الأمثال
في نهج البلاغة
مصورات حسين الخزاعي
لعام 2013م
مُحَمَّد العروي
ص: 1
الطبعة الأولى
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
1401م
النّاشر
انتشارات فيروز آبادي
قم
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد خاتم النبيين، و وصيّه علىّ أمير المؤمنين، و آلهما المعصومين.
سبقت دراسة موضوعيّة منّا حول الأمثال المرويّة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ونحن إذ ندرس (الأمثال في نهج البلاغة) تخصّص الموضوع هنا من معطياتها السائرة و نترك التفصيل إلى كتاب (الأمثال العلوية).
شهر رمضان المبارك 1400 ه_. قم المقدسة.
محمد الغروى
ص: 3
تنقسم الأمثال إلى مثل سائر، و مثل قياسي، و السائر ما قالت العرب في مناسبات ثم جرى على الألسن يتمثّل يتمثل به إذا وجد شر يشارك تلك المناسبات، و القياسى هو تصوير يخلقه المصوّر لتوضيح فكرة عن طريق تشبيه يسمّيه البلاغيّون (التمثيل المركب) أو إبدا يجمع بذلك بين جمال التصوير و ما ينشده المتمثّل من أغراض.
بوسعنا أن نصنّف الأمثال في نهج البلاغة إلى قرآنيّة، و سائ_ وقيّاسية، و إلى نثريّة وشعريّة، و إلى جاهليّة وإسلاميّة و مخضرم و الى سواها من صنوف.
فوائد الأمثال قد استوفينا الكثير منها فى مقدّمة (الأمثل النبوية) و (البصائر) و كذلك تعاريف القوم لها فلا نعيد.
ثم الكتب المؤلّفة في (الأمثال العلوية) و (الأمثال في نهج البلاغة) منها كما يلى: 100 حكمة و مثل غرر الحكم و درر الكلم للآمدی حکم ابن دريد، أمثال منسوبة الى الجاحظ حكم الامام علی (مجلة المشرق ج 5 - بيروت) شذرات الأدب للشيخ الرئيس، نثر اللالى (مجموعة ثانية من فلايشر) كلمات على بن أبي طالب شرح الش محمد عبده، أقوال أمير المؤمنين على بخاری، صد كلمة مولای متقیان ترجمه روليم يول إلى الإنكليزية، ألف كلمة مجردة من شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة و بغية الوقوف على مخطوطات و مطبوعات هذه المؤلفات يرجع إلى الجزء الأول من (تاريخ الأدب العربي) تأليف بروكلمان تحت عنوان (أمثال سيدنا على) كما في رسالة الإس_ عدد 7 - 8 (1388ه_) الأزهر 1968م.
ص: 4
فى كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام آيات قرآنيّة مثليّة من نوع ما اصطلح عليه ب_ (الأمثال المكنيّة) توفّرت فيها الشروط التي وضعها أرسطو لتحديد (المثل) من الإيجاز، وإصابة الغرض وغيرهما من شروط (1) وقد وجد في كلامه عليه السلام نیف و عشرون موضعا تمثل بآية قرآنية و مزجها مزجا متناسبا بين أبعاضه إذا نظر من لا يعلم الوحى يحسبها منه، فأنظر إلى قوله عليه السلام:
( ... فان ترتفع عنا وعنهم محن البلوى أحملهم من الحق على محضه، و إن تكن الأخرى|)
(فلا تذهب نفسك حسرات عليهم إنّ الله عليم بما يصنعون (2) (3) و هكذا في كلام أهل البيت عليهم السلام: وما عشت أراك الدهر عجبا *** وإن تعجب فعجب قولهم (4)
ليت شعري إلى أىّ إسناد استندوا *** وعلى أيّ عماد اعتمدوا ...
لبئس المولى، ولبئس العشير (5) و بئس للظالمين بد لا) (6) (7)
و فى ذلك بلاغ و أداء للرسالة، و إلفات للأنظار أنّ القرآن الكريم هو المصدر لكلّ بیان و شاهد صدق عليه، (ومن أصدق من الله قيلا) (8) وأنه أحسن الحديث، (الله نزّل أحسن الحديث كتابا) (9)
ص: 5
و نحن نذکر خمس آيات من نيف و عشرون مقتصرین علی بیان بعض وجهات النظر منها و بعدها نأتى على نبذة من أمثال سائرة، و غير سائرة، إنشاء الله تعالى.
ص: 6
1-عفا الله عما سلف (1)
و قبلها: (يا أيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد و أنتم حرم و من قتله منكم متعمّدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفّارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق و بال أمره ...).
ختم الأمام على عليه السلام بها خطبة له أوّلها (لا يشغله شأن و لا يغيّره زمان ... و لو أنّ الناس حين تنزل بهم النقم و تزول عنهم النعم فزعوا إلى ربّهم بصدق من نیّاتهم و وله من قلوبهم الردّ عليهم كلّ شارد، و أصلح لهم كلّ فاسد ... و لئن ردّ عليكم أمركم إنّكم لسعداء وما علّى الا الجهد و لو أشاء أن أقول قلت عفا اللّه عمّا سلف.) (2)
تمثّل بالآية عليه السلام الدالّة على سعة عفوه تعالى عما يزاوله الناس من ظلم أنفسهم و معصيته على ما صدر من أصحابه من خلاف عليه إن عادوا عن غيّهم فإنّ اللّه عفّو عما سلف من ذلك و أنّ العباد اذا تابوا لرّد عليهم كلّ مافات منهم و لسعدوا برجوعهم إلى الله تعالى و كذلك أصحابه يشير إلى عفوه عليه السلام عما سلف منهم لأنّ عفوه من عفوا الله تعالی.
زعم بعض: أنّه عليه السلام يريد العفو عمّن منعه الخلافة بتمثلّه بالآية (3) و هو مردود لأنّ الخلافة منصب الهىّ ليس من قبيل الحق
ص: 7
القابل للاسقاط و العفو بل من نوع الحكم غير القابل لذلك على أنّ العفوا عما سلف له شرط هو عدم الإصرار على العصيان و عدم العود إليه لقوله تعالى (و من عاد فينتقم الله منه) (1) (إن ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف) (2) (فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف) (3) إذ مع الإصرار لم ينفع الاستغفار و لا وجه له شرعا و عقلا و من المعلوم أنّ غصب الخلافة قد كان من أشدّ التعمّد من غير ندم منهم.
ص: 8
و قبلها: (و أمطرنا عليهم حجارة من سجّيل منضود، مسوّمة عند ربّك)، نزلت في قوم لوط لأجل عمل اللواط أمطرت عليهم حجارة سجّيل وهو طين متحجّر معرّب من (سنگ گل) عذاب کلّ لائط بل كلّ ظالم هو معرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة (1).
تمثّل بها الإمام عليه السلام و طبّقها على معاوية و عشيرته من أخيه و خاله وجدّه وأبيه و من حذا حذوه في كتاب له و هو من محاسن 2- وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (2).
الكتب جوابا لكتاب المعوية:
( ... و أنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار و التابعين لهم بإحسان شدید زحامهم ساطع قتامهم متسربلین سرابيل الموت أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم وقد صحبهم ذرّية بدرّية سيوف هاشمّية و قد عرفت مواقع نصالها فى أخيك و خالك و جدّك و أهلك و ماهى من الظالمين ببعيد) (3)
و معاوية رأس الظلم والطغيان وكذا كلّ من ينتسب إليه.
و الإمام عليه السلام إذ تمثّل بالآية لهؤلاء الظالمين معاوية و أذنابه أعاد الضمير فيها أى ضمير (وهى) إلى السيوف الهاشّمية المذكورة في كلامه عليه السلام و في الآية عائدة إلى الحجارة وهي مضرب التمثيل الذى يقصده فإرجاع الضمير و إن كان في الآية إلى الحجارة و
ص: 9
و فى كلامه عليه السلام و إلى السيوف الهاشّمية لكن يشترك فيهما كلّ ظالم مهما كان نوعه و هما عذاب و نقمة للظالمين بأسرهم و لك أن تتمثّل بالآية فى غير الحجارة و السيف اذا أصبت ما تقصده شأن المثل أينما حلّ و نزل مع رعاية الناحية المشتركة بين مورة و ما من أجله مثلّ.
ص: 10
3 - وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (1)
و قبلها (إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم و لو سمعوا ما استجابوا لكم و يوم القيمة يكفرون بشرككم)، أى ولا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير به أخبرك وهو الله سبحانه فأنّه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين، و المراد به الإخبار عن حال آلهتهم و نفى ما يدّعون (2).
و طبّقها الإمام عليه السلام فى آخر كلام له على نفسه الشّريفة و أنّه الخبير المخبر أصحابه و غيرهم من أىّ أنسان غافل بحالات ترد عليهم و ما يئول إليه الأمر حيث قال عليه السلام: ... فأفق أيّها السّامع من سكرتك ... وضع فخرك و احطط كبرك، و اذكر قبرك فانّ عليه ممرّك و كما تدين تدان، و كما تزرع تحصد ... فالحذر الحذر أيها المستمع و الجدّ الجدّ أيها الغافل. و لا ينبئك مثل خبير) (3) و مثل الآية قولهم: (على الخبير سقطت).
سأل حارثة بن عبد العزيز العامري مالك بن حتى العامرى وكانت بینهما منافرة عن أول من قرعت له العصا فقال: (على الحبير سقطت و بالحليم أحطت) و هو أول من قاله ويسأل الحسين بن على عليه_ما السلام الفرزدق عن أهل الكوفة فقال (على الخبير سقطت قلوب النّاس معك و أسبافهم مع بني أميّة ... و الأمر ينزل بعد الأمر من السماء). يضرب للعالم بالأمر قال ربيعة الأسدى.
ص: 11
وسائلة تنسانا عن أبيها *** فقلت لها وقعت على الخبیر
رأيت أباك و قد أطلى ومالت *** عليه القشعمان من النسر (1)
و الآية فيها من البلاغة مالا يملكها المثل السائر و كذا سائرفات الأمثال القرآنية.
ص: 12
4- وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (1)
تمثل عليه السلام بها في آخر خطبه له في ذمّ أهل العراق: يا أهل العراق فإنما أنتم كالمرئة الحامل فلمّا أتمّت أملصت ... و قد بلغنى أنكم تقولون: على يكذب قاتلكم الله فعلى من أكذب أعلى الله فأنا أول من آمن به ... كلّا والله ولكنّها لهجه غبتم عنها. و لم تكونوا من أهلها ويل أمّه (2) كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء ولتعلمن نبأه بعد حين) (3).
تهديدا لهم بما يصيبهم من بنى أميّه و الحجاج وأضراب هؤلاء من ظلم و تقتيل حيث استحقوا ذلك من جرّاء خلافهم على الإمام عليه السلام فضرب لهم مثلا بالمرئة الحامل و قد تم شهورها و أوشكت أن تضع أجهضت نفسها فسقط الجنين ميتا و كذلك حالهم لعدم استقامتهم على دين الإسلام كيف وهم يحملون لإمامهم العداء و فحش القول حتى نسبوا اليه الكذب و البهتان.
يقول عليه السلام لهم كيف أكون كاذبا و أنا أوّل من آمن بالله و الرسول (ص) و لكنّكم يا أهل العراق أنتم غبتم عن اللهجة الصادقه و فقد تموها فنسبتم ذلك إلى وإنّما كلت لكم المعارف و مكارم الأخلاق كيلا بلا عوض لا أطلب عليها أجرا لو كان لها وعاء من صدور نقيّه و قلوب طاهرة و ستعلمون نبأ كل ذلك و جزاء عملكم تجاه ما عانیت أمر محتّم و من المناسبة الشديدة لما هو عليه عليه السلام ماجاء قبل
ص: 13
الآية: قل لا أسئلكم عليه من أجر و ما أنا من المتكلّفين. إن هو إلا ذكر للعالمين)، قد شابهت حاله الإمام النبي (ص) مع القوم تماما.
ص: 14
5 - إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ (1)
تمثلّ بها الإمام عليه السلام لمن اعتبر من خلق السماوات والأرض و خشی من الله تعالى في خطبة له بهذا الصدد:
(و كان من اقتدار جبروته، و بدیع لطائف صنعه أن جعل من ماء البحر الزاخر المتراكم المتقاصف يبسا جامدا ثم فطر منه أطباقا ففتقها سبع سموات بعد ارتقاقها ... فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها، و أحمد بعد رطوبة أكنافها ... إنّ في ذلك لعبرة لمن یخشی. (2)
و الآية نزلت في فرعون و من شاكله في دعواه الباطلة حيث حكى عنه (فقال أنا ربّكم الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى) (3)
و من ذلك يظهر وجه الفرق لمورد الآية و ما يقصده الإمام عليه السلام و لكنّ الذى يجمع بينهما الناحية المشتركة المسبّبة لخشية المعتبر إذا نظر بعين الاعتبار إلى فرعون و ما حلّ به من النكال خاف أن يكون كما كان كما أنه لو تفكّر فى هذا الصنع العجيب الذي تحار فيه العقول و هو إيجاد السماوات والأرض من الماء الذي جعل كلّ شئ حىّ منه أتته الخشية الموجبة للقيام بالعبوديّة له تعالى فالمشار إليه بكلمة (ذلك) فى الآية شيء و في كلام الإمام عليه السلام شيء و الجامع بينهما إيراث الخوف و الخشية و هو الغرض من التمثيل بالآية كما أنّ الاعتبار بهذا أو بذاك و التفكير فيهما العلة المشتركة في تحقيق
ص: 15
الغرض المنشود و من هنا ساع التمثيل للجميع إذا روعيت العلّة المحققة للغرض في ذلك.
ص: 16
الأَمثالُ السائرةُ، وَغَير السّائِرة
المُوزَّعَة
عَلى أَبوابِ الحُروُفِ
ص: 17
ص: 18
الهمزة مع الألف
1- اخِرُ الدَّوَاءِ الكَلیُّ (1)
تمثلّ به عليه السلام فى كتاب له جوابا لقوم سألوه عقاب من أجلب على عثمان بعد ما بويع، (يا إخوتاه إنّى لست أجهل ما تعلمون ... و سأمسك الأمر ما استمسك و إذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكيّ).
لأنه إنّما يقدم عليه بعد أن لا ينفع كلّ دواء أى إذا أعضل و أبى قبول كلّ دواء حسم بالكىّ (2) وقيل (آخر الداء الكيّ) وردّ أنّه من غلط العامّه إذ الكىّ ليس من الداء ليكون آخره، قيل أوّل من قال المثل لقمان بن عاد في قصّة امرأة غازلت رجلا تزعمه أخاها حتى لقى لقمان زوجها اسمه هانیء یسوق إبله و يقول:
روحى إلى الحيّ فإنّ نفسى *** رهينة فيهم بخیر عرس
حسّانة المقلة ذات أنس *** لا يشترى اليوم لها بأمس
فهتف به لقمان یاهانیء و قال:
ياذا البجاد (3) الحلكة (4) و الزوجة المشتركة
عشّ رويدا إبلكه *** لست لمن ليس لكه
قال هانیء نور نور لله أبوك قال لقمان علىّ التنوير و عليك التغيير مررت بها تغازل رجلا زعمته أخاها قال فما الرأى قال أن تقلب الظهر
ص: 19
بطنا حتى يستبين لك الأمر قال أعالجها بكّية توردها المنّية قال: (آخر الدواء الكىّ) يضرب فيمن يستعمل في أوّل ما يجب استعماله في آ خره و فى إعمال المخاشنة مع العدوّ إذا لم يجد معه اللين و المداراة. (1) صدقت القصّة أم لا فإنّه يساعده الاعتبار.
ص: 20
الهمزة مع التاء
2 - اِتِّبَاعَ اَلْکَلْبِ لِلضِّرْغَامِ یَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ. (1)
من كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص:
(فإنّك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيّه، مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفّه الحليم بخلطته، فاتّبعت أثره، و طلبت فضله اتّباع الكلب للضرغام يلوذ بمخالبه، ينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته فأذهبت دنياك و آخرتك، و لو بالحقّ أخذت أدركت ما طلبت ...).
إذا دنئت نفس المرء غربت عنها المكارم الإنسانية و الأخلاق المرضيّة و رسخت فيها أضدادها و استحكمت خلال البهائم و السباع فيها إلى الغاية: فإذا استولى الغضب عليها فأسدٌ مفترسٌ لا همّ له سوى الافتراس، و إذا ملكها الطمع فصاحبها كلب لائذ ينتظر ما يلقى إليه، أو الاحتيال فثعلب و هلمّ جّرا في كلّ خصلة تختصلها السباع و الحيوانات تنكشف لذوى البصائر من الناس فضلا عن أمير المؤمنين الذي يرى الأشياء كما هى إذا وصف شيئا منحه نعوته الجديرة به لأنّه عليه السلام الحكم العدلّ الذي يعطى كل ذي حق حقّه فمن نظر إلى معاوية و ابن العاص و جد الخلال التى بيّنها الإمام عليه السلام من الفسق و شین الکریم و تسفيه الحليم فيهما و أنهمّا يجريان مجرى الكلاب و الأسود عند الفريسة تابعة متبوعة و عن ابن مزاحم في كتاب صفّین بلفظ:
ص: 21
امّا بعد فإنّك تركت مروءتک لامرئ فاسق مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه و يسفّه الحليم بخلطته، فصار قلبك لقلبه تبعا كما قيل: وافقشن طبقي) (1) فسلبك دينك، و آمانتك و دنياك وآخرتك ... فصرت كالذئب يتبع الضرغام إذا مالليل دجى أو أتى الصبح يلتمس فاضل سؤره و حوايا فريسته و لكن لانجاة من القدر) (2)
ص: 22
الهمزة مع الحاء
3- أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا. (1)
(و أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما) من كلمات الإمام عليه السلام الحكميّة عدّه أبو هلال العسكري من الأمثال في جمهرته و قال: المثل لأمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، و هونا أى قصدا غير إفراط و هو من قول النمر بن تولب:
و أحبب حبيبك حبّا رويدا *** لئّلا يعولك إن تصرما
و أبغض بغيضك رويدا *** إذا أنت حاولت أن تحكما
و من أجود ماقيل في هذا المعنى قول بعضهم: (لا تكن مكثرا ثمّ تكون مقّلا فيعرف سرفك فى الإكثار و جفاؤك في الاقلال) (2)
قال الشارح: الهون بالفتح: التأني و البغيض: المبغض
و خلاصة هذه الكلمة النهي عن الإسراف في المودّة و البغضة فربّما انقلب من تودّ فصار عدّوا، و ربّما انقلب من تعاديه فصار صديقا، و قال بعض الحكماء: توّق الإفراط في المحبّة فإنّ الإفراط فيها داع إلى التقصير منها ولأن تكون الحال بينك و بين حبيبك نامية أولى من أن تكون متناهية ... و قال الشاعر:
و أحبب إذا أحببت حبّا مقاربا *** فإنّك لا تدرى متى أنت نازع
و أبغض إذا أبغضت غير مباين *** فإنك لا تدرى متى أنت راجع
و قال عدّي بن زيد:
ص: 23
ولا تأمنن من مبغض قرب داره *** و لا من محبّ أن يملّ فيبعدا (1).
