الشجَرَةُ النبوية في نهج البلاغة

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3012 لسنة 2018 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP38.09.M84 K4 2019 : LC المؤلف الشخصي: الخفاجي، محمد حمزة - مؤلف.

العنوان: الشجرة النبوية في نهج البلاغة / بیان المسؤولية: تأليف محمد حمزة الخفاجي؛ تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: کربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي:

109 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر:

(العتبة الحسينية المقدسة؛ 614).

سلسلة النشر:

(مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 170).

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3012 لسنة 2018 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP38.09.M84 K4 2019 : LC المؤلف الشخصي: الخفاجي، محمد حمزة - مؤلف.

العنوان: الشجرة النبوية في نهج البلاغة / بیان المسؤولية: تأليف محمد حمزة الخفاجي؛ تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: کربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي:

109 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر:

(العتبة الحسينية المقدسة؛ 614).

سلسلة النشر:

(مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 170).

سلسلة النشر:

(سلسلة السيرة النبوية؛ 1).

تبصرة ببليوجرافية:

يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 159 - 158).

موضوع شخصي:

الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي:

محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)، النبي، 53 قبل الهجرة - 11 للهجرة.

موضوع شخصي:

محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)، النبي، 53 قبل الهجرة - 11 للهجرة - فضائل.

مصطلح موضوعي: أهل البيت (عليهم السلام) - فضائل - احاديث.

مصطلح موضوعي: السيرة النبوية - أحاديث.

مؤلف اضافي:

الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة.

مؤلف اضافي:

الحسني، نبيل قدوري، 1965-، مقدم.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة السيرة النبوية (1) تأليف محمد حمزة الخفاجي إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1440 ه - 2019 م العراق: کربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728263600 - 07815012933 الموقع:

www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com تنويه:

إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة تخلي العتبة الحسينية المقدسة مسؤوليتها عن أي انتهاك لحقوق الملكية الفكرية

ص: 4

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما أهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، و تمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل کلام أمير المؤمنين (علیه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية فحسب، بل شمل غيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم کافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (علیهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

ص: 5

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات العلمية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب(سلسلة السيرة النبوية) التي يتم عبرها طباعة هذه الكتب وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه بغية إيصال هذه العلوم إلى الباحثين والدارسين وإعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (علیه السلام) والسير على هدیه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة التي بين أيدينا إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها للغوص في بحر علم أمير المؤمنين (علیه السلام) فقد أذن له بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك النصوص العلوية في الإثراء المعرفي والتأصيل العلمي، إذ تناول الباحث السلالة الطاهرة السيد الخلق نبينا الكريم (صلی الله علیه وآله وسلم) ممثلًة بآبائه وذريته (علیهم السلام) معتمدًا على ما ورد في نهج البلاغة من نصوصٍ تتحدث في هذه المسألة.

فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره والحمد لله ربّ العالمين السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 6

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لله الَّذِي عَلَا بِحَوْلِه ودَنَا بِطَوْلِه، مَانِح کُلِّ غَنِيمَةٍ وفَضْلٍ وکَاشِفِ کُلِّ عَظِيمَةٍ وأَزْلٍ، أَحْمَدُه عَلَى عَوَاطِفِ کَرَمِه و سَوَابِغِ نِعَمِه، وأُومِنُ بِه أَوَّلًا بَادِياً وأَسْتَهْدِيه قَرِيباً هَادِياً، وأَسْتَعِينُه قَاهِراً قَادِراً وأَتَوَكَّلُ عَلَیْه کَافِياً نَاصِراً، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلی الله علیه وآله وسلم عَبْدُه ورَسُولُه، أَرْسَلَه لإِنْفَاذِ أَمْرِه وإِنْهَاءِ عُذْرِه وتَقْدِيمِ نُذُرِه...

أما بعد ...

الشجرة النبوية شجرة مباركة حوت أعظم الخلق منذ أن خلق الله عزوجل آدم علیه السلام إلى النبي الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم، ثم تفرعت هذه الشجرة إلى فروع طوال حتى أثمرت آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم، فالشجرة النبوية تنقسم على قسمين: آبائه وعترته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، فأصلها محمد وفرعها الأئمة وأغصانها ذريتهم وثمارها العلم، فهذه الشجرة جمعت کرام الخلق من الأولين والأخرين، فمنهم الأنبياء والأولياء والأوصياء والحجج الأطهار علیهم السلام الذين اصطفاهم الله عزو جل وطهرهم على سائر خلقه، وقد اعتمدت في الأصل على خطب أمير المؤمنين علیه السلام التي ذکر فيها هذه الشجرة المباركة.

والغاية من هذا البحث بیان عظیم قدر هذه الشجرة من حيث النسل

ص: 7

السامي وما حوته من علوم ومعارف وعلو قدر، فمن الواجب معرفة هذه السلالة الطاهرة ومعرفة آبائه (صلوات الله وسلامه عليه) كي ننزههم عن كل عيب وعن كل ما لا يليق بهم، بوصفهم سادات الكون، فمن المحال أن يضع سبحانه خاتم رسله وسيد خلقه في صلب کافر أو فاجر و حاشا لمثل محمد صلی الله علیه وآله وسلم أن يكون في مستقر غير طاهر، بل العكس من ذلك فقد وضعه الله عزوجل في أشرف الأصلاب والأرحام وأطهرها، كذلك أهل بيته علیهم السلام فمن خلال هذا البحث سنبين ذلك إن شاء الله.

وقد قسم الكتاب على ثلاثة فصول تسبقها مقدمة وتمهيد حيث بيّنا في المقدمة أقسام الشجرة ومن ثم بيّنا أهمية هذا البحث وقد تلاها تمهيد حول مفهوم الشجرة في اللغة والقرآن والسنة المطهرة.

أما الفصل الأول: تناولنا فيه طهارة أصل الشجرة وما حوت هذه الشجرة من کرام الخلق، وفي الفصل الثاني: بيّنا سبب تفضيله واختياره (صلوات الله وسلامه عليه) من تلك الشجرة المباركة، أما الفصل الثالث: فقد بيّنا فيه أغصان هذه الشجرة وثمارها، ومن ثم ختمنا بخاتمة إذ بيّنا فيها أبرز النتائج التي توصل اليها البحث.

فنسأل الله أن نكون قد وفقنا في خدمة سيد الرسل وتلك السلالة الطاهرة.

الباحث

ص: 8

تمهيد

ص: 9

ص: 10

التمهيد:

(مفهوم الشجرة) أولاً: الشجرة في اللغة:

جاء للفظ الشجرة في اللغة معاني عدّة منها حقيقي والآخر مجازي سنذكرها مثلما وردت في المعاجم اللغوية:

فالشجرة: مفرد الشجر، (وهي لا تخلو من ارتفاع وتداخل أغصان، وواد شَجِر کثير الشجر ويقال هذه الأرض أشجر من غيرها أي أكثر شجرا)(1)، وتجمع على (الشَّجَرَات والأَشْجار، والمُجْتَمِعُ الكثيرُ منه في مَنْبِتِه: شَجْرَاءُ، الشَّجَر والشَّجَر من النبات: ما قام على ساق؛ وقيل: الشَّجَر كل ما سما بنفسه)(2)، والشجر كل نبت له ساق قال الله تعالى:

«وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ»(3).

ومن المجاز: (هو من شجرة النبوة، ومن شجرة طيبة، وما أحسن شجرة

ص: 11


1- أساس البلاغة، الزمخشري، ص 479
2- لسان العرب، ابن منظور، ج 4، ص 394 - 395
3- الرحمن: 6

ضرعها أي شكله وهيئته)(1)، ويقال: (فلان من شجرة مباركة أي من أصل مبارك)(2).

والشجرة هي الأصل الذي يعود إليه الإنسان، وتشمل جميع آبائه، وأبنائه، وهي من باب التشبيه بالشجرة النبات لتفرعها من أصل واحد إلى أغصان وأوراق وثمار.

ثانياً: الشجرة في القرآن:

ورد في القرآن الكريم لفظ الشجرة ومن المواضع التي ورد فيها قوله تعالى:

«يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ»(3).

الشجرة المباركة: إبراهيم(4)، وكل شيء يَتَلْألُأ فهو يَقِدُ(5). ولعل سبب تسميتها بالمباركة لأنه تعالى بارك فيها من حيث النسل، كذلك بارك في ثمارها؛ والمقصود بالثمار العلم الذي هو سبيل الهداية.

جاء في تفسير علي بن ابراهيم القمي، عن صالح بن سهل الهمداني قال:

(سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول في قول الله تعالى:

«.. يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ» یکاد العلم يتفجر منها «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ»، إمام منها بعد إمام «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ» بهدي الله عزوجل للأئمة من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصا «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ

ص: 12


1- أساس البلاغة، الزمخشري، ص 479
2- لسان العرب، ابن منظور ج 4 ص 398
3- النور: 35
4- خصائص الوحي، ابن بطريق، ص 151
5- لسان العرب، ابن منظور، ج 3، ص 466

وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(1).

فمن نسل إبراهيم علیه السلام هذه الذرية الطاهرة التي حوت أعظم الرجال والنساء، فكان منهم خاتم الرسل وسيد الخلق من الأولين والآخرين.

وقوله تعالى:

«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ»(2).

جاء في تفسير العياشي، عن أبي جعفر وأبي عبدالله علیهما السلام في قول الله تعالى:

«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ»، قال يعني النبي صلی الله علیه وآله وسلام والأئمة من بعده هم الأصل الثابت، والفرع الولاية لمن دخل فيها)(3).

وكذلك فإن الشجرة الطيبة لها أساس طيب إذ أن طينتها خصبة طاهرة وجذورها قوية ثابته، كذلك الأنبياء والأوصياء أصلهم قوي وطيب والطيب لا يخرج منه إلا الطيب، قال تعالى:

«وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ»(4).

ص: 13


1- تفسير القمي، علي بن ابراهيم القمي، ج 2، ص 103
2- ابراهیم: 24 - 26
3- تفسير العيثي، ج 2، ص 224
4- الأعراف: 58

وعكسها الشجرة الخبيثة التي لا أساس لها فمثل هذه ليس فيها فائدة ولا ثمر، لذا شبه سبحانه بني امية بهذه الشجرة، قال تعالى:

«وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا»(1).

وسُئل أبو جعفر عن قول الله تعالى: «مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً»، الآية قال: الشجر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ونسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة علي بن أبي طالب وغصن الشجرة فاطمة علیها السلام، وثمرتها الأئمة من ولد علي وفاطمة علیهما السلام والأئمة من أولادها أغصانها، وشیعتها ورقها، وان المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة، وان المؤمن ليولد فتورق الشجرة، قلت: أرأيت قوله: «تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها»؟ قال: يعني بذلك ما يفتون به الأئمة شيعتهم في كل حج وعمرة من الحلال والحرام ثم ضرب الله عزوجل لأعداء آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم فقال:

«وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ»(2).

جاء في التفاسير إن الشجرة الخبيثة كل شجرة لا يطيب ثمرها(3) کشجرة الحنظل والكشوث(4) وعن الباقر علیه السلام: (بنو أمية)(5).

ص: 14


1- الأعراف: 58
2- تفسير القمي، ج 1، ص 369
3- ينظر: تفسير جوامع الجامع، الشيخ الطبرسی، ج 2، ص 282
4- الكَشُوثُ نبتٌ يَتَعلَّقُ بأَغصانِ الشجرِ من غير أَن يَضْربَ بعِرْقٍ في الأرض، قال الشاعر: هو الكَشُوثُ فلا أَصلٌ ولا وَرَقٌ *** ولا نَسيمٌ ولا ظِلٌ ولا ثَمَرُ (لسان العرب، ج 2، ص 181)
5- تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج 2، ص 538

وقوله تعالى:

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(1).

قال علي بن إبراهيم في قوله:

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ»، قال نزلت لما رأى النبي في نومه كأن قرودا تصعد منبره فساءه ذلك وغمه غما شديدا فأنزل الله تعالى:

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ»، كذا نزلت وهم بنو أمية(2).

وقد وصف سبحانه نبيه بالشجرة لما للشجرة من فوائد ومن فوائدها:

أولاً: إنها تفيء للناس وتظلهم من حرارة الشمس، أي أنها مأوى لهم، ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، كان مأوىً للسائل والمحروم لذا شبه بالشجرة.

ثانياً: فيها غذاء وهذا الغذاء فيه فائدة جسدية وفائدة روحية، كذلك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كان كالشجرة المثمرة، وعلي بن ابي طالب علیه السلام أكثر إنسان أخذ من هذه الشجرة لذا صار کنفسه، ومن خطبة له علیه السلام قال فيها:

«وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه»(3).

ص: 15


1- الإسراء: 60
2- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، ج 2، ص 21
3- نهج البلاغة: الخطبة: 192، المعروفة بالقاصعة، ت (صبحي الصالح)

وهذه اللقمة التي كان يلقمه إياها فيها غذاء مادي وغذاء معنوي، فمن فوائدها المعنوية علمه وما خصه رسول الله من حكمة وبلاغة وفهم وكان أمير المؤمنين علیه السلام يقول:

«هذا ما زقني رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم زقا زقا»(1)، اما الفائدة المادية فكان علي فحل الفحول وهو قالع تلك الباب وقاصم شوكة الجبارين بقوته التي عرف بها.

ثالثاً: فيها شفاء من الداء، وكما أن الشجرة فيها غذاء ودواء وفيها خيرات كثيرة كذلك النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم كان عنده علاج لجميع الأسقام المادية والمعنوية، وقد تعلم أمير المؤمنين منه هذه العلوم حتى صار باب علم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فمن خطبة له علیه السلام قال فيها:

«طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه قَدْ أَحْکَمَ مَرَاهِمَه، وأَحْمَى مَوَاسِمَه يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْه، مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ وآذَانٍ صُمٍّ، وأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ، مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِه مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ، ومَوَاطِنَ الْحَیْرَةِ لَمْ يَسْتَضِیئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِكْمَةِ، ولَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ»(2).

فكان علیه السلام يدور بين الناس ويقول سلوني قبل أن تفقدوني.

رابعاً: كل شجرة مثمرة وطيبة تسر الناظر، فالنبي کهذه الشجرة العظيمة فكل من نظر إليه زاد حباً به لما له من وصف جميل وكان أمير المؤمنين علیه السلام يقول لم أرَ مثله ولا بعده، وكان البدوي يرى وجهه الكريم فيقول: والله ما هذا وجه كذاب(3).

ص: 16


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 422
2- نهج البلاغة، الخطبة: 108
3- ينظر مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 1، ص 107

ثالثاً: الشجرة في السنة.

وردت لفظة الشجرة في السنة المطهرة ومنها:

عن جابر بن عبد الله (رضوان الله عليه) قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول لعلى علیه السلام:

«يا علي الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة»، ثم قرأ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ»(1)، (2).

قال علي بن ابراهيم: ..الصنوان الفتالة التي نبتت من أصل الشجرة (وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل فمنه حلو ومنه حامض ومنه مر يسقى بماء واحد(3).

فمن أُسس على الطهر لا يستوي مع من أُسس على النجاسة فشتان ما بين الأثنين، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

(يا علي، خلق الله الناس من أشجار شتى، وخلقني وأنت من شجرة واحدة، أنا أصلها وأنت فرعها، فطوبى لعبد تمسك بأصلها، وأكل من فرعها)(4).

ومعنى أكل من فرعها، أي: أخذ، والأخذ يراد به العلم، فهذه الشجرة

ص: 17


1- الرعد: 4
2- المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 2، ص 241
3- تفسير القمي، ج 1، ص 359
4- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 610

فيها غذاء مادي و معنوي فطوبى لمن أكل منها، وطوبى لمن تمسك بغصن من اغصانها.

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«يا علي خلق الناس من شجر شتى، وخلقت أنا وأنت من شجرة واحدة، أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها، وشيعتنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة»(1).

ومعنى قوله (فمن تعلق بغصن من أغصانها) المراد بالأغصان الحجج الأطهار من ذرية فاطمة (عليها وعليهم السلام)، فكل زمان وفيه حجة فمن تمسك بحجة زمانه نجا وهذا تصريح من نبي الرحمة.

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«وَإِنِّي عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي، وَمِنْهَاج مِنْ نَبِیِّي، وَإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً، انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّکُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوکُمْ مِنْ هُدىً، وَلَنْ يُعِیدُوکُمْ فِي رَدیً، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا، وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا، وَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِکُوا»(2).

وعن النبي صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتی وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين علیهما السلام ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ هوی ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتى يصير کالشن البالي ثم

ص: 18


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 78
2- نهج البلاغة، الخطبة: 97

لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه ثم تلا قل لا أسئلكم...»(1).

فهذا القول واضح في أن محبي أهل بيت النبي هم الناجون فقط، أما مبغضهم فلو صلى الدهر وعبد طوال حياته لم ينل رضا الله.

وعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول:

«خلقت من نور الله عزوجل، وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبوهم من نورهم، وسائر الخلق في النار»(2).

من خلال استعراضنا لهذه الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن هذه الشجرة يتوضح لنا أن النبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم يتحدث تارةً عن طهر هذه الشجرة من حيث المنبت والمغرس أي طهارة الأصلاب والأرحام، ويتحدث تارةً عن أنها شجرة تحوي العلوم والمعارف، فشار هذه الشجرة هي علوم آل البيت علیهم السلام التي ورثوها عن الحبيب المصطفى صلی الله علیه وآله وسلم.

ص: 19


1- تفسير الصافي، ج 4، ص 373
2- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 655

ص: 20

الفصل الأول طهارة أصل الشجرة

ص: 21

ص: 22

الفصل الأول: طهارة أصل الشجرة

قوله علیه السلام: «مُسْتَقَرُّه خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ، ومَنْبِتُه أَشْرَفُ مَنْبِتٍ، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ، ومَمَاهِدِ السَّلَامَةِ»(1).

المبحث الأول: (مستقره ومنبته (صلوات الله وسلامه عليه))

تعددت وجهات النظر بين الشراح في مستقره (صلوات الله وسلامه عليه)، کما تعددت وجهات النظر عند اللغويين، فمنهم من قال أن المراد بمستقره مكة ومنهم من قال المدينة ومنهم من قال مستقره في الأصلاب والأرحام وقد ذهب البعض إلى ان مستقره مدفنه (صلوات الله وسلامه عليه)، أو مستقره عند الله سبحانه في الجنان، ونستطيع أن نجمع هذه الآراء ونقول لعل الإمام علیه السلام أراد بمستقره في جميع العوالم.

وهنا لا بد من الإشارة لما جاءت به اللغة:

جاء في لسان العرب (مَقَرُّ الرحم: آخِرُها، ومُسْتَقَرُّ الحَمْل منه، وقوله تعالى: «فمستقِرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ»؛ أي فلكم في الأَرحام مستقر ولكم في الأَصلاب مستودع، وقرئ:

ص: 23


1- نهج البلاغة، من الخطبة: 96، ص 141

«فمستقِرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ»؛ أي مستقرّ في الرحم، وقيل: مستقرّ في الدنيا موجود، ومستودعَ في الأَصلاب لم يخلق بَعْدُ؛ وقال الليث: المستقر ما ولد من الخلق وظهر على الأَرض، والمستودَع ما في الأَرحام، وقيل: مستقرِها في الأَصلاب ومستودعها في الأَرحام، وقيل: مُسْتَقِرٌّ في الأَحياء ومستودَع في الثَّرَى)(1).

أما المنبت فقد جاء في اللغة: (من مصدر (نبت)، النون والباء والتاء أصل واحد يدل على نماء في مزروع ثم يستعار، فالنبت معروف يقال نبت، وأنبتت الأرض، ونبت الشجر غرسته، ويقال إن في بني فلان لنابتة شر، ونبتت لبني فلان نابتة إذا نشأ لهم نشء صغار من الولد، والنبيت حي من اليمن، وما أحسن نبتة هذا الشجر، وهو في منبت صدق أي أصل كريم)(2).

فمن خلال المعنى اللغوي نفهم إن المراد بالمستقر الأصلاب والأرحام الطاهرة، ويمكن أن يراد بالمستقر في القبر، أو عند الله في الأخرة.

أما المنبت: يراد به الأصل والنشأة.

المسألة الأولى (مستقره في عالم الأرواح) قال الشيخ المحمودي: ((المقر) على صيغة المفعول، و(خير مستقر) المراد به إما عالم الأرواح أو الأصلاب الطاهرة أو أعلى عليين بعد الوفاة)(3).

ص: 24


1- لسان العرب، ابن منظور، ج 5، ص 87
2- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا (ابن فارس)، ج 5، ص 378
3- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، الشيخ المحمودي، ج 2، هامش ص 15

ففي عالم الأرواح كان (صلوات الله وسلامه عليه) في أعلى عليين حيث مستقره في أظلة العرش يسبح الله ويقدسه وقد حدث رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك في الكثير من الروايات، قال رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم:

(أول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته، فأقبل يطوف بالقدرة حتى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة، ثم سجد تعظيما ففتق منه نور علي علیه السلام فكان نوري محيطا بالعظمة ونور علي محيطا بالقدرة، ثم خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار ونور الأبصار والعقل والمعرفة وأبصار العباد وأسماعهم وقلوبهم من نوري ونوري مشتق من نوره، فنحن الأولون ونحن الآخرون ونحن السابقون ونحن المسبحون ونحن الشافعون ونحن كلمة الله، ونحن خاصة الله، ونحن أحباء الله، ونحن وجه الله، ونحن جنب الله ونحن يمين الله ونحن أمناء الله، ونحن خزنة وحي الله الله وسدنة غيب الله ونحن معدن التنزيل ومعنى التأويل، وفي أبياتنا هبط جبرئيل، ونحن محال قدس الله، ونحن مصابيح الحكمة ونحن مفاتيح الرحمة ونحن ينابيع النعمة ونحن شرف الأمة، ونحن سادة الأئمة ونحن نواميس العصر وأحبار الدهر ونحن سادة لعباد ونحن ساسة البلاد ونحن الكفاة والولاة والحماة والسقاة والرعاة وطريق النجاة، ونحن السبيل والسلسبيل، ونحن النهج القويم والطريق المستقيم، من آمن بنا آمن بالله، ومن رد علينا رد على الله، ومن شك فينا شك في الله، ومن عرفنا عرف الله، ومن تولى عنا تولى عن الله، ومن أطاعنا أطاع الله، ونحن الوسيلة إلى الله والوصلة إلى رضوان الله، ولنا العصمة والخلافة والهداية، وفينا النبوة والولاية والإمامة، ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة وشجرة العصمة، ونحن كلمة التقوى والمثل الاعلى والحجة العظمى

ص: 25

والعروة الوثقى التي من تمسك بها نجا)(1).

فلعظمة هذا النبي خلق الله روحه قبل أن يخلق آدم والملائكة والسماوات والأرضين، وكل هذا يبرهن على قداسة هذه الروح، ولصفائها وطاعتها وامتثالها الله صارت هذه الروح من أقدس الموجودات ثم خلق الله من نور النبي كل خير.

عن جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم:

«أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير»(2).

فمنذ النشأة الأولى كان النبي مصدر الأنوار وأساس كل خير، ومن نوره خلق الله العرش والكرسي والقلم ومن خلال النبي علم سبحانه ملائكته التسبيح والتهليل، فمنذ ذلك العالم ورسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم هو القدوة والأسوة للعباد.

وفي رواية قال رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين علیه السلام:

«... يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول ما خلق الله خلق أرواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون، وانه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا...»(3).

ص: 26


1- بحار الأنوار، ج 25، ص 22
2- بحار الأنوار، ج 15، ص 24
3- علل الشرائع، ج 1، ص 5

وإن من أوصلهم إلى هذه المكانة والقربي من الله هي المعرفة به سبحانه، وتوضح الرواية السابقة انهم مذ أن خلقوا كانوا يسبحون الله ويقدسونه وهذا ما ميزهم عن سائر الخلق فهم معصومون منذ النشأة الأولى.

والله سبحانه وتعالى حينما ابتدأ بخلق محمد صلی الله علیه وآله وسلم وعترته علیهم السلام دليل على انهم سادات الخلائق مذ كانوا نورا، ولقداسة هذه الأرواح وعظيم مكانتها عنده سبحانه جعلها في أعلى عليين، ثم أودعها في أصلاب شامخة وأرحام مطهرة.

عن قبيصة بن يزيد الجعفي قال: (دخلت على الصادق علیه السلام وعنده ابن ظبيان والقاسم الصيرفي، فسلمت وجلست وقلت: يا بن رسول الله أين كنتم قبل أن يخلق الله سماء مبنية، وأرضا مدحية أو ظلمة أو نورا قال:

«كنا أشباح نور حول العرش، نسبح الله قبل أن يخلق آدم علیه السلام بخمسة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم علیه السلام فرغنا في صلبه، فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى رحم مطهر حتى بعث الله محمدا صلی الله علیه وآله وسلم الخبر)(1).

ومن الادلة الواضحة التي تبين أنه خلق من نور عظمة الله وصوله إلى قاب قوسين بل أدنى، وقد قال له جبرائيل حين وصولهم إلى سدرة المنتهى: (تقدم يا رسول الله ليس لي أجوز هذا المكان ولو دنوت أنملة لاحترقت)(2).

فلولا انه مخلوق من نور العظمة لما جاز له التقدم وهذا الحديث يبين لنا قربه ومكانته عند الله، قال الإمام الصادق علیه السلام:

(.. وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل علیه السلام لما أسرى به إلى السماء: «تقدم يا محمد فقد وطئت موطئا لم يطأه (أحد قبلك) لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل»

ص: 27


1- بحار الأنوار، ج 15، ص 6
2- مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 155

ولولا أن روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه، فكان من الله عزوجل، کما قال الله:

«قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى»(1))(2).

المسألة الثانية (عالم الطينة) قوله علیه السلام:

«أخرجه مِنْ أَفْضَلِ المَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِساً مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَخَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه»(3).

قال الشارح البحراني: (استعار لفظ المعدن والمغرس والمنبت: لطينة النبوّة وهي مادّته القريبة التي استعدّت لقبول مثله)(4).

فالطينة هي الأصل الذي خُلق منها الإنسان ومن طابت روحه طابت طينته، ومن فسدت روحه فسدت طينته، وبما إن أرواح الأنبياء والحجج والأولياء والصديقين والمؤمنين أطيب الأرواح لذا اختار لهم سبحانه هذه الطينة الطيبة الطاهرة.

ومن المؤكد إن طينة الأنبياء والحجج هي الأصل ومن ثم يخلق الله من تلك الطينة بقية الصالحين.

قال أَبِو عَبْدِ الله علیه السلام:

ص: 28


1- النجم: 9
2- مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني، ج 1، ص 59
3- نهج البلاغة، من الخطبة: 94، ص 139
4- اختيار مصباح السالكين، ابن ميثم البحراني، ص 235

«إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ خَلَقَ الْمُؤْمِنَ مِنْ طِينَةِ الْجَنَّةِ وخَلَقَ الْكَافِرَ مِنْ طِينَةِ النَّارِ وقَالَ إِذَا أَرَادَ الله عَزَّ وجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً طَيَّبَ رُوحَه وجَسَدَه فَلَا يَسْمَعُ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا عَرَفَه ولَا يَسْمَعُ شَيْئاً مِنَ الْمُنْكَرِ إِلَّا أَنْكَرَه قَالَ وسَمِعْتُه يَقُولُ: الطِّينَاتُ ثَلَثٌ طِينَةُ الأَنْبِيَاءِ والْمُؤْمِنُ مِنْ تِلْكَ الطِّينَةِ إلَّا أَنَّ الأَنْبِيَاءَ هُمْ مِنْ صَفْوَتَهِا هُمُ الأَصْلُ ولَهُمْ فَضْلُهُمْ والْمُؤْمِنُونَ الْفَرْعُ مِنْ طيِنٍ لَزِبٍ كَذَلِكَ لَ يُفَرِّقُ الله عَزَّ وجَلَّ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ شِيعَتهِهِمْ وقَالَ طيِنَةُ النَّاصِبِ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ وأَمَّا الْمُسْتَضْعَفُونَ فَمِنْ تُرَابٍ لَا يَتَحَوَّلُ مُؤْمِنٌ عَنْ إيِمَنهِ ولَا نَاصِبٌ عَنْ نَصْبهِ ولله الْمَشِيئَةُ فِيهِمْ»(1).

