الإنسان في نهج البلاغة

هوية الکتاب

الإنسان في نهج البلاغة

الناشر: العتبة العلوية المقدسة

إعداد: مكتبة الروضة الحيدرية

تنضيد وإخراج: نذير هندي الكوفي

عدد النسخ: 1000 نسخة

السنة: 1432 ه_ / 2011 م

العتبة العلوية المقدسة، العراق. النجف الأشرف

هاتف: 07802337277 (00964)

لإبداء ملاحظاتكم يرجى مراسلتنا على البريد الالكتروني:

info@haydarya.com

ص: 1

اشارة

العتبة العلوية المقدسة

سلسلة في رحاب نهج البلاغة - 8

الإنسان في نهج البلاغة

إعداد مكتبة الروضة الحيدرية

ص: 2

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 4

تمهید

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (1).

و قال تعالى أيضاً: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (2).

نرى هنا الترابط الوثيق بين الآية الأولى و الثانية، حيث انّ الأولى تدلّ على الانتخاب الإلهي لاستخلاف الإنسان في الأرض، والآية الثانية تشير إلى استجابة الإنسان لهذه الأمانة و لهذا الاستخلاف، و هو هذا غير عارف بأهمية الأمر وثقله، و عليه جرى القضاء و القدر على أن يخوض غمرات البلايا و الاختبار في الدنيا ليصير مؤهّلاً لهذه المهمّة «فتعقب ذلك أن انقسم الإنسان من جهة حفظ الأمانة و عدمه بالخيانة إلى

ص: 5


1- البقرة: 31
2- الأحزاب: 72

منافق ومشرك ومؤمن، بخلاف السماوات والأرض والجبال فما منها الّا مؤمن مطيع» (1)

نحن هنا في حلقة أخرى من «سلسلة في رحاب نهج البلاغة» نحاول تسليط الضوء على ما ورد عن أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة ممّا يخصّ الإنسان من المبدأ إلى المنتهى، إذ كما ورد في الحديث الشريف: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه».

ص: 6


1- تفسير الميزان للطباطبائي 16: 350

1 - الله والإنسان

1- الخلقة

يشير أمير المؤمنين علیه السلام في كلامه إلى انّ الله تعالى ابتدع الخلق و أنشأه ابتداء من دون أن يكون له مثال سابق، بل هو إنشاء جديد تم ايجاده بالقدرة والإرادة الإلهية.

و بهذا الصدد يقول علیه السلام : «فطر الخلائق بقدرته ... أنشأ الخلق انشاء، وابتدأه ابتداء، بلا روية أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها»(1)

وقال علیه السلام : «الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذى عليه من خالق معبود كان قبله ... المنشئ أصناف الأشياء بلا روية فكر آل إليها، و لا قريحة غريزة أضمر عليها، و لا تجربة أفادها من حوادث الدهور، و لا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور» (2).

ص: 7


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 1
2- المصدر نفسه الخطبة رقم 90

وقال علیه السلام : «خلق الخلق على غير تمثيل، و لا مشورة مشير، ولا معونة معين»(1)

ثم يشير أمير المؤمنين علیه السلام إلى انّ سبب الخلقة ليس لافتقار الله تعالى أو احتياجه أو لنفع يعود إليه، فقد قال علیه السلام : «لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان، ولا تخوّف من عواقب زمان، و لا استعانة على ندِّ مشاور، و لا شريك مكاثر، و لا ضدّ منافر» (2)

وقال علیه السلام : «لم تخلق الخلق لوشحة، و لا استعملتهم لمنفعة» (3)، و قال علیه السلام : «لم يكوّنها لتشديد سلطان، و لا لخوف من زوال ونقصان، و لا للاستعانة بها على ندّ مكاثر، و لا للإحتراز بها من ضدّ مثاور، ولا للإزدياد بها في ملكه، و لا لمكاثرة شريك في شركه، و لا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها» (4).

وقال علیه السلام : «لم يخلقكم عبثاً، ولم يرسلكم هملاً ... لم يذرأ الخلق باحتيال، ولا استعان بهم الكلال» (5).

و قال علیه السلام : «و ممهلكم في مضمار محدود للتتنازعوا سبقه» (6) و قال علیه السلام : «و لا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً، ذلك ظن

ص: 8


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 155
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم 64
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 108
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 186
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 195
6- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 239

الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار» (1).

ثم يشرح علیه السلام كيفية خلق الإنسان ويقول: «ثم جمع سبحانه من حزن الأرض و سهلها وعذبها وسبخها، تربة سنّها بالماء حتى خلصت، و لاطها بالبلّة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء و وصول، و أعظاء وفصول، أجمدها حتى استمسكت، و أصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود، وأجل معلوم، ثم نفخ فيها من روحه فمثلت انساناً ذا أذهان يجيلها، و فكر يتصرّف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلّبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق و الباطل، و الأذواق والمشام، والألوان والأجناس، معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة من الحر والبرد، والبلّة والجمود، والمساءة والسرور» (2).

وقال علیه السلام : «أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام، و شغف الأستار، نطفة دفاقاً، وعلقة محاقاً، وجنيناً وراضعاً، ووليداً ويافعاً، ثم منحه قلباً حافظاً، ولساناً لافظاً، وبصراً لاحظاً؛ ليفهم معتبراً، ويقصّر مزدجراً» (3).

وقال علیه السلام: «أيها المخلوق السويّ، والمنشأ المرعي، في ظلمات الأرحام، ومضاعفات الأستار، بدئت من سلالة من طين، ووضعت في

ص: 9


1- نهج البلاغة، قصار الحكم: 73
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 1
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم 82

قرار مكين إلى قدر معلوم وأجل مقسوم، تمور في بطن امّك جنيناً لا تحير دعاء، ولا تسمع نداء، ثم اخرجت من مقرّك إلى دار لم تشهدها،

و لم تعرف سبل منافعها» (1)

2- معرفة الخالق

لابدّ للإنسان بعد مجيئه إلى الدنيا أن يعرف خالقه، إذ انّ أوّل الدين معرفته» (2) لكن السؤال الذي يطرح نفسه بجد، انّ الإنسان هل يستطيع أن يعرف كنه الباري تعالى، و هل يتمكن أن يحيط به علماً؟!

ربما تختلف المدارس والمذاهب الكلامية في الأديان المختلفة في الإجابة على هذا السؤال، ونحن لسنا هنا بصدد البحث عن الأقوال و الآراء والمناقشات المطروحة في هذا الأمر، وانّما الذي يهمّنا معرفة رأي أهل البيت علیهم السلام في هذه المسألة، إذ أنّهم امناء الله تعالى على وحيه ودينه، و هم أهل الذكر الذين أمرنا بالسؤال عنهم.