و قد قيل صرعة الاسترسال لا تستقال نعم إذا كان الحبّ مع الله عزّ و جلّ فأحبب حبّا إلى الغاية بدون إقلال بل إلى حدّ العشق و هو الحبّ المفرط و أبغض الشيطان و النّفس و ما يصّدك عنه تعالى.
ص: 24
الهمزة مَعَ اللّام
4- الْآنَ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ. (1)
(لا يقاس بآل محمّد - صلّى الله عليه و آله - من هذه الأمة أحد و لا يسّوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا هم أساس الدين، و عماد اليقين، إليهم يفىء الغالى، و بهم يلحق التالى، ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصيّة و الوراثة الآن إذ رجع الحقّ إلى أهله، و نقل إلى منتقله.
هذا فصل من فصول خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفّين و في معنى المثل المذكور ما جآء من أمثال العرب: (عاد السهم إلى النزعة) أى رجع الحق إلى أهله، و النزعة الرماة من (نزع في قوسه) أى رمى فإذا قالوا (عاد الرمي على النزعة) كان المعنى عاد عاقبه الظلم على الظالم و يكّنى بها عن الهزيمة تقع على القوم (2) و منها (عاد الأمر إلى نصابه) يضرب في الأمر يتولاه أربابه. (3) يريد عليه السلام بذلك رجوع الخلافة بعد اغتصابها إليه أيام خلافته و تأوّل الكلام المعتزلى بما يأباه العقل و النقل قال: و هذا يقتضى أن يكون فيما قبل في غير أهله و نحن نتأوّل ذلك على غير ما تذكره الإماميّة ونقول إنّه عليه السلام كان أولى بالأمر و أحقّ لا على وجه النصّ على الخلافة بل على وجه الأفضليّة ... لكنّه
ص: 25
ترك حقّه لما علمه من المصلحة ... (1)
ليتنى دريت ما حمل المعتزلى على سحق عقله حتى يتناقض في القول إن كان عليه السلام كما يقول إنّه الأحقّ بالخلافة من جميع المسلمين يحكم العقل و أنه أفضل البشر فكيف يهمل رسول الله صلى الله عليه و آله النصّ عليه حتّى يختاروا من هو أدنى و هل هذا إلّا تغريرا منفّيا عن- صلى الله عليه و آله و هل يشكّ عربيّ في معنى (رجع الحق إلى أهله) أنّ فيما قبله غير أهل له و الكلام المتقدم ينصّ على انحصار الوصاية و الوراثة و هى الخلافة المنصوصة قال المعتزلى و لسنا تعنى بالوصّية النص على الخلافة و لكن أمور أخرى (2) نعم أمور أخرى حملتك على ذلك و الحديث ذو شجون.
ص: 26
الهمزة مَعَ المیم
5- أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرِجِ اللِّوَى فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ (1)
من آخر خطبة له عليه السلام بعد التحكيم ( ... فأبيتم علىّ إب_اء المخالفين الجفاة، و المنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه، و ضنّ الزّند بقدحه فكنت أنا و إيّاكم كما قال أخو هوازن:
أمرتكم أمرى بمنعرج اللّوى * فلم تستبينوا النصح إلّا ضحى الغد)
و أخو هوا زن صاحب الشعر هو دريد بن الصّمة و الأبيات مذكورة في الحماسة و أوّلها:
نصحت لعارض وأصحاب عارض *** ورهط بنى السوداء والقوم شهّدی
فقلت لهم ظنّوا بألفى مدجّج *** سراتهم في الفارسيّ المسرّدي
أمرتهم أمرى بمنعرج اللّوى *** فلم يستبينوا النصح الاضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى *** غوايتهم و أننّى غير مهتد
و ما أنا إلّا من غزّية إن غوت *** غويتُ و إن تَرشَد عَزّيهُ أَرَشُدِ (2)
حادثةَ التحكيم عند مخالفة أصحابه عليه السلام يعرف عظمها من كلامه حيث يقول (فأبيتم علىّ إباء المخالفين الجفاة ...) و الكلّ يدرى ما يصنع المخالف الجاف و المنابذ العاصى على أميره وهو ناصحه حتّى ارتاب بنصحه و قوله عليه السلام (و ضنّ الزند بقدحه) أى لم يقدح لى بعد ذلك رأى صالح لشدّة مالقيت منكم من الإباء و الخلاف و العصيان، لأنّ
ص: 27
المشير الناصح إذا اتّهم واستغشّ عمى قلبه و فسد رأيه. (1)
نعم بالإضافة إلى الامام لم يَعمَ قلبه و لم يَفْسد رأيه و يصبر على البلوى و الأمر بطبعه الأولى كذلك.
ص: 28
الهمزة مَعَ الياء
6- أيادي سَبَأ (1)
من كلام له عليه السلام ( ... فما آتي على آخر قولى حتى أراكم متفرّقين أيادي سبا ...).
اختلف أنّ المثل إسلامىّ أصله قوله تعالى: (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) (2) فى قصّة أهل سبأو تفرّقهم المذكورة فى القرآن الكريم و روايات أهل البيت عليهم السلام أو جاهلىّ كما ذهب إليه الدكتور صفا خلوصى لأنّ سبأ وجدت قبل الإسلام (3) و هل وجود قوم سبأ قبل الإسلام يصيّر المثل جاهلّيا أو لابدّ من ضربه فيه لتلك الحالة لا وجود الحالة قال ابن أبى الحديد و أيادى سبأ مثل يضرب للمتفرّقين و أصله قوله تعالى عن أهل سبأ و مزّقنا هم كلّ ممّزق و سبأ مهموز و هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان و يقال: ذهبوا أيدى سبا و أيادى سبا، الياء ساكنة و كذلك الألف وهكذا نقل المثل أى ذهبوا متفرّقين و هما اسمان جعلا واحدا مثل (معد كرب) (4).
يضرب المثل المذكور لبيان تفرّق الجمع المقصود بهم و للدعاء عليهم أى لا تفارقهم الفرقة، و لعل الثانى أولى بكلام الإمام عليه السلام ليكون جمله (أيادى سبأ) دعاء عليهم إلّا أنّ ظهور الجملة في تشبيه تفرّق أصحابه عليه السلام عند خطابه بتفرّق قوم سبأ يردّ الدعاء المذكور فتدّبر جیدا.
ص: 29
و لقد كان أمير المؤمنين عليهم السلام يعاني من تفرّق الأصحاب و الفرقة هي السبب لإبادة الجماعة وقد نهى الله جلّ جلاله عنها و أمر بالاعتصام بقوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (1) وهو عليه السلام الحبل المتين الذي أمر العباد بالتمسّك به ولا ينافي أن يكون حبل الله القرآن أو الرسول صلّى الله عليه و آله فإنّ كلّ ذلك شيء واحد يدعوا إلى الواحد و هو الله تعالى.
ص: 30
7- إيَّاكَ وَ مَا يُعَتَذَرُ مِنْهُ (1)
جاء المثل في كتاب له عليه السلام إلى قثم بن عبّاس و هو عامله على مكّة.
قال الميداني بعد المثل المذكور: أى لا ترتكب أمرا تحتاج فيه إلى الاعتذار منه. (2) و هو من الأمثال المرسلة و إن لم يرسله الإمام عليه السلام، ثم الاعتذار ممّا يوجبه إنّما هو من صنع الجاهل حيث يقدم على مالا يدرى مغبّته و لا حسنه من قبحه أو خيره من شرّه فإذا انكشف الحال ندم و اعتذر أمّا العاقل فلا يتّرأى قبل أن يترّوى ولا يقدم على عمل إلّا بعد التثبّت و العلم بمغبّته وقد قالوا: المثل (شر الرأى الدّبرى) و الدّبرى الذى يجىء بعد ما يفوت الأمر. (3)
و من أجله رغّبت المشورة و أمر الجاهل بالسئوال من أهل الذكر في الكتاب و السنّة في أمور الدين و الدّنيا و المستبّد برأيه هالك و التثبّت في كلّ شيء حتّى لا يقع فيما لا يحمد عقباه و عدم جواز الأخذ بنبأ الفاسق إلّا بعد التبيّن لئلّا يصيب انسانا بجهالة فيصبح على مافعل ناد ما كما قال تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا لئلّا تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمین) (4) و المورد لا يخصّص فيجرى فيما ماثله من نوعه ثم المثل يشمل كلّ ماذكر وما لم يذكر من الموارد التي تورث
ص: 31
الاعتذار بعدها سواء كان من قول أو عمل بل مطلق السّكون و الحركة التي لا يخلو منهما الإنسان فلابدّ من التفكر فيه أوّلا فإن علم أنّ فى ذلك رشد ا أقدم أو غيّا أحجم عنه و يقف عند الشبهة لئلّا يهلك من حيث لا يعلم كما جاء فيه حديث التيليث (الأمور ثلاثة، أمر بيّن رشده فيتّبع و أمر بيّن غيّه فيجتنب و شبهات بين ذلك فمن أخذ بها هلك من حيث لا يعلم و من وقف نجا (1) ما مضمون الحديث فراجع.
ص: 32
ص: 33
ص: 34
الباء مَعَ العين
8- بعدَ اللَّتَيا و الَّتي (1)
قال عليه السلام في خطبة له: ( ... و إن أقل يقولوا حرص على الملك و إن أسكت يقولوا جزع من الموت هيهات بعد اللُتّيا و التي والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه ...).
اللُتّيا تصغير التي كما أنّ اللّذيا تصغير الّذى و في القاموس، بفتح اللام المشدّدة و ضمّها، و هيهات لظنّهم فيه الجزع أى: أَبَعَدَ اللتيا و التى أجزع أبعَد أن قاسيتُ الأهوال الكبار و الصغار و منيت ب_کلّ داهية عظيمة و صغيرة! فاللتّيا للصغيرة، و التى للكبيرة. (2) (بعد اللّتيا و الّتى).
هما الداهية الكبيرة و الصغيرة و كنّى عن الكبيرة بلفظ التصغير تشبيها بالحيّة فانّها إذا كثر سمّها صغرت لأنّ السمّ يأكل جسدها و قيل: الأصل فيه أنّ رجلا من حديس تزوّج امرأة قصيرة فقاسي منها الشدائد و كان يعبّر عنها بالتصغير فتزوّج امرأة طويلة فقاسی منها ضعف ماقاسی من الصغيرة فطلّقها و قال: بَعد اللّتيا و الّتي لا أتزوّج أبدا فجرى ذ لك على الداهيّة، وقيل: إنّ العرب تصغّر الشيء العظيم كالدهيم و اللهیم و ذلك منهم رمز. (3)
و هو مثل سائر يضرب لأمرين داهيتين إحدها أدهى من الأخرى:
ص: 35
يريد عليه السلام بالقول مطالبة الخلافة من الشيخين إذا طالبهما بها قال الناس حرص على الملك الدنيوى أترى حين تقمّصاها لم لا يقولوا لهما حرصتما على الملك و يقولون ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام و هو على حدّ أن يقولوه لرسول الله صلى الله عليه و آله إنّ النبوّة و الخلافة كلتبهما أمر سماوی.
ص: 36
ص: 37
ص: 38
التَّاءَ مَعَ القاف
9- تَقْصِرُدُونَهَا الأَنْوَقُ، وَيُحاذى العَيّوُقُ. (1)
من كتابه عليه السلام إلى معاوية:
( ... وقد أتاني كتاب منك ذو أفانين من القول ضعفت قواها عن السّلم و أساطير لم يحكها عنك علم و لا حلم، أصبحت منها كالخائض فى الدّهاس، و الخابط في الديماس، وترقيّت إلى مرقبة بعيدة المرام نازحة الأعلام تقصر دونها الأنوق، و يحاذى بها العيّوق ...).
في كلامه عليه السلام أكثر من تمثيل يظهر بعد شرح مفرداته: أفانين القول أساليبه المتنوّعة أو ضعف قوى الأفانين عن السّلم أى الإسلام أى عدم صدورها عن مسلم حيث طلب تولّيه العهد و أبقاءه بالشام رئيسا و الأساطير جمع أسطورة: الأباطيل حوكها نظها، و الدهاس بالكسر جمع دهس و بالفتح مفرد و هو المكان السهل ليس هو بتراب و لا طين، و الديماس بالكسر: السرب المظلم تحت الأرض، و المرقبة الموضع العالى يراقب عليه، و الأعلام جمع علم مایهتدی به فى الطرقات والأنوق بالفتح طائر وهو الرخمة، و في المثل: (أعزّ من بيض الأنوق) (2) لأنّها تحرزه لا يظفر به أحد، و العيّوق: كوكب فوق زحل في العلو.
أي: أنت بكتابك المشتمل على دعا و باطلة لا تصدر عن مسلم و لا يحكى عن علم و حلم كاتبه لستَ إلّا كالخائض فى أرض رخوة تقوم و تقع
ص: 39
و الخابط فى نفق مظلم لا يهتدى الطريق سمت همتك إلى الخلافة و هى منك بموضع مرتفع عال لا سبيل إليه و لا أعلام تهتدى بها و هی کالرخمة التّى لا يظفر ببيضها، و الكوكب الذى فوق الكواكب كلّها و كيف ترومها (1) ضربت هذه الأمثال لبعد معاوية عن الخلافة الّتي يريدها. يضرب المثل المذكور لقصور طالب الشيء و فى معنى المثلين قولهم: (دونه بيض الأنوق) و (دونه العيّوق). (2)
ص: 40
ص: 41
ص: 42
الحاء مَعَ الدّال
10- حَدْوَ الزّاجِرِ بِشَوْلَه (1)
قال عليه السلام: ( ... عباد الله إنّ الدّهر يجرى بالباقين كجريه بالماضين لا يعود ماقد ولىّ منه ولا يبقى سرمد اما فيه آخر فعاله كأوّله متشابهة أموره متظاهرة أعلامه فكأنّكم بالسّاعة تحدوكم حَدو الزاجر بشوله ...).
قال ابن الأثير: وهى التى شال لبنها أى ارتفع و تسمّى الشَول أى ذات شول، لأنّه لم يبق في ضرعها إلّا شول من لبن: أى بقيّة، و يكون ذلك بعد سبعة أشهر من حملها و منه حديث علىّ (فكأنّكم بالساعة تحدوكم حد و الزاجر بشوله) أى الذى يزجر إبله لتسير. (2) و التاء فى (شولة) تأنيث أو مصدر أى ذات شول، و الشائلة واحدة الشوائل و شول كركع جمع شائل وهى الناقة التى تشول بذنبها للّقاح ولا لبن لها أصلا و أتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، وشوّلت الناقة أى صارت شائلة وشوّال أحد فصول السّنة سمّى بذلك لشولان الإبل بأذنابها فى ذلك الوقت لشدّة شهوة الضّراب و لذلك كرهت العرب التّزويج فيه و عن النّبي صلى الله عليه و آله: (سمى شوّالا لأنّ فيه شالت ذنوب المؤمنين) أى ارتفعت و ذهبت (3) و الحدو: سوق الإبل و الحادى
ص: 43
السائق لها و الحدّى: التغّنى لجدّ السير.
و إنّما شبه عليه السلام اندفاع النّاس بالسّاعة أى القيامة بسائق الناقه القليلة اللّبن أو عد يمته في سرعة سيرها لخفّتها ولزجرها أى أنّ السّاعة تقهركم على الموقف لمحاسبتكم على أعمالكم إن خيرا فخير و إن شّرافشّر و كرّر منه عليه السلام التّعبير بالحَدو و منه: (وراءكم السّاعة تحدوكم) (1) و (أنّ السّاعة تحدوكم)، بل (بل السّاعة موعد هم و السّاعة أدهى و أمّر) (2) من الزجر و القتل و الأسر وأفضع من كلّ فضيع و أدهى من الدّواهي كلّها
ص: 44
الحاء مَعَ السّين
11- اَلْحَسَدَ يَأْكُلُ اَلْإِيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ اَلنَّارُ اَلْحَطَبَ (1).
من تمثيلات صادرة عن الإمام عليه السلام فى إحدى خطبه قال فيها:
(و لا تحاسدوا فإنّ الحسد بأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب).
من الإيمان أن يعقد المؤمن قلبه على أنّه تعالى يؤتى الملك من يشاء و ينزعه عمّن يشاء و يؤتى الفضل من رزق و غيره كما قال تعالى (أم يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله). (2)
فإذا تمنّى زوال ذلك و انفجر من وجوده فقد عارض الله فى قضائه و عطائه و هو مناف للإيمان بها فكيف يبقى الإيمان بل يفنى كما تفنى النّار الحطب ثم الحسد جاء الأمر بالتعوّذ من شرّه كما قال تعالى: (ومن شرّ حاسد إذا حسد). (3) وفى نبوى: ( ... وكاد الحسد أن يغلب القدر): و صادقى (آفة الدّين الحسد و العجب و الفخر) و نبوى (قال الله عزوجل لموسى بن عمران یا ابن عمران لا تحسدنّ الناس على ما آتيهم من فضلي ولا تمدّن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك فإنّ الحاسد ساخط لنعمي صادّ لقسمى الذي قسمت بین عبادی و من يك كذلك فلست منه و ليس منّى) (4) وهو من داعية الذنوب قال أمير المؤمنين عليه السلام: ( ... الحرص و الكبر و الحسد دواع إلى التقحّم في الذنوب). (5) و كما لا يسلم له إيمان لم تبق صحّة البدن معه قال عليه السلام: (العجب الغفلة الحسّاد عن سلامة الأجساد). (6)
ص: 45
و قال عليه السلام: (صحّة الجسد من قلّة الحسد) (1). و الحسد غلّ في عنق صاحبه و قد نفاه عليه السلام عن الملائكة عند وصفهم: (و لا تولّا هم غلّ التحاسد) (2) و أيّ فرق بين من على عنقه غلّ ظاهرىّ ومن شغل قلبه و ملك عقله الحسد و الجامع بينهما سلب الاستطاعة و الراحة.
و كرّر هذا التّمثيل المذكور في كلامه عليه السلام في أكل الحسد الايمان بأكل النّار الحطب في الأحاديث و منها النبويّ. فى (الأمثال النبويّة حرف الحاء) (3)
ص: 46
الحاء مَعَ الكاف
12- الحِكَمَةُ ضَالَةُ الْمُؤْمِنِ (1)
قال عليه السلام:
(خذ الحكمة أنّى كانت فإنّ الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجج صدره حتى تخرج فتسكن إلى صاحبها في صدر المؤمن) قال الرضى رحمه الله - وقد قال علىّ عليه السلام في مثل ذلك: (الحكمة ضالّة المؤمن فخذ الحكمة و لو من أهل النفاق).
قال الميداني: يعنى أنّ المؤمن يحرص على جمع الحكم من أين يجدها يأخذها (2) يمكن أن لا يعلم أنّه لأمير المؤمنين عليه السلام أو كونه مثلا نبوّيا و لكن بعيد من مثله و نحن عددناه من الأمثال النبويّة و العلوّية و لا تنافى فى ذلك، قيل خطب الحجّاج فقال: إنّ الله أمرنا بطلب الآخرة وكفانا مئونة الدنيا فليتنا كفينا مئونة الآخرة و أمرنا بطلب الدنيا، فسمعها الحسن فقال: هذه ضالّة المؤمن خرجت من قلب المنافق (3).
