثليث على كل حال لو كانت النجاسة من قبل هذه العملية لامن الخارج، نعم الاحتياط حسن كل حال.

(مسألة - 22) اللحم المطبوخ بالماء النجس أو المتنجس بعد الطبخ يمكن تطهيره في الكثير، بل والقليل اذا صب عليه الماء ونفذ فيه الى المقدار الذي وصل اليه الماء النجس(1).(مسألة - 23) الطين للنجس اللاصق بالابريق يطهر بغسمه في للكر ونفوذ الماء الى أعماقه، ومع عدم النفوذ يطهر ظاهره(2) فالقطرات التي تقطر منه بعد الاخراج من الماء طاهرة، وكذا الطين

ص: 68


1- . لا وجه لذكر هذه المسألة بعد ما ذكر في المسألة السابقة بقوله «وكذا اللحم النجس». لكن يمكن أن يقال: إن ذكره ثانياً أن المراد من اللحم النجس في الأول هو فيما اذا لم تنفذ النجاسة فيه، وفي هذا الفرع فيما اذا نفذت النجاسة الى باطنه، بقرينة قوله «المطبوخ»، إذ لايمكن طبخه الا بنفوذ ذلك الماء النجس فيه، أو كان تخصيصه بالذكر لورود رواية فيه، وهو قوله عليه السلام «اغسله وكله». وعلى أي حال حكم هذه المسألة تقدم فلا نعيد.
2- . الطين اللاصق بالابريق أو النعل كسائر الأجسام اذا تنجس قابل للتطهير: أما بالماء الكثير فمضافاً الى طهارة ظاهره به يطهر باطنه به أيضاً اذا نفذ في باطنه ووصل الماء بوصف الاطلاق اليه. كل ذلك لأجل إطلاقات أدلة التطهير بالماء، اذ لا مقيد في الموارد يخرجه عن مشمولية الاطلاقات. وأما بالماء القليل فيطهر ظاهره أيضاً بلا اشكال، لشمول الاطلاقات له وعدم مقيد في البين. وأما باطنه فيأتي فيه ما ذكرنا من الاشكال بعدم انفصال الغسالة مع لزومه في التطهير بالماء القليل. وقد تكلمنا فيه مفصلا فلا نعيد. وعلى كل حال ماذكره في المتن من طهارة القطرات التي تقطر من الابريق بعد غمسه في الكر وإخراجه منه صححيح لا اشكال فيه، لأن هذه القطرات لاتلاقي إلا ظاهر الطين، وظاهر الطين يطهر بغمس الابريق في الكر، فلا وجه لنجاسة تلك القطرات. وكذلك او غسل ظاهره بالماء القليل أيضاً القطرات التي تقطر منه طاهرة لعين ذلك الوجه.

اللاصق بالنعل، بل يطهر ظاهره بالماء القليل أيضاً، بل اذا وصل الى باطنه - بأن كان رخواً - طهر باطنه ايضاً به.

(مسألة - 24) الطحين والعجين النجس يمكن تطهيره بجعله خبزاً ثم وضعه في الكر حتى يصل الماء الى جميع أجزائه وكذا الحليب النجس بجعله جبناً ووضعه في الماء كذلك(1).

ص: 69


1- . حكم هذه المسألة واضح يظهر مما تقدم، ولكن ربما يتخيل أن الطحين أوالعجين اذا تنجس بواسطة كون الماء الذي يعجن به نجساً فكل جزء منه يكون نجساً. وبعبارة أخرى: النجاسة تستوعب جميع ذرات العجين والطحين الممزوج بالماء النجس، وبعد أن طبخ وصار خبزاً لو غمس في الكر أوصب عليه الماء القليل لايصل الماء الى جميع ذرات الطحين والعجين، فلا وجه للحكم بطهارة جميع أجزائه، فيترتب عليه جواز أكله، لأنه ليس فيه نجاسة ولو في بعض أجزائه. وذلك من جهة أنه بعدما لم يصل الماء الى جميع ذراته يبقى البعض الذي لم يصل اليه الماء على نجاسته، فأكله حرام. وهذا المورد يقول: بأن أمر الحليب اشكل، فاذا تنجس المائع يكون تمامه ظاهره وباطنه ينجس، لأن المائع إذا تنجس تسري النجاسة الى الجميع. وبعبارة أخرى: المائع غير المعتصم اذا تنجس فلا يمكن اختلاف أبعاضه وأجزائه في النجاسة والطهارة، فلا محالة تكون جميع ذراته وأجزائه المفروضة نجساً ذا لاقى النجس أو المتنجس موضع منه، ولكن بعد أن صار خبزاً يمكن الاختلاف في أجزائه من حيث الطهارة والنجاسة، فكل جزء وصل الماء اليه بوصف الاطلاق يكون طاهراً وإلا فلا، وحيث ان الخبز والجبن لا يصل الماء الى جميع أجزائه بل الى بعض دون بعض فلا يطهر الجميع بحيث يكون جائز الأكل. وفيه: أنه تقدم أن صدق الغسل ووصول الماء الى الجميع عرفي وليس بالدقة العقلية، مضافاً إلى ان عدم وصول الماء إلی جميع أجزاء الخبز والحليب غير معلوم، بل المعلوم وصوله، فان الخبز الذي يغمس في الكر ويبقى فيه مدة معتد بها نرى بالوجدان إحاطة الماء بجميع أجزائه، سواء قلنا بوجود الجزء الذي لا يتجزأ ام لم نقل، فالمسألة غير مربوطة بوجود الجزء أو عدمه. وأما الجبن الذي صنع من الحليب المتنجس، فوصول الماء الى جميع اجزائه لايخلو من خفاء، خصوصاً بعض أقسامه الذي ليس فيه خلل وفرج

(مسألة - 25) اذا تنجس التنور يطهر بصب الماء في أطرافه من فوق الى تحت، ولا حاجة فيه الى التثليث لعدم كونه من الظروف، فيكفي المرة في غير البول والمرتان فيه(1) والأولى أن يحفر فيه حفيرة تجتمع الغسالة فيها وطمها بعد ذلك بالطين الطاهر.(مسألة - 26) الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر أو الحجر تطهر بالماء القليل اذا أجري عليها(2)

لكن مجمع الغسالة يبقى نجساً.

ص: 70


1- . عدم كون التنور من الأواني من الواضحات، فلا يشمله حكمها، بل مشمول لاطلاقات أدلة التطهير بالماء، فكما ذكر في المتن يكفي الغسل مرة واحدة في غير البول كسائر المتنجسات ماعدا الأواني، وفي البول مرتين اذا كان بالقليل، كما هو المفروض في المقام. وأما حفر الحفيرة التي ذكرها فليس من متممات تطهير التنور، بل لأجل عدم تنجس قاعه، فانه ربما يبتلى من ناحية نجاسة القاع، كما اذا وقع العجين أو الخمير قبل أن يطبخ وهو مرطوب، فينجس بملاقاته للقاع النجس، ولذلك يبين طريق تطهير القاع، فان الكتاب رسالة عملية كتبها لأجل عمل المقلدين ورفع حاجتهم - رحمة الله عليه وجزاه الله خير الجزاء.
2- . هذا هو مقتضى اطلاقات أدلة تطهير المتنجسات، وقد تقدم عموم الشمول لتلك الأدلة من حيث المطهر بالكسر والمطهر بالفتح، فكل مايصدق عليه الماء بوصف الاطلاق - بمعنى عدم صحة سلب المائية عنه - يكون مطهراً، سواء كان قليلا أو كثيراً، وفي كل متنجس وصل الماء الى جميع ذراته واستوعبها بوصف الاطلاق يطهره. نعم الذي من النجاسات العينية لا يمكن تطهيرها بالماء، وذلك لعدم إمكان ازالة النجاسة عنها إلا بانعدام موضوعها بالاستحالة أو الانقلاب أو غير ذلك، فلا يحتاج في إمكان تطير الأرض التي يجري الماء عليها التمسك برواية الذنوب المشهورة، مع أنها ليست حجة في نفسها لضعف سندها، بل الاطلاقات كافية لذلك. أما قوله «لكن مجمع الغسالة يبقى نجساً» لا اشكال فيه وهو الوضحات بناءاً على القول بنجاسة الغسالة. وأما ما ذكره من كيفية تطهير البيت أو السكة المتنجسة بأحد شكلين أي باخراج الماء عنهما لانحدار الأرض أو بحفر حفيرة فيهما لا دخال الغسالة فيها - فهذا أيضاً حق لا إشكال فيه. وأما ما أفاد من أن الأرض لو كانت رخوة لايجري الماء عليها فلا يمكن تطهيرها إلا بالقاء الكر أو المطر أو الشمس، فيمكن أن يقال: إن عدم جريان الماء على الأرض الرخوة لرسوبه فيها فحالها حال الأرض الرملية، فاذا كانت الأرض الرملية يمكن تطهير ظاهرها بالماء القليل فكذلك الأمر في الأرض الرخوه، وجه التفریق بینهما بما ذکره في المتن. نعم رسوب الماء في الارض الرملية أسرع من رسوبه في الأرض الرخوة، وهذا لايوجب فرقاً فيما هو مناط التطهير، أى انفصال الغسالة. وعلى كل حال صدق انفصال الغسالة عن ظاهر الأرض بواسطة الرسوب في باطنها واضح، فلا ينبغي الاشكال في تطهير ظاهرها. واحتمال عدم صدق الانفصال ضعيف لا يعتنى به وان أصر شيخنا الاستاذ «قده» على لزم التطهير بالماء الكثير في المقام وفي أمثاله، مما يكون انفصال الغسالة بالرسوب في الباطن. نعم الباطن يبقى على نجاسته، ولابد في تطهيره من ورود مطهر آخر عليه إما لا يحتاج الى انفصال ماء الغسالة عنه كما اذا كان بالماء المعتصم أو إخراج الغسالة عنه بشكل من الأشكال الممكنة.

ولوأريد تطهير بيت أو سكة فان أمكن إخراج ماء الغسالة - بأن كان هناك طريق لخروجه - فهو والا يحفر حفيرة ليجتمع فيها ثم يجعل فيها الطين الطاهر كما ذكر في التنور، وان كانت الأرض رخوة

ص: 71

بحيث لا يمكن اجراء الماء عليها فلا تطهر الا بالقاء الكر أو المطر أو الشمس. نعم اذا كانت رملاً يمكن تطهير ظاهرها بصب الماء عليها ورسوبه في الرمل، فیبقی الباطن نجساً بماء الغسالة، وان کان لا یخلو عن اشكال من جهة احتمال عدم صدق انفصال الغسالة.

(مسألة - 27) اذا صبغ الثوب بالدم لا يطهر مادام يخرج منه الماء الاحمر(1).

نعم اذا صار بحيث لا يخرج منه طهر بالغمس في الكرأو الغسل بالماء القليل، بخلاف ما اذا صبغ بالنيل النجس، فانه اذا نفذ فيه الماء في الكثير بوصف الاطلاق يطهر، وان صار مضافاً أو متلوناً بعد العصر كما مر سابقاً.

ص: 72


1- . أما عدم طهارته مادام يخرج منه الماء الأحمر لأنه كاشف عن وجود الدم، أي عين النجس في ذلك الجسم، وما دامت عين النجس موجودة في ذلك الجسم المغسول لا يطهر البتة. وأما اذا صار بحيث لايخرج بالغسل والعصر، فهذا كاشف عن زوال عين النجاسة عنه، فيكون مثل الأجسام المتنجسة التي ليست فيها عين النجس، فيجوز تطهيره بالكثير والقليل. وأما إذا كان الماء الخارج ملوناً بلون المتنجس لا النجس، كما اذا صبغ الثوب بالنيل المتنجس أو مطلق الصبغ المتنجس، وحيث أن اللون المتنجس لم يمنع عن وصول الماء الى الجسم المصبوغ، فان وصل الماء الكثير الى ذلك الجسم بوصف الاطلاق يطهر ولا يضر إضافته بواسطة العصر بعد الوصول اليه مطلقا وتطهيره له.

(مسألة - 28) فيما يعتبر فيه التعدد لا يلزم توالي الغسلتين أو الغسلات، فلو غسل مرة في يوم ومرة أخرى في يوم آخر كفى(1). نعم يعتبر في العصر الفورية بعد صب الماء على الشىء المتنجس.

ص: 73


1- . أما عدم اعتبار التوالي في الغسلتين - كما في البول أو في الغسلات كما في الأواني مثلا - فلعدم دليل على ذلك، ومقتضى الاطلاق عدم الاعتبار. وأما اعتبار الفورية في العصر فيختلف باختلاف دليل اعتباره، وقد ذكرنا في المسألة السادسة عشرة أربعة وجوه في التطهير بالماء القليل: احدها الاستصحاب لعدم إطلاق لدليل التطهير يفيده مطلقا سواء عصر أو لم يعصر، فاذا شك في زوال النجاسة تستصحب النجاسة الى زمان القطع بالزوال، وهو لا يحصل الا بالعصر لاحتمال، مدخليته فيه، فاذا احتملنا الفورية ومدخليته في حصول الطهارة وزوال النجاسة فيجري استصحابها. وأما الوجوه الثلاثة الأخر فأي واحد منها لو كان مدرك وجوب العصر فلا يقتضي الفورية: أما الاجماع فالقدر المتيقن منه على تقدير تسليمه وصحته هو وجوب أصل العصر، وأما فوريته فلم يقم عليها، وأما لو كان هو لزوم انفصال الغسالة بناءاً على نجاستها فتبقى نجاسة المحل لنجاستها، فلا يدل الا على لزوم الاخراج وأما فوريته فلا. نعم لابد وأن لا يتأخر كثيراً بحيث يوجب جفاف تمام الغسالة أو بعضها في المحل، وهذا يختلف حسب اختلاف الفصول، ففي الشتاء لا يحصل جفاف في الفىء ساعة بل ساعتين. وأما لو كان المدرك هي الأخبار فهي على تقدير دلالتها على هذا المعنى مطلقة لا تدل إلا على أصل العصر، فلا وجه لا عتبار الفورية في العصر. اللهم إلا أن يقال بدخول العصر في مفهوم الغسل، بمعنى عدم صدق الغسل الا مع العصر في الزمان المتصل بالغسل، فيرجع الى اعتبار فورية العصر، ولكن إثبات هذا المعنى يحتاج الى دليل مفقود في المقام.

(مسألة - 29) الغسلة المزيلة للعين بحيث لا يبقى بعدها شيء منها تعد من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد فتحسب مرة، بخلاف ما اذا بقي بعدها شيء من أجزاء العين فانها لا تحسب(1). وعلى هذا فان أزال العين بالماء المطلق فيما يجب فيه مرتان كفى غسله مرة اخرى، وإن أزالها بماء مضاف يجب بعدها مرتان أخريان.

(مسألة - 30) النعل المتنجسة تطهر بغمسها في الماء الكثير، ولا حاجة فيها الى العصر لا من طرف جلدها ولا من طرف خيوطها،وكذا البارية، بل في الغسل بالماء القليل ايضاً كذلك لأن الجلد والخيط ليسا مما يعصر، وكذا الحزام من الجلد كان فيه خيط أو لم يكن(2)

ص: 74


1- . قد تقدم في المسألة الرابعة أن التطهير بالغسل مرة أو مرتين أو اكثر بعد زوال العين، فالغسلة المزيلة لاتحسب من الغسلات، والماتن هو بنفسه صرح هناك بأن الغسلة المزيلة لاتكفي فيما يكفي فيه الغسل مرة واحدة، فكأنه عدل عن رأيه، أو يكون مراده هاهنا استمرار الغسلة المزيلة الى مابعد زوال عين النجاسة كما هو كذلك غالباً. ففي الحقيقة لو كان كذلك تنحل الغسلة المزيلة المستمرة الى مابعد زوال العين الى غسلتين احداهما المزيلة والأخرى بعد الزوال، فليس رجوع عما قال. والمشهور القائلون بعدم كفاية الغسلة المزيلة أيضاً لاينكرون كفاية مثل هذه الغسلة المستمرة. وسائر ماذكره في هذه المسألة واضح.
2- . قد تقدم أن في التطهير بالماء الكثير بل مطلق المعتصم لا يحتاج الى العصر وإن كان المتنجس قابلا له فضلا عما لايكون قابلا له، فالجلد والبارية حيث لايكونان قابلين للعصر بل الماء يعبر عليهما ولا ينفذ فيهما يطهران بالغمس في الماء الكثير. وأيضاً بصب الماء القليل عليهما. نعم لو فرضنا أن النجاسة قد تنفذ فيهما فحالهما حال الأرز والماش، وقد تقدم الكلام فيهما، فلا يطهران - أي باطنهما - الا بالماء الكثير، أما ظاهرهما يطهر بالغمس في الكثير كما أنه يطهر بالقليل أيضاً. وأما الخيط في النعل أو في الحصير اذا نفذ الماء فيه، فالظاهر أنه مما يقبل العصر، فاذا لايمكن عصره فلابد من تطهيره بالماء الكثير.

(مسألة - 31) الذهب المذاب ونحوه من الفلزات اذا صب في الماء النجس أو كان متنجساً فأذيب ينجس ظاهره وباطنه ولا يقبل التطهير الا ظاهره، فاذا أذيب ثانياً بعد تطهير ظاهره تنجس ظاهره أيضاً. نعم لو احتمل عدم وصول النجاسة الى جميع أجزائه وان ما ظهر منه بعد الذوبان الاجزاء الطاهرة يحكم بطهارته. وعلى أي حال بعد تطهير ظاهره لا مانع من استعماله وان كان مثل للقدر من الصفر(1).

ص: 75


1- . إن ما ذكره في هذه المسألة أن من الفلزات ذهباً كانت أو غيره اذا أذيب ينجس ظاهره وباطنه إذا لاقى النجس أو المتنجس سواء صب في الماء النجس أو كان متنجساً فأذيب، مبني على صيرورته بالذوبان مائعاً كسائر المائعات، فكما أن كل مائع ليس بماء - كاللبن والحليب وأقسام الشرابت وماء اللحم وأمثال ذلك - اذا لاقى النجس جزء منه ينجس كله. وخلاصة الكلام أن الفلزات المذابة تكون كسائر المياه المضافة، فتكون مياهاً مضافة. وقد شاهدت محلول الذهب المصنوع لدواء بعض الأعاظم «قده» وكان نصف استكان، وفي أول ما وقع نظري عليه لم احتمل أن يكون شيئاً آخر غير الشاي، فلا فرق بينه وبين سائر أقسام الماء المضاف، سواء كان معتصراً من الأجسام - كماء الحصرم والليمو والنارنج وغيرها - أو كان ممتزجاً معها كأقسام الشرابت. فكما أن كلها ينجس بملاقاة بعضها للنجس فليكن كذلك في الفلزات المذابة. وبعبارة أخرى: يرى العرف في المائعات ملاقاة أول جزء منها للنجس ملاقاة لكها، ولذلك يحكم بنجاسة الكل وان كان حوضاً كبيراً، فبعد أن برد وانجمد يطهر ظاهره دون باطنه، لعدم نفوذ الماء في باطنه، فاذا أذيب ثانياً تمتزج الاجزاء النجسة مع الطاهرة، فينجس الجميع، كما هو الشأن في جميع المائعات. لكن الظاهر أن إذابة الفلزات المتعارفة ليس من هذا القبيل، بل غاية مايحصل فيها شبه سيلان، ولكن ليس رقيقاً مثل الماء كي يحكم العرف بأن ملاقاة بعضها ملاقاة الجميع للنجس كما في الماء. وما شاهدته في الذهب المحلول للدواء كان أمراً فوق الاذابة، وكان للشرب، فلا تقاس الاذابة به، ففيها لاينجس إلا محل الملاقاة. وعلى كل حال بعد الانجماد يطهر ظاهرها، ويجوز استعمالها في الطبخ إذا كان قدراً مثلا، وفى الاكل والشراب اذا كان من أوانيهما. ولا يضر بذلك نجاسة بعض أجزائها الباطنية بل جميعها، إذا المماس للمأكول والمشروب ليست الا أجزائها الظاهرية، والمفروض أنها طهرت بالغسل. وجميع الأواني التي تباع في الأسواق ان كان لاينفذ الماء في باطنها وصنعها بالذوب ويلاقي النجس في حال الميعان، فبعد صنع تلك الآنية وانجمادها بالغسل يطهر ظاهرها ولو بالماء القليل، فيجوز استعمالها في كافة الاستعمالات المتوقفة على الطهارة وعدم سراية النجاسة الى المظروف.

(مسألة - 32) الحلي الذي يصوغه الكافر اذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته، مع العلم بها يجب غسله ويطهر ظاهره وان بقي باطنه على النجاسة اذا كان متنجساً قبل الاذابة(1).

ص: 76


1- . حكم هذه المسألة يعرف من المسألة السابقة، وحیث أن جهة البحث في هذه المسألة كون الصائغ كافراً وهو نجس، فغالباً يتنجس مايصنعه بواسطة ملاقاة يده مع الرطوبة لذلك المصنوع، فلذا خصها بالذكر وبّين حكم الشك في الملاقاة والعلم بها: بأنه في صورة الشك يبني على الطهارة للاستصحاب، وفي صورة العلم بها يغسله ويطهر ظاهره، وأما باطنه فان كان متنجساً قبل الاذابة أو وصل النجس اليه حال الاذابة فيبقى على نجاسته كما تقدم في المسألة السابقة. ثم إنه لو استعمل الحلي المذكورة كثيراً وهكذا الأواني المصنوعة من الصفر أومن غيره من الفلزات، وحصل له الشك في أن السطح الذي كان ظاهراً وغسله فصار طاهراً هل هو باق أم زال وظهر سطح آخر الذي كان من الباطن، وبواسطة زوال السطح الأول ظهر هذا الثاني، فعلى تقدير بقاء السطح الأول يكون طاهراً، ولا مانع من استعماله فيما يجب أن يكون طاهراً، كاستعماله في أكل المعائعات والشرب، وعلى تقدير عدم البقاء وكون السطح الظاهر غير الأول بل ظهر سطح آخر من الباطن النجس فيكون نجساً، ولا يجوز استعماله في المأكولات والمشروبات مع رطوبة ذلك السطح أورطوبة المأكول، لتنجسه بواسطة ملاقاة ذلك السطح النجس مع الرطوبة. هذا اذا حصل اليقين بأحد الأمرين، وأما في صورة الشك وعدم العلم بأنه السطح الأول أو الأخير، يمكن أن يقال: إن مقتضى الاستصحاب نجاسة ذلك الظاهر المردد بين الأول والأخير. وربما يتوهم ان هذا الاستصحاب من قبيل استصحاب الفرد المردد الذي لاتتم أركانه، وعلى تقدير تماميتها أيضاً لا يفيد لأنه مثبت. بيان ذلك: ان الشك في بقاء النجاسة يكون باعتبار محلها المردد بين أن يكون هو السطح الأول أو الأخير، فلو كان المشكوك نجاسته هو السطح الأول فهو طاهر يقيناً، ولو كان هو الأخير فنجس يقيناً. فأنت استصحبت نجاسة هذا الفرد من السطح المردد بين أن يكون هو الأول أو الأخير، وعلى كل واحد من التقديرين حكمه معلوم لاشك فيه. وأنت خبير بأن هذا توهم عجيب، من جهة أن هذا السطح الخارجي الشخصي المردد بين أن يكون هو الأول أو الأخیر كان نجساً قطعاً، لأن المفروض أن هذا الجسم بعد أن أذيب كان تمام أجزائه نجساً الظاهرة منها والباطنة. فهذا السطح الموجود المشكوك انه الأول أو الأخير حيث كان من جملة ذلك الجسم الذي تمامه كان نجساً قطعاً، وبعد تطهير السطح الظاهر – کما هو المفروض – اختلفت اجزاء ذلك الجسم في الحکم، فالأجزاء الظاهرة التي نعبر عنها بالسطح الظاهر صارت طاهرة، والأجزاء الباطنة يقيت على نجاستها. فهذا السطح المردد - أي الأجزاء الظاهرة الان - قطعاً كان نجساً ونشك في بقاء تلك النجاسة، ومنشأ الشك هو الترديد في أنه هو الأول أو الاخير. فهذا استصحاب نجاسة فرد معين لامردد، واستصحاب الفرد المردد فيما اذا كان المتيقن مردداً بين فردين، كما في موارد العلم الاجمالي. فأنت تعلم بنجاسة أحد هذين الانائين، فاذا وقع التلف على احدهما بقي الآخر فنشك في بقاء ذلك النجس المردد، فاستصحاب ذلك النجس المردد بين أن يكون في هذا الاناء أو في ذاك هو استصحاب الفرد المردد، وهو الذي لايتم أركان الاستصحاب فيه، وعلى تقدير تماميته مثبت. أما الأول فلأن المتيقن هو الفرد المردد لا المعين، والفرد المردد بوصف أنه مردد لايعقل بقاؤه بعد تلف أحد الانائين، لانعدام موضوع الترديد والنجس الواقعي وان مشكوك البقاء، ولكن النجس الواقعي لم يكن معلوماً بل العلم واليقين كان متعلقاً بالفرد المردد، فما كان متيقن الوجود ليس مشكوك البقاء بل معلوم العدم، وما هو مشكوك البقاء - أي النجس الواقعي - لم يكن معلوماً. وأما الثاني فلأنه علی فرض جریانه لا یثبت أن هذا الفرد الباقي هو الذي کان متیقن الوجود، الا على القول بالأصل المثبت وأما فيما نحن فيه فالمتيقن هو هذا السطح الخارجي الشخصي الموجود، غاية الأمر منشأ الشك في البقاء هو ترديد هذا السطح الشخصي الخارجي بين أن يكون هو الأول أو الأخير. هاهنا توهم آخر، وهو أصالة بقاء كل من الظاهر والباطن على ما كان، فيكون المرجع قاعدة الطهارة. ولكن انت خبير بأن المراد من هذا الكلام إن كان بقاء كل واحد منهما على حاله وعدم تغيره عما كان عليه - أي بقاء وجوده بمفاد كان التامة أي لم ينعدم ولم يرتفع - فهو، وإن كانت أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق تامة، إلا أنه لايثبت ظاهرية هذا السطح الموجود إلا بناءاً على القول بالأصل المثبت، ولا أثر لبقاء السطح الأول وعدم انعدامه الا باثبات أن هذا السطح الموجود هو السطح الأول، وإلا فاستصحاب النجاسة يؤثر أثره، وان كان مراده أن هذا السطح الموجود كان ظاهراً والآن كما كان لم يتغير عما هو عليه، أي ظاهر كما كان ففيه: ان هذا الاستصحاب ليس له يقين سابق، لأن هذا السطح الموجود لم يكن متيقن الظاهرية أبداً ومن الاول وفي أي زمان كان، وإلا لو جرى هذا الاستصحاب وأثبت ان هذا السطح هو السطح الأول فلا مجال للرجوع الى قاعدة الطهارة، لحكومة هذا الاستصحاب عليها.

ص: 77

ص: 78

(مسألة - 33) النبات المتنجس يطهر بالغمس في الكثير، بل والغسل بالقليل اذا علم جريان الماء عليه بوصف الاطلاق، وكذا قطعة الملح. نعم لو صنع النبات من السكر المتنجس أو انجمد الملح بعد تنجسه مائعاً لا يكون حينئذ قابلاً للتطهير(1).(مسألة - 33) النبات المتنجس يطهر بالغمس في الكثير، بل والغسل بالقليل اذا علم جريان الماء عليه بوصف الاطلاق، وكذا قطعة الملح. نعم لو صنع النبات من السكر المتنجس أو انجمد الملح بعد تنجسه مائعاً لا يكون حينئذ قابلاً للتطهير(2).(مسألة - 34) الكوز للذي صنع من طين نجس أو كان مصنوعاً للكافر يطهرظاهره بالقليل، وباطنه ايضاً اذا وضع في الكثير فنفذ الماء في أعماقه(3).

ص: 79


1- . إذا كان ظاهر النيات والملح نجساً - بأن كانا جامدين ولاقى ظاهرهما النجس أو المتنجس - فيمكن تطهيره بالماء والكثير، وأما إذا كان النبات مصنوعاً من السكر المتنجس أو كان ماء المتنجس في المملحة وانجمد ملحاً، فلا يمكن تطهيره بالكثير فضلا عن القليل، لأنه الكثير لابد من وصول الماء الى جميع أعماقه، لأن الشرط في طهارة شىء وصول الماء الى جميع أجزائه المتنجسه لا الرطوبة. ولكن يشكل وصول الماء الى جميع تلك الأجزاء، وعلى فرض الوصول يشكل وصوله اليها وهو مطلق، لأن الظاهر وصوله اليها مضافاً، خصوصاً إذا لم يكن الملح جامداً قوياً. ولو شككنا في وصول الماء المطلق الى جميع الأجزاء، فنحكم بنجاسته للاصل - أي استصحاب بقاء النجاسة. هذا مضافاً الى أنه من المحتمل أن يكون الواصل الى أعماقه هي الرطوبة، لا الماء بوصف انه ماء.
2- . إذا كان ظاهر النيات والملح نجساً - بأن كانا جامدين ولاقى ظاهرهما النجس أو المتنجس - فيمكن تطهيره بالماء والكثير، وأما إذا كان النبات مصنوعاً من السكر المتنجس أو كان ماء المتنجس في المملحة وانجمد ملحاً، فلا يمكن تطهيره بالكثير فضلا عن القليل، لأنه الكثير لابد من وصول الماء الى جميع أعماقه، لأن الشرط في طهارة شىء وصول الماء الى جميع أجزائه المتنجسه لا الرطوبة. ولكن يشكل وصول الماء الى جميع تلك الأجزاء، وعلى فرض الوصول يشكل وصوله اليها وهو مطلق، لأن الظاهر وصوله اليها مضافاً، خصوصاً إذا لم يكن الملح جامداً قوياً. ولو شككنا في وصول الماء المطلق الى جميع الأجزاء، فنحكم بنجاسته للاصل - أي استصحاب بقاء النجاسة. هذا مضافاً الى أنه من المحتمل أن يكون الواصل الى أعماقه هي الرطوبة، لا الماء بوصف انه ماء.
3- . قد مر أن الحب اذا تنجس ظاهره يمكن تطهيره بالقليل بصب الماء فیه وإخراجه، وكذا بادخاله في الكثير. أما اذا نفذت النجاسة في أعماقه أو صنعه كافر فلا اشكال في أنه يطهر اذا وضع في الكثير ونفذ الماء الى داخله ووصل الى جميع أجزائه. والظاهر أن الماء بنفسه ينفذ لوجود المنافذ بين الأجزاء، لأن الرطوبة تصل الى جميع الأجزاء فقط كما قيل، بل الذي يصل الى جميع أجزاء الكوز أو الحب المتنجس هو الماء بصورته النوعية لابما أنه رطوبة وعرض من الأعراض الطارئة على الجسم. وفرق واضح بين النبات والملح المتنجسين مع كوز المتنجس، لعدم وجود المنافذ الموجودة في الحب والكوز وأمثالهما فيهما، فلا يأتي الاحتمال الذي ذكرناه هناك هاهنا.

(مسألة - 35) اليد الدسمة اذا تنجست تطهر في الكثير والقليل، إذا لم يكن لدسومتها جرم، والا فلابد من إزالته أولاً، وكذا اللحم للدسم والإلية. فهذا المقدار من الدسومة لا يمنع من وصول الماء(1).(مسألة - 36) الظروف الكبار التي لا يمكن نقلها كالحب المثبت في الأرض ونحو اذا تنجست يمكن تطهيرها بوجوه: «أحدها» ان تملأ ماءً ثم تفرغ ثلاث مرات. «الثاني» أن يجعل فيها الماء ثم يدار الى أطرافها باعانة اليد أو غيرها ثم تخرج منها ماء الغسالة ثلاث مرات. «الثالث» أن يدار الماء الى أطرافها مبتدءاً بالأسفل الى

ص: 80


1- . أي الى ظاهرهما، وأما وصول الماء الى أعماقهما بوصف المائية ففي غاية الاشكال. ولايخفى أن اليد اذا كانت عليها دسومة قليلة فتطهر بالقليل والكثير ويصل الماء الى نفس اليد، ولذا لو غسلت بالماء المصبوغ ثم زالت الدسومة يبقى اللون، فلو لم يصل الى تحت الدسومة فيكف يبقى اللون مع زوال الدهن. أما إذا كانت اليد مطلية بالدهن فلابد من زوال المانع ثم غسلها، أما اللحم الدسم فحاله حال اليد الدسمة، وأما الإلية حيث أن لها جرم ولها دسومة فاذا تنجس ظاهرها يطهر بالماء لوصول الماء اليه، ومن هذه الجهة يكون حالها حال يد الدسمة كما عرفت. نعم على فرض وصول النجاسة الى باطنها فتطهيره مشكل، لعدم إحراز صول الماء المطلق اليه كما ذكرنا

الاعلا، ثم تخرج الغسالة المجتمعة ثلاث مرات. «الرابع» أن يدار كذلك لكن من أعلاها الى الأسفل ثم يخرج ثلاث مرات(1).

ولا يشكل بأن الابتداء من أعلاها يوجب اجتماع الغسالة في أسفلها قبل أن يغسل، ومع اجتماعها لا يمكن ادارة فالماء في أسفلها، وذلك لأن المجموع يعد غسلاً واحداً، فالماء الذي ينزل من الاعلى يغسلكل ما جرى عليه الى الاسفل وبعد الاجتماع يعد المجموع غسالة(2).

ص: 81


1- . العمدة في مدرك الوجوه المذكورة موثقة عمار التي تقدمت، وهي عن الكوز والاناء يكون قذراً كيف يغسل وكم مرة يغسل؟ قال عليه السلام: يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه، ثم يصيب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر فيتحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 54 - الحديث 1) ولا يخفى ان ماذكره من الوجوه صحيح، وتدل على صحتها نفس الموثقة، لأن قوله عليه السلام «فيحرك فيه ثم يفرع منه» الظاهر أن الأمر بالتحريك لوصول الماء الى جميع الأجزاء، وبناءاً على هذا لافرق بين الوجوه الثلاث التي ذكرها الماتن في الغسل بل الوجوه الأربع.
2- . ومما ذكرنا يظهر بأن هذا الاشكال غير وارد، لأن العمدة وصول الماء، والماء قد وصل الى المحل، والغسالة لاينجس مالم ينفصل عن محلها بعد تمام الغسلة، ولا شك في ان صب الماء في كل مرة من أوله الى تفريغه بآلة أو بغيرها يعتبر غسلا واحداً، وتنجيس الغسالة لما يلاقيها من الخارج من المغسول بعد تمام الغسلة وانفصالها من المغسول. وأما انتقالها من نقطة الى أخرى من ذلك الظرف المغسول لايوجب تنجيس نقطة ثانية، لأن ظاهر الأمر بغسل الاناء بهذا الشكل أن وصول الماء الى جميع النقاط من الأعلى الى الأسفل موجب لتطهير الجميع بذلك الصب، غاية الامر مع تكرار الصب ثلاثاً، وحال جميع نقاط الجسم المغسول من هذه الجهة واحد، فلا يبقى مجال لورود الاشكال الذي ذكره. نعم الآلة التي يفرغ بها الغسالة حيث أنها خارجة عن المغسول ويلاقي الغسالة بعد انفصالها عن الجسم المغسول يتنجس بمقتضى القواعد، فيتولد مما ذكرنا إشكال، وهو: أنه في الغسالة الأخيرة - بناءاً على نجاسة الغسالة يتنجس بتلك الآلة وان كان غسلها في كل مرد فبعد العود الى الظرف لتفريغ مابقي فيه. يوجب تنجيس ذلك الظرف وما فيه، وأنها نجاسة الغسالة. وان كانت حاصلة منها. ولذلك يمكن أن يقال: بوجوب غسل تلك الآلة في كل عوده، ولكن يمكن أن يقال: إن اطلاق قوله عليه السلام «ثم يفرغ» يشمل التفريغ بالآلة، بل لايمكن بدونها في المثبتات الكبار وسكوته عن تطهيرها يدل على عدم لزومه. وفي الارتكاز العرفي أيضاً حال تلك الآلة حال نفس ذلك الجسم المغسول، فكما أن الغسالة مع كونها نجسة يسحب معها نجاسة المغسول، فكذلك بالنسبة الى الآلة. وبعبارة أخرى: العرف كأنه يرى آلة الاخراج جزء المتنجسة من الجسم المغسول. وأما كون طهارتها من باب التبعية، ففيه: أنه ليس هناك دليل بعنوان التبعية في موردها كما في آلات نزح البئر من الدلو والرشاء أمثالها، وكما في آلات طبخ العصير، وكما في ظروف الخمر الذى انقلب خلا. ففي جميع ذلك الحكم بطهارة الآلات إما بالاتكاز العرفي، وإما من باب دلالة الاقتضاء، وإما من جهة دليل خاص في نفس المورد ولعله لاحدى هذه الجهات قال في المتن «ولا يلز تطهير آلة اخراج الغسالة كل مرة. ولكن مع ذلك كله مقتضى القواعد لزوم غسلها في كل مرة وفي كل عودة، لان الغسالة تنفصل عن محلها يتوسط تلك الآلة، فبعد البناء على نجاسة الغسالة بعد الانفصال تتنجس تلك الآلة، ففي المرة الثانية بعد أن صب الماء في الاناء فاخراجها بتلك الآلة النجسة موجب لورود نجاسة جديدة على الاناء، وهكذا الامر في الغسلة الثالثة ايضاً تأتي نجاسة جديدة، فلا يطهر الظرف ولو كان بألف غسلة.

ص: 82

ولا يلزم تطهير آلة إخراج الغسالة كل مرة، وان كان أحوط(1) ويلزم المبادرة الى إخراجها عرفاً في كل غسلة(2) لکن لا یضر الفصل بین الغسلات الثلاث(3) والقطرات للتي من الغسالة فيها لا بأس بها(4).

ص: 83


1- . هذا الاحتياط يكون في محله، فلابد من غسل الاناء في كل مرة لا في كل عودة، لان تلك الآلة بعدما تنجست بواسطة ملاقاتها للغسالة المنفصلة لا تتنجس ثانياً بواسطة الملاقاة، وإنما نقول بغسلها في كل مرة من المرات الثلاث لأجل أن لا يتنجس الاناء بنجاسة جديدة بعد صب ماء جديد وتفريغ الماء الأول، ففرق بين كل مرة وكل عودة.
2- . قد يقال بعدم الوجوب، لاطلاق الموثقة، خصوصاً مع وجود كلمة «ثم» فيها التي تكون للتراخي بانفصال. لكن الانصاف أن التأخير تارة يكون بحيث يخرج عن صدق الاسم - أي اسم التفريغ - ويصير الماء بخاراً من جهة حرارة الماء في محله، فهذا القسم من التأخير موجب لعدم حصول التطهير، لأن التفريغ جعل جزءاً لموضوع التطهير. وأخرى لاينافي صدق التفريغ، ففي هذا القسم من التأخير لا مانع منه ولا تجب المبادرة، لأنه يصدق معه بقاء الغسالة الى أن يفرغ، واذا شككنا في التأخير وصدق بقاء الغسالة والتفريغ فنستصحب النجاسة.
3- . لاطلاق الموثق وإشعار ما يفهم من كلمة «ثم» وهو التراخي.
4- . قد يقال: بأن القطرات ليست بمنجسة، لأن التفريغ بالآلة ملازم عادة مع نزول القطرات منها، فلو كانت منجسة لا يمكن التطهير بالآلة أصلاً، ولابد أن يكون التفريغ بقلبها، وهذا لا يمكن في الظروف الكبار خصوصاً المثبتة منها، فلابد أن تبقى نجسة الى الأبد، الا أن يطهر بالماء المعتصم. وهذا خلاف ظاهر الموثقة وإطلاقها، فبدلالة الاقتضاء لابد من القول بعدم منجسيتها. ويمكن أن يقال: بعدم كون نزولها منجساً، لأنها من نفس الغسالة فلا تنجس الغسالة مرة ثانية بنزول تلك القطرات، لأن الغسالة لا ينجس محلها ولو بعد انفصالها عنه. ولكن الالتزام بهذا مشكل جداً، خصوصاً في الغسلة الأخيرة بناءً على نجاستها، لرجوع هذا الكلام الى أن النجس ليس بمنجس، أو التخصيص بلا مخصص، أو القول بعدم نجاسة الغسالة وهو خلاف الفرض. وأما ما ذكر من الاغتفار بأدلة نفي الحرج، ففيه: ان أدلة نفي الحرج لايستفاد منها الارفع الحكم فيما اذا كان موجباً للحرج الشخصي لاالنوعي.

وهذه الوجوه تجري في الظروف غير المثبتة أيضاً، وتزيد بامكان غمسها في الكر أيضاً. ومما ذكرنا يظهر حال تطهير الحوض أيضاً الحوض أيضاً بالماء القليل.

(مسألة - 37 (في تطهير شعر المرأة ولحية الرجل لا حاجة الى للعصر وان غسلا بالقليل، لانفصال معظم الماء بدون العصر(1).

(مسألة - 38) اذا غسل ثوبه المتنجس ثم رأى بعد ذلك فيه شيئاً من الطين أو من دقاق الاشنان الذي متنجساً لا يضر ذلك بتطهيره، بل يحكم بطهارته أيضاً لانغساله بغسل الثوب(2).

ص: 84


1- . الانصاف أن الشعر مثل الأمور الصقيلة لا يحمل الماء، ولكن اذا كانت اللحية كثفية فيبقى الماء في خلالها ولا يحصل القطع بخروج معظم الماء، فيحنئذ يحتاج الى العصر. وأما إذا كان الشعر خفيفاً فلا يحتاج اليه، ومع الشك لابد من العصر لاستصحاب بقاء النجاسة.
2- . هذا إذا لم يلصق الاشنان أو الطين بالثوب، وأما إذا لزق بحيث يمنع من نفوذ الماء الطاهر في الثوب فيشكل الحكم بطهارة جميع الثوب، بل يبقى المحل الملصوق به على نجاسته.. أما نفس الاشنان والطين إذا لم ينفذ النجس فيها فالظاهر طهارتهما بواسطة انغسال الثوب أو الماء الذي يغسل به الثوب يصل إلى ظاهرهما قطعاً فيطهر ظاهرهما. وأما إذا نفذ فيهما فاذا علمنا حينئذ بنفوذ الماء الطاهر إلى اعماقهما فنحكم بالطهارة، وأما إذا شك في نفوذ الماء ففي کلتاهما یجري استصحاب النجاسة، فتحکم ببقاء النجاسة في الثوب والاشنان مع الطين.

(مسألة - 39) في حال إجراء الماء على المحل النجس من البدن أو الثوب، اذا وصل ذلك الماء الى ما اتصل به من المحل الطاهر(1)

- على ما هو المتعارف - لايلحقه حكم ملاقي الغسالة حتى يجب غسله ثانياً، بل يطهر المحل النجس بتلك الغسلة. وكذا إذا كان جزء من الثوب نجساً فغسل مجموعه، فلا يقال: إن المقدار الطاهر تنجس بهذهالغسلة فلا تكفيه. بل الحال كذلك اذا ضم مع المتنجس شيئاً آخر طاهراً وصب الماء على المجموع، فلو كان واحداً من أصابعه نجساً فضم اليه البقية وأجرى الماء عليها بحيث وصل الماء الجاري

ص: 85


1- . لا يخفى أن ماء الغسالة إذا وصل إلى محل الطاهر فلابد من القول بعدم تنجس ذلك المحل الطاهر إذا كان ذلك المحل متصلاً بالنجس، كما إذا كان الكف نجساً دون الأصابع، فهذا يعد عضواً واحداً. فاذا قلنا بأن ماء الغسالة ينجس مالاقاه فلابد من القول يخروج أمثال هذه الموارد عن القاعدة تخصيصاً، والدليل على ذلك: أولاً: لو كان منجساً للمحل المتصل الطاهر، فلا يمكن تطهيره بالماء القليل غالياً، لأنه لو قلنا بأنه يجب غسل المحل الطاهر بعد وصول الماء الأول فلابد أن يغسل المحل الطاهر الثاني الذي وصل اليه ماء الغسالة الثانية، لسراية الغسالة الثانية اليه، وهكذا. فتكون الغسلات كثيرة غالياً ولا يمكن الالتزام بذلك. ثانياً السيرة القطعية على طهارة المحل الذي وصل اليه ماء الغسالة المتصل بالمحل النجس. ثالثاً: المرتكزات العرفية، حيث يكتفون بغسل محل النجس فقط. رابعاً: الاطلاقات المقامية، حيث لم يذكر في شيء منها غسل مااتصل بالمحل النجس.

على النجس منها الى البقية ثم انفصل تطهر بطهره، وكذا اذا كان زنده نجساً فأجرى الماء عليه فجرى على كفه ثم انفصل فلا يحتاج الى غسل للكف لوصول ماء الغسالة اليها، وهكذا نعم لو طفر الماء من المتنجس حين غسله على محل طاهر من يده أو ثوبه يجب غسله، بناءاً على نجاسة الغسالة، وكذا لو وصل بعدما انفصل عن المحل الى طاهر منفصل(1). والفرق أن المتصل بالمحل النجس يعد معه مغسولاً واحداً، بخلاف المنفصل.

(مسألة - 40) اذا أكل طعاماً نجساً فما يبقى منه بين أسنانه باق على نجاسته ويطهر بالمضمضة، وأما إذا كان الطعام طاهراً فخرج دم من بين أسنانه فان لم يلاقه لا يتنجس وان تبلل بالريق الملاقي للدم، لان الريق لا يتنجس بذلك الدم، وان لاقاه ففي الحكم بنجاسته إشكال من حيث أنه لاقى النجس في الباطن. لكن الاحوط الاجتناب عنه، لانالقدر المعلوم أن النجس في الباطن لا ينجس ما يلاقيه مما كان في للباطن لا ما نقل لليه من الخارج، فلو كان في أنفه نقطة دم

ص: 86


1- . أما لو طفر من موضع غسل النجس ماء على المحل الطاهر، فبناءاً على نجاسة الغسالة ينجس ذلك المحل، لأن هذا موضوع آخر، وليس وصول الماء اليه من توابع تلك الغسلة ولا من لوازمها، ولا تشمله الأدلة المتقدمة. فمقتضى قاعدة تنجس ملاقي النجس أو المتنجس تنجسه بتلك القطرة التي طفرت عليه.

لا يحكم بتنجس باطن الفم ولا يتنجس رطوبته، بخلاف ما اذا أدخل أصبعه فلاقته، فان الاحوط غسله(1).

ص: 87


1- . لهذه المسألة صور: تارة يكون الملاقي بالكسر والملاقى بالفتح كلاهما من الخارج لكن الملاقاة في الداخل، كما إذا شرب الماء النجس أو الخمر وكان بين أسنانه طعام لاقى ذلك الماء النجس أو ذلك الخمر الذي شربهما، فالملاقي - أي بقايا الطعام بين اسنانه الذي لاقى الماء المتنجس أو الخمر - مع الملاقى بالفتح وهو الماء المتنجس او الخمر، كلاهما من الخارج ولكن ملاقاتهما في الداخل - أي باطن الفم - وحيث أن مقتضى القاعدة المشهورة - وهو «ان كل جسم إذا لاقى النجس أو المتنجس يتنجس یسبب الملاقاة» - فالطعام الذي لاقى الماء النجس أو الخمر يتنجس، فالقول بعدم تنجسه يحتاج إلى دليل. ومنشأ التوهم في المقام ليس إلا الرواية التي تدل على طهارة بصاق شارب الخمر، غاية الأمر في ذلك المورد الملاقي بالكسر من الداخل والملاقى بالفتح من الخارج، وفي هذا المورد من الخارج. ولكن شمول تلك الرواية لمثل هذا المورد لا يخلو عن الاشكال، لأنه إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر بغير دليل على ذلك الموضوع الثاني إلا بتنقيح المناط ظناّ وأخرى يكون كلاهما من الداخل، كالدم الخارج من بين الأسنان وتلاقيه الأسنان. أو الماء الذي يكون من نفس الفم. وفي هذه الصررة لا ينجس الملاقى للنجس، ويدل عليه الرواية التي تدل على طهارة بصاق شارب الخمر بطريق أولى. وثالثة يكون احدهما من الداخل والأخر من الخارج، وهما صورتان: «إحدهما» ان يكون الملاقي بالكسر من الخارج والملاقى بالفتح من الداخل، كالطعام الذي يلاقى الدم الذي يخرج من بين الأسنان في داخل الفم. و «ثانيتهما» أن يكون الملاقى من الخارج والملاقي بالكسر من الداخل، وهذا کمسألة بصاق شارب الخمر. وهذا القسم منصوص على عدم تأثر الملاقى بالكسر، وإذا كان الاثنان من الداخل فبطريق أولى لا يؤثر. وتبقى صورتان تحت القاعدة المعروفة التي تقدمت، وهما أن يكون كلاهما من الخارج أو الملاقى بالفتح من الخارج، ولا دليل على الطهارة في هذين القسمين: اللهم إلا أن يقال: إنه يستفاد من أدلة طهارة بصاق شارب الخمر، ودليل طهارة المذي والوذي والودي أن الملاقاة في الباطن لا أثر له. ولكن الكلام في ثبوت مثل هذه الاستفاده. وعلى كل حال تجب مراعاة الاحتياط في هاتين الصورتين. أما الطعام النجس الذي اكله فليس وجه للقول بطهارة مابقي بين أسنانه من بقايا ذلك الطعام، لأنه كان نجساً قبل ان يأكله ولم يحصل له مطهرّ، فان كلامنا كان في أن ملاقاة النجاسة في الباطن لا يوجب التنجيس لا أن الباطن يطهر النجس.

(مسألة - 41) آلات التطهير - كاليد والظرف الذي يغسل فيه - تطهر بالتبع، فلا حاجة الى غسلها. وفي الظرف لا يجب غسله ثلاث مرات، بخلاف ما اذا كان نجساً قبل الاستعمال في التطهير، فانه يجب غسله ثلاث مرات كما مر (الثاني من المطهرات) الأرض، وهي تطهر باطن القدم والنعل(1).

ص: 88


1- . قد مر البحث في هذه المسألة. واستدللنا على طهارة اليد والظرف تبعاً بالسيرة القطعية والاطلاق المقامي والارتكاز العرفي، وبما ورد في صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين، فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة (الوسائل، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، باب - 2 - الحديث 1). فالحكم بأن الثوب يطهر في المركن مع عدم تعرضه عليه السلام لغسل المركن ولا اليد دليل على طهارتهما - أي اليد والظرف بالتبع - وأيضاً ان غسل اليد خلاف ماهو مرتكز عند العرف. لا يخفى أن مطهرية الأرض في الجملة بالنسبة إلى الرجل والنعل إجماعي لا خلاف فيه إلا ما يحكى عن الخلاف، ولكن بعدما راجعته واطلعت عليه رأيت عدم نصوصية كلامه في هذه الحكاية، ويمكن تفسيره بنحو يكون مطابقاً مع المشهور. وأيصاً تدل عليه الأخبار: «منها» - صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها، أينقض ذلك وضوءه وهل يجب عليه غسلها؟ فقال عليه السلام: لا يغسلها إلا ان يقذرها، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي (الوسائل، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، باب - 32 - حديث 7). وغيرها من الروايات الكثيرة (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 7) وهناك أحاديث نبوية ايضاً تدل على مطهرية الأرض.

بالمشي عليها أو المسح بها(1)

ص: 89


1- . هل المسح مثل المشي بناءً على مطهرية الأرض، أو يختص هذا الحكم بالثاني؟ الظاهر عدم الفرق بينهما، وان المسح أيضاً مثل المشي، ففي صحيحة زرارة المتقدمة صرح بالمسح، وكذلك في رواية حفص بن ابي عيسى، وفيها قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: وطأت على عذرة بخفى ومسحته حتى لم أر فيه شيئاً ما تقول في الصلاة فيه؟ قال عليه السلام: لا بأس (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - الحديث 7). وأما المشي ففيه روايات متعددة صرح فيها بالمشي، وسنذكرها انشاء الله تعالى. وكذلك صرح في بعض هذه الروايات بباطن القدم، لقوله عليه السلام فيها بعد قول الراوي «امر عليه حافياً»: أليس ورائه شيء جاف؟ قلت: بلى. قال: فلابأس (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 3). كالرواية التي رواها معلى، وهي حسنة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافياً؟ فقال: أليس وارئه شيء جاف؟ قلت: بلى، قال: فلابأس، إن الأرض يطهر بعضها بعصا (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 3). وفي بعضها الآخر صرح بالخف، كما في رواية حفص بن عيسى المتقدمة، فلا فرق بين أن يكون حافياً أو كان عليه حذاء.

بشرط زوال عين النجاسة(1) ان كانت، والأحوط الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الارض النجسة دون ما حصل من الخارج(2)

ص: 90


1- . أما اعتبار زوال العين فمما لاشك فيه ولايحتاج إلى ورود دليل، لأنه مادام العين موجودة فتكون نجساً قطعاً. ومع ذلك فقد دل على ذلك صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أينقض ذلك وضوءه، وهل يجب عليه غسلها؟ فقال: لا يغسلها إلا أن يقذرها، ولكنه يسمحها حتى يذهب أثرها ويصلي (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 7) والمراد بذهاب أثرها هي الأجزاء الصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة في النظرة الأولى، بل يحتاج إلى إمعان النظر.
2- . كما هو مقتضى ظاهر روايات المعلى والحلبي (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 9) بان تكون النجاسة من الأرض، بل وإن تكون بسبب المشي. ولكن قد يستدل للاطلاق وعدم الفرق بين أن تكون من الأرض أو من الخارج بصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السلام. قال: جرت السنة في الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 10). وفيه أولاً: انه من الممكن أن يكون المراد هو المسح في الوضوء لاالمسح للتطهير من النجاسة، فلا يمكن التسمك بها، خصوصاً مع وجود العلة المذكورة في تلك الروايات - أي «فان الأرض تطهر بعضها بعضاً» - وعلى فرض احتمال حمل العلة على بعض محتملات لا ينافي الاطلاق، فلا أقل من الشك في طهارة النجاسة التي ترد من الخارج، ومع الشك يكون الأصل النجاسة. وعلى فرض القول بأن النجاسة الواردة من الخارج لايطهر بالمشي على الأرض، بل لابد أن يكون بسبب المشي على الأرض فهل النجاسة التي تطهر بها لابد أن تكون من نفس الأرض أولا، ولو لم تكن من الأرض بل مشى على الأرض وحصل بواسطة المشي بأن لاقى قدمه الوتد مثلاً فأدماه. قد يقال بأنها تطهره وان كانت من غير الأرض ويستدل بصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيه أينقض ذلك وضوءه وهل يجب عليه غسلها؟ فقال عليه السلام: لايغسلها إلا أن يقذرها، ولكنه يمسحها حتى يذهب اثرها ويصلي (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 7). ولكن مع ذلك قد يفرق بين ما كان مثل العذرة حيث يقال إن النجاسة كانت بسبب الارض أو الحجر الحاد، وبين الوتد المطروح على الأرض بحيث لا يصدق عليه الارض بأنه لا يطهر إذا كان مثل الثاني، ومع الشك ايضاً المرجع يكون أصالة بقاء النجاسة.

ويكفي مسمى المشي أو المسح، وان كان الاحوط المشي خمس عشرة خطوة(1)

ص: 91


1- . ذكرنا عدم الفرق في مطهرية الأرض بين المشي عليها أو المسح بها، وذلك لصحيحة زرارة حيث ورود في آخرها «ولكن يمسحها حتى يذهب أثرها (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 6 - 7) ورواية حفص بن عيسى وفيها: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: وطأت على عذرة بخفى ومسحته حتى لم أر فيه شيئاً، ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال: لا بأس (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 6 - 7). وأما المشى فلروايات، منها عن الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: إن طريقي الى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته؟ فقال: أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة. قلت: بلى. قال: فلا بأس ان الارض تطهر بعضه بعضاً قلت: فأطأ على الروث الرطب؟ قال: لابأس انا والله ربما وطئت عليه ثم أصلي ولا أغسله (الوسائل، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، باب - 32 - حديث 9) وغيرها من الروايات. وهل يكفي مطلق المشي أم لابد من المشي خمس عشرة؟ والظاهر أن كل خطوة تكون بمقدار الذراع ولذا ذكره الماتن، والا ففي رواية الاحول ورد لفظ «الذراع»، وهي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً؟ قال: لابأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك (الوسائل كتاب الطهارة، ابواب النجاسات، باب - 32 - حديث 1) والظاهر أن المشي مطلقا كاف، لاطلاق تلك النصوص، فلابد من حمل هذه الرواية إما على الأفضلية أو على الغالب، بأن الغالب عدم زوال عين النجاسة إلا بهذا المقدار من المشي. ويدل على ذلك قوله عليه السلام «أو نحو ذلك» أي سواء كان خمسة عشر ذراعاً أو أقل أو أكثر بقليل إلا أن نقول معنى «نحو ذلك» أي نحو المشي، وهو جر رجله على الأرض لارفع قدم ووضع أخرى.

وفي كفاية مجرد المماسة من دون مسح أو مشي اشكال(1)

وكذا في مسح التراب عليها(2) ولا فرق في الأرض بين التراب والرملوالحجر الأصلي(3) بل الظاهر كفاية المفروشة بالحجر بل بالآجر

ص: 92


1- . الظاهر عدم الكفاية، لما ورد في تلك الصححاح من المشي أو المسح، أما مجرد المس فلا. وما قيل بكفاية المس باطلاق التعليل - أي إن الأرض يطهر بعضه بعضا. وفيه: ان التعليل لا إطلاق له من هذه الجهة، وعلى الفرض فيقيد بالصحاح.
2- . قد يقال بكفاية مسح التراب عليها، كما حكى. عن الجواهر وكاشف الغطاء، وهو الظاهر من صحيحة زرارة في الجواب «ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها». ولكن قد يقال بعدم إمكان الأخذ باطلاقها، لأن ظاهر «يمسحها» أي بأي شيء كان المسح ولو بثوب، مع أنه لايطهر بالمسح بالثوب بالاتفاق ولكن الجواب: ان الاطلاق يقيد بذلك المقدار ويبقى الباقي على إطلاقه ولكن مع ذلك لايمكن الاستدلال بالرواية، اذ يحتمل أن يكون الرجل ماسحاً لاممسوحاً، والمستظهر من الروايات أيضاً كذلك، بمعنى انه يمسح الرجل على الأرض لا الأرض على الرجل، فتكون ماسحاً حتى تطهر، فعلى أي حال فمع الشك يستصحب النجاسة.
3- . الظاهر كفاية مطلق الأرض من التراب وغيره، وأما التعبير بالتراب - كما في كلمات بعض العلماء فلعله كان من جهة الأغلبية فلافرق بين التراب والرمل والحجر المفروشة، لانه يصدق عليه الأرض.

والجص والنورة(1)

نعم يشكل كفاية المطلى بالقير أو المفروش باللوح من الخشب مما لا يصدق عليه اسم الأرض(2)

ولا اشكال في عدم كفاية المشي على الفرش والحصير والبواري، وعلى الزرع والنباتات، الا أن يكون النبات قليلاً بحيث لا يمنع من صدق المشي على الأرض، ولا يعتبر أن تكون في القدم أو النعل رطوبة(3) ولا زوال العين بالمسح أو المشي وان كان أحوط(4)

ويشترط طهارة الأرض وجفافها(5).

ص: 93


1- . الاشكال فيها بعد الطبخ، لأنه لايصدق عليها الأرض، وعلى فرض الشك يكون المرجع النجاسة للاستصحاب.
2- . أما المطلي بالقير واللوح من الخشب فغير مطهر قطعاً، وكذا الحصر والبواري والزرع، إلا أن يكون الزرع قليلا بحيث يصدق عليه المشي.
3- . وذلك لاطلاق النص كما في رواية الحلبي «إن الأرض يطهر بعضها بعض» وكذا صحيح الأحوال اللذان تقدما.
4- . أما زوال العين بالمسح فغير معتبر لاطلاق النصوص، ولكن ظاهر صحيحة زرارة حيث یقول عليه السلام فيها «لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها» أن يكون ذهاب العين بالمسح لاشيء آخر فالاحتياط في محله، وان كان الظاهر منها أن صرف المسح بدون ذهاب أثر العين لايكون مطهراً، لا أن ذهاب الأثر لابد أن يكون بالمسح، لأنه لو كان هذا هو المراد فلا يكون ذهاب الأثر بالمشي مؤثراً في رفع النجاسة وهو مما لايمكن الالتزام به.
5- . كما هو المسلم من تتبع موارد التطهير، كالماء والحجر للاستنجاء حيث يشترط طهارتهما قبل الاستعمال. والقاعدة المسلمه من أن «فاقد الشيء لايمكن أن يكون معطياً له» ولو بالمرتكزات العرفية وبما ورد في صحيح الأحوال عن الصادق عليه السلام في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً؟ قال عليه السلام: لابأس اذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك (قد تقدمت) على أن يكون الضمير المستتر في «كان» راجعاً الى المكان النظیف کما هو الظاهر، فعدم البأس متعلق بأمرین: أحدهما أن یکون المکان نظيفاً، والثاني أن يكون خمسة عشر ذراعاً.

