الحج في نهج البلاغة

هوية الکتاب

الحج في نهج البلاغة

الناشر : العتبة العلوية المقدسة

تأليف: الشيخ فارس حسون

إخراج فني : نصیر شکر

عدد النسخ: 1000 نسخة

السنة : 1432 ه_ / 2011م

العتبة العلوية المقدسة، العراق . النجف الأشرف

هاتف: 07802337277 (00964)

لإبداء ملاحظاتكم يرجى مراسلتنا على البريد الالكتروني

info@haydarya.com

ص: 1

اشارة

العتبة العلوية المقدسة

سلسلة في رحاب نهج البلاغة - 12

الحج في نهج البلاغة

الشَّيخُ فَارسْ حَسُّون

النجف الأشرف عاصمة الثقافة الإسلامية 2012م

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 3

ص: 4

مقدمة المكتبة

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»(1)، تدلّ الآية على وجوب الحج مع توفّر الشرائط المطلوبة، ثم بعد حصول الشرائط لابد و أن يكون العمل خالصاً الله تعالى لا يشوبه شيء، كما قال تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ»(2)، ثم تُبيّن سائر الآيات و كذلك الروايات كيفية أداء الحج و مناسكه.

و لصعوبة الحج و ما يكتنفه من مشاق و مصاعب، افترضه الله تعالى مرة واحدة في العمر، و جعل في تكراره الفضل الكثير، حتى قال أمير المؤمنين علیه السلام : «الحج جهاد كل ضعيف» (3)، و قال علیه السلام: «إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه ... حجّ البيت و اعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب» (4) و في نص آخر يقول علیه السلام : «الله

ص: 5


1- آل عمران: 97
2- البقرة: 196
3- نهج البلاغة، قصار الحكم 129
4- نهج البلاغة، الخطبة: 109

ص: 6

ص: 7

وردت في كتب السيرة والتاريخ تؤيّد هذا (1)

ثم انّ هذا البيت كان معظّماً و محترماً عند جميع الأمم، قال العلامة الطباطبائي في تفسيره: «كانت الكعبة مقدّسة معظمة عند الأمم المختلفة، فكانت الهنود يعظمونها و يقولون: انّ روح «سيفا» و هو الاقنوم الثالث عندهم حلّت في الحجر الأسود حين زار مع زوجته بلاد الحجاز. و كانت الصابئة من الفرس و الكلدانيين يعدونها أحد البيوت السبعة المعظمة، و ربما قيل انّه بيت زحل لقدم عهده و طول بقائه.

و كانت الفرس يحترمون الكعبة أيضاً، زاعمين انّ روح هرمز حلّت فيها، و ربما حجّوا إليها زائرين، و كانت اليهود يعظّمونها و يعبدون الله فيها على دين إبراهيم، و كان بها صور و تماثيل منها تمثال إبراهيم و إسماعيل و بأيديهما الأزلام، و منها صورتا العذراء و المسيح، و يشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها أيضاً كاليهود.

وكانت العرب أيضاً تعظمها كل التعظيم و تعدّها بيتاً لله تعالى، و كانوا يحجّون إليها من كل جهة، وهم يعدّون البيت بناء لإبراهيم، والحج من دينه الباقي بينهم بالتوارث» (2)

وهذا مفاد قوله تعالى: «جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا

ص: 8


1- راجع شرح النهج لابن أبي الحديد 13 : 161
2- الميزان للطباطبائي 3: 361

لِلنَّاسِ» (1)

2- انّ الله تعالى تتميماً للاختبار و الابتلاء جعل البيت في أوعر و أصعب بقاع الأرض، فهي غير صالحة للزرع وغير صالحة أيضاً لحياة الحيوان فيها، فلا يزكوا بها خفّ و لا حافر و لا ظلف، و هذا مفاد قوله تعالى عن لسان إبراهيم علیه السلام : «رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ»(2)

3- من خصائص وأسرار البيت - رغم ما يكتنفه من صعوبات طبيعية مرّت الإشارة إليها و صعوبات المناسك أيضاً - أنّه «تهوي إليه ثمار الأفئدة» كما ورد في دعاء إبراهيم علیه السلام: «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ»(3)

و قد ذكر أمير المؤمنين علیه السلام هذا الشوق في تمثيل رائع حيث قال: «ويألهون إليه ولوه الحمام»(4) أي يشتدّ شوقهم إليه حتى تكاد تذهب عقولهم من شدّة الاشتياق، كاشتياق الحمام إلى وكرها.

4- «جعله الله سبباً لرحمته و وصلةً إلى جنّته) يشيرعلیه السلام إلى انّ الغفران و الرحمة الإلهية من ثمار الحج، و هذا ما ورد التأكيد عليه في

ص: 9


1- المائدة: 97
2- إبراهيم: 37
3- إبراهيم: 37
4- نهج البلاغة الخطبة : 1

روايات كثيرة، فعن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: «عليكم بحج البيتهذا فأدمنوه، فإنّ في إدمانكم الحج دفع مكاره الدنيا عنكم، و أهوال يوم القيامة»(1)

و عن الإمام السجاد علیه السلام أنّه قال: «حق الحج أن تعلم أنّه وفادة إلى ربك، و فرار إليه من ذنوبك، و به قبول توبتك، و قضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك».(2)

و عن الإمام الصادق علیه السلام أيضاً في ثواب من حج أربع حجج: «من حجّ أربع حجج لم تصبه ضغطة القبر أبداً، و إذا مات صوّر الله الحج الذي حج في صورة حسنة من أحسن ما يكون من الصور بين عينيه تصلي في جوف قبره حتى يبعثه الله من قبره، و يكون ثواب تلك الصلاة له، و اعلم أنّ صلاة من تلك الصلاة تعدل ألف ركعة من صلاة الآدميين» (3)

5- انّ الحكمة في جعل البيت مكتنفاً بهذه الشدائد و المصاعب، اختبار العباد و إثابة المجيب، زائداً إخراج التكبر من القلوب بالتعبد لأداء المناسك الشاقّة من الإحرام و الالتزام بتروكاته إلى السعي و التقصير و أيام عرفات و منى و غيرها من المناسك، و إلّا فإنّ الله تعالى

ص: 10


1- أمالي الطوسي: 668
2- الخصال للشيخ الصدوق: 566
3- الخصال للشيخ الصدوق: 215

كان قادراً على رفع جميع هذه المشاق بأن يجعل البيت في أفضل أماكن الأرض ماءاً و كلاءاً.