ولما نراجع كلام أمير المؤمنين علیه السلام - و هو سيد العترة – في نهج البلاغة، نرى أنّه علیه السلام ينفي استطاعة الإنسان على معرفة كنه الباري تعالى، إذ يقول علیه السلام : «الذي لا يدركه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن» (3) وقال علیه السلام : «لا تقع الأوهام له على صفة، و لا تّعقد القلوب

ص: 10


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 163
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 1
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 1

منه على كيفية» (1).

وقال علیه السلام : «هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرّأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، و تولّهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته، و غمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم ذاته، ردعها و هي تجوب مهاوي سُدف الغيوب، متخلّصة إليه سبحانه، فرجعت إذ جبهت معترفة بانّه لا ينال بجور الاعتساف کنه معرفته، و لا تخطر ببال اولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزّته ... فأشهد انّ من شبّهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق (2) مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك، و لم يباشر قلبه اليقين بأنّه لاندّ لك وكأنّه لم يسمع تبرّؤ التّابعين من المتبوعين إذ يقولون: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (3).

كذب العادلون بك، إذ شبّهوك بأصنامهم، و نحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزّأوك تجزئة المجسّمات بخواطرهم، و قدّروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم.

فأشهد أنّ من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك، والعادل

ص: 11


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 84
2- الحقاق: جمع الحق – بالضم - وهو رأس العظم عند المفصل
3- الشعراء: 97 - 98

بك كافرٌ بما تنزّلت به محكمات آياتك، و نطقت عنه شواهد حجج بيّناتك، وإنّك أنت الله الذي لم تتناه في العقول، فتكون في مهبّ فكرها مكيّفاً، ولا في رويّات خواطرها [ فتكون] محدوداً مصرّفاً» (1).

وقال علیه السلام : «فتبارك الله الذي لا تبلغه بعد الهمم، ولا يناله حدس الفطن» (2)

وقال علیه السلام : «من وصفه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، و من عدّه فقد أبطل أزله، ومن قال كيف فقد استوصفه، ومن قال أين فقد حيّزه» (3).

وقال علیه السلام : «الحمد لله الذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته، وردعت عظمته العقول فلم تجد مساغاً إلى بلوغ غاية ملكوته ... لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبَّهاً، و لم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثّلاً»(4).

وقال علیه السلام : «لا يُدرك بوهم، ولا يُقدّر بفهم»(5) وقال علیه السلام: «لا تناله الأوهام فتقدّره، ولا تتوهّمه الفطن فتصوّره،

ولا تدركه الحواس فتحسّه» (6).

ص: 12


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 90
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 93
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 152
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 155
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 182
6- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 186

هذا

بعدما عرفنا عجز الإنسان عن الوصول إلى معرفة كنه الباري، فهل يعني تأييد نظرية تعطيل المعرفة ؟! وللإجابة على هذا السؤال نرجع إلى نهج البلاغة مرّة ثانية، و نرى انّ أمير المؤمنين علیه السلام ينفي نظرية التعطيل، و يشير إلى انّ الإنسان يتمكن من المعرفة الاجمالية التي بها يثاب ويعاقب، فقد قال علیه السلام : «لم يُطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته» (1)

وهناك بعض الطرق للوصول إلى هذه المعرفة الاجمالية، وردت في نهج البلاغة، وهي كما يلي:

1 - الأعلام والآيات الإلهية: قال علیه السلام : «فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود» (2).

وقال علیه السلام : «وأرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوّته، ما دلّنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كلّ ما خلق حجة له و دليلاً عليه، و إن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة، و دلالته على المبدع قائمة» (3)

وقال علیه السلام : «فلسنا نعلم كنه عظمتك الّا انّا نعلم انّك حيّ قيوم، لا

ص: 13


1- نهج البلاغة الخطبة رقم 49
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 49
3- المصدر نفسه الخطبة رقم 90

تأخذك سنة و لا نوم، لم ينته إليك نظر، ولم يدركك بصر، أدركت الأبصار، وأحصيت الأعمال، و أخذت بالنواصي و الأقدام»(1).

وقال علیه السلام : «الحمد لله الذي أظهر من آثار سلطانه، وجلال كبريائه، ما حيّر مقل العقول من عجائب قدرته، وردع خطرات هماهم النفوس (2) عن عرفان کنه صفته» (3)

2 - مشاهدة القلوب: روي انّ ذعلب اليماني سأل أمير المؤمنين علیه السلام وقال: هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين ؟ فقال علیه السلام : «أفأ عبد ما لا أرى ؟» قال وكيف تراه ؟ قال: «لا تدركه العيون بمشاهدة، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلّم بلا رويةّ مريد بلا همّة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحیم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته» (4).

3- الرجوع إلى الثقلين: قال علیه السلام : «فانظر أيها السائل فما دلّك القرآن عليه من صفته فائتمّ به واستضئ بنور هدايته، وما كلّفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنّة النبي صلی الله علیه و آله و سلم و أئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى الله سبحانه فانّ ذلك منتهى حق الله

ص: 14


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 160
2- هماهم النفوس: أفكارها
3- نهج البلاغة الخطبة رقم: 195
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 179

عليك. واعلم انّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخاً، فاقتصر على ذلك، ولا تقدّر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين»(1)

3- الإيمان والإسلام

يظهر من سياق العبارات انّ أمير المؤمنين علیه السلام استعمل الإيمان والإسلام بمعنى متقارب، وإن كان هناك بعض الفرق بينهما من حيث العموم والخصوص، إذ انّ الإيمان في البداية عقد القلب على الشيء أما الإسلام فهو المنظومة المتكاملة للسلوك الإيماني، وعلى كل حال فأوّل ما يجب على الإنسان بعد معرفة الخالق انّما هو الإيمان به كما قال علیه السلام: «فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك» (2).

و هذا الإيمان يتمثل في الإسلام الذي جاء به النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، كما قال علیه السلام : «انّ أفضل ما توسّل به المتوسلون إلى الله سبحانه الإيمان به وبرسوله» (3)، وقال علیه السلام : «لا شرف أعلى من الاسلام»(4).

ص: 15


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 90
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 243
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم 109
4- المصدر نفسه، قصار الحكم: 360

و قال علیه السلام : «الحمد لله الذي شرع الإسلام فسهّل شرائعه لمن ورده، وأعزّ أركانه على من غالبه، فجعله أمناً لمن عقله، و سلماً لمن دخله، و برهاناً لمن تكلّم به، و شاهداً لمن خاصم به، و نوراً لمن استضاء به، و فهماً لمن عقل، و لبّاً لمن تدبّر، و آية لمن توسّم، وتبصرة لمن عزم، و عبرة لمن اتّعظ، و نجاة لمن صدّق، و ثقة لمن توكّل، وراحة لمن فوّض، وجنّةً لمن صبر.