نعم الرطوبة غير المسرية غير مضرة. ويلحق بباطن القدم والنعل حواشيهما بالمقدار المتعارف مما يلتزق بهما من الطين والتراب حال المشي(1) وفي إلحاق ظاهر القدم أو النعل بباطنهما اذا كان يمشي بهما لا عوجاج في رجله وجه قوي، وان كان لا يخلو عن اشكال، كما أن إلحاق الركبتين واليدين بالنسبة الى من يمشي عليهما ايضاً مشكل، وكذا نعل الدابة وكعب عصا الأعرج وخشبة الأقطع(2).

ص: 94


1- . الظاهر أن حواشي القدم خارجة عن البطن والظهر، بل هي بينهما، فيشكل حينئذ طهارتهما، ولكن بناءاً على مايظهر من صحيحة زرارة «رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها» فبمقتضي هذه الصحيحة نحكم بطهارة الحواشي، حيث أنه عليه السلام قال في جواب زرارة: لابأس ولا شك في أن الرسوخ في العذرة يوجب وصولها الى الحواشي، فتكون الحواشي مثل الباطن. هذا مضافاً الى أن بعض الأراضي تستح الرجل فيها فيصدق على الحواشي حينئذ أن نجاستها زالت بالمشي على الأرض.
2- . الظاهر أن الحكم عام بالنسبة الى الجميع، لأن المستفاد من الروايات هو أن كلما يستقر عليه الانسان ينظف ويطهر اذا مسح به الأرض أومشى عليه، كما اذا كان الانسان معوج الرجل أو مشى على الركبتين أو اليدين، وكذا خشبة الاقطع وعصا الأعرج، أما من أخذ العصا لا لأجل الاستقرار فلا. والدليل على التعميم عموم العلة في قوله عليه السلام «إن الأرض يطهر بعضها بعضا»، فيكون ذكر النعل والقدم أو غير ذلك مما يستقر عليها الانسان من باب المثال.

ولا فرق في النعل بين أقسامها، من المصنوع من الجلود والقطن والخشب ونحوها مما هو المتعارف(1) وفي الجورب إشكال الا اذا تعارف لبسه بدلاً عن النعل(2).

ويكفى في حصول الطهارة زوال عين النجاسة وإن بقى أثرها من اللون والرائحة(3) وكذا الأجزاء الصغار التي لا تتميز، كما في الاستنجاء بالأحجار لكن الاحوط اعتبار زوالها ان الاحوط زوال الاجزاء الارضية للاصقة بالنعل والقدم وان كان لا يبعد طهارتها ايضاً(4).

ص: 95


1- . كالقبقاب أو اللاستيك لاطلاق الأخبار.
2- . كما هو المتعارف بين نساء القرى في بعض الأما كن، وكذا ركبتى الأقطع. أما نعل الدابة وعجلة السيارة والدراجة فلا، لأن الخطاب يكون متوجهاً الى الانسان وليست هذه الاشياء مما يستقر عليها الانسان.
3- . وان كان وجودهما بدون اجزاء النجس ممتنع عقلا لكن الاحكام الشرعية ليست مبتنية على المداقة العقلية وكذا الاجزاء الصغار الذي لايمكن رفعها غالباً بالمشي اما الاجزاء الممكن فلابد من رفعها كما هو صريح بعض الروايات ولاستصحاب بقاء النجاسة إذا شككنا في طهارته كل ذلك لاجل اطلاقات الأدلة.
4- . ولو كانت مخلوطة باجزاء الصغار من النجاسة فتطهر بالمشي لما ورد من (ان الارض بعضها بعضا) على بعض التفاسير ويكون النعل طاهراً أيضاً إذا لم تمنع هذه الاجزاء من مماسته على الارض وأما الاجزاء التي ليست من اجزاء النجاسة بل هي اجزاء ارضية تنجست بملاقات النجاسة والتصقت بالنعل أو القدم فبالمشي تطهر عين تلك الاجزاء ولا يحتاج الى زوالها.

(مسألة - 1) اذا سرت النجاسة الى داخل النعل لا تطهر(1) بالمشي بل في طهارة باطن جلدها اذا نفذت فيه اشكال وان قيل بطهارتها بالتبع.

(مسألة - 2) في طهارة ما بين اصابع الرجل إشكال(2)

ص: 96


1- . لعدم الدليل وما يظهر من الروايات هو طهارة مامسته الأرض وأما الداخل فحيث لم يسمه الارض فلا دليل على طهارته وكذا اذا نفذت النجاسة ولا دليل على التبعية بل لابد من غسل النعل بالماء الكر وأما القليل قدمر الاشكال فيه.
2- . لعدم الدليل على التبعية كما تقدم فاذا وصل مابين الاصابع الى الارض حين المشي كما اذا كانت الارض رمليه فيطهر لدلاله الصحيحة حيث ورد فيها (فساخت) ومعنى ساخت اي رسخت ولازمه انه اتصل العذرة الى مابين اصابعها فاذا مشى في الارض الرمليه تطهر الاصابع لانها تصل الى الارض كما وصلت الى العذره ايضاً بل ظاهر قوله عليه السلام في الصحيحة ولكنه يمسحها حتى يذهب اثرها انه لايحتاج الى ان تكون الارض رملية وان يكون المسح بالمشي فالصحيحة تدل على ان مابين الاصابع للرجل لو تنجس يطهر بالمسح ولا اشكال في البين اللهم إلا أن يقال ان المراد من قوله عليه السلام (فساخت رجله فيها) هو الرجل مع كونها داخل الحذاء لا انه كان حافياً وساخت رجله فيها ومعلوم انه بناء على هذا الفرض لايتلوث مابين الاصابع بالعذرة بواسطة الحذاء فلا تدل الصحيحة بناء على هذا ان مسح مابين الاصابع بالتراب اذا تنجس يكون موجباً لطهارته وليس اطلاق يشمل مسح مابين الاصابع في البين وقد عرفت ان مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة فاشكال الماتن بناء على هذا في محله ولكن هذا الاحتمال بعيد عن ظاهر الصحيحة خصوصاً مع ملاحظة ان كثيراً من الناس في تلك الازمنه حفاة فتقيد اطلاق قوله عليه السلام (فساخت رجله فيها) بخصوص من كان لابساً للحذاء لاموجب له فالمرجع هو اطلاق تلك الجملة لا الاستصحاب اى اصالة بقاء النجاسة.

واما اخمص القدم فان وصل الى الارض يطهر والا فلا فاللازم وصول تمام الاجزاء النجسة الى الارض فلو كان تمام باطن للقدم نجساً ومشى على بعضه لا يطهر الجميع بل خصوص ما وصل الى الارض(1).

(مسألة - 3) الظاهر كفاية المسح على الحائط وان كان لا يخلو عن اشكال(2).

(مسألة - 4) اذا شك في طهارة الارض يبنى على طهارتها فتكون مطهره(3) الا اذا كانت الحالة السابقة نجاستها واذا شك في جفافها لا تكون مطهرة(4) الا مع سبق الجفاف فتستحب.

ص: 97


1- . والحاصل ان كل مكان من الرجل تصل الى النجاسة حال المشي فتطهر ان وصل الى الارض أيضاً في حال لمشى وهذا هو المتفاهم العرفي من الروايات التي تدل على طهارة القدم والنعل بالمشي على الارض.
2- . قد مر بيان الاشكال وان الظاهر من الروايات ان المطهر هو الارض التي تمشي عليها فالحائط لاتشمله الادلة كما ان الظاهر هو مع الرجل على الارض لا بالعكس والا كان يطهر ظهر القدم أيضاً بل سائر مواضع البدن اذا تنجس فالاقوى عدم طهارته بالمسح على الحائط.
3- . تارة ان الارض لها حالة سابقة معلومة وانها الطهارة أو النجاسة فيستصحب تلك الحالة ففي الصورة الاولى تكون مطهرة دون الثانية ومع الشك في نجاستها نحكم بالطهارة بقاعدة الطهارة فتكون مطهرة ايضاً لاتصل النوبة الى استصحاب النجاسة لان الاصل السببى مقدم دائماً وحاكم على الاصل المسببى وان كان من الاصول الغير المحرزة والاصل المسببي محكوم وان كان من الاصول المحرزة.
4- . الا إذا كانت الحالة السابقة هي الجفاف فنستصحب فيكون مطهراً للشك في وجود ماهو المطهر فتصل النوبة الى استصحاب بقاء النجاسة بعد الشك في وجود المطهر وعدم اصل موضوعي ينقح الموضوع وهذا واضح

(مسألة - 5) اذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجس لابد من العلم بزوالها(1)

واما اذا شك في وجودها(2) فالظاهر كفاية المشي وان لم يعلم بزوالها على فرض الوجود.

ص: 98


1- . اما إذا احتمل البقاء فيستصحب بقائهما والحكم بالنجاسة في مورد استصحاب بقاء المتنجس فيما إذا لم يكن المتنجس قابلاً للتطهير كالدهن المتنجس إذا لم ينفذ الماء المطلق الطاهر في اعماقه كي يطهره وإلا إذا طهر بالغسل فلا يضر العلم الوجداني بوجوده فضلاً عن التعبد بوجوده بالاستصحاب هذا كله إذا علم بوجودها وشك في زوالها.
2- . ففيه تفصيل وهو ان النجس المحتمل وجوده تارة يكون حائلاً بين الارض والمحل الذي تنجس به على تقدير وجوده واخرى ليست كذلك فان كان من الثاني فلا اشكال في حصول الطهارة بصرف المشي وذلك لاستصحاب عدم وجوده وليس مثبتاً واما ان كان من الاول فلا يحصل للطهارة بصرف المشي لاحتمال وجود الحائل فيكون مورداً لاستصحاب بقاء النجاسة واستصحاب عدم وجود الحائل مثبت اذ لازمه عقلاً وصول الماء الى المحل المتنجس فقول الماتن فالظاهر كفاية المشي على اطلاقه غير صحيح لانه لايتم إلا على تقدير عدم كونهما حائلاً على فرض وجودهما كما إذا مشى على ارض جافة وباطن رجله متلبس بالبول او الماء المتنجس فيطهر الرجل أو النعل وان كانت الرطوبة باقية اما لو كان النجس أو المتنجس حائلاً كما إذا كانت عين النجاسة أو المتنجس الذان في الرجل ذو جرم يمنع عن وصول الماء إلى المحل الذي تنجس بواسطتهما فلا یمکن احراز وصول الماء الی المحل كما عرفت على القول بالاصل المثبت لوجود الحائل وهو عين النجاسة أو المتنجس ففي مورد احتمال وجود النجس أو المتنجس الحائل حيث لا يجرى استصحاب عدم وجود الحائل لانه مثبت تصل النوبة الى استصحاب بقاء النجاسة واما القول بالطهارة وجريان استصحاب عدم الحائل لخفاء الواسطة فقد حققنا في الاصول انه لا فرق في بطلان اصل المثبت بين كون الواسط خفيه أو جليه مضافاً إلى منع الصغرى ايضاً في المقام نعم يبقى مسألة قيام السيرة على عدم وجود الحائل عند الشك في وجوده فان تحققت وثبت وجودها فحيث آنهامن الامارات يثبت بها لوزامها العقلية إذا كانت لتلك اللوازم اثار شرعية انما الشأن في ثبوتها وادعاء ثبوتها فيما إذا لم يكن لاحتمال وجود الحائل منشاءً عقلائي يركن اليه العقلاء ليس ببعيد

(مسألة - 6) اذا كان في الظلمة ولا يدري ان ماتحت قدمه ارض او شيء اخر من فرش ونحوه لا يكفي المشي عليه(1) فلابد من العلم بكونه ارضا بل اذا شك في حدوث فرش أو نحوه بعد العلم بعدمه يشكل الحكم بمطهريته ايضاً(2)

(مسألة - 7) اذا رقع نعله بوصلة طاهره فتنجست تطهر بالمشي(3)

اما اذا رقعها بوصلة متنجسة ففي طهارتها اشكال لما

ص: 99


1- . لعدم احراز الشرط أو الموضوع وهو المشي على الارض فاصالة بقاء النجاسة هي المرجع عند الشك.
2- . لعدم احراز الشرط ايضاً ما استصحاب عدم حدوث المانع من المشي على نفس الارض لا يثبت المشي على الارض إلا على القول بالاصل المثبت.
3- . لان الرقعة صارت جزءّ من النعل فتطهر بالمشي واما إذا كانت نفس الرقعة متنجسة قبلاً من غير مشي فيشكل طهارتها بالمشي لان ظاهر الادلة هو الاقتصار على طهارة النجاسة الحاصلة من نفس الارض لا من الخارج كما تقدم شرحة مفصلاً.

مر من الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الارض النجسة (الثالث من المطهرات للشمس)(1).

ص: 100


1- . على المشهور في الجملة بل ادعى بعضهم الاجماع على ذلك ومطهرية الشمس من مختصات الامامية ومقابل المشهور هو القول بجواز الصلاة فقط في المكان الذي اشرقت الشمس عليه لا انه يصير طاهراً باشراقها عليه ونسب هذا القول إلى المفيد ولكن ما راينا في المقنعة موافق لما ذهب اليه المشهور وهذه عين عبارته في ذلك الكتاب أو الارض إذا وقع عليها البول ثم طلعت عليها الشمس فجففتها طهرت بذلك وكذا البواري والحصر انتهى وعلى كل حال لابد من مراجعة الادلة ولا بأس بذكر الروايات والنظر فيها لنرى كيفية دلالتها منها صحيحة زرارة قال سئلت ابا جعفر عليه السلام من البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلي فيه: فقال إذا جففته الشمس فصلي علیه فهو طاهر (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 29 - من ابواب النجاسات، حديث - 2) خاصة بالبول وبالارض لان السطح يقال له الارض والصحيحة وان لم يرد فيها الاشراق ولكن الشمس قد يطلق على نفس الجرم وقد يطلق على الاشراق وذلك لان المراد بالجلوس في الشمس عرفاً اي جلس في مكان يشرق عليها الشمس والمراد بالتجفيف ايضا عرفاً هو الجفاف باشراقها ومنها ما عن ابي بكر الحضرمي، عن ابي جعفر عليه السلام قال: ياابا بكر ما اشرقت عليه الشمس فقد طهر (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 29 - من ابواب النجاسات، حديث - 5) وبهذا الاسناد عن ابي جعفر عليه السلام كل ما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر فهذه الرواية خاصة بالاشراق بالشمس لكن عام من جهة النجاسة بولاً كانت ام غيرها منقولاً كان ام غيره ومنها موثقة عمار للساباطي عن ابي عبدالله عليه السلام (في حديث) قال: سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر قال لا يصلي عليه، واعلم موضعه حتى تغسله، وعن الشمس هل تطهر الارض قال: إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فاصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة وان اصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا يجوز الصلاة حتى ييبس وان كانت رجلك رطبة وجبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلي على ذلك الموضع حتى يبيس، وان كان غير الشمس اصابه حتى ييبس فانه لايجوز ذلك (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 29 - من أبواب النجاسات، الحديث - 4) وهذه الرواية من جهة سؤ تعبيرات عمار غير واضحة وفهمها يحتاج إلى عناية ودقة (قوله الموضع القذر من البيت أو غيره) المراد من غيره سائر الاماكن غير البيت. (قوله وعن الشمس هل تطهر الارض قال: إذا كان الموضع من البول أو غير ذلك واصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة) والمراد من التعبير بجواز الصلاة طهارة الموضع لان ظاهر الصلاة على الموضع هو السجود عليه وليس باعتبار وقوعها فيه وإلا كان الانسب ان يعبر بالصلاة فيه لا الصلاة عليه وبعد الفراغ من عدم جواز السجود على الموضع النجس فجواز السجود عليه كناية عن طهارته فهذه الفقرة من الرواية صريحة في مطهرية الشمس ويظهر منها بطلان ما قيل انها تدل على جواز الصلاة في ذلك الموضع لاطهارته (قوله ان اصابته الشمس ولم يبيس الموضع القذر وكان رطباً فلا تجوز الصلاة عليه حتى ييبس) ظاهر هذه الفقرة هو ان صرف اصابة الشمس من دون ان يصير الموضوع يابساً باشراقها عليه لا اثر له ولا يطهر حتى ييبس) (قوله وكان رطباً) بيان لقوله (ع) لم ييبس الموضع أو تكرار له بعبارة ثانية قوله فلا تجوز الصلاة حتى ييبس كناية عن بقاء نجاسته حتى ييبس باشراق الشمس عليه (وقوله كانت رجلك رطبة إلى قوله وان كان غير الشمس ظاهره ان ذلك الموضع حيث انه قبل ان ييبس باق على نجاسته فلا تجوز الصلاة عليه إذا كانت موضع الوصول من لباسه أو بدنه إلى غيرذلك الموضع رطباً لسراية النجاسة اليه فينجس لباسه أو بدنه وكذلك لو كان بعد اليبس ولكن بغير الشمس لعين، ذكرنا من السراية ولعل العبارة في الثاني اي بعد اليبس بغير الشمس اظهر من الاول اي قبل ان ييبس واما قوله وان كان غير الشمس اصابه حتى يبس فانه لايجوز ذلك اي الصلاة عليه بمعنى السجود عليه مع قذاره المحل لان غير الشمس ليس مطهراً قطعاً هذا بناءً على ان تكون العبارة وان كان غير الشمس اصابه اما إذا كانت العبارة هكذا وان كانت عين الشمس بدل الغير كما حكى عن الوافي وحبل المتين وادعى البعض ان العين هي الصحيحة فحينئذ يكون المعنى أنه لايطهره وان كان عين الشمس قد اصابه فانه لايجوز ذلك فيكون مناقضاً لقوله في صدر الموثقة في جواب قول السائل عن الشمس هل تطهر قال عليه السلام اذا كان الموضع عن البول أو غير ذلك واصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ولكن هذا الاحتمال يعيد أولا بقوله عليه السلام وان كان بالتذكير ولو كانت العين اسم كان لكان الاولى ان يقول وان كانت عين الشمس بالتأنيث وثانياً ان عين الشمس ظاهرة في جرمها لا في اشراقها وشعاعها وعين الشمس بهذا المعنى لاتقع لاعلى الارض ولا على غيرها فالصحيح من الرواية هي الغير لا العين هذا مضافاً الى انه على فرض اجمال هذه الرواية الروايات الاخر كافية في اثبات مطهرية الشمس. وأما صحيحة اسماعيل بن بزيع قال سألته عن الارض والسطح يصيبه البول وما اشبهه، هل تطهره الشمس من غير ماء قال كيف يطهر من غير ماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 29 - من ابواب النجاسات، الحديث - 7) الظاهر ان المراد من الرواية اي ان الشمس لابد ان تشرق على الارض الرطبة اما الارض الجافة فلا تطهرها الشمس لا ان الشمس وحدها لاتطهر الارض بل الشمس والماء لابد وان يجتمعا كي تحصل الطهارة او الماء وحده هو المطهر والاشراق سبب التجفيف فقط ولا اثر اخر له.

ص: 101

وهي تطهر الارض وغيرها من كل مالا ينقل كالابنية(1)وهي تطهر الارض وغيرها من كل مالا ينقل كالابنية(2)

ص: 102


1- . قد ادعى الاجماع على تطهيرها لما لاينقل ومن المنقولات الحصر والبوارى كما عن التنقيح والمشهور على دخول الاشجار والثمار والخضروات والنباتات مالم تقطع عن الارض ولم تنفصل عنها وان بلغ او ان قطعها وجميع الثابتات بالاصل أو بالعارض كالابواب والاخشاب والاوتاد والظروف المثبتة في الارض والحائط والدليل على ذلك مارواه أبو بكر الحضرمي كلما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر فهذه الرواية عام من جهة مايطهر من المنقولات وغيرها ومن جهة النجاسه اعم من أن تكون بالبول أو بغير البول وأما ماينقل خرج بالاجماع من تحت هذا لعموم الا الحصر والبوارى فانهما يطهران ويخرجان عن عموم ماينقل وقد يدعى انصراف الرواية الى ماهو ثابت بالاصل أو بالعارض وأما ضعف السند على فرض التسليم فهو منجبر بعمل المشهور وما ذكر بانه يوجب تخصيص الاكثر لان المتنجسات المنقولة اكثر بكثير مما ليس قابلا؟ للانتقال ففيه اولا ان كون المنقول اكثر من غير المنقول هو اول الكلام وثانيا ان تخصيص الاكثر انما يكون اذا كان التخصيص افرادياً اما اذا كان انواعياً وكان افراد النوع الخارج اكثر فلا يكون من المستهجن لان التخصيص باعتبار النوع لا الفرد فاذا كان للعام نوعان واخرج عن تحت حكم العام احد النوعين وكان افراد النوع لخارج اكثر من النوع الباقي تحت العام فلا يستهجن وذلك كالعالم فانه على قسمين عادل وفاسق وافراد الفاسق افرض انها اكثر فاخراج الفاسق ليس من المستهجن وان كان افراده اكثر من العادل وهنا الامر كذلك لان افراد العام نوعان المنقول وغير المنقول فالمنقول غيرالحصول والبواري خارج فافراد المنقول وان كان اكثر لايوجب استهجان التخصيص على أي حال فيوخذ بالعموم بالنسبة الى جميع ماهو غير المنقول الا ان يأتي دليل على العدم هذا مضافاً الى ماورد بالنسبة الى بعض ماهو ليس بمنقول كالابنية دليل على طهارته باشراق الشمس عليها وذلك كما ورد بالنسبة الى السطح وانه يطهر باشراق الشمس وكما ورد بالنسبة الى لفظ المكان والموضع والبيت في جملة من الروايات كصحيح زرارة (عن البول يكون على السطح او في المكان) وورد ايضا في نفس الرواية (اوفي المكان الذي يصلي فيه) وكذلك ورد لفظ الموضع والبيت كما في موثق عمار عن ابي عبدالله عليه السلام (عن الموضع القذر يكون في البيت وغيره فلا تصيبه الشمس وفي رواية اخرى اذا كان الموضع قذراً.
2- . قد ادعى الاجماع على تطهيرها لما لاينقل ومن المنقولات الحصر والبوارى كما عن التنقيح والمشهور على دخول الاشجار والثمار والخضروات والنباتات مالم تقطع عن الارض ولم تنفصل عنها وان بلغ او ان قطعها وجميع الثابتات بالاصل أو بالعارض كالابواب والاخشاب والاوتاد والظروف المثبتة في الارض والحائط والدليل على ذلك مارواه أبو بكر الحضرمي كلما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر فهذه الرواية عام من جهة مايطهر من المنقولات وغيرها ومن جهة النجاسه اعم من أن تكون بالبول أو بغير البول وأما ماينقل خرج بالاجماع من تحت هذا لعموم الا الحصر والبوارى فانهما يطهران ويخرجان عن عموم ماينقل وقد يدعى انصراف الرواية الى ماهو ثابت بالاصل أو بالعارض وأما ضعف السند على فرض التسليم فهو منجبر بعمل المشهور وما ذكر بانه يوجب تخصيص الاكثر لان المتنجسات المنقولة اكثر بكثير مما ليس قابلا؟ للانتقال ففيه اولا ان كون المنقول اكثر من غير المنقول هو اول الكلام وثانيا ان تخصيص الاكثر انما يكون اذا كان التخصيص افرادياً اما اذا كان انواعياً وكان افراد النوع الخارج اكثر فلا يكون من المستهجن لان التخصيص باعتبار النوع لا الفرد فاذا كان للعام نوعان واخرج عن تحت حكم العام احد النوعين وكان افراد النوع لخارج اكثر من النوع الباقي تحت العام فلا يستهجن وذلك كالعالم فانه على قسمين عادل وفاسق وافراد الفاسق افرض انها اكثر فاخراج الفاسق ليس من المستهجن وان كان افراده اكثر من العادل وهنا الامر كذلك لان افراد العام نوعان المنقول وغير المنقول فالمنقول غيرالحصول والبواري خارج فافراد المنقول وان كان اكثر لايوجب استهجان التخصيص على أي حال فيوخذ بالعموم بالنسبة الى جميع ماهو غير المنقول الا ان يأتي دليل على العدم هذا مضافاً الى ماورد بالنسبة الى بعض ماهو ليس بمنقول كالابنية دليل على طهارته باشراق الشمس عليها وذلك كما ورد بالنسبة الى السطح وانه يطهر باشراق الشمس وكما ورد بالنسبة الى لفظ المكان والموضع والبيت في جملة من الروايات كصحيح زرارة (عن البول يكون على السطح او في المكان) وورد ايضا في نفس الرواية (اوفي المكان الذي يصلي فيه) وكذلك ورد لفظ الموضع والبيت كما في موثق عمار عن ابي عبدالله عليه السلام (عن الموضع القذر يكون في البيت وغيره فلا تصيبه الشمس وفي رواية اخرى اذا كان الموضع قذراً.

الحيطان(1)

وما يتصل بها من الابواب والاخشاب والاوتاد(2) والاشجار وما عليها من الاوراق والثمار والخضروات والنبات(3)

ص: 103


1- . فان كان عريضاً بحيث يمكن ان يصلي فيه ويصدق عليه الموضع والمكان الذي يصلي فيه فيمكن ان يطهر بالشمس ويدل على طهارتهما الادلة التي وردت فيها لفظ الموضع والمكان والا فيدخل تحت الاجماع.
2- . ولاشبه فيها التفصيل بين المنقولة منها كاوتاد الخيمة التي كل مدة ينقل من مكان الى مكان فلا تطهر اما لو كانت ثابته كالداخل في الحائط تطهر.
3- . خلافا للمعالم والذخيرة حيث فصلا بين اوان قطعها وعدمه فاذا كان مثل الاول فالمنع وإلا فيطهر لكونها من الارض.

مالم تقطع وان بلغ اوان قطعها وان صارت يابسة مادامت متصلة بالارض أو الاشجار وكذا الظروف المثبته في الارض أو الحائط وكذا ما على الحائط والا بنية مما طلى عليها من جص وقير ونحوهما من نجاسة البول بل سائر النجاسات والمتنجسات(1) ولا تطهر المنقولات الا الحصر والبواري فانها تطهرهما ايضاً على الاقوى(2)

والظاهر ان السفينة والطرادة من غير المنقول(3) وفي الگاري ونحوه اشكال وكذا في الچلابية والقفة

ص: 104


1- . لخبر أبي بكر الحضرمي (كلما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر) اعم من ان يكون نجساً او متنجساً ولو كان للتنجس أو النجس عين فلا يجب زوالها الا ان يكون مانعاً والا لو اشرقت والعين باقيه ولكن رقيقه كالدم لاتمنع من الاشراق على الارض فيبست الارض بذلك الاشراق فتطهر الارض. فاذا يبست النجاسة والارض معاً باشراقها يكون تحتها طاهرة ولكن الشأن في امكان ذلك اي في صدق الاشراق على الأرض مع بقاء عين النجس.
2- . المهشور ان الحصير والبوريا بمعنى واحد كما هو المحكي عن جميع من اللغويين وأما اذا قلنا بان الحصير هو المنسوج من نبات الارض كما عن بعض كتب اللغة لامن خصوص القصب فيكون اعم من البوريا فلا دليل على طهارته بالشمس لان الوارد في الروايات هي البواري وليس من لفظ الحصير اثر فيها واذا قلنا بانهما واحد او قلنا بانه اخص من البوريا فيحنئذ يطهران بالشمس لصحيح علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السلام (في حديث) قال: سألته عن البوارى يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها اذا جفت من غير ان تغسل؟ قال: نعم لابأس) (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 29 - من أبواب النجاسات، الحديث - 3) بناء على ان المراد من تجفيفها كونه بالشمس وصحيحة اخرى عنه قال: سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر ايصلي عليه قال: اذا يبست (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 30 - من أبواب النجاسات، الحديث - 6) فلا بأس بناء على ان المراد جواز الصلاة عليها بعد تجفيفها بالشمس وفيه تامل وفي هذه الروايات ورد لفظ الصلاة عليها هي كناية عن طهارة الموضع كما تقدم ويمكن ان يستدل بطهارة الحصر والبواري (بقوله عليه السلام) في صحيحة زرارة قال: سئلت ابا جعفر عليه السلام عن البول يكون على السطح اوفي المكان الذي يصلي فيه، فقال: اذا جففته الشمس فصلى عليه فهو طاهر (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 29 - من أبواب النجاسات، الحديث - 1) بدعوى ان اطلاق المكان الذي يصلي فيه بل اطلاق السطح ايضاً يشمل المكان الخالي وما إذا كان فيها الحصر والبواري إلا إذا قلنا بان المراد من المكان والسطح هو نفس ما يفرش عليه الحصر والبواري واما هما فخارجان عن مفهوم المكان والسطح جميعاكما هو كذلك ظاهراً وبقوله عن الموضع القذر يكون بالبيت أو غيره بناء على ان يكون المراد من كلمة غير هو الحصير والبواري واما اذا قلنا بان المراد من غيره غير البيت من الامكنة كما هو الظاهر فلا ربط لهذه الرواية بالحصر والبواري ويمكن ان يستدل على طهارتهما برواية ابي بكر الحضرمي عن ابي جعفر عليه السلام قال: كل ما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 29 - من ابواب النجاسات، الحديث - 5). وقد تقدم بيان القول بطهارتهما وانه مشهور بل ادعى عليه الاجماع.
3- . ويمكن الاستفادة فيها من ظاهر الاخبار كما في صحيحة زرارة قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن البول يكون على السطح أو المكان الذي يصلي فيه بناءً على شمول السطح والمكان الذي يصلي فيه للسفن والطرادات وما يشبههما وعلى كل حال لا يصح الفرق بينهما وبين الگاري وامثاله ومن هذه الجهة السفينة والطرادة والگارى وسائر ماهو من هذا القبيل من المنقولات سواء ولا فرق بين الصغر والكبر واما ما ذكر من الفرق وهو أن السفينة والطرادة بما انهما لم يخرجا عن الماء فهما بحكم الثابت بخلاف الگاري والچلابية فعجيب لانه بمجرد عدم خروجهما من الماء لايكونان بحكم الارض ولا يصدق عليهما الثابت ولا غير المنقول.

ص: 105

ويشترط في تطهيرها ان يكون في المذكورات رطوبة مسرية(1)

وان تجففها بالاشراق(2) عليها بلا حجاب عليها كالغيم ونحوه ولا على المذكورات فلو جفت بها من دون اشراقها ولو باشراقها على ما يجاورها أو لم تجف أو كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر نعم الظاهر ان النعيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف

ص: 106


1- . كي يطهر بالشمس لانه لايصدق عليه انه جف بالشمس عرفا الا معها انه ورد في بعض الأخبار لفظ الجفاف وما ورد في بعض الروايات اليبس فهو بمعنى الجفاف ولو شككنا في طهارة المحل بعد تعارض الروايتين فنستصحب النجاسة واصالة النجاسة بمعنى استصحابها في جميع موارد الشك ضابطة كلية.
2- . لما وردت في رواية زرارة وغيرها أما لو جفت بحرارتها من دون اشراق عليها فلا يطهر ففي خير الحضرمي كلما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر فلو لم تشرق عليه بل جف بغير الشمس فلا يطهر لانه لادليل على طهارته وقد ذكرنا ان الضابطة الكلية في جميع موارد الشك وعدم الدليل على طهارته هي اصالة النجاسة اي استصحابها وايضا لابد وان يكون التجفيف بالشمس على الاستقلال اما لو جفت بالشمس لكن مع معونة الريح فلا يطهر لان الظاهر ان قوله عليه السلام في الرواية اذا جففته الشمس فقد طهر هو ان الجملة الشرطية سبب مستقل للجزاء اي الطهارة ولهذه الجهة قلنا بالمفهوم لها وآنهاتدل على انتفاء الجزاء عند انتقاء الشرط بالاطلاق أما لو جفت لا بالاستقلال بل بمعونه الريح مثلا فلا يطهر لانه ليس التجفيف بالشمس فقط بل بامرين احدهما الشمس والاخر هو الريح مثلا نعم لو كان الريح يسيراً على وجه يستند التجفيف الى الشمس عرفاً فلا يضر لعدم خلو الاشراق من الريح غالباً فلا يكون انضمام الريح القليل مثلا الى الاشراق في مقام التجفيف مضراً بكونه سببا للطهارة بدلالة الاقتضاء.

إلى الشمس واشراقها لايضر وفي كفاية اشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الارض اشكال(1).

(مسألة - 1) كما يطهر ظاهر الارض كذلك باطنها المتصل بالظاهر النجس باشراقها عليه(2)

ص: 107


1- . الظاهر عدم الكفاية لان الظاهر من الروايات هو الاشراق بلاواسطة ولو انعكس على الارض بواسطه ويبس لايقال انه جف بالاشراق عرفاً ولذا ذكر الاستاذ دام ظله في التعليقة بل الاقوى عدم الكفاية لعدم اشراق الشمس على المنعكس من المرآة.
2- . لان العرف يراه جسماً واحداً فالاشراق على ظاهره اشراق على باطنه ايضاً واحتمال ان يكون الاشراق على خصوص ظاهره دون باطنه بعيد الا اذا كان الجسم المتنجس ثخنه بدرجة لايعد الاشراق على ظاهره انه جفف باطنه بل تجفيف الباطن يكون سببه مجاورته للاشراق على الظاهر وصيرورته حاراً بواسطة تلك المجاورة، فالمثاط هو الصدق العرفي بحيث يكون جفاف الباطن عند العرف مستنداً الى نفس الاشراق لاالى المجاورة فقوله (كلما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر) المراد والمتفاهم العرفي منه ان يكون اشراق الشمس سبباً لجفاف ذلك الجسم بتمامه فيكون تمامه طاهراً لاظاهر الجسم فقط ان كان يصدق الاشراق على الكل لاسطحه الظاهري فقط نعم هذا فيما اذا كان يصدق الاشراق على تمام الجسم وهذا صدق عرفي والا فاشراق الشمس حقيقة على اعماق الجسم بغير واسطة محال وقد قلنا مراراً ان المناط في تشخيص مراد المتكلم من كلامه هو المتفاهم العرفي من تلك الجملة ولا شك في أنه اذا كان الجسم رطباً واشرقت الشمس عليه وجف بذلك الاشراق حتى اعماقه يصدق عند العرف ان جفاف تمام ذلك الجسم بذلك الاشراق هذا إذا كان الجسم واحداً اما إذا كانا اثنين كما إذا كان احد الحصيرين فوق الاخر واشرقت الشمس على الحصير الفوقاني وجف الاثنان بذلك الاشراق فلا يقال عند العرف ان الحصير الذي هو تحت الاخر جف باشراق الشمس عليه بل على الحصير الفوقاني فلا يطهر ما هوالواقع في التحت بطهارة الفوق بعد اشراق الشمس عليه.

وجفاف بذلك(1) بخلاف ما اذا كان الباطن فقط نجساً(2) او لم يكن متصلاً بالظاهر، بان يكون بينهما فصل بهواء(3) او بمقدار طاهر او لم يجف او جف بغير اشراق على الظاهر او كان فصل بين تجفيفها للظاهر وتجفيفها للباطن كان يكون احدهما في يوم(4) والاخر في يوم آخر فانه لا يطهر في هذه الصورة.

ص: 108


1- . اما إذا جف الظاهر دون الباطن فلا يطهر لما هو موضوع الحكم من ان الجفاف يكون باشراق الشمس عليه لاصرف الاشراق وان لم يجف لقوله (عليه السلام) كلما اشرقت عليه الشمس وجففته أو يبست فهو طاهر.
2- . لان الظاهر من الروايات هو الاشراق على نفس الشيء بدون الواسطة ولو شيئاً طاهرا لحيلولة الطاهر بين اشراق الشمس والباطن الذي هو نجس فالظاهر عدم طهارة الباطن لان الاشراق عليه صار مع الواسطة.
3- . لكونه حينئذ شيئن لا شيئاً واحدا.
4- . لأنه إذا جف الظاهر في اليوم الاول ففي يوم الناني يكون الاشراق على محل النجس مع الواسطة اي يكون المقدار الذي صار طاهراً في اليوم السابق واسطة في الاشراق على المقدار الذي لم يجف فاذا كان موضوع الحكم حسب ما يفهمه العرف من الروايات هو اشراق الشمس على المحل المتنجس بدون واسطة ففي المفروض لا يتحقق الموضوع فلا يطهر ويبقى نجساً للاستصحاب ففي الصور الاربع التي ذكرها المائن - اي فيما إذا لم يكمن الباطن متصلاً بالظاهر سواء كان الفصل نجلاء أو بحسم آخر وفيما إذا كان الباطن نجساً دون الظاهر وفيما إذا كان الفصل بين زمان الاشراق على الظاهر وزمان الاشراق على الباطن بمقدار معتد به - لا يطهر الباطن بمناط واحد وهو عدم صدق الاشراق في جميع تلك الصور على الباطن بغير واسطة.

(مسألة - 2) اذا كانت الارض او نحوها جافة واريد تطهيرها بالشمس يصب عليها الماء الطاهر، او النجس، او غيره مما يورث الرطوبة فيها حتى تجففها(1).

(مسألة - 3) الحق(2) بعض العلماء البيدر الكبير بغير المنقولات وهو مشكل.

ص: 109


1- . هذا الفرع واضح بعدما عرفت ان من شرائط مطهرية الشمس حين تشرق على شيء يكون فيه رطوبة وذلك لان الظاهر من الروايات ان الارض النجسه لابد ان تجف بالاشراق وهذا صريح رواية ابن يزيع قال: سالته عن الارض والسطح يصيبه البول وما اشبهه هل تطهر الشمس من غير ماء؟ قال كيف يطهر من غير ماء (الوسائل، كتاب الطهارة، باب - 29 - من أبواب النجاسات، الحديث 7) بناء على ان يكون المراد من قوله عليه السلام كيف يطهر من غير ماء اي بلا رطوبة ولكن فيها احتمال آخر أيضاً اي لا يطهر مادام رطباً إذا لم تجففه الشمس وهذا موجب لاجمالها وعدم صحة الاستدلال بها ولكن هنا روايات آخر صريحة في هذا الاشتراط كما في صحيحة زرارة المتقدمة قال سألت ابا جعفر عليه السلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلي فيه، فقال: إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر، وهذه الرواية صريحة في ان طهارة الارض وجواز الصلاة عليه معلق ومشروط بتجفيف الشمس اياها ولا شك في ان التجفيف لا يحصل إلا مع الرطوبة والا يكون تحصيلا للحاصل الذي هو محال.
2- . وجه الالحاق ان له نحو ثبات فلا اختصاص للالحاق في هذا الحكم بخصوص البيدر بل كلما اجتمع فيه من الاجناس الكثير منها وبعبارة أخرى يشمل المخازن الكبيرة لكل جنس كالتمر والزبيب وغير ذلك من الاجناس الكثيرة التي يجمعها ارباب المخازن خصوصا المحتكرين منهم ولكن الظاهر عدم صحة عد المذكورات من غير المنقولات حتى يشمله خبر الحضرمي بناءً على أنه مختص بغير المنقولات اجماعاً ما عد الحصر والبواري.

(مسألة - 24) الحصى والتراب والطين والاحجار ونحوها ما دامت واقعة على الارض هي في حكمها(1) وان اخذت منها لحقت بالمنقولات(2) وان اعيدت اعاد حكمها(3) وكذا المسمار الثابت في الارض او البناء ما دام ثابتاً يلحقه الحكم واذا قلع يلحقه حكم المنقول واذا ثبت ثانياً يعود حكمه الاول وهكذا فيما يشبه ذلك.

(مسألة - 5) يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة ان كان لها عين(4).

ص: 110


1- . لانها جزءٌ من الارض فتطهر بالاشراق مادامت على الارض.
2- . ولا تطهر.
3- . اي تطهر بالاشراق ولو كانت النجاسة حال الرفع ويبست بالاشراق بعد الوضع لان الدليل مطلق يشمل هذا المورد أيضاً.
4- . كالدم والعذرة ولا شك في ان التطهير يحتاج إلى زوال العين كما تقدم وهذا مما لا اشكال فيه ولا ريب في أنه مع البقاء تكون مانعاً من وصول الشمس إلى المحل وعين النجاسة إذا بقيت فغير قابلة للتطهير وقد تقدم ان عين النجاسة إذا كانت رقيقة بحيث لا تمنع من وصول نفس الاشراق على المحل عرفاً فيبس المحل والنجس جميعاً يطهر المحل مع بقاء عين النجس عليه ومثلنا لذلك بالدم الرقيق فاذا رفع الدم اليابس يجوز السجود على المحل الذي تحته بعد اليبس واما المتنجس فلا يحتاج إلى الزوال إلا مع المنع عن وصول اشراق الشمس إلى المحل المتنجس مثلا ولكن قد عرفت عدم الفرق بين النجس والمتنجس في ذلك والحاصل ان المناط في التطهير وصول الاشراق على المحل بلا واسطة.

(مسألة - 6) اذا شك في رطوبة الارض حين الاشراق أو في زوال للعين بعد العلم بوجودها او في حصول الجاف او في كونه بالشمسأو بغيرها أو بمعونه الغير لا يحكم بالطهارة(1) واذا شك في حدوث المانع عن الاشراق من ستر أو نحوه يبنى على عدمه على اشكال تقدم نظيره في مطهرية الارض(2)

(مسألة - 7) الحصير يطهر باشراق الشمس على احد طرفيه طرفه الآخر(3)

واما اذا كانت الارض التي تحته نجسة فلا تطهر بتبعيته

ص: 111


1- . كل ذلك للشك في تحقق الشرط في الجميع واستصحاب النجاسة جارية.
2- . وإذا شك في حدوث المانع وان كان اصالة عدم المانع جارية لكنها مثبتة لان الطهارة ليست اثراً لنفس عدم المانع بل من اثار الاشراق على المحل بلا واسطة الذي هو من لوازم عدم المانع وإلا فنفس عدم المانع ليس موضوعاً شرعاً للحكم بطهارة المحل الذي اشرق عليه الشمس وجففته.
3- . حكم هذه المسئلة يعلم مما تقدم وهو ان طرفه الاخر يطهر لأنه جسم واحد عرفاً فيما إذا كان الاشراق على احد طرفيه اشراقاً على الطرف الاخر بنظر العرف كما ان الارض لا يطهر لعدم الاتحاد مع الحصير وعدم صدق الاشراق على الحصير أنه اشراق على الارض التي تحته وخلاصة الكلام ان قوله عليه السلام في صحيحة زرارة (إذا جففته الشمس فصل عليه وهو طاهر) وكذا قوله في رواية ابي بكر الحضرمي (كما اشرقت عليه الشمس فهو طاهر) مفاده وظاهره هو ان يكون اشراق الشمس عليه بلا واسطة ويكون تجفيفه أيضاً بنفس ذلك الاشراق مستقلاً وبدون معونة غيره فهذه كبرى يجب تطبيقها على مواردها مع كمال الدقة وبدون أي مسامحة ثم ان ما قلنا إنه يجب ان يكون التجفيف باشراق الشمس مستقلا وبدون معونة غيره كالريح الحار أو النار مثلا انما يكون مضراً معونة الغير فيما إذا كان تاثير ذلك الاخر في عرض الاشراق بحيث يوجب عدم صحة استناد التجفيف إلى اشراقها وحده واما لو لم يكن في عرضه فلا يخلو اما ان يكون تاثير ذلك مقدماً على الاشراق أو يكون مؤخراً عنه فان كان مقدماً وحصل به الجفاف فلا يبقى موضوع للاشراق واما ان لم يحصل بمعنى أنه بقى مقدار من الرطوبة في الارض بحيث يصدق أنها جففت بالاشراق بعد ذلك فتحصل الطهارة به ولا يضر سبق مؤثر آخر واما ان كان مؤخراً وبقى بعد الاشراق مقدار من الرطوبة لذلك المؤثر الاخر فواضع أنها لا تطهر بذلك الاشراق لحصول الجفاف بشيء آخر غير الاشراق.

وان جفت بعد كونها رطبة وكذا إذا كان تحته حصير آخر، الا اذا خيط به على وجه يعدان معاً شيئاً واحداً واما الجدار المتنجس(1) اذا اشرقت الشمس على احد جانبيه فلا يبعد طهارة جانبه الاخر اذا جف به وان كان لا يخلو عن اشكال واما اذا اشرقت على جانبه الاخر ايضاً فلا اشكال.

(الرابع) الاستحالة، وهي تبدل حقيقة الشيء وصورته النوعية(2) الى صورة اخرى، فانها تطهّر النجس بل المتنجس.

ص: 112


1- . بل لا يطهر طرفه الآخر إذا كان البناء بلبنتين أو اكثر وفي لبنة واحدة اشكال إلا إذا كان حجمه رقيقا ولكن مع ذلك ففيه أيضاً اشكال، وذلك لعدم صدق جفافه باشراق الشمس عليه بدون واسطة في العروض وقد عرفت أنه هو المناط كما هو الموجود في التعليقة عند قول الماتن (لا يبعد طهارة جانبه الآخر) بعيد بل الاظهر عدم طهارته لصدم صدق جفافه باشراق الشمس عليه وعلى فرض الشك استصحاب النجاسة موجود وكذا في الحصير أيضاً على فرض الشك الاستصحاب موجود.
2- . الاستحالة على قسمين: الاول حقيقة وهي تبدل صورة نوعية الى صورة اخرى والثاني عرفية فالاول كصيرورة الماء هواء وكصيرورة الكلب ملحاً والثاني كصيرورة الماء أو البول بخاراً اذ البخار عبارة عن تفرق الاجزاء المائية بواسطة الحرارة وتخلل الهواء بين تلك الاجزاء، فالصورة النوعية المائية باقية في تلك الاجزاء المتفرقة بواسطة الحرارة حقيقة لانها بعد تفرقها ايضاً ماء حقيقة ولكن العرف يرى البخار حقيقة اخرى ففي صيرورة الماء بخاراً لم تتغير حقيقة المائية الى حقيقة اخرى بالدقة العقلية بل المتغير هو وصف اجتماع تلك الاجزاء وانضمام بعضها الى الابعاض الاخر وكون مجموعها تحت شكل واحد ولكن بنظر العرف يكون البخار حقيقة اخرى غير الماء فلا بأس بتسمية هذا وامثاله بالاستحالة العرفية وحاصل الكلام ان الاستحالة عند الفقهاء تبدل الصورة النوعية بنظر العرف سواء كان تبدل حقيقي او لم یکن تبدل حقیقي في البين فموضوع الحكم عندهم اعم من الاستحالة الحقيقة فهذاالتعريف الذي ذكره في المتن للاستحالة التي هي موضوع الحكم بالطهارة عند الفقهاء ليس كما ينبغي اللهم إلا أن يكون مراده من التبدل التبدل العرفي لا الحقيقي وعلى كل حال الذي يسهل الخطب انه ليس هذا العنوان في الادلة موضوعاً لهذا الحكم نعم ربما يظهر من بعضهم ادعاء الاجماع على مطهرية هذا العنوان لكن في موارد مخصوصة كصيرورة العذرة رماداً وقد حكى المحقق في المعتبر على الشيخ (قدهما) الاجماع على طهارتها بذلك ولكن بامثال هذه الاجماعات لايمكن اثبات حكم كلي كما ان نفس المحقق انكر ذلك في ذلك الكتاب وقال ماهذا عبارته: (مسألة) الاعيان النجسة لاتطهر بالاستحالة فالعمدة في اثبات هذا الحكم هو الرجوع الى الادلة والادلة التي ذكروها في المقام هي العقل والاجماع القولى والسيرة وبعض الروايات وعمومات واطلاقات ادلة المستحال اليه وقاعدة الطهارة اذا ظهر لك ماذكرنا فنقول أما الاول أي الدليل العقلي بعد ماعرفت ان الاستحالة على قسمين حقيقة وعرفية فنقول انه اذا تبدل الموضوع بصورته النوعية ولا شك في انعدام الشيء بانعدام صورته النوعية فلو بقى شخص الحكم ثابتاً بعد انتفاء الموضوع فلابد وان نقول اما بانتقاله الى موضوع اخر أو يبقى بلا موضوع وكلاهما محال لان بقاء العرض بلا موضوع وانتقاله من موضوع الى موضوع آخر محال فلامجال لبقاء شخص الحكم بعد انتفاء موضوعه وأما حكم من سنخ الحكم السابق أومن غيره يحتاج الى دليل وهو على تقدير وجوده خلاف الفرض وأما ان لم يتبدل بصورته النوعية حقيقة ولكن العرف يراه كذلك فحيث ان الخطابات من المطلقات والعمومات ملقات الى المكلفين بطريقة أهل العرف والمحاورة وطريقهم في تشخيص المرادات هو الاخذ بظواهر الجمل والكلمات والمراد من الظواهر هو مايفهمه العرف من الكلام بدون تكلف والمفروض في المقام ان العرف يرى المستحال اليه غير المستحال منه فيرى البخار غير البول الذي تبخر هنا البخار منه فلا يشمله ادلة نجاسة البول واستصحاب النجاسة أيضاً لايجري لعدم بقاء الموضوع فان كان لدليل المستحال اليه اطلاق يؤخذ به وإلا فالمرجع اصالة الطهارة وما ذكرنا من عدم بقاء الموضوع بعمد استحالة في الاعيان النجسة واضح لا ريب فيه واما في المتنجسات فان كان الحكم مترتباً عليها بعناوينها مثل الثوب الملاقى مع النجس إذا صار رماداً والخشب والماء صارا فحماً فلا يبقى الموضوع ايضاً لانعدام تلك العناوين وانما الشأن في ثبوت ذلك بل الظاهر ان معروض النجاسة هو جسم الثوب لاعنوان الثوبية والجسم محفوظٌ لاينعدم بانعدام الصورة النوعية سواء كان انعدام الصورة حقيقة أو عرفاً وهي المادة الباقية في جميع أحوال التبدلات ولذلك ناقش جمع في كون الاستحالة في المتنجسات سبباً للطهارة ولكن التحقيق! أنه لا فرق في مطهرية الاستحالة بين الاعيان النجسة والمتنجسات بيان ذلك أنه وان كان من المعلوم ان معروض النجاسة في المتنجسات هو جسم مالاقاه النجس مع رطوبة احدهما أو كلاهما لا العناوين ولكن حيث ان النجاسة تعرض على الخارج وهي وان كانت من الاعتبارات ولكن معروضها الخارج وبعبارة اخرى الاعتبار في الجسم الخارجي لا على المفاهيم فالدم الخارجي نجس والمرأة الخارجية زوجة فاذا تنجس الثوب أو الخشب مثلاً فالاجسام الخارجية من هذه المذكورات والجسم الخارجى متقوم بالصورة النوعية وهو غير المادة الباقية في الاحوال فاذا انعدم الصورة ينعدم أيضاً قهراً ويوجد جسم آخر وان ابيت من انعدام الجسم يتبدل الصورة بالدقة فلا يمكنك انكار ذلك عرفاً لانه لا شك في ان العرف يرى الرماد جسماً آخر غير جسم الثوب وهكذا في سائر الامثلة وهذا المقدار يكفي في عدم شمول ادلة تنجس الملاقى للنجس لمثل هذه الامور بعد الاستحالة وأيضاً لعدم جريان استصحاب النجاسة لتبدل الموضوع بنظر العرف بل بالدقة فيكون المرجع اطلاقات ادلة طهارة المستحال اليه وان لم تكن فيكون المرجع اصالة الطهارة كما عرفت فالماء المتنجس إذا صار بخاراً يرى العرف هذا الجسم البخاري غير الجسم المائي وان كان هو حقيقة ولذلك كان فقيه عصره سيدنا الاستاذ الاصفهاني (قدس سره) على ما ببالي في مجلس بحثه يذكر ويفتى بطهارة الادوية التي تحلل بالمواد النجسة أو يوخذ منها أو من المتجسات وكذلك كان يفتى ان العذرة التي تكثر في الازقة بعدما سحقت وصارت غباراً يطهر لان هذا الجسم بنظر العرف غير ذلك الجسم وإلا لو كان غير ذلك لكان يجب الاجتناب عن اللبنيات المكشوفة في الدكالين للعلم بوصول الغبار النجس اليها وفي الحقيقه هذا الدليل العقلي ليس دليلاً على مطهرية الاستحالة بل مرجع هذا إلى انتفاء ماهو موضوع للنجاسة ووجود موضوع آخر لا دليل على نجاسته من اطلاق أو عموم بل ولا استصحاب النجاسة فيكون طاهراً بحكم اطلاق دليل المستحال اليه إلا ان المستحال اليه أيضاً من النجاسات وهو خلاف المفروض وان لم يكن فالمرجع اصالة الطهارة (اما الثاني اي الاجماع) فادعاه بعضهم وذكرنا حكاية المحقق في المعتبر عن الشيخ ذلك في العذرة إذا صارت رماداً ولكنك عرفت ان الاجماع على فرض تحققه في مورد خاص كما في صيرورة العذرة رماداً وكونه حجة أيضاً مع ذلك كله لا يمكن اثبات حكم كلى به في جميع الموارد مضافاً إلى ان مدرك المجمعين إما هذا الدليل العقلي أو بعض الادلة الشرعية التي سنذكرها انشاء الله تعالى وما فيها فليس من الاجماع المصطلح الذي قلنا بحجيته في الاصول والذي يكون كاشفاً عن راي المعصوم عليه السلام. (اما الثالث) اي السيرة العملية على عدم الاجتناب عن الاعيان النجسة بعد استحالتها فعلى فرض تحققها حالها حال الاجماع اذ لعل ذلك من جهة انتفاء الموضوع عندهم حقيقة او عرفاً فيكون اعتمادهم على هذا الدليل العقلي او من جهة اعتمادهم في مقام العمل على الروايات الواردة في هذا الماقم أومن جهة اعتمادهم على اصالة الطهارة بعد عدم جريان النجاسة للقطع بارتفاع الموضوع أوالشك في بقائه كما سنذكره مفصلا انشاء الله تعالى وعلى كل حال استناد الحكم بالطهارة في هذه المسألة الى الاجماع القولي أو الى السيرة العملية لا وجه له، لان كليهما ممنوعان صغرى وكبرى وعدم حجيتهما معلوم على فرض تحققهما أما (الرابع) اي الروايات (فمنها) صحيحة حسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد، ايسجد عليه؟ فكتب إلي بخطه: ان الماء والنار قد طهراه (الوسائل كتاب الطهارة، باب - 81 - من ابواب النجاسات، حديث 1) (ومنها) مارواه علي بن جعفر عن اخیه «علیه السلام» قال: سألته عن الان يجصص به المسجد؟ قال: لابأس (قرب السناد - باب ما يجوز فى المساجد - ص - 121) وتقريب الاستدلال بالصحيحة هو ان الجص اختلط بالدخان المتصاعد عن العذرة وعن عظام الموتى ولا شك في تصاعد اجزاء العذرة واجزاء العظام مع الدخان بل التحقيق ان الدخان عبارة عن نفس تلك الاجزاء مع الاجزاء النارية فاذا اختلط الجص معها وصب عليه الماء للاستعمال في البناء فيتنجس فلا يجوز السجود عليه وهذا التوهم صار منشأ للسؤال عنه عليه السلام وانه يجوز السجود عليه أم لا فاجاب (ع) بهذه الجملة وظاهر هذه الجملة هو ان النار طهرت تلك الاجزاء المتصاعدة مع الدخان بالاستحالة فلا يتنجس بوصول الماء اليه لعدم ملاقاته للنجس وأما استناد التطهير الى الماء أيضاً بالتشريك فهو من جهة تنظيفه العرفي الجص من تلك الاجزاء فليس المراد من التطهير المنسوب الى الماء التطهير من النجاسة فتدل الصحيحة بناء على هذا المعنى على ان الاستحالة مطهرة لتلك الاجزاء ولكن انت خبير بان هذا المعنى يحتاج الى التكلف الكثير من نواح شىّ وخلاف ظاهر الصحيحة وظاهرها ان الماء والنار يطهران نفس الجص المتنجس بواسطة ملاقاته لعذرة المرطوبة وعظام الموتى كذلك وهذا معنى لم يلتزم به احد من الفقهاء فيكون الصحيحة معرضاً عنها عند الاصحاب ولا يصح الاستدلال بها واما رواية علي بن جعفر فمجمل لا يدل على شيء (اما الخامس) اي اطلاقات ادلة المستحال اليه فلابد وان يكون بعد القطع بانتفاء الموضوع والا فمع احتمال بقائه لا يبقى مجال للتسمك بها لانه يكون من التمسك بالعموم والاطلاق مع الشك في كونه مصداقاً لهما وهذا مما لايمكن ان یقول به احد فيرجع الى الدليل العقلي وهو انتفاء الموضوع الاول فينتفي حكمه قهراً وحدوث موضوع جديد فيكون محكوماً بحكمه إلا يأتي دليل على التخصيص أو التقييد. (أما السادس) اي الرجوع الى اصالة الطهارة فلا تصل النوبة اليها الا بعد فقد جميع الوجوه المذكورة مضافاً الى عدم جريان استصحاب النجاسة فالعمدة في الحكم بطهارة المستحال اليه ذلك الدليل العقلي المتقدم سواء كان في المتنجسات ولكن هذا كله في صورة القطع بالاستحالة وتبدل الصورة النوعية حقيقة أو عرفاً وأما اذا شك فلا يشمله لا اطلاق دليل المستحال منه ولا اطلاق دليل المستحال اليه فان جرى استصحاب بقاء الموضوع او الحكم فهو والا يكون المرجع هي اصالة الطهارة وتفصيل ذلك هو ان الشبهة تارة مفهومية واخرى مصداقية فالاولى لايجري فيه لا استصحاب الحكم ولا استصحاب الموضوع اما عدم جريان استصحاب الحكم أي النجاسة للشك في بقاء موضوعه ومعه كيف يجري استصحاب حكمه مع لزوم اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة موضوعاً ومحمولا ان قلت ان الاتحاد اللازم بين القضيتين المعتبر في جريان الاستصحاب هي الوحدة العرفية لا الدقية ولا باعتبار مااخذ موضوعاً في لسان الدليل كما حقق ذلك في محله. قلت: نعم هو كذلك ولكن مع الشك في المفهوم كما هو المفروض في المقام لا يكون ما هو الموضوع بنظر العرف إلا مشكوكا فكيف يمكن الاستصحاب وبعبارة اخرى البناء على عدم الحكم مشكوك أنه من مصاديق قوله (عليه السلام) لا تنقض اليقين بالشك ومعه كيف يجوز التمسك بهذا الدليل وهل هذا إلا من قبيل التمسك بالعام أو المطلق فيما هو مشكوك المصداقية لهما واما استصحاب نفس الموضوع في المفروض اي الشبهة المفهومية بمفاد كان التامة فهو مثبت لا يثبت ان هذا الموجود موضوع واما بمفاد كان الناقصة فليس له حالة سابقة متيقنة لان المفروض ان منشأ الشك هو الشك في المفهوم مثلا لو اشتبه مفهوم الفاسق بين ان يكون هو خصوص مرتكب الكبيرة أو اعم من مرتكب الكبيرة والصغيرة فزيد الذي كان عادلاً يقيناً ارتكب صغيرة فلا يجري الاستصحاب باعتبار الشبهة المفهومية لانه لم يكن مرتكب الصغيرة معلوم العدالة قطعا وفي اي زمان، ان قلت ان العادل المردد بين ان يكون مجتنباً عن كليهما أو عن خصوص الكبيرة كان يقيناً قبل ارتكاب الصغيرة زيد مثلاً متصفاً به والان بعد ارتكاب الصغيرة مشكوك البقاء. قلت ان هذا مرجعه إلى احد الامرين لانه مثبت ان كان بمفاد كان التامة اما من استصحاب الفرد المردد الذي لا نقول بجريانه واثبتنا بطلانه في الاصول وذلك لان العدالة المرددة بين الامرين وان كان موجوداً في زيد ولكنه بوصف هذا الترديد مقطوع الارتفاع بعد القطع بارتفاعه على احد التقديرين فعدم جريان استصحاب النجاسة حكماً وموضوعاً واضح ان كانت الشبهة مفهومية ففي هذه الصورة بعدما عرفت عدم جريان الاستصحاب لا حكماً ولا موضوعاً يكون المرجع اصالة الطهارة واما الثانية أي الشبهة المصداقية فاستصحاب الحكم وان كان لا يجرى لما ذكرنا من الشك في الموضوع ولكن الظاهر ان استصحاب الموضوع الذي حاكم على استصحاب الحكم لا مانع منه فاذا شككنا في انتفاء الترابیة بصیرورته خزفاً او آجراً او انتفاء الخشب بصيرورته فحماً وامثال ذلك مع تبين مفهوم التراب والخشب فيجري استصحاب ترابية هذا الخزف والآجر وخشبية هذا الفحم (ان قلت) هذا الموجود الذي هو خزف أو آجر الان أو فحم الان لم يكن متيقن الترابية أو متيقن الخشبية في زمان من الازمنة بل مشكوك ازلاً وابداً (نقول) هذا صحيح لو كان المناط وحدة القضيتين بنظر العقل أو كان المناط هي وحدة الموضوع باعتبار ما اخذ موضوعاً في لسان الدليل ولكن الامر ليس كذلك فان المناط في وحدة الموضوع في القضيتين هو نظر العرف كما حققناه في محله والعرف يرى هذا الجسم الخارجي ذلك الذي كان متيقن الترابية أو كان متيقن الخشبية ان قلت فبناءً على هذا لا يبقى مجال للاستصحاب لاثبات الحكم فان اطلاق دليل المستصحب يكفى لاثبات ذلك الحكم وذلك لان المناط في بقاء موضوع كل حكم كي يشمله أيضاً هو نظر العرف وهذا خلاف المفروض لان المفروض هو الشك في الاستحالة وقد قلنا ان معنى الاستحالة والمراد منها تبدل الموضوع عند العرف سواء تبدل حقيقة أو كان التبدل بنظر العرف فقط من غير تبدل حقيقي في البين فالشك في الاستحالة مرجعه إلى الشك في التبدل عرفاً ومعه كيف يحكم العرف بان هذا الموجود المشكوك ترابيته مثلاً هو عين ذلك المعلوم ترابيته مثلاً (اقول) العرف يرى الوصف الزائل من الشيء غير مقوم لذلك الشيء فيرى المزول عنه عين الذي لم يزل كما في الماء المتغير أوصافه بالنجاسة إذا زال عنه التغير من قبل نفسه وعلى هذا قلنا بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية وإلا فعين هذا الاشكال ياتي هناك والجواب في كلا المقامين واحد وهو بقاء الموضوع عرفا وا كان مشكوك البقاء بل مقطوع الارتفاع بحسب ما أخذ موضوعاً في لسان الدليل فدليل المستصحب لا يشمله ولكن ببركة دليل الاستصحاب يجر الحكم إلى زمان الشك فى ارتفاع ذلك العنوان بل إلى زمان القطع بارتفاعه، وخلاصة الكلام ان المناط هو الصدق العرفي بان الموضوع في القضية المشكوكة هو الموضوع في القضية المتيقنة لاكونهما واحداً بالدقة ولا في لسان الدليل فاذا شك في ان هذا الجسم الخارجي الذي كان تراباً أو خشباً يقيناً هل استحال وتبدلت صورته النوعية حقيقة أو عرفاً بعدما صارت خزفاً في الاول وفحماً في الثاني فذلك لا ينافي وحدة الموضوع في القضيتن فان العرف يقول بان هذا الجسم الخارجي هو عين الاول فيقول مثلاً هذه الآجرة هو عين تلك البنة وهذا الخزف عين ذلك الطين وإلا لو لم يكن ذلك ينسد باب الاستصحاب في الموضوعات مطلقا بمفاد كان الناقصة وفي الاحكام الكلية أيضاً كذلك وينحصر في الموضوعات بمفاد كان التامة والاحكام الجزئية (إذا عرفت ما ذكرنا فنقول) لا يبقى محل للنزاع في بعض صغريات الاستحالة مثلاً منها هذان المثلان اللذان ذكرناهما اي استحالة التراب الى الخزف أو الاجرة، واستحالة الخشب الى الفحم، وذلك من جهة انه ان صدق تبدل صورتهما حقيقة أو عرفاً فيطهر، لانتفاء حكم النجاسة بانتفاء موضوعه، وان شك: فان كان منشأ الشك الشبهة المفهومية فحيث لايجري الاستصحاب لما ذكرنا، يكون المرجع أصالة الطهارة، فيكون طاهراً لكن بالطهارة الظاهرية، وان كانت الشبهة مصداقية فيجرى استصحاب النجاسة فلا يحكم بالطهارة كما ذكر في المتن. هذا مبنى على ما ذكرنا من ان مطهرية الاستحالة لأجل انتقاء موضوع النجاسة ووجود موضوع آخر، اما حقيقة أو عرفاً، ولذلك قلنا: إن عد الاستحالة من المطهرات مبنى على المسامحة في التعبير، بل هي عبارة عن انتفاء ماهو موضوع النجاسة ووجود موضوع طاهر جديد، اما حقيقة أو عرفاً. وأما لو كان مدرك مطهريتها هو الاجماع، فيختلف الحال بالنسبة الى بعض الصغريات منها، فلنذكر عدة مما ذكرها الماتن ونتكلم فيها.