نعم هذا هو الحج، و هذه ثماره و نتائجه، ففي الدنيا الرزق و الشوق، و في القبر الأمن و الأمان، و في الآخرة المغفرة و الرضوان.

فمعكم في حلقة أخرى من «سلسلة في رحاب نهج البلاغة، تحت عنوان «الحج في نهج البلاغة» بقلم المحقق البحّاثة المرحوم الشيخ فارس الحسون (تبريزيان) حيث شرح ما يتعلّق بالحج من الخطبة الأولى، و سبق أن نشر في مجلة ( ميقات الحج) العدد الرابع عام 1416ه_، آثرنا نشره ضمن هذه السلسلة تتميماً للفائدة، و وفاء لحق المؤلّف حيث كان مهتماً بنشر تراث أهل البيت علیهم السلام ، و كان المؤسس لمكتبات العتبات في العراق الجديد، فرحمة الله عليه رحمة واسعة، و أسكنه فسيح جنته بمنّه و كرمه.

مكتبة الروضة الحيدرية

2 ذو القعدة 1432ه_

ص: 11

ص: 12

تمهيد

الكلام كلما حسن نظمه و انتظمت مفرداته بأحسن نظام و تحلّى بالفصاحة، و تزيّن بالبلاغة، يكون للقبول أقرب و بالنفوس أوقف خصوصاً إذا جمع بين البلاغة و الفصاحة، و بين المعنى العميق الشامل لأنواع المعلومات و دقائق المفاهيم.

و من هذا المنطلق جعل الله - سبحانه - معجزة النبي صلی الله علیه و آله وسلم القرآن المجيد، ببلاغته و حسن عباراته، و بما فيه من الأحكام و الإنذار و الإبلاغ و شتّى العلوم، حتى تحدّى به العرب - الذين كانوا أهل البلاغة و الفصاحة - أن يأتوا بآية من مثله.

و بعد وفاة النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم ، خلّف الثقلين: القرآن و العترة، و تمثّل ثقل العترة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام، و انتقلت إليه مواريث الأنبياء و الأوصياء، و ورث الفصاحة و البلاغة المحمدية، شرع - سلام الله عليه - بهداية الأمّة، بخطبه و حكمه و مواعظه و رسائله الفصيحة الشاملة لأدق المعاني ، وأمتنها، حتى ضاهت بلاغته و فصاحته بلاغة و فصاحة العرب، و صار أمير الفصاحة و البلاغة، كما كان أمير

ص: 13

الشجاعة و العلم و الصبر و الحزم و العبادة.

و بلغت خطبه علیه السلام إلى حدّ من البلاغة و حسن النظم حتى قيل: إنّ كلامه علیه السلام فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق.

و قيّض الله - سبحانه - الكثير من العلماء ممّن جمع كلامه و خطبه و رسائله و مواعظه علیه السلام، و دوّنها في كتب مستقلة، منهم: الشريف الرضي - رضوان الله عليه - ، حيث كتب كتابه نهج البلاغة، اختار فيه من خطب أمير المؤمنين علیه السلام و كلامه و حكمه و رسائله، حتى أصبح نهج البلاغة و لا يكاد يجهله أحد، اختار فيه من كلامه علیه السلام بما له ربط : بالتوحيد، و العدل، و النبوة، و الإمامة، و المعاد، و وصف القرآن و النبيّ و أهل البيت علیهم السلام ، و الأحكام الشرعية، و المسائل الأخلاقية و صفات المتقين و وصف المنافقين و المنحرفين، و فنون الحرب و عجيب خلقة بعض الحيوانات.

و انتخبت من كلامه علیه السلام في نهج البلاغة ما له صلة بالحج و بيت الله الحرام، و ضبطته بالاعتماد على أقدم نسختين لنهج البلاغة و سائر النسخ الأخرى، و شرحت كلامه علیه السلام شرحاً شافياً، مستعيناً بالشروح المعتمدة لنهج البلاغة.

ص: 14

نصّ الخطبة

منها: «و فرض عليكم حجّ بيته الحرام، الّذي جعله قبلةً للأنام، يردونه ورود الأنعام، و يألهون إليه ولوه الحمام.»

«جعله سبحانه علامةً لتواضعهم لعظمته، و إذعانهم لعزّته».

«و اختار من خلقه سمّاعاً أجابوا إليه دعوته، و صدقوا كلمته، و وقفوا مواقف أنبيائه، و تشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الارباح في متجر عبادته، و يتبادرون عنده موعد مغفرته»

«جعله سبحانه للاسلام علماً، وللعائذين حرماً».

«فرض حجّه، و أوجب حقّه، و كتب عليكم وفادته»، فقال سبحانه: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ»(1)

ذكر الشريف الرضي هذا المقطع في آخر الخطبة الأولى من كتابه الشريف نهج البلاغة، و اعتمدنا في نقل هذا المقطع من الخطبة على أقدم نسختين من كتاب نهج البلاغة كتبتا في القرن الخامس الهجري :

الأولى: في المكتبة العامة لآية الله المرعشي رحمة الله علیه ، في قم، رقم 3827 ، كتبت سنة 499 ه_ ، أو سنة 469 ه_ ، و يقع هذا المقطع من الخطبة في هذه النسخة في الصفحة الثامنة و التاسعة.

الثانية في مكتبة فخر الدين النصيري في طهران، كتبت في القرن

ص: 15


1- آل عمران : 97

الخامس الهجري، و يقع هذا المقطع من الخطبة في هذه النسخة في الصفحة السادسة.

كما و يقع هذا المقطع من الخطبة في الصفحة الثانية عشرة من نهج البلاغة، طبعة مؤسسة نهج البلاغة في طهران سنة 1413 ه_ .

و في الصفحة السابعة و العشرين من نهج البلاغة بشرح الأستاذ محمد عبده طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت.

و في الصفحة الثانية و العشرين من نهج البلاغة بشرح الدكتور صبحي الصالح طبعة دار الأسوة في قم سنة 1415ه_ .

