العنعنة من صيغ الأداء للحديث الشريف (تاريخها ، دلالتها ، وقيمتها العِلميّة في الکافي)

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الحسیني الجلالي، السیدمحمدرضا، 1324 -

عنوان العقد: الکافی .اصول. شرح

عنوان المؤلف واسمه: العَنْعَنَةُ من صِيَغ الأداء للحديث الشريف (تاريخها ، دلالتها ، وقيمتها العِلميّة في الکافي)/ تالیف السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي.

تفاصيل النشر: قم: دار زین العابدین،1438ق.= 2018 م.= 1396.

مواصفات المظهر: 200 ص.

فروست : سلسله الاعمال الکامله للسید محمدرضا الحسینی الجلالی؛ 5.

شابک : 250000 ریال 978-600-99863-4-7 :

حالة الاستماع: فاپا

لسان : العربية.

ملحوظة : چاپ قبلی: دارالحدیث، 1429ق. = 1387.

ملحوظة : کتاب حاضر شرحی بر کتاب «اصول کافی» تالیف محمدبن یعقوب کلینی است.

ملحوظة : کتابنامه: ص. [173] - 184؛ همچنین به صورت زیرنویس.

ملحوظة : نمایه.

موضوع : کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق . الکافی. اصول -- نقد و تفسیر

موضوع : Koleyni, Mohammad ibn ya'qub . Al. kafi.osul -- Criticism and interpretation

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 4ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 10th century

معرف المضافة: کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق . الکافی. اصول. شرح

معرف المضافة: Koleyni, Mohammad ibn ya'qubAl. kafi.osul. Commentaries.

تصنيف الكونجرس: BP129/ک8ک220213 1396

تصنيف ديوي: 297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5070195

معلومات التسجيل الببليوغرافي: فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الفهرس

المقدّمة ............... 7

تمهيد ............... 11

الطرق الثمان لرواية الحديث وألفاظ التحمّل والأداء بها ............... 11

الفصل الأوّل : دلالتها لغةً واصطلاحا ............... 19

أوّلاً : مع اللغة ............... 21

1 - العنعنة لغةً ............... 21

2 - بين « عَنْ » و « مِنْ » ............... 23

3 - فلنعد إلى محطّ البحث ............... 27

ثانيا : مع الاصطلاح ............... 33

1 - تعريف العنعنة ............... 33

2 - تعريف الحديث « المُعَنْعَن » ............... 33

3 - المعنعَن بين الإرسال والتعليق ............... 34

4 - المعنْعَنُ بينَ الاتّصال والانقطاع ............... 36

5 - العنعنةُ وطرق التحمّل والأداء ............... 44

6 - متعلّق العنعنة وفعلها ............... 46

7 - موقع العنعنة بين صِيَغ الأداء وألفاظه ............... 47

8 - أحوال « عَنْ » في الأسانيد ............... 49

9 - استعمال « عن » في البلاغات ............... 51

ص: 5

الفصل الثاني : تاريخ العنعنة ............... 59

1 - الموارد عند القدماء ............... 61

2 - وعند المتأخّرين ............... 65

3 - تراثنا الحديثي ودور العنعنة فيه ............... 66

1 - الجعفريّات ............... 66

2 - مسند الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ............... 70

3 - مسائل عليّ بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم عليه السلام ............... 73

4 - صحيفة الإمام الرضا عليه السلام ............... 77

5 - الأُصول الأربعمئة ............... 82

6 - كتب أُخرى ............... 85

7 - الكتب الأربعة ............... 86

8 - نتيجة هذا الاستعراض ............... 108

9 - مع تراث العامّة ............... 109

الفصل الثالث : مشاكل العنعنة وحلولها ............... 113

الفصل الرابع : العَنْعَنة والطُرُق ............... 125

الخاتمة :ملاحظات حول العنعنة ............... 143

الملاحظة الأُولى ............... 143

الملاحظة الثانية ............... 144

الملاحظة الثالثة ............... 147

خلاصة البحث ............... 151

ص: 6

المقدّمة

الحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، محمّد الصادق الأمين ، وعلى الأئمّة المعصومين من أهل بيته الطاهرين .

وبعد :

فإنّ أهمّية الحديث الشريف في الدين غير خافيةٍ على أحدٍ من المسلمين ، إذ هو طريقٌ رَحبٌ من طرق الشريعة المطهّرة والسُنّة الشريفة ، بل هو لسانها الناطق ، ومصدرها الصادق ، ومنبعها المَعين من مبلّغها الأمين صلى الله عليه و آله وسلم ، وعليه بعد الكتاب الحكيم اعتماد الدين .

ولذلك تكاثفت الجهود الكريمة والحميدة على العناية به ، سواء من مصادره الرئيسيّة وهم النبيّ والأئمّة المعصومين عليهم السلام الّذين لم يألوا جهدا في بثّه ونشره

والتأكيد على روايته وحمايته ، وحفظه على صفحات القلوب وفي أعماق النفوس ، وصفحات الأوراق والطروس ، أم من العلماء الأُمناء على هذا الدين ومصادره وأحكامه ، الّذين تناقلوه ورووه بتمام الدقّة والرعاية في الضبط والإتقان ، وبتمام الذوق والدراية في التصنيف والتبويب ، حتّى تألّفت من ذلك هذه الكنوز الحديثيّة المتوفّرة للأُمّة للاهتداء بهدي محتواها ، والاستضاءة بنور هداها ؛ لكونها من أغنى كنوز المعرفة البشريّة وأضخمها وأوسعها وأهداها .

ص: 7

وبموازاة ذلك بَذَلَ أعداءُ هذا الدين جهودا مُضنيةً مستميتةً ، للحيلولة دون تدفّق هذه المادّة الحيويّة ، ودون استمرار هذه العَين الزخّارة ، ودون دوام هذا المَعين الثرّ ، فسعَوا بشتّى السُبُل في الصدّ عنه والمنع من الارتواء منه ، وإبادة

مادّته وتعكير صفوه ، وتحريف مساره وتشويه معناه ، والتشكيك فيه ، مشدّدين عليه بالتقليل من أهمّيته ، وإلقاء الشُبَه في الموروث والمتناقَل منه ، بوضع الأحاديث المزيّفة وخلطها به .

ولم تنقطع محاولات الأعداء منذ عصر الرسالة حتّى العصر الحاضر ، إذ نشهد حملاتٍ وقحةً وشرسةً يقودها اليهود والنصارى من خارج البلاد الإسلامية ، ويرقص على نعيقهم حثالات من عملائهم في الداخل ، يروّجون للشُبَه المثارة ، رغم تفاهتها وهزالها ، فيُثيرون بها الغبار في وجه الحديث الشريف ، بلسان البحث العلميّ والنقد العقليّ والدراسة التاريخيّة ، وما أشبه ذلك من العناوين الخلاّبة والبرّاقة ، يستهوون بها عقول الأبرياء من ناشئة الجامعات ، غير المطّلعين على قضيّة الحديث وتاريخه وأبعاده .

ومن المؤسف اغترار مَن يعدّ نفسه عالما ، بمثل تلك المزاعم ؛ لعدم اطّلاعه على وجهات النظر الصحيحة للبحوث التخصّصية الدائرة حول الحديث ، واكتفائه بالمطالعات السطحيّة أو المعلومات الساذجة المتلقّاة من أدعياء العلم من أمثاله .

مع أنّ الحديث وشؤونه ، قد أصبح بعد تلك المدّة المديدة والجهود العديدة « عِلْما » مستقلاًّ ، له أُصوله وقواعده ومصطلحاته وقوانينه وأسراره ، الّذي لا يمكن الاطّلاع عليه ولا استيعابه بدونها ، وبدون التمكّن منها ، كما هو شأن كلّ عِلمٍ .

ص: 8

وقد تدخّل بعض مَن يتشبّه بالشيوخ من الأحداث في ما لا يعنيه من علم الحديث ، عندما تعرّض أثناء ما أسماه بالبحث الفقهيّ ، محاولاً إنكار حجّية مجموعة كبيرة من الأحاديث المعنعَنة في الكتب الأربعة ، بزعم : « أنّ الحديث المعنعَن لا حجّية له » ، متشبّثا في ذلك بشبهة بالية حول « العنعنة » أثارها بعض أعداء الدين في صدر التاريخ الإسلاميّ ، وأجاب عنها جمهور المحدّثين الأيقاظ ، فقضوا عليها وهي في المهد ، ومفادها : أنّ « عن » لا تدلّ على الاتّصال بين الشيخ والراوي ، فالحديث المعنعَن لا يكشف عن سماع الراوي حديثَ الشيخ مباشرةً .

ثمّ خلط هذا المتشيّخ بين هذه الشبهة ، وبين ما تلقّاه من التشكيك في حجّية « الإجازة » من طرق تحمّل الحديث ، مُضيفا : أنّ « عن » تعبّر عن خصوص « الإجازة » من الطرق ! فانتهى إلى نتيجة خطيرة وهي : إسقاط أعظم مجموعة من الحديث الشريف عن الاعتبار والحجّية !

وهذه النتيجة توافق نفسيّة هؤلاء الّذين لم يأخذوا مأخذ الجِدّ ما لهذه الأحاديث من دورٍ وأثرٍ في المعرفة والحضارة الإسلامية ، وتوافق ميلهم إلى الأساليب الجدليّة الرائجة في العلوم العقلية ، وإقحامها في السمعيّات ، وخاصّة ما يرتبط بالاستدلال الفقهي كما توافق مستواهم الضحل في علوم العربية ، الّتي لم يتوغّلوا في استيعابها ، بل قصّروا في تعلّمها .

فبدلاً من أن يحاولوا رفع مستوياتهم العلمية في معرفة العربية وآدابها ، كي يفهموا ما ورد في نصوص الحديث الشريف ، لجّوا في تزييف أسانيد النصوص ، ولجأوا إلى إيراد الاحتمالات البعيدة ، في الأحكام الشرعية ! وعمدوا إلى التشبّث بأدنى شبهة تُضعف الحديث وتوهنه ، وتخلّص ( الأُستاذ ! ) من الحَوْم

ص: 9

حول فقهه ودلالته ولغته ونحوه وأدبه وبيانه وبلاغته ، الّتي لاعَهْدَ له بها.

مضافا إلى ضَعْفِ المقدّمات والأُسس الّتي بُنيت عليها كلّ تلك الشبه من حيث مدلول « عن » لغةً واصطلاحا ، ومعنى « الإجازة » ودورها العلميّ ، وتاريخ العنعنة والبحث حولها .

وقد رأيتُ من الضروري عرض هذا البحث لتنكشف جوانبه كلّها لأهل العلم ، وتُفنّد تلك المزعومة الزائفة ، ويظهر عوارها لكلّ منصف أمين(1) .

واللّه الموفّق والمعين .

وكَتَبَ

السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي

ص: 10


1- . ممّا ينبغي التنبّه له أنّ هذا الدجّال حاول نسبة هذا الرأي إلى أحد أعلام العلماء المعاصرين ، ممّن يدّعي الحضور عنده ! مع قصوره عن سنّ تلامذته ؟ ! وتمكّن بهذه النسبة من إغراء مَن يرتبط بذلك العالم وأن يستحوذ على مكتبه في قم . ولدفع التهمة عن ذلك العالم وتبرأة ساحة العلم والعلماء عن مثل هذه النسب والادّعاءات ؛ وجّهنا السؤال التالي إلى مكتب ذلك العالم : هل عندكم ملاحظاتٌ على كتاب الكافي للكليني من حيث هو ، ومن حيث مؤلّفه ، ومن حيث النسخة الّتي بأيدينا اليوم ، ومن حيث العنعنة فيه ؟ وما يقال من أنّه كلّه إجازة لا رواية ؟ فجاء الجواب التالي : * الكافي من أجلّ كتب الحديث عندنا معاشر الإماميّة . * كما أنّ مؤلّفه الكليني رضوان اللّه عليه من أجلّ علمائنا . * والنسخةُ الموجودةُ بأيدينا من هذا الكتاب لهي من أصحّ النسخ الواصلة إلينا من كتب القدماء . * والملاحظة المذكورة في السؤال في غير محلّها . وقد تعرّضنا في بحوثنا الرجاليّة لبعض ما يتعلّق بهذا الكتاب الجليل وكيفية جمعه وتأليفه ، لا يسع المقام بيانه .

تمهيد

الطرق الثمان لرواية الحديث وألفاظ التحمّل والأداء بها

بما أنّ الحجّة على المكلّفين لا تتمّ إلاّ بالبلوغ إليهم ، وذلك خاصّة بإبلاغ الشارع المقدّس ، ومن جعله واسطةً في تبليغ أحكامه ومراده ، فقد سعى علماء الحديث الشريف في تحقيق هذا الأمر الهامّ بتحديد مصداقيّة البلوغ المذكور من خلال ( الطرق الثمان لتحمّل الحديث وأدائه ) ؛ كي تتمّ بها الحجّة على الأنام . وهي : ( السماع ، والقراءة « وتُسمّى : العرض » ، والإجازة ، والمناولة ، والمكاتبة ، والإعلام ، والوصيّة والوجادة ) .

ثمّ جعلوا لكلّ واحدةٍ منها لفظا أو أكثر يخصّها ويُستعمل معها ؛ للدلالة على الأخذ بها ، وكذلك في الأداء ، تحديدا لكلّ منها ، وترتيب ما تقرّر عندهم من الآثار عليها .

وقد استقطبت هذه الطرق وألفاظها من علماء الفنّ جهودا واسعةً ، من حيث حصرها في الثمان من دون زيادة أو نقصان ، ومن حيث حجّية كلّ ودليله ، ومن حيث ما لكلّ منها من الشروط والقيود ، ومن حيث الألفاظ الدالّة عليها ، وسائر ما دار حولها في هذه الحيثيّات من بحوث ومناقشات.

ص: 11

والأكثرون على أنّها « ثمانٍ » بالترتيب الآتي :

1 - السماع ، ومنه الإملاء .

وهو : قراءة الشيخ من كتابه أو من حفظه على الراوي ، سواءً كان وحده ، أو معه غيره ، فإن كتب الراوي حال قراءة الشيخ فهو « الإملاء » . وهذا أفضل الطرق ، والإملاء أفضل أنواعه عند جمهور العلماء .

2 - القراءة ، وتسمّى « العرض » .

وهي : القراءة لأحاديث الشيخ على الشيخ ، مع سماعه وتصديقه ، سواءً قرأ الراوي من كتابٍ أو حفظٍ ، فللقارئ ولمن يسمعه في المجلس حقّ الرواية بهذه الطريقة . والأكثر على أنّ هذه الطريقة دون السماع في الرتبة .

3 - الإجازة .

وهي : إعلان الشيخ عن الإذن للراوي بتحمّل حديثه الّذي اعترف الشيخ بتحقّق ضبطه عنده ممّا وصل إليه من النصوص بالطرق المقرّرة . والأكثر على اعتبارها ، وأنّها ثالثة الطرق بعد السابقتين .

4 - المناولة .

وهي : أن يُعطيَ الشيخُ نصّا للراوي مصرّحا بأنّه من حديثه الّذي قد تحمّله من مشايخه .

5 - المكاتبة .

وهي : أن يكتب الشيخ إلى الراوي ، حديثه ، سواءً بحضور الراوي أم كونه بعيدا ، أو يكتب إليه : أنّ الحديث الفلاني من روايته ، وسواءً كانت الكتابة بخطّه ، أم بخطّ غيره من ثقاته ، إذا صدّقه .

ص: 12

6 - الإعلام .

وهو : أن يُعلن الشيخُ للراوي بأنّه قد روى الحديث المذكور وتحمّله ، من دون تسليمه له .

7 - الوصيّة .

وهي : أن يُوصي الشيخ قبل سفره أو موته بتسليم حديثه إلى الراوي .

8 - الوجادة .

وهي : أن يجد الراوي نصّا بخطٍّ يعرفه للشيخ ، سواءً كان ممّن عاصره ، أو لا ، من دون أن يكون قد تحمّله بإحدى الطرق السابقة .

والمهمّ في الطريقيّة لكلّ منها بعد كونها مقبولة عند الشارع بما هو من العقلاء ، أن يتحقّق في كلّ طريقٍ عنصرُ إشراف الشيخ على النصّ ، وارتباطه به ، وتحقّق ذلك عند الراوي بصورةٍ معترفٍ بها شرعا وعرفا ، أو مميّزا عند علماء الفنّ ؛ للتأكّد من ( ضبط ) المرويات ، كي يمكن الاستناد إليها والاعتماد عليها .

ومن أجل إحراز هذا العنصر ، وقع الخلاف في اعتبار بعض الطرق ، بعد التزام الأكثر بعدم تجاوزها عن الثمان . وقد وفّقنا اللّه عزّ اسمه لجمع ما يرتبط ب- ( الطرق الثمان ) من بحوث في كتاب بهذا العنوان ، ونرجو توفيقه لإخراجه .

وكذلك جَرَوْا على تعيين (ألفاظ التحمّل والأداء) .

فقد عيّنوا لكلّ من هذه الطرق ما يدلّ عليها عند التحمّل بها ، وحين الأداء كذلك ؛ لتتميّز عن بعضها ولا تختلط فيما بينها ، وذلك بغرض

ص: 13

الاستفادة من ميّزات كلٍّ ، وخصائصها المذكورة لكلٍّ .

وقد وفّقنا اللّه جلّ وعزّ للبحث عن هذه الألفاظ في رسالةٍ جامعة بعنوان : ( صيغ التحمّل والأداء للحديث الشريف : تاريخها ، ضرورتها ، فوائدها ، واختصاراتها ) ، نشرت في مجلّة علوم الحديث الّتي تصدرها كلّية علوم

الحديث في طهران ، في العدد الأوّل السنة الأُولى 1418ه ، الصفحات 84 - 182 ، استوعبت ما يرتبط بجوانبها كلّها .

وقلت فيها : ممّا قرّروه في باب ( التحمّل للحديث وأداؤه ) هو الصيغ والألفاظ الخاصّة الّتي تؤدّي بها رواية الحديث ، وفي المراحل والأدوار المتعاقبة تعدّدت تلك الألفاظ وتكاثرت حسب الحاجة الّتي هي أُمّ الاختراع ، فحدّدوا لكلّ طريقةٍ لفظا أو أكثر ، واصطلحوا بكلّ لفظٍ أو أكثر لطريقٍ معيّنةٍ ، ورتّبوا على هذا التحديد والاصطلاح آثارا اعتباريّةً ، وحكموا لها بأحكامٍ خاصّةٍ ، تزيد من روعة هذا العلم ، ويدلّ على مزيد دقّة المحدّثين ومزيد عنايتهم بشؤونه ، وتدفع المتعلّم على متابعة جهودهم لمعرفة مصطلحاتهم(1) .

وقلت : فاللفظ المعبّر عن نسبة الحديث إلى ناقله ، لابدّ أن يكشف عن بلوغه إلى ناقله ، ويتمّ به الربط بين الناقل والراوي ، ويصرّح كذلك بالطريقة الّتي تمّ بها البلوغ والربط ، ويتمكّن السامع والقارئ بعد معرفة تلك الأُمور : البلوغ ، والطريقة ، والربط من الحكم على الحديث والنصّ بما يناسب(2) .

ص: 14


1- . علوم الحديث ، العدد الأوّل : ص 88 .
2- . المصدر السابق : ص 90 .

وقد حافظوا على تلك الصيغ والألفاظ بحيث لم يجوّزوا إبدال أحدها بالآخر ؛ حذرا من ارتباك المصطلحات وتداخلها ، فقد قال الشيخ العاملي والد البهائي رحمهماالله : لا يجوز عندهم إبدال كلّ من « حدّثنا » و « أخبرنا » بالآخر ، في الكتب المؤلّفة(1) .

وقال أحمد بن حنبل : اتّبعْ لفظَ الشيخ في قوله : « حدّثنا » و « حدّثني » و «سمعت » و « أخبرنا » ولا تَعْدُه(2) .

وأقدم مَن عُرف منه الاصطلاح بالألفاظ والالتزام بها لكلّ طريق هو المحدّث الأقدم الشهير أبو مريم الأنصاري ، عبد الغفّار بن القاسم ( ت 160 ه ) ، وهو من أصحاب الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام ( ت 148 ه ) ، وهو من كبار محدّثي الشيعة .

وقد اعترف العامّة له بهذا . قال ابن حجر : كان ذا اعتناءٍ بالعلم والرجال . وقال شعبة : لم أرَ أحفظَ منه . وهو شيخ شعبة الّذي قالوا فيه : « أمير المؤمنين في الحديث »(3) .

ونسب بعضهم نشأة هذه المصطلحات إلى شعبة ، ولكنّ عليّ بن المديني قال : إنّما تعلّم شعبة هذا التدقيق من أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم(4) .

وقد كان من آثار غمط الحقّ ذلك أن أُهمل تُراث الشيعة ، وطُوي ذكرهم في علوم الحديث ، وفي المصطلح خاصّة ؛ لتقديم العامّة المتأخّرَ وتأخيرهم

ص: 15


1- . وصول الأخيار : ص 133 .
2- . علوم الحديث لابن الصلاح : ص 144 ؛ مقدّمة ابن الصلاح : ص 256 .
3- . لسان الميزان : ج 4 ص 4143 .
4- . معرفة الرجال لابن معين : ج 2 ص 210 رقم 702 .

المتقدّمَ ، وإلاّ فالحقّ ما قاله الحافظ الكبير أحمد بن محمّد بن عقدة الكوفي ، وهو يُثني على أبي مريم ويُطريه ، حين قال : لو ظهر علم أبي مريم ما اجتمع الناس إلى شعبة(1) .

وإليك قائمة مقتضبة بألفاظ كلّ طريق ، ممّا هو المشهور بين المحدّثين :

1 - طريقة السماع ، ألفاظها : سمعتُ ، حدّثنا .

2 - طريقة القراءة ، ألفاظها : قرأت على ، أخبرنا .

3 - طريقة الإجازة ، ألفاظها : أجاز لي ، أنبأنا .

4 - طريقة المناولة ، ألفاظها : حدّثنا مناولة ، ناولني .

5 - طريقة المكاتبة : حدّثنا أو أخبرنا مكاتبة ، كاتبني .

6 - طريقة الإعلام : أخبرني أو حدّثني إعلاما ، أعلمني ب- .

7 - طريقة الوصيّة : أخبرني أو حدّثني وصيّة ، أو أوصى لي .

8 - طريقة الوجادة : وجدت بخطّ فلان .

وهذه أصرح الألفاظ المتّفق عليها بين المحدّثين وأقواها ، وأدلّها لكلّ طريقة ، مع أنّ لكلّ منها ألفاظا أُخرى مختلفاً فيها ، وقد ذكرناها مفصّلةً في ذلك البحث المنشور .

هذا كلّه إنّما هو على مذهب التشديد في الالتزام بالألفاظ الخاصّة مع كلّ طريقٍ ، وأمّا على مذهب التسامح في ذلك والتسوية بين الألفاظ في تحقّق الهدف الأساسي منها كلّها ، وهو أمرٌ واحدٌ ، أعني إيصال الحديث إلى الراوي وإبلاغه إليه ، والإعلام عن اتّصاله به بإحدى الطرق الثمان المعتبرة

ص: 16


1- . لسان الميزان : ج 4 ص 3 414 .

عند العلماء ، فلا فرق في الأداء بين لفظٍ وآخر ، وهذا هو الرأي المختار .

وهذا أيضا ممّا استوعبنا البحث عنه وإثباته في ذلك البحث المنشور . ولكن بما أنّ الهمم تقاعست عن التعمّق في المعارف الدينية ، وظهرت على واجهات المحافل ومسارح البحث العلمي أسماء ضحلةٌ لا تمتّ إلى العلم بنسبٍ ولا سببٍ ، وأقام في مدارس العلوم مَن لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وأصدروا من الكتب والبحوث والمسودّات ما لا يعود على العلم إلاّ بالعار ، حتّى صحّ أن يقال فيها :

لقد هزلتْ حتّى بدا من هُزالها

كُلاها وحتّى سامها كلُّ مفلسِ

فإنّ أحد المتطفّلين على البحث الفقهيّ منهم قد تعلّق بأحد الألفاظ الّتي وقع بين أعلام المحدّثين البحث الواسع حوله ، وهو لفظ « عن » الّذي استُعمل في الأسانيد بكثرةٍ ، ووقع في جميع طرق التحمّل والأداء ، فوقع الخلاف الشديد في الأداء به ، فمنع من ذلك بعضٌ واعتبره تدليسا ، وفصّل آخرون ، واعتبر بعض كلمة « عن » من الاختصارات البديلة عن ألفاظ الأداء والتحمّل ، بل جعلها من أهمّ اختصاراتها(1) .

بل قد صرّح العلائي من علماء الفنّ أنّه : إذا ظهر الفعل (أي : لفظ الأداء في أوّل السند) كان قرينةً على حمل جميع ما بعده عليه ، فإذا قال الراوي في أوّل السند : « حدّثنا » أو « أخبرنا فلانٌ » حُمِلَ جميعُ ما بعده من « العنعنة » على ذلك(2) .

ص: 17


1- . لاحظ الفصل الخامس من البحث المذكور في علوم الحديث ، العدد الأوّل : ص 116 و 176 .
2- . جامع التحصيل : ص 117 .

ومع هذا فإنّ دعوى ذلك المتطفّل على موائد العلم والعلماء ، من أدعياء الاجتهاد الّذين كثروا هذه الأيّام ! خطيرةٌ جدّا ، حيث اغترّ بما قرأ في الصحف من دون وعيٍ ولا هداية مرشدٍ ، والتزم بشبهةٍ قديمة أكل الدهر عليها وشرب ، مضمونها : أنّ الحديث المعنعن وهو المحتوي سنده على لفظة « عن » بدل ألفاظ الأداء الأُخرى ، منقطعٌ لا حجيّة له ولا اعتبار به . وقد طرح هذه الشبهة في صدد حديثه عن كتاب الكافي الشريف للإمام الكليني ، أوّل الأُصول وأقدمها وأكبرها وأهمّها وأفضلها .

وإذا عرفنا أنّ التراث الحديثي عند المسلمين عامّةً وكافّةً ، مليءٌ بالحديث المعنعن ، بل لا يخلو كتابٌ منها ، تعرف مدى التعدّي الآثم الّذي جناه ذلك المتشيّخ الجاهل على العلم والعلماء والتراث الحديثي المقدّس .

ومن هنا نرى بوضوحٍ أهمّية البحث عن الحديث المعنعن ، بالتفصيل عن : العنعنة : واقعها ، وأحكامها ، وآثارها .

وسنفصّل في هذا البحث عن الشبهة المزعومة والمثارة ، ونفنّد مزاعم هذا المتعدّي ، ونبدّد شمل مقاصده ، في فصول :

ص: 18

الفصل الأوّل

دلالتها لغةً واصطلاحا

ص: 19

ص: 20

أوّلاً : مع اللغة

1 - العنعنة لغةً :

قال الخليل : يُقال : « مَنْ تركَ عنعنةَ تميمٍ وكشكشةَ ربيعة ، فهم الفُصحاء » .

أمّا تميم فإنّهم يجعلون بدل الهمزة العين ، قال شاعرهم :

إنّ الفؤادَ على الذلقاء قد كمدا

وحُبُّها موشِكٌ عَنْ يصدعَ الكَبِدا

وربيعة تجعل مكان الكاف المكسورة شِينا(1) .

وقال ابن منظور : عنعنة تميم : إبدالُهم العين من الهمزة ، كقولهم : « عَنْ » يريدون : « أنْ »(2) .

وقال ابن هشام : وكذا يفعلون في « أنّ » المشدّدة(3) .

قال الفرّاء : لغةُ قريش ومَنْ جاورهم : « أنّ » ، وتميم وقيس وأسد ومَن جاورهم يجعلون ألف « أنّ » إذا كانت مفتوحةً « عينا » ، يقولون : « أشهد

ص: 21


1- . العين للخليل بن أحمد الفراهيدي : ج 1 ص 91 مادّة « عنن » ؛ وانظر : فقه اللغة للثعالبي : ص 129 باب 15 فصل 29 .
2- . لسان العرب : ج 4 ص 3143 مادّة « عنن » .
3- . مغني اللبيب : ج 1 ص 198 - 199 .

عَنَّكَ رسولُ اللّه » .

قال ابن الأثير : كأنّهم يفعلونه لِبَحَحٍ في أصواتهم(1) .

وقال الفيروز آبادي في معاني « عَنْ » المخفّفة : . . . وتكونُ مصدريّةً ، وذلك في عنعنة تميم : « أعجبني عَنْ تفعلَ »(2) ؛ فهي بمعنى « أنْ » الناصبة للفعل المضارع .

وقال الزَبِيدي : وعنعنةُ المحدّثين مأخوذةٌ من عنعنة تميم ، قيل : إنّها مولَّدة(3) .

أقول :

عنعنعة المحدّثين مصدر جَعليّ ، أي مولَّد يقينا ، إذ هي مأخوذة من « عَنْ » الّتي هي حرف جرٍّ موضوعٌ في اللغة العربية للدلالة على المجاوزة كما سيأتي ، ومعنى العنعنة عندهم هو كون السند محتويا على كلمة « عَنْ » بدلاً عن ألفاظ الأداء الأُخرى ، وسيأتي تفصيل ذلك ، فلا رَبْطَ لعنعنة المحدّثين بعنعنة تميم ، ولم يقصد المحدّثون هذا أصلاً .

ومن طرائف الإسناد ما رواه الخطيب البغدادي في الكفاية باب : « اتّباع المحدّث على لفظه وإنْ خالَفَ اللغةَ الفصيحة » :

في حديث عبد العزيز ، قال : ثنا محرز بن وزر « عَنَّ » أباه وزرا ، حدّثه « عَنَّ » أباه عمران ، حدّثه « عَنَّ » أباه شعيثا ، حدّثه « عَنَّ » أباه عاصما ،

حدّثه « عَنَّ » أباه حصين بن مشمت ، حدّثه . . . الحديث .

ص: 22


1- . لسان العرب : ج 4 ص 3143 مادّة « عنن » .
2- . القاموس المحيط : ج 4 ص 252 مادّة « عنن » .
3- . تاج العروس : ج 9 ص 385 آخر مادّة « عنن » .

قال الخطيب : رواه أحمد بن عبدة الضبّي عن محرز بن وزر ، فقال : إنّ « أنّ » بدل « عَنَّ » في كلّ المواضع ، وعبد العزيز أبدلَ في روايته من الهمزة عينا ، وهي الّتي يُقال لها : « عنعنة قيس » على وجه الذمّ ، وهم معروفون بها(1) .

2 - بين « عَنْ » و « مِنْ » :

أمّا لفظة « عَنْ » فهي حرفُ جرٍّ . قال ابن هشام : في « عن » إذا كانت حرفا جارّا ، أنّ لها معاني ، أحدها : المجاوزة ، ولم يذكر البصريّون سواه ، نحو : « سافرتُ عن البلد » و « رغبتُ عن كذا »(2) .

وقال الإربليّ في معاني « عن » الواقعة حرفا : للمجاوزة ، وهي الأصل في معانيها ، إمّا حقيقةً ، نحو : « رحلتُ عن زيدٍ » ، أو مجازا ، كأخذتُ العلم عن والدي ، كأنّه لمّا اتّصفَ به وصار عالما ، قد جاوز المعلّم(3) .

أقول :

مراده بالأصل : وضع اللغة ، فقد صرّح أهلها بذلك . قال ابن منظور : « عَنْ » معناها ما عدا الشيء ، تقول : «رميتُ عن القوسِ » ؛ لأنّه بها قَذَفَ سهمَهُ عنها وعدّاها ، و « أطعمتُهُ عن جوعٍ » جعل الجوع منصرفا عنه تاركا له ، وقد جاوزه(4) .

ص: 23


1- . الكفاية في علوم الرواية : ص282 - 283 .
2- . مغني اللبيب : ج 1 ص 196 .
3- . جواهر الأدب في معرفة كلام العرب : ص 194 ، ولاحظ عبارته .
4- . لسان العرب : ج 4 ص 3143 مادّة « عنن » .

تدلّ هذه النقول على أنّ « عن » تدلّ على مجرّد انفصال الشيء عن الشيء وابتعاده عنه ، فقولنا « سافرت عن البلد » بمعنى خرجت عنه وابتعدت عنه ، وانفصلت عنه ، يعني تجاوز سفري البلدَ .

ومن هنا يُعرف الفرق بين التجاوز في « عن » والابتداء في « من » في قولنا « سافرت من البلد إلى الضيعة » ، فإنّه يدلّ على أنّ شروع السفر كان من البلد منتهيا إلى غاية ، فالغرض من « سافرت من » هو بيان محلّ الشروع في السفر ، الّذي يقتضي نهايةً ، وإن اقتضى انفصالاً وخروجا من البلد ، إلاّ أنّ الغرض الإفصاح عن الابتداء دون مجرّد الانفصال . وإنّ الغرض من « سافرت عن » هو محلّ الانفصال بالسفر والخروج ، وهو البلد ، وإن كان هو المبدأ أيضا ، إلاّ أنّ الغرض هو التعبير عن مجرّد الانفصال ، دون أن يذكر له منتهىً وغاية .

وقد استُعملتْ « عن » بمعنى « مِنْ » ومرادفةً لها ، وهذا هو المعنى السابع ممّا ذكره لها في القاموس(1) .

قال أبو عبيدة في قوله تعالى : « وَ هُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ »(2) : أي مِنْ عباده .

وقال الأصمعي : حدّثني فلان مِنْ فلان ، يريد « عنه » ، ولَهِيْتُ من فلانٍ وعنه .

وقال الكسائي : عنك جاء هذا ، يريد « منك » .

ص: 24


1- . القاموس المحيط : ج 4 ص 250 ، وانظر شرحه تاج العروس : ج 9 ص 383 مادّة « عنن » .
2- . سورة الشورى 42 : 25 .

روى جميع ذلك أبو عبيد عنهم(1) .

كما صرّح النحّاةُ في معاني « عَنْ » أنّها تأتي بمعنى « مِنْ » .

قال ابن هشام في معانيها : السابع : مرادفة « مِنْ » نحو : « وَ هُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ » ، و « أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا »(2) ، بدليل : « فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْأَخَرِ »(3) (4) .

وذكر النحويّون أيضا في معاني « مِنْ » أنّها تأتي لمعنى « عَنْ » :

قال الإربليّ في معاني « من » : العاشر : النائبة عن بعض حروف الجرّ المؤدّية معناها : أحدها « عن » ، فإنّ « مِنْ » تنوب عنها في تأدية معنى المجاوزة ، نحو : « انفصلتُ من زيدٍ » و « نُهيتُ من شتم بكر »(5) .

وجعل ابن هشام المجاوزة ، السادس من معاني « من »(6) .

واعترض الإربلي على مَن مثّل له بنحو : « بعدتُ منه » و « أنفقتُ منه » ، بقوله : لم يتبيّن لي فيهما معنى المجاوزة(7) .

أقول :

الوجهُ في الاعتراض هو أنّ حقيقة المجاوزة هي التعدّي بحيث يكون

المجرورُ ب « عَنْ» متجاوَزا عنه ، ويكون فاعلُ الفعل هو المتجاوِزُ المنفصل

ص: 25


1- . لسان العرب : ج 4 ص 3143 مادّة « عنن » .
2- . سورة الأحقاف 46 : 16 .
3- . سورة المائدة 5 : 27 .
4- . مغني اللبيب : ج 1 ص 198 ، وانظر : جواهر الأدب : ص 195 .
5- . جواهر الأدب : ص 161 .
6- . مغني اللبيب : ج 1 ص 423 .
7- . جواهر الأدب : ص 161 .

عن المجرور ، فهذا هو الأصل في معنى « عنْ » وما هو بحكمه ، سواء كان تجاوزا حسّيا فيكون حقيقيّا ، أو تجاوزا تقديريّا فيكونُ معنويّا ، نحو : « فاتَ عنّي الدرسُ » ، بمعنى تعدّى عنّي فلم أُدركه ، وانفصل عنّي ، وفاتني وقتُه ، وبَعُد عنّي .

قال ابن منظور : قال النحويّون : « عَنْ » ساكنة النون حرفٌ وُضع لمعنى ما عداك وتراخى عنك ، يقال : « انصرِفْ عنّي وتنحّ عنّي »(1) والمعنى : ابتعِد عنّي

وانفصِل عنّي .

وأمّا « مِنْ » فالأصل فيها هو ابتداء الغاية مكانا أو زمانا كما هو المعروف في كتب النحو واللغة ، وهو كذلك حقيقيّ ومعنويّ ، فالمجرور ب « مِنْ » مبدأٌ لمصدر الفعل المتعلَّق لها ، ولا بُدّ له من منتهىً يعادله ، بخلاف « عن » حيث يقصد الانقطاع والابتعاد فقط .

ففي الأفعال الّتي تدلّ على الحركة والانتقال ، مثل : « بَعُدَ » و « ذهبَ » و « غابَ » فإنّ الأمرين معا محتملان : التجاوز والابتداء ، فاستعمال كلٍّ من الحرفين « عَنْ » و « مِنْ » يجوز تبعا للمراد ، فلو صُرّح بكون الحرف المستعمل بمعنى الآخر ، كان هو المراد ، وإلاّ حصل اللَبْسُ واحتاج إلى القرينة الموضّحة والمشخّصة ، كما في « بعدتُ منه » ، فلو أُريد البعد المكاني كانت « مِنْ » لابتداء المكان ، والمعنى : أنّه « مبدأ البُعْد » الّذي قمتُ به ، وقد

بلغتُ موضعا آخر .

ولو قيل : إنّ « مِنْ » هي بمعنى « عَنْ » كان المعنى : تجاوزتُه ، وانفصلتُ

ص: 26


1- . لسان العرب : ج 4 ص 3143 مادّة « عنن » .

عنه وفارقتُه ، من دون غرض في كونه مبدأ للفعل كي يحتاج إلى منتهىً . وكذا لو قيل : « بعدتُ عنه » ، فلو أُريد المجاوزة صَحَّ . ولو قيل إنّ « عَنْ » بمعنى « مِنْ » كانت بمعنى الابتداء في المكان كما شرحنا ، وكان بحاجة إلى منتهىً ولو لم يُذكر في الكلام .

والظاهر أنّ الالتزام بمعنى نفس الحرف المستعمل في الكلام وإرادة معناه الأصلي هو المتعيّن ، إلاّ أنْ يُصرّحَ مَنْ يُعتمد عليه من أهل اللغة بإرادة معنى الحرف الآخر ، فيكون هو المتّبع .