وكان أول من خلقه الله من الخلق هو النبي الأكره الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم، قال رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم: «كنت أول الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا»(2)، فلعظيم منزلته عند الله خلقه سبحان قبل الوجود، كي لا يسبقه بالفضل أحد من البشر.

عن ابي عبد اللہ علیه السلام قال:

(... إن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين، ثم فرقهما فرقتين، فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقا بإذني، فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى، وقال لأهل الشمال: كونوا خلقا بإذني، فكانوا خلقا بمنزلة الذر، يدرج، ثم رفع لهم نارا فقال: ادخلوها باذني، فكان أول من دخلها محمد صلی الله علیه وآله وسلم ثم اتبعه أولو العزم من الرسل وأوصياؤهم وأتباعهم، ثم قال لأصحاب الشمال: ادخلوها بإذني، فقالوا: ربنا خلقتنا لتحرقنا؟ فعصوا، فقال لأصحاب اليمين اخرجوا بإذني من النار، لم تكلم النار منهم كلا، ولم تؤثر فيهم أثرا، فلما رآهم

ص: 29


1- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، العلامة المجلسي، ج 7، ص 5
2- سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي، ج 1، ص 68

أصحاب الشمال، قالوا: ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدخول، قال: قد أقلتكم فادخلوها، فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا: يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا، فأمرهم بالدخول ثلاثا، كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر أولئك ثلاثا، كل ذلك يطيعون ويخرجون، فقال لهم: كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم، قال: فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ..)(1).

نفهم من الرواية السابقة إن من خلال الطاعة والامتثال الله سبحانه صار خلق الإنسان، فمن حسنت نيته خلقه الله من طينة الجنة، ومن فسدت نيته خلقه الله من طينة النار، ومن ثم يرجع كل مخلوق إلى أصله، وكون رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم السباق بالتلبية لله الواحد صار خلقه مختلفاً، كذلك أهل بيته ومن سار على هداهم.

عن الأصبغ بن نباتة (إن أمير المؤمنين علیه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

(يا أيها الناس إن شيعتنا من طينة مخزونة قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، لا يشذ منها شاذ، ولا يدخل فيها داخل وإني لأعرفهم حين أنظر إليهم لأن رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم لما تفل في عيني وكنت أرمد قال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد وبصره صديقه من عدوه فلم يصبني رمد ولا حر ولا برد، وإني لأعرف صديقي من عدوي، فقام رجل من الملأ فسلم، ثم قال: والله يا أمير المؤمنين إني لأدين الله بولايتك، وإني لأحبك في السر كما أظهر لك في العلانية، فقال له علي علیه السلام: كذبت فوالله ما أعرف اسمك في الأسماء ولا وجهك في الوجوه، وإن طينتك لمن غير

ص: 30


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 11

تلك الطينة، فجلس الرجل قد فضحه الله وأظهر عليه، ثم قام آخر فقال: يا أمير المؤمنين إني لأدين الله بولايتك وإني لأحبك في السر كما أحبك في العلانية، فقال له: صدقت طينتك من تلك الطينة وعلى ولايتنا أخذ ميثاقك وإن روحك من أرواح المؤمنين ..»(1).

فحب علي ليس بكلام وإنما حقيقة تكمن بالقلب كالإيمان فكل من قال إن الإيمان كلام هو مخطأ؛ كذلك حب الإمام؛ لذا يقول علیه السلام:

«لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ المُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا، عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي ولَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى الْمُنَافِقِ، عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي، وذَلِكَ أَنَّه قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ صلی الله علیه وآله وسلم أَنَّه قَالَ يَا عَلِيُّ لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ ولَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ)(2)، فمن جبل على محبته علیه السلام لا يقدر على بغضه إذ أن طينته طاهرة مطهرة.

المسألة الثالثة (عالم الأصلاب والأرحام) قبل ان يخلقنا الله بهذه الخلقة جعل مستقرنا في اصلاب الآباء وأرحام الأمهات قال تعالى:

«وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ»(3).

قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: (المراد بالمستقر والمنبت الأرحام المطهرة للأمهات والأصلاب الموحدة والمؤمنة للآباء; الأمر الذي ورد في زيارة

ص: 31


1- الإختصاص، الشيخ المفيد، ص 311310
2- نهج البلاغة، الحكمة: 45، ت صبحي الصالح
3- الأنعام: 98

المعصومين علیهم السلام، ومنها زيارة الإمام الحسين علیه السلام المعروفة بزيارة وارث:

«أشهد أنك كنت نورا في الاصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة»)(1).

إن الله سبحانه وتعالى طهرهم من جميع العيوب والأرجاس والأدناس، فکل آباءه (صلوات الله وسلامه عليهم) كانوا طاهرين، فلم يضع سبحانه نور نبيه صلی الله علیه وآله وسلم إلا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة.

قال رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم:

«لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات، حتى أخرجني في عالمكم، ولم يدنّسني بدنس الجاهلية»(2).

ومن خطبة له علیه السلام قال فيها:

«وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه وسَيِّدُ عِبَادِه، كُلَّمَا نَسَخَ الله الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَه فِي خَيْرِهِمَا، لَم يُسْهِمْ فِيه عَاهِرٌ ولَا ضَرَبَ فِيه فَاجِرٌ»(3).

قال الشارح البحراني في قوله علیه السلام:

«لَمْ يُسْهِمْ فِيه عَاهِرٌ ولَا ضَرَبَ فِيه فَاجِرٌ»، أي: لم يضرب فيه العاهر بسهم ولم يكن للفجور في أصله شركة، يقال: ضرب في كذا بنصيب إذا كان له فيه شرك، وهو إشارة إلى طهارته من قبل أصله عن الزنا كما روي عنه صلی الله علیه وآله وسلم لم يزل ينقلني الله تعالى من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لمّا خلق الله آدم أودع نوري في جبينه فما زال ينقله من الآباء الأخاير إلى الأُمّهات الطواهر حتّى انتهى إلى عبد المطَّلب، وقال صلی الله علیه وآله وسلم:

ص: 32


1- نفحات الولاية، ج 4، ص 179
2- بحار الأنوار، ج 15، ص 117
3- نهج البلاغة: 214

«ولدت من نكاح لا من سفاح»(1).

وقال رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنا ابن العواتك من قريش»(2).

عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قال: (كتبت للنبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية)(3).

وجاء في أحد خطبه علیه السلام واصفا فيها طهر هذه السلالة:

«فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ، وأَقَرَّهُم فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ، تَنَاسَخَتهُم كَرَائِمُ الأَصْلَابِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ الأَرْحَامِ، كُلَّمَا مَضَى مِنْهُم سَلَفٌ، قَامَ مِنْهُم بِدِينِ الله خَلَفٌ»(4).

ص: 33


1- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج 4، ص 32
2- قال المحقق البحراني في كتاب الحدائق الناظرة، ج 22، ص 357، (أنا ابن العواتك «هو جمع عاتكة وهي المرأة المجمرة بالطيب، وكان هذا الاسم لثلاث نسوة من أمهاته صلی الله علیه وآله وسلم إحداهن عاتكة بنت هلال أم عبد مناف بن قصي، والثانية عاتكة بنت مرة بن هلال أم هاشم بن عبد مناف، والثالثة عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال أم وهب أبي آمنة أم النبي صلی الله علیه وآله وسلم فالأولى من العواتك عمة الثانية، والثانية عمة الثالثة، قيل: وبنوا سليم كانوا يفتخرون بهذه الولادة، وقيل العواتك في جدات النبي صلی الله علیه وآله وسلم تسع ثلاث من بني سليم، وهن المذكورات، والبواقي من غيرهم
3- الطبقات الکبری، ابن سعد، ج 1، ص 60، وعن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن الحسين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «إنما خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم لم يصبني من سفاح أهل الجاهلية شيء لم أخرج إلا من طهره»، المصدر نفسه، ص 61
4- نهج البلاغة، الخطبة: 94

معنى تَنَاسَخَتْهُمْ أي تناقلتهم(1)، فلم يزل سبحانه ينقل نبيه بين كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام حتى قذفه في صلب عبد الله، ثم استقر في رحم امنة بنت وهب وبلا شك أن هذه السيدة كانت ذات حياء وعفة وجمال خَلقي وخُلقي لذا صارت وعاء لهذا السيد الهاشمي كي يرث من هذا البيت الطاهر جميع الكمالات الهاشمية.

جاء في الصحيح من سيرة الامام ما روي عن ابن عباس، وأبي جعفر، وأبي عبد الله علیهما السلام عن قول الله عزوجل «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ»، قال: يرى تقلبه في أصلاب النبيين من نبي إلى نبي حتى أخرجه من صلب أبيه، من نكاح غير سفاح من لدن آدم علیه السلام.

وقال المجلسي عن آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (بل كانوا من الصديقين، إما أنبياء مرسلين، أو أوصياء معصومين)(2).

وكان سبحانه قبل أن ينقل نور نبيه صلی الله علیه وآله وسلم في أصلاب الطاهرين يأخذ عليهم الميثاق بأن لا يضعوا هذا النور إلا في أطهر الأرحام(3)، لأن الرسالة السماوية

ص: 34


1- ينظر، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الخوئي الهاشمي، ج 7، ص 107
2- الصحيح من سيرة الامام علي - ج 6 ص 18 - 19
3- راجع كتاب بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 15، ص 24. قال: أبو الحسن البكري: حدثنا أشياخنا وأسلافنا الرواة لهذا الحديث أنه لما تزوج هاشم بن عبد مناف بسلمى بنت عمرو النجارية ودخل بها حملت بعبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وآله، وانتقل النور الذي كان في وجهه إلى سلمى زادها حسنا «وجمالا وبهجة وكمالا حتى شاع حسنها في الآفاق، وكان يناديها الشجر والحجر والمدر بالتحية والاكرام ، وتسمع قائلا يقول عن يمينها: السلام عليك يا خير البشر، ولم تزل تحدث بما ترى حتى حذرها هاشم فكانت تكتم أمرها عن قومها حتى إذا كان ذات ليلة سمعت قائلا يقول: لك البشر إذ أوتيت أكرم من مشى ***وخیر الناس من حضر وبادي وقال: لما سمعت ذلك لم تدع هاشما « يلامسها بعد ذلك. قال: ثم إن هاشما « أقام في المدينة أياما «حتى اشتهر حمل سلمى، فقال لها: يا سلمى إني أودعتك الوديعة التي أودعها الله تعالى آدم عليه السلام، وأودعها آدم عليه السلام، ولدها شيئا «عليه السلام، ولم يزالوا يتوارثونها من واحد إلى واحد إلى أن وصلت إلينا، وشرفنا الله بهذا النور، وقد أودعته إياك، وها أنا آخذ عليك العهد والميثاق بأن تقيه وتحفظيه، وإن أتيت به وأنا غائب عنك فليكن عندك بمنزلة الحدقة من العين، والروح بين الجنبين، وإن قدرت على أن لا تراه العيون فافعلي، فإن له حسادا «وأضدادا»، وأشد الناس عليه اليهود (بحار الأنوار، ج 15، ص 51)

تحتاج إلى بيوتات طاهرة كي لا يعابوا بنسبهم، فالمغرضون يتربصون بالأنبياء والأولياء فمجرد أن يجدوا فرصة للطعن يشهروا بها وخير دليل على ما نقول ما حدث للسيدة مريم علیها السلام حينما جاءتهم بعيسى فقد عيروها في بادئ الأمر ولكن عان ما تكلم النبي عيسى علیه السلام فأثبت صدق دعواها وبرئها مما يقولون، فسبحانه وتعالى أنبتها في نبات حسن وجعلها في أطهر الأصلاب كذلك النبي وسائر الرسل (صلوات الله عليهم أجمعين)، فكلهم يعودون إلى أصل واحد، قال تعالى:

«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»(1).

كذلك جعل محبيهم من أطهر البيوت وجعل أعداءهم من أدنى البيوتات وأقلها شرفا.

روي عن أبي عبد الله علیه السلام:

«إذا كان يوم القيامة دعي الخلائق بأمهاتهم ما خلانا وشيعتنا فإنا لا سفاح بيننا»(2).

ص: 35


1- آل عمران: 34
2- صفات الشيعة - الشيخ الصدوق - ص 16

وقال الإمام الصادق علیه السلام:

«لا يبغضنا إلا من خبثت ولادته أو حملت به أمه في طمثها»(1).

وهذه العناية الربانية لسيد الخلق وأهل بيته دليل كافٍ على طهرهم وأنهم يستحقون هذا اللطف الإلهي، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (سئل رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم: أين كنت وآدم في الجنة؟ قال:

«كنت في صلبه، وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبي نوح علیه السلام، وقذف بي في النار في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق لي أبوان على سفاح قط، لم يزل الله عزوجل من ينقلني من الأصلاب الطيبة، إلى الأرحام الطاهرة، هاديا مهديا، حتى أخذ الله بالنبوة عهدي، وبالإسلام ميثاقي، وبيّن كل شيء من صفتي، وأثبت في التوراة والإنجيل ذكري، ورقى بي إلى سمائه، وشق لي اسما من أسمائه، امتي الحامدون، وذو العرش محمود، وأنا محمد»(2).

فسبحانه وتعالى لم يضعه في صلب كافر قط، وفي هذا الخبر تزكية لجميع آبائه (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم)، وعن أبي جعفر علیه السلام، قال:

ص: 36


1- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 2، ص 528
2- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 4، ص 191. قال جابر بن عبد الله الأنصاري: ((.... فقلت: يا رسول الله! هذه حالنا فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة؟ فسكت رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم مليا ثم قال: يا جابر! لقد سألت عن أمر لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم، إن الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جل ثناؤه يودع الله أنوارهم أصلابا طيبة وأرحاما طاهرة، يحفظها بملائكته، ويربيها بحكمته، ويغذوها بعلمه، فأمرهم يجل عن أن يوصف، وأحوالهم تدق عن أن تعلم، لأنهم نجوم الله في أرضه، وأعلامه في بريته، وخلفاؤه على عباده، وأنواره في بلاده، وحججه على خلقه، يا جابر! هذا من مكنون العلم ومخزونه، فاكتمه إلا من أهله))

«الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ» في النبوة «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ»، قال: في أصلاب النبيين)(1).

من خلال هذه الآية نستدل أن آزر لم يكن أباً لإبراهيم الخليل علیه السلام ففي رواية عن الإمام الصادق علیه السلام نأخذ منها موضع الشاهد تُؤكد أن آزر هو عم النبي ابراهيم وليس أباه، قال الإمام الصادق علیه السلام:

«... فالتفت نمرود إلى آزر فقال: ما أكرم ابنك على الله! والعرب تسمي العم أبا، قال تعالى في قصة يعقوب: «قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ»، وإسماعيل كان عم يعقوب وقد سماه أبا في هذه الآية)(2).

وقال ابن ابي الحديد في قوله علیه السلام:

«فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ ومَمَاهِدِ السَّلَامَةِ»، هاهنا البراءة من العيوب، أي في نسب طاهر غير مأفون ولا معيب)(3).

وليس سلامتهم من أدناس الشيطان فقط، بل أكملهم الله وجعلهم أفضل خلقه بكل شيء من حيث الصور والطهارة فما أرسل الله نبياً إلا طيب الولادة طاهرا مطهرا مكملاً من النواقص ومنزها من كل عيب(4).

ص: 37


1- تفسير القمي، علي بن ابراهيم القمي، ج 2، ص 125
2- قصص الأنبياء، قطب الدين الراوندي، ص 109
3- ينظر، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد، ج 7، ص 68
4- ومن دعاء له علیه السلام يوضح فيه طهارة أصل الشجرة ويبين إن نور النبي لا يتقبله الا طاهر مطهر قال علیه السلام (... سبحانك ما أبين اصطفاءك لإدريس على من سلك من الحاملين، لقد جعلت له دليلا من كتابك إذ سميته صديقا نبيا «ورفعته مكانا عليا وأنعمت عليه نعمة حرمتها على خلقك إلا من نقلت إليه نور الهاشميين، وجعلته أول منذر من أنبيائك، ثم أذنت في انتقال محمد صلى الله عليه وآله وسلم من القابلين له متوشلخ ولمك المفضيين إلى نوح، فأي آلائك يا رب على ذلك لم توله؟ وأي خواص كرامتك لم تعطه؟ ثم أذنت في إيداعه ساما دون حام ويافث، فضرب لهما بسهم في الذلة، وجعلت ما أخرجت من بينهما لنسل سام خولا. ثم تتابع عليه القابلون من حامل إلى حامل، ومودع إلى مستودع من عترته في فترات الدهور حتى قبله تارخ أطهر الأجسام وأشرف الاجرام، ونقلته منه إلى إبراهيم فأسعدت بذلك جده، وأعظمت به مجده، وقدسته في الأصفياء، وسميته دون رسلك خليلا، ثم خصصت به إسماعيل دون ولد إبراهيم، فأنطقت لسانه بالعربية التي فضلتها على سائر اللغات، فلم تزل تنقله محظورا عن الانتقال في كل مقذوف من أب إلى أب حتى قبله كنانة عن مدركة، فأخذت له مجامع الكرامة ومواطن السلامة وأجللت له البلدة التي قضيت فيها مخرجه، فسبحانك لا إله إلا أنت، أي صلب أسكنته فيه لم ترفع ذكره؟ وأي نبي بشر به فلم يتقدم في الأساء اسمه؟ وأي ساحة من الأرض سلكت به لم تظهر بها قدسه؟ حتى الكعبة التي جعلت منها مخرجه غرست أساسها بياقوتة من جنات عدن، وأمرت الملكين المطهرين: جبرئيل وميكائيل فتوسطا بها أرضك، وسميتها بيتك، واتخذتها معمدا لنبيك، وحرمت وحشها وشجرها و قدست حجرها ومدرها، وجعلتها مسلكا لوحيك، ومنسكا لخلقك، ومأمن المأكولات وحجابا للآكلات العاديات، تحرم على أنفسها إذعار من أجرت، ثم أذنت للنضر في قبوله وإيداعه مالكا، ثم من بعد مالك فهرا، ثم خصصت من ولد فهر غالبا، وجعلت كل من تنقله إليه أمينا لحرمك حتى إذا قبله لؤي بن غالب آن له حركة تقديس، فلم تودعه من بعده صلبا إلا جللته نورا تأنس به الابصار وتطمئن إليه القلوب، فأنا يا إلهي وسيدي ومولاي المقر لك بأنك الفرد الذي لا ينازع ولا يغالب ولا يشارك «سبحانك لا إله إلا أنت ما لعقل مولود وفهم مفقود مدحق من ظهر مريج نبع من عين مشيج بمحيض لحم وعلق ودر إلى فضالة الحيض وعلالات الطعم، وشاركته الأسقام والتحقت عليه الآلام، لا يقدر على فعل ولا يمتنع من علة، ضعيف التركيب والبينة؟ ماله والاقتحام على قدرتك، والهجوم على إرادتك، وتفتيش مالا يعلمه غيرك؟ سبحانك أي عين تقوم نصب بهاء نورك، وترقى إلى نور ضياء قدرتك؟ وأي فهم يفهم ما دون ذلك إلا أبصار كشفت عنها الأغطية، وهتكت عنها الحجب العمية فرقت أرواحها إلى أطراف أجنحة الأرواح فناجوك في أركانك، وألحوا بين أنوار بهائك، ونظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك، فسماهم أهل الملكوت زوارا ودعاهم أهل الجبروت عمارا، فسبحانك يامن ليس في البحار قطرات ولا في متون الأرض جنبات ولا في رتاج الرياح حركات ولا في قلوب العباد خطرات ولا في الابصار لمحات ولا على متون السحاب نفحات إلا وهي في قدرتك متحيرات، أما السماء فتخبر عن عجائبك، وأما الأرض فتدل على مدائحك، وأما الرياح فتنشر فوائدك، وأما السحاب فتهطل مواهبك، وكل ذلك يحدث بتحننك ويخبر أفهام العارفين بشفقتك وأنا المقر بما أنزلت على ألسن أصفيائك أن أبانا آدم عند اعتدال نفسه وفراغك من خلقه رفع وجهه فواجهه من عرشك وسم فيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فقال: إلهي من المقرون باسمك؟ فقلت: محمد خير من أخرجته من صلبك، واصطفيته بعدك من ولدك، ولولاه ما خلقتك، فسبحانك لك العلم النافذ والقدر الغالب، لم تزل الآباء تحمله، والأصلاب تنقله كلمات أنزلته ساحة صلب جعلت له فيها صنعا يحث العقول على طاعته، ويدعوها إلى متابعته، حتى نقلته إلى هاشم خير آبائه بعد إسماعيل، فأي أب وجد ووالد أسرة ومجتمع عترة ومخرج طهر ومرجع فخر جعلت یا رب هاشما؟ لقد أقمته لدن بيتك، وجعلت له المشاعر والمتاجر، ثم نقلته من هاشم إلى عبد المطلب فأنهجته سبيل إبراهيم، وألهمته رشدا للتأويل وتفصيل الحق، ووهبت له عبد الله وأبا طالب وحمزة، وفديته في القربان بعبد الله، كسمتك في إبراهيم بإسماعيل، ووسمت بأبي طالب في ولده كسمتك في إسحاق بتقديسك عليهم وتقديم الصفوة لهم. فلقد بلغت إلهي ببني أبي طالب الدرجة التي رفعت إليها فضلهم في الشرف الذي مددت به أعناقهم، والذكر الذي حليت به أسماءهم، وجعلتهم معدن النور وجنته، وصفوة الدين وذروته، وفريضة الوحي وسنته، ثم أذنت لعبد الله في نبذه عند ميقات تطهير أرضك من كفار الأمم الذين نسوا عبادتك، وجهلوا معرفتك، واتخذوا أندادا، وجحدوا ربوبيتك، وأنكروا وحدانيتك، وجعلوا لك شركاء وأولادا، وصبوا إلى عبادة الأوثان وطاعة الشيطان، فدعاك نبينا (صلوات الله عليه) بنصرته فنصرته بي وبجعفر وحمزة، فنحن الذين اخترتنا له وسميتنا في دينك لدعوتك أنصارا لنبيك، قائدنا إلى الجنة ...) (بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 25، ص 28 - 32)

ص: 38

المسألة الرابعة (عالم الدنيا) وفي مستقره في عالم الدنيا ثلاثة أقوال:

القول الأول: (مستقره بمكة).

قال ابن ميثم البحراني في مستقره (صلوات الله وسلامه عليه): (أشار بمستقرّه

ص: 39

إلى مكَّة وكونها خير مستقرّ لكونها أمّ القرى ومقصد خلق الله ومحلّ كعبته)(1).

بعد خروجه (صلوات الله وسلامه عليه) من عالم الأصلاب والأرحام استقر النبي في هذه البقعة الطيبة الطاهرة، التي اختارها الله وجعل فيها بيته الحرام ومسكن أنبيائه ومهبط وحيه ثم جعلها مقر نبيه صلی الله علیه وآله وسلم وهذا كاشف عن قداستها واختلافها عن سائر البقاع.

قال رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن الله تعالى خلق خلقه فجعلهم فريقين فجعلني في خير الفريقين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم قبيلة وخير كم بيتا»(2).

القول الثاني: (مستقره بالمدينة) قال العلامة التستري: (الظاهر أنّ مراده علیه السلام بمستقرّه المدينة، وقد سمّاها النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم الطيّبة، ووصفها بأنّها تنفي خبثها كما ينفي الكير(3)، خبث الحديد)(4).

ومن خطبة له علیه السلام قال فيها:

«وهِجْرَتُه بِطَيْبَةَ، عَلَا بِهَا ذِكْرُه وامْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُه»(5).

ص: 40


1- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج 2، ص 401، ينظر في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية، ج 2، ص 69
2- کنز العمال، المتقي الهندي، ج 11، ص 415
3- الكِيُر: كِيُر الحدّاد، الكِير الزِّقّ الذي يَنْفُخ فيه الحدّاد، والجمع أَكْيارٌ وكِيَرة، (لسان العرب، ج 5، ص 157)
4- بهج الصباغة، ج 2، ص 147
5- الخطبة: 161

قال ابن أبي الحديد: (طيبة اسم المدينة، كان اسمها يثرب، فسماها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طيبة ومما أكفر الناس به یزید بن معاوية أنه سماها «خبيثة» مراغمة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم)(1).

وقد اسست دولته المسلمين بطيبة، فمن هذه الأرض امتد صوته وعلا ذكره وصارت الملوك والجبابرة تتحدث به وتشهد بأنه قائد عظيم لم يشهد التاريخ مثيله.

القول الثالث: (مستقره في قبره) من المؤكد أن التربة التي ضمت جسد النبي صلی الله علیه وآله وسلم وكذلك أهل بيته علیهم السلام مختلفة عن سائر الترب، ومن المؤكد أن الله حينما يودع تلك الأجساد الطاهرة في ملحودها يكون ذلك المكان خير الأماكن فمن تلك الأضرحة يستجاب الدعاء وفيها مختلف الملائكة ومنها تعلو القبب الزاهرة.

روي أنه علیه السلام لما أتم تغسیله قال:

«بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا..»(2)، فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم طاب وطابت الأرض التي ضمته، فهذه البقعة التي حوت ذلك الجسد صارت مستقره حتى يبعثه الله في أعلى عليين.

المسألة الخامسة (مستقره في الجنان) قال تعالى:

«أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا»(3).

ص: 41


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید، ج 9، ص 237
2- الأمالي، الشيخ المفيد، ص 103
3- الفرقان: 24

وتلك الدار التي اعدها الله للمتقين هي مستقرهم ودار خلودهم التي وعد الله بها عباده المخلصين، ونحن نعلم أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أقرب الخلق إلى الله فلا يداني منزلته أحد من الخلق سوى أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فهم يتلونه في الرتبة والشرف لذا صار مستقرهم خير مستقر.

عن الإمام علي علیه السلام قال:

«كان لي عشر من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم يعطهن أحد قبلي ولا يعطاهن أحد بعدي، قال لي: يا علي، أنت أخي في الدنيا وفي الآخرة، وأنت أقرب الناس مني موقفا يوم القيامة، ومنزلي ومنزلك في الجنة متواجهان کمنزل الأخوين..»(1).

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال: «يا عليّ، يدك في يدي يوم القيامة، تدخل معي حيث أدخل»(2).

فكلما كان الإنسان أقرب إلى النبي كان الأقرب إلى الله وهذا أمير المؤمنين قد نال شرف القربي من النبي صلی الله علیه وآله وسلم في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا تربي بحجره ولم يفارقه حتى ارتحل النبي إلى جوار ربه، فهذه الخصوصية لم يحظَ بها سوى امير المؤمنين وفاطمة والحسنين (سلام الله عليهم أجمعين).

أما في الأخرة فإنهم مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يوم القيامة. قال الإمام علي علیه السلام:

(دخل عليَّ رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وأنا نائم على المنامة فاستسقى الحسن أو الحسين، قال فقام النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) إلى

ص: 42


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 136
2- کنز العمال، المتقي الهندي، ج 11، ص 127، ح 33056

شاة لنا بکیء(1) فحلبها فدرت فجاءه الحسن فنحاه النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فقالت فاطمة يا رسول الله كأنه أحبهما إليك قال لا ولكنه استسقي قبله ثم قال إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة)(2).

فالذي جمعهم في كساء واحد لا بد وأن يحشرهم في مكان واحد في الجنة.

وخلاصة المبحث: إن الله سبحانه وتعالى جعل مستقره (صلوات الله وسلامه عليه) في خير مستقر منذ نشأته الأولى إلى أن يسكنه جنة الخلد التي هي مقره وخلوده.

فكما كان في أعلى عليين لا بد وأن يرجع إلى مكانه وأصله الذي خلق منه كذلك أهل بيته وعترته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) لهم الخصوصية نفسها.

ص: 43


1- (بکی) قليلة اللبن ينظر: القاموس المحیط، ج 1، ص 9
2- مسند أحمد، ج 1، ص 101. عن جابر: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: أنا وهذا - يعني عليّاً - نجيء يوم القيامة كهاتين - وجمع بين إصبعيه السبّابتين)

المبحث الثاني: شجرة النبي (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين))

المسألة الأولى (أسرة النبي) قوله علیه السلام:

«أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ»(1).

ذكر الإمام علیه السلام عترة النبي قبل اسرته ذلك لأن العترة أخص ولكنا أفردنا للعترة فصلاً خاصاً بوصفهم فروع الشجرة النبوية لذا قبل أن نشرع بذکر الفروع لا بد وأن نتحدث قبلها عن الأصول.