و في الجزء الأول من الصفحة المائة و الثالثة و العشرين من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي طبعة دار إحياء الكتب العربية سنة 1378 ه_ .

و في الجزء الأول من الصفحة الخامسة و الثمانين من منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة لقطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي طبعة المكتبة العامة لآية الله المرعشي رحمة الله علیه في قم سنة 1406ه_. .

و في الجزء الأول من الصفحة المائتين و التاسعة والأربعين من كتاب مصادر نهج البلاغة و أسانيده للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب طبع مؤسسة الأعلمي في بيروت سنة 1395 ه_ .

و في الجزء الأول من الصفحة المائتين و اثنتين و عشرين من شرح نهج البلاغة لكمال الدين ميثم البحراني طبعة مطبعة خدمات چاپي في

ص: 16

طهران سنة 1404ه_ .

و في الصفحة الثانية و الثمانين من اختيار مصباح السالكين لكمال الدين ميثم البحراني طبعة مجمع البحوث الإسلامية في مشهد سنة 1408ه_. .

و في الجزء التاسع من الصفحة الثلاثمائة واثنتي عشرة من بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة للشيخ محمد تقي التستري طبعة منشورات مكتبة الصدر في طهران سنة 1390ه_ .

و في الجزء الحادي عشر من الصفحة الرابعة عشر من كتاب تفصيل وسائل الشيعة الحديث رقم 14127 طبعة مؤسسة آل البيت علیهم السلام في قم سنة 1411ه_ .

اختلاف النسخ

ذكرنا فيما سبق من نقل نصّ الخطبة اعتمادنا على أقدم نسختين خطّيتين من نهج البلاغة، و أشرنا إلى مواضع الخطبة في سائر الطبعات و الشروح، و في هذا الفصل نذكر الاختلافات الواردة بين نسخ نهج البلاغة و طبعاته المختلفة و شروحه، و إن كانت أكثر الاختلافات لاتمسّ بالمعنى ولا تغيّر مفاد الخطبة، نذكرها تتميماً للفائدة:

قوله : منها: في بعض النسخ: منها في ذكر الحج.

قوله علیه السلام: «و فرض عليكم» ، في بعض النسخ: و فرض عليهم ،

ص: 17

و في بعض النسخ: و فرض الله عليكم حجّ بيته.

قوله علیه السلام: «حج بيته الحرام»، في بعض النسخ لم يرد لفظ الحرام.

قوله علیه السلام: «جعله سبحانه علامة»، في بعض النسخ: وجعله سبحانه علامة.

قوله علیه السلام: «يردونه»، في بعض النسخ: الذي يردونه.

قوله علیه السلام: «ويتبادرون عنده موعد مغفرته»، في بعض النسخ: و يتبادرون عند مغفرته، و في بعض النسخ: و يتبادرون عند موعد مغفرته.

قوله علیه السلام: «جعله سبحانه»، في بعض النسخ: جعله سبحانه و تعالى.

قوله علیه السلام: «و للعائذين»، في بعض النسخ: والعائذين.

قوله علیه السلام: فرض حجّه وأوجب حقّه» في بعض النسخ: فرض حقّه و أوجب حجّه.

رواية الخطبة

روى هذه الخطبة الشريف الرضي في كتابه نهج البلاغة مرسلا، من دون ذكر سنده و هذه طريقته في كل كتابه نهج البلاغة.

و قال قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في كتابه منهاج

ص: 18

البراعة (1)

«و أمّا رواية الخطبة : فعن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الحلبي، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن الشيخ المفيد أبي عبد الله الحارثي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، أخبرنا الحسن بن على الزعفراني، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، أخبرنا أبو الوليد العباس بن بكار الضبي، حدّثنا أبو بكر الهذلي، عن الزهري وعيسى بن زيد، عن صالح بن كيسان عن أمير المؤمنين علیه السلام. و لو أردت ذكر ما حذفه الرضي من الخطبة لطال هذا الكتاب».

أقول : يفهم من آخر كلامه أنّ الشريف الرضى لم يورد الخطبة الأولى التي في آخرها هذا المقطع بأكملها، بل حذف منها شيئاً، و يفهم أيضاً أنّ ما حذفه الشريف الرضي من الخطبة ليس بالشيء اليسير. و لعلّ الشريف الرضي روى الخطبة من غير الطريق الذي رواه القطب الراوندي، فحدث باختلاف الطريق الزيادة والنقصان.

ص: 19


1- منهاج البراعة 1 : 107 - 109

شرح الخطبة

قوله علیه السلام : «و فرض عليكم حجّ بيته الحرام».

فرض الله الأحكام فرضاً: أوجبها، فهو علیه السلام في كلامه هذا يشير إلى وجوب الحج على الخلق، و هو معلوم بالضرورة من الدين.

و الحجّ: قصد بيت الله لزيارته مع مناسك خاصة.

و إضافة البيت إلى الله للتفضيل و التشريف و التخصيص، وإن كانت الدنيا و ما فيها الله عزّ و جلّ.

و الفريضة على قسمين: موقّتة بوقت معيّن، وغير موقّتة؛ فإذا كانت الفريضة موقتة دلّ اختصاصها بوقت لها على فضلها و شرفها و نباهة حالها، يستدعى من الموظّف عليها فضل جهد في إقامتها، و يكون ثوابها أعظم، فإنّ أفضل الأعمال أحمزها.

و الحجّ من الفرائض الموقتة بوقت معيّن، ومعيّنة بمكان مشخص، ممّا يستدعي من الموظّف عليها إقامتها في وقتها و مكانها، و ذلك يتطلب مزيد جهد للاستعداد لها، و تحمّل المشاق في إقامتها، فصارت فريضة الحج من الفرائض المهمّة في الإسلام، و يثيب الله

ص: 20

مقيمها مالا يثيبه في غيرها من الفرائض.

(1)

و الحرام، إمّا بمعنى المحرّم، كقوله تعالى: «عند بيتك المحرّم» (1)، إنّ العرب كانت تحرّم فيه ما تستحلّ في غيره من القتل و القتال؛ و إمّا بمعنى الحرم - كزمان و زمن - لكونه أمناً لمن دخله و مانعاً له؛ و إمّا لأنه ذا حرمة و احترام يحرم على الخلق أن يفعلوا فيه ما لا ينبغي من مناهي الشرع.