عرفت الحكمة بتعاريف:
فقيل هي فهم المعاني، و طاعة الله و معرفة الإمام، و إتقان الأمور و أجمع تعريف هى العلم بشرائع السماء و العمل بها، و قيل العلم بمصالح الدارین و مفاسدهما، و قيل النبوّة و قيل غير ذلك ذكرنا نبذة من
ص: 47
الأقوال في حرف الحاء من الأمثال النبويّة جاء في حد في حديث (من أخلص لله أربعين صباحا جرت ينابيع الحكمة من قبله على لسانه). (1)
من عوامل حصول الحكمة قلّه الكلام، و نوم القيلولة و قلّة الأكل و مجالسةً الأتقياء و صلاة الليل و قراءة القرآن الكريم، و إخلاص العمل لله عزّ و جلّ و معرفة الله و النبىّ و الأئمّة صلى الله عليهم أجمعين و الطاعة له تعالى و ليست الحكمة المرضيّة هي المصطلحة عند قوم.
ص: 48
الحاء مَعَ النون
13 - حَنَّ قِدْحٌ لَيْس مِنْها (1)
من أمثال سائرة تمثل به أمير المؤمنين عليه السلام في جواب كتاب معاوية ( ... و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز بين المهاجرين الأوّلين، و ترتیب درجاتهم و تعریف طبقاتهم هيهات لقد حنّ قِدح ليس منها و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ...)
(حنّ) من الحنين و هو نوع صوت، و (قِدْح) أصله من القداح من عود واحد يجعل فيها قدح من غير ذلك الخشب فيصوّت إذا أرادها المفيض فذلك الصوت هو حنينه هذا مثل يضرب لمن يدخل نفسه بين قوم ليس له أن يدخل بينهم (2).
أو لمن يفتخر بقوم ليس منهم، أو يمتدح بما لا يوجد فيه، قيل المثل لعمر أجاب ب به عقبة بن أبي معيط حينما قال له (أأقتل من بين قريش).
قال الزمخشري: و قيل بن الحنان وهم بطن من بلحارث أنّ جدّهم ألقى قِدْحا في قداح قوم يضربون بالميسر و كان يضرب لهم رجل أعمى فلما وقع قِدْحه في يده قال: (حنّ قِدْح ليس منها) فلقب الحنان لذلك.
و منه يظهر أنّ المثل ليس لعمر ويؤيّد ذلك قول الميداني أنّ عمر تمثّل به (3) و القِدْح السهم من أقداح الميسر و عند إجالتها خالف
ص: 49
صوت القِدح الذى ليس من مادّة بقية القداح صوتها فيعرف أنّه ليس من جملتها.
قيل إنّ كلام الإمام عليه السلام تصديق للشيخين لأنّهما من المهاجرين ذوى الرتب و الدرجات التى لم يكن لمعاوية صلوح التمييز لهابل لابدّ من مثل الإمام عليه السلام يميّزها لأنهما فى درجته في الفضل و الجواب أنّ الكلام، جاء كمقياس كلىّ لا ينطبق إلّا على موارده الحقيقية بدون تعيين.
ص: 50
ص: 51
ص: 52
الدّال مَعَ العين
14 - دَعْ عَنْكَ مَنْ مالَتْ بِهِ الرِّمْیَة (1).
من كلام له عليه السلام في جواب لكتاب معاوية الذي يذكر فيه بعض الناس قال عليه السلام ( ... فدع عنك من مالت به الرمية فإنّا صنائع ربّنا و الناس بعدُ صنائع لنا ...).
الرمية بمعنى الرمي و الباء للإلصاق أى دع من رمته الدنيا بسهامها و صار غرضا لها لإقباله عليها و يشهد لذلك ماجاء في بعض خطبه عليه السلام يصف فيه الدنيا قال عليه السلام (ترميهم بسهامها و تفنیهم بجمامها) (2).
و يصّح ذلك أيضا رميه بسهام النفس، و إبليس إذ استعارة رمى السهام فيها بجامع التأثير السريع على حدّ سواء وقد جاء (النظرة سهم مسموم من سهام الشيطان) (3).
و قيل الرمية: الطريدة المرميّة، يقال للصيد يرمى هذه الرميّة و هى (فعلية) بمعنى مفعولة و الأصل في مثلها أن لا تلحقها الهاء نحو (كفّ خضيب، و عين كحيل) إلّا أنّهم أجروها مجرى الأسماء لا النعوت كا لقصيدة و القطيعة و المعنى دع ذكر من مال إلى الدنيا و مالت به أى أمالته إليها. (4).
ص: 53
عن الشيخ محمد عبده: يضرب لمن أعوّج غرضه فعال عن الاستقامة لطلبه (1) قيل المراد من الموصول فى المثل هو عثمان لا الشيخان لأنّه عليه السلام لم يذكرهما بقدح و المثل يضرب لذلك فلابدّ من صرفه إلى غيرهما (2).
يجاب عنه أنّ الكلام مقياس كلىّ له اطّراده في جميع الناس إذا تحقّقت فيه الرّمية مهما كان نوعه و معاوية المخاطب من أجلى مصاديقه و من تدّبر صدر الکلام عرف الحق.
ص: 54
الدّال مع الهاء
15- الدهرُ يَومانِ: فيَومٌ لَكَ و يَومٌ علَيكَ (1)
من كلام الإمام عليه السلام الجارى مجرى الأمثال: (الدّهر يومان: یوم لك و يوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر، و إذا كان عليك فاصبر).
قال الشارح: قديما قيل هذا المعنى: الدّهر يومان: يوم بلاء و يوم رخاء. و الدّهر: ضربان: حبرة و عبرة، و الدّهر وقتان: وقت سرور و وقت ثبور.
و قال أبو سفيان: يوم أحد: يوم بيوم بدر و الدّنيا دول.
و يحمل ذمّ البطرها هنا على محملين أحد هما البطر بمعنى الأشر و شدّة المرح بطر الرجل بالكسر يبطر و قد أبطره المال و قالوا: بطر فلان معيشته كما قالوا رشد فلان أمره، و الثاني البطر بمعنى الحيرة و الدّهش أى إذا كان الوقت لك فلا تقطعّن زمانك بالحيرة و الدّهش عن شكر الله و مكافأة النعمة بالطّاعة والعبادة و المحمل الأوّل أوضح. (2)
الدّهر هو ما سوى الله جلّ جلاله برمّته الممتدّ من البداية إلى النهاية و ربّما يتخيّل أنّه المنتزع من الحدّين وواقع المنتزع كمّا تقدّم هو المجزوم و لا متداد، ظنّ قدمه حتّى زعم الدّهريّون أنه منشأ الحياة و الهلاك كما حكى عنهم الله جلّ جلاله: (وما يهلكنا إلّا الدّهر). (3) فإن أرادوا به الله تعالى و جهلوا أنّه هو أو أجروا عليه تعالى اسم الدّهر فهذا أهون
ص: 55
من الأول و البحث في محلّه، يريد عليه السلام أنّ للدّنيا إقبالا و إدبارا فإن أقبلت عليك فلا تغتّر بها فتنسى كلّ شيء و إن أدبرت فاصبر و قد جاء في الحديث القدسي: (يا موسى إن أقبلت الدّنيا فعقوبة عجّلت و إن أدبرت فقل مرحبا بشعار الصّالحين. (1)
ص: 56
ص: 57
ص: 58
الرّاء مَعَ الباء
16 - رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ (1)
و هذا المثل ذكره جمع منهم المفضّل (2) و الميداني بعد إيراد مبلفظ (ربّ قول أشدّ من صول) و كذا الزمخشری (3) قال: يضرب عند الكلام يؤثر فيمن يواجه به قال أبو عبيد: و قد يضرب هذا المثل فيما يتّقى من العار و قال أبو الهيثم: أشدّ في موضع خفضٍ لأنّه تابع للقول و ما جاء بعد (ربّ) فالنّعت تابع له. (4)
قال الشارح:
قد قيل هذا المعنى كثيرا * و القول ينفذ ما لا تنفذ الإبر * ومن ذلك: القول لا تملكه إذا نما كالسّهم لا تملكه إذا رمى و قال الشاعر:
و قافية مثل حدّ السنا *** ن تبقی و يذهب من قالها
تخيّرتها ثم أرسلتها *** ولم يطق النّاس إرسالها
و قال محمود الورّاق:
أتانى منك ما ليس *** على مكروهه صبر
فأغضيت على عمد *** و كم يغضى الفتى الحرّ
و أدّبتك بالهجر *** فما أدّبك الهجر
ولا ردّك عمّا كا *** ن منك الصفح و البرّ
فلمّا اضطرّني المكرو *** ه واشتدّ بی الأمر
تناولتك من شعری *** بما ليس له قدر
فحرّكت جناج الضرّ *** لمّا مسّك الضرّ
ص: 59
17 - رُبَّ مَلُومٍ لاَ ذَنْبَ لَهُ. (1)
في جواب لكتاب معاوية: (و ما كنت لأعتذر من أنّى كنت أنقم عليه أحداثا فإن كان الذنب إليه إرشادى، و هدايتى له، فربّ ملوم لا ذنب له
* وقد يستفيد الظنه المستنصّح *
و ما أردت إلّا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت و إليه أنيب).
هذا جزء من كلام له عليه السلام بهذا الصدد حيث اتّهم معاوية الإمام عليه السلام بالاشتراك فى قتل عثمان فأجاب عنه بأنّى كنت ناقما عليه لأحداث ارتكبها و ليست هذه النقمة، شركة في قتل عثمان بل كانت هداية له و إرشادا فإن كنت يا معاوية تلومنى على ذلك (فربّ ملوم لا ذنب له) و ما أنا ذا ملوم، بلا ذنب ركبته.
قال الزمخشري: "رب علوم لا ذنب له" قاله الأ حنف لرجل ذمّ عنده الكمأة مع السمن قال: (المتقارب)
فلا تلم المرء في شأنه *** فربّ ملوم و لم يذنب (2)
و (اربّ لائم مليّم) (3) و هو معاوية و أضرابه من قالة الباطل.
قيل قائل: (ربّ ملوم لا ذنب له) هو أكثم بن صيفى يقول قد ظهر للناس منه أمر أنكروه عليه وهم لا يعرفون حجّته و عذره فهو يلام عليه و ذكروا أنّ رجلا في مجلس الأحنف بن قيس قال: ليس شيء أبغض إلىّ من التمر و الزبد فقال الأحنف: (ربّ ملوم لا ذنب له) (4) تقدّم انتماء
ص: 60
المثل إلى الأحنف من صاحب المستقصى ثم الملامة أشدّ مراتب العتاب و هی تخطی و تصیب.
ص: 61
الرّاء مَعَ الدّال
18 - رُدُّوا اَلْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ. (1)
قال عليه السلام: (ردّوا الحجر من حيث جاء فإنّ الشّر لا يدفعه إلّا الشّر)
قال الشارح:
هذا مثل قولهم فى المثل (إنّ الحديد بالحديد يفلح) (2) و قال، عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقال الفند الزّماني:
فلمّا صرّح الشر *** فأمسى و هو عريان
و لم يبق سوى العدوا *** ن دنّاهم كما دانوا
و بعض الحلم عند الجهل للذّ لّة إذعان
و في الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان
و قال الأحنف:
و ذى ضعن أمت القول عنه *** بحلمى فاستمرّ على المقال
و من يحلم و ليس له سفيه *** يلاق المعضلات من الرّجال (3)
من أمثال متناسبة (الشّر بالشّر ملحق) (4) (الشّر للشّر خلق) (5)
ص: 62
وقد جاء في صادقیّ (ان اللعنة إذا راجت من في صاحبها ترددت فإن وجدت مساغا و إلّا رجعت على صاحبها) (1) و الغرض من ردّ الحجر منع تجاوز الظالم الغاشم بردّ ظلمه إليه فإنّ الظلم شّر و شر منه صاحبه كالظالم كما تقدّم المثل (2) فاذا لم يردّ على المتجاوز تجاوزه ازداد تجاوزا و إذا عومل بمثل ما صنع ارتدع فصبر المظلوم زياده فى ظلم الظالم و لا ينافيه ما جاء فى الصّبر فإن ذلك فيما لم يكن الردّ عليه و حمل الحجر على معناه الظاهرى لا يمنع من معناه المثلى أی من ردّ ظلم الظالم إليه.
ص: 63
الرّاء مَعَ الفاء
19 - اَلرَّفِیقِ قَبْلَ اَلطَّرِیقِ وَ عَنِ اَلْجَارِ قَبْلَ اَلدَّارِ (1)
من وصيّته للحسن عليهما السلام المطوّلة قال فيها: (سل عن الرفيق قبل الطريق، و عن الجار قبل الدار).
و فى المثل: (الرفيق إمّا رحيق أو حريق. وفي المثل (جار السوء کلب هارش و أفعی ناهش)
كلب ها رش، و أفعى ناهش).(2)
قوله عليه السلام (الرفيق قبل الطريق) من أمثال ذكره بعض الأدباء منهم الميداني قال بعد ذكر المثل: أى حصّل الرفيق أوّلا وأخبره فربما لم يكن موافقا ولم تتمكّن من الاستبدال به. (3)
و بعد المثل (الجار ثم الدار) بذكر (ثمّ) قال: هذا كقولهم (الرفيق قبل الطريق) و كلاهما يروى عن النبيّ صلّى الله عليه و سلّم قال أبو عبيد: كان بعض فقهاء أهل الشام يحدّث بهذا الحديث و يقول: معناه إذا أردت شراء دار فسل عن جوارها قبل شرائها. (4)
ثم الجار نذكر شيئا من حقوقه لأدنى مناسبة
اهتمّ الشرع الإسلامى بالجار حتى قال الامام عليه السلام في وصيّة له: (والله الله في جيرانكم فانّهم وصيّة نبيّكم) (5) و قال تعالی (و بالوالدين إحسانا و بذى القربى و اليتامى والمساكين والجار ذى القربى و الجار الجنب و الصاحب بالجنب ...) (6)
ص: 64
الجار إمّا قريب أو بعيد وهما إمّا قريب أو أجنبيّ فهذه أربعة فالجار ذو الرحم قريبا كان أو بعيدا داخل في (والجار ذى القربي) والأجنبي القريب والبعيد فى (والجار الجنب) (و الصاحب بالجنب) هو الذى يصحبك في السفر جنبا إلى جنب.
ثم ليس حسن الجوار كفّ الأذى عنه فقط بل بتحمّل الأذى و الصبر على ما يرى قال القائل:
ليس حسن الجوار كفّ الأذى *** و لكن حسن الجوار الصبر (1)
ص: 65
الراء مَعَ الكاف
20 - رَكِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ وَ إِنْ طَالَ السُّرَى (1)
و الأصل فيه قوله عليه السلام: (لنا حق ان أعطيناه و إلّا ركبنا أعجاز الإبل و إن طال السُّرى) قال الرضى رحمه الله تعالى: و هذا القول من لطيف الكلام و فصيحه، و معناه أنّا إن لم نعط حقّنا كنّا أذّلاء، وذلك أنّ الرديف يركب عجز البعير، كالعبد و الأسير و من يجرى مجراهما.
قال بعض الشراح: له تفسيران: أحدهما أنّ راكب عجز البعير يلحقه مشقّه و ضرر فأراد: أنّا إذا منعنا حقّنا صبرنا على المشقّة و المضرّة کما يصبر راكب عجز البعير و هذا التفسير قريب مما فسّره الرّضى، والوجه الثاني: أنّ راكب عجز البعير إنّما يكون إذا كان غيره قد ركب على ظهر البعير و راكب ظهر البعير متقدّم على راكب عجز البعير فأراد أنّا إذا منعنا حقّنا تأخّرنا و تقدّم غيرنا علينا فكنّا كالراكب رديفا لغيره و أكدّ المعنى على كلا التفسيرين بقوله: (وإن طال السُّرى) لأنّه إذا طال السُّرى كانت المشقّة على راكب البعير أعظم وكان الصبر على تأخّر راكب عجز البعير عن الراكب على ظهره أشدّ وأصعب ... قاله يوم الشُورى (2) و قال آخر: علىّ رضى الله تعالى عنه قال يوم الشورى: لنا حقّ إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل، و إن طال السُّرى، هذا مثل لركوبه الذلّ و المشقة وصبره عليه وإن تطاول ذلك و أصله أن الراكب إذا اِعْرَوْرى
ص: 66
البعير ركب عجزه من أصل السنام فلا يطمئنّ و يحتمل المشقّة و أراد بركوب أعجاز الإبل كونه ردفا تابعا و أنّه يصبر على ذلك و إن تطاول به، و يجوز أن يريد: وإن نمنعه نبذلِ الجهد في طلبه فعل من يضرب في ابتغاء طلبته أكباد الإبل ولا يبالى باحتمال طول السُّرى. (1)
و هكذا غيرهما من الجمهور قد خصّصوا كلامه عليه السلام بيوم الشُورى بعد وفاة عمر و اجتماع الجماعة لاختيار واحد من السّتة و ليت شعرى لم خصّصوه بذلك وهل كان منع القوم الإمام عليه السلام عن حق الخلافة من بعد عمر و كان له و لصاحبه الحق وليس له عليه السلام منه نصيب أو خصّصهما الله و رسوله به دونه أو أنّه خاصّ به تقمّصه القوم اختر ما شئت.
ص: 67
ص: 68
السّين مَعَ الراء
21 - سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ (1)
أحد الأمثال التّي ضربها في وصيّته لابنه الحسن عليهما السلام قال فيها:
(و أيّاک أن تغتّر بما ترى من إخلاد أهل الدّنيا إليها، و تكالبهم عليها فقد نبّاك الله عنها، و نعتت لك نفسها، و تكشّفت لك عن مساويها، فإنّما أهلها كلاب عاوية و سباع ضاريه يهرّ بعضها على بعض، و يأكل عزيزها ذليلاها، و يقهر كبيرها صغيرها، نَعَم معقّله و أخرى مهمله، قد أضلّت عقولها، و ركبت مجهولها، سروح عاهة بوادٍ وعثٍ ليس لها راع يقيمها، و لا مسيم يسمها ...)
و هى وصيّة مطوّلة أخذنا منها ما يربط المثل الجاري قال الشارح: ثلاثة أمثال محرّكة لمن عنده استعداد، و استقرأني أبو الفرج محمد بن عبّاد رحمه الله و أنا يومئذ حدث هذه الوصيّة فقرأتها عليه من حفظى فلمّا وصلت إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة و سقط و كان جبارا قاسی القلب.
(سروح عاهة) و السروح: جمع سرح و هو المال السارح، و العاهة: الآفة، و وادٍ وعثٍ لا يثبت الحافر و الخفّ فيه بل يغيب فيه و يشّق على من يمشى فيه (2). أو السروح: الأغنام يقول عليه السلام أهل الدّنيا كلاب
ص: 69
عاوية و سباع جائعة يتناهشن على جيف أو أغنام سائمة ترعى، و معقّله متحيّرة فى أودية لا يثبت فيها خفّ و لا خافر لا راعى يرعاها و قد اعتورها الآفات من كلّ جوانبها برزت في كلامه عليه السلام حقائق أهل الدّنيا و بوائق ما طالت الأيام تخفينها و سوف يحشر الناس على ما هم فيه من صفات الحيوانات كما جاء في تفسير (و إذا الوحوش حشرت) (1) يأتون يوم القيامه على صور ما كانوا يزاولون من صفات الكلاب و السّباع و غيرها.