فهو أبلج المناهج، واضح الولائج، مشرف المنار، مشرق الجوادّ، مضيء المصابيح، كريم المضمار، رفيع الغاية، جامع الحلبة، متنافس السّبقة، شريف الفرسان. التّصديق منهاجه، والصّالحات مناره، والموت غايته، والدّنيا مضماره، والقيامة حلبته، والجنّة سبقته» (1)

وقال علیه السلام: «انّ الله خصكم بالإسلام و استخلصكم له، وذلك لانّه اسم سلامة، وجماع كرامة، اصطفى الله تعالى منهجه، وبي،ن حججه من ظاهر علم، وباطن حكم، لا تفنى غرائبه، ولا تنقضي عجائبه، فيه مرابيع النعم، ومصابيح الظلم، لا تفتح الخيرات ال،ا بمفاتيحه، ولا تكشف الظلمات ال،ا بمصابيحه، قد أحمى حماه، وأرعى مرعاه، وفيه شفاء المشتفي، وكفاية المكتفي»(2).

ص: 16


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 105
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 152

وقال علیه السلام : «فمن يبتغ غير الإسلام ديناً تتحقق شقوته، وتنفصم عروته، وتعظم كبوته، ويكن مآبه إلى الحزن الطويل، والعذاب الوبيل» (1).

وقال علیه السلام : (ثم انّ هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه، و اصطنعه على عينه، و أصفاه خيرة خلقه، وأقام دعائمه على محبّته، وأذلّ الأديان بعزّه، ووضع الملل برفعه، وأهان أعداءه بكرامته، وخذل محادّيه بنصره، وهدم أركان الضّلالة بركنه، وسقى من عطش من حياضه، وأتاق الحياض بمواتحه (2).

ثم جعله لا انفصام لعروته، ولا فكّ لحلقته، ولا انهدام لأساسه، ولا زوال لدعائمه، ولا انقلاع لشجرته، ولا انقطاع لمدّته، ولا عفاء الشرائعه، ولا جذّ لفروعه، ولا ضنك لطرقه، و لا وعوثة لسهولته، و لا سواد لوضحه، ولا عوج لانتصابه، ولا عصل (3) في عوده، ولا وعث لفجّه (4)، ولا انطفاء لمصابيحه، و لا مرارة الحلاوته» (5).

ثم بيّن علیه السلام انّ النطق بالشهادتين بداية التمسك بهذا الدين حيث قال علیه السلام : «و أشهد أن لا إله الا الله، شهادة ممتحناً إخلاصها، ومعتقداً مُصاصُها، نتمسّك بها أبداً ما أبقانا، وندّخرها لأهاويل

ص: 17


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 161
2- اتاق: ملأ والمواتح: الدلاء يُمتح بها أي يُسقى بها
3- العصل: الالتواء والاعوجاج
4- وعث الطريق: تعسّر المشي فيه، و الفجّ: الطريق الواسع بين الجبلين
5- نهج البلاغة الخطبة رقم: 198

مايلقانا، فانّها عزيمة الإيمان، وفاتحة الإحسان، ومرضاة الرحمن، و مدحرة الشيطان، و أشهد انّ محمداً عبده و رسوله، أرسله بالدين المشهور ...» (1)

و قال علیه السلام : «ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وانّ محمداً عبده ورسوله، شهادتين تصعدان القول وترفعان العمل، لا يخف میزان توضعان فيه، ولا يثقل ميزان ترفعان منه» (2).

ويشرح علیه السلام كيفية الإيمان ويقول: «ونؤمن به إيمان من عاين الغيوب، وووقف على الموعود، إيماناً نفى اخلاصه الشرك، ويقينه الشك» (3).

و قال علیه السلام : «نؤمن به إيمان من رجاه موقناً، وأناب إليه مؤمناً، وخنع له مذعناً، وأخلص له موحّداً، و عظّمه ممجداً، ولاذ به راغباً مجتهداً» (4).

و بما «انّ الإيمان يبدو لُمضة في القلب، كلّما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة» (5). بدأ علیه السلام بذكر حقيقة الإيمان و الإسلام و ما لابدّ أن يتصف المؤمن به، فقال: «فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلّا بالحق» (6)

ص: 18


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 2
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 113
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 113
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 182
5- المصدر نفسه قصار الحكم 5 / من غريب الكلام
6- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 167

وقال علیه السلام : «الإيمان على أربع دعائم: على الصّبر، و اليقين، و العدل، والجهاد:

فالصّبر منها على أربع شعب: على الشوق والشّفق، و الزّهد والتّرقّب: فمن اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشّهوات، ومن أشفق من النّار اجتنب المحرّمات، ومن زهد في الدّنيا استهان بالمصيبات و من ارتقب الموت سارع في الخيرات.

و اليقين منها على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، و تأوّل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنّة الاوّلين: فمن تبصّر في الفطنة تبيّنت له الحكمة، و من تبيّنت له الحكمة عرف العبرة، و من عرف العبرة فكأنما كان في الأوّلين.

و العدل منها على أربع شعب: على غائص الفهم، و غور العلم، و زهرة الحكم، و رساخة الحلم، فمن فهم علم غور العلم، و من علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم، و من حلم لم يفرّط في أمره و عاش في النّاس حميداً.

و الجهاد منها على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، والصّدق في المواطن و شنآن الفاسقين: فمن أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين، ومن نهى عن المنكر أرغم أنوف المنافقين، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، و من شنئ الفاسقين و غضب الله غضب الله له

وأرضاه يوم القيامة» (1).

ص: 19


1- نهج البلاغة، قصار الحكم 27

و قال علیه السلام : «الإسلام هو التسليم، والتسيلم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل»(1)

وقال علیه السلام : «الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان» (2).

وقال علیه السلام : «لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله سبحانه أوثق منه بما في يده»(3)

وقال علیه السلام: «علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك، و ألّا يكون في حديثك فضل عن عملك، وأن تتقي الله في حديث غيرك» (4).

و قال علیه السلام : «فبالإيمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يستدلّ على الإيمان، وبالإيمان يعمر العلم ...» (5)

و أخيراً بيّن علیه السلام انّ درجات الإيمان متفاوتة وقال: «فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب، و منه ما يكون عواري بين القلوب و الصدور إلى أجل معلوم، فإذا كانت لكم براءة من أحد فقفوه حتى يحضره الموت، فعند ذلك يقع حدّ البراءة» (6).