وروي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال: «ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم الله، لم تحلّ لأحد كان قبلي، و لم تحلّ لي إلّا من ساعة من نهار إلى أن تقوم الساعة، لا يختلي خلاها، و لا يقطع شجرها، ولا ينفد صيدها ... »(2)

قوله علیه السلام : «الذي جعله قبلةً للأنام»

جعل الله - سبحانه و تعالى - بيته الحرام الذي فرض حجّه قبلةٌ للأنام، فقال عزّ من قال: «فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ»(3) ، وهذا مما يزيد في شرف هذا البيت العظيم: بتوجّه المسلمين كافة أينما كانوا نحوه في

ص: 21


1- ابراهیم 37
2- الوسائل 12 : 406 ح 16634
3- البقرة : 144

صلواتهم و ذبحهم و توجيه أمواتهم، إلى غير ذلك مما يجب أو يستحب فيه استقبال القبلة و القصد إليه لأداء مراسم الحج.

و القبلة : اسم للمكان المتوجّه إليه للصلاة وغيرها.

و إنّما عبّر عن البيت الحرام بالقبلة؛ لأنّ المصلي يقابلها و تقابله، أو لأنّ الله - تعالى - يقبل صلاة من توجّه إليها.

و جعل الله - سبحانه - اختلاف القبلة سمات أهل الأديان، و أعلاماً يوقف بها على انتحال المصلّي إلى نحلة لزمها من النحل، فقال عزّ من قائل: «ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها»(1)

و الأنام الجن و الإنس، و قيل: ما على وجه الأرض من جميع الخلق.

و بناءً على التفسير الأول، يكون بيت الله الحرام قبلة للإنس و الجنّ، أمّا الإنس فواضح، و أمّا الجنّ، فيدل كلامه علیه السلام: جعله قبلةً للأنام - بناءً على تفسير الأنام بالجنّ و الإنس - على أنّ بيت الله الحرام قبلةً للجنّ أيضاً، يتوجّهون إليه حين عبادتهم، و إن كانت ماهية عبادتهم لنا مجهولة.

و بناءً على التفسير الثاني، يكون بيت الله الحرام قبلةً لجميع ما على وجه الأرض من الخلق، ومعلوم أنّ المخلوقات كلّها تعبد خالقها، و إن كانت كيفية عبادتها مجهولة لنا، إلّا أنّ المفهوم من قوله علیه السلام: جعله قبلةً

ص: 22


1- البقرة : 148

للأنام - بناءً على تفسير الأنام: ما على وجه الأرض من جميع الخلق - أنّ بيت الله الحرام قبلةً لجميع المخلوقات تتوجّه إليه في عبادتها لربّها و خالقها.

قوله علیه السلام: يردونه ورود الأنعام

الورود: الموافاة، يقال: ورد البعير الماء يرده ورداً بلغه و وافاه من غير دخول، و قد يحصل دخول فيه، و أكثر ما يستعمل ورود الأنعام على الماء، فهذا تشبيهٌ لطيف منه علیه السلام لا لورود الأنام بيت الله الحرام، فكما ترد الأنعام بتلهّف و ظما و اشتياق و ازدحام لشرب الماء و مدافعة بعضهم بعضاً، يرد الأنام بيت الله الحرام وهم على أشدّ الشوق و التلهف لزيارة بيت ربّهم، يزدحمون و يهرولون للوصول إلى بيت الله الحرام؛ ليعترفوا بذنوبهم لربهم فيغفرها لهم، ويتزوّدوا من العرفان لربهم، و يصوغوا

أنفسهم صياغة ربانيّة، و يتذكروا إنسانيتهم التي نسوها من أمد بعيد!

و الأنعام جمع نعم، أكثر ما يقع على الإبل، و قيل: النعم: الإبل خاصة، و الأنعام: ذوات الخفّ و الظلف، و هي الإبل و البقر و الغنم و قيل غير ذلك.

و قيل: إنّ وجه الشبه بين الأنام و الأنعام: عدم اطّلاع الخلق على أسرار الحجّ و على ما تشتمل عليه المناسك من الحكمة الإلهية، و لما كان العقل الذي به يتميّز الإنسان عن الأنعام و سائر الحيوان معزولا عن

ص: 23

إدراك هذه الأسرار كاد أن لا يكون بين الإنسان وبين مركوبه فرق في الورود إلى البيت !

و في بعض الوجوه من هذا القبيل بعدٌ.

وروي: أنّ الكعبة شكت إلى الله - تعالى - في الفترة بين عيسى و محمد صلی الله علیه و آله وسلم، فقالت: يا ربّ ما لي قلّ زوّاري؟ فأوحى الله إليها: إنّي منزلٌ نوراً جديداً على قوم يحنّون إليك كما تحنّ الأنعام إلى أولادها و يزفّون إليك كما تزفّ النسوان إلى أزواجها»، يعني: أمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم.(1)

قوله علیه السلام : « ويألهون إليه ولوه الحمام»

قال الراوندي: أله یأله ألهاً: أي تحيّر، و الأصل و له يوله ولهاً، و قال أبو الهيثم : أصل الله إلاه، و أصله ولاه، فقلبت الواو همزة، فالخلق يولهون إليه في حوائجهم، ويفزعون إليه في كلّ ما ينوبهم.(2)

و قال ابن أبي الحديد: الوله: شدّة الوجد، حتى يكاد العقل يذهب، و له الرجل يوله ولهاً. و من روى: «يألهون إليه و لوه الحمام» فسّره بشيء آخر، و هو يعكفون عليه عكوف الحمام، و أصله أله: عبد، و منه الإله، أي: المعبود ، و لمّا كان العكوف على الشيء كالعبادة له

ص: 24


1- الوسائل 11 : 22 ح 14143
2- منهاج البراعة 1 : 106

الأرمته و الانقطاع إليه، قيل : أله فلان إلى كذا، أي: عكف عليه كأنه بعبده و لا يجوز أن يقال: «يألهون إليه» في هذا الموضع بمعنى يولهون، أن أصل الهمزة واو، كما فسّره الراوندي؛ لأن فعولاً لا يجوز أن يكون . صدراً من فعلت بالكسر ، و لو كان يألهون هو يولهون، كان أصله أله الكسر ، فلم يجز أن يقول: «ولوه الحمام» ، و أما على ما فسّرناه نحن فلا ممتنع أن يكون الولوه مصدراً؛ لأنّ أله مفتوح، فصار كقولك: دخل دخولاً (1).