ص: 113

ص: 114

ص: 115

ص: 116

ص: 117

ص: 118

كالعذرة تصير تراباً(1)كالعذرة تصير تراباً(2)كالعذرة تصير تراباً(3)كالعذرة تصير تراباً(4)كالعذرة تصير تراباً(5)كالعذرة تصير تراباً(6)كالعذرة تصير تراباً(7)

ص: 119


1- . هذا بناء على ماذكرنا واخترنا في مدرك مطهرية الاستحالة لايبقى مجال للشك فيه، لانه لاشك في تبدل صورتها النوعية حقيقة، وانتفاء ماهو موضوع للنجاسة وصيرورته من مصاديق موضوع آخر طاهر واقعاً، فهو محكوم بالطهارة الواقعية. وأم بناء على ماذكروه - من ان مدرك الحكم هو الاجماع - فصار محلا للخلاف: قال المحقق في المعتبر: وفي طهارتها تردد. وحكى عن الشيخ في المبسوط عدم طهارته، وقال العلامة: وفي تطهير الكلب والخنزير اذا وقعا في المملحة فصارا ملحاً، والعذرة اذا امتزجت بالتراب وتقادم عهدها حتى استحالت تراباً، نظر. فمع صدور هذا الاقوال عن هؤلاء الاعاظم، كيف يمكن الركون والاعتماد الى الاجماع المدعى في المقام؟! وان كان المشهور عند الاصحاب هي الطهارة - وذلك بالادلة الخاصة - فلا ينافي ماذكرنا من حصول الطهارة بالاستحالة.
2- . هذا بناء على ماذكرنا واخترنا في مدرك مطهرية الاستحالة لايبقى مجال للشك فيه، لانه لاشك في تبدل صورتها النوعية حقيقة، وانتفاء ماهو موضوع للنجاسة وصيرورته من مصاديق موضوع آخر طاهر واقعاً، فهو محكوم بالطهارة الواقعية. وأم بناء على ماذكروه - من ان مدرك الحكم هو الاجماع - فصار محلا للخلاف: قال المحقق في المعتبر: وفي طهارتها تردد. وحكى عن الشيخ في المبسوط عدم طهارته، وقال العلامة: وفي تطهير الكلب والخنزير اذا وقعا في المملحة فصارا ملحاً، والعذرة اذا امتزجت بالتراب وتقادم عهدها حتى استحالت تراباً، نظر. فمع صدور هذا الاقوال عن هؤلاء الاعاظم، كيف يمكن الركون والاعتماد الى الاجماع المدعى في المقام؟! وان كان المشهور عند الاصحاب هي الطهارة - وذلك بالادلة الخاصة - فلا ينافي ماذكرنا من حصول الطهارة بالاستحالة.
3- . هذا بناء على ماذكرنا واخترنا في مدرك مطهرية الاستحالة لايبقى مجال للشك فيه، لانه لاشك في تبدل صورتها النوعية حقيقة، وانتفاء ماهو موضوع للنجاسة وصيرورته من مصاديق موضوع آخر طاهر واقعاً، فهو محكوم بالطهارة الواقعية. وأم بناء على ماذكروه - من ان مدرك الحكم هو الاجماع - فصار محلا للخلاف: قال المحقق في المعتبر: وفي طهارتها تردد. وحكى عن الشيخ في المبسوط عدم طهارته، وقال العلامة: وفي تطهير الكلب والخنزير اذا وقعا في المملحة فصارا ملحاً، والعذرة اذا امتزجت بالتراب وتقادم عهدها حتى استحالت تراباً، نظر. فمع صدور هذا الاقوال عن هؤلاء الاعاظم، كيف يمكن الركون والاعتماد الى الاجماع المدعى في المقام؟! وان كان المشهور عند الاصحاب هي الطهارة - وذلك بالادلة الخاصة - فلا ينافي ماذكرنا من حصول الطهارة بالاستحالة.
4- . هذا بناء على ماذكرنا واخترنا في مدرك مطهرية الاستحالة لايبقى مجال للشك فيه، لانه لاشك في تبدل صورتها النوعية حقيقة، وانتفاء ماهو موضوع للنجاسة وصيرورته من مصاديق موضوع آخر طاهر واقعاً، فهو محكوم بالطهارة الواقعية. وأم بناء على ماذكروه - من ان مدرك الحكم هو الاجماع - فصار محلا للخلاف: قال المحقق في المعتبر: وفي طهارتها تردد. وحكى عن الشيخ في المبسوط عدم طهارته، وقال العلامة: وفي تطهير الكلب والخنزير اذا وقعا في المملحة فصارا ملحاً، والعذرة اذا امتزجت بالتراب وتقادم عهدها حتى استحالت تراباً، نظر. فمع صدور هذا الاقوال عن هؤلاء الاعاظم، كيف يمكن الركون والاعتماد الى الاجماع المدعى في المقام؟! وان كان المشهور عند الاصحاب هي الطهارة - وذلك بالادلة الخاصة - فلا ينافي ماذكرنا من حصول الطهارة بالاستحالة.
5- . هذا بناء على ماذكرنا واخترنا في مدرك مطهرية الاستحالة لايبقى مجال للشك فيه، لانه لاشك في تبدل صورتها النوعية حقيقة، وانتفاء ماهو موضوع للنجاسة وصيرورته من مصاديق موضوع آخر طاهر واقعاً، فهو محكوم بالطهارة الواقعية. وأم بناء على ماذكروه - من ان مدرك الحكم هو الاجماع - فصار محلا للخلاف: قال المحقق في المعتبر: وفي طهارتها تردد. وحكى عن الشيخ في المبسوط عدم طهارته، وقال العلامة: وفي تطهير الكلب والخنزير اذا وقعا في المملحة فصارا ملحاً، والعذرة اذا امتزجت بالتراب وتقادم عهدها حتى استحالت تراباً، نظر. فمع صدور هذا الاقوال عن هؤلاء الاعاظم، كيف يمكن الركون والاعتماد الى الاجماع المدعى في المقام؟! وان كان المشهور عند الاصحاب هي الطهارة - وذلك بالادلة الخاصة - فلا ينافي ماذكرنا من حصول الطهارة بالاستحالة.
6- . هذا بناء على ماذكرنا واخترنا في مدرك مطهرية الاستحالة لايبقى مجال للشك فيه، لانه لاشك في تبدل صورتها النوعية حقيقة، وانتفاء ماهو موضوع للنجاسة وصيرورته من مصاديق موضوع آخر طاهر واقعاً، فهو محكوم بالطهارة الواقعية. وأم بناء على ماذكروه - من ان مدرك الحكم هو الاجماع - فصار محلا للخلاف: قال المحقق في المعتبر: وفي طهارتها تردد. وحكى عن الشيخ في المبسوط عدم طهارته، وقال العلامة: وفي تطهير الكلب والخنزير اذا وقعا في المملحة فصارا ملحاً، والعذرة اذا امتزجت بالتراب وتقادم عهدها حتى استحالت تراباً، نظر. فمع صدور هذا الاقوال عن هؤلاء الاعاظم، كيف يمكن الركون والاعتماد الى الاجماع المدعى في المقام؟! وان كان المشهور عند الاصحاب هي الطهارة - وذلك بالادلة الخاصة - فلا ينافي ماذكرنا من حصول الطهارة بالاستحالة.
7- . هذا بناء على ماذكرنا واخترنا في مدرك مطهرية الاستحالة لايبقى مجال للشك فيه، لانه لاشك في تبدل صورتها النوعية حقيقة، وانتفاء ماهو موضوع للنجاسة وصيرورته من مصاديق موضوع آخر طاهر واقعاً، فهو محكوم بالطهارة الواقعية. وأم بناء على ماذكروه - من ان مدرك الحكم هو الاجماع - فصار محلا للخلاف: قال المحقق في المعتبر: وفي طهارتها تردد. وحكى عن الشيخ في المبسوط عدم طهارته، وقال العلامة: وفي تطهير الكلب والخنزير اذا وقعا في المملحة فصارا ملحاً، والعذرة اذا امتزجت بالتراب وتقادم عهدها حتى استحالت تراباً، نظر. فمع صدور هذا الاقوال عن هؤلاء الاعاظم، كيف يمكن الركون والاعتماد الى الاجماع المدعى في المقام؟! وان كان المشهور عند الاصحاب هي الطهارة - وذلك بالادلة الخاصة - فلا ينافي ماذكرنا من حصول الطهارة بالاستحالة.

والخشبة المتنجسة إذا صارت رماداً(1)

والبول أو الماء المتنجس بخاراً(2) والكب ملحاً(3)

وهكذا النطفة(4) تصير حيواناً والطعام

ص: 120


1- . اقول: ادعى الشيخ في الخلاف الاجماع على طهارة الأعيان النجسة إذا احالتها النار رماداً، وهذا غير الخشبة المتنجسة، فتحصيل الاجماع في الخشبة المتنجسة بصيرورتها رماداً لايخلو من اشكال. نعم بناءً على ماذكرنا لا ريب في طهارتها، وذلك لان العرف يرى ان الرماد المتنجس غير ذلك الجسم المتنجس.
2- . هذا بناء على ماذكرنا لاينبغي ان يشك في طهارتهما، لان العرف يرى البخار غير البول وغير الماء المتنجس، ويرى انتفاء ماهو موضوع للنجاسة، وأما بناء على أن يكون المدرك في هذا هو الاجماع فلا يمكن تحصيله، لكثرة المخالف، خصوصاً في الثاني، أي المايع المتنجس، سواء كان ماءً مطلقا أم كان ماءً مضافاً.
3- . وهذا بناءً على ماذكرنا في وجه طهارة الرماد ففي غاية الوضوح لانعدام ما هو موضوع للنجاسة حقيقة وصيرورته حقيقة اخرى، أما بناءً على الاجماع فقد حكينا عبارة القواعد وأنه تنظر في ذلك.
4- . أما بناءً على المختار ففي غاية الوضوح، لأنه انتفى وانعدم ماهو موضوع للنجاسة، وكذا الطعام النجس إذا صار جزءً للحيوان الطاهر سواء أكان انساناً أو غير انسان، وإن صار جزءً للنباتات وسواء أكان الطعام نجساً أو متنجساً فيطهر. وأما بناءً على الوجه الآخر، أيضاً لا نشك في تحقق الاجماع والسيرة نعم هناك احكام للجلال وشارب لبن الخنزيرة، وذلك بالأدلة الخاصة، فلا ينافي ما ذكرنا من حصول الطهارة بالاستحالة. هذا كلّه كان في مورد استحالالة - اى تبدل الصورة النوعية إما حقيقة كما كان في بعض المذكورات، وإما بنظر العرف كما كان في البعض الآخر - وأما إذا كان التبدل في الاوصاف فقط - من دون تبدل الصورة النوعية لا حقيقة ولا بنظر العرف - فبناءً على ما ذكرنا لا وجه لطهارته، لعدم انتفاء موضوع النجاسة لا حقيقة ولا عرفاً، وعلى فرض الشك في حصول الطهارة - لاحتمال مدخلية الوصف الزائل في النجاسة - أيضاً لا تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة، وذلك لتمامية أركان استصحاب النجاسة في هذه الصورة بلا كلام، فالقول بطهارتها لابد وأن يكون بدليل خاص وذكر الماتن موارد لهذه الصورة على ما سنبينها.

النجس جزءً من الحيوان واما تبدل الاوصاف وتفرق الاجزاء فلا اعتبار بهما، كالحنطة(1) إذا صارت طحيناً أو عجيناً أو خبزاً

ص: 121


1- . لعدم صدق الاستحالة بالمعنى الذي مر على هذه الامور، بل الطحين هو نفس الحنطة، غاية الامر دقت وطحنت فصارت دقيقاً وطحيناً وبعبارة اخرى: كانت اجزائها مجموعة بصورة الحنطة، فصارت متفرقة وسميت دقيقاً أو طحيناً وكذلك في الطحين اذا صار عجينا وأيضاً الخبز مع العجين لأن الخبز هو العجين المطبوخ. كذلك على المبنى الآخر لا خلاف في عدم طهارة الحنطة المتنجسة بصيرورتها طحيناً أو دقيقاً، ولا الطحين بصيرورته عجيناً. نعم في هذا الاخير - أي: في صيرورة العجين خبزاً - قول بطهارته، كما نسب إلى الشيخ في النهاية والاستبصار، وإلى الصدوق في الفقيه والمقنع، ولكن ذلك ليس من جهة الاستحالة وأنه من مصاديقها، بل لروايتين وردتا في هذا الموضوع: احديهما: مرسلة ابن أبي عمير عمن رواه، عن أبي عبدالله عليه السلام في عجين عجّن وخبّز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة؟ قال: لابأس، اكلت النار ما فيه (الوسائل، كتاب الطهارة، الباب - 14 - من أبواب الماء المطلق، الحديث 18) الثانية: خبر عبدالله بن زبير، عن جده قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب، فتموت، فيعجن من مائها، ايوكل ذلك الخبز؟ قال: إذا اصابته النار فلابأس باكله (الوسائل، كتاب الطهارة، الباب - 14 - من أبواب الماء المطلق، الحديث 17) وهاتان الروايتان - على فرض تسليم حجيتهما وتمامية دلالتهما على الطهارة - لا تدلان على أن الطهارة جائت من ناحية الاستحالة، بل ظاهرهما - على هذا التقدير - أن النار من المطهرات في الجملة. هذا أولاً. وثانياً: أن حجيتها غير معلوم، بل معلوم العدم لكون الاولى مرسلة مع اعراض الاصحاب عن العمل بها، والثانية ضعيف سندها بابن زبير، مضافاً إلى اعراض الاصحاب عن العمل بها، بناءً على أن مفادها نجاسة العجين، فان المشهور يقولون ببقاء نجاسة العجين إذا صار خبزاً. وثالثاً: معارضة المرسلة بمرسلة اخرى لابن أبي عمير أيضاً عن بعض اصحابنا - وما احسبه إلا عن حفص بن البحتري - قال: قيل لابي عبدالله عليه السلام في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: يباع ممن يستحل اكل الميتة (الوسائل، كتاب الطهارة، الباب - 14 - من أبواب الماء الاستار الحديث 1) وأيضاً مرسلة اخرى عن ابن أبي عمير، عن بعض اصحابه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: يدفن ولا يباع (الوسائل كتاب الطهارة، الباب 11 - من ابواب الاستار، الحديث 2) وأيضاً معارض بخبر زكريا بن آدم، وفيه: قلت فخمرٌ أو نبيذ قطرفي عجين أو دم؟ قال: فقال: فسد، قلت: ابيعه من اليهودي والنصارى وابينّ لهم؟ قال: نعم، فانهم يستحلون شربه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 38 - من ابواب النجاسات، الحديث 8) فالترجيح مع هذه المذكورات: أولاً: لأنها معمول بها. وثانيا: لإعراض الاصحاب عن العمل بتلك المرسلة، بل يكون من قبيل تعارض الحجة واللاحجة. مضافاً إلى أنه لا يبعد أن يكون المراد من المتية في المرسلة الاولى ميتة مالا نفس له، فيكون طاهراً، وقوله عليه السلام «لابأس، اكلت النار مافيه» في مقام بيان رفع الاستقذار العرفي لا التطهير الشرعي، وكذلك الامر في قوله عليه السلام «إذا اصابته النار فلابأس باكله» في خبر ابن زبير، لان البئر وإن كانت على الصحيح لا تنجس بملاقاة النجاسة إلا أن يتغير أحد اوصافه الثلاثة بالنجس، إلا أن فيه الاستقذار العرفي، فقوله عليه السلام هذا لرفع ذلك الاستقذار. وخلاصة الكلام: ان استصحاب النجاسة في المفروض جار، إلا أن ياتي دليل معتبر على الطهارة، وهذه المرسلة وخبر ابن زبير ليسا دليلاً على ذلك، لما ذكرنا.

ص: 122

والحليب إذا صار جبناً(1)وفي صدق الإستحالة على صيرورة الخشب فحماً تأمل!!(2)

ص: 123


1- . لاشك في جريان استصحاب النجاسة، فعند العرف يصح أن يقال: إن هذا الجبن كان نجساً حينما كان حليباً، والان بعد الانجماد نشك في بقاء تلك النجاسة، ويرون الميعان والانجماد من الاوصاف غير المقوّمة لموضوعهما، فالاستصحاب يجري إلا أن ياتي دليل على الطهارة، بحيث يكون حاكماً على ذلك الاستصحاب. وأما ما توهم: من أن الحليب مع الجبن، وكذلك مع الأقط حقيقتان مختلفان لاختلاف آثارهما، فيصدق الاستحالة، غاية الأمر أن الاجماع قائمٌ على بقاء الوضوع، ولو لم يكن اجماع في البين لكان مقتضى القاعدة هو طهارتهما. ففيه: أن اختلاف الاثار كما يكون باختلاف الحقيقة والصورة النوعية كذلك يكون باختلاف الاوصاف، فالحركة السريعة لها اثر ليس ذلك الاثر في الحركة الطبيئة بل لا يمكن أن يكون. نعم ربما يكون اثر مشترك بين جميع الافراد غير تلك الاثار الختلفة، فالاول لنفس تلك الحقيقة المشتركة بين جميع الافراد، أو للخاصة الشاملة لجميع افراد الطبيعة، والثاني للأوصاف والأعراض، فيختلف باختلافها، وهذا ينبغي أن يعدَّ من البديهيات، وكذلك الحال في اختلاف الأسماء، إذ لا شك في اختلاف إسم الخبز ومفهومه مع اسم العجين ومفهومه، ومع ذلك لاشك أيضاً في أن حقيقة العجين ممع حقيقة الخبز حقيقة واحدة حقيقةً وعرفاً. والمناط في جريان الاستصحاب هو كون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة عرفاً وإن كانتا مختلفين اسماً ومفهوماً، فالعنب إذا صار نجساً ثم عصر، فذلك العصير وإن كان مختلفاً مع العنب اسماً ومفهوماً، ولكن مع ذلك يرى العرف ذلك العصير عين ذلك العنب، بل لا ينافي اختلاف المفهوم مع الوحدة الحقة الحقيقية، وذلك كصفات الواجب تعالى، فإنه لاشك في اختلاف القادر والعالم مثلاً اسماً ومفهوماً، ومع ذلك متحدان حقيقة.
2- . أقول: الفتاوى والأقوال في هذا المورد مختلفة، فلا يمكن التمسك بالاجماع للنجاسة ولا للطهارة. وأما من ناحية الاستحالة وانتفاء موضوع النجاسة، فيمكن أن يقال: إن الفحم له مراتب: فبعض مراتبه معلوم الإستحالة - وهي التي احترق الخشب إلى أعماقه، وصار كالرماد حقيقة اخرى - وبعضها الآخر معلوم عدم استحالته - وذلك مالم يحترق إلى أعماقه، بل احترق سطحه الظاهري فقط، فصار أسود - وبعضها مشكوك الاستحالة. أما المعلومان فحالهما معلوم. وأما المشكوك، فان كان وحدة القضيتين مشكوكة عرفاً أيضاً، فلا يجرى الاستحصاب، وتصل النوبة إلى أصالة الطهارة. وأما إن كان وحدة الموضوع في القضيتن أو عدمها معلوماً فجريان الإستصحاب على الاول وعدمه على الثاني أيضاً معلوم. هذه الإحتمالات كلها في مقام الثبوت، وأما في مقام الاثبات فلا أقل من الشك في وحدة موضوع القضيتن بالنسبة إلى ما يقال إنه فحم حقيقة وبدون عناية، فلا يجرى استصحاب النجاسة، فيكون المرجع أصالة الطهارة.

وكذا في صيرورة الطين خزفاً أو آجراً(1)

ص: 124


1- . بعدما كان نجساً فهل يطهر بذلك ام لا؟ أقول: وقع الخلاف في هذه المسألة بين عظماء أصحابنا الإمامية: فالشيخ في الخلاف ادعى الإجماع على الطهارة، وحكى عن العلامة والشهيد وجماعة من المتأخرين القول بالطهارة، وإستشكل العلامة في القواعد على الطهارة، وقال ولده فخر الدين في الايضاح في مقام شرح كلامه: «والاصح عندي البقاء على النجاسة» وحكى عن ثاني الشهيدين في كتبه الثلاثة - المسالك والروض والروضة - البقاء على النجاسة. والقائلون بالطهارة: تارة تمسكوا بالإجماع - وأنت خبير بان الاجماع مع هذا الخلاف لا وجه له - واخرى تمسكوا بأدلة مطهّرية النار - وأنت عرفت الحال في مورد تلك الروايات، فضلاً عن إسراء الحكم إلى غير موردها - وثالثة تمسكوا بأصالة الطهارة، وأنت خبير بأنه لا تصل النوبة إلى أصالة الطهارة إلا بعد عدم جريان استصحاب النجاسة، فالعمدة في المقام هو جريان استصحاب النجاسة السابقة المتيقنة وعدم جريانها، وقد عرفت أيضاً أن المدار في جريانه وعدم جریانه هو وحدة الموضوع في القضيتين عرفاً. والإنصاف!! ان الطين لا يخرج عن حقيقته بصرف الطبخ، وعند العرف يعدُّ الآجر المطبوخ نفس تلك اللبنة غير المطبوخة. والله العالم بحقائق الاموز.

ومع الشك في الإستحالة لا يحكم بالطهارة(1).(الخامس) الانقلاب(2) كالخمر ينقلب خلاً سواء كان بنفسه أو بعلاج

ص: 125


1- . للشك في حصول المطهّر
2- . يمكن أن يقال: إن الانقلاب والاستحالة مرجعها الى أمر واحد، وهو تبدل موضوع الحكم اما حقيقة أو عرفاً، وذكر الانقلاب مستقلا لعله لورود روايات خاصة في هذا الموضوع، نذكرها فيما سيأتي انشاء الله تعالى. ثم إنه لايخفي أن لفظة الاستحالة وكذلك الانقلاب لم ترد في آية أورواية، وقد عرفت أن حقيقة الاستحالة - التي يقال بانها من المطهرات - هو انتفاء موضوع النجاسة وحدوث موضوع جديد ليس على نجاسته دليل فان كان هناك دليل على طهارة ذلك الموضوع الجديد من اطلاق أو عموم أو أمارة خاصة به، يكون طهارته طهارة واقعية، وإلا فالمرجع أصالة الطهارة، لعدم جريان الاستصحاب، لاختلاف موضوع القضيتين، فيكون طهارته ظاهرية، وقد تقدم تفصيل ذلك كله. والغرض هيهنا ان الانقلاب أيضا كذلك، كي يكون من أفراد الاستحالة وقسماً منها، أو هو أمر اخر، كما هو ظاهر عبارات الفقهاء حيث عدوه نوعا اخر من المطهرات؟ والماتن في الفرع الخامس من الفروع الاتية يدعى أنه غير الاستحالة ويفرق بينهما: بان الاستحالة هو تبدل الصورة النوعية، بخلاف الانقلاب الذي هو زوال الوصف - أي المسكرية - ولا يتبدل الصورة النوعية، لان الخمر والخل نوع واحد وحقيقة واحدة، وانما الفرق بينهما ان الخمر مسكر والخل ليس بمسكر، وبناء على هذا حكم خاص في موضوع خاص - وهو زوال مسكرية الخمر وصيرورته خلا - والا فمن الواضح الجلي ان زوال بعض الاوصاف في سائر النجاسات لا يوجب طهارتها، بل في نفس الخمر زوال بعض الاوصاف ماعدا السكر لايوجب طهارتها، وانما هو حكم تعبدي في صورة زوال سكرها بصيرورتها خلا أو بصيرورتها أشياء اخر كما اذا صارت دبساً مثلا. ولكن الانصاف!! إن الخمر والخل عندالعرف وفي نظر هم حقيقتان مختلفتان، فلو لم تكن هذه الأخبار أيضا لكنا نقول بانتفاء موضوع النجاسة بصيرورة الخمر خلا، لما ذكرنا من أن الاستحالة على قسمين: حقيقية وعرفية، ولا شك في ان صيرورة الخمر خلا عندالعرف استحالة فلا يشمله - بعد الاستحالة - عمومات واطلاقات ادلة نجاسة الخمر، ولا يجرى استصحاب نجاسته أيضاً لما ذكرنا. نعم هاهنا شيء، وهو انه لو لم تكن هذه الأخبار وكان مدرك طهارة الخل الذي استحيل اليه الخمر هي الاستحالة فقط، لم يكن الحكم بطهارة الخل، لتنجسه بواسطة نجاسة الظرف الذي تنجس بواسطة الخمر السابق، ولكن حيث إن مفاد هذه الأخبار عدم البأس بها بعد صيرورتها خلا وجواز شربها فعلا، فبدلالة الاقتضاء تدل على طهارة الظرف أيضاً بالتبع. وخلاصة الكلام: الانقاب - بمعنى تبدل صفات النجس أوزوالها ليس حكماً كلياً جارياً في جميع النجاسات، بل هو حكم خاص في خصوص الخمر في موردها، وهذا أيضاً من مصاديق الاستحالة. نعم بواسطة الأخبار الواردة افردوه بالذكر وعدوه في قبال الاستحالة، وربما يترتب عليه آثار بواسطة تلك الأخبار: منها: ماذكرنا في طهارة الظرف الذي كانت فيه تلك الخمر، فلابد من مراجعة تلك الأخبار وتعيين مقدار مفادها. وتحقيق مفاد الأخبار يتوقف على ذكر امور: الأول: في ان دلالتها على طهارة الخل الذي انقلب اليه الخمر مختص بما اذا صارت بنفسه خلا، أو مطلق وتشمل ما إذا صارت خلا يعلاج؟ ولتحقيق هذا المطلب لابد من نقل تلك الأخبار كي نرى مقدار دلالتها، وان مفادها مطلق أو مخصوص: منها: موثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام من الرجل ياخذ الخمر فيجعلها خلا؟ قال: لابأس (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 77 - من ابواب النجاسات، الحديث 2) وموثقة اخرى عنه في الرجل اذا باع عصيراً، فحبسه السلطان حتى صار خمرا، فجعله صاحبه خلا؟ فقال: اذا تحول عن اسم الخمر فلا باس (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 5) وصحيح المهتدى قال: كتبت الى الرضا عليه السلام: جعلت فداك!! العصير يصير خمراً، فيصب عليه الخل وشيء يغيره حتى يصير خلا؟ قال: لاباس (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 8) وعن جامع البزنطي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام، انه سئل عن الخمر تعالج بالملح وغيره لتحول خلا؟ قال: لابأس بمعالجتها (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 11) وعن علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الخمر يكون أوله خمراً ثم يصير خلا؟ قال: اذا ذهب سكره فلا باس (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 9) وهذه الأخبار ماعدا رواية على بن جعفر تدل على طهارة ماصار خلا بعلاج. نعم خبرا أبي بصير دالان على ان الخلية لابد أن تكون من قبل نفسها لا ان تكون بعلاج، وهما: عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الخمر يجعل خلا؟ قال: لابأس إذا لم يجعل فيها مايغلبها (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 4 - 7) وخبره الآخر قال: سئل عن الخمر يجعل فيها الخل؟ فقال: لا، الا ماجاء من قبل نفسه (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 4 - 7) فهذان الخبران ظاهرهما اختصاص الطهارة بما اذا كان الانقلاب بنفسه لابعلاج، ولكن في مقابل هذين الخبرين ورد أخبار تدل على طهارة الخمر إذا جعل خلا بعلاج، وهي هذه: عن أبي بصير، عن علي بن حديد، جمعياً، عن جميل قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: يكون لي على الرجل الدارهم فيعطيني به خمراً؟ فقال: خذها، ثم أفسدها. قال على: واجعلها خلا (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 6) - وعلى هو على بن حديد الذي يروى عن جميل، ولكن في بعض النسخ ان كلمة «علي» زائدة - وهذه تدل على ان الخمر إذا صارت خلا بعلاج لابأس بها، وإلا فلا معنى لقوله «اجعلها خلا» ولكن هناك إشكال من جهة أن الخمر كيف يكون قابلا للشراء مع أن الشارع اسقط ماليته؟ ولكن يمكن أن يقال: ان حق الاختصاص باق فبعد ماصارت خلا يكون الخل ملكاً، فيجعله مقابلا للدراهم، وعلى اي حال هذا الكلام خارج عن محل البحث. وأيضاً صحيح المهتدي قال: كتبت الى الرضا: جعلت فداك العصير يصير خمراً، فيصب عليه الخل وشيء يغيره حتى يصير خلا؟ قال: لاباس (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 8) وهذه الصحيحة تدل على أن الخمر اذا صارت خلا بعلاج تطهر، وكذا سئل عن الخمر تعالج بالمللح للتحول خلا؟ قال: لاباس بمعالجتها (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 11) وغيرها من الاخبار، وفي مقابلها أخبار اخر تدل صريحاً على ان الخمر اذا صارت خلا بعلاج لاتطهر، كما هو المروى عن العيون، عن علي عليه السلام: كلوا الخمر ما انفسد ولا تأكلوا ما افسدتموه انتم (عيون اخبار الرضا، الباب - 31 - الحديث 127) وغيرها من الأخبار وبين الطائفتين تعارض، اي بين الطائفة الاولى التي مفادها طهارة الخل الذي انقلب اليه الخمر بعلاج، والثانية التي مفادها عدم طهارة الخل الذي انقلب اليه الخمر بعلاج. ولابد من الجمع بينهما باحد وجوه، الجمع العرفي ان امكن، أو ترجيح احديهما أو التخيير ان لم يمكن. فنقول: تسقط الطائفة الأولى عن الحجية مع اعراض الأصحاب عنها ولا تصلح للمعارضة. ولكن ان كانت حجة وقلنا بعدم تحقق الاعراض الذي يوجب وهن سندها وخروجها عما هو موضوع الحجية، أو قیل بان إعراض الأصحاب لايوجب الخروج عن موضوع الحجية ان كانت في حد نفسها، وامثال ذلك، فلابد من الجمع ان امكن. ولا باس بحمل الطائفة الأولى - التى مفادها الاجتناب عما صارت خلا بعلاج - على الكراهة. ولكن الشيخ جمع بينهما: بحمل البأس والامر بالاجتناب فيما صارت خلا بعلاج على استحباب. وربما يجمع: بحمل الأخبار - التي تدل على عدم البأس مطلقا - على ما اذا استهلك ما يعالج به قبل ان يصير خلا، ومافيه البأس على بقاء ما عولج به الى مابعد صيرورته خلا. وسنذكر هذا المطلب مفصلا انشاء الله تعالى!!

ص: 126

ص: 127

حيث عدوه نوعا اخر من المطهرات؟

ص: 128

كالقاء شيء من الخل أو الملح فيه(1) سواء استهلك أو بقى على حاله.

ص: 129


1- . فان استهلك ذلك الشيء قبل أن يصير خلاً، فبناءً على ماتقدم - من عدم الفرق في هذا الحكم بين أن يكون الانقلاب بغير علاج أو معه - فلا إشكال، وأما لو لم يستهلك وبقى إلى ما بعد الإنقلاب، ففيه الخلاف ونسب إلى المشهور طهارتهما معا أي الخل وما بقى ممّا عولج به، واستدلوا على ذلك بامور: الاول: إطلاق الأخبار وعموماتها الشاملة لكلتا حالتى بقاء ماعولج به إلى ما بعد الإنقلاب وعدم بقائه. وفيه: أن ظاهر هذه هو انتفاء النجاسة الخمرية بارتفاع موضوعها وليس في المقام بيان طهارة ذلك الخل من كل جهة ولو لاقى بعد الإنقلاب نجساً آخر، اللهم إلا أن يقال: فرق بين ملاقاته للنجس او المتنجس الخارج عنه قبل الانقلاب وحاله، وبين ما كان فيه قبل الإنقلاب وبقى إلى مابعد الإنقلاب، ففي الاول لا تعرض للادلة - التي تدل على طهارة الخمر بالانقلاب - اليه أصلاً، بخلاف الثاني فأن قوله عليه السلام - فيما رواه في جامع البزنطي - لابأس، في جواب قول السائل عن الخمر تعالج بالملح أو غيره للتحول خلاً، يشمل بقاء ذلك الملح وإن ان مقداراً قليلاً منه، فيدل بالإلتزام على طهارة ذلك الملح الباقي إلى مابعد الإنقلاب، فقياس المقام بالنجس أو المتنجس الخارج في غير محله. وفيه: أن هذا الكلام صحيح لو كانت الأخبار ناظرة إلى عدم البأس به مطلقاً، وأما لو كانت ناظرة إلى عدم البأس بذلك الخل من حيث كونه قبلاً كان خمراً لا من الحيثيات والجهات الأخر، فلا صحة فيه، أما إثبات كونها بصدد بيان عدم البأس من جميع الجهات فيحتاج إلى عناية زائدة مفقودة في المقام إذ ظاهر هذه الروايات أن سبق الخمرية لا يكون مانعاً عن الإنتفاع بهذا الخل، أما كون جهة اخرى مانعة، فلا تعرض لها اصلاً. الثاني: دلالة الإقتضاء صوتاً لكلام الحكيم عن اللغوية، بيان ذلك: ان اثبات الطهارة لذلك الخل ونفى النجاسة عنه الآنية من قبل الخمر مع كونه نجساً من جهة اخرى لغو لا ينبغي أن يصدر عن الحكيم، خصوصاً إذا كان الجعل بعتبير «لابأس» فإنه ظاهر في عدم البأس فعلاً، وهو ينافى نجاستها من جهة اخرى. وفيه: أن هذا الكلام تامُّ لو كان بقاء ما عولج به إلى مابعد الإنقلاب دائماً أو غالباً، وأما لو لم يكن الأمر كذلك، بل كان الغالب استهلاكها في الخمر قبل الإنقلاب - كما هو كذلك خارجاً - فلا يتم هذا البيان، إذ لا يلزم اللغوية التي يدّعيها الطرف. الثالث: التمسك بالإطلاق المقامي. بيانه: إن الإطلاق المقامي عبارة عن أن اللفظ وإن كان قاصراً عن شموله لبعض الحالات والخصوصيات - لخروجها عمّا هو مفاد اللفظ - ولكن المتكلم حيث إنه في مقام بيان جميع ماله دخل في غرضه ومراده، فيجب عليه البيان ولو بلفظ آخر، فإذا لم يذكر شيئاً آخر يدل على البأس من ناحية الخليط الذي لم يستهلك وبقى إلى ما بعد الإنقلاب، نفهم من إطلاقه طهارة مالم يستهلك، فإن هذه الأشياء غالبة البقاء بعد الإنقلاب، ومع ذلك فقد أهمل ولم يذكر ما يدل على عدم البأس فيه وعدم جواز الإنتفاع منه وأنها لا تنجِّس الخلَّ بملاقاته لها، وعدم تنجس الملاقي مع الرطوبة من لوازم طهارة الملاقى فمقتضى إهمال النصوص مع أغلبية البقاء هو طهارتها. ولكن هذا إنما يتم إذا كان بقائها كثيراً، وإلا لم يشملها لإطلاق المقامي، ومعلوم أنها غالباً تنحلُّ في الخمر قبل الإنقلاب، ولذا ذكر سيدنا الأستاذ - دامت ظلاله الوارفة - في التعليقة - في صورة بقاء ما عولج به وعدم استهلاكه -: أن القول بالطهارة مشكل، فالتبعيِّة لا دليل عليها، والاطلاق المقامي لا يشملها إلا إذا كان بقائها بعد الانقلاب كثيراً، وأما لو كان ما يعالج به ينحل غالباً ولا يبقى إلا نادراً فحينئذ إستناد طهارته إلى الاطلاق المقامي مشكل.

ويشترط في طهارة الخمر بالائقلاب عدم وصول نجاسة خارجية اليه(1) فلو وقع فيه - حال كونه خمراً - شيء من البول أو غيره أو لاقى نجساً، لم يطهر بالانقلاب.

ص: 130


1- . لا يخفى أن هذه النجاسة الخارجية إما ان تبقى بعد الانقلاب اولا، فان بقى بعد الانقلاب فلا اشكال في عدم طهارته ويكون الخل أيضاً نجساً، أما اذا استهلك في الخمر قبل ان ينقلب خلا، فاما أن تكون تلك النجاسة الخارجية اشد من الخمر أم لا، فالاول أي: اذا كانت تلك النجاسة الخارجية اشد نجاسة من الخمر، فيمكن ان يقال بوجود نجاسة شديدة في الخمر، مرتبة منها النجاسة الذاتية التي حصلت في جسم الخمر من ناحية كونها خمراً، ومرتبة اخرى آتية من قبل ملاقاتها للنجس الاشد الذي هو البول مثلا، ولا يلزم اجتماع المثلين، لاندكاك احدهما فى الاخر وصيرورتهما نجاسة واحدة محدودة بحد واحد، وذلك كالحرارة التي في بدن الانسان بواسطة الحمى فاذا أتى سبب اخر تشتد الحرارة، ولا يكون من اجتماع المثلين، بل تكون حرارة واحدة شديدة محدودة بحد خاص، وهذا بناء على عدم تداخل الاسباب - كما هو الصحيح - في كمال الوضوح، فاذا انقلبت تلك الخمر الى الخل، فلا شك في زوال النجاسة الخمرية لانتفائها بانتفاء موضوعها. وأما النجاسة العرضية - التي أنت قبل ملاقاتها للبول مثلا - فلا وجه لزوالها، وذلك لأن الانقلاب يزيل تلك النجاسة الخفيفة التي سببها الخمرية وأما ذلك الاشد - الذي منشأه البولية - فباق. هذا!! أما إذا كانت نجاسة الملاقى مساوياً أو اضعف فلا تتأثر الخمر بذلك المساوي أو الاضعف، وذلك من جهة أن النجاسة وان كانت من الامور الاعتبارية، ولكن منشأ اعتبارها امر واقعي تكويني، فاذا كانت القذارة التي في الخمر اشد او مساوياً مع مايلاقيه، فيكون تأثرها به من قبيل تحصيل الحاصل المحال، فلا تكون في الخمر الا نجاسة نفسه، والمفروض انها تنتفي بالانقلاب. ان قلت: من الممكن أن ينضم نجاسة مالاقاه الى نجاستها وان كانت اخف منه، فيكون الامر كما قلنا في نجاسة الاشد حرفاً بحرف. قلت: إن باب نجاسة ملاقي النجس ليس بان تنتقل نجاسة من الملاقى الى الملاقي، بل من قبيل التأثر والانفعال، والاقذار لايتأثر مما هو دونه في القذارة، وهذا حكم وجداني فطرى عند العرف، والشارع أنشأ نجاسة الملاقي للنجس والمتنجس واعتبرها على طبق هذا الحكم العرفي، كما انه في مقام التطهير حكمه بالغسل على طبق حكم العرف في القذارات الخارجية، فالقول بالطهارة هو الحق، خصوصا فيما لا يكون الملاقى أشد نجاسة من الملاقي وذلك لأن النجاسة الخمرية ارتفعت بصيرورتها خلا على الفرض، ولم يكن نجاسة اخرى في البين أيضاً على الفرض، إذ المفروض أن النجس لا يتنجس ثانياً بملاقاة النجس، إلا أن يكون نجاسة الملاقى اشد وهو خلاف الفرض، اما اذا تنجس الظرف فلا دليل على طهارته بالتبعية، لانه لا دليل على التبعية الا في باب البئر وبعض الأبواب الاخر، وليس المورد منها. هذا!! إذا كان الظرف نجساً بالنجاسة التي تحصل بعد وجود الخمر فيه، فان كانت من نفس الخمر الموجودة فيه بعد ان صار ذلك الخمر خلا، فلا بد وان نقول بصيرورته طاهراً، والا يلزم أن يكون الحكم بطهارة الخل - الذي انقلب اليه الخمر - لغواً، لان ذلك الخل يتنجس بنجاسة الظرف فبدلالة الاقتضاء أو الاطلاق المقامي يكون الظرف أيضاً طاهراً، اما فرض نجاسة اخرى بعد وجود الخمر فيه - اي المكان الذي لاقي الخمر منه - فباطل لتنجسه بالخمر وعدم تأثره بنجاسة اخرى، الا أن يكون اشد من الخمر فحينئذ يتأثر به، ولا يطهر بصيرورة الخمر الموجودة فيه خلا لا الظرف ولا الخمر لمكان تلك النجاسة التي كانت أشد في كليهما اي الخمر والظرف فاذا صب البول مثلا في تلك الخمر أولاقى الظرف - اي المكان المتصل منه بالخمر - فبعد صيرورتها خلا، لا يطهر ذلك الخل، ولا ذلك المكان الذي لاقى البول، وذلك لان الانقلاب سبب لزوال النجاسة الخمرية فقط، وأما النجاسة الآنية من قبل البول فلا موجب لزوالها، فتلك النجاسة حيث لم تزل وباقية، فالخل الذي انقلب اليه الخمر يكون نجساً، إذ هذا الجسم بعد ملاقاة البول مثلا حصلت فيه نجاسة أشد مما كان من ناحية الخمرية، والزائلة بواسطة الانقلاب مرتبة منها - وهي النجاسة الخمرية - وأما المرتبة الاخرى فباقية. خلاصة الكلام في المقام هو: ان الخمر الملاقى للنجس أو المتنجس اما ان يكون نجاستهما - أي الملاقي والملاقى - في مرتبة واحدة، بل من سنخ واحد كما اذا لاقى الخمر الذي انقلب الى الخل أو ظرفه خمرا آخر قبل الانقلاب، أو ما يساوي الخمر في المرتبة من حيث شدة النجاسة وضعفها فالخمر أو ظرفه لايتأثر بتلك الملاقاة، لان وجود نجاسة جديدة فيهما من قبيل حصول الحاصل، فليس في البين الا النجاسة الخمرية وهي تزول بالانقلاب، وأما أن تكون نجاسة الملاقي اشد مرتبة، فلا مانع من أن يتأثر الملاقي فتحصل له مرتبة اشد مما كان له، ولا يصير اجتماع للمثلين بل غايته ان حد الضعف يتبدل بالشدة، وذلك كما اذا كان سراج في الغرفة، فاذا أتوا بسراج اخر يشتد ضوء الغرفة، لا انه يصير اجتماع المثلين فاذا زال احد السببين يبقى السبب الاخر - اى المرتبة الضعيفة من الضياء الذي كان من الاول قبل الاتيان بالسراج الثاني - وفيما نحن فيه بعد زوال النجاسة الخمرية تبقى تلك المرتبة الزائدة التي جائت من قبل ملاقاة البول، وذلك واضح بعد القول بعدم تداخل الاسباب وكذا المسببات وأن تداخلها خلاف الاصل، فيكون الخل نجساً.

ص: 131

ص: 132

(مسألة - 1) العنب او التمر المتنجس اذا صار خلاً لم يطهر(1).

ص: 133


1- . لان الانقلاب لايكون مطهراً مطلقا، بل هو مخصوص بالخمر ويطهر الخمر فقط بالانقلاب مطلقا - سواء انقلب خلا أو دبساً او شئياً آخر - ذلك للروايات، اما العنب والتمر فلا دليل على طهارتهما اذا صارا خلا، نعم اذا استحالا فالظاهر طهارتهما بالاستحالة كما تقدم. وخلاصة الكلام: أن مطهرية الانقلاب ليس مثل مطهرية الاستحالة أمراً عقلياً ومن باب ارتفاع الحكم بارتفاع الموضوع بل امر تعبدي دلت عليه الأخبار، فلابد وان ينظر الى الأخبار واستظهار مفادها، ولا شك أن مفادها ان الخمر لصيرورتها خلا يطهر ولا بأس فيها فالمنقلب لابد وان يكون خمراً، وهو موضوع هذا الحكم - اي الطهارة - بواسطة الانقلاب. نعم يمكن القول بالتوسع في المنقلب اليه، بان لايكون مختصا بصيرورتها خلا، فان صارت دبساً أوشيئاً آخر تطهر أيضاً، ويكون ذكر الخل من باب المثال وقوله عليه السلام في موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام، انه قال في الرجل إذا باع عصيراً، فحبسه السلطان حتى صار خمراً، فجعله صاحبه خلا، فقال: إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 5.) شاهد على ماذكرنا، وكذا قوله (عليه السلام) في صحيحة علي ابن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن الخمر يكون أوله خمراً ثم يصير خلا؟ قال: إذا ذهب سكره فلا بأس (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 9.) فيظهر من هاتين الروايتين أن المناط في الطهارة هو خروجها عن الخمرية والتحول عنها والانقلاب إلى أي شيء كان، فالعنب والتمر المتنجسان حيث إن موضوع النجاسة فيهما هو الجسم لا الصورة النوعية، لاينعدم فيهما الجسم بصيرورتهما خلا، بل يزول وصف من أصافهما، اللهم!! إلا أن يقال: إن العنب والتمر بعد ما صارا خلا، فعند العرف هذا الجسم الذي صار متصوراً بالصورة الخليلة غير ذلك الجسم الذي كان متصوراً بالصورة العنبية أو التمرية، فتبدل ما كان موضوع النجاسة عرفاً، وقد تقدم أن تبدل الموضوع عرفاً مثل تبدله حقيقة، وعلى هذا الأساس قلنا بمطهرية الاستحالة في المتنجسات، وأيضاً بناء على هذا قلنا: إن الاستحالة على قسمين: حقيقة، وعرفية. والحاصل!! إن صحة ماقاله الماتن في هذا الفرع مبني على أن لايكون الانقلاب من مصاديق الإستحالة - وقد تقدم ذلك كله - وبناء على عدم كون الانقلاب استحالة عرفية، اولم تكن الاستحالة العرفية موجبة للتطهير يكون حال العنب والتمر في هذه المسألة حال الحنطة إذا صارت طحيناً ثم عجيناً ثم خبزاً لا يحكم بزوال الموضوع، فيكون النتيجة عدم طهارتهما إذا صارا خلا.

وكذا اذا صار خمرا(1) ثم انقلب خلاً.

(مسألة - 2)اذا صب في الخمر ما يزيل سكره، لم يطهر وبقى على حرمته(2)وكذا اذا صار خمرا(3) ثم انقلب خلاً.

(مسألة - 2)اذا صب في الخمر ما يزيل سكره، لم يطهر وبقى على حرمته(4)

ص: 134


1- . لم يطهر، بناء على اشتداد النجاسة فيهما بعد صيرورتهما خمراً وهذا مبنى على عدم زوال النجاسة العرضية التي كانت فيهما قبل أن يصيرا خمراً بورود النجاسة الذاتية عليهما بصيرورتهما خمراً، فلا يطهر ان بالانقلاب خلا أيضاً، لأن الانقلاب لايزيل إلا النجاسة الخمرية، والأخرى باقية، وأما إذا قلنا بأنه ليس هناك إلا نجاسة واحدة - لأن النجاسة العرضية ترتفع بورود النجاسة الذاتية وذلك لعدم بقاء النجاسة العرضیة مع وجود النجاسة الذاتیة - فيطهران لزوال هذا النجاسة الذاتية بالانقلاب.
2- . ونجاسته، لأن موضوع النجاسة والحرمة هو عنوان الخمر - اي الجسم المتلبس بالصورة النوعية الخمرية - فما دام تلك الصورة باقية لم تزل فحكمها - اي الحرمة والنجاسة - باق ايضاً، ولا يزول إلا بزوال تلك الصورة النوعية. أما قوله - فيما رواه علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الخمر يكون أوله خمراً، ثم يصير خلا؟ قال: إذا ذهب سكره فلا بأس (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 5.) وأيضاً خبر أبي جارود، عن أبي جعفر عليه السلام - في قوله تعالى: إنما الخمر والميسر... الآية -: أما الخمر: فكل مسكر عن الشراب إذا اخمر فهو خمر، وما اسكر كثيره فقليله حرام (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 1 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 5.) وفي غيرهما من الروايات، حيث نفى الحرمة في الاول عند انتفاء السكر - فإنه من باب ذكر نفي اللازم وارادة نفى الملزوم، بمعنى أن المراد من ذهاب السكر ذهاب خمريته، وذلك لأن السكر من اللوازم العادية للخمر فكما أن وجود اللازم كثيراً كناية عن ارادة وجود الملزوم، كذلك ذكر نفيه كناية عن نفي الملزوم، فرتب الشارع عدم الحرمة وعدم النجاسة على عدم الخمرية وانتفائها، وهذا غير زوال السكر - سواء كان بعلاج أو بغيره - ولذا!! لو شرب قطرة من الخمر لا يسكر، ومع ذلك شربه حرام وتلك القطرة نجسة، فليست الحرمة والنجاسة تابعتين للسكر، بل تابعتان لعنوان الخمرية، وهذا هو مفاد الروايات الواردة في هذا الباب، فما ذكره في المتن صحيح جداً!!
3- . لم يطهر، بناء على اشتداد النجاسة فيهما بعد صيرورتهما خمراً وهذا مبنى على عدم زوال النجاسة العرضية التي كانت فيهما قبل أن يصيرا خمراً بورود النجاسة الذاتية عليهما بصيرورتهما خمراً، فلا يطهر ان بالانقلاب خلا أيضاً، لأن الانقلاب لايزيل إلا النجاسة الخمرية، والأخرى باقية، وأما إذا قلنا بأنه ليس هناك إلا نجاسة واحدة - لأن النجاسة العرضية ترتفع بورود النجاسة الذاتية وذلك لعدم بقاء النجاسة العرضیة مع وجود النجاسة الذاتیة - فيطهران لزوال هذا النجاسة الذاتية بالانقلاب.
4- . ونجاسته، لأن موضوع النجاسة والحرمة هو عنوان الخمر - اي الجسم المتلبس بالصورة النوعية الخمرية - فما دام تلك الصورة باقية لم تزل فحكمها - اي الحرمة والنجاسة - باق ايضاً، ولا يزول إلا بزوال تلك الصورة النوعية. أما قوله - فيما رواه علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الخمر يكون أوله خمراً، ثم يصير خلا؟ قال: إذا ذهب سكره فلا بأس (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 31 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 5.) وأيضاً خبر أبي جارود، عن أبي جعفر عليه السلام - في قوله تعالى: إنما الخمر والميسر... الآية -: أما الخمر: فكل مسكر عن الشراب إذا اخمر فهو خمر، وما اسكر كثيره فقليله حرام (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 1 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 5.) وفي غيرهما من الروايات، حيث نفى الحرمة في الاول عند انتفاء السكر - فإنه من باب ذكر نفي اللازم وارادة نفى الملزوم، بمعنى أن المراد من ذهاب السكر ذهاب خمريته، وذلك لأن السكر من اللوازم العادية للخمر فكما أن وجود اللازم كثيراً كناية عن ارادة وجود الملزوم، كذلك ذكر نفيه كناية عن نفي الملزوم، فرتب الشارع عدم الحرمة وعدم النجاسة على عدم الخمرية وانتفائها، وهذا غير زوال السكر - سواء كان بعلاج أو بغيره - ولذا!! لو شرب قطرة من الخمر لا يسكر، ومع ذلك شربه حرام وتلك القطرة نجسة، فليست الحرمة والنجاسة تابعتين للسكر، بل تابعتان لعنوان الخمرية، وهذا هو مفاد الروايات الواردة في هذا الباب، فما ذكره في المتن صحيح جداً!!

(مسألة - 3) بخار البول أو الماء المتنجس طاهر(1) فلا باس بما يتقاطر(2) من سقف الحمام، الا مع العلم بنجاسة السقف.

ص: 135


1- . تقدم أنهما - أي المايع النجس أو المتنجس - يطهران إذا صارا بخاراً، وقلنا هناك: إن هذا استحالة عرفية وانتفاء الموضوع بنظرهم وان لم يكن كذلك حقيقة، وذلك لأن بخار الماء المطلق أو المضاف ليس إلا نفس ذلك الماء المطلق أو المضاف، وانما تفرق اجزائهما بواسطة الحرارة، ولكن في نظر العرف ليس هو نفسهما، بل يرونه شيئاً مغايراً لهما، فحيث إن وحدة القضيتين المتيقنة والمشكوكة لابد وان تكون ينظر العرف في باب الاستصحاب، فلا يجرى عند الشك في بقاء حكمهما. وتحقيق المسألة في الاصول. واطلاق ادلة النجس - كالبول أو الخمر مثلاً - لا تشمل البخار، وكذلك المتنجس كالماء المتنجس مثلاً، فاذا لم تشمل اطلاقات ادلة النجس أو المتنجس لذلك البخار ولم يجر الاستصحاب أيضاً، فلا محالة يكون المرجع أصالة الطهارة.
2- . إذا كان التقاطر من بخار النجس أو المتنجس، ففيه تفصيل. وخلاصة الكلام فيه: ان التقاطر إذا كان من بخار نفس النجس، فان صدق عليه عنوان ذلك النجس - وذلك كما في تقاطر بخار البول إذا صدق عليه البول - فلا شك في نجاسته، كما أنه إذا كان السقف نجساً تكون القطرات أيضاً نجسة من جهة بوليتها أو من جهة ملاقاتها للسقف النجس بعد تحول ذلك البخار إلى المائية والميعان، واما لو لم يكن لاهذا ولا ذاك فلا وجه لنجاستها، سواء كان ذلك التقاطر من بخار النجس أو المتنجس، وذلك من جهة ان ذلك النجس او المتنجس بعد تحولهما اي البخار، زال نجاستهما لما تقدم، ووجود نجاسة جديدة بعد التقاطر يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

(مسألة - 4) إذا وقعت قطرة خمر في حب خل، واستهلكت فيه لم يطهر، وتنجس الخل(1) الا إذا علم(2) انقلابها خلاً بمجرد الوقوع فيه.