ص: 70
ص: 71
ص: 72
الشّين مَعَ التّاء
تمثّل عليه السلام بالبيت فى خطبته المعروفة ب_(الشِقشِقّية) قال المعتزلى إنّ البيت للأعشى الكبير أعشى قيس، وهو أبو بصير ميمون بن قيس بن
جندل من القصيدة التى قالها في منافرة علقمة بن علاثة وعامر الطفيل (2) و أوّلها
شاقتك من قتلة أطلالها *** بالشط فالوتر إلى حاجر
فركن مهراس إلى مارد *** فقاع منفوحة ذى الحائر
دار لها غیّر آیاته *** كلّ ملّت صوبه زاخر
و الضمير في كورها في البيت المتمثّل به يعود على الناقة في بیت متقدّم عليه:
وقد أسلى المهمّ حين اعترى *** بجسرة (3) دوسرة عاقر
زيافة بالرحل خطّارة *** تلوى بشرخی میسة قاتر
و حيّان اسم رجل من بنى حنيفة كان سيّدا مطاعا و ذا نعمة وافرة وكان الأعشى ينادمه، و جابر: أخو حيّان أصغر منه ذكره الشاعر للقافية و معنى البيت: فرق كبير ما بين سفرى على ناقتى و بين يوم حيّان في نعمته الوافرة.
ص: 73
يشير عليه السلام به إلى أنّ هناك فرقا بين يومه في الخلافة مع ما انتقض عليه من الأمر مع يوم عمر حيث ولّها على قاعدة ممهّدة (1)
و حصيلة ذلك أنّ الفرق بين راكب الناقة الراقلة به وحيّان المتنعّم بنعمة ناعمة و راحة هو الفرق بينى في خلافتي التي انتقض أمرها و بين عمر الذى مهّدت له الأمور كما أراد و أرادها الأول و هذا من دلالات مظلوميّته عليه السلام و اغتصاب حقه الثابت فلو كان الأمر على ضوء وصاية النبىّ صلّى الله عليه و آله سائرا لما اغتصب حقّ الخلافة منه ولاحقّ إلى يوم القيامة.
ص: 74
الشَّين مَعَ الرّاء
23- الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ (1).
قاله عليه السلام فى كتاب له كتبه إلى الحارث الهمداني:
( ... و إيّاك و مصاحبة الفسّاق فإنّ الشّر بالشّر ملحق ...) قال الشارح يقول: إنّ الطّباع ينزع بعضها إلى بعض فلا تصحبّن الفسّاق فإنّه ينزع بك ما فيك من طبع الشر إلى مساعد تهم على الفسوق و المعصية و ما هو إلّا كالنّار فإذا لم تجاورها و تمازجها نار كانت إلى الانطفاء و الخمود أقرب و روى (ملحق) بكسر الحاء و قد جاء في الخبر النبويّ: (عذابك بالكفار ملحق) بالكسر. (2)
قوله عليه السلام: (الشّر بالشّر ملحق)
معدود من الأمثال نظير قولهم: (الشّر للشّر ملحق) و (الحدید بالحديد يفلح) (3) و الإنسان المغفّل إذا صاحب الفاسق أثر فسقه فيه و زاد هو في فسقه إن لم يكن على حذر منه لا محالة جاء التأثير و زيادة الفسق بزيادة أفراد الفسّاق وهو المصاحب إذ المصاحبة مؤثرة إن خيرا فخير و إن شّرا فشّر و جاء في حديث الإمام السّجاد عليه السلام النهى عن مصاحبة خمسة و محادثتهم و مرافقتهم في طريق و هم الكذّاب و الفاسق و البخيل و الأحمق و القاطع لرحمه. (4)
ص: 75
و نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام ما يلى:
عاشر أخا ثقة تحظى بصحبته *** فالمرء مكتسب من كلّ مصحوب
كالرّيح آخذة حين تمرّ به *** نتن من النتن و الطيب من الطيب (1)
و من أثار سوء مصاحبة الفاسق أنّه مظنّة سخط الله عزّ و جلّ و عذابه إذا نزل عمّ من معه كما كان عكس ذلك مصاحبة المتقى الذي هو عرضه رحمة الله تعالى فإنّها إن نزلت عمّت و الفسق هو الخروج عن طاعة الله تعالى الذى هو منشأ الشرور إذ لا يأمن معه من ركوب المعاصى كلّها من الاجتماعيّة و غيرها التى تجلب الشّرور.
ص: 76
الشين مَعَ القاف
24 -شِقْشِقَة هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ (1)
مثل سائر أجاب به الإمام عليه السلام ابن عباس عندما سأله استرساله في كلام له من خطبة معروفة بالشقشقيّة لاشتمالها على الشقشقة، وقد ناوله رجل من أهل العراق كتابا لينظر فيه فقطع عليه السلام الخطبة ولم يعد إليها فتأسف ابن عباس عمّا فاته من إكمالها لأنّها تبيّن مواقف الخلفاء الثلاثة مع الإمام عليه السلام و الخلال التى لا تليق بمنصب الخلافة و من العجيب من ابن أبي الحديد و غيره حيث أوّلوا الكلمات فيها إلى ما لا تنطبق عليه اللغة العربيّة و من له أدنى إلمام بها لم يرتب فى مراد الإمام عليه السلام.
قال النيسابورى (الشِقشِقة) شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه اذا هاج و إذا قالوا للخطيب: "ذو شقشقة" فانّما يشبّه بالفحل. (2)
و بعض مؤلفى كتب الأمثال لم يذكر المثل في كتابه و لا تمثّل الإمام عليه السلام به لئلّا يواجه مشكلة التأويل لكلامه عليه السلام و آخر قد ذكر التمثّل به دون أن يزيد عليه و ثالث نفى الخطبة عن أن تكون صادرة عن الإمام عليه السلام فضلا عن تمثّله به و المعتزلى ممّن يقول بالصدور و يتصدّى للتأويل قال:
إن قيل: بيّنوا لنا ما عندكم في هذا الكلام أليس صريحه دالّاعلى
ص: 77
تظليم القوم و نسبتهم إلى اغتصاب الأمر فما قولكم في ذلك إن حكمتم عليهم بذلك فقد طعنتم فيهم و إن لم تحكموا عليهم بذلك فقد طعنتم في المتظلّم المتكلّم عليهم.
قيل أما الإماميّة من الشيعة فتجرى هذه الألفاظ على ظواهرها و تذهب إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه و آله نصّ على أمير المؤمنين عليه السلام و أنّه غصب حقّه.
و أمّا أصحابنا ره فلهم أن يقولوا ... (1) فراح يلّقنهم ما يلّفقونه الصرف الظهور و الحديث ذو شجون.
ص: 78
ص: 79
ص: 80
الصّاد مَعَ الألف
25- صَاحِبُ السُّلْطَانِ كَرَاكِبِ الْأَسَدِ (1)
من تمثيلات الإمام عليه السلام: (صاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه و هو أعلم بموضعه).
قال بعض الشرّاح: قد جاء في صحبة السلطان أمثال حكميّة مستحسنه تناسب هذا المعنى أو تجرى مجراه نحو قولهم: (صاحب السلطان كراكب الأسد يهابه الناس و هو لمركوبه أهيب)، (إذا صحبت السلطان فليكن مداراتك له مداراة المرأة القبيحة لبعلها المبغض لها فإنّها لا تدع التصنع له على حال)، (العاقل من طلب السلامة من عمل السلطان)، لأنّه إن عفّ حنى عليه العفاف عداوة الخاصّة، و إن بسط يده جنى عليه البسط السنة العامّة ... (2).
جاء التحذير البالغ في أحاديثهم علیهم السلام من الدخول إلى دواوين الظلمة و السلاطين و إعانتهم ولو بقّط قلم في نبوّى: (إذا كان يوم القيامه نادى منادٍ أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواتا أو ربط كيسا أو مدّ لهم قلما فاحشروهم معهم) (3)
إذ لا يأمن معهم من المعاصى و قتل النفس المحترمة و اغتصاب أموال الناس بل و ترك جميع ما أوجبه الله عزّ و جلّ و رکوب ما نهاه ولا فرق
بين العامل بالظلم و المعين و الراضى به كما في الحديث (4) نعم إذا
ص: 81
قصد قضاء حوائج المؤمنين و نجات حل المهلكة جاز إلّا أن يغلب عليه فلا يستطيع دفعا عن نفسه فضلا عن غيره من نفوس و على بن يقطين من النوع الجائز ثمّ الإمام عليه السلام أراد من التمثيل براكب الأسد خطورة الأمر حيث لا يأمن راكبه من الهلاك و لعلّه يعمّ كلّ متسلّط لم يقيّده الإيمان و مقتدر و إن لم يكن بسلطان.
ص: 82
ص: 83
ص: 84
الضّادَ مَعَ الحاء
26- ضَحِّ رُوَيْداً (1)
من أمثال سائرة يستعمل للرفق و ترك العجلة جاء في كلام له عليه السلام لابن عبّاس ( ... و أقسم بالله ربّ العالمين ما يسّرني أنّ ما أخذته من أموالهم حلال لى أتركه ميراثا لمن بعدى فضّح رويدا فكأنك قد بلغت المدي، و دفنت تحت الثرى و عرضت عليك أعمالك بالمحلّ الذى ينادى الظالم فيه بالحسرة ...).
قال الشارح: فضّح رويدا) كلمة تقال لمن يؤمر بالتؤدة والأناة و السكون وأصلها الرجل يطعم إبله ضحى، و يسيّرها مسرعا ليسير، فلا يشبعها فيقال له: (ضحّ رويدا) (2)
قال الزمخشري: ضحّ رويدا: أى ترّفق ولا تعجل و أصله أنّ الأعراب في باديتها تسير بالظعن فاذا عثرت على لمح من العشب قالت ذلك و غرضها أن يرعى الإبل الضحى قليلا قليلا وهى سائرة حتى إذا بلغت مقصدها شبعت فلمّا كان من الترّفق فى هذا توسّعوا فقالوا: في كلّ موضع (ضّح) بمعنى ارفق و الأصل ذاك قال زيد الخيل:
فلو أنّ نصرا أصلحت ذات بينها * لضحّت رويدا عن مطالبها عمرو (3).
و غرض الإمام عليه السلام من الأمر بالترّفق أن ينبّه ابن عبّاس مغبّة
ص: 85
الخيانة ولابّد من الدخول في القبر و الحشر و العرض على الله بالأعمال يوم ينادى الظالم بالحسرة و يعضّ على يديه و ينادي بالويل و الثبور و الأمر أفضح من ذلك (فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره * و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره) (1)
ص: 86
ص: 87
ص: 88
العين مَعَ النون
27- عِنْدَ الصَّبَاحِ یَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى (1)
من خطبة آخرها: (والله لقد رقعت مدرعتى هذه حتّى استحييت من راقعها و لقد قال لى قائل، ألا تنبذها عنك فقلت: اعزب عنّى: فعند الصباح يحمد القوم السّرى).
قال المفضل: أول من قال ذلك خالد بن الوليد ...
للّه درّ رافع آنّی اهتدی *** فوّز من قراقر إلى سوی
عند الصباح يحمد القوم السرى *** وتنجلى عنهم غيابات الكرى (2)
قال الزمخشري: أى إذا أصبح الذين قاسوا كدّ السّرى و قد خلّفوا تبجحوا بذلك و حمدوا ما فعلوا يضرب فى الحثّ على مزاولة الأمر بالصبر و توطين النفس حتّى تحمد عاقبته قال الجليح:
إنّى إذا الجبس على الكورانثنى *** لو سئل الماء فداء لافتدى
و قال كم أتعبت قلت قد أرى *** عند الصّباح يحمد القوم السّرى
و تنجلى عنه عما يات الكرى (3)
يضرب للرجل يحتمل المشقّة رجاء الراحة (4) مثل يضرب لمتحمل المشقّة العاجلة رجاء الراحة الآجلة (5) اختلف في قائله قد عرفت نسبته الى الخالد و قيل هو للجليح و قيل للأغلب العجلى أوغيرهم وكيف كان فقد
ص: 89
بان معنى المثل في مورده الأول و أمّا تمثّل الإمام عليه السلام به عند ترقيع مدرعته التي تعدل جبب السلاطين و ألبستهم المزيّفة بل لا قياس بينها و جميع مافي الدنيا فلوهن المادّة و صغرها في عينه و لاقتداء الفقراء به قال ذلك، قيل له لم ترقع قميصك قال عليه السلام ليخشع القلب و يقتدى بي المؤمنون (1).
قيل كان راقعه ابنه الحسن عليه السلام أو أهله و من هنا قال عليه السلام (حتى استحييت من واقعها) لا يستطيع واصف يصف زهده فعلی شيعته الاقتداء به و الاستضاءة بنور علمه و تقوى الله عزّ و جلّ كما كان هو كذلك.
ص: 90
ص: 91
ص: 92
الفاء مَعَ الألف
28 - فَاعِلُ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ، وَ فَاعِلُ الشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ. (1)
يماثل المثل الذى ضربه عليه السلام أو هو هو بتغييرها ماذكره الميداني: (إنّ خيرا من الخير فاعله، و إنّ شرا من الشّر فاعله) و قال: هذا المثل لأخ للنعمان بن المنذر يقال له علقمه قاله لعمرو بن هند في مواعظ كثيرة كذا ذكره أبو عبيد في كتابه. (2)
و للشارح شعر و بيان قال: قد نظمت أنا هذا اللفظ و المعنى فقلت في جملة أبيات لي:
خير البضائع للانسان مكرمة *** تنمی و تزكو إذا بارت بضائعه
فالخیر خیر و خير منه فاعله *** و الشّر شّر و شّر منه صانعه
فإن قلت كيف يكون فاعل الخير خيرا من الخير، و فاعل الشّر شرا من الشّر مع أنّ فاعل الخير إنّما كان ممدوحا لأجل الخير، وفاعل الشّر إنّما كان مذموما لأجل الشّر فاذا كان الخير و الشّر هما سببا المدح و الذّم و هما الأصل في ذلك فكيف يكون فاعلاهما خيرا و شّرا منهما؟
قلت: لأنّ الخير و الشّر ليسا عبارة عن ذات حيّة قادرةً وإنّما هما فعلان أو فعل و عدم فعل أو عدمان فلو قطع النظر عن الذات الحيّة القادرة التي يصدران عنها لما انتفع أحد بهما و لا استضّر فالنفع و الضّر انّما حصلا من الحىّ الموصوف بهما لا منهما على انفراد هما فلذلك كان فاعل الخير خيرا من الخير، وفاعل الشَّر شر من الشّر. (3)
ص: 93
و يؤّيده من بعض الوجوه أنّ العلم إنّما يقوم بأهله و كذا الجهل لا يكون إلّا بالجاهل فالعلم و الجهل بماهما لا وجود لهما و هكذا الصدق و الكذب و قد جاء (أحسن من الصدق قائله و خير من الخير فاعله) (1) و هل الخير قبل الشّر كما في الخبر (2) و هنا بحوث لا تسع المقام.
ص: 94
ص: 95
ص: 96
القاف مَعَ الدال
29 - ققَد أضاءَ الصُّبحُ لِذي عَينَينِ. (1)
هذا الكلام جار مجرى المثل و مثله: * و الشمس لا تخفى عن الإبصار * و مثله: * إن الغزالة لا تخفى عن البصر * و قال ابن هاني يمدح المعتز: فاستيقظوا من رقدة و تنبّهوا *** ما بالصباح عن العيون خفاء
ليست سماء الله ما تروّنها *** لكنّ أرضا تحتويه سماء (2)
قال الميداني (قد بيّن الصبح لذى عينين) بيّن بمعنى تبيّن يضرب للأمر يظهر كلّ الظهور (3) و ذكره العسكرى أيضا وقال: يضرب مثلا للأمر ينكشف و يظهر.(4)
فالمثل الجارى الذّى ضربه الإمام عليه السلام متّحد مع المثل السائر مع تغيير ما في لفظه، و هل المقصود من الانكشاف للجميع خلافته الكبرى المنصوص عليها بنصّ الغدير حيث جمع الرّسول صلى الله عليه و آله الناس عند الوصول إلى هذا المكان وقد نزل عليه جبرائيل بقوله تعالى (يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل اليك من ربّك فان لم تفعل فما بلّغت رسالته و الله يعصمك من الناس) (5) (و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما و علّوا) (6)
ص: 97
و هكذا ولده الأحد عشر الأوصياء المعصومون نصّت على وصايتهم النصوص المعتبرة كما ذكرها علماؤنا في مجامعهم و الجمهور: أنّ الأئمة من قريش يملكها اثنا عشر منهم) (1) وحديث الثقلين الدالّ على أنّ من لم يتمسّك بالكتاب وعترته أهلّ بيته ضال والمتمسّك غير ضالّ، ذلك بأنّ أهل البيت عليهم السلام معهم الشرائع من الحلال و الحرام بل و جميع أحكام الاسلام و بعد ذلك على الأمّه الرجوع إليهم و الأخذ عنهم عليهم السلام في كلّ شيء.
ص: 98
ص: 99
ص: 100
الكاف مَعَ اللّام
30 - كَلَعْقَةٍ لاعِقٍ (1)
من كتاب له عليه السلام إلى أهل البصرة أوله، (وقد كان من انتشار حبلكم و شقاقكم مالم تغبوا عنه فعفوت عن مجرمكم ... ولئن ألجأتمونى إلى الميسر إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلّا كلعقة لاعق ...).
شقاق أهل البصره مع أمير المؤمنين معروف و جاء ذمّهم على لسانه عليه السلام غير مرّة و كفى شقاقا يوم الجمل و الكلام تهديد لتكرير الشقاق و الخلاف منهم أنّه عليه السلام يوقع وقعة هي أمّر و أدهى من يوم الجمل بل لا يكون القياس إلى الوقعة المتوقّعة إلّا بمثل لعقة لاعق.
قال الشارح: (كلعقة لاعق) مثل يضرب للشيء الحقير التافه و بروی بضّم اللام و هى ما تأخذه الملعقة. (2)
في الحديث: (الويل لمن باع معاده بلعقة لم تبق) اللعقة بالفتح المرة من لعقت الشيء بالكسر ألعقه لعقا أى لحسته و منه الأصابع و من كلام له عليه السلام في أمر الخلافة و تأخيره عنها و هل هى إلّا كلعقة الآکل، و مذقة الشارب و خفقة الوسنان ثم تلزمكم المعرّات و مثله قوله عليه السلام (مصادرين أحدكم لعقة على لسانه صنيع من قد فرغ من عمله و أحرز رضی سیّده) و مثله قوله عليه السلام في خلافة مروان إنّ له إمرةً كلعقة الكلب أنفهُ لأنّ خلافته كانت شتة أشهر (3).