و قال التستري: قلت: أمّا ما قاله من أنّ معنى «يألهون إليه» أي: یعكفون عليه، فخلط لفظاً و معنى. أمّا لفظاً؛ فلأنّه لم يقل أحد أنّ معنى أله، عكف بل ،عبد، فإن قال: قلته كناية، يمنعه إليه [في قوله: يألهون إليه ] ، فلو كان عليه كان له وجه. و أمّا معنى، فلأنّ الناس لا يعكفون في مكة، و إنّما يشتاقون إلى زيارتها اشتياق الحمام إلى و كرها.

و أمّا ما قاله من أنّ فعولا لا يكون مصدر فعل بالكسر، و وله بالكسر، فليس ذلك كليّاً، بل إذا كان مضارعه يفعل بالفتح، و أما إذا دان يفعل بالكسر فيجوز، كما في قولك: وثق وثوقاً، و قد قال في القاموس: وله مثل ورث و وجل و وعد. و أمّا ما قاله من أنه إذا كان یالهون مهموز الأصل، فيجوز أن يكون مصدره ولوهاً؛ لأنّ أله مفتوح، فيكون مثال : دخل دخولاً. ففيه : أنّ مصادر المجرّد ليست بقياسية ،

ص: 25


1- شرح نهج البلاغة 1 : 123

و لم ينقل في اللغة كون مصدر أله: ألوهاً، بل الاهه و الوهه (1).

و الحمام عند العرب: كلّ ذي طوق من الفواخت و القماري و القطا و الدواجن و أشباه ذلك، الواحدة حمامة، والعامة تخصّ الحمام بالدواجن، و كان الكسائي يقول : الحمام هو البري و اليمام هو الذي يألف البيوت، و قال الأصمعي : اليمام حمام الوحش، و هو ضرب من طير الصحراء.

و في تشبيهه علیه السلام ولوه الأنام بولوه الحمام عدّة وجوه:

منها: إشارة إلى شوق الخلق في كلّ عام إلى ورود البيت كما يشتاق إليه الحمام الذي يسكنه عند خروجه.

و منها: إشارة إلى أن الحمام كما يفزع إلى محله عند الخوف، فكذلك الأنام، فإنّ الحمام يظهر عليه أثر اللوذ بكثرة.

قالوا: و من طبع الحمام أنه يطلب و كره ولو أرسل من ألف فرسخ ، و ربّما اصطيد و غاب عن وطنه عشر حجج فأكثر، ثمّ هو على ثبات عقله حتى يجد فرصة فيطير إلى وطنه.

و قيل: حمام الحرم يلتجئ إليه إلهاماً من الله لها أنه المأمن، ويقال: إنها من نسل طير أبابيل.

ص: 26


1- بهج الصباغة 9 : 314-315

قوله علیه السلام: جعله سبحانه علامةً لتواضعهم لعظمته

علامة لتواضعهم: أي دليلاً لتواضعهم، فإنّ المواقف و الأعمال یدل على التواضع و الخشوع.

و من لابس عملاً لا يلائم صورة التكبر و ينا في أعمال الجبابرة: من الإقبال على حجر أصم بالتقبيل، و على مواطن خالية من حوادث الاطماع بالإجلال، صار ذلك الفعل أتمّ رياضة على طرح الأنفة؛ فإنّ من أطاعته نفسه لوجه الله - تعالى - في توقير شيء، ظاهره لا ينفع و لا یؤدي و لا يعلم و لا يشكر ، فهو إلى توقير من هو أعلى منه درجة من الأنبياء و الملائكة أسرع.

* قوله علیه السلام: «و إذعانهم لعزّته».

أذعن إذعاناً : انقاد و لم يستعص، و ناقة مذعان: منقادة.

و العزّة: الغلبة، و العزيز من أسمائه سبحانه: الغالب الذي لا يغلب. و إنما جعله - سبحانه - علامةً لإذعانهم لعزّته؛ لأنّ العقل لمّا لم یکن ليهتدي إلى أسرار أعمال الحج، لم يكن الباعث عليها في أكثر الخلق إلا الأمر المجرّد و قصد امتثاله من حيث هو واجب الاتباع فقط و فيه كمال الرقّ و خلوص الانقياد لله، فمن فعل ما أمر به من إتيان بيت الله و أداء مناسك الحج، فهو المنقاد لعزّة الله، المخلص الذي ظهرت عليه علامات المخلص المتواضع المذعن لجلال الله ربّ العالمين.

ص: 27

وروي: أنّ ابن أبي العوجاء تلميذ الحسن البصري انحرف عن التوحيد، فقيل له: تركت مذهب صاحبك و دخلت فيهما لا أصل له و لا حقيقة، فقال: إنّ صاحبي کان مخلطاً، كان يقول طوراً بالقدر و طوراً بالجبر، و ما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه، فقدم مكة متمرّداً و إنكاراً على من يحج، و كان يكره العلماء مجالسته، لخبث لسانه و فساد ضميره.

فأتى أبا عبد الله علیه السلام، فجلس إليه في جماعة من نظرائه، فقال: يا أبا عبد الله، إنّ المجالس بالأمانات، ولابدّ لكلّ من به سعال من أن يسعل، أفتأذن لي بالكلام؟ فقال: تكلّم.

فقال: إلى كم تدوسون بهذا البيدر، و تلوذون بهذا الحجر، و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب و المدر، و تهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر، إنّ من فكّر في هذا و قدّر علم أنّ هذا أسسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنّك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أسه وتمامه.

فقال علیه السلام: «إنّ من أضلّه الله و أعمى قلبه، و استوخم الحقّ و لم يستعذ به، فصار الشيطان وليّه و ربّه، يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره، و هذا البيت استعبد الله به خلقه، ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه و زيارته، و جعله محلّ أنبيائه و قبلةً للمصلّين إليه، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدّي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، و مجتمع العظمة و الجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ...»(1)

ص: 28


1- الكافي 4 : 198 ح1

قوله علیه السلام : و اختار من خلقه سمّاعاً أجابوا إليه دعوته

السّماع جمع سامع - كسامر و سمّار - و هم الحاج في قوله تعالى . «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (1)

و الضمير في قوله علیه السلام: «أجابوا إليه» للبيت، و في «دعوته» الله تعالى، أي أجابوا - قاصدين إلى البيت - دعوته تعالى.