ص: 136


1- . لا اشكال في تتجس الخل في هذه الحالة من جهة الملاقاة لها.
2- . إذا امكن فرض هذا الوجه - وهو ان زمان الانقلاب عين زمان الوقوع - فمعناه أنه لم يلاق الخمر بل لاقى الخل فلا يتنجس. ولكن ربما يتوهم الاشكال في ذلك: بان الملاقاة موضوع تشريعي لنجاسة الملاقي وعلة تكوينية للانقلاب، فهو مقدم رتبةً على الانقلاب. وبعبارة اخرى: الملاقاة لتلك القطرة في الرتبة السابقة على الانقلاب الذي سبب للخلية، فينجس الحب بتلك الملاقاة، لأنه في تلك الرتبة لم تصر خلاً. ولكن فيه اشكال وهو: ان التقدم الرتبي لا أثر له، بل المدار على أن يكون زمان الملاقاة زمان الخلية او زمان الخمرية، ولذلك ذكرنا في البيع الخياري أن الفسخ الفعلي يحصل بعتق العبد الذي هو المبيع - مع انه لاعتق الا في الملك - لانه في زمان واحد يحصل الملك والعتق، وهذا المقدار كاف في صحة العتق وحصول الفسخ، لعدم لزوم تقديم الملك على العتق، بل يكفي كونهما في زمان واحد، فهاهنا وحدة زمان الانقلاب الى الخلية وحصولها مع زمان الملاقاة تكفي في الحكم بالطهارة، ولكن الكلام في ان الانقلاب الى الخل هل يكون في نفس زمان الملاقاة بحيث لايتأخر عن الملاقاة ولو كان آناً ما؟ وأنه هل يمكن هذا اولا يمكن؟ الظاهر ان هذا دعوى باطلة بل توهم فاسد، وذلك لتقدم زمان الملاقاة على صيرورة تلك القطرة خمراً ولو آناً ما، لا أن تقدمه رتبى فقط كما توهمه المتوهم. وأما القول بانه وان كان الخل يتنجس بملاقاته للخمر، ولكن بعدما صارت تلك القطرة خلا وانقلبت اليه، تطهر بواسطة الانقلاب، وذلك لشمول أدلة تطهير الخمر بالانقلاب لهذا المورد، فاذا صارت تلك القطرة طاهرة بالانقلاب، يطهر الخل المتنجس بالتبع بدلالة الاقتصاء، للزوم لغوية جعل الطهارة لتلك القطرة التي تتنجس فوراً لملاقاتها مع الخل المتنجس. ففيه: انه لادليل على التبعية بعنوآنها وأما دلالة الاقضاء فهي ليست موجودة في المقام، وذلك من جهة أن نجاسة تلك القطرة بملاقاتها لمتنجس اخر، لا يوجب لغوية ذلك الحكم الكلي الذي شرعه الشارع - أي طهارة الخمر بالانقلاب - لوجود المصاديق الكثيرة لهذا الحكم، بل هذا المورد مورد شاذ لايعتني به، وليس من قبيل نجاسة ظرف الخمر الذي انقلب خلا، لانه هناك لو لم يكن الظرف طاهراً يكون جعل هذا الحكم لغواً. وأما الاستناد في طهارة ذلك الخل بالتبع برواية فقه الرضوي: فان صب في الخل خمر لم يحل اكله حتى يذهب عليه ايام ويصير خلا، ثم كل بعد ذلك (فقه الرضوي، باب شرب الخمر: ص 36.) ففيه أن الرواية وإن كان لها ظهور في طهارة الخل بالتبع، ولكن حجية هذا الكتاب - المنسوب الى مولينا الرضا عليه السلام - غير معلوم لعدم ثبوت ذلك عند اكابر الفقهاء وان اصر على حجيته جماعة، هذا اولا مضافاً الى إعراض المشهور عن العمل بهذه الرواية بالخصوص.

(مسألة - 5) الإنقلاب غير الإستحالة(1)

ص: 137


1- . تقدم في الاستحالة أنها عبارة عن تبدل الصورة النوعية: اما حقيقة وبالدقة، وإما بنظر العرف - وان لم يكن تبدلا حقيقاً في البين - ومثلنا للثاني بالبخار، فان الماء المطلق او المضاف لايتبدل حقيقته وصورته النوعيه بصيرورته بخاراً، بل البخار حقيقة عبارة عن تفرق اجزاء الجسم الذي تصاعد منه هذا البخار بواسطة الحرارة وتخلل الهواء بين تلك اجزاء المتفرقة الصغيرة التي من غاية صغرها لاتراها العين بصورتها المائية متميزة عن الهواء المتخللة بينها، ولكن العرف يرى أن البخار نوع آخر وله صورة نوعية اخرى. والماتن يدعى أن الانقلاب ليس هكذا، ولا يتبدل فيه الصورة النوعية حقيقة، بل يتبدل فيه الاوصاف، كالخمر اذا صارت خلا، فان الخمر والخل كليهما عصير العنب أو التمر، غاية الأمر إذا تخمر وأسكر يسمى بالخمر، وان زال عنه هذا الوصف وصار حامضاً يسمى بالخل، فليس تبدل حقيقة في صيرورة الخل خمراً أو بالعكس، فانقلاب الخمر خلا ليس من باب الاستحالة، كما ان الدليل على مطهريته لیس ماذ كرنا في الاستحالة - من انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع - بل الدليل هو الاخبار، وادعى عليه الاجماع أيضاً. ولكن!! انت خبير بأن أمثال هذه الاجماعات - على فرض تسليم صغراه - ليس من الاجماع المصطلح الذي نقول بحجيته في الاصول، لما يظن بل يعلم أن مدرك المجمعين والمتفقين هو هذه الأخبار. نعم الاشكال في ذلالة هذه الاخبار - التي تقدم شطر مهم منها - على هذا المطلب، وبناءً على صحة ما ذكره من الفرق بينهما، فنتيجة ما ذكره هو عدم طهارة غير الخمر من النجاسات وجميع المتنجسات به، لان زوال الوصف ليس من المطهرات شرعاً إلا في خصوص الخمر بالنسبة إلى خصوص وصف الإسكار، وأما بالنسبة إلى سائر الاوصاف ماعدا الاسكار فليس مطهراً حتى الخمر، فضلاً عن سائر النجاسات والمتنجسات. إذا عرفت ما ذكرنا أن كلام الماتن - حيث يستدل على الفرق الذي يفرق به بينهما بقوله: ولذا لا تطهر المتنجسات به وتطهر بها - لا يختص بالمتنجسات، بل النجاسات أيضاً ماعدا الخمر لا تطهر به، بل الخمر أيضاً في غير زوال صفة إسكارها - أي بزوال سائر اوصافها من لونها وطعمها ورائحتها - لا تطهر. هذا!! ولكن الانصاف أنه يمكن ان يقال: إن الخمر بصيرورتها خلاً - على فرض تسليم عدم تبدل صورتها النوعية حقيقة، والاعتراف بلان الخمر والخلّ ليسا نوعين وماهيتين، بل من نوع واحد، غاية الامر ان صفاتهما مختلفة، اي احدهما مسكر دون الاخر، لكن عند العرف وفي نظرهم إذا صار الخمر خلاً يكون الخلّ حقيقة اخرى، ويرون هذا من تبدل الصورة النوعية إلى صورة نوعية اخرى، وبناءً على هذا - لو لم تكن هذه الاخبار ولا اجماع في البين، كان مقتضى القاعدة طهارتها بصيرورتها خلاً - وقد تقدم الكلام عن هذا فلا نعيد - فبناءً على هذا، حيث لم يذكر الفقهاء (قدهم) للانقلاب مورداً غير انقلاب الخمر خلا - وقد عرفت حال هذا الانقلاب، وأنه من تبدل الصورة النوعية أيضاً، لكن عرفاً لا حقيقة - فبضميمة ما ذكرنا سابقاً من أن الاستحاله على قسمين حقيقة وعرفية، تعرف أن الانقلاب الذي ذكره الفقهاء ليس شيئاً ومطهراً أخر في قبال الاستحالة، بل هو من مصاديقها.

ص: 138

(مسألة - 6) إذا تنجس العصير بالخمر، ثم انقلب خمراً، وبعد ذلك انقلب الخمر خلاً، لا يعبد طهارتة(1)

لان النجاسة العرضيةصارت

ص: 139


1- . لهذه المسألة صور، ذكر الماتن صورة منها وهي: تنجس العصير بخصوص النجاسة الخمرية دون سائر النجاسات، وبعد ذلك انقلب إلى الخمر، ثم انقلب ذلك الخمر إلى الخل. ولم يذكر انقلاب العصير المتنجس إلى الخل ابتداءً من دون ان ينقلب خمراً، ثم ينقلب ذلك الخمر خلاً. على كل حال!! نحن أيضاً نقتفى اثره، ونشرح هذه الصورة فقط: فنقول: عمدة الكلام في هذا الفرع هو: ان النجس أو المتنجس إذا لاقى نجاسة من سنخ نجاسته، هل يتأثر بهذه الملاقاة فيتأكد نجاسته، أو يوجد فرد آخر من النجاسة فيه بواسطة تلك الملاقاة ام لا، بل لايتأكد أيضاً؟ أما الاخير - اي وجود فردين من النجاسة التي من سنخ واحد متميزين بحدودهما في موضوع واحد - فواضح الفساد، لأنه يكون من اجتماع المثلين المحال. وما احتمله شيخنا الاعظم (قدس سره) في نفس مورده هذه المسألة - من أن يكون محل النجاسة العرضية الآتية من قبل الملاقاة هو جسم الخمر - أي المركب من المادة والصورة الجسمية - فقط، والصورة النوعية خارجة عن محل هذه النجاسة، ومحل النجاسة الذاتية الآتية من قبل صيرورة ذلك العصير خمراً هو الصورة النوعية الخمرية، فلا يلزم محذور اجتماع المثلين - لا يخلو عن غرابة!! لأن النجاسة وان كانت بناء على ما هو الصصحيح عندنا ليست من الأعراض الخارجية، بل هي من الاعتبارات في عالم التشريع كسائر الاحكام الشرعية وضعية كانت ام تكليفية، ولكن موضوع هذا الأمر الاعتباري هو الجسم لا الصورة النوعية، فجسم الخمر نجس لا صورتها النوعية. نعم الجسم متصور بتلك الصورة، فلو زالت تلك الصورة ينتفى نجاسة ذلك الجسم، وعلى هذا المبنى بنينا مطهرية الاستحالة وعلى كل حال!! موضوع النجاسة الآتية من قبل ملاقاة العصير، والنجاسة الآتية من قبل خمريته بالانقلاب، كلا هما هو هذا الجسم الخارجي، ولكن مع ذلك لا يصير اجتماع المثلين، بل يتأكد نجاسته. فالعمدة في المقام ما ذكره الماتن من أن الشيء النجس أو المتنجس لا يتأثر بملاقاة مثله وما هو سنخه، فبعد ما كان العصير متنجساً بالنجاسة الخمرية، فلو لاقى خمراً لا يتأثر من ناحية تلك الملاقاة، كما أنه لو انقلب خمراً، أيضاً لا تأتي نجاسة جدیدة، لانه یصیر من قبیل حصول الحاصل ولا تتأکد أیضاً لأن التأكد فرع تأثير السبب الجديد، والمفروض أنه لا يؤثر حتى بناء على القول بان الاصل تعدد المسبب بتعدد الاسباب، لأن هذا الاصل وان كان صحيحاً عندنا، ولكن لا يجرى في المقام، لما ذكرنا من أنه من قبيل حصول الحاصل المحال في نظرهم، وفي ارتكازهم العرفي أن المتنجس لا ينجس ثانياً من مثله. هذا كله فيما إذا تنجس العصير بالنجاسة الخمرية ثم انقلب خمراً.

ذاتية بصيرورته خمراً، لانها هي النجاسة الخمرية، بخلاف مااذا تنجس العصير بسائر النجاسات(1).

ص: 140


1- . فهل الانقلاب إلى الخمر يزيلها؟ لأنه بعد صيرورته بالانقلاب إلى الخمر نجساً ذاتياً، يكون اعتبار النجاسة العرضية وأنه متنجس بقاء لغواً واعتباراً بلا اثر وفائدة عند العقلاء، كما انهم لا يعتبرونها حدوثاً، بمعنى: ان الاعيان النجسة إذا لاقى احدها النجس أو المتنجس لا يرونه متأثراً بتلك الملاقاة حدوثاً، ففي البقاء يكون أيضاً كذلك. وما ذكرنا ليس من أجل امتناع اجتماع المثلين، لان النجاسة قابلة للتأكد فتتأكد، بل من جهة انصراف ادلة نجاسة ملاقي النجس أو المتنجس بالملاقاة عن مثل هذا المورد، لأن العرف يرونه من قبيل حصول الحاصل المحال: ولكن هذا انما يكون فيما إذا كانت نجاسة الملاقى من سنخ نجاسة الملاقى، أو كانت في مرتبته من الشدة والضعف وان لم تكن من سنخها ونوعها. وأما اذا كانت اشد من نجاسة مايلاقيه كما اذا لاقى الخمر بولا - بناء على اشدية نجاسة البول عن الخمر - فلا يرون ذلك الانصراف الذي ادعيناه بل يرون إطلاق دليل تنجس ما يلاقي النجس اوالمتنجس مع رطوبة أحدهما وعمومه شاملا لمثل هذا المورد، ففي المفروض اذا تنجس العصير بملاقاته للبول فانقلب خمراً، يوجد في الخمر نجاسة مؤكدة أى: نجاسة شديدة. ثم يبقى الكلام في انه: هل تزول بانقلابها خلا خصوص النجاسة الخمرية فقط - وتبقى تلك المرتبة المستندة الى البول - او تزول تمام نجاسة الخمر بالانقلاب، أي المقدار الحاصل من البول - أي العرضية - والمقدار الذاتي لها الحاصل من جهة كونها خمراً؟ ربما يرجع الثاني، لانها نجاسة واحدة أمرها دائر بين الوجود والعدم فلا يتبعض، ولكن الظاهر هو الأول لانها وان كانت حال اجتماع السببين واحدة، ولكن بارتفاع سبب واحد من السببين لا يرتفع عقلا إلا مسببیه، وهو مرتبة من تلك النجاسة الشديدة لاجميعها. هذا بناء على ان ارتفاع النجاسة في استحالة - وكذلك الانقلاب - يكون بحكم العقل، ومن باب انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع - كما رجحناه - وأما لو كان من جهة دلالة الاخبار أو الاجماع، فظاهر قوله عليه السلام «لابأس» نفي البأس عن هذا المايع الخارجي الموجود، وهذا معناه ارتفاع تلك النجاسة بتمامها.

فان الانقلاب الى الخمر لا يزيلها، ولا يصيرها ذاتية، فاثرها باق بعد الانقلاب ايضاً(1).

(مسألة - 7) تفرق الاجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة(2) ولذا لو وقع مقدار من الدم في الكر واستهلك فيه، يحكم بطهارته

ص: 141


1- . على اطلاقه غير تام.
2- . الاستهلاك: عبارة عن تفرق الاجزاء المستهلك في خلل اجزاء المستهلك فيه، بدون ان تتبدل الصورة النوعية الى صورة نوعية اخرى، ففي الاستهلاك لا ينعدم الجسم المستهلك، بل هو موجود بصورته النوعية وانما الذي ينعدم وصف اجتماع اجزائه لتفرق اجزائه وصيرورتها صغيرة منبثة في خلال اجزاء الجسم المستهلك فيه، وتكون من الصغر بحد لايدركه البصر بلونه، ولا الذائقة بطعمه، ولا الشامة بريحه، وهكذا... وتسميته بالاستهلاك لاجل ماذكرنا، وإلا فنفس ذلك الشيء باق بصورته النوعية، ولا هلاك له لا حقيقة ولا عرفاً، غاية الامر حيث إن العرف لا يدرك باحدى الحواس الخمس، يحكم بانعدامه، وإلا لو علم بوجود تلك الاجزاء بحقائقها وصورها، فلا يحكم بمثل هذا الحكم، بخلاف الاستحالة، فان الصورة النوعية تنعدم فيها اما حقيقة وأما عرفاً، فالكلب اذا صار ملحاً تنعدم صورته النوعية حقيقتاً، وكذا العذرة اذا صارت تراباً والماء اذا صار بخاراً، وإن كان لاتنعدم صورته النوعية حقيقة، ولكن تنعدم عرفاً وبنظرهم. لايقال: في الاستهلاك أيضاً كذلك تنعدم الصورة النوعية عرفا، فلا فرق بينهما؟ للفرق بينهما، لانه في الاستحالة العرفية يرى صورة نوعية أخرى غير صورة الماء - وهي الصورة النوعية البخارية - اما في الاستهلاك لايرى وجوداً للجسم المستهلك، فلا يرى تبدل صورته النوعية، بل يتخيل ويتوهم انعدامها بالمرة. وبعبارة اخرى: لا يرى الموجود في مورد استهلاك مقدار من الدم في الكر من الماء إلا ذلك الماء، والخطابات الشرعية متوجهة إلى العرف فمفادها - الذي يجب اتباعه - هو ما يفهم العرف منها، والعرف يفهم من الخطابات الشرعية ان الدم نجس، والعرف لا يرى في موارد الاستهلاك دماً كي يحكم بنجاسته، ولا يرى إلا الماء. نعم لو اجتمع تلك الاجزاء بعلاج أو بنفسه، فحيث إنه بصدق عليه الدم حينئذ، يحكم عليه بانه نجس. وحاصل الكلام: ان اجتماع الاجزاء عنده دخيل في تحقيق ذلك العنوان. ومما ذكرنا يظهر الاثر المترتب على هذا الفرق، اي الفرق الذي ذكره بين الاستهلاك والاستحالة، وهو انه في الاستحالة لو رجع ذلك الجسم إلى حالته الاولى - كما إذا رجع بخار الماء المتنجس ماء ثانياً، أو بخار ماء الورد المتنجس إلى كونه ماء الورد - لا يتنجس، لأن ما هو الموضوع للنجاسة انعدم حقيقة في الاستحالة الحقيقة وعرفاً فيا العرفية، وبانتفائه ينتفى الحكم، وأما في الاستهلاك لم ينتف الموضوع، بل المنتفي هو وصف الاجتماع، فاذا رجعت الأجزاء إلى الاجتماع لا يحتاج حكمه إلى دليل جديد، بل عمومات الأدلة تشمله، بخلاف الاستحالة، فان الموضوع وحكمه انعدما، فيحتاج حكمه ثانياً إلى دليل جديد، خصوصاً في المتنجسات فانه فيها لا دليل على نجاسة الملاقي، وما هو الملاقى قد انعدم، وما هو باق ليس بملاق لتبدل الموضوع، ومع ذلك كله لايخلو هذا الفرق الذي ذكره بين الاستحالة والاستهلاك، والثمرة التي ذكرها لذلك الفرق عن نظر وتأمل وأشكالات يطول الكلام بذكرها!!

ص: 142

لكن لو أخرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدّة لمثل ذلك عاد الى النجاسة، بخلاف الأستحالة، فانه إذا صارت البول بخاراً ثم ماءً لا يحكم بنجاسته، لأنه صار حقيقةً اخرى.

نعم لو فرض صدق البول عليه، يحكم بنجاسته بعدما صار ماءً. ومن ذلك يظهر حال عرق بعض الأعيان النجسة أو المحرمة(1)

ص: 143


1- . أقول: لاشبهة فى أن عرق كل شيء عبارة عن خروج رطوبة عن مساماته بشكل ماء أو صعود بخار من شيء، ثم تقطير ذلك البخار بواسطة وصول البرودة اليه، كما هو الحال في أغلب العرقيات. أما القسم الاول: فلا شبهة في نجاسته، سواء صدق عليه اسم ذلك الجسم الذي خرج منه هذا العرق أولم يصدق، لان المفروض ان العرق في هذه الصورة عبارة عن رطوبات جسم الكلب او الخنزير، وتلك الرطوبات كسائر اجزائها نجسة، لان المفروض ان ذلك الجسم الذي خرج منه العرق بتمامه نجس، ومنها هذه الرطوبة الخارجة عنه، هذا اولا. وثانياً: على فرض ان لاتكون تلك الرطوبة الخارجة في حد نفسها نجسة، يتنجس بواسطة ملاقاتها للجسم النجس العين لامحالة، فلا يبقى مورد لهذا التشقيق، والحكم بنجاسته في صورة وعدمها في صورة أخرى وأما القسم الثاني - أى: العرق الحاصل من تقطير بخار النجس - فهذا هو الاستحالة عيناً، وقد تقدم الكلام فيه، فلا يمكن أن يكون فيه ثمرة الفرق بين الاستحالة والاستهلاك.

مثل عرق لحم الخنزير، أو عرق العذره، أو نحوهما، فانه ان صدق عليه الاسم السابق، وكان فيه آثار ذلك الشيء وخواصه يحكم بنجاسته أو حرمته، وان لم يصدق عليه ذلك الاسم، بل عد حقيقة اخرى ذاتأثر وخاصية اخرى، يكون طاهراً وحلالاً، وأما نجاسة عرق الخمر فمن جهة انه مسكر مايع وكل مسكر نجس(1).

(مسألة - 8) اذا شك في الانقلاب بقى على النجاسة(2)

ص: 144


1- . كما ثبت بالدليل، وأيضاً لما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام - في قوله تعالى: انما الخمر والميسر... الآية -: أما الخمر فكل مسكر من الشراب اذا اخمر فهو خمر... (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 1 - من ابواب الأشربة المحرمة، الحديث - 5.) فلا فرق بين أن يصدق عليه اسم الخمر أولا يصدق، وهذا بخلاف عرق سائر النجاسات - كالعذرة مثلا - فان صدق عليه اسم العذرة يحكم عليه بالنجاسة، وإلا فلا
2- . وذلك للاستصحاب، واركان استصحاب الحكم - اى النجاسة - والموضوع - اى الخمرية - في صورة الشك في انقلابها خلا كليهما باقية ولكن مع جريان استصحاب الموضوع لاتصل النوبة الى استصحاب الحكم لحكومة استصحاب الموضوع على استصحاب الحكم. وذكر سيدنا الاستاذ - دامت ظلاله الوارفه - تفصيل ذلك في كتابه «منتهى الاصول». واما الاشكال على هذا الاستصحاب حكماً أو موضوعاً: بعدم وحدة القضية المشكوكة والمتيقنة - كما بينا في الاستحالة - فلا يبقى مجال لجريان كلا الاستصحابين: اما استصحاب الحكم فلعدم اتحاد الموضوع في القضيتين، واما استصحاب بقاء الموضوع، فللشك في وحدة الموضوع في القضيتين أيضا، لأن موضوع متيقن الخمرية هو هذا المايع الذي لم يكن فيه انقلاب ولا يحتمل صيرورته خلا وفي القضية المشكوكة هو المايع الذي يحتمل فيه الانقلاب، وأن يكون ذلك الموضوع الاول انعدم ووجد موضوع آخر، فلا يجرى كلا الاستصحابين. ففيه: انه يكن أن يقال بالفرق بين الاستحالة والانقلاب: بان الاستحالة حيث إنها عبارة عن تبدل العنوان والصورة النوعية، فعند الشك فيها يكون الشك في بقاء موضوع الحكم، ومعه كيف يمكن استصحاب الحكم مع الشك في بقاء الموضوع؟ وأما الانقلاب فهو زوال الوصف، لاذات ماهو الموضوع، فعند الشك فيه ماهو الموضوع باق ويكون كالاستصحاب في الأحكام الكلية، كالماء المتغير الذي زال تغيره من قبل نفسه، حيث ان الموضوع - وهو الماء - باق، وان زال وصفه - أي التغير - يقيناً، وهاهنا الشك في زوال الوصف، فلا اشكال في جريان الاستصحاب، وفرق واضح بين البابين. هذا مبني على أن يكون الانقلاب غير الاستحالة، ويكون عبارة عن تبدل وصف الشيء أوزواله دون تبدل ذاته، فلا يجرى دليل مطهرية الاستحالة فيه - وهو انتفاء الحكم لانتفاء موضوعه - ولا بد من القول بان مطهريته من جهة دلالة النصوص والروايات، وإلا فليس دليل عقلي على أن إنتفاء الوصف یوجب انتفاء الحکم، لبقاء کثیر من الاحکام علی موضوعاتها مع انتفاء كثير من الأوصاف، وقد تقدم تفصيل ذلك كله. وأما بناء على ما اخترناه - من أن الانقلاب مع الاستحالة من باب واحد، وان دليل المطهرية في كليهما واحد وعقلي، وهو انتفاء الحكم لانتفاء موضوعه - فلا يجري الاستصحاب في الانقلاب أيضاً عند الشك فيه كالاستحالة، وجميع ما ذكرنا هناك - من الاشكال، والتفصيل بين كون الشك فيه من جهة المفهوم أومن جهة المصداق - يأتي هاهنا، بل لايبقى معنى للقول بهناك أوهاهنا، لان كليهما مسألة واحدة.

(السادس) ذهاب الثلثين في العصير العنبي على القول بنجاسته بالغليان، ولكن قد عرفت أن المختار عدم نجاسته(1)

وإن كان

ص: 145


1- . اختلف الفقهاء (قدهم) في نجاسة العصير اذا غلى، وعلى فرض النجاسة بالغليان فهل يطهر اذا ذهب ثلثاه ام لا؟ قد بحثنا سابقا في هذه المسألة في باب النجاسات، واستشكلنا فيها من جهة نجاسته، والكلام هنا يقع من حيث طهارته بذهاب الثلثين على فرض النجاسة بالغليان. المشهور بين القدماء: القول بالنجاسة مطلقا - أى سواء كان غليانه بنفسه أو بالشمس أو بحرارة الهواء - وبين المتأخرين: الحكم بالطهارة مطلقا في غير العصير أي: التمري والزبيبي، وأما فيه فقد اختلفت كلماتهم... وأما نحن فنقول - تبعاً للوسيلة لابن حمزة -: إنه اذا غلى بنفسه ينجس وإلا فلا، لأنه إذا غلى بنفسه يكون مسكراً حقيقة، كما ورد في موثقة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتينى بالبختج ويقول: قد طبخ على الثلث، وأنا أعرف أنه ليشربه على النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال: خمر، لاتشربه (التهذيب، باب الذبائح والأطعمة، ص 122 - الحديث - 261.) بناء على حمل قوله «خمر، لاتشربه» على مطلق العصير، سواء كان من العنب أو الزبيب أو التمر. وأما القائلون بالنجاسة فاستدلوا عليها بوجوه: الاول: الاجماع. وفيه: أولا: ان الاجماع المنقول غير حجة، وثانياً: غير موجود لأن المخالفين في المسألة كثيرون، وثالثاً - على فرض وجوده - لعل مدرك المجمعين كان هذه الروايات، فليس من الاجماع المصطلح. الثاني: عموم المنزلة، أي تنزيله منزلة الخمر حتى في النجاسة، لافي الحرمة فقط. وفيه: أنه غير ثابت. وعلى المختار، إذا غلى بنفسه فلا يطهر بذهاب الثلين، لأنه خمر حقيقة، فاذا انقلب إلى الخل يطهر وإلا فلا. وأما إذا غلى بالنار فهو طاهر ولا ينجس، ولكن الاحوط الاجتناب فلا يفيد ذهاب الثلثين للقائلين إلا من جهة الحرمة والاحتياط بالنسبة الى الطهارة، بناء على احتمال النجاسة بالغليان كما هو قول البعض. وعلى فرض النجاسة، فهل يطهر العصير بالإنقلاب إلى الخل رأساً أم لا؟ ادعى صاحب الجواهر الاجماع على الطهارة، فان الخمر إذا طهرت بالانقلاب فالعصير بطريق أولى، ولكن هذه الاولوية غير حجة، لأنها قياس وليس بحجة عندنا. وقد ذكرنا سابقاً أن دليل الانقلاب خاص بالخمر، ولا دليل على طهارة غيرها به، نعم بالنسبة إلى المنقلب اليه الدليل مطلق خلا كان أو غيره وإطلاق العصير على الخمر في الروايات كثير، وإذا ورد في بعض الروايات لفظ «العصير» المراد به الخمر، يكون الاطلاق مجازاً من باب الأيلوية وأما من جهة الحلية، فيحل شربه بلا فرق بين ذهاب ثلثيه بالنار أو الهواء أو الشمس. وأما ما ادعى - من الانصراف الى ذهاب الثلثين بالنار، لغلبة وجوده، اما بالنسبة الى غير النار فنادر - فلا يتم للاطلاق، ولأن هذه الدعوى، ادعاء بلا دليل، لعدم الانصراف حسب المتفاهم العرفي الذي هو المناط في باب تشخيص ظواهر الالفاظ.

ص: 146

الاحوط الإحتناب عنه، فعلى المختار فائدة ذهاب الثلثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة، وأما بالنسبة إلى النجاسة، فتفيد عدم الإشكال لمن أراد الاحتياط.

ولا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار او بالشمس او بالهواء، كما لا فرق في الغليان الموجب النجاسة - على القول بها - بين المذكورات، كما ان في الحرمة بالغليان - التي لا اشكال فيها - والحلية بعد الذهاب كذلك - أي لا فرق بين المذكورات.

وتقدير الثلث والثلثين اما بالوزن او بالكيل او بالمساحة(1)الاحوط الإحتناب عنه، فعلى المختار فائدة ذهاب الثلثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة، وأما بالنسبة إلى النجاسة، فتفيد عدم الإشكال لمن أراد الاحتياط.

ولا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار او بالشمس او بالهواء، كما لا فرق في الغليان الموجب النجاسة - على القول بها - بين المذكورات، كما ان في الحرمة بالغليان - التي لا اشكال فيها - والحلية بعد الذهاب كذلك - أي لا فرق بين المذكورات.

وتقدير الثلث والثلثين اما بالوزن او بالكيل او بالمساحة(2)

ص: 147


1- . لايخفى ان الكيل والمساحة يرجع احدهما الى الاخر. نعم الفرق بينهما وبنين الوزن واضح، لان الوزن من الكم المنفصل كالعدد، والمساحة من الكم المتصل، ففي الوزن يكون التقدير بحسب الثقل، فهو مباين للكيل، والمساحة بحسب النوع، فلا يمكن حينئذ تصوير جامع ماهوى بينهما وبين الوزن. وعلى تقدير الفرق فهل الحكم هو التخيير أوالمتعين الوزن - كما احتمله بعض - او المساحة كما هو المختار. والنصوص في ذلك مختلفة: فمن بعضها يستفاد الاطلاق، اي ذهاب الثلثين مطلقا - سواء كان بحسب الكيل أو المساحة أو الوزن - موجب لحليته بعد الغليان، وذلك کخبر هثيم، عن رجل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلى من ساعته ايشربه صاحبه؟ فقال: إذا تغير عن حاله وغلا، فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 2 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 7.) ويظهر من هذه الرواية أن مطهر مطلقاً كما ذكرنا، ولكن بواسطة الظهور العرفي يمكن حملها على المساحة، وكذا غيرها من الروايات المطلقة ومع ذلك وردت روايات خاصة يستفاد منها الكيل والمساحة، كموثق عمار ابن موسى الساباطي، قال: وصفى لي أبو عبدالله عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير خلاً، فقال لي عليه السلام: تاخذ ربعاً من زبيب وتنقيه، ثم تصب عليه اثنى عشر رطلاً من ماء، ثم تنقعه ليلة... إلى أن يقول: ثم تكيله كله فتنظر كما الماء، ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الاناء الذي ترید ان تغلیه، وتقدره وتجعل قدره قصبة او عوداً، فتحدها على قدر منتهى الماء (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 5 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 2.) وزيادة على ذلك أن في تقدير ما في القدر الكبير حرجاً شديداً، وهذا الحرج يوجب انصراف الروايات إلى المساحة. قد يقال عند الشك في طهارته بالمساحة: مقتضى الاستصحاب هو النجاسة، فيتعين الوزن حينئذ. ولكن الجواب: أن اطلاق الروايات موجب لرفع اليد عن هذا الاصل أما صاحب الجواهر، فقدم التقدير بالوزن على غيره من الكيل والمساحة بقوله: والمعتبر صدق ذهاب الثلثين، من غير فرق بين الوزن والكيل والمساحة، وإن كان الأحوط الاولين، بل قبل الاول. واستشكل عليه الشيخ الأنصاري في طهارته: بأنه لم يظهر فرق بين الكيل والمساحة، انتهى. وظهر مما ذكرنا أن المساحة هي المتعين. وأما القول بالتخيير فغير تام، لأنه لا معنى للتخيير بین الأقل والاكثر، لأن ذهاب الثلثين إذا تحقق بالمساحة قبل الوزن - كما هو الغالب إذ وزن الثلث الباقي بعد ذهاب الثلثين منه بحسب المساحة أزيد من وزن كل واحد من الثلثين الذاهبين - فلم يبق مجال للوزن. وأما احتمال أن الموضوع هو الوزن، وتكون المساحة أمارة - كما قيل في قوله: إذا خفى الاذان فقصّر، وإذا خفى الجدران فقصّر - فغير صحيح، للقطع بالمخالفة للواقع دائما أي مخالفة الأمارة للواقع أو بالعكس وكذلك كون موضوع الحكم هو المساحة، وكون الوزن امارةً، أيضاً باطل لان تبين الموضوع - أي المساحة - أقدم واسهل من الوزن، لان معرفة الوزن إذا كان العصير كثيراً وكان في قدر كبير حرجي جداً، ولأنه كيف يكون ما هو مقدم دائماً موضوعاً، وما هو مؤخراً كذلك - أي دائماً - أمارة؟! فالامر يدور حينئذ بين أن نقول بان المساحة هي الموضوع، أو نقول بالتخيير، بثاءً على أن يكون التفاوت بينهما يسيراً، وأما إذا قلنا بان التفاوت لا يتسامح فيه، فالمتعين هو التقدير بالمساحة لا الوزن. واما مايقال: بتعين الوزن بدلالة بعض الروايات، وذلك كخبر عقبة بن خالد، عن أبي عبدالله عليه السلام في رجل أخذ عشرة ارطال من عصير العنب، وصب عليه عشرين رطلاً ماء، ثم طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلا وبقى عشرة ارطال، ايصلح شرب تلك العشرة ام لا؟ فقال: ما طبخ على الثلث فهو حلال (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 8 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 1). فربما تحمل هذه الرواية على التقية، ولكن إنه غير تام، لانهم يشربون على النصف. فالاحسن أن يقال: إن المراد من الثلث اولا هو التقدير بالمساحة، وذلك لان الرطل يكون من الاكيال، كما ورد في رواية هشام بن الكلبي النسابة، أنه سئل أبا عبدالله عليه السلام عن النبيذ، فقال: حلال، فقال: انا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك؟ فقال: شه شه!! تلك الخمرة المتنة، قلت: جعلت فداك!! فاي نبيذ تعنى؟ فقال: إنّ اهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه واله تغير الماء وفساد طبائعهم، فامرهم ان ينبذوا... إلى أن يقول: فقلت: أي الارطال؟ فقال: بارطال مكيال العراق (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 2 - من أبواب الماء المضاف، الحديث - 2.) ولو كان الرطل بمعنى الوزن، فاذا ذهب الثلثان يبقى اكثر من عشرة ارطال وزناً، لان البخار لا ياخذ معه شيئاً من الجرم، وما يتصاعد هو الماء فقط، فالباقي بحسب الوزن اثقل مما تتصاعد. وأما ما يقال: من أنه إن لم يكن الإعتبار بالوزن بل يكون بالمساحة فما توجيه الروايات التي مفادها الاعتبار بالوزن؟ فنقول: إن عمدة الروايات التي وردت على التقدير بالوزن رواية ابن أبي يعفور، عنه عليه السلام، قال: إذا زاد الطلاء على الثلاث أوقية، فهو حرام (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 1 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 9.) (وطلاء - ككساء - ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) لأن الأوقية هي بمعنی واحد مع أثنی عشر من الرطل لان الرطل اثنی عشر اوقیة، والأوقية أربعون درهما، ولو كانت الأوقية من الوزن فلابد من طرحها، لعدم العمل بها، مع أنها مجلة. وأيضاً ما ورد عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق ونصف، ثم يترك حتى يبرد، فقد ذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (التهذيب، باب الذبائح والاطعمة ص - 120 - الحديث - 253) قلنا: الدانق يكون بمعنى سدس الشيء باعتبار المساحة لا الوزن. والحاصل: لا يمكن حمل الاخبار على الوزن للحرج الشديد، والجمع بين الوزن والمساحة لا يمكن، والتخيير لا معنى له، فلابد من حملها على المساحة، كما هو الظاهر.
2- . لايخفى ان الكيل والمساحة يرجع احدهما الى الاخر. نعم الفرق بينهما وبنين الوزن واضح، لان الوزن من الكم المنفصل كالعدد، والمساحة من الكم المتصل، ففي الوزن يكون التقدير بحسب الثقل، فهو مباين للكيل، والمساحة بحسب النوع، فلا يمكن حينئذ تصوير جامع ماهوى بينهما وبين الوزن. وعلى تقدير الفرق فهل الحكم هو التخيير أوالمتعين الوزن - كما احتمله بعض - او المساحة كما هو المختار. والنصوص في ذلك مختلفة: فمن بعضها يستفاد الاطلاق، اي ذهاب الثلثين مطلقا - سواء كان بحسب الكيل أو المساحة أو الوزن - موجب لحليته بعد الغليان، وذلك کخبر هثيم، عن رجل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلى من ساعته ايشربه صاحبه؟ فقال: إذا تغير عن حاله وغلا، فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 2 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 7.) ويظهر من هذه الرواية أن مطهر مطلقاً كما ذكرنا، ولكن بواسطة الظهور العرفي يمكن حملها على المساحة، وكذا غيرها من الروايات المطلقة ومع ذلك وردت روايات خاصة يستفاد منها الكيل والمساحة، كموثق عمار ابن موسى الساباطي، قال: وصفى لي أبو عبدالله عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير خلاً، فقال لي عليه السلام: تاخذ ربعاً من زبيب وتنقيه، ثم تصب عليه اثنى عشر رطلاً من ماء، ثم تنقعه ليلة... إلى أن يقول: ثم تكيله كله فتنظر كما الماء، ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الاناء الذي ترید ان تغلیه، وتقدره وتجعل قدره قصبة او عوداً، فتحدها على قدر منتهى الماء (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 5 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 2.) وزيادة على ذلك أن في تقدير ما في القدر الكبير حرجاً شديداً، وهذا الحرج يوجب انصراف الروايات إلى المساحة. قد يقال عند الشك في طهارته بالمساحة: مقتضى الاستصحاب هو النجاسة، فيتعين الوزن حينئذ. ولكن الجواب: أن اطلاق الروايات موجب لرفع اليد عن هذا الاصل أما صاحب الجواهر، فقدم التقدير بالوزن على غيره من الكيل والمساحة بقوله: والمعتبر صدق ذهاب الثلثين، من غير فرق بين الوزن والكيل والمساحة، وإن كان الأحوط الاولين، بل قبل الاول. واستشكل عليه الشيخ الأنصاري في طهارته: بأنه لم يظهر فرق بين الكيل والمساحة، انتهى. وظهر مما ذكرنا أن المساحة هي المتعين. وأما القول بالتخيير فغير تام، لأنه لا معنى للتخيير بین الأقل والاكثر، لأن ذهاب الثلثين إذا تحقق بالمساحة قبل الوزن - كما هو الغالب إذ وزن الثلث الباقي بعد ذهاب الثلثين منه بحسب المساحة أزيد من وزن كل واحد من الثلثين الذاهبين - فلم يبق مجال للوزن. وأما احتمال أن الموضوع هو الوزن، وتكون المساحة أمارة - كما قيل في قوله: إذا خفى الاذان فقصّر، وإذا خفى الجدران فقصّر - فغير صحيح، للقطع بالمخالفة للواقع دائما أي مخالفة الأمارة للواقع أو بالعكس وكذلك كون موضوع الحكم هو المساحة، وكون الوزن امارةً، أيضاً باطل لان تبين الموضوع - أي المساحة - أقدم واسهل من الوزن، لان معرفة الوزن إذا كان العصير كثيراً وكان في قدر كبير حرجي جداً، ولأنه كيف يكون ما هو مقدم دائماً موضوعاً، وما هو مؤخراً كذلك - أي دائماً - أمارة؟! فالامر يدور حينئذ بين أن نقول بان المساحة هي الموضوع، أو نقول بالتخيير، بثاءً على أن يكون التفاوت بينهما يسيراً، وأما إذا قلنا بان التفاوت لا يتسامح فيه، فالمتعين هو التقدير بالمساحة لا الوزن. واما مايقال: بتعين الوزن بدلالة بعض الروايات، وذلك كخبر عقبة بن خالد، عن أبي عبدالله عليه السلام في رجل أخذ عشرة ارطال من عصير العنب، وصب عليه عشرين رطلاً ماء، ثم طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلا وبقى عشرة ارطال، ايصلح شرب تلك العشرة ام لا؟ فقال: ما طبخ على الثلث فهو حلال (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 8 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 1). فربما تحمل هذه الرواية على التقية، ولكن إنه غير تام، لانهم يشربون على النصف. فالاحسن أن يقال: إن المراد من الثلث اولا هو التقدير بالمساحة، وذلك لان الرطل يكون من الاكيال، كما ورد في رواية هشام بن الكلبي النسابة، أنه سئل أبا عبدالله عليه السلام عن النبيذ، فقال: حلال، فقال: انا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك؟ فقال: شه شه!! تلك الخمرة المتنة، قلت: جعلت فداك!! فاي نبيذ تعنى؟ فقال: إنّ اهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه واله تغير الماء وفساد طبائعهم، فامرهم ان ينبذوا... إلى أن يقول: فقلت: أي الارطال؟ فقال: بارطال مكيال العراق (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 2 - من أبواب الماء المضاف، الحديث - 2.) ولو كان الرطل بمعنى الوزن، فاذا ذهب الثلثان يبقى اكثر من عشرة ارطال وزناً، لان البخار لا ياخذ معه شيئاً من الجرم، وما يتصاعد هو الماء فقط، فالباقي بحسب الوزن اثقل مما تتصاعد. وأما ما يقال: من أنه إن لم يكن الإعتبار بالوزن بل يكون بالمساحة فما توجيه الروايات التي مفادها الاعتبار بالوزن؟ فنقول: إن عمدة الروايات التي وردت على التقدير بالوزن رواية ابن أبي يعفور، عنه عليه السلام، قال: إذا زاد الطلاء على الثلاث أوقية، فهو حرام (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 1 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث - 9.) (وطلاء - ككساء - ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) لأن الأوقية هي بمعنی واحد مع أثنی عشر من الرطل لان الرطل اثنی عشر اوقیة، والأوقية أربعون درهما، ولو كانت الأوقية من الوزن فلابد من طرحها، لعدم العمل بها، مع أنها مجلة. وأيضاً ما ورد عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق ونصف، ثم يترك حتى يبرد، فقد ذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (التهذيب، باب الذبائح والاطعمة ص - 120 - الحديث - 253) قلنا: الدانق يكون بمعنى سدس الشيء باعتبار المساحة لا الوزن. والحاصل: لا يمكن حمل الاخبار على الوزن للحرج الشديد، والجمع بين الوزن والمساحة لا يمكن، والتخيير لا معنى له، فلابد من حملها على المساحة، كما هو الظاهر.

ص: 148

ص: 149

ويثبت بالعلم وبالبينة(1)

ص: 150


1- . ذهاب الثلثين في مقام الإثبات. ولا يخفى أن حجية العلم ذاتية، وهو حجة مطلقا في الاحكام والموضوعات إذا كانت ذات اثر وحكم، واما البينة فقد ذكر سيدنا الاستاذ - دام ظله الوارف - في كتابه «القواعد الفقهية» حجيتها مفصلا، وأنها حجة بالاجماع، ولم ينقل الخلاف إلا من القاضي ابن البراج، حيث انكر حجيتها في باب النجاسات والطهارات، وكذا ما نقل عن السيد وغيره من ان الاجتهاد لا يثبت بشهادة عدلين، وما نقل من انها مختصة بباب القضاء مع ان الدليل الدال على حجيتها عام، كخبر مسعدة بن صدقة وهو: الاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 4 - من ابواب ما يكتسب به، الحديث - 4). فجعلها عدلاً للعلم، اذ لا فرق بين العلم والبينة، إلا ان الاول حجيته ذاتية والثاني جعلية، إذاً فلا فرق بينهما في عموم الحجية لكل موضوع، سواء كان في باب القضاء أو غيره. وقد يستشكل: بانها وردت في الحلية، ولا دليل على الحجية في باب النجاسة. والجواب: انا نعلم قطعاً أنه خصوصية للحلية، بل تشمل النجاسة والطهارة أيضاً، كما ورد عن عبدالله بن سليمان، عن أبي عبدالله عليه السلام في الجبن، قال: كل شيء حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 61 - من أبواب الاشربة المباحة، الحديث - 2.) وكما ورد في ثبوت الهلال عن الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام: ان علياً عليه السلام كان يقول: لا اجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين (الوسائل، كتاب الصوم، الباب - 11 - من ابواب احكام شهر رمضان، الحديث - 1.) ومنها ما ورد في الدعاوى: البينة على المدعى واليمين على من أنكر (المستدرك، كتاب القضاء، الباب - 3 - من ابواب احكام الدعاوى.) وهكذا وردت في باب الحدود، والروايات في هذا الموضوع كثيرة جداً. والخلاصة: أن الفقيه المتتبع إذا أمعن النظر في الروايات، يقطع بانه لا خصوصية لها بمورد دون مورد، بل حجيتها عامة تشمل الموضوعات جمعياً: من حيث الحلية والطهارة وغيرهما. وأيضاً السيرة جارية في جميع الامم، حيث يأخذون بقول الشاهدين إذا كانا ثقتين ولم يكن لهما موهن.

ولا يكفى الظن(1)

ص: 151


1- . لعدم الدليل على حجيته، فهو غير حجة مطلقا، لأصالة حرمة العمل بالظن إلا ما خرج بالدليل. نعم بناءً على تمامية القول بالانسداد - حتى في الموضوعات، حيث إنه لا طريق لتحصيل العلم غالبا في بعض الموضوعات وكذلك العلمي - فلابد من العمل بالظن، ولكن بين سيدنا الاستاذ - دامت ظلاله الوارفة - عدم تمامية مقدمات الإنسداد في الأحكام، فضلاً عن الموضوعات. وتفصيل ذلك في «منتهى الاصول».

وفي خبر العدل الواحد اشكال(1) الا ان يكون في يده(2) ويخبر بطهارته وحليته، وحينئذ يقبل قوله وان لم يكن عادلا اذا لم يكن ممن يستحله قبل ذهاب الثلثين

ص: 152


1- . لجريان بناء العقلاء على قبول قوله والعمل على طبقه، ولكن نحن نقول بانه مردوع من الشارع بقوله: كلها على هذا حتى تقوم بها البينة: إن قلت: إن مفهوم قوله تعالى «ان جائكم فاسق بنباء فتبينوا» (القرآن الكريم، سورة الحجرات، الآية - 5.) - بناءً على أن يكون للآية مفهوم - هو أنه ان كان المخبر عادلا فصِّدقه وأن خبر العادل حجة مطلقا، ولابد من الاخذ بقوله وإن كان في الموضوعات. قلنا: إن هذا المفهوم تخصص بالروايات التي خصّصت الحجية بشهادة عدلين، كرواية مسعدة كما مر، وكذلك السيرة مردوعة كما ذكرنا.
2- . أما قول ذي اليد فحجة، للسيرة المستمرة حتى من صاحب الشريعة، حيث كان يقبل قول ذي اليد، وأيضاً الدليل على حجية قول ذي اليد ما ورد في بعض الروايات الدالة على قبول قوله في موارد عديدة كما إذا اخبر البايع بالكيل (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 33 - من ابواب مقدمات التجارة.) أو اخبر البايع باستبراء الامة (الوسائل كتاب النكاح، الباب - 6 - من ابواب نكاح العبيد والاماء.) وغير ذلك... وأما موثق معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل من اهل المعرفة بالحق ياتينى بالبختج ويقول: قد طبخ على الثلث. وانا اعرفه أنه يشربه على النصف؟ فقال: خمر، لا تشربه (التهذيب، باب الذبائح والاطعمة الحديث - 261.) فعدم تصديق ذي اليد لان شربه على النصف يكون موهنا، والقدر المتيقن هو قبول قول العادل العارف إن لم يكن موهن في البين. وأما ما ورد في الروايات من خضب الاناء (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 7 - من ابواب الاشربة المحرمة.) فيكون من باب الملازمة العادية بين الخضب وذهاب الثلثين. والحاصل: ان قول ذي اليد حجة إذا كان مسلماً موثقاً، أما العدالة فلا دليل على اعتبارها، وأما ما ورد من قوله عليه السلام «لا يصدّق إلا أن يكون مسلماً عارفاً» فالظاهر وإن كان اعتبار كونه مؤمناً موالياً، ولكن لابد من حمله على أن لا يكون متهما، لوجود روايات اخر تدل على عدم اعتبار الايمان.

(مسألة - 1) بناءً على نجاسة للعصير، إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن أو غيرهما(1)

يطهر بجفافه او بذهابثلثيه(2) بناءً على ما ذكرنا من عدم الفرق بين ان يكون بالنار او

ص: 153


1- . هذا منبي على اختاره المصنف، من عدم الفرق بين أن يكون الغليان بالنار أو بغيرها، وكذلك في ذهاب الثلثين، فانه يطهر بذهاب الثلثين، فاذا وقعت قطرة من هذا على الثوب أو البدن بعد الغليان، يطهر بجفافه أو ذهاب ثلثيه. أما بناء على ما ذكرنا سابقاً - من أن العصير إذا غلى بغير النار فلا يطهر، سواء غلى بالهواء أو الشمس، لأنه يصير خمراً - فلابد حينئذ من الانقلاب إلى الخل أو شييء آخر حتى يطهر.
2- . لا يخفى ان هذا الترديد في غير محله، لان ذهاب الثلثين يتحقق قبل الجفاف دائماً، فذكر الجفاف زائد. وعلى اي حال!! هل يطهر هذا الثوب بعد الجفاف ام لا؟ أقول: أما قبل الجفاف وذهاب الثلثين، فينجس يقيناً - بناء على نجاسة العصير - وأما بعد الجفاف، فالظاهر عدم طهارة الثوب، لان الثوب بعد تنجسه بالعصير لم يوجد مطهر له، والجفاف أو ذهاب الثلثين مطهر للعصير لا الثوب المتنجس بالعصير، وليس هناك دليل نتمسك به على طهارة هذا الثوب، لان دليل التبعية خاص بالقدر، لانه (ع) يأمر بشرب العصير بعد ذهاب الثلثين، فلو بقى القدر الذى يطبخ فيه على نجاسته، لايبقى مجال لصحة الامر بالشرب، لان القدر ينجس العصير، وشرب النجس لايجوز، فمن امره عليه السلام أو تجويزه شرب العصير نستكشف طهارة القدر وآلات الطبخ تبعاً، والا يلزم لغوية جعل الطهارة للعصير بذهاب الثلثين، فدلالة مطهرية ذهاب الثلثين على طهارة القدر وآلات الطبخ، تكون بدلالة الاقتضاء أو بالاطلاق المقامي، وكلاهما لايجري في طهارة الثوب الذي تلطخ بالعصير فجف.

بالهواء، وعلى هذا فالالآت المستعملة في طبخه تطهر بالجفاف وان لم يذهب الثلثان مما في للقدر،

ولا يحتاج الى اجراء حكم التبعية، لكن لا يخلو عن اشكال من حيث ان المحل اذا تنجس به اولاً لا ينفعه جفاف تلك القطرة، او ذهاب ثلثيها، والقدر المتيقن من الطهر بالتبعية المحل المعد للطبخ مثل القدر والالات، لاکل محل کثوب والبدن ونحوهما.

(مسألة - 2) اذا كان في الحصرم حبّة او حبتان من العنب، فعصر واستهلك، لا ينجس ولا يحرم بالغليان(1)اما اذا وقعت تلك الحبة في القدر من المرق او غيره فغلى، يصير حراماً ونجسا على القول بالنجاسة(2)

(مسألة - 3) اذا صب العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه، يشكل طهارته(3) وان ذهب ثلثا المجموع نعم لو كان قبل

ص: 154


1- . لان عصير الحصرم لاينجس بالغليان، وعصير العنب معدوم ومستهلك.
2- . اذا لم يتفرق اجزائه وغلى في داخل قشره، ينجس هو بنفسه فقط، واما اذا تفرقت اجزائه بعد الغليان، ينجس المرق أيضا، لا متزاج العصير المغلى قبل أن يذهب ثلثاه به.
3- . لابد من بيان مقدمة، وهي: أنه هل ذهاب الثلثين مطهر لكل عصير نجس ولو ذهب ثلثاه ثم تنجس، أم لا، بل العصير العنبي الذي لم يذهب ثلثاه يطهر بذهاب ثلثيه، بناء على نجاسته بالغليان؟ الظاهر من الروايات هو الثاني، فبناء على هذا فلا يطهر ولو ذهب ثلثا المجموع، لان ذهاب الثلثين يكون مطهراً للذي لم يذهب ثلثاه، لاالذي ذهب ثلثاه، ولان العصير الاول قد تنجس بالملاقاة، والنجاسة العرضیة لا تطهر بذهاب الثلثین لان ذهاب الثلثین یکون مطهراً وللنجاسة الذاتية الحاصلة له بسبب الغليان لا العرضية.

ذهاب ثلثيه - وان كان ذهابه قريبا - فلا باس(1) والفرق: ان في الصورة الاولى ورد العصير النجس على ما صار طاهراً، فيكون منجسا له، بخلاف الثانية فانه لم يصر بعد طاهراً، فورد نجس على مثله.هذا ولو صب العصير الذي لم يغل على الذي غلا، فالظاهر عدم الاشكال فيه(2)ولعل السر فيه ان النجاسة العرضية صارت ذاتية، وان كان الفرق بينه ويين الصورة الاولى لا يخلو عن اشكال، ومحتاج الى التامل!!(3).

ص: 155


1- . فبعد ذهاب ثلثي المجموع يطهر، لان النجس لاينجس مرة ثانية، فليس في كليهما الا النجاسة الذاتية الاتية من قبل الغليان، وهي تزول بذهاب الثلثين، وان كان ذهاب الثلثين من أحد العصيرين اكثر من الاخر، ولكن بما ان العرف يرى المجموع عصيراً واحداً فلا باس لانه يصدق عليه انه عصير مغلي ذهب ثلثاه.
2- . فالظاهر ايضا الطهارة في المجموع بعد ذهاب ثلثيه، لأن النجاسة العرضية لم تبق بعد ورود الذاتية بالغليان، بل يتبدل العرضي بالذاتي.
3- . والفرق بين الصورة الاولى والثانية من جهتين: الاولى: ان الذهاب يكون مطهراً لما لم يذهب ثلثاه. ان الذهاب للشيئين يكون مطهراً للعصير الذي تنجس من قبل الغليان، لا الذي تنجس بالنجاسة العرضية، اي من قبل الملاقاة، ولكن في الصورة الثانية حيث انه لم يذهب ثلثاه، فذهاب الثلثين يكون مطهراً للمجموع.

(مسألة - 4) اذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان، لا ينجس اذا غلى بعد ذلك(1)

ص: 156


1- . لاطلاق الروايات، مثلا قوله عليه السلام «العصير اذا غلى يحرم، إلا إذا ذهب ثلثاه» يشمل مالو الثلثان قبل الغليان، فالغليان بعد ذهاب الثلثين لا اثر له، فلا يحرم ولا ينجس بذلك الغليان كما في المتن. وأما لو لم يشمله الاطلاقات - كما هو الظاهر - فينجس، وظاهر الأدلة ان ذهاب الثلثين يذهب بالحرمة التي تاتي من قبل الغليان، وأما ذهاب الثلثين قبل الغليان فلا أثر له ولا يفيد. واما ما يقال: من ان المراد الثلثين المعتبر في الطهارة والحلية هو صرف الوجود، وصرف الوجود بحتقق باول وجود الطبيعة ولا ثاني له، والمفروض انه تحقق. ففيه: أولا: ان الذهاب للثلثين يكون مطهراً إذا كان موضوعه هو العصير المغلى، وهاهنا تحقق قبل الغليان. وثانيا: ان كونه من قبيل صرف الوجود غير تام في نفسه، لان جعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقة، فيحنئذ الظاهر من قوله عليه السلام: من أفطر كفر (الوسائل كتاب الصوم، الباب - 8 - من ابواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث - 1.) وهكذا قوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأً فتحوير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى أهله (سورة النساء - الایة 94 -.) ان كل افطار له كفارة، وفي كل قتل خطاء تحرير رقبة، وفيما نحن فيه كلما وجد وتحقق الغليان يكون تطهيره بذهاب الثلثين، سواء قبل الغليان وجد ذهاب الثلين ام لا. وأما القول بان الادلة منصرفة عما اذا ذهب ثلثاه قبلا، ففيه: أن ثبوت هذا الانصراف يحتاج الى الدليل، والعرف لايفهم من الادلة هذا الانصراف، فالعصير اذا غلى يحرم وهذه الجملة لها اطلاق، اى سواء ذهب ثلثاه ام لاقبل الغليان. ان قلت: اذا غلى مرة ثانية يصير يابساً قبل ان يذهب ثلثاه، فلا يمكن ذهاب الثلثين حينئذ كى يكون مطهراً له. قلت: يصب عليه الماء ويغلى حتى يذهب ثلثاه، كما في رواية عقبة ابن خالد، عن أبي عبدالله عليه السلام في رجل اخذ عشرة ارطال من عصير العنب، فصب عليه عشرين رطلا من الماء، ثم طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلا وبقي عشرة أرطال، أيصلح شرب تلك العشرة أم لا؟ فقال: ماطبخ على الثلث فهو حلال (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 8 - من ابواب الأشربة المحرمة، الحديث - 1.)

(مسألة - 5) العصير التمري او الزبيي لا يحرم ولا ينجس بالغليان على الاقوى(1)، بل مناط الحرمة والنجاسة فيهما هو الإسكار.

ص: 157


1- . قد مرت هذه المسئلة في باب النجاسات، وذكرنا هناك أن الاجماع قائم على عدم نجاسة العصير التمري وحرمته، ولكن يمكن أن يقال بان اطلاق قوله عليه السلام: العصير إذا أصابته النار يحرم (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 2 - من ابواب الأشربة المحرمة، الحديث - 1.) يشمل العصير التمري والزبيبي كليهما، وكذا اطلاق رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان نوحاً لما هبط من السفينة غرس غرساً... الى أن يقول: فاذا اخذت عصيراً فطبخته حتى ذهب الثلثان نصيب الشيطان، فكل واشرب (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 1 - من ابواب الأشربة المحرمة، الحديث - 4.) وكذا ماورد من الخير عن حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: سألته عن شرب العصير؟ قال: تشرب مالم يغل، فاذا غلا فلا تشربه (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 3 - من ابواب الأشربة المحرمة، الحديث - 3). ولكن لابد من التكلم بان العصير التمري هل يطلق عليه العصير أم لا؟ أقول: العصير وان كان صفة مشبهة ويطلق لغة على كل ماعصر وخرج منه مايع، ولكن المتفاهم منه عند العرف هو ماء العنب خاصة، فلا يشمل العصير الزبيي والتمري. وأما صاحب الحدائق فقد ادعى الاجماع على نجاسة العصير الزبيبي، وقد يقال: هناك أدلة تدل على ذلك: الاول: الاستصحاب، فانه حينما کان عنبا كان اذا غلى يحرم يقيناً فالان اذا غلى يحرم أيضاً. وفيه: ان الاستصحاب تعليقي، وقد بين سيدنا الاستاذ - دامت ظلاله الوارفة - في كتابه «منتهى الاصول» عدم جريانه، وعلى فرض الصحة والجريان لايفيدها هنا، لان الموضوعين في القضيتين غير متحدين عرفا، وان الزبيب غير العنب. الثاني: الروايات، وبعضها وارد في خصوص العصير الزبيبي، وبعضها مطلق، منها: عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كل عصير اصابته النار فهو حرام، حتى يذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، باب - 2 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث 1.) وفيه: ماتقدم، من ان لفظة «العصير» خاص او منصرف الى العصير العنبي، كما يمكن الخدشه من جهة الدلالة في الروايتين الواردتين عن عمار بن موسى الساباطي (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، باب - 5 - من أبواب الاشربة المحرمة، الحديث 2 - 3.) وأما رواية زيد النرسي فلا يمكن الخدشة فيها من جهة الدلالة، لأنها صريحة في أن الزبيب يحرم بالغليان، وهي ما رواه زيد النرسي في أصله، قال: سئل أبو عبدالله عليه السلام عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر، ثم يصيب عليه الماء ويوقد تحته؟ فقال: لا تأكله حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث، فان النار قد أصابته (مستدرك الوسائل، الباب - 2 - من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1.) فان هذه الرواية من جهة الدلالة تامة وصريحة، والاشكالات التي أوردها على دلالتها لا تخلو عن النظر والتأمل!! وأما من جهة السند، فان زيداً النرسي مطعون عند جماعة وقد ذكر الصدوق: أن هذا الاصل لم يروه محمد بن الحسن الوليد، وكان يقول: وضعه محمد بن موس السمان، والمشهور أيضاً أعرضوا عنها ولم يعملوا بها،: والاستصحاب التعليقي غير تام، فلابد من الرجوع إلى الاصل أي: أصالة الطهارة وأصالة الحل.