3 - فلنعد إلى محطّ البحث :

فنقول : إنّ أفعال نقل القول والكلام وحكايتهما مثل « حدّث » و « أخبر » و « روى » تُعدّى بحرف الجرّ « عَنْ » عادةً ، يقال : « نَقَل فلانٌ عن فلانٍ » و « روى عنه » و « أخبر عنه » و « حدّث عنه » . والتجاوز المفروض في « عن » ليس متصوّرا بمعناه الحسّي الحقيقي في هذه الموارد ؛ لأنّ الفعل وهو من جنس الكلام لا استقرار له حتّى يُعقل تجاوزه ، بل لا بُدّ أن يكون التجاوز معنويا .

لكنّ المتجاوِز والمتجاوَز عنه في هذا المقام يختلفان عمّا سبق ، فليس المتجاوِز هو فاعل الفِعل ، بل هو الحديث نفسه لو فرض ، فقول زيد : « حدّثَ عمرو عن بكر » معناه على التجاوز : تجاوز الحديثُ بكرا إلى عمرو ، وليس هذا موافقا لواقع التجاوز الّذي عرفناه في « انصرف عمرو عن بكر » ، و « رميت السهم عن القوس » ، حيث إنّ التجاوز فيهما معناه مجرّد ابتعاد عمرو عن زيد أو السهم عن القوس ، وانفصاله عنه ، بينما في « حدّث

ص: 27

عمرو عن بكر » ليس مجرّد ذلك ، بل فيه الانفصال والوصول إلى غاية ، ولذا لو قال زيدٌ : أوصلَ عمرو حديثا من بكرٍ ، أو : « وصل من عمرو حديثُ بكر » صحّ ، وأدّى نفس معنى « حدّث عمرو عن بكر » بلا تفاوت .

فالتجاوز المراد من « عن » لا يمكن إرادته في مثل « حدّث عمرو عن بكر » ؛ لأنّ واقع التجاوز هو الابتعاد والتعدّي والانفصال عن المجرور ، من دون ملاحظة بلوغه إلى الآخر ، والمفروض أنّ الحديث لم ينفصل فقط عن بكرٍ ، وإنّما بلغ عَمْرا ، فيكون منتهيا إلى غاية ، وهو معنى « من » فقط كما شرحنا .

وهذا المعنى هو الواقع في الأسانيد ، ولذا لا بُدّ من تقدير أفعالٍ من مثل « قال » و « أخبر » و « حدّث » وغيرها ، مع كلّ حرف جرّ « عن » في السند ليتعلّق به ولا يحتاج إلى واسطة .

وبما أنّ معنى التجاوز غير جارٍ في هذا ، فلا بُدّ أن تكون « عَنْ » بمعنى « مِنْ » الّتي يُراد بها الابتداء وإن كان معنويّا ، كما ورد عند أئمّة اللغة والنحو .

والحاصل : إنّ معنى قوله : « حدّث زيدٌ عن عمرٍو » أنّه وَصَلَ إلى زيدٍ حديثٌ من عمرو . وأمّا قول الأصمعيّ : « حدّثني فلان من فلان » يريد عنه . فهذا دليل على استعمال « من » بعد حدّثني بمعناها الحقيقي وهو الابتداء لوجود غاية ينتهي إليها كما فسّرناه ، إلاّ أنّ « حدّث » تتعدّى ب « عن » في لسان العرب ، فلا بُدّ أن تكون « عن » بمعنى « من » ، فمراد الأصمعي التعبير عن مقتضى اللفظ .

ص: 28

نقول :

ولِما يُرى من اشتراك « من » و « عن » في كون المجرور بهما منطلَقا إمّا للابتعاد بلا غاية ، أو للابتداء إلى غاية ، فإنّ ذلك موجِبٌ للتسامح في جواز استعمال أحدهما بدل الآخر وبمعناه ، فلاحظ !

ونقول أيضا : ولو فرضنا صحّة استعمال « عن » في مثل « حدّث زيدٌ عن عمرو » بمعنى التجاوز ، وهو مجرّد الانفصال من دون غاية ، فلا ريب أنّ ذلك مَجازٌ وخلاف الشائع ؛ لوضوح صحّة استعماله في المتّصل المباشر بكثرة وشيوع ، من دون حاجة إلى قرينة مع العلم بالاتّصال ، بل هو الظاهر من الإطلاق ، فلاحظ .

وممّا يقرّب ما ذكرنا استعمال « عن » مع فعل الأخذ في موضع « من » . قال أبو حمزة الثمالي : أخذت هذا الدعاء « من » أبي جعفر عليه السلام(1) وفي الكافي : « عن » أبي جعفر عليه السلام(2) ، وهما بمنزلة ما ورد من قول الراوي : أعطاني أبو عبد اللّه عليه السلام هذا الدعاء(3) .

ومعنى هذه الموارد : صَدَرَ الدعاء من الإمام إلى الراوي ، وليس مجرّد تجاوزه عن الإمام بلا غاية ، فلاحظ .

نعم ، لو كان فاعل الحديث مجهولاً ، كما في « حُدِّثْنا عن عمرٍو » أمكن تصوّر معنى المجاوزة المعنوية ؛ لأنّ الكلام المنقول عن بكر قد تجاوزه

ص: 29


1- . تهذيب الأحكام للطوسي : ج 3 ص 76 ح 3 .
2- . المصدر السابق : ج 2 ص 590 ح 31 .
3- . المصدر السابق : ج 2 ص 590 ح 31 .

وابتعد عنه ، لكنّه لم يبلغ غاية معيّنة ، لفرض أنّ الناقل له هو الفاعل المجهول .

نعم ، قد بلغ المتكلّمَ بالفعل ، لكنّه لا بصدوره من عمرو ، فأمره يدور بين ابتداء بلا غاية ، وهو التجاوز المراد من « عن » ، وبين انتهاء بلا بداية ، وهو ليس مؤدّى « من » ، فلاحظ .

ولذا ، فقد حُمِلَ ما ورد بلفظ « يُذْكَر عن فلان » على الانقطاع والإرسال ، أُعِلّ الحديث بذلك حتّى ما ورد منه في مثل كتاب البخاري ، على مبالغاتهم فيه . قال ابن حجر في هدي الساري مقدّمة فتح الباري في الفصل الرابع الّذي عقده لبيان سبب التعليق للأسانيد عند البخاري ما نصّه : فأمّا المعلَّق من المرفوعات ، فعلى قسمين : . . . ثانيهما : ما لا يوجد فيه إلاّ معلَّقا . . . ، فإنّه

على صورتين : إمّا أن يورده بصيغة الجزم ، وإمّا أن يورده بصيغة التمريض .

وقال : والصيغة الثانية ، وهي صيغة التمريض ، لا تُستفاد منها الصحّة إلى من علّق عنه ، لكن فيه ما هو صحيح ، وفيه ما ليس بصحيح على ما سنبيّنه . أمّا ما هو صحيح ، فلم نجد فيه ما هو على شرطه إلاّ مواضع يسيرة جدّا ، كقوله في ( الطبّ ) : ويُذكَر عن ابن عبّاس(1) .

وقال : وأمّا ما لم يورده في موضع آخر بهذه الصيغة ، فمنه ما هو صحيح إلاّ أنّه ليس على شرطه ، ومنه ما هو حسن ، ومنه ما هو ضعيفٌ فردٌ إلاّ أنّ العمل على موافقته ! ومنه ما هو ضعيفٌ فردٌ لا جابر له .

فمثال الأوّل : في ( الصلاة ) : . . . ويُذكَر عن عبد اللّه بن السائب ، وفي

ص: 30


1- . هدى الساري : ج 1 ص 27 - 28 .

( الصيام ) : ويُذكَر عن أبي خالد .

ومثال الثاني : في ( البيوع ) : ويُذكَر عن عثمان بن عفّان .

ومثال الثالث : . . . قوله في ( الوصايا ) : ويُذكَر عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، ورواه الترمذي موصولاً من حديث أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور ، عن عليّ عليه السلاموالحارث ضعيف ، وقد استغربه الترمذي ! ثمّ حكى إجماع أهل العلم على القول به ؟ !

ومثال الرابع : وهو الضعيف الّذي لا عاضدَ له ، وهو في الكتاب قليل جدّا . . . فمن أمثلته : في كتاب الصلاة : ويُذْكَر عن أبي هريرة(1) .

أقول :

وموارد أُخرى في البخاري بصيغة « يُذْكَر عن » بالمجهول ، المقتضية للانقطاع والضعف ، منها :

يُذكَر عن ابن مسعود ، وابن عبّاس(2) . . و : يُذكَر عن هشام بن عروة ، عن رجل(3) ، بينما لم يجئ هذا الاحتمال في صيغة « يَذْكُر عن » بالمعلوم ، كقوله : حدّثنا معتمر : سمعت أبي يَذْكُر عن أبي مجلز(4) . . وقوله : سمعتُ أبا عاصم يَذْكُر عن سفيان(5) . . و : سمعت أبا صالح يَذْكُر أراه عن جابر(6) .

ص: 31


1- . المصدر السابق : ج 1 ص 29 وحكم بضعف الحديث في موارد في الفصل السابع : ج 2 ص 205 .
2- . صحيح البخاري : ج 4 ص 106 طبعة دار الفكر 1401 ه .
3- . المصدر السابق : ج 3 ص 133 .
4- . المصدر السابق : ج 7 ص 138 .
5- . المصدر السابق : ج 1 ص 22 .
6- . المصدر السابق : ج 6 ص 246 .

فلتُلاحظ الموارد .

فقول الأزهري : وممّا يقع الفرق فيه بين « مِنْ » و « عَنْ » أنّ « مِنْ » يُضاف بها ما قرُب من الأسماء ، و « عَنْ » يُوصَل بها ما تراخى ، كقولك : « سمعتُ من فلان حديثا » و « حُدّثنا عن فلان حديثا »(1) . . ليس منشأُه إلاّ

كون الفعل « سَمِعتُ » معلوما و « حُدّثنا » مجهولاً ، إذ يقتضي الفعل المعلومُ المباشرةَ بين السامع والمتكلّم ، فكأنّ الحديث تجاوز المتكلّم وانتهى إلى السامع ، فكان بمعنى « من » .

بينما الفعل المجهول يقتضي وجود الواسطة بينهما ، فكأنّما الحديث قد تجاوز المتكلّم ولم يصل إلى السامع ؛ لوجود واسطة مجهولة هوالفاعل المجهول ، فهذا يؤكّد أنّ الفعل « حَدَّث عنه » بالمعلوم ، هو يقتضي أن تكون « عن » معه بمعنى « من » ، كما في « سمعتُ منه » ومثله « رويتُ عنه » و « أنبأتُ عنه » وأمثالها ، فإنّ كلّ هذه الأفعال تدلّ بملاكٍ واحد على النقل للكلام عن مصدره إلى الناقل .

والحاصل : إنّ كون « عن » في هذه الأفعال بمعنى « من » هو مقتضى واقع العمل الّذي تدلّ عليه الأفعال ، وهو « النَقْلُ » الصالح للابتداء والانتهاء إلى نهاية مشخّصة ، ولو معنويا ، وهذا مفاد « مِن » ، لا مجرّد المجاوزة الموضوع لها « عن » .

ص: 32


1- . لسان العرب : ج4 ص 3143 ، وتاج العروس : ج 9 ص 383 - 384 .

ثانيا : مع الاصطلاح

1 - تعريف العنعنة :

عنعنة المحدّث هي قوله في الإسناد : « . . . فلان عن فلان . . . » مرّة أو مرّات ، ويُوصف الحديث حينئذٍ بأنّه « مُعَنْعَنٌ »(1) .

فالعَنْعَنة مصدرٌ جَعليّ مولَّد مأخوذٌ من ذِكر لفظ « عَنْ » في السند ولو مرّة واحدة من دون حاجة إلى تكرير « عَنْ » كما سيأتي . وقد عرفت عدم كون هذا المعنى عربيّا في الأصل ، وإن استعملت في « عنعنة تميم » لعدم ارتباط هذا بتلك .

2 - تعريف الحديث « المُعَنْعَن » :

قال الشهيد الثاني : المعنعنُ : وهو ما يُقال في سنده : « فلان عن فلان » من غير بيان للتحديث والإخبار والسماع(2) ، ووافقه والد البهائي(3) ، والسيّد الداماد(4) ، والمحقّق القمّي(5) .

ص: 33


1- . لاحظ : علوم الحديث لابن الصلاح : ص 61 ، مقدّمة ابن الصلاح : ص 152 .
2- . الرواشح السماوية : ص 127 .
3- . قوانين الأُصول : ج 1 ص 486 .
4- . الرواشح السماوية : ص 127 .
5- . قوانين الأُصول : ج 1 ص 486 .

واقتصارهم على ذِكر « عن » مرّة واحدة في التعريف يعطي صدق « المعنعن » فيما ورد فيه قول « عن » ولو مرّةً واحدة ، وهو الصواب ؛ لأنّ الأبحاث الّتي تترتّب على « المعنعن » جارية في السند الّذي وردت فيه كلمة « عن » كذلك ، لكنّ الظاهر من الشيخ البهائي في الوجيزة حيث عرّف المعنعَن بقوله : « والمرويّ بتكرير لفظة « عن » معنعَنٌ »(1) ، ووافقه غيره(2) ، هو لزوم التكرار لكلمة « عن » أكثر من مرّة .

ولا اقتضاء للفظ « العنعنة » لذلك خصوصا على ما عرفت من تعريفه ، فهو اصطلاح يتبع مراد المصطلِحين ، وقد عرفت تعريفهم له بمجرّد قول « عَنْ » فلا ملزِم لقيد « التكرير » في تعريفه .

3 - المعنعَن بين الإرسال والتعليق :

ويظهر من التعريف أنّ الحديث المعنعن إنّما يُطلَق على ما ذُكر سنده ، ولكن استُعمل فيه « عن » بَدَلَ لفظ التحمّل والأداء ، مثل : « حدّثنا » و « أخبرنا » ، فهو إذاً « مُسْنَدٌ » وليس « مُرْسَلاً » ، بمعنى أنّه ممّا ذُكِرَ سَنَدُه ، وليس ممّا لا سَنَدَ له . وقد أحسن المحدّث الجزائري حيث قال : المعنعَن المسمّى بالمسنَد(3) . وقال : المسند ما اتّصلت روايته بذِكر الراوي حتّى يتّصل بالمرويّ عنه ، ويُسمّى المعنعن والمتّصل(4) .

ص: 34


1- . الوجيزة : ص 418 .
2- . لاحظ : نهاية الدراية : ص 205 ، ومقباس الهداية : ج 1 ص 209 .
3- . عوالي اللآلي : ج 1 ص 1 .
4- . المصدر السابق : ج 4 ص 137 .

وقد صَرّح الحاكم : أنّه لا يُسمّى مرسَلاً(1) وإن نقل عن بعض المصنّفات

في أُصول الفقه عَدّهُ من أنواع المرسَل(2) . نعم ، يُطلق عليه المنقطع بناءً على رأيٍ في العنعنة ، كما سيأتي .

وبحكم المسند ، ما حُذف سندُه مصرّحا بكونه « معنعَنا » ، كما فعله الناسخ لكتاب تفسير فرات الكوفي ، حيث عمد إلى حذف أكثر الأسانيد ، مكتفيا بقوله : « فلان معنعنا عن فلان »(3) فإنّه يدلّ على كون الحديث في الأصل مذكور السند ، إلاّ أنّه كان بالعنعنة ، ولكنّ الناسخ حذفه مصرّحا بذلك ، فهو أشبه شيء بالتعليق عند المصنّفين(4) .

ويدلّ على ذلك أنّ أحاديث ذلك الكتاب إنّما هي مسندة ، وقد ثبت وجود ثلّة منها مع الأسانيد المتّصلة في مصدرها ، ومن الطرق الّتي روى بها فراتٌ نفسه ، وقد تأكّدنا من هذه الحقيقة عندما عثرنا على تفسير الحِبَريّ شيخ فرات الكوفيّ ، الّذي هو من مصادره المباشرة ، فوجدنا جميع ما رواه فرات عنه في الكتاب بلفظ « معنعنا » قد ثبت في كتاب الحبريّ مسنَدا متّصلاً(5) .

فجميع ما قيل فيه : « معنعنا » لا بُدّ أن يُعَدّ من المسنَد ، لا المرسَل على المشهور بين أهل الفنّ . نعم ، هو من قبيل « المعلّق » في ابتناء حكمه على مراجعة محلّ آخر لمعرفته ، وهذا غير مصطلح الإرسال ، كما لا يخفى .

ص: 35


1- . معرفة علوم الحديث : ص 28 .
2- . علوم الحديث لابن الصلاح : ص 53 .
3- . لاحظ : تفسير فرات الكوفي ، طبع النجف .
4- . بل عرفت أنّ ابن حجر عدّ بعض عنعنات البخاري من المعلَّق .
5- . لاحظ : تفسير الحبري ، هوامش المتن .

4 - المعنْعَنُ بينَ الاتّصال والانقطاع :

قال الشهيد الثاني في المعنعن : والصحيح ، الّذي عليه جمهور المحدّثين ، بل كاد يكون إجماعا ، أنّه متّصل(1) .

وقال السيّد الداماد : عندنا وفي أعصارنا واستعمالات أصحابنا ، فأكثر ما يراد بالعنعنة : الاتّصال(2) .

وقال ابن حجر : إنّ « عن » في عرف المتقدّمين محمولة على السماع قبل ظهور المدلّسين(3) .

وقال ابن الصلاح : والصحيح والّذي عليه العمل ، أنّه من قبيل الإسناد المتّصل ، وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمّة الحديث وغيرهم ، وأودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه ، وقبلوه ، وكان أبو عمر بن عبد البرّ الحافظ يدّعي إجماع أئمّة الحديث على ذلك(4) .

وادّعى أبو عمرو الداني المقرئ الحافظ : إجماع أهل النقل على ذلك . وإنْ خالفها بعض الحنفية فقال : اعلم أنّ « عن » مقتضية للانقطاع عند أهل الحديث ، ووقع في مسلم والبخاري من هذا النوع شيء كثير ، فيقولون على سبيل التجوّه : ما كان من هذا النوع في غير الصحيحين فمنقطع ، وما كان في الصحيحين فمحمول على الاتّصال . انتهى(5) .

ص: 36


1- . شرح البداية : ص 33 .
2- . الرواشح السماوية : ص 128 .
3- . نقله السيّد أحمد صقر في تقديمه لفتح الباري : ج 1 ص 42 ، عن كتاب تغليق التعليق لابن حجر .
4- . نقله المحقّق للمصدر التالي عن التمهيد مبحث الإسناد المعنعن : ج 1 ص 26 .
5- . الجواهر المضيّة : ج 2 ص 428 - 429 .

ومن أصحاب التجوّه هؤلاء مَن صرّح بأنّ إخراج مسلم في صحيحه لحديث مَن كان مِن المدلّسين ، دليل على أنّه ثبتَ عنده أنّه متّصل وأنّه لم يدلّس فيه .

وأضاف : وفي الصحيحين من العنعنة شيء كثير ، وذلك دليل على أنّه ليس بمدلّس ، أو أنّه ثبت من خارج أنّ تلك الأحاديث متّصلة ، مع أنّه قال في مورد : إنّ عنعنة المدلّس قادحة في الصحّة(1) .

أقول :

وهذا الإجماع دعوىً ومخالفةً إنّما يرد على المتشدّدين في أمر الإسناد إلى حدّ التفريط والإفراط ، وهو دليل على تجاوزهم للحدود اللاّزمة في ضبط الحديث وطرقه .

وأضاف ابن الصلاح : وهذا بشرط أن يكون الّذين أُضيفت العنعنةُ إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضا ، مع براءتهم من وصمة التدليس ، فحينئذٍ يُحمَل على ظاهر الاتّصال ، إلاّ أنْ يظهر فيهم خلاف ذلك(2) .

أقول :

قوله : « ثبتتْ ملاقاة . . . » ؛ يمكن أن يُقال : إنّ ظهوره في الاتّصال ما لم يثبت الخلاف يقتضي كون الأصل فيه هو الاتّصال ، وحينئذٍ فلا لزوم لثبوت اللقاء ، بل يكفي إمكانُه وعدم ثبوت خلافه ، فيكون واقع هذا الشرط هو قابليّة اللقاء و « إمكانه » ، كما عبّر به بعض علمائنا(3) .

ص: 37


1- . الجوهر النقي : ج 3 ص 327 و ج 7 ص 377 .
2- . علوم الحديث لابن الصلاح : ص 61 .
3- . الرواشح السماوية : ص 128 .

وعلى هذا فليس « اللقاء » شرطا إضافيا ، بل هو بيان لواقع « الاتّصال » الّذي هو الأصل ، ويظهر هذا من مخالفة المتشدّدين من العامّة الّذين اشترطوا العلم الخاصّ باللقاء ، وعبّروا عنه بطول الصحبة ، كما سيأتي(1) .

وقوله : « مع براءتهم من وصمة التدليس » ؛ فالمراد أنّ ثبوت وصمة التدليس في حقّهم مانع من الاعتماد على ظاهر « العنعنة » في الاتّصال ، فالمانع من الحكم باتّصال المعنعن هو ظهور قرينة تدلّ على عدم اللقاء ، وثبوت التدليس في مورده ، كما صرّح بذلك صاحب القوانين(2) .

وقد أعلّوا أحاديث كثيرة بقولهم « فلان مدلّسٌ وقد عنعنهُ » ، أو « رواه بالعنعنة » حتّى لو كان الراوي ثقةً !(3) . وصرّحوا بأنّ عنعنة المدلّس قادحة في الصحّة(4) حتّى من مثل الأوزاعي ، فقد قال ابن حجر في حديث أعلّه : العلّة فيه عنعنة الأوزاعي(5) . وقال النووي : الحسن بن عرفة روى بعنعنته إلى أنس(6) .

لا مجرّد احتمال التدليس ، فإنّه مَنْفيٌّ بالأصل ؛ لأنّ الأصل عدمه ، وهو كذلك منفيٌّ بأصالة الصحّة في فِعل المسلم . وقد اعتمد على هذا الأصل

ص: 38


1- . لاحظ : مقباس الهداية : ج 1 ص 210 .
2- . القوانين المحكمة : ج 1 ص 486 .
3- . لاحظ سنن ابن ماجة : ج 1 ص 290 و 365 و 366 و 621 و 641 و 663 و ج 2 ص 789 و 803 و 889 و 902 و 925 و 1134 و 1178 و 1405 و 1420 ؛ ومجمع الزوائد : ج 1 ص 42 و 103 و 212 و 213 و 245 و 252 و 268 ؛ والمجموع شرح المهذّب للنووي : ج 12 ص 131 و ج 19 ص 435 .
4- . الجوهر النقي : ج 7 ص 377 .
5- . تلخيص الحبير : ج 5 ص 223 .
6- . المجموع شرح المهذّب : ج 20 ص 34 .

الثاني في المقام الشافعيُّ في الرسالة ، حيث قال : المسلمون العدول عدولٌ أصحّاء الأمر في أنفسهم . . . وقولهم عن خبر أنفسهم وتسميتهم على الصحّة ، حتّى نستدلّ من فِعلهم بما يخالف ذلك فنحترس منهم في الموضع الّذي خالف فِعلهم فيه ما يجب عليهم(1) .

واعتمده من علمائنا الإمام العامليّ حيث قال : والأصحّ عدم اشتراط شيء من ذلك لحمل المسلم على الصحّة(2) .

أقول :

ما ذُكر من الشرطين ، متحقّقان : أحدهما بظهور الكلمة في الاتّصال ، والثاني بأصالة عدم التدليس ، وكلاهما بأصالة الصحّة في فعل المسلم .

فاللاّزم اشتراط عدم ثبوت التدليس ، لا ثبوت عدمه . نعم ، لو عُلم عدم اللقاء ، أو عُلم التدليس في استعمال « عن » في معنى الرواية غير المتّصلة ، فالسَنَدُ معلّل بذلك . كما قال ابن حجر في ترجمة ( إبراهيم بن جرير بن عبد اللّه البجلي ) : صدوق ، إلاّ أنّه لم يسمع من أبيه ، وقد روى عنه بالعنعنة ، وجاءت روايةٌ بصريح التحديث ، لكنّ الذنب لغيره(3) .

وقال في التهذيب : قال ابن معين : لم يسمع من أبيه شيئا . وقال ابن عديّ : يقول في بعض رواياته : « حدّثني أبي » ولم يضعّف في نفسه . . . وأحاديثه مستقيمة تُكتب . . . مات أبوه وهو حَمْلٌ .

ص: 39


1- . الرسالة : ص 378 ؛ وانظر : توثيق السُنّة : ص 196 رقم 362 .
2- . وصول الأخيار : ص 100 .
3- . تقريب التهذيب : ج 1 ص 33 رقم 180 .

قال ابن حجر : إنّما جاءت روايته عن أبيه بتصريح التحديث منه من طريق . . . ضعيف ، ونسبه بعضهم إلى الكذب ، وقد روى عن أبيه بالعنعنة أحاديث(1) .

ومضى تعليلهم لحديث المدلّس بأنّه رواه بالعنعنة ، أو عَنْعَنَهُ . وقد عرفنا في تحقيقنا لمدلول « عَنْ » لغةً أنّها وفي الأسانيد خاصّة بمعنى « مِنْ » الدالّة على النقل المباشر ، ولا تستعمل في غيره إلاّ مع التصريح أو القرينة .

وعلى هذا يجب أن نحمل كلام المحقّق الداماد حيث قال : والعنعنة بحسب مفاد اللفظ أعمّ من الاتّصال ، فإذا أمكن اللقاء وصَحّت البراءة من التدليس تعيّن أنّه متّصل ، ولا يفتقر إلى كون الراوي معروفا بالرواية من المرويّ عنه ، على الأصحّ(2) .

فقوله : « إذا أمكن اللقاء » يقتضي الاكتفاء بما يعطيه ظاهر النقل ، وقوله : « صحّت البراءة من التدليس » يمكن الاعتماد فيها على الأصل المذكور . ويدلّ على إرادته لهذا المعنى تقييده العنعنة المفيدة لعدم الاتّصال بكونها « بحسب مفاد اللفظ » ، مع أنّ المبحوث عنها هي العنعنة المصطلحة .

وأمّا قوله : « ولا يفتقر . . . على الأصحّ » فهو صريح في نفي ما يقوله المتشدّدون من اشتراط اللقاء والتأكّد من عدم التدليس ، فلاحظ .

فما عن الخطيب البغدادي من قوله : إنّ « عَنْ » مستعملةٌ كثيرا في تدليس ما ليس بسماعٍ(3) . وكذلك ما فُرّع عليه من أنّ قول المحدّث : « حدّثنا فلان ،

ص: 40


1- . تهذيب التهذيب : ج 1 ص 112 رقم 195 .
2- . الرواشح السماوية : ص 127 .
3- . الكفاية في علوم الرواية : ص 418 .

قال : حدّثنا فلان » أعلى منزلةً من قوله : « حدّثنا فلان ، عن فلان »(1) .

كلاهما باطلان :

أوّلاً : لو فرض صحّة ما نقله من كثرة الاستعمال في التدليس في تراث الخطيب ومَنْ على شاكلته ، فإنّها لم تبلُغ مبلغا يُرفع بها اليد عن ظاهر اللغة وعن الأصلين اللذين ذكرناهما ، خصوصا في تراثنا الإماميّ الّذي ثبت فيه كثرة الاستعمال للاتّصال ، بل نَدَرَ خلافه ، كما سيأتي مفصّلاً .

وثانيا : إنّ قوله : « ما ليس بسُماعٍ » أعمُّ من المدّعى وهو عدم الاتّصال ؛ لأنّ ما ليس بسماع يشمل ما كان بالقراءة وسائر الطرق المعتبرة الّتي لا ريب في كون الرواية بها متّصلة ومسنَدةً ، وإنّما البحث في العنعنة في أدائها إلى الانقطاع أو الإرسال .

مضافا إلى منافاة دعوى الخطيب لكثرة استعمال « عن » في التدليس ، مع دعوى الإجماع المتأخّر عن الخطيب على الاتّصال في الحديث المعنعن ، كما عرفت . فلو كان منعقدا في عصره لم ينعقد فيما بَعده على خلافه .

وأمّا التفريع عليه فهو باطل ؛ لأنّ الراوي لو كان مدلّسا لم يفرّق في عدم اعتبار قوله بين ما صرّح بألفاظٍ مثل : « حدّثنا فلان ، قال : حدّثنا » ، وبين

قوله : « حدّثنا فلان ، عن فلان » ؛ لأنّ المدلِّس لا يؤمَنُ على قوله ، فإنّه يُخفي كذبه في الثاني ، فكيف يصدّق على الأوّل ؟ !

فما وجه عُلُوّ الأوّل على الثاني ، مع فرض العلم بكونه مدلّسا ؟ ! وإنْ لم

ص: 41


1- . مستدركات مقباس الهداية : ج 6 ص 285 رقم 444 .

يكن مدلّسا ، فلا فرق بين قوليه ؛ لأنّ « عَنْ » على ظاهر الاتّصال ، ومحكوم به ، ما لم يُعلم الخلاف ، كما مرّ في حقّ « إبراهيم بن جرير بن عبد اللّه البجلي » . مضافا إلى أنّ هذا التفريق مبتنٍ على التشديد في مسألة ألفاظ التحمّل والأداء وصيغه والتفرقة بينها في الطرق ، وقد أثبتنا في بحثٍ مستقلٍّ خاصّ بذلك : عدم صحّة التشدّد المذكور(1) كما ستأتي الإشارة إليه أيضا .

فما التزم به جمع من العامّة من تعليل الأحاديث بمجرّد كونها « معنعنةً » ، مثل قول ابن حجر : « العلّة فيه عنعنة الأوزاعي »(2) ، وقول كثير منهم في

تعليلها : « فلان مدلّس وقد عنعنه » ، أو « . . رواه بالعنعنة »(3) مع كون الراوي ثقة ! كلّ ذلك مبنيّ على ذلك الالتزام الفاسد ، والتشدّد الكاسد .

على أنّ التشكيك في اتّصال المعنعن ، قد حكم ببطلانه القدماء السابقون على الخطيب ، مثل مسلم بن الحجّاج القشيريّ ( ت 261 ه ) الّذي نقل في مقدّمة كتابه عمّن نَسَبَ إليه « سوء الرويّة » قوله : إنّ كلّ إسناد لحديث فيه « فلان عن فلان » وقد أحاط [ أهل ] العلم بأنّهما قد كانا في عصر واحد ، وجائز أنْ يكون الحديث الّذي روى الراوي عمّن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به ، غير أنّه لا نعلم له منه سماعا ، ولم نجد في شيءٍ من الروايات أنّهما التقيا قطُّ أو تشافها بحديث : أنّ الحجّة لا تقوم عنده بكلّ خبرٍ جاء

ص: 42


1- . لاحظ بحثنا : « صيغ التحمّل والأداء للحديث الشريف » المنشور في مجلّة علوم الحديث العدد الأوّل ، السنة الأُولى 1418 ه ؛ ولاحظ : علوم الحديث لابن الصلاح : ص 62 .
2- . تلخيص الحبير : ج 5 ص 223 .
3- . المجموع للنووي ؛ شرح التهذيب : ج 12 ص 131 و ج 19 ص 435 ؛ وسنن ابن ماجة القزويني : ج 1 ص 290 و ج 2 ص 789 وغيرهما ؛ ومجمع الزوائد : ج 1 ص 42 و 103 و 212 وغيرها .

هذا المجيء(1) .

ثمّ ترجم مسلم في كتابه لِبابٍ ب : « صحّة الاحتجاج بالحديث المعنعن » ، قال فيه : هذا القول في الطعن في الأسانيد قول مخترَع مستحدَث غير مسبوقٍ صاحبُه إليه ، ولا مساعِدَ له من أهل العلم عليه ، وذلك أنّ القول الشائع المتّفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا : إنّ كلّ رجلٍ ثقةٍ روى عن مثله حديثا ، وجائزٌ ممكنٌ له لقاؤه والسماع منه ، لكونهما جميعا كانا في عصرٍ واحدٍ ، وإنْ لم يأتِ في خبر قطُّ أنّهما اجتمعا ، ولا تشافها بكلامٍ ، فالروايةُ ثابتةٌ ، والحجّة بها لازمةٌ ، إلاّ أنْ يكون هناك دلالةٌ بيّنة أنّ هذا الراوي لم يَلْقَ مَنْ روى عنه أو لم يسمع منه شيئا ، فأمّا ،

والأمر مبهم على الإمكان الّذي فسّرناه ، فالرواية على السماع أبدا(2) .

وقال الحاكم ( ت 405 ه ) : الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس وهي متّصلة بإجماع أئمّة أهل النقل ، على تورُّع رواتها من أنواع التدليس(3) .

وكذا استظهر بعض الأُصوليّين الاتّصال في المعنعن ، قال الشيرازي : « إذا قال : حدّثني فلان عن فلان » فالظاهر أنّه متّصل ، واستدلّ على ذلك بأنّه لو كان بينهما واسطة لبيّن ذلك . وردّ حجّة القول بالإرسال استنادا إلى استعمال الرواية عن المتّصل وغيره ، بأنّ الأصل عدم الوسائط ، فوجب أن يُحمل الأمر عليه(4) ، والظاهر أنّه استدلّ بالأصلَين المذكورَين :

ص: 43


1- . صحيح مسلم : ص 22 .
2- . المصدر السابق : ج 1 ص 23 .
3- . معرفة علوم الحديث : ص 34 النوع 11 .
4- . التبصرة في أُصول الفقه للفيروز آبادي الشيرازي : ص 336 .

فالأوّل : حمل فِعل الراوي على الصحّة .

والثاني : أصالة عدم الواسطة .

فقد ظهر حصول الإجماع قبل الخطيب وبعده ، على الحكم باتّصال المعنعن ، وهذا ممّا يوهن دعواه كثرة استعمال « عن » في التدليس ، كما لا يخفى . وبالرغم من هذا كلّه ، أصبح احتمال الانقطاع في المعنعن من أهمّ العقبات المطروحة فيه ، كما سيأتي في فصل الإشكالات عليه .

5 - العنعنةُ وطرق التحمّل والأداء :

قال ابن الصلاح : وكثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال « عَنْ » في الإجازة ، فإذا قال أحدهم : « قرأتُ على فلان عن فلان » أو نحو ذلك ، فظُنّ به أنّه رواه عنه بالإجازة ، ولا يخرجه ذلك عن قبيل الاتّصال ، على ما لا يخفى(1) .

وهذا صريح في أنّ ارتباط « عن » بالإجازة من الطرق ، إنّما هو اصطلاح خاصّ بالمتأخّرين عن القرن السابع ؛ لأنّ ولادة ابن الصلاح كانت سنة 577 ، وألّف كتابه سنة 634 ، وتوفّي سنة 643 ، فقوله : « في عصرنا وما قاربه » لا يتقدّم على القرن السابع كثيرا .

ومع هذا ، فإنّ العبارة المذكورة تدلّ على حكمه بالاتّصال ، مع حكمه بكون الطريق هي الإجازة ، والوجه فيه : أنّ الإجازة في عصره كانت قد استقرّت بشكلٍ نهائيّ ، واتّخذتْ مقامها السامي بين المحدّثين ، وهي على

ص: 44


1- . علوم الحديث : ص 62 .

ما قرّرنا في كتابنا إجازة الحديث من أوثق طرق التحمّل في أداء مهمّتها ،

وهي تصحيح نسبة كتب الحديث وغيره مع الضبط التامّ ، وقد وُضعت ثالثة الطرق بعد السماع والقراءة ، بل في المحدّثين مَن قارنها بالسماع ، كما فُصّل في محلّه .

بل إنّ ابن الصلاح جعل الحكم بالاتّصال دائرا مدار وجود الإجازة ، فيما نقله عنه جلال الدين السيوطي أنّه قال وهو يتحدّث عن اتّصال المعنعن : ولا أرى هذا الحكم يستمرّ بعد المتقدّمين ، فيما وجد من المصنّفين في تصانيفهم ممّا ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه : « ذكر فلان » أو « قال فلان » أي فليس له حكم الاتّصال ما لم يكن له من شيخه إجازة(1) .

هذا ، وأمّا ما يرتبط بتراثنا الإماميّ :

فقد ذكر الإمام عزّ الدين والد البهائي معقّبا كلام ابن الصلاح : وأمّا عندنا ، فالذي يظهر أنّه يُستعمل في الأعمّ منها ومن القراءة والسماع(2) .

وقال الداماد معقّبا ابن الصلاح ، كذلك : ولعلّ ذلك في عصره ، وفي اصطلاحات أصحابه واستعمالاتهم ، وأمّا عندنا وفي أعصارنا وفي استعمالات أصحابنا ، فأكثر ما يُراد بالعنعنة : الاتّصال(3) .

أقول :

وأمّا بالنسبة إلى المتقدّمين وهم مَنْ قَبل الخمسمئة(4) ، فقد عرفت

ص: 45


1- . تدريب الراوي : ج 1 ص 215 .
2- . وصول الأخيار : ص 101 .
3- . الرواشح السماوية : ص 128 .
4- . كما سيأتي عن الصنعاني في توضيح الأفكار : ج 1 ص 336 .

إجماعهم على أنّ « عَنْ » إنّما يُراد بها الاتّصال قطعا ، من دون تفريق فيه بينَ الطرق ، ولو ثبت تخصيص القدماء لفظة « عَنْ » بالإجازة ، فحكمهم بإرادة الاتّصال منها دليل على اعتبارهم للإجازة طريقا صحيحة مؤدّية مثل ما يُراد من السماع وغيره من الطرق المعتبرة في النقل والرواية .

كما إنّ كون « عَنْ » خاصّةً بالإجازة ، يقتضي كون الإجازة من أقدم الطرق وأهمّها ، حيث إنّ العنعنة مستعملة حتّى في نهايات الأسانيد ، ومع أسماء المعصومين ، وأصحابهم الكرام ، ولا ريب أنّ استعمالهم لها دليل على اعتمادهم عليها واعتبارهم لها من الطرق الوافية بغرض الرواية ، لا العكس كما يحاول أن يوهمه بعض المتطفّلين على موائد الفقه والحديث ، وسيأتي ذِكر شُبهته في فصل « الإشكالات على العنعنة » .