و روي عن الإمام الصادق علیه السلام: لمّا أمر إبراهيم وإسماعيل علیه السلام بناء البيت، و تمّ بناؤه، قعد إبراهيم على ركن ثمّ نادى: هلمّ الحجّ، فلو نادى: هلمّوا إلى الحج، لم يحجّ إلّا من كان يومئذٍ إنسياً مخلوقاً، ولكنّه نادى: هلمَ الحج، فلبّى الناس في أصلاب الرجال: لبّيك داعي الله، لبّيك داعي الله عزّ وجلّ، فمن لبّى عشراً يحجّ عشراً، و من لبّي خمساً مع خمساً، ومن لبّى أكثر من ذلك، فبعدد ذلك، ومن لبّي واحداً حجّ واحداً، و من لم يلبّ لم يحجّ»(2).

قوله علیه السلام: «و صدّقوا كلمته»

إشارة إلى مطابقة أفعالهم، لما جاءت به الأنبياء من كلام الله حانه، و عدم مخالفتهم و تكذيبهم لهم.

ص: 29


1- الحج : 27
2- الوسائل 11 : 10 ح 14115

قوله علیه السلام: «و وقفوا مواقف أنبيائه»

في كلامه هذا علیه السلام استدراج حسن للطباع اللطيفة المتشوقة إلى لقاء الله، و جذب لها إلى هذه العبادة، بذكر التشبيه بالأنبياء.

و إنّما شبّه مواقفهم بمواقف الأنبياء؛ لأنّ الأنبياء قد حجّوا بالبيت الحرام أيضاً، و وقفوا في تلك المواقف، فهي مواقف إبراهيم و إسماعيل و آدم و الأنبياء و محمد -صلوات الله عليهم-.

فروي عن أبي جعفر علیه السلام: «كان طول سفينة نوح ... و طافت بالبيت، وسعت بين الصفا و المروة سبعة أشواط ثم استوت على الجودي»(1).

وروي: أنّ إبراهيم لمّا أذّن في الناس بالحج، حجّ هو و أهله و ولده (2).

وروي: عن أبي عبد الله علیه السلام: «لمّا أفاض آدم من منى تلقّته الملائكة، فقالت: يا آدم، برّ حجّك، أما إنّا قد حججنا هذا البيت قبل أن تحجّه بألفي عام». (3)

وروي سئل أبو عبد الله علیه السلام عن البيت: أكان يحجّ قبل أن يبعث النبي صلی الله علیه و آله وسلم ؟

ص: 30


1- الوسائل 11 : 8 ح 14110
2- الوسائل 11 : 8
3- لوسائل 11 : 9 ح 14112 . 11

قال: «نعم، و تصديقه في القرآن قول شعيب علیه السلام حين قال موسى علیه السلام حيث تزوّج: «على أن تأجرني ثماني حججٍ»(1)، و لم يقل: ثماني سنين، و أنّ آدم ونوح علیه السلام حجّا، و سليمان بن داود قد حجّ البيت بالجنّ و الإنس و الطير و الريح، و حجّ موسى على جمل أحمر، يقول: لبيك لبيك، و أنّه كما قال الله: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ»(2)(3)

وروي عن أبي عبد الله علیه السلام : «مرّ موسى النبي علیه السلام بصفاح الروحاء على جمل ... و هو يقول : لبيك يا كريم لبيك . قال : و مرّ يونس بن متّى بصفاح الروحاء و هو يقول: لبيك كشاف الكرب العظام لبيك. قال: و مرّ عيسى بن مريم بصفاح الروحاء و هو يقول: لبيك عبدك ابن أمتك. و مرّ محمد صلی الله علیه و آله وسلم بصفاح الروحاء و هو يقول: لبيك ذا المعارج لبيك» (4).

وروي عن أبي جعفر علیه السلام : «مرّ موسى بن عمران علیه السلام في سبعين نبياً على فجاج الروحاء ... يقول : لبيك عبدك ابن عبديك»(5).

ص: 31


1- القصص : 27
2- آل عمران : 96
3- مستدرك الوسائل 8 : 89229
4- الوسائل 12 : 385 ح 16573
5- الوسائل 12 : 385 ح 16574

قوله علیه السلام: «و تشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه.»

«الملائكة المطيفين بالعرش»: هم الكروبيّون، و هم أشراف الملائكة و عظماؤهم.

و المطيف هاهنا: بمعنى الطائف، و المطيف أيضاً: الملمّ النازل بقوم، وطاف بالبيت طوفاً: أي دار حوله، وحقيقة أطاف: أنّ المطيف، هو الذي يطيف نفسه كأنه فزعها لذلك، فهو بکلّیته مشتغل به من أفعال القلوب و أفعال الجوارح.

و التشبّه بالملائكة من طريق الأفعال التي هي عبادة الله تعالى، والتنزّه عن الرفث و الفسوق و الجدال و قضاء الشهوات في الإحرام، فمن أعرض عن قضاء الشهوات و هو مقبل على عبادة الله تشبّه بالملائكة، فإنّ الملائكة يسبّحون الليل و النهار لا يفترون ولا يقضون شهوة.

و يحتمل أن يكون التشبّه بالملائكة من حيث قال تعالى: «وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ»(1)، و كذلك الحجاج حول الكعبة.

و يحتمل أن يكون التشبّه بالملائكة إشارة إلى أنّ البيت المعمور بإزاء الكعبة في السماء، و أن طواف الخلق بهذا البيت يشبه طواف الملائكة و إحداقهم بالبيت المعمور و العرش، فهم متشبّهون بالملائكة في

ص: 32


1- الزمر : 75

الملواف من طريق التعبّد، و الغاية أن يترقّى من أخذ العناية بيده من الملواف إلى أن يصير من الطائفين بالعرش و البيت المعمور.