(مسألة - 6) إذا شك في الغليان يبنى على عدمه(1) كما انه لو شك في ذهاب الثلثين، يبنى على عدمه(2)

ص: 158


1- . لا يخفى أنه إذا شك في الغليان، فيكون الشك في تحقق موضوع الحكمين - أي النجاسة والحرمة - فيستصحب عدمه، فلا يبقى موضوع كي نحكم بالحرمة أو النجاسة. نعم لو لم يجر الاستصحاب فتصل النوبة إلى القاعدتين وهما: كل شيء لك حلال، وكل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر.
2- . فيجري استصحاب العدم، ويدخل في عموم المستثنى منه وهو: كل عنب إذا غلى يحرم.

(مسألة - 7) اذا شك في انه حصرم او عنب، يبنى على انه حصرم(1).

(مسألة - 8) لابأس يجعل الباذنجان او الخيار ونحو ذلك في الحب مع جعل مافيه من العنب او التمر أو الزبيب ليصير خلاً، او بعد ذلك قبل ان يصير خلاً، وان كان بعد غليانه او قبله وعلم بحصوله بعد ذلك(2)

ص: 159


1- . فيجري استصحاب الحصرمية أو عدم العنبية، فيحكم بالطهارة والحلية إذا غلى.
2- . ذكرنا سابقا أن العصير انما يطهر إذا غلى بالنّار فقط بذهاب الثلثين منه، وأما بغير النّار فلا يصير طاهراً أو حلالا إلا بالانقلاب. ففي كلا القسمين، إذا وقع في العصير باذنجان أو خيار مثلا ثم غلى فهل يطهران - بعد تنجسهما بالغليان - بصيرورته خلا ام لا؟ الظاهر هو العدم، لان الانقلاب تقدم أنه موجب لطهارة الخمر الذي انقلب إلى الخل، لا الاجسام المتنجسة بها، والقول بطهارتهما بعد صيرورة العصير خلا - كما في المتن - لعله كان من باب التبعية، ولكن ذكرنا سابقاً أنه لا دليل على ان التبعية مطهرة حتى نتمسك باطلاقه في كل مكان، بل عمدة الدليل هو دلالة الاقتضاء أو الاطلاق المقامي، وكلاهما مفقودان في المقام. نعم هذان في الظرف الذي كان فيه الخمر موجودان، وإلا يكون الحكم بالطهارة في العصير لغواً، لتنجسها بملاقاتها للظرف وان صارت خلا. وأما ما قيل من أنه لا فرق بين الأجسام التي فيها للتخليل وبين غيرها مما يوجد فيها، وكذا الآنية التي يكون العصير فيها، فقياس محض لأن الآنية لو لم تكن طاهرة يكون الدليل الدال على طهارة العصير لغواً، اما في بعض الموارد الذي نحكم فانما هو بالدليل. فظهر ان الباذنجان والخيار إذا جعلا في العصير ثم غلى، فلا يطهران واو ذهب ثلثاه وانقلب خمراً، بل ينجسان العصير أيضاً.

(مسألة - 9) اذا زالت حموضة الخل العنبي وصار مثل الماء، لا باس به(1) الا اذا غلى، فانه لابد حينئذ من ذهاب ثلثيه او انقلابه خلاً ثانياً(2).

(مسألة - 10) السيلان وهو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر - لا مانع من جعله(3) في الامراق، ولا يلزم ذهاب ثلثيه كنفس التمر.(السابع) الانتقال كانتقال دم الانسان او غيره مما له نفس الى جوف ما لا نفس له(4) كالبق والقمل، وكانتقال البول الى النباتوالشجر

ص: 160


1- . الخل الذي زالت حموضته إذا غلى، إنما يحرم إذا صدق عليه العصير وسلب عنه اسم الخل، أما مع صدق الخل عليه فلا ينجس وان غلى، غاية الأمر يصدق عليه ان الخل الفاسد غلى، والخل لا ينجس بالغليان، فلا يحتاج إلى ذهاب ثلثيه أو انقلابه إلى الخل ثانياً.
2- . نعم لو صدق عليه العصير وزال عنه اسم الخل، يحتاج إلى أحد هذين لو غلى على اشكال في الثاني، إلا أن يكون اجماعياً كما ادعاه بعض.
3- . هذه المسئلة مبنية على ما تقدم من عدم الحرمة والنجاسة في العصير التمري إذا غلى، وأن الدليل خاص بالعصير العنبي.
4- . وبعبارة اخرى هو عبارة عن انتقال شيء محكوم بالنجاسة - باعتبار اضافته إلى محل خاص - إلى محل اخر، يحكم بطهارته باعتبار اضافته إلى ذلك المحل. ولا يخفى أنه ليس لنا دليل عام أو مطلق على ان الانتقال من محل إلى محل آخر موجب للطهارة - وان كان من قبيل دم المحجمه - حتى نأخذ بعمومه أو اطلاقه. نعم ادعى الاجماع في البق والقمل، كما عن الجواهر حيث نفى وجدان الخلاف، وعن الحدائق حيث نفى الخلاف بقوله: لا خلاف ولا اشكال. ولابد لتوضيح المقام في هذه المسئلة من ذكر امور: الاول: ان هذا الدم من الحيوان الذي له نفس سائلة إذا انتقل إلى بدن حيوان لا نفس له كالبق والقمل وصار جزء من بدنه على طريق التغذية، وكما إذا انتقل البول أو الماء النجس إلى النبات والشجر بواسطة عروقه، فهذا يكون طاهراً، ويكون من قبيل الاستحالة وحكمه حكمها. الثاني: إذا كان الدم دخل في جوف الحيوان، ولكن لم ينهضم من طريق التغذية، فحينئذ إذا تيقنا بانه دم انسان فنحكم بنجاسته، وكما إذا تيقنا بانه دم البق أوالبرغوث فنحكم بالطهارة. وأما إذا شككنا في هذا الدم، فهل يمكن إجتماع الاضافتين؟ قد يقال بعدم الامكان، لأن الواحد الشخصي لا يمكن أن يكون فرداً لنوعين فحينئذ هذا الدم لا يمكن أن يكون دم الانسان والبق. ولكن الجواب: أنه لا مانع من إضاضة وجود واحد إلى اثنين متغايرين: فهذا الدم الواحد بالاضافة إلى كونه من الانسان دم انسان، كما أنه بالاضافة إلى كونه في البق دم بق، فإذا امكن الجمع الدلالي بينهما يوخذ به، وإلا فيتساقطان ويرجع إلى الاصول العملية، وحيث إن استصحاب النجاسة لا مانع منه - بناء على صدق عنوان السابق عليه عرفا فيقال مثلا: ان هذا الدم الذي في جسم البق هو عين ذلك الدم الذي كان من جسم الانسان - فلا تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة لحكومته عليها. واما إذا شك في أنه دم انسان مثلا أو بق، فلو جرى استصحاب كونه دم انسان - للشك في بقائه أو صيرورته دم البق - فيكون نجساً. ولكن هذا فيما اذا كان موضوع النجاسة مطلق دم الانسان، وأما لو كان دم الانسان الذي لم يصر جزء للحيوان غير ذي النفس السائلة، فلا يجري استصحاب الحكم للشك في بقاء موضوعه. أما استصحاب نفس الموضوع، بان يقال: هذا كان دم الانسان مثلا - أودم أي حيوان ذي النفس السائلة - والان شك في انه صار دم حيوان غير ذي النفس السائلة، فيستصب بقاء ماكان. ففيه: ان العام - أي دم كل حيوان ذي نفس سائلة نجس - خصص بما اذا صار جزء للحيوان غير ذي النفس السائلة. فان قلنا: ان التخصص - وان كان بالمنفصل - يوجب تعنون العام بنقيض الخاص، فيصير مفاد العام: ان دم كل حيوان ذي النفس السائلة الذي لم يجعل جزء للحيوان غير ذي النفس نجس لامطلقا، بمعنى ان الخاص يعطى عنواناً للعام كما في اكرم العلماء ولا تكرم الفساق من العلماء، فبعد التخصيص يكون موضوع وجوب الاكرام هو العالم الغير الفاسق، فاذا شككنا في فسق زيد العالم فلا يمكن استصحاب الحكم - للشك في بقاء موضوعه الذي هو العالم الغير الفاسق - ولا الموضوع، للشك في اتحاد موضوع القضية المشكوكة مع المتيقنة، وذلك لان موضوع القضية المتيقنة كان من لم يصدر منه مايوجب الشك، بخلاف المشكوكة. اللهم!! إلا ان يستصحب عدم فسقه، فيثبت بالاستصحاب موضوع الحكم اي: أنه عالم غير فاسق، وفيما نحن فيه إذا كان موضوع النجاسة هو دم الانسان الذي لم يكن جزء للحيوان غير ذي النفس السائلة، فإذا انتقل وشككنا في صيرورته جزء له فلا يجري لااستصحاب الحكم ولا الموضوع. اما الاول فللشك في بقاء موضوعه، وهو عدم كونه جزء للحيوان غير ذي النفس السائلة. وأما الثاني فلان الموضوع في القضية المتيقنة - اي ماهو ليس بجزء يقيناً - هو الدم الغير المنتقل، وفي القضية المشكوكة هو الدم المنتقل، فاختلف الموضوعان، فلا يجرى استصحاب الموضوع أيضاً، فالمرجع هو قاعدة الطهارة، ولكن مع ذلك يمكن ان نجري استصحاب الحكم، لان الموضوع متحد عرفاً، وذلك بان يقال: ان هذا الدم الشخصي كان نجساً والان يشك في بقاء نجاسته فيستصحب.

ص: 161

ونحوهما، ولابد من من كونه على وجه لايسند الى المنتقل عنه، وإلا لم يطهر، كدم العلق بعد مصه من الإنسان.

ص: 162

(مسألة - 1) اذا وقع البق على جسد شخص فقتله، وخرج منه الدم لم يحكم بنجاسته(1) الا إذا علم انه هو الذي مصه من جسده، بحيث اسند اليه لا الى البق، فحينئذ يكون كدم العلق(2).(الثامن) الاسلام، وهو مطهر لبدن الكافر(3) ورطوباته المتصلة به - من بصاقه وعرقه و نخامته(4) والوسخ الكائن على بدنه - واما للنجاسة الخارجية التي زالت عينها،

ص: 163


1- . لانا وان ذكرنا ان الاستصحاب يجري، ولكن مع ذلك يمكن ان نقول بالطهارة، للسيرة المستمرة من زمن المعصوم على عدم اجتنابهم عن هذا الدم ولاطلاق الروایات الواردة في هذا المقام مثل حدیث غياث، عن جعفر، عن أبيه قال: لابأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 23 - من ابواب النجاسات، الحديث 5). وهل يمكن ان يقاس غير البوغوث على البرغوث؟ القدر المتيقن هو دم البوغوث والبق كما في بعض الروايات، مثل مكاتبة محمد بن الريان قال: كتبت إلى الرجل عليه السلام: هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث، وهل يجوز لاحد ان يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه، وان يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع عليه السلام: يجوز الصلاة، والطهر منه افضل (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 23 - من ابواب النجاسات، الحديث - 3.)
2- . وأما دم العلق فانه خارج عن هذا الاطلاق للانصراف، فانه في نظر العرف بمنزلة المحجمة، ولا يقولون للدم الموجود في بطنه - وقد مصه جديداً، وانتفخ بطنه، ولا يتغذى به بل يقذفه -: إنه دم العلق. هذا إذا قلنا بشمول قوله «ان يقيس على نحو هذا» العلق وامثاله وأما لو كان هذا الحكم مختصا بالبق والبراغيث، فلا يحتاج إلى القول بالانصراف.
3- . أما طهارة الكافر بعد اسلامه فمما لا اشكال فيه، وهذا الحكم هو المتفق عليه بين الجميع، بل ادعى الضرورة في ذلك. نعم الكلام يقع في صدق المطهرية عليه، لان المطهرية لابد فيها من بقاء الموضوع بعد إزالة النجاسة كي يصدق على الاسلام أنه مطهر وعلى الكافر أنه يطهر به، وهنا يكون من باب تبدل الموضوع. والحق ان الاسلام مطهر لبدن الكافر، ويصدق عليه المطهرية حقيقة ولا يجوز قياسه بباب الاستحالة، لأن في الاستحالة - مثل الكلب المستحيل إلى الملح - الموضوع للنجاسة هو الجسم والصورة النوعية، وهنا الكفر ليس بصورة نوعية، حتى يقال: بعد الاسلام تبدل الموضوع، بل مجرد اعتقاد وهو امر قلبي عرفي، وتغير الاعتقاد ليس موجباً لتغير الموضوع. فالعمدة في البحث بيان ان الاسلام هل هو مطهر مطلقا أو في الجملة؟ لا اشكال في صدق المسلم على من اعتقد بالشهادتين، وأما من اظهر العداوة أيضاً يصدق عليه المسلم، وان ورد في بعض الروايات: الناصبي انجس من الكافر، كما ورد عن عبدالله بن أبي يعفور، عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث، قال: اياك ان تغسل من غسالة الحمام... إلى ان يقول: فان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً انجس من الكلب، وان الناصب لنا اهل البيت لأنجس منه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 11 - من ابواب النجاسات، الحديث 5.) فالظاهر أنه بحكم الكافر.
4- . بل كل مالا تحله الحياة كالظفر والشعر وامثالهما، كما لا اشكال في نجاسة كل شيء منه مما هو نجس في المسلم كالبول والدم والمني.

ففي طهارته منها اشكال(1) وان كان هو الاقوى.

ص: 164


1- . ويرد عليه أنه ذكر في باب العصير: إذا كانت النجاسة العارضة من غير الاصلي فلا يطهر، لان ذهاب الثلثين يطهِّر النجاسة الأصلية دون العرضية، فعلى أي حال يأتي ما من الاشكال السابق بان النجس لايتنجس فليس هناك نجاسة عرضية في البين كي نبحث عن زوالها بالاسلام وعدم زوالها. اما إذا قلنا بان هناك نجاستين عرضية وذاتية لأن النجس يتنجس ثانياً، فالاسلام يطهِّر النجاسة الذاتية، فلابد من تطهير العرضية بعد الاسلام.

نعم ثيابه التي لاقاها حال الكفر مع الرطوبة لا تطهر(1) على الاحوط، بل هو الاقوى فيما لم يكن على بدنه فعلاً.(مسألة - 1) لا فرق في الكافر بين الاصلي والمرتد الملي(2).

ص: 165


1- . أما بالنسبة إلى الملابس التي ليست على ابدانهم والاواني، فهل يطهر بالتبعية أم لا؟ فالحكم بالطهارة مشكل لأن العمدة في طهارة هذه الامور التي ذكرناها - مما هي متصلة ببدنه - هي السيرة القطعية بعدم امر الكفار بعد اسلامهم بتطهير ابدانهم، بل الثياب التي على ابدانهم. وأما ما ورد في بعض الكتب - كتفسير علي بن ابراهيم - في اسلام اسيد بن خضير من الانصار، حيث رمى بنفسه مع ثيابه في البئر، وفي اسلام سعد بن معاذ، حيث بعث إلى منزله وأتى بثوبين طاهرين واغتسل وشهد شهادتين. فالجواب: أنه على فرض تمامية دلالتهما، لا يمكن رفع اليد عن السيرة القطعية من جهة هذه الموارد النادرة. وأما الألبسة التي ليست على أبدانهم وتنجست حال الكفر، فالحكم بطهارتها مشكل جداً، كما أن الاستدلال لهذه الأمور بقوله صلى الله عليه وآله «الإسلام يجبّ ما قبله» (كنز العمال: 17،20 تفسير القمي: 388، السيرة الحلبية: 3/17، 105، 106 تاريخ الخميس: 2//93، الاصابة: 3/566، الجامع الصغير: 1/160، كنوز الحقائق: 64) مشكل أيضاً، لأن هذه القاعدة وردت فيما إذا جنى شخص في حال الكفر وأوجب عليه القتل أو الدية، فببركة الإسلام يرتفع هذه الأمور، فالحديث أجنبي عن محل البحث، فالإنصاف!! أن العمدة في الدليل هي السيرة، وأما دلالة الإقتضاء أو الإطلاق المقامي، فلا يشملان الألبسة التي كانت على بدن الكفار حال الكفر، كما أن السيرة أيضاً لا تشمل الأواني المستعملة حال الكفر، وكذا الألبسة التي ليست على أبدانهم، فلابد حينئذ من غسلهما.
2- . الفرق بين المرتد الملي والفطري هو أن المعروف في تفسير الفطري: من انعقد نطفته في حال اسلام ابويه، أو اسلام احدهما، أو من ولد وكان ابواه أو احدهما مسلماً في حال ولادته، ولكن لازم هذا التعريف هو أنه لو كان ابواه أو احدهما - حال ولادته أو حال انعقاد نطفته - مسلماً، ثم كفر هذا الولد من اول بلوغه أو قبله يكون مرتداً فطرياً، وهو خلاف ما يستفاد من بعض الاخبار مثل موثقة عمار. ثم إنه هل يقبل توبة المرتد مطلقاً، أو تقبل توبة المرتد الملي فقط ولا تقبل توبة الفطري اصلا، أو تقبل منه إلا بالنسبة إلى الاحكام الاربعة وهي: القتل، وبينونة زوجته، وتقسيم امواله، واعتداد زوجته عدة الوفاة؟ وجوه. والأخبار الواردة في المرتد على طوائف: الاولى: عدم قبول توبة الفطري، كموثقة عمار الساباطي، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الاسلام، وجحد محمداً صلى الله عليه واله نبوته وكذبه، فان دمه مباح لمن سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم ارتد، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، وعلى الامام أن يقتله ولا يستتيبه (الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات، الباب - 1 - من أبواب حد المرتد، الحديث 3.). وصحيح الحسن بن سعيد قال: قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: رجل ولد على الاسلام ثم كفر واشرك وخرج عن الاسلام، هل يستتاب أو يقتل ولا يستتاب؟ فكتب عليه السلام: يقتل (الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات، الباب - 1 - من أبواب حد المرتد، الحديث 6.) الثانية: ما دل على عدم قبول توبة المرتد مطلقا، كصحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرتد؟ فقال: من رغب عن الاسلام وكفر بما انزل على محمد صلى الله عليه وآله بعد اسلامه، فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانت امرأته، ويقسم ما ترك على ولده (الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات، الباب - 1 - من أبواب حد المرتد، الحديث 2.) فهذه الرواية وأن كانت مطلقة، ولكن حملت على المرتد الفطري، لأن من رغب عن الاسلام كناية عن المسلم، وظاهرها أنه ولد مسلما فرغب عن الاسلام وخرج منه. الثالثة: ما دل على قبول توبة الملي، مثل ما ورد في ارتداد بني ناجية ودعائهم إلى الاسلام، وهي: عن أبي الطفيل: أن بني ناجية كانوا قوماً يسكنون الأسياف، وكانوا قوماً يدعون في قريش نسباً، وكانوا نصارى، فاسلموا ثم رجعوا عن الاسلام، فبعث أمير المؤمنين عليه السلام معقل بن قيس التميمي، فخرجنا معه، فلما انتهينا إلى القوم... إلى أن قال: فدعاهم إلى الاسلام ثلاث مرات فابوا... الخ (الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات، الباب - 2 - من أبواب حد المرتد، الحديث 6.). الرابعة: ما دلت على التفصيل بين قبول اسلام المرتد الملي دون الفطري، كخبر العمركي بن علي النيسابوري، عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن مسلم تنصر؟ قال: لا تقبل توبته ولا يستتاب، قلت: فنصراني اسلم ثم ارتد عن الاسلام؟ قال: يستتاب، فان رجع وإلا قتل (الفروع، كتاب الحدود ص 257، الحديث - 10.). الخامسة: ما دل على قبول توبة المرتد مطلقا، كخبر ابن محبوب، عن غير واحد من اصحابنا، عن أبي جعفر في المرتد: يستتاب، فان تاب وإلا قتل (الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات، الباب - 3 - من أبواب حد المرتد، الحديث 2.) وهذه الرواية تخصَّص بما وردت من عدم قبول توبة المرتد الفطري. السادسة: ما دل على قبول توبة الفطري، واصرحها دلالة رواية موسى بن بكير، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبدالله عليه السلام: أن رجلا من المسلمين تنصر، فأتي به إلى أمير المؤمنين فاستتابه فابى، فقبض على شعره، ثم قال: طئوه ياعباد الله، فوطىء حتى مات (الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات، الباب - 1 - من أبواب حد المرتد، الحديث 4.) وهناك روايات أخرى، مثل ما ورد عن أبان بن عثمان، عن بعض اصحابه عن أبي عبدالله عليه السلام في الصبي إذا شب فاختار الصنرانية واحد ابويه نصراني أو مسلمين؟ قال: لا يترك، ولكن يضرب على الاسلام (الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات، الباب - 2 - من أبواب حد المرتد، الحديث 2.) فهذه الرواية لها ظهور على قبول توبة الفطري أيضاً. ومنها: عن صالح أبن سهل، عن كردين، عن رجل، عن أبي عبدالله وأبي جعفر عليهماالسلام أن أمير المؤمنين عليه السلام لما فرغ من أهل البصرة، أتاه سبعون رجلا من الزط، فسلموا عليه وكلموه بلسانهم، ثم قال: إني لست كما قلتم، أنا عبدالله مخلوق. فابوا عليه وقالوا: أنت هو!! فقال: لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم في وتتوبوا إلى الله لا قتلنكم. فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا فأمر أن تحفر لهم آيار فحفرت... (الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات، الباب - 6 - من أبواب حد المرتد، الحديث 1.) فهذه الرواية لها ظهور على قبول توبة المرتد الفطري أيضاً، ولكن الأصحاب أعرضوا عنها ولم يعملوا بها. وطريق الجمع بين الطائفتين حمل كلتيهما على الروايات المفصلة، فالنتيجة قبول توبة الملي دون الفطري. ولكن الصحيح قبول توبة الفطري أيضاً، إلا بالنسبة إلى تلك الاحكام الاربعة: القتل، والبينونة، وتقسيم امواله بين ورثته، وان تعتد زوجته عدة الوفاة، والدليل على ذلك - مضافا إلى أنه بعد التوبة يكون مسلماً حقيقة، فيترتب عليه جميع احكامه - أنه لاشك في أنه مكلف باتيان جميع العبادات، والإسلام شرط قبول عبادته، فان لم يقبل توبته فلا يمكن أن يأتي بالعبادات الصحيحة، فيكون تكليفاً بما لا يطاق، فاذا كان الامر كذلك. فلابد من القول بقبول توبته.

ص: 166

ص: 167

بل الفطري أيضاً على الاقوى من قبول توبته(1) باطناً وظاهراً أيضاً، فتقبل عباداته، ويطهر بدنه. نعم يجب قتله إن أمكن وتبين زوجته(2)بل الفطري أيضاً على الاقوى من قبول توبته(3) باطناً وظاهراً أيضاً، فتقبل عباداته، ويطهر بدنه. نعم يجب قتله إن أمكن وتبين زوجته(4)

ص: 168


1- . اما قتله وتقسيم امواله وبينونة زوجته، فامر نظامي مجعول لحفظ حدود الإسلام، ولا ينافي مع إسلامه وقبول توبته. واما قبول توبته فيحكم به العقل، لان التوبة هو الرجوع عن الغي والضلال وظلمة القلب، فبعد إزالة تلك الظلمة والرجوع عن الغي والضلال لا يبقى عليه شيء حتى يكون مبعداً عن رحمة الله. نعم بالنسبة إلى آثار بعض الحرائم التي ارتكبها، فيحتمل عدم رفعها بالتوبة، فاذا شك أحد في وجود الله ثم اعتقد، فهل يمكن أن يقال بانه لم يقبل منه بل يحتاج إلى القبول لانها أمر تكويني، كما إذا كان هناك ثوب صار اسود من الوسخ، فغسل فصار ابيض، فبياضه موجود خارجي لا يحتاج تحققه إلى القبول؟ وخلاصة الكلام: أن المشهور عدم سقوط شيء من الأحكام الاربعة - وهي: وجوب قتله، وبينونة زوجته، وانتقال ماله إلى الورثة، ولزوم عدة الوفاة على زوجته - بالتوبة، ولم نعرف الخلاف من أحد إلا ابن جنيد، ولو أن ظاهر بعض الأخبار يوافق ما يقوله ابن جنيد، ولكن الأصحاب أعرضوا عنها ولم يعملوا بها، مع ما ورد من الروايات الصحيحة الدالة على عدم تاثير التوبة بالنسبة إلى الاحكام الاربعة.
2- .
3- . اما قتله وتقسيم امواله وبينونة زوجته، فامر نظامي مجعول لحفظ حدود الإسلام، ولا ينافي مع إسلامه وقبول توبته. واما قبول توبته فيحكم به العقل، لان التوبة هو الرجوع عن الغي والضلال وظلمة القلب، فبعد إزالة تلك الظلمة والرجوع عن الغي والضلال لا يبقى عليه شيء حتى يكون مبعداً عن رحمة الله. نعم بالنسبة إلى آثار بعض الحرائم التي ارتكبها، فيحتمل عدم رفعها بالتوبة، فاذا شك أحد في وجود الله ثم اعتقد، فهل يمكن أن يقال بانه لم يقبل منه بل يحتاج إلى القبول لانها أمر تكويني، كما إذا كان هناك ثوب صار اسود من الوسخ، فغسل فصار ابيض، فبياضه موجود خارجي لا يحتاج تحققه إلى القبول؟ وخلاصة الكلام: أن المشهور عدم سقوط شيء من الأحكام الاربعة - وهي: وجوب قتله، وبينونة زوجته، وانتقال ماله إلى الورثة، ولزوم عدة الوفاة على زوجته - بالتوبة، ولم نعرف الخلاف من أحد إلا ابن جنيد، ولو أن ظاهر بعض الأخبار يوافق ما يقوله ابن جنيد، ولكن الأصحاب أعرضوا عنها ولم يعملوا بها، مع ما ورد من الروايات الصحيحة الدالة على عدم تاثير التوبة بالنسبة إلى الاحكام الاربعة.
4- .

وتعتد عدة الوفاة، وتنتقل امواله الموجودة حال الارتداد الى ورثته، ولا تسقط هذه الاحكام بالتوبة، لكن يملك ما كتسبه بعد التوبة(1)

ص: 169


1- . الأقوال في هذه المسألة كثيرة: قول بعدم تملكه مطلقا، وقول بتملكه ولكن ينتقل إلى الورثة، وقول باستقرار ما يملكه جديداً بعد التوبة وقبلها. والتحقيق هو القول الاخير، أما بعد التوبة فواضح، إذ بعدما تاب ولم يقتل لا دليل على عدم تملكه، مع وجود العمومات الاولية وأن عمل المسلم محترم، وكذا لادليل على نقله إلى الورثة بعد ماتملكه، لان الادلة الدالة على تقسيم امواله إنما تدل على الاموال الموجودة عنده حال الارتداد لا مااكتسبه جديداً، أما قبل التوبة فلان الكافر يملك، ولا دليل على انتقال هذا الملك إلى الورثة. وأما بالنسبة إلى عباداته - من الصوم والصلوة والحج وما يشّرط فيها الاسلام - فلا اشكال في صحتها منه، لانه مكلف بالعبادة قطعاً فاذا أتى بها على وجهه بعد التوبة يكون مجزياً، وإلا يلزم تكليفه بما لا يطاق وبما يمتنع صدوره عنه، وهو قبيح وعلى الحكيم محال. وأما ما ذكره ابو هاشم من أن الامتناع بالإختيار لا ينافي الإختيار. ففيه: أنه لا ينافي الاختيار عقاباً لا خطاباً، لان تكليف العاجز قبيح، بل على ماهو التحقيق غير ممكن وإن كان العجز بسوء اختياره. وأما بالنسبة إلى دفنه وتجهيزه والصلوة عليه وطهارة بدنه، فالظاهر إجراء جميع احكام الاسلام عليه عدا الأربعة المذكورة، لأنه مسلم حقيقة، لأن الاسلام عبارة عن الاعتقاد بالله وأنه لا شريك له لا في الذات ولا في الصفات ولا في مقام الفاعلية، وأن محمداً صلى الله عليه واله رسوله، وكل ما جاء به حق ومن عنده جل جلاله، والمفروض أنه بعد التوبة معتقد بجميع ذلك، فلا يعقل أن لا يكون مسلماً.

ويصح الرجوع الى زوجته(1) بعقد جديد، حتى قبل خروج العدة على الاقوى.

(مسألة - 2) يكفي في الحكم بإسلام الكافر إظهار الشهادتين(2) وإن لم يعلم موافقة قلبه للسانه(3) لا مع العلم بالمخالفة(4).

ص: 170


1- . ولاالإشكال فيه، وإن منعه بعض، لأن مفاد ما ورد من الروايات التي تدل على البينونة ليس هي البينونة الابدية - كما ادعى ذلك صاحب الجواهر - بل البينونة هنا بعض أقسام الطلاق وهو الطلاق البائن بحيث يتمكن الزوج من الرجوع عليها بعد العدة بعقد جديد، وما ذكره صاحب الجواهر انما يتم لو كان الاطلاق الزماني موجوداً في المقام، وهو ممنوع، إذ ليس في الادلة ما يدل على بينونة زوجته في كل زمان أو في جميع الأزمان. وكذا يتمكن من الرجوع عليها بعقد جديد في حال العدة أيضاً، لأن الاعتداد مختص بغير الزوج. نعم رواية الحضرمي عن أبي عبدالله قال: إن ارتد الرجل المسلم عن الإسلام، بانت منه إمرأته كما تبين المطلقة ثلاثا، وتعتد منه كما تعتد المطلقة، فان رجع إلى الاسلام وتاب قبل أن تّزوج فهو خاطب (التهذيب، الباب - 40 - في ميراث المرتد، الحديث 1.) ربما يتوهم منها عدم جواز الرجوع اليها، إلا بعد الانقضاء للعدة بعقد جديد وهذا مخالف للقواعد، فلا يمكن حينئذ العمل على طبقا، وبعضهم حملها على المرتد الملي.
2- . مع العلم بمطابقة ما في قلبه لما يظهر باللسان، فهذا هو الإسلام الحقيقي، الذي يترتب عليه آثار الإسلام ظاهراً وباطناً دنیوية وأخروية.
3- . كذا في صورة الشك في موافقة قلبه لما يظهره باللسان نحكم باسلامه أيضاً، عملاً بأصالة الظهور، وأن الإظهار أمارة على موافقة القلب للسان.
4- . لا إشكال حينئذ في عدم أمارية الإظهار، لأن أمارية كل أمارة متوقفة على عدم العلم بالمخالفة، وأما مع العلم بالخلاف فلا يبقى محل للأمارة أصلاً، نعم هنا كلام آخر، وهو أنه مع العلم بالخلاف، هل يترتب على ذلك الإسلام الصوري - الذي عبارة عن صرف الإقرار باللسان من دون موافقته مع الجنان - اثر من احترام ماله وعرضه، وطهارة بدنه وتزويجه لامرأة مسلمة، وامثال ذلك - كإرثه من مسلم، ووجوب كفنه، ودفنه في مقابر المسلمين، إلى غير ذلك - ام لا؟ بقي هنا شيء وهو أن الشاك الذي عقد القلب على الإسلام - بناءً على امكان ذلك - فهل يترتب عليه آثار الإسلام واقعاً من دخوله الجنة؟ وهذا يبتني على بيان أنه هل يصدق على مثل هذا أنه مسلم أم لا؟ ظاهر الشيخ في الطهارة: العدم، ويشترط مطابقة اعتقاده لما يظهره. والتحقيق في المسئلة: أنه يصدق عليه المسلم حقيقة، ولو كان شاكاً إذا لم يكن جاحداً، وذلك لما دلت علیه الایات من الفرق بین المسلم والمؤمن قال الله تعالى: قالت الأعراب آمنّا، قل لم تومنوا ولکن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الايمان في قلوبكم (سورة الحجرات - آية - 14 -.) وكذا ما ورد من الروايات مثل ما في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال: الإسلام علانية والإيمان في القلب (مجمع البيان: 5/137.) ومثل صحيح حمران بن اعين، عن أبي جعفر عليه السلام يقول: الإيمان ما استقر في القلب، وافضى به إلى الله، وصدقه العمل بالطاعة لله، والتسليم لأمر الله، والإسلام ما ظهر من قول وفعل (الوافي المجلد الاول، ابواب تفسير الايمان والاسلام وما يتعلق بهما، ص - 18 -.) ولما ورد من الروايات في أن المسلم إذا لم يكن جاحداً ولو كان شاكاً فليس بكافر، كما ورد في رواية زرارة، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 2 - من ابواب مقدمة العبادات، الحديث 8.) وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يجتنب عن المنافقين. وما قبل من أن هذا كان مختصاً الاسلام، ففيه: أنه لا دليل على هذا الاختصاص، مع أن الأئمة عليهم السلام أيضاً كانوا لا يجتنبون عن المنافقين بعد أن ملاء الاسلام الدنيا شرقاً وغرباً.

ص: 171

(مسألة - 3) الاقوى قبول(1) اسلام الصبي المميز اذا كان عن بصيرة.

(مسألة - 4) لايجب على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل، بل يجوز له الممانعة(2).

ص: 172


1- . لا يخفى أنه بناء على مشروعية عبادات الصبي - كما هو الصحيح - هو مسلم حقيقة إذا أقر باللسان، ولا فرق بين من بلغ عشر سنين ام لا ولعل التحديد بالعشر انما يكون لأجل أن التميز يحصل عند بلوغ العشر غالباً. وأما حديث رفع القلم (الوسائل كتاب الطهارة، باب - 4 - من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 11.) فهو ظاهر في رفع المؤاخذة عنه، وانه لا إلزام على الصبي رأفة ورحمة به، وهذا لاينافي اسلامه. اما الارتداد فهل يتصور في حقه ام لا؟ لا اشكال في انه يتحقق في حقه الارتداد بناء على قبول اسلامه، كما هو الحق عندنا. نعم يبقى الكلام في انه هل يشمله هذا الحديث، ويدخل في عمومه، وهو أنه من خرج عن الاسلام يقتل، ولا يستتاب، ويقسم امواله، وتيان زوجته، وتعتد عدة الوفاة ام لا؟ ولا يخفى أن حديث الرفع يرفع القتل عنه - لما قلنا من دلالته على رفع المؤاخذة - وأما بقية الاحكام الوضعية - كالضمانات، وكذا الجنايات ونحوها - فلا. وأما ماورد من الرواية من أنه اذا بلغ الصبي عشر سنين اقيمت عليه الحدود تامة (الخلاف: كتاب اللقطة - مسألة - 20 -.) فهي على تقدير ورودها معرض عنها.
2- . لان وجوب القتل متوجه الى من عداه، فعموم الخطاب يشمل عامة المسلمين الانفسه، لانه لامعنى لأن يقال: يجب عليه أيضاً ان يقتل نفسه، إلا أن ياتي دليل بهذا العنوان: أما قوله عليه السلام «فدمه مباح على كل أحد من المسلمين» منصرف عن نفسه يقيناً، بل الاحسن ان يتوب بينه وبين الله تعالى، ولا يظهر ارتداده لأحد، كما ورد عن أبي العباسي قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: أنى النبي صلى الله عليه وآله رجل فقال: إني زنيت... إلى أن قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو استتر ثم تاب كان خيراً له (الوسائل الحدود والتعزيرات، الباب - 16 - من ابواب مقدمات الحدود واحكامها العامة، الحديث 5.) وعن اصبغ ابن نباتة قال: أتى رجل الى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، فاعرض عنه بوجهه، ثم قال له: اجلس، فقال: أيعجز احدكم اذ افارق هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه (الوسائل كتاب الحدود والتعزيرات، الباب - 16 - من أبواب الحدود واحكامها، الحديث 6.) فيجوز له الممانعة من القتل وان وجب على غيره قتله.

وان وجب قتله على غيره.

(التاسع) التبعية وهي في موارد:

أحدها: تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه كمامر(1)

الثاني: تبعية ولد الكافر له في الاسلام(2) أباً کان او جداً او أماً او جدة

ص: 173


1- . وقد ذكرنا مراراً أنه ليس هنا دليل لفظي يدل على ان التبعية من المطهرات حتى نتمسك باطلاقه في هذه الموارد المذكورة، بل العمدة السيرة العملية أودلالة الاقتضاء او الاطلاق المقامي. فنقول: أما طهارة فضلات الكافر المتصلة ببدنه كبصاقه وعرقه فقد مر وجهه في مطهرية إسلامه.
2- . وهذا لايأتي فيه دلالة الاقتضاء ولا الاطلاق المقامي، نعم ادعى بعض ثبوت السيرة، وقيه تأمل!! بل العمدة في طهارته واسلامه ماورد في رواية حفص بن غياث، عن الرجل من أهل الحرب اذا اسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك؟ فقال: اسلامه اسلام لنفسه ولولده الصغار، وهم احرار وولده ومتاعه ورقيقه له، فاما الولد الكبار منهم فهم فيئى للمسلمين، الا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك (الوسائل كتاب الجهاد، الباب - 42 - من ابواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 1.) ولا يخفى انه يشمل الاب والجد من قبل الاب، وهل يشمل الام والجدة من قبل الاب، والجد والجدة من قبل الام؟ فيه أشكال، لأن قوله في الرجل من أهل الحرب اذا أسلم «إسلامه لنفسه ولولده الصغار» لايشمل غير الأب والجد من قبل الاب، وغاية مايمكن ان يدعى هو شمول الجد من قبل الام أيضا، وأما الام والجدة مطلقا - من أي طرف كانت - فلا، نعم لابأس ان يدعى الاتفاق على تبعية الولد لأشرف الابوين كما ادعى في الجواهر.

الثالث: تبعية الاسير(1) المسلم للذي أسره، إذا كان غير بالغ، ولم يكن معه أبوه أو جده.

ص: 174


1- . لايخفى أن الكلام في التبعية هنا: تارة يكون من جهة الطهارة فقط، واخرى من جهة الاسلام الذي يترتب عليه جميع أحكام المسلم. أما من الجهة الاولى - وهي الطهارة - فالظاهر من الأصحاب الطهارة واستدلوا له بوجوه: الاول: قاعدة الطهارة، لان هذا الطفل بد ما أسر نشك في إسلامه، فتجري في حقه قاعدة الطهارة، كما تجري في الحيوان المتولد من حيوانين أحدهما طاهر العين والآخر نجس العين. ولا يخفى أن هذه القاعدة انما تجري اذا لم يكن هناك أصل حاكم عليها كاستصحاب النجاسة. قد يقال: الاستصحاب لايجري في محل الكلام، لتغير الموضوع بواسطة إسارته ووقوعه تحت يد المسلم، فتجري قاعدة الطهارة، وعلى فرض جريان استصحاب النجاسة فهو معارض باستصحاب طهارة الملاقي فيتساقطان فتجري القاعدة حينئذ، لكن في الأول ان الموضوع لم يتغير لأن التبعية كانت واسطة في الثوت لا العروض، كما ان استصحاب النجاسة يجري في الماء المتغير الذي زال التغير عنه من قبل نفسه، لان الموضوع هو الماء، والتغير كان واسطة في الثبوت. وبعبارة اخرى: كان الموضوع للنجاسة في القضية المتيقنة نفس الماء وكان التغير علة عروض الحكم على نقس الماء، لا ان الماء المتغير بوصف أنه متغير كان موضوعاً كي يقال بعدم اتحاد الموضوع في القضيتين المشكوكة والمتيقنة، وكذلك في المقام، موضوع النجاسة نفس هذا الطفل لا الطفل الذي لم يأسره المسلم كي نقول بعد الأسر تغير الموضوع، وإلا على فرض جريان استصحاب النجاسة، فلا تصل النوبة الى استصحاب طهارة الملاقي لان الاول حاكم على الثاني، وهذا اوضح. الثاني: دليل نفي الحرج. وفيه: اولا: الصغرى ممنوعة. وثانيا: النقض بالكبير، بل لزوم الحرج في الكبير اظهر لكثرة الابتلاء به في اشغالهم. وثالثاً: ان هذا حكم ثانوي، والكلام هاهنا في الأحكام الأولية. الثالث: النبوي المعروف: كل مولود يولد على الفطرة... (اصول الكافي، کتاب الايمان والكفر، باب فطرة الخلق على التوحيد، الحديث 3.) اي كل مولود فطرته على الاسلام اذا لم يكن تابعاً لابويه، فاذا خرج عن تابعيته بواسطة الاسر يرجع الى فطرته. وفيه: ان معنى الحديث ليس كما ذكر، بل معناه: ان كل طفل بفطرته الاولية لو خلى ونفسه يختار الاسلام، لانه جامع للفضائل وينهى عن الرذائل، ولو كان معنى الحديث كما ذكروا واستدلوا به لكان اللازم ان نحكم باسلامه وطهارته - ولو لم يكن مسبياً - اذا انفرد عن أحد أبويه وهذا مما لايمكن ان يلتزم به فقيه. الرابع: السيرة. وفيه: ان وجود السيرة ليس بقطعي ولم يثبت، بل ادعائها دعوى بلا برهان. الخامس: الاجماع. وفيه: ان الاجماع انما يكون حجة اذا لم يكن مدركياً، ونحن نحتمل أن يكون مدرك المجمعين أحد هذه الامور التي ذكرناها. فظهر مما ذكرنا ان الحكم بالطهارة في المسبى لابد وان يكون: إمنا لان الولد الكافر ليس ينجس، اولان الكفر يكون بمعنى عدم الاقرار في مورد قابل، والطفل الصغير غير قابل، فلماذا يكون كافراً - ولكن هذا الوجه لايأتي في الطفل المميز القابل. وأما ماقيل بانه كان جزء للكافر، فالكل اذا كان نجساً فجزئه أيضاً يكون كذلك، فقيه: اولا: النقض بالولد من الحيوانين اللذين أحدهما طاهر العين والآخر نجس العين - اذا لم يصدق عليه اسم احدهما- فانهم يقولون بطهارته لقاعدة الطهارة مع ان الطفل جزء منهما - وإما لعدم جريان الاستصحاب للشك في بقاء الموضوع فتجري قاعدة الطهارة، وإما من جهة إسلامه كما قال به الإسكافي والشيخ والقاضي والشهيد،: واستدلوا بالحديث النبوي المتقدم، وبدليل نفى الحرج وقد مر الجواب عنهما. ويمكن أن يقال أيضاً: ان كفر الطفل ونجاسته المترتبه على كفره من ناحية تبعيته لإبويه، فاذا انفصل وانقطع عنهما لايكون تابعاً لهما، بل يكون تابعاً لسابيه في الاسلام. وفيه: أولا: المنع من انقطاعه عن أبويه، لانه منسوب اليهما حقيقة والمراد من التبعية هي النسبية لا الخارجية، والتبعية النسبية لاترتفع بانفصاله عنهما. وثانياً: لو كان الطفل منقطعاً عن أبويه ولم يكن تابعاً لهما، فتبعيته لآسره وسابيه في الاسلام والطهارة يحتاج الى دليل، وكلامنا في الدليل على هذا الامر وأنه شيء هو؟

ص: 175

الرابع: تبعية ظرف الخمر له بانقلابه خلاً(1).

ص: 176


1- . قد ذكرنا سابقا انه لادليل على التبعية بخصوصها، فطهارة الظرف الذي كان فيه خمر وانقلب خلا لابد أن تكون: اما بدلالة الاقتضاء اوالاطلاق المقامي، أو بالسيرة وأما الاطلاق اللفظي فغير موجود، لان طهارة الظرف اجنبي عن اطلاق دليل طهارة الخمر بعد الانقلاب، نعم السيرة، وكذا دلالة الاقتضاء، والاطلاق المقامي كلها جارية، لان هذه السيرة مستمرة من الصدر الاول من زمان النبى صلى الله عليه وآله الى زماننا، ولو قلنا بنجاسة الظرف وعدم طهارته بالتبعية فينجس الخل ايضاً بالعرض بواسطة ملاقاته لذلك الظرف النجس، فلا يبقى فائدة لانقلاب ذلك الخمر الى الخل لان ذلك الخل بعد انقلاب الخمر اليه ايضاً لايمكن شربه لنجاسته، وحيث ان الخل الذي كانوا يصنعونه من التمر والعنب - على مايقولون - يصير خمراً اولا، ثم يصير خلا، فلولم يطهر الظرف يسرى نجاسته الى الخل، فيصيره نجساً، ولا شك في انه صلى الله عليه وآله كان يستعمل الخل كثيراً، فالسيرة قائمة من ذلك الزمان على معاملة الطهارة مع الظروف التي انقلب الخمر فيها خلا. وكذا دلالة الاقتضاء في المقام تدل على طهارة الظرف، ولايكون قوله عليه السلام: لابأس - يصير الخمر طاهراً بانقلابه الى الخل - بلا فائدة، لوجود النجاسة العرضية من جهة نجاسة الظرف فيكون فيه بأس فصونا لكلام الحكيم عن اللغوية لابد وان نقول بطهارة الظرف ايضاً. وأما دلالة الاطلاق المقامي فلانه عليه السلام كان بصدد بيان جواز شرب ذلك الخل الذي انقلب الخمر اليه، فلابد له ان يبين كل مايكون له دخل في جواز الشرب، وحيث ان بقاء نجاسة الظرف مانع عن جواز الشرب، فكان عليه ان يبين، وحيث لم يبين فيدل قوله «لابأس» بالاطلاق المقامي على طهارة الظرف الذي كان فيه الخمر.

(الخامس): آلات تغسيل الميت من السّدة والثوب الذي يغسله فيه(1) ويد الغاسل(2) دون ثيابه، بل الاولى والاحوط الاقتصار على يد الغاسل.

السادس: تبعية أطراف البئر والدلو والعدة وثياب النازح(3) على القول بنجاسة البئر، لكن المختار عدم تنجسه بما عدا التغير، ومعه ايضاً يشكل جريان حكم التبعية.

ص: 177


1- . لايخفى ان هناك وجوهاً وإحتمالات في المسألة: الاول: عدم سراية النجاسة من الثوب الى الميت، إما لان الثوب يطهر معند صب الماء على الميت بلا حاجة الى العصر، أولان الثوب وان لم يطهر بالصب - لاحتياجه الى العصر - ولكن لاتسري النجاسة الى الميت تعبداً. الثاني: عدم تنجس الثوب الذي يغسل فيه الميت تعبداً أيضاً. الثالث: بقاء الثوب على النجاسة، وسراية النجاسة الى الميت من الثوب، فلابد أن يغسل الثوب مع العصر، ثم يغسل الميت أيضاً. ولكن الاقوى طهارة الثوب تبعاً لغسل الميت، وكذا السدة والخرقة بالادلة الثلاثة التي مرت.
2- . تطهر، ولا يحتاج الى غسلها منفردة، لجريان الماء على الميت وعليها، ولا يكون طهرها تبعياً، بل استقلالي لجريان الماء الطاهر عليها.
3- . يطهر ماذكر بالادلة الثلاثة المتقدمة: دلالة الاقتضاء، والاطلاق المقامي، والسيرة على القول بنجاسة البئر بما يقع فيه من النجاسات.

السابع: تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير على القول بنجاسته(1) فانها تطهر تبعا له بعد ذهاب الثلين.

الثامن: يد الغاسل وآلات الغسل في تطهير النجاسات وبقية الغسالة الباقية في المحل بعد إنفصالها.

التاسع: تبعية ما يجعل مع العنب او التمر للتخليل، كالخيار والباذنجان ونحوهما، وكالخشب والعود، فانها تنجس تبعاً له عند غليانه على القول بها، وتطهر تبعا له بعد صيرورته خلا.

العاشر من المطهرات زوال عين النجاسة او المتنجس عن جسد الحيوان(2)

غير الانسان باي وجه كان سواء كان بمزيل او من

ص: 178


1- . قد مر الكلام حول هذا الفرع والفرعین اللذین.
2- . یقع الکلام في هذه المسئلة من جهات: الجهة الاولى: في الاقوال الواردة في المسألة، فالمشهور على طهارة المحل بعد زوال عين النجاسة عنه، سواء غاب الحيوان عن العين أم لا وسواء علم بولوغه في ماء معتصم ام علم بعدمه ام الشك فيه، وعن العلامة (قدس سره) اختصاص طهره بما اذا غاب عن العين واحتمل ولوغه في الماء المعتصم، اما مع العلم بعدمه فهو محكوم بالنجاسة، وقال المحقق الاردبيلي: ان النجاسة لاترفع مع العلم بتحققها في محل إلا بعد العلم بورود المطهر عليها: الجهة الثانية في القواعد الموجودة في مقام: الاولى: ان النجاسات والمتنجسات تنجسان مايلاقيهما إذا كانت الملاقاة مع الرطوبة. الثانية: ان المتنجس مثل النجس في التنجيس لملاقيه، بل هو أيضاً من مصاديق مفهوم النجس حقيقة لان النجس حقيقة هو الذات المتلبس بالنجاسة، ولا شك في ان المتنجس متلبس بالنجاسة. الثالثة: في مقابل المرتضى (قدس سره) - بان زوال عين النجاسة موجب للطهارة في الاجسام الصيقلية - ان زوال النجاسة لايكون سببا لطهارة المحل المتنجس، بل يحتاج الى ورد مطهر عليه. الرابعة: استصحاب بقاء نجاسة المتنجس عند الشك في الزوال. الخامسة: حكومة استصحاب نجاسة الملاقي على استصحاب طهارة الملاقي. وفي الحكم بطهارة بدن الحيوان بعد زوال عين النجاسة عنه لابد من التصرف في احدى هذه القواعد، أما أن يقال بعدم كون النجس أو المتنجس منجساً، أو يقال بان بدن الحيوان متنجس ولكن ليس بمنجس لملاقيه، وإنكار حكومة استصحاب الملاقي على استصحاب طهارة الملاقى. والذي لامحذور فيه هو القول بمطهرية زوال عين النجاسة عن بدن الحيوان لعدم إمكان إنكار سائر القواعد المذكورة. الجهة الثالثة: في الادلة الدالة على الطهارة بزوال عين النجاسة أو المتنجس الموافقة لقول المشهور. ولا يخفى أن القول بان زوال النجاسة موجب للطهارة - كما عليه المشهور - مبنى على نجاسة بدن الحيوان بالملاقاة وأما إذا قلنا بان بدن الحيوان لايتنجس - كما يقول السيد المرتضى في الجسم الصيقلي - فلا يكون الزوال موجباً للطهارة، لانه لايكون نجاسة في البين كي يكون زوال العين مطهراً له. فنقول: الدليل الاول - من تلك الادلة التي تدل على حصول الطهارة بزوال عين النجاسة - الاجماع القولي، ولكن هذا الاجماع ليس بحجة، إذ لعل إتكال المجمعين يكون سائر الأدلة التي نذكرها. الثاني: السيرة العملية، وهي متصلة إلى زمان صاحب الشريعة، وهذه السيرة غير قابلة للانكار، وان المؤمنين في كل عصر الى عصر النبي (ص) لم يكونوا يجتنبون عن سؤر أي حيوان، مع أن افواههم كانت مسبوقة بالنجاسة قطعاً والعلم بعد ورود مطهر عليها. الجهة الرابعة في رفع اليد عن أحد هذه الخمسة، أما نقول بتخصص أدلة تنجيس النجس أو المتنجس بان نقول: كل نجس أو متنجس إذا لاقى جسما يتنجس إلا في جسم الحيوان، فان النجس أو المتنجس لايؤثر فيه، أو نخصص أدلة الاستصحاب ونقول: استصحاب بقاء النجاسة في المحل عند الشك في زوالها موجب لنجاسة المحل إلا في جسم الحيوان، فتجرى قاعدة الطهارة حينئذ لعدم حاكم عليها، أو نقول بان زوال النجاسة موجب للطهارة، وهو الحق لان تخصيص تلك الادلة يحتاج إلى دليل، أما لو قلنا بان الزوال موجب للطهارة فلم نخصص شيئاً، لأنه لم يرد هناك عموم بان ماعدا الشمس والارض والماء مثلا ليس مطهراً كي نقول بان زوال العين يكون مخصصا لذلك العموم، بل ورد «الشمس مطهر» و «الارض مطهر» و «إسلام الكافر مطهر» فليكن زوال النجاسة أيضا من المطهرات. الجهة الخامسة: في أن إطلاق أو عموم ما ورد من الروايات يدل على أن زوال العين عن بدن الحيوان مطهرٌ، منها صحيح زرارة عن الصاديق عليه السلام، قال: في كتاب علي عليه السلام: إن الهر سبع ولا بأس بسؤره، وإني لاستحي من الله أن ادع طعاماً لان الهر اكل منه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 2 - من أبواب الاسئار، الحديث 2.) ومنها: خبر أبي الصباح، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام لا تدع فضل السئور أن تتوضأمنه إنما هي سبع (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 2 - من أبواب الاسئار، الحديث 4.) ولا يخفى أن الهر لا ينفك غالباً النجاسات العرضية عنه خصوصاً عند ولادتها أو حينما تأكل الفأرة. ومنها: صحيح علي بن جعفر، عن اخيه عليه السلام - في حديث - قال: سألته عن الفأرة والدجاجة والحمام واشباهها تطأ العذرة ثم تطأ الثوب، أيغسل؟ قال: إن كان استبان من اثره شيء فاغسله» وإلا فلا بأس (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 37 - من أبواب النجاسات، الحديث 3.). فهذه الرواية تدل على أن الزوال موجب للطهارة، والحمل على يبوسة رجل الحيوان، أو مصادفة وقوفها في الماء المعتصم، في غاية البعد وصحيحة اخرى، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام - في حديث - قال: سألته عن العظاية والحية والوزغ يقع في الماء فلا يموت أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لابأس به. وسألته عن فأرة وقعت في حب دهن واخرجت قبل أن تموت، وأبيعه من مسلم؟ قال: نعم، ويدهن منه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 9 - من أبواب الاسئار، الحديث 1.) مع أن مبعرها وموضع بولها غير طاهرين بخروج الغائط والبول منهما. وكذا استصحاب بقاء النجاسة العرضية - من حين الولادة إلى حين الإخراج - موجود. الجهة السادسة: في طهور الثمرة بين القول بعدم تأثير النجاسة في بدن الحيوان، وبين القول بتأثيره ورفعها بزوال النجاسة، ولابد اولاً من تمهيد مقدمة يتضح المطلب. فنقول: المحمول على قسمين: ذاتى - وهو الذي لا ينفك عن الذات ففي مثل ذلك لا يمكن الشك في البقاء كي يكون مجرى الاستصحاب - وعرضي، وهو على قسمين: الاول: عرض الوجود، والثاني، عرض الماهية. والمراد من عوارض الوجود ما يعرض على الشيء بعد كونه موجوداً ومن عوارض الماهية ما يعرض على الشيء من دون اعتبار كونه موجوداً كنفس الوجود، فهو يعرض على الماهية من دون التقيد بكونه موجوداً وإلا يتسلسل، أما مثل القيام والعدالة والفسق فهي عوارض للوجود لا للماهية. فاذا تمهد هذا فأقول: ربما يتوهم عدم جريان الاستصحاب لوشك في بقاء النجاسة، وذلك للزوم وحدة القضية مع المشكوكة موضوعاً ومحمولاً في جريان الاستصحاب، وفي المقام الموضوع في المتيقنة هو النجاسة، والمحمول هو الوجود، فلو شك في بقاء النجاسة فالموضوع الذي هي النجاسة لم يحرز، لأنه مشكوك البقاء، وإحراز الموضوع لازم في استصحاب حكمه. والجواب: ان الوجود المحمول في القضية المتيقنة هو من عوارض المهية، فالموضوع - أي نفس ماهية النجاسة - لايتغير بالشك في بقاء وجوده، فلا مانع من جريان استصحاب وجودها عند الشك في بقائها.

ص: 179

ص: 180

قبل نفسه، فمنقار الدجاجة اذا تلوث بالعذرة يطهر بزوال عينها وجفاف رطوبتها، وكذا ظهر الدابة المجروح إذا زال دمه بأيّ. وجه، وكذا ولد الحيوانات الملوث بالدم عند التولد، إلى غير ذلك...