6 - متعلّق العنعنة وفعلها :

ثمّ إنّ لفظة « عَنْ » وهي حرف جرّ ، لا بُدّ أن تتعلّق نحويّا بفعل أو شبهه ، في الكلام ، مذكور أو مقدّر ، وبما أنّ الظاهر في الأحاديث المعنعنة خلوّها من متعلّق ظاهر ، فلا بُدّ من تقديره . وقد قال العلائي : وإذا ظهر الفعل في أوّل الكلام كانَ قرينةً في حمل جميع المحذوفات المقدّرة في السند عليه ، فإذا قال الراوي في أوّل السند : « حدّثنا » أو « أخبرنا فلان » ، حُمِلَ جميع ما

بعده من « العنعنة » على ذلك ؛ لأنّ المحذوف يتقدّر منه أقلّ ممكنٍ بحسب الضرورة الداعية إليه ، ويكتفى بالقرينة المشعرة به(1) .

ص: 46


1- . جامع التحصيل : ص 117 .

وهذا كلام متينٌ ، وهو مقتضى الحكمة في كلام الراوي ، يقتضيه أيضا أمرُ حمل فِعل المسلم على الصحّة الّذي استند إليه العلماء في الحكم باتّصال المعنعن كما سبق .

7 - موقع العنعنة بين صِيَغ الأداء وألفاظه :

يظهر من تتبّع كلماتهم أنّ موقع « عَنْ » قد اختلف مع مرور الأزمان .

1 - فالشافعي ( ت 204 ه ) يقول : كان قول الرجل : « سمعت فلانا يقول : سمعت فلانا » وقوله : « حدّثني فلانٌ عن فلان » سواءً عندهم ، لا يحدِّث

واحدٌ منهم عمّن لقي إلاّ ما سمع منه ، ممّن عناه بهذه الطريق قبلنا منه : « حدّثني فلان عن فلان »(1) ، فلم يفرّق بين « سمعت » و « عن » في الأداء .

2 - قال أبو زُرْعة : سألت أحمد بن حنبل ( ت 261 ه ) عن حديث أسباط الشيباني ، عن إبراهيم ، قال : « سمعت ابن عبّاس » ؟ قال أحمد : « عن ابن عبّاس » . فقلتُ : إنّ أسباطا هكذا يقول : « سمعت » ؟ ! فقال : قد علمتُ ، لكن إذا قلتُ : « عن » فقد خلّصتُهُ وخلّصتُ نفسي ؛ أو نحو هذا المعنى(2) . فقد أبدل أحمد « سمعت » ب« عن » بل يظهر منه أنّ « عن » عنده أحوط . ومن الواضح أنّ ما ذكره لا يتمّ إلاّ إذا كانت « عن » تؤدّي مؤدّى « سمعتُ » عنده .

3 - وقد مرّ في كلام مسلم في مقدّمة صحيحه أنّه حمل رواية العنعنة على

ص: 47


1- . الرسالة : ص 379 .
2- . طبقات الحنابلة : ج 1 ص 203 .

السماع أبدا(1) .

4 - وقال الدربنديّ : عنعنة المعاصر محمولةٌ على السماع(2) .

5 - وحملها بعضهم على السماع بشرطين(3) . فلو تحقّق الشرطان ولو بالأصل كان سماعا .

6 - وجعلها العلائي من الألفاظ المحتملة للسماع ، وتطلق في التدليس(4) . فإذا انتفى التدليس ولو بالأصل ، كان سماعا .

7 - وصرّح الشهيد الثاني ( ت 965 ه ) بأنّ « عن » مشترك بين السماع والإجازة(5) . وغرضه بلا ريب ما هو المتعارف عند المتأخّرين ، لِما عرفت في الفقرة الخامسة من هذا البحث .

8 - ونقل الشهيد الثاني عن بعضهم أنّه استعمل في الإجازة الواقعة في رواية مَنْ فوقَ الشيخ المُسْمِع بكلمة « عنْ » ، فيقول أحدهم إذا سمع على شيخ بإجازته عن شيخه : « قرأت على فلان عن فلان » ليتميّز عن السماع الصريح ، وإن كان « عن » مشتركا بين السماع والإجازة(6) . وهذا جارٍ على عرف المتأخّرين ، كما سبق .

9 - وقال والد البهائي ( ت 984 ه ) : إنّ « عن » يُستعمل في الأعمّ من

ص: 48


1- . صحيح مسلم : ج 1 ص 23 .
2- . القواميس : ورقة 26 .
3- . توثيق السُنّة : ص 196 رقم 362 .
4- . جامع التحصيل : ص 116 .
5- . شرح البداية : ص 107 .
6- . المصدر السابق : ص 107 ، وقد صوّبنا من النصّ كلمة « المستمع » إلى « المُسْمِع » ، إذ المفروض أنّ الشيخ قد أسمع في المقام وليس مستمعا ، فلاحظ .

الإجازة ومن القراءة والسماع(1) . وإطلاق هذا الكلام يقتضي كونه نقلاً عمّا تعارف بين المتأخّرين .

ويلاحظ أنّ « عَنْ » في القديم كانت تُقرَن ب « سمعتُ » الّتي هي صيغة الأداء عن « السماع » ، وهو أقوى الطرق وأعلاها بالإجماع ، وهذا يدلّ على مكانة « عَنْ » ودلالتها اللغويّة والاصطلاحيّة بوضوح .

وأمّا ما آل إليه أمر « عَنْ » فهو مجرّد اصطلاح متأخِّر ، مع أنّه لا أثر له على الأسانيد « المعنعنة » ؛ لثبوت الحكم بالاتّصال فيها بإجماع المتقدّمين والمتأخّرين ، كما صرّح ابن الصلاح بذلك ، وعبارة الشهيد الثاني ووالد البهائي ناظرتان إلى تعقّب ابن الصلاح ، كما عرفنا في الفقرة السابقة .

ومن هنا نعرف أنّ من أفحش الأغلاط التشكيك في الأحاديث المعنعنة ؛ لاحتمال أداء « عَنْ » فيها لخصوص طريقة « الإجازة » ، كما صنعه بعضُ المغفّلين في عصرنا ، وسيأتي نقل تشكيكه والردّ عليه في فصل « الإشكالات على العنعنة » .

8 - أحوال « عَنْ » في الأسانيد :

قال الصنعاني : إنّ للفظ « عن » ثلاثة أحوال :

الأوّل : إنّها بمنزلة « حدّثنا » و « أخبرنا » .

الثاني : إنّها ليست بتلك المنزلة ، إذا صدرت من مدلّسٍ .

وهاتان الحالتان ، مختصّتان بالمتقدّمين .

ص: 49


1- . وصول الأخيار : ص 101 .

وأمّا المتأخّرون وهم مَنْ بعدَ الخمسمئة وهَلُمَّ جَرّا فاصطلحوا عليها للإجازة ، وهذه هي الحالة الثالثة . إلاّ أنّ الفرق بينها وبين الحالة الأُولى

مبنيٌّ على الفرق فيما بين السماع والإجازة ؛ لكون السماع أرجح .

وبقي حالة أُخرى لهذه اللفظة ، وهي خفيّة جدّا ، لم يُنبّه أحدٌ عليها في علوم الحديث ، مع شدّة الحاجة إليها ، وهي : أنّها ترد ، ولا يتعلّق بها حكم باتّصال ولا انقطاع ، بل يكون المراد بها سياق قصّة ، سواء أدركها الناقلُ أم لم يدركها ! ويكون هناك شيء محذوف ، فيُقدّر(1) .

أقول :

وقد صرّح بهذه الحالة أيضا ابن عبد البرّ في التمهيد ، والسخاوي في الفتح(2) . فلو كان ذلك مذكورا في أثناء الإسناد فإنّ في عدّها حالةً مستقلّةً تأمُّلاً ؛ وذلك لأنّ كلام الناقل المذكور لا يخلو إمّا أنْ يكون نقلاً مباشرا عمّن قاله ، فهو متّصلٌ ، وإمّا أنْ يكون بواسطة غير مذكورة ، فهو منقطعٌ ، والناقل مدلّسٌ ، وإمّا أنْ يكون السند مذكورا في محلّ آخر ، فهو معلَّقٌ ، وإنْ لم يُذكَر أصلاً ، فهو مُرسَلٌ . فليس ما ذكره خارجا عن هذه الحالات .

وإنْ لم يكن في الإسناد ، فلا ربط له بمباحث علوم الحديث . فاستشهاد المشكّكين في الحديث المعنعن بمثل هذه الحالة ، وهي من أهمّ أدلّتهم ، غير صحيح على قول العلائي ؛ لأنّ المفروض عدم تعلّق حكم الاتّصال ولا حكم الانقطاع بمثل سياق القصّة ؛ لأنّ الاتّصال والانقطاع من أحكام الإسناد ، وعلى فرضه لا إسناد هنا .

ص: 50


1- . توضيح الأفكار : ج 1 ص 336 .
2- . فتح المغيث : ج 1 ص 159 .

9 - استعمال « عن » في البلاغات :

وحالة أُخرى لاستعمال « عن » هي الرابعة ، لم يذكرها العلائي ولا غيره ، وهي المستعملة مع قول الراوي : « بلغني عن فلان » . وقد وقع هذا في تراث العامّة بكثرة ، وورد في تراثنا قليلاً جدّا ، وموارده على قلّتها ظاهرة في الانقطاع ، مثل ما أُسند إلى ابن سيّابة ، قال : بلغنا عن أبي جعفر عليه السلام(1) . والراوي لم يلق أبا جعفر عليه السلامكما يظهر من كتب الرجال . وما نُقل عن نصر بن قابوس في قوله لأبي الحسن الماضى عليه السلام ، وهو الإمام الكاظم عليه السلام : بلغني عن أبيك(2) ، ويقصد بقوله : « أبيك » جدّه الإمام الحسين عليه السلام ، فليلاحظ .

ويمكن أن يُفهم عدم إرادة الاتّصال من أنّ الراويَيْن هنا بصدد الاحتجاج والاستدلال ، لا النقل والرواية . نعم ، ورد في بعض أحاديث الإمام الباقر أبي جعفر عليه السلام قوله : « بلغني أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمقال »(3) . أو : « بلغني أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كان يقول »(4) .

وهو حديث مؤنّن ، وليس بمعنعن ، وهو يفيد تحقيق بلوغ المرويّ إلى الراوي الّذي هو الإمام عليه السلام . مع أنّ البحث عن روايات الأئمّة : يختلف ، لِما ثبت في حقّهم مِن كون ما يروونه كلّه متّصلاً بالرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، وإن كان بظاهر الإرسال ، لِما ثبت عنهم من القاعدة العامّة في أنّ حديثهم حديث آبائهم عن

ص: 51


1- . المحاسن للبرقي : ج 1 ص 296 .
2- . المؤمن للأهوازي : ص 47 .
3- . المحاسن : ج 1 ص 60 .
4- . المحاسن : ج 1 ص 60 .

جدّهم صلّى اللّه عليهم أجمعين ، وقد أثبتناه في موضع آخر(1) .

كما وردت كلمة « بلغ » متعدّية بالباء في قول الراوي « بلغ به أبا عبد اللّه عليه السلام »(2) و « بلغ به زرارة »(3) ، ولا ريب أنّ المقصود معناها اللغوي بمعنى « رفع » ونحوه ، وأكثر ما استعمله من العامّة هو مالك بن أنس صاحب الموطّأ ، حتّى اشتهرت موارده ب « بلاغات مالك » . ويقال في التعبير عنه عند الأداء : « قال فيما بلغه » أو « رواه بلاغا » .

والفعل « بَلَغَ » بمعنى وَصَلَ ، وفاعله الحديث البالغ إلى الراوي ، والمجرور ب « عن » هو المبلَّغ عنه ، وأمّا المبلِّغ فهو غير مذكور في ظاهر اللفظ ، فيكون الحرف « عن » بمعنى « التجاوز » على ما هو الأصل فيه ، والمعنى : أنّ الحديث تجاوز فلانا وبَلَغني ، والواسطة في النقل عنه إلى الراوي غير مذكورة .

هذا ما استظهره المحدّثون من البلاغ ، وحملوا عليه بلاغات مالك بالخصوص ، والدليل على هذا الاستظهار أُمور :

1 - قال المارديني : ما ذكره أبو عبيدة بلاغ لم يُذكر مَنْ بلّغه ليُنظر في أمره(4) .

2 - تعبيرهم عن المرسَل وغير المتّصل ب « البلاغ » . قال البيهقي في حديثٍ رواه أبو بكر بن حزم : لم يسمعه من ابن مسعود الأنصاري ، وإنّما هو

ص: 52


1- . راجع بحث « أسند عنه » المنشور في مجلّة تراثنا العدد الثالث ، السنة الأُولى .
2- . المحاسن : ج 2 ص 622 .
3- . المصدر السابق : ص 465 .
4- . الجوهر النقي : ج 8 ص 31 .

بلاغ بلغه ، وقد روي ذلك في حديث آخر مرسَل(1) .

وقال أيضا في حديثٍ لابن سيرين وقتّادة عن ابن عبّاس : هذا بلاغ بلغهما ، فإنّهما لم يلقيا ابن عبّاس(2) .

ونقله المارديني عن البيهقي في الخلافيّات ، في حقّ ابن سيرين عن ابن عبّاس .

3 - حكمهم على ما أورده مالك بلاغا ، بالإرسال تارةً وبالانقطاع أُخرى وبالإعضال ثالثة :

* فقد نفوا أن يكون الموطّأ من كتب الصحاح كما ادّعاه بعضهم(3) استنادا إلى ما فيه من « المراسيل » الّتي هي بلاغاته(4) .

* جزم الشافعي إمام المذهب في رواية رواها مالك بلاغا ، بأنّ طرقه ليس فيها شيء موصول(5) .

وقال ابن الصلاح في بلاغ له : فهذا منقطع ؛ لأنّ الزهري لم يسمع من ابن عبّاس(6) .

وقال الأندلسي : هذا الحديث عند مالك بلاغ لم يُسنده(7) .

ص: 53


1- . السنن الكبرى : ج1 ص 362 .
2- . المصدر السابق : ص 266 ؛ والجوهر النقي : ج 1 ص 266 .
3- . لاحظ مقدّمة ينابيع المودّة للقندوزي ، طبع النجف - الحيدرية ، بقلم السيّد الخرسان .
4- . الباعث الحثيث : ص 31 - 32 ؛ علوم الحديث لصبحي الصالح : ص 304 .
5- . لاحظ : فتح العزيز : ج 9 ص 50 1- 151 ؛ والنووي في المجموع : ج 13 ص 52 .
6- . علوم الحديث : ص4 .
7- . معجم ما استعجم : ج 4 ص 1190 .

* وحكموا على بعض بلاغاته بالإعضال(1) .

* محاولة بعضهم أنّ يجد للبلاغات طرقا أُخرى يثبت بها الاتّصال ، كما سيأتي ، فإنّ هذا يدلّ على عدم اتّصال البلاغ في نفسه .

ومن هنا فإنّ البلاغ في نفسه إنّما هو من نسق المرسَل أو المنقطع أو المعضل ، وكلّ واحد من هذه يُعدّ قسيما « للصحيح » عند العامّة ، وهو يشترط فيه الاتّصال ، وكلّ واحد منها أسوأ حالاً من الآخر(2) ، وهذا هو الأصل والقدر المتيقّن الّذي يمكن أن يقال في حقّ البلاغات . ولقد تجرّأ ابن حزم على الإفصاح عن هذه الحقيقة في بعض الموارد ، فقال في ( بلاغ ) نقله عن الموطّأ : هذا « بلاغ » لا يصحّ(3) ، وقال في مورد آخر : هو عن ابن عمر « بلاغ » كاذب(4) ، كما استضعف البيهقي وغيره بعض ما روي بالبلاغ(5) .

وللدهلوي كتاب المصفّى باللغة الفارسية ، شرح فيه الموطّأ ، فجرّد فيه الأحاديث ، وحذف أقوال مالك وبعض بلاغاته(6) .

وممّا يدلّ على أنّ البلاغ في نفسه مؤدٍّ إلى التوقّف ، هو ما ذكره ابن حجر في ترجمة ( محمّد بن الحسن بن محمّد رضي الدين الأسعد ) بقوله : كان بعض أُصوله ( بلاغات ) فيها نظر(7) . والتفريق بين هذا الرجل ، وبين رجل

ص: 54


1- . علوم الحديث لابن الصلاح : ص 60 - 61 .
2- . علوم الحديث لصبحي الصالح : ص 172 - 173 ، ولاحظ : منهج النقد : ص 251 .
3- . المحلّى : ج 3 ص 88 .
4- . المصدر السابق : ج8 ص 444 .
5- . السنن الكبرى : ج 4 ص 222 ؛ والجوهر النقي : ج 4 ص 223 .
6- . فهرس الفهارس : ص 1121 .
7- . لسان الميزان : ج 5 ص 127 رقم 428 .

مثل مالك ، لمجرّد التشخُّص من التجوّه المذموم قطعا .

وقد بُذِلتْ محاولات يائسة ، للخروج من الحكم على بلاغات مالك بالانقطاع ، أو الضعف :

منها : محاولة إيصال الأحاديث المرويّة بالبلاغ من طرق أُخرى ، فقد أجهد ابن عبد البرّ نفسه في التمهيد فوصل بلاغات مالك جميعا خلا أربعة

أحاديث لم يصل أسانيدها(1) ، لكنّ ابن الصلاح وصل الأربعة الباقية في جزء خاصّ(2) . وألّف العلاّمة المحدّث أحمد بن محمّد بن الصدّيق الغماري كتاب البيان والتفصيل لوصل ما في الموطّأ من البلاغات والمراسيل(3) .

أقول :

إنّ تبيّن اتّصال الأحاديث من طرق أُخرى إنّما يفيد اعتبار المتون ، ولا يدلّ على كون البلاغات نفسها متّصلةً ، والفرق بين الأمرين واضح ، فإنّ صحّة المتن لا يستلزم اتّصال البلاغ ، مضافا إلى أنّ نفس المحاولة دليل على « انقطاع البلاغ » ، فلو كان في نفسه متّصلاً ، لم يحتج إلى الطرق الأُخرى ، مضافا إلى أنّ تلك المحاولة إنّما تفيد من يحتاج إليها ، لكونه لا يقول بحجّية المرسَل والمنقطع ، كابن عبد البرّ ، وليس مفيدا حتّى لمالك

ص: 55


1- . الموطّأ المقدّمة : 1 / دال ، وممّا لم يوجد لها أصل ما ذكره ابن حجر في لسان الميزان : ج 3 ص 31 رقم 106 ترجمة سعيد المهري و ج 4 ص 336 رقم 953 ترجمة عمر بن نعيم .
2- . منهج النقد : ص 251 ؛ ولاحظ : الموطّأ : 1 / هاء ؛ وانظر : فهرس الفهارس : ص 523 ، وقد بالغ فيه حيث قال : « وتوهّم بعض العلماء أنّ قول الحافظ أبي عمر بن عبد البرّ يدلّ على عدم صحّتها ، وليس كذلك ! إذ الانفراد لا يقتضي عدم الصحّة ، لا سيّما من مثل مالك » ؟ !
3- . فتح الملك العلي المطبوع مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام إمام العارفين : ص 119 رقم 32 .

نفسه ، إذ هو يذهب إلى حجّيّة المرسَل(1) .

فالمحاولة لإثبات اتّصالها عند مالك يائسة ! وكذلك محاولة من قال : « إنّ بلاغات الثقات من أهل القرون الثلاثة مقبولة مطلقا ، كمالك وأبي حنيفة والشافعي ومحمّد بن الحسن وأبي يوسف ، وأمثالهم »(2) .

فمع كون الدعوى خارجة عن البحث ؛ لأنّ قبول الحديث وعدمه شيء ، وكونه منقطعا شيء آخر ، فهذه الدعوى تعود إلى قبول المنقطع ، ولا تثبت اتّصال البلاغ ، فهي دعوى باطلة ، لا يرتضيها من قيلت في حقّه ، فقد عرفنا أنّ الشافعي وهو ممّن ذُكر اسمه لم يقبل بعض البلاغات ، وحكم بعدم كونه موصولاً ، فهذا أشبه بتفسير الشيء بما لا يرضى به صاحبه .

ومنها : محاولة إخراج البلاغات من الحديث الضعيف وإدخالها في الحديث الصحيح ، كما قال الزرقاني في شرح الموطّأ : إنّ بلاغ مالك ليس من الضعيف ؛ لأنّه تُتُبِّعَ كلّه فوُجِدَ مسندا من غير طريقه(3) ، فهذا يشبه محاولة

إيصال البلاغات الّتي أجهد ابن عبد البرّ به نفسه ، وقد أجبنا عنه ، مع أنّ وجدان الطرق المسندة من غير طريق مالك ، لا تنفع في الحكم على طريقه ، فهب أنّ طرقا أُخرى مسندة صحيحة ، لكنّ مالكا كيف يتّكل على البلاغات أنفسها الّتي لم تصله إلاّ بالطرق الضعيفة ؟ !

وقد أوغل أخيرا الأُستاذ محمّد فؤاد عبد الباقي في التعصّب لمالك

ص: 56


1- . لاحظ : علوم الحديث لابن الصلاح : ص 55 .
2- . قواعد في علوم الحديث للتهانوي : ص 163 .
3- . المصدر السابق : 164 .

وبلاغاته فيما علّقه على قول مالك : « وقد بلغني أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أراد العكوف . . . » ، فقال : هو الحديث الّذي أسنده أوّلاً صحيحا . فمن هنا ونحوه يُعلَم أنّه لا يطلق « البلاغ » إلاّ على الصحيح ، ولذا قال الأئمّة : « بلاغات مالك صحيحة »(1) .

أقول :

أمّا هذا البلاغ فهو مرسَل مقطوع ، قطعا ؛ لأنّ بين مالك وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلموسائط ليست مذكورة في سند هذا البلاغ ، فهو ليس مسندا هنا ، حتّى لو قيل بكون البلاغات المعنعنة متّصلة .

وأمّا الحديث الأوّل المسنَد فهو ليس بلاغا ، وتطابُق البلاغ هنا مع المسند الأوّل في المعنى والمتن ، لا يدلّ بوجهٍ على اتّصال سند البلاغ الّذي جاء بلا طريق مسند إلى المتن ، مع أنّك قد عرفت أنّ صحّة المتن من طرق أُخرى لا تعني صحّة البلاغ المرسَل أو المنقطع أو المعضل ، ولا يصحّ تسميته « صحيحا » لذاته ، وقد عرفت أنّ وجود هذه البلاغات المرسَلة في الموطّأ هو الّذي سبّب الإعراض عن عدّ الموطّأ من الصحاح .

وأمّا ما نسبه إلى الأئمّة ، فقد عرفت أنّ منهم مَن حكم بإرسال بلاغات مالك ، أو انقطاعها ، بل إعضالها ، ومنهم الشافعيّ إمام المذهب ، وابن حزم ، فالنسبة المذكورة بلا ريب باطلة .

ومن الطريف أنّ ابن الصلاح قال في نهاية بحثه عن الحديث الضعيف

ص: 57


1- . الموطّأ : ج 1 ص 317 .

ما نصّه : إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسنادٍ فلا تقل فيه : « قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . . . » ، وإنّما تقول فيه : « رُوي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . . . » ، أو : « بلغنا عنه . . . » ، أو : « ورد عنه » ، أو : « جاء عنه . . . »(1) .

فليكن عمل مالك على هذا في بلاغاته . كما قد قيل : إنّه أخذها من ابن إدريس(2) الّذي لم يجر له ذِكر في أسانيد بلاغاته إطلاقا !

ص: 58


1- . علوم الحديث : ص 103 - 104 .
2- . تهذيب التهذيب : ج5 ص 145 .

الفصل الثاني

اشارة

تاريخ العنعنة

ص: 59

ص: 60

الملاحظ في كتب الحديث الأساسيّة ، وجود العنعنة في أسانيدها بشكل كثير ومطّرد ، ومع أسماء المعصومين : النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم والأئمّة الكرام عليهم السلام ، وحتّى مع أسماء الملائكة ، ومع اسم ربّ العزّة تبارك وتعالى . وأمّا مع أسماء الصحابة والتابعين في القرون الأُولى فكثير شائع .

وقد يعتقد أنّ استعمال ألفاظ الأداء الأُخرى ك « سمعتُ » و « حدّثنا » و « أخبرنا » وأمثالها ، توجد بِقِلّةٍ ملحوظة في تلك الطبقات ، بينما هي

مستعملةٌ في الطبقات اللاّحقة بكثرة ووفرة .

1 - الموارد عند القدماء :

ومهما يكن فإنّ التركيز على لفظة « عَن » في مقابل الألفاظ الأُخرى ، موجود في نصوص عريقة في القِدَم ، سواء في الأسانيد ، أم في المناقشات حولها بين المحدّثين أو الأُصوليّين ، إليك منها :

1 - قيل لحفص بن غياث بن طلق القاضي ( ت 194 ه ) الراوي المعروف : ما لكم حديثكم عن الأعمش ، إنّما هو « عن فلان ، عن فلان » ، ليس فيه « حدّثنا » ولا « سمعتُ » ؟ ! فقال : حدّثنا الأعمش ، قال : سمعت أبا

ص: 61

عمّار ، عن حذيفة يقول لنا : يكون أقوامٌ يقرأون القرآن يقيمونه إقامة القِدْح ، لا يَدَعون منه أَلِفا ، ولا واوا ، ولا يُجاوز إيمانُهم حناجرهم(1) .

وهذا النصّ يدلّ على أُمور :

أوّلاً : على التفات المعترضين إلى استعمال العنعنة ، ووضعهم لها في مقابل « حدّثنا » و « سمعت » وهي العناية بالألفاظ في مراحلها الأُولى ، هذا مع الإعراض عن معانيها ومداليلها ، وأنّ ذلك إنّما يكون من اهتمامات الّذين لهم العناية الفائقة بألفاظ الرواية من دون عناية بمعاني الحديث ودرايته وفهمه ، بل بمجرّد تشكيله الظاهريّ اللفظيّ ، وهي بدايات الظاهرية والحشوية الممقوتة .

ثانيا : على أنّ حفصا استنكر تلك العناية بشدّة ، حتّى طبّق عليهم حديث حذيفة الشديد اللهجة ، ممّا يدلّ على أنّ الالتزام بالألفاظ والتشديد عليها ومحاسبة الراوي من أجلها ، لم يكن أمرا مستقرّا حتّى ذلك العصر ، بالرغم من أنّ وضعها قد سبق تلك المرحلة ، كما أثبتنا ذلك في البحث عن الصيغ(2) .

2 - ولأبي عمرو الأوزاعي ( ت 157 ه ) رأي في استعمال « عَنْ » ، حيث سُئل عن « المناولة » والقول فيها ب « حدّثنا » أو « أخبرنا » ؟ فقال : إنْ كنتُ حدّثتُك فقل « حدّثنا » . قيل : فأقول : « أخبرنا » ؟ قال : لا . قيل : فكيف أقول ؟ قال : قل : « عن أبي عمرو » ، أو « قال أبو عمرو »(3) .

ص: 62


1- . تاريخ بغداد : ج 8 ص 199 ؛ وانظر : فتح المغيث : ج 2 ص 118 .
2- . لاحظ مجلّة علوم الحديث العدد الأوّل ، ص 93 .
3- . جامع بيان العلم : ج 2 ص 179 .

فالأوزاعي وهو من المتشدّدين في الالتزام بصيغ الأداء المعيّنة يؤكّد على استعمال « العنعنة » في طريقة « المناولة » ، وهي أن يعطي الشيخ لتلميذه كتابا معيّنا قد عرف صحّة نسبته وصحّة ضبطه ، وقد تُقْرَنُ بالإجازة ،

فتكون من أخصّ أنواع الإجازة وأقواها ، بل لم يعتبر بعض المحدّثين الإجازة إلاّ إذا كانت مقرونةً بالمناولة(1) .

إلاّ أنّ الأوزاعي ليس ممّن يُتّبع رأيُهُ في باب الحديث ؛ لكونه فقيها وليس محدّثا(2) .

3 - إنّ المفهوم من ترجمة البخاري ( ت 256 ه ) في كتابه الجامع ، في كتاب العلم الباب « قول المحدّث : حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وقال لنا » ، وإيراده تحته استعمال العلماء لمختلف ألفاظ الأداء ، وممّا جاء فيه :

قال أبو العالية عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم فيما يروي عن ربّه ، وقال

أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلميرويه عن ربّكم(3) .

فالمفهوم من صنيع البخاري بإيراده هذه الأمثلة هو التزامه بالأداء

بالعنعنة في جميع الطرق وعدم اختصاصها عنده بالإجازة ، بقرينة استعماله

لكلمة « عَنْ » مع اسم النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ومع اسم الربّ جلّ وعلا ، مع أنّ البخاري إنّما التزم في صدر الباب بالتسوية بين الألفاظ ، ممّا يدلّ على تسامحه في الأداء بها من دون تفرقة بين الطرق المختلفة . وقد نقل عن

ص: 63


1- . لاحظ قسم المناولة من « الطرق الثمان لتحمّل الحديث وأدائه » .
2- . لاحظ : تنوير الحوالك : ج 1 ص 3 ؛ ومختصر تاريخ دمشق : ج 14 ص 32 .
3- . صحيح البخاري : ج 1 ص 32 باب 4 من كتاب العلم .

ابن عيينة أنّه كان « حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعتُ » عنده واحدا(1) ، وإن كان البخاري قد اشترط في استعمال « عن » العلم باللقاء وعدم التدليس ، كما مرّ .

4 - وأمّا مسلم بن الحجّاج القشيري ( ت 261 ه ) فقد بحث مفصّلاً عن « الحديث المعنعن » ودافع عن الاحتجاج به بقوّة ، وردّ على المتشدّدين المانعين عن العمل به إلاّ بشروط ، واعتبرهم أُناسا « سيّئي الرويّة » وجعل قولهم « مخترَعا مستحدَثا غير مسبوق ، ولا مساعدا عليه »(2) .

وقد ذكروا أنّ المشترِط المتشدِّد الّذي عناه مسلم ، وردّ عليه ، هو البخاري وعليّ بن المديني ، وقد نقل الصنعاني إجماع الناظرين على أنّ مسلما أراد البخاري بذلك(3) . وصرّح الذهبي بذلك فقال : إنّ مسلما لحدّةٍ في خُلُقه ، انحرف أيضا عن البخاريّ ، ولم يذكر له حديثا ، ولا سمّاه في صحيحه ، بل افتتح الكتاب بالحطّ على من اشترط اللُقيَ لمن روى عنه بصيغة « عن » ، وادّعى الإجماعَ في أنّ المعاصرة كافية ، ولا يتوقّف في ذلك على العلم بالتقائهما ، ووبّخ مَن اشترط ذلك ، وإنّما يقول ذلك أبو عبد اللّه البخاري وشيخه عليُّ بن المديني(4) .

ص: 64


1- . المصدر السابق : ج 1 ص 23 .
2- . صحيح مسلم : ج 1 ص 23 وقد سبق نصّ كلامه .
3- . توضيح الأفكار : ج 1 ص 44 .
4- . سير أعلام النبلاء : ج 12 ص 573 .

2 - وعند المتأخّرين :

وقد مضى المحدّثون على هذه السيرة ، باستعمال « العنعنة » من دون تحرُّج ، ومن دون التخصيص بطريقة معيّنة من طرق التحمّل مساوية لبقيّة الألفاظ ، لأدائها نفس الهدف لغةً واصطلاحا مع الاختصار الملحوظ ، حتّى أحدث المتأخّرون وهم مَنْ بعد الخمسمئة التفريقَ بينها ، فالتُزِم لكلّ واحدٍ من الطُرق بلفظٍ أو أكثر محدّد من ألفاظ الأداء ، لأداء أدوار معيّنة وبأغراض خاصّة ، منها رعاية الحديث بمزيد من الدقّة والضبط والمحافظة ، ومعرفة أحوال الرواة مع المراقبة الأتمّ ، خصوصا بعد الكشف عن عنصر الوضع والدسّ والتزوير ، بعد أن كثرت طرق الأحاديث واختلطت واختلفت .

ولقد بقيت الحاجةُ إلي ألفاظ الأداء ماسّةً ، لأداء الأغراض الثانية الّتي وُضعت لأجلها(1) ، إلاّ أنّ الحاجة الأساسية والغرض الأوّل من الألفاظ وهو التوصّل إلى المراد من المتون ، وفقه الحديث ، والاستناد إليه للعمل وتحديد الأحكام ، كان هو الأهمّ دائما ، فلذا لجأوا إلى اختزال طرق الإسناد ، بالاختصارات لألفاظ الأداء تارةً ، وبالتعليق للأسانيد على غيرها أُخرى ، وباستعمال « العنعنة » بدل الألفاظ الصريحة ، ثالثةً .

ومن أجل هذا اكتفوا بالعنعنة ، كما هي سيرة القدماء ، ولم يتقيّدوا باصطلاح متأخّر محدَث ، بل كما قال أحمد بن حنبل : إذا قلتُ « عن » فقد خلّصتُه وخلّصتُ نفسي(2) . فقد جعلها أحوط .

ص: 65


1- . ولقد تحدّثنا عن كلّ ذلك في بحثنا المشار إليه « صيغ التحمّل والأداء » فلاحظ .
2- . طبقات الحنابلة : ج 1 ص 203 وقد نقلناه .

فلنستعرض التراث الإسلاميّ ، لنقف على هذه الحقيقة :

3 - تراثنا الحديثي ودور العنعنة فيه :

فإنّ ما بأيدينا من التراث الحديثيّ الضخم نتّخذه محورا للعمل ، ومجالاً للبحث عن تاريخ العنعنة ، فلنحاول متابعة عيّنات من هذا التراث حَسَبَ تسلسلها التاريخيّ :

1 - الجعفريّات :

وهو مجموع من « ألف حديثٍ » بسندٍ واحد ، وأحاديثه مسندة بطريق أهل البيت عليهم السلام(1) . سُمّي بذلك لكونه من رواية الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، وعُرف بعنوان « كتابٌ لأهل البيت عليهم السلام » ؛ لكونه بسندهم أبٍ عن جدّ حتّى

يُرفع إلي جدّهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .

واشتهر باسم « الأشعثيات » ؛ باعتبار تمحور روايته عن المحدّث محمّد بن محمّد بن الأشعث المصري أبي علي الكوفي ، الّذي رواه سنة 313 و 314 ، ورواه عنه مجموعة من الرواة ، منهم : أبو محمّد ، سهل بن أحمد بن سهل الديباجي ، وهارون بن موسى التلّعُكبري البغدادي ، وعبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان أبو محمّد بن السقّاء ، وهو راوي النسخة المتداولة منه ، وعبد اللّه بن أحمد بن عديّ ، وأبو الحسن عليّ بن جعفر بن حمّاد بن رزين الصيّاد ، بالبحرين(2) .

ص: 66


1- . عدا بعض الأحاديث ، وسنذكر مواضعها .
2- . لاحظ : بحار الأنوار : ج 107 ص 132 في الإجازة الكبيرة لبني زهرة الّتي أصدرها لهم العلاّمة الحلّي ؛ ولاحظ : نوابغ الرواة من طبقات أعلام الشيعة : ص 137 و 152 و 157 و 176 و 328 وترجمة ابن الأشعث في ص 302 .

وابن الأشعث روى الكتاب عن : موسى بن إسماعيل بن الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليهماالسلام . ولابن الأشعث متابع وهو في ما رواه الصدوق القمّي بسنده عن محمّد بن يحيى الخزّاز ، قال : حدّثني موسى بن إسماعيل . وموسى هذا يروي عن أبيه إسماعيل ، عن أبيه الإمام موسى الكاظم عليه السلام عن أبيه الإمام جعفر الصادق عليه السلام(1) .

وعُنِيَ الخاصّة برواية هذا الكتاب ، وتداولوا نسخه ، وجاء ذِكره في الفهارس والمشيخات والإجازات ، وسمّاه كثير منهم ب « الجعفريات » كما مرّ . وبهذا الاسم أيضا عُرف عند الطائفة الإسماعيلية ، كما رأيت في بعض مؤلّفات القاضي النعمان المصري صاحب دعائم الإسلام . كما أسند العامّة في مؤلّفاتهم إلى بعض أحاديثه(2) ، وسُمّي عندهم باسم « كتابٌ لأهل البيت » .

تبدأ النسخة المطبوعة بالسند التالي :

أخبرنا القاضي أمين القضاء أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن محمّد « قراءةً

ص: 67


1- . جاء السند عن غير أهل البيت عليهم السلام في ص 101 - 102 ، و ص 116 من المطبوعة ، حديث المفقود ، و ص 146 باب حدّ اللوطيّ أحاديث عديدة ، و ص 206 باب نقل الموتى عن مصارعهم ، عدّة أحاديث ، و ص 211 و 213 - 214 ، فلاحظ .
2- . لاحظ : الجامع لأخلاق الراوي : ج 1 ص 320 ح 391 و ج 2 ص 394 ؛ وأدب الإملاء للسمعاني : ص 41 - 42 ؛ والطبّ النبويّ : ص 363 ؛ والفقيه والمتفقّه للخطيب : ج 2 ص 194 ؛ ونقل عن الدار قطني باسم « العلويّات » في سؤالات السهمي للدار قطني : ص 52 ، وقال ابن حجر : وقفتُ على بعض الكتاب المذكور وسمّاه « السنن » ورتّبه على الأبواب ، وكلّه بسندٍ واحد ، وأورد الدار قطني في « غرائب مالك » من روايته [يعني ابن الأشعث] حديثا ، وقال : كان ضعيفا ، ونقل عدّة من رواياته . لسان الميزان : ج 5 ص 362 .

عليه ، وأنا حاضرٌ أسمع » ، قيل له : حدّثكم والدكم أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد ، والشيخ أبو نعيم محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن خلف الحجازي ، قالا : أخبرنا الشيخ أبو الحسن ، أحمد بن المظفّر العطّار ، قال : أخبرنا أبو

محمّد ، عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان المعروف بابن السقّاء ، قال : أخبرنا أبو عليّ ، محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي ، من كتابه سنة أربع عشرة وثلاثمئة ، قال : حدّثني أبو الحسن ، موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : قال رسول

اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « الماءُ يُطَهِّرُ ولا يُطهَّر »(1) .

واختصر هذا السند فيما تلاه من الكتب الفقهية المتتالية ، في أبوابها المختلفة المعنونة في الكتب ، ففي أوّل باب بعنوان « باب طهارة الماء الجاري » جاء السند هكذا : أخبرنا محمّد ، قال : حدّثني موسى : حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه السلام . وأضاف في بعض المواضع

في بداية هذا السند : « أخبرنا عبد اللّه »(2) وهو ابن السقّاء الّذي روى في البداية عن « محمّد » وهو ابن الأشعث . وفي باب « السُنّة في حلق الشعر يوم السابع للمولود » ذكر السند السابق ، ثمّ أتبعه بقوله : « وبإسناده عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه . . . » إلى آخره(3) .