قال ابن منظور (الأَسْرُ: القوة والحبس، وأُسْرَةُ الرجل: عشيرته ورهطُه الأَدْنَوْنَ لأَنه يتقوى بهم، والأُسْرَةُ: عشيرة الرجل وأَهل بيته)(2).

الأسرة المكان الأول الذي ينشأ به الإنسان بعد خروجه من ذلك العالم، أعني عالم الأصلاب والأرحام، فيكتسب منهم جميع العادات والتقاليد، لذا اختار سبحانه لأنبيائه وأوليائه أعظم الأسر ليكونوا أحجي لهم أمام خصومهم.

ومن خطبة له علیه السلام قال فيها:

ص: 44


1- نهج البلاغة، من الخطبة: 161، ص 229
2- لسان العرب، ج 4، ص 20

«وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه وسَيِّدُ عِبَادِه، کُلَّمَا نَسَخَ الله الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَه فِي خَیْرِهِمَا»(1).

قال الراوندي: (يعني أن محمدا صلی الله علیه وآله وسلم كان في ظهر ابراهیم، فلما ولد لإبراهيم اسماعيل واسحاق کان محمد صلی الله علیه وآله وسلم في ظهر أفضلهما وهو اسماعيل أبو العرب، [ثم كان في قريش دون الآخرين من العرب]، ثم كان في هاشم أفضل الاخوة، إلى ان كان في ظهر عبد الله خير اخوته)(2).

وكلام الإمام علیه السلام مستنبط من حديث النبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم:

«إن الله خلق الخلق ففرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم شعوبا فجعلني في خير شعبة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خير بيت، ثم اختار من أهل بيتي أنا وعليا وجعفر فجعلني خيرهم»(3).

وهذه الرواية تكفي لبيان عظیم منزلة آبائه وأسرته (صلوات الله عليهم أجمعين)، وكان صلی الله علیه وآله وسلم يفتخر بنسبه، وقيل انه قال هذا الكلام حيث بلغه بعض ما يقوله الناس في (قال من أنا؟ قالوا أنت رسول الله، قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب، ان الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه.. الخ الحديث)(4).

وفي رواية أخرى أن بعض أصحابه تكلم بشيء يمس اسرته صلی الله علیه وآله وسلم، فلما سمع النبي ذلك نادي في الصلاة جماعة فقال: (... لا يسألني اليوم أحد: من أبواه؟

ص: 45


1- نهج البلاغة، الخطبة: 214
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدين الراوندي، ج 2، ص 343
3- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 559
4- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، ج 3، ص 295

إلا أخبرته، فقام إليه رجل فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: أبوك غير الذي تدعى له، أبوك فلان بن فلان، فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك الذي تدعى له، ثم قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه؟ فقام إليه عمر فقال: أعوذ بالله يا رسول الله من غضب الله وغضب رسوله، اعف عني عفا الله عنك)(1).

فهذه الأسر العريقة كان لها مجد عظيم وشرف وسؤدد لذا حسدهم الناس على هذه النعمة، وأراد بعض أصحاب النسب الخبيث أن يعيبهم أو يقذفهم بشيء من الجاهلية لكن الله حفظهم من كل رجس وطهرهم تطهيرا قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«أتاني جبريل علیه السلام فقال يا محمد ان الله عزوجل بعثني فطفت شرق الأرض وغربها وسهلها وجبلها فلم أجد حيا خيرا من العرب ثم أمرني فطفت في العرب فلم أجد حيا خيرا من مضر، ثم أمرني فطفت في مضر فلم أجد حيا خيرا من كنانة، ثم أمرني فطفت في كنانة فلم أجد حيا خيرا من قريش، ثم أمرني فطفت في قريش فلم أجد حيا خيرا من بني هاشم، ثم أمرني أن اختار من أنفسهم فلم أجد فيهم نفسا خيرا من نفسك»(2).

فمن بين مشارق الأرض ومغاربها اختار سبحانه لنبيه وخاتم رسله هذه الأسرة الطيبة الطاهرة كي تكون مأوىً له وسنداً للدين.

ومن خطبة له علیه السلام بين فيها أهمية العشيرة وإنه لا بد للإنسان من التمسك بعشيرته وأهل بيته، قال علیه السلام:

ص: 46


1- بحار الأنوار، ج 93، ص 220
2- المصدر نفسه، ج 3، ص 295

«أَلَا لَا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ، أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لَا يَزِيدُه إِنْ أَمْسَكَه، ولَا يَنْقُصُه إِنْ أَهْلَكَه، ومَنْ يَقْبِضْ يَدَه عَنْ عَشِيرَتِه، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْه عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْه أَيْدٍ كَثِيرَةٌ - ومَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُه يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِه الْمَوَدَّةَ»(1).

العشيرة هي السند والمعتمد، ومن لا عشيرة له لا سند له، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه خطب فقال:

«عشيرة الرجل للرجل خير من الرجل لعشيرته، إنه ان كف يده عنهم كف يدا واحدة و كفوا عنه أيدي كثيرة مع مودتهم وحفاظهم ونصرتهم، حتى لربما غضب الرجل للرجل وما يعرفه الا بحسبه، وسأتلو عليكم بذلك آيات من كتاب الله، فتلا هذه الآية:

«لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»(2).

قال علي [علیه السلام]: والركن الشديد العشيرة، فلم تكن للوط عشيرة فوالذي لا إله الا هو، ما بعث الله نبيا قط بعد لوط الا ثروة من قومه وتلا هذه الآية في شعيب:

«إِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ»(3)، قال: كان مكفوفا فنسبوه إلى الضعف، (ولَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ) قال علي: فوالذي لا إله غيره، ما هابوا جلال ربهم الا العشيرة)(4)، لذا وضع سبحانه نبيه وخاتم رُسُله في خير

ص: 47


1- نهج البلاغة، الخطبة: 23
2- هود: 80
3- هود: 91
4- کنز العمال، المتقي الهندي، ج 2، ص 437، ح 4436

اسرة وخير عشيرة كي يهابوه.

قال أبو عبد الله علیه السلام:

«نزل جبرئیل علیه السلام على النبي صلی الله علیه وآله وسلم فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب وأما حجر کفلك فحجر أبي طالب، وفي رواية ابن فضال وفاطمة بنت أسد»(1).

يقول العلامة المجلسي: (وهذا الخبر يدل على إيمان هؤلاء، فإن الله تعالى أوجب النار على جميع المشركين والكفار کا دلت عليه الآيات والأخبار)(2).

عاش (صلوات الله وسلامه عليه) بين احضان هؤلاء الأطهار وقد (توفي أبوه عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة عند أخواله وهو ابن شهرين وماتت أمه آمنة بنت وهب وهو صلی الله علیه وآله وسلم ابن أربع سنين ومات عبد المطلب وللنبي صلی الله علیه وآله وسلم نحو ثمان سنين وتزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد له منها قبل مبعثه صلی الله علیه وآله وسلم القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم وولد له بعد المبعث الطيب والطاهر وفاطمة علیه السلام وروي أيضا أنه لم يولد له بعد المبعث إلا فاطمة وأن الطيب والطاهر ولدا قبل مبعثه)(3).

وكان لخديجة علیها السلام مواقف كثيرة دلت على انها من السيدات الفاضلات ويكفي في شأنها وعلو قدرها أنها أم الزهراء علیها السلام فهذا كافٍ في بيان فضلها، ولولا أموالها وسيف علي لما قام الإسلام.

ص: 48


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 446
2- بحار الأنوار، ج 15، ص 62
3- الوافي، الفيض الكاشاني، ج 3، ص 722

كذلك حمزة عم النبي علیه السلام له مواقف كثيرة ومشرفة ويكفيه فخرا انه حاز لقب سيد الشهداء وهذا كافٍ في بيان منزلته ومكانته عند الله ورسوله.

أما أم الإمام علي علیه السلام فاطمة بنت أسد فإن لها منزلة عظيمة وقد افتخرت على مریم وباقي السيدات اللواتي مضين قبلها ذلك في بيت الله الحرام حينما ولدت الإمام علياً علیه السلام(1) وهذه السيدة كانت لرسول الله بمثابة الأم وقد قال عنها صلی الله علیه وآله وسلم:

(رحمك الله يا أمي! كنت أمي بعد أمي)(2).

ص: 49


1- قال العباس بن عبد المطلب و یزید بن قعنب، (لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا ، ثم عادت الفتحة والتزقت بأذن الله (تعالى)، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله (تعالى)، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام. قال: وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدث المخدرات في خدورهن، قال: فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي علیه السلام على يديها، ثم قالت: معاشر الناس، إن الله عزوجل اختارني من خلقه، وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، و مریم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسر عليها ولادة عيسى، فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا، وإن الله (تعالى) اختارني وفضلني عليهما، وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين، لأني ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سمیه عليا، فأنا العلي الأعلى، وإني خلقته من قدرتي، وعز جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدبته بأدبي، وفوضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أول من يؤذن فوق بيتي ، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظمني ويمجدني ويهللني، وهو الأمام بعد حبيبي ونبي وخيرتي من خلقي) الأمالي الشيخ الطوسي، ج 4، ص 31
2- کنز العمال، ج 12، ص 147

كذلك أبو طالب نال من الفضل والعظمة ما لا يصل إليه إلا المقربون من الصديقين والصالحين وقد وردت أحاديث كثيرة توضح انه من الأولياء وان منزلته أعظم من أن يتصورها أحد من الخلق ما سوى النبي والعترة الطاهرة.

وفي رواية توضح أن النبي محمداً صلی الله علیه وآله وسلم هو من اختار أبا طالب في تولي رعايته، فعن فاطمة بنت أسد علیها السلام قالت:

«... قال عبد المطلب: يا محمد جدك على جناح السفر إلى القيامة، أي عمومتك وعاتك تريد أن يكفلك؟ فنظر في وجوههم، ثم زحف إلى عند أبي طالب، فقال له عبد المطلب: يا أبا طالب، إني قد عرفت دیانتك وأمانتك، فكن له کما کنت له ...»(1).

فكان سبب اختياره (صلوات الله وسلامه عليه) لعمه أبي طالب لعدة أوجه:

الوجه الأول: كان أبو طالب أخاً لعبد الله والد النبي من الأب والأم وبذلك يكون أكثر رأفةً وأقرب إلى النبي من غيره.

الوجه الثاني: معرفته بعمه أنه صاحب ذلك النور العظيم الذي أودعه الله اياه فهو ابو الوصي، فكما كان نور النبي صلی الله علیه وآله وسلم، يشرق في وجه آبائه فقد كان نور الوصي علیه السلام يشرق في وجه أبي طالب، لذا لم يخفَ ذلك النور عن النبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم فكلاهما من نور واحد لذا اختاره.

الوجه الثالث: أمانته وديانته فأبو طالب مشهور بالأمانة والديانة بين أهل بيته وذلك لا يخفى عليهم وإنما أسرّ إيمانه عن قريش لحفظ رسالة النبي.

قال جابر لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

ص: 50


1- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، ج 1، ص 138

«یا رسول الله أكثر الناس يقولون: إن أبا طالب مات كافرا، قال يا جابر: ربك أعلم بالغيب، إنه لما كانت الليلة التي أسري بي فيها إلى السماء انتهيت إلى العرش، فرأيت أربعة أنوار فقلت: إلهي ما هذه الأنوار، فقال يا محمد هذا عبد المطلب، وهذا عمك أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا أخوك طالب فقلت: إلهي وسيدي فبماذا نالوا هذه الدرجة؟ قال: بكتانهم الإيمان، وإظهارهم الكفر وصبرهم على ذلك حتى ماتوا عليه، سلام الله عليهم أجمعين»(1).

لم يظهر هؤلاء الأطهار إيمانهم للناس حتى ماتوا، لكن من تتبع اخبارهم ونظر إلى فعالهم أيقن أنهم ليسوا بالعباد العاديين وإنما هم من الأولياء الصالحين، والمواقف المشرفة لأبي طالب وحفظه لرسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم ودفاعه عنه خير دليل على ایمانه وعظيم منزلته عند الله.

روى الشارح المعتزلي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضل قريش وبني هاشم الكثير المستفيض، نحو قوله علیه السلام:

«قدموا قريشا ولا تقدموها»، وقوله:

«الأئمة من قريش»، وقوله:

«إن الله اصطفى من العرب معدا، واصطفى من معد بني النضر بن كنانة، واصطفی هاشما من بني النضر، واصطفاني من بني هاشم»، وقوله:

«إن جبرائيل علیه السلام قال لي: يا محمد قد طفت الأرض شرقا وغربا فلم أجد فيها أكرم منك، ولا بيتا أكرم من بني هاشم»، وقوله:

«نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية»، وقوله علیه السلام:

ص: 51


1- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص 80

«إن الله تعالى لم يمسسني بسفاح في أرومتي منذ إسماعيل بن إبراهيم إلى عبد بن عبد المطلب»، وقوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«سادة أهل المحشر، سادة أهل الدنيا: أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر»(1).

وهذه الشواهد خير دليل على ان أسرة النبي خير الأسر.

المسألة الثانية (شجرته صلوات الله وسلامه عليه) قوله علیه السلام:

«وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ»(2).

معنى قوله: «شَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ»، أي أصله خير أصل ودليل ذلك قوله (صلوات الله وسلامه عليه):

«خلقت انا وعلي من شجرة واحدة وباقي الناس من اشجار شتى»، فهذه الشجرة مميزة عن باقي الأشجار كونها ضمت الأنبياء والصديقين والصالحين من الناس.

وفي هذا الحديث بيان مهم وهو أنه (صلوات الله وسلامه عليه) أراد أن يبين لعلي علیه السلام قرابته المادية والمعنوية، فعلي كمحمد، كلاهما من شجرة واحدة وأصل واحد ومعدن واحد، كما أنهم خلقوا من نور واحد.

وكان (صلوات الله وسلامه عليه) يقول: (الحمد لله الذي أخرجني من

ص: 52


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 7، ص 64
2- نهج البلاغة، من الخطبة 94، ص 139

أفضل نبات، من الشجرة التي خلق منها الأنبياء)(1).

وقوله علیه السلام:

«نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ».

احتمل بعض الشراح مكة المكرمة(2) قال محمد تقي التستري («نبتت في حرم» أي: عزّ ومنعة، وليس المراد مكّة كما احتمله ابن أبي الحديد، فلو كانت مراده لقال: في الحرم لا في حرم)(3).

وقوله علیه السلام:

«وبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ».

(بسق: الباء والسين والقاف أصل واحد وهو ارتفاع الشيء وعلوه، يقال بسقت النخلة بسوقا إذا طالت وكملت)(4).

وهي (إشارة إلى أنّ النبي صلی الله علیه وآله وسلم لم يولد في أرض وأسرة عزيزة كريمة فحسب، بل ترعرع وتربى في بيئة مفعمة بالكرامة والشموخ (لأن البسوق في الأصل تعني ارتفاع وطول فروع وأغصان النخل))(5).

وبعد هذا البيان الواضح والصريح في عظيم قدر هذه الشجرة وما حوت من كرام الخلق فهل من الممكن أن ننسب بني أُمية إلى هذه الشجرة المباركة؟!! والجواب على هذا السؤال يوضحه كتابه علیه السلام لمعاوية، فمن كتاب لأمير

ص: 53


1- بحار الأنوار، ج 15، ص 376
2- ينظر، شرح ابن أبي الحديد، ج 7، ص 62
3- بهج الصباغة، محمد تقي التستري، ج 2، ص 136
4- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا (ابن فارس)، ج 1، ص 247
5- نفحات الولاية، ج 4، ص 163. 54

المؤمنين علیه السلام أرسله لمعاوية بيّن فيه أن بني أمية لصقاء ببني هاشم قال علیه السلام:

«أَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَاف، فَكَذلِكَ نَحْنُ، وَلكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمَ، وَلاَ حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلاَ أَبُو سُفْيَانَ كَأَبِي طَالِب، وَلاَ المُهَاجرُ كَالطَّلِيقِ، وَلاَ الصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ، وَلاَ الْمُحِقُّ كَالْمُبطِلِ، وَلاَ الْمُؤْمِنُ كَالمُدْغِلِ، ولَبِئْسَ الْخَلْفُ خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وفِي أَيْدِينَا بَعْدُ فَضْلُ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَذْلَلْنَا بِهَا الْعَزِيزَ، ونَعَشْنَا بِهَا الذَّليِلَ، ولَمَّا أَدْخَلَ الله الْعَرَبَ فِي دِينهِ أَفْوَاجاً، وأَسْلَمَتْ لَه هَذِه الأُمَّةُ طَوْعاً وكَرْهاً، كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً وإِمَّا رَهْبَةً، عَلَی حِينَ فَازَ أَهْلُ السَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ، وذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ بِفَضْلهِهِمْ، فَلَا تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فيِكَ نَصِيباً، ولَا عَلَی نَفْسِكَ سَبيِلًا والسَّلَامُ»(1).

يفتخر الإمام علیه السلام بشرف آبائه ونسبهم كما كان رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم يفتخر بهذا النسب الطاهر وهذه الأسرة الطيبة، فبنو هاشم من نسل الأكارم لذا خصهم الله بعنايته، وكان أهل العناد من قريش ينسبون أنفسهم إلى تلك البطن من هاشم، لما للهاشميين من قدر بين الناس وذلك النسل السامي.

روى العلامة المجلسي (رحمه الله): (لما انتهى كتاب علي علیه السلام إلى معاوية كتمه ثم دعاه فأقرأه فشمت به عمرو وقد كان نهاه ولم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي علیه السلام من عمرو بعد اليوم الذي صرعه عن دابته فقال عمرو:

ألا لله درك يا بن هند *** ودر المردي الحال المسود أتطمع لا أبالك في عليٍ *** وقد قرع الحديد على الحديد

ص: 54


1- نهج البلاغة، الكتاب: 17

وترجو أن تخادعه بشك *** وترجو أن يهابك بالوعيد وقد كشف القناع وجر حربا *** يشيب لهولها رأس الوليد له جأواه مظلمة طحون *** فوارسها تلهب كالاسود يقول لها إذا رجعت إليه *** بقتل بالطعان اليوم عودي فإن وردت فأولها ورودا *** وإن صدرت فليس بذي ورود وما هي من أبي حسن بنكر *** وما هي من مساتك بالبعيد وقلت له مقالة مستكین *** ضعيف القلب منقطع الوريد طلبت الشام حسبك يا بن هند *** من السوآت والرأي الزهيد ولن أعطاكها ما ازددت عزا *** ومالك في استزادك من مزيد فلم تكسر بهذا الرأي عودا *** سوى ما كان لا بل رق عود فقال معاوية: والله لقد علمت ما أردت بهذا، قال عمرو: وما أردت به؟ قال عيبك رأيي في خلافك ومعصيتك والعجب لك تفيل رأيي وتعظم عليا

ص: 55

وقد فضحك(1)، فقال(2): أما تفييلي رأيك فقد كان وأما إعظامي عليا فإنك بإعظامه أشد معرفة مني ولكنك تطويه وأنشره وأما فضيحتي فلن يفتضح رجل بارز عليا فإن شئت أن تبلوها أنت منه فافعل فسكت معاوية وفشا أمرهما في أهل الشام)(3).

وقوله علیه السلام:

«أَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَاف، فَكَذلِكَ نَحْنُ»، لم يكن بنو امية صحيحي النسب إلى عبد مناف، ولكنه علیه السلام ساير معاوية ولم يرد عليه في بادئ الكتاب ولم ينكر له ذلك بقوله: «فَكَذِلِكَ نَحْنُ» لأن الإمام أراد أن يقول له لو افترضنا اننا نرجع إلى عبد مناف، لكن هنالك فرق كبير بين آبائي وآبائك(4).

قال حبيب الله الخوئي: (وإن كان منتسبا إلى عبد مناف بحسب الظاهر بحسب لكنّ دنيّات أموره ورذيلات صفاته قد أخرجته من بيت الشّرف حقيقة وكم فعال خبيثة وأعمال غير صالحة أوجبت القطع عن بيت ورحم وفي القرآن الكريم قال:

«قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»(5)، ولا يخفى عليك أنّ الورد والشّوك من أصل واحد ولكن أين هذا من ذاك)(6).

ص: 56


1- لما فضحك يوم بارزته، هكذا في بعض النسخ
2- فضحك عمرو وقال، هكذا في بعض النسخ
3- بحار الأنوار، ج 32، ص 612 - 613، التأكد من رقم الصفحة
4- وسيأتي الحديث في التفرقة بين أمية وهاشم اعتمادا على قول الإمام علیه السلام في المسألة الثالثة
5- هود: 50
6- منهاج البراعة، السيد حبيب الله الخوئي، ج 18، ص 258

لو رجعنا إلى الأصل فكلنا من آدم علیه السلام ولكن هنالك عوائل بقت على طهرها والتزامها وعرفها، أما الكثير من العوائل قد شذوا لذا كان من الواجب تمييز الخبيث من الطيب، وعلى هذا الاساس جعل الله سبحانه أنبياءه في أرقى البيوتات شرفا وطهراً ومكانةً وجعل أصلهم طاهراً كي لا يعابوا من الجانب، فبيوتات الرسالة يجب ان تتميز عن سائر الناس بالكثير من المزايا ومن أهمها طيب الولادة.

نقل المجلسي عن الكامل البهائي(1): (إن أمية كان غلاما روميا لعبد الشمس، فلما ألقاه كيسا فطنا أعتقه وتبناه، فقيل أمية بن عبد الشمس كما كانوا يقولون قبل نزول الآية زيد بن محمد، ولذا روي عن الصادِقَين علیهما السلام في قوله تعالى: «ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ..»(2)، إنهم بنو أمية، ومن هنا يظهر نسب عثمان ومعاوية وحسبهما، وأنها لا يصلحان للخلافة لقوله صلی الله علیه وآله وسلم: الأئمة من قريش)(3).

فبنو أمية روميو الأصل وبهذا يكونون لصقاء وقد جاء في تفسير البرهان أيضاً عن أمير المؤمنين علیه السلام قال:

« قوله عزوجل: (ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ» هي فينا، وفي بني أمية»(4).

وقد نقل العلامة المجلسي ايضا عن كتاب إلزام النواصب(5): (أمية لم

ص: 57


1- كامل البهائي - فارسي - (للحسن بن علي بن محمد الطبري - عماد الدين الطبري -) 1 / 269
2- الروم: 1 - 2
3- بحارالأنوار، ج 31، ص 543
4- البرهان في تفسير القرآن، ج 4، ص 335
5- إلزام النواصب: 104 - 105

يكن من صلب عبد شمس وإنما هو من الروم فاستلحقه عبد شمس فنسب إليه، فبنو أمية كلهم ليسوا من صميم قريش، وإنما هم يلحقون يلحقون بهم، ويصدق ذلك قول أمير المؤمنين علیه السلام أن بني أمية لصاق وليسوا صحيحي النسب إلى عبد مناف، ولم يستطع معاوية إنكار ذلك)(1).

وقد أكد أمير المؤمنين علیه السلام أن بني أمية لصقاء على بني هاشم بقوله علیه السلام:

«ولَا الْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ ولَا الصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ، ولَا الْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ ولَا الْمُؤْمِنُ کَالْمُدْغِلِ».

قال السيد محمد الحسيني الشيرازي: (ولَا الْمُهَاجِرُ) يعني نفسه الكريمة (كَالطَّلِيقِ) أي الذي أطلق، حيث إن معاوية اسلم عام الفتح، وأطلقهم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم منّا عليهم حيث قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، (ولَا الصَّرِيحُ) يعني نفسه الزكية حيث إن نسبه صحيح لا مغمز فيه (كَاللَّصِيقِ) أي كالذي ألصق بالقبيلة وليس منهم، فإنّ أمية كما يذكر أهل التواريخ كان عبدا روميّا تبناه عبد الشمس ويقال ان بينها كان اتصالاً محرماً، وهذا ليس بعيدا من سيرة آل أمية فإن أخلاقهم لا تشبه أخلاق العرب، فضلا عن قريش والهاشميين(2).

ومن كتاب له علیه السلام إلى معاوية جوابا قال فيه:

«أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِ كِتَابُكَ، تَذْكُرُ فيِه اصْطِفَاءَ الله مُحَمَّداً صلی الله علیه وآله وسلم لِدِينِه، وتَأْيِيدَه إِيَّاه لِمَنْ أَيَّدَه مِنْ أَصْحَابهِ، فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً، إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلَاءِ الله تَعَالَی عِنْدَنَا، ونِعْمَتِه عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا، فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَنَاقِلِ التَّمْرِ إِلَ هَجَرَ، أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِه إِلَی النِّضَالِ، وزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الإِسْلَامِ فُلَانٌ وفُلَانٌ،

ص: 58


1- بحار الأنوار، ج 31، ص 544
2- توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ج 3، شرح هامش، ص 459

فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ كُلُّه، وإِنْ نَقَصَ لَا يَلْحَقْكَ ثَلْمُه، ومَا أَنْتَ والْفَاضِلَ والْمَفْضُولَ والسَّائِسَ والْمَسُوسَ، ومَا للِطُّلَقَاءِ وأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ، والتَّمْييِزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِيِنَ، وتَرْتيِبَ دَرَجَاتِهِمْ وتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ، هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا»(1).

جاء في كتاب جمهرة الأمثال لأبي هلال، في قولهم (حن قدح ليس منها):

قال: (يضرب مثلا للرجل يدخل نفسه في القوم ليس منهم ولما قال عقبة أبي معيط يوم بدر حين أراد النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قتله أأقتل من بين قريش قال عمر (حن قدح ليس منها)(2).

وقد نقل ابن ابي الحديد من كتاب ابن أبي رؤبة.

قال: ومما يصدق قول من روى أن أمية بن عبد شمس استعبده عبد المطلب أبي طالب بن عبد المطلب حين تظاهرت عبد شمس ونوفل عليه وعلى رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم وحصر وهما في الشعب، فقال أبو طالب: ....

قديما أبوهم كان عبدا لجدنا *** بني أمَةٍ شهلاء جاش بها البحر(3).

ص: 59


1- نهج البلاغة، رقم الكتاب: 28
2- جمهرة الأمثال، أبو هلال العسكري، ج 1، ص 370. ولمن أراد الاستزادة فليراجع، شرح نهج البلاغة، لابن ابي الحديد، ج 15، ص 198، (فضل بني هاشم على بني عبد شمس). كذلك بنو أمية في نهج البلاغة، اطروحة ماجستير. قسم التاريخ جامعة ذي قار، المبحث الأول، ص 11: (نسب بني امية وصورتهم بالقرآن والأحاديث النبوية الشريفة)، للطالب، علي حسين عودة الموسوي، إشراف الدكتور رائد حمود الحصونة
3- شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج 15، ص 233

قال الحاج حسن الشاكري: ((لصيق) في اللغة العربية على انتحال أمية نسبه إلى عبد شمس، وأما قول أبي طالب فلا يقل دلالة عن قول ابنه بل يزيده تفصيلا لما أجمل أمير المؤمنين، وتبيينا لما أبهم، فإذا كان الإلصاق ملتبس الكيفية في قول أمير المؤمنين فقد أوضحه أبوه بقوله: (بني أمة شهلاء جاش بها البحر). فالأبيات التي أنشأها أبو طالب صريحة بأن أمية شيء قذفه البحر إلى الحجاز التجارة التي كانت ترد إلى مكة من الروم وغيرها، وهل يجيش البحر بشيء من السلع الآدمية غير الرقيق والإماء؟ ولعل اختيار كلمة (شهلاء) في وصفه يدل على ما نفهمه، يعني الروم، فالشهل زرقة العيون يشاب بها سواد العين، وهي صفة لا تعرفها العين العربية. وهاتان الشهادتان صدرتا من أبي طالب وابنه علي، كما عرفناهما وعرفتهما الدنيا رجلان بران تقيان يتحرجان من القول في غير علم، ويأنفان من الاعتماد على الهجاء، وإذا قالا لم يرجما بالغيب وإذا أخبرا لم يصدرا إلا عن الصدق والإنصاف والحق، لا تأخذهما في الله لومة لائم، ولا عداوة أو صداقة، ولا ينحرف بها رضي أو سخط)(1).

المسألة الثالثة (التفرقة بين بني أمية وبني هاشم) قوله علیه السلام:

«لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمَ، وَلاَ حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلاَ أَبُو سُفْيَانَ كَأَبِي طَالِب»(2).