ص: 181

وكذا زوال عين النجاسة أو المتنجس عن بواطن الإنسان كفمه وأنفه وأذنه(1)

فإذا أکل طعاماً نجساً یطهر بمجرد بلعه، هذا إذا

ص: 182


1- . ان كون زوال عين النجاسة أو المتنجس عن بدن الحيون أو بواطن الانسان كفمه أو أنفه أو أذنه موجباً لطهارتها، يحتمل فيه امران بل فيه قولان: الاول: أن لايؤثر النجس أو المتنجس في المحل الملاقي لأحدهما مع الرطوبة، سواء كان ذلك المحل بدن الحيوان أو كان من بواطن الإنسان الثاني: أن يكون الزوال موجباً لطهارته بعد الفراغ عن تأثره بملاقاة أحدهما. وإطلاق المطهر على زوال العين بهذا المعنى الثاني صحيح وعلى الحقيقة، أما بناء على المعنى الاول، في إطلاقه عليه مسامحة واضحة، لأنه لانجاسة في المحل كي يكون الزوال مطهراً. وتظهر الثمرة بين الأمرين - أو القولين - بوجهين: الأول: انه بناء على القول الاول - أي: عدم تأثر المحل بملاقاة النجس أو المتنجس - يكون استصحاب النجاسة عند الشك في زوال العين لإثبات نجاسة الملاقي لذلك المحل من الأصل المثبت، لأن نفس المحل ليس بنجس على الفرض، وملاقاته للعين المشكوك زوالها من اللوازم المعقلية لبقاء العين لامن آثاره الشرعية، وأما بناء على القول الثاني - أي: تأثر المحل - فيكون نفس نجاسة المحل مشكوك البقاء بعد اليقين بثبوتها، فلا مانع من جريان الإستحصاب. الوجه الثاني من وجهي الثمرة: انه بناء على عدم تأثر بواطن الانسان مثلا لو كان في فمه دم نجس، فلو أدخل إصبعه في فمه ولم يلاق الإصبع نفس الدم ولاقى رطوبة الفم فقط، فلا يتنجس الإصبع، نعم لو لاقى نفس الدم يتنجس، وأما بناء على تأثرها يتنجس الإصبع ولو لم يلاق نفس الدم، ولكن ماقلنا في هذه الثمرة الأخيرة مبني على تنجس الملاقي الخارجي بملاقاته النجس الداخلي وإن كان الملاقاة في الداخل، وهو محل الإشكال، وقد تقدم التفصيل فراجع. وقد إستدلوا على مطهرية زوال عين النجاسة عن الباطن بوجوه: الأول: الإجماع. وفيه: ماتقدم منا مراراً، من عدم كونه - على تقدير تسليم وجوده - من الإجماع المصطلح الذي بنينا في الأصول على حجيته، للظن القوي بأن مدرك المتفقين ومستندهم هذه الأخبار المروية في هذا المقام، فلابد من مراجعة تلك الأخبار وأنها تدل أم لاتدل؟ الثانی: السیرة وبناء المتدینین عملا علی عدم الاجتناب عن البواطن بعد زوال عین النجس او المتنجس عنها. وفیه: ان ثبوتها لا یخلو عن تأمل. الثالث: الأخبار، منها: صحيحة صفوان بن يحيى، عن إسحاق ابن عمار، عن عبدالحميد بن أبي الديلم، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: رجل يشرب الخمر فيبصق، فأصاب ثوبي من بصاقه، قال: ليس بشيء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 39 - من ابواب النجاسات، الحديث 1.) ومنها: موثقة عمار الساباطي قال: سئل أبو عبدالله عليه السلام عن رجل يسيل من أنفه الدم، هل عليه أن يغسل باطنه، يعني جوف الأنف؟ فقال: إنما عليه أن يغسل ماظهر منه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 24 - من ابواب النجاسات، الحديث - 5.) ومنها: رواية ابن أبي جمهور، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: يستنجي ويغسل ماظهر على الشرج، ولا يدخل فيه الأنملة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 24 - من ابواب النجاسات، الحديث 1.) ودلالة هذه الروايات الثلاث على هذا الحكم واضحة لاتحتاج إلى البيان. وفي المسألة أربع صور. لأن كل واحد من النجس وملاقيه: إما أن يكونا من الباطن، أو يكونان من الخارج، أو يكونان مختلفين، ولكن الملاقاة في جميع الصور في الباطن. فالأول - أي ماكان الإثنان من الباطن - كما إذا لاقى سنه الطبيعي دم فمه في الداخل، والثاني كما إذا شرب الخمر وكان سنه مصنوعياً، وقد يكون الملاقي من الخارج والملاقى من الداخل، كما إذا أدخل إصبعه في فمه ولاقى دماً بين أسنانه، وقد يكون العكس بأن يكون النجس الملاقي من الخارج والملاقى من الداخل، كما إذا شرب الخمر وأسنانه طبيعية. أما في الصورة الأولى - وهي أن يكون الملاقي والملاقى كلاهما من الباطن، مثل ملاقاة المثانة للبول والعروق للدم - فلا تؤثر النجاسة إجماعاً ويكون المحل طاهراً. وأما الصورة الثانية - وهي أن تكون النجاسة من الباطن، والملاقي لها من الظاهر، كآلة الاحتقان إذا خرجت ولم تكن ملوثة، وكالأبرة التي خرجت من الداخل غير ملوثة - فقد قال الفقهاء: هذه الصورة لاتخلو عن إشكال، لأن عمدة مدرك عدم تأثير النجاسة في الباطن رواية بصاق شارب الخمر وأنه لايتنجس البصاق بواسطة ملاقاته للخمر في باطن الفم والملاقي في الرواية من الباطن، وفي شيشة الإحتقان من الخارج، فاسراء الحكم من الملاقي الداخل الى الملاقي الذي هو من الخارج يكون من القياس الباطل عندنا، اللهم!! إلا أن يقال: يستطهر من الرواية أن مناط عدم التأثير كون الملاقاة في الباطن، وليس ببعيد. وأما الصورة الثالثة - وهي أن تكون النجاسة من الخارج والملاقي من الباطن، كبصاق شارب الخمر أو آكل النجاسة - فالحكم فيها هو الطهارة، لرواية بصاق شارب الخمر وأنه ليس بشيء. وأما الصورة الرابعة - وهي أن يكون كل من النجس وملاقيه من الخارج والملاقاة في الداخل، كما إذا لاقى الغذاء المتخلف بين أسنانه الخمر في الباطن - فلعل المشهور فيها هو القول بالتنجس في هذه الصورة. لكن الظاهر عدم التنجس بملاقاة النجس في جميع الصور، لأن صورتين من تلك الصور الأربع يستفاد عدم تاثير الملاقاة فيهما من رواية البصاق، وأما الصورتان اللتان لم يرد دليل على طهارتهما، فنقول: لو كان هناك عموم أو إطلاق بأن كل جسم إذا لاقى نجساً يتنجس، كنا تقول بانصرافه عن الملاقاة في الباطن، فضلاً عما لم يكن مثل هذا العموم والإطلاق، كما إن الامر كذلك، فإنه ليس عموم لفظي في البين، والقدر المتيقن من الإجماع أو السيرة هو الملاقاة في الظاهر، وليس هناك دليل يدل على تأثر الملاقي للنجاسة بالملاقاة في الباطن، وحينئذ يجري إستصحاب الطهارة التي كانت قبل الملاقاة ونحكم بالطهارة في جميع الصور. وخلاصة البحث: أن زوال العين يكون من المطهرات في بدن الحيوان وباطن الانسان إذا كان الملاقاة في الباطن، نعم في بعض الموارد تأمل وإشكال من حيث الصغرى وأنه من الباطن أو الظاهر، كداخل الفم، وداخل السرة، وداخل الأذن، وداخل الأنف والعين، ففي جميع هذه الصور استشكل الشيخ، كما إن إبن فهد إستشكل في الماء الجاري من العين إذا كحل العين بالكحل النجس. وقال شيخنا الأستاذ: ولكن الأقرب في جسد الحيوان هو التنجس بملاقاة النجاسة والطهارة بزوال عينها وفي البواطن عدم التنجس مطلقاً، على إشكال في الخمسة الظاهرة. و مرادء - قدس سره - أن أدلة التنجس بالملاقاة منصرفة عن البواطن إلا البواطن الظاهرة، كالفم والعين والأذن والأنف والسرة فتأمل فيها!! ولكن الإنصاف قبول النجاسة فيها، وعدم الإنصراف، وإذا شككنا في الإنصراف فأصالة الظهور تشمل المورد - أي مورد الشك - فيرفعه حكماً، فإذا شككنا في مورد، أنه هل هو من الظاهر أو الباطن؟ فإن كان من الباطن يحكم بالطهارة يقيناً بعد زوال عين النجاسة، وإن كان من الظاهر نحكم بالنجاسة، لعدم كون زوال عين النجاسة من المطهرات بالنسبة إلى الظاهر. ثم إن لطهارة الباطن - بعد زوال عين النجاسة - إحتمالين: الأول: قبول الباطن للنجاسة، ولكن زوال العين مطهر له. الثاني: عدم تأثر الباطن وتنجسه بالملاقاة فإذا زالت عين النجاسة عنه، فليس نجاسة ولاشك في البين كي تجري قاعدة الطهارة.

ص: 183

ص: 184

قلنا:إن البواطن تتنجس بملاقاة النجاسة، وکذا جسد الحیوان ولکن یمکن أن یقال بعدم تنجسهما أصلاً، وإنما النجس هو العین الموجودة في الباطن او علی جسد الحیوان، وعلی هذا فلا وجه لعده من المطهرات، وهذا الوجه قریب جداً.

وممّا يترتب على الوجهين أنه لو كان في فمه شيء من الدم، فريقه نجس ما دام الدم موجوداً على الوجه الاول، فإذا لاقى شيئاً نجّسه، بخلافه على الوجه الثاني، فإن الريق طاهر، والنجس هو الدم فقط، فان أدخل إصبعه مثلاً في فمه ولم يلاق الدم لم ينجس، وإن لاقى الدم ينجس إذا قلنا بأن ملاقاة النجس في الباطن، أيضاً موجب للتنجس وإلا فلا ينجس أصلاً، إلا أخرجه وهو ملوث بالدم.

ص: 185

(مسألة - 1) إذا شك في كون شيء من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على النجاسة بعد زوال العين على الوجه الاول(1)

من الوجهين،ويبنى على طهارته على الوجه الثاني لأن الشك عليه يرجع إلى الشك في أصل التنجس.

(مسألة - 2) مطبق الشفتين من الباطن، وكذا مطبق الجفنين(2). فالمناط في الظاهر فيهما مايظهر منهما بعد التطبيق.

ص: 186


1- . وهو تاثير النجاسة في المحل وتنجسه، فبعد زوال عين النجاسة يستصحب بقاء نجاسة المحل، لكون البقاء مشكوكاً مع أنه كان متيقن النجاسة سابقاً، فعلى تقدير كونه ظاهراً لم يطهر بالزوال يقيناً، وعلى تقدير كونه باطناً تكون النجاسة زائلة يقيناً، فمع الشك نستصحب بقاء النجاسة ونحكم بالبقاء. وأما بناءً على عدم تنجس الباطن فلا يجري الإستصحاب، للشك في أصل حدوث النجاسة، لأنه لو كان باطناً لم تحدث نجاسة اصلاً. نعم لو كان ظاهراً يتنجس، فيكون أصل حدوث النجاسة مشكوكاً فيجري إستحصاب الطهارة التي كانت للملاقي قبل الملاقاة.
2- . فهل هذان الموردان وأمثالها من الظواهر أو البواطن؟ فيه كلام ويظهر من الروايات في باب الغسل أنها من الباطن، كما في رواية الحلبي قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إذا إرتمس الجنب في الماء إرتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 26 - من ابواب الجنابة، الحديث - 12.) مع القطع بعدم وصول الماء في الغالب بمجرد الإرتماس إلى مطبق الشفتين، وأيضاً ورد في باب الغسل أنه يجنب الظاهر فقط، ويستفاد من مجموع الروايتين أن مطبق الشفتين ليس من الظاهر، وإلا كان الواجب إيصال الماء اليه، لأن الظاهر يجنب، وفي صحيحة زرارة، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن غسل الجنابة... إلى أن يقول: ولو أن رجلاً جنباً إرتمس في الماء إرتماسة واحدة، أجزأ ذلك وإن لم يدلك جسده (التهذيب الباب - 6 - في حكم الجنابة وصفة الطهارة منها، الصفحة 148.) فمن هذه الروايات يظهر أنهما من الباطن، وكذا على ما يأتي - في أنه لا يجب غسل هذه الاماكن - أن هذه تكون من البواطن، ويمكن أن نقول بأنهما في الطهارة الحدثية يعدان من البواطن دون الخبثية، ولا ملازمة بينهما، ويمكن التفكيك بين البابين.

(الحادي عشر) إستبراء الحيوان الجلال، فإنه مطهر لبوله وروثه(1)والمراد بالجلال(2) مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المتعادة بتغذي العذرة، وهي غائط الإنسان(3).

ص: 187


1- . اعلم أن الإستبراء أحد المطهرات، ومعنى الإستبراء هو طلب البرائة، كما إن الإستنجاء بمعنى طلب النجو، والجلال بمعنى آكل العذرة في اللغة، وإنما قيد المصنف بالحيوان الذي يؤكل لحمه، لأن الإستبراء بالنسبة إلى غيره لا أثر له.
2- . الظاهر من الجلال إعتبار تغذيه بالعذرة وحدها، أما لو خلط معها شيئاً آخر - بأن تغذى منها ومن غيرها - فلا يحصل الجلل ولو كان أكل العذرة أكثر من أكل غيرها، نعم لو كان غيرها قليلاً جداً يصدق عرفاً الجلال.م ويدل على ما ذكرنا جملة من الروايات: منها: عن ابن أسباط، عمن روى في الجلالات قال: لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 27 - من أبواب تحريم الدواب الجلال، الحديث - 3). وخبر زكريا بن آدم، عن أبي الحسن عليه السلام انه سأله عن دجاج الماء؟ فقال: إذا كان يلتقط غير العذرة فلابأس (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 27 - من أبواب تحريم لحوم الدواب، الحديث - 5). ومرسل إبن أبي يعفور، قال: قلت لأبيعبد الله عليه السلام: إن الدجاجة تكون في المنزل وليس معها الديك، تعتلف من الكناسة وغيره وتبيض بلا أن يركبها الديكة، فما تقول في أكل ذلك البيض؟ فقال: إن البيض إذا كان مما يؤكل لحمه فلابأس بأكله، فهو حلال (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 27 - من أبواب تحريم لحوم الدواب، الحديث - 7). وخبر سعد بن سعد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن أكل لحوم الدجاج في الدساكر، وهم لا يمنعونها عن شيء تمر على العذرة مخلى عنها، فآكل بيضهن؟ قال: لابأس به (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 27 - من أبواب تحريم لحوم الدواب الجلال، الحديث - 4) والدساكر جمع الدسكرة وهي القریة.
3- . هل الحكم مختص بالعذرة، أو يشمل مطلق النجاسات مثل الدم والخمر، كما إذا أكل حيوان خمراً أو أكل ميتة أو دماً؟ وعلى فرض الإختصاص بالعذرة - كما هو الحق - فهل يشمل مطلق العذرة أو عذرة الانسان خاصة؟. المعروف هو الثاني، للانصراف، وفهم بعض أهل اللغة حيث يقول الجلال من الحيوان التي تكون غذائها عذرة الإنسان. والمشهور حملوا العذرة في الروايتين المتعارضتين - ثمن العذرة سحت (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 40 - من ابواب ما يكتسب به، الحديث 1.) ولا بأس ببيع العذرة - (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 40 - من ابواب ما يكتسب به، الحديث 2.) على عذرة الإنسان - وهي: ثمن العذرة سحت - وعلى الحيوان، وهي: لا بأس ببيع العذرة.

والمراد من الإستبراء منعه(1) من ذلك وإغتذاؤه بالعلف الطاهر حتى يزول عنه إسم الجلل، والأحوط - مع زوال الإسم - مضي المدة المنصوصة في كل حيوان بهذا التفصيل: في الإبل

ص: 188


1- . بحيث لا يتمكن من إعتلاف العذرة وإن لم يكن مربوطاً. ولا يخفى أن الروايت الواردة في المقام مختلفة بالنسبة إلى أنواع الحيوانات، مثلاً ربط الدجاجة أقل مدة من البطة، والبطة أقل من الشاة وهكذا... كما في خبر سكوني، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تغتذي ثلاثة أيام، والبطة الجلالة بخمسه أيام، والشاة الجلالة عشرة أيام، والبقرة الجلالة عشرين يوماً، والناقة الجلالة أربعين (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 28 - من ابواب الأطعمة المحرمة، الحديث - 1.) وهكذا بقية الروايات كما نذكرها مفصلاً. وهل العبرة بالتقدير - ولو لم يزل عنه إسم الجلل - أو يزوال الإسم أو أكثر الأمرين؟ المشهور هو الأخير، حيث لايمكن التحديد حسب الروايات، حتى وإن بقى عنوان الجلل الذي هو موضوع الحرمة والنجاسة مضافاً إلى أن التحديدات مختلفة أيضاً، مثلا في الشاة وردت في بعض الروايات عشرة أيام، وفي رواية أخرى أربعة عشر يوماً، والبطة في رواية خمسة، وفي رواية اخرى سبعة أيام، والبقرة في رواية ثلاثون، وفي رواية أخرى عشرون. والمختار القول الأخير، لأنه موافق للاحتياط، فاذا مضى المدة المحدودة وعنوان الجلل باق لابد من الصبر حتى يزول الاسم والعنوان أيضاً.

إلى أربعين يوماً(1) وفي البقر إلى ثلاثين(2) وفي الغنم إلى عشرة أيام(3) وفي للبطة إلى خمسة أو سبعة(4)

ص: 189


1- . من بسام الصيرفي، عن أبي جعفر عليه السلام في الابل الجلالة قال: لايؤكل لحمها ولا تركب أربعين يوماً (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 28 - من أبواب الاطعمة المحرمة، الحديث 3.)
2- . عن المسمع، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الناقة الجلالة لايؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوماً، والبقرة الجلالة لايؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 28 - من أبواب الاطعمة المحرمة، الحديث 2.)
3- . يزيد بن رفعة قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوماً، والبقرة ثلاثين يوماً، والشاة عشرة أيام (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 28 - من أبواب الاطعمة المحرمة، الحديث 4.)
4- . عن مسمع، عن أبي عبدالله عليه السلام: الناقة الجلالة لايؤكل لحمها... إلى أن يقول: والبطة الجلالة لايؤكل لحمها حتى تربى خمسة أيام (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 28 - من أبواب الاطعمة المحرمة، الحديث 4 - 5.) ورواية يونس، عن الرضا عليه السلام في المسك الجلال أنه سأل عنه؟ فقال: ينتظر به يوماً وليلة... إلى أن يقول: والبطة سبعة أيام (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 28 - من أبواب الاطعمة المحرمة، الحديث 4 - 5).

وفي الدجاجة إلى ثلاثة أيام(1) وفي غيرها يكفي زوال الإسم.

ص: 190


1- . عن يونس، عن الرضا عليه السلام في المسك الجلال... إلى أن يقول: وفي الدجاجة تحبس ثلاثة أيام (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 28 - من أبواب الاطعمة المحرمة، الحديث 5.) ولابد من ذكر امور لم يشر اليها في المتن: الأول: المدة التي يتحقق بها الجلل، هل يتحقق بمرة واحدة أو يحتاج إلى أكثر؟ أقول: النصوص خالية عن تعين المدة. ولكن هناك أقوال من الفقهاء حيث حدده البعض بيوم وليلة قياساً بالرضاع، وبعض آخر بالتغذي من العذرة بمقدار تصير جزءً منه وينمو عليها وثالث أن يأكل بمقدار ينّن لحمه وجلده، وحملها البعض على مدة الإستبراء أي يأكل بمقدار مدة الاستبراء، ولا يخفى أن شيئاً من هذه الاقوال لم يثبت بالدليل بل مجرد استحسان، فالاوجه الرجوع الى العرف بحيث يكون عند العرف جلالا. الثاني: في حرمة لحمه: والظاهر هي الحرمة، ويدل عليها صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: لاتأكل لحوم الجلالات وإن أصابك من عرقها فاغسله (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 27 - من ابواب الاطعمة المحرمة، الحديث 1.) وعن موسى بن أكيل، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السلام في شاة شربت بولا ثم ذبحت؟ قال: فقال: يغسل مافي جوفها ثم لابأس به (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 24 - من ابواب الاطعمة المحرمة، الحديث 2.) وأما نجاسة لحمه فلم يدل عليها دليل، فالمشهور هو الطهارة، والحكم بالغسل من عرقه لايدل على نجاسة لحمه، كما ذكرنا في بحث النجاسات وقلنا: إن نجاسة البول لاتنافي طهارة المجرى. أما عرق الجلال، فهل هو نجس مطلقاً - من أي حيوان جلال كان - أو خاص بالإبل، أوليس بنجس مطلقاً؟ فيه أقوال: قول بالنجاسة مطلقاً - إبلا كان أوغيره - وقول بالطهارة مطلقاً وأنه غير مانع عن الصلاة وقول بالطهارة مطلقاً - أي إبلا كان أو غيره - لكن مانع عن الصلاة، والقول الرابع التفصيل يين عرق الإبل الجلال وغيره من الحيوانات، حيث حكم بنجاسة الأول دون الثاني. أما القول بالطهارة وكونه مانعاً عن الصلوة، فمن باب القياس على عرق الجنب عن الحرام، حيث إن جماعة يقولون بطهارته وكونه مانعا عن الصلاة. ولكن القياس في غير محله، وذلك من جهة ورود الرواية بانه «لاتصل فيه» فقالوا: هذا النهى لايدل على النجاسة، بل ظاهره المانعية مثل «لاتصل فيما لايؤكل لحمه»، والرواية عن محمد بن همام، بإسناده إلى إدريس الكفر ثوثى إنه كان يقول بالوقف، فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن عليه السلام، فأراد أن يسئله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أيصلي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره، إذ حركه أبو الحسن عليه السلام بمقرعه، وقال مبتدأ: إن كان من حلال فصل فيه، وإن كان حرام فلا تصل فيه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 27 - من ابواب النجاسات، الحديث 12.) وقال بعض الفقهاء: إن عرق الجنب عن الحرام نجس، ولأجل نجاسته منع عن الصلاة فيه. ونحن رجحنا هذا القول وفاقاً لقدماء الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. ولكن قديقال بأن هذه الرواية قاصرة الدلالة عن النجاسة، لأنها تضمنت المنع عن الصلاة، وهو أعم من النجاسة. وأما في الجلال فالظاهر هي النجاسة، لأن قوله (ع) «إغسله» ظاهر في وجوب الغسل، فيدل على نجاسة هذا العرق، لأن وجوب الغسل من لوازم النجاسة، فيكون كناية عن أنه نجس، ونظائره في أبواب النجاسات كثيرة حيث إنه نثبت نجاسة جملة من الاشياء بمثل هذا التعبير، أي من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم وأما مقتضى الصناعة فهو نجاسة عرق الابل الجلال دون غيره من الحيوانات الجلالة، لأن قوله «اغسل من عرقها» أى الجلالة، من المحتمل أن يكون الجلالة إسماً للابل خاصاً، ولا يشمل مطلق الحيوانات الجلالة، لأن الجلال كما يستعمل وصفاً كذلك يستعمل إسما للابل الجلال خاصة، كما نقل عن بعض أهل اللغة، ومجرد الاحتمال كاف في الاستدلال ويكون مانعاً من التمسك بالاطلاق، لأنه بناء على هذا لاإطلاق لها. أما الركوب عليها فالظاهر هو الجواز، لعدم الدليل على الحرمة وأما مرسل الصدوق، قال: ونهی علیه السلام عن رکوب الجلالة، وشرب اللبانها. وقال: إن أصابك من عرقها فاغسله (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 27 - من ابواب الاطعمة المحرمة، الحديث 6.) فهو ساقط مع وجود الاطلاقات الواردة الدالة على جواز الركوب، وبالأخص ماورد على جواز ركوب الابل. الثالث: نجاسة بوله وخرئه، فقد دل على نجاستهما الاجماع، كما في المعتبر حيث يقول: إن إجماع أهل الاسلام قائم على نجاسة البول والخرء مما لايؤكل لحمه. ويدل على نجاسة بوله أيضا عدة من الروايات الدالة على وجوب غسل الثوب من أبوال مالايؤكل لحمه، مثل حسنة إبن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: إغسل ثوبك من بول كل مالا يؤكل لحمه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 8 - من ابواب النجاسات، الحديث 26.) فان هذه الرواية عامة، لأن الأبوال جمع بول، وهو جمع مضاف تشمل المورد بالعموم. وهناك حسنة أخرى عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إغسل ثوبك من بول مالا يؤكل لحمه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 8 - من ابواب النجاسات، الحديث 3.) وكصحيحة ابن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن البول يصيب الثوب؟ قال: إغسله مرتين (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 1 - من ابواب النجاسات، الحديث 1.) وغيرها من الروايات التي تشمل المورد بالاطلاق والعموم. الرابع: قابلية العود إلى الحلية والطهارة، ولا شك في إمكان العود اليهما ويطهر حينئذ مانجس بالجلل بعد العود، لأن النجاسة على قسمين: ذاتية - وهي التي باقیة في الجسم، وغیر قابلة للزوال اصلاً. وعرضیة وهي التي قابلة للزوال ففي الموطوء من الحيوان الحرمة وإن لم تكن ذاتية ولكن لادليل على رفع هذا الحكم عنه، وكذلك الأمر في النجاسة، أي نجاسة بوله وخرئه. أما في محل البحث فلا يمكن أن نقول بأن النجاسة فيه ذاتية، لعدم الدليل، مضافا إلى وجود الدليل الدال على الاستبراء، فيظهر منه أنه قابل للزوال، وإلا يكون دليل الاستبراء لغواً. ولا يخفى أن الحكم بالنجاسة والحرمة يدور مدار الاسم والعنوان، فاذا زال هذا العنوان فلا يمكن إستصحاب بقاء النجاسة، لتبدل الموضوع عرفاً. الخامس: هل إنه قابل للتذكية أم لا؟ هذه المسألة تأتي في الذباحة - إنشاء الله - ونذكر هناك أن كل حيوان قابل للتذكية عدا الكلب والخنزير والحشرات. والأقوال في المسألة كثيرة، منها: إن التذكية منحصرة بالحيوان المحلل الأكل، وقول ثان: إنه يشمل جميع الحيوانات عدا الانسان والنجس العين، وقول ثالث أخص من هذا القول بحيث يخرج المسوخ والحشرات ونحن قد اخترنا هناك أن ماعدا الانسان والنجس العين والحشرات قابل للتذكية، ويترتب بناء على قبول غير مأكول اللحم للتذكية طهارة لحمه وجلده بعد ذكاته.

ص: 191

ص: 192

(الثاني عشر) حجر الإستنجاء على التفصيل الآتي(1)(الثاني عشر) حجر الإستنجاء على التفصيل الآتي(2)(الثاني عشر) حجر الإستنجاء على التفصيل الآتي(3)(الثالث عشر) خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف، فانه مطهر(4) لما بقي منه في الجوف.

ص: 193


1- . وسيأتي الكلام فيه مفصلا في أحكام التخلي. وادعى الاجماع على مطهرية هذه الاحجار، وقد ورد - مضافاً إلى الاجماع - نصوص كثيرة، منها: عن زرارة، قال: كان يستنجي من البول ثلاث مرات، ومن الغائط بالمدر والخرق (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 26 - من ابواب احكام الخلوة، الحديث 6.) وعن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام إنه قال: يجزي من الغائط المسح بالأحجار ولا يجزي من البول إلا الماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 8 - من ابواب احكام الخلوة، الحديث 6).
2- . وسيأتي الكلام فيه مفصلا في أحكام التخلي. وادعى الاجماع على مطهرية هذه الاحجار، وقد ورد - مضافاً إلى الاجماع - نصوص كثيرة، منها: عن زرارة، قال: كان يستنجي من البول ثلاث مرات، ومن الغائط بالمدر والخرق (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 26 - من ابواب احكام الخلوة، الحديث 6.) وعن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام إنه قال: يجزي من الغائط المسح بالأحجار ولا يجزي من البول إلا الماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 8 - من ابواب احكام الخلوة، الحديث 6).
3- . وسيأتي الكلام فيه مفصلا في أحكام التخلي. وادعى الاجماع على مطهرية هذه الاحجار، وقد ورد - مضافاً إلى الاجماع - نصوص كثيرة، منها: عن زرارة، قال: كان يستنجي من البول ثلاث مرات، ومن الغائط بالمدر والخرق (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 26 - من ابواب احكام الخلوة، الحديث 6.) وعن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام إنه قال: يجزي من الغائط المسح بالأحجار ولا يجزي من البول إلا الماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 8 - من ابواب احكام الخلوة، الحديث 6).
4- . ويدل على ذلك - مضافاً إلى عدم الخلاف في طهارته - السيرة القطعية على عدم التجنب عنه وحلية لحم المذكى مع وجود مقدار من الدم فيه، ولكن مطهرية الخروج - بالمقدار المتعارف - لما بقي في الجوف متوقف على شيئين: الاول: نجاسة الدم في الباطن. والثاني: نجاسة الدم مطلقاً، سواء كان مسفوحاً أو غير مسفوح. أما إذا لم نقل بنجاسة الدم في الباطن، أو قلنا بأن الدم ليس بنجس مطلقاً، بل الذي ينجس هو الدم المسفوح - وأن ما ورد من الرواية «إذا لم ترفي منقاره دماً فلابأس» محمول على الدم المسفوح - فلا يحتاج إلى المطهر بخروج الدم المتعارف، بل هو طاهر في نفسه. وعلى فرض القول بالنجاسة - أي نجاسة الدم مطلقاً - يكون خروج الدم المتعارف كخروج ماء الغسالة مطهراً لما بقي في الجوف، فلا يقال: كيف يمكن أن يكون خروج مقدار من الدم مطهراً للمتخلف؟ وألحاصل أن الدم المتخلف ليس بنجس: إما لأن مطلق الدم لا دليل على نجاسته، وإما للسيرة المستمرة المتصلة بزمان المعصوم، الدالة على طهارة هذا الدم.

(الرابع عشر) نزح المقادير المنصوصة لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر على القول بنجاستها ووجوب نزحها(1).(الخامس عشر) تيمم الميت بدلاً. عن الأغسال عند فقد الماء فانه مطهر لبدنه على الأقوى(2).

ص: 194


1- . الإخنلاف قائم بين القدماء والمتأخرين في نجاسة ماء البئر بالملاقاة بمجرد وقوع النجاسة فيه: فالمتقدمون على النجاسة، والمتأخرون على الطهارة، ولكل من الفريقين دليل، والتفصيل في محله. وعلى فرض النجاسة يطهر بالنزح، فحينئذ يكون النزح بالمقادير - المذكورة في الأخبار - من المطهرات. والحق عدم تنجس ماء البئر لوقوع النجاسة فيها، لورود النصوص الصحيحة الدالة على عدم النجاسة، وكون ماء البئر متعصماً لا يتأثر بورود النجس عليها وملاقاتها له، منها عن الرضا عليه السلام قال: ماء البئر واسع لا يفسده شيء، إلا أن يتغير به ريحه أو طعمه، فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب له الطعم، لأن له مادة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 14 - من ابواب الماء المطلق، الحديث 1.) وغيرها من الروايات الدالة على عدم التنجيس بمجرد وقوع النجاسة فيه.
2- . لابد في هذه المسألة من التكلم في أمور: الأول: إنه إذا مات الميت ينجس بدنه، ولابد من غسل ملاقيه مع الرطوبة، كما إنه لابد من غسل ماسّ بدن الميت بعد البرد وقبل الغسل. الثاني: إن نجاسته قابلة للزوال كبقية النجاسات العرضية. الثالث: إن غسل الميت موجب لطهارة بدنه من الحدث والخبث. الرابع: إن كل ميت لابد أن يغسل إلا الشهيد - فانه يدفن بثيابه - وكذا المحترق والمجدور إذا خيف من تناثر لحمهما فحينئذ ييّممان. الخامس: لاشك ولا شبهة بين المسلمين في بدلية التيمم - عند فقدان الماء - عن الغسل، وإدعى غير واحد من الأصحاب الإجماع عليه مضافاً إلى ماورد من خبر زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: إن قوماً أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يارسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور، فان غسلناه إنسلخ، فقال: يمموه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 16 - من ابواب غسل الميت، الحديث 3). وأما ما قيل من ضعف السند، ففيه أنه منجبر بعمل المشهور. وقد يقال أيضاً بان هذا معارض مع صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران، إنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب، والثاني ميت، والثالث على غير وضوء، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر مايكفى أحدهم، من يأخذ الماء؟ وكيف يصنعون؟ قال: يغسل الجنب، ويدفن الميت ويتيمم الذي هو على غير وضوء، لان غسل الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم للآخر جائز (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 18 - من ابواب التيمم الحديث 1.) بيان المعارضة: أنه عليه السلام أمر بدفن الميت بدون التيمم مع فقد الماء لصرفه في غسل الجنابة. وفيه: أنه روى هذه الرواية في الوسائل هكذا (ويدفن الميت يتيمم) فلا يبقى مجال للاشكال والمعارضة، هذا مضافاً إلى ان لزوم التيمم مع فقد الماء اجماعي. الخامس: إذا مات الميت، فهل التيمم كالغسل يرفع الأثرين الحدثية والخبثية، أم لا؟ قد يقال بعدم الدليل على رفعهما خصوصاً الخبثية - ولو فرض أنه يرفع الحدثية - ولا ملازمة بين أن يكون رافعاً لأحدهما مع رفع الآخر، وعند الشك في رافعيته يرجع إلى إستصحاب النجاسة، فيكون الميت بعد التيمم نجساً أيضاً وعموم البدلية يحتاج إلى الدليل. ولكن المختار رفعهما معاً، فيكون التيمم بدلاً عنه مطلقاً، وذلك لورود روايات كثيرة: إنه - اي التراب - أحد الطهوربن ويكفيك عشر سنين، وإن التراب بمنزلة الماء، وإن رب الماء والتراب واحد... ويقطع الفقيه - بعد ملاحظة هذه الروايات - أن التيمم الذي بدل عن الغسل مثل الغسل، وما هو بدل عن الوضوء مثل الوضوء. وهذه الروايات الكثيرة التي تدل على ماذكرنا جمعها في الوسائل في الباب السابع، والباب الثالث والعشرين من أبواب التيمم، وإن شئت فراجعها ومع ظهور هذه الروايات في كونه بمنزلة الغسل والوضوء، لا يبقى مجال للتمسك باستصحاب النجاسة.

ص: 195

(السادس عشر) الإستبراء بالخرطات بعد البول، وبالبول بعد خروج المني، فانه مطهر(1) لما يخرج منه من الرطوبة المشتبهة. لكن لا يخفى أن عد هذا من المطهرات من باب المسامحة، وإلا ففي الحقيقة مانع عن الحكم بالنجاسة أصلا.

(السابع عشر) زوال التغير في الجاري والبئر(2) بل مطلق النابع بأي وجه كان. وفي عد هذا منها أيضاً مسامحة، وإلا ففي الحقيقة المطهر هو الماء الموجود في المادة.

ص: 196


1- . وموجب لعدم ناقضية الوضوء، ولكن القول بأنه أحد المطهرات مسامحة، بل هو أمارة على أنه ليس ببول ولا مني، لاإنه مطهر للرطوبة وإن كانت بولاً واقعاً، لأن الرطوبة لو كانت بولاً أو منياً یلحقه حكمهما واقعاً، ولا يطهر بالاستبراء.
2- . لايخفى أن وقوع النجاسة في البئر لايكون منجساً له مطلقا، أما اذا تغير بالنجاسة فانه ينجس، بل ينجس الماء مطلقاً بالتغير. وهل في الواقع أن زوال التغير أحد المطهرات، أو أن الزوال سبب لقابلية المحل؟ الأقوى هو الثاني، لأن الامتزاج بالماء جديد هو الذي يطهر البئر فعد النزح من البئر الذي له مادة أوزوال التغير من الجاري، من المطهرات يكون من باب المسامحة.

(الثامن عشر) غيبة المسلم(1) فانها مطهرة لبدنه، أو لباسه، أو فرشه، أو طرفه، أو غير ذلك(2) مما في يده بشروط خمسة(3):

ص: 197


1- . ولا يشتط الايمان، لقيام السيرة على الاعم وعدم التجنب عنهم بلا فرق بين كونهم معتقدين بالولاية أم لا.
2- . لعموم السيرة وجريانها في أمثال هذه الموارد، وإن ادعى بعض الاختصاص بالبدن.
3- . الأولى الاكتفاء بثلاث شروط: الأول: أن يكون عالماً بنجاسة ذلك الشيء من بدنه أو لباسه. الثاني: إستعمال ذلك الشيء فيما هو مشروط بالطهارة. الثالث: أن يحتمل تطهيره لذلك الشيء، والشرطان الآخران اللذان ذكرهما مندرجان فيما ذكرناه. وهل يكفي مجرد الاحتمال أولابد من الظن، بل قيل إن مطلق الظن لايكفي بل لابد من الظن الخاص الحاصل من شهادة حاله ومقاله، بمعنى أنه بعدالعلم بنجاسة بدنه أو مايتعلق به، لايحكم بالطهارة إلا بوجود أمارة معتبرة من علم أو علمي تكون حاكمة على الاستصحاب؟ وجوه بل أقوال. ذهب شيخنا الأعظم الأنصارى - قدس سره - إلى الأخير، نظراً الى أن حكم الاستصحاب لايرتفع إلا بوجود أمارة معتبرة - من علم أو علمي - على خلاف الحالة السابقة. لكن الأقوى هو الوجه الأول، لوجود السيرة الحاكمة على الاستصحاب وأما الاجماع فمدركي ولا إعتبار له، أما دليل الحرج فيختلف أولا بالنسبة إلى الأشخاص، وثانياً دليل الحرج يكون مفاده رفع الحكم الحرجي لا إثبات الطهارة الشرعية، وكذلك إختلال النظام الذى إستدلوا به على الطهارة. فمدرك هذا الحكم - اي مطهرية غيبة المسلم - منحصر بما إدعيناه من قيام سيرة المتدينين على ذلك، ولا فرق عندهم بين بدنه ولباسه وسائر أدواته من ظروفه وأوانيه. وهذه السيرة التي إستدلوا بها وادعوها في المقام جارية في المعاملات بين المسلمين، وخصوصاً في صورة المعاشرة معهم مع إختلاف المذاهب، فان الظاهر من العامة أنهم لايجتنبون عن كثير من النجاسات، كما إنهم يزعمون طهارة الميتة بالدباغة، ولم يعهد التجنب عنهم، ولا عما عليهم من اللباس.

الأول: أن يكون عالماً بملاقاة المذكورات للنجس الفلاني.

الثاني: علمه بكون ذلك الشيء نجساً، أو متنجساً، إجتهاداً أو تقليداً.

الثالث: إستعماله لذلك الشيء فيما يشترط فيه الطهارة على وجه يكون أمارة نوعية على طهارته من باب حمل فعل المسلم على الصحة.الرابع: علمه باشتراط الطهارة في الإستعمال المفروض.

الخامس: أن يكون تطهيره لذلك الشيء محتملا وإلا فمع العلم بعدمه لا وجه للحكم بطهارته، بل لو علم من حاله أنه لايبالي بالنجاسة وأن الطاهر والنجس عنده سواء، يشكل الحكم بطهارته(1) وإن كان تطهيره إياه محتملاً. وفي إشتراط كونه بالغاً أو يكفي ولو كان صبياً مميزاً وجهان(2) والأحوط ذلك. نعم لو رأينا أن وليه - مع علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه - يجري عليه بعد غيبته آثار الطهارة،

ص: 198


1- . لعدم ظهور من لايهتم بالتطهير في انه طهره والشك في جريان السيرة في مثل هذا المورد ومن مثل هذا الشخص.
2- . الظاهر هو الثاني لجريان السيرة على عدم الاجتناب عما يتعلق بغير المكلف من بدنه او ثيابه وامثال ذلك. نعم لابد أن يكون مميزاً للشك في جريان السيرة حتى في غير المميز، لكن مع ذلك الاحوط، مراعاة البلوغ لاحتمال عدم تحقق السيرة في حق غير البالغ.

لايبعد البناء عليها. والظاهر إلحاق الظلمة(1) والعمى بالغيبة مع تحقق الشروط المذكورة. ثم لايخفى أن مطهرية الغيبه إنما هي في الظاهر وإلا فالواقع على حاله، وكذا المطهر السابق وهو الإستبراء، بخلاف سائر الأمور المذكورة، فعد الغيبة من المطهرات من باب المسامحة، وإلا فهي في الحقيقة من طرق إثبات التطهير.(مسألة - 1) ليس من المطهرات الغسل بالماء المضاف(2) ولا مسح النجاسة عن الجسم الصيقلي كالشيشة، ولا إزالة الدم بالبصاق(3)

ص: 199


1- . ذهب صاحب الجواهر الى عدم الالحاق وقول الماتن هو الحق لظهور حال المسلم في انه لايستعمل النجس فيما هو مشروط بالطهارة وايضاً السيرة جارية في الموردين.
2- . خلافاً للصدوق، حيث أفتى بجواز الوضوء بماء الورد إستناداً إلى رواية يونس، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة؟ قال: لابأس بذلك (الكافي كتاب الطهارة، باب النوادر، الحديث 12.) هذه الرواية وإن كانت دلالتها على مقصوده واضحة بل صريحة، لكن الأصحاب أعرضوا عنها ولم يعملوا بها. وحكى عن الشيخ - قدس سره - أنه خبر شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهرها، مضافاً إلى مخالفتها للروايات الصريحة الدالة على عدم الجواز.
3- . كما نسب إلى السيد والمفيد وإبن عقيل إزالة الخبث بالماء المضاف واستدل برواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن علي عليه السلام، قال: لابأس أن يغسل الدم بالبصاق (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 4 - من ابواب الماء المضاف، الحديث 2). وفيه: أولا: كون البصاق من المضاف غير معلوم، بل معلوم العدم وثانياً: إن ذكر البصاق من باب المثال، ولا يكون للبصاق ولا للدم خصوصية، بل يكون المراد من البصاق مطلق المضاف ومن الدم مطلق النجس، وظاهر الرواية هو أن للبصاق والدم خصوصية، فيكون الدليل أخص من المدعى، بل هذا الاطلاق المدعى يكون منافياً مع روايته الأخرى وهي قوله عليه السلام: لايغسل بالبصاق غير الدم (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 4 - من ابواب الماء المضاف، الحديث 1.) وإستدل المرتضى بالإجماع، وهو غريب!! وعلى أي حال الرواية متروكة، والإجماع لا أساس له. وأما الاستدلال بإطلاق قوله عليه السلام في بعض الروايات: «إغسله» لشمول الغسل للماء المطلق والمضاف جميعاً. ففيه: أن الإطلاقات تنصرف إلى الماء المطلق، هذا مضافاً إلى تصريحه عليه السلام بكلمة «اغسله بالماء» ومعلوم أن لفظ الماء يصح سلبه عن المضاف، فيكون مجازاً فيه يحتاج إرادته منه إلى قرينة، مثلاً قوله عليه السلام - كما في رواية بريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام -: ولا يجزي من البول إلا الماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 9 - من ابواب احكام الخلوة، الحديث - 6.) لايشمل الماء المضاف يقيناً. أما إستدلال السيد - قدس سره - بأن الغرض إزالة عين النجاسة وهي تحصل بالمضاف. ففيه: أن زوال العين ليس من المطهرات إلا في بدن الحيوان. وقد ظهر فساد القول بمطهرية مسح النجاسة عن الجسم الصيقلي كالشيشة وغيرها.

ولا غليان الدم في المراق(1)

ص: 200


1- . أي ليس مطهراً له، ولكن نسب إلى المفيد والشيخ في النهاية وإلى الديلمي وأبي الصلاح الطهارة، لروايات وردت في هذا الباب: منها: عن زكريا بن آدم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير؟ قال: يهراق المرق، أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب، واللحم إغسله وكله. فقلت: فانه قطر فيه الدم؟ قال: الدم تأكله النار إن شاءالله... الخ (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 38 - من ابواب النجاسات، الحديث 8.) ومنها عن سعيد الأعرج، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن القدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقيه دم أیؤكل؟ قال: نعم، فان النار تأكل الدم (الوسائل كتاب الاطعمة الاشربة، الباب - 44 - من ابواب الأطعمة المحرمة، الحديث - 2). ومنها: عن علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: سألته عن قدر فبها ألف رطل ماء يطبخ فيها لحم وقع فيها أوقية دم، هل يصلح أكله فقال: إذا طبخ فكل (الوسائل كتاب الاطعمة الاشربة، الباب - 44 - من ابواب الأطعمة المحرمة، الحديث - 3). وأشكل على هذه الروايات من ناحية ضعف السند أولا. وإعراض الأصحاب عن العمل بها ثانياً. وروايهة زكريا بن آدم التي أفتى: بمضمونها هؤلاء - أي المفيد والشيخ والقاضي والديلمي - ضعيف سندها بابن المبارك. ورواية سعيد الأعرج أيضاً لا تخلو عن إشكال، وقال العلامة: لاأعرف حاله، والاحتجاج بها يتوقف على معرفة عدالته أو كونه ثقة، ولكن الظاهر أن سيعدالأعرج هو سعيدبن عبدالرحمن الأعرج السمان الكوفي، الذي نص على وثاقته النجاشي والأردبيلي في جامع الرواة، ولكن على فرض صحة سندها لم يعمل بمضونها أحد هؤلاء، لأن مضمون رواية سعيد ورواية علي بن جعفر وقوع أوقية من الدم، والأوقية وزن أربعين درهماً، وفتوى هؤلاء وقوع قطرة من الدم أو دم قليل، فالذي أفتى به هؤلاء هو مضمون رواية زكريا بن آدم، وهي ضعيفة السند بابن المبارك، الذي هو الحسين - مصغراً - لا الحسن - مكبراً - على ما صرح به في جامع الرواة. أما الدم الكثير - كوقوع أوقية من الدم - فلم يفت به أحد، فهذا عين عبارة الشيخ في النهاية: فان حصل فيها شيء من الدم وكان قليلا جاز أكل مافيها، لأن النار تحل الدم، وإن كان كثيراً لم يجز أكل ماوقع.

ولا خبز العجين النجس(1) ولا مزج الدهن النجس بالكر الحار(2) ولا دبغ جلد الميتة(3) وإن قال بكل قائل.

ص: 201


1- . أي: لايطهر، والقائل بطهره هو الشيخ في النهاية والاستبصار وأبي الصلاح والديلمي، ولكن مر الاشكال في باب الاستحالة عليه عقلا وعرفاً، وعليه المشهور. ومستند الشيخ ومن وافقه هو ورود النص عليه، ففي مرسلة إبن أبي عمير عمن رواه، عن أبي عبدالله عليه السلام في عجين عجن وخبز، ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة؟ قال: لا بأس، أكلت النار ما فيه (الوسائل كتاب الاطهارة، الباب - 14 - من ابواب الماء المطلق، الحديث 18)، وغيرها من الروايات، على مامر في الاستحالة. ولكن هذه الروايات - مع ما فيها من الخدشة دلالة في بعضها، وفي بعضها الآخر سنداً - معرض عنها ولم يعمل بمضمونها المشهور، مع معارضتها بجملة من الروايات الدالة على نجاسة الخبز كمرسلة أخرى لابن أبي عمير أيضاً، عن بعض أصحابنا - وما أحسبه إلا عن حفص البحتري - قال: قیل لأبي عبد الله في العجين يعجن من الماء النجس، كيف يصنع به؟ قال: يباع ممن يستحل أكل الميتة (الوسائل كتاب الاطهارة، الباب - 11 - من ابواب الأستار، الحديث 1)، وغيرها من الروايات.
2- . أما مزج الدهن النجس بالكر الحار وطهارة الدهن، فهو قول العلامة، وقد مر الكلام في محله، وقلنا: الظاهر هو الطهارة إذا بقي الكر على إطلاقه.
3- . أي: لم يطهر بالدبغ، خلافاً لما عليه العامة وبعض الخاصة - كالاسكافي من القدماء، والكاشاني من المتأخرين - وقد مر في محله، وقلنا بعدم طهارته، وإن القول بالطاهرة شاذ ولا يعبيء به، ولا يمكن إستعمال الجلد حينئذ فيما هو مشروط بالطهارة، فالفتاوى الشاذة المذكورة لا أساس لها وان قال بكل واحد منها قائل.

(مسألة - 2) يجوز إستعمال جلد الحيوان الذي لايؤكل لحمه بعد التذكية، ولو فيما يشترط فيه الطهارة، وإن لم يدبغ على الأقوى(1)

ص: 202


1- . وهذا فيما إذا كان الحيوان قابلا للتذكية، فتحصل الطهارة بها، لأن أثر التذكية في الحيوان المحلل الأكل طهارة جلده ولحمه وجواز أكله، وفي المحرم الأكل طهارة لحمه وجلده، وجواز إستعمال جلده فيما هو مشروط بالطهارة، ما عدا الصلاة. وفي المسألة أقوال أخر جواز إستعماله في الجامد دون المايع، والفرق بين ما دبغ ومالم يدبغ بطهارة الأول دون الثاني. أما جلد الميتة فهو نجس ولا يجوز إستعماله فيما هو مشروط بالطهارة، خلافاً لابن حنیفة حیث حکم بطهارة جلد المیتة اذا دبغ (الفقه علی المذاهب الاربعة – کتاب الطهارة ج1 – ص - 32) وخلافاً لابن الجنيد والمحدث الكاشاني (قدهما) حيث حكما بطهارة جلد الميتة بعد الدبغ اذا كان من الحيوان الطاهر حال حياته، وجواز إستعماله في كل شىء ماعدا الصلاة. ولكن هذا القول مخالف لمذهب الامامية، بل عن شرح المفاتيح «إنه من ضروريات المذهب كحرمة القياس» وعن التذكرة «إن الأخبار به متواترة». ومما يشهد لابن الجنيد والمحدث الكاشاني (قدهما) - مضافاً الى الرضوي: وكذلك الجلد، فان دباغته طهارته (كتاب فقه الرضا، في باب اللباس وما يكره فيه الصلاة.) - خبر الحسين بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن والماء، أفأشرب منه وأتوضأ؟ قال: نعم. وقال: يدبغ فينتفع به، ولا يصلى فيه (الوسائل كتاب الاطعمة والأشربة، الباب - 34 - من ابواب الاطعمة المحرمة، الحديث 6.) والذي يسهل الخطب أن هذه الروايات - مضافاً إلى ضعف سندها، وإعراض المشهور عنها، وموافقتها للعامة - معارضة للأخبار المعتبرة المستفيضة: منها: خبر عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنى أدخل سوق المسلمين - أعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام - فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها: أليس هي ذكية؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال: لا، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول: قد شرط لي الذي أشتريها منه أنها ذكية، قلت: وما أفسد ذلك؟ قال: إستحلال أهل العراق للميتة، وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله صلى الله عليه وآله (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 61 - من أبواب النجاسات، الحديث 4.) ومنها: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام - في حديث - إن علي بن الحسين عليهما السلام كان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه، فاذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك، فقال: إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة، ويزعمون أن دباغه ذكاته (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 61 - من أبواب النجاسات، الحديث 3). منها: عن دعائم الاسلام، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الميتة نجسة وإن دبغت (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 37 - من أبواب النجاسات، الحديث 6.) وغيرها من الروايات المعتبرة. أما جواز إستعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بعد التذكية ولو - فلو فيما يشترط فيه الطهارة ماعدا الصلاة - مضافاً الأخبار المتقدمة ثقة سماعة، قال: سألته عن جلود السباع، أينتفع بها؟ فقال: إذا رميت وسميت فانتفع بجلده، وأما الميتة فلا (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 34 - من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 4.) أي: سواء دبغ أم لم يدبغ يجوز الانتفاع به، فالرواية من هذه الجهة مطلقة. ومنها: صحيح علي بن أبى المغيرة قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشيء؟ فقال: لا، قلت: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بشاة ميتة فقال: ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بأهابها؟ قال: تلك الشاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي (ص)، وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها، فتركوها حتى ماتت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باهابها، أي تذكى (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 61 - من أبواب النجاسات، الحديث 2.) وروايات أخر تدل على طهارة جلد الميتة بعد التذكية. ولكن ربما يعارض هذه الروايات عدة روايات، حيث تدل بظاهرها على عدم طهارة الجلد إلا بالدبغ، كالرضوي المتقدم: وكذلك الجلد، فإن دباغته طهارته (كتاب فقه الرضا (ع) في باب اللباس وما يكره فيه الصلاة.) وخبر حسين بن زرارة المتقدم (الوسائل كتاب الاطعمة والأشربة، الباب - 34 - من ابواب الاطعمة المحرمة، الحديث 6) وخبر أبي مخلد السراج قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه معتّب فقال: بالباب رجلان، فقال: أدخلهما، فدخلا، فقال أحدهما: إني رجل سرّاج أبيع جلود النمر؟ فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم، قال: ليس به بأس (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 38 - من ابواب ما يكتسب به، الحديث 1.) ولكن نحن بينا سابقاً أن هذه الروايات - مضافاً إلى ضعف سندها، وإعراض الأصحاب عنها - موافقة للعامة، ولذلك لا تصلح للمعارضة، ولو كانت هذه الروايات معتبرة لكان تقتضى القاعدة تقييد موثقة سماعة «إذا رميت وسميت فانتفع بجلده» بخبر أبي مخلد السراج، فيكون إطلاقها مقيداً بالدبغ.

ص: 203

ص: 204

نعم يستحب أن لا يستعمل مطلقاً إلإ بعد الدبغ(1).

(مسألة - 3) ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين أو من أسواقهم محكوم بالتذكية(2) وإن كانوا ممن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ.

ص: 205


1- . للروايات الواردة المتقدمة، كالرضوي، وخبر حسين بن زرارة وخبر أبي مخلد السراج، فبمقتضى قاعدة التسامح في أدلة السنن تقيد موثقة سماعة «اذا رميت وسميت فانتفع بجلده» بهذه الروايات، لكن الإستحباب مشكل، لعدم جريان قاعدة التسامح في أمثال المقام. وذكر سيدنا الاستاد - دام ظله - المسألة في القواعد الفقهية، لكن الاحتياط حسن عقلا وشرعاً والاحوط حينئذ عدم الإستعمال حتى في الجامد إلا بعد الدبغ، للخروج عن شبهة الخلاف.
2- . بينا في مبحث النجاسات أن يد المسلم وقاعدة السوق حاكمان على أصالة عدم التذكية، لكونهما أمارتين على التذكية، شان حكومة الامارات على الاصول مطلقاً - محرزة كانت أم غير محرزة - وإن كانوا ممن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ. ثم إنه هل السوق أمارة في عرض اليد - بحيث لو كان من في السوق في دكانه اللحم ويبعيه كالقصاب، أو كالفراء الذي يبيع في دكانه الفراء وهكذا امثالها... فهاهنا أمارتان على التذكية احديهما في عرض الأخرى - أم لا، بل السوق أمارة على الأمارة، بمعنى: أن الذي هو أمارة على التذكية أولا وبالذات هي اليد، وأما سوق المسلمين فيستكشف منه أن البايع المجهول الحال - الذي لايعلم من حاله أنه مسلم كي تكون يده أمارة التذكية، أم لا فتجري أصالة عدم التذكية ويحكم بلزوم الإجتناب - مسلم ويده يد المسلم وأمارة؟ وبناء على كونه أمارة على الأمارة، فلو كان البائع معلوم الحال فلا أثر للسوق أصلا، وذلك من جهة أن أمارية الأمارة متقومة بعدم العلم على خلافها ولا على وفاقها، فلو علم أن البائع مسلم تكون يده حجة قطعاً، ولا حاجة إلى السوق أصلا، كما إنه لو علم أن البائع مشرك فكونه في سوق المسلمين لا أثر له، وإن احتمل التذكية بأن تلقاه هذا المشرك من يد المسلم، ولكن هذا الإحتمال لا أثر له، لإنه لايثبت به التذكية، لأن السوق المعلوم الوجود ليس أمارة على التذكية على الفرض ويد المسلم الذي معلوم الأمارية مشكوك الوجود، لأن المفروض أنه ليس إلا صرف إحتمال أن تكون يد هذا المشرك مسبوقة بيد المسلم وأنه تلقاه من يده. ولكن الظاهر - من قيام سيرة المتدينين على الإعتماد على سوق المسلمين في أمر التذكية، وعدم السؤال والتفتيش عنها - هو أن كون هذا الجلد أو اللحم في سوق المسلمين يباع ويقع عليه التعاطي بينهم علامة أنهم يرونه مذكى في الغالب، كما هو الشأن في أغلب الأمارات، وإلا فليس هناك أمارة تكون دائمة المطابقة حتى القطع الوجداني، فضلا عن الامارات الظنية التي مناط حجيتها كونها غالب المطابقة. وخلاصة الكلام في هذا المقام هو: أنه بعد العلم بأن المسلمين يجتنبون عن لحم غير المذكى - بنص قوله تعالى: إلا ماذكيتم (القرآن كريم، سورة المائدة، الآية - 3.) فتعاطي اللحم بالبيع والشراء في أسواق المسلمين يوجب الظن القوي بأنه مذكى وهذا الظن أقوى بكثير عن الظن الحاصل عن كونه في يد مسلم خارج السوق، لأن إحتمال كونه ممن لايبالي بالأحكام الشرعية - أو الإشتباه في إجراء شرائط التذكية، أو نسيان بعضها مما يضر بها فيه - أكثر مما هو يباع في سوق المسلمين علناً. هذا بالنسبة إلی قيام السيرة على حجية السوق، وأمابناء على أن يكون مدرك هذه القاعدة - أعني قاعدة السوق - هو الأخبار، فلعل الأمر أوضح. وكذا ماوجد مطروحاً في أرض المسلمين وعليه أثر إستعمال المسلم، بحيث كان يستعمله فيما هو مشروط بالطهارة، فكونه في أرض المسلمين مع أثر الاستعمال أمارة على التذكية، وتكون حاكمة على أصالة عدم التذكية. وأما ماكان مطروحاً في غير أرض المسلمين أو في أرض المسلمين وليس عليه أثر إستعمال المسلم، فأصالة عدم التذكية تجري عند الشك في أن الحيوان الذي أخذ منه هذا الشيء مذكى أم غير مذكى، ولكن جريانها مبني على أن لاتكون التذكية مركبة من الأجزاء الخمسة - أى: فري الأوداج، الأربعة، من مسلم، من حديد، موجهاً إلى القبلة، مسمياً، مع قابلية المحل - لأنه لو كانت كذلك فليس لعدمها حالة سابقة متيقنة، وكذا قابلية المحل المشكوك من أول الأمر، لا إنها كانت متيقنة العدم ثم صارت مشكوكة كي يتم أركان الإستصحاب، وذلك من جهة أن قابلية المحل وعدمها من الصفات التي لاتنفك عن المحل، وهي من قبيل قرشية المرأة، فإذا كان منشأ الشك في التذكية هو الشك في قابلية المحل، فلا يجري الإستحصاب لما ذكرنا. نعم إذا كانت معنى بسيطاً حاصلة من هذه الأمور، فقيل فري الأودج معلوم العدم، للقطع بعدم وجود سببها، وبعد فري الأوداج الأربعة يشك في حصولها، للشك في حصول هذه الامور جميعاً أو بعضها أو قابلية المحل، واذا جرت يترتب عليها نجاسة ذلك المشكوك التذكية، وحرمة لحمه إن لم يكن مما لايؤكل لحمه، وإلا فلا حاجة في إثبات حرمة لحمه إلى أصالة عدم التذكية، لأن لحمه كان حراماً.

ص: 206

(مسألة - 4) ما عدا الكلب والخنزير من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها قابل للتذكية، فجلده ولحمه طاهر بعد التذكية(1).

ص: 207


1- . بعد الفراع عن عدم قابلية الإنسان والكلب والخنزير للتذكية، فما عداها سواء كان من مأكول اللحم اولا قابل للتذكية. والأقوال في المسألة أربعة: الأول: وقوع التذكية مطلقاً سواء كان من الحشرات أو المسوخ أو من السباع أو لم يكن من أحد المذكورات. الثاني: وقوع التذكية في ماعدا الحشرات وإن كان من المسوخ أو السباع. الثالث: وقوعها على ماعدا الحشرات وإن كان من السباع. الرابع: وقوعها على ماعدا الحشرات والمسوخ والسباع. والاقوى من هذه الأقوال هو القول الثاني، وذلك للعمومات والإطلاقات كقوله عليه السلام: وإذا رميت وسميت فانتفع بجلده (الوسائل كتاب الجهاد، الباب - 49 - من ابواب النجاسات، الحديث 2.) وصحيحة علي بن يقطين سألت أبا الحسن عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود قال: لابأس بذلك (الوسائل كتاب الصلاة، الباب - 5 - من أبواب لباس المصلي، الحديث 1.) وغيرها من الروايات الدالة على قبول التذكية لمطلق الحيوان ماعدا الحشرات وأما الحشرات فلا دليل على قبولها للتذكية، وذلك لإنصراف الأدلة - التي تدل على قابلية الحيوان للتذكية - عن الحشرات، وعدم شمولها لها، فعند فقدان الدليل فأصالة عدم التذكية جارية، وهي حاكمة على قاعدة الطهارة، فما عدا الكلب والخنزير والحشرات - كالفأرة وإبن عرس - قابلة للتذكية وطاهر لحمها وجلدها.

(مسألة - 5) يستحب غسل الملاقي في جملة من الموارد(1) مع عدم تنجسه، كملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس والبغل والحمار(2) وملاقاة الفأرة الحية مع الرطوبة(3)

ص: 208


1- . الروايات حملت على الاستحباب جمعاً بينها وبين ما دلت على عدم البأس للملاقي لهذه الأشياء كما مضى في بحث النجاسات.
2- . لحسنة محمد بن مسلم قال: سألته عن أبوال الدواب والبغال والحمير؟ فقال: إغسله، فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله، فان شككت فانضحه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 9 - من أبواب النجاسات، الحديث 6.) وصحيح بعد الرحمن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم، أيغسله أم لا؟ قال: يغسل بول الحمار والفرس والبغل، فأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 9 - من أبواب النجاسات، الحديث 9.) وخبر عبد الأعلى بن أعين قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أبوال الحمير والبغال؟ قال: إغسل ثوبك. قال: قلت: فأروائها؟ قال: هو أكثر من ذلك (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 9 - من أبواب النجاسات، الحديث 13.) وبازائها وردت روايات كثيرة تدل على عدم البأس. منها: رواية النحاس قال: قلت لأبي عبدالله: إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت ورائت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابى، فأصبح فأوى أثره فيه؟ فقال: ليس عليك شيء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 9 - من أبواب النجاسات، الحديث 2.) وغيرها من الروايات.
3- . يدل على الإستحباب رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشى على الثياب، أيصلى فيها؟ قال: إغسل مارأيت من أثرها، وما لم تره انضحه بالماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 33 - من أبواب النجاسات، الحديث 2.) وبإزائها خبر إسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام: إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: لابأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن تشرب منه وتتوضأ منه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 9 - من ابواب الأستار، الحديث 2) وخبر العمركي، عن علي ابن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام.... وسألته عن فأرة وقعت في حب دهن وأخرجت قبل أن تموت، أبيعه من مسلم؟ قال: نعم، ويدهن منه (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 9 - من ابواب الأستار، الحديث 1.) وهناك روايات أخرى بهذا المضون، فراجع.

مع ظهور أثرها، والمصافحة مع الناصبي(1)

بلا رطوبة. ويستحب النضح - أي الرش بالماء - في موارد، كملاقاة الكلب(2)والخنزير(3) والكافر(4) بلا رطوبة، وعرق الجنب من الحلال(5)

ص: 209


1- . لخبر القلانسي قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: ألقى الذمي فيصافحني، قال: إمسحها بالتراب وبالحائط. قلت: فالناصب؟ قال: إغسلها (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 14 - من ابواب النجاسات، الحديث 4).
2- . لخبر أبي العباس قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فإغسله، وإن مسه جافا فاصبب عليه الماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 26 - من ابواب النجاسات، الحديث 2.) وفي الخصال بإسناده عن علي عليه السلام (في حديث الأربعمائة) قال تنزهوا عين قرب الكلاب، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله، وإن كان جافاً فلينضح ثوبه بالماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 12 - من ابواب النجاسات، الحديث 11.) ولا يخفى أن هذه الرواية مع ماوردت في الكلب والخنزير تحمل على الاستحباب، لعدم قائل بالوجوب في هذه الموارد.
3- . ففي خبر علي بن محمد: عن خنزير أصاب ثوباً وهو جاف، هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال عليه السلام: نعم ينضحه بالماء ثم يصلي (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 26 - من ابواب النجاسات، الحديث 6.)
4- . كما ورد في مصحح الحلبي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصلاة في ثوب المجوسي؟ فقال: يرش بالماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 73 - من ابواب النجاسات، الحديث 3.)
5- . ويدل عليه رواية أبي بصير - وهي موثقة - قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتى يبتل القميص؟ فقال: لابأس، وإن أحب أن يرشه بالماء فليفعل (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 27 - من ابواب النجاسات، الحديث 8.) وهذه تحمل على العرق الجنب من الحلال، لما وردت من الروايات الدالة على وجوب الاجتناب عن العرق من الجنب عن الحرام.