ص: 68


1- . الجعفريات المطبوع مع قرب الإسناد : ص 11 .
2- . لاحظ : ص 66 من الجعفريات بداية باب « الرجل يموت ولم يحجّ... » .
3- . الجعفريات : ص 156 و 229 .

وعندما يروي فى بعض المواضع النادرة عن غير أهل البيت ، لا يستعمل معهم العنعنة غالبا ، بل يستعمل ألفاظ الأداء الأُخرى(1) ، وقد روى الخطيب البغدادي واحدا من أحاديث الكتاب بالسند التالي : أنا عبيد اللّه بن أبي الفتح ، أنا سهل بن أحمد الديباجي ، نا محمّد بن محمّد ابن الأشعث الكوفي

بمصر ، نا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد ، نا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليٍّ ، قال : . . .(2) .

وقد ورد هذا الحديث بعينه في الجعفريّات بقوله : وبإسناده عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلامقال : « ليس من أخلاق المؤمن التملُّق ، ولا الحسد ، إلاّ في طلب العلم »(3) .

والإسناد السابق عليه هو : أخبرنا عبد اللّه ، قال : أخبرنا محمّد ، قال : حدّثنا موسى ، حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد . . .

فيلاحظ : اقتصار ما في كتابنا على كلمة « بإسناده » بدلاً عن قطعة من السند ، واختصار الخطيب ألفاظ الأداء ، واكتفاؤه ب « أنا » الّتي هي عبارة عن

« أخبرنا » و « نا » الّتي هي اختصار « حدّثنا »(4) . كما يلاحظ في جميع ما ورد في الكتاب وما نقل عنه استعمال العنعنة مع أسماء الأئمّة عليهم السلام ،

ص: 69


1- . لاحظ الجعفريات : ص 211 .
2- . الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع : ج1 ص 320 ح 391 .
3- . الجعفريات : ص 235 باب « البرّ وسخاء النفس وطيب الكلام والصبر على الأذى » من كتاب جاء في أوّله : « كتاب غير مترجم » .
4- . لاحظ : اختصارات ألفاظ الأداء في بحث « صيغ التحمّل والأداء » : ص 166 .

واستعمال الألفاظ صريحها أو مختصرها مع أسماء المتأخّرين عنهم ، سوى بعض الموارد ، حيث جاء فيها : « عن جعفر ، قال : أخبرني أبي ، قال : »(1) .

ومورد آخر : « عن عليّ عليه السلام ، خُبِّرنا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم »(2) .

واتّفاق ما نقله الخطيب مع ما في النسخة المتداولة في هذه الجهة دليل على ثبوت ذلك في أصل الكتاب . ثمّ إنّ الصدوق قد أسند إلى موسى بن إسماعيل بن الكاظم عليه السلام ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر عليه السلام . وسند الصدوق هو : الحسن بن عبد اللّه العسكري ، ثنا محمّد بن أحمد بن حمدان القشيري ، ثنا أحمد بن عيسى الكلابي ، ثنا موسى ، عن إسماعيل . . .(3) .

وقد ورد كثير من أحاديث هذا الكتاب « الجعفريات » برواية سهلٍ عند المحدّث الأقدم الإمام جعفر بن أحمد القمّي الرازي في كتابه القيّم جامع الأحاديث بصورة العنعنة(4) ، وبطريق محمّد بن عبد اللّه (5) وبطريق هارون بن موسى(6) .

2 - مسند الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام :

هو كتاب رواه أبو عمران ، موسى بن إبراهيم المروزي البغدادي ، يحتوي على مجموعة أحاديث مرفوعة مسندة ، سمعها الراوي من الإمام عليه السلام عندما

ص: 70


1- . الجعفريات : ص 113 .
2- . المصدر السابق : ص 63 كتاب المناسك ، باب التلبية .
3- . الموسوعة الرجالية للبروجردي : ج5 ص 374 .
4- . المصدر السابق : ص 78 .
5- . المصدر السابق : ص 79 و 99 و 104 .
6- . المصدر السابق : ص 78 .

كان الإمام عليه السلامفي السجن في بغداد . وتوجد نسخة منه(1) تحتوي على 59 حديثا ، تبدأ بالسند التالي :

حدّثكم أبو عبد اللّه محمّد بن خلف بن إبراهيم بن عبد السلام المروزي ، قال : أنا موسى بن إبراهيم المروزي ، قال : أنا موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين

بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : قال : حدّثنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم(2) .

ولكنّ السندَ قد ورد مختصرا فيما تلا الحديث الأوّل من الروايات ، هكذا : « حدثنا محمّد بن خلف ، نا موسى بن إبراهيم ، نا موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . . . » . ويلاحظ أنّ العنعنة بدأت مع أسماء الأئمّة عليهم السلام !

وكذلك روى الخطيب البغدادي بعض روايات المروزي موسى بن إبراهيم عن الإمام الكاظم عليه السلام ، وجاء اللفظ عنده هكذا :

حدّثنا محمّد بن خلف بن عبد السلام المروزي ، حدّثنا موسى بن إبراهيم المروزي ، حدّثنا موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « مَنْ قال حين يسمع المؤذّن يؤذّنُ : مَرْحبا بالقائلين

ص: 71


1- . وقد عثر عليه لأوّل مرّة أخي العلاّمة السيّد محمّد حسين الحسيني الجلالي ، ونسخته الفريدة محفوظة في المكتبة الظاهرية برقم 34 ، وطبعه في النجف ، وطهران ، وأمريكا ، وبيروت ، وقد سطا عليه بعض أدعياء العلم وتحقيق التراث ، من دون خبرة ولا سابقة عمل فيه ! وطُبع في مؤسّسة الوفاء ، في بيروت ، عام 1401 ه ! !
2- . مسند الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، الحديث الأوّل .

عدلاً . . . الحديث(1) . وكذلك روى ابن حجر العسقلاني منه حديثا ، والسند فيه مثل ما أورده الخطيب(2) .

أمّا المحدّثون الشيعة فقد نقلوا أحاديث هذا المسنَد ، كالمحدّث الأقدم الحافظ الشيخ جعفر بن أحمد القمّي ، المعروف بابن الرازي ، فقد أورد مجموعة كبيرة من رواياته في كتابه جامع الأحاديث ، والسند إليه :

حدّثنا عبد العزيز بن محمّد ، قال : حدّثني عبد العزيز بن يونس الموصلي ، عن إبراهيم بن الحسين ، عن محمّد بن خلف ، عن موسى بن إبراهيم ، عن الكاظم ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : . . .(3) .

وأيضا بهذا السند : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن الأزهر ، عن محمّد بن خلف ، عن موسى بن إبراهيم ، عن موسى

بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : . . .(4) . وبأسانيد أُخرى(5) .

فنجد في هذه النقول : سريان « العنعنة » إلى الجامع للمسند موسى المروزي ، بل إلى راويه محمّد بن خلف أحيانا ، وحتّى مَنْ بعده ! وحذف بعض العنعنات المتوسّطة في بعض النقول ، والاكتفاء بلفظ « عن آبائه » ، وكلّ ذلك دليلٌ على تصرّف الرواة في الألفاظ ، حَسَبَ القناعة فيما لا يضرّ

ص: 72


1- . تاريخ بغداد : ج13 ص 38 .
2- . لسان الميزان : ج5 ص 157 .
3- . جامع الأحاديث : ص 165 .
4- . المصدر السابق : ص 69 و 127 .
5- . المصدر السابق : ص 71 و 98 و 116 .

مثل ذلك التصرّف . وجواز ذلك واضحٌ ، خصوصا مع الاحتفاظ بأصل الكتاب المرويّ ، كما في المسند الّذي نبحث عنه ، ومثله سائر الكتب والأُصول والمؤلّفات .

واعلم أنّ النسخة المحفوظة ، والّتي طُبعت باسم « مسند الإمام موسى بن جعفر عليه السلام » إنّما تحتوي على بعض ما كان يحتوي أصلُها ، بقرينة وجود روايات كثيرة بنفس السند في التراث عند الخاصّة والعامّة ، وقد استدرك محقّق الكتاب السيّد الجلالي ، بعض ذلك في المطبوعة ، وأشرت أنا في بحث « المصطلح الرجالي : أسند عنه »(1) إلى مجموعة أُخرى ، كما أنّ التتبّع الجادّ سيوقفنا على مجموعة أكبر .

3 - مسائل عليّ بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم عليه السلام :

هو من الكتب المعروفة لدى الطائفة الشيعيّة الكريمة ، وهو معتمدٌ عليه عندهم ، حكموا بصحّته ، وطرُقُ مشايخهم إليه كثيرة جدّا(2) ، وقد رواه من أصحاب الفهارس الشيخ النجاشيّ بقوله : أخبرنا القاضي أبو عبد اللّه ، قال :

حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، قال : حدّثنا جعفر بن عبد اللّه المحمّدي ، قال : حدّثنا عليّ بن أسباط بن سالم ، قال : حدّثنا عليّ بن جعفر بن محمّد ،

ص: 73


1- . المصطلح الرجالي أسند عنه : ص 130 .
2- . لاحظ ما كتبناه عن المؤلّف والكتاب والطرق إليه في رسالتنا « أبو الحسن العريضي ، ترجمة حياته ونشاطه العلمي » وهي مطبوعة في مقدّمة كتابه مسائل عليّ بن جعفر الّذي أصدره المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام في مدينة مشهد المقدّسة سنة 1409 ه ، بتحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلاملإحياء التراث / قم .

قال : سألت أبا الحسن موسى .

وقال النجاشي أيضا : وأخبرنا أبو عبد اللّه بن شاذان ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن جعفر ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن الحسن بن عليّ بن جعفر ، قال : حدّثنا عليّ بن جعفر(1) .

وقد روى الحميري وهو عبد اللّه بن جعفر ، المذكور في السند الثاني هذا الكتاب بكامله في كتابه العظيم قرب الإسناد ، وسنده إليه هكذا : حدّثنا عبد اللّه بن الحسن العلويّ ، عن جدّه عليّ بن جعفر(2) .

كما إنّ المحدّثين قاطبة نقلوا ما يهمّهم من هذا الكتاب ، فهذا المحدّث الحافظ الإمام الكليني روى في كتاب الحجّ من الكافي العظيم ، حديثا من المسائل ، بهذا السند : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن العَمْرَكي ،

عن عليّ بن جعفر . . .(3) .

والصدوق أيضا يروي بهذا السند : أبي ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن العَمْرَكي(4) .

وروى الكليني أيضا ، بسند النجاشي الأوّل ، إلى عليّ بن أسباط إلى آخر السند ، لكن لا بالألفاظ ، بل بالعنعنة ، فقال : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن جعفر ، عن أبي إبراهيم عليه السلام(5) .

ص: 74


1- . رجال النجاشي : ص 252 رقم 962 .
2- . قرب الإسناد : ص 176 .
3- . الكافي : ج4 ص 367 ح 10 ، وقد أشكل في سنده بوجود « أحمد بن محمّد » فلاحظ ؛ منتقى الجمان : ج3 ص 193 فلاحظ السند التالي الّذي نقله الصدوق .
4- . علل الشرائع : ص 445 باب 195 .
5- . الكافي : ج5 ص 135 ح 2 ؛ وانظر : ج7 ص 226 ح 32 ، وأبو إبراهيم هو الإمام الكاظم عليه السلام .

وكذلك ذكر الشيخ الطوسيّ ، فقال : سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن جعفر ، قال : أخبرني أخي موسى عليه السلام ، قال : . . .(1) .

وبالعنعنة جاء السند إلى عليّ بن جعفر في مشيخة الصدوق(2) وفهرست الطوسي(3) .

أمّا سندُ المطبوعة فهو كما جاء في بدايتها : « حدّثنا أبو جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني من كتابه في جمادى الآخرة ، سنة إحدى وثمانين ومئتين ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن عمربن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، عن عليّ بن جعفر بن محمّد ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام »(4) .

فالملاحظ وجود الألفاظ في بعض طرق الكتاب ، ومع هذا فإنّ الطرق الأُخرى تختلف بين ما وردت فيها الألفاظ في جميع الطبقات أو بعضها ، وبين ما اقتصر فيه على العنعنة . أمّا المصادر المتأخّرة الناقلة ، فقد اقتصرت

على العنعنة غالبا .

وقد اشترك العامّة في مثل هذا التصرّف ، وإليك مثالاً من رواياتهم عن عليّ بن جعفر ممّا وقع فيه ذلك :

قالوا : حدّثنا نصر بن عليّ ، أخبرنا عليّ

بن جعفر بن محمّد ، حدّثنا أخي ،

ص: 75


1- . تهذيب الأحكام : ج10 ص 84 ح 331 .
2- . المشيخة : ص 4 .
3- . الفهرست : ص 87 رقم 367 .
4- . مسائل عليّ بن جعفر : ص 103 ؛ ولاحظ : أبو الحسن العريضي : ص 78 - 79 حيث نقلنا مثل هذا السند عن نسخة بحار الأنوار : ج10 ص 249 .

موسى بن جعفر ، حدّثني أبي ، جعفر ، حدّثني أبي ، محمّد ، حدّثني أبي ، عليّ بن الحسين ، حدّثني أبي ، الحسين بن عليّ ، حدّثني أبي ، عليّ بن أبي طالب ، قال : أخذ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم بيد الحسن والحسين فقال : « مَنْ أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمّهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة »(1) .

ولكن رواه الترمذي ( ت 297 ه ) في سننه المعروف بالجامع الصحيح ، قال : حدّثنا نصر بن عليّ الجهضمي ، حدّثنا عليّ بن جعفر بن محمّد بن عليّ ، أخبرني أخي موسى بن جعفر بن محمّد ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه عليّ بن أبي طالب(2) .

وهكذا رواه الدولابي معنعنا(3) .

ورواه الشيخ الصدوق بلفظ : . . . حدّثنا نصر بن عليّ الجهضمي ، قال : حدّثنا عليّ بن جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أخي موسى بن جعفر ، عن

أبيه ، عن جدّه عليّ بن أبي طالب . . .(4) .

أمّا ابن قولويه ( ت 367 ه ) فقد رواه بعنعنةٍ أكثر واختصار في السند ، فقال : حدّثنا نصر بن عليّ ، قال : حدّثنا عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر ، قال : أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بيد . . .(5) .

ص: 76


1- . مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي : ص 37 رقم 417 .
2- . الجامع الصحيح : ج5 ص 641 رقم 2733 .
3- . الذرّيّة الطاهرة : ص 167 رقم 225 .
4- . أمالي الصدوق : ص 190 رقم 11 .
5- . كامل الزيارات : ص 53 الباب 14 ح 13 .

إنّ اعتماد الألفاظ للأداء تارةً ، وفي بيان الطرق والأسانيد وكتب الفهارس والمشيخات المعتمدة لهذا الغرض ، وتركها في المجامع الحديثية الموضوعة لذِكر المتون ، والاكتفاء في أسانيدها بالعنعنة ، يدلّ هذا التصرّف من هؤلاء الأعلام ، على أنّ العنعنة عندهم بديلٌ عن الألفاظ ، وأنّها تعبير وافٍ بقوّة عمّا تؤدّيه سائرُ ألفاظ الأداء ، بلا ريب .

4 - صحيفة الإمام الرضا عليه السلام :

من مسانيد أهل البيت عليهم السلام المشهورة ، والّتي رواها الخاصّة والعامّة بأسانيد متضافرة وفيرة كثيرة جدّا ، وقع في طريقها المئات من أعلام المسلمين من الفريقين(1) . والسند إلى الكتاب في النسخة المطبوعة هو :

أخبرنا أبو بكر ، محمّد

بن عبد اللّه بن محمّد ، حَفَدَة العبّاس بن حمزة النيسابوريّ ، سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة ، قال : حدّثنا أبو القاسم ، عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي ، بالبصرة ، قال : حدّثني أبي ، سنة ستّين ومئتين ، قال : . . .

ومن هذا يبدأ السند بسلسلة الذَهَب ، المحتوي على أسماء الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وهو :

حدّثني عليّ بن موسى الرضا عليه السلام سنة أربع وتسعين ومئة ، قال : حدّثني أبي ، موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي ، جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي ،

ص: 77


1- . لاحظ الأسانيد والرواة لهذه الصحيفة في مختلف الطبقات وعلى مرّ العصور حتّى عصرنا هذا ، في مقدّمة طبعة مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام في قمّ سنة 1408 ه ، وقد استدركنا عليه بطرقٍ مهمّة وأسانيد كثيرة .

محمّد بن عليّ ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن الحسين ، قال : حدّثني أبي ، الحسين بن عليّ ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « يقول اللّه عزّ وجلّ : لا إله إلاّ اللّه حصني ، فمن دخل حصني أمِنَ مِنْ عذابي »(1) .

وعن هذا الكتاب وهذا السند ، قال موفّق الدين بن قدامة المقدسي ( ت620 ه ) بعد ذِكر الأئمّة عليهم السلام ، الباقر إلى الرضا عليهماالسلام ما نصّه : كلّهم أئمّة

مرضيّون ، وفضائلهم كثيرة مشهورة ، وفي بعض رواياتهم عن آبائهم نسخة يرويها عليّ بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر ، عن أبيه

محمّد بن عليّ ، عن الحسين بن عليّ ، عن أبيه ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم .

قال بعض أهل العلم : « لو قرئ هذا الإسناد على مجنونٍ لبرئ »(2) .

أقول :

نُسب هذا القول إلى أحمد بن حنبل(3) ، ونُسب إليه قوله لأبي الصلت الهروي أحد رواة الصحيفة : « يا أبا الصلت ، لو قرئ هذا الإسناد على المجانين لأفاقوا »(4) ، ونُسب إلى أبي الصلت قوله : هذا سعوط المجانين ! هذا عطر الرجال ذوي الألباب(5) .

ص: 78


1- . صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : ص 78 - 79 رقم 1 .
2- . التبيين في أنساب القرشيّين : ص 133 ؛ ولاحظ : تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي .
3- . لاحظ : الصواعق المحرقة : ص 122 ؛ ونور الأبصار : ص 143 .
4- . أمالي الشيخ المفيد : 275 ؛ وأمالي الشيخ الطوسي : 25 ؛ ونُسب الكلام إلى أبي الصلت نفسه في سنن ابن ماجة : ج1 ص 26 ح 25 ؛ وإلى بعض السلف في حلية الأولياء لأبي نُعيم : ج3 ص 192 .
5- . أمالي الطوسي : ص 449 .

وقد روى الحديث السيّد الشجريّ في أماليه ، فقال : وبه قال : أخبرنا أبو يعلى ، الخليل بن عبد اللّه بن أحمد ، الحافظ ، إملاءً من حفظه ، ولفظه ، قال : حدّثنا أبو الحسن ، أحمد بن محمّد بن عمر الزاهد ، ومحمّد بن عبد اللّه بن محمّد الحافظ ، جميعا ، بنيسابور ، قالا : حدّثنا أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري الحافظ ، قال : حدّثني الحسن بن عليّ بن محمّد ، إمام عصره عند الإمامية ، بمكّة ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن محمّد ، المفتي ، قال : حدّثني أبي ، محمّد بن عليّ ، السيّد المحجوب ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن موسى ، الرضا(1) ، قال : حدّثني أبي ، جعفر بن محمّد ، الصادق ، قال : حدّثني أبي ، محمّد بن عليّ ، الباقر ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن الحسين ، زين العابدين ، قال : حدّثني أبي ، الحسين بن عليّ ، سيّد الشهداء ، قال : حدّثني أبي ،

عليّ بن أبي طالب ، سيّد الأوصياء عليهم السلام ، قال : حدّثني محمّد صلى الله عليه و آله وسلم ، قال : « حدّثني جبرئيل ، سيّد الملائكة عليهم السلام عن اللّه ربّ الأرباب تعالى ، قال : إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ، فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمِنَ مِن عذابي »(2) .

وقد روى الصدوق هذا الحديث في العيون عن عبد السلام أبي الصلت الهروي ، وبلفظ « حدّثني » إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : سمعتُ النبيّ صلّى اللّه عليه يقول : سمعتُ جبرئيل يقول : قال اللّه جلّ جلاله : . . . الحديث(3) .

ص: 79


1- . في المصدر : « الرضى » وهذا إملاء علماء اليمن ، يكتبون الكلمة بألف مقصورة .
2- . الأمالي الخميسية : ج1 ص 41 ؛ ولاحظ : عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص 135 ح 3 ؛ ورواه الحموي في فرائد السمطين : ج2 ص 189 ح 466 .
3- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص 134 ح 1 ب 37 .

ورواه ثالثا ، بلفظ حديث البلاذري السابق .

ورواه رابعا ، بسنده عن إسحاق بن راهوَيْه ، قال : لمّا وافى أبو الحسن الرضا عليه السلامنيسابور ، وأراد أن يخرجَ منها إلى المأمون ، اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له : يابن رسول اللّه ، ترحَلُ عنّا ولا تحدّثنا بحديثٍ فنستفيده منك ؟ ! وكان قد قَعَدَ في العمارية ، فأطلعَ رأسه ، وقال : سمعتُ أبي ، موسى بن جعفر يقول : سمعتُ أبي ، جعفر بن محمّد يقول : سمعتُ أبي ،

محمّد بن عليّ يقول : سمعتُ أبي ، عليّ بن الحسين يقول : سمعتُ أبي ،

الحسين بن عليّ يقول : سمعتُ أبي ، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول : سمعتُ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم يقول : [ سمعتُ جبرئيل يقول : (1)] . سمعتُ اللّه عزّ وجلّ ، يقول : . . .(2) .

وروى مثله نسقا : الطبريّ الإماميّ(3) .

وبسند الصحيفة ، نقل الخطيب البغدادي بعض أحاديث الصحيفة ، مع لفظ الأداء « حدّثني » في جميع الوسائط(4) .

ومع اتّفاق الناقلين لهذا الحديث على إيراده بألفاظ الأداء « حدّثني » أو « سمعتُ » في طول السند ، إلاّ أنّ المنقول عن الحاكم النيسابوري في تاريخ نيسابور أنّه رواه بالعنعنة ، وأنّ الإمام الرضا عليه السلام قال : حدّثني أبي موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمّد الباقر ، عن أبيه

ص: 80


1- . ما بين المعقوفتين ليس في رواية الصدوق .
2- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص 135 ح 4 .
3- . بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : ص 269 .
4- . الفقيه والمتفقّه : ج2 ص 32 و 155 ، وهذا المورد الثاني هو الحديث السابع من أحاديث الصحيفة .

زين العابدين ، عن أبيه شهيد كربلاء ، عن أبيه عليّ المرتضى ، قال : حدّثني حبيبي وقرّة عيني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمقال : حدّثني جبرئيل عليه السلام ، قال : حدّثني ربّ

العزّة سبحانه وتعالى ، قال : « لا إله إلاّ اللّه حصني . . . » الحديث(1) .

ثمّ إنّ الموجود في الصحيفة بعد الحديث الأوّل هو قوله : « وبإسناده » ، وأورد باقي أحاديث الصحيفة وهي 204 حديثا مكتفيا في أدائها بهذا اللفظ ، وهذا يدلّ على أنّ جميع أسانيد الصحيفة واردة بهذا السند المحتوي على ألفاظ الأداء « حدّثني » أو « سمعتُ » .

إلاّ أنّ المؤلّفين الّذين نقلوا كثيرا من أحاديث الصحيفة في كتبهم أبدلوا ألفاظ الأداء ب « العنعنة » .

فالحديث الثالث في الصحيفة : وهو : « الإيمان إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وعمل بالأركان » ورد كذلك بالألفاظ فيها(2) وفي غيرها(3) ، إلاّ أنّ الصدوق أورده بالعنعنة(4) .

والحديث الثالث والعشرون : ومتنه : « إنّ اللّه تعالى لَيغضب لغضب فاطمة ، ويرضى لرضاها » .

رواه الطبري الإماميّ بسند الصحيفة ، وبلفظ « حدّثني »(5) ، وكذلك

ص: 81


1- . نقله الرافعي في التدوين في تاريخ قزوين : ج2 ص 214 ترجمة أحمد بن عليّ بن عبد الرحيم الرازي .
2- . صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : ص 81 ح 3 .
3- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص 226 228 ح 1 و 2 و 3 و 6 .
4- . المصدر السابق : ج2 ص 226 - 228 ح 1 و 2 و 3 و 6 ؛ ولاحظ : أمالي الطوسي : ص 148 - 149 ح 1001 - 1004 .
5- . بشارة المصطفى : ص 208 بداية الجزء السابع .

الحموي الشافعيّ(1) ، والخوارزميّ الحنفيّ(2) ، بينما رواه أبو حمزة الثُماليّ عن الإمام الباقر عليه السلاممعنعنا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم(3) .

والحديث 114 من الصحيفة : رواه الشهيد الأوّل بسند الغازيّ ، عن الإمام الرضا عليه السلاممعنعنا عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم(4) ، ومثله ابن زهرة الحلبي في أربعينه ، مقتصرا على قوله : « عن الرضا ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم »(5) .

وهكذا يتبيّن أنّ العدول من ألفاظ الأداء إلى العنعنة ، كان أمرا متعارفا ، وأنّ الأمر لا يتفاوت من هذه الناحية ، فالعنعنة تؤدّي وظيفة الألفاظ الأُخرى ، سواء .

5 - الأُصول الأربعمئة :

هي الصحف ، والأجزاء ، والرسائل ، والكتب الّتي ألّفها المحدِّثون القدماء من رواة عصر الحضور ، فجمعوا فيها « النصوص المأثورة عن المعصومين عليهم السلام » فحسب ، كلٌّ كما بلغه كمّا وكيفا ، وقد اعتَمَدَتْها الطائفة بعد التحرير والتمييز والتحديد ، مصادر حديثيّة موثوقة للمعرفة الدينية في مجالات العقيدة والأخلاق والشريعة ، وسمّوها : « الأُصول الأربعمئة » .

وعَدَدُها كما يبدو من العنوان أربعمئة مؤلَّف لأربعمئة مؤلِّف(6) . وقد

ص: 82


1- . فرائد السمطين : ج2 ص 46 ح 378 .
2- . مقتل الحسين عليه السلام : ج1 ص 51 - 52 .
3- . أمالي المفيد : ص 94 - 95 رقم 4 .
4- . الأربعون حديثا للشهيد الأوّل : ص 19 .
5- . المصدر السابق في حقوق الإخوان : ص 40 .
6- . اقرأ بحثا مستوعبا عن « الأُصول الأربعمئة » كتبه العلاّمة المحقّق السيّد محمّد حسين الحسيني الجلالي ، وقد طبع أوّلاً في دائرة المعارف الشيعية ، للسيّد حسن الأمين ، الجزء الخامس من الطبعة الأُولى ، وطبع ثانيا مستقلاًّ في طهران .

أصبحت هي الأساس لمؤلّفي الجوامع والكتب المتأخّرة ، والّتي بنيت على التصنيف العلمي للأحاديث وترتيبها حسب الكتب والأبواب ، وبالخصوص الكتب الأربعة الّتي هي أُمّهات كتب الحديث عند الشيعة الإماميّة ، كما سيأتي الحديث عنها .

وقد استُغني على أثر ذلك الدرج عن أعيان هذه الأُصول ، فتُركتْ وقلّت العناية بها ، أو هي أُتلِفتْ على أثر الطغيان والتعدّي المستمرّ على التراث الإسلامي بالإماثة والإحراق والدفن ! ! فلم يبق لأكثرها عينٌ ، سوى القلّة .

وقد طبع المحقّق الورع الشيخ حسن المصطفوي مجموعة منها باسم « الأُصول الستّة عشر » في طهران عام 1371 ، وعليها اعتمدنا في هذه الدراسة .

فالصفة العامّة في أسانيد هذه الأُصول أنّها مؤدّاة بالعنعنة ، وهذا هو دليلٌ واضح على شيوع استعمال العنعنة عند القدماء ، وعدم التحسُّس منها ، أو تخصيصها بموارد وقيود خاصّة ، ومع ذلك فقد وقفنا خلالها على موارد جاءت فيها ألفاظ الأداء الأُخرى بدلاً عن العنعنة ، نذكر منها :

1 - ففي « أصل زيد النرسي » نجد :

زيد ، قال : سمعت أبا عبد اللّه يقول(1) .

زيد : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام(2) .

ص: 83


1- . الأُصول الستّة عشر : ص 53 و 55 و 58 .
2- . المصدر السابق : ص 55 و 57 .

و : زيد ، قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يحدّث عن آبائه(1) ، أو : يقول(2) ، أو : يحدّث عن أبيه(3) .

لكنّه يقول أيضا كثيرا : زيد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(4) .

و : زيد ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام(5) .

وكذلك يستعمل الأُسلوبين مع الرواة ، ففيه :

زيد ، قال : حدّثني عليّ بن مزيد بيّاع السابري ، قال : رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام(6) .

وقال : سمعتُ عليّ بن مزيد ، قال : سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام يقول(7) .

وفيه : زيد ، عن علي بن مزيد صاحب السابري(8) .

وفيه : زيد ، قال : حدّثني عُبيد بن زرارة ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول(9) .

بينما روى نفس هذا الحديث الحسينُ بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير ،عن زيد النرسي ، عن عُبيد بن زُرارة ، قال : سمعتُ أبا عبد اللّه عليه السلام(10) .

ص: 84


1- . المصدر السابق : ص 46 .
2- . المصدر السابق : ص 50 و 53 و 55 .
3- . المصدر السابق : ص 55 .
4- . المصدر السابق : ص 45 و 49 و 50 و 51 و 56 .
5- . المصدر السابق : ص 52 و 54 و 56 .
6- . المصدر السابق : ص 48 .
7- . المصدر السابق : ص 49 .
8- . المصدر السابق : ص 48 و 55 .
9- . المصدر السابق : ص 47 .
10- . الزهد للأهوازي : ص 90 ح 242 .

بل في كتاب زيد نفسه في موضعٍ آخر : زيد ، عن عُبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(1) .

6 - كتب أُخرى :

ومن تلك الأُصول والكتب القديمة ما احتفظَ بنماذجه الفقيهُ الشيخ ابن إدريس العجلي الحلّي ( ت 598 ه ) في آخر كتابه العظيم السرائر الحاوي

للفتاوي باسم المستطرفات(2) ، وهي تمثّل نماذج رائعة من تراثنا الحديثي الغالي ، عندما كان منثورا في الأجزاء .

منها نوادر البزنطي ، وهو أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، أبو جعفر ، صاحب الإمام الرضا والإمام الجواد عليهماالسلام ، وكان عظيم المنزلة عندهما ، مات

عام 231 ه . وقد جاء في كتابه :

قال أحمد : حدّثني عبد الكريم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال(3) .

وقال أحمد : وحدّثني به عبد الكريم ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام .

وجاء فيه(4) أيضا : وعنه ، عن عبد الكريم ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام(5) .

ص: 85


1- . الأُصول الستّة عشر : ص 52 .
2- . طُبعت المستطرفات مع كتاب السرائر في آخره في جميع طبعاته ، وطبعت مستقلّة مع التخريج في مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام ، في قم ، وعلى هذه اعتمدنا في عملنا .
3- . مستطرفات السرائر : ص 25 ح 1 .
4- . المصدر السابق : ص 25 ح 3 .
5- . المصدر السابق : ص 27 ح 9 .

وعنه ، عن عبد الكريم ، عن محمّد بن ميسّر(1) .

بل وردت الرواية مبدوءةً باسم « عبد الكريم » بلا لفظٍ(2) .

ويلاحظ أنّ الراوي العظيم أبان بن تَغْلِب بن رباح ، أبا سعيد الجريري البكري ، اللغوي المقرئ ، وهو من أصحاب الأئمّة السجّاد والباقر والصادق عليهم السلام ، الثقة الفقيه الجليل ، الّذي قال له الباقر عليه السلام : « اجلس في مسجد المدينة وأفْتِ الناس ، فإنّي أُحبُّ أنْ يُرى في شيعتي مثلك »(3) ، هو ممّن أبدى المحافظة على ذِكر « ألفاظ الأداء وصيغه » ، من قبيل : « حدّثني وحدّثنا ، وأخبرني وأخبرنا » ، كما يبدو من أوائل ما رواه في المتبقّى من كتابه الّذي هو « أصل » من الأُصول الأربعمئة(4) .

ومن هنا يُمكن أنْ نقدّر أنّ الأُصول وهي أوثق ما أُثر من التراث الحديثي قد بُنيت على التسوية بين « العنعنة » والألفاظ الأُخرى .

7 - الكتب الأربعة :

هي الجوامع الحديثية الكبرى ، الخالدة من بين العشرات من أخواتها ، والسرّ في خلودها : اعتماد الطائفة بالإجماع على مؤلّفيها أوّلاً ، وعلى أعمالهم العظيمة هذه من حيث التصنيف والتبويب والجمع والاستيعاب ثانيا . فقد بذلوا عناية فائقة في جمع ما حوته « الأُصول الأربعمئة » جمعاء من

ص: 86


1- . المصدر السابق : ص 27 ح 10 .
2- . المصدر السابق : ص 31 ح 29 .
3- . الفهرست للطوسي : ص 40 رقم 51 .
4- . مستطرفات السرائر : ص 39 - 42 .

الروايات والأحاديث المرتبطة بمجالات العقائد والأخلاق والشريعة ، ممّا وقع الاتّفاق عليه بين الطائفة الحقّة ، والتزموا بالإجماع العملي بها ، فلم يُعْهَد شيءٌ عنهم ، إلاّ أودعوه في هذه الكتب الأربعة الشريفة .

وقد أبدعوا تفنّنا وفقها وعلما في تصنيف تلك الروايات على ترتيب الكتب ، ثمّ على الأبواب الّتي حافظوا عليها كما هي في الأُصول ، فصانوها من الضياع والتشتّت والتفرّق ، كما راقبوا في نقلها كلّ أدوات الحيطة والضبط والإتقان ، وأثبتوا كلّ ما له دخلٌ في المعنى من الاختلافات حسبما تلقّوه من المشايخ ، بالطرق الأمينة للرواية والنقل .

وبذلك عملوا هذه الكتب الأربعة الّتي أصبحت بحقّ مراجع أمينةً للمعرفة الإسلامية بكلّ فروعها ، كما سهّلوا على المراجعين أمر العثور على مقاصدهم في مظانّها ، ووفّروا الوقت على الطالبين لحديثٍ منها .

وقبل أن ندخل في البحث الّذي نتابعه في هذه الكتب ، لا بُدّ من حديثٍ موجز عن هذه الكتب العظيمة ومؤلّفيها العظماء :

فأوّلها تأليفا ومقاما هو كتاب الكافي الشريف ، للإمام أبي جعفر ، محمّد بن يعقوب الكليني الرازي البغدادي ( ت 329 ه ) . وهو من أجلّ كتب الإسلام ، وقد اعتمد عليه العلماء كافّةً ، فقهاء وغيرهم ، منذ تأليفه ، وتداولوه بالرواية والضبط والحفظ والصيانة ، والدرس والبحث والعناية ، فهو من أضبط ما في الإسلام من الكتب المصنّفة والجوامع الحديثيّة المؤلّفة ، الجامعة لنصوص الحديث الشريف .

ثمّ كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه لشيخ المحدّثين الإمام الشيخ أبي جعفر ،

ص: 87

محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشهير بالصدوق ( ت381 ه ) . وهو يُعَدّ ثانيا بالنسبة إلى الكافي في القِدَم والأهمّيّة ، ومميّزا بما التزم فيه مؤلّفه العظيم من المنهج المبتكَر ، وما بذل فيه من جهدٍ عظيم في الضبط والتقويم ، والتصنيف والتبويب .

ثمّ كتاب تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة الإمام الشيخ أبي جعفر ، محمّد بن الحسن بن عليّ ، الطوسي البغدادي ( ت 460 ه ) . الّذي خصّصه لجمع أحاديث أحكام الشريعة المقدّسة ، وجدّ في ضبط الأسانيد والمتون ، والجمع بين المختلفات وتنقيح الدلالات ، بما لم يُسبق إليه ، وقد تميّز مع ذلك باحتوائه على جميع ما احتمل أن يكون دخيلاً في الحكم ممّا قد تجاوزه السابقون لاعتبارات شتّى ، من قبيل الإعراض عنه أو عدم وضوح معناه أو مخالفته للأصحّ ، فحاول إثبات ذلك كلّه ، وحاول الجمع بين ما ظاهره المخالفة ، مهما أمكن .

وهو أعظم كتب الإماميّة في مجال أحاديث الأحكام ، وآخر الأُصول الأربعة تأليفا وجمعا . وقد جمع محاولاته العظيمة في باب الجمع بين الأخبار في كتابٍ مستقلٍّ باسم الاستبصارلِما اختلف من الأخبار ، استخرجه من كتابه الكبير تهذيب الأحكام ، وأضاف عليه فوائد قيّمة ممّا جعله رابعا للكتب الحديثيّة الأُصول .

وأمّا أصحاب هذه الكتب ، فقد كانوا في القمّة الرفيعة في المعرفة بالحديث الشريف وعلومه ، وإليك طرفا من التعريف بهم :

أمّا الشيخ الكلينيّ الرازيّ البغداديّ :

ص: 88

فقد قال فيه النجاشيّ : شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكلينيّ ويُسمّى الكافي في عشرين سنة(1) .

وقال الشيخ الطوسيّ : يُكنّى أبا جعفر الأعور ، جليل القدر ، عالم بالأخبار ، له مصنّفات يشتمل عليها الكتاب المعروف بالكافي ، مات سنة تسع وعشرين وثلاثمئة في شعبان ، ببغداد(2) .

وقال الطوسي أيضا : الكليني ، يكنّى أبا جعفر ، ثقة ، عارف بالأخبار ، له كتب ، منها كتاب الكافي يشتمل على ثلاثين كتابا(3) .

وقال السيّد بحر العلوم : ثقة الإسلام ، وشيخ مشايخ الأعلام ، ومروّج المذهب في غَيبة الإمام عليه السلام ، ذكره أصحابنا . . . واتّفقوا على فضله وعظم منزلته(4) .

وقال الشيخ المفيد عن كتاب الكافي : هو من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة(5) .