بيّن الإمام علیه السلام في هذه الخطبة الفرق بين آباء معاوية (لعنة الله عليهم) وبين آباء النبي (صلوات الله وسلامه عليهم) فكانت المقارنة بين:

ص: 60


1- هشام وعبد شمس، الحاج حسين الشاكري، ص 133 - 134
2- نهج البلاغة، الكتاب: 17، من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية - جوابا)، ص 374

أولاً: (أمية - هاشم).

قوله علیه السلام:

«لَيسَ أُمَيَّةُ کَهَاشِمٍ».

فلا قیاس بين البخيل والكريم ولا القبيح والجميل ولا تقاس الظلمات بالنور، ولا يقاس نسل الحرام مع الأصلاب الشامخة فهذا معنی کلامه علیه السلام.

قال الشيخ محمد عبده في تعليقه: (صفات الخير كلها لبني هاشم، وصفات الشر لبني أمية)(1).

وفي رواية أن معاوية قال لابن عباس: (ما نرى لكم علينا من فضل، ألسنا فروع دوحة يجمعنا عبد مناف، قال ابن عباس: هیهات یا معاوية! حدت عن الصواب، وتركت الجواب، بيننا وبينكم برزخ وحجاب، أنتم الحثالة ونحن اللباب، ولشتان ما بين العبيد والأرباب! أتجعل أمية هاشم؟ إن هاشما كان صمیما کریما، ولم يكن لئيما، ولا زنيما، أول من هشم الثريد وسن الرحلتين...)(2).

فقول ابن عباس (رضوان الله علیه): (أنتم الحثالة) يكفي في بيان خبث وفساد الأصل، وقوله (رضوان الله علیه): (ولشتان ما بين العبيد والأرباب)، دليل واضح على أن أمية كان عبداً لبني هاشم.

وكان أمية رجلا مقيتا فاحشا، وقد ذكر المقريزي في كتاب النزاع والتخاصم: (صنع أمية في الجاهلية شيئا لم يصنعه أحد من العرب: زوج ابنه أبا عمرو ابن

ص: 61


1- في ظلال نهج البلاغة، ج 3، ص 426
2- أخبار الدولة العباسية، ص 50

أمية امرأته في حياة منه، والمقيتون في الإسلام هم الذين أولدوا نساء آبائهم واستنكحوهن من بعد موتهم، وأما أن يتزوجها في حياته ويبني عليها وهو يراه فإن هذا لم يكن قط، وأمية قد جاوز هذا المعنى ولم يرض بهذا المقدار حتى نزل عنها له وزوّجها منه، وأبو معيط بن أبي عمرو بن أمية قد زاد في المقت درجتين...)(1).

وفي كتاب النزاع والتخاصم أيضا نقل: (ان أمية كان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفیل بن عبد العزى جد عمر بن الخطاب حين تنافر إليه حرب بن أمية وعبد المطلب بن هاشم فنفر عبد المطلب وتعجب من إقدامه عليه وقال:

أبوك معاهر وأبوه عف *** وذاد الفيل عن بلد حرام)(2).

فكيف يقاس هذا المقيت مع العفيف الطاهر صاحب المجد والشرف الملقب (بعمر العلى).

ثانياً: (حرب - عبد المطلب) قوله علیه السلام:

«وَلاَ حَرْبٌ کَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ».

كان عبد المطلب سیدا هاشميا ذا مكانة عريقة وقد ساد مكة وكانت بيده السقاية والرفادة والسدانة، وكان موصوفاً بالكرم والشجاعة، وكانت الملوك تجله وتحترمه لما له من هيبة وجمال عجيب، أما حرب فكان عکس صفاته.

عن هشام بن محمد قال: (أخبرني رجل من بني كنانة يقال له ابن أبي صالح ورجل من أهل الرقة مولى لبني أسد وكان عالما قالا تنافر عبد المطلب بن هاشم

ص: 62


1- النزاع والتخاصم، ص 50
2- النزاع والتخاصم، المقريزي، ص 50

وحرب ابن أمية إلى النجاشي الحبشي فأبى أن ينفر بينها فجعل بينهما نفيل ابن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب فقال لحرب يا أبا عمرو أتنافر رجلا هو أطول منك قامة وأعظم منك هامة وأوسم منك وسامة وأقل منك لامة وأكثر منك ولدا وأجزل منك صفدا وأطول منك مذودا فنفره عليه فقال حرب إن من انتكاث الزمان أن جعلناك حكما)(1).

وروي عن رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«إن الله يبعث جدي عبد المطلب أمة واحدة في هيئة الأنبياء وزي الملوك»(2).

ويكفي موقفه مع أبرهة، فهذا الموقف خير دليل على انه من الموحدين بل هو من الأولياء الصالحين الذين اودعهم الله هذا النور.

ولم يكن في العرب من يضاهي اجداد النبي وأهل بيته وعشيرته فلكرمهم وشجاعتهم وزهدهم وما فيهم من وصف جميل أكرمهم الله عزوجل بنور محمد صلی الله علیه وآله وسلم. و(كان لكل واحد من ولد عبد المطلب شرف وذكر وفضل وقدر ومجد، وحج عامر بن مالك ملاعب الأسنة البيت فقال: رجال كأنهم جمال جون، فقال: بهؤلاء تمنع مكة، وحج أكثم بن صيفي في ناس من بني تميم فرآهم يخترقون البطحاء كأنهم أبرجة الفضة يلحقون الأرض جيرانهم، فقال: يا بني تميم إذا أحب الله أن ينشئ دولة نبت لها مثل هؤلاء، هؤلاء غرس الله لا غرس الرجال، وكان يفرش لعبد المطلب بفناء الكعبة، فلا يقرب فراشه يأتي رسول الله، وهو غلام، فيتخطى رقاب عمومته، فيقول لهم عبد المطلب: دعوا ابني، إن لابني هذا لشأنا... وكان أصحاب الكتاب لا يزالون يقولون لعبد

ص: 63


1- تاريخ الطبري، ج 2، ص 14
2- تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 14

المطلب في رسول الله منذ ولد فيعظم بذلك ابتهاج عبد المطلب، فقال: أما والله لئن نفستني قريش الماء، يعني ماء سقاه الله من زمزم وذي الهرم، لتنفسي غدا الشرف العظيم والبناء الكريم والعز الباقي والسناء العالي إلى آخر الدهر ويوم الحشر)(1).

ثالثاً: (أبو سفيان - أبوطالب).

قوله علیه السلام:

«ولا أَبُو سُفْیَانَ کَأَبِي طَالِبٍ».

لا قياس بين الكافر والمؤمن ولا قياس بين عدو رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وجامع الأحزاب، مع ناصر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكافله وحاميه.

قال السيد جعفر مرتضى العاملي: (فإذا كان أبو طالب علیه السلام کافراً وأبو سفیان مسلماً، فكيف يفضل الكافر على المسلم، ثم لا يرد عليه ذلك معاوية بن أبي سفیان؟ ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً؛ فإن أبا سفيان هو الذي قال: «إنه لا يدري ما جنة ولا نار»)(2)، أما أبو طالب فكان متيقنا أنه على الدين الحنيف والصراط المستقيم، قال تعالى:

«وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ»(3).

وجاء في تفسير قوله تعالى:

ص: 64


1- تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 12
2- الصحیح من سيرة النبي الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم)، السيد جعفر مرتضى العاملي، ج 4، ص 22
3- فاطر: 19 - 22

«وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ»: الكافر والمؤمن «وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ»: ولا الباطل ولا الحق «وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ»: ولا الثواب ولا العقاب «وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ»: العلماء والجهلاء(1).

قال الإمام الباقر عليه السلام:

«مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلما مؤمنا [وشعره في ديوانه يدل على إيمانه، ثم محبته وتربيته ونصرته ومعاداة أعداء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وموالاة أوليائه، وتصديقه إياه بما جاء به من ربه، وأمره لولديه: علي وجعفر بأن يسلما ويؤمنا بما يدعو إليه، وأنه خير الخلق، وأنه يدعو إلى الحق والمنهاج المستقيم، وأنه رسول الله رب العالمين، فثبت ذلك في قلوبهما، فحين دعاهما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أجاباه في الحال، وما تلبثا لما قد قرره أبوهما عندهما من أمره، وكانا يتأملان أفعال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فيجدانها كلها حسنة يدعو إلى سداد واستناد، فحسبك إن كنت منصفا منه هذا أن يسمح بمثل علي وجعفر ولديه - وكانا من قلبه بالمنزلة المعروفة المشهورة لما يأخذان به أنفسهما من الطاعة له، والشجاعة وقلة النظير لهما - أن يطيعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فيما يدعوهما إليه من دین وجهاد، وبذل أنفسهما، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه من غير حاجة إليه لا في مال ولا في جاه ولا غيره، لأن عشيرته أعداؤه، وأما المال فليس له، فلم يبق إلا الرغبة فيما جاء به من ربه»(2).

وأبو طالب (رضوان الله تعالى عليه) أسرَّ الإيمان وأظهر الكفر كي يحمي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من آل أبي سفيان، قال الإمام الصادق علیه السلام:

ص: 65


1- التفسير الأصفى، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 1024
2- بحار الأنوار، ج 35، ص 117

«... إن أبا طالب أسرَّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين»(1).

ولما مات علیه السلام تطاولوا على نبي الرحمة، (وفي الحديث الصحيح المشهور أن جبرئيل قال له ليلة مات أبو طالب: اخرج منها فقد مات ناصرك)(2).

وبعد هذه المقارنة بين آباء معاوية وآباء رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم، نقول:

ولا معاوية كعلي فشتان ما بين الظلمات والنور، وكيف يقاس صاحب العهار وابن الزنا مع من شهد له الباري بالطهر من الرجس وحديث الكساء خير دليل على ما نقول، فنفس علي لا تقاس إلا بنفس محمد وآية المباهلة خير شاهد.

روي في كتاب الغارات (كان معاوية لعمارة بن الوليد المخزومي ولمسافر بن أبي عمرو ولأبي سفيان ولرجل آخر سماه، وكانت هند أمه من المعلمات وكان أحب الرجال إليها السودان، وكانت إذا ولدت أسود دفنته، وكانت حمامة إحدى جدات معاوية لها راية في ذي المجاز)(3).

والخلاصة:

بعد هذه القراءة والتمحيص في نسب أمية نثبت أن لبني أمية عِرقاً دساساً في الزنا والفجور، فمن المستحيل ان ننسب بني امية إلى نسل الاكارم الذي شهد لهم الله بالطهارة من الرجس.

ص: 66


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 14، ص 70
2- المصدر نفسه، ج 35، ص 158
3- الغارات، الثقفي، ج 2، ص 938

الفصل الثاني اختياره من شجرة النبوة

ص: 67

ص: 68

الفصل الثاني: اختياره من شجرة النبوة

المبحث الأولی: سبب اختياره وتفضيله على سائر الرسل

من المؤكد أن رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم فاق الأنبياء فضلا وشرفاً حتى صار حبيب الله، قال تعالى:

«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»(1)، فمن بين أهل الجود وأهل الفضل وأهل الكرم والحكمة اختاره الله وقد بيّن الإمام علیه السلام ذلك في بعض كلامه، فمن خطبة له علیه السلام قال فيها:

«اِخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ ومِشْكَاةِ اَلضِّيَاءِ وَذُؤَابَةِ اَلْعَلْيَاءِ وَسُرَّةِ اَلْبَطْحَاءِ وَمَصَابِيحِ اَلظُّلْمَةِ وَيَنَابِيعِ اَلْحِكْمَةِ»(2). فمن خلال هذا البحث سنبين تفضيله (صلوات الله عليه) على جميع الرسل.

المسألة الأولى (اصطفاءه من شجرة الأنبياء) قال علیه السلام:

«اِخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ اَلأَنْبِيَاءِ».

ص: 69


1- البقرة: 253
2- نهج البلاغة، الخطبة: 108

هنالك تساؤلات كثيرة حول سبب اختياره (صلوات الله وسلامه عليه) على سائر الرسل بل على جميع الخلائق فهل اختاره سبحانه في عالم الدنيا فقط؟ أم وقع الاختيار عليه في جميع العوالم؟.

فهذه التساؤلات سنجيب عليها إن شاء الله من خلال هذا البحث.

قال تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ»(1).

اصطفی سبحانه هؤلاء الأطهار وفضلهم على سائر خلقه، وجعل بيوتهم مهبط وحيه ثم اختار منهم محمداً صلی الله علیه وآله وسلم خاتم الرسل وسيد الخلق من الأولين والآخرين، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه الْمَجُتْبَىَ مِنْ خَلَائِقِه.. والْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالَاتِه»(2).

ومعنی اجتباه أي اختاره واصطفاه على جميع الرسل، قال تعالى:

«وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ»(3)، ومن كتاب له علیه السلام لأهل مصر قال فيه:

«بَعَثَ مُحَمَّداً صلی الله علیه وآله وسلم نَذِيراً لِلْعَالَيِنَ ومُهَيْمِناً عَلَی الْمُرْسَلِينَ»(4).

ورد في اللغة (المُهَيْمنُ اسم من أَسماء الله تعالى، وفي التنزيل: ومُهَيْمِناً عليه؛ قال بعضهم: معناه الشاهد، وقيل بمعنی مُؤتَمَن، وأما قول عباس بن عبد المطلب في شعره يمدح النبي صلی الله علیه وآله وسلم:

ص: 70


1- آل عمران: 33
2- الخطبة: 178، ص 257
3- يوسف: 6
4- نهج البلاغة، الكتاب: 62

حتى احْتَوَي بَیْتُكَ المُهَیْمِنُ *** من خِنْدِفَ، عَلْياءَ تحتَها النُّطُقُ فإِن القتيبي قال: معناه حتى احتویتَ یا مُهَيْمِنُ من خِنْدِفَ علياء؛ يريد به النبي، صلی الله علیه وآله وسلم، فأَقام البيت مقامه لأَن البيت إذا حَلَّ بهذا المكان فقد حَلَّ به صاحبُه؛ قال الأَزهري: وأَراد بيته شَرَفَه، والمهيمن من نعته كأَنه قال: حتى احْتَوی شَرَفُك الشاهدُ على فضلك علياءَ الشَّرَفِ من نسب ذوي خِنْدِف أَي ذِرْوَةَ الشَّرَف من نسبهم التي تحتها النُّطُقُ، وهي أَوساطُ الجبال العالية)(1).

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم»(2).

فمن ذرية ابراهيم اختار سبحانه اسماعيل علیه السلام: وهو الابن الأكبر لإبراهيم الخليل علیه السلام وأمه هاجر، أما اسحاق فأُمه سارة، قال تعالى حاكيا عن نبي الله ابراهيم بقوله:

«الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَی الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّ لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ»(3).

وكان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول انا ابن الذبيحين، يعني اسماعيل وعبد الله وفي خبر طويل عن الإمام الرضا علیه السلام ان العلة في دفع الله الذبح عن اسماعيل وعبد

ص: 71


1- لسان العرب، ج 13، ص 436
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة السيد حبيب الله الخوئي - ج 7 ص 56
3- ابراهیم: 39

الله كون النبي والعترة في صلبهم فببركة النبي والأئمة دفع الله الذبح عنهما(1).

وقد ورث اسماعيل من أبيه ابراهیم میراث النبوة وآثار علمه ثم لا زالت تنتقل في ابناء اسماعيل علیه السلام حتى انتقلت في بني هاشم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«ان إسماعيل صلوات الله عليه توفي، وهو ابن مائة وثلاثين سنة، ودفن بالحجر مع أمه، فلم يزل بنو إسماعيل ولاة الأمر يقيمون للناس حجهم وأمر دينهم يتوارثونها کابرا عن كابر حتى كان زمن عدنان بن أدد»(2).

وهذه السلسلة في الاصطفاء توضح عظیم منزلته عند الله؛ فمن بين الأكرمين والطيبين من الخلق اختاره الله؛ وكان هذا الاختيار قبل عالم الدنيا ومن الروايات التي تؤكد ذلك ما روي في الخصال، عن علي بن أبي طالب، علیهم السلام قال:

«إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلی الله علیه وآله وسلم قبل أن خلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار، وقبل أن خلق آدم ونوحا وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان، وكل من قال الله عزوجل في قوله «ووهبنا له إسحاق ويعقوب - إلى قوله - وهديناهم إلى صراط مستقیم»، وقبل أن خلق الأنبياء كلهم بأربع مائة ألف وأربع وعشرين ألف سنة .....»(3).

توضح الرواية أفضليته (صلوات الله عليه) على سائر الرسل وفضله عليهم، كذلك توضح عظيم قدره فلا يوجد مخلوق اقدس من النبي وأعظم منه عند الله، وكان سبب تفضيله على سائر الخلق أنه (صلوات الله وسلامه عليه) كان

ص: 72


1- ينظر تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 431
2- قصص الانبياء، الراوندي، ص 116
3- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 482

الأقرب إلى الله والأسرع بالتلبية.

جاء في كتاب الاحتجاج في خطبة الزهراء عليها السلام في المسجد النبوي: (وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه)(1).

وقال أمير المؤمنين علیه السلام:

«إن بعض قریش قالوا لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: بأي شيء سبقت الأنبياء وفضلت عليهم وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال: إني كنت أول من أقر بربي جل جلاله، وأول من أجاب، حيث أخذ الله میثاق النبين، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربکم؟ قالوا: بلى، فكنت أول نبي قال: (بلي) فسبقتهم إلى الاقرار بالله عزوجل»(2).

فكما عرفنا طاعته في عالم الدنيا وامتثاله لأوامر الله كذلك في تلك العوالم كان مطيعا، لذا نال الأولوية والأفضلية والقربي حتى صار الأقرب إلى الله روحاً وجسداً.

وقبل أن يخلقنا الله عزوجل بهذا الخلق وكنا ذراً أخذ سبحانه علينا الميثاق وأشهدنا بوحدانيته فأقررنا جميعنا فميز الله الرسل والأنبياء والأوصياء وبقية العباد، ثم میز سبحانه محمد صلی الله علیه وآله وسلم على سائر الخلق كونه السابق بالتلبية الله الواحد الأحد، يروى أنه (أتاه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تبارك وتعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسی؟ فقال علي [علیه السلام]: قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم، وردوا عليه الجواب، فثقل ذلك على ابن الكواء ولم يعرفه، فقال له:

ص: 73


1- الاحتجاج الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 133
2- بحار الانوار العلامة المجلسي، ج 15، ص 13، ح 21

كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال له: أوما تقرأ كتاب الله اذ يقول لنبيه:

«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»(1)، فقد أسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب کما تسمع في قول الله يابن الكواء (قالوا بلى) فقال لهم: إني أنا الله لا إله إلا أنا وأنا الرحمن الرحيم - فأقروا له بالطاعة والربوبية، و میز الرسل والأنبياء والأوصياء، وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق، فقالت الملائكة عند إقرارهم بذلك: شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)(2).

ظاهر الرواية تبين أن جميع الناس أقروا لله بالربوبية وللأنبياء والحجج بالطاعة ولكن الله بعلمه علم أن أكثر الناس أقروا بالظاهر ولكنهم اخفوا ما كانوا يضمرون لذا اشهد عليهم الملائكة، ومن كلام للإمام يوضح فيه أن العباد بدلوا ذلك العهد المأخوذ منهم في السابق قوله علیه السلام:

«لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِه عَهْدَ الله إِلَيْهِمْ، فَجَهِلُوا حَقَّه واتَّخَذُوا الأَنْدَادَ مَعَه».

و(المراد بعهد الله هنا ميثاق الفطرة الذي أشار اليه الإمام علیه السلام بقوله:

«ليستأدوهم ميثاق فطرته»)(3). فذلك العهد الذي أُخذ منهم هو حجة عليهم يوم القيامة، فمن بقي ووفي بعهده سیدخله الله فسيح جناته، أما من بدل وكفر بعد ذلك سيعذبه الله عذابا أليما.

ص: 74


1- الأعراف: 172
2- تفسير العياشي، ج 2، ص 42
3- في ظلال نهج البلاغة، ج 1، ص 58

المسألة الثانية (اختياره من مشكاة الضياء وذوابة العلياء وسرة البطحاء) أولاً: قوله علیه السلام:

«وَمِشْكَاةِ اَلضِّيَاءِ».

جاء في لسان العرب، المشْكاةُ: الكَوَّةُ غير النافذةِ(1)، فمن بين الأنوار الساطعة والشهب اللامعة اختاره الله لكرائم رسالاته.

قال الشارح البحراني: (استعار علیه السلام لفظة المشكاة لآل إبراهيم، ووجه المشابهة أنّ هؤلاء قد ظهرت منهم الأنبياء وسطع من بيتهم ضياء النبوّة ونور الهداية كما يظهر من نور المصباح من المشكاة)(2).

وفي التنزيل قال تعالى:

«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ»(3).

جاء في تفسير الصافي ((في بيوت) أي: كمشكاة في بعض بيوت، أو توقد

ص: 75


1- لسان العرب - ابن منظور / ج 14 ص 441
2- شرح نهج البلاغة ابن میثم البحراني، ج 3، ص 39
3- النور: 35 - 36

في بيوت. قال: (هي بيوت النبي). وفي رواية: (هي بيوتات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى)(1).

وتشبيه الأنبياء بالمشكاة إذ أنهم حفظوا نور الله کما تحفظ هذه المشكاة النار من الريح ثم اختاره (صلوات الله وسلامه عليه) من بين حفظة الوحي كي يكمل الدين ويتمم النعم به، ومن خطبة له علیه السلام يذكر فيها اصطفاء الله لأنبيائه عامة ولرسوله خاصة قال علیه السلام:

«... واصْطَفَى سُبْحَانَه مِنْ وَلَدِه أَنْبِيَاءَ، أَخَذَ عَلَ الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ، وعَلَ تَبْليِغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِه عَهْدَ الله إِلَيْهِمْ... ولَمْ يُخْلِ الله سُبْحَانَه خَلْقَه مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لَازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ، رُسُلٌ لَا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، ولَا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبيِنَ لَهُمْ، مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَه مَنْ بَعْدَه أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَه مَنْ قَبْلَه عَلَی ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ ومَضَتِ الدُّهُورُ، وسَلَفَتِ الآبَاءُ وخَلَفَتِ الأَبْنَاءُ إِلَی أَنْ بَعَثَ الله سُبْحَانَه مُحَمَّداً، رَسُولَ الله صلی الله علیه وآله وسلم لإِنْجَازِ عِدَتهِ وإِتْمَامِ نُبُوَّتهِ»(2).

النبوة كرامة من الله يهبها الله لأحب خلقه، فكان محمد صلی الله علیه وآله وسلم خاتم رسله وأمين وحيه ومتمم رسالاته اصطفاه الله على سائر خلقه وجعله سید الرسل وخاتمهم، فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة.

روي عن أنس عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم: (أن جبريل حدثه قال: مضى من الدنيا ستة آلاف سنة وسبعمائة سنة قال وكل قطرة مطر تنزل من السماء موكل بها ملك من الملائكة يضعها موضعها قال ونبأ في الأرض من الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرين وأربعين ألفا وثلاثمائة من المرسلين حتى جاء محمد صلی الله علیه وآله وسلم خاتم الأنبياء

ص: 76


1- التفسير الأصفى، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 849
2- نهج البلاغة الخطبة الأولى. ص 43

لا نبي بعده)(1).

ثانياً: قوله علیه السلام:

«وذؤابة العلياء».

تستعار الذوابة للعز والشرف والمرتبة(2)، فمن بين أهل العز والشرف اختاره سبحانه، فأي مجد هذا وأي مكرمة ودرجة نالها نبي الرحمة حتى صار حبیب الله ونجيبه وصفيه.

ولمن أراد أن يعرف عظیم منزلته وعظيم قدره (صلوات الله وسلامه عليه) عند الله فليطّلع على حياة الأنبياء وما وصلوا له من مجد، کنوح وإبراهيم وموسی وعيسى علیهم السلام فهؤلاء الأطهار أطاعوا الله حق طاعته وعملوا بأمره وبلغوا رسالته فصاروا من أولي العزم الذين فضلهم الله على سائر الرسل فذاك خليل الله وذاك کلیم الله وذاك روح الله؛ فالنبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم لم يسبق أُناساً عاديين بل سبق العليين من الأنبياء والمرسلين والحجج الصالحين.

وكان لآبائه (صلوات الله وسلامه عليهم) مجد عريق وهم أهل السيادة والرياسة والسقاية والسدانة، فلا يوجد بالعرب أكرم وأطهر وأقدس من بني هاشم، فسبحانه وتعالى اختاره من بين هؤلاء الطاهرين، فالحديث عن هذه الشخصية العظيمة رغم وضوحها صعب، إذ لا يدرك النبي إلا الله وعلي علیه السلام ولا يعرف فضله سوى الله ووصيه.

ثالثاً: قوله علیه السلام:

«وَسُرَّةِ اَلْبَطْحَاءِ».

ص: 77


1- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر - ج 1 ص 28
2- ينظر، لسان العرب، ج 1، ص 379

قال السيد محمد الحسيني الشيرازي: (البطحاء الأرض المستوية والمراد هنا مكة والسرة يراد بها الوسط أي أنه صلی الله علیه وآله وسلم بناء من أفضل بيت في مكة)(1).

كما أن الله سبحانه اختاره من بين الأنبياء والرسل فقد اختاره سبحانه من بين أهالي مكة؛ فمكة فيها أفضل البيوت منهم هاشم وعبد المطلب وأبو طالب وحمزة وجعفر فهؤلاء الطيبون لهم فضلهم ومكانتهم عند الله فهم سادات البرايا، فمن بين الأطائب اختاره سبحانه أن يكون سيدهم وقائدهم.

قال صلی الله علیه وآله وسلم: «سادة أهل محشر، سادة أهل الدنيا: أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر»(2).

وهذه الرواية توضح عظیم منزلتهم وأنهم أمراء الخلق وليس في مشارق الأرض ومغاربها بيت أفضل من هذه البيوت الطاهرة.

وخطب أبو طالب علیه السلام لما تزوج النبي صلی الله علیه وآله وسلم بخديجة بنت خويلد فقال:

«الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم الخليل ومن ذرية الصفي وضئضئ مَعد وعنصر مُضر(3)، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل مسكننا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوازن برجل من قريش إلا رجح به ولا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه وإن كان في المال مقلا فإن المال ورق حائل وظل زائل، وله والله خطب عظيم ونبأ شائع، وله رغبة في خديجة ولها فيه رغبة فزوجوه، والصداق ما سألتموه من مالي عاجله وآجله، فقال خویلد: زوجناه ورضينا به»(4).

ص: 78


1- توضیح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ج 2، هامش، ص 165
2- المصدر نفسه - ج 7 ص 64
3- أَي من أصلهم، تاج العروس، ج 1، ص 194
4- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 39

المسألة الثالثة (اختياره من بين أهل النور والحكمة) أولاً: قوله علیه السلام:

«وَمَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ».

لا تزال الدنيا في ظلمات الجهل حتى يبعث الله أحد أنبيائه ليضيء به الدنيا، فهؤلاء الطيبون هم نور الله في أرضه لذا شبههم علیه السلام بالمصابيح، فكما أن المصباح يضيء ويهدي الناس إلى الطريق، كذلك الأنبياء والأولياء يهدون الناس إلى الحق، فهم نجوم الأرض.

روي عن الصادق علیه السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل:

««اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ» فقال: هو مثل ضربه الله لنا، فالنبي صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين من دلالات الله وآياته التي يهتدى بها إلى التوحيد و مصالح الدين وشرائع الإسلام والفرائض والسنن، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»(1).

ولكي نعرف أهمية هذا المبعوث يجب علينا أن نطلع على أحوال العرب قبل مبعثه، فالناس قبل البعثة كانوا يعيشون بظلمات الجهل فلا يوجد مرشد یرشدهم وقد وصف أمير المؤمنين علیه السلام حال الدنيا قبل مبعثه (صلوات الله وسلامه عليه) كيف كانت کاسفة عابسة في وجه طالبها بلا ماء ولا طعام صالح. قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«أَرسَلَهُ عَلَى حِينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وطُولِ هَجعَةٍ مِنَ الأُمَمِ، واعتِزَامٍ مِنَ

ص: 79


1- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 157

الْفِتَنِ، وانْتِشَارٍ مِنَ الأُمُورِ، وتَلَظٌّ مِنَ الْحُرُوبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ عَلَی حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا، واغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى، وظَهَرَتْ أَعْلَمُ الرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا، ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ، وطَعَامُهَا الْجِيفَةُ، وشِعَارُهَا الْخَوْفُ، ودِثَارُهَا السَّيْفُ»(1).