و اعلم، أنّ الطواف المطلوب هو طواف القلب بحضرة الربوبية، و ان البيت مثال ظاهر في عالم الشهادة لتلك الحضرة التي هي عالم الغيب، كما أنّ الإنسان الظاهر في هذا العالم مثال لإنسان الباطن الذي لا بشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب، و أنّ عالم الشهادة مرقاة و مدرج الی عالم الغيب لمن فتح له باب الرحمة، و أنّ أولياء الله المقرّبين لمّا يطوفون حول بيت الله الحرام ناظرون في طوافهم الطواف حول البيت المعمور الادي هو بإزاء الكعبة، متشبّهون بطواف الملائكة حول البيت المعمور و العرش بحسب الإمكان، و عدّوا بأنّ من تشبّه بقوم فهو منهم، و كثيراً

ما يزداد ذلك التشبّه إلى أن يصير المتشبّه في قوة المتشبّه به.

وروي عن الإمام الرضا علیه السلام: «علّة الطواف بالبيت : أنّ الله قال الملائكة: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ...»(1)، فردّوا على الله، فندموا، فلاذوا بالعرش و استغفروا ، فأحبّ الله أن يتعبّد بمثل ذلك العباد، فوضع في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش يسمّى الضراح، ثمّ وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمّى البيت المعمور بحذاء الضراح، ثمّ وضع البيت بحذاء البيت المعمور، ثمّ أمر آدم علیه السلام فطاف به فتاب عليه، وجرى ذلك في ولده إلى

ص: 33


1- البقرة : 30

يوم القيامة» (1)

وروي أيضاً عن الإمام الصادق علیه السلام : «لمّا أفاض آدم من منى تلقّته الملائكة، فقالت: يا آدم برّ حجّك، أما إنّا قد حججنا هذا البيت قبل أن تحجّه بألفي عام» (2).

قوله علیه السلام : يحرزون الارباح في متجر عبادته

الحرز: المكان الذي يحفظ فيه، و أحرزت المتاع: جعلته في الحرز، و أحرزت الشيء إحرازاً: ضممته، أحرز قصب السبق: إذا سبق إليها فضمّها دون غيره.

و الأرباح: جمع ربح، و المراد به هاهنا: الثواب .

و المتجر : محلّ التجارة، و مواقف الحج في مكة و حواليها متجر يحصل الإنسان فيها على الثواب ؛ لأنّها متجر العبادة و الطاعة، لا المال و المادة.

فقد استعار علیه السلام لفظ المتجر للحركات في العبادة، و لفظ الأرباح لثمرتها في الآخرة من كرامة الله.

وقد ذكر علیه السلام هاهنا الربح استدراجاً لطباع الخلق بما يفهمونه

ص: 34


1- الوسائل 13 : 296 ح 17788
2- الوسائل 11 : 9 ح 14112

ويميلون إليه من حبّ الأرباح في الحركات، ليشتاقوا فيعبدوا، و إلّا فهو علیه السلام قسّم العبادة إلى ثلاثة أقسام، وعدّ هذه العبادة عبادة التجّار و أحسن للعبد إذا نظر في عبادته إلى أنّ الله هو أهل للعبادة، فيحذف جميع الأغراض و الخواطر عن درجة الاعتبار، و يجعلها خالصة لوجه_ه تعالى.

قوله علیه السلام : «و يتبادرون عنده موعد مغفرته»

المبادرة: المسارعة و المسابقة، أي: يسابق بعض الحجاج بعضاً.

وقوله علیه السلام : «عند موعد مغفرته» ، أي: عند المحلّ الذي وعد اللّه الغفران فيه.

و التبادر إنّما هو بالأعمال الصالحة، كما قال الله سبحانه: «وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» (1) ، كأن من يعمل أكثر، يكون أكثر مسارعةً لتحصيل المغفرة و المثوبة.

و روي عن الإمام الرضاء علیه السلام : «إنّما أمروا بالحج لعلّة الوفادة إلى الله - عزّ وجلّ - ، و طلب الزيادة، و الخروج من كلّ ما اقترف العبد تائباً مما مضى، مستأنفاً لما يستقبل، مع ما فيه من إخراج الأموال، و تعب الأبدان، و الاشتغال عن الأهل و الولد، و حظر النفس عن اللذات،

ص: 35


1- آل عمران : 133

شاخصاً في الحرّ و البرد، ثابتاً على ذلك دائماً، مع الخضوع و الاستكانة و التذلّل ...» (1).

قوله علیه السلام : «جعله سبحانه للإسلام علماً»

و لمّا كان الإسلام و أحكامه هو الطريق إلى الله سبحانه، استعار لفظ العلم للحج بالنسبة إليه ؛ لأنّ به يكون سلوك طريق الله و الصراط المستقيم، كالأعلام التي تخفق للعسكر فيأوي إليها الجيش و المارة على مقاصدهم.

و يحتمل أن يكون المراد بالعلم: الجبل، فهو كالجبل الأشم الذي يلوذ بكنفه الناس من الحرّ و البرد و سائر المخاوف.

و روي عن الإمام الصادق علیه السلام: « لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة»(2).

قوله علیه السلام : «و للعائذين حرماً»

«العائذين» جمع عائذ: و هو المستجير.

و قوله علیه السلام: حرماً أي محلّ أمن و سلامة، حتى إنّ الولي للدم لا يتمكن من أن ينال المجرم بسوء و هو عائذ بالحرم، فمن دخل من

ص: 36


1- الوسائل 11: 13 ح14121 . 13
2- الوسائل 11 : 21 ح 14142

الناس الحرم مستجيراً به فهو آمن، و من دخله من الوحش و الطير كان امناً من أن يهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم.

* قوله * : «فرض حجّه».

فرض: أي أوجب .

و الحج مستجمع لعبادة النفس، وعبادة المال، و عبادة البدن، و هو الطهور الأكبر، و النسك الأعظم، و به يفارق المسلم أهل الملل، و لذلك قال علیه السلام : من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام فليمت على أيّ حال: إن شاء يهودياً، أو نصرانياً».

و روي عن أبي جعفر علیه السلام قال: «بني الإسلام على خمس: على الصلاة، و الزكاة، و الحج، و الصوم، والولاية» الحديث(1)

قوله علیه السلام : «و أوجب حقّه»

أي: حق البيت بالحج و الاحترام.