وقال السيّد محمّد صادق بحر العلوم : هو أصحّ الكتب الأربعة المعتمد عليها في الأحكام الفقهية عند الشيعة ، وضبطت أخباره في 16199 حديثا(6) .

ص: 89


1- . رجال النجاشي : ص 377 رقم 1026 .
2- . رجال الطوسي : ص 495 496 رقم 27 .
3- . الفهرست للطوسي : ص 161 رقم 603 .
4- . رجال السيّد بحر العلوم : ج3 ص 325 .
5- . راجع : الشيخ الكليني للسيّد العميدي : ص 154 .
6- . انظر : هامش الفهرست للطوسي : ص 161 .

وقال السيّد الداماد : إنّ كتاب الكافي لشيخ الدين وأمين الإسلام ، نبِيْهِ الفِرقة ، ووجيه الطائفة ، رئيس المحدّثين ، حجّة الفقه والعلم والحقّ واليقين(1) .

وقال الدكتور حسين علي محفوظ : قد اتّفق أهل الإمامة من جمهور الشيعة على تفضيل هذا الكتاب ، والأخذ به والثقة بخبره ، والاكتفاء بأحكامه ، وهم مجمِعون على الإقرار بارتفاع درجته وعلوّ قدره ، على أنّه القطب الّذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان إلى اليوم ، وعدّوه « أجمل وأفضل »(2) من سائر أُصول الحديث ، وقد ظلّ حجّة المتفقّهين عصورا طويلةً ، ولا يزال موصول الإسناد والرواية ، مع تغيّر الزمان وتبدّل الدهور(3) .

وأمّا الشيخ الصَدُوق القمّي الرازيّ :

قال النجاشي : أبو جعفر القمّيّ ، نزيل الريّ ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان(4) .

وقال الشيخ الطوسي : جليل القدر ، حَفَظة ، بصير بالفقه والأخبار والرجال .

وقال الطوسي(5) أيضا : جليل القدر ، يكنّى أبا جعفر ، كان جليلاً حافظا

ص: 90


1- . الرواشح السماوية : ص 4 .
2- . هذه الكلمة نقلها الدكتور عن ابن طاووس ؛ لاحظ : كشف المحجّة : ص 159 .
3- . جاءت كلمة الدكتور محفوظ هذه في مقدّمته القيّمة لكتاب الكافي الأُصول : ج1 ص 26 .
4- . رجال النجاشي : ص 389 رقم 1049 .
5- . الرجال للطوسي : ص 439 رقم 6275 .

للأحاديث ، بصيرا بالرجال ، ناقدا للأخبار ، لم يُرَ في القمّيّين مثله في حفظه وكثرة علمه(1) .

وقال المحقّق التستري : الصدوق ، رئيس المحدّثين ، ومحيي معالم الدين ، الحاوي لمجامع الفضائل والمكارم . . . الشيخ الحفظة ، ووجه الطائفة المستحفظة ، عماد الدين ، أبو جعفر(2) .

وقال السيّد بحر العلوم : أبو جعفر ، شيخ من مشايخ الشيعة ، وركنٌ من أركان الشريعة ، رئيس المحدّثين ، والصدوق في ما يرويه عن الصادقين عليهم السلام(3) .

أجمع الأصحاب على نقل أقواله ، واعتبار مذاهبه في الإجماع والنزاع ، وقبول قوله في التوثيق والتعديل ، والتعويل على كتبه خصوصا كتاب من لا يحضره الفقيه ، فإنّه أحد الكتب الأربعة الّتي هي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رائعة النهار ، وأحاديثه معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقُّفٍ من أحد .

ومن الأصحاب مَنْ يذهب إلى ترجيح أحاديث الفقيه على غيره من الكتب الأربعة ؛ نظرا إلى زيادة حفظ الصدوق وحسن ضبطه وتثبُّته في الرواية ، وتأخّر كتابه عن الكافي ، وضمانه فيه صحّة ما يورده ، وأنّه لم يقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما يرووه ، وإنّما يورد فيه ما يُفتي به

ص: 91


1- . الفهرست للطوسي : ص 184 رقم 709 .
2- . مقابس الأنوار : ص 7 .
3- . رجال السيّد بحر العلوم : ج3 ص 292 .

ويحكم بصحّته ، ويعتقدُ أنّه حجّة بينه وبين ربّه(1) .

وأمّا الشيخ أبو جعفر الطوسيّ :

قال النجاشي : أبو جعفر ، جليل في أصحابنا ، ثقةٌ ، عين(2) .

وقال السيّد بحر العلوم : شيخ الطائفة المحقّة ، ورافع أعلام الشريعة الحقّة ، إمام الفرقة بعد الأئمّة المعصومين ، وعماد الشيعة الإمامية في كلّ ما يتعلّق بالمذهب والدين ، محقّق الأُصول والفروع ، ومهذّب فنون المعقول والمسموع ، شيخ الطائفة على الإطلاق ، ورئيسها الّذي تُلوى له الأعناق ، صنّف في جميع علوم الإسلام ، وكان القدوة في كلّ ذلك والإمام(3) .

وقال السيّد أيضا : وأمّا الحديث ، فإليه تشدّ الرحال ، وبه يبلغ رجاله غاية الآمال ، وله من الكتب الأربعة الّتي هي أعظم كتب الحديث منزلةً ، وأكثرها منفعةً كتاب التهذيب وكتاب الاستبصار ، ولهما المزيّة الظاهرة

باستقصاء ما يتعلّق بالفروع من الأخبار ، خصوصا التهذيب ، فإنّه كافٍ للفقيه

فيما يبتغيه ، من روايات الأحكام ، مغنيا عمّا سواه في الغالب ، ولا يُغني عنه غيره في هذا المرام ، مضافا إلى ما اشتمل عليه الكتابان من الفقه والاستدلال ، والتنبيه على الأُصول والرجال ، والتوفيق بين الأخبار ، والجمع بينها بشاهد النقل والاعتبار(4) .

ص: 92


1- . المصدر السابق : ج3 ص 299 - 300 .
2- . رجال النجاشي : ص 403 رقم 1068 .
3- . رجال السيّد بحر العلوم : ج3 ص 228 .
4- . المصدر السابق : ج3 ص 229 .

منهاج المشايخ الثلاثة في كتبهم الأربعة في مجال الألفاظ :

أمّا الشيخ الكليني : فقد استخدم ألفاظ التحمّل والأداء ، كقوله : « حدّثني » و « حدّثنا » و « أخبرني » و « أخبرنا » في بداية الكتب الّتي عنون لها في الكافي .

ففي أوّل حديث من كتاب العقل والجهل وهو أوّل كتبه قال : أخبرنا أبو جعفر محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني عدّة من أصحابنا . . .(1) .

وفي كتاب التوحيد في أوّل باب منه ، وأوّل حديث من الباب ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم . . .(2) .

وفي أوّل حديث من أوّل باب من كتاب الحُجّة : قال أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني مصنّف هذا الكتاب ؛ : حدّثنا عليّ بن إبراهيم(3) .

وفي بداية كتاب الطهارة ، في أوّل باب منه : قال أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني : حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم(4) .

وفي بداية كتاب الصلاة ، في أوّل باب منه : قال محمّد بن يعقوب الكليني مصنّف هذا الكتاب : حدّثني محمّد بن يحيى(5) .

وهكذا يصنع في بدايات كتب أُخرى(6) ، وهذا يدلّ على تنبّه الكليني رحمه الله

ص: 93


1- . الكافي الأُصول : ج1 ص 10 ح 1 .
2- . المصدر السابق : ج1 ص 72 ح 1 .
3- . المصدر السابق : ج1 ص 168 ح 1 .
4- . المصدر السابق الفروع : ج3 ص 1 ح 1 .
5- . المصدر السابق : ص 264 ح 1 .
6- . لاحظ : الشيخ الكليني البغدادي للسيّد العميدي : ص 191 - 192 .

إلى هذه الألفاظ ودلالتها واختلاف مواردها ، حيث استعملها باختلافها . ولكنّه مع ذلك استعمل « العنعنة » في غير هذه البدايات ومن دون استثناء ، مع أنّ العنعنة موجودة في مصادر الكليني الّتي استقى منها علمه وحديثه .

مثلاً : روى الكليني حديثا بهذه الألفاظ : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعبد اللّه بن الصلت ، جميعا عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز بن عبد اللّه ، عن زرارة . . .(1) ، والحديث مذكور بعين السند ، نقله البرقي في المحاسن عن أبيه ، عن أبي طالب عبد اللّه بن الصلت ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز

بن عبد اللّه ، عن زرارة(2) . هكذا معنعنا .

لكنّ الكليني روى حديثا بسنده المعنعن إلى إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن محمّد بن مروان ، عن أبان بن عثمان(3) ، ورواه البرقي : عن أبيه ، عن أبي إسحاق الثقفي وهو إبراهيم بن محمّد قال : حدّثنا محمّد بن مروان ، عن أبان(4) .

وروى الكليني : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقري(5) ، وروى الصدوق ذاك الحديث : عن أبيه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا القاسم بن محمّد(6) . فالقاسم بن محمّد نقل الحديث إلى

ص: 94


1- . الكافي الأُصول : ج2 ص 18 ح 5 باب دعائم الإسلام من كتاب الإيمان والكفر .
2- . المحاسن : ص 286 ح 430 ، باب الشرائع ، كتاب مصابيح الظلم .
3- . الكافي الأُصول : ج2 ص 17 ح 1 باب الشرائع ، كتاب الإيمان والكفر .
4- . المحاسن : ص 287 ح 431 ، باب الشرائع ، كتاب مصابيح الظلم .
5- . علل الشرائع : ص 523 ح 1 .
6- . علل الشرائع : ص 523 ح 1 .

إبراهيم بن هاشم بالعنعنة ، ونقله إلى سعد بن عبد اللّه باللفظ .

وروى الكليني بسنده المعنعن إلى عليّ بن مرداس ، عن صفوان بن يحيى ، والحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم(1) ، ورواه الصدوق بسنده

بالألفاظ قال : حدّثنا القاسم بن هشام اللؤلؤي ، قال : حدّثنا الحسن بن محبوب(2) .

إلى غير ذلك من الموارد الّتي استعمل فيها الكليني العنعنة بينما وردت الرواية بعينها بالألفاظ ، فإذا جمعنا بين هذه الحقائق : نعلم أنّ الكليني إنّما قصد اعتماد العنعنة في الأسانيد ، مشيا على القاعدة المتّبعة الّتي سنكشف عنها .

وأمّا الصدوق :

فالمقارنة بين أعماله الحديثيّة متيسّرة ، لوجود جملة من مؤلّفاته بحمد اللّه ، فنراه يعتمد العنعنة بكثرة في كتابه الكبير ، الّذي هو من الأُصول

الأربعة ، أعني كتاب من لا يحضرهُ الفقيه ، ونجده يورد نفس الأحاديث

بالألفاظ في سائر كتبه . وإليك مقارنة سريعة بين أعماله :

فهو في الفقيه اعتمد العنعنة مطلقا ، مع أنّه اقتصر من الأسانيد على أسماء أصحاب الكتب والمؤلّفات ، أو الرواة الناقلين مباشرة عن المعصومين عليهم السلام ، لكنّه أورد الأسانيد إليهم في مكانٍ واحدٍ في آخر الكتاب ، وهي « المشيخة » الّتي خصّصها لذِكر أسانيده إلى أصحاب الكتب والمؤلّفات الّتي

ص: 95


1- . الكافي الفروع : ج4 ص 8 ح 2 .
2- . إكمال الدين : ص 645 ح 7 .

نقل عنها ، أو الرواة الّذين روى عنهم ، وبذلك لا تكون أحاديثه في متن الكتاب مرسَلة مطلقا ، بل هي مسندةٌ ، للعلم بأسانيدها المودعة في المشيخة أو الفهارس الأُخرى الّتي أعدّها الصدوق .

ولابُدّ أنْ نضيف على هذا : أنّ للصدوق أسانيد إلى جميع ما أورده في الفقيه ، وإن لم يذكرها في المشيخة ، فإنّ طرقه في كتبه إلى الرواة والمؤلّفين هي بعينها الطرق إلى ما أورده في الفقيه .

وللصدوق في المشيخة أساليب عديدة في إيراد الألفاظ أو الاعتماد على العنعنة ، فقد يورد في البداية قوله : « رويته » عند ذِكر شيخه الأوّل ، ويأتي بالعنعنة في آخر السند ، لكنّه في الوسط يأتي بالألفاظ ، وهذا أكثر ما يستعمله ، فقد قال : ما كان فيما كتبه الرضا عليه السلام إلى محمّد بن سنان من جواب مسائله في العلل ، فقد رويته عن عليّ بن أحمد

بن موسى الدقّاق ، ومحمّد بن أحمد السناني ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب ، رضي اللّه عنهم ، قالوا : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الربيع الصحّاف ، عن محمّد بن سنان ، عن الرضا عليه السلام(1) .

وقال : ما كان فيه عن أسماء بنت عُميس في خبر « ردّ الشمس على أمير المؤمنين عليه السلام في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم » ، فقد رويته عن أحمد بن الحسين القطّان ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمّد بن صالح ، قال : حدّثنا عمرو

بن

ص: 96


1- . المشيخة : ص 16 .

خالد المخزومي ، قال : حدّثنا أبو نباتة ، عن محمّد بن موسى ، عن عمارة بن مهاجر ، عن أُمّ جعفر وأُمّ محمّد ابنتَي محمّد بن جعفر ، عن أسماء

بنت عُميس وهي جدّتهما .

ورويته عن أحمد بن محمّد بن إسحاق ، قال : حدّثني الحسين بن موسى النحّاس ، قال : حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن موسى ، عن إبراهيم بن الحسن ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أسماء بنت عُميس .

قال الصدوق : وما كان فيه عن جويرية بن مسهر في « ردّ الشمس على أمير المؤمنين عليه السلامبعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم » ، فقد رويته عن أبي ، ومحمّد بن الحسن رضي اللّه عنهما ، قالا : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن . . .(1) ثمّ عنعن .

وقال الصدوق : وما كان فيه عن أبي سعيد الخُدْري في « وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لعليٍّ عليه السلام » الّتي أوّلها : « يا عليّ ! إذا دخلت العروس بيتك » ، فقد رويتُه عن محمّد بن إبراهيم أبي إسحاق الطالقاني رضى الله عنه ، عن أبي سعيد الحسن

بن عليّ العدويّ ، عن يوسف بن يحيى الأصبهاني أبي يعقوب ، عن أبي عليّ إسماعيل بن حاتم ، قال : حدّثنا أبو جعفر أحمد بن زكريّا بن سعيد المكّي ،

قال : حدّثنا عمر بن حفص ، عن إسحاق بن نجيح ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن أبي سعيد الخدري(2) .

قال الصدوق : وما كان فيه عن حمّاد بن عمرو ، وأنس بن محمّد ، من « وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلملأمير المؤمنين عليه السلام » ، فقد رويته عن محمّد بن عليّ الشاه ،

ص: 97


1- . المصدر السابق : ص 28 - 29 .
2- . المصدر السابق : ص 113 .

بمرو الروذ ، قال : حدّثنا أبو حامد أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسين ، قال : حدّثنا أبو يزيد أحمد بن خالد الخالدي ، قال : حدّثنا محمّد

بن أحمد بن صالح التميمي ، قال : حدّثنا أبي أحمد بن صالح التميمي ، قال : حدّثنا محمّد بن حاتم القطّان ، عن حمّاد بن عمرو ، عن جعفر

بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن أبي طالب .

ثمّ رواه بالسند نفسه إلى أحمد بن صالح التميمي ، قال : حدّثنا أنس بن محمّد أبو مالك ، عن أبيه ، عن جعفر . . .(1) .

وقال الصدوق : وما كان فيه عن إسماعيل بن الفضل مِن ذِكر « الحقوق » عن عليّ بن الحسين سيّد العابدين عليه السلام ، فقد رويته عن عليّ

بن أحمد بن موسى رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن أحمد ، قال : حدّثنا

إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام(2) .

وهكذا في أكثر الطرق . لكنّه في بعض الموارد يبدأ بالألفاظ ، مثل قوله : حدّثنا محمّد بن الحسن(3) ، وفي آخر : حدّثني به محمّد بن موسى المتوكّل(4) .

وأمّا في سائر كتبه ومؤلّفاته :

فقد التزم بالألفاظ في بدايات السند غالبا ، وبالعنعنة في أواخرها ، شأنه

ص: 98


1- . المصدر السابق : ص 125 .
2- . المصدر السابق : ص 134 .
3- . المصدر السابق : ص 86 .
4- . المصدر السابق : ص 124 .

في ذلك شأن المحدّثين القدماء من الفريقين الخاصّة والعامّة ، كما ستعرف . فهو في أوّل حديث من أماليه ، يقول : حدّثنا يحيى بن زيد بن العبّاس بن الوليد بالكوفة ، قال : حدّثني عمّي علي بن العبّاس ، قال : حدّثنا إبراهيم

بن بشر بن خالد العبدي ، قال : حدّثنا عمرو بن خالد ، [ ثنا (1)] أبو حمزة الثمالي ،

عن عليّ بن الحسين عليه السلام(2) .

ويقول الصدوق في أوّل حديث من كتاب الخصال : حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد

بن سعيد بن يحيى البزوري ، قال : حدّثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي ، قال : حدّثنا أبي ، عن المعافى بن عمران(3) ، ثمّ عنعن .

وربّما يجيء بالألفاظ في أغلب السند ، كما في قوله : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثنا جعفر بن سلمة ، قال : حدّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي ، قال : حدّثنا عبيد اللّه بن موسى العبسي ، قال : حدّثنا مهلهل العبدي ، قال : حدّثنا كُدَيرة بن صالح الهجري ، عن أبي ذرّ جندب بن جنادة ، قال : سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . . .(4) .

بل قد يأتي بالألفاظ في جميع السند ، مثل قوله : حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغدادي ، قال : حدّثني أبو محمّد الحسن بن عبد اللّه بن محمّد

بن

ص: 99


1- . كذا في ترتيب أسانيد كتاب الأمالي ، للسيّد البرّوجردي ؛ الموسوعة الرجاليّة : ج5 ص 466 ؛ ولاحظ الأمالي المطبوعة .
2- . أمالي الصدوق : ص 12 .
3- . الخصال : ص 2 ح 1 .
4- . الأمالي للصدوق : ص 107 ح 80 ، ح 3 من المجلس 12 .

عليّ بن العبّاس الرازي ، قال : حدّثني أبي ، عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن العبّاس بن هارون التميمي ، قال : حدّثني سيّدي عليّ بن موسى الرضا عليه السلام ، قال : حدّثني أبي ، موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي ، جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي ، محمّد بن عليّ ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن الحسين ، قال : حدّثني أبي ، الحسين بن عليّ ، قال : حدّثني أخي ، الحسن بن عليّ ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : قال لي النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « أنتَ خير البشر ، ولا يشكّ فيك إلاّ كافر »(1) .

ومثله قوله : أخبرني أبو الحسن طاهر بن محمّد بن يونس ، قال : حدّثنا محمّد بن عثمان الهروي ، قال : حدّثنا أحمد بن نجدة ، قال : حدّثنا أبو بشر ختن المقرئ ، قال : حدّثنا معمّر بن سليمان ، قال : إنّي سمعت أنس

بن مالك ، يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم(2) .

وفي أسانيد كتابه الأمالي : ثنا سعد بن عبد اللّه ، ثنا عبد الصمد بن محمّد ، ثنا حنان بن سدير ، ثنا سديف المكّي ، ثني محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام(3) . وفي نفس الوقت نجد في أماليه أحاديث رواها بالألفاظ تارةً وبالعنعنة أُخرى : ففي أسانيده : أحمد بن محمّد السناني المكتّب ، ثنا محمّد بن أبي عبد اللّه

الكوفي ، ثنا سهل بن زياد الآدمي ، ثنا عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني ، عن

ص: 100


1- . أمالي الصدوق : ص 136 ح 134 ؛ وهو في عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص 59 ح 225 .
2- . الخصال للصدوق : ص 29 ح 103 .
3- . ترتيب أسانيد الأمالي للبروجردي الموسوعة الرجالية : ج5 ص 359 ؛ وانظر : الأمالي : ص 412 ح 535 .

الإمام عليّ بن محمّد عليه السلام(1) . بينما فيها أيضا بنفس السند إلى عبد العظيم الحسني ، ثنا عليّ بن محمّد عليه السلام(2) .

وأيضا : أحمد بن هارون الفامي ، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري ، ثنا أبي ، ثنا هارون بن مسلم ، ثنا مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام .

و . . . ثنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زياد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(3) .

ثمّ نجد ما رواه الصدوق في الفقيه ، بإسناده عن معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه السلامهكذا معنعنا(4) .

ورواه الكليني هكذا : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، وصفوان ، عن معاوية بن عمّار(5) . بينما رواه الصدوق في معاني الأخبار باللفظ ، قال : أبي رحمه الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أيّوب بن نوح ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عمير ، وصفوان جميعا ، رفعاه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام(6) .

وقول الصدوق « رَفعاه » بمعنى « أسنداه » بواسطةٍ معلومة وهي معاوية بن عمّار ، بقرينة الكافي و الفقيه .

ص: 101


1- . المصدر السابق : ج5 ص 356 .
2- . المصدر السابق : ج5 ص 356 .
3- . المصدر السابق : ج5 ص 365 .
4- . كتاب من لا يحضره الفقيه : ج2 ص 304 .
5- . الكافي : ج4 ص 369 .
6- . معاني الأخبار : ص 222 باب معنى المحصور والمصدود .

ومن مجموع تصرّفات الصدوق في كتبه ، نعلم أنّه قصد إلى إيراد العنعنة ، توصّلاً إلى الهدف الّذي سنُعلن عنه .

وأمّا الشيخ الطوسي :

فقد اعتمد على العنعنة في كتابه الكبير تهذيب الأحكام ثالث الكتب الأربعة ، وكذلك الاستبصار رابعها ، بصورة مطلقةٍ تقريبا ، فلم نجد فيها « ألفاظ الأداء » إلاّ نادرا ، مثل ما رواه بقوله : عليّ بن الحكم ، عن سليم الفرّاء ، عن الحسن بن مسلم ، قال : حدّثتني عمّتي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(1) .

وهذا الحكم يشمل جميع ما في الكتاب بما في ذلك المشيخة ، عدا ما ذكره فيها بلفظ « فقد أخبرني » أو « فقد رويته عن » ، وهو المذكور في بدايات السند إلى كلّ راوٍ وإلى ما له من المصنّفات المعتمدة في الكتاب . لكنّ الشيخ قد أكّد على وحدة عمله مع ما أثبته في كتابه العظيم الفهرست ، فقال في نهاية المشيخة ما نصّه : قد وردتْ جملة من الطرق إلى هذه المصنّفات والأُصول ، ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ رحمهم الله ، مَنْ أراده أخذه من هناك إنْ شاء اللّه ، وقد ذكرنا نحن مستوفىً في كتاب فهرست الشيعة(2) .

وهذا النصّ يدلّ بوضوح على اتّحاد الطرق المذكورة في كتب الشيخ

في الحديث مع المذكورة في الفهرست له ، بل مع ما ذكره المشايخ الآخرون في فهارسهم أيضا ، فيما لو اجتمعتْ الطرق ، وهذا يعني اتّحاد

ص: 102


1- . لاحظ : الموسوعة الرجالية للبروجردي : ج2 ص 28 في ترتيب أسانيد التهذيب ، ومثله في الاستبصار .
2- . تهذيب الأحكام : ج10 ص 88 نهاية المشيخة .

جميع الطرق في الخصوصيّات الحاوية عليها ، ومن ذلك شكل أدائها بالألفاظ أو بالعنعنة .

وعلى هذا الأساس قُمنا بالمقارنة بين الطرق عند المؤلّفين المتعدّدين إذا كانت إلى حديث واحد ، مع اتّحاد الطريق أو بعضه ، واستشهدنا بذلك في هذه الدراسة .

وأمّا عمل الشيخ في الفهرست فقد تنوّع :

فاستعمل العنعنة كثيرا في غير مشايخه المباشرين الّذين استخدم معهم الألفاظ ، مثل « أخبرنا » غالبا . واستعمل الألفاظ أحيانا في جميع السند أو أكثره ، مثل قوله في ترجمة ( إسماعيل بن مهران السكوني ) : وكتاب ثواب القرآن : أخبرنا به الحسين بن عبيد اللّه ، قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن سفيان ، قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ، عن سلمة بن الخطّاب ، عنه .

وكتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام وكتاب النوادر : أخبرنا بهما أحمد بن عبدوس ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن الزبير ، قال : حدّثنا عليّ

بن الحسن بن فضّال ، عنه .

وكتاب العلل : أخبرنا به عدّة من أصحابنا ، عن أبي محمّد هارون بن موسى ، قال : حدّثنا عليّ بن يعقوب الكسائي ، قال : حدّثنا عليّ

بن الحسن بن فضّال ، عنه(1) .

وقال في ترجمة ( إسماعيل المخزومي أبي محمّد ) : أخبرنا أحمد بن عبدوس ، قال : حدّثنا أبو عليّ محمّد بن أحمد بن الجنيد ، قال : حدّثنا

ص: 103


1- . الفهرست للطوسي : ص 34 رقم 32 .

أحمد بن محمّد العاصمي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل ، عن أبيه(1) .

وكذلك فعل في ترجمة ( أبان بن تغلب ) حيث أسند إلى كتبه بالألفاظ ، إلاّ كتابيه المفرد و الفضائل ، فقد جمع في طريقهما بين الألفاظ وبين العنعنة ، فلاحظ(2) .

وفي بعض الموارد استعمل العنعنة في بداية السند ، والألفاظ في نهايته ، مثل ما في ترجمة ( أحمد بن عبدوس الخلنجي ) قال : أخبرنا به ابن أبي جيّد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، قال : حدّثنا الحسن بن متّويه بن السندي ، قال : حدّثنا أحمد بن عبدوس(3) .

وأوضح ما أثبته دلالة على ما نريد هو قوله في ترجمة ( أحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان ، أبي غالب الزراري ) : أخبرنا بكتبه ورواياته أبو

عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه ، عنه .

وأضاف : قال الحسين بن عبيد اللّه : قرأتُ سائرها عليه عدّة دفعاتٍ(4) .

فمع أنّ الحسين قد قرأ كتب الزراري عدّة دفعات فإنّه عَبّر في السند بكلمة « عنه » .

وقد يأتي بالألفاظ في وسط السند ، محفوفة بالعنعنة مثل ما في ترجمة ( عمرو بن ميمون ) قال : له كتاب حديث الشورى . . . أخبرنا به أحمد بن

ص: 104


1- . المصدر السابق : ص 35 رقم 35 .
2- . المصدر السابق : ص 141 142 رقم 61 .
3- . المصدر السابق : ص 48 رقم 74 .
4- . المصدر السابق : ص 56 رقم 94 .

محمّد بن موسى ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن جعفر وإسحاق ابنَي محمّد بن مروان ، قالا : حدّثنا أبونا ، قال : حدّثنا عبيد اللّه المسعودي ، عن عمرو بن ميمون ، عن جابر ، عن الباقر عليه السلام .

وله كتاب المسائل الّتي أخبر بها أمير المؤمنين عليه السلام اليهودي ، أخبرنا بها أحمد بن عبدوس ، عن أبي بكر الدوري ، عن محمّد بن جعفر العلوي الحسني ، قال :

حدّثنا عليّ بن عبدك ، قال : حدّثنا طريف مولى محمّد بن إسماعيل ، عن

موسى وعبيد اللّه ابنَي يسار ، عن عمرو ، عن ابن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الهمداني ، عن أمير المؤمنين عليه السلام(1) .

وللشيخ الطوسي كتب أُخرى اعتمد فيها طريقة المحدّثين ، إذ تشتمل

على الألفاظ في البدايات ، وعلى العنعنة في النهايات ، مثل كتاب الأمالي ،

وهو أوسع كتبه الحديثية بعد الأصلين : التهذيب والاستبصار ، وقد أورد فيه

حديثا بالألفاظ في جميع السند ، وهو الحديث المرقّم 20 ، قال : أخبرنا محمّد بن محمّد [ وهو الشيخ المفيد ] ، قال : أخبرني أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد الأبهري ، قال : حدّثنا عليّ بن أحمد بن الصبّاح ، قال : حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه ابن أخي عبد الرزّاق ، قال : حدّثني عمّي عبد الرزّاق بن همّام ، قال : أخبرني أبي همّام بن نافع ، قال : أخبرني مولى عبد الرحمن بن عوف الزُهْري ، قال : قال لي عبد الرحمن : . . . سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلميقول :

« أنا شجرة ، وفاطمة فرعها ، وعليٌّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، ومحبّوهم من

ص: 105


1- . المصدر السابق : ص 137 رقم 493

أُمّتي ورقها »(1) .

ولكنّه أعاد نفس السند في موضعٍ آخر بالعنعنة في آخره(2) . ولا ريب في دلالة هذا على أنّ الطوسيّ إنّما عمد إلى استعمال العنعنة عن قصد ، ولغرض علميّ ، كما سنبيّنه .

وتجدر الإشارة إلى أنّ من محدّثينا المتأخّرين مَن التزم الألفاظ ، وركّز على إيرادها بشدّة ، وهو المحدّث الجليل الشيخ أبو جعفر ، محمّد بن أبي القاسم بن عليّ الطبري ( ق 6 ه ) في كتابه القيّم بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، وهو يروي مباشرة عن أبي عليّ الحسن ابن شيخ الطائفة الطوسي ، الشهير بالمفيد الثاني ، بالقراءة عليه في جُمادى الأُولى سنة 511 ه ، في مشهد النجف ، كما في أوّل حديث من الكتاب(3) .

فهو يجري على دَيْدَن القدماء في الالتزام بالألفاظ في بدايات الأسانيد ، وبالعنعنة في نهاياتها ، إلاّ أنّه يستعمل الألفاظ أحيانا في جميع السند ، كما في الحديث 11 ، قال : أخبرنا الشيخ المفيد أبو عليّ الحسن بن محمّد الطوسي رضي اللّه عنهما ، قال : حدّثنا السعيد الوالد ، قال : أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان رحمه الله ، قال : حدّثني أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي ، قال : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ، قال : أخبرنا جعفر بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا سعدان بن سعيد ، قال : حدّثنا سفيان بن

ص: 106


1- . أمالي الطوسي : ص 18 19 ح 20 ؛ ولاحظ : أمالي المفيد : ص 245 ح 5 .
2- . أمالي الطوسي : ص 610 ح 1262 .
3- . بشارة المصطفى : ص 2 .

إبراهيم الفايدي الفامي ، قال : سمعت جعفر بن محمّد عليه السلاميقول : « بنّا يبدأُ البلاءُ ثمّ بكم ، وبنا يبدأُ الرخاءُ ثمّ بكم ، والّذي يُحلَف به ليَنْتصرنّ اللّه ُ بكم كما انتصر بالحجارة »(1) .

وكذلك الحديث 21 ، قال : أخبرنا الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن محمّد بن شهريار الخازن ، بمشهد الكوفة على ساكنه السلام ، في ربيع الأوّل سنة ستّ عشرة وخمسمئة بقراءتي عليه ، قال : حدّثنا أبو منصور ، محمّد بن محمّد بن عبد العزيز المعدّل من لفظه وكتابه ، بمدينة السلام ، في ذي القعدة سنة سبعين وأربعمئة ، قال : حدّثنا العكبري أبو الحسن بن رزقوَيْه ، قال : حدّثنا أبو عمرو(2) بن السمّاك ، قال : حدّثنا(3) عليّ بن محمّد القزويني ، قال : حدّثنا داوود بن سليمان بن وهب بن أحمد القزويني الثغريّ ، سنة ستّ وستّين ومئتين ، قال : حدّثنا عليّ بن موسى الرضا عليه السلام ، قال : حدّثنا أبي ، موسى بن جعفر عليه السلام(4) ، ثمّ عَنْعَن .

وهذا من أسانيد الصحيفة الرضوية المحتوية على سلسلة الذهب .

وفيه أيضا : . . . عليّ بن الحسين بن عليّ الرازي ، في درب مسلخگاه بالريّ ، في ذي القعدة سنة ثمان عشرة وخمسمئة ، إملاءً من لفظه ، قال : حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمّد بن نصر الحلواني ، في داره ، غُرّة ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثمانين وأربعمئة بكرخ بغداد ، إملاءً من حفظه ،

ص: 107


1- . المصدر السابق : ص 8 .
2- . في المطبوعة : « أبو عُمير » ، وفي نسخة : « أبو عمر » ، وسيأتي في الحديث 32 أنّه « عمر » .
3- . في المطبوعة : « حدّثني » .
4- . بشارة المصطفى : ص 15 .

قال : حدّثني الشريف الأجلّ المرتضى علم الهدى ذو المجدين أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي رضى الله عنه ، في داره ببغداد في بركة زلزل ، في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وأربعمئة ، قال : حدّثني أبي ، الحسين بن موسى ، قال : حدّثني أبي ، موسى ، قال : حدّثني أبي ، محمّد بن موسى ، قال : حدّثني أبي ، موسى بن إبراهيم ، قال : حدّثني أبي ، إبراهيم بن موسى ، قال : حدّثني

أبي ، موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي ، جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي ، محمّد بن عليّ بن الحسين ، قال : حدّثني أبي [ عليّ بن الحسين ، قال : حدّثني أبي ] الحسين بن عليّ ، قال : حدّثني جابر

بن عبد اللّه الأنصاري ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « زيّنوا مجالسكم بذِكر عليّ بن أبي طالب عليه السلام »(1) .

كما يختصّ هذا الكتاب الجليل ، بمزيّة المحافظة على خصوصيّات الرواة بشكلٍ كاملٍ ، من الاسم الثلاثي الكامل مع الكنى والألقاب ، وخصوصيّات الرواية : مكانا وزمانا ، وما أشبه في طبقة مشايخه ، وكثير ممّن بعدهم .

8 - نتيجة هذا الاستعراض :

بهذا العرض المفصّل تمكّنّا من العلم بأنّ محدّثينا الأعلام إنّما قصدوا إلى استعمال العنعنة ، مع العلم بمداليل الألفاظ واختلافاتها ، ومع وجودها في الأسانيد في مواضع أُخرى ، إلاّ أنّهم وجدوا العنعنة وافية بأغراضها بأكمل شكل وأحسنه ، ولذلك لم يجدوا في الإعراض عنها ، وفي الاكتفاء بالعنعنة

ص: 108


1- . المصدر السابق : ص 60 - 61 .

حزازةً توجب منع ذلك ، بل قد يوجد في الالتزام بها مطلقا ، ودائما ، مزيد مؤونةٍ لا ملزِم لها .

وإذا لاحظنا أنّ هؤلاء الأعلام ، وهذه الأعمال ، تُعَدّ أهمّ مصادر الحديث ومنابعه ، وأُسسه وأركانه ، فإنّ تصرّفاتهم باستعمال العنعنة بدل الألفاظ يكون دليله « لِمِّيّا » على اعتبارها ، وصحّة الاكتفاء بها ، وبطلان ما يوجّه

إليها من الشُبَه !

ثمّ إنّ من المعلوم للمسلمين كافّة اعتبار الحديث الشريف كمصدر معتمَد للدين والشريعة ، وعلى ذلك تمّ اتّفاق المذاهب الإسلامية جمعاء . وها نحن نجد أسانيدها كلّها محتوية على العنعنة مع بعض الرواة أو كلّهم ، فلو كانت الشبهة تحصل من العنعنة في هذا التراث الحديثي كلّه ، فإنّ مثل هذه الشبهة سوف تكون في مقابلة البديهة الحاصلة لأهمّيّة هذا التراث واعتباره وحجّيّته ، في حالته تلك ، وهو الواضح من عناية الأعلام به وحرصهم على صيانته وتناقله وحفظه وتوارثه . فالشبهة مرفوضة لأنّها في مقابلة البديهة .

9 - مع تراث العامّة :

وليُعلم أخيرا : أنّ ما ذكرناه من العَرض لا يختصّ بالتراث الشيعي خاصّة ، بل التراث الحديثي عند العامّة كذلك يحتوي على العنعنة بشكل شائع ، كما نجد في كتبهم المهمّة :

فهذا موطّأ مالك ، يبدأ كتاب الصلاة فيه بباب وقوت الصلاة ، وفيه : قال : حدّثني يحيى ، عن مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، أنّ عمر

بن عبد العزيز(1) .

ص: 109


1- . الموطّأ : ج1 ص 3 ح 1 .

وفي الحديث الثالث : وحدّثني يحيى ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، أنّه قال : جاء رجل(1) .

والحديث الرابع : وحدّثني يحيى ، عن مالك ، عن الحسن بن سعيد ، عن عمرو بن عبد الرحمن ، عن عائشة(2) .

بل لا يستعمل مالك غير العنعنة إلاّ قليلاً .

والبخاري يبدأ صحيحه في أوّل أبواب كتابه بباب « كيف كان بَدْء الوحي » والحديث الثاني منه : حدّثنا عبد اللّه بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة(3) .

وقال في باب قول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « أنا أعلمكم باللّه » : حدّثنا محمّد بن سلام البيكندي ، قال : أخبرنا عبدة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت :(4) .

وهكذا سائر الأحاديث .

وأمّا مسلم : فقد عرفنا دفاعه عن العنعنة ، وأوّل حديث فيه : حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدّثنا وكيع ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سمرة بن جندب ؛ ح وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة أيضا ،

حدّثنا وكيع ، عن شعبة وسفيان ، عن حبيب ، عن ميمون

بن أبي شبيب ، عن المغيرة بن شعبة : قالا : . .(5) .

ص: 110


1- . المصدر السابق : ج1 ص 4 ح 3 .
2- . المصدر السابق : ج1 ص 5 ح 4 .
3- . صحيح البخاري : ج1 ص 2 .
4- . المصدر السابق : ج1 ص 11 .
5- . صحيح مسلم : ج1 ص 7 .

وأبو داوود بدأ كتابه السنن بباب التخلّي عند قضاء الحاجة من الطهارة ، وأوّل حديث فيه ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثنا عبدالعزيز يعني ابن محمّد ، عن محمّد يعني ابن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن المغيرة بن شعبة ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم(1) .

وبدأ ابن ماجة كتابه السنن بباب اتّباع سُنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وأوّل حديث فيه ، قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : ثنا شريك ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : . . .(2) .