ص: 101
من ذلك كلّه عرف أنّ المثل المذكور يضرب للأمر التافه و للقلّة وقد یأتی لفظه لما لم يكن له حقيقة ثابتة كقول الإمام الحسين عليه السلام في كلام له (الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا محصّوا بالبلاء قل الدّيانون) (1)
ص: 102
الكاف مَعَ الميم
31- كَما تَدِينَ تُدانُ (1)
من خطبة له عليه السلام أوّلها: (وهو في مهلة من الله يهوى مع الغافلين ... وضع فخرك، و احطط كبرك، و اذكر قبرك فإنّ عليه ممرّك و كما تدين تدان، و كما تزرع تحصد ...)
عن الامام الصادق عليه السلام قال: كانت امرأة على عهد داود يأتيها رجل يستكرهها على نفسها فألقى الله عزّ و جلّ في قلبها فقالت له إنّك لا تأتينى مرّة إلّا وعند أهلك من يأتيهم قال فذهب إلى أهله فوجد عند أهله رجلا فأتى به داود عليه السلام فقال يانبىّ الله وجدت هذا الرجل عند أهلى فأوحى الله إلى داود قل له: كما تدين تدان (2).
و عنه عليه السلام أنّ الله أوحى إلى موسى عليه السلام لا تزنوا فتزني نسائكم و من و طیء فراش امرء و طیء فراشه كما تدين تدان (3).
من هنا يعلم أنه مثل سماوّى و أثبتناه نحن فى الأمثال النبويّة في حرف الكاف (4).
و أثبته الأدباء عن ابن دريد عن ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال كان ملك من ملوك غسّان ينقدر النساء لا يبلغه عن امرأة جمال إلّا أخذها فأخذ ابنة يزيد بن الصعق و كان أبوها غائبا فلمّا قدم أخبر فوفد على الملك
ص: 103
فصادفه متبدّیا و كان الملك إذا تبدّى لم يحجب عنه أحد فوقف منذ تحيّته يسمع كلامه فقال يا أيّها الملك المقيت أما ترى ليلا و صبحا كيف يختلفان هل تستطيع الشمس أن تؤتى بها ليلا و هل لك بالمليك يدان و اعلم و أيقن أنّ ملكك زائل و اعلم بأنّ كما تدين تدان فأجابه الملك:
إن التي سلبت فؤادك خطّة *** مرفوضة فاصبر لها ابن كلاب
فارجع بحاجتك التي طالبتها *** و الحق بقومك في هضاب إراب
ثم نادى إنّ هذه سنة مرفوضة قال أبو عبيدة ما أنشدت هذه الأبيات ملكا ظالما إلّا كفته عن غربه و معنى المثل كما تفعل يفعل بك (1).
ص: 104
32 - كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ تَمْنَعُ أَكَلَاتٍ (1)
من كلمات الإمام القصار المعدودة من الأمثال جاءت بلفظ (ربّ أكلة تمنع أكلات) فى كتب الأمثال قال المفضّل:
أوّل من قال ذلك عامر بن الظرب العدواني و كان من حديثه أنّه كان يدفع النّاس في الحج فرآه ملك من ملوك غسّان فقال لا أترك هذا العدوانى حتّى أذلّه فلمّا رجع ذلك الملك إلى منزله أرسل إليه أحبّ أن تزورني فأحبوك و أكرمك و أتخذّك خليلا فأتاه قومه فقالوا: نقد و يفد معك قومك فيصيبون في جنبك و يتّجهون بجاهك فخرج و أخرج معه نفرا من قومه فلمّا قدم بلاد الملك أكرمه و أكرم قومه، ثم انكشف له رأى الملك فجمع أصحابه و قال: الرأى نائم و الهوى يقظان و من أجل ذلك يغلب الهوى الرأى عجلت حين عجلتم و لن أعود بعدها إنّا قد تورّطنا بلاد هذا الملك فلا تسبقونى بريث أمر أقيم عليه، و لا بعجلة رأى أخفّ معه فإنّ رأيي لكم، فقال قومه قد أكرمنا كما ترى و بعد هذا ما هو خير منه فقال: لا تعجلوا فإنّ لكلّ عام طعاما و ربّ أكلة تصنع أكلات ...) (2)
و الميداني: يضرب فى ذمّ حرص الطعام، وسرد القصة (3) و العسكرى يضرب مثلا للخصلة من الخير تنال على غير وجه الصواب فتكون سببا لمنع أمثالها ثم أشار إلى ما تقدّم من قول المفضّل. (4)
ص: 105
من وجوه منع الأكلة الأكلات عدم مضغها كما ينبغى و المضغ مما يمرى الطعام الذي لا يجّر مرضا معه إذا الطاعم أكل عند الجوع و رفع اليد عنه و هو يشتهى و أجاد المضغ لم يشتك و جعا، و منها كبر اللقمة، و منها العجلة فى الأكل و سرعة الابتلاع و منها عدم التعّهد لما يأكل (ربّ أكله هاضت الآكل و منعته مآكل)
كم أكلة خامرت حشاشرهٍ *** فأخرجت روحه من الجسد (1)
ص: 106
الكاف مَعَ النّون
33- كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ (1)
من كلام له عليه السلام و قد قام إليه رجل من أصحابه فقال نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنابها فما ندرى أى الأمرين أرشد فصفق عليه السلام إحدى يديه على الأخرى ثم قال: (هذا جزاء من ترك العقدة أما و الله لو أنّى حين أمرتكم بما أمرتكم حملتكم على المكروه الذي يجعل اللّه فيه خيرا فإن استقمتم هديتكم، و إن اعوججتم قوّمتكم و إن أبيتم تداركتكم لكانت الوثقى، و لكن بمن، و إلى من أريد أن أداوى بكم و أنتم دائى کناقش الشوكة بالشوكة و هو يعلم أنّ ضلعها معها).
أثبتنا صدر الكلام لربط التمثيل، قال المعتزلى و هذا مثل مشهور: (لا تنقش الشوكة بالشوكه، فإنّ ضلعها معها) و الضلع الميل يقول لا تستخرج الشوكة الناشبة فى رجلك بشوكة مثلها فإنّ إحداهما في القوة و الضعف كالأخرى فكما أنّ الأولى انكسرت لمّا وطئتها فدخلت في لحمك فالثانية إذا حاولت استخراج الأولى بها تنكسر و تلج في لحمك (2).
قال الزمخشرى بعد المثل ويروى فإنّ (إلبها) و المعنى ميلها يضرب في النهي عن الاستعانة بمن هو للمطلوب منه الحاجة أنصح منه للطالب (3)
أوردناه فى الأمثال النبوية (4) و الغرض من التمثيل به هنا يعرف
ص: 107
من قبله حيث قال عليه السلام (أريد أداوى بكم وأنتم دائى) فأصحابه يزيدون فى علّته بدل أن يرفعونها لأنّ حادثة التحكيم لم تحدث إلّا من قبلهم فكيف يعمل في رفعها بسبب هؤلاء وهم قد أوجدوها فحالها و حال الإمام عليه السلام كمعالجة إخراج الشوكة بشوكة أخرى تزيدها و لوجا.
ص: 108
34 -كَنَاقِلِ اَلتَّمْرِ إِلَى هَجَرَ (1)
مثل سائر من كتاب له عليه السلام جوابا إلى معاوية وهو من محاسن الكتب أوّله (أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمد!
... (ثم قال عليه السلام) فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا، و نعمته علينا فى نبيّنا فكنت فى ذلك كناقل التمر إلى هجر أوداعى مسدّده إلى النضال ...).
و إنّما تمثّل الإمام عليه السلام في جواب معاوية المعدّد لتعم الله تعالى على أهل البيت (ع) ردّا له بأن (أهل البيت أدرى بما فيه) و (أهل مكّة أعرف بشعابها) و ليس معاوية في بيان نعم اللّه على آل محمد صلى الله عليه و آله و سلّم و تعديدها إلّا كمستبضع التمر إلى بلدة (هجر) التي ينقل منها التمر لا إليها كما عبّر بعض عن المثل الجاری ب_ (كمستبضع التمر إلى هجر).
قال النيسابورى بعد المثل بلفظه الأخير قال أبو عبيد: هذا من الأمثال المبتذلة و من قديمها و ذلك أنّ (هجر) معدن التمر و المستبضع إليه مخطىء قال النابغة الجعدي:
و إنّ امرءا أهدى إليك قصيدة *** كمستبضع تمرا إلى أرض خيبرا (2)
قال المعتزلى: مثل قديم و هجر اسم مدينة لا ينصرف للتعريف و التأنيث وقيل هو اسم مذكر مصروف و النسبة هاجرىّ على غير قياس و هي بلدة كثيرة النخل يحمل منها التمر إلى غيرها قال الشاعر في هذا المعنى:
ص: 109
أهدى له طرف الكلام كما *** یہدى لوالى البصرة التمر
قوله عليه السلام (أو داعى مسدّده إلى النضال) أى معلّمه الرمي و هذا اشارة إلى قول القائل الأول:
أعلّمه الرماية كلّ يوم *** فلمّا استدّ ساعده رمانی (1)
من كلمة السديد لا الشديد.
ص: 110
ص: 111
ص: 112
اللّام مَعَ الألف
35- لَا رَأْیَ لِمَنْ لَا یُطَاعُ (1)
من خطبة له عليه السلام فى الجهاد أوّلها (أمّا بعد فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّه ... لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين و ها أنا قد ذرّفت على الستّين و لكن لا رأى لمن لا يطاع) أول من قاله عتبة بن ربیعة حین اجتمعت قريش للمسير إلى بدر و هو مأخوذ من قول الشاعر.
أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى * و لا أمر للمعصىّ إلّا مضيّعا (2).
و المراد من نفى الرأى عند عدم الطاعة الغرض المترتّب على اتّباعه لا نفيه رأسا وكلمة (لا) النافية للجنس تقتضى النفى رأسا و لكن لأجل القرينة الخارجيّة من عقل أو نقل يصرف ظهورها عن اقتضائها في ذلك كما قال الفقهاء فى (لا صلاة لمن جاره المسجد) أنّ المنفى فيها الكمال لا الصلاة رأسا حتى يحكم عليها بالبطلان إذا صلّاها المصلّى في غير المسجد فكأنّ الذى لم يتبّع رأيه و لم يطع فاقد له رأسا و كان عليه السلام فى طوال خمس و عشرين سنة جليس بيته لم يطع رأيه و هو عليه السلام واجد له بالذات فالمثل جاء من باب المبالغة في عدم تحقّق الأهداف السامية عند تركهم طاعة الإمام عليه السلام من أمرهم بجهاد العدوّ الألدّ كمعاوية بن أبي سفيان و من يحذو حذوه وفي جميع الأدوار و العصور لم تحصل للأنبياء من أممهم الطاعة على سبيل العموم
ص: 113
و هكذا أوصياؤهم عليهم السلام و الّا لازدهرت الأيّام ولعمّت السعادة فقد جرى في هذه الأمّة ما جرى فى السلف القّذة بالقّذة كما جاء الحديث في تفسير قوله تعالى (لتركبنّ طبقا عن طبق) (1) فلا جرم أنّ صاحب الخلافة الكبرى أمير المؤمنين عليه السلام قال هذه المقالة تحسّرا عليهم من قلب ملؤه حبّ و حنان وعن يقين أنّ فى الطاعة نجاتهم و في الخلاف هلاكهم و لا يقول قائل هذا الكلام إلا تحسّرا على فوت الهدف الأفضل بالعصيان و علما منه بالعاقبة المحمودة بالطاعة.
ص: 114
اللّام مَعَ الباء
36 - لَبِّثْ قَلِیلاً یَلْحَقِ الْهَیْجَا حَمَلْ (1)
تمثّل عليه السلام بالرجز لكلام له في جواب معاوية من فقره و ذكرت أنه ليس لي و لأصحابي عندك إلّا السيف فلقد أضحكت بعد استعباد! متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين، و بالسيف مخوّفين
فلبّث قليلا يلحق الهيجا حمل).
و الرجز لحمل بن بدر القشيرى صاحب الغبراء - أغير على إبله في الجاهليّة فاستنقذها و قال:
لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل *** لا بأس بالموت إذا الموت نزل (2)
و في لفظ: * ما أحسن الموت إذا حان الأجل * قالوا فى (حمل) هو اسم رجل شجاع كان يستظهر به في الحرب و لا يبعد أن يراد به حمل بن بدر صاحب الغبراء يضربه من ناصِره و راءه. (3)
لم يرتب اثنان من البشر فى شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام تشهد لها حروبه و مواقفه الجبّارة فى حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و بعد مماته وكيف لا وهو معلّم الشجعان فنون الحرب و معاوية يقول هذه المقالة وهو يعلم أن لا مقاومة له و لا لجنوده و عشيرته للمقتولين بيد الإمام عليه السلام بل و لا العرب كلّها عند ضربة علىّ عليه السلام و هو
ص: 115
القائل: (و الله لو تظاهرت العرب على قتالى لما وليّت عنها، و لو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت اليها ...) (1)
و إنّما قالها لتخدير أفكار أصحابه المغفّلين بل معاوية يدرى أنّ صاحب أمير المؤمنين عليه السلام مالك الأشتر مبيد له و ما يملك من أهل الشام و كان الأمر كذلك لو لا حادثة التحكيم من جهلة الأصحاب من زهاء عشرين ألف نهروانی و الحديث ذو شجون و قد شابهت محنته عليه السلام محنة هارون حيث طلب أصحاب موسى عليه السلام منه أن يجعل العجل لهم الها كمالهم آلهة و لا حول و لا قوه الا بالله.
ص: 116
اللّام مَعَ الجيم
37- لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ (1)
تمثّل الإمام عليه السلام بالمثل المذكور من كتاب له إلى المنذر بن الجارود العبدى و قد كان استعمله على بعض النواحى فخان الأمانة فى بعض ماوّلاه من أعماله: ( ... و لئن كان ما بلغني عنك حقّا لجمل أهلك، و شسع نعلك خير منك ...)
قال الشريف الرضى طاب ثراه:
المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام (إنّه لنظّار فى عطفيه مختال في برديه، تفّال في شراكيه).
استعرض جميع من أرباب التراجم ترجمته و لئن لم يكن في قدحه الّا ما جاء في كلام الامام عليه السلام لكفى ولا يهمّنا الترجمة و كلّ من كان على صفته و شاكلته شمله القدح المذكور: أنّ جمل أهله، و شسع نعله خير منه و نظيره المثل النبوّى المروّى: "ربّ مركوب خير من راكبه " (2) فخائن الأمانة الراكب الجمل أو النعل مركوبه خير منه لأنه لم يخن قال المعتزلى في الشرح: العرب تضرب بالجمل المثل في الهوان قال:
لقد عظم البعير بغير لبّ *** و لم يستغن بالعظم البعير
يصرّفه الصبّى بكلّ وجه *** ويحبسه على الخف الجرير
و تضربه الوليدة بالهراوى *** فلا غير لديه ولا نكير
فأمّا شسع النعل فضرب المثل بها في الاستهانة مشهور لا يتذ الها
ص: 117
و وطئها الأقدام في التراب (1).
ثم وجوب ردّ الأمانة، و حرمة الخيانة ثابت بالأدّلة الأربعة الكتاب و السّنة و العقل و الإجماع و لا فرق فى ذلك بين القلّة و الكثرة و لو كان كمثل إبرة أو أقلّ منها و ما قلله عليه السلام (2) لابن عبّاس لما بلغه منه أن لو كان من الحسن و الحسين عليهما السلام لا نتقم منهما يغنى عن البحث.
ص: 118
اللّام مَعَ العين
38 - لَعَمْرُ أَبِیِکَ الْخَیْرِ یَا عَمْرُو إِنَّنی *** عَلَى وَضَر مِنْ ذَاالإِنَاءِ قَلیِل (1)
من خطبة له عليه السلام و قد تواتر عليه الأخبار باستئلاء أصحاب معاوية على البلاد و قدم عليه عاملاه على اليمن و هما عبيد الله بن عبّاس و سعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن أرطاة فقام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد، و مخالفتهم له في الرأي فقال:
(ما هى إلّا الكوفه أقبضها و أبسطها إن لم يكن إلّا أنت تهّب أعاصيرك فقبّحك اللّه و تمثّل بقول الشاعر:
لعمر أبيك الخير يا عمرو إننّى *** على وَضَرٍ من ذا الامناء قليل ...)
و البيت من - الطويل - و الغرض من التمثّل به يعرف من كلامه عليه السلام قبله أي قبل البيت: (ما هى إلّا الكوفه ...) أنها لديه عليه السلام كالوَضَر القليل في الإناء و هو غسالة الشيء و بقيّة الدسم أى لم يبق من البلاد و العباد له سوى الكوفة وهى مهدّدة بجيش الشام لخذلان أصحابه بنهو ضهم للجهاد مع العدوّ و استيلاء ابن أرطاة من قبل معاوية على اليمن وقتل أهلها وهى من الحوادث الممضّه و هكذا كان أرواحنا فداه أيّام خلافته ممتحنا بالفتن و خذلان صحبه و أهل الكوفة أهل الغدر و التخذيل و كثيراً مّا كان عليه السلام يستنهضهم لجهاد العدوّ فلم ينهضوا بالحرّ و القرّ كانوا يقولون حتّى تنقضى حمّارة الحرّ أو قرص البرد و هو يخوّفهم نار جهنّم و غيرها من ألوان عذاب الله الأكبر فلم يتخوّفوا فهو عليه السلام أوّل مظلوم فى العالم قبل خلافته و بعد ها (ع)
ص: 119
اللّام مَعَ الواو
39- لَوْ يُطَاعُ لِقصْيرٍ أ مرْ (1)
من خطبة أولها: (الحمد لله و إن أتى الدهر بالخطب الفادح (إلى قوله عليه السلام) و قد كنت أمرتكم فى هذه الحكومة أمرى، و نخلست لكم مخزون رأيى لو يطاع لقصير أمر ...)
و المثل من قصّة مشهورة ضربت فيها عدّة أمثال هو منها ذكرها الأدباء بتفصيل منهم صاحب رسالة الإسلام قال: قاله قصير بن سعد اللخمي لجذيمة الأبرش عند ما أشار عليه ألّا يستجيب إلى الزباء ملكة الجزيرة حينما كتبت إليه فى أن يقبل إليها لتضمّ ملكها إلى ملكه و كانت تنوى من وراء ذلك الغدر به لأنّه كان قد و ترها بقتله أباها فلم يقبل جذيمة مشورة قصير و ذهب إليها فقال قصير: (لو يطاع لقصير أمر).
و كانت نهاية الأمر أن قتلت الزباء جذيمة و أدركت تأرها (2) و القصّة هذه من أحفل القصص في الأمثال التي قيلت خلال حوادثها فقد بلغت واحدا و عشرين مثلا ... رأى فاتر و غدر حاضر، رأيك فى الكن لا في الضّح، لا يطاع لقصير أمر، ببقّة خلفت الرأى القول رداف،
خطب يسير، لا يشّق غباره، ويل أمّه ... خير ما جاءت به العصا ....