يروى في تاريخ الطبري أن المغيرة بن شعبة قال ليزدجر: (.. فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالا منا وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات فنرى ذلك طعامنا وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم دیننا أن يقتل بعضنا بعضا ويغير بعضنا على بعض وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك، فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده فأرضه خير أرضنا وحسبه خير أحسابنا وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبيلتنا وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا)(2).

منذ ان رفع عیسی علیه السلام إلى السماء لم يبعث الله نبياً حتى بعث هذا النبي العربي فكان كالسراج المنير فمن نوره ازدانت الدنيا و ظهر العدل، قال أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه واصفا فيها نبي الرحمة:

«سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُه وشِهَابٌ سَطَعَ نُورُه وزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُه سِيرَتُه الْقَصْدُ، وسُنَّتُه الرُّشْدُ وكَلَمُه الْفَصْلُ وحُكْمُه الْعَدْلُ، أَرْسَلَه عَلَی حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وهَفْوَةٍ

ص: 80


1- نهج البلاغة الخطبة: 89
2- تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، ج 3، ص 18

عَنِ الْعَمَلِ وغَبَاوَةٍ مِنَ الأُمَمِ»(1).

قال السيد الهاشمي: (شبهه علیه السلام بالسراج والشهاب والزند في كونه سبب هداية الخلق كما أنّ هذه الثلاثة كذلك، ورشح التشبيه الأول بلمعان الضوء، والثّاني بارتفاع النّور، والثالث بروق اللَّمع، ويحتمل أن يكون وجه الشبه في الثالث إثارة أنوار الهداية)(2).

وعنه علیه السلام في وصف النبي ایضاً:

«حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ، وأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ، وهُدِيَتْ بهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ والآثَامِ، وأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلَامِ ونَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ».

قال ابن منظور: (القَبَس النار والقبس الشُّعْلة من النار وفي التهذيب القَبَس شُعلة من نار تَقْتَبِسها من مُعْظَم واقْتِباسها الأَخذ منها وقوله تعالى: {بشهاب قَبَس} القَبَس الجَذْوَة وهي النار التي تأخذها في طَرف عُود وفي حديث عليّ (رِضوان الله عليه) (حتى أَوْری قَبَساً لِقابِس) أَي أَظهر نُوراً من الحق لطالبه)(3).

(الخابط) الذي يتخبط وكأنه في ظلمات لا يكاد يرى شيئا وقد ضرب لنا الله ذلك في قوله:

«أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ

ص: 81


1- الخطبة: 94، منها في وصف رسول الله واهل بيته
2- منهاج البراعة، حبیب الله الخوئي الهاشمي، ج 7، ص 111
3- لسان العرب، ج 6، ص 61

نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ»(1).

فالنبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم كالشعلة أضاء لهؤلاء المتخبطين، إذ نصب لهم علامات ودلائل ميهتدون بها الطريق الصحيح قال تعالى:

«قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ»(2).

ثانياً: قوله علیه السلام:

«ويَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ»..

فكل الأنبياء والأوصياء والصديقين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) كانوا حكماء علماء قضاة، وهؤلاء الصفوة منهم تتفجر الحكمة كما يتفجر الماء من ينبوعه، قال تعالى:

«فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(3).

عن الإمام الباقر علیه السلام قال:

«... إنما الحجة في آل إبراهيم علیه السلام لقول الله عزوجل:

«فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(4)، فالحجة الأنبياء علیهم السلام وأهل بيوتات الأنبياء حتى تقوم الساعة، لأن كتاب الله ينطق بذلك ووصية الله جرت بذلك في العقب من البيوت بعضها من التي رفعها تبارك وتعالى على الناس فقال:

ص: 82


1- النور: 40
2- المائدة: 15
3- النساء: 54
4- النساء: 54

«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ»(1)، وهي بيوت الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى)(2).

والحكمة كما وصفها لنا الإمام الصادق علیه السلام:

«.. ضياء المعرفة وميزان التقوى وثمرة الصدق، ولو قلت ما أنعم الله على عباده بنعمة أنعم وأعظم وأرفع وأجزل وأبهي من الحكمة، لقلت قال الله عزوجل:

«يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ»(3)،(4).

وقد ورد عن النبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم في بعض الأخبار:

«ان الله تعالی آتاني القرآن وآتاني من الحكمة مثل القرآن وما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة الا كان خرابا»(5).

والعلة في اختياره سبحانه لهؤلاء الحكماء كي يدبروا أمر الرعية ويرشدونه إلى ما هو أصلح وأنصح لهم، قال النبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم:

«قال الغلمان ليحیی بن زکریا: اذهب بنا نلعب، فقال يحيى: ما للعب خلقنا! اذهبوا نصلي، فهو قول الله:

«وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا»(6).

ص: 83


1- النور: 36
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج 8، ص 119
3- البقرة: 269
4- مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، المنسوب للإمام الصادق علیه السلام، ص 198
5- التفسير الصافي، ج 1، ص 299
6- العلم والحكمة في الكتاب والسنة، محمد الريشهري، ص 431

وقال الإمام الصادق علیه السلام:

«سأل داود النبي سليمان علیهما السلام وأراد علم ما بلغ من الحكمة، قال: يا بني أخبرني أي شيء أبرد؟ قال: عفو الله عن الناس، وعفو الناس بعضهم عن بعض لا شيء أبرد منه، قال: فأي شيء أحلى؟ قال: المحبة، هي روح الله بين عباده حتى أن الفرس ليرفع حافره عن ولده، فضحك داود عند إجابة سليمان علیه السلام.

والنبي فاق هؤلاء الحكاء فهماً وعلماً وكيف لا يكون أحكم الخلق وهو الذي فتح لعلي ألف باب من العلم من كل باب يفتح ألف باب، حتى صار أمير المؤمنين أعلم الخلق بعد النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم.

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

بعثني رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) إلى اليمن قاضيا فقلت: يا رسول الله إنك ترسلني إلى قوم يسألونني ولا علم لي بالقضاء فوضع يده على صدري وقال إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا قعد الخصمان بين يديك فلا تقض حتى تسمع من الآخر کما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد»(1).

وسبحانه وتعالى حينما آتاهم الحكمة ذلك لما لهم من صفات تميزهم عن سائر الخلق فلا يكون الإنسان حکيماً إلا وفيه الكثير من الخير، فعن حماد بن عیسی قال:

«سألت أبا عبد الله علیه السلام عن لقمان وحكمته، فقال: أما والله ما أوتي الحكمة لحسب ولا أهل ولا مال ولا بسطةٍ في الجسم ولا جمال، ولكنه كان رجلا قويا في امر الله، متورعا في دينه، ساکتا سكينا، عميق النظر، طويل التفكر، حديد البصر،

ص: 84


1- الطبقات الکبری، ابن سعد، ج 2، ص 337

لم ينم نهارا قط، ولم ينم في محفل قوم قط، ولم ينقل في مجلس قط ولم يعب أحدا بشيء قط، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قط، ولا اغتسال، لشدة تستره وعمق نظره وتحفظ لذنوبه، ولم يضحك من شيء قط، ولم يغضب قط مخافة الاثم في دينه، ولم يمازح إنسانا قط، ولم يفرح لشيء أوتيه من الدنيا، ولا حزن على ما فاته منها قط، وقد نكح النساء وولد له الأولاد الكثيرة وقدم أكثرهم افراطا له، فما بكى عند موت واحد منهم، ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان الا أصلح بينهما، ولم يسمع قولا من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وخبره عمن اخذه. وكان يكثر مجالسه الحكماء والاختلاف إلى أهلها، ويتواضع لهم ويغشى القضاة والملوك والسلاطين، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به، ويرحم الملوك والسلاطين لعدتهم واغترارهم بالله وطمأنينتهم إلى الدنيا وميلهم إليها وإلى زهرتها، فيتفكر في ذلك ويعتبر به ويتسلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان، وكان يداري نفسه بالعبر وكان لا يظعن الا فيما ينفعه، ولا ينطق الا فيما يعنيه فبذلك اوتي الحكمة ومنح العصمة... وكان لقمان یکثر زيارة داود علیه السلام وكان داود يقول: یا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية»(1).

فإن كان لقان بهذه الصفات الطيبة فكيف بنبي الرحمة وهو الجامع لجميع الفضائل والمكرامات التي حوتها الرسل لذا صار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أحكم الناس.

ص: 85


1- قصص الأنبياء، قطب الدين الراوندي، ص 194 - 196

المبحث الثاني: خير البرية طفلاً وكهلاً وأجود أهل الأرض

قوله علیه السلام:

«خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلًا، وأَنْجَبَهَا کَهْلًا، وأَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِیمَةً، وأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً»(1).

المسألة الأولى المولود العظيم قال علیه السلام:

«خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلًا».

فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منذ طفولته هو خير خلق الله وهذا دليل على أنه ليس كسائر الناس من حيث الفهم والادراك والطهارة، وقبل أن يبعثه سبحانه إلى الخلق كان الأنبياء والرسل علیهم السلام يبشرون به، قال تعالى:

«وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ»(2).

ص: 86


1- نهج البلاغة، من الخطبة 105، ص 151
2- الصف: 6

وما من نبي إلا وبشر به وحدث عنه، وإن الله سبحانه قد أخذ الميثاق من جميع الأنبياء والرسل في تلك العوالم التي سبقت عالم الدنيا، أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً خاتم الرسل وسيد الخلائق من الأولين والآخرين، فكل هذه دلائل على أنه خير البرية وانه سيد الأولين والآخرين منذ الأزل.

قال أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه:

«.. إِلَی أَنْ بَعَثَ الله سُبْحَانَه مُحَمَّداً، رَسُولَ الله صلی الله علیه وآله وسلم لإِنْجَازِ عِدَتِه وإِتْمَاَمِ نُبُوَّتِه، مَأْخُوذاً عَلَی النَّبِيِّينَ مِيثَاقُه، مَشْهُورَةً سِمَاتُه كَرِيماً مِيلَادُه»(1).

قوله علیه السلام:

«مَأْخُوذاً عَلَی النَّبِيِّينَ مِيثَاقُه».

جاء في تفسير مجمع البیان، روي عن أمير المؤمنين علیه السلام وابن عباس وقتادة: (إن الله أخذ ميثاقاً على الأنبياء قبل نبينا صلی الله علیه وآله وسلم، أن يخبروا أممهم بمبعثه ونعته، ويبشرهم به، ويأمرهم بتصديقه)(2).

وقوله علیه السلام:

«مَشْهُورَةً سِمَاتُه».

السمة: العلامة(3)، فكان أهل الكتاب يعرفون العلامات في مولده ويعرفون ساته، فهذا المولود مشهور ومذكور في كتبهم قبل ان يولد لذا كانوا يترقبون مولده الكريم، قال تعالى:

ص: 87


1- نهج البلاغة، الخطبة الأولى، ص 44
2- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 2، ص 334
3- القاموس المحيط، الفيروز آبادي، ج 1، ص 18

«الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(1).

قال أبو حمزة الثمالي: (لما قدم النبي صلی الله علیه وآله وسلم المدينة، قال عمر لعبد الله بن سلام: إن الله تعالى أنزل على نبيه صلی الله علیه وآله وسلم ان أهل الكتاب: «يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ»، كيف هذه المعرفة؟ قال عبد الله بن سلام: نعرف نبي الله بالنعت الذي نعته الله إذا رأيناه فيكم، كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان، وأيم الله الذي يحلف به ابن سلام، لأنا بمحمد أشد معرفة مني بابني! فقال له: كيف؟ قال عبد الله: عرفته بما نعته الله لنا في كتابنا، فأشهد أنه هو، فأما ابني فإني لا أدري ما أحدثت أمه، فقال: قد وفقت، وصدقت، وأصبت)(2).

والنبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم منذ طفولته وهو مختلف عن الناس بالكثير من الصفات والمزايا الحسنة قال الواقدي: قالت حليمة والله ما غسلت لمحمد صلی الله علیه وآله وسلم ثوبا من بول ولا غائط بل كان إذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب حتى تعلم حليمة بذلك وتأخذه وتخدمه حتى يقضي حاجته ولا شممت ورب السماء من محمد رائحة نتنة قط ولا شممت منه شيئا أبدا بل كان يفوح منه رائحة المسك والكافور قالت حليمة فلما أتى على النبي صلی الله علیه وآله وسلم تسعة أشهر ما رأيت ما يخرج منه البتة لأن الأرض تبتلع ما يخرج منه فلهذا لم أرَ.

(قال الواقدي) وكان من حليمة ان تحمل محمدا صلی الله علیه وآله وسلم حين كملت له عشرة أشهر فقامت حليمة يوم الخميس وقعدت على باب الخيمة منتظرة لانتباه

ص: 88


1- البقرة: 146
2- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 4، ص 23

النبي صلی الله علیه وآله وسلم لتزينه وتحمله إلى جده عبد المطّلب، قال فلم ينتبه النبي صلی الله علیه وآله وسلم وأبطأ عن الخروج عن الخيمة إلى حليمة فلم يخرج إلا بعد أربع ساعات فخرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مغسول الرأس مسرح الذوائب وقد زرق جبينه وذقنه وعليه ألوان الثياب من السندس والإستبرق، فتعجبت حليمة من زينة النبي صلی الله علیه وآله وسلم ومن لباسه مما رأت عليه فقالت يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكاملة؟ فقال لها محمد صلی الله علیه وآله وسلم: أما الثياب فمن الجنة وأما الزينة فمن أفعال الملائكة، قال فتعجبت حليمة من ذلك عجبا شديدا ثم حملته إلى عند جده في يوم الجمعة فلما نظر إليه عبد المطلب قام إليه واعتنقه وأخذه إلى حجره، فقال يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكاملة؟ فقال له النبي صلی الله علیه وآله وسلم یا جد فاستخبر ذلك من حليمة فكلمته حليمة وقالت ليس ذلك من أفعالنا فأمر عبد المطلب حليمة ان تكتم ذلك وأمر لها بألف درهم بيض وعشرة دسوت ثياب وجارية رومية فخرجت حليمة من عنده فرحة مسرورة إلى حيها(1).

وقوله علیه السلام:

«كَرِيماً مِيلَادُه».

لم يأتِ مولود أكرم من هذا المولود اطلاقاً، وقد خصه الله بكرامات كثيرة، وكان يوم مولده أعظم يوم شهده العالم، فعن أبان بن عثمان رفعه بإسناده قال: (لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب زوجّه عبد المطلب آمنة بنت وهب الزهري فلما تزوج بها حملت برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فروي عنها أنها قالت: لما حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كأنّ آت أتاني فقال لي: قد حملت بخير الأنام، فلما حان وقت الولادة خف علي ذلك حتى

ص: 89


1- الفضائل، شاذان بن جبرئیل القمي (ابن شاذان)، ص 29 - 30

وضعته، وهو يتقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلا يقول: وضعت خیر البشر فعوذيه بالواحد الصمد من شر كل باغ وحاسد، «فولد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عام الفیل لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول يوم الاثنين»، فقالت آمنة: لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والأرض، ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا عن السماء...)(1).

فرسول الله حجة الخلائق مذ كان نورا في العرش، وقبل ان يولد النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم كان نبياً، ويؤيد ذلك قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطّين»(2).

وكذلك قول الولي علیه السلام:

«كنت وليّا وآدم بين الماء والطين»(3). فكلاهما من نور واحد.

ولمن أراد أن يعرف عظیم منزلة النبي ومكانته عند الله يكفي حديث الكساء فهو خير شاهد على ان الله لم يخلق هذا الخلق إلا لأجله وأهل بيته.

ص: 90


1- کمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 196، ح 39
2- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر اشوب، ج 1، ص 183، وروي في البحار عنه صلی الله علیه وآله وسلم: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» أو «بين الروح والجسد»، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 18، ص 278، وفي كنز العمال، ج 11، ص 409، (كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد). وفي القمي: (وعن الاصبغ انه سأل أمير المؤمنين علیه السلام عن قول الله عز وجل: سبح اسم ربك الاعلى، فقال: مكتوب على قائمة العرش قبل أن يخلق الله السماوات والارضين بألفي عام «لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فاشهدوا بهما وأن عليا وصي محمد صلی الله علیه وآله وسلم)
3- تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم، السيد حيدر الآملي، ص 267

وكان لمولده صلی الله علیه وآله وسلم أثر كبير في الهداية التكوينية(1)، فقد روي في الأمالي، عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام، قال: (كان إبليس (لعنه الله) يخترق السماوات السبع، فلما ولد عیسی علیه السلام حجب عن ثلاث سماوات، وكان يخترق أربع سماوات، فلما ولد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم... وقالت آمنة: إن ابني والله سقط فاتقى الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نور أضاء له كل شيء، وسمعت في الضوء قائلا يقول: إنك قد ولدت سيد الناس، فسمیه محمدا، وأتي به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمه، فأخذ فوضعه في حجره، ثم قال:

الحمد لله الذي أعطاني ٭٭٭ هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان..)(2).

المسألة الثانية (انتجابه من بين أهل الطهر والخُلق الحسن) أولاً: قوله علیه السلام:

«وأَنْجَبَهَا كَهْلًا».

جاء في اللغة: (النَّجِيبَ: الفاضل الكَريم السَّخِيَّ، ومنه حديث ابن مسعود:

ص: 91


1- وهي التي تتعلق بالأمور التكوينية كهدايته كل نوع من أنواع المصنوعات إلى كماله الذي خلق لأجله وإلى أفعاله التي كتبت له، وهدايته كل شخص من أشخاص الخليقة إلى الامر المقدر له والأجل المضروب لوجوده قال تعالى: «الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى» (طه: 50) وقال: {الذي خلق فسوى ٭ والذي قدر فهدى}. تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج 7، ص 346
2- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 260 - 262

الأَنعامُ من نَجائبِ القُرانِ، أَو نواجِبِ القرآن أَي من أَفاضل سُوَره، والنَّجِيبُ من الرجال الكريمُ الحَسِيبُ، والمُنْتَجَبُ: المُختارُ من كل شيءٍ؛ وقد انْتَجَبَ فلانٌ فلاناً إِذا استَخْلَصَه، واصْطَفاه اخْتياراً على غيره)(1).

والكَهْلُ في اللغة: (الرجل إِذا وَخَطه الشيب ورأَيت له بَجالةً، وفي الصحاح: الكَهْلُ من الرجال الذي جاوَز الثلاثين ووَخَطَه الشيبُ)(2).

كما كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مميزاً ومختلفا عن سائر الناس في طفولته، فقد كان موصوفا بالصدق والأمانة وجميع الخصال الطيبة في كهولته، وكان (صلوات الله وسلامه عليه) يلقب بالصادق الأمين بشهادة قريش.

جاء في السيرة النبوية: (إن القبائل من قریش جمعت الحجارة لبنائها، كل قبيلة تجمع على حدة، ثم بنوها، حتى بلغ البنيان موضع الركن، فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحاوروا وتحالفوا وأعدوا للقتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا «لعقة الدم» فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا، فزعم بعض أهل الرواية: أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم - وكان عامئذ أسن قریش كلها - قال: يا معشر قریش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه، ففعلوا، فكان أول داخل عليهم رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، فلما انتهى

ص: 92


1- لسان العرب، ج 4، ص 748
2- لسان العرب، ج 11، ص 600

إليهم وأخبروه الخبر، قال (صلى الله عليه [وآله] وسلم): هلم إلي ثوبا، فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده، ثم بنى عليه، وكانت قريش تسمي رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، قبل أن ينزل عليه الوحي «الأمين»)(1).

وقد جمع سبحانه في رسوله صلی الله علیه وآله وسلم جميع خصال الأنبياء وقد زاده الله عليهم فضلا وشرفاً إذ كان (صلوات الله وسلامه عليه) عابداً زاهداً صادقا نقيا تقيا عاقلا فصيحا نبيها امينا جوادا کریما صبورا شكورا غيورا فاضلا. وكان (صلوات الله وسلامه عليه) يتيما فقيرا ضعيفا وحيدا غريبا كثير الأعداء، ومع ذلك ارتفع شأنه فدل على نبوته، وكان البدوي يرى وجهه الكريم فيقول والله ما هذا وجه كذاب، وكان ثابتا في الشدائد وهو مطلوب، وصابرا على البأساء والضراء وهو مكروب محروب، فثبت له الملك(2).

ثانياً: قوله علیه السلام:

«وأَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً».

أما طُهره (صلوات الله وسلامه عليه) فقد حدث سبحانه عن ذلك في آية التطهير بقوله:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(3)،

ص: 93


1- السيرة النبوية، ابن هشام الحميري، ج 1، ص 127
2- ينظر: مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 107
3- الأحزاب: 33

وهذه الآية خاصة برسول الله وعلي وفاطمة والحسنين(1).

قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنا [أول] أهل بيت قد أذهب الله عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن»(2).

وأما الشِّيمةُ: تعني الخُلُقُ، والطبيعة(3).

إن أحب العباد إلى الله أحسنهم خُلقا، وبما أن النبي صلی الله علیه وآله وسلم صاحب الخلق العظيم فقد صار رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حبيب الله، وخاتم رسله وسيد ولد آدم من الأولين والآخرين، وكان (صلوات الله عليه) يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار)(4).

وقد سمي بصاحب الخلق العظيم ذلك لأنه (صلوات الله وسلامه عليه) كان صاحب خلق مع الله، فعن أبي إسحاق النحوي قال: (دخلت على أبي عبد الله علیه السلام فسمعته يقول: إن الله عز وجل أدب نبيه على محبته فقال:

«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(5)،(6).

فمن بين أصحاب الخلق اختاره سبحانه كي يتمم به مكارم الأخلاق، عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى:

ص: 94


1- ينظر تفسير القمي، ج 2، ص 193
2- بحار الأنوار، ج 38، ص 62
3- ينظر لسان العرب، ج 12، ص 329
4- بحار الأنوار، ج 68، ص 382
5- القلم: 4
6- الكافي، ج 1، ص 265

«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1)، يقول على دين عظيم(2).

وعلى الرغم من أن جميع الأنبياء (صلوات الله وسلامه عليهم) اتصفوا بهذه الصفة إلا أن الله تعالى لم يخاطب أي نبي بهذا الخطاب إلا حبيبه المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم فشهادة الله لرسوله بهذا الخلق العظيم تعطيه الأولوية والأسبقية على جميع الخلق بأنه أعظمهم خلقاً وأصبرهم على تحمل الأذى في سبيله.

عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«عَلَيكُم بمَكارِمِ الأخْلاقِ، فإنّ اللهَ عزّ وجلّ بَعثَني بها، وإنَّ مِن مَكارِمِ الأخْلاقِ أنْ يَعْفُوَ الرّجُلُ عَمَّنْ ظَلمَهُ، ويُعْطيَ مَن حَرمَهُ، ويَصِلَ مَن قَطعَهُ، وأنْ يَعودَ مَن لا يَعودُهُ»(3).

فالعفو والكرم وصلة الرحم كلها من مكارم أخلاقه صلی الله علیه وآله وسلم ولخلقه وعظيم وصفه كانوا يتسابقون على خدمته، فقد لفت النبي أنظار المؤمنين إليه ذلك لخلقه الذي شهد له الباري عز وجل.

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الأبْرَارِ، وَثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ الأَبْصَارِ، دَفَنَ اللّهُ بِهِ الضَّغَائنِ، وَأَطْفَأَ بِهِ الثَّوَائِرَ، ألَّفَ بِهِ إِخْوَاناً.. كَلَامُهُ بَيانٌ، وَصَمْتُهُ لِسَانٌ»(4).

وقال الإمام الصادق علیه السلام:

«إنّ اللهَ تباركَ وتعالى خَصَّ رسولَ اللهِ صلی الله علیه وآله وسلم بمَكارِمِ الأخْلاقِ، فامْتَحِنوا

ص: 95


1- القلم: 4
2- تفسير القمي، ج 2، ص 382
3- أمالي الطوسي: ص 478، ح 1042
4- نهج البلاغة، الخطبة: 96، ص 141

أنفسَكُم؛ فإن كانتْ فيِكُم فاحْمَدوا اللهَ عزّ وجلّ وارغَبوا إلَيهِ في الزّيادَةِ مِنها، فذكَرَها عَشرَةٌ: اليَقينُ، والقَناعَةُ، والصَّبرُ، والشُّكرُ، والحِلْمُ، وحُسنُ الخُلقِ، والسَّخاءُ، والغَيرَةُ، والشَّجاعَةُ، والمُروءَةُ»(1).

وكما نعته الله في القرآن الكريم وذكر عظيم خلقه فقد ذكره سبحانه في الكتب السماوية السالفة، وكان اليهود يعرفونه من نعته، وهذا الخلق العظيم كان أحد العوامل المؤثرة في هداية الناس، فعن أمير المؤمنين علیه السلام، قال:

«إن يهوديا كان له على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك، قال: فإني لا أفارقك - يا محمد - حتى تقضيني، فقال صلی الله علیه وآله وسلم: إذن أجلس معك، فجلس صلی الله علیه وآله وسلم معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله يتهددونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله، يهودي يحبسك! فقال صلی الله علیه وآله وسلم: لم يبعثني ربي عز وجل بأن أظلم معاهدا ولا غيره.

فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وشطر ما لي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله، مولده بمكة ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب، ولا متزين بالفحش ولا قول الخنا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال»(2).

ص: 96


1- أمالي الصدوق، ص 290
2- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 552

وكم من يهودي غير هذا أسلم على يده، فلذلك الخلق صار محمد حبیب الله(1).

ص: 97


1- وقد جمع بعض العلماء آدابه من خلال الأخبار قالوا: (كان النبي صلی الله علیه وآله وسلم أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم، لم تمس يده يد امرأة لا تحل، وأسخي الناس لا يثبت عنده دينار ولا درهم فإن فضل ولم يجد من يعطيه ويجنه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما أتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ولا يسأل شيئا إلا أعطاه ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء، وكان يجلس على الأرض وينام عليها ويأكل عليها، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويفتح الباب، ويحلب الشاة، ويعقل البعير ويحله، ويطحن مع الخادم إذا أعيا، ويضع طهوره بالليل بيده ولا يتقدمه مطرق، ولا يجلس متكئا، ويخدم في مهته أهله، ويقطع اللحم، وإذا جلس على الطعام جلس محقرا، وكان يلطع أصابعه، ولم يتجشأ قط، ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة، ولا يثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد، لا يلبس ثوبين، يلبس بردا حبرة يمنية وشملة جبة صوف والغليظ من القطن والكتان، وأكثر ثيابه البياض ويلبس العمامة تحت العمامة، يلبس القميص من قبل میامنه، وكان له ثوب للجمعة خاصة، وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسکينا، وكان له عباء يفرش له حيث ما ينقل تثنی ثنيتين، يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن، يحب البطيخ، ويكره الريح الردية ويستاك عند الوضوء، ويردف خلفه عبده أو غيره، ویرکب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار، ويركب الحمار بلا سرج وعليه العذار، ويمشي راجلا وحافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، ويشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة، يجالس الفقراء ويواكل المساكين ويناولهم بيده، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله، ولا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، وكان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه قرآن ولم تجر عظة، وربما ضحك من غير قهقهة، لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس، ما شتم أحدا بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادما بلعنة ولا لاموا أحدا إلا قال دعوه، ولا يأتيه أحد حرا وعبدا وأمة إلا قام معه في حاجته، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح، ويبدأ من لقيه بالسلام، ومن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، وما أخذ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها وإذا لقي مسلما بدأه بالمصافحة، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة؟ وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا، وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة، وكان يكرم من يدخل عليه حتی ربما بسط ثوبه ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته، وكان في الرضا والغضب لا يقول إلا حقا، وكان يأكل القثاء بالرطب وبالملح، وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب وأكثر طعامه الماء والتمر وكان يتمجع اللبن بالتمر ويسميهما الأطيبين، وكان أحب الطعام إليه اللحم ويأكل الثريد باللحم، وكان يحب القرع، وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده، وكان يأكل الخبز والسمن، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن القدر الدبا ومن الصباغ الخل ومن التمر العجوة ومن البقول الهندبا والبادروج والبقلة اللينة، وكان يمزح ولا يقول إلا حقا) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر اشوب، ج 1، ص 128

المسألة الثالثة (أجود المستمطرين وأدومهم في العطاء) قوله علیه السلام:

«وأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً».