وبدأ الترمذي جامعه بأبواب الطهارة ، باب ما جاء « لا تُقبَل صلاة بغير طهور » ، والحديث الأوّل فيه : حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا أبو عوانة ، عن سِماك بن حرب رحمه اللهح وحدّثنا هنّاد ، حدّثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سِماك ، عن مصعب بن سعد ، عن ابن عمر(3) .

وبدأ النسائي سننه ب « تأويل قوله عزّ وجلّ : « إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ » » ، والحديث الأوّل فيه : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدّثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة(4) .

وهكذا يجرون على هذا النسق في الأسانيد ، في بداياتها بالألفاظ ، وفي نهاياتها بالعنعنة .

فلا فرق إذن فيما استنتجناه من الاستعراض المذكور بين التراث

ص: 111


1- . سنن أبي داوود : ج1 ص 1 .
2- . سنن ابن ماجة : ج1 ص 3 .
3- . سنن الترمذي « الجامع الصحيح » : ج1 ص 5 .
4- . سنن النسائي بشرح السيوطي : ج1 ص 6 .

الشيعي ، وبين التراث عند العامّة ، بل يمكن القول بأنّا لا نجد في تراث المسلمين قاطبة من أهل القرون الأربعة الأُولى ما يخلو عن العنعنة بشكل شائع وذائع وفي طبقات الرواة الأُولى بالذات .

وبعد عهد المتشدّدين من بعض علماء الحديث في الالتزام بالألفاظ في القرون الخامس وحتّى السابع ، عاد العلماء إلى التزام العنعنة بشكل شائع من دون نكير . ومع العلم ببطلان التشدّد ، وعدم كونه أصيلاً ولا مستندا إلى دليل ملزم من الشرع ، بل كونه مجرّد اصطلاح قد زال بزوال أهله في تلك القرون ، فإنّ إجماع المحدّثين متحقّق من القدماء والمتأخّرين على الاكتفاء بالعنعنة ، ووفائها بالمراد من الألفاظ بشكل تامٍّ .

ص: 112

الفصل الثالث

مشاكل العنعنة وحلولها

ص: 113

ص: 114

ومع أنّ العنعنة تدلّ على الاتّصال لغةً واصطلاحا ، وعلى هذا جرى عمل أعلام المسلمين من المحدّثين ، وعليه بنيت أعمالهم العلميّة ، كما أثبتنا ذلك في الفصول الماضية ، فإنّ العنعنة قد تعرّضت لإشكالات وجّهها إليها بعضُ المعاصرين تبعا لبعض الآراء والنظريّات البائدة المخالفة لإجماع أهل الحديث في المذاهب الإسلامية كافّة ، وهي محكومة بالشذوذ قطعا .

ولا بُدّ لاستكمال البحث من ذِكر ما أورده أُولئك وهؤلاء ، لمعرفة أوجه الخلل فيه ، والخروج عن عهدة البحث ، فنقول :

جُوبه الحديث المعنعن بأنّه لا يقتضي الاتّصال بين الرواة الّذين نقلوا كلام الآخرين بلفظة « عن » ، باعتبار كون لفظة « عن » تستعمل في الكلام المنقول ، أعمّ من كونه بلغ الراوي عن القائل بلا واسطة أحد ، كما لو سمعه منه مباشرةً ، أو بلغه بواسطة آخر ، ولم يذكر اسم الواسطة ، حيث يصحّ للراوي أن يقول : « هذا الكلام عن زيد » ويقصد بذلك أنّ قائله زيد وهو منقول عنه ، من دون أنْ يكون الراوي قد سمعه منه .

وقد استعمل بعض الرواة كلمة « عن » في الإسناد ، قاصدا هذا المعنى الثاني ، فكان ذلك منهم تمويها عُرف اصطلاحا ب « التدليس » ، لإيهامه

ص: 115

السماع المباشر من القائل ، بينما هو ينقله عنه مع الواسطة .

ومن أجل تردّد « عن » بين الأمرين ، فقد عدّوا في المرجّحات بين الأحاديث المختلفة : كون الراوي مصرّحا في السند بالألفاظ ، فيكون حديثه راجحا على حديث من جاء في سنده بالعنعنة . قال الحازمي في وجوه الترجيح بين الأحاديث :

الوجه السادس عشر : أن يكون كِلا الحديثين عراقيّ الإسناد ، غير أنّ أحدهما معنعن ، والثاني مصرّحٌ فيه بالألفاظ الّتي تدلّ على الاتّصال نحو : سمعت وحدّثنا ، فيرجّح القسم الثاني ، لاحتمال التدليس في العنعنة ، إذ هو عندهم غير مستنكَر(1) .

وجاء في بعض فوائد الشيخ البهائي أنّ : من المشكلات لفظة « عن » في الحديث ، وقد حملوها على الرواية بغير واسطة ، وظنُّ ذلك مشكِل(2) ، وقد أفصح عن وجه الإشكال فيا أورده بقوله :

فإن قلت : ينبغي حمل هذه الرواية وأمثالها على الإرسال ، إذ ليس فيها تصريح بعدم الواسطة بينه وبين الإمام عليه السلام ، ولفظة عن تحتمل وجود الواسطة

وعدمها .

قلت : فتح هذا الباب يؤدّي إلى تجويز الإرسال في أكثر الأحاديث وارتفاع الوثوق باتّصالها .

والحقّ أنّ لفظة « عن » في الأحاديث المعنعنة تُشْعِرُ بعدم الواسطة بين

ص: 116


1- . الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي : ص 15 .
2- . الوجيزة : ص 439 .

الراوي والمرويّ عنه(1) .

أقول :

وعلّق على قوله « تُشْعِرُ » بقوله : إذا علم عدم اجتماع الراوي والمرويّ عنه في عصر واحد .

وأقول : إنّ قوله « تُشْعِرُ » مسنَدٌ إلى لفظة « عن » دون معناها المصطلح ، وهذا خارج عمّا نحن بصدده ، كما لا يخفى . وهذا قريب ممّا صنعه السيّد الداماد في قوله : « والعنعنة بحسب مفاد اللفظ أعمّ من الاتّصال »(2) .

وقال السيّد أيضا : إنّ العنعنة تقتضي عدم اتّصال السند بين الراوي والمرويّ عنه ، لِما في دلالة لفظة عن من المجاوزة ، فمعنى « فلانٌ عن فلان » : أنّ الكلام قد تجاوز الثاني إلى الأوّل ، ولم يثبت اتّصاله بالثاني ، فقد يكون متّصلاً إذا ثبت من غير طريق هذا اللفظ ، مثل قوله : « أخبرني » أو « حدّثني » أو « أنبأني » أو « قال لي » ومع عدم هذه ، فكلمة عن أعمّ من الاتّصال وعدمه(3) .

وقال العلائي : اختلف فيها المتقدّمون ، فذهب بعض الأئمّة إلى أنّ ما كان فيه لفظة عن فهو من قبيل المرسَل المنقطع حتّى يثبت اتّصاله من جهة أُخرى ، حكاه ابن الصلاح ، ولم يُسمّ قائلهُ ! ونقله الرامهرمزيّ في « المحدّث الفاصل » عن بعض المتأخّرين من الفقهاء . ووجّه بعضهم هذا القول بأنّ هذه

ص: 117


1- . الحبل المتين : ص 35 .
2- . الرواشح السماوية : ص 127 .
3- . المصدر السابق : ص 128 .

اللفظة عن لا إشعار لها بشيء من أنواع التحمّل ، وبصحّة وقوعها فيما هو منقطع(1) .

وقالوا : لو لم يكن المرسَل حُجّةً لم يكن الخبر المعنعن حُجّةً ؛ لأنّ الراوي أيضا أرسله بالعنعنة ولم يصرّح بالسماع عمّن فوقه ، والاحتمال المذكور في المرسَل قائمٌ في المعنعن ، واحتمال لقاء المعنعِن شيخَهُ وسماعه منه ليس بدون احتمال ثقة الواسطة المحذوفة في المرسِل وعدالته(2) .

وهذا أهمّ ما قيل في باب الإشكال على العنعنة . ويتحدّد الإشكال بالأُمور التالية :

الأوّل : أنّ « عن » تقتضي لغةً تجاوز الكلام عن المتكلّم ، سواء بلغ الناقل مباشرةً أو بلغه مع الواسطة ، فلا يكون صريحا في الاتّصال من المتكلّم إلى الراوي الناقل . ذكر هذا كلّ من الحازمي والداماد .

الثاني : أنّه لا إشعار فيها بنحوٍ خاصّ من أنحاء التحمّل وطرقه المعتبرة ، وصحّة وقوعها في المنقطع ، فلا يثبت بها التحمّل المعتبر في السند .

الثالث : كون المعنعَن بحكم المرسَل ، لتوقّفه على اللقاء ، وثبوته ، وعلى نفي الواسطة ، وهذا غير محرز ، فإنّ المفروض فيها احتمال وجود واسطة وهي مجهولة الوثاقة ، فلا يمكن الاعتماد على الحديث المعنعن ، كالمرسَل .

الرابع : استعمال « عن » في التدليس ، فيكون الحديث من نوع المدلَّس ، وهو ضعيف .

ص: 118


1- . جامع التحصيل : ص 116 .
2- . المصدر السابق : ص 73 .

والجواب عن هذه الإشكالات على العنعنة ودفعها ، هو :

أمّا عن الأوّل : أعني دلالة « عن » على التجاوز من المتكلّم فيكون الوصول إلى الراوي محتملاً للمباشرة وغيرها ، فبما قد أثبتنا في الفصل الأوّل في البحث عن العنعنة لغة من أنّ « عن » في الأسانيد ، إنّما هي بمعنى

« من » وليست للمجاوزة ، وقد مرّ مفصّلاً . وعلى هذا فلا تحتمل غير الاتّصال ، وهذا هو المفهوم من عمل المحدّثين كافّةً .

ولذا قيّد السيّدُ الداماد حكمه بكون العنعنة أعمّ من الاتّصال بقوله : « بحسب مفاد اللفظ »(1) ويعني ذلك أنّ هذه الاستفادة مبتنية على الفهم من ظاهر كلمة « عن » ، دون أصل اللغة ، ولا المعنى العرفي المصطلح . فليلاحظ .

ثمّ على فرض كونها لغةً للمجاوزة ، إلاّ أنّها مستعملة في اصطلاح علماء الحديث للاتّصال ، وهم المعنيّون بالبحث . قال العلائي : وقد جعله ، أي قبول المعنعَن والحكم باتّصاله مسلم : « قولَ كافّة أهل الحديث » ، وأنّ القول باشتراط ثبوت اللقاء « قولٌ مخترَع » ، وطوّلَ الاحتجاج لذلك في مقدّمة صحيحه . . . وأنّ « عن » لا تُحمل على الانقطاع ، وهو الّذي عليه دهماء أهل الحديث قديما وحديثا(2) .

أقول :

وحتّى الّذين اشترطوا في الحكم بالاتّصال في العنعنة شروطا ، فهم كلّهم

ص: 119


1- . الرواشح السماوية : ص 127 .
2- . جامع التحصيل : ص 117 .

يعترفون بعد إحراز الشروط بدلالة « عن » على الاتّصال لغةً ، من دون فرض كونه استعمالاً مجازيا ، فهذا دليل على وضع « عن » لغةً ، للاتّصال ، ولو بنحو الاشتراط اللفظي ، فلاحظ .

فما حكاه ابن الصلاح عمّن « لم يسمّ قائله » من الحكم بالانقطاع حتّى يتبيّن الاتّصال من جهة أُخرى ، قولٌ شاذٌّ مرفوض لغةً واصطلاحا .

وأمّا الّذين اشترطوا للحكم بالاتّصال شروطا إضافية ، فهو منهم مجرّد اصطلاحٍ متأخِّرٍ ، لا وقع له على الحديث عند الصحابة والتابعين وتابعيهم من أهل القرنين الأوّل والثاني ، وهم أُسس الحديث ومصادره وموارده ، فكيف يكون مؤثّرا في اللغة الّتي عليها الاعتماد في مثل هذه الدلالات ؟ ! فإنّ مثل هذه الشروط تحميل على اللغة من غير أهلها ، كما يظهر من نوعيّة الشروط .

فقد اشترط البخاري وابن عديّ الجرجاني : ثبوت اللقاء بين المعنعِن والمعنعَن عنه ، ولو مرّة واحدة ، وكون الراوي بريئا من التدليس(1) . واشترط السمعاني : طول الصحبة بينهما ، وعدم التدليس(2) . ونقل ابن عبد البرّ اشتراط العدالة ، ونقل إجماع أئمّة الحديث عليه(3) .

وكلّ هذا تحكّم على اللغة ، وعلى قدماء علماء الإسلام الرواة للحديث . بل المفهوم ابتداءً من « عن » هو الاتّصال ، والنقل المباشر ، وهذا حقيقتها ،

ص: 120


1- . المصدر السابق : ص 116 .
2- . المصدر السابق : ص 116 .
3- . التمهيد لابن عبد البرّ : ج1 ص 12 ؛ وجامع التحصيل : ص 116 .

وإذا استُعملت في غير ذلك ، فلا بُدّ من القرينة الصارفة عن تلك الحقيقة ، مثل بُعد زمان الناقل عن المنقول عنه ، كقول واحد في عصرنا « رويتُ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم » ، أو عدم ذِكر الفاعل مع كون الفعل ماضيا كقول القائل :

« جاء عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال » ، أو حذف الفاعل وبناء الفعل للمجهول كقول الراوي : « رُوي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم » .

كما جاء في الحديث عن الصدوق : حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن جعفر بن سلمة الأهوازي ، عن إبراهيم بن محمّد ، قال : حدّثنا أبو الحسين عليّ

بن المعلّى الأسدي ، قال : أُنبئت عن الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام(1) .

ثمّ لو فُرض كون وضع « عن » للأعمّ لغةً ، وكونها مشتركة بين المتّصل والمنقطع ، إلاّ أنّ الثابت عند الجمهور ، والمصطلح الواقع بينهم ، والمصرّح به للأكثرين ، والمستعمل عندهم في غالب الأسانيد هو الاتّصال ، كما أثبتنا في الفصل الماضي بعنوان « تراثنا والعنعنة » ، وهو كافٍ قطعا للحكم بصرف المعنى عن الاشتراك إلى الاتّصال في عُرف أهل الحديث .

وأمّا الجواب عن الإشكال الثاني فقد عقدنا له الفصل الرابع ، لِما فيه من التفصيل .

والجواب عن الإشكال الثالث ، وهو : كون المعنعَن بحكم المرسَل في

ص: 121


1- . أمالي الصدوق : ص 87 ح 57 المجلس 9 .

جهالة الواسطة إذا لم يثبت الاتّصال ، لتوقّف عدم الإرسال على ثبوت اللقاء ، ولفظةُ « عن » المجرّدة لا تُثبته : بأنّ المرسَل هو الحديث الّذي عُلم

سقوط الواسطة من سنده ، وأمّا المحكوم بالاتّصال فليس كذلك ، خصوصا إذا قام الاصطلاح على ذلك .

وبعبارة أُخرى : الحكم بالإرسال ، متوقّف على إحراز عدم الاتّصال ، وليست « عن » مقطوعة الانفصال ، بل غاية ما يُدّعى تردّدها بين الاتّصال والانقطاع ، والمفروض أنّهم اصطلحوا عليها كلفظ مفيد للاتّصال ، فينتفي عنها حكم الإرسال ، ولو على الظاهر منهم .

ويؤيّد ذلك أنّ الشيخ الطوسي إنّما قال في توجيه وضعه للمشيخة في آخر كتاب تهذيب الأحكام ما نصّه : ونحن نذكر الطرق الّتي يُتوصّل بها إلى رواية هذه الأُصول والمصنّفات ، ونذكرها على غاية ما أمكن من الاختصار ، لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل ، وتلحق بباب المسنَدات(1) .

ومن الواضح أنّ الأسانيد المثبتة في المشيخة كلّها معنعنة ، كما أوضحناه سابقا . ومثل هذا إرجاعه إلى ما أثبته من الطرق في كتابه الفهرست الّذي لا يخلو من العنعنة في أسانيده ، كما شرحناه أيضا .

ومثل هذا يرد على الصدوق ، الّذي حذف الأسانيد من متن كتاب الفقيه وأثبتها في المشيخة ، وهي أيضا معنعنة ، فلو كانت العنعنة لا تعطي معنى

ص: 122


1- . تهذيب الأحكام : ج 10 ؛ المشيخة : ص 5 .

الاتّصال ، لَما أفاد وضع المشيخة شيئا من الأغراض الّتي أعلنّا عنها .

والحاصل : إنّ هذا الإشكال مبنيّ على الخلط بين مصطلحَي المرسَل والمعنعَن .

وقد أجاب العلائيّ عن هذا الإشكال بقوله : إنّ الراوي الّذي يُطلق لفظة « عن » إمّا أن يكون لم يُعرَف بتدليس ، أو عُرِف به ، فإن لم يُعرف بتدليسٍ ، وكان لقاؤه لشيخه ممكنا ، أو ثبت لقاؤه على اختلاف القولين لمسلم والبخاري ، فلفظة « عن » محمولة على الاتّصال ، وليس للانقطاع وجهٌ ولا للواسطة احتمالٌ ؛ لأنّ الظاهر سماعهُ لذلك من شيخه ، والأصل السلامةُ من وصمة التدليس ، فلا يُقاس المرسَل على هذا ، مع ظهور الفرق بينهما .

وإنْ كان الراوي معروفا بالتدليس ، فما رواه عن شيخه بلفظ « عن » أو غيرها ، ممّا يُصرّح فيه بالسماع منه ، حكمه حكم المرسَل ، فمن قبل المرسَل مطلقا يقبله ، ومن ردّه يردّ هذا أيضا ، ولا فرق(1) .

وقال العلائي أيضا : إذا شاع استعمالها [ أي : عن ] في الاتّصال وحملها

عليه وهو الّذي نقله جماعة من الأئمّة عن كافّة العلماء كانت حقيقتها الاتّصال ، وإذا وردت في المرسَل كانت مجازا ؛ لأنّ المجاز خير من الاشتراك عند تعذّر الحقيقة(2) .

وأمّا الجواب عن الإشكال الرابع وهو الحكم على المعنعن بالتدليس : فبأنّ الحكم بالتدليس فرع ثبوت عدم اتّصال السند المعنعَن ، فلو حكم

ص: 123


1- . جامع التحصيل : ص 80 .
2- . المصدر السابق : ص 117 - 118 .

بالاتّصال ولو اعتمادا على الأصل أو الظاهر من الاصطلاح كفى في نفي التدليس عن الراوي .

والحاصل : إنّا إذا دفعنا الإشكالات السابقة ، وتوصّلنا إلى أنّ المعنعَن متّصل لغةً وعرفا واصطلاحا ، لم يكن مستعمِلُه محكوما بالتدليس بمجرّد استعماله لفظة « عن » إلاّ ، إذا ثبت كونه مدلّسا من جهة أُخرى غير هذه ، وحينئذٍ يُحكم عليه بالتدليس ، حتّى لو استعمل الألفاظَ الصريحة ، ولم يستعمل « عن » كما أشار إليه العلائي في آخر ما نقلنا عنه .

ص: 124

الفصل الرابع

العَنْعَنة والطُرُق

ص: 125

ص: 126

يبتني الثاني من وجوه الإشكال على العنعنة ، على أنّ لفظة « عن » لا تختصّ بأداء طريق معيّنةً ، فهي تستعمل مع كلّ الطرق ، أو أكثرها ومنها الإجازة ، بل قد خصّها بعض المحدّثين بالإجازة . وبما أنّ الإجازة من الطرق غير معتبرة ، فهي لا تصلح لإيصال الحديث من الشيخ إلى الراوي ، فالطرق المعنعنة غير مؤدّيةٍ للمتون إلى الرواة ، لاحتمال الإجازة فيها ، وهي غير معتبرة .

وممّا قيل في هذا : إنّ العنعنة إذا كانت أعمّ من الطرق وتحتمل أن تكون للإجازة ، الّتي هي مجرّد قول الشيخ : « أجزتُ لك أنْ تروي جميع كتب الأصحاب ، من دون أن تكون هذه الكتب مقروءةً علَيَّ ، أو مسموعةً منّي » ، أي من دون أن تكون هذه المتون واصلةً إليّ ، فالطرق المعنعنة لا تُفيد ؛ لأنّه لم يحرز لنا أنّ المتون واصلة إلى الرواة(1) .

ولا بُدّ أن نحدّد النقاط الّتي يبتني عليها هذا الإشكال ، وهي :

1 - دعوى أنّ لفظة « عن » عامّة للطرق ، فلا تدلّ على شيء معيّن ،

ص: 127


1- . هذا ما نُقل عن قائل الكلام ، وقد أصلحنا ما فيه من العجمة ، ليكون مفهوما لقرّائنا الكرام .

ويشمل ذلك الإجازة غير المعتبرة عنده .

2 - دعوى أنّ الإجازة لا تدلّ على الاتّصال ، ولا يُحرز بها وصول الحديث من الشيخ إلى الراوي .

فالنتيجة أنّ الحديث المعنعن لا يحرز معه الوصول ، فلا يمكن الاعتماد عليه . وللإجابة عن ذلك ، نقول :

أوّلاً : إنّ البحث عن العنعنة والإشكال فيها ، إنّما هو أمر قديم وليس لأمر الطرق فيه دخلٌ أصلاً ، وإنّما الإشكال من جهة دلالتها على « التجاوز » وكونه أعمّ من المباشر وغيره كما فصّلنا في البحوث السابقة . وعرفت في الفصل الأوّل : أنّ « عن » لغةً وعُرفا ، إنّما هي دالّة على السماع المباشر ، في الأسانيد .

وثانيا : قد عرفت أنّ كلمة الجرّ « عن » متعلّقة في ظاهر الكلام بالفعل المحذوف من جنس المذكور قبلها ، فالكلام إذَنْ على نسق واحد ، وهو كما يفهمه العُرف العامّ ، من الاتّصال ، وقد مضى هذا أيضا . وعلى هذا الأساس جرى جمهور علماء الإسلام من الحكم باتّصال المعنعَن ، بما عرفت أنّ إثارة الإشكال عليه ، إنّما هو من قبيل « الشبهة في مقابل البديهة » .

وثالثا : إنّ الالتزام بتوزيع الألفاظ على الطرق ، وتخصيص كلّ لفظ بطريق ، حتّى تكون « عن » للإجازة ، إنّما هو اصطلاح متأخّر ، ولا دليل على كونه ملزما من أصل عقليّ أو فرع شرعيّ ، كما فصّلنا ذلك في بحثنا الموسّع عن صِيَغ التحمّل والأداء ، وقد مرّ شيء من ذلك في فصل « تاريخ العنعنة » هنا .

ص: 128

ولا بأس بإيراد بعض الكلمات الصريحة في هذا المعنى :

قال ابن عبد البرّ : لا اعتبار بالحروف والألفاظ ، وإنّما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة . . . لإجماعهم على أنّ الإسناد المتّصل بالصحابي ، سواء أتى فيه ب « عن » ، أم ب « أنّ » ، أم ب « قال » ، أم « سمعت » ، فكلّه متّصل(1) .

وقال : إنّ الألفاظ بعد تحقّق اللقاء لا عبرة بها(2) .

وقال الخطيب البغدادي : الألفاظ ليست إلاّ عبارة عن التحديث ، فهي سواء في الدلالة(3) .

وقال الدكتور عتر في أداء السماع : يسوغ فيه كلّ ألفاظ الأداء مثل « حدّثنا » و « أخبرنا » و « خبّرنا » و « أنبأنا » و « عن » و « قال » و « حكى » و « أنّ فلانا قال » ، فإنّها تُطلَق على أمارة السماع من المحدّث ، كما صرّح به القاضي عياض وغيره(4) ، ثمّ درج على هذا الإطلاق أكثر رواة الحديث المتقدّمين ، ثمّ وَجَدَ النقّاد بعد انتشار التدوين والتلقّي بالإجازة ونحوها وجدوا فيها توسّعا يؤدّي إلى اشتباه السماع بغيره ، لذلك رجّحوا الأداء بلفظ يدلّ على السماع(5) .

وقوله : « وجد النقّاد توسّعا » و « رجّحوا » ، يدلّ على أنّ هذه التفرقة بين

ص: 129


1- . مقباس الهداية : ج 5 ص 186 .
2- . علوم الحديث لابن الصلاح : ص 62 ؛ ومنهج النقد : ص 353 .
3- . الكفاية : ص 288 .
4- . الإلماع : ص 135 ؛ الاعتبار للحازمي : ص 15 .
5- . منهج النقد : ص 224 .

الألفاظ أمر مستحدَث لا أصل له في الشرع ولا في عُرف قدماء المحدّثين ، فلا ملزِم له أصلاً ، فضلاً عن أن يُبْنى عليه ردّ كتب الحديث الشريف ، بل هو أمر استحساني وليس بواجب حتّى عندهم(1) .

فكيف يُبنى على مثل هذا الالتزام الّذي لا مُلزِم له من عقل أو شرع أو عُرف في نفي الحديث المعنعن ، وإسقاط اعتبار كتب الحديث الشريف ؟ ! إنّه عمل مخالف لأبسط قواعد العلم والوجدان .

ورابعا : إنّ الطرق الثمان لتحمّل الحديث وأدائه الّتي منها الإجازة إنّما هي معتبرةٌ عند المحدّثين بملاك واحد ، وهو « البلوغ » من الشيخ إلى الراوي ، كما أثبتنا ذلك مفصّلاً في كتابنا عن « الطرق الثمان » .

والإجازة بالإجماع ، واحدة من تلك الطرق ، فلا بُدّ أنْ تكون محرزة للبلوغ المذكور ، وإلاّ كيف أدخلوها فيها ؟ ! بل جعلها الأكثرون ثالثة الطرق بعد السماع والقراءة ممّا يدلّ على أهمّيّتها في أداء البلوغ المذكور ، بشكل أقوى من سائرها ، وهي المناولة والكتابة والإعلام والوصيّة والوجادة .

وإذا اشتركت الطرق في أداء الهدف المنشود ، لم يفرّق بينها في الألفاظ . قال القاضي عياض : إذا روى معنى النقل والإذن فيه ، وأنّه لا فرق بين القراءة والسماع والعرض والمناولة للحديث في جهة الإقرار والاعتراف بصحّته وفهم الحديث به ، وجب استواء العبارة عنه بما شاء(2) .

وإذا كانت الإجازة في القوّة والاعتبار ، والدلالة على ضبط الحديث ،

ص: 130


1- . لاحظ : قواعد التحديث للقاسمي : ص 208 .
2- . الإلماع : ص 128 .

بأفضل شكل بمنزلة واحدة مع سائر الطرق ، فهي إذن مساوية لها في أدائها دور بلوغ المتن ووصوله عن الشيخ المحدِّث إلى الراوي .

وخامسا : إنّ ما ذكره عن الإجازة ، يدلّ على جهل مفرط بواقعها وأمرها في الحديث ، وذلك لأنّ كبار أهل الدراية والعلم بالحديث وعلومه ، قد جعلوا الإجازة من أهمّ الطرق ، وبمنزلة السماع . قال الخطيب : إنّ الإجازة بمنزلة السماع وتاليته ، يُعدّ هو الأوّل وهي الثانية(1) . وهذا يدلّ على تقدّم

الإجازة على « القراءة » في الاعتبار .

وقال الفقيه أبو محمّد بن عتّاب الأندلسي ، عن أبيه : لا غنىً في السماع عن الإجازة ؛ لأنّه قد يغلط القارئ ، فيجيز له ما فاته . نقله ابن الصلاح ، وجعل الإجازة لذلك مع السماع مستحبّةً(2) .

وقال الدربندي : ولا غنىً في كلّ سماع عن الإجازة(3) .

وقال العراقي في الألفية :

وينبغي للشيخ أنْ يُجيزَ مَعْ

إسماعِه جَبْرا لنقصٍ إنْ وقَعْ

قال ابنُ عتّابٍ : ولا غناءَ عَنْ

إجازةٍ مع السماعِ تُقْتَرَنْ(4)

بل سمّى مالكٌ الإجازةَ سماعا ، حيث قال : السماع عندنا على ثلاثة أضرُبٍ : الأوّل : قراءتك على الشيخ ، الثاني : قراءته عليك ، الثالث : أن يدفع

ص: 131


1- . الجامع لأخلاق الراوي : ج 2 ص 198 رقم 1466 .
2- . مقدّمة ابن الصلاح : ص 258 ؛ علوم الحديث له : ص 146 147 ؛ ونقله القاضي في الإلماع : ص 92 .
3- . القواميس ، قسم الدراية : ص 34 .
4- . لاحظ : فهرس الفهارس للكتّاني : ص 765 ؛ ولاحظ مقال صيغ التحمّل والأداء : ص 137 .

إليك كتابا قد عرفه فيقول : « إروه عنّي »(1) .

وقال السلفي : إنّه قد سمع في بغداد أبا جعفر بن يحيى الحكّاك التميمي ( ت 485 ه ) وهو ثقة حافظ يروي عن أبي نصر الوائلي ( ت 444 ه ) حكما له « يضع المناولة بمنزلة السماع »(2) .

وحدّث الخطيب قال : حدّث أبو عليّ الهروي ، عن عمرو بن الحسن الشيباني القاضي ، فسُئِل عنه ؟ فقال : صدوق ، قيل : إنّ أصحابنا ببغداد يتكلّمون فيه ؟ ! فقال : ما سمعنا أحدا يقول فيه أكثر من أنّه « يرى الإجازة سماعا » وكان لا يُحدّث إلاّ من أُصوله ، والشيباني توفّي سنة 339 ه(3) .

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله : إذا كان أحد الراويَين يروي سماعا وقراءة ، والآخر يروي إجازةً ، فينبغي أن يقدّم رواية السامع على رواية المستجيز ، اللّهمّ إلاّ أنْ يرويَ المستجيز بإجازته أصلاً معروفا أو مصنّفا مشهورا ، فيسقط حينئذٍ الترجيح(4) .

وقد عرفت أنّ الشيخ الطوسي صرّح في مشيخة كتاب تهذيب الأحكام أنّه

يذكر الطرق إلى رواية الأُصول والمصنّفات الّتي استخرج منها أحاديث الكتاب مع كون الطرق كلّها معنعنة ، وقد سبق توضيحنا لهذا . بل جعل بعضهم « الإجازة » أفضل من « السماع » فقال : الإجازة على الوجه الصحيح

ص: 132


1- . الإلماع : ص 72 .
2- . كتيّب مخطوط للسلفي : ص 290 .
3- . تاريخ بغداد : ج 11 ص 238 .
4- . العدّة للشيخ الطوسي : ص 34 .

خيرٌ وأقوى بكثير من السماع الرديء(1) .

وقال أحمد بن حنبل : إذا أعطيتُك كتابي وقلت لك « إروه عنّي » وهو من حديثي ، فما تُبالي سمعتَه أو لم تسمعه(2) .

فالإجازة إذن ليست كما ذكرها ذلك القائل المتفاطن في كلامه الزائف !

نعم ، بهذا تهاوت الإجازة عن مقامها السامي الّذي كان لها عند القدماء العلماء ، وأخذ ينظر إليها أهل العصر المتأخّرون بنظر الازدراء ، فأصبحت في رؤاهم خاويةً على عروشها ، وفاقدة لعناصر قوّتها واعتبارها ، بل أصبحت مهزلةً لأمثال هذا القائل من الصبيان المتشيّخين ، الّذين نزّلوا بالدروس والمصطلحات إلى مستوياتهم الهابطة ، من دون ورعٍ يحجزهم ، ولا حياءٍ يردعهم .

وسادسا : إنّ المتداوَل في كتب الحديث ، وكتب المصطلح ، والمُشاهَد في الأسانيد ، هو أنّ بين الإجازة وبين « عن » عموما من وجه ، فقد يجتمعان ، وقد تنفرد الإجازة عنها فتستعمل فيها ألفاظ الأداء الأُخرى ، وقد تنفرد « عن » فتستعمل في غير الإجازة من الطرق . فإذا استعملت الإجازة مع الألفاظ الأُخرى ، فهل يمكن القول بضعفها أيضا ؟ وهذا ما لا يلتزم به أحد .

وإذا استعملت العنعنة في غير الإجازة من الطرق ، فكذلك لم يقُل أحدٌ بضعف الحديث . وهذا يدلّ على أنّ الضعف ليس في الإجازة وحدها ، ولا في العنعنة وحدها .

ص: 133


1- . الإلماع : ص 92 .
2- . طبقات الحنابلة لأبي يعلى : ج 1 ص 57 .

وأمّا دعوى أنّ الضعف يختصّ بمورد الاجتماع ، وهو أداء الإجازة بالعنعنة فقط ، فهذه دعوى جُزافيّة لم يقُلْ بها أحد من علماء الحديث ، لا قديما ولا حديثا ، ولم نَرَ له موجبا ولا منشأً ، فإنّ الأمرين اللذين لا ضعف فيهما لا يوجب اجتماعهما ضعفا .

ويدلّ على ذلك أنّ العنعنة الّتي أصبحت خاصّة بالإجازة في عُرف المتأخّرين ، قد حكموا عليها بالاتّصال . قال العراقي في ألفيّته :

وكثُرَ استعمالُ « عن » في ذا الزمَنْ

إجازةً وهو بوَصلٍ ما قَمِنْ(1)

أقول :

وهذا الاحتمال قد ذكرناه نحن ، مقدّمةً للردّ عليه ، وهو ممّا لم يرد في كلام ذلك القائل .

أمّا استعمال الألفاظ غير العنعنة مع الإجازة :

فقد قال ابن الأثير : أمّا « أنبأنا » فإنّ أصحاب الحديث يُطلقونها على الإجازة والمناولة ، دون القراءة والسماع اصطلاحا ، وإلاّ فلا فرق بين الإنباء والإخبار ؛ لأنّهما بمعنىً واحد .

وقال الحاكم : « أنبأنا » إنّما يكون في ما يجيزه المحدّث للراوي شفاها ، دون المكاتبة . وجوّز قوم « حدّثنا » و « أخبرنا » في الإجازة(2) .

وقال العلائي في الألفاظ الدالّة على السماع : ويلحق بها « أنبأنا »

ص: 134


1- . ألفية الحديث : ص 13 رقم 146 .
2- . جامع الأُصول : ج 1 ص 439 .

و « نبّأنا » ، وإنْ كان غلب استعمالها عند المتأخّرين في الإجازة(1) . وكان الأوزاعي يخصّص الإجازة بقوله : « خبّرنا » بالتشديد(2) .

وقال الدربندي : إنّ جمعا قد جوّزوا إطلاق « حدّثنا » و « أخبرنا » في الرواية بالمناولة ، وهو مقتضى قول من جعلها سماعا ، وقد حكي عن جمع جوازه في الإجازة المجرّدة . . . وعن بعضهم تخصيصها ب « خبّرنا » والقراءة ب « أخبرنا » ، وقيل : إنّه اصطلح قومٌ من المتأخّرين على إطلاق « أنبأنا » في الإجازة(3) .

وقال العاملي : يجوز للسامع أن يقول : « حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا ونبّأنا » هذا في الصدر الأوّل ، ثمّ شاع تخصيص « أخبرنا » بالقراءة ، و « أنبأنا

ونبّأنا » بالإجازة(4) .

وحكي عن جمع من أعلام المحدّثين : إطلاقُ « حدّثنا » و « أخبرنا » في الإجازة :

قال ابن الصلاح عن الحافظ أبي نُعيم الأصفهاني ، صاحب التصانيف

الكثيرة في الحديث ، وكان يطلق « أخبرنا » فيما يرويه إجازةً ، أنّه قال : إذا قلتُ « حدّثنا » فهو سماعي ، وإذا قلتُ « أخبرنا » على الإطلاق ، فهو إجازةٌ ، من غير أنْ أذكر فيه : « إجازةً أو كتابةً أو كتبَ إليَّ أو أذِن لي

ص: 135


1- . جامع التحصيل : ص 114 .
2- . الإلماع : ص 128 132 ؛ علوم الحديث لابن الصلاح : ص 171 ؛ الباعث الحثيث لابن كثير : ص 119 ؛ منهج النقد : ص 225 ؛ توثيق السنّة : رقم 38 .
3- . القواميس : ص 29 ؛ ونقله بلفظه الصدرُ في نهاية الدراية : ص 179 .
4- . وصول الأخيار : ص 132 .

في الرواية عنه » .

وقال : كان أبو عبد اللّه المرزباني الأخباري صاحب التصانيف في علم الخبر يروي أكثر ما في كتبه إجازةً من غير سماع ، ويقول في الإجازة : « أخبرنا » ولا يُبَيّنها(1) .

وقال أيضا : ورد عن قومٍ من الرواة التعبير عن الإجازة بقول : « أخبرنا فلان أنّ فلانا حدّثه أو أخبره » ، بلغنا ذلك عن الإمام أبي سليمان الخطّابي أنّه اختاره أو حكاه(2) .

وقال القاضي عياض : وذهب جماعة إلى إطلاق « حدّثنا » و« أخبرنا » في الإجازة ، وحكي ذلك عن ابن جُريج وجماعة من المتقدّمين ، وقد أشرنا إلى مَنْ سوّى بينها [ أي الإجازة ] ، وبين القراءة والسماع ، على ما تقدّم ، وحكى أبو العبّاس بن بكر المالكي في كتاب « الوِجازة » أنّه مذهب مالك وأهل المدينة ، وقد ذهب إلى تجويز ذلك من أرباب الأُصول : الجويني(3) .

وقال عيسى بن مسكين قاضي القيروان وفقيه المغرب ( 214 295 ه ) : الإجازة رأس مالٍ كبير ، وجاز أنْ تقول : « حدّثني فلان » و « أخبرني فلان »(4) .

وقيل لمالك بعد أن استجيز في موطّئه فأجاز : كيف أقول « حدّثنا مالك »

ص: 136


1- . مقدّمة ابن الصلاح : ص 284 - 285 ؛ علوم الحديث : ص 170 .
2- . مقدّمة ابن الصلاح : ص 286 ؛ علوم الحديث : ص 172 ؛ والإلماع : ص 129 .
3- . الإلماع : ص 128 .
4- . المصدر السابق : ص 91 ، والفهرسة لابن خير : ص 16 .

أو « أخبرنا مالك » ؟ فقال : قُلْ أيّهما شئت(1) .