ص: 20


1- نهج البلاغة، قصار الحكم: 118
2- المصدر نفسه، قصار الحكم 217
3- المصدر نفسه، قصار الحكم: 301
4- المصدر نفسه، قصار الحكم: 446
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 156
6- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 189

4 - الحجة الإلهية:

اشارة

قال الإمام الكاظم علیه السلام لهشام: «يا هشام انّ لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة [علیهم السلام]، و أما الباطنة فالعقول» (1).

و في حديث آخر عن الإمام الصادق علیه السلام انّه قال: «حجة الله على العباد النبي، و الحجة فيما بين العباد و بين الله العقل» (2).

انّ الله تعالى بعد ما خلق الإنسان، وطلب منه الإيمان والمعرفة، وضع له ما يوصله و يدلّه إليهما، و هو حجة العقل وحجة الرسل، كما في الحديثين الشريفين المتقدّمين، و عليه نتابع كلام أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة، لنقف على محتواه فيما يتعلّق بهذين الحجتين:

1- العقل:

انّ الله سبحانه وتعالى خصّ الإنسان بمصباح العقل، لينير دربه في حياته ويوصله إلى كماله، و هو ملاك الجزاء والعقاب، وبه يقيّم الإنسان، و لذا قال أمير المؤمنين علیه السلام : «انّ أغنى الغنى العقل» (3) و في لفظ آخر: «لا غنى كالعقل» (4) و قال علیه السلام : «ما استودع الله امرأ عقلاً إلّا استنقذه

ص: 21


1- الكافي للكليني 1: 16
2- المصدر نفسه 1: 25
3- نهج البلاغة، قصار الحكم: 34
4- المصدر نفسه، قصار الحكم: 49

به يوماً ما» (1) وقال علیه السلام : «لا مال أعود من العقل»(2)

و العقل بكلا شقّيه: النظري والعملي، محط نظر أمير المؤمنين علیه السلام، حيث يشير إلى النظري ويصفه بالعجز عن معرفة كنه الباري تعالى و يقول: «ولا تقدّر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين ... انّك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهبّ فكرها مكيّفاً، ولا في رويّات خواطرها محدوداً مصرفاً» (3). و مع هذا لم يحجبها عن واجب معرفته، قال علیه السلام : «بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم» (4). وقال علیه السلام: «وأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به، ومسلّمة له» (5).

أمّا بالنسبة إلى العقل العملي، فيقول علیه السلام: «العقل حفظ التجارب» (6) وقال علیه السلام : «الشقي من حرم نفع ما اُوتي من العقل و التجربة» (7)، و قال علیه السلام : «لا عقل كالتدبير»(8)

ص: 22


1- هج البلاغة، قصار الحكم: 396
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 107
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 90
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 182
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 165
6- المصدر نفسه الكتاب رقم 31
7- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 78
8- المصدر نفسه، قصار الحكم: 107

ثم يأمر علیه السلام باستعمال العقل والاستفادة منه ويقول: «فليصدق رائد أهله، وليحضر عقله»(1) و قال علیه السلام : «فاحذروا عباد الله حذر الغالب لنفسه، المانع لشهوته الناظر بعقله» (2) و قال علیه السلام في وصف السالك إلى الله تعالى: «قد أحيا عقله، و أمات نفسه» (3) وقال علیه السلام: «لا يغش العقل من استنصحه» (4)، و قال علیه السلام : «أين العقول المستصحبة بمصابيح الهدى» (5)، وقال علیه السلام : «قاتل هواك بعقلك» (6).

ثم يشير علیه السلام إلى علامات العاقل وما عليه من الصفات الحسنة و يقول: «إذا تمّ العقل نقص الكلام»(7).

وقال علیه السلام : «التودّد نصف العقل» (8)، و قال علیه السلام: «مثل الدنيا كمثل الحيّة: ليّن مسّها، و السّم الناقع في جوفها، يهوي إليها الغرّ الجاهل، و يحذرها ذو اللب العاقل» (9)، وقال علیه السلام : «كفاك من عقلك ما أوضح لك سبيل غيّك من رشدك» (10).

ص: 23


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 154
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 161
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 219
4- المصدر نفسه، قصار الحكم: 272
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 144
6- المصدر نفسه، قصار الحكم: 412
7- المصدر نفسه، قصار الحكم: 66
8- المصدر نفسه، قصار الحكم: 133
9- المصدر نفسه، قصار الحكم: 113
10- المصدر نفسه، قصار الحكم: 409

وأخيراً يدعو علیه السلام ويتعوّذ بالله من سبات العقل و يقول: «نعوذ بالله من سبات العقل» (1) و ذلك انّ مصباح العقل لا ينطفئ لانّه الحجة الباطنية، ولكن قد يصيبه السبات و الغبار ممّا يؤدي إلى تكدّره.

و هنا يأتي دور الأنبياء والرسل لإنارة الطريق من جديد وإزاحة العلل، وفي ذلك يقول علیه السلام في سبب إرسال الرسل: انّ الناس لما بدلوا وتركوا العهد الإلهي واتخذوا الأنداد، أرسل إليهم الرسل حتى «يثيروا لهم دفائن العقول» (2).

ومن أهمّ أسباب سبات العقل متابعة الهوى، وفي ذلك يقول علیه السلام : «كم من عقل أسير تحت هوى أمير»(3) وفي كتاب كتبه إلى شريح القاضي لما اشترى داراً فنصحه وذكّره بفناء الدنيا و زوالها، وقال في آخره: «شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى، وسلم من علائق الدنيا» (4) وكتب علیه السلام أيضاً لمعاوية: «ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك ...» (5).

ثم انّ هناك بعض الأعمال المحرمة أو المباحة، تسبب سبات العقل كشرب الخمر الذي هو من المحرمات، حيث قال علیه السلام : فرض الله ...

ص: 24


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 223
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 1
3- المصدر نفسه، قصار الحكم: 201
4- المصدر نفسه الكتاب رقم 3
5- المصدر نفسه الكتاب رقم 6

ترك شرب الخمر تحصيناً للعقل»(1)

و كذلك الكبر و الفخر اللذان يأتيان بسبب سبات العقل، ولذا كتب علیه السلام إلى مالك الأشتر وقال: «وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك، و قدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فانّ ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكفّ عنك من غربك، ويفيء إليك ما عزب عنك من عقلك» (2).

وكالمزاح الذي هو من المباحات حيث يقول علیه السلام : «مامزح امرؤ مزحة الّا مجّ من عقله مجّة» (3).

وأخيراً الفقر الذي هو «مدهشة للعقل» (4).