(الجواد بمعنى السخي(1)، المُسْتَمطِر: الطالب للخير والمعروف(2)، الديمةُ: (المطر الذي ليس فيه رَعْد ولا برق، وسئلت عائشة عن عمل سیدنا رسول الله ، صلی الله علیه وآله وسلم، وعبادته فقالت: كان عملُه دِيمةً؛ الدِّيمةُ المطر الدائم في سكون، شَبَّهَتْ عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر الدائم)(3).

فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أكرم الأكرمين، عن أنس قال: (ما سئل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم شيئاً

ص: 98


1- لسان العرب، ج 3، ص 108
2- تاج العروس الزبيدي، ج 7، ص 487
3- لسان العرب، ابن منظور، ج 12، ص 219

على الإسلام إلاّ أعطاه قال فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة)(1).

قال المازري: معني فأعطاه غنماً بين جبلين أي غنما يملأ ما بين جبلين(2).

والنبي بشخصه يجسد الإسلام فإن أحبوا صفاته أحبوا الإسلام لذا لم يبعث سبحانه وتعالى نبياً أو وصياً إلا كريماً، والنبي الأكرم فاق الأنبياء سخاءً، لذا كان أقرب الخلق إلى الله.

عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«جاء رجل إلى النبي صلی الله علیه وآله وسلم، قال: يا رسول الله أفي المال حق سوى الزكاة؟ قال: نعم، على المسلم أن يطعم الجائع إذا سأله ويكسو العاري إذا سأله، قال: إنه يخاف أن يكون كاذبا، قال: أفلا يخاف صدقه؟!»(3).

ولكي نصل إلى عظيم وصفه (صلوات الله وسلامه عليه) وبیان جوده وكرمه لا بد من ذكر بعض الأنبياء والأولياء الذين اشتهروا بالجود، كي نصل إلى معنى قوله علیه السلام: (وأجود المستمطرين ديمة)، فمن أهل الجود:

نبي الله ابراهيم علیه السلام:

كان نبي الله ابراهيم علیه السلام من أجود الناس وأكرمهم وكان لا يأكل إلا مع ضيف، ولجوده وكرمه كان يلقب أبا الضيفان، فعن عكرمة، قال: (كان إبراهيم يكنى أبا الضيفان وكان لقصره أربعة أبواب)(4).

ص: 99


1- شرح أصول الكافي، ج 12، ص 93
2- المصدر نفسه، ص 93
3- میزان الحكمة، ج 2، ص 1228
4- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر،

وقد جعل (صلوات الله عليه) لقصره أربعة أبواب من كل جهة باب كي لا يفوته الضيف، فمن اعتاد على بذل المال واکرام الضيف لا يستطيع أن يغير هذه العادة، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«كان أول من أضاف الضيف إبراهيم»(1).

وروى الفيض الكاشاني: (كان إبراهيم الخليل علیه السلام إذا أراد أن يأكل خرج میلا أو ميلين يلتمس من يتغدّى معه وكان يكنّى أبا الضيفان ولصدق نیّته فيه، دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا فلا ينقضي ليله إلا ويأكل عنده جماعة من بين ثلاثة إلى عشرة إلى مائة)(2).

وقد حکی سبحانه عن كرمه في كتابه الكريم، قال تعالى:

«هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ٭ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ٭ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ٭ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ»(3).

قال الرازي: (وإما لإكرام إبراهيم علیه السلام إياهم، فإن قيل: بماذا أكرمهم؟ قلنا ببشاشة الوجه أولاً، وبالإجلاس في أحسن المواضع وألطفها ثانياً، وتعجيل القرى ثالثاً، وبعد التكليف للضيف بالأكل والجلوس وكانوا عدة من الملائكة في قول ثلاثة جبریل ومیکائیل وثالث، وفي قول عشرة، وفي آخر اثنا عشر)(4).

فکر مهم لا يقتصر على الطعام وإنما كانوا كرماء في قولهم وابتسامتهم

ص: 100


1- سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي، ج 1، ص 309
2- المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، الفيض الكاشاني، ج 3، ص 32
3- الذاریات: 24 - 27
4- تفسير الرازي، فخر الدين الرازي، ج 28، ص 210

وعطائهم، أي أنهم جمعوا الكرم حتى كان عدوهم يشهد لهم بالضيافة وحسن المعاملة.

ومن اجداد النبي الذين امتازوا بالكرم (عمر العلى):

جاء في بحار الأنوار: (هاشم هو عمرو بن عبد مناف، ولقب بذلك لأن قومه أصابتهم مجاعة فبعث عيرا إلى الشام وحملها كعكا ونحر جزورا وطحنها وأطعم الناس الثريد، و قيل في مدح هاشم:

عمرو العلى هشم الثريد لقومه ٭٭٭ ورجال مكة مستتون عجاف)(1).

فبنو هاشم امتازوا بالكرم والجود وكانوا يبتدئون العطاء قبل ان يُسألوا، وكان السائل يقصدهم في طلب الحاجة دون غيرهم.

عن الإمام الصادق علیه السلام:

«إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادن، وللمعادن أصولا، وللأصول فروعا، وللفروع ثمرا، ولا يطيب ثمر إلا بفرع، ولا فرع إلا بأصل، ولا أصل إلا بمعدن طيب»(2).

ورد باللغة: (المَعدِنُ مكان كل شيء يكون فيه أَصله ومَبدَؤه نحو مَعدِنِ الذهب والفضة والأَشياء، وفي الحديث: فَعَن معادِنِ العرب تسأَلوني؟ قالوا: نعم، أَي أُصولها التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها، وفلان مَعدِنٌ للخير والكرم إذا جُبِل عليهما، على المَثَل)(3).

ص: 101


1- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 13، ص 80
2- میزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 1، ص 483
3- لسان العرب، ج 13، ص 279

والمقصود من كلام الإمام الصادق علیه السلام أن الأنبياء وذراري الأنبياء وهذه السلالة الطاهرة خلقوا من معدن أصله الكرم، وقد ورد عن الإمام علي في النهج في وصف النبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:

«مَنْبِتُه أَشْرَفُ مَنْبِتٍ، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ، ومَمَاَهِدِ السَّلَامَةِ»(1).

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«الثريد طعام العرب، وأول من ثرد الثريد إبراهيم صلی الله علیه وآله وسلم، وأول من هشمه من العرب، هاشم»(2).

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«ما منع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سائلا قط، إن كان عنده أعطى، وإلا قال: يأتي الله به»(3).

وكان سخاؤه (صلوات الله وسلامه عليه) سببا في هداية الناس، فعن صفوان بن أمية قال: (لقد أعطاني رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يوم حنين وإنه لمن أبغض الناس إلى فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلي)(4).

والسخاء من أشرف الغرائز ومن خلق الأنبياء والمرسلين وأصحاب اليقين.

قال الإمام الصادق علیه السلام:

«السخاء من أخلاق الأنبياء، وهو عماد الإيمان، ولا يكون مؤمن إلا سخيا، ولا يكون سخيا إلا ذو يقين وهمة عالية، لأن السخاء شعاع نور اليقين، ومن

ص: 102


1- الخطبة: 96
2- دعائم الإسلام، القاضي النعماني المغربي، ج 2، ص 110
3- الكافي، الشيخ الكليني،
4- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 24، ص 116

عرف ما قصد، هان عليه ما بذل»(1).

والمتيقن بالله لا يخشى الفاقة لذا كان (صلوات الله عليه) يتصدق بكل ما لديه في سبيل الله، وكان ابو طالب سخیا کریما وقد ساد البلاد بكرمه وجوده، وكان يلقب بسيد البطحاء، فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جاء من أكرم المعادن وأجودها وقد اختاره الله من بين هؤلاء الكرام.

في رواية إن إعرابياً جاء إلى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يشكو قلة المطر وقحطاً شدید فصعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المنبر وقال: (الحمد لله الذي علا في السماء وكان عاليا، وفي الأرض قريبا دانيا أقرب إلينا من حبل الورید؟ ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريئا، مريعا، غدقا، طبقا، عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار، تملأ به الزرع، وتنبت الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها. فما رد يده إلى نحره حتى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل، والتقت السماء بأرواقها، وجاءه أهل البطاح يضجون: یا رسول الله، الغرق الغرق، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن السماء، فضحك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وقال: لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله؟ فقام عمر بن الخطاب، فقال: عسى أردت، یا رسول الله:

وما حملت من ناقة فوق ظهرها ٭٭٭ أبر وأوفي ذمةً من محمد فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ليس هذا من قول أبي طالب، هذا من قول حسان بن ثابت».

ص: 103


1- بحار الأنوار، ج 68، ص 355

فقام علي بن أبي طالب علیه السلام وقال: كأنك أردت، یا رسول الله:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ٭٭٭ ربيع اليتامی عصمة للأرامل تلوذ به الهُلاّك من آل هاشم ٭٭٭ فهم عنده في نعمة وفواضل كذبتم وبيت الله يبزی محمد ٭٭٭ ولما نماصع(1)دونه ونقاتل ونسلمه حتى نصرع حوله ٭٭٭ ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«أجل»(2).

ص: 104


1- المصع: الضرب بالسيف، والماصعة: المجالدة بالسيف. العين، ج 1، ص 317
2- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 75 - 76

الفصل الثالث أغصان الشجرة النبوية

ص: 105

ص: 106

الفصل الثالث: أغصان الشجرة النبوية

المبحث الأول: عترة النبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم

لکل شجرة فروع وأغصان وثمار، وأغصان هذه الشجرة المباركة وفروعها هم عترة النبي صلی الله علیه وآله وسلم، وثمارها العلم، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«... فأنتم قادة الهدى والتقى والشجرة التي أنا أصلها وأنتم فرعها، فمن تمسك بها فقد نجا ومن تخلف عنها فقد هلك وهوى»(1).

وعترة النبي هم أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين والمعصومون من ذريته (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، فهؤلاء الأطهار فاقوا جميع المنازل حتى صاروا سادة الخلائق بعد نبي الرحمة، فهم حجج الله وورثة النبي ومستودع علمه.

المسألة الأولى (خير العِتَر) قوله علیه السلام: «عِتْرَتُهُ خَيْرُ اَلْعِتَر».

ص: 107


1- المسترشد، محمد بن جرير الطبري، (الشیعی)، هامش، ص 611

تكلمنا في المباحث السابقة عن أسرته وشجرته صلی الله علیه وآله وسلم وهنا نتكلم عن عترته بوصفهم سلالة النبوة ومعدن الوحي والتنزيل.

قال ابن منظور: (عِتْرةُ الرجل أَخَصُّ أَقارِبه، والعِتْرة ولدُ الرجل وذریته وعِقُبُه من صُلْبه، قال: فعِتْرةُ النبي، صلی الله علیه وآله وسلم، وولدُ فاطمة البَتُول، علیهما السلام، والمشهور المعروف أَن عتْرتَه أَهلُ بيته، وهم الذين حُرّمَت عليهم الزكاة والصدقة المفروضة، وهم ذوو القربي الذين لهم خُمُسُ الخُمُسِ المذكور في سورة الأَنفال)(1).

وقال الشارح البحراني: (بدء بالعترة لما عرفت أنّها أخصّ وأقرب من الأسرة، ومصداق أفضليّة عترته قوله صلی الله علیه وآله وسلم: سادة أهل المحشر سادة أهل الدنيا أنا وعلي وحسن وحسین وحمزة وجعفر، ووجه أفضليّة أسرته قوله صلی الله علیه وآله وسلم: إنّ الله اصطفى من العرب معدا)(2).

وكما أن الشجرة تتفرع وتورق وتثمر وتفيء للناس كذلك أهل بیت النبي، فقد تفرعوا إلى فروع طوال وصارت بيوتهم ملاذ الناس ومأوىً للسائل والمحروم.

وفي حديث الكساء الذي يروي عن جابر عن فاطمة علیهما السلام فيه بيان عظیم منزلتهم، ومضمون حديث الكساء ان الله سبحانه لم يخلق الخلق إلا لأجلهم وفي محبتهم فثبت بذلك انهم خيرة خلقه بعد نبيه وخاتم رسله.

وعترة النبي سادة الخلق من الأولين والآخرين، وهم والقرآن خط واحد لا يفترقان کما قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

ص: 108


1- لسان العرب، ابن منظور، ج 4 ص 538
2- ينظر شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني، ج 2، ص 397

«إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(1).

ومن خطبة له بيّن فيها فضل العترة قال علیه السلام:

«... وَبَیْنَکُمْ عِتْرَةُ نَبِیِّکُمْ، وَهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ وأَعْلَامُ الدِّینِ وأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ، فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ...»(2).

قال ابن أبي الحديد: (قد بيّن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عترته من هي، لما قال: (إني تارك فيكم الثقلين)، فقال: (عترتي أهل بيتي)، وبيّن في مقام آخر مَنْ أهلُ بيته حيث طرح عليهم کساءً، وقال حين نزلت:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(3): «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم»، فإن قلت: فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين علیه السلام بهذا الكلام؟ قلت: نفسه وولديه، والأصل في الحقيقة نفسه، لأن ولديه تابعان له، ونسبتهما إليه مع وجوده كنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة، وقد نبه النبي صلی الله علیه وآله وسلم على ذلك بقوله: «وأبو کما خیر منکما»(4).

وعن أبي جعفر علیه السلام في قوله:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(5).

«قال: نزلت هذه الآية في رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن

ص: 109


1- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي - ج 27 ص 34
2- الخطبة: 87.، ص 120
3- الأحزاب: 33
4- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 6، ص 375
5- الأحزاب: 33

والحسين علیهم السلام وذلك في بيت أم سلمة زوجة النبي صلی الله علیه وآله وسلم فدعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عليا وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام ثم ألبسهم کساءاً خيبريا ودخل معهم فيه ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» نزلت هذه الآية، فقالت ام سلمة وأنا معهم يا رسول الله؟، قال أبشري يا أم سلمة إنك إلى خير»(1).

كذلك في مباهلته مع نصاری نجران قد بيّن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من هم عترته وقد حدث سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله:

«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ»(2).

والعترة هم الخاصة من أهل بيته قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«اللّهُمَّ إِنَّ هؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِيِ وَخاصَّتِيِ وَحامَّتِيِ لَحْمُهُمْ لَحْمِي وَدَمُهُمْ دَمِي»(3).

فهؤلاء الطيبون خلقوا من جوهر واحد وطينة واحدة لذا خصهم الله دون غيرهم، وهم أهل الحق وأهل الصدق وحديث الثقلين كافٍ في بيان احقيتهم إذ قرنهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالقرآن، فهما حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض.

ص: 110


1- قال أبو الجارود قال زيد بن علي بن الحسين علیه السلام ان جهالا من الناس يزعمون إنما أراد بهذه الآية أزواج النبي وقد كذبوا وأتموا لو عنى بها أزواج النبي لقال: ليذهب عنكن الرجس ويطهركن تطهيرا، ولكان الكلام مؤنثا كما قال واذکرن ما يتلى في بيوتكن ولا تبرجن ولستن كأحد من النساء) تفسير القمي، ج 2، ص 193
2- آل عمران: 61
3- مفاتیح الجنان (عربي) الشيخ عباس القمي (مترجم: نجفي)، ص 869

وقوله علیه السلام:

«فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ» أي كما نعظم القرآن کونه کتاب الله، كذلك علينا تعظيمهم كونهم القرآن الناطق بالحق، وكما أن القرآن:

«لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»(1)، كذلك أهل البيت لا يأتيهم الباطل لا عن يمينهم ولا عن شمالهم فهم معصومون وإلا لما قرنوا بالقرآن، قال الإمام الصادق علیه السلام:

«سئل أمير المؤمنين علیه السلام عن معنى قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إنّي مخلف فیکم الثقلين كتاب الله وعترتي، من العترة؟ فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين علیهم السلام تاسعهم مهديهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حوضه»(2).

ومن أقرب عترته صلی الله علیه وآله وسلم علي بن أبي طالب علیه السلام الذي هو نفسه، وهذه الخصوصية قد بيّنها أمير المؤمنين في أحد خطبه إذ قال علیه السلام:

«وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله وسلم، بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ...»(3).

وفي رواية قال المأمون يوما للرضا علیه السلام:

«أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين علیه السلام يدل عليها القرآن قال: فقال له الرضا علیه السلام: فضيلته في المباهلة قال الله جل جلاله:

ص: 111


1- فصلت: 42
2- عیون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج 1، ص 60
3- نهج البلاغة، من الخطبة: 192، ص 184

«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(1)، فدعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الحسن والحسين علیهما السلام فكانا ابنيه ودعا فاطمة علیهما السلام فكانت في هذا الموضع نساءه ودعا أمير المؤمنين علیه السلام فكان نفسه بحكم الله عز وجل، وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأفضل فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بحكم الله عز وجل، قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ابنيه خاصة وذكر النساء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ابنته وحدها، فلم لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين علیه السلام ما ذكرت من الفضل؟ قال: فقال له الرضا علیه السلام: ليس بصحيح ما ذكرت.. وذلك أن الداعي إنا يكون داعيا لغيره کما یکون الآمر آمرا لغيره ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة، وإذا لم يدع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين علیه السلام فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه وجعل حكمة ذلك في تنزيله، قال، فقال المأمون، إذا ورد الجواب سقط السؤال»(2).

وكان لفاطمة والحسنين خصوصية عجيبة عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فهؤلاء الأطهار کان صلی الله علیه وآله وسلم يزقهم العلم زقا وقد نبت لحمهم من لسانه وإبهامه الطاهرين.

عن رسول صلی الله علیه وآله وسلم قال:

(إن الله عز وجل قسّم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً وذلك قوله:

ص: 112


1- آل عمران: 61
2- (الفصول المختارة، الشيخ المفيد، ص) 38

«وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ» و «وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ»، فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثاً فذلك قوله تعالى: «فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ» و «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ» فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قول الله تعالى: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» وأنا أتقي ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً وذلك قوله عز وجل: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب»(1).

والطهارة من الذنوب اشارة إلى عصمتهم علیهم السلام وهذا لا شك فيه فكل الأنبياء والحجج معصومون من الذنوب وهذا اعتقادنا فيهم، ولعصمتهم اختارهم الله ان يكونوا عترة نبيه وخزان علمه.

المسألة الثانية (آل البيت امتداد الرسالة السماوية) قوله علیه السلام: «نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، ومَحَطُّ الرِّسَالَةِ، ومُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ».

أولاً: قوله علیه السلام: «نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ».

أي المتفرعون منها والوارثون محاسنها وما حوته من کمالات، فهذه الشجرة جمعت العظماء من الخلق وقد زادها الله شرفاً وتفضيلاً حينما جعل فروعها الأئمة المعصومين.

ص: 113


1- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين البهيقي، ج 1 ص 170

قال السيد حبيب الله الخوئي الهاشمي في قوله:

«نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ»: (أراد به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونفسه الشريف وزوجته الصدّيقة وأولاده الطّيبين الطّاهرين سلام الله عليهم أجمعين)(1).

وقال الشيخ ناصر مکارم الشيرازي: (فالتعبير بالشجرة يفيد أنّ النبوة كالشجرة المثمرة التي لها فروع وأغصان مختلفة، جذرها وساقها النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم، وأوراقها أولاده، وثمرتها هداية الناس إلى الله)(2).

فآل البيت هم فروع الشجرة النبوية وهم ذرية السلالة الطاهرة الذي أكرمهم الله وفضلهم على سائر خلقه وهم كالنجوم المضيئة كلما أفل منهم نجم سطع آخر، عن أبي رجاء العطاردي قال: (لما بايع الناس لأبي بكر دخل أبو ذر [الغفاري رضي الله عنه] المسجد فقال: أيها الناس:

«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ٭ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، فأهل بیت نبیکم هم الآل من آل إبراهيم، والصفوة والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد صلی الله علیه وآله وسلم، فبمحمد شرف شريفهم فاستوجبوا حقهم ونالوا الفضيلة من ربهم، [فأهل بيت محمد فينا] کالسماء المبنية والارض المدحية والجبال المنصوبة والكعبة)(3).

وبهذا الوصف أشار أبو ذر (رضوان الله تعالى عليه) إلى خيرات آل البيت فهم منبع الفيض الالهي، عن أبي حمزة قال: (قلت لأبي عبد الله علیه السلام: أتبقى

ص: 114


1- منهاج البراعة، حبیب الله الخوئي، ج 7، ص 375
2- الخطبة: 109، ص 392
3- تفسیر فرات الكوفي، ص 81

الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت)(1).

ومن خطبة له علیه السلام بيّن فيها على نسب الهاشميين قال علیه السلام:

«نَحْنُ اَلْأَعْلَوْنَ نَسَباً وَاَلْأَشَدُّونَ بِالرَّسُولِ صلی الله علیه وآله وسلم نَوْطاً»(2).

لا يوجد أعلى من نسب أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحجج الأطهار (عليهم أفضل الصلاة والسلام) بوصفهم من سلالة النبي وقد بيّن الإمام الحسين عليه السلام في مفاخرته مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام علو شرفه وعظيم قدره من حيث النسل السامي، وقد افتخر على والده(3). وبهذه المفاخرة بيّن الإمام الحسين علیه السلام

ص: 115


1- الكافي، ج 1، ص 179
2- 162 ومن كلام له (علیه السلام) لبعض أصحابه وقد سأله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به فقال: (يَا أَخَا بَنِي أَسَدٍ إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ، تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ، ولَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِوحَقُّ الْمَسْأَلَةِ، وقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ، أَمَّا الاِسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ، ونَحْنُ الأَعْلَوْنَ نَسَباًوالأَشَدُّونَ بِالرَّسُولِ (صلی الله علیه وآله وسلم) نَوْطاً، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، والْحَكَمُ الله والْمَعْوَدُ إِلَيْه الْقِيَامَةُ...). نهج البلاغة، ص 231
3- روى الفضل بن شاذان ( إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كان جالسا ذات يوم وعنده الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام إذ دخل الحسين بن علي فأخذه النبي علیه السلام وأجلسه في حجره وقبل بين عينيه وقبل شفتيه وكان للحسين عليه السلام ست سنين، فقال علي علیه السلام یا رسول الله أتحب ولدي الحسين؟ قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم وكيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي، فقال علي علیه السلام يا رسول الله أيما أحب إليك انا أم الحسين؟ فقال الحسين يا أبتي من كان أعلى شرفا كان أحب إلى النبي صلی الله علیه وآله وسلم وأقرب إليه منزلة قال علي علیه السلام لولده أتفاخرني يا حسين؟ قال نعم يا أبتاه ان شئت، فقال له الإمام علي علیه السلام یا حسين انا أمير المؤمنين انا لسان الصادقين انا وزير المصطفی انا خازن علم الله ومختاره.... فعندها سكت علي عليه السلام فقال النبي صلی الله علیه وآله وسلم للحسين علیه السلام أسمعت يا أبا عبد الله ما قاله أبوك وهو عشر عشیر معشار ما قاله من فضاله ومن الف الف فضيلة وهو فوق ذلك أعلى، فقال الحسين علیه السلام الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وعلى جميع المخلوقين وخص جدنا بالتنزيل والتأويل والصدق ومناجاة الأمين جبرئیل علیه السلام وجعلنا خيار من اصطفاه الجليل ورفعنا على الخلق أجمعين ثم قال الحسين علیه السلام اما ما ذكرت يا أمير المؤمنين فأنت فيه صادق أمين، فقال النبي صلی الله علیه وآله وسلم أذكر أنت يا ولدي فضائلك، فقال الحسين علیه السلام يا أبت انا الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وجدي محمد المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم سید بني آدم أجمعين لا ريب فيه يا علي أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين وانا في المهد ناغاني جبرئیل وتلقاني إسرافيل، يا علي أنت عند الله تعالى أفضل مني وانا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد، قال ثم إن الحسين عليه السلام اعتنق أباه وجعل يقبله واقبل علي علیه السلام يقبل ولده الحسين وهو يقول زادك الله تعالى شرفا وفخرا وعلما وحلما ولعن الله تعالى ظالميك يا أبا عبد الله ثم رجع الحسين علیه السلام إلى النبي صلی الله علیه وآله وسلم (الفضائل، شاذان بن جبرئيل القمي (ابن شاذان)، ص 83 - 85)

منزلة جده وأبيه وأمه الزهراء (صلوات الله وسلامه عليهم) بأنهم فاقوا جميع المنازل والمراتب وعلو الأنبياء والآباء شرفاً ورتبةً ومكانةً، حتى صاروا الأقرب إلى الله فلولاهم لما خلق الله السموات والأرضين وبقية الموجودات.

وقوله تعالى:

«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»، أي من نسل بعض(1)، عن أبي جعفر علیه السلام قال:

«ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض قال: نحن منهم ونحن بقية تلك العترة»(2).

فمن نسل فاطمة تفرع الحجج، لذا كان أمير المؤمنين علیه السلام حريصاً عليهم أشد الحرص لكي لا ينقطع نسل رسول الله ولا تخلو الأرض من حجة، فمن کلام له عليه السلام في بعض أيام صفين، (وقد رأى الحسن ابنه علیه السلام يتسرع إلى الحرب [فقال]:

«امْلِکُوا عَنِّی هَذَا الْغُلَامَ لَا یَهُدَّنِي، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهَذَیْنِ یَعْنِي الْحَسَنَ

ص: 116


1- التفسير الأصفى، ج 1، ص 147 والحديث. عن أبي عبد الله عليه السلام
2- تفسير العیاشی، ج 1، ص 168

والْحُسَیْنَ علیه السلام عَلَی الْمَوْتِ لِئَلَّا یَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللَّه صلی الله علیه وآله وسلم»(1).

ومن وصية له كتبها لولده الحسن بن علي علیهما السلام قال له:

«.. ووَجَدْتُكَ بَعْضِيِ، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلَّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وكَأَنَّ المَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِيِ..»(2).

فقوله علیه السلام:

«وَجَدْتُكَ كُلِّي» أي نفسي وبهذا الكلام نستدل على ان الحسن والحسين کنفس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وكذلك بقية الحجج.

عن شهاب بن عبد ربه قال: (سمعت الصادق علیه السلام يقول:

«یا شهاب نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، ونحن عهد الله وذمته، ونحن ود الله وحجته، کنا أنوارا صفوفا حول العرش نسبح، فسبح أهل السماء بتسبيحنا إلى ان هبطنا إلى الارض، فسبحنا فسبح أهل الأرض بتسبيحنا وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون فمن وفي بذمتنا فقد وفي بعهد الله عز وجل وذمته، ومن خفر ذمتنا فقد خفر ذمة الله عز وجل وعهده»)(3).

ثانياً: قوله علیه السلام:

«ومَحَطُّ الرِّسَالَةِ ومُخْتَلَفُ الْمَلائِکَةِ».

معناه أن الأئمة من قريش هم المؤدون عن النبي أحكام الدين وإليهم تتنزل الملائكة في عرض صحائف العباد في ليلة القدر، فهؤلاء الطيبون هم سفراء الله

ص: 117


1- نهج البلاغة، من كلام له علیه السلام قاله في صفین، ص 323
2- نهج البلاغة، من وصية له علیه السلام للحسن بن علي علیه السلام، كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين، ص 391
3- تفسير القمي، ج 2، ص 228

وأُمناؤه على وحيه بعد النبي الاكرم صلی الله علیه وآله وسلم.

فكما كان سبحانه يوحي إلى نبي من أنبيائه قبل أن يتم أجله ويستوفي مدته أن يعطي ميراث النبوة وآثار العلم للنبي الذي يليه كذلك أوصى سبحانه نبي الرحمة أن يجعل العلم الذي عنده ومیراث النبوة في أهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم).

عن أبي جعفر علیه السلام قال:

«لما قضى محمد صلی الله علیه وآله وسلم نبوته واستكملت ايامه أوحى الله يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك من الایمان والاسم الاكبر ومیراث العلم وآثار علم النبوة في العقب في ذريتك فإني لم اقطع العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الانبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم، وذلك قول الله:

«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ٭ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1)، وإن الله جل وتعالى لم يجعل العلم جهلا ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل، ولكنه ارسل رسلا من ملائكة فقال له كذا وكذا فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره فقص عليه أمر خلقه بعلمه فعلم ذلك العلم وعلم أنبياءه وأصفياءه من الانبياء والاعوان والذرية التي بعضها من بعض فذلك قوله:

«فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(2)، فأما الكتاب فهو النبوة، واما الحكمة فهم الحكماء من الانبياء في الصفوة واما

ص: 118


1- آل عمران: 33 - 34
2- النساء: 54

الملك العظيم فهم الأئمة الهداة في الصفوة، وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض التي جعل فيهم البقية، وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق، حتى تنقضي الدنيا، وللعلماء وبولاة الامر الاستنباط للعلم والهداية»(1).