روي عن الإمام السجاد علیه السلام : «و حقّ الحجّ: أن تعلم أنّه وفادة إلى ربّك، و فرار إليه من ذنوبك، و فيه قبول توبتك، و قضاء الفرض الذي أوجبه الله تعالى عليك.»

ص: 37


1- الوسائل 1 : 13 ح 1

قوله علیه السلام : «و كتب عليكم وفادته»

كتب: فرض و ألزم.

و الوفادة: الزيادة، و القدوم للاسترفاد و الانتفاع و لفظه مستعار للحج ؛ لأنّه قدوم إلى بيت الله طلباً لفضله و ثوابه.

قوله علیه السلام : فقال سبحانه: « ... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ»

(1).

استدل علیه السلام بهذه الآية على وجوب الحج ، حيث قال علیه السلام: «فرض حجّه و أوجب حقّه و كتب عليكم وفادته».

و قوله تعالى : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ»، أي: حقّ الله على الناس أن يحجّوا بيته.

و قوله تعالى: «من استطاع إليه سبيلاً»، أي: تمكّن من المسير إليه بالزاد و الراحلة و النفقة و ما أشبه ذلك.

و قوله تعالى : «و من كفر فإنّ الله غنيٌ عن العالمين»، فجعل من لم يحجّ و هو مستطيع كافراً ، و أنه لا يضرّ الله ، و إنّما يضرّ نفسه ، لأنّ الله - سبحانه - غنيٌّ عن العالمين، و المراد بالكفر هنا إمّا مطلق الكفر، فتجري على من عرف وجوب الحجّ و هو مستطيع و لم يحجّ طغياناً

ص: 38


1- آل عمران : 97

احكام الكفار؛ أو الكفر العملي لا مطلق الكفر.

فروي عن أبي عبد الله علیه السلام أنّه قال: «من مات و لم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصراني» (1).

وروي عن الإمام الكاظم علیه السلام حين سئل عن هذه الآية، و أن من لم يحجّ فقد كفر ، فقال علیه السلام: «لا ، و لكن من قال: ليس هذا هكذا فقد كفر » (2)

و قبل هذه الآية: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا».

***

ص: 39


1- الوسائل 11 : 29 ح 14162
2- الوسائل 11 : 16 ح4128

مصادر البحث

1 - القرآن الكريم.

2 - نهج البلاغة، الشريف الرضي، شرح الدكتور صبحي الصالح، دار الأسوة، قم، 1415ه_ .

3 - نهج البلاغة، الشريف الرضي، نسخة مخطوطة، رقم 3827، في المكتبة العامة لآية الله المرعشي، قم.

4 - نهج البلاغة، الشريف الرضي، شرح الأستاذ محمد عبده، مؤسسة الأعلمي، بيروت.

5 - نهج البلاغة، الشريف الرضي، نسخة مخطوطة، في مكتبة فخر الدين النصيري، طهران.

6 - نهج البلاغة، الشريف الرضي، تحقيق الشيخ عزيز الله العطاردي، مؤسسة نهج البلاغة، طهران، 1413ه_ .

7 - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي، دار إحياء الكتب العربية، 1378 ه_

8 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدين سعيد بن هبة الله

ص: 40

الراوندي، المكتبة العامة لآية الله المرعشي، قم، 1406 ه_

9- مصادر نهج البلاغة و أسانيده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1395 ه_ .

10 - معارج نهج البلاغة، ظهير الدين علي بن زيد البيهقي فريد خراسان، المكتبة العامة لآية الله المرعشي، قم، 1409ه_ .

11 - المصباح المنير، أحمد بن محمد الفيّومي، دار الهجرة، قم، 1414ه_.

12 - شرح نهج البلاغة، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، مطبعة خدمات چاپی 1404 ه_ .

13- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، محمد تقي التستري، مكتبة الصدر، طهران، 1390 ه_

14 - نهج البلاغة (نسخة المعجم المفهرس)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة الجماعة المدرسين، قم، 1408 ه_ .

15 - المعجم الموضوعي لنهج البلاغة، إدريس كريم محمد، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1408 ه_ .

16 - المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، كاظم محمدي و محمد دشتي، دار الأضواء، بيروت.

17 - اختيار مصباح السالكين (شرح نهج البلاغة الوسيط)، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 1408 ه_

18 - توضيح نهج البلاغة السيد محمد الحسيني، دار تراث الشيعة، طهران.

19 - تفصيل وسائل الشيعة، الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي، مؤسسة آل

ص: 41

البيت : لإحياء التراث، قم، 1411ه_

20- مستدرك الوسائل، الحاج ميرزا حسين النوري، مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث، قم، 1407 ه_ .

***

ص: 42

فهرس الكتاب

مقدمة المكتبة ... 5

تمهید ... 13

نص الخطبة ... 15

اختلاف النسخ ... 17

رواية الخطبة ... 18

شرح الخطبة ... 20

قوله علیه السلام : «الّذي جعله قبلةً للأنام » ... 21

قوله علیه السلام : يردونه ورود الأنعام ... 23

قوله علیه السلام : «ويألهون إليه ولوه الحمام » ... 24

قوله علیه السلام : جعله سبحانه علامةً لتواضعهم لعظمته ... 27

قوله علیه السلام : «وإذعانهم لعزّته» ... 27

قوله علیه السلام : و اختار من خلقه سمّاعاً أجابوا إليه دعوته ...29

قوله علیه السلام : «و صدّقوا كلمته» ... 29

قوله علیه السلام : «و وقفوا مواقف أنبيائه» ... 30

ص: 43

قوله علیه السلام : «و تشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه » ... 32

قوله علیه السلام : يحرزون الارباح في متجر عبادته ...34

قوله علیه السلام : «ويتبادرون عنده موعد مغفرته» ... 35

قوله علیه السلام : «جعله سبحانه للإسلام علماً» ... 36

قوله علیه السلام : «و للعائدين حرماً» ... 36

قوله علیه السلام : «فرض حجّه» ... 37

قوله علیه السلام : «و أوجب حقّه» ... 37

قوله علیه السلام : «و كتب عليكم وفادته» ... 38

قوله علیه السلام : فقال سبحانه: «... و الله على النّاس حجّ البيت ...» ... 38

مصادر البحث ... 40

فهرس الكتاب ... 43

***

ص: 44

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.