2 - الأنبياء والرسل

الحجة الثانية التي جعلها الله تعالى للعباد، الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم وطهرهم وجعلهم الأمناء على وحيه وتبليغ رسالاته، يقول أمير المؤمنين علیه السلام في سبب إرسال الرسل: «واصطفى الله من ولده [أي ولد آدم علیه السلام ] أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم، لمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقّه، واتّخذوا

ص: 25


1- نهج البلاغة، قصار الحكم 243
2- المصدر نفسه، الكتاب رقم 53
3- المصدر نفسه، قصار الحكم: 438
4- المصدر نفسه، قصار الحكم: 310

الأنداد معه، واجتالتهم الشّياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، و واتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيّ نعمته، و يحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، و يروهم آيات المقدرة: من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصاب تهرمهم، وأحداث تتابع عليهم.

ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبيّ مرسل، أو كتاب منزل، أو حجّة لازمة، أو محجّة قائمة؛ رسلٌ لا تقصّر بهم قلّة عددهم، و لا كثرة المكذّبين لهم، من سابق سمّي له مَنْ بعده، أو غابر عرفه مَنْ قبله. على ذلك نُسلت القرون، و مضت الدّهور، وسلفت الآباء، وخلفت الأبناء» (1).

وقال علیه السلام : «و لم يخلهم بعد أن قبضه [أي آدم علیه السلام ] ممّا يؤكّد عليهم حجة ربوبيته، و يصل بينهم وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، و متحمّلي ودائع رسالته، قرناً فقرناً»(2).

وقال علیه السلام : «بعث رسله بما خصّهم به من وحيه، وجعلهم حجة على خلقه، لئلّا تجب الحجة لهم بترك الإعذار إليهم، فدعاهم بلسان الصدق إلى سبيل الحق»(3).

ص: 26


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 1
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 90
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 144

و قال علیه السلام : «هو الذي أسكن الدنيا خلقه، و بعث الى الجن والإنس رسله، ليكشفوا لهم عن غطائهم، و ليحذّروهم من ضرّائها، وليضربوا لهم أمثالها، وليبصّروهم عيوبها، وليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها وأسقامها، وحلالها وحرامها، وما أعدّ الله سبحانه للمطيعين منهم والعصاة من جنة و نار، وكرامة وهوان» (1).

رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم:

هكذا استمر الأمر إلى أن انتهى إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، حيث قال أمير المؤمنين علیه السلام : «إلى أن بعث الله سبحانه محمداً صلی الله علیه و آله و سلم لانجاز عدته، وتمام نبوته، مأخوذاً على النبيين ميثاقه، مشهورة سماته، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذٍ ملل متفرّقة، و أهواء منتشرة، و طرائق متشتتة، بين مشبّه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، و أنقذهم بمكانه من الجهالة» (2).

وقال علیه السلام : «أرسله بالدين المشهور، و العلم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع، إزاحة للشبهات، واحتجاجاً بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً للمثلات» (3)

وقال علیه السلام : «و عمّر فيكم نبيه أزماناً حتى أكمل له ولكم فيما أنزل من

ص: 27


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 183
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 1
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 2

كتابه دينه الذي رضي لنفسه، و أنهى إليكم على لسانه محابّه من الأعمال ومكارهه، ونواهيه و أوامره، فألقى إليكم المعذرة، و اتخذ عليكم الحجة، و قدّم إليكم بالوعيد، و أنذركم بين يدي عذاب شديد» (1)

الثقلان:

اشارة

انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يعلم بأنّ دينه آخر الأديان السماوية، وانّه خاتم الأنبياء، و انّ الدنيا ستستمر إلى يوم القيامة من غير دين جديد، و عليه مسّت الحاجة إلى أن يخلّف في الأمة ما يرشدها إلى صراطها المستقيم عند الاعوجاج و غلبة الأهواء، سيما و انّها الامة الوسطى التي ستكون شاهدة على سائر الأمم، ممّا يؤكد لزوم وجود مرجع ترجع الأمة إليه مضافاً إلى انّ الله تعالى لم يعط العصمة من الانحراف لأيّ امة من الامم، لذا مسّت الحاجة إلى أن يترك صلی الله علیه و آله و سلم لنا ميزاناً نزن به أنفسنا، و هذا ما يتبلور في حديث الثقلين المتواتر بمختلف الفاظه حيث قال صلی الله علیه و آله و سلم : «انّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي».

و بهذا الصدد قال أمير المؤمنين علیه السلام : «ثم اختار سبحانه لمحمد صلی الله علیه و آله و سلم لقاءه، و رضي له ما عنده، فأكرمه عن دار الدنيا، و رغب به عن مقارنة البلوى، فقبضه إليه كريماً، وخلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في اممها، إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح، و لا عَلَم قائم» (2).

ص: 28


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 85
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 1
ألف - القرآن

قال أمير المؤمنين علیه السلام بالنسبة إلى الثقل الأول وهو القرآن الكريم: «كتاب ربكم مبيناً حلاله وحرامه، و فرائضه و فضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصّه و عامّه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسّراً جمله، ومبيناً غوامضه بين مأخوذ ميثاق علمه، وموسّع على العباد في جهله، و بين مثبت في الكتاب فرضه و معلوم في السنة نسخه، و واجب في السنة أخذه مرخص في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته وزائل في مستقبله ومباين بين محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبول في أدناه وموسّع في أقصاه» (1)

وقال علیه السلام : «انّ القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات الّا به» (2).

وقال علیه السلام : «واعلموا انّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، و استعينوا به على لأوائكم، فانّ فيه شفاء من أكبر الداء و هو الكفر والنفاق، والغي والضلال، فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، انّه ما توجّه العباد إلى الله بمثله، واعلموا انّه شافع مشفع، وقائل مصدق، وانّه من شفع له القرآن يوم القيامة شُفّع فيه، و من محل به القرآن يوم

ص: 29


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 1
2- المصدر نفسه الخطبة رقم: 18

القيامة صُدّق عليه ... وانّ الله سبحانه لم يعظ أحداً بمثل هذا القرآن، فانّه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره» (1).

ب - العترة

قال أمير المؤمنين علیه السلام بالنسبة إلى الثقل الثاني أي العترة: «هم موضع سرّه، ولجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، و كهوف كتبه، وجبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، و أذهب ارتعاد فرائصه» (2).

و قال علیه السلام : «بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنّمتم العلياء، وبنا انفجرتم عن السرار (3)» (4).

وقال علیه السلام : «انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم، واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فان لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا» (5).

و قال علیه السلام : «ألا انّ مثل آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم كمثل نجوم السماء، إذا خوى نجم طلع نجم» (6).