خص سبحانه أهل بيت النبي بحفظ الميثاق، فلا تصلح الدنيا إلا بهم ولا تنكشف الظلمات إلا بنورهم فهم الحجج والذرية الطيبة التي اختارها الله وخصها بالولاية دون الناس، قال امير المؤمنين علیه السلام:

«إِنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَیْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا اَلْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لاَ تَصْلُحُ عَلَی سِوَاهُمْ وَلاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ مِنْ غَیْرِهِمْ»(2).

وبهذا الكلام أبطل الإمام علیه السلام خلافة السابقين الذين غصبوا حق الولاية، فالخلافة اقتصرت على بني هاشم دون سواهم.

وقد روى الخطيب البغدادي، عن الكلبي عن أبي صالح في قول الله عز وجل:

«الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ»(3)، قال: هم بنو هاشم، ثم قلت: من مضى منهم أم من

ص: 119


1- العياشي، ج 1، ص 168، عن عبدالرحمن بن كثير قال: (قلت لأبي عبدالله علیه السلام ما عنى الله عز وجل بقوله تعالى: (انما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قال: نزلت هذه الآية في النبي وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة علیهم السلام، فلما قبض الله عز وجل نبيه صلی الله علیه وآله وسلم كان أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين علیهم السلام، ثم وقع تأويل هذه الآية: (واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وكان علي بن الحسين عليهما السلام، ثم جرت في الائمة من ولده الاوصياء عليهم السلام فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عز وجل)، (علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 205)
2- من الخطبة: 144، ص 201
3- الحج: 41

بقي؟ قال: من مضى منهم ومن بقي)(1).

ومنها: قوله علیه السلام:

«لَا یُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله وسلم مِنْ هَذِه الْأُمَّةِ أَحَدٌ، ... ولَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ، وفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِرَاثَةُ»(2).

وقوله عليه السلام:

«إِنَّمَا اَلْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَی خَلْقِهِ، وعُرَفَاءُهُ عَلَی عِبَادِهِ ولَا یَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وعَرَفُوهُ، ولَا یَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْکَرَهُمْ وأَنْکَرُوهُ»(3).

وقوله علیه السلام:

«هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ، ولَجَأُ أَمْرِهِ، وعَيْبَةُ عِلْمِهِ، ومَوْئِلُ حُكْمِهِ، وكُهُوفُ كُتُبِهِ، وجِبَالُ دِينِهِ»(4).

وفي التنزيل قال تعالى:

«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(5).

عن بريد قال: كنت عند أبي جعفر علیه السلام فسألته عن قول الله تعالى:

«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ

ص: 120


1- تاریخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج 14، ص 70
2- نهج البلاغة، رقم الخطبة: 2، ص 47
3- نهج البلاغة، الخطبة: 152، ص 212
4- نهج البلاغة، الخطبة: 2، ص 47
5- النساء: 54

الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(1)، قال: فنحن الناس ونحن المحسودون على ما آتانا الله من الامامة دون خلق الله جميعا:

«فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا» جعلنا منهم الرسل والأنبياء والائمة (عليهم الصلاة والسلام) فكيف يقرون بها في آل إبراهيم ويكذبون بها في آل محمد عليهم الصلاة والسلام:

«فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا»(2)،(3).

وقد حدّث رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم الخاصة والعامة عن الأئمة الإثني عشر، وقد ورد عنه (صلوات الله وسلامه عليه) الكثير من الروايات التي تؤكد أن الأئمة من قریش هم خلفاؤه من بعده، ففي رواية عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«الأئمة من بعدي اثني عشر أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها»(4).

فرسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم حدد الأئمة وذكر أسماءهم وبيّن صفاتهم، وعلى الرغم من ذلك إلا أن شرار الخلق من الأمويين والعباسيين غصبوا حق الأئمة ونكروا أحاديث النبي وكل هذا لم يخفَ على رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم وقد حدث نبي الرحمة عن هذه الزمر، ففي رواية نأخذ منها موضع الشاهد أنه صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«... أوحى الله إلي: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا، ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها عليا فجعلته وصيك ووارث

ص: 121


1- النساء: 54
2- النساء: 55
3- عيون اخبار الرضا، ج 1، ص 67
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن أبي الفتح الإربلي، ج 3، ص 312

علمك والإمام بعدك، وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار. يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب. فنودیت: يا محمد إرفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هؤلاء ومن هذا؟ قال: يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك، وهو الحجة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ويشفي صدور قوم مؤمنين، قلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله لقد قلت عجبا، فقال علیه السلام: وأعجب من هذا أن قوما يسمعون مني هذا ثم يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله، ويؤذوني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي»(1).

ومثلها حدث أمير المؤمنين علیه السلام عن الأئمة الإثني عشر كما حدث النبي عنهم بل زاد الإمام تفصيلا عن هؤلاء الطاهرين ففي رواية أنه علیه السلام قال لابن قدامة:

«.... يا بن قدامة أنا وابناي شبرا وشبيرا وأمهما الزهراء بنت خديجة الكبرى الأئمة فيها واحدا واحدا إلى القائم اثنا عشر إماما، من عين شربنا وإليها رددنا، قال ابن قدامة قد عرفنا شبرا وشبيرا والزهراء والكبرى فما أسماء الباقي؟ قال: تسع آيات بينات كما أعطى الله موسى تسع آيات، الأول علموثا علي بن الحسين والثاني طيموثا الباقر والثالث دينوتا الصادق والرابع بجبوثا الكاظم والخامس هيملوثا الرضا والسادس أعلوثا التقي والسابع ريبوثا النقي والثامن علبوثا العسكري والتاسع ريبوثا وهو النذير الأكبر، قال ابن قدامة: ما هذه اللغة يا

ص: 122


1- كفاية الأثر، الخراز القمي، ص 72

أمير المؤمنين؟ فقال علیه السلام: أسماء الأئمة بالسريانية واليونانية التي نطق بها عيسى وأحيى بها الموتى والروح وأبرأ الأكمه والأبرص، فسجد ابن قدامة شكرا لله رب العالمين، نتوسل به إلى الله تعالى نكن من المقربين.

أيها الناس قد سمعتم خيرا فقولوا خيرا واسألوا تعلموا وكونوا للعلم حملة ولا تخرجوه إلى غير أهله فتهلكوا، فقال جابر: فقلت: يا أمير المؤمنين فما وجه استكشاف؟ فقال: اسألوني واسألوا الأئمة من بعدي، الأئمة الذين سميتهم فلم يخل منهم عصر من الأعصار حتى قيام القائم فاسألوا من وجدتم منهم وانقلوا عنهم كتابي، والمنافقون يقولون علي نص على نفسه بالربوبية فاشهدوا شهادة أسألكم عند الحاجة، إن علي بن أبي طالب نور مخلوق وعبد مرزوق، من قال غير هذا لعنه الله، من كذب علي، ونزل المنبر وهو يقول: «تحصنت بالحي الذي لا يموت ذي العز والجبروت والقدرة والملكوت من كل ما أخاف وأحذر «فأيما عبد قالها عند نازلة به إلا وكشفها عنه، قال ابن قدامة: نقول هذه الكلمات وحدها؟ فقال علیه السلام: تضيف إليهما الإثني عشر إماما وتدعو بما أردت وأحببت يستجيب الله دعاك»(1).

فسبحانه وتعالى خلقنا لأجلهم، لذا حينما ندعوا بهذه الأسماء لا شك أن الله سيقضي حوائجنا وينجينا من أهوال الدنيا كما سينجينا من هول القيامة بفضلهم وفضل شفاعتهم.

ص: 123


1- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: علي اليزدي الحائري، ج 2، ص 218 - 219. وقد (سأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلمين فقال: أخبروني حين بعث الله محمدا بعثه بنعمة تامة أو بنعمة ناقصة؟ قالوا بنعمة تامة، قال: فأيّها أتم أن يكون في أهل بيت واحد نبوة وخلافة أو يكون نبوة بلا خلافة؟ قالوا: بل يكون نبوة وخلافة قال: فلماذا جعلتموها في غيرها فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف، فأفحموا). مناقب آل أبي طالب، ابن شهر اشوب، ج 1، ص 237

المبحث الثاني: خصائص الشجرة النبوية

قوله علیه السلام:

«لَها فُرُوعٌ طِوَالٌ وثَمَرٌ لَا يُنَالُ».

المسألة الأولى (امتداد ذرية النبي) قوله علیه السلام:

«لَها فُرُوعٌ طِوِالٌ».

قال السيد حبيب الله الخوئي (لها فروع طوال، إن كان المراد بالشجرة إبراهيم أو إسماعيل فالمراد بالفروع الأنبياء من ذرّيتها، وإن كان المراد بها هاشم أو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأراد بها الأئمة علیهم السلام ووصفها بالطول إشارة إلى بلوغها في الشّرف والكمال منتهى النّهاية)(1).

تفرعت هذه الشجرة إلى فروع وهذه الفروع امتدت إلى عنان السماء، فالله سبحانه وتعالى زاد في بركتها رغم أعدائها، قال تعالى:

«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ

ص: 124


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 110

وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ»(1).

جاء في تفسير مقتنيات الدرر: (وهذه الصفة تدلّ على قوّتها من التصاعد مرتفعة وبعيدة عن عفونات الأرض وقاذورات الأبنية فحينئذ ثمرتها نقيّة طاهرة عن جميع الشوائب)(2).

وقال السيد محمد الحسيني الشيرازي: (لها فروع طوال) لامتداد ذرّية الرسول (صلى الله عليه وآله)(3).

وفي التنزيل قال تعالى لرسوله الكريم:

«إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ٭ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ٭ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(4).

الكوثر الخير الكثير ومن أبرز تجلياتهِ فاطمة الزهراء، فمن هذه السيدة تفرع نسل النبي وكان منها أئمة الهدى الذي بهم حفظ الله شريعة المصطفى.

قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (إن أكثر علماء الشيعة ذهبوا إلى أنّ «فاطمة الزهراء علیهما السلام» من أوضح مصاديق الكوثر، لأنّ رواية سبب النزول تقول: إنّ المشركين وصفوا النّبي بالأبتر، أي بالشخص المعدوم العقب، وجاءت الآية لتقول:

«إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»، ومن هنا نستنتج أن الخير الكثير أو الكوثر هي فاطمة الزهراء علیهما السلام، لأن نسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انتشر في العالم بواسطة هذه البنت

ص: 125


1- ابراهيم: 24
2- تفسير مقتنيات الدرر، مير سيد علي الحائري الطهراني (المفسر)، ج 6، ص 114
3- توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ج 2، ص 104
4- سورة الكوثر

الكريمة... وذرية الرسول من فاطمة لم يكونوا امتداداً جسمياً للرسول صلی الله علیه وآله وسلم فحسب، بل كانوا امتداداً رسالياً صانوا الإسلام وضحوا من أجل المحافظة عليه وكان منهم أئمّة الدين الإثني عشر، أو الخلفاء الإثني عشر بعد النّبي كما أخبر عنهم رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث المتواترة بين السنة والشيعة، وكان منهم أيضاً الآلاف المؤلفة من كبار العلماء والفقهاء والمحدثين والمفسّرين وقادة الاُمّة، والفخر الرازي في استعراضه لتفاسير معنى الكوثر يقول: القول الثّالث «الكوثر» أولاده، قالوا لأنّ هذه السّورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه علیه السلام امتلاكه الأولاد فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت ثمّ العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني اُمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا علیهم السلام والنفس الزكية وأمثالهم)(1).

ومن وصية لأمير المؤمنين علیه السلام أوصى بها الناس لما ثقل من الضربة قال علیه السلام:

«وفيكم من يخلف من نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ما إن تمسكتم بهم لن تضلوا، وهم الدعاة وهم النجاة، وهم أركان الأرض وهم النجوم بهم يستضاء، من شجرة طاب فرعها وزيتونة طاب [بورك ظ] أصلها، نبتت في الحرم، وسقيت من كرم، من خير مستقر إلى خير مستودع، من مبارك إلى مبارك، صفت من الأقذار والأدناس، ومن قبيح مأنبة شرار الناس لها فروع طوال لا تنال، حسرت عن صفاتها الألسن، وقصرت عن بلوغها الأعناق، فهم الدعاة وبهم النجاة، وبالناس إليهم حاجة، فأخلفوا رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] فيهم بأحسن الخلافة فقد أخبركم أنهم والقرآن الثقلان، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فالزموهم

ص: 126


1- تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 20، ص 499

تهتدوا وترشدوا، ولا تتفرقوا عنهم ولا تتركوهم فتفرقوا وتمرقوا»(1).

بيّن الإمام اصالة هذه الشجرة وطيب فروعها بقوله علیه السلام:

«من شجرة طاب فرعها وزيتونة طاب [بورك ظ] أصلها، نبتت في الحرم، وسقيت من كرم».

ثم ذکر علیه السلام مستقر الحجج الطاهرين بقوله:

«من خير مستقر إلى خير مستودع، من مبارك إلى مبارك، صفت من الأقذار والأدناس».

وقد تحدثنا في الفصل الأول عن مستقره (صلوات الله وسلامه عليه) في جميع العوالم كذلك أهل بيته لهم الخصوصية نفسها، فقد وضعهم الله في خير مستقر ذلك في جميع العوالم، فهذه الأرواح الطاهرة منزهة عن الخطأ لذا جعلهم سبحانه يتقلبون في أقدس الأماكن، ففي عالم الأرواح كانوا في أظلة عرشه، اما في عالم الطينة فهم معجونون من طينة الولاية وفي عالم الاصلاب والارحام فهم في خير مستقر كذلك عالم الدنيا إلى أن يضعهم الله في اعلى منازل جنانه وهي مستقرهم الأبدي.

عن أبي عبد الله علیه السلام، قال:

«قال الله تبارك وتعالى: يا محمّد، إنّي خلقتك وعليّاً نوراً، يعني روحاً بلا بدن، قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي وبحري، فلم تزل تهلّلني وتمجّدني، ثمّ جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة، فكانت تمجّدني وتقدّسني وتهلّلني، ثمّ قسّمتها ثنتين، وقسّمت الثنتين ثنتين فصارت أربعة: محمّد واحد، وعليّ واحد،

ص: 127


1- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، الشيخ المحمودي، ج 8، ص 394

والحسن والحسين ثنتان، ثمّ خلق الله فاطمة من نور إبتدأها روحاً بلا بدن، ثمّ مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا»(1).

وجاء في كتاب من لا يحضره الفقيه في رواية عن جابر عن رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم، فبعد تلاوته (صلوات الله وسلامه عليه) لقوله تعالى:

«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ٭ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ٭ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ٭ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ٭ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ»(2).

قال جابر بن عبد الله الأنصاري (فقلت: يا رسول الله هذه حالنا فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة؟ فسكت رسول اللہ صلى الله عليه وآله وسلم مليا، ثم قال: يا جابر لقد سألت عن أمر لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم، إن الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جل ثناؤه، يودع الله أنوارهم أصلابا طيبة، وأرحاما طاهرة، يحفظها بملائكته، ويربيها بحكمته، ويغذوها بعلمه، فأمرهم يجل عن أن يوصف وأحوالهم تدق عن أن تعلم، لأنهم نجوم الله في أرضه، وأعلامه في بريته، وخلفاؤه على عباده، وأنواره في بلاده، وحججه على خلفه، يا جابر: هذا من مكنون العلم ومخزونه فاكتمه إلا من أهله(3).

إن الكثير من الناس لا يستوعبون هذه الأسرار ومدى طهر هؤلاء الطيبين الذين اختارهم الله وفضلهم على سائر خلقه لذا كان (صلوات الله عليه) يأمر

ص: 128


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 440
2- المؤمنون: 12 - 16
3- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 4، ص 414

أصحابه المقربين بالكتمان لمثل هذه الأحاديث، وقد بيّن النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم كيف يرعى الله عز وجل أنبياءه وأولياءه فمن لطائف الله على حججه:

أولاً: إنه تعالى خلقهم من نور عظمته، فتلك الأرواح قدسية ليس فيها شرك.

ثانياً: إنه تعالى جعلهم يتقلبون في أكرم الأصلاب والأرحام وأطهرها وبهذا قد حفظهم من جميع الأرجاس.

عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال:

«إن نطفة الإمام من الجنة، وإذا وقع من بطن أمه إلى الأرض وقع وهو واضع يده إلى الأرض رافع رأسه إلى السماء، قلت جعلت فداك ولم ذاك قال علیه السلام: لأن مناديا يناديه من جو السماء من بطنان العرش من الأفق الاعلى: يا فلان بن فلان اثبت فإنك صفوتي من خلقي، وعيبة علمي ولك ولمن تولاك أوجبت رحمتي، ومنحت جناني، وأحلك جواري، ثم وعزتي وجلالي لأصلين من عاداك أشد عذابي، وإن أوسعت عليهم في دنياي من سعة رزقي، قال: فإذا انقضى صوت المنادي، أجابه هو: «شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم» فإذا قالها أعطاه الله العلم الأول والعلم الاخر واستحق زيادة الروح في ليلة القدر»(1).

ثالثاً: إنه تعالى يحفظ هؤلاء الطيبين بملائكته ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويتلطف عليهم منذ الصغر، قال أمير المؤمنين علیه السلام في خطبة القاصعة:

«.. ولَقَدْ قَرَنَ الله بِه صلى اللّه عليه وآلهِ وسلم مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه،

ص: 129


1- بحار الأنوار، ج 25، ص 38

يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ المَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ العَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه ..»(1).

روي أن بعض أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر علیه السلام سأله عن قول اللہ عز وجل:

«إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا»(2). فقال علیه السلام:

«يوكل الله تعالى بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم، ويؤدون إليه تبليغهم الرسالة، ووكل بمحمد صلی الله علیه وآله وسلم ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات ومكارم الأخلاق، ويصده عن الشر ومساوئ الأخلاق، وهو الذي كان يناديه السلام عليك يا محمد يا رسول الله وهو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد، فيظن أن ذلك من الحجر والأرض، فيتأمل فلا يرى شيئا»(3).

ومن خصائص النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم أنه تعالى وكل به هذا الملك العظيم يسلك به طريق المكارم ومحاسن الصفات، وهذه الخصوصية كانت عند الأئمة المعصومين أيضاً.

روى الكليني عن أبي بصير قال: «سمعت أبا عبداللہ علیه السلام یقول:

«وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي»(4)قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، لم يكن مع أحد ممن مضى، غير محمد صلی الله علیه وآله وسلم وهو مع الائمة

ص: 130


1- الخطبة: 192، المعروفة بالقاصعة
2- الجن: 27
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 13، ص 207
4- الإسراء: 85

يسددهم، وليس كل ما طلب وجد»(1).

وقد يشتبه البعض وتلتبس عليه الأمور حول هذه الروح التي تسدد النبي والأئمة هل هي أعظم منهم.

الجواب: لا يوجد مخلوق أعظم من النبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) ولا يوجد مخلوق أعلم منهم ولكن شاء الله أن يجعل لكل سبب مسببات والملائكة تعد من المسببات مثلما ان الله سبحانه أنزل القرآن على صدر النبي من خلال جبرائيل علیه السلام وكان بالإمكان أن يخاطب النبي بدون واسطة وقد حدث ذلك مع النبي وسائر الرسل(2).

ومما يزيد ذلك وضوحاً قوله تعالى:

«وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ»(3).

المسألة الثانية (مكانة آل البيت) قوله علیه السلام:

«وثَمَرٌ لَا یُنَالُ».

ليس المراد بأن ثمار هذه الشجرة صعبة الالتقاط، بل العكس إن ثمار هذه

ص: 131


1- الكافي، ج 1، ص 273
2- أراد الله بذلك أن يثبت للخلق أنه سبحانه هو الذي أنشأ الأسباب والمسببات ويمكن له أن يستغني عنها متى شاء
3- الشوری: 51

الشجرة متهدلة:

«تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»(1). وإنما قوله (وثَمَرٌ لَا يُنَالُ) إشارة إلى عظیم منزلتها وما تحوي هذه الشجرة من علوم ومعارف وکرامات وفضائل، فمن الصعب نيلها أو الوصول إلى دقيق اسرارها(2).

وللتوضيح أكثر سنبين ذلك في عدة نقاط:

أولاً: اشارة إلى علوم هذه الشجرة.

خص الله أنبياءه وأولياءه وحججه بالعلم دون غيرهم، والسبب أن هؤلاء الأطهار لهم عقول تعي كلام الله، وصدور تحفظ العلم، لذا جعل سبحانه قلوب هؤلاء الأطهار وعقولهم مستودع علمه وقد ورد في النهج خطب كثيرة تتحدث عن علمهم منها.

قوله علیه السلام:

«أَیْنَ الَّذِینَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا، کَذِباً وبَغْیاً عَلَیْنَا أَنْ رَفَعَنَا اللَّه ووَضَعَهُمْ، وأَعْطَانَا وحَرَمَهُمْ وأَدْخَلَنَا وأَخْرَجَهُمْ، بِنَا یُسْتَعْطَی الْهُدَی ویُسْتَجْلَی الْعَمَی»(3).

وقوله علیه السلام:

«هُمْ عَیْشُ الْعِلْمِ، ومَوْتُ الْجَهْلِ، یُخْبِرُکُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، وصَمْتُهُمْ عَنْ حِکَمِ مَنْطِقِهِمْ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، وهم دعائم الإسلام، وولائج الإعتصام، بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَی نِصَابِهِ، وانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ

ص: 132


1- ابراهيم: 25
2- ينظر منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 110
3- نهج البلاغة، الخطبة: 144

مُقَامِهِ، وانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ، عَقَلُوا الدِّینَ عَقْلَ وِعَایَةٍ، لَا عَقْلَ سَمَاعٍ ورِوَایَةٍ ..»(1).

فخاتم الرسل الذي هو أعلم الخلق قد أودع ذلك العلم لآل البيت علیهم السلام وخصهم دون الناس، قال علیه السلام:

«نَحْنُ الشِّعَارُ وَالْأَصْحَابُ وَالْخَزَنَةُ وَالْأَبْوَابُ، وَلَا تُؤْتَی الْبُیُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا»(2).

فمن الصعب أن يصل أي مخلوق إلى هذا المستوى العالي في العلم وإن كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً ويؤيد كلامنا ما جاء في الأخبار عن الأئمة علیهم السلام، فعن محمد بن عبدالخالق وأبي بصير، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام:

«يا أبا محمد إن عندنا والله سرا من سر الله، وعلما من علم الله، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان والله ما كلف الله ذلك أحدا غيرنا ولا استعبد بذلك أحدا غيرنا وإن عندنا سرا من سر الله وعلما من علم الله، أمرنا الله بتبليغه، فبلغنا عن الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه، فلم نجد له موضعا ولا أهلا ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواما، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته علیهم السلام ومن نور خلق الله منه محمدا وذريته وصنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمدا وذريته، فبلغنا عن الله ما امرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك [فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه] وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا، فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك،

ص: 133


1- نهج البلاغة، الخطبة: 237، ص 357
2- نهج البلاغة، الخطبة: 154، ص 215

لا والله ما احتملوه....»(1).

فلا يعي حديث أهل البيت علیهم السلام إلا الراسخون في العلم ومن كانت له إذن واعية وقلب حفیظ ونفس مطمئنة لأن حديثهم صعب مستصعب لذا لم يستوعب أهل البيت إلا القلائل من الصحابة والناس، فعن أبي عبد الله علیه السلام قال:

«ذُكرت التقية يوما عند علي بن الحسين علیهما السلام فقال: والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق، إن علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، فقال: وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرؤ منا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء»(2).

ثانياً: اشارة إلى إنها لا تنال من حيث المنزلة والمكانة عند الله.

فلا يصل لمنزلة النبي والعترة أي مخلوق وهذا ما وضحته الكثير من الروایات، فلا يقاس بآل البيت أحد، هذا ما قاله أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه، فالله سبحانه وتعالى زادهم فضلا على العالمين، وقد شهد بذلك أعداؤهم.

قال العلامة الحلي: (لم يلحق أحد أمير المؤمنين علیه السلام في شرف النسب، کما قال علیه السلام:

«نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد»، قال الجاحظ: وهو من أعظم الناس

ص: 134


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 402
2- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار)، ص 45

عداوة لأمير المؤمنين علیه السلام: صدق علي في قوله:

«نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد»، كيف يقاس بقوم منهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ والأطيبان علي وفاطمة، والسبطان الحسن والحسين، والشهیدان حمزة، وذو الجناحين جعفر، وسيد الوادي عبد المطلب، وساقي الحجيج عباس، وحليم البطحاء أبو طالب؟، والنجدة والخيرة فيهم؟، والأنصار من نصرهم، والمهاجرون من هاجر إليهم ومعهم، والصديق من صدقهم، والفاروق من فرق الحق والباطل فيهم، والحواري حواریهم، وذو الشهادتين لأنه شهد لهم، ولا خير إلا فيهم، ولهم، ومنهم، وأبان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أهل بيته بقوله:

«إني تارك فيكم الخليفتين: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى أهل الأرض، وعترتي وأهل بيتي، نبأني اللطيف الخبير: أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»، ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر، لما طلب مصاهرة علي: إني سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول:

«كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فأما علي فلو أوردنا لأيامه الشريفة، ومقاماته الكريمة، ومناقبه السنية، لأفنينا في ذلك الطوامير الطوال، العرق صحيح، والمنشأ كريم، والشأن عظيم، والعمل جسيم، والعلم كثير، والبيان عجيب، واللسان خطيب، والصدر رحيب، وأخلاقه وفق أعراقه، وحديثه يشهد لقديمه»(1).

وقد تمني بعض الصحابة الذين ضلوا عن الحق ان تكون لهم منقبة من مناقب أمير المؤمنين علیه السلام، لكن الله شاء ان يرفع الحق ویزهق الباطل.

ص: 135


1- نهج الحق وكشف الصدق، العلامة الحلي، ص 253

وفي رواية توضح ان سبب طرد آدم من الجنة هو أنه علیه السلام تمنى أن يصل إلى منزلة النبي والعترة الطاهرة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، قال أبو عبد الله علیه السلام:

«... فلما أراد الله عز وجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما: إنكما إنما ظلمتها أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤکما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عز وجل إلى أرضه فسلا ربکما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما، فقالا، اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام إلا تبت علينا ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أممهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها وحملها الإنسان الذي قد عرف، فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة، وذلك قول الله عز وجل:

«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»(1).

هذه هي المكانة التي لا يصل لها ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا أي مخلوق، فقد رفعهم الله في أعلى عليين، وجعل الوصول إلى منزلتهم من المحال، وكل ذلك يعود إلى طاعتهم وقربهم منه تعالى.

إن أول مخلوق حسد محمداً وآل محمد لمنزلتهم ومكانتهم عند الله هو إبليس اللعين، والذي سبق علمه كل شيء عَلم أن من البشر من يحسد هؤلاء الأطهار

ص: 136


1- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص 108 - 110، البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 1، ص 183

کما حسدهم ابليس (عليه اللعنة)، لذا أقسم سبحانه أن يملأ جهنم من أعدائهم من الجن والإنس، وأن يجعل محبيهم في أعلى عليين.

ثالثاً: إشارة إلى انها لا تنال من حيث علو القدر.

فكم أرادوا أن يقللوا من قدر هذه العترة وبالخصوص سيد الأوصياء لكن الله سبحانه أعزه وأعز أبناءه (عليه وعليهم السلام)، وأذل أعداءهم، قال تعالى:

«وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ»(1).

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«أُولَئِكَ واللَّه الْأَقَلُّونَ عَدَداً والْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً»(2).

والسبب في تعظيمه سبحانه لعترة النبي هو أنهم علیهم السلام أطاعوه حق طاعته وعملوا بكتابه وضحوا لأجله فصار لهم هذا القدر العظيم والمكانة السامية. ولهذه المكانة حسدهم الناس على ما أتاهم الله من فضله.