و استشهد الإمام عليه السلام بالمثل المذكور حيث نصح جماعته بعدم قبول التحكيم في وقعة صفّين وأبوا عليه ذلك (3)، و المحدّث القمّى ره أثبت المثل و قصّته من نصح قصير مولى جذيمة و بعثة الزباء
ص: 120
إليه ليتزوّج بها فخرج فى ألف فارس و خلّف باقی جنوده مع ايس أخه ... (1)
و هو مثل يضرب لمن خالف نصح الناصح، و ما أكثر من نزول الويل على من ترك نصح ذى الحجى و حلول الندامة عند معصية ذوى الرأى و الإشفاق و هل كان أحد أسدّ من الأمير عليه السلام رأيا و أكثر إشفاقا على الرعيّة و إنّ حادثة التحكيم المفروض منهم على الإمام عليه السلام لمن أمّر الحوادث و أشدّها على الإسلام و المسلمين من جرّاء العصيان و التمرّد.
ص: 121
ص: 122
الميم مَعَ الألف
40 - مَا عَدا مِمَّا بَدا (1)
جاء المثل في آخر كلام له عليه السلام لما أنفد عبد الله بن عبّاس إلى الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعته:
(لا تلقيّن طلحة فانّك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه، يركب الصّعب و يقول هو الذلول: و لكن ألق الزبير فإنّه ألين عريكة فقل له يقول لك ابن خالك عرفتني بالحجاز، و أنكرتنى بالعراق: فما عدا ممّا بدا).
قال الرضى رحمه الله:
وهو عليه السلام أول من سمعت منه هذه الكلمة أعنى: (فما عدا ممّا بدا).
كتبها كلّ من الميدانى (2) و المفضل (3) و غيرهما ناسبين لها إلى أمير المؤمنين عليه السلام و هى صالحة للمثل بل هي هو.
قال القطب الراوندى قوله: (فما عدا ممّا بدا) له معتيان أحدهما: ما الذي منعك مما كان قد بدأ منك من البيعة قبل هذه الحالة، الثاني: ما الذى عاقك و يكون المفعول الثانى ل_ (عدا) محذوفا يدل عليه الكلام أى ماعداك: يريد ما شغلك و ما منعك ممّا كان بدالك من نصرتی (4) و قيل المعنى ما الذى صدّك عن طاعتى بعد إظهارك لها و حذف الضمير المفعول المنصوب كثير جدّا كقوله تعالى (و اسأل من أرسلنا من قبلك
ص: 123
يمكن كونه مثلا سائرا تمثّل الإمام به أو من باب توارد الخواطر أو من كلمات قصار صالحة للمثل كما تقدم قيل أجاب زبير بعد إبلاغه: أبلغه سلامی و قل له: عهد خليفة، و دَم خليفة، وإجماع ثلاثة و انفراد واحد و أمّ مبروره، و مشاورة العشيرة (3).
ص: 124
الميم مَعَ التّاء
41-الْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ وَ النَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ. (1)
من كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه و قد بلغه أنّ معاوية كتب إليه يريد خديعته باستخلافه:
( ... و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطّاب فلته من حديث النفس، و نزعة من نزعات الشيطان لا يثبت بها نسب، ولا يستحقّ بها إرث، و المتعلّق بها كالواغل المدّفع، و النَوط المذبذب).
قال الرّضى رحمه الله: قوله عليه السلام: (الواغل) هو الذى يهجم على الشرب ليشرب معهم و ليس منهم فلايزال مدّفعا محاجزا، و (النَّوْط المذبذب): هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فہو أبدا يتقلقل إذا حثّ ظهره، و استعجل سیره.
و قيل (الواغل): غير المدعوّ إلى و ليمة المعبرّ عنه بالطفيل لا يزال يدفع بإخراجه عن ذلك (2)، قوله عليه السلام (فلتة) الفلتة: وقوع الأمر من غير تدبّر و لا رويّه، وكلّ شيء يفعله الإنسان فجأه من غير تدبّر و لا رويّه، و منه قول عمر كانت بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرّها (3)
و مراده عليه السلام من فلتة أبى سفيان قولته في تبنّى زياد و أنه ولده لا يثبت بهذا القول بنّوة فى ظاهر الشرع يتوارث عليها فشبهّها عليه
ص: 125
السلام المتعلّق بها كمن يهجم على ورد ماء ليس من أصحابه فيدفع عنه و يمنع عن ورود الورد أشدّ المنع أو كمن علّق على دابته قعبا أو قدحا متقلقلا أبدا و كلا التمثيلين لمدّعى بنوّه من لا يكون له كأبي سفيان بدعوه بنوه زیاد و لزياد لزياد نفسه.
ص: 126
الميم مَعَ الثّاء
42 - مَثَلُ آلِ مُحَمَّدٍ كَمَثَل نُجوم السَّمَاءِ (1)
في آخر خطبة له عليه السلام ( ... ألا إنّ مثل آل محمّد كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم).
تمثيلهم علیہم السلام بالنجوم تكرّر في أحاديثهم كما جاء عن النبيّ صلّى الله عليه و آله ما يطابق على ذلك روى الشيخ الصدوق بسنده إلى ابن عبّاس في حديث قال قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ( ... و مثلكم مثل النجوم كلمّا غاب نجم طلع نجم إلى القيامة).(2)
إذا جهل السالكون الطريق فى الليل المظلم اهتدوا بنجوم السماء كما قال تعالى (و بالنجم هم يهتدون) (3). بإضائتها و انتظام الساكنة
و السائرة منها حيث يستدلّ بوضعها على قطاع الأرض المنقسمة إلی أقاليمها السبعة، وعلى أبعاض الليل و ساعاته و الناس إذا جهلوا و الجهل أصلهم حيث أخرجوا من بطون أمّهاتهم لا يعلمون شيئا كما في الآية (4) افتقروا إلى الإضائة في السلوك إلى الله تعالى إلى هداه یهدونهم سبل السلام من هنا جاء تمثيلهم علیهم السلام بالنجوم و وقع في محلّه!
و المشابهة بين أهل البيت عليهم السلام و النجوم من وجوه: الإضاءة، و امتدادها، بقيام إمام عند موت إمام كطلوع نجم إذا خوى نجم
ص: 127
و الرفعة المختصة بهم عليهم السلام التي اختارها الله تعالى لهم لا يشاركهم غيرهم فيها، و سرور الناظر إلى نجوم الولايه كما يسرّه إذا نظر إلى نجوم السماء و غيرها من وجوه لا تحصل بتمثيل الشمس و القمر و إن جاء في دعاء الندبة (أين الشموس الطالعة، و الأقمار المنيرة) (1) و غير الدعاء لاختلاف وجهة الأهداف من التمثيل و إن شئت الوصول إلى واقع التمثيل فابحث عن لزوم الحجّة فى الأرض و استحالة خلّوها عند العقول و الفطرة السليمة التى تؤيّدها صحاح الأخبار أنّه لو خلت عن الحجّة لساخت بأهلها (2).
ص: 128
43 - مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الحَيَّةِ (1)
قال عليه السلام: (مثل الدّنيا كمثل الحيّة ليّن مسّها، و السمّ الناقع في جوفها يهوى إليها الغرّ الجاهل، و يحذرها ذو اللب العاقل)
يشابه المثل المثل الآخر منه عليه السلام في كتاب له كتبه إلى سلمان الفارسى رحمه الله قبل أيام خلافته: (أما بعد فإنّما مثل الدّنيا مثل الحيّة ليّن مسّها قاتل سمّها فأعرض عمّا يعجبك فيها لقلّة ما يصحبك منها وضع عنك همومها ...) (2)
لا يفتقر المثلان إلى توضيح بعد القدر المشترك بين الحيّه و الدّنيا فى إهلاك مزاولهما و أنّهما عدّو الانسان والعاقل يكون على حذر دائما منهما.
يقول أبو العتاهية:
إنما الدّهر أرقم ليّن المسّ *** و في نابه السّقام العقام (3)
و تجد الإمام عليه السلام يمثّل الدنيا بما يحذّر الناس من اعتناقها إلّا بقدر الحاجة و القرآن الكريم والسنّة النبويّة و تمام روايات أهل البيت علیهم السلام تحذّرهم عنها غاية التحذير وقد جاء في الحديث: (حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئه). (4)
و جاءت تمثيلات للدّنيا ببيت العنكبوت، و العجوز، و البحر العميق
ص: 129
و فصول السنة و الماء النازل من السماء و الخضرة فى الكتاب و السنّة وكلّ ذلك يشهد له الواقع و كان عمل الإمام عليه السلام و زهده في الدنيا بل وعمل أهل البيت عليهم السلام و زهد هم فيها يجسّد التحذير عنها أكثر منه من القول لأنّ العمل يترك فى النفوس من الأثر غير الموضوف.
ص: 130
44 - مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ (1)
في وصيّته لابنه الحسن عليهما السلام مثلان ضربهما لمن خبر الدنيا و لمن اعتّر بها.
قال عليه السلام:
(إنما مثل من خبر الدنيا كمثل قوم سفر نبابهم منزل جديب فأمّوا منزلا خصيبا و جنابا مريعا فاحتملوا و عثاء الطريق، و فراق الصديق، و خشونة السفر، و جشوبة المطعم، ليأتوا سعة دراهم، و منزل قرارهم، فليس يجدون لشيء من ذلك ألما، و لا يرون نفقة فيه مغرما، ولا شيء أحبّ إليهم ممّا قرّبهم من منزلهم، و أدناهم إلى محلتهم.
و مثل من اغترّ بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب فنبابهم إلى منزل جديب فليس شيء أكره إليهم، و لا أفظع عند هم من مفارقة ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه، و يصيرون إليه).
فى المثلين شرح كاف و قد كثر ضرب الأمثال للدنيا و أهلها فى الكتاب و السنّة تحذيراً عن سوء المغّبة و ترغيباً إلى رفضها و الإقبال على الله عزّ و جلّ و في ضرب المثل فى التحذير أو الترغيب بما يجسّد المحذّر منه أو المرغّب فيه مالا يحصل بغيره و هكذا سائر الدّواعى و الأغراض، قوله عليه السلام (نبا) يقال نبا عنه بصره ينبو: أى تجافى و لم ينظر إليه، وبنا به منزله إذا لم يوافقه (2)
يقول: مثل من عرف الدنيا و عمل فيها للآخرة كمن سافر من منزل
ص: 131
جدب إلى منزل خصيب فلقى فى طريقه مشقّة فإنّه لا يكترث بذلك في جنب ما يطلب و بالعكس من عمل للدنيا و أهمل أمر الآخرة فإنّه كمن سافر إلى منزل ضنك و يهجر منزلا رحيبا طيّبا. (1)
ص: 132
الميم مَعَ الرّاء
45 - الْمَرْأَةَ رَیْحَانَةٌ وَ لَیْسَتْ بِقَهْرَمَانَة (1)
جاء المثل فى وصيّته لابنه الحسن عليهما السلام:
(و لا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإنّ المرأة ريحانة و ليست بقهرمانه، و لا تعد بكرامتها نفسها، و تطمعها في أن تشفع لغيرها).
في الوصيّه عدّة أمور ترتبط بالمرئة.
منها المنع من إدخالها في الشئون المعاشيّة التي يقوم بها الرجل تبنى على الأغلب على صعوبة و خشونة لا تلائم نعومة المرأة و ضعفها الذّاتىّ ولأجلها قال عليه السلام: (فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانه) ومنها المنع عمّا يمسّ كرامتها من ذهابها إلى اجتماعات رجاليّة، أو نسائيّة فإنّ المرأة تسعى غالبا فيما فيه زينتها و تسويل نفسها و منها المنع عن الشفاعة لغيرها إذ لا تكون فكرتها ترجع إلى دين المشفوعة، و منها ترك مشاركتها في المشورة، و الأمر بشدّة حجابها وإلى الأخبرَيْن أشار عليه السلام فى الوصيّة بقوله (و إيّاك و مشاورة النساء فإنّ رأيهنّ إلى أفَن و عزمهّن إلى وهن، و اكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ فإنّ شدّة الحجاب أبقى عليهن و ليس خروجهنّ بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهن و إن استطعت ألّا يعرفن غيرك فافعل). (2)
ثم التّمثيل بالريحانه يقصد منه اللّذه والتّمتع و سكون الرجل إليها
ص: 133
و ضمان حياته الثانية بالولد الذى يبقى الوالد به وإن كان ميّتا فلأمر أهمّ خلقت من تربية أولاد، و إدارة شئون داخليّة هي وسائل الثقة، و فراغ البال لعبادة الله تعالى الغاية من الخلق كما قال عزّ و جلّ (و ما خلقت الجنّ و الإنس إلّا ليعبدون) (1) ومن هنا وجبت و النفقة على الرجل حتّى لا تهتّم بشئ سوى ما تقدّم.
ص: 134
46 - الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ، حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ (1)
من تمثيلاته عليه السلام، اللّسبة: اللسعة لسبته العقرب بالفتح لسعته، و لسبت العسل أى لعقته (2).
جاءت عدّة تمثيلات في مدح المرأة و قدحها من الأول: (المرأة ریحانه و ليست بقهرمانة) (3) (المرأه لعبة)، (4) (النساء شقائق الرجال) (5). و من الثاني: (المرأة مثل الضلع المعوّج إن تركته انتفعت به) (6)
هى الضلع العوجاء لست تقيمها *** ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أيجمعين ضعفا واقتدارا على الفتى *** أليس عجيبا ضعفها و اقتدارها
(المرأة شرّكلّها و شرّ مافيها أنّه لابدّ منها) (7)
إنّ النساء كأشجار نبتن معا *** هنّ المرار و بعض المرّ مأكول
إنّ النساء متى ينهين عن خلق *** فإنّه واجب لا بدّ مفعول (8)
قيل: إنّ كيد النساء أعظم من كيد الشيطان لأنّ الله تعالى ذكر الشيطان فقال: (إنّ كيد الشيطان كان ضعيفا) (9) و ذكر النساء فقال: (إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيم) (10)
و الجواب: أنّ ضعف كيد الشيطان إنّما هو في جنب الله تعالى و عظم كيد النساء بالقياس إلى الرجال، و بعد ذلك كلّه أنّه لولا النساء لما كان الرجال و إن افترقن عنهم بفروق.
ص: 135
الميم مَعَ السّين
47- مُسْتَقْبِلِینَ رِیَاحَ اَلصَّیْفِ تَضْرِبُهُمْ بِحَاصِبٍ بَیْنَ أَغْوَارٍ وَ جُلْمُودِ (1)
تمثلّ عليه السلام بهذا البيت فى كتابه إلى معاوية جوابا عن كتابه: (اما بعد فانّا كنّا نحن و أنتم على ما ذكرت من الألفة و الجماعة ففرّق بيننا و بينكم أمس أنّا آمنّا و كفرتم ... و ذكرت أنّك زائرى في جمع من المهاجرين و الأنصار و قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك فإن كان فيك عجل فاسترفه! فإنّى إن أزرك فذلك جدير أن يكون الله انّما بعثني إليك للنقمة منك، وإن تزرنى فكما قال أخو بني أسد:
مستقبلين رياح الصيف تضربهم *** بحاصب بين أغوار و جلمود).
الحاصب لقوم لوط وهى عاصف فيها حصباء، و الحصباء: صغار الحصى. و الأغوار جمع غور و الغور ما بين ذات عرق إلى البحر غور تهامة فتهامة أوّلها ذات عرق من قبل نجد إلى مرحلتين من وراء مكّه و ماوراء ذلك فهو الغور، و جلمود أو جلمد كجعفر و عصفور: الصخر ميمه زائدة (2) و قيل الغور الخبار.
و حصيلة كلام الإمام عليه السلام تكذيب معاوية أن يكون معه مهاجر أو ناصر بانقطاع الهجرة بأسر أخيه يزيد بن أبي سفيان في باب الخندمة بل الذين معه هم أبناء الطلقاء، فإن زرتك فأنا نقمة الله عليك وان زرتنى فأنت كأرياح الصيف لا فائدة فيها سوى ضرب الوجوه بصغار الحصى
ص: 136
و الغبار أو بين الصخور من أراضى تهامة أى زيارتك شرّ كلّها.
قال المعتزلى "كنت أسمع قديما أنّ هذا البيت من شعر بشر بن أبي حازم الأسدى و الآن قد تصفحت شعره فلم أجده ولا وقفت على قائله " (1).
و كيف كان فالمثل منطبق على كلّ من فيه صفة معاوية مهما كان نوعه فزيارة المنافقين كلّها شرّ لا خير فيها إذ لم يرد بها وجه الله عزّ و جلّ و ليست هي من روح الله كزيارة المؤمنين.
ص: 137
الميم مَعَ النون
48 - مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوَاضِحَ وَرَدَ الْمَاءَ (1)
من كلام له عليه السلام يجرى مجرى الأمثال: ( ... يا أيها الناس من سلك الطريق الواضح ورد الماء، و من خالف وقع في التّيه). والتيه: المفازة لايهتدی سالکها و نظير المثل المثل: (من سلك الجدد أمن العثار) الجدد الأرض المستوية و (يروى من تجنّب الخبار ...) و هى أرض رخوة تتعتع فيها الدّوابّ، يضرب لطالب العافية. (2)
إرشاد منه عليه السلام يلمسه كلّ أحد يرشد به أصحابه و يحذّرهم عن سلوك ما يعطبون به وأمره عليه السلام أوضح من كلّ واضح إن تمسّك متمسّك به نجا و من خالفه هلك وقد جاء الحديث النبوّى (مثل أهل بيتى كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلّف عنها غرق). (3)
و المراد بالتمثيّل ليس هو مجرّد الولاء لأهل البيت عليهم السلام فقط بل لابدّ من العمل بما يقولون ويحبّون والاتّباع المورث لحبّ الله تعالى كما قال تعالى: (قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحبيكم الله). (4). و عليه فالمثل واقع موقعه إذ أنّ السالك الطريق الواضح يصل إلى ما يقصده من سلوكه و المنحرف عنه يفوته و ليس له إلّا التعب أو العطب.
و قد أتّم الله الحجّة على النّاس و بلّغها أنبياؤه و بلغ إيّاها الرّسول و أوصياؤه المعصومون صلّى الله عليهم و سلّم و بعد ذلك كلّه إمّا أن يشكروا أو يكفروا كما قال تعالى (و هديناه النجدين) (5) هما طريق الشّر،
ص: 138
و الخير، وقال تعالى: (إنّا هديناه السبيل إمّا شاكرا و إمّا كفورا) (1) (قل فللّه الحجّة البالغة) (2) الأنبياء و الأوصياء والشّرائع السماويّة هي الحجج الظاهرة و العقول الموهوبة للنّاس و ما فطروا عليه من المعرفة به تعالى و دينه الحجج الباطنه فقد تمّت رسل الله من خارج و داخل (لئلّا يكون للنّاس على الله حجة بعد الرّسل) (3)
ص: 139
49 - مَنْ لَانَ عُودُهُ كَثُفَتْ أَغْصَانُهُ (1)
ذكروا أنّ من حسن خلقه ولانت كلمته كثر محبّوه و أعوانه و أتباع و نحوه: (من لانت كلمته وجبت محبّته)، و قال تعالى: (ولو كنت فظّا غليظ القلب لا نّفظوا من حولك) (2) و أصل هذه الكلمة مطابق للقواعد الحكميّة أعنى الشجرة ذات الأغصان حقيقة: و ذلك لأنّ النبات كالحيوان فى القوى النفسانيّة أعنى الغاذيّة و المنميّة وما يخدم الغاذيّة من القوى الأربع و هى الجاذبة و الماسكه و الدافعة، و الهاضمة، فإذا كان اليبس
غالبا على شجرة كانت أغصانها أخفّ و كان عودها أدّق، و إذا كانت الرطوبة غالبة كانت أغصانها أكثر وعودها أغلظ، و ذلك لاقتضاء اليبس الذبول، و اقتضاء الرّطوبة الغلظ و العبالة و الضخامة الآترى أنّ الإنسان الذى غلب اليبس على مزاجه لا يزال مهلوسا نحيفا، و الذى غلبت الرطوبة عليه لا يزال ضخما عبلا. (3)
فى الصادقيّ: (يا شيعة آل محمد اعلموا أنّه ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه و من لم يحسن صحبة من صحبه و مخالفة من خالقه و مرافقة من رافقه و مجاوره من جاوره و ممالحة من مالحه يا شيعة آل محمّد اتقوا الله ما استطعتم ولاقوة إلّا بالله، و عنه عليه السلام في قول الله عزّ و جلّ: (إنّا نراك من المحسنين) (4) قال كان يوسّع المجلس، و يستقرض للمحتاج و يعين الضعيف. (5)
ص: 140
و القرآن الكريم يأمر بحسن القول و يرغّب إلى فضائل و مكارم الأخلاق قال تعالى: (وقولوا للناس حسنا)،(1) (وإنّك لعلى خلق عظيم)،(2) (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (3) و كلام الإمام عليه السلام ترغيب إلى ذلك مع بيان الوجه فيه كما تقدّم بتفصيل لسرّ التمثيل.