ص: 30


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 176
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 2
3- انفجرتم: دخلتم في الفجر، والسرار: آخر ليلة من الشهر يختفي فيها القمر
4- نهج البلاغة الخطبة رقم 4
5- المصدر نفسه الخطبة رقم 96
6- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 99

وقال علیه السلام : «بنا يُستعطى الهدى، و بنا يستجلى العمى، انّ الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، و لا تصلح الولاة من غيرهم» (1).

وقال علیه السلام: «انّما الأئمة قوّام الله على خلقه، وعرفاؤه على عباده، لا يدخل الجنة الّا من عرفهم و عرفوه، ولا يدخل النار الّا من أنكرهم و أنكروه» (2).

وقال علیه السلام : «نحن النُّمرقة الوسطى، بها يلحق علیه السلام، و إليها يرجع الغالي» (3).

و قال علیه السلام عن نفسه الشريفة وهو سيد العترة: «انّما مثلي بينكم مثل السراج في الظلمة، يستضيء به من ولجها» (4)

وأخيراً قال علیه السلام : «فانّه من مات منكم على فراشه و هو على معرفة حق ربّه عزوجل، و حق رسوله وأهل بيته، مات شهيداً و وقع أجره على الله، و استوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه» (5).

ص: 31


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 144
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 152
3- المصدر نفسه، قصار الحكم: 104
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 187
5- المصدر نفسه، قصار الحكم: 190

2- الإنسان والعبودية

اشارة

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (1)، و قال تعالى لرسوله الكريم: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (2).

فالعبودية من أركان الخلقة الأساسية، و الدعوة إليها من أهمّ وظائف الرسل و الأنبياء، كما قال أمير المؤمنين علیه السلام : «و اصطفى سبحانه من ولده [أي آدم علیه السلام ] أنبياء ... لما بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم ... و اجتالتهم الشياطين عن معرفته، و اقتطعتهم عن عبادته» (3).

مضافاً إلى انّ الإنسان يحرز بالعبودية رضى الله تعالى و رضوانه، كما قال البلد: «فأما أهل الطاعة فأثابهم بجواره، و خلّدهم في داره، حيث لا يظعن النزّال، و لا تتغيّر بهم الحال، ولا تنوبهم الأفزاع، و لا تنالهم الأسقام، و لا تعرض لهم الأخطار، و لا تشخصهم الأسفار» (4).

ص: 32


1- الذاريات: 56
2- الحجر: 99
3- نهج البلاغة الخطبة رقم: 1
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 108

وقال علیه السلام : «لا يُخدع الله عن جنته، و لا تُنال مرضاته الّا بطاعته» (1).

وهي أيضاً استتمام نعم الله تعالى، كما قال علیه السلام : «واستتمّوا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله، و المحافظة على ما استحفظكم من کتابه» (2)

وهي الأمان من فزع يوم القيامة، كما قال علیه السلام : «فاجعلوا طاعة الله شعاراً دون دثاركم، ودخيلاً دون شعاركم، ولطيفاً بين أضلاعكم، وأميراً فوق اموركم، ومنهلاً لحين وردكم وشفيعاً لدرك طلبتكم، وجنّة ليوم فزعكم، ومصابيح لبطون قبوركم، وسكناً لطول وحشتكم، ونَفَساً لكرب مواطنكم، فانّ طاعة الله حرز من متالف مكتنفه، ومخاوف متوقّعه، و أوار نيران موقدة» (3)، وهي تفضل كل شيء كما قال علیه السلام : «و أطع الله في جمل امورك، فانّ طاعة الله فاضلة على ما سواها»(4)

و أخيراً أنّها دليل صدق الولاية، كما قال علیه السلام : «انّ وليّ محمد من أطاع الله و إن بعدت لحمته، وانّ عدوّ محمد من عصى الله وإن قربت لحمته» (5)

و يمكن تلخيص معالم العبودية فيما يلي:

ص: 33


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 129
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 173
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 198
4- المصدر نفسه، الكتاب رقم 69
5- المصدر نفسه، قصار الحكم 90

1- العمل الصالح

انّ من أهم صفات الإنسان المؤمن الاهتمام بالعمل، وعدم تضييع الفرصة، قال أمير المؤمنين علیه السلام في وصف المتقين: «استقربوا الأجل فبادروا العمل» (1) وقال علیه السلام أيضاً في خطبة المتقين: «يمزج الحلم بالعلم والقول بالعمل»(2) وذلك لعلمهم بأنّه «لن يفوز بالخير الّا عامله، ولا يجزى جزاء الشر الّا فاعله» (3).

ولابدّ للمؤمن أن يراعي في مقام العمل عدّة أمور:

أولاً: المبادرة وعدم اضاعة الفرصة، قال أمير المؤمنين علیه السلام : «واتقوا الله عباد الله، و بادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول

عنكم» (4).

وذلك لانّ الانسان لا يدري متى يوفق مرّة ثانية للعمل، فقد يحول بينه وبين العمل إما الموت أو المرض أو الغفلة أو الشيخوخة وحلول الضعف، لذا قال علیه السلام : «وبادروا بالأعمال عمراً ناكساً، أو مرضاً حابساً، أو موتاً خالساً» (5).

وقال علیه السلام : «فليعمل العامل منكم في أيّام مهله قبل إرهاق أجله، و في فراغه قبل أوان شغله، و في متنفّسه قبل أن يؤخذ بكظمه، وليمهّد

ص: 34


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 113
2- المصدر نفسه الخطبة رقم: 193
3- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 33
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم 63
5- المصدر نفسه الخطبة رقم: 229

لنفسه،وقدمه، وليتزوّد من دار ظعنه لدار اقامته» (1).

و قال علیه السلام : «فاعملوا وأنتم في نفس البقاء، والصحف منشورة، والتوبة مبسوطة، والمدبر يُدعى، والمسيء يُرجى، قبل أن يخمد العمل، وينقطع المهل، وتنقضي المدّة، وتسدّ أبواب التوبة، وتصعد الملائكة» (2).

فالمؤمن سبّاق إلى العمل الصالح، فتراه إما ساكت فكور، و إما ناطق نصوح، وإما دائب في الخيرات إذ أنّه يعلم «انّ الدنيا دار بلية لم يفرغ صاحبها قط فيها ساعة الّا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة» (3).

و ثانياً: التدبر في العمل قبل الإقدم عليه، قال أمير المؤمنين علیه السلام : «و الناظر بالقلب، العامل بالبصر، يكون مبتدأ عمله أن يعلم أعمله عليه أم له؟! فان كان له مضى فيه، وإن كان عليه وقف عنده، فانّ العامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فلا يزيده بعده عن الطريق الواضح الّا بعداً من حاجته، والعامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع» (4).