وقال الحكم بن نافع أبو اليمان : قال لي أحمد بن حنبل : كيف سمعت الكتب من شعيب بن أبي حمزة ؟ قلت : قرأتُ عليه بعضه ، وبعضه قرأه علَيَّ ، وبعضه إجازة ، وبعضه مناولةً . قال : قُلْ في كلّه : « أخبرنا شعيب »(2) .

فظهر أنّ إطلاق الألفاظ ، حتّى « حدّثنا » و « أخبرنا » في الإجازة ، أمرٌ جوّزه القدماء ، وجرى كثير من كبارهم عليه من دون حرج ، وإنّما تحرّج من ذلك بعض المتأخّرين على أثر اصطلاح أحدثوه ، لكنّه لم يكن ملزِما لغيرهم ، فلذا خالفه كبار المحدّثين والرواة ، كأبي نُعيم الأصفهاني ، والمرزباني ، كما مرّ ، ومن غير المعروفين كالسمرقنديّ أحمد بن محمّد بن إبراهيم ، والجيزي إسحاق بن راشد(3) .

فظهر أنّ ما صنعه بعض الرجاليّين من عيب مَنْ فعل ذلك من المحدّثين ، كالمرزباني وأبي نُعيم ، وكذلك ابن بُطّة المؤدّب ، الّذي قال فيه النجاشي : يتساهل في الحديث ويعلّق الأسانيد بالإجازات(4) بناءً على إرادة هذا المعنى ، ليس عيبا في الحقيقة ، وإنّما هو إشكال مبنيٌّ على التشديد في الالتزام بالألفاظ حسب المصطلح المتأخِّر الحدوث ، وقد عرفتَ أنّه لا ملزِم

ص: 137


1- . الإلماع : ص 90 .
2- . طبقات الحنابلة : ج 1 ص 49 .
3- . لاحظ : الإلماع : ص 119 ؛ ومنهج النقد : ص 226 نقلاً عن تعريف أهل التقديس : ص 4 .
4- . رجال النجاشي : ص 263 .

له حتّى تكون مخالفته عَيْبا .

وقد ذكرنا الجواب عن مثل هذا الإشكال في بحث « صِيَغ التحمّل والأداء » بتفصيلٍ أكثر ، فلاحظ .

وأمّا استعمال « عن » في سائر الطرق غير الإجازة :

فقد عرفنا في الفصل الثاني أنّ العنعنة مستعملة في التراث الإسلامي كلّه ، وفي مصادر الحديث الأُولى ومؤلّفاته المبكّرة ، وبشكل واسع وشائع ، ومن المعلوم أنّ أمر الإجازة لم يكن بتلك السعة وذلك الشيوع ؛ فلا بُدّ أنْ تكون « عن » مستعملةً مع الطرق الأُخرى ، حيث كانت أكثر الطرق شيوعا هي السماع والقراءة ، خصوصا إذا لاحظنا أنّ العنعنة تكثر مع أسماء الرواة في نهايات الأسانيد ، حيث تتّصل بالصحابة والتابعين وتابعيهم ، بشكل واضح .

فالإجازة ، وإنْ كانت عريقةً في القِدَم على ما أثبتناه في دراستنا الموسّعة عنها ، إلاّ أنّها وبالقطع واليقين لم تكن الغالبة ولا الشائعة ، بحيث تُحمل عليها العنعنة في أكثر الأسانيد الموجودة في التراث الحديثي ، مع أنّ من المسلّم به عند علماء الدراية ، ومؤرّخي علوم الحديث أنّ تخصيص « عن » بالإجازة على القول بالتشدّد في الألفاظ إنّما هو اصطلاح متأخّر ، كما عرفنا .

والحاصل : إنّ العنعنة المستعملة في عامّة كتب الحديث ، لم تكن إلاّ مع غير الإجازة من طرق الحديث والرواية .

مضافا إلى ما يوجد من التصريح باستعمال « عن » بدل « سمعت » الّتي

ص: 138

هي خاصّة بطريقة السماع ، فيما رواه أبو زُرْعة ، قال : سألتُ أحمد عن حديث « أسباط الشيباني ، عن إبراهيم ، قال : سمعتُ ابن عبّاس » ؟ قال أحمد : « عن ابن عبّاس » . فقلت : إنّ أسباطا هكذا يقول : « سمعتُ » فقال أحمد : قد علمتُ ، ولكن إذا قلتُ « عن » فقد خلّصتُه وخلّصتُ نفسي ؛ أو نحو هذا المعنى(1) .

كما أنّ الشافعيّ ساوى بين « عن » و « سمعت » في رسالته(2) .

وقد مرّ بنا ما ذكره الشيخ الطوسي في ترجمة « أبي غالب الزراري » من قوله : أخبرنا بكتبه ورواياته أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه ، عنه » . وأضاف : وقال الحسين : قرأت سائرها عليه عدّة دفعات(3) .

فمع التصريح بكون روايات الحسين عن أبي غالب الزراري بطريقة القراءة لجميع الكتب والروايات ، ولعدّة دفعات ، فإنّ الشيخ الطوسي عبّر في طريقه بكلمة : « عنه » مطلقا ، ولم يُقيّدها بقوله : « قراءةً عليه » . ولا ريب أنّ

هذا يدلّ على استعمال « عن » مع التحمّل بطريقة القراءة على الشيخ .

وقد ساوى الأوزاعيّ بين « عن » و « قال »(4) . مع أنّ « قال » لا تُستعمل في الإجازة ، ولا يجري فيها ما ذكره المستشكِل المتشيّخ .

ونعود فنقول في تلخيص هذا الردّ عليه : إنّ العنعنة لم تختصّ بالإجازة ،

ص: 139


1- . طبقات الحنابلة : ج 1 ص 203 .
2- . الرسالة للشافعي : ص 378 - 379 .
3- . الفهرست للطوسي : ص 56 رقم 594 .
4- . جامع بيان العلم : ج2 ص 179 .

ولا الإجازة تختصّ بالعنعنة ، فإذا كانت العنعنة صحيحة في غير الإجازة من طرق التحمّل ، ولا إشكال في السند من حيث كونه معنعنا ؛ فهي كذلك مع الإجازة ، وإذا كانت الإجازة معتبرة إذا لم تكن معنعنة ، فلا إشكال فيها لو اقترنت بالعنعنة . فإنّ كلاًّ منهما لوحده لا إشكال فيه ، فاجتماعهما لا يولّد إشكالاً ، كما مرّ .

وأظنّ أنّ المتشيّخ المذكور لقط ما سمعه من الإشكال على العنعنة من جهة ، والإشكال على الإجازة من جهةٍ أُخرى ، وخلط بين الإشكالين ، فصبَّ جام جهله على « الحديث المعنعن » كما عرفت ، وعرفت الجواب والردّ عليه مفصّلاً .

ونقول لهذا المخلّط أخيرا :

إنّا نجد « العنعنة » مستعملة حتّى مع أسماء المعصومين عليهم السلام كلاًّ عن الآخر ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، عن الملائكة ؛ وأحيانا عن اللوح ، عن القلم ، وفي كثير من الروايات « عن اللّه جلّ وعلا » .

ومن الواضح لكلّ ذي عين ولو واحدة أنّ العنعنة حينئذٍ لا يمكن حملها على الإجازة أصلاً ، فضلاً عن الإجازة الباطلة ، بل لا بُدّ من حملها على الطرق المعتبرة الأُخرى ، وبوحدة السياق والنسق يُحكم على العنعنات المتأخّرة ، بمثل ذلك .

ولو فرض أنّ هذا المتطفّل حاول حملها على الإجازة مع الأسماء

الكريمة ، فهذا أدلّ دليلٍ على اعتبار الإجازة وكونها من الطرق المقدّسة ، وبوحدة النسق يُحكم بحكمها هذا على العنعنات الأُخرى ، هذا إذا كانت

ص: 140

العنعنات المذكورة من استعمال المعصومين عليهم السلام أنفسهم ، وأمّا إذا كانت العنعنة من استعمال الرواة ، فنفس هذا دليل على شيوع تداولها واعتبارها منذ الصدر الأوّل ، ومن دون مُعارض ، وبوحدة النسق تثبت حجّيّتها فيما بعد ذلك أيضا .

فأينَ ما لفّقه ذلك المخلّط ؟ ! وكيف يجرؤ على تصوّره في العنعنات المنتثرة في التراث الحديثي ؟ ! ومع الأسماء الكريمة ؟ ! !

ص: 141

ص: 142

الخاتمة

اشارة

ملاحظات حول العنعنة

الملاحظة الأُولى :

قال السيوطي : وجدتُ في بعض الأخبار ورود « عن » فيما لم يمكن سماعه عن الشيخ وإنْ كان الراوي سمع منه الكثير ، كما رواه أبو إسحاق السبيعي عن عبد اللّه بن خبّاب بن الأرتّ : أنّه خرج عليه الحرورية فقتلوه حتّى جرى دمه في النهر ، فهذا لا يمكن أن يكون أبو إسحاق سمعه من ابن خبّاب كما هو ظاهر العبارة ؛ لأنّه هو المقتول .

قال السيوطي : قلتُ : السماع إنّما يكون معتبرا في القول ، وأمّا الفعل فالمعتبر فيه المشاهدة ، وهذا واضح(1) .

أقول :

أبو إسحاق السبيعي هو عمرو بن عبد اللّه ، قيل : وُلد عام 39 ه ، وقيل بعد

ص: 143


1- . تدريب الراوي : ج1 ص 133 - 134 .

ذلك ، فمشاهدة القضيّة المنقولة منتفية في حقّه قطعا ، مع أنّه اتّهموه بالتدليس وأنّه معروف به(1) .

وقد صرّح علماء الفنّ بأنّ عنعنة المدلّس لا تدلّ على الاتّصال ، فلا يعتبر ذلك حتّى لو أمكن اللقاء ! فكيف لو لم يمكن ؟ !

الملاحظة الثانية :

قال الدكتور عتر : قد يُستشكل بما وقع في الحديث على شرط الاتّصال ثمّ تبيّن أنّه ليس بمتّصل ، كحديث مالك عن نافع عن ابن عمر : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمأدرك عمر بن الخطّاب وهو يسير في ركبٍ ، يحلف بأبيه ، فقال : « ألا إنّ اللّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كانَ حالفا فليحلف باللّه ، أو

ليصمت » .

وفي رواية أُخرى عن سالم ، قال : قال ابن عمر : سمعتُ عمر يقول : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « إنّ اللّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم . . . »(2) .

قال عتر : ظاهر الرواية الأُولى يوجب أن يكون من مسند ابن عمر ، فهذا الحديث مشترك متردّد لتعلّقه بالنبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وبعمر ، فقد أدركهما ابن عمر وصحبهما ، فصلحت « أنّ » للرواية عنهما . ولو كان الإدراك قاصرا على أحدهما لتعيّن الاتّصال عن طريقه ، وهذا ملحظ دقيق جدّا ينبغي التنبّه له ، والحذر من الغلط بسببه(3) .

ص: 144


1- . لاحظ : تهذيب التهذيب : ج 8 ص 66 67 ؛ والاختصاص للمفيد : ص 83 .
2- . منهج النقد : ص 353 عن صحيح البخاري : ج 8 ص 132 واللفظ له ؛ وصحيح مسلم : ص 8005 .
3- . منهج النقد : ص 352 - 353 .

أقول :

ومثله يجري في العنعنة لو عُلِمَ توسّطُ راوٍ بين الشيخ والراوي المتحمّل عنه ، كما في المثال التالي : « روى أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد اللّه بن المغيرة » في الموارد التالية من التهذيب :

1 - كتاب الديات ، باب القود بين الرجال والنساء .

2 - كتاب النكاح ، باب المهور والأُجور .

3 - كتاب الصلاة ، باب أحكام الجماعة ( ج 3 ص 47 رقم 164 ) .

4 - كتاب الصلاة ، باب أوقات الصلاة ( ج 2 ص 36 رقم 114 ) .

5 - كتاب الصيد ، باب الصيد والذكاة .

وروى المورد الأوّل في الاستبصار ، إلاّ أنّ فيه :

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن المغيرة(1) .

وقد روى أحمد ، عن ابن المغيرة ، بواسطة الرجال الآتية أسماؤهم :

بواسطة الحسن بن عليّ ، في التهذيب ، كتاب الطهارة ، باب صفة الوضوء ، الزيادات .

وبواسطة ابن أبي عمير ، في التهذيب ، كتاب المكاسب ، باب المكاسب ،

وكتاب الطلاق ، باب حكم الظهار . وفي الكافي ،كتاب المعيشة ، باب الحثّ على الطلب .

وبواسطة محمّد بن الحسن بن علاّن ، في التهذيب ، كتاب الحجّ ، باب

ص: 145


1- . الموسوعة الرجالية للسيّد البروجردي : ج 2 ص 59 .

الزيادات .

وبواسطة البرقي ، وأبيه ، في التهذيب ، كتاب الطلاق ، باب أحكام الطلاق ، وكذا في مواضع عديدة أُخرى(1) .

وبواسطة محمّد بن يحيى ، في التهذيب ، كتاب الجهاد ، باب مَنْ يجب معه

الجهاد ، كيفية جهاد المشركين(2) .

فهو يروي عن ابن المغيرة مباشرة ، ومع الواسطة .

لكنّ الكشّي صرّح بقوله : قال نصر بن الصباح : وما روى أحمد قطُّ عن عبد اللّه بن المغيرة ، ولا عن الحسن بن خرّذاد(3) .

وقال النجاشي في ترجمته : قال ابن نوح : وما روى أحمد عن ابن المغيرة ، ولا عن الحسن بن خرّذاد(4) .

ومع تصريح أعلام الفنّ بعدم روايته المباشرة عن ابن المغيرة ، وقرينيّة قلّة رواياته عنه بلا واسطة ، فالأمر في « إعلال » أسانيد تلك الروايات واضح ، فلا وجه لمحاولة التستري مِن جعل ذلك دليلاً على الفرق بين قولهم : « فلانٌ عن فلان » ، وقولهم : « روى فلان عن فلان » ، وأنّ الأوّل يستلزم الرواية بلا واسطة ، والثاني : فأعمّ(5) ، فإنّ ظاهر العبارتين هو الرواية بلا واسطة ، والثاني أصرح في ذلك من الأوّل ؛ لوجود الفعل « روى » ، وإنّما عرف عدم الاتّصال في روايات أحمد عن ابن المغيرة ، في تلك الموارد

ص: 146


1- . المصدر السابق : ج 2 ص 68 .
2- . المصدر السابق : ج 2 ص 72 .
3- . اختيار معرفة الناقلين : ص 512 رقم 989 .
4- . رجال النجاشي : ص 82 رقم 198 .
5- . قاموس الرجال : ج 1 ص 14 الفصل 5 .

القليلة ، من أمر خارج ، وهو تصريحهم بذلك من جهة ، ووجود الواسطة في أكثر الطرق من جهة أُخرى ، لا من مجرّد عبارة « العنعنة » سواء مع الفعل « روى » أم بدونه .

والحاصل : إنّ ظهور كلمة « عن » في الاتّصال ممّا لا ينبغي الشكّ فيه ، وإنّما تصرف إلى غيره عند وجود ما يدلّ على عدم الاتّصال ، فيكون مجازا .

قال العلائي : إذا ساغ استعمال « عن » في الاتّصال وحملها عليه وهو الّذي نقله جماعة من الأئمّة عن كافّة العلماء ، كانت حقيقتها الاتّصال ، وإذا وردت في المرسَل وفي الانقطاع كانت مجازا(1) .

وتخرج الموارد القليلة من التعليل بالالتزام بأنّ كلمة « بن » في الموارد الأُولى « أحمد بن محمّد بن عيسى » هي مصحّفة كلمة « عن » ، فالصواب : « أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبد اللّه بن المغيرة » .

الملاحظة الثالثة :

ما هو السرّ في اعتماد القدماء من مشايخ الحديث على « العنعنة » بصورة واسعة ، وإهمالهم للألفاظ الأُخرى ؟ لا ريب أنّ واضعي الألفاظ لم يلتزموا بحرفيّتها ، حتّى المتشدّد منهم ، بل عمدوا إلى اختصارها ؛ لثقلها بالتكرّر ، خصوصا مع التنوّع ، وقد شرحنا ذلك في بحث « الصِيَغ » .

وأمّا أعلام المحدّثين عندنا فقد عمدوا إلى استبدالها كلّها بكلمة « عن » الّتي هي كاملة الدلالة وبالاستقلال على تمام المقصود من تلك الألفاظ مع

ص: 147


1- . جامع التحصيل : ص 117 - 118 .

وجازة لفظها ، فاكتفوا بها من دون إشعار بالاختصار ، ولا ريب أنّ هذا أَوْلى ممّا عمله غيرهم من الحذف تارةً ، أو اختصارها بالرموز .

فإذا كان الهدف الأساسي من الألفاظ هو التعبير عن اللقاء وتحمّل الحديث ووصول الرواية من الشيخ إلى الراوي ، وبلوغ الحديث ، وكان كلّ هذا يتأدّى بكلمة « عن » من دون اختصار ، فهو أَوْلى بلا ريب من حذف اللفظ مطلقا من دون رمز ، أو تبديله برمز . مع أنّ الغرض من إيراد الطرق في كتب الحديث وكتب الاستدلال هو الاعتماد على ما تُوصله من المتون وتؤدّيه من المعاني ، فالانشغال بالمصطلحات المستجدّة يبعد المسافة على طلاّب العلم ، الّذين يريدون فقه الحديث للتوصّل إلى العمل به .

وأمّا خصوصيّات الألفاظ وفوائدها ، فقد قدّروا لها مجالاً للاستعمال بقدرها ، وفي مواضع خاصّة ، كما في الكتب الموضوعة لبيان الطرق فقط ، كالفهارس والمعاجم ، حيث التزموا فيها بالألفاظ بمزيد من العناية ؛ لأنّ الغرض استيفاؤها من دون ذِكر المتون ، كما هو واضح .

وأخيرا :

فإنّ الصدر الأوّل من المحدّثين والرواة وكذلك القدماء لم يلتزموا بهذه الألفاظ المصطلحة ، ولم يستعملوا في القرنين الأوّلَين سوى لفظة « عن » كما عرفنا . فالأمانة العلمية تقتضي الاحتفاظ بما جاء فينصوصهم ، والتبعيّة لهم في ذلك .

وأمّا ما أُحدث في النصف الثاني من القرن الثاني ، من وضع هذه الألفاظ لمقاصد معيّنة ، فهو وإنْ كان حسنا ، إلاّ أنّه ليس واجب الالتزام ، كما عرفت . ولايوجب حزازة على ما سبق وروده في الأحاديث من استعمال

ص: 148

العنعنة .

كما أنّ في كثير من تطبيقاته تكلّفا واضحا ، مثل ما ورد عن سفيان بن عُيَيْنة ، قال : « نا عمرو بن دينار » يريد « حدّثنا » ، فلمّا قيل له : قل « حدّثنا

عمرو » ! قال : لا أقول ؛ لأنّي لم أسمع من قوله « حدّثنا » ثلاثة أحرف وهي : « ح د ث » لكثرة الزحام ، فأقتصرُ على « نا » النون والألف(1) .

فهو يصرّح بعدم إرادته الاختصار ، وإنّما يتقيّد بلفظ ما سمع ، مع علمه بأنّ المراد هو « حدّثنا » وأنّه هو الواقع من الشيخ ، فهذا بلا ريب وَرَعٌ مُظْلِمٌ ، لا يطلبه أهل الفضل والعلم والفقه ، وليس يليق إلاّ بمن يتمشدق بهذه الزخارف . ولو كان أهل التشدّد في الاصطلاح يستحسنون هذا ويجوّزونه باعتباره اختصارا غير مضرٍّ ، فأَوْلى لهم أن يجوّزوا التلفّظ بكلمة « عن » الّتي تؤدّي الرواية بكامل معناها ، من دون اختصار مع ما فيه من الاتّباع للصدر الأوّل .

ولنختم هذا البحث ، بكلامٍ فَصْلٍ من الخطيب البغدادي ، حيث قال : « أهل العلم مُجمِعون على أنّ قول المحدّث : حدّثنا فلان عن فلان ، صحيح معمول به ، إذا كان شيخة يعرف أنّه قد أدرك الّذي حدّث عنه ولقيه وسمع منه ، ولم يكن هذا المحدّث ممّن يدلّس ، ولا يستجيز أن يُسقط [ اسما ] ويروي الحديث عاليا ؛ لأنّ الظاهر من الحديث السالم راويه ممّا وصفنا الاتّصالُ ، وإنْ كانت العنعنة هي الغالبة على إسناده(2) .

ص: 149


1- . علوم الحديث لابن الصلاح : ص 147 ، المقدّمة : ص 259 .
2- . الكفاية للخطيب : ص 421 .

ص: 150

خلاصة البحث

1 - « العنعنة » مصدرٌ جَعْليٌّ مأخوذٌ من استعمال كلمة « عَنْ » في الإسناد ، وهي في اللغة تأتي بمعانٍ عديدة ، أشهرها المجاوزة ، ولكنّها إذا وقعتْ في الأسانيد وما هو بمعنى النقل المعلوم فاعله ، فإنّها لا بُدّ أنْ تكون بمعنى « مِنْ » . وقد اصطلح أهل الحديث على ذلك ، كما قد دارت حولها بحوث اصطلاحيّة أُخرى ، وقد جمعنا كلّ ما يرتبط بها لغةً واصطلاحا ، في الفصل الأوّل .

2 - وتتبّعنا في الفصل الثاني « تاريخ العنعنة » ، فوجدنا أنّها متوغّلة في القِدَم ، فالتراث الحديثي ، والشيعي منه بخاصّة ، يدور على استعمالها بما لها من المعنى اللغوي ، أعني « مِنْ » ، وقد وقع الاصطلاح على ذلك أيضا عند المحدّثين شيعة وعامّة .

وبما أنّ الأصل في معاني « عن » المجاوزة ، فقد استعملت لغةً في معنى صدور الكلام من قائله ، ولو كان بعيدا زمانا عن الناقل له ، كما يُفهم من قولهم « رُوي عن الصادق عليه السلام » عندما يكون فاعل الرواية المباشرة مجهولاً مثلاً فهذا لا يعني الاتّصال بين الناقل والقائل .

ص: 151

وكذا بما أنّ المتأخّرين من المحدّثين خصّصوا لكلّ طريق من طرق التحمّل والأداء لفظا من الصيغ الموضوعة لذلك ، فخصّصوا لفظة « عن » لِما يُنقل بطريقة الإجازة ، وبما أنّ طريقة الإجازة تحوّرت على أثر الإهمال والتماهل والتساهل كما هو الحال في سائر أدوات المعرفة الإسلاميّة فإنّ الإجازةَ مُنيت بهجوم عنيف من قبل بعضهم ، وبالتزييف والتسخيف من بعضٍ آخر .

من كلّ هذه الأُمور واجتماعها في الحديث « المعنعن » ، صدرت نغمات الهجوم على العنعنة وحديثها ، وأعلام المحدّثين ضمن جمهورهم تصدّوا لِما قيل فيها من الإشكالات منذ القدم ، حيث تصدّى مسلم بن الحجّاج القشيري صاحب الصحيح للردّ على مَنْ شكّك في حجّيّتها في مقدّمة كتابه المعروف بالصحيح .

3 - ولكنّ متّبعي الشُبهات أثاروا بعض ذلك في الآونة الأخيرة على أثر تشكيك أعداء الإسلام من أمثال المستشرق فرنز روزنتال ، إذ قال : ولأسباب عملية مهمّة كان الوضع أرحب مجالاً في الحديث ، إذ وجد الواضعون عملهم سهلاً ميسورا ؛ لأنّ فكرة « العنعنة » أو الرواية الشفوية ، تفتح الباب على مصراعيه لكلّ نوعٍ من التزوير(1) .

فمع أنّه لم يفهم فكرة العنعنة بالضبط ، ففسّرها بالرواية الشفوية ، فهو لا يُريد إلاّ الهجوم على جميع الحديث المرويّ بطريقة شفوية سواء بالعنعنة أو باللفظ الصريح مثل « حدّثنا » و « أخبرنا » . ومع أنّه يُوحي من طرفٍ خفيّ

ص: 152


1- . مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي ، ترجمة د . أنيس فريحة : ص 130 .

إلى أنّ الحديث الشريف لم يعتمد الكتابة والتدوين ، وإنّما ظلّ مستندا إلى الرواية الشفوية(1) .

إلاّ أنّه أخفق في ربط العنعنة بمسألة الوضع في الحديث ، إذ غاية ما يرد على العنعنة إنّما هو « التدليس » الّذي قد تُصدّي له بكلّ قوّة ، وكُشف عن عواره بكلّ شدّة ، ومُحِّص عن الحقّ ضدّه بكلّ صلابة ، حتّى عُرِفَ المدلّسون وكيفيّة عملهم . بل إنّ الإشكال على العنعنة مبنيّ على الاحتياط من فعل المدلّسين ، لكنّ هذا المستشرق يثيرها في اتّجاهٍ معاكس للغرض ، وهذا إنْ أحسنّا الظنّ بالمستشرقين ناشئ عن عدم فهمهم للغة العلم عند المسلمين .

ولكنّ المؤسفَ أنْ يتصدّى للحديث المعنعن ، مَنْ يتمشيَخ ويعدّ نفسه أُستاذا مدرّسا ، يجول في حلقات درسه بأمان ، ويطلق لسانه بحرّيّة تامّة ، فيطرح الإشكال على الأحاديث المعنعنة في تراثنا الحديثيّ بأنّها تُنبئ عن الإجازة ، وهي باطلة ! محاولاً بذلك الالتفاف على أهمّ مصادر الحديث الشريف ، وإخراجها عن حيّز الاستدلال بها لاعتمادها بشكل رئيسي على الحديث المعنعن .

وقد عقدنا الفصل الثالث بطوله للإجابة عن ترّهاته تلك وسفسطاته المزخرفة .

إنّ أمثال ذلك المتطفّل على حلقات العلم إنّما عمدوا إلى ذلك لأمرين :

الأوّل : جهلهم بالمصطلحات ودورها في العلوم ، وذلك لقصور أسنانهم

ص: 153


1- . وقد فنّدنا هذه المزعومة بتفصيل في كتابنا تدوين السُنّة الشريفة .

عن متابعتها ، وقصور أذهانهم عن التوصّل إلى معانيها .

الثاني : لعجزهم لغويا عن مداولة الحديث الشريف ومدارسة فقهه ، والاستفادة منه ، فخيرٌ لهم أن يتجاوزوه بالإسقاط والتزييف !

4 - وفي الخاتمة عرضنا بعض المشاكل الناتجة من العنعنة بما له أثر تطبيقي لبعض ما سبق من فصول البحث .

5 - والحاصل : إنّ الحديث المعنعن ، هو كسائر الأحاديث المرويّة بالألفاظ ، واعتباره كاعتبارها ، من دون فرقٍ بينها من جهة العنعنة ، الّتي أُثيرت حولها شبهات باطلة ، منشأُها :

إمّا الجهل باللغة العربية ، والقصور عن فهم المصطلحات وأغراضها وسوء استخدامها ووضعها في غير مواضعها ، أو العداء الصارخ والمخفيّ لهذا الدين من خلال ضرب أهمّ مصادر المعرفة فيه ، وهو التراث الحديثي المجيد .

حَفِظ اللّه تراثنا الغالي من أن تناله أيدي الجهلة وأسنّة الأعداء السفلة ، ووفّق أهل الدين لحماية مصادر معرفته أُصولاً وفروعا .

آمين ، بحقّ محمّد وآله الطاهرين ، صلوات اللّه عليهم أجمعين .

«سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *

وَ سَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ *

وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»

ص: 154

فهرس الروايات

رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « أنا أعلمكم باللّه »، 110

رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « أنت خير البشر ، ولا يشكّ فيك إلاّ كافر »، 100

رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ألا إنّ اللّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفا فليحلف...»، 144

رسول اللّه صلى الله عليه و آله :« الماء يطهّر ولا يطهّر »، 68

رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « أنا شجرة ، وفاطمة فرعها ، وعليّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها...»، 105

رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « حدّثني جبرئيل ، سيّد الملائكة: عن اللّه ربّ الأرباب تعالى ، قال : إنّي أنا...»، 79

رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « زيّنوا مجالسكم بذكر عليّ بن أبي طالب عليه السلام »، 108

رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما ، كان معي...»، 76

رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « يا عليّ ! إذا دخلت العروس بيتك »، 97

رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « يقول اللّه عزّ وجلّ : لا إله إلاّ اللّه حصني ، فمن دخل حصني...»، 78

الإمام عليّ عليه السلام:« ليس من أخلاق المؤمن التملّق ، ولا الحسد ، إلاّ في طلب العلم »، 69

الإمام الباقر عليه السلام : « اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس ، فإنّي أحبّ...»، 86

الإمام الباقر عليه السلام:« بلغني أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قال »، 51

الإمام الصادق عليه السلام : « بنا يبدأ البلاء ثمّ بكم ، وبنا يبدأ الرخاء ثمّ بكم ، والّذي يحلف...»، 107

المعصوم عليه السلام: « الإيمان إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وعمل بالأركان »، 81

المعصوم عليه السلام : « إنّ اللّه تعالى ليغضب لغضب فاطمة ، ويرضى لرضاها »، 81

ص: 155

ص: 156

فهرس الأعلام

أبان بن تغلب بن رباح86، 104

أبان بن عثمان94

إبراهيم47

إبراهيم بن الحسن97

إبراهيم بن بشر بن خالد العبدي99

إبراهيم بن جرير بن عبد اللّه البجلي39

إبراهيم بن الحسين72

إبراهيم بن عبد اللّه 105

إبراهيم بن محمّد الثقفي94، 99، 121

إبراهيم بن موسى108

إبراهيم بن هاشم95

إبراهيم بن الهيثم البلدي99

ابن أبي إسحاق السبيعي105

ابن أبي جيّد104

ابن أبي عمير101، 145

ابن أبي يعفور85

ابن الأثير22، 134

ابن إدريس العجلي الحلّي58، 85

ابن الأشعث67

ابن جريج136

ابن حجر العسقلاني15، 30، 36، 38، 39، 40، 42، 54، 72

ابن حزم57

ابن الرازي = جعفر بن أحمد القمّي

ابن زهرة الحلبي82

ابن السقّاء = عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان

ابن سيرين53

ابن شهاب109

ابن الصلاح36، 37، 44، 45، 49، 53، 57، 135

ابن عبّاس30، 31، 47، 53، 63، 139

ابن عبد البرّ50، 55، 56، 120، 129

ابن عتّاب131

ابن عديّ الجرجاني39، 120

ابن عمر111، 144

ابن عيينة64

ابن قولويه76

ص: 157

ابن ماجة111

ابن مسعود الأنصاري31، 52

ابن معين39

ابن المغيرة145، 146

ابن منظور21، 23، 26

ابن نوح146

ابن هشام21، 23، 25

أبو إبراهيم عليه السلام74

أبو أحمد بن صالح التميمي98

أبو إسحاق الثقفي94

أبو إسحاق السبيعي31، 143

أبو إسحاق الطالقاني97

أبو بشر ختن المقرئ100

أبو بصير85

أبو بكر77

أبو بكر بن أبي شيبة110، 111

أبو بكر بن حزم52

أبو بكر الدوري105

أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي106

أبو جعفر أحمد بن زكريّا بن سعيد المكّي97

أبو جعفر الأعور89

أبو جعفر الباقر عليه السلام29، 51، 87

أبو جعفر بن يحيى الحكّاك التميمي132

أبو جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني75

أبو جعفر = الشيخ الصدوق

أبو جعفر = الشيخ الطوسي

أبو جعفر (صاحب الإمام الرضا عليه السلام)85

الشيخ أبو جعفر الطوسيّ92

أبو جعفر القمّيّ90

أبو حامد = أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسين

أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمر الزاهد79

أبو الحسن بن رزقويه107

أبو الحسن الرضا عليه السلام80

أبو الحسن طاهر بن محمّد بن يونس100

أبو الحسن = عليّ بن جعفر بن حمّاد بن رزين الصيّاد

أبو الحسن = علي بن محمّد بن محمّد

أبو الحسن الكاظم عليه السلام74، 84

أبو الحسن الماضى عليه السلام = موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

أبو الحسن = موسى بن اسماعيل بن الإمام الكاظم عليه السلام

أبو الحسين بن موسى108

أبو الحسين = عليّ بن المعلّى الأسدي

أبو الحسين = محمّد بن صالح

أبو حمزة الثمالي29، 82، 99

أبو حنيفة56

أبو خالد31

أبو داوود111

أبو ذرّ99

أبو زرعة47

أبو سعيد الجريري البكري86

أبو سعيد = الحسن بن عليّ العدويّ

أبو سعيد الخدري97

ص: 158

أبو سلمة111

أبو سليمان الخطّابي136

أبو صالح31، 111

أبو الصلت الهروي78

أبو طالب = عبد اللّه بن الصلت

أبو عاصم31

أبو العالية63

أبو العبّاس = أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة

أبو العبّاس بن بكر المالكي136

أبو العبّاس = محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني

أبو عبد اللّه 83

أبو عبد اللّه البخاري64

أبو عبد اللّه بن شاذان74

أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه 104، 139

أبو عبد اللّه الحسين بن محمّد بن نصر الحلواني107

أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام29، 52، 84، 85، 101، 102

أبو عبد اللّه = محمّد بن أحمد بن محمّد بن شهريار الخازن

أبو عبد اللّه = محمّد بن خلف بن إبراهيم بن عبد السلام المروزي

أبو عبد اللّه = محمّد بن محمّد بن النعمان

أبو عبد اللّه المرزباني الأخباري136

أبو عبيد25

أبو عبيدة24، 52

أبو عليّ = إسماعيل بن حاتم

أبو عليّ الحسن بن محمّد الطوسي106

أبو عليّ الحسن الطوسي106

أبو علي الكوفي66

أبو عليّ = محمّد بن أحمد بن الجنيد

أبو عليّ = محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي

أبو عليّ الهروي132

أبو عمّار61

أبو عمران = موسى بن إبراهيم المروزي البغدادي

أبو عمر بن عبد البرّ الحافظ36

أبو عمرو الأوزاعي62

أبو عمرو بن السمّاك107

أبو عمرو الداني36

أبو عوانة111

أبو غالب الزراري104

أبو القاسم77

أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي108

أبو مجلز31

أبو محمّد66

أبو محمّد بن السقّاء66

أبو محمّد بن عتّاب الأندلسي131

أبو محمّد = الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن العبّاس الرازي

أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد الأبهري105

أبو محمّد = عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان

ص: 159

أبو محمّد = هارون بن موسى

أبو مريم الأنصاري15

أبو مريم عبد الغفّار بن القاسم15

أبو منصور107

أبو نباتة97

أبو نصر الوائلي132

أبو نعيم الأصفهاني135، 137

أبو نعيم = محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن خلف الحجازي

أبو هريرة31، 63، 111

أبو همّام بن نافع105

أبو يزيد = أحمد بن خالد الخالدي

أبو يعقوب97

أبو يعلى79

أبو يوسف56

أحمد بن إدريس103

أحمد بن جعفر بن سفيان103

أحمد بن الحسين القطّان96

أحمد بن حنبل15، 47، 65، 78، 133، 137

أحمد بن خالد الخالدي98

أحمد بن صالح التميمي98

أحمد بن عبدوس الخلنجي103، 104، 105

أحمد بن عبدة الضبّي23

أحمد بن عيسى الكلابي70

أحمد بن محمّد74

أحمد بن محمّد بن إبراهيم السمرقندي137

أحمد بن محمّد بن أبي نصر85

أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسين98

أحمد بن محمّد بن إسحاق97

أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة73، 105، 106

أحمد بن محمّد بن الصدّيق الغماري55

أحمد بن محمّد بن عقدة الكوفي16

أحمد بن محمّد بن عيسى145، 147

أحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان104

أحمد بن محمّد بن موسى104

أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري79

أحمد بن محمّد بن يحيى74

أحمد بن محمّد السناني المكتّب100

أحمد بن محمّد العاصمي104

أحمد بن المظفّر العطّار68

أحمد بن نجدة100

أحمد بن هارون الفامي101

الإربليّ23، 25

الأزهري32

إسحاق بن راشد الجيزي137

إسحاق بن راهويه80

إسحاق بن محمّد بن مروان105

إسحاق بن نجيح97

إسماعيل بن حاتم97

إسماعيل بن الفضل98

إسماعيل بن مهران السكوني103

إسماعيل المخزومي103

أسماء بنت عميس96، 97

ص: 160

الأصمعي24

الأعمش61، 111

الإمام الباقر عليه السلام51، 78، 82، 86، 105

الإمام الحسين عليه السلام51

الإمام الرضا عليه السلام77، 78، 80، 82، 96

الإمام الصادق عليه السلام66، 67، 101، 151

الإمام العامليّ39

الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام101

الإمام الكاظم عليه السلام51، 67، 71، 72، 73

الإمام الكليني18

اُمّ جعفر97

اُمّ محمّد97

أمير المؤمنين عليه السلام15، 80، 96، 97، 105

الأندلسي53

أنس بن مالك38، 100

أنس بن محمّد97

أنس بن محمّد أبو مالك98

الأوزاعي38، 63، 135

أيّوب بن نوح101

البخاري31، 36، 63، 64، 120، 123

البرقي94، 146

البزنطي85

البلاذري80

البهائي15، 33

الشيخ البهائي116

البيهقي52، 53، 54

الترمذي31، 76، 111

التستري146

ثابت بن دينار الثمالي98

جابر بن عبد اللّه الأنصاري31، 105، 108

جبرئيل عليه السلام79، 80، 81

الجزائري34

جعفر بن أحمد القمّي الرازي70، 72

جعفر بن سلمة الأهوازي99، 121

جعفر بن عبد اللّه 106

جعفر بن عبد اللّه المحمّدي73

جعفر بن محمّد98، 108

جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام15، 69، 70، 76، 77، 78، 79، 80، 100، 107، 121