ص: 141
50- مَنْ مَلَكَ، اسْتَأْثَرَ (1)
من أمثال سائرة جاء به الإمام عليه السلام لإرشاد ذوى المناصب أو من تصدّى أمرا من الأمور المخوّلة إليه، قال الميداني: (من ملك استأثر) يضرب لمن يلى أمرا فيفضل على نفسه و أهله فيعاب عليه فعله (2)
قال الشارح: المعنى أنّ الأغلب في كلّ ملك يستأثر على الرّعية بالمال و العزّ و الجاه و نحو هذا المعنى قولهم: (من غلب سلب)، و (من عزّ بزّ) (3) و نحوه قول أبي الطيّب:
و المظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفّة فلعلّةِ لا يظلم، (4) ومن ثمّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
عندما ولى الخلافة و نصب ولاته على الأقطار و الأمصار كانت كتبه و رسائله تترى عليهم في حين و حين يحذّرهم عن الاستيثار أشدّ التحذّير و يحاسبهم على الذرّة و الدّرة و إذا بلغه عنهم أمر يخالف ما أراد و ما أمرهم به عزل المخالف من ساعته و عاقبه عقاب الله عزّ و جلّ و أجرى عليه حدوده و لا تأخذه في الله لومة لائم و من طالع سيرته عليه السلام مع الولاة المنصوبين من قبله علم صدق ذلك كلّه و يكفيك قضيّة و اليه ابن عبّاس و ما بلغه من تصرّفه من بيت المال: (و و الله لو أنّ الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ماكانت لهما عندی هواده و لا ظفرا منّى
ص: 142
بإرادة حتّى آخذ الحقّ منهما و أزيح الباطل عن مظلمتهما).(1)
و لينظر الناظر إلى مالك الأشتر حين ولّاه على مصر ما شرح له من وظائف الولاة و طبقات الرّعية (2).
ص: 143
51 - مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ؛ طَالِبُ عِلْمٍ، وَ طَالِبُ دُنْيَا (1)
يطابق الكلمة ما روى عن النّبى صلى الله عليه و آله و تمامه: (فمن اقتصر من الدنيا على ماحلّ الله له سلم و من تناولها من غير حلّها هلك إلّا أن يتوب أو يراجع و من أخذ العلم من أهله و عمل بعلمه نجا و من أراد به الدّنيا فهى حظّه) (2)
النهمة بلوغ الهمّة فى الشّيء و منه (النهم من الجوع) (3) و النهم بالفتح إفراط الشهوة فى الطعام (4) و الكلمة الجارية من أحادیث: مثليّة يلهج بها المسلمون عند رؤية طالب علم أو دنیا و استمرار طلبهما يجدّ ان طيلة الحياة كأنّهما جائعان لا يشبعان هذا ليس له همّ إلّا دنيا يصيبها و تصيبه لم يأتلف إلّا مع من يعتلف منها ولا عشيق له غيرها قد أشرب قلبّه من حبّها فاغترّ بغرورها حتّى مات و صار إلى جهنّم وبئس المصير.
أمّا طالب العلم فهو ممّن ألقى في روعه داعية الخير و طلبه قد قصر همّه و همته على معرفة الحقائق و الحقوق وأحقّها من بين ذلك كلّه معرفه البارى عزّ و جلّ وصفاته و أفعاله وأسمائه الجلاليّة والجماليّة و معرفة أنبيائه و أوصيائهم وشرائعهم النازلة من السماء التي تضمن بیان دنيا الإنسان و دينه
ص: 144
ولو أحبّ أحد أن يعرف جوع طالبي الدنيا و العلم على امتداد حياتهما نظر إلى العلماء و ما نقل عنهم من سهر الليالي في مطالعة الكتب و كان أحدهم ربّما ذهب الليل كلّه وهو مكبّ على الكتاب لم يحسّ بذهابه و إنّى لأعرف من كان يقوم من ثلثى الليل في كلّ ليلة يقضيه بين مطالعة و كتابة و تهجدّ و القوم نائمون و من أهل الدنيا من اشتدّ طلبه لها لم ينم كلّ الليل بين كتابة و محاسبة من أخذ منه أو أعطى أو على ظهر السفر فى برّ أو بحر و قد أمر الناس بإجمال طلب الرزق لا التفاني فیه.
ص: 145
52 - مَنْ وَثَقَ بِالمَاءِ لَم يَظْمأ (1)
هذا المثل من خطبة نصّها: (بنا اهتديتم فى الظلماء، وتسنّمتم العلياء، و بنا انفجرتم عن السّرار، وقر سمع لم يفقه الواعية، و كيف يراعى النبأة من أصمّته الصيحة: ربط جنان لم يفارقه الخفقان، مازلت أنتظر بكم عواقب الغدر، و أتوّسمكم بحلية المغترّين ... اليوم أنُطق لكم العجماء ذات البیان، عزب رأى امرئ تخلّف عنّى، ما شككت في الحق مذ أريته لم يوجس موسى خيفة على نفسه، أشفق من غلبة الجهّال و دول الضلال اليوم تواقفنا على سبيل الحق و الباطل من وثق بالماء لم يظمأ).
اشتملت الخطبة الشريفة على عدّة أمثال لا تخفى على الأريب قيل إنّ هذه الأمثال ملتقطة من خطبة طويلة منسوبة إليه عليه السلام قوله عليه السلام (و بنا انفجرتم عن السرار) السرار الليله و الليلتان يستتر فيهما القمر فى آخر الشهر فلا يظهر (وقر سمع لم يفقه الواعيه) دعاء على السمع الذى لا يسمع الصرخة أى العبر و المواعظ (كيف يراعى النباة من أصمّته الصيحة) مثل آخر، النبأة: الصوت الضعيف أى من لم ينتفع بالمواعظ الجلية كيف ينتفع بالخفيّة منها، (ربط جنان لم يفارقه الخفقان) مثل آخر و هو دعاء لقلب لم يفارقه الخفقان من خشية الله تعالى، (اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان) مثل آخر يريد عليه السلام تمثيل الرموز الخفيّة الغامضة في كلامه و هى مع غموضها جليّة لذوى النهى بالبهم الصامتة الناطقة بدلائل الصنع و وجود بارئها جلّ جلاله.
نظير المثل: رسل الأرض: من شق أنهارك، و أخرج ثمارك؟ فإن
ص: 146
لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا) قوله عليه السلام: (لم يوجس موسى خيفة على نفسه) تمثّل بقوله تعالى: (فأوجس فى نفسه خيفة موسى) (1) يقول عليه السلام كما خاف موسى عليه السلام على ضلال قومه كذلك أنا خائف على تغلّب الجهالة على قومى و إحاطة الضلالة بهم و هذا مثل قرآنی (اليوم تواقفنا على سبيل الحق و الباطل) بقراءة تقديم القاف على الفاء أى اتّضح الحق و الباطل و وقفنا عليهما نحن و أنتم و عرفناهما حقّ المعرفه قوله عليه السلام: (من وثق بالماء لم يظمأ) لم يرد عليه السلام نفى الظمأ إطلاقا لأنّ الواثق بالماء قد يظمأ كالعطشان الواجد للماء و قد تمثّل لهذا المعنى بقول أبي الطيب:
و ماصبابة مشتاق على أمل *** من اللقاء كمشتاق بلا أمل
و الصائم في شهر الله يصبح جائعا تنازعه نفسه إلى الطعام، و فى أيام فطره لا يجد تلك المنازعة فى نفسه ذلك بأنّ النفس حريصة على ما منعت منه و هذا المثل من الأمثال الرفيعة السائره يريد عليه السلام بالماء الموثوق به نفسه الشريفة المقدّسة إنّه الماء المعين الزلال للواثقين به عليه السلام السالكين مسلكه و المعوّل في كلّ المعضلات حتى قال قائل عند ما د همته معضلة (إنّها معضلة لها أبو الحسن أوليس لها إلّا أبا الحسن علىّ) عليه السلام و إنّه الهداية لا ضلال بعدها، و النصير الذى لا يخذل مستنصره، و البحر الزاخر عن أبى هريرة قال كنت عند النبىّ صلى الله عليه و آله إذ أقبل علىّ بن أبى طالب، فقال النبيّ: (هذا البحر
ص: 147
الزاخر هذا الشمس الطالعة أسخى من الفرات كفا، و أوسع من الدنيا قلبا و من أبغضه فعليه لعنة الله). (1)
إنه الوسيلة إلى الله تعالى فى نجح الطلبات و الفوز بالمهمّات و الثقة الكاملة في جميع أمور الدين و الدنيا حيّا و ميّتا على ما ذهبت إليه الشيعة الإماميّة وكذا بقيّة الأئمّة الأحد عشر من نسله الطاهر و الصديقة الطاهرة الحجج المعصومين صلوات الله عليهم و سلّم و النهر العظيم رسول الله صلى الله عليه و آله و يعجبني الحديث الآتي:
روى الشيخ الكلينى طاب ثراه عن محمد بن يحيى عن أحمد عن على بن النعمان رفعه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام يمصّون الثماد و يدعون النهر العظيم قيل له: و مالنهر العظيم قال: رسول الله و العلم الذى أعطاه الله إنّ الله عزّ و جلّ جمع لمحمد سنن النبيّين من آدم و هلّم جرّا إلى محمد قيل له و ماتلك السنن قال: علم النبيين بأسره و أنّ رسول الله صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين فقال له رجل يا ابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيّين فقال أبو جعفر اسمعوا ما يقول: إن الله يفتح مسامع من يشاء إنّى حدّثته أنّ الله جمع لمحمد علم النبيّين و أنّه جمع ذلك كلّه عند أمير المؤمنين وهو يسألنى أهو أعلم أم بعض النبيّين (2).
ص: 148
53 - الْمَنِيَّةُ وَ لَا الدَّنِيَّةُ (1)
قال عليه السلام:
(المنيّة ولا الدنيّة، و التقلقل ولا التوسّل) قال الشاعر:
أقسم بالله لمصّ النوى *** و شرب ماء القلُب المالحة
أحسن بالإنسان من ذلّه *** ومن سئوال الأوجه الكالحة
فاستعن بالله تكن ذاغنى *** مغتبطا بالصّفقة الرابحة
فالزهد عزّ و التقى سود د *** وذلّة النفس لها فاضحة
کم سالم صیح به بغتة *** و قائل عهدی به البارحة
أمسى و أمست عنده قنية *** و أصبحت تند به ناحية
طوبى لمن كانت موازینه *** يوم يلاقى ربّه راجحه
وقال أيضا:
لمصّ الثماد وخرط القتاد *** و شرب الأجاج أو آن الّظما
على المرء أهون من أن يرى *** ذليلا لخلق إذا أعد ما
و خير لعينيك من منظر *** إلى ما بأيدى اللئام العمى (2)
ذكر المثل جمع منهم الميداني قال: (المنيّة و لا الدنيّة) أى أختار المنيّة على العار ويجوز الرفع أى: المنيّة أحبّ إلىّ ولا الدنيّة أى: و ليست ممّا أحبّ و أختار قيل المثل لأوس بن حارثة، (3) و ممّن أصدقها قولا و فعلا الحسين بن على كأبيه عليهما السلام قال عليه السلام يوم
ص: 149
كربلاء: (ألا وإنّ الدّعى ابن الدّعى قد ركز بين اثنتين بين السلّة و الذلّة و هيهات منّا الذلّة يأبى الله ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرث و أنوف حميّه و نفوس أبيّه أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) (1) و قال عليه السلام أيضا (لا أرى الموت إلّا سعادة و الحياة مع الظالمين إلّا برما) (2) و إنّ ذلك من شيم أصحابهم فضلا عنہم علیہم السلام و لم تكن الدنيّة توجد الّا عند أهلها أهل الأطماع محتملى الضيم و أمّا من لا يحتمل ضيما ففيه قال القائل:
و يركب حدّ السيف من لا يضيمه إذا لم يكن عن شفرة السيف مرحل. (3)
ص: 150
ص: 151
ص: 152
الهاء مَعَ النون
54 - هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ، فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ. (1)
من آخر خطبة له عليه السلام و قد تواترت عليه الأخبار باستيلاء معاوية على البلاد حيث قال عليه السلام في آخرها: (اللهم إنّى قد مللتهم و ملّونی، و سئمتهم و سئمونى فأبدلني بهم خيرا منهم و أبدلهم بى شرّا منّى اللهم من قلوبهم كما يماث الملح في الماء أما و اللّه لوددت أنّ لى بكم ألف فارس من بنى فراس بن غنم:
هنالك لو دعوت أتاك منهم *** فوارس مثل أرمية الحميم).
- من الوافر -
قال بعض الشراح: نسبه ابن منظور في لسان العرب إلى (الهذلي) مع مغايرة بسيطة قال قال الهذلي:
هنالك لو دعوت أتاك منهم *** رجال مثل أرمية الحميم
و وجه استشهاد الإمام عليه السلام به أنّه كان يتمنّى لو أنّ لديه بدل أهل الكوفة من إذا دعوا أجابوا مسرعين، و من إذا استغيث بهم أغاثوا فقد جاء قبله (أما و الله ...)
و بنو فرس بن غنم أو فراس بن غنم: حىّ عربيّ مشهور بالشجاعية و أرمية الحميم سُحُب الصيف و يضرب بها المثل لأنها أخّف و أسرع فى الانتقال. (2)
ص: 153
و وجه الخفة لأنّها لاماء فيها و التی فيها لا تكون إلّا فى الشتاء يريد بذلك أنّ فوارس بنى غنم مسرعون إذا دعوا و للإغاثة إذا استغيثوا.
فلو كان مع الإمام من يستنهض بهم و يستغاث لما تجرّى من أمثال معاوية لتسنّم عرش الرءاسة و لكن قد خلا له الجوّ فطفق يصفر و يجول و تمنّى الإمام عليه السلام لفوارس بنى غنم هو أحد تمنّياته وقد تمنّى استبدال كلّ عشر من أصحابه بواحد من أذناب معاوية حيث أنّ أهل الشام يثبتون إذا دعوا و إن كان على أمر باطل و أما أصحابه فهم على الحق و لا ثبات لهم كما جاء في كلام له عليه السلام (1).
ص: 154
ص: 155
ص: 156
الواو مع الألف
55. وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَةً (1)
برواية نصر بن مزاحم في كتاب (صفّين) في كتابه عليه السلام إلى عمرو بن عاص و لم يذكر الزيادة المثليّة الشريف الرضى طاب ثراه و لفظ رواية نصر:
من عبد الله علىّ أمير المؤمنين
إلى الأبتر ابن الأبتر عمرو بن العاص بن وائل شانی محمّد و آل محمد في الجاهليّة والإسلام، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد فانّك تركت مروءتك لامرئ فاسق مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، و يسفّه الحليم بخلطته فصار قلبك لقلبه تبعاكما قيل: وافق شَنٌّ طَبَقة ...)
أقول:
ذكرنا رواية الرضى رحمه الله تحت المثل (اتّباع الكلب للضرغام يلوذ الى مخالبه) (2) قال ابن الأثير: هذا مثل للعرب يضرب لكلّ اثنين أو أمرين جمعتهما حالة واحدة اتّصف بهما كلّ منهما، و أصله فيما قيل: إنّ شَنّا قبيلة من عبد القيس، وطبقا حىّ من إياد اتفقوا على أمر فقيل لهما ذلك، لأنّ كلّ واحد منهما وافق شكله و نظيره، و قيل شنّ رجل من دهاة العرب، و طبقة امرأة من جنسه زوّجت منه و لهما قصّه، و قيل:
الشّن: وعاء من أدم تشّنن أى أخلق فجعلوا له طبقا من فوقه فوافقه
ص: 157
فتكون الهاء فى الأوّل للتأنيث، و فى الثانى ضمير الشّن (1)
أثبت المثل جمع منهم الميداني قال قال ابن الكلبي: طبقه قبیله من إياد كانت لا تطاق فوقع بها شّن بن أفصى ... فانتصف منها و أصابت منه فصار مثلا للمتفقَين في الشّدة و غيرها قال الشاعر:
لَقِيَتْ شّنٌ إيادا بالقنا *** طَبَقاً وافق شّنٌ طَبَقَة (2)
و الغرض واضح.
ص: 158
الواومَعَ التّاءِ
56 - وَ تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا. (1)
- من الطويل - من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي يرثى بها نشيبة بن محرث الهذلي أوّلها:
هل الدّهر إلّا ليلة ونهارها *** و الّا طلوع الشّمس ثم غيارها
أبى القلب إلّا أمّ عمرو وأصبحت *** تحرّق نارى بالشكاة و نارها
و عيرها الواشون أنّى أحبّها *** و تلك شكاة ظاهر عنك عارها (2)
تمثّل به الامام (ع) في جوابه لمعاوية: (و زعمت أنّى لكلّ الخلفاء حسدت و على كلّهم بغيت فإن يكن ذلك كذلك فليست الجناية عليك فيكون العذر اليك * و تلك شكاة ظاهر عنك عارها *).
أى إن كنت حاسدا لهم و باغيا كما رغمت فليس ذنب ذلك عليك وأنت على عذر منه و فى نفى الجناية عن معاوية إن صدق فى رمى الحسد و البغى إليه عليه السلام إبطال لاستمساكه بذلك لرءآسته و أنّه ليس بكفيل لمهم و لاحقّ له و لا ولاية عليهم أو أنّ من يطلب حقّا ثابتا على الآخرين ليس بجناية و إن أوهمها و كم من مواطن فيها مطالبة الحقوق معدودة من الجناية عند قوم وليست كذلك، و لا يرتاب المطّلع على حادثة السقيفة و الشورى و ما نصّ الرسول صلى الله عليه وآله و على إقامة الإمام عليه السلام مقامه من بعده يوم غدير خم أنّ الخلافة من حقّه الثاب فمطالبة الحقّ ليست جناية و لا حسدا ولا بغيا منه عليهم و من هوان
ص: 159
الدنيا مخاطبة أمير المؤمنين (ع) أمثال معاوية كما نسب إليه عليه السلام أنّ الدّهر أنزلنى حتّى قيل علىّ و معاوية.