و ثالثاً: الاحساس بالتقصير، قال أمير المؤمنين علیه السلام في وصف المتقين: «لا يرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إن زُكّي أحد خاف ممّا

ص: 35


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 85
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 238
3- المصدر نفسه الكتاب رقم 59
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 154

يقال له فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم منّي بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنّون، واغفر لي ما لا يعلمون ... يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل»(1).

و رابعاً: مطابقة السرّ والعلن، قال أمير المؤمنين علیه السلام: «احذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه ويكرهه لعامة المسلمين، واحذر كل عمل يُعمل به في السرّ ويُستحى منه في العلانية، واحذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره واعتذر منه»(2)

وكتب علیه السلام إلى بعض عمّاله: «وآمره ألّا يعمل بشيء من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرّ، ومن لم يختلف سرّه وعلانيته وفعله ومقالته، فقد أدّى الأمانة، وأخلص العبادة» (3).

وخامساً: مداراة النفس، وذلك انّ مجاهدة النفس – سعة وضيقاً - يتبع مدى معرفة الانسان، فكلّما كانت المعرفة أوسع كان الجهاد للنفس أشد، كما فعل أمير المؤمنين علیه السلام مع نفسه الشريفة حيث قال: «و ايم الله يميناً أستثني فيها بمشيئة الله عز وجل، لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً، ولأدعنّ مقلتي كعين ماءٍ نَضَبَ معينها، مستفرغة دموعها»(4).

أما نحن ما دام لم نصل إلى تلك المرتبة، فعلينا أن نخادع النفس

ص: 36


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 193
2- المصدر نفسه، الكتاب رقم 69
3- المصدر نفسه الكتاب رقم 26
4- المصدر نفسه الكتاب رقم 45

ونأخذها شيئاً فشيئاً دون أن نظهرها رأساً و في بداية الأمر، وهذا ما أكّد عليه أمير المؤمنين علیه السلام حيث قال: «وخادع نفسك في العبادة، وارفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، الّا ما كان مكتوباً عليك من الفريضة، فانّه لابد من قضائها و تعاهدها عند محلّها»(1).

وقال علیه السلام : «انّ للقلوب شهوة وإقبالاً وإدباراً، فأتوها من قبل شهوتها و إقبالها، فانّ القلب إذا أكره عمي» (2).

وسادساً: الاخلاص ونبذ الرياء، قال أمير المؤمنين علیه السلام : «اعملوا في غير رياء ولا سمعة، فانّه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له»(3) وكتب علیه السلام في وصيته للإمام الحسن علیه السلام : «وأخلص في المسألة لربك، فانّ بيده العطاء والحرمان» (4).

وكان في عهده علیه السلام للأشتر: «وليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك: اقامة فرائضه التي هي له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك، ووفّ ما تقربت به إلى الله من ذلك كاملاً غير مثلوم و لا منقوص، بالغاً من بدنك مابلغ» (5).

ولأهميّة هذا الأمر ومحوريّته كان علیه السلام يدعو الله تعالى قائلاً: «اللهم انّي أعوذ بك أن تحسن في لامعة العيون علانيتي، وتقبح فيما

ص: 37


1- نهج البلاغة، الكتاب رقم 69
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 183
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 23
4- المصدر نفسه الكتاب رقم: 31
5- المصدر نفسه، الكتاب رقم 53

أبطن لك سريرتي، محافظاً على رياء الناس من نفسي بجميع ما أنت مطّلع عليه منّي، فاُبدي للناس حسن ظاهري، وافضي اليك بسوء عملي، تقرّباً إلى عبادك، و تباعداً من مرضاتك» (1)

وسابعاً: النية الصالحة عند الحرمان من العمل، وذلك لانّ المتقي ربما لا يُوفَّق لأداء بعض الأعمال لظروف تحيط به إما زمنية أو اجتماعية أو لتداخل الأعمال و ما شاكل، فهنا يأتي دور النية الصالحة لتقوم مقام العمل، وليفوز المتقي بثواب ما حُرم من أدائه، قال علیه السلام: «انّ الله سبحانه يدخل بصدق النية و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنة» (2) و قد قال له بعض أصحابه: وددت انّ أخي فلاناً كان شاهداً ليرى ما نصرك الله به على أعدائك، فقال علیه السلام : «أهوى أخيك معنا ؟ قال: نعم، قال: فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الايمان» (3).

وقال علیه السلام : «من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حق ربّه عزوجل، وحق رسوله وأهل بيته مات شهيداً و وقع أجره على الله، واستوجب ما نوى من صالح عمله، و قامت النية مقام إصلاته لسيفه» (4).

ص: 38


1- نهج البلاغة، قصار الحكم: 267
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 38
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 12
4- المصدر نفسه الخطبة رقم: 190

وكتب علیه السلام في عهده للأشتر: «و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله تعالى أفضل تلك المواقيت، و أجزل تلك الأقسام، و إن كانت كلّها لله إذا صلحت فيها النية، وسلمت منها الرعية»(1)

وقال علیه السلام أيضاً: «انّ العطية على قدر النيّة» (2).

وكان علیه السلام يدعو لنفسه ولغيره ويقول: «جعلنا الله واياكم ممّن يسعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته» (3).

وقال علیه السلام : «وبما في الصدور تجازى العباد» (4).

2 - التقوى:

اشارة

قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) (5).

انّ التقوى من الحقوق المتبادلة بين العبد وربه، كما قال علیه السلام: «أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فانّها حقّ الله عليكم، والموجبة على الله حقكم، وأن تستعينوا عليها بالله، وتستعينوا بها على الله، فانّ التقوى في اليوم الحرز والجنة، وفي غد الطريق إلى الجنة، مسلكها واضح، وسالكها رابح، ومستودعها حافظ، لم تبرح عارضة نفسها على الأمم الماضين

ص: 39


1- نهج البلاغة الكتاب رقم: 53
2- المصدر نفسه الكتاب رقم 31
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 165
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 74
5- النساء: 131

والغابرين لحاجتهم إليها غداً، إذا أعاد الله ما أبدى، وأخذ ما أعطى، وسأل عمّا أسدى، فما أقلّ من قبلها وحملها حق حملها، اولئك الأقلّون عدداً، و هم أهل صفة الله سبحانه إذ يقول: (وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (1)، فأهطعوا بأسماعكم إليها، وأكظّوا بجدّكم عليها، واعتاضوها من كل سلف خلفاً، وكلّ مخالف موافقاً» (2).