عن ابن عباس: (أنه مر بمجلس من مجالس قریش وهم يسبون علي بن أبي طالب علیه السلام، فقال لقائده: ما يقول هؤلاء؟ قال: يسبون عليا، قال: قربني إليهم، فلا أن أوقف عليهم، قال: أيكم الساب الله؟ قالوا: سبحان الله! من يسب الله فقد أشرك بالله، قال: فأيكم الساب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قالوا: من يسب رسول الله فقد کفر، قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب؟ قالوا: قد كان ذلك، قال: فأشهد بالله وأشهد لله، لقد سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عز وجل، ثم مضى، فقال لقائده: فهل قالوا شيئا حين قلت لهم ما قلت؟ قال: ما قالوا شيئا، قال: كيف رأيت

ص: 137


1- المنافقون: 8
2- الحكمة: 147

وجوههم؟ قال:

نظروا إليك بأعين محمرة ٭٭٭ نظر التيوس إلى شفار الجازر قال: زدني فداك أبوك، قال:

خزر الحواجب، ناکسو أذقانهم ٭٭٭ نظر الذليل إلى العزيز القاهر قال: زدني فداك أبوك، قال: ما عندي غير هذا، قال: لكن عندي.

أحياؤهم خزي على أمواتهم ٭٭٭ والميتون فضيحة للغابر)(1).

لم يجد هؤلاء الأرجاس أي نقيصة في أمير المؤمنين علیه السلام لينتقصوه بها، لذا اضطروا إلى سبه وشتمه، وهذه من شيمهم، فقد تربوا على أساس خبیث. فبشتمهم ولي الله بانوا على حقيقتهم لأن السب ليس من شيم المسلم وكان أمير المؤمنين علیه السلام يوصي المقاتلين أن لا يسبوا القوم وهذه من أخلاقه علیه السلام فهو ذلك البطل الذي تربى بحجر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وتأدب بأدبه وقد شهد له المحب والعدو بأنه نفس محمد صلی الله علیه وآله وسلم.

ومن كلام له علیه السلام وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين قال لهم علیه السلام:

«إِنِّی أَکْرَه لَکُمْ أَنْ تَکُونُوا سَبَّابِینَ، ولَکِنَّکُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وذَکَرْتُمْ حَالَهُمْ، کَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وقُلْتُمْ مَکَانَ سَبِّکُمْ إِیَّاهُمْ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا ودِمَاءَهُمْ، وأَصْلِحْ ذَاتَ بَیْنِنَا وبَیْنِهِمْ واهْدِهِمْ مِنْ

ص: 138


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 158. وجاء في امالي الطوسي ص 86: (عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على أم سلمة زوجة النبي صلی الله علیه وآله وسلم فقالت: أيسب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فيكم؟ فقلت: معاذ الله! قالت: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول: من سب عليا فقد سبني)

ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّی یَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَه، ویَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ والْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِه»(1).

هذا هو منطق الإمام ومبدؤه الذي تربى عليه مذ كان طفلا بين احضان سید الخلق لذا زاده الله قدراً، ففي رواية إنّ أبا الهيثم بن التيهان قام خطيبا بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام، فقال: إنّ حسد قريش إيّاك على وجهين: أمّا خيارهم فتمنوا أن يكونوا مثلك منافسة في البلاء، وارتفاع الدّرجة، وأمّا شرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب، وأحبط الأعمال، وذلك أنّهم رأوا عليك نعمة قدّمها إليك الحظّ وأخّرهم عنها الحرمان، فلم يرضوا أن يلحقوا حتّى طلبوا أن يسبقوك، فبعدت والله عليهم الغاية، وقطعت المضمار، فلمّا تقدّمتهم بالسّبق وعجزوا عن اللحاق، بلغوا منك ما رأيت، وكنت والله أحق قریش بشکر قریش، نصرت نبيّهم حيّا وقضيت عنه الحقوق ميّتا، والله، بغيهم إلاّ على أنفسهم، ولا نكثوا إلاّ بيعة الله، يد الله فوق أيديهم (2).

المسألة الثالثة اعتدال اغصانها وتهدل ثمارها أولاً: قوله علیه السلام:

«أغصانها معتدلة».

اشار إلى عصمتهم علیهم السلام، فأغصان هذه الشجرة ليس فيها عوج أو زيغ أو ميل عن الحق، فمن تمسك بغصن من أغصان هذه الشجرة النبوية فقد اهتدی إلى الرشاد، والأغصان هم الأئمة من ذرية علي وفاطمة علیهما السلام الذي نص عليهم

ص: 139


1- نهج البلاغة، من كلام له (علیه السلام) قاله في صفین، ص 323
2- الأمالي، الشيخ المفيد، ص 155

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالعصمة والطهارة من الرجس.

قال السيد حبيب الله الخوئي عن قوله: (المراد بها الأغصان المعهودة أعني أهل بيت العصمة والطَّهارة فإنّ الجمع المضاف إنّما يفيد العموم حيث لا عهد، والقرينة على إرادة الخصوص هنا قائمة وهي قوله معتدلة فإنّ الظَّاهر أنّ المراد به اعتدالها في الكمالات النّفسانيّة وكونها مصونة من التفريط والافراط كما قال تعالى:

«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»، روی بريد العجلي في هذه الآية عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال:

«نحن الأمّة الوسط»، وفي رواية حمران عنه علیه السلام إنّما أنزل الله:

«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»، يعني عدلا «لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(1).

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«أنا سيد الأولين والآخرين، وأنت يا علي سيد الخلائق بعدي، وأولنا کآخرنا، وآخرنا كأولنا»(2).

فعلي نفس محمد صلی الله علیه وآله وسلم والمعصومون من ذريته علیهم السلام هم كذلك، وإلا لما قال «أولنا كأخرنا، وأخرنا كأولنا»، فهؤلاء الطيبون ورثوا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم العلم والحلم والحكمة والمعرفة وجميع الكمالات التي كانت متواجدة في شخص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، لذا اعتمد عليهم في قيادة الأئمة فهم الصراط المستقيم، قال

ص: 140


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 407
2- مائة منقبة، محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي (ابن شاذان)، ص 18

الإمام زين العابدین علیه السلام:

«نحن الصراط المستقيم»(1). وعن ابن عباس (رضي الله عنه قال: (دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فقلت: يا أبا الحسن أخبرني بما أوصى إليك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال: سأخبركم، إن الله اصطفى لكم الدين وارتضاه وأتم علیکم نعمته، وكنتم أحق بها وأهلها، وأن الله أوحى إلى نبيه أن يوصي إلي، فقال النبي صلی الله علیه وآله وسلم: يا علي احفظ وصيتي وارفع ذمامي وأوف بعهدي وأنجز عداتي [واقض ديني] وقومها وأحيي سنتي وادع إلى ملتي، لأن الله تعالى اصطفاني واختارني، فذكرت دعوة أخي موسى علیه السلام فقلت: اللهم اجعل لي وزيرا من أهلي کما جعلت هارون من موسی، فأوحى الله عز وجل إليّ أن عليا وزیرك وناصرك والخليفة من بعدك، ثم یا علي أنت من أئمة الهدى وأولادك منك، فأنتم قادة الهدى والتقى والشجرة التي أنا أصلها وأنتم فرعها، فمن تمسك بها فقد نجا ومن تخلف عنها فقد هلك وهوى، وأنتم الذين أوجب الله تعالى مودتكم وولايتكم والذين ذكرهم الله في كتابه ووصفهم لعباده، فقال عز وجل من قائل:

«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ٭ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2)، فأنتم صفوة الله من آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران، وأنتم الاسرة من إسماعيل والعترة الهادية من محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)(3).

ص: 141


1- میزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 2، ص 1609
2- آل عمران: 33 - 34
3- تفسیر کنز الدقائق، الميرزا محمد المشهدي، ج 3، ص 73

ثانياً: قوله علیه السلام:

«وثمارها متهدّلة».

قال الشيخ محمد جواد مغنية: معنى (ثمارها متهدّلة) كناية عن العلم والهداية، والخلق والاستقامة(1).

فهذه الشجرة لا تمنع الناس من كرمها، قال تعالى:

«كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ٭ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ»(2).

قوله تعالى:

«كُلَّ حِينٍ»، أي انها معطاة بلا انقطاع ولا فتور، فعن سلام بن المستنير قال سئلت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله تعالى:

«كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»، فقال الشجرة رسول الله، نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة علي وعنصر الشجرة فاطمة وأغصانها الأئمة وورقها الشيعة، وإن الرجل منهم ليموت فتسقط منها ورقة وإن المولود منهم ليولد فتورق ورقة، قال قلت له جعلت فداك قوله تعالى:

«تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»، قال هو ما يخرج من الامام من الحلال والحرام في كل سنة إلى شيعته)(3).

ص: 142


1- في ظلال نهج البلاغة، ج 2، ص 441
2- ابراهیم: 24 - 25
3- بصائر الدرجات، ص 79

فمن أراد العلم فهم أهله ولم يقتصر عطاؤهم على العلم فقط، بل يأتي من باب کرمهم أيضا وجودهم.

روي عن أبي الحسن موسی علیه السلام قال:

«السخي الحسن الخلق في كنف الله لا يستخلي الله منه حتى يدخله الجنة، وما بعث الله عز وجل نبيا ولا وصيا إلا سخيا وما كان أحد من الصالحين إلا سخيا وما زال أبي يوصيني بالسخاء حتى مضى»(1).

والسخاء شجرة في الجنة من تعلق بغصن منها دخل الجنة(2)، وأكثر الناس إيمانا أبسطهم كفا، لذا صار الاختيار لهؤلاء الأطهار فهم أشبه الناس خلقا ومنطقا ووصفاً بالنبي.

قال أنس: (جاءت جارية للحسن علیه السلام بطاق ريحان، فقال لها: أنت حرة لوجه الله، فقيل له في ذلك، فقال علیه السلام: أدبنا الله تعالى فقال:

«وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا» وكان أحسن منها إعتاقها)(3).

وروي أنه (وجد على ظهر الحسين علیه السلام يوم الطف أثر فسألوا زين العابدین علیه السلام عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامی والمساكين، وعلّم عبد الرحمن السلمى ولدا للحسين علیه السلام الحمد فلما قرأها على

ص: 143


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 4، ص 39، ح 4
2- ينظر وسائل الشيعة، ج 21، ص 545. عن الإمام أبي الحسن علیه السلام
3- الميزان، السيد الطبطبائي، ج 5، ص 35" وجاء مثله عن الإمام الحسين انه (دخلت على الحسين (عليه السلام) جارية فحيته بطاقة ريحان فقال لها أنت حرة لوجه الله تعالى فقيل له تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها قال كذا أدبنا الله قال الله تعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا» وكان أحسن منها عتقها)، لواعج الأشجان، السيد محسن الامين، ص 16

أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلة وحشا فاه درا فقيل له في ذلك فقال وأين يقع هذا من عطائه يعني تعليمه وأنشد الحسين علیه السلام:

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها ٭٭٭ على الناس طرا قبل ان تتفلت فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ٭٭٭ ولا البخل يبقيها إذا ما تولت)(1).

وقد ذكر سبحانه وتعالى هذه الشجرة المباركة في كتابه الكريم لكرمها فهي مختلفة في عطائها، اذ أنها جمعت أكرم الناس وأجود الناس وأبسط الناس كفا، الذين ينفقون في السراء والضراء وقد حکی سبحانه وتعالى عنهم في كتابه الكريم بقوله:

«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»(2).

ص: 144


1- لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين، ص 15
2- الإنسان: 8

نتائج البحث

الحمد لله الذي جعل مستقر نبيه وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) في خير مستقر ومنبتهم أشرف منبت وجعلهم يتقلبون بين الساجدين والعابدين حتى أخرجهم من أطهر الأصلاب وأشرف الأرحام..

أما بعد...

فتبين من خلال هذا البحث عدة نتائج منها:

أولاً: النبوة شجرة جذورها الأنبياء وساقها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفروعها الأئمة وثمارها العلم وأوراقها شيعتهم.

ثانياً: لو كان في آباء النبي صلی الله علیه وآله وسلم مشرك واحد لما قال تعالى لنبيه في قوله تعالى:

«وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ»، فهذه الآية تنفي وجود أي مشرك في آباء النبي صلی الله علیه وآله وسلم، ونثبت بهذه الآية ان آزر ليس والد نبينا ابراهيم علیه السلام.

ثالثاً: کشف البحث ان بني امية لصقاء على بني هاشم، وانهم ليسوا قریشیي الأصل بل هم من اصول رومية.

رابعاً: إن كل ما ترتب على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من طهر وأصالة في الحسب والنسب كل هذه الكرامات قد حازها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وذريتهم المعصومين علیهم السلام فهم من سلالة واحدة وأصل واحد.

خامساً: ان طيب الولادة أول نعم الله وأعظمها، فإن أحب الله عبداً جعله في خير مستقر وخير مستودع.

ص: 145

سادساً: إن الله سبحانه ذكر هذه الشجرة النبوية في كتابه الكريم ومدحها إذا انها تحوي الخير الكثير، كذلك ذکر سبحانه شجرة بني امية في القرآن وقد ذمها ولعنها لما تحوي هذه الشجرة من خبث، فهذه الشجرة ليس لها اصل ولا قرار.

سابعاً: كان اختياره وتفضيله (صلوات الله وسلامه عليه من قبله تعالى قبل ان يخلق آدم والسماوات والأرضين بآلاف السنين كذلك نال أهل بيته هذه الخصوصية.

ثامناً: إن الفروع والأغصان المعتدلة التي أشار اليها أمير المؤمنين عليه السلام هم أهل بيت النبي وعترته (صلوات الله عليهم أجمعين) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

تاسعاً: ليس كل من نسب إلى هذه الشجرة كان من المصطفين وقد بين الله سبحانه لنبيه ابراهيم ذلك وقد حکی سبحانه عن ذلك بقوله:

«قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(1).

فمن هذه الذرية ظالم لنفسه لذا وقع الاصطفاء على هؤلاء الأطهار الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ص: 146


1- البقرة: 124

المصادر

ص: 147

ص: 148

المصادر

القرآن الكريم 1. الاختصاص، الشيخ المفيد، (الوفاة: 413)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414 - 1993 م، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

2. اختيار مصباح السالكين، ابن میثم البحراني، (الوفاة: 679)، تحقيق وتقديم وتعليق: الدكتور شیخ محمد هادي الأميني، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1408 - 1366 ش، المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدسة، الناشر: مجمع البحوث الاسلامية ص. ب 3663 - 91375 - مشهد - ایران.

3. أساس البلاغة، الزمخشري، (الوفاة: 538)، سنة الطبع: 1960، دار ومطابع الشعب - القاهرة.

4. الأمالي، الشيخ الطوسي، (الوفاة: 460)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1414، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم.

5. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مکارم الشيرازي.

6. بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار)، (الوفاة: 290)، تصحیح وتعليق وتقديم: الحاج میرزا حسن کوچه باغي، سنة الطبع: 1404 - 1362 ش، المطبعة: مطبعة الأحمدي - طهران، الناشر: منشورات الأعلمي - طهران.

7. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، محمد تقي التستري، الطبعة الأولى، 1432 - 2011، مؤسسة التاريخ العربي، لبنان.

8. تاج العروس، الزبيدي، (الوفاة: 1205)، تحقيق: علي شيري، سنة الطبع: 1414

ص: 149

- 1994 م، المطبعة: دار الفكر - بيروت الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.

9. تاریخ بغداد، الخطيب البغدادي، (الوفاة: 463)، تحقيق: دراسة وتحقيق: مصطفی عبد القادر عطا، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1417 - 1997 م، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

10. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، (الوفاة: 571)، سنة الطبع: 1415، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

11. التفسير الأصفى، الفيض الكاشاني، (الوفاة: 1091)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1418 - 1376 ش، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

12. بحار الأنوار العلامة المجلسي، تحقيق: الشيخ عبد الزهراء العلوي الطبعة: سنة الطبع: 1403 - 1983 المطبعة: الناشر: دار الرضا - بيروت - لبنان.

13. تفسير الرازي: فخر الدين الرازي، (الوفاة: 606)، الطبعة: الثالثة.

14. التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، (الوفاة: 1091)، صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الأعلمي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: رمضان 1416 - 1374 ش، المطبعة: مؤسسة الهادي - قم المقدسة.

15. تفسير العیاشی، محمد بن مسعود العياشي، (الوفاة: 320)، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الناشر: المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.

16. تفسير جوامع الجامع، الشيخ الطبرسي، (الوفاة: 548)، حقیق: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1418، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

17. التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، (الوفاة: 1400)، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: آذار (مارس) 1981، المطبعة: الناشر: دار العلم للملايين - بيروت -

ص: 150

لبنان، ملاحظات: دار العلم للملايين ص. ب: 1085 - بيروت - تلکس: 23199 - لبنان.

18. تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، (الوفاة: 310)، تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1403 - 1983 م، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت - لبنان.

19. تفسير الميزان، السيد الطبطبائي، (الوفاة 1402)، مؤسسة النشر الاسلامي جماعة المدرسین بقم المشرفة.

20. تفسير فرات الكوفي، فرات بن إبراهيم الكوفي، (الوفاة: 352)، تحقيق: محمد الكاظم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1410 - 1990 م، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - طهران.

21. تفسیر کنز الدقائق وبحر الغرائب، الشيخ محمد بن محمد رضا القمي المشهدي، (الوفاة: 1125)، تحقيق: حسين درگاهي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1407 - 1366 ه. ش، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي.

22. تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، (الوفاة: 548)، تحقیق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1415 - 1995 م، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت - لبنان.

23. تفسير مقتنيات الدرر، میر سید علي الحائري الطهراني (المفسر) (الوفاة: 1353)، سنة الطبع: 1337 ش، المطبعة: الحيدري بطهران، الناشر: الشيخ محمد الآخوندي مدیر دار الكتب الإسلامية.

24. تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، (الوفاة: 1112)، تصحیح وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1412 - 1370، مؤسسة إسماعيليان.

25. توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (الوفاة: 1422)، الناشر: دار تراث الشيعة - طهران - ایران.

ص: 151

26. جمهرة الأمثال، أبي هلال العسكري، (الوفاة: 395)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم - عبد المجيد قطامش، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: صفر 1384 - يونيه 1964، الناشر: دار الجيل - بيروت - لبنان.

27. تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، (الوفاة : 284)، الناشر: دار صادر - بيروت - لبنان.

28. الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، (الوفاة: 1186)، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

29. الخصال: الشيخ الصدوق، (الوفاة: 381)، تصحیح وتعليق: علي أكبر الغفاري، سنة الطبع: 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

30. خصائص الوحي المبين، ابن بطريق، (الوفاة: 600)، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1417، الناشر: دار القرآن الكريم.

31. تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، الوفاة: نحو (329)، تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: صفر 1404، الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم - ایران.

32. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، (الوفاة: 911)، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.

33. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، (الوفاة: 363)، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، الطبعة: سنة الطبع: 1383 - 1963 م، الناشر: دار المعارف - القاهرة.

34. دلائل النبوة: إسماعيل الأصبهاني، (الوفاة: 535)، تحقيق: أبو عبد الرحمن مساعد بن سليمان الراشد الحميد، الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع.

35. روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الناشر: منشورات الشريف الرضي - قم.

ص: 152

36. السيرة النبوية، ابن هشام الحميري، (الوفاة: 218)، تحقيق وضبط وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد، سنة الطبع: 1383 - 1963 م، المطبعة: المدني - القاهرة، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده - بمصر.

37. شرح أصول الكافي: مولي محمد صالح المازندراني، الوفاة: 1081، تحقيق: مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني / ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1421 - 2000 م، المطبعة: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

38. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، (الوفاة: 656)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1378 - 1959 م، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه.

39. صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، (الوفاة : 261)، الناشر: دار الفكر - بيروت - لبنان.

40. صفات الشيعة، الشيخ الصدوق، (الوفاة: 381)، المطبعة: كانون انتشارات عابدي - تهران، الناشر: کانون انتشارات عابدي - تهران.

41. جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، (الوفاة: 1383)، سنة الطبع: 1399 المطبعة: المطبعة العلمية - قم.

42. البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، (الوفاة: 1107)، تحقيق: قسم الدراسات الاسلامية، مؤسسة البعثة - قم.

43. الطبقات الکبری، ابن سعد، (الوفاة : 230)، المطبعة: دار صادر - بيروت.

44. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبیب الله الهاشمي الخوئي، (الوفاة: 1324)، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، الطبعة: الرابعة، المطبعة: مطبعة الاسلامية بطهران.

45. الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام): السيد جعفر مرتضى العاملي،

ص: 153

الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1430 - 1388، المطبعة: دفتر تبلیغات اسلامي.

46. علل الشرائع، الشيخ الصدوق، (الوفاة: 381)، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، سنة الطبع: 1385 - 1966 م، الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف.

47. عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق، (الوفاة: 381)، تصحیح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، سنة الطبع: 1404 - 1984 م، المطبعة: مطابع مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.

48. الغارات، إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي، (الوفاة: 283)، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث.

49. الفصول المختارة، الشيخ المفيد، الوفاة: 413)، تحقيق: السيد نور الدین جعفریان الاصبهاني، الشيخ يعقوب الجعفري، الشيخ محسن الأحمدي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414 - 1993 م، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

50. زينب الكبري، الشيخ جعفر النقدي، الناشر: منشورات مكتبة المفيد.

51. الفضائل، شاذان بن جبرئیل القمي (ابن شاذان)، الوفاة : نحو 660، سنة الطبع: 1381 - 1962 م، المطبعة: الحيدرية - النجف الأشرف، الناشر: منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها - النجف الأشرف.

52. في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية، (الوفاة: 1400)، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1427 ه، المطبعة: مطبعة ستار، الناشر: انتشارات كلمة الحق.

53. القاموس المحيط، الفيروز آبادي، (الوفاة: 817)، 54. قصص الأنبياء، قطب الدين الراوندي، (الوفاة: 573)، تحقيق: الميرزا غلام رضا عرفانیان اليزدي الخراساني، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1418 - 1376،

ص: 154

مؤسسة الهادي.

55. الكافي، الشيخ الكليني، (الوفاة : 329)، تصحیح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة: الخامسة، سنة الطبع: 1363 ش المطبعة: حيدري: دار الكتب الإسلامية - طهران.

56. كتاب الأربعين، محمد طاهر القمي الشيرازي، (الوفاة: 1098)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1418، المطبعة: أمير.

57. كفاية الأثر، الخزاز القمي، (الوفاة: 400)، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، سنة الطبع: 1401، المطبعة: الخيام - قم.

58. کمال الدین وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، (الوفاة: 381)، تصحیح وتعليق: علي أكبر الغفاري، سنة الطبع: محرم الحرام 1405 - 1363 ش، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

59. کنز العمال، المتقي الهندي، (الوفاة: 975)، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، سنة الطبع: 1409 - 1989 م، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان.

60. الأمالي، الشيخ المفيد، الوفاة: 413)، تحقيق: حسين الأستاد ولي، علي أكبر الغفاري، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414 - 1993 م، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

61. لسان العرب، ابن منظور (الوفاة : 711)، سنة الطبع: محرم 1405، الناشر: نشر أدب الحوزة.

62. الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)، السيد جعفر مرتضى العاملي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1430 - 1388، المطبعة: دفتر تبلیغات اسلامي، الناشر: ولاء المنتظر (عجل الله فرجه).

63. لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين، (الوفاة: 1371)، سنة الطبع: 1331،

ص: 155

مطبعة العرفان - صيدا، الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم.

64. مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، (الوفاة: 1085)، الطبعة: الثانية سنة الطبع: شهریور ماه 1362 ش.

65. المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، الفيض الكاشاني، الوفاة: 1091، تحقيق: صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري، الطبعة: الثانية، المطبعة: مهر - قم.

66. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، العلامة المجلسي، (الوفاة: 1111)، قدّم له: العلم الحجّة السيّد مرتضى العسكري - إخراج ومقابلة وتصحيح السيد هاشم الرّسولي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1404 - 1363 ش، الناشر: دار الكتب الإسلامية.

67. سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامی، (الوفاة: 942)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1414 - 1993 م، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

68. المسترشد، محمد بن جرير الطبري (الشيعي)، (الوفاة: ق 4)، تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي، الطبعة: الأولى المحققة، سنة الطبع: 1415، المطبعة: سلمان الفارسي - قم، الناشر: مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور.

69. مسند أحمد: الإمام أحمد بن حنبل، (الوفاة: 241)، الناشر: دار صادر - بيروت - لبنان.

70. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، علي الطبرسي، (الوفاة: ق 7) تحقیق: مهدي هوشمند، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1418، المطبعة: دار الحديث.

71. معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، (الوفاة: 381)، تصحیح وتعليق: علي أكبر الغفاري، سنة الطبع: 1379 - 1338 ش، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

72. معجم مقاییس اللغة، أحمد بن فارس بن زکریا (ابن فارس) (الوفاة: 395)،

ص: 156

تحقيق: عبد السلام محمد هارون، سنة الطبع: 1404، الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي.

73. مفاتیح الجنان (عربي)، الشيخ عباس القمي (مترجم: نجفي)، (الوفاة: 135)، تحقيق: تعريب: السيد محمد رضا النوري النجفي، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع:

1385 ش - 2006 م، المطبعة: البعثة - قم، الناشر: مكتبة العزيزي - قم.

74. مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب، (الوفاة: 588)، تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الطبعة: سنة الطبع: 1376 - 1956 م، المطبعة: الحيدرية - النجف الأشرف الناشر: المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف.

75. مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): ابن المغازلي، (الوفاة: 483)، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1426 - 1384 ش، المطبعة: سبحان، الناشر: انتشارات سبط النبي (صلى الله عليه وآله).

76. میزان الحکمة، محمد الريشهري، تحقيق: دار الحديث، الطبعة: الأولى، الناشر: دار الحديث.

77. النزاع والتخاصم، المقريزي، (الوفاة : 845) تحقيق: السيد علي عاشور.

78. إلزام النواصب، الشيخ مفلح بن الحسن الصيمري البحراني (ابن صلاح البحراني) (الوفاة: ق 9)، تحقيق: الشيخ عبد الرضا النجفي، الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1420.

79. نفحات الولاية، آية الله الشيخ ناصر مکارم الشيرازي، بمساعدة مجموعة من الفضلاء اعداد: عبد الرحيم الحمداني، الطبعة الثانية: 1430 - 2009، الناشر: دار الجواد، بیروت لبنان.

80. نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام): ما أختاره وجمعه الشريف الرضي، ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: الدكتور صبحي صالح، الطبعة: الأولى، سنة الطبع : 1387 - 1967 م.

ص: 157

81. الأمالي، الشيخ الصدوق، (الوفاة: 381)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1417 الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة.

82. نهج الحق وكشف الصدق، العلامة الحلي، (الوفاة: 726)، تقديم: السيد رضا الصدر، تعليق: الشيخ عين الله الحسني الأرموي، سنة الطبع: ذي الحجة 1421، المطبعة: ستارة - قم الناشر: مؤسسة الطباعة والنشر دار الهجرة - قم.

83. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، الشيخ المحمودي، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت - لبنان.

84. الوافي، الفيض الكاشاني، (الوفاة: 1091) تحقیق: عني بالتحقيق والتصحيح والتعليق عليه والمقابلة مع الأصل ضياء الدين الحسيني «العلامة» الأصفهاني الطبعة: الأولى، الناشر: مكتبة الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) العامة - أصفهان.

85. الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، (الوفاة: 573)، المجموعة: مصادر الحديث الشيعية - القسم العام، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)، بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطحي، الطبعة: الأولى، كاملة محققة، سنة الطبع: ذي الحجة 1409، المطبعة: العلمية - قم، الناشر: مؤسسة الإمام المهدي - قم المقدسة.

86. وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي (الوفاة: 1104)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414 المطبعة: مهر - قم الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث بقم المشرفة.

ص: 158

المحتويات

الموضوع الصفحة

مقدمة المؤسسة...5

المقدمة...7

التمهيد...11

الفصل الأول: طهارة أصل الشجرة...23

المبحث الأول: (مستقره ومنبته (صلوات الله وسلامه عليه))...23

المبحث الثاني: شجرة النبي (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين))...44

الفصل الثاني: اختياره من شجرة النبوة...69

المبحث الأولى: سبب اختياره وتفضيله على سائر الرسل...69

المبحث الثاني: خير البرية طفلاً وکهلاً وأجود أهل الأرض...86

الفصل الثالث: أغصان الشجرة النبوية...107

المبحث الأول: عترة النبي محمد صلی الله علیه وآله...107

المبحث الثاني: خصائص الشجرة النبوية...124

نتائج البحث...145

المصادر...149

ص: 159

الحمدلله

ص: 160

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.