و لعلّ من أهمّ الغصص وأمضّها مواجهة الأنذال و مكالمتهم و من ذلك قول زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السلام مخاطبة ليزيد بن معاوية: (و لئن جرّت علىّ الدواهى مخاطبتك إنّي لأستصغر قدرك و أستعظم تقريعك و أستكثر توبيخك ...) (1) عند دخول حرم الحسين علي السلام عليه لعنة الله.
ص: 160
الواو مَعَ الحاء
57- وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ * وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ. (1)
من أبيات منسوبة إلى حاتم الطائى تمثّل به الإمام عليه السلام فى كتاب له إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة عندما بلغه أنّه دعى إلى مأدبة فأجاب إليها.
و في لفظ المعتزلى بدل و حسبك كفى بك عارا أن تبيت ببطنة و أوّلها
أيا ابنة عبد الله و ابنه مالك *** ويا ابنه ذى الجدين والفرس الورد
إذا ما صنعت الزاد فالتمسى له *** أكيلا فإنّى لست آكله و حدی
قصّيا بعيدا أو قريبا فإنّنى *** أخاف مدمات الأحاديث من بعدى
كفى بك عارا أن تبيت ببطنة *** و حولك أكباد تحنّ إلى القِدّ
و انّى لعبد الضيف مادام نازلا *** وما من خلالى غيرها شيمة العبد (2)
ليس أمير المؤمنين عليه السلام ليحذّر الناس عن شيء و هو يأتى ب_ه ككثير من وعّاظ و آمرين بالمعروف منهم و يأمر بشيء و يتركه فإذا هو يندّد عن البطنه بقوله "و حسبك داء أن تبيت ببطنة * و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ" لم تكن صفته ذلك يقول عليه السلام أو أبيت مبطانا و حولى بطون غرثى، و أكباد حرّى "كان عليه السلام يطوى الليل طويا بالبكاء و العبادة للّه تعالى و غشيته من خشية الله عزّ وجلّ في الليالي في حديقة بنى النجار و قوله عليه السلام آه آه من قلة الزاد و بُعد السفر معروفة و هو
ص: 161
القائل في نفس الخطبة المعنيّة (فانّ إمامكم قد اكتفى من دنيا بطمريه و من طعمه بقرصيه) أى قرصان يفطر عليهما لا ثالث لهما، و الطمر: الثوب الخلق البالى من إزار و رداء یستربهما جسده الشريف أيا مَنْ نصبت نفسك رأسا على الناس انظر إلى إمام الرؤساء إلى لبسته و طعمته، إلى محبّته و بشفّقته، إلى زهده وعبادته.
ص: 162
الواومَعَ الدّال
58 - وَ دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ (1)
من كلام له عليه السلام لبعض أصحابه وقد سأله كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام و أنتم أحقّ به فقال عليه السلام: (يا أخا بني أسد إنّك لقلق الوضين ترسل في غير سدد و لك بعد ذمامة الصهر، و حقّ المسألة و قد استعلمت فاعلم. أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام و نحن الأعلون نسبا، و الأشّدون بالرسول صلى الله عليه و آله نوَطا فإنّها كانت أثرة شحّت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس قوم آخرين و الحَكَم الله و المعود إليه يوم القيمه.
ودع عنك نهبا صبح في حجراته *** و لكن حديثا ما حديث الرواحل ...)
قال المعتزلى:
و أما البيت فهو لامرئ القيس بن حجر الكندى و روى أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لم يستشهد إلّا بصدره فقط و أتّمه الرواة. (2)
قيل إنّ امرئ القيس امتدح بالبيت جارية بن مرّ الثعلى بعد أن تحوّل إليه من جوار خالد بن سدوس النهباني في حينها نهب بعض بنى جديلة إبل امرئ القيس، و أراد أن يسترجعها منهم خالد وهو على رواحل امرئ القيس فنهبوها أيضا. (3)
أقول ظاهر كلامه عليه السلام (ولك بعد ذمامة الصهّر)
أنّ السائل من بني أسد و كانت مصاهرة منه عليه السلام معهم فما أنكره
ص: 163
المعتزلى ردّا على القطب الراوندي في غير محله فراجع (1).
يريد عليه السلام من التمثل بالبيت المذكور أنّ نهب هؤلاء القوم لحقوقنا الثابتة كنهب الآبال مع أنّ الناهب راكب على رواحل منهوبة و حال القوم كذلك قد غصبوا حقّ الخلافة و بعدها يعاملون معه عليه السلام معاملة من لا حقّ له مذكور فى الدهر و لاغرو في ذلك فإنّ شأن الدّهر ذلك.
ص: 164
الواومَعَ القاف
59 - وَ قَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ (1)
تمثلّ به عليه السلام في أثناء جوابه لكتاب معاوية و ماكنت لأعتذر من أنّى كنت أنقم عليه أحد انا فإن كان الذنب إليه إرشادي و هدايتى له فربّ ملوم لا ذنب له،
* وقد يستفيد الظّنه المتنصّح*).
و هذه الفقره ذكرناها عند المثل "فرب ملوم لا ذنب له" و الإعادة لأجل ربط المثل الجارى، و هو - من الطويل - قال بعض: صدوه: (و كم سقت في آثاركم من نصيحة)، و الظّنة التهمة، و المتنصّح: المبالغ فى النصح لمن لا ينتصح، و ربما كان مأخوذا من قولهم (سقطت به النصيحة على الظّنة) (2) و معناها: أنّ المتنصّح قد تأتيه التهمة بسبب إخلاصه النصيحة إلى من لا ينتصح بها. (3)
أقول لقد قضى الناصح ماعليه من أداء رسالته و يكون السامع مخاطباً بقوله تعالى (و نصحت لكم و لكن لا تحبّون الناصحين) (4).
و قد جاء في أمثال نبويّة (إنّ الدّين النصيحة) بتمام معنى الكلمة من نصح قولىّ و عملىّ للخالق عزّ و جلّ و الخلق و أمير المؤمنين عليه السلام نصح الخلائق سواء كانوا في زمانه أو الأزمنة المتأخّرة إلى يوم القيامة ببلوغ کتابه الذى بعد كلام الخالق تعالى و فوق كلام المخلوق و ليس هو
ص: 165
إلّا شرحا وتفسيرا له ثم التعبير باستفادة الظّنة وهى التهمة لأجل حصولها في سبيل الله تعالى فكلّ ما أتى المؤمن فى طريق أداء الرسالة عدّ من الفوائد و إن كان بظاهره من نوع الأذى و الأمر المكروه و يتحقّق فيه قوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم) (1) و عليه فلا وجه لحمله على المجاز أو التهكّم و قد شرحنا باقى الفقرة فيما تقدّم فراجع (2)
ص: 166
الواومَعَ الياء
60 - وَيْلَ أُمِّهِ (1)
هذه الكلمة استعملها الامام عليه السلام فى كلام له عليه السلام فى ذمّ أهل العراق أوّله: (أمّا بعد يا أهل العراق ... ولقد بلغنى أنّكم تقولون: علىّ يكذب قاتلكم الله تعالى فعلى من أكذب أعلى الله فأنا أوّل من آمن به أم على نبيّه فأنا أول من صدّق به کلّا و الله، لكنّها لهجة غبتم عنها ولم تكونوا من أهلها ويل أمّه كيلاً بغير ثمن لو كان له و عاء، و لتعمّلن نبأه بعد حين).
إنّما أثبتنا أكثر كلامه عليه السلام لربط الكلمة به.
قال المعتزلى في شرحها: (ويلمّه) الضمير راجع إلى ما دلّ عليه معنى الكلام من العلم لأنّه لما ذكر اللهجة و شهوده إيّاها و غيبوبتهم عنها دلّ ذلك على علم له خصّه به الرسول عليه السلام فقال: (ويلمّه) و هذه الكلمة تقال للتعجّب والاستعظام: يقال: (ويلمّه فارسا) و تكتب موصولة كما هى بهذه الصورة و أصله (ويل أمّه) مرادهم التعظيم و المدح و إن كان اللفظ موضوعا لضدّ ذلك كقوله عليه الصلاة و السلام: (فاظفر بذات الدّين تربت يداك) (2) و كقولهم للرجل يصفونه و يفرّطونه: "لا أباله" (3). جاءت كلمة (ويل أمه) فى قصّة جذيمة مع الزباء و مولاه قصير أشرنا إلى إجمالها عند المثل (لو كان يطاع لقصير أمر) و فيها أن نصح قصير
ص: 167
جذيمة فلقيته الخيول و الكتائب فحالت بينه و بين العصا (و العصا فرس جذيمة). فركبها قصير ونظر إليه جذيمة على متن العصا موليّا فقال: (ويل أمّه حزما على متن العصا) فذهبت مثلا ... و القصّة طويلة اختصرناها لموضع المثل. (1)
ص: 168
ص: 169
ص: 170
الياء مَعَ الدّال
61 - يَدُ اللهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ (1)
من كلام له عليه السلام قاله للخوارج و منه قوله روحی فداه (والزموا السواد الأعظم، فانّ يد الله على الجماعة، و آياكم و الفرقة فان الشاذّ من الناس للشيطان كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب ....
أقول:
قد صّح هذا المثل عن النبيّ صلى الله عليه و آله أيضا بلفظ: (يد الله مع الجماعة) رواه جمع من المحدثين و الأدباء من الشيعة و السنة (2) أى أنّ الجماعة المتفّقة من أهل الإسلام في كنف الله و وقايته فوقهم و هم بعيدون من الأذى و الخوف فأقيموا بين ظهرانيهم و فى حديث: (عليكم بالجماعة فإنّ يد الله على الفسطاط) الفسطاط: المصر الجامع و يد الله كناية عن الحفظ و الدفاع عن أهل المصر كأنهم خصّوا بوقاية الله تعالى و حسن دفاعه. (3) والإمام عليه السلام حذّر القوم من الفرقة و مثل لهم مغّبتها بالغنم المتخلّف من الأغنام التى هى تحت رعاية الراعى فكما هو للذئب لا محالة كذلك المتخلّف عن الجماعه للذئاب الإنسيّة و الجنيّة من الشياطين و في حديث الإمام الرضا عليه السلام قال: (إنّما جعلت الجماعة لئلّا يكون الاخلاص و التوحيد والإسلام و العبادة لله إلّا طاهرا مكشوفا مشهورا لأنّ فی
ص: 171
إظهاره حجّه على أهل الشرق و الغرب لله وحده، و ليكون المنافق و المستخّف مؤدّيا لما أقرّبه يظهر الاسلام و المراقبة، و ليكون شهادات الناس بالاسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع مافيه من المساعدة على البرّ و التقوى و الزجر عن كثير من معاصى الله عزّ و جلّ. (1)
و من أمر الله تعالى بالاعتصام بحبله و النهي عن التفرقة يعرف الاهتمام البالغ بهذا الصدد كما يعلم ذلك من رواية الإحراق بالنار لدار من لم يحضر جماعة المسلمين: (2) و لا ينافى لزوم الجماعة ماجاء من النهى عن أن يقول الرجل أنا أحد من الناس و أنا مع الناس في أحاديث أهل البيت عليهم السلام فقد روى الصدوق عن الصادق عليه السلام قوله: (ولا تكن أمعّة) (3) و ذلك يراد به فى الأمر المحرّم شرعا و عقلا و هم الهمج من الناس يميلون مع كلّ ربح. هذا آخر ما أردناه هنا و الحمد لله تعالى أوّلا وآخرا وصلى الله على محمد و آله لا سيّما الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
ص: 172
في الختام
يعجبني ذكر خمسة أبيات وجدتها على هامش بعض نسخ النهج المطبوعة، وهى:
نهج البلاغة نهج العلم و العمل *** فاسلكه ياصاح تبلغ غاية الأمل
الفاظه دررٌ زانت بحليتها *** أهل الفضائل من حلى ومن حلل
و من معانيه أنوار الهدی سطعت *** تنجاب عنها ظلام الزيخ و الزلل
و كيف لا و هو نهج طاب منهجه *** هدى إليه أمير المؤمنين علىّ (ع)
وما قاله المرتضى مرتضی *** كلام علىّ كلام علیّ
و الله عزّ وجلّ نسأل أن يسلك بنا منهج مولانا أمير المؤمنين على بن أبي طالب و أولاده الأحد عشر المعصومين خلفاء الرّسول الأعظم صلى الله تعالى عليهم و سلّم، و يجمعنا معهم في دار السلام.
ص: 173
ص: 174
1- المحتويات
2- الْمَصَادِرُ
ص: 175
ص: 176
الدراسة، و التأليف ... 3
الأمثال السائرة، و القياسيّة وفوائد الأمثال، و الكتب المؤلّفة ... 4
أمثال قرانيّة في كلامه عليه السلام خمس آيات من خمسة وعشرين آية ... 5
(عفا الله عما سلف) المائدة: 95 ... 7
(وما هى من الظالمين ببعيد) هود: 83 ... 9
(ولا ينبّئك مثل بخبير) فاطر: 14 ... 11
(ولتعلمنّ نبأه بعد حين) ص: 88 ... 13
(إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى) النازعات: 26 ... 15
الأمثال السائره، وغير السائرة الموزّعة على أبواب الحروف باب الهمزة ... 17
أخر الدواء الكىّ ... 19
اتّباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخاليه ... 21
أحبب حبيبك هونا ما ... 23
الآن رجع الحق إلى أهله ... 25
ص: 177
أمرتكم أمرى بمنعرج اللّهي ... 27
أيادي سبأ ... 29
إيّاك و ما يعتذر منه ... 31
باب الباء ... 33
بعد اللّتيا والتي ... 35
باب التاء ... 37
تقصر دونها الأنوق، ويحاذى بها العيّوق ... 39
باب الحاء ... 41
حد و الزاجر بشوله ... 43
الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب ... 45
الحكمة ضالّة المؤمن ... 47
حنّ قدح ليس منها ... 49
باب الدال ... 51
دع عنك من مالت به الرمية ... 53
الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك ... 55
باب الراء ... 57
ربّ قول أنفذ من صول ... 59
ربّ ملوم لا ذنب له ... 60
ردّوا الحجر من حيث جاء ... 62
الرفيق قبل الطريق، الجار قبل الدار ... 64
ركبنا أعجاز الإبل ... 66
ص: 178
باب السين ... 68
سروح عاهة بواد وعث ... 69
باب الشين ... 71
شتّان ما يومى على كورها ... 73
الشّر بالشّر ملحق ... 75
شقشقة هدرت ثم قرّت ... 77
باب الصاد ... 79
صاحب السلطان كراكب الأسد ... 81
باب الضاد ... 83
ضحّ رويدا ... 85
باب العين ... 87
عند الصباح يحمد القوم السرى ... 89
باب الفاء ... 91
فاعل الخير خير منه، و فاعل الشّر شّر منه ... 93
باب القاف ... 95
قد أضاء الصبح لذى عينين ... 97
باب الكاف ... 99
كلعقه لاعق ... 101
كما تدين تدان ... 103
كم من أكلة تمنع أكلات ... 105
كناقش الشوكة بالشوكة ... 107
كناقل التمر إلى هجر ... 109
ص: 179
باب اللام ... 111
لا رأى لمن لا يطاع ... 113
لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل ... 115
لجمل أهلك، وشسع نعلك خير منك ... 117
لعمرك أبيك الخير ياعمرو إنّني ... 119
لو يطاع لقصير أمر ... 120
باب الميم ... 122
ماعدا ممّا بدا ... 123
المتعلّق بها كالواغل المدفّع، والنوط المذبذب ... 125
مثل آل محمد كمثل نجوم السماء ... 127
مثل الدنيا كمثل الحيّة ... 129
مثل من خبر الدنيا كمثل قوم سفر ... 131
المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة ... 133
المرأة عقرب حلوة اللّسبة ... 135
مستقبلين رياح الصيف تضربهم ... 136
من سلك الطريق الواضح ورد الماء ... 138
من لان عوده كثفت أغصانه ... 140
من ملك استأثر ... 142
منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنیا ... 144
من وثق بالماء لم يظمأ ... 146
ص: 180
المنيّة و لا الدنيّة ... 149
باب الهاء ... 151
هنالك لودعوت أتاك منهم فوارس مثل أرمية الحميم ... 153
باب الواو ... 155
وافق شنّ طبقة ... 157
وتلك شكاه ظاهر عنك عارها ... 159
وحسبك داء أن تبيت ببطنة ... 161
ودع عنك نهبا صيح في حجراته ... 163
وقد يستفيد الظنّه المتنصّح ... 165
ويل أمّه ... 167
باب الياء ... 169
يد الله على الجماعة ... 171
في الختام ... 173
ص: 181
الاحتجاج تعليق السيد محمد باقر الخرسان مطبعة النعمان - النجف 1386 ه_
أصول الكافى تعليق على أكبر الغفاری چاپخانه حیدری طهران 1381ه_.
أمالى الشيخ الصدوق تقديم السيد الخرسان المطبعة الحيدرية النجف 1389 ه_
الأمثال النبويّة تحت الطبع و مخطوط بقلمي.
البرهان فى تفسير القرآن طبعة (آفتاب) طهران 2334 شمسی
تفسير الصافى المطبعة الإسلامية طهران 1384 ه_
الجمهرة على هامش مجمع الأمثال المطبعة الخيريّة 1310 ه_ - مصر
حياة الإمام الحسين عليه السلام من منشورات الداورى قم: إيران الطبع الثاني 1397 ه_
رسالة الإسلام (عدد 7 - 8) الأزهر 1388 – 1968 م.
سفينة البحار مطبعة سنائى طهران بالأوفست.
عیون الأخبار لا بن قتيبة طبعة دار الكتب المؤسّسة المصرية 1383 0 ه_
الفاخر تحقيق عبد العليم الطحاوى من منشورات دار إحياء الكتب العربيه 1380 ه_
القرآن الكريم
اللهوف فى قتلى الطفوف مكتبة الأندلس بيروت
مجمع الأمثال مطبعة السعادة بمصر 1379 ه_.
مجمع البحرين تحقيق أحمد على الحسينى مطبعة الآداب في النجف.
ص: 182
مجموعة ورّام المطبعة الحيدريّة النجف الطبع الثالث 1389. ه_.
المستقصى فى أمثال العرب من منشورات دار الكتب العربيّه بيروت
مسند أحمد طباعه دار صادر بیروت
مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار من انتشارات مكتبة البصيرتي، قم إيران
مفاتيح الجنان في الأدعية والزيارات المطبعة الإسلامية - طهران 1381ه_.
الميزان في تفسير القرآن المطبعة التجاريّة بيروت
نهاية ابن الأثير في غريب الحديث تحقيق طاهر أحمد الزاوى دار إحياء الكتب العربيّة بيروت 1383. ه_.
نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي و شركاه الطبعة الثانية 1385 ه_
وسائل الشيعة المطبعة الإسلاميه - طهران 1383 0 ه_
ص: 183