وملاقاة ماشك في ملاقاته(1) لبول الفرس والبغل والحمار، وملاقاة الفأرة الحية(2) مع الرطوبة إذا لم يظهر أثرها، وما شك في ملاقاته للبول(3)

أو للدم أو المني(4) وملاقاة الصفرةالخارجة من

ص: 210


1- . لقوله عليه السلام في حسنة محمد بن مسلم المتقدمة: فان شككت فانضحه بالماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 9 - من ابواب النجاسات، الحديث 6.)
2- . لقوله عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر التي تقدمت: ومالم تره إنضحه بالماء.
3- . لصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل يبول بالليل فيحسب أن البول أصابه فلا يستيقن، فهل يجزيه أن يصب على ذكره إذا بال ولا يتنشف؟ قال يغسل ما استبان أنه أصابه، وينضح مايشك فيه من جسده أو ثيابه ويتنشف قبل أن يتوضأ (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 37 - من ابواب النجاسات، الحديث 2.)
4- . لحسنة عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان قد علم أنه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلي فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى، وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة، وإن كان يرى أن أصابه شيء فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 40 - من ابواب النجاسات، الحديث 3.)

دبر صاحب البواسير(1) ومعبد اليهود والنصارى والمجوس إذا أراد أن يصلي فيه(2) ويستحب المسح بالتراب أو بالحائط في موارد، كمصافحة الكافر الكتابي(3) بلا رطوبة،م ومس الكلب والخنزير بلا رطوبة(4) ومس الثعلب والأرنب.

فصل

إذا علم نجاسة شيء يحكم ببقائها مالم يثبت تطهيره، وطريق الثبوت أمور: (الأول) العلم الوجداني(5) و (الثاني) شهادة العدلين(6)بالتطهير، أو بسبب الطهارة وإن لم يكن مطهراً عندهما

ص: 211


1- . لرواية صفوان قال: سأل رجل أباالحسن وأنا حاضر فقال: إن بي جرحاً في مقعدي فأتوضأ ثم أجد بعد ذلك الندى والصفرة تخرج من المقعدة، أفأعيد الوضوء؟ قال: قد أيقنت؟ قال: نعم، قال: لا، ولكن رشه بالماء ولا تعد الوضوء (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 16 - من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 3.)
2- . لصحيحة عبدالله بن سنان قال: سألته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس؟ فقال: رشّ وصّل (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 13 - من ابواب مكان المصلي، الحديث 2.)
3- . لخبر القلانسي كما مر (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 14 - من ابواب النجاسات، الحديث 4.)
4- . لادليل على هذا الإستحباب وإن قال به جماعة.
5- . لايخفى أن العلم بالطهارة والنجاسة طريقي وحجيته ذاتية.
6- . ولا شك في حجيتها، لما قامت عليها من الأدلة العامة والخاصة على مانبين، وهي أمور: الأول: الروايات، منها عن مسعدة بن صدقة: كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد إشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعله حرقد باع نفسه أوخدع فبيع أو قهر فبيع، أو إمرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك. والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 4 - من ابواب ما يكتسب به، الحديث 4.) فجعل قيام البينة بمنزلة العلم في حصول غاية الحكم بالحلية في جميع الاشياء. ومنها: ماهو المروي عن الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سليمان عن الصادق عليه السلام في الجبن: كل شيء حلال حتى يجيك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة (الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة، الباب - 61 - من أبواب الأطعمة المباح، الحديث 2.) ومنها: الأخبار الواردة في ثبوت الهلال، كصحيح الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام: إن علياً عليه السلام كان يقول: لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين (الوسائل كتاب الصوم، الباب - 11 - من أبواب احكام شهر رمضان، الحديث 1.) ومنها: الأخبار الواردة في باب الدعاوي، كقوله: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (مستدرك الوسائل، كتاب القضاء، الباب - 3 - من أبواب احكام الدعاوي.) والثاني: الآيات الشريفة، كقوله تعالى: واستشهدوا شهيدين من رجالكم (سورة التوبة 60) وكقوله تعالى: شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية إثنان ذو عدل منكم (سورة المائدة 105.) وأشهدوا ذوى عدل منكم (سورة الطلاق 2.) وغيرها من الآيات. والثالث: الإجماع، ولم ينقل الخلاف عن أحد إلا القاضي ابن البراج الرابع: السيرة العقلائية، فان كافة الملل - ولو لم يكونوا مقيدين بالدين - يرون حجية شهادة شخصين غير متهمين ولا معروفين بالكذب ولا مغرضين بالنسبة إلى المشهود عليه، ويجعلونها طريقاً مثبتاً لما قامت عليه من أحكامهم العرفية في جميع الموضوعات.

او عند أحدهما، كما إذا أخبرا بنزول المطر على الماء النجس بمقدار لا يكفيعندهما في التطهير مع كونه كافياً عنده، أو أخبرا

ص: 212

بغسل الشيء بما يعتقدان أنه مضاف وهو عالم بأنه ماء مطلق وهكذا...

(الثالث) إخبار ذي اليد وإن لم يكن عادلاً(1).

ص: 213


1- . ذكروا وجوهاً لاعتباره في الطهارة والنجاسة: الأول: الاجماع القولي. وقد عرفت مراراً أن الاجماعات التي نحتمل إستناد المتفقين فيها إلى المدارك - التي ذكروها للحكم مضافاً إلى الاجماع - لا إعتبار بها وليست من الاجماع الذي بنينا في الأصول على حجيته. الثاني: السيرة المستمرة من زمان صاحب الشريعة إلى زماننا هذا على قبول إخبار ذي اليد في الطهارة والنجاسة والعمل على طبقه. والانصاف أنه لايمكن إنكار ثبوت هذه السيرة ولا إنكار حجيتها، إذ لاشك في أنه صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام إذا دعوا إلى طعام وصاحب الدار - أو الذي هو ذو اليد - يخبر بطهارة إناء مثلا يقبلون قوله ويأكلون ويشربون من ذلك الإناء، وان كان عندهم مستصحب النجاسة، وعمل المؤمنين والمتدينين على هذا النهج في جميع الأعصار والأمصار وايضاً من المعلوم عدم إعتبارهم العدالة بل الايمان على قبول إخباره والعمل على طبق قوله في إخباره بالطهارة أو النجاسة. الثالث: شمول القاعدة المعروفة «من ملك شئياً ملك الاقرار به» لاخبار ذي اليد، إذ لاشك في أن ذا اليد مالك لتطهير مافي يده وتنجيسه فله أن يقر بذلك، ولذلك قال بعضهم في بيان مدرك القاعدة المذكورة إن إعتبارها استقرار بناء العقلاء على أن من كان مستولياً على شيء ومتصرفاً فيه فقوله نافذ بالنسبة إليه، ولم يردع الشارع هذا البناء. الرابع: الأخبار، منها: صحيح معاوية بن عمار، عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول: قد طبخ على الثلث وأنا أعرفه أنه يشربه على النصف، فأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال عليه السلام: لاتشربه، قلت: رجل من غير أهل المعرفة ممن لانعرفه يشربه على الثلث ولا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، يشرب منه؟ قال: نعم (الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة، الباب - 7 - من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 4.) وظاهر هذه الرواية هو حجية إخبار ذي اليد وإن كان من غير أهل المعرفة إذا لم يكن في البين مايوهن صحة إخباره، وهو شربه على النصف مثلا، فلا يعارضها مافي صدر الرواية من قوله عليه السلام «لاتشربه» لأن ذلك النهي في مورد شربه على النصف، وهو مما يوهن إخباره لمخالفة فعله لقوله، فلا يدل على أن إخباره من حيث إنه إخبار. ذي اليد ليس بحجة كي يكون معارضاً مع الذيل فيسقط عن الإعتبار. نعم هاهنا إشكال آخر وهو: أن دلالة هذه الرواية على أن إخبار ذي اليد حجة على الطهارة، مبني على كون العصير المغلي نجساً قبل ذهاب الثلثين، وإلا تكون أجنبية عن المقام. نعم تدل على إثبات الحلية به. منها: صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن البختج؟ فقال: إذا كان حلواً يخضب الإناء وقال صاحبه قد ذهب ثلثاه وبقى الثلث فاشربه (الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة، الباب - 7 - من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 4.) وظاهر هذه الصحيحة حجية إخباره فيما إذا كان هناك أمارة أخرى تؤيد إخباره، فليس هو وحده حجة معتبرة، ولكن يمكن أن يقال: إن مرجع هذا الشرط أيضاً إلى ماقلنا من عدم كون موهن لإخباره في البين وذلك من جهة أنه لو لم يكن حلواً ولم يخضب الاناء فبعيد أن يكون قد ذهب ثلثاه للملازمة العادية بين ذهاب الثلثين وبين كونه حلواً ومما يخضب الاناء. نعم هناك روايتان أخريان: إحديهما: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلي إلى القبلة لايوثق به، أتى بشراب يزعم أنه على الثلث، فيحل شربه؟ قال عليه السلام: لايصدق إلا أن يكن مسلماً عارفاً (الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة، الباب - 7 - من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 7.) وظاهر هذه الصحيحة تقيد ذا اليد بكونه مؤمناً عارفاً بالولاية، ولا يكفي في اعتبار قوله وإخباره كونه مسلما فقط. الثانية: رواية عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث: إنه سئل عن الرجل يأتي بالشراب، فيقول هذا مطبوخ على الثلث؟ قال عليه السلام: إن كان مسلما ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب (الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة، الباب - 7 - من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 6.) وظاهر هذه الرواية إعتبار كونه ورعاً مضافاً إلى كونه مؤمناً، فيكون مفادها إعتبار العدالة أيضاً، ولكن حيث إن صحيحة معاوية بن عمار صريحة في قبول قول من ليس من أهل المعرفة والايمان بالمعنى الأخص، فالجمع العرفي بينهما يقتضي بحمل هاتين الروايتين على كراهة تصديق من ليس بمؤمن بل وليس بورع. وعلى أي حال!! الاستدلال بهذه الأخبار على إعتبار إخبار ذي اليد في الطهارة والنجاسة مبني على القول بنجاسة العصير بعد الغليان وقبل ذهاب الثلثين، وإلا فلا تدل إلا على حجية إخباره: إما مطلقاً، وإما إذا كان مؤمناً ورعا ولم يكن موهن في البين على حلية شرب العصير إذا أخبر بذهاب ثلثيه، ولا ربط لها بمسألة إعتبار إخبار ذي اليد في الطهارة والنجاسة. وحيث إن الاقوى عندنا طهارته بعد الغليان وإن لم يذهب ثلثاه، فلا تفيد هذه الأخبار إعتبار قول ذي في الطهارة والنجاسة. نعم هناك روايات أخر كالأخبار الواردة في جواز إعتماد المشتري على إخبار البائع بالكيل والوزن، وكذلك في إستبراء الأمة، تركنا ذكرها لأنها وردت في موارد خاصة، ولا تدل على إعتبارها مطلقاً. فالعمدة في وجه الاعتبار هو ماذكرنا من قيام السيرة العلمية من المسلمين الملتزمين بالشريعة الاسلامية - لامن العوام الذين لايبالون بمخالفة الشريعة والذين يتبعون كل ناعق - على ترتب آثار الطهارة فيما أخبره ذو اليد بالطهارة وإن كان مورد إستصحاب النجاسة، وترتب آثار النجاسة إذا أخبر بالنجاسة وإن كان مستصحب الطهارة، أو كان مورد جريان قاعدة الطهارة. ومعلوم أن مثل هذه السيرة والبناء العملي من المتدينين بما هم متدينون كاشفة عن الحكم الشرعي، إذ معلوم قيامها من زمانهم عليهم السلام، ومن المستبعد جداً إستقرار سيرتهم وبنائهم عملا بدون أخذهم منهم عليهم السلام، وعلى فرض كونها بدون الأخذ منهم عليهم السلام كان يجب عليهم الردع إظهاراً للحق وإزاحة للباطل، وحيث لاردع في البين - وإلا لو كان لبان - فيدل على إمضائها. وأما مايقال من ردعها برواية مسعدة بن صدقة: الأشياء كلها على ذلك حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم بها البينة. ففيه: أن إخبار ذي اليد بواسطة قيام السيرة على إعتباره يصير من مصاديق الاستبانة، وبعبارة أخرى يكون حاكماً عليها بعد الفراغ من أن المراد بالاستبانة هو العلم الوجداني، وتخصيص البينة بالذكر، من بين الامارات الحاكمة عليها لأنها أجلى وأشهر الأمارات الحاكمة عليها وأعمها وأشملها مورداً.

ص: 214

ص: 215

(الرابع) غيبة المسلم على التفصيل الذي سبق(1).

(الخامس) إخبار الوكيل في التطهير بطهارته(2).

ص: 216


1- . تقدم الكلام فيه مفصلا.
2- . والدليل عليه وجوه: الأول: ماتقدم في إخباره ذي اليد من كونه مشمولا للقاعدة المعروفة من ملك شيئاً ملك الاقرار به. أقول: أما كبرى هذه القاعدة ومدركها فقد ذكرها سيدنا الاستاذ - دام ظله - في كتاب «القواعد الفقهية» ومن أراد الاطلاع فليراجع وأما الصغري فلا شك في أن الوكيل في التطهير يملك أن يجعله طاهراً، ولا شك أيضاً في أن المراد من ملكية الشيء هنا هي السلطنة عليه شرعاً وكل شخص مالك بهذا المعنى لجميع أفعاله المباحة شرعاً، فحيث إن تطهير الوكيل من أفعاله المباحة فله السلطنة عليه، فهو سلطان شرعاً على الاقرار به. الثاني: الاجماع. وقد ذكرنا الاشكال فيه مراراً فلا نعيد. الثالث: السيرة العملية من المتدينين، وأن بنائهم على أن كل ذي عمل مؤتمن على علمه. وفيه: أن بنائهم على صحة وقوع علمه ليس من جهة قبول خبر الوكيل من حيث إنه إخبار الوكيل، بل من جهة حمل فعله على الصحة بعد القطع بصدوره، وان احتملوا وقوعه على غير الجهة الشرعية، ولذلك لو شكوا في أصل وقوع الفعل ليس لهم مثل هذا البناء. فبنائهم هذا بعد القطع بالصدرو، يرجع إلى أصالة الصحة، ولا ربط لها باعتبار قول الوكيل فيما وكّل فيه. وكذلك الامر في مورد القصارين والجزارين والجارية المأمورة بتطهير ثوب سيدها، يكون الحكم بصحة فعلهم - بعد الفراغ عن صدوره عنهم - من باب أصالة الصحة، ولذلك او شكوا في صدور الفعل عنهم لايبنون على صدوره وإن أخبروا بوقوعه. الرابع: مادل على تصديق الوكيل فيما وكّل فيه. وفيه: أن مثل هذا المعنى لم يثبت ولم يدل عليه دليل إلا أن يرجع إلى ماتقدم منا من شمول قاعدة «من ملك شيئاً ملك الاقرار به» أما خبر هشام وفيه: إن الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبداً والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة او يشافهه العزل عن الوكالة (التهذيب، الباب - 86 - من أبواب الوكالات، الحديث 2.) فأجني عن الدعوى المزبورة، لأن مفاده معنى أمر الوكيل مالم يبلغ عزله إلى مرحلة الاثبات بمثبت وجداني - كما إذا شافهه - أو تعبدي كما إذا أخبره ثقة بذلك. نعم ظاهر هذه الرواية إعتبار خبر الثقة ولو لم يكن متعدداً. الخامس: الأخبار، وقد ذكروا أخباراً كثيرة تركناها لعدم دلالتها على ماهو المدعى في المقام. نعم هناك رواية وهي خبر عبد الأعلى، عن الصادق عليه السلام: سألته عن الحجامة، فيها وضوء؟ قال: لا، ولا يغسل مكانها، لأن الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه ولم يكن صبياً صغيراً (الوافي باب التطهير في الدم ص 29.) ربما يدعى ظهورها في قبول قول الوكيل وإخباره، لأن الحجام مأذون من قبل من يحجمه في غسل موضع الحجامة وتنظيفه، فحكم عليه السلام بأنه إن كان بالغاً وينظفه فهو مؤتمن، أي يصدق فيما يخبر به. وخلاصة الكلام: أن الوكيل في فعل قابل للوكالة شرعاً من طرف شخص، يكون حكمه بالنسبة إلى ذلك الفعل بمنزلة ذي اليد، بل هو هو لأنه بعد ماصار وكيلا في بيع دار مثلا، يكون له اليد في ذلك البيع، لأن المراد باليد هو الاستياء تشريعاً أو تكويناً، ولا شك في أن الوكيل على شيء يكون الاستيلاء شرعاً على ماوكل فيه ان كانت وكالته صحيحة، فكل ماكان دليلا على إعتبار قول ذي اليد وإخباره يكون دليلا على إعتبار إخبار الوكيل على شيء أو عمل. السادس: أصالة صدق المسلم. وفيه: أنه لا أصل لهذا الأصل.

ص: 217

(السادس) غسل مسلم له بعنوان التطهير وإن لم يعلم أنه غسله على الوجه الشرعي أم لا، حملاً لفعله على الصحة(1).

(السابع) إخبار العدل الواحد عند بعضهم(2) لكنه مشكل

ص: 218


1- . بعد الفراغ عن حجية أصالة الصحة وإعتبارها، لا إشكال في أنه إذا غسل مسلم شيئاً بعنوان التطهير، وشك في وقوع التطهير صحيحاً وعلى النهج الشرعي - من العصر فيما يجب فيه العصر، والتعدد فيما يجب فيه التعدد، وأمثال ذلك مما اعتبره الشارع في حصول التطهير - فيجب أن يبني على الصحة ويرتب آثارها على ذلك الفعل. ومعلوم أن مفاد أصالة الصحة هي الصحة الواقعية، لا الصحة عند الفاعل ولا الصحة عند الحامل.
2- . وفي إعتباره في الطهارة والنجاسة مطلقا، وعدمه كذلك، والتفصيل بينهما بالقبول في الاول دون الثاني أقوال. وقد ذكروا وجوهاً لاعتباره مطلقاً في الموضوعات، سواء كانت هي الطهارة أو غيرها. الأول: إستقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة وقبول قوله. وفيه: أولا: أنه على فرض تسليم إستقرار هذه السيرة وبناء العقلاء على ذلك - كما انه ليس ببعيد - لكنه الثقة غير خير العدل، وبينهما عموم من وجه. وأما لو لم يدع المدعي قيام السيرة وبناء العقلاء على إعتبار خبر العدل الواحد، فهذه الدعوى عهدتها على مدعيها!! إذ العقلاء لاشغل لهم بالعدالة، بل لو كان هناك عادل كثير الاشتباه غير الضابط لايعتنون باخباره، بل المدار في إعتنائهم كون المخبر ثقة وإن كان كافراً نعم لو ادعى أحد قيام سيرة المتدينين على قبول خبر العدل الواحد واعتباره ليس ببعيد، ولكن مع ذلك كله إحراز هذا الأمر لايخلو عن تأمل. وثانياً: على فرض ثبوت ذلك واحرازة، مردوعة برواية مسعدة: الأشياء كلها على ذلك حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 4 - من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.) إن قلت: إن خبر العدل الواحد بعد إن كان حجة وكذلك خبر الثقة، يدخل تعبداً في الاستبانة. وبعبارة أخرى: يكون دليل اعتباره حاكماً على رواية مسعدة بن صدقة، فلا يمكن أن تكون الرواية رادعة لتلك السيرة. قلنا: هذا الكلام صحيح، ولكن لازمه أن يكون خبر العدل الواحد - أو خبر الثقة الذي يكون مخبره واحداً - عدلا للبينة، فكأنه قال: الاشياء كلها على الحلية إلا أن تعلم بموضوع الحرمة، أو يخبر عدل واحد أو عدلان بما هو موضوع الحرمة. وأنت خبير بأن جعل العدل الواحد عدلا للعدلين في غاية الركاكة، خصوصاً إذا كانت شهادة العدلين تدريجیة لادفعة واحدة، لأنه مع شهادة العدل الأول يثبت الموضوع، فشهادة الثاني تكون لغواً وبلا أثر، بل يكون إعتبارها لثبوت المؤدى من قبيل تحصيل الحاصل، فاعتبار التعدد مع ثبوت المؤدى بواحد متنافيان. نعم إعتبار التعدد في خبر العدل غير الثقة مع ثبوت المشهود به بخبر الواحد الثقة، لاتنافي بينهما، ولكن إعتبار خبر الواحد الثقة مع إطلاق إعتبار التعدد في خبر العدل - أي وإن كانا ثقتين - متنافيان. فظهر مما ذكرنا أنه مع اعتبار خبر العدل الواحد أو خبر الواحد الثقة، لايبقى مجال لاعتبار التعدد وحجية البينة فمن دليل حجية البينة نستكشف عدم إعتبار خبر العدل الواحد أو خبر الواحد الثقة، فتكون رواية مسعدة رادعة للسيرة وبناء العقلاء على فرض تحققهما. هذا مضافاً إلى خبر عبدالله بن سليمان المروي في الكافي والتهذيب في الجبن: كل شيء حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة (الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة، الباب - 61 - من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 2.) فجعله عليه السلام غاية الحلية مجيىء شاهدين يشهدان أن فيه ميتة، يدل على عدم كفاية شاهد واحد وإن كان عدلا ثقة. خلاصة الكلام: أن إعتبار التعدد - كما في البينة - مع عدم اعتبار التعدد - كما في خبر العدل الواحد أو خبر الثقة الواحد حسب إدعاء الطرف - مما لايجتمعان، إذ هما متناقضان. اللهم إلا أن يقال بعدم إعتبار خبر العدل الواحد أو خبر الثقة الواحد في كون الميتة في الجبن، وهو لايخلو - مضافاً إلى بعده - من الغرابة!!. وأما الأخبار التي إستدلوا بها على حجية خبر العدل الواحد وخبر الثقة الواحد فمنها: حسنة حريز - أو صحيحته - المروية في الكافي، وفيها - بعدما وبخ الامام الصادق عليه السلام إبنه إسماعيل في دفعه دنانير إلى رجل شارب الخمر بضاعة، ليعامل بها ويعطي مقداراً من النفع لاسماعيل، فأتلف النقود ذلك الرجل - قال عليه السلام له: لم فعلت ذلك؟ ولا أجر لك، فقال إسماعيل: يا أبة إني لم أره يشرب الخمر، إني سمعت الناس يقولون. فقال: يابنى إن الله عز وجل يقول في كتابه (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) يصدق الله ويصدق المؤمنين، فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم (الوافي نقلا عن الكافي في باب من أدان ماله بغير بينة، من كتاب المعائش والمكاسب.) ولا شك في أن قوله عليه السلام «إذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم» كلمة «المؤمنون» فيه - حيث إنها جمع محلى باللام - تفيد العموم الاستغراقي، لأن العام المجموعي - بمعنى أنه إذا شهد عندك جميع المؤمنين فصدقهم - قطعاً ليس بمراد، لأن شهادة جميع المؤمنين الموجودين في الدنيا على موضوع عادة غير ممكن ومحال فاذا كان العام إستغراقياً فتنحل الى قضايا متعددة حسب عدد أفراد المؤمنين كسائر العمومات، فيكون مفاد هذه الجملة: إن أى واحد من المؤمنين إذا شهد عندك بموضوع - سواء كان هو شرب الخمر - كما أنه هو المورد - أو كان غيره - فصدقه. ومعلوم أن معنى التصديق في المقام هو ترتيب أثر المشهود به على شهادته، وهذا معنى وجوب قبول خبر الثقة والعدل الواحد. وقد روى بعضهم: إذا شهد عندك المؤمنون فاقبلوا. وفيه: أولا: أن أحداً لم يقل بحجية خبر كل مؤمن، بل كل مسلم لما حكى بعضهم «المسلمون» في هذه الرواية بدل «المؤمنون». وثانياً: لم يقل أحد بحجية خبر الثقة أوالعدل الواحد في باب الحدود بل ينفي تصديق المؤمن الواحد في باب إرتكاب الذنب مارواه الصدوق في كتاب عرض المجالس، وفيه: من لم تره بعينك يرتكب ذنياً ولم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة وان كان في نفسه مذنباً (الوسائل كتاب القضاء، الباب - 41 - من أبواب الشهادات، الحديث 13). وثالثاً: من المقطوع عدم حجيتهما في مقام المخاصمة ومقابل ذي اليد. ورابعاً: يجب تقييدها - أي الحجية - بكونهما متعدداً برواية مسعدة ابن صدقة، وخبر عبدالله بن سليمان. هذا كله مضافاً الى أنه ليس المراد من وجوب تصديقهم ترتيب الأثر على ما يخبرون به وان كان فيه ضرر على الغير، لما ورد: كذب سمعك وبصرك على أخيك، فان شهد عندك خمسون قسامة، وقال لك قولا، فصدقه وكذبهم (الوسائل كتاب الحج، الباب - 157 - من أبواب العشرة، الحديث 4.) أي فيما يضره ولا ينفعهم فالمراد من وجوب تصديقهم وكذا من قبول قولهم - بناء على صحة الرواية الأخرى - هو التحذر عما أخبر به فيما إذا إحتمل أن يكون على تقدير صحة ما أخبر عنه ضرر عليه، كما إنه كذلك كان في مورد صدور الرواية. والحاصل: إنه يدور الأمر بين هذه التخصيصات الكثيرة - التي ربما يكون العموم مستهجناً معها - وتقييد واحد - وهو تقيد وجوب تصديق المؤمن بكونه متعدداً - ولا شك في أن الثاني أولى، بل هو المتعين. وكذلك الحال في مفهوم آية البناء - بناء على ثبوت المفهوم لها، وشموله للاخبار عن الموضوعات، وعدم كونه مختصاً بالموضوعات - فيدور الأمر بين تخصيصه بهذه التخصيصات، أو تقييده بالتعدد بالنسبة إلى الموضوعات، ومعلوم أن الثاني أولى بل هو المتعين. وأما الأخبار الواردة الخاصة، كقوله عليه السلام: المؤذن مؤتمن والامام ضامن (الوسائل كتاب الصلوة، الباب - 3 - من أبواب الأذان والاقامة، الحديث 2.) وكقوله عليه السلام: الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الو كالة بثقة (الوسائل كتاب الو كالة، الباب - 1 -) وقوله عليه السلام في رواية إسحق بن عمار، قال: سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضاً، فقال لي: إن حدث بي حدث فأعط فلاناً عشرين ديناً، وأعط أخي بقية الدنانير، فمات ولم أشهد موته، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي: إنه أمرني أن أقول لك أنظر إلى الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير أقسمها في المسلمين، ولم يعلم أخوه أن عندي شيئاً. فقال عليه السلام: أرى أن تتصدق منها بعشرة دنانير (الوسائل كتاب الوصايا، الباب - 97 - الحديث 1.) والرواية ظاهرة في وجوب قبول قول هذا الرجل المسلم الصادق، حيث إن التصدق على خلاف الارث وكذا الروايات الواردة في وجوب الاعلام في بيع الدهن المتنجس (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 6 - من ابواب ما يكتسب به.) ولو لم يكن إخبار البايع واجب القبول كان وجوب الاخبار لغواً، وكذا ماورد في الاعتماد على إخبار البايع بالكيل أو الوزن (الوسائل، كتاب التجارة، الباب - 5 - من ابواب جواز الشراء عن تصديق البايع في الكيل) وكذلك في إخباره بإستبراء الأمة (الوسائل، كتاب النكاح، الباب - 5 - من أبواب نكاح العبيد والاماء، الحديث 1.) وغير ذلك من الموارد. وفي الجميع - مضافاً إلى المناقشات في دلالتها - أنها موارد جزئية لايمكن أن يستفاد منها قاعدة كلية - كما هو المدعى في المقام - وهي حجية كل خبر ثقة أو عدل واحد في أي موضوع من الموضوعات. وأما الاستدلال بما حكى بعضهم: المؤمن وحده حجة، فلا يخفى مافيه من حيث السند والدلالة. وأما الاستدلال لقبول خبر الثقة بمضمر سماعة: سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال: إن هذه إمرأتي وليست لي بينة، فقال: إن كان ثقة فلا يقربها، وإن كان غير ثقة فلا يقربها، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه (الوسائل كتاب النكاح، الباب - 23 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 2). ففيه: أولا: معارضتها برواية يونس، قال: سألته عن رجل تزوج إمرأة في بلد من البلدان، فسألها: ألك زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها ثم إن رجلا أتاه فقال: هي إمرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، مايلزم الزوج؟ قال عليه السلام: هي إمرأته إلا أن يقيم البينة (الوسائل كتاب النكاح، الباب - 23 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 3) ونحوها مكاتبة الحسين ابن سعيد، وأيضا معارضتها بخبر عبدالعزيز المهتدي: سألت الرضا عليه السلام قلت له: إن أخي مات، فتزوجت إمرأته، فجاء عمي فادعى أنه تزوجها سراً، فسألتها عن ذلك فانكرت أشد الانكار وقالت: ما كان بيني وبينه شيء قط. فقال: يلزمك إقرارها، ويلزمه إنكارها (الوسائل كتاب النكاح، الباب - 23 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 1) ومعلوم أن المعارضات أقوى من مضمرة سماعة، لكثرة عددها، وعمل المشهور بها، وإعراضهم عنه. وثانياً: إنه من المحتمل القريب أن يكون النهي عن قربها بقوله عليه السلام «إن كان ثقة فلا يقربها» من جهة شدة حسن الاحتياط في باب الفروج وإن لم يكن واجباً، خصوصا مع قوة الإحتمال إذا كان المدعي ثقة، ولذا جعل الشارع في باب الفروج - مثل باب الدماء - الاحتياط واجباً في الشبهات إن لم يكن حجة على الحلية من أمارة أو أصل، وذلك لكثرة إهتمام الشارع بحفظ النفوس والانساب. خلاصة الكلام: أنه لم نجد دليلا يمكن الركون والاعتماد عليه - من نقل أو عقل أو بناء العقلاء وسيرتهم - على حجية خبر الواحد الثقة أو العدل مع إمضاء من قبل الشارع، بل وجدنا الأدلة على عدم حجية كليهما - أي خبر الثقة وخبر العدل الواحد - وقد تقدم ذكر تلك الأدلة.

ص: 219

ص: 220

ص: 221

ص: 222

(مسألة - 1) إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه، تساقطا(1) ويحكم ببقاء النجاسة، وإذا تعارض البينة مع أحد الطرق المتقدمة ماعدا العلم الوجداني تقدم البينة(2)(مسألة - 1) إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه، تساقطا(3) ويحكم ببقاء النجاسة، وإذا تعارض البينة مع أحد الطرق المتقدمة ماعدا العلم الوجداني تقدم البينة(4)(مسألة - 1) إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه، تساقطا(5) ويحكم ببقاء النجاسة، وإذا تعارض البينة مع أحد الطرق المتقدمة ماعدا العلم الوجداني تقدم البينة(6)(مسألة - 1) إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه، تساقطا(7) ويحكم ببقاء النجاسة، وإذا تعارض البينة مع أحد الطرق المتقدمة ماعدا العلم الوجداني تقدم البينة(8)(مسألة - 1) إذا تعارض البينتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه، تساقطا(9) ويحكم ببقاء النجاسة، وإذا تعارض البينة مع أحد الطرق المتقدمة ماعدا العلم الوجداني تقدم البينة(10)

ص: 223


1- . كما هو الحال في تعارض كل أمارة مع الأخرى. هذا إذا كان المستند في كل منهما مساوياً مع الآخر - بأن كان المستند في كل منهما هو العلم الوجداني أو الأصل - أو لم يعلم المستند في كل منهما، أما إذا كان المستند في أحدهما هو العلم أو الامارة وفي الآخر الأصل، فيقدم ما هو مستنده العلم أو الأمارة على الآخر الذي مستنده الأصل، وذلك لتقدم العلم والأمارة على الأصل بكلا قسيمه - أي تنزيلياً كان أو غير تنزيلي - وفي الحقيقة التعارض يقع بين المستندين.
2- . على الجميع ماعد العلم الوجداني والاقرار، لأن أقوى تلك الامارات هي اليد، فلا شبهة في تقديم البينة على اليد، لأن عمدة تشريع حجية البينة في باب المخاصمة لابطال التمسك باليد، وبواسطة قيام البينة من طرف المدعي يؤخذ المال من ذي اليد ويعطى للمدعي. ولو لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان، لأن ميزان القضاء كما قال صلى الله عليه وآله: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وليس اليمين إبتداء للمنكر، بل ميزانيته في صورة فقد البينة وإلا في صورة فقد البينة وإلا في صورة وجود البينة للمدعي لاميزانية له، فاذا لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان ويقف الحكم وأما بالنسبة إلى الأصول، فلا إشكال في تقديم البينة عليها، بل في تقدم أي أمارة - ولو كانت ضعيفة - على الأصول وإن كانت من أقواها أي أصلا تنزيلياً، والسر في ذلك أن الشك أخذ في موضوع الأصول، والأمارات رافعة لموضوع الأصول بناء على كون حجيتها وإعتبارها من باب تتميم الكشف، فتكون رافعة للشك الذي هو موضوع الأصل تعبداً وفي عالم التشريع، وهذا هو معنى حكومتها عليها جميعاً - أي سواء كان الأصل تنزيلياً أو غير تنزيلي فلا يبقى موضوع للاصل كي يعارض الامارة. وقد ذكر سيدنا الاستاذ - دام ظله - تفصيل ذلك في «منتهى الأصول».
3- . كما هو الحال في تعارض كل أمارة مع الأخرى. هذا إذا كان المستند في كل منهما مساوياً مع الآخر - بأن كان المستند في كل منهما هو العلم الوجداني أو الأصل - أو لم يعلم المستند في كل منهما، أما إذا كان المستند في أحدهما هو العلم أو الامارة وفي الآخر الأصل، فيقدم ما هو مستنده العلم أو الأمارة على الآخر الذي مستنده الأصل، وذلك لتقدم العلم والأمارة على الأصل بكلا قسيمه - أي تنزيلياً كان أو غير تنزيلي - وفي الحقيقة التعارض يقع بين المستندين.
4- . على الجميع ماعد العلم الوجداني والاقرار، لأن أقوى تلك الامارات هي اليد، فلا شبهة في تقديم البينة على اليد، لأن عمدة تشريع حجية البينة في باب المخاصمة لابطال التمسك باليد، وبواسطة قيام البينة من طرف المدعي يؤخذ المال من ذي اليد ويعطى للمدعي. ولو لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان، لأن ميزان القضاء كما قال صلى الله عليه وآله: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وليس اليمين إبتداء للمنكر، بل ميزانيته في صورة فقد البينة وإلا في صورة فقد البينة وإلا في صورة وجود البينة للمدعي لاميزانية له، فاذا لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان ويقف الحكم وأما بالنسبة إلى الأصول، فلا إشكال في تقديم البينة عليها، بل في تقدم أي أمارة - ولو كانت ضعيفة - على الأصول وإن كانت من أقواها أي أصلا تنزيلياً، والسر في ذلك أن الشك أخذ في موضوع الأصول، والأمارات رافعة لموضوع الأصول بناء على كون حجيتها وإعتبارها من باب تتميم الكشف، فتكون رافعة للشك الذي هو موضوع الأصل تعبداً وفي عالم التشريع، وهذا هو معنى حكومتها عليها جميعاً - أي سواء كان الأصل تنزيلياً أو غير تنزيلي فلا يبقى موضوع للاصل كي يعارض الامارة. وقد ذكر سيدنا الاستاذ - دام ظله - تفصيل ذلك في «منتهى الأصول».
5- . كما هو الحال في تعارض كل أمارة مع الأخرى. هذا إذا كان المستند في كل منهما مساوياً مع الآخر - بأن كان المستند في كل منهما هو العلم الوجداني أو الأصل - أو لم يعلم المستند في كل منهما، أما إذا كان المستند في أحدهما هو العلم أو الامارة وفي الآخر الأصل، فيقدم ما هو مستنده العلم أو الأمارة على الآخر الذي مستنده الأصل، وذلك لتقدم العلم والأمارة على الأصل بكلا قسيمه - أي تنزيلياً كان أو غير تنزيلي - وفي الحقيقة التعارض يقع بين المستندين.
6- . على الجميع ماعد العلم الوجداني والاقرار، لأن أقوى تلك الامارات هي اليد، فلا شبهة في تقديم البينة على اليد، لأن عمدة تشريع حجية البينة في باب المخاصمة لابطال التمسك باليد، وبواسطة قيام البينة من طرف المدعي يؤخذ المال من ذي اليد ويعطى للمدعي. ولو لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان، لأن ميزان القضاء كما قال صلى الله عليه وآله: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وليس اليمين إبتداء للمنكر، بل ميزانيته في صورة فقد البينة وإلا في صورة فقد البينة وإلا في صورة وجود البينة للمدعي لاميزانية له، فاذا لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان ويقف الحكم وأما بالنسبة إلى الأصول، فلا إشكال في تقديم البينة عليها، بل في تقدم أي أمارة - ولو كانت ضعيفة - على الأصول وإن كانت من أقواها أي أصلا تنزيلياً، والسر في ذلك أن الشك أخذ في موضوع الأصول، والأمارات رافعة لموضوع الأصول بناء على كون حجيتها وإعتبارها من باب تتميم الكشف، فتكون رافعة للشك الذي هو موضوع الأصل تعبداً وفي عالم التشريع، وهذا هو معنى حكومتها عليها جميعاً - أي سواء كان الأصل تنزيلياً أو غير تنزيلي فلا يبقى موضوع للاصل كي يعارض الامارة. وقد ذكر سيدنا الاستاذ - دام ظله - تفصيل ذلك في «منتهى الأصول».
7- . كما هو الحال في تعارض كل أمارة مع الأخرى. هذا إذا كان المستند في كل منهما مساوياً مع الآخر - بأن كان المستند في كل منهما هو العلم الوجداني أو الأصل - أو لم يعلم المستند في كل منهما، أما إذا كان المستند في أحدهما هو العلم أو الامارة وفي الآخر الأصل، فيقدم ما هو مستنده العلم أو الأمارة على الآخر الذي مستنده الأصل، وذلك لتقدم العلم والأمارة على الأصل بكلا قسيمه - أي تنزيلياً كان أو غير تنزيلي - وفي الحقيقة التعارض يقع بين المستندين.
8- . على الجميع ماعد العلم الوجداني والاقرار، لأن أقوى تلك الامارات هي اليد، فلا شبهة في تقديم البينة على اليد، لأن عمدة تشريع حجية البينة في باب المخاصمة لابطال التمسك باليد، وبواسطة قيام البينة من طرف المدعي يؤخذ المال من ذي اليد ويعطى للمدعي. ولو لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان، لأن ميزان القضاء كما قال صلى الله عليه وآله: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وليس اليمين إبتداء للمنكر، بل ميزانيته في صورة فقد البينة وإلا في صورة فقد البينة وإلا في صورة وجود البينة للمدعي لاميزانية له، فاذا لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان ويقف الحكم وأما بالنسبة إلى الأصول، فلا إشكال في تقديم البينة عليها، بل في تقدم أي أمارة - ولو كانت ضعيفة - على الأصول وإن كانت من أقواها أي أصلا تنزيلياً، والسر في ذلك أن الشك أخذ في موضوع الأصول، والأمارات رافعة لموضوع الأصول بناء على كون حجيتها وإعتبارها من باب تتميم الكشف، فتكون رافعة للشك الذي هو موضوع الأصل تعبداً وفي عالم التشريع، وهذا هو معنى حكومتها عليها جميعاً - أي سواء كان الأصل تنزيلياً أو غير تنزيلي فلا يبقى موضوع للاصل كي يعارض الامارة. وقد ذكر سيدنا الاستاذ - دام ظله - تفصيل ذلك في «منتهى الأصول».
9- . كما هو الحال في تعارض كل أمارة مع الأخرى. هذا إذا كان المستند في كل منهما مساوياً مع الآخر - بأن كان المستند في كل منهما هو العلم الوجداني أو الأصل - أو لم يعلم المستند في كل منهما، أما إذا كان المستند في أحدهما هو العلم أو الامارة وفي الآخر الأصل، فيقدم ما هو مستنده العلم أو الأمارة على الآخر الذي مستنده الأصل، وذلك لتقدم العلم والأمارة على الأصل بكلا قسيمه - أي تنزيلياً كان أو غير تنزيلي - وفي الحقيقة التعارض يقع بين المستندين.
10- . على الجميع ماعد العلم الوجداني والاقرار، لأن أقوى تلك الامارات هي اليد، فلا شبهة في تقديم البينة على اليد، لأن عمدة تشريع حجية البينة في باب المخاصمة لابطال التمسك باليد، وبواسطة قيام البينة من طرف المدعي يؤخذ المال من ذي اليد ويعطى للمدعي. ولو لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان، لأن ميزان القضاء كما قال صلى الله عليه وآله: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وليس اليمين إبتداء للمنكر، بل ميزانيته في صورة فقد البينة وإلا في صورة فقد البينة وإلا في صورة وجود البينة للمدعي لاميزانية له، فاذا لم تقدم البينة على اليد يبقى القضاء بلا ميزان ويقف الحكم وأما بالنسبة إلى الأصول، فلا إشكال في تقديم البينة عليها، بل في تقدم أي أمارة - ولو كانت ضعيفة - على الأصول وإن كانت من أقواها أي أصلا تنزيلياً، والسر في ذلك أن الشك أخذ في موضوع الأصول، والأمارات رافعة لموضوع الأصول بناء على كون حجيتها وإعتبارها من باب تتميم الكشف، فتكون رافعة للشك الذي هو موضوع الأصل تعبداً وفي عالم التشريع، وهذا هو معنى حكومتها عليها جميعاً - أي سواء كان الأصل تنزيلياً أو غير تنزيلي فلا يبقى موضوع للاصل كي يعارض الامارة. وقد ذكر سيدنا الاستاذ - دام ظله - تفصيل ذلك في «منتهى الأصول».

(مسألة - 2) إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البينة على تطهير أحدهما غير المعين، أو المعين وإشتبه عنده، أو طهر هو أحدهما ثم إشتبه عليه، حكم عليهما بالنجاسة، عملاً بالإستصحاب، بل يحكم بنجاسة ملاقي كل منهما(1)

ص: 224


1- . جريان الاستصحاب في هذه الصور الثلاث، والحكم بنجاسة ملاقي كل منها مبني على جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي على خلاف المعلوم بالاجمال إذا لم يكن مستلزماً للمخالفة القطعية العملية، ولهذا إختلف الآراء في هذه المسألة: فسیدنا الاستاذ «قده» افاد بالفرق بین الصور الثلاث، بجریان الاستصحاب في الصورة الأولى دون الصورتين الأخيرتين. أما جريانه في الصورة الأولى، فلأنه لامحذور فيه إلا مايتوهم من معارضة صدرالصحيحة - وهو قوله عليه السلام «لاتنقض اليقين بالشك» - مع ذيلها - وهو قوله «ولكن أنقضه بيقين مثله» - وقد أجبنا عن ذلك بعدم معارضة الصدر مع الذيل، لأن المراد من اليقين في ذيل الصحيحة - وهو قوله (ولكن أنقضه بيقين مثله) - هو اليقين التفصيلي. أما عدم الجريان في الصورتين الأخيرتين، فلعدم إتصال الشك باليقين ولذا أفاد «قدس سره» في التعليقة - فيما اذا قامت البينة على تطهير أحدهما غير المعين على الاجمال -: وأما في غيره فاجراء الاستصحاب في كليهما والحكم عليهما بالنجاسة محل إشكال. أما جريان الاستصحاب في الصور الثلاث كما في المتن، وذهب اليه أستاذنا المحقق «قدس سره» فلأنه لامحذور في الجميع: أما في الصورة الأولى فلما عرفت، وأما في الصورتين الأخيرتين فلعدم صحة ماقيل من عدم إتصال الشك باليقين، وأيضا عدم صحة ما أفاده شيخنا الاستاذ «قدس سره» من عدم جريان الأصول المحرزة في أطراف العلم الاجمالي على خلاف المعلوم بالاجمال وان لم يكن مستلزماً للمخالفة القطيعة العملية لأن عمدة مدرك كلامه «قدس سره» هي المضادة بين الاحراز التعبدي في طرف العلم الاجمالي، وبين الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما. وفيه: منع المضادة بين الاحرازين المذكورين، لتغاير متعلق اليقين والشك، ووقوف كل منهما على نفس معروضه بلا سراية إلى متعلق الآخر فان معروض الاحراز الوجداني لايكون إلا العنوان الاجمالي المعبر عنه باحدهما، ومعروض الاحراز التعبدي إنما هو العنوان التفصيلي لكل واحد منهما، كاناء زيد واناء عمرو مثلا، فباستصحاب النجاسة في كل واحد منهما يحرز تعبداً نجاسة كل واحد منهما تفصيلا معيناً، فلا يمكن وقوع التضاد بينهما. هذا ما أفاده أستأذنا المحقق «قدس سره» في المقام. ولكن التحقيق عدم جريانه في جميع الصور، أما في الصورة الأولى فلما ذكرنا من وقوع المضادة بين الاحرازين. وما أورد عليه أستاذنا المحقق «قدس سره» من تغاير المتعلقين لايفيد شيئاً، لأن الصورة الذهنية مرآة للخارج، فاذا علم بطهارة أحد الانائين إجمالا، فلا يمكن تحقق العلم بنجاسة كل واحد منهما تفصيلا، وهذا في العلم الوجداني واضح، وكذلك الأمر في العلم التعبدي. أما عدم جريانه في الصورتين الأخيرتين فلجهتين: الأولى: ماذكرنا آنفاً في الصورة الأولى. الثانية: عدم إتصال الشك باليقين. بيان ذلك: أنه كلما حصل بعد اليقين السابق يقين وجداني أو تعبدي بارتفاع الحالة السابقة، فمع وجود الشك في البقاء ليس هذا الشك متصلا باليقين، وذلك لأنه توسط اليقين بارتفاع الحالة السابقة بين اليقين السابق والشك اللاحق. وهذا هو الضابط الكلي في عدم إتصال الشك باليقين، فاذا علم بنجاسة كأسين ثم علم بطهارة أحدهما وجداناً - كنزول المطر على أحدهما المعين - أو تعبداً - كما إذا قامت البينة على طهارة أحدهما المعين - ثم إشتبه ذلك المعين فيحصل له الشك في بقاء نجاسة كل واحد منهما، ولكن من المعلوم أن الشك في كل واحد منهما ليس متصلا باليقين، لأنه يعلم بارتفاع الحالة السابقة في أحدهما المعين إما وجداناً وإما تعبداً، ويحتمل في كل واحد منهما أن يكون هو ذلك المعين الذي علم إرتفاع الحالة السابقة فيه، فالحكم بالنجاسة في ذلك المعين الواقعي المشتبه فعلا ليس إبقاء النجاسة، وحيث يحتمل في كل واحد منهما أن يكون هو ذلك المعين فيشك في كون الحكم بنجاسته ابقاء للنجاسة، فيكون الحكم بنجاسته بقوله عليه السلام «لاتنقض اليقين بالشك» من التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية لنفس العام، وهذا مما لم يقل به أحد ولا يمكن أن يتفوه به. فظهر من مجموع ماذكرنا أن مااختاره شيخنا الأعظم الانصاري «قدس سره» من عدم جريان الاستصحاب في الصور الثلاث صحيح ولكن لا لما ذكره «قدس سره» من معارضة صدر الصحيحة مع ذيلها، بل لما ذكرنا من وقوع المضادة بين الاحرازين في الصور الثلاث، وعدم إتصال الشك باليقين في الصورتين الأخيرتين.

ص: 225

لكن إذا كانا ثوبين وكرّر الصلاة فيهما صحت(1).

(مسألة - 3) إذا شك بعد التطهير وعلمه بالطهارة في أنه هل أزال العين أم لا؟ أو أنه طهره على الوجه الشرعي أم لا؟ يبني على الطهارة، إلا أن يرى فيه عين النجاسة، ولو رأى فيه نجاسة، وشك في أنها هي السابقة، أو أخرى طارئة، بنى على انها طارئة(2).

ص: 226


1- . لحصول العلم بالامتثال ولو إجمالا، وصحة هذا الكلام مبنية على كفاية الامتثال الاجمالي وإن كان مستلزماً لتكرار العبادة.
2- . إختلف الآراء في هذه المسألة: فالماتن «قدس سره» أفاد بالبناء على الطهارة في جميع هذه الصور الثلاث الموجودة في المسألة، وذلك لجريان قاعدة أصالة الصحة بعد الفراغ، وذهب إلى ذلك أستادنا المحقق «قدس سره» وأما سيدنا الاستاذ وشيخنا الاستاذ «قدس سرهما» فأفادا في تعليقتهما بعدم جريان قاعدة أصالة الصحة في الصورة الأولى دون الصورتين الأخيرتين وذلك من جهة أن مورد هذه القاعدة فيما إذا كان أصل العمل موجوداً وإنما الشك يكون في صفة من صفاته، واما في المقام فالشك في أنه هل أزال العين أم لا؟ شك في أصل العمل، ولذلك يجب عليه تحصيل العلم بزوالها بالفحص أو تجديد غسله، وذلك لعدم أصل محرز لغسل المحل المتنجس. ولكن أنت خبير بأن عمدة إشكال شيخنا الأستاد «قدس سره» على جريان أصالة الصحة في المقام بأنه مثبت، وهي ليست من الأمارات كي تكون مثبتاتها حجة. وفيه: أن التطهير يكون من فعل الإنسان ولكن مع الواسطة، فإذا كان الشخص بصدد التطهير، والطهارة مسبب عن فعل اختياري، وأجرينا قاعدة أصالة الصحة في السبب، فقهراً يثبت المسبب وهو الطهارة، فإذا لاقاه شيء لا يتنجس. وأما ما أفاده شيخنا الأستاذ «قدس سره» بأن قاعدة أصالة الصحة إنما تجري فيما إذا كان الشك في كيفية التطهير، وأما الشك في الإزالة فلا ففيه: أن الإزالة أيضاً من الكيفيات. وأما ماقيل من الفرق بين ما إذا كان عالماً بالعين حين العمل وكان هو بصدد إزالتها، وبين ما إذا كان غافلاً بالعين حين العمل، بجريان قاعدة أصالة الصحة في الأولى دون الثانية. ففيه: أن هذا ليس بتفصيل في المسألة، بل بيان لمجرى أصالة الصحة. والحق في المقام هو جريان قاعدة أصالة الصحة في الصور الثلاث - كما أفاد الماتن «قدس سره» وذهب إلى ذلك أستاذنا المحقق «قدس سره» - أما الصورة الأولى فلما ظهر من مجموع ما ذكرنا. وأما الصورة الثانية: فهو القدر المتیقن من هذه القاعدة. وأما الصورة الثالثة: وهو أن یری فیه نجاسة ويشك في أنها هي السابقة أو أخرى طارئة، ويكون منشأ الشك فيه الشك في صحة التطهير، لإحتمال أن تكون هي العين السابقة، لكن ببركة أصالة الصحة يثبت زوال العين السابقة.

(مسألة - 4) إذا علم بنجاسة شيء، وشك في أن لها عيناً أم لا؟ له أن يبني على عدم العين(1) فلا يلزم الغسل بمقدار يعلم بزوال العين على تقدير وجودها، وإن كان أحوط.

ص: 227


1- . لكن التحقيق عدم جريان هذا الأصل، لأنه بمفاد ليس التامة لا يثبت وصول الماء إلى المحل إلا على القول بالأصل المثبت، وبمفاد ليس الناقصة ليس له حالة سابقة. فالأقوى وجوب الغسل حينئذ بمقدار يحصل العلم بزوال العين على فرض وجودها، لعدم إحراز التطهير بدون ذلك، لا بمحرز وجداني ولا شرعي.

(مسألة - 5) الوسواسي يرجع في التطهير إلى المتعارف ولا يلزم أن يحصل له العلم بزوال النجاسة(1).

ص: 228


1- . الوسواسي بعد ما ثبت له النجاسة بعلم أو علمي وطهره بالنحو المتعارف: تارة يحصل له العلم بزوال النجاسة، أو قيام حجة معتبرة على زوالها، وأخرى لا يحصل له العلم أو العلمي بزوال النجاسة. والفرض الأول خارج عن البحث، لأنه إن حصل له العلم أو العلمي بزوال النجاسة لايبقى مورد لأن يقال: يجب عليه أن يزيل النجاسة، وذلك لتحصيل الحاصل. وأما الفرض الثاني - أعني عدم حصول العلم بالزوال - فهو إما أن يعلم ببقاء النجاسة أو يشك في ارتفاعها. أما في الصورة الأولى فلا يمكن أن يكلف بتحصيل العلم بالزوال، لأنه في حقه إما متعذر أو متعسر، وحيث إن التكليف ثابت في حقه ولا يسقط عنه، فلا مناص إلا من القول بوجوب التطهير عليه بالنحو المتعارف. ومرجع ما ذكرنا في صورة العلم ببقاء النجاسة - فيما إذا طهر بالنحو المتعارف - هو تقييد الواقع بصورة عدم الإزالة بالنحو المتعارف، لعدم إمكان التقييد في الحجية في القطع الطريقي، فيكون من قبيل قطع القطاع، وتنقيح المسألة في محله. وأما في الصورة الثانية فإن عمل في مقام التطهير بالنحو المتعارف، فلا يجري في حقه الإستصحاب، لأن الشارع جعل التطهير بالنحو المتعارف أمارة على الزوال، إذ النجاسة غالباً تزول بالغسل المتعارف، فلا يبقى مجال لجريان الإستصحاب. فظهر من مجموع ما ذكرنا أن ماذكره الماتن «قدس سره» - من عدم حصول العلم للوسواسي بزوال النجاسة، ورجوعه في التطهير إلى المتعارف - هو الصحيح.

فصل في حكم الاواني

(مسألة) لا يجوز إستعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة من الأكل والشرب والوضوء والغسل(1) بل الأحوط عدم إستعمالها في غير مايشترط فيه الطهارة أيضاً(2).

ص: 229


1- . لا يخفى أن الميتة أعم من الحيوان القابل للتذكية ولم يذكّ والحيوان الذي مات حتف أنفه، وقد بينا سابقاً أن ماعدا الحيوان النجس العين والحشرات قابلة للتذكية، وحينئذ لايجوز إستعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة، لأنه بناءً على نجاسة الجلد يتنجس الماء أو المايع الذي يلاقيه، فيحرم شرب الماء النجس ولا يصح الوضوء والغسل به كما سيأتي في مبحث شرائط الوضوء إنشاءالله تعالى.
2- . أما استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة في غير ما يشترط فيه الطهارة فقد قال الماتن (قدس سره) هاهنا بعدم الجواز ولكن في مبحث نجاسة الميتة في المسألة - 19 - قال بالجواز، وهذا نصها: يحرم بيع الميتة، لكن الأقوى جواز الإنتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة ولعل الإحتياط هاهنا إستحبابي وهو المختار. خلاصة الكلام: إن الفقهاء إختلفوا في هذه المسألة. فالمانعون إستدلوا: أولاً: بالإجماع على عدم الجواز. ولكن أنت خبير بأن الإجماع ممنوع صغرىً وكبرىً، أما الصغرى فمن جهة أنه غير ثابت مع وجود المخالف كالصدوق (قدس سره) وحكي عنه نفي البأس من إستقاء الماء بالدلو الذي صنع من جلد الخنزير، وكذا يظهر الجواز من الإرشاد والنهاية والنافع، والمحقق (قدس سره) صرح في الشرائع بجواز الإستقاء بجلود الميتة لما لا يشترط فيه الطهارة وإن كان نجساً. أما كبرىً فمن جهة أنه ليس من الإجماع المصطلح الذي بنينا في الأصول على حجيته، وهو عدم وجود مدرك للمجمعين يتكأون عليه، فمثل هذا الإجماع يكون مسبباً عن رأي المعصوم عليه السلام بخلاف مانحن فيه فإنه إجماع مدركي. وثانياً: الروايات. وفيه: أن الروايات: إما ضعيفة من جهة السند أو الدلالة. فلنذكرهها هنا جملة من الروايات: منها: رواية تحف العقول عن الصادق: إنه سئل عن معايش العباد... إلى أن يقول: أو شيء من وجوه النجس فهذا كله حرام محرم، لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه، فجمعيع التقلب في ذلك حرام (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 2 - من ابواب مايكتسب به، الحديث - 1.) وظاهرها حرمة جميع الإنتفاعات. ولكن يمكن المناقشة فيها بأن المراد من الإنتفاعات أي المعاشي، كما هو ظاهر الرواية، لأنها وردت في التجارة والصناعة والإجارةوالولاية، على أن هذه الرواية وردت في كتاب تحف العقول، وهذا الكتاب رواياته محل تأمل، ومن قال بإعتباره فمن جهة ورودها في الوسائل فعلى أي حال فالتقلبات الغير البيعي جائزة كالتسميد، لما ورد في نفس الرواية: كل شيء فيه جهة من الصلاح فجائز. ولذا قال الشيخ: لولا الإجماع لكنا نقول بجواز بيعه. واما ما قيل بأن التسميد أو الإستصباح وغيرهما ليس باستعمال أي لا يصدق عليه الإستعمال، فغير صحيح. ومنها: عن الكاهلي، قال: سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام وأنا عنده حاضر عن قطع أليات الغنم؟ فقال: لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك. ثم قال: إن في كتاب علي عليه السلام: أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به (الوسائل كتاب الصيد والذباحة، الباب - 30 - من ابواب الذبائح، الحديث 1.) فان ظاهرها ولو كان عموم الإنتفاع ولكن يحمل على الإنتفاع المحلل كالأكل. ومنها: عن أبي الحسن عليه السلام، قلت: جعلت فداك إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، قال: هي حرام. قلت: فنستصبح بها؟ قال: أما تعلم أنه يصيب اليد والثوب وهو حرام (الوسائل كتاب الاطعمة والاشربة، الباب - 3 - من ابواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.) وبازائها روايات تدل على الجواز: منها: عن جامع البزنطي صاحب الرضا قال: سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء، أيصلح أن ينتفع بما قطع؟ قال: نعم، يذيبها ويسرج بها، ولا يأكلها ولا يبيعها (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 6 - من ابواب ما يكتسب به، الحديث 6.) ومنها: عن أبي القاسم الصيقل وولده قال: كتبوا إلى الرجل: جعلنا الله فداك إنا قوم نعمل السيوف، ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها، ونحن مضطرون إليها، وإنما علا جناجلود الميتة والبغال والحمير الأهلية، لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحل لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسها بايدينا وثيابنا ونحن نصلي في ثيابنا؟ ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا. فكتب: إجعل ثوباً للصلاة (الوسائل كتاب التجارة، الباب - 38 - من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.) وغيرها من الروايات. ويجمع بين الطائفتين بحمل الأولى على التصرفات المشروطة بالطهارة.

ص: 230

وكذا غير الظروف من جلدهما، بل وكذا سائر الإنتفاعات غير الإستعمال، فإن الأحوط ترك جميع الإنتفاعات منهما. وأما ميتة ما لا نفس له كالسمك ونحوه، فحرمة إستعمال جلده غير معلوم، وإن كان أحوط.