جعفر بن محمّد الكاظم عليه السلام71

جعفر بن محمّد مروان105

السيّد الجلالي73

جندب بن جنادة = أبو ذرّ

جويرية بن مسهر97

الجويني136

الحارث31

الحارث الأعور31

الحارث الهمداني105

الحاكم النيسابوري80

حبيب110

حذيفة62

حريز بن عبد اللّه 94

الحسن بن خرّذاد146

الحسن بن سعيد110

ص: 161

الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن العبّاس الرازي99

الحسن بن عبد اللّه العسكري70

الحسن بن عرفة38

الحسن بن عليّ عليه السلام100

الحسن بن عليّ145

الحسن بن عليّ بن محمّد79

الحسن بن عليّ العدويّ97

الحسن بن متّويه بن السندي104

الحسن بن محبوب95

الحسن بن مسلم102

حسن المصطفوي83

الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام96

الحسين بن إبراهيم بن ناتانه121

الحسين بن سعيد84

الحسين بن عبيد اللّه 103، 104

الحسين بن عليّ عليه السلام68، 71، 76، 78، 79، 80، 81، 98، 100، 108

الحسين بن موسى النحّاس97

حصين بن مشمت22

حفص بن غياث بن طلق القاضي61

الحكم110

الحكم بن نافع أبو اليمان137

حمّاد بن عمرو97، 98

حمّاد بن عيسى94

الحموي الشافعيّ82

حنان بن سدير100

خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله

خصيف97

الخطيب البغدادي22، 23، 69، 70، 71، 129، 132، 149

الخليل21

الخليل بن عبد اللّه بن أحمد79

الخوارزميّ الحنفيّ82

السيّد الداماد33، 36، 45، 90، 117، 119

داوود بن سليمان بن وهب بن أحمد القزويني الثغريّ107

الدربنديّ48، 131، 135

الدكتور حسين علي90

الدكتور عتر144

الدولابي76

الدهلوي54

رئيس المحدّثين = شيخ الصدوق

رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم22، 51، 57، 58، 66، 68، 70، 71، 72، 76، 78، 81، 82، 99، 100، 105، 108، 111، 121، 144

الزبيدي22

زرارة52، 94

الزرقاني56

الزهري53، 111

زيد83

زيد بن أسلم110

زيد النرسي84

زين العابدين عليه السلام79، 81

ص: 162

سالم144

السخاوي50

سديف المكّي100

سعدان بن سعيد106

سعد بن عبد اللّه 94، 95، 97، 100، 101

سفيان31، 110، 111

سفيان بن إبراهيم الفايدي الفامي106

سفيان بن عيينة149

السلفي132

سلمة بن الخطّاب103

سليم الفرّاء102

سماك بن حرب111

سمرة بن جندب110

السمعاني120

سهل بن أحمد بن سهل الديباجي66

سهل بن أحمد الديباجي69

سهل بن زياد الآدمي74، 75، 100

سيّد الأوصياء79

سيّد الشهداء عليه السلام = الحسين بن عليّ عليه السلام

سيّد العابدين عليه السلام98

سيّد الملائكة عليه السلام79

السيوطي143

الشافعيّ39، 47، 53، 56، 57

الشجريّ79

شريك111

شعبة15، 110

شعيب بن أبي حمزة137

شعيث22

الشهيد الأوّل82

الشهيد الثاني33، 36، 48، 49

شهيد كربلاء = الحسين بن عليّ عليه السلام

الشيباني47، 132

الشيرازي43

الصادق الأمين صلى الله عليه و آله

الشيخ الصدوق39، 67، 70، 74، 76، 79، 81، 88، 90، 91، 94، 95، 96، 97، 98، 99، 101، 121، 132

صفوان بن يحيى95، 101

الصنعاني49، 64

الطبريّ80 ، 81

طريف مولى محمّد بن إسماعيل105

الشيخ الطوسيّ75، 89، 90، 102، 105، 106، 132، 139

عائشة110

عاصم22

العاملي135

الشيخ العاملي15

العبّاس بن حمزة النيسابوريّ77

عبد اللّه بن أحمد98

عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي77

عبد اللّه بن أحمد بن عديّ66

عبد اللّه بن جعفر74

عبد اللّه بن جعفر الحميري74

عبد اللّه بن الحسن بن عليّ بن جعفر74

ص: 163

عبد اللّه بن الحسن العلويّ74

عبد اللّه بن خبّاب بن الأرتّ143

عبد اللّه بن السائب30

عبد اللّه بن الصلت94

عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان66، 68

عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن العبّاس بن هارون التميمي100

عبد اللّه بن مسلمة بن قعنب القعنبي111

عبد اللّه بن المغيرة145، 146، 147

عبد اللّه بن موسى97

عبد اللّه بن يوسف110

عبد الرحمن بن أبي ليلى110

عبد الرحمن بن عوف الزهري105

عبد الرزّاق105

عبد الرزّاق بن همّام105

عبد السلام أبي الصلت الهروي79

عبد الصمد بن محمّد100

عبد العزيز22، 23

عبد العزيز بن محمّد72، 111

عبد العزيز بن يونس الموصلي72

عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني100، 101

عبد الغفّار بن القاسم15

عبد الكريم85، 86

عبدة110

عبيد اللّه بن أبي الفتح69

عبيد اللّه بن موسى العبسي99

عبيد اللّه بن يسار105

عبيد اللّه المسعودي105

عبيد بن زرارة84، 85

عثمان بن أبي شيبة97

عثمان بن عفّان31

العراقي131

عطاء بن يسار110

العكبري107

العلائي46، 50، 51، 117، 123، 134، 147

عليّ بن إبراهيم94، 101

عليّ بن إبراهيم بن هاشم93، 99، 121

عليّ بن أبي طالب عليه السلام31، 68، 69، 70، 71، 75، 76، 78، 79، 80، 97، 98، 100

عليّ بن أحمد بن الصبّاح105

عليّ بن أحمد بن موسى98

عليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق96

عليّ بن أسباط بن سالم73، 74، 75

عليّ بن جعفر73، 74، 75، 76

عليّ بن جعفر بن حمّاد بن رزين الصيّاد66

عليّ بن جعفر بن محمّد73، 75

عليّ بن الحسن بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين75

عليّ بن الحسن بن فضّال103

عليّ بن الحسين عليه السلام68، 69، 71، 76، 78، 79، 80، 98، 99، 108

عليّ بن الحسين76، 100

عليّ بن الحسين بن عليّ الرازي107

عليّ بن الحكم102

ص: 164

علي بن العبّاس99

عليّ بن عبدك105

عليّ بن محمّد بن الزبير103

علي بن محمّد بن محمّد68

عليّ بن محمّد القزويني107

عليّ بن محمّد (المفتي)79

عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام101

عليّ بن المديني15، 64

عليّ بن مرداس95

عليّ بن مزيد بيّاع السابري84

عليّ بن المعلّى الأسدي121

عليّ بن موسى الرضا عليه السلام77، 78، 79، 100، 107

عليّ بن يعقوب الكسائي103

عليّ المرتضى عليه السلام81

عمارة بن مهاجر97

عمران22

عمر بن حفص97

عمر بن الخطّاب144

عمر بن عبد العزيز109

العمركي74

عمرو بن الحسن الشيباني القاضي132

عمرو بن خالد99

عمرو بن الخالد المخزومي96

عمرو بن دينار149

عمرو بن عبد اللّه 143

عمرو بن عبد الرحمن110

عمرو بن ميمون104، 105

عيسى بن مسكين قاضي القيروان136

فاطمة بنت الحسين97

فرات الكوفيّ35

الفرّاء21

الفيروز آبادي22

القاسم بن الربيع الصحّاف96

القاسم بن محمّد94

القاسم بن هشام اللؤلؤي95

القاضي أبو عبد اللّه 73

القاضي أمين القضاء أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن محمّد67

القاضي عياض129، 136

القاضي النعمان المصري67

قتّادة53

قتيبة بن سعيد111

كديرة بن صالح الهجري99

الكسائي24

الكشّي146

الشيخ الكلينيالرازيّ البغداديّ74، 88، 93، 94، 95، 101

المارديني52، 53

مالك بن أنس52، 53، 54، 55، 56، 57، 109، 110، 136، 144

المأمون80

مجاهد97

محرز بن وزر23

ص: 165

المحقّق التستري91

المحقّق القمّي33

محمّد صلى الله عليه و آله7، 79، 154

محمّد بن إبراهيم97

محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني99

محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن خلف الحجازي68

محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي96، 100

محمّد بن أبي عمير84، 101

محمّد بن أبي القاسم بن عليّ الطبري106

محمّد بن أحمد بن الجنيد103

محمّد بن أحمد بن حمدان القشيري70

محمّد بن أحمد بن صالح التميمي98

محمّد بن أحمد بن محمّد بن شهريار الخازن107

محمّد بن أحمد السناني96

محمّد بن إسماعيل104

محمّد بن إسماعيل البرمكي96، 98

محمّد بن جعفر97

محمّد بن جعفر العلوي الحسني105

محمّد بن جعفر الكوفي الأسدي98

محمّد بن حاتم القطّان98

محمّد بن الحسن56، 97، 98

محمّد بن الحسن بن الأزهر72

محمّد بن الحسن بن علاّن145

محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي البغدادي88

محمّد بن الحسن بن محمّد رضي الدين الأسعد54

محمّد بن الحسن بن الوليد104

محمّد بن خلف بن إبراهيم بن عبد السلام المروزي71، 72

محمّد بن خلف بن عبد السلام المروزي71

محمّد بن سعيد بن يحيى البزوري99

محمّد بن سلام البيكندي110

محمّد بن سنان96

محمّد بن صالح96

محمّد بن عبد اللّه 70، 72

محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري101

محمّد بن عبد اللّه بن محمّد77

محمّد بن عبد اللّه بن محمّد الحافظ79

محمّد بن عثمان الهروي100

محمّد بن عليّ76

محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام68، 71، 76، 78، 79، 80، 100

محمّد بن عليّ بن الحسين108

محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي88

محمّد بن عليّ (السيّد المحجوب)79

محمّد بن عليّ الشاه97

محمّد بن عمر الحافظ البغدادي99

محمّد بن عمرو111

محمّد بن عيسى147

محمّد بن محمّد105

محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي68، 69

ص: 166

محمّد بن محمّد بن الأشعث المصري66

محمّد بن محمّد بن عبد العزيز107

محمّد بن محمّد بن النعمان106

محمّد بن مروان94

محمّد بن موسى97، 108

محمّد بن موسى المتوكّل98

محمّد بن ميسّر86

محمّد بن يحيى74، 93، 146

محمّد بن يحيى الخزّاز67

محمّد بن يحيى العطّار74

محمّد بن يعقوب الكليني الرازي البغدادي87، 93

السيّد محمّد صادق بحر العلوم89، 91، 92،

محمّد فؤاد عبد الباقي56

المرزباني137

مسعدة بن زياد101

مسعدة بن صدقة101

مسلم36، 37، 47، 64، 110

مسلم بن الحجّاج القشيري64

مصعب بن سعد111

المعافى بن عمران99

معاوية بن عمّار101

معتمر31

معمّر بن سليمان100

المغيرة بن شعبة110، 111

الشيخ المفيد89، 105، 106

المنقري94

موسى بن إبراهيم المروزي البغدادي70، 71، 72، 108

موسى بن إسماعيل67، 69، 70

موسى بن إسماعيل بن الإمام الكاظم عليه السلام67،

68

موسى بن جعفر108

موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 74، 75، 76، 77، 78، 80، 107

موسى بن يسار105

موسى المروزي72

موفّق الدين بن قدامة المقدسي78

مهلهل العبدي99

ميمون بن أبي شبيب110

نافع144

النبيّ صلى الله عليه و آله7، 31، 51، 61، 63، 76، 78، 79، 80، 82، 97، 100، 110، 111، 140، 144

النجاشي74، 89، 90، 92، 137، 146

الشيخ النجاشيّ73

النسائي111

نصر بن الصباح146

نصر بن عليّ75، 76

نصر بن عليّ الجهضمي76

نصر بن قابوس51

النووي38

والد البهائي45، 48، 49

وكيع110، 111

ص: 167

هارون بن مسلم101

هارون بن موسى70، 103

هارون بن موسى التلّعكبري البغدادي66

هشام110

هشام بن سالم95

هشام بن عروة31، 110

هنّاد111

يحيى110

يحيى بن زيد بن العبّاس بن الوليد99

يوسف بن يحيى الأصبهاني97

ص: 168

فهرس الجماعات والقبائل

الأئمّة عليهم السلام51، 57، 69، 71، 77، 78، 117، 147

أئمّة أهل النقل43

أئمّة الحديث36

الأئمّة الكرام عليهم السلام61

أئمّة اللغة28

الأئمّة المعصومين عليهم السلام7، 92

أسد21

أصحاب الأئمّة السجّاد والباقر والصادق عليهم السلام86

أصحاب الإمام الصادق15

أصحاب الحديث80، 134

أصحاب الفهارس73

أصحاب الكتب والمؤلّفات95

الأصوليّون43، 61

أعلام المحدّثين17، 135

أهل البيت عليهم السلام66، 69، 77

أهل الحديث36

أهل الدين154

أهل العلم31، 78

أهل اللغة27

أهل المدينة136

أهل النقل36

البصريّون23

التابعون61، 138

تميم21

الرواة96

رواة الحديث المتقدّمين129

طلاّب العلم148

العلماء87، 147

علماء الإسلام120، 128

علماء الحديث11

علماء الدراية138

فقهاء87

القدماء العلماء133

قريش21

القمّيّون91

قيس21

كبار المحدّثين137

ص: 169

المحدّثون9، 16، 22، 61، 65، 72، 74، 91، 137

المحدّثون القدماء82، 99

المعصومون عليهم السلام46، 61، 82، 95، 140، 141

الملائكة61، 140

المؤلّفون81، 96، 103

النحويّون25، 26

ص: 170

فهرس الأيّام والوقائع

بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم97

جمادى الآخرة75

جمادى الأولى سنة 511106

حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم96

ذي القعدة سنة ثمان عشرة وخمسمئة107

ذي القعدة سنة سبعين وأربعمئة107

ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثمانين وأربعمئة107

ربيع الأوّل سنة ستّ عشرة وخمسمئة107

سنة إحدى وثمانين ومئتين75

سنة أربع عشرة وثلاثمئة68

سنة أربع وتسعين ومئة77

سنة تسع وعشرين وأربعمئة108

سنة تسع وعشرين وثلاثمئة89

سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة77

سنة ستّ وستّين ومئتين، 107

سنة ستّين ومئتين77

شعبان89

شهر رمضان108

صدر التاريخ الإسلاميّ9

عام 137183

عام 231 ه85

عام 39 ه143

عصر الحضور82

ص: 171

ص: 172

فهرس المصادر والمراجع

1 . أبو الحسين العريضي ترجمة حياته ونشاطه العلمي ، محمّد رضا الحسيني الجلالي ، نشر مع « المسائل » لعليّ بن جعفر العريضي ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام مشهد 1409 ه ، قم : مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث .

2 . الإجازة الكبيرة ، الحسن بن يوسف المعروف بالعلاّمة الحلّي ( 726 ه ) ، مطبوعة في « بحار الأنوار » .

3 . الاختصاص ، المنسوب إلى محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري المعروف بالشيخ

المفيد ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، قم : منشورات جماعة المدرّسين .

4 . اختيار معرفة الناقلين ، الكشّي ، اختاره الشيخ الطوسي محمّد بن الحسن ( ت 460 ه ) ، تحقيق حسن المصطفوي ، مشهد : مطبعة جامعة مشهد .

5 . الأربعون حديثاً ، محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل ( قُتل سنة 786 ه ) تحقيق : مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام ، قم ، 1407 ه .

6 . الأربعون حديثاً في حقوق الإخوان ، محيي الدين محمّد

بن عبد اللّه الحسيني الحلّي المعروف بابن زهرة ( ت 639ه ) ، تحقيق : نبيل رضا علوان ، بيروت : دار الأضواء ، الطبعة

الثانية ، 1407 ه .

7 . الأُصول الأربعمئة ، محمّد حسين الجلالي ، طهران : دار الأعلمي ، طبع ضمن دائرة المعارف الشيعية للسيّد حسن الأمين ، الطبعة الأُولى ، ( الجزء الخامس ) .

ص: 173

8 . الأُصول الستّة عشر ، جمع من قدماء المحدّثين ، طبعها : حسن المصطفوي ، طهران ، 1375 ه ، وطبع في قم ، 1405 ه .

9 . الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ، محمّد بن موسى الحازمي الهمداني ، حمص : مطبعة الأندلس 1386 ه .

10 . إكمال الدين وإتمام النعمة ، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ه ) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طهران ، 1395 ه .

11 . ألفيّة الحديث ، أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين زين الدين المعروف بالحافظ العراقي ( ت 806 ه ) تحقيق وتصحيح أحمد محمّد شاكر ، بيروت عالم الكتب ، 1408 ه .

12 . الإلماع في تقييد الرواية والسماع ، القاضي عياض ، تحقيق : أحمد صقر ، القاهرة : دار التراث ، 1389 ه .

13 . الأمالي ، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق

( ت 381 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة البعثة ، قم ، 1417 ه .

14 . الأمالي ، محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( ت 460 ه ) ، تحقيق : مؤسّسة البعثة ، قم ، 1414 ه .

15 . الأمالي ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد ( ت 413 ه ) ، تحقيق : حسين أُستاد ولي وعليّ أكبر الغفّاري ، قم : منشورات جماعة المدرّسين ، 1403 ه .

16 . الأمالي الخميسية ، المرشد باللّه يحيى بن الحسين المعروف بابن الشجري ، بغداد : مكتبة المثنّى .

17 . الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث إسماعيل بن عمر الدمشقي المعروف بابن كثير ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر ، القاهرة طبع صبيح ، 1370 ه .

18 . بحار الأنوار ، محمّد باقر بن محمّد تقي الإصفهاني المعروف بالعلاّمة المجلسي ( ت 1110 ه ) ، طهران : الطبعة الحديثة .

ص: 174

19 . بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، أبو جعفر محمّد

بن أبي القاسم الطبري ( ق 6 ه ) ، النجف الأشرف : المطبعة الحيدرية ، 1383 ه ، الطبعة الثانية .

20 . تاج العروس شرح القاموس ، مرتضى الزبيدي الهندي الفيروزآبادي ، القاهرة : المطبعة الخيرية 1307 ه .

21 . تاريخ بغداد ، أحمد بن عليّ بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي ( ت 463 ه ) ، مصر : مطبعة السعادة ، 1349 ه .

22 . تاريخ التراث العربي ، فؤاد سزگين التركي ( معاصر ) ، ترجمة : فهمي ، القاهرة : الهيئة المصرية ، 1972 م .

23 . التبصرة في أُصول الفقه ، إبراهيم بن عليّ أبي إسحاق الشيرازي ( ت 476 ه ) ، تحقيق : محمّد حسن هيتو ، دمشق : دار الفكر ، 1403 ه .

24 . التبيين في أنساب القرشيّين ، المقدسي ، تحقيق : الدليمي ، بيروت : عالم الكتب ، 1408 ه .

25 . تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت 911 ه ) ، تحقيق : عبد الوهّاب عبد اللطيف ، القاهرة ، 1379 ه .

26 . تدوين السُنّة الشريفة ، محمّد رضا الحسيني الجلالي ، قم : مركز الإعلام الإسلامي ، 1413 ه .

27 . التدوين في أخبار قزوين ، الرافعي ، تحقيق : عزيز اللّه العطاردي ، الهند حيدر آباد .

28 . تذكرة الخواصّ ، يوسف خزعلي البغدادي المعروف بسبط ابن الجوزي ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية .

29 . ترتيب أسانيد الأمالي للصدوق ، حسين بن عليّ البروجردي ( ت 1380 ه ) ، مشهد المقدّسة : طبعة الروضة الرضوية المقدّسة .

30 . تعريف أهل التقديس بمراتب أهل التدليس ، ابن حجر العسقلاني ، تحقيق : سليمان وعبد العزيز ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1407 ه .

31 . تغليق التعليق ، ابن حجر العسقلاني ، تقديم : أحمد صقر لفتح الباري .

ص: 175

32 . تفسير الحبري ( ما نزل من القرآن في عليّ عليه السلام ) الحسين بن الحكم بن مسلم الوشّاء الكوفي ( ت 282 ه ) ، تحقيق : محمّد رضا الحسيني الجلالي ، بيروت : مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث ، 1408 ه .

33 . تفسير فرات الكوفي ، فرات بن إبراهيم الكوفي ( القرن الرابع الهجري ) ، تحقيق : محمّد الكاظم ، النجف الأشرف : المطبعة الحيدرية .

34 . تقديم السيّد أحمد صقر لفتح الباري لابن حجر ، النسخة المصوّرة ، القاهرة : دار الكتاب الجديد .

35 . تقريب التهذيب ، أحمد بن علي العسقلاني المعروف بابن حجر ( 852 ه ) ، تحقيق : لطيف ، القاهرة .

36 . تلخيص الحبير ، أحمد بن علي العسقلاني المعروف بابن حجر .

37 . التمهيد ، ابن عبد البرّ القرطبي .

38 . تنوير الحوالك ، شرح موطّأ مالك ، جلال الدين السيوطي ، طبع مصر .

39 . تهذيب الأحكام ، محمّد بن حسن الطوسي ( ت 460 ه ) ، تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان ، بيروت : دار الكتب العلمية .

40 . تهذيب التهذيب ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه ) ، الهند : حيدر آباد ، 1325 ه .

41 . توثيق السُنّة ، فوزي عبد المطّلب ، القاهرة : مكتبة الخانجي .

42 . توضيح الأفكار ، الصنعاني ، تحقيق : عبد الحميد ، القاهرة : مكتبة الخانجي ، 1366 ه .

43 . جامع الأحاديث ، جعفر بن أحمد القمّي الرازي ، ( ق 4 ه ) تعليق وتصحيح : محمّد الحسيني النيسابوري ، مشهد المقدّسة : مجمع البحوث الإسلامية ، 1413 ه .

44 . جامع الأُصول ، ابن الأثير الجزري ، تحقيق : الفقّي ، الطبعة الثانية .

45 . جامع بيان العلم وفضله ، ابن عبد البرّ القرطبي ( ت 463 ه ) ، القاهرة : المطبعة المنيرية .

ص: 176

46 . جامع التحصيل في أحكام المراسيل ، العلائي ، تحقيق : السلفي ، بيروت : عالم الكتب ، 1407 ه .

47 . سنن الترمذي ، محمّد بن عيسى الترمذي ( ت 279 ه ) ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر ، بيروت : دار إحياء التراث .

48 . الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، الخطيب البغدادي ( ت 463 ه ) ، تحقيق : محمّد عجّاج الخطيب ، بيروت : مؤسّسة الرسالة ، 1401 ه .

49 . الجعفريات ، ( الأشعثيات ) ، محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي ( توفّي في القرن الرابع ) ، مطبوع مع قرب الإسناد ، طهران : مكتبة نينوى .

50 . جواهر الأدب في معرفة كلام العرب ، علاء الدين الأربلي ، تقديم محمّد مهدي الخرسان ،

النجف الأشرف : المكتبة الحيدرية ، 1389 ه .

51 . الجوهر النقي على سنن البيهقي ، علاء الدين المارديني ( ت 745 ه ) ، بيروت : دار الفكر .

52 . الحبل المتين ، بهاء الدين محمّد بن الحسين عبد الصمد الحارثي العاملي المعروف بالشيخ البهائي ، قم : انتشارات بصيرتي .

53 . حلية الأولياء ، أبو نُعيم الإصفهاني ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1405 ه .

54 . الخصال ، محمّد بن علي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ه ) تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم : جماعة المدرّسين ، 1400 ه .

55 . دراسات في الحديث النبوي ، محمّد مصطفى الأعظمي ، بيروت : المكتب الإسلامي ، 1413 ه .

56 . الذرّيّة الطاهرة ، أبو بشر محمّد بن أحمد الرازي الدولابي ( ت 310 ه ) ، تحقيق : محمّد جواد الحسيني الجلالي ، قم : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، 1407 ه .

57 . الذريعة إلى أُصول الشريعة ، عليّ بن الحسين الموسوي البغدادي الشريف المرتضى ( ت 436 ه ) ، تحقيق : أبو القاسم الكرجي ، طهران : جامعة طهران .

58 . رجال السيّد بحر العلوم ، محمّد مهدي الطباطبائي ( ت 1212 ه ) ، تحقيق : محمّد صادق

ص: 177

بحر العلوم .

59 . رجال الطوسي ، محمّد بن الحسن الطوسي ( ت 460 ه ) ، تحقيق : جواد القيّومي ، قم : جماعة المدرّسين .

60 . اختيار معرفة الرجال = رجال الكشّي ، محمّد بن الحسن الطوسي ( ت 46 ه ) ، تحقيق : مهدي الرجائي ، قم : مؤسّسة آل البيت ، 1404 ه .

61 . رجال النجاشي ، أحمد بن عليّ الكوفي البغدادي ( ت 450 ه ) ، تحقيق : موسى الشبيري الزنجاني ، قم : جماعة المدرّسين ، 1407 ه .

62 . الرسالة ، محمّد بن إدريس الشافعي ( ت 204 ه ) ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر ، القاهرة : مطبعة البابي ، 1358 ه .

63 . الرواشح السماوية ، محمّد باقر الحسيني المعروف بالسيّد الداماد ، طبعة حجرية .

64 . الزهد ، الحسين بن سعيد الأهوازي ( توفّي في القرن الثالث الهجري ) ، تحقيق : مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام ، قم مدرسة الإمام المهدي .

65 . سؤالات السهمي للدارقطني .

66 . السرائر الحاوي للفتاوي ، أحمد بن إدريس العجلي ، تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1411 ه .

67 . سنن أبي داوود ، سليمان بن أشعث السجستاني الأزدي ( ت 275 ه ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت : دار الفكر .

68 . سنن ابن ماجة ، محمّد بن يزيد القزويني ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت : دار الفكر .

69 . سنن البيهقي ، أحمد بن الحسين البيهقي ( ت 458 ه ) المطبوع مع « الجوهر النقي » ، بيروت : دار الفكر .

70 . سنن النسائي ، بشرح جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي ، أحمد بن شعيب النسائي ( ت 303 ه ) ، بيروت دار الجيل ، الطبعة الأولى ، 1407 ه .

ص: 178

71 . سير أعلام النبلاء ، محمّد بن أحمد الذهبي التركماني ( ت 748 ه ) ، بيروت : مؤسّسة الرسالة ، 1405 ه .

72 . شرح البداية في علم الدراية ، زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي الجباعي المعروف بالشهيد الثاني ( قتل سنة 965 ه ) ، ضبط نصّه : محمّد رضا الحسيني الجلالي ، قم : منشورات

الفيروز آبادي .

73 . شرح النووي على صحيح مسلم ، أبو زكريّا يحيى بن شرف الدين الشافعي ( ت 676 ه ) ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1407 ه .

74 . الشيخ الكليني البغدادي ، ثامر هاشم حبيب العميدي ، قم : مركز الإعلام الإسلامي .

75 . صحيح البخاري ، محمّد بن إسماعيل ( ت 256 ه ) ، تحقيق : مصطفى ديب السقا ، طبعة دار إحياء التراث العربي عن اليونينيّة ، بيروت : دار الفكر ، 1401 ه .

76 . صحيح مسلم ، مسلم بن الحجّاج ( ت 261 ه ) ، القاهرة : مطبعة البابي الحلبي .

77 . صحيفة الإمام الرضا عليه السلام ، الشهيرة بمسند الرضا عليه السلام ، تحقيق : مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام ، قم ، 1408 ه .

78 . الصواعق المحرقة ، أحمد بن حجر الهيثمي الكوفي ، مصر : المطبعة الميمنية ، 1312 ه .

79 . صيغ التحمّل والأداء للحديث الشريف ، محمّد رضا الحسيني الجلالي ، نشر في مجلّة « علوم الحديث » ( طهران : كلّية علوم الحديث ) ، السنة الأُولى ( 1418 ه ) ، العدد الأوّل ، ص 84 - 182 .

80 . الطبّ النبوي .

81 . طبقات الحنابلة ، ابن رجب الحنبلي ، تحقيق : الفقّي ، القاهرة : مطبعة السُنّة المحمّدية ، 1327 ه .

82 . الطرق الثمان لتحمّل الحديث وأدائه ، محمّد رضا الحسيني الجلالي ، مخطوط .

83 . العدّة في أُصول الفقه ، محمّد بن الحسن الطوسي ( ت 460 ه ) طبعة حجرية .

ص: 179

84 . علل الشرائع ، محمّد بن علي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ه ) ، النجف الأشرف : المطبعة الحيدرية ، 1385 ه .

85 . عليّ

بن أبي طالب عليه السلام إمام العارفين ، ابن الصدّيق الغماري .

86 . علوم الحديث ، ابن الصلاح الشهرزوري ، تحقيق : نور الدين عتر ، دمشق : دار الفكر ، 1404 ه .

87 . العين ، الخليل بن أحمد الفراهيدي ، تحقيق : مهدي المخزومي ، بغداد .

88 . عوالي اللآلي ، ابن أبي جمهور الإحسائي ، تحقيق : مجتبى العراقي ، قم ، 1403 ه .

89 . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، محمّد بن علي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ه ) ، تصحيح : مهدي اللاّجوردي القمّي ، طهران : انتشارات جهان .

90 . فتح العزيز ، أبو القاسم عبد الكريم بن محمّد الرافعي ( ت 633 خ ) ، بيروت : دار الفكر .

91 . فتح المغيث بشرح ألفيّة الحديث ، السخاوي ، طبع الهند .

92 . فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والحسنين عليهم السلام ، إبراهيم بن محمّد بن المؤيّد الجويني ( ت 730 ه ) ، تحقيق : الشيخ محمّد باقر المحمودي ، بيروت : مؤسّسة

المحمودي ، 1400 ه .

93 . فقه اللغة وسرّ العربية ، عبد الملك بن محمّد النيسابوري أبي منصور الثعالبي ( ت 430 ه ) ، تحيقيق : مصطفى السقّا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي ، القاهرة : شركة مكتبة ومطبعة

مصطفى البابي الحلبي ، 1394 ه .

94 . الفقيه والمتفقّه ، الخطيب البغدادي ( ت 463 ه ) ، تحقيق : الأنصاري ، دار إحياء السُنّة النبوية ، 1395 ه .

95 . الفهرست ، محمّد بن الحسن الطوسي ( ت 460 ه ) ، تحقيق : السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، النجف الأشرف : المطبعة الحيدرية ، الطبعة الثانية .

96 . فهرس الفهارس والأثبات ، محمّد عبد الحيّ المغربي الكتّاني ( ت 1380 ه ) ، تحقيق : إحسان عبّاس ، بيروت : دار الغرب الإسلامي ، 1402 ه .

ص: 180

97 . الفهرسة ، لابن خير الأندلسي .

98 . قاموس الرجال ، محمّد تقي التستري ( ت 1415 ه ) ، قم : جماعة المدرّسين .

99 . القاموس المحيط ، محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي ( ت 817 ه ) ، بيروت : دار الفكر .

100 . قرب الإسناد ، عبد اللّه بن جعفر الحميري ( القرن الثالث الهجري ) تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، 1413 ه .

101 . قواعد التحديث ، القاسمي ، دمشق ، 1352 ه .

102 . قواعد في علوم الحديث ، التهانوي الهندي ، تحقيق : أبي غدّة ، حلب : المطبوعات الإسلامية ، 1392 ه .

103 . القواميس في الدراية والرجال ، آقا بن رمضان المعروف بالفاضل الدربندي ، نسخة مصوّرة يحتفظ بها السيّد مرتضى النجومي في كرمانشاه إيران .

104 . القوانين المحكمة ، الميرزا أبو القاسم المعروف بالمحقّق القمّي ، طبعة حجرية .

105 . الكافي ، محمّد بن يعقوب الكليني الرازي ( ت 329 ه ) ، طبعة طهران في 8 مجلّدات .

106 . كامل الزيارات ، ابن قولويه ، تحقيق : عبد الحسين الأميني ، النجفل الأشرف : المطبعة المرتضوية ، 1352 ه .

107 . كُتيّب مخطوط ، الحافظ السلفي ، تحقيق : جورج وجده وعقّب عليه البقاعي ، مجلّة مجمع اللغة العربية الأردني ، العدد 39 ، السنة 1411 ه .

108 . كشف المحجّة لثمرة المهجة ، علي بن موسى بن طاووس ( ت 664 ه ) ، تحقيق : محمد الحسون ، قم : مكتب الإعلام الإسلامي ، الطبعة الأولى ، 1412 ه .

109 . الكفاية في علم الدراية ، الخطيب البغدادي ( ت 463 ه ) ، القاهرة : مطبعة السعادة ، 1979 م .

110 . لسان العرب ، محمّد بن منظور ، مصر : دار المعارف .

111 . لسان الميزان ، أحمد بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه ) ، الهند : حيدر آباد الهند ، 1329 ه .

112 . المؤمن ، الحسين بن سعيد الأهوازي ( القرن الثالث الهجري ) ، قم : مدرسة الإمام

ص: 181

المهديّ عليه السلام .

113 . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، علي بن بكر الهيثمي ( ت 807 ه ) ، تحقيق : عبد اللّه محمّد ، بيروت : دار الفكر ، الطبعة الأولى ، 1412 ه .

114 . المجموع ، شرح المهذّب ، النووي .

115 . المحاسن ، أحمد بن محمّد البرقي ( ت280 ه ) ، تحقيق : مهدي الرجائي ، قم : دار الكتب الإسلامية .

116 . المحلّى بالآثار ، علي بن محمّد بن حزم الأندلسي ، بيروت : دار الجيل الطبعة الأولى ، 1413 ه .

117 . مختصر تاريخ دمشق ، محمّد بن مكرم بن منظور الأنصاري ، بيروت : دار الفكر ، 1409 ه .

118 . مسائل عليّ بن جعفر ، علي بن جعفر الحسيني العلوي تحقيق : مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث / قم ، مشهد ، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام ، الطبعة الأولى ، 1409 ه .

119 . مستدركات مقباس الهداية ، محمّد رضا المامقاني قم 1413 ه .

120 . مستطرفات السرائر ، محمّد بن إدريس العجلي المعروف بابن إدريس الحلّي

( ت 598 ه ) ، تحقيق مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام ، قم .

121 . مسند الإمام الرضا عليه السلام = صحيفة الإمام الرضا عليه السلام .

122 . مسند الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام ، برواية موسى بن إبراهيم المروزي أبي عمران البغدادي ( القرن الثالث الهجري ) ، تحقيق : محمّد حسين الحسيني الجلالي ، بيروت : دار

الأضواء .

123 . المشيخة لتهذيب الأحكام ، الشيخ الطوسي ( ت 460 ه ) طبعت في آخر الجزء العاشر من « تهذيب الأحكام » .

124 . المشيخة لمن لا يحضره الفقيه ، محمّد بن علي المعروف بالصدوق ( ت 381 ه ) ، طبع في آخر « كتاب من لا يحضره الفقيه » له .

ص: 182

125 . المصطلح الرجالي « أسند عنه » ، محمّد رضا الحسيني الجلالي ، مجلّة « تراثنا » ، العدد الثالث ، السنة الأُولى ، 1406 ه .

126 . معجم ما استعجم ، عبد اللّه عبد العزيز البكري ( ت 487 ه ) ، تحقيق : مصطفى السقاء ، بيروت : عالم الكتب ، الطبعة الثالثة ، 1403 ه .

127 . معرفة الرجال ، ابن معين .

128 . معرفة علوم الحديث ، محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري ، تحقيق : الدكتور معظم حسين ، القاهرة : مطبعة دار الكتب ، 1937 م .

129 . مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، جمال الدين عبد اللّه بن يوسف بن هشام الأنصاري ( ت 761 ه ) ، تحقيق : مازن المبارك ، ومحمّد بن علي حمد اللّه ، مراجعة : سعيد الأفعاني ، دمشق ، 1392 ه .

130 . مقابيس الأنوار ، العلاّمة المحقّق التستري ، طبعة حجرية .

131 . مقباس الهداية في علم الدراية ، عبد اللّه بن حسن المامقاني ( ت 1352 ه ) ، تحقيق : محمّدرضا المامقاني، قم: مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ،1411 ه .

132 . مقتل الحسين عليه السلام ، المؤيّد بن أحمد المكّي الخوارزمي ( ت 568 ه ) ، تحقيق وتعليق : الشيخ محمّد السماوي ، قم : منشورات مكتبة المفيد ( محلاّتي ) ، إعادته عن الطبعة الأُولى

النجف .

133 . مقدّمة ابن الصلاح ، ابن الصلاح صاحب « علوم الحديث » تحقيق : عائشة

عبد الرحمن بنت الشاطئ ، القاهرة : دار الكتب .

134 . مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، عبد الوهّاب بن الحسن المغازلي ، تحقيق : محمّد باقر البهبودي طهران : المكتبة الإسلامية ، 1402 ه .

135 . مناهج العلماء في البحث العلمي ، فرنز روزنتال ، تعريب : أنيس فريحة ، بيروت : دار الثقافة ، 1961 ه .

136 . منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ، الحسن بن زين الدين العاملي ، تحقيق :

ص: 183

علي أكبر الغفّاري ، قم : جماعة المدرّسين .

137 . منهج النقد في علوم الحديث ، نور الدين عتر ، بيروت : دار الفكر ، 1401 ه .

138 . الموسوعة الرجالية ، حسين بن علي البروجردي ، مشهد : الروضة الرضوية المقدّسة .

139 . الموطّأ ، مالك بن أنس الأصبحي ( ت 158 ه ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى ، 1406 ه .

140 . نهاية الدراية في شرح الوجيزة البهائيّة ، حسن الصدر العاملي الكاظمي ( ت 1354 ه ) تحقيق : ماجد الغرباوي .

141 . نوابغ الرواة في رابعة المئات ، المجلّد الأوّل من طبقات أعلام الشيعة ، الشيخ الإمام آقا بزرك الطهراني (ت 1389 ه )، بيروت: دار الكتاب العربي، 1390 ه .

142 . نور الأبصار ، مؤمن الشبلنجي ، قم : ذوي القربى ، الطبعة الأولى ، 1384 ش .

143 . هدي الساري في مقدّمة فتح الباري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني .

144 . الوجيزة في الدراية ، محمّد بن الحسين العاملي البهائي ( ت 1031 ه ) ، تحقيق : ماجد الغرباوي ، طبع في مجلّة « تراثنا » العدد ( 32 - 33 ) ، السنة الثامنة ، 1413 ه .

145 . وصول الأخيار إلى أُصول الأخبار ، الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي ، تحقيق : عبد اللطيف القريشي ، قم : مطبعة الخيّام ، 1401 ه .

146 . ينابيع المودّة لذوي القربى ، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ( ت 1294 ه ) ، طبع تركيا .

ص: 184

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.