مضافاً إلى أنّها أفضل دواء للأمراض الباطنية، كما قال علیه السلام : «انّ تقوى الله دواء داء قلوبكم، و بصر عمى أفئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم، وصلاح فساد صدوركم، وظهور دنس أنفسكم، و جلاء عشا أبصاركم، وأمن فزع جأشكم، وضياء سواد ظلمتكم»(3).

ثم انّ أمير المؤمنين علیه السلام يقول في تبيين كيفية التقوى: «فاتقوا الله تقية من سمع فخشع، و اقترف فاعترف، و وجل فعمل، وحاذر فبادر، وأيقن فأحسن، و عُبّر فاعتبر، و حُذَّر فازدجر، وأجاب فأناب، وراجع فتاب، واقتدى فاحتذى، واُري فرأى، فأسرع طالباً، ونجا هارباً، فأفاد ذخيرة، و أطاب سريرة، و عمّر معاداً، واستظهر زاداً ليوم رحيله ووجه سبيله، وحال حاجته، وموطن فاقته، و قدّم أمامه لدار مقامه. فاتقوا عباد الله جهة ما خلقكم له، و احذروا كنه ما حذّركم من نفسه، واستحقّوا منه ما أعدّ لكم بالتنجّز لصدق ميعاده، والحذر من هول معاده ... فاتقوا الله تقية ذي لبّ شغل التفكر قلبه، وأنصب الخوف

ص: 40


1- سبأ: 13
2- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 191
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 198

بدنه، وأسهر التهجّد غرار نومه، و أظمأ الرجاء هواجر يومه، وظلف(1) الزهد شهواته، وأوجف الذكر بلسانه، وقدّم الخوف لأمانه، وتنكّب المخالج عن وضح السبيل، وسلك أقصد المسالك إلى النهج المطلوب، ولم تفتله فاتلات الغرور، ولم تعم عليه مشتبهات الأمور، ظافراً بفرحة البشرى وراحة النعمى، في أنعم نومه و آمن يومه، قد عبر معبر العاجلة حميداً، وقدّم زاد الآجلة سعيداً، وبادر من وجل، وأكمش في مهل، ورغب في طلب، وذهب عن هرب، وراقب في يومه غده، ونظر قدماً أمامه» (2)

وقال علیه السلام : «اوصيكم عباد الله بتقوى الله ... أيقظوا بها نومكم، واقطعوا بها يومكم، وأشعروها قلوبكم، و ارحضوا بها ذنوبكم، و داووا بها الأسقام، و بادروا بها الحمام، و اعتبروا بمن أضاعها، و لا يعتبرنّ بكم من أطاعها، ألا وصونوها وتصوّنوا بها» (3).

وقال علیه السلام : «اتقوا الله تقية من شمّر تجريداً، وجدّ تشميراً، و كمّش في مهل، وبادر عن وجل، ونظر في كرّة الموئل، وعاقبة المصدر، ومغبة لمرجع» (4).

ثم انّ للتقوى نتائج يحوزها المتقي في سلوكه، وردت الإشارة إلى أهمها في نهج البلاغة، نشير إليها فيما يلي:

ص: 41


1- ظلف: منع
2- نهج البلاغة الخطبة رقم: 82
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 191
4- المصدر نفسه، قصار الحكم 200

1 - النجاة في الدنيا والآخرة

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «لا يهلك على التقوى سنخ أصل» (1) وقال علیه السلام : «لو انّ السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ثم اتقى الله، لجعل الله له منهما مخرجاً» (2) و قال علیه السلام : «فمن أشعر التقوى قلبه برّز مهله، وفاز عمله» (3)

قال علیه السلام : «من أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوّها، و احلولت له الأمور بعد مرارتها، و انفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، و أسهلت له الصعاب بعد انصبابها، و هطلت عليه الكرامة بعد قحوطها، وتحدّبت عليه الرحمة بعد نفورها، و تفجرت عليه النعم بعد نضوبها، ووبلت عليه البركة بعد ارذاذها» (4)

وقال علیه السلام لعثمان بن حنيف: «و انّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، و تثبت على جوانب المزلق ... فاتق الله يابن حنيف، و لتكفف أقراصك، ليكون من النار خلاصك» (5).

وقال علیه السلام : «انّ التقوى عصمة لك في حياتك، وزلفى لك بعد مماتك» (6)

ص: 42


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 16
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 130
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 132
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 198
5- المصدر نفسه الكتاب رقم 45
6- تصنيف غرر الحكم للآمدي: 6011

2 - الفوز بالجنة

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «ألا و انّ تقوى الله مطايا ذلل حمل عليها أهلها و اُعطوا أزمّتها، فأوردتهم الجنة» (1)

و قال علیه السلام : «و اعلموا انّه من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن، و نوراً من الظلم، و يخلّده فيما اشتهت نفسه، و ينزله منزل الكرامة عنده، في دار اصطنعها لنفسه، ظلّها عرشه، و نورها بهجته، و زوارها ملائكته، ورفقاؤها رسله» (2).

وقال علیه السلام : «اوصيكم عباد الله بتقوى الله، فانّها حق الله عليكم، والموجبة على الله حقكم، و أن تستعينوا عليها بالله وتستعينوا بها على الله، فانّ التقوى في اليوم الحرز والجُنة و في غد الطريق إلى الجنة» (3).

و قال علیه السلام : «اوصيكم عباد الله بتقوى الله، فانَّها الزمام و القوام، فتمسّكوا بوثائقها، واعتصموا بحقائقها، تؤل بكم إلى أكنان الدعة، و أوطان السعة، و معاقل الحرز، و منازل العزّ في يوم تشخص فيه الأبصار، وتُظلم له الأقطار، و تُعطل فيه صروم العشار» (4).

3- البُعد عن الشبهات

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «انّ من صرّحت له العبر عما بين يديه

ص: 43


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 16
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 183
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 191
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 195

من المثلات، حجزه التقوى عن تقحّم الشبهات» (1).

4- الحثّ على العمل

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «عباد الله انّ تقوى الله حمت أولياء الله محارمه، و ألزمت قلوبهم مخافته، حتى أسهرت لياليهم، و أظمات هواجرهم، فأخذوا الراحة بالنصب، و الريّ بالظّمأ، و استقربوا الأجل فبادروا العمل، و كذّبوا الأمل فلاحظوا الأجل» (2)

و قال علیه السلام : «بالتقوى تزكو الأعمال» (3).

5- البعد عن الذنوب

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «اعلموا عباد الله انّ التقوى دار حصن عزيز، و الفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله، و لا يُحرز من لجأ إليه، ألا و بالتقوى تُقطع حمة الخطايا» (4)

و قال علیه السلام : «انّ من فارق التقوى