وكذا لايجوز إستعمال الظروف المغصوبة مطلقاً(1)وكذا غير الظروف من جلدهما، بل وكذا سائر الإنتفاعات غير الإستعمال، فإن الأحوط ترك جميع الإنتفاعات منهما. وأما ميتة ما لا نفس له كالسمك ونحوه، فحرمة إستعمال جلده غير معلوم، وإن كان أحوط.

وكذا لايجوز إستعمال الظروف المغصوبة مطلقاً(2)

ص: 231


1- . ويشهد له روايات كثيرة: منها: ماروى الأعمش، عن أبي واثل، عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: حرمة مال المسلم كحرمة دمه (المبسوط كتاب الغصب.) ومنها: عن أبي عبدالله عليه السلام عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب يوم النحر بمعنى في حجة الوداع وهو على ناقته الضباء فقال:... فان حرمة أموالكم عليكم وحرمة دمائكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا وهى بلدكم هذا إلى أن تلقوا ربكم فيسئلكم عن أعمالكم (المستدرك كتاب الغصب، الباب - 1 - الحديث 1.) ومنها: موثقة سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من اثتمنه عليها، فانه لايحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه (الوسائل كتاب الصلاة، الباب - 3 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1.) وغيرها من الروايات الكثيرة الدالة على حرمة التصرف في الأشياء المغصوبة التي بإطلاقها تشمل إستعمال الظروف المغصوبة.
2- . ويشهد له روايات كثيرة: منها: ماروى الأعمش، عن أبي واثل، عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: حرمة مال المسلم كحرمة دمه (المبسوط كتاب الغصب.) ومنها: عن أبي عبدالله عليه السلام عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب يوم النحر بمعنى في حجة الوداع وهو على ناقته الضباء فقال:... فان حرمة أموالكم عليكم وحرمة دمائكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا وهى بلدكم هذا إلى أن تلقوا ربكم فيسئلكم عن أعمالكم (المستدرك كتاب الغصب، الباب - 1 - الحديث 1.) ومنها: موثقة سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من اثتمنه عليها، فانه لايحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه (الوسائل كتاب الصلاة، الباب - 3 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1.) وغيرها من الروايات الكثيرة الدالة على حرمة التصرف في الأشياء المغصوبة التي بإطلاقها تشمل إستعمال الظروف المغصوبة.

والوضوء والغسل منها مع العلم باطل مع الانحصار(1) بل مطلقاً. نعم لو صب الماء منها في ظرف مباح فتوضأ وإغتسل صح، وإن كان عاصياً من جهة تصرفه في المغصوب.

ص: 232


1- . الوضوء من الظروف المغصوبة له صور: الصورة الأولى: أن يكون الظرف والماء كلاهما مغصوبين، فالوضوء في هذه الصورة باطل مطلقا: سواء كان بإغتراف واحد أو إغترافات متعددة، وسواء كان بنحو الإرتماس أولا، وسواء كان المتوضي عالماً بالغصبية أو جاهلا، وذلك للاجماع على لزوم إباحة ماء الوضوء. نعم عن الدلائل أنه حكى عن الكليني (قدس سره) جواز الوضوء بالماء المغصوب،م ولكن مخالفة الكليني (قدس سره) وحده لايضر بصحة الإجماع مضافاً إلى أن موردنا يكون من قبيل النهي عن العبادة - لامن باب الإجتماع - فتكون العبادة باطلة حتى مع الجهل، والسر في ذلك: أن التوضي بالماء المغصوب بنفسه تصرف في مال الغير وحرام، ويكون من النهي في العبادة فليس فيه ملاك العبادية، وليس من باب الاجتماع، إذ ليس بين متعلق الأمر والنهي تركيب إنضمامي، بل هما شيء واحد، لأن إجراء الماء المغصوب على الوجه واليدين وضوء ومصداق حقيقي لتصرف في مال الغير الذي هو حرام. نعم بناء على قول من يقول بجواز الاجتماع في المقام الأول حتى ولو كان التركيب بين متعلق الأمر والنهي إتحادياً يمكن القول بالصحة مع الجهل والغفلة. فتأمل!! الصورة الثانية: أن تكون الآنية مغصوبة دون الماء. وفي هذه الصورة: تارة يكون الوضوء من الاناء المغصوب بنحو الاغتراف، وأخرى بنحو الصب، وثالثة بنحو الرمس. اما في الصورتين الاخيرتين فيكون الوضوء باطلا مطلقاً سواء كان مع الانحصار أو مع عدم الانحصار فيما إذا كان عالماً بغصبية الظرف دون الجهل. أما في الصورة الأولى - أعني فيما إذا كان الوضوء بنحو الاغتراف - وهو تارة يكون باغترافات متعددة، وأخرى باغتراف واحد ويكون كافياً لغسل الوجه واليدين. أما في الفرض الأول - أعني فيما إذا كان الوضوء باغترافات متعددة - فيكون الوضوء باطلا مع الانحصار، بناء على أن الوضوء مشروط بالقدرة الشرعية - بقرينة المقابلة مع التيمم كما في الآية الشريفة: إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا... الخ (القرآن الكريم سورة المائدة، الاية 5.) وإن التفصيل قاطع للشركة، وحيث إن التيمم مشروط بفقد الماء، فالوضوء أيضاً يكون مشروطاً شرعاً بالقدرة على الماء بقرينة المقابلة، والقدرة إذا أخذت في لسان الدليل تكون شرعية - وحيث إن القدرة دخيلة في الملاك فعند عدم القدرة على الماء شرعاً لاملاك للوضوء، إذ الممتنع شرعاً كالممتنع عقلا، فحينئذ عند الاغتراف الأول - فيما إذا كان غير كاف لغسل الوجه واليدين - لايكون قادراً على تتميم الوضوء شرعاً لحرمة الاغتراف الثاني والثالث... الخ والوضوء مركب عبادي وإنما يكون صحيحاً ومقدوراً عليه فيما إذا كان جميع أجزائه ذا ملاك، أي من أول الوضوء إلى الآخر، مثلا المرأة التي تعلم بتحيضها في آخر الصلاة ولو في الجزء الأخير، لم يكن ماوقع من أجزاء صلاتها صحيحة، إذ الجزء الأخير لاملاك له، وذلك شأن جميع الواجبات المشروطة بالقدرة الشرعية، فعند فقد القدرة لا ملاك لها ويكون مثالها مثال من حج متسكعاً، حيث إنه لم يجزئه عن حجة الاسلام، فاذا صار مستطيعاً يجب عليه أن يحج ثانياً، كل ذلك لأجل أن الاستطاعة شرط لوجوب الحج. وخلاصة الكلام: فيما إذا كان الماء منحصراً بما في الاناء المغصوب ولا يمكن أن يتوضأ إلا باغترافات متعددة، يسقط أمر الوضوء ويتوجه اليه أمر التيمم. وأما في صورة عدم الانحصار فالظاهر عدم البطلان، لأن الأمر لايسقط بواسطة عدم الانحصار ووجود ماء آخر، والحرام الذي يرتكبه - أعني الاغترافات المتعددة التي هي مصداق للتصرف في مال الغير - ليس في ظرف الامتثال إذا كان الوضوء باغتراف، بل يقع دائما قبل ذلك الظرف. نعم لو حصل الامتثال بنفس استعمال المغصوب - كالابريق الغصبي الذي يتوضأ باستعماله - فلا يخلو عن إشكال، لعدم إمكان تحقق قصد القربة. وأما في صورة الانحصار فأمر الوضوء ساقط لعدم الملاك كما بينا آنفاً. هذا كله فيما إذا كان الوضوء من الاناء المغصوب ولا يمكن إلا بالاغترافات المتعددة. وأما إذا كان اغتراف واحد كافياً لغسل الوجه واليدين يكون وضوئه صحيحاً مطلقاً - أعني سواء أكان الماء منحصراً أو غير منحصر - لأنه بعد إغترافه يكون متمكناً من الوضوء، إذ مع الانحصار وإن كان قبل الاغتراف مأموراً بالتيمم إلا أنه بعد هذا يصير واجداً للماء. ثم إن هاهنا - أعني فيما إذا كان الماء في الاناء المغصوب منحصراً ولا يمكن الوضوء باغترافات متعددة - زعم صاحب الفصول (قده) جريان الترتب فيه، وهو أنه يكون وجوب الوضوء مشروطاً بعصيان النهي المتعلق بالإغترافات التي تقع بعد الإغتراف الأول - كما أن وجوب الصلاة - بناءً على صحة الترتب وإمكانه - مشروط بعصيان أمر الإزالة - فيكون الوضوء صحيحاً بالامر الترتبي حتى بناءً على إحتياج العبادة إلى الأمر كما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده). ولكن أنت خبير بأن هذا الزعم ليس بصحيح، لأن المتوضي من مثل ذلك الاناء إن اغترف غرفة كافية لغسل تمام الوضوء، فوضوؤه صحيح لا إشكال فيه، لأنه بعد عصيانه بالاغتراف بمثل تلك الغرفة صار واجداً للماء وحصل موضوع وجوب الوضوء. وأما لو احتاج الوضوء إلى إغترافات متعددة، فبعد الإغتراف الأول لا يصير واجداً للماء، إذ الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً، لأن الاغترافات المتأخرة كلها أيضاً محرمة، فبناءً على إشتراط الوضوء بالقدرة الشرعية - كما تقدم وجهه عند الاغتراف الأول - لا ملاك له، لأن القدرة الشرعية دخيلة في الملاك، وحيث لا قدرة فلا ملاك، فلا أمر، فلا ترتب، لأن الأمر الترتبي لا يكون إلا بعد وجود الملاك في متعلقه، كمابينا تفصيل ذلك في إحدى تنبيهات الترتب في كتابنا (منتهى الأصول). ولا يقاس مانحن فيه بالصلاة والازالة، لأن الصلاة ليست مشروطة بالقدرة الشرعية والملاك فيها موجود، وعدم الأمر المطلق لعدم القدرة، فاذا تصورنا وجود القدرة بشرط عصيان الأهم، فقهراً يكون الأمر بهذا الشرط - أي: الأمر الترتبي - موجوداً. وأما فيما نحن فيه، فحيث إنه لا قدرة شرعاً فلا ملاك كي نقول بالأمر الترتبي. وأما لو كان إستعمال الكأس والاناء جائزاً من جهة تخليص مائه - فيما إذا كان الماء ملكاً له ولم يكن وجوده في الاناء بسوء إختياره، بل كان قد غصبه صاحب الاناء - مثلاً - أو صبه فيه جهلاً بالموضوع أو غفلة - فخارج عن الفرض، ويكون الوضوء صحيحاً بلا ريب، ولا يحتاج إلى أمرترتبي أصلاً. فتلخص من مجموع ماذكرنا: أن الوضوء من الاناء المغصوب مع الانحصار بنحو إغترافات متعددة يكون باطلاً، ولا يمكن تصحيحه بالأمر الترتبي - المتوقف على الملاك - ولا بقصد الملاك، كل ذلك لعدم وجود الملاك في هذه الصورة.

ص: 233

ص: 234

(مسألة - 1) أواني المشركين وسائر الكفار(1)

محكومة بالطهارة مالم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة المسرية، بشرط أن لا تكون من

ص: 235


1- . لا يخفى أن الكفار مطلقا محكومون بالنجاسة، بلا فرق بين أهل الكتاب وغيرهم، وقد أثبتنا نجاستهم في محله، وعليه المشهور من العلماء، فحينئذ فملاقتهم مع الرطوبة للأواني موجبة لنجاستها. هذا مع العلم بالملاقاة، وأما مع الشك فنحكم بطهارتها لجريان قاعدة الطهارة، فبناءً على هذا فالأدوية المستوردة من الخارج محكومة بالطهارة مع عدم العلم بالملاقاة. هذا مع قطع النظر عن الروايات، وأما الروايات فهي متعارضة في المقام، فان أمكن الجمع بينها فبها، وإلا نحكم بسقوطها عند التعارض، فالمرجع حينئذ يكون أصالة الطهارة. ولابأس بذكر الطائفتين المتعارضتين منها: عن زكريا بن إبراهيم قال: كنت نصرانياً فأسلمت فقلت لأبي عبدالله عليه السلام: إن أهل بيتي على دين النصرانية فأكون معهم في بيت واحد وآكل من آنيتهم، فقال لي عليه السلام: أيأكلون لحم الخنزير؟ قلت: لا، قال: لابأس (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 72 - من أبواب النجاسات، الحديث 1.) وفي مقابلها ما وردت عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل الذمة والمجوس؟ فقال: لا تأكلوا في آنيتهم ولا عن طعامهم الذي يطبخون، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 72 - من ابواب النجاسات، الحديث 2.) وغيرها من الروايات. ولابد من حمل الرواية الأولى على صورة الشك وأن الآكل معهم أعم من أن يكون من كأس واحد أو كأسين، وحمل الثانية على صورة العلم، وعلى فرض الاطلاق فنحمل على الكراهة أي كراهة الشرب من كأسهم مع الشك، وأما في غير الأواني كاللحم والشحم والالية ونحوها مما يحتاج إلى التذكية، فانها محكومة بالنجاسة أيضاً عند الشك، إلا مع العلم بالتذكية، أو يشتري من سوق المسلمين، أو كان مسبوقاً بيد المسلم.

الجلود، وإلا فمحكومة بالنجاسة، إلا إذا علم تذكية حيوانها، أو سبق يد مسلم عليها. وكذا غير الجلود وغير الظروف مما في أيديهم مما يحتاج إلى التذكية كاللحم والحشم والألية، فإنها محكومة بالنجاسة إلا مع العلم بالتذكية أو سبق يد المسلم عليه. وأما ما لا يحتاج إلى التذكية فمحكوم بالطهارة، إلا مع العلم بالنجاسة. ولا يكفي الظن بملاقاتهم لها مع الرطوبة. والمشكوك في كونه مع جلد الحيوان أو من شحمه أو أليته محكوم بعدم كونه منه، فيحكم عليه بالطهارة وإن أخذ من الكافر.

(مسألة - 2) يجوز إستعال أواني الخمر بعد غسلها(1)

وإن كانت من الخشب أو القرع أو الخزف غير المطلي بالقير أو نحوه. ولا

ص: 236


1- . لاخصوصية للاواني، بل كل جسم صلب أو صيقلي إذا لم ينفذ فيه الخمر - كالفلزات أو المصنوع من الكاشي - يطهر بإجراء الماء عليه. وأما إذا نفذ فيه فالظاهر أيضاً جواز إستعماله بعد تطهير داخله. والدليل على ذلك - مضافاً إلى الروايات الواردة في المقام، كرواية عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال عليه السلام: اذا غسل فلا بأس (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 51 - من أبواب النجاسات، الحديث 1.) وغيرها من الروايات - هو إطلاق أدلة التطهير بالماء، وفيها غنى وكفاية.

يضرنجاسة باطنها بعد تطهير(1)ظاهرها داخلاً وخارجاً، بل داخلاً فقط. نعم يكره إستعمال مانفذ الخمر إلى باطنه إلا إذا غسل على وجه يطهر باطنه أيضاً.

(مسألة - 3) يحرم إستعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب(2)،

ص: 237


1- . بل يمكن تطهير باطنها أيضاًم بالماء الكثير، وإنما الإشكال في التطهير بالماء القليل، والظاهر عدم امكانه، لأن الماء وان ينفذ فيه إلا أنه لا يصدق الإتصال، لأن الواصل إلى الباطن هي الرطوبة عرفاً لا الماء، فيتنجس بملاقاة الداخل لعدم الإتصال عرفاً، اللهم إلا أن يقال بتحقق الإتصال عرفاً الذي هو المناط في المقام.
2- . إجماعاً منا المصرح في محكي جملة من العبائر، وعن البحار: أن ظاهر أكثر أصحابنا إتفاقهم على تحريم آنية الذهب والفضة مطلقاً، وهو ظاهر الروض أيضاً، حيث صرح بعدم القول بالفرق بين الشرب وغيره وفي الجواهر: إجماعاً منا، بل عن كل من يحفظ عنه العلم عدا داود، فحرم الشرب خاصة، محصلاً ومنقولاً مستفيضاً إن لم يكن متواتراً. والمتحصل أنّ هذا الحكم إجماعي بين جميع المسلمين كما صرح به جماعة من الأصحاب، إلا أن الشيخ «قدس سره» ذكر في الخلاف: أنه يكره إستعمال الذهب والفضة وكذا المفضض. وقال الشافعي: لا يجوز إستعمال أواني الذهب والفضة، وبه قال أبو حنيفة في الأكل والشرب. ولعل مراد الشيخ «قدس سره» من لفظ «يكره» هو الحرمة لا الكراهة بالمعنى المصطلح، كما في المعتبر والمختلف والذكرى. ويؤيد هذا المعنى ما صرح في كتاب الزكاة من الخلاف من الحكم بالحرمة. وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: فيحرم إتخاذ الآنية آنية من الذهب والفضة، فلا يحل لرجل أو إمرأة أن يأكل أو يشرب فيها لقوله (ص): لاتشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلو من صحافها، فانها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة. وكيف كان مدرك الحكم روايات مستفيضة من الطرفين. فعن العامة روايات: منها: إن رسول الله (ص) نهى عن الشرب في آنية الفضة والذهب... (سنن الترمذي كتاب الأشرابة، الباب - 10 - الحديث 1878، سنن أبي داود الجزء الثاني ص - 303 - صحيح النجاري كتاب الأشربة، الباب - 26، 27 -.) ومنها: النبوي: لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فانها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة (كنزالعمال ج - 8 - ص 16 الرقم 36.) ومنها: عن النبي (ص): الذي يشرب في آنية الذهب والفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم (المستدرك الباب - 40 - من ابواب النجاسات، الحديث 4، صحيح مسلم الجزء السادس، ص - 134، 135 -). وعن طريق الخاصة أيضاً روايات: منها: ما في الكافي والتهذيب، وهو صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيغ قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن آنية الذهب والفضة، فكرههما، فقلت: قد روى بعض أصحابنا أنه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبسة فضة، فقال: لا، والحمدلله، إنما كانت لها حلقة من فضة وهي عندي، ثم قال: إن العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمله للصبيان تكون فضة نحواً من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن عليه السلام فكسر (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 1). ومنها: ما في الكافي، عن داود بن سرحان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لا تأكل في آنية الذهب والفضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من أبواب النجاسات، الحديث 2) وما عن الكافي والتهذيب: صحيحة الحلي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لا تأكل في آنية من فضة، ولا في آنية مفضضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 66 - من ابواب النجاسات، الحديث 1) وما في الكافي والتهذيب: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: إنه نهى عن آنية الذهب والفضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 3) ومنها: مافي الكافي، عن علي بن حسان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: آنية الذهب والفضة متاع الذين لايوقنون (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 4) ومنها: مافي الكافي والفقيه: موثقة سماعة بن مهران، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 5) ومنها: مافي الكافي والفقيه والتهذيب، عن يونس بن يعقوب، عن أخيه يوسف قال: كنت مع أبي عبدالله عليه السلام في الحجر، فاستسقى ماءً، فأوتي بقدح من صفر، فقال رجل: إن عباد بن كثير يكره الشرب في الصفر فقال: لابأس به، فقال عليه السلام للرجل: ألا سألته: أذهب هو أم فضة؟! (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 6) ومنها: ما عن قرب الأسناد، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاهم عن سبع... منها: الشرب في آنية الذهب والفضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 11) ومنها: مافي الفقيه، عن أبان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تأكل في آنية ذهب ولا فضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 7) ومنها: ما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 8) ومنها: ما عن الفقيه، عن آبائه عليهم السلام - في حديث المناهي - قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 9) ومنها: ما عن المحاسن، عن حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن علي، عن الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه كره آنية الذهب والفضة والآنية المفضضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 10). فالأخبار الواردة في المقام على طرائف خمس: الطائفة الأولى: ما وردت فيها بصيغة النهي: كخبر داود بن سرحان وخبر محمد بن مسلم. الطائفة الثانية: ما وردت فيها بمادة النهي: كصحيحة محمد بن مسلم ومسعدة بن صدقة، وخبر حسين بن زيد. الطائفة الثالثة: ما وردت فيها لفظة «يكره» كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيغ، وخبر حماد بن عثمان. الطائفة الرابعة: ما ورد فيها لفظة «لا ينبغي» كموثقة سماعة بن مهران. الطائفة الخامسة: ما ورد فيها «متاع الذين لا يوقنون» كرواية موسى بن بكر، ومرسلة صدوق. أما الطائفة الأولى والثانية فلا شك في ظهورهما في التحريم، لما بينا في الأصول أنه لافرق بين مادة النهي وصيغته في ظهورهما في التحريم، كما أن مادة الأمر وصيغته ظاهرتان في الوجوب، لأن طبع الطلب يقتضي لزوم إيجاد المادة وأن المأمور لو لم يوجدها يعدُّ عاصياً، وهكذا النهي، لأن هيئة النهي موضوعة للنسبة الطلبية كالأمر، غاية الأمر النسبة الطلبية في الأمر وجودية وفي النهي عدمية. وأما الطائفة الثالثة فهي ظاهرة في مطلق المرجوحية الصادقة على الحرمة والكراهية، لأن ورود لفظة «الكراهة» في كلمات الأئمة عليهم السلام ليس بمعناها المصطلح عند الفقهاء - أعني المرجوحية غير الالزأمية - بل استعملت بمعناها العرفي واللغوي الجامع بين الحرمة والكراهة، فحينئذ هذه الطائفة لا تنافي الطائفتين الأوليتين من ناحية ظهورهما في الحرمة بل توافقهما. فما أفاده صاحب الوسائل «قدس سره» - من حمل هذه الطائفة على التقية، وذلك لما نقلوا عن جماعة من العامة عدم التحريم - ليس بصحيح، لما بينا من أنها تلاثم الحرمة. وأما الطائفة الرابعة فهي أيضاً تلاثم الحرمة والكراهة، لظهورها في مطلق المرجوحية، إلا أن لها ظهوراً عرفياً في الكراهة المصطلحة. فالأخبار التي تضمنت لفظة «لا ينبغى» في المقام تكون معرضاً عنها عند الأصحاب. وأما الطائفة الخامسة فيمكن أن تكون دلالتها على الحرمة آكد من بقية الطوائف، وذلك لأن لفظة «لا يوقنون» تدل على نفي طبيعة اليقين عن الذين يستعلمون أواني الذهب والفضة، ولا شك في أن نفي طبيعة اليقين بالله ورسوله عنهم لا يمكن إلا بنفي جميع أفراد اليقين عنهم، لأن الطبيعة لا تنعدم إلا بانعدام جميع أفرادها.

ص: 238

ص: 239

والوضوء والغسل(1) وتطهير النجاسات وغيرها من سائر الإستعمالات(2) حتى وضعها على الرفوف للتزيين(3)،

ص: 240


1- . أما بالنسبة إلى بطلان الوضوء والغسل فسيأتي الكلام فيه.
2- . الظاهر حرمة مطلق الإستعمال، لإطلاق بعض الروايات، كما ورد في بعض الروايات لفظ «الكراهة» من دون تعيين ماهو متعلقها، فبناءً على حملها على الحرمة يكون مطلق الإستعمال حراماً، وقوله عليه السلام في رواية أخرى «نهى عن آنية الذهب والفضة» النهي فيه مطلق ولا موجب لتقييده بخصوص الأكل والشرب. اللهم إلا أن يقال: إن يقال: إن الظاهر أن المقدار المتيقن هو الإستعمالات الشايعة، ومعلوم أنها الأكل والشرب.
3- . قد ذكر الماتن في هذه المسألة فروعاً: منها: وضعها على الرفوف للتزيين. فنقول: لابد أولاً من بيان كبرى المسألة، وهي متوقفة على شيئين: الأول: العلم بالموضوع، أي كونها آنية الذهب والفضة. الثاني: صدق الاستعمال. وأما إذا حصل الشك فيه: فتارة يكون من جهة المفهوم، وأخرى من جهة المصداق. أما في صورة الشك في المصداق فالبرائة جارية يقيناً. وأما الشك في المفهوم: فتارة يكون من جهة إجمال النص، وأخرى من جهة فقدان النص، وفي كلتا الصورتين يجرون البرائة. فبناءً على هذا فهل يحرم وضعها على الرفوف للزينة أم لا؟ أي: بعد الفراغ عن أنها آنية، هل يعد هذا العمل إستعمالاً أم لا كما قال البعض وأنكر الاخرون؟ وقد ادعي الاجماع على الحرمة. وفيه: أنه ممنوع صغرىً وكبرىً: أما من جهة الكبرى فلأنا ذكرنا مراراً بأن أمثال هذه الاجماعات مدركي لا أثر لها، وأما صغرىً فلوجود المخالفين في المسألة، لأن صاحب الجواهر وجماعة يقولون بأنه إستعمال، والآخرين يقولون إن هذا العمل لا يصدق عليه الاستعمال. والانصاف أن كون وضع الأواني من الذهب والفضة على الرفوف من إستعمالاتها في غاية الاشكال، فيكون الحكم بحرمته لا يخلو عن نظر وإشكال.

بل يحرم تزيين المساجد(1)

والمشاهد المشرفة بها، بل يحرم إقتناؤها من غير إستعمال(2)

ويحرم بيعها وشراؤها وصياغتها

ص: 241


1- . بل لايحرم، ولا فرق في عدم حرمة الوضع للتزيين بين الوضع في الدار أو المساجد أو المشاهد أو غيرها. نعم الإحتياط حسن، وربما استظهر من مجموع الأخبار كراهة الشارع لذلك، وأما إثبات الحرمة فمشكل جداً.
2- . أما الإقتناء فالحكم بالحرمة فيه أشكل، لما ذكرنا من القاعدة الكلية في أمثال هذه الموارد، وأن الحرمة تتوقف على وجود شيئين: أولاً: صدق الآنية، وثانياً: صدق الإستعمال، وهنا صدق الإستعمال على الإقتناء مشكل، بل معلوم العدم. وأما الرواية الواردة فيها وأنها متاع الذين لايوقنون، فقد استشكلنا فيها من جهة الدلالة. وأما ماذكر من الإشكالات من أنها تضييع للمال وتعطيل له وأمثال ذلك... فهذه تأني في بقية الجوهرات كالفيروزة والصدف والدر والياقوت والزمرد وأمثال ذلك... فلابد أن نحكم أيضاً بحرمتها، مع أنها جائزة يقيناً. فالحق أن الاقتناء جائز.

واخذ الاجرة عليها(1) بل نفس الأجرة أيضاً حرام، لأنها عوض المحرم، وإذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه.

(مسألة - 4) الصفر أو غير الملبس بأحدهما يحرم إستعماله(2) إذا كان على وجه لو إنفصل كان إناءً مستقلاً، وأما إذا لم يكن كذلك فلا

ص: 242


1- . لا يخفى أن حرمة البيع والشراء متوقفة على جواز الاقتناء وعدمه وذلك لأن جواز بيع شيء أو وقوعه عوضاً في أبواب المعاوضات موقوف على كونه ذا منفعة محللة مقصودة للعقلاء، فان قلنا بجواز الاقتناء فلابأس بالبيع والشراء، وإلا يحرم البيع والشراء وأخذ الأجرة، لعدم وجود المنفعة المحللة، بل لابد من كسره لحسم مادة الفساد. نعم البيع والشراء باعتبار المادة فقط جائز، وأما باعتبار المادة مع الصورة فلا.
2- . تارة يكون الاناء الملبس من قبيل الاناء في الاناء بحيث عند الانفصال يعد إناءً مستقلاً بلا فرق بين أن يكون الاناء الداخل من أحدهما والاناء الخارج من الصفر أو بالعكس، ففي هذه الصورة لا إشكال في حرمة إستعماله مطلقاً أو في خصوص الأكل والشرب لأنه يصدق عليه إناء ويشمله العمومات المانعة.

يحرم، كما إذا كان الذهب أو الفضة قطعات منفصلات(1) لبس بهما الإناء من الصفر داخلاً او خارجاً.(مسألة - 5) لا بأس بالمفضض والمطلي والمموه بأحدهما(2) نعم يكره إستعمال المفضض(3) بل يحرم الشرب منه(4) إذا وضع فمه على موضع الفضة، بل الأحوط ذلك في المطلي أيضاً.

ص: 243


1- . لعدم صدق إناء الذهب والفضة على هذا الاناء، وإنما هو صفر وإن كان مشتملاً على قطعات منهما. وما وردت من عدم الشرب في الفضة والمفضض كما في رواية الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لاتأكل في آنية من فضة ولا آنية مفضضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 66 - من أبواب النجاسات الحديث 1.) ورواية بريد، عن أبي عبدالله عليه السلام: إنه كره الشرب في الفضة وفي القدح المفضض (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 66 - من أبواب النجاسات الحديث 2.) فتحمل على الكراهة جمعاً بينها وبين مادل على الجواز، كما في رواية عبدالله ابن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلا قال: لابأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 66 - من أبواب النجاسات الحديث 5.) وصحيحة معاوية بن وهب قال: سئل أبو عبدالله عليه السلام عن الشرب في القدح فيه ضبة من فضة؟ قال: لا بأس إلا أن يكره الفضة فينزعها (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 66 - من أبواب النجاسات الحديث 4).
2- . لايخفى أن المطلي والمموه بمعنى واحد، فان كانا من أقسام المفضض فيلحقهما حكمه، وعند الشك يكون خارجا بحكم الأصل.
3- . كما مر.
4- . المشهور على الوجوب - أي وجوب العزل - كما هو ظاهر رواية ابن سنان «واعزل فمك عن موضع الفضة» ولكن في المدارك والمعتبر والذخيرة إستحباب العزل، وعن الشرايع كراهة الشرب منه. ولكن الظاهر حمل الأمر على الإستحباب لوجهين: الأول: نفس رواية ابن سنان، لأنها لو كانت جميعها مفضضة فلا يمكن العزل، وكذا لو قلنا بأن المطلي من قسم المفضض، فان الظاهر من المطلي أن يكون جميعه كذلك، إلا أن نقول بأن المطلي غير المفضض، أو قلنا بأن معنى المفضض أن يكون قسم منه فضة دون القسم الآخر، فيمكن العزل حينئذ. والوجه الثاني: رواية معاوية بن وهب: «لابأس، إلا أن يكره الفضة فينزعها» حيث صرح فيه بالجواز.

(مسألة - 6) لايحرم إستعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما(1) إذا لم يكن بحيث يصدق عليه إسم أحدهما.(مسألة - 7) يحرم ما كان ممتزجاً منهما وإن لم يصدق عليه إسم أحدهما(2) بل وكذا ما كان مركباً منهما بأن كان قطعة منه من ذهب وقطعة منه من فضة.

(مسألة - 8) لا بأس بغير الاواني إذا كان من أحدهما(3) كاللوح من الذهب أو الفضة، والحلي كالخلخال وإن كان مجوفاً بل وغلاف

ص: 244


1- . كما إذا امتزج الذهب مع خليط آخر، فهذا يتصور على ثلاثة أقسام: تارة يكون الذهب أكثر من الخليط، وأخرى يكون على العكس وثالثة يكونان متساويين. أما في الصورة الأولى فلا إشكال في حرمة إستعماله إن صدق عليه إسم الذهب والفضة عرفاً، بل لا يوجد آنية تكون مصنوعة من الذهب الخالص، بل يكون الخليط موجوداً فيه دائماً، فلو كان المراد هو الاناء الخالص من أحدهما فلا يبقى مورد لهذه الأخبار الكثيرة. وأما في الصورتين الأخيرتين فلا بأس باستعمالها مع عدم الصدق، فالحرمة تدور مدار الصدق كما مر وعدمه.
2- . الظاهر عدم الحرمة إذا لم يصدق عليه إسم أحدهما، لما بينا من القاعدة الكلية. وما ذكروا من الأدلة مجرد إستحسان وغير قابلة لرفع اليد عن الأصل كما ذكروا في مسألة نزو الكلب على الخنزير، وقالوا ولو لم يصدق على المتولد منهما إسم أحدهما فهو نجس، فهذه مجرد إستحسان فلا يمكن رفع اليد عن العمومات والأصل به.
3- . كما هو المشهور، وقد بينا أن الحرمة تدور مدار إسم الآنية، فان كان مما يشك في دخوله فالمرجع يكون هو البرائة، مضافاً إلى ورود بعض الأخبار ودلالته على الجواز: منها: عن منصور بن حازم، عن أبي عبدالله قال: سألته عن التعويذ يعلق على الحائض؟ فقال: نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 67 - من أبواب النجاسات الحديث 2). ومنها: عن صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن ذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: نزل به جبرئيل من السماء، وكانت حلقته فضة (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 67 - من أبواب النجاسات الحديث 3). ومنها: عن يحيى بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: درع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات الفضول لها حلقتان من ورق في مقدمها، وحلقتان من ورق في مؤخرها، وقال: لبسها علي عليه السلام يوم الجمل (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 67 - من أبواب النجاسات الحديث 4). ومنها: عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن المرآة هل يصلح إمساكها اذا كان لها حلقة فضة؟ قال نعم، إنما يكره إستعمال مايشرب به (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 67 - من أبواب النجاسات الحديث 5) ومنها: عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن إسم النبي صلى الله عليه وآله في صحف إبراهيم الماحي... إلى أن قال: وكانت له عمامة تسمى السحاب، وكان له درع تسمى ذات الفضول، لها ثلاث حلقات فضة، حلقة بين يديها وحلقتان خلفها (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 67 - من أبواب النجاسات الحديث 7) ومنها: عن أحمد بن عبدالله قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن ذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وآله من أين هو؟ قال: هبط به جبرئيل عن السماء، وكان عليه حلية من فضة، وهو عندي (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 67 - من أبواب النجاسات الحديث 8). ولكن هناك أخبار معارضة، وتدل على ثبوت البأس: منها: عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن السرير فيه الذهب، أيصلح إمساكه في البيت؟ فقال: إن كان ذهباً فلا، وإن كان ماء الذهب فلا بأس (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 67 - من أبواب النجاسات الحديث 1) ومنها: خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: وسألته عن السرج واللجام فيه الفضة أير كب به؟ قال: إن كان مموهاً لايقدر على نزعه فلا بأس، وإلا فلا يركب به (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 67 - من أبواب النجاسات الحديث 5، 6) ومنها: صحيح بن بزيغ، وفيه: إن العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو مايعمله للصبيان، تكون فضة نحواً من عشرة دراهم، فامر به أبو الحسن عليه السلام فكسر (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من أبواب النجاسات الحديث 1) وهذه لاتعارض تلك، لأنها معرض عنها. خلاصة الكلام: أن مايصدق على الآنية فلا يجوز إستعمالها: إما مطلقا أو في خصوص الأكل والشرب وإلا فلا، وأما ماذكر الماتن من الامثلة مثل اللوح وغيره فان صدق عليه الآنية عرفاً فلا يجوز إستعماله، وإلا جائز كما مر.

ص: 245

السيف وامامة للشطب، بل ومثل القنديل وكذا نقش الكتب والسقوف والجدران بهما.

(مسألة - 9) الظاهر أن المراد من الأواني(1)

مايكون من قبيل: الكأس، والكوز، والصيني، والقدر، والسماور، والفنجان، وما يطبخ

ص: 246


1- . لاشك في أن المرجع في تعيين المراد وتشخصه من الألفاظ التي جعلها الشارع موضوعاً للاحكام، هو العرف في زمان الإستعمال، وذلك لأن الشارع في مقام بيان أحكامه وتبليغها لم يخترع طريقاً خاصاً بل يتكلم على النحو المتعارف عند أهل المحاورة والعرف في زمانه وعلى حسب مصطلحاتهم، فلابد وأن يريد مايفهمه العرف وأهل المحاورة من الألفاظ المتداولة بينهم، ومن جملة تلك الألفاظ لفظ «الآنية» والأواني الذي جعله الشارع موضوعاً لحرمة الأكل والشرب أو مطلق الاستعمال، إذا كانت في ذلك الزمان - اي الإستعمال - بحدوده بحيث لايبقى شك في الصدق، لمعرفة المفهوم وكماله من حيث السعة والضيق - ولا يفيد الرجوع إلى أهل اللغة الا ازدياد الحيرة لانهم في مقام شرح اللفط بمفهوم آخر أعم أو أخص منه غالباً. هذا مع أن كثيراً منهم أهملوا ذكره وقالوا إنه معروف، مضافاً الى عدم حجية قولهم كما حققنا في الأصول، ففي كل مورد علمنا انه من مصاديقه فهو، وإلا فلا بد من المراجعة إلى الأصول العملية في حكمه، لعدم عموم أو إطلاق يكون هو المرجع كي يرتفع الشك به ويكون حاكماً على أدلة الأصول. ومعلوم أن الأصل في المقام هي الإباحة. خلاصة الكلام: إن باب معرفة مفهوم الآنية بجميع حدوده من حيث السعة والضيق في زماننا مسدودة، لقلة إستعمال هذه اللفظة وعدم تداولها في المحاورات في هذه الأزمنة، وعدم إعتبار قول اللغويين في تعيين ماهو الموضوع له، مضافاً إلى أن كلماتهم في هذا الباب مختلفة غير خالية عن التشويش، فلابد من الأخذ بالقدر المتيقن من مصاديقها بواسطة المراجعة الى موارد إستعمالها في زمان صدور هذه الروايات التي تدل على حرمة مطلق استعمالها أو خصوص الأكل والشرب، وفي موارد الشك يرجع إلى أصالة الإباحة. والظاهر أن القدر المتيقن الذي يستفاد من موارد إستعمالها في لسان الشارع أو المتشرعة في ذلك الزمان هو أدوات الأكل والشرب، سواء کان أداة لشرب الماء أو الشاي أو أقسام الشرابت أو سائر المايعات وأدوات الطبخ سواء كانت لطبخ المأكولات - كالقدور وأمثالها - أو لطبخ المشروبات كالحليب والشاي وأمثالها، فبناء على هذا فيكون خصوص الأكل والشرب أومطلق الإستعمال في الأقداح والكؤوس والقدور بأقسامها والمصفاة والمشقاب والنعلبكي والسماور والقوري والإستكان والكوز والحب وكرز القليان وما يطبخ فيه القهوة وكل ماكان من هذا القبيل، ففي جميع هذه وأمثالها نحكم بالحرمة لأن المناط في الحكم بالحرمة صدق الآنية، وأما في مورد الشك في الصدق نحكم بالإباحة.

فيه القهوة، وأمثال ذلك مثل كوز القليان، بل والمصفاة و (المشقاب) والنعلبكي، دون مطلق ما يكون ظرفاً فشمولها لمثل رأس القليان، ورأس الشطب، وقراب السيف والخنجر والسكين، وقاب الساعة، وظرف الغالية والكحل والعنبر والمعجون والترياك، ونحو ذلك... غير معلوم وإن كانت ظروفاً، إذ الموجود في الاخبار لفظ «الآنية»، وكونها مرادفاً للظرف غيرمعلوم، بل معلوم العدم، وإن كان الأحوط

ص: 247

في جملة من المذكورات الاجتناب. نعم(1) لابأس بما يصنع بيتاً للتعويذ إذا كان من الفضة، بل الذهب أيضاً.وبالجملة: فالمناط صدق الآنية، ومع الشك فيه محكوم بالبرائة.

(مسألة - 10) لا فرق في حرمة الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة بين مباشرتهما لفمه أو أخذ اللقمة منها ووضعها في الفم(2) وكذا إذا وضع ظرف الطعام في الصيني من أحدهما.

ص: 248


1- . نعم لابأس بما يصنع بيتاً للتعويذ، سواء صدق عليه الآنية أم لم يصدق لما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن التعويذ يعلق على الحائض؟ فقال: نعم إذا كان في جلد أوفضة أو قصبة حديد (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 67 - من أبواب النجاسات الحديث 2).
2- . هذا بناء على أن يكون متعلق النهي والحرمة مطلق إستعمالها لاخصوص الأكل والشرب منهما في غاية الوضوح، لصدق الإستعمال على جميعها، بل صدق إستعمالها على أخذ اللقمة منهما أولى من صدقه على وضعها في الفم. نعم صدقه على مباشرتهما لفمه - كما في شرب الشاي من الاستكان، أو شرب الشرابت من الاقداح والكؤوس - أظهر من أخذ اللقمة منهما. وعلى كل حال لاشك في صدق الإستعمال على جميع ماذكره في المتن. وأما إذا كان متعلق النهي خصوص الأكل والشرب - كما هو المصرح في جملة من الروايات - فالحكم بحرمة وضع ظرف الطعام في الصيني أووضع الفنجان في النعلبكي - كما ذكره في المتن - لايخلو عن إشكال، لأن هذين وما يشبههما مما لايصدق عليه الأكل أو الشرب فيهما، فلا وجه للقول بحرمتها. نعم الذي يسهل الخطب هو أن متعلق النهي والحرمة هو مطلق إستعمالاتهما المتداولة عند العرف. وذلك لظهور الروايات التي تضمنت النهي عن ذات الآنية في مطلق الإستعمال، وادعى الإجماع عليه جمع والظاهر أن ذكر الأكل والشرب ليس لأجل خصوصية فيهما، وإنما تخصيصهما بالذكر لأجل أن غالب إستعمالاتهما عند المترفين كانت في المأكل والمشرب، فاذا كان كذلك فجميع ماذكره في المتن - من تحريم استعمالاتهما - صحيح لا إشكال فيه، حتى شرب الشاي في مورد يكون السماور من أحدهما.

وكذا إذا وضع الفنجان في النعلبكي من أحدهما، وكذا لوفرغ ما في الإناء من أحدهما في ظرف آخر لاجل الأكل(1) والشرب لا لاجل

ص: 249


1- . فانه يصدق عليه الأكل منه، كما أنه المتعارف في هذا الزمان فانه يفرغون مقداراً من الطبيخ من الذي يسمونه البلم في المشقاب لأجل أكل شخص واحد، وهكذا بالنسبة إلى كل فرد ممن هو حاضر في المجلس لأجل الأكل، فإذا كانت الآنية الكبيرة - أي القاب أو البلم مثلاً - من أحدهما، يصدق على كل شخص أنه أكل من الذهب أو الفضة باعتبار تلك الآنية الكبيرة، كما أنه لو صب الشاي من القوري المصنوع من أحدهما للأشخاص الحاضرين في الإستكان، يصدق على كل واحد منهم أنه شرب من آنية الذهب أو الفضة باعتبار كون ما في استكانه فرغ من القوري المصنوع من الذهب أو الفضة، وكذلك الأمر في الشرابت إذا فرغ من الآنية الكبيرة المصنوعة من أحدهما في الكؤوس الصغيرة لأجل الشرب. نعم لو كان التفريغ في آنية أخرى لأجل غرض أخر فشرب من تلك الآنية الأخرى بلا واسطة أو مع الواسطة، فلا يصدق أنه شرب مما صنع من أحدهما. وبعبارة أخرى: التفريغ عن الآنية المصنوعة من أحدهما إذا كان للأكل والشرب يعد إستعمالاً عند العرف في الأكل والشرب، وأما إذا كان لغرض آخر فليس إستعمالاً في الأكل والشرب. نعم يكون نفس التفريغ حراماً، لأنه إستعمال لها، فبناءً على حرمة مطلق استعمال الآنية المصنوعة من أحدهما يكون حراماً، فكون الأكل والشرب حراماً لا وجه له. ولكن الظاهر عدم حرمة الأكل والشرب حتى فيما إذا كان التفريغ لأجل أحدهما، وذلك لعدم صدق الأكل والشرب منهما بعد التفريغ في آنية ليست منهما. وكذلك الأمر في مورد يكون السماور من أحدهما لاوجه لحرمة شرب الشاي إذا كان الإستكان من غيرهما، لأن المحرم هو استعمال السماور في طبخ الشاي دون نفس شربه. نعم الذي يصب الماء من ذلك السماور فوق الشاي الموجود فيه يكون صبه حراماً، لأنه استعمال لذلك السماور، فإذا كان الصاب غير الشارب لم يصدر حرام من الشارب، وكذلك الحال في الشرابت والأطعمة إذا كان الإناء الكبير منهما.

نفس التفريغ، فإن الظاهر حرمة الأكل والشرب، لان هذا يعد أيضاً إستعمالاً لهما فيهما،بل لا يبعد حرمة شرب الچاي في مورد يكون السماور من أحدهما وإن كان جميع الادوات ما عداه من غيرهما.

والحاصل: أن في المذكورات، كما أن الإستعمال حرام كذلك الأكل والشرب أيضاً حرام. نعم المأكول والمشروب لا يصير حراماً، فلو كان في نهار رمضان لا يصدق أنه أفطر على حرام، وإن صدق أن فعل الإفطار حرام.

وكذلك الكلام في الأكل والشرب في الغصبي(1).

(مسألة - 11) ذكر بعض للعماء أنه إذا أمر شخص خادمه فصب الچاي من القوري من الذهب أو الفضة في الفنجان الفر فوري، وأعطاه شخصاً آخر فشرب، فكما أن الخادم والآمر عاصيان، كذلك الشارب لا يعبد أن يكون عاصياً، ويعد هذا منه إستعمالاً لهما(2).

ص: 250


1- . أما الأكل والشرب من الإناء الغصبي: فإن صدق التصرف في ذلك الإناء فيكون حراماً من جهة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، فبعد الأخذ منه وإخراج المأكول أو المشروب ليس أكله وشربه حراماً، لانه أکل او شرب ما یجوز أکله وشربه، ولیس الاکل والشرب تصرفاً في مال الغير. نعم أخذه وتناوله منه تصرف فيه، فقياس الإناء الغصبي بالمقام في غير محله.
2- . أما عصيان الخادم فلأنه إستعمال للآنية من أحدهما، وهو حرام بناءً على حرمة مطلق الإستعمال، وأما الآمر فلأجل أمره بالمعصية، فيصدق على أمره الإعانة على الإثم إذا كان أمره بقصد أن الخادم يرتكب هذا الحرام، وأما الشارب فلا يكون شربه حراماً، لأجل عدم إستعمال آنية الذهب والفضة ولا شربه منهما، بل شرب من الفنجان الفر فوري كما هو المفروض. وأما شربه حراماً من جهة أن ما في الفنجان كان في القوري من أحدهما، فيصدق أنه شرب من الآنیة التي من الذهب او الفضة، ففقیه: انه صرف کونه فعلاً في آنیة الذهب او الفضة لا اثر له في هذا الصدق، فانه معنی عرفي، ولا یقول العرف في المقام الا أنه شرب من الفنجان الفرفوري، والشرب من الآنية لا يصدق إلا بمباشرته للفم كما هو المتعارف في الشاي والشرابت، فالأول كما لو كان الإستكان من أحدهما، والثاني كما لو كان الكأس الذي يشرب فيه الشربة من أحدهما أو شربه منه بمعلقة كما في الأمراق والشوربا وأمثا ذلك.

(مسألة - 12) إذا كان المأكول أو المشروب في آنية من أحدهما ففرغه في ظرف آخر بقصد التخلص من الحرام لا بأس، ولا يحرم الشرب أو الأكل بعد هذا(1).

(مسألة - 13) إذا إنحصر ماء الوضوء أو الغسل في أحدى الآنيتين، فإن أمكن تفريغه في ظرف آخر وجب(2) وإلا سقط وجوب

ص: 251


1- . لا يخفى أن جواز الأكل والشرب غير متوقفين على قصد التخلص لأنه بعد ما فرغه من آنية الذهب أو الفضة في كأس آخر، فيجوز شربه سواء كان التفريغ حلالاً أم حراماً، إذ لا يصدق حينئذ الشرب من أحدهما فقصد التخلص لا أثر له. وعلى كل بعد التفريغ في ظرف ليس من أحدهم يكون شربه من ذلك الظرف حلالاً، قصد التخلص أم لا. نعم قصد التخلص عن الغصب وتفريغه من أجل ذلك، إنما يؤثر في جواز التفريغ وعدمه.
2- . لأنه مقدمة للوضوء أو الغسل الواجبين فيجب. قد يقال مقدمة الواجب واجبة على القول بوجوبها فيما إذا لم تكن محرمة، وإلا يقع التزاحم بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها، وحيث إن وجوب ذي المقدمة هاهنا مشروط بالقدرة الشرعية وله البدل أيضاً، فيجب القول بتقديم حرمة المقدمة وسقوط وجوب الوضوء أو الغسل، ولزم التيمم لا لزوم التفريغ. وفيه: أولاً: قد تقدم أن التفريغ إذا كان بقصد التخليص عن الحرام ليس بحرام بل واجب، لأن إبقاء الحرام مثل إحداثه حرام. وثانياً: إن التفريغ ليس إستعمالاً عند العرف، لأن هذه الأواني المصنوعة من أحدهما لم تعد للتفريغ، وقياسه بالقوري الذي من أحدهما - وأن صب الشاي منه في الفنجان الفرفوري حرام.. في غير محله، لأن القوري صنع لأجل مثل هذا الإستعمال، فيكون صب الشاي فيه إستعمالاً له، وقد قلنا إن ظاهر الروايات هو حرمة مطلق إستعمالها. نعم لو كان التفريغ حراماً فتكون هذه الصورة مثل صورة عدم إمكان التفريغ تكويناً، لأن الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً، فتصل النوبة إلى التيمم وعلى كل واحدة من الصورتين - أي مع إمكان التفريغ شرعاً وعقلاً، أو عدم إمكانه كذلك - لو توضأ أو إغتسل منهما بطل سواء كان بالإغتراف أو بالإرتماس أو باستعمال الآنية بالصب على محل الوضوء أو الغسل بهما، فيكون الوضوء أو الغسل باستعمالهما المحرم، فلا يمكن التقرب بمثل هذا المحرم. ولكن أنت خبير بعدم كون الوضوء عبارة عن نفس الإغتراف المحرم كي يكون من النهي في العبادة، ولا مركباً معه تركيباً إنضمامياً كي يكون من باب الإجتماع، بل يكون دائماً متأخراً عنه، فلو لم يكن الماء منحصراً بما في أحدهما فيجوز الوضوء ويكون صحيحاً وإن كان لا يمكن إلا باغترافات متعددة. وكذلك الأمر في مسألة الصب من أحدهما، وفيه تأمل. نعم إذا كان الوضوء بالإتمارس في أحدهما لا يبعد ان يكون باطلاً، لأن وضوئه إستعمال، فيكون من باب الإجتماع.

الوضوء أو الغسل ووجب التيمم، وإن توضأ أو إغتسل منهما بطل، سواء أخذ الماء منهما بيده أو صب على محل الوضو بهما أو ارتمس فيهما، وإن كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ في ظرف آخر ومع ذلك توضأ أو إغتسل منهما، فالأقوى ايضاً البطلان، لأنه وإن

ص: 252

لم يكن مأموراً بالتيمم، إلا أن الوضوء أو الغسل حينئذ يعد إستعمالاً لهماعرفاً، فيكون منهياً عنه، بل الأمر كذلك لو جعلها محلاً لغسالة الوضوء، لما ذكر من أن توضيه حينئذ يحسب في العرف إستعمالاً لهما.

نعم لو لم يقصد جعلهما مصباً للغسالة لكن إستلزم توضيه ذلك أمكن أن يقال إنه لا يعد الوضوء إستعمالاً لهما، بل لا يبعد أن يقال إن هذا للصب أيضاً لا يعد إستعمالاً، فضلاً عن كون الوضوء كذلك.

(مسألة - 14) لا فرق في الذهب والفضة بين الجيد منهما والرديء، والمعدني والمصنوعي، والمغشوش والخالص(1) إذا لم يكن الغش إلى حد يخرجهما عن صدق الإسم وإن لم يصدق الخلوص. وما ذكره بعض للعلماء - من أنه يعتبر الخلوص، وأن المغشوش ليس محرماً وإن لم يناف صدق الإسم كما في الحرير المحرم على الرجال، حيث يتوقف حرمته على كونه خالصاً - لا وجه له، والفرق

ص: 253


1- . لإطلاق الأدلة، فانها وردت فيها لفظة «الذهب» وهو يصدق على الجيد والردايء والمعدني والمصنوعي - إن فرضنا وجوده - والمغشوش والخالص، إلا إذا لم يصدق إسم الذهب حقيقة على بعض الأقسام، كما إذا كان مغشوشاً بحد يخرج عن صدق الإسم، فحينئذ لا يحرم الإستعمال هذا مع عدم صدق الإسم، وكذلك إذا شك في صدق إسم الذهب أو الفضة عليه يجري أصل الإباحة.

بين الحرير والمقام أن الحرمة هناك معلقة في الأخبار على الحرير المحض، بخلاف المقام، فإنها معلقة على صدق الإسم.(مسألة - 15) إذا توضأ أو إغتسل من إناء الذهب أو الفضة مع الجهل بالحكم أو الموضوع(1) صح.

(مسألة - 16) الأواني من غير الجنسين لا مانع منها(2) وإن كانت أعلى وأغلى، حتى إذا كانت من الجواهر الغالية كالياقوت والفيروزج.

(مسألة - 17) الذهب المعروف ب- «الفرنكي» لابأس بما صنع منه، لأنه في الحقيقة ليس ذهباً، وكذا الفضة المسماة ب- «الورشو» فانها ليست فضة بل هي صفر أبيض(3).

ص: 254


1- . هذا صحيح بناءً على أن يكون بطلان التوضي من إناء الذهب أو الفضة من باب الإجتماع وعدم إمكان قصد القربة مع الإلتفات إلى كونه مبغوضاً ومنهياً عنه، فاذا كان جاهلاً بالحكم أو الموضوع فلا مانع من قصد التقرب، ولكن في الجاهل بالحكم إذا كان عن قصور لا عن تقصير وأما لو كان من باب النهي في العبادة - بمعنى أنه كان التوضي متحداً مع الإستعمال المحرم، فيكون الوضوء منهياً عنه ومبغوضاً واقعياً - لا يؤثر الجهل موضوعاً أو حكماً في صحته.
2- . لعدم الدليل على حرمة إستعمالها إذا لم تكن منهما، مضافاً إلى وجود الإتفاق، ودعوى الإجماع من غير واحد من العلماء على الجواز، والدليل الدال على الحرمة مختص بالجنسين. واما ما ذكر من الوجوه على عدم الجواز، فليس إلا إستحسانات لا يثبت بها الحكم الشرعي.
3- . هذا واضح، لأنه بعد مالم يكونا ذهباً ولا فضة فلا مجال لكونهما محكومين بحكمهما.

(مسألة - 18) إذا اضطر إلى إستعمال أواني الذهب أو الفضة في الأكل والشرب وغيرهما جاز(1) وكذا في غيرهما من الإستعمالات. نعم لا يجوز التوضي والإغتسال منهما، بل ينتقل إلى التيمم.

(مسألة - 19) إذا دار الأمر في حال الضرورة بين إستعمالهما أو إستعمال الغصبي قدمهما(2).

ص: 255


1- . لاشك في أن الإضطرار إلى فعل كل محرم يرفع الحرمة إلا القتل لقوله (ع) «ليس من شيء يضطر إليه إبن آدم إلا وقد أحل الله عليه» وقد حققنا في محله أن أدلة الإضطرار حاكمة على الأدلة الأولية بالحكومة الواقعية، فيرفع الحرمة الواقعية واقعاً، فيكون من قبيل تخصيص الادلة الواقعية بغير حال الإضطرار. أما التوضي والإغتسال فحيث إن مشروعيتهما فيما إذا تمكن من إستعمال الماء وإلا فتصل النوبة إلى التيمم، وحيث إنه في هذا الحال غير متمكن شرعاً - والممتنع شرعاً كالممتنغ عقلاً - فينتقل إلى التيمم.
2- . المقام من باب التزاحم، فلابد من ملاحظة الأهمية في أحدهما فهنا هل الأهم حرمة إستعمالهما أو إستعمال الغصبي؟ فقد ذهب بعض المعاصرين إلى تقديم الأول، لأن بعض الروايات الواردة فيهما يكون بلفظ «الكراهة» (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 1) و «لا ينبغي» (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 65 - من ابواب النجاسات، الحديث 4) ولكن في الثانية قد قرن مال المسلم بدمه بقوله «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» (الوسائل كتاب الطهارة، الباب - 3 - من ابواب مکان المصلي، الحديث 1) فيكون حرمة الغصب أشد فتركه اهم، ولكن العمدة أن الأمر إذا دار بين حق الله وحق الناس يكون حق الناس مقدماً على حق الله، لأنه في كثير من الروايات ورد العفو خصوصاً إذا تاب العبد، وأما حق الناس فمما لا يعفى عنه إلا أن يعفو عنه صاحب الحق.

(مسألة - 20) يحرم إجارة نفسه لصوغ الأواني من أحدهما، وأجرته أيضاً حرام كما مر(1).

(مسألة 21) يجب على صاحبهما كسرهما(2) وأما غيره فإن علم أن صاحبهما يقلد من يحرم إقتناءهما أيضاً، وأنهما من الأفراد المعلومة في الحرمة، يجب عليه نهيه، وإن توقف على الكسر يجوز له كسرهما، ولا يضمن قيمة صياغتهما. نعم لو تلف الأصل ضمن. وإن إحتمل أن يكون صاحبهما ممن يقلد من يرى جواز الإقتناء أو

ص: 256


1- . وفيه: أن الحرمة متوقفة على حرمة الإقتناء، أما على ماذكرنا من عدم حرمته فلا يكون الايجار حراماً، ولا بيعه ولا شرائه، لوجود المنفعة المحللة المقصودة للعقلا، وهي الاقتناء.
2- . الوجوب يدور مدار حرمة الاقتناء، لأن وجوده مبغوض - بناءً على حرمة الاقتناء - حدوثاً وبقاءً، فيجب إتلافه. هذا بالنسبة إلى صاحب الآنية، وأما غيره: فتارة يعلم أن صاحبه يحرم عليه إقتنائهما إجتهاداً أو تقليداً مع كون الآنية مما هو معلوم المصداقية ولا شك في صدق الآنية عليه، وأخرى يعلم عدم حرمته كذلك إجتهاداً وتقليداً، أو يكون الآنية من الأفراد التي وقع الخلاف فيه ومشكوك كونه آنية، وثالثة لا يعلم شيئاً. أما في الصورة الأولى فيجب أولاً نهيه عن الإبقاء من باب وجوب النهي عن المنكر، فان إمتنع المالك وتوقف على الكسر يجوز، ثم إذا كسره لا يضمن اليهئة لعدم ماليتها شرعاً. نعم لو تلفت المادة ضمن، لإمكان الجمع بين الضمان وجواز الاتلاف أو وجوبه كالأكل في المخمصة، ثم يكون ضامناً للمال مع جواز أكله، بل وجوبه في بعض الصور. وأما في الصورة الثانية فلايجوز كسره، ووجهها واضح. وكذلك الثالثة، لعدم إحراز حرمة الابقاء، واحتمال أن يكون مالاً محترماً.

كانتا مما هو محل الخلاف في كونه آنية أم لا، لايجوز له التعرض له.(مسألة - 22) إذا شك في آنية أنها من أحدهما أم لا؟ أو شك في كون شيء مما يصدق عليه الآنية أم لا، لا مانع(1) من استعمالها.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطبين الطاهرين.

وبعد إلى هنا تم المجلد الأول من كتابنا هذا (الاشارات إلى مدارك الأحكام في شرح العروة الوثقى) على يد مؤلفه شمس الدين الواعظي «عفى الله عنه وحشره مع أئمته المعصومين».

وكان الفراغ من الكتابة غرة ربيع الثاني سنة 1391 الهجرية، على صاحبها أفضل الصلاة والتحية، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل عملنا هذا نافعاً وخالصاً لوجهه الكريم، ويوفقني لاتمام بقية المجلدات وطبعه، إنه سميع مجيب، وسيتلوه المجلد الثاني عن قريب إنشاء الله.

ص: 257


1- . الشبهة: إما موضوعية، أو حكمية، فان كانت من الأول فالأمر كما ذكره في المتن، لعدم شمول أدلة المنع من إستعمالهما أو الأكل والشرب منهما لها، لعدم إحراز موضوع الحكم، فالمرجع أصالة الاباحة. وأما إن كانت من الثاني فلابد له من الرجوع إلى إجتهاده إن كان مجتهداً أو إلى تقليده إن لم يكن كذلك.

وفي الختام أقدم شكري الفضيلة الأخ الفاضل السيد أحمد الحسيني، والأخ الفاضل السيد أحمد المددي، إذ قام كل واحد منهما بتصحيحقسم من الكتاب، ونسأل الله أن يأخذ بأيدي الجميع إلى ما فيه الخير والصلاح.

المؤلف

ص: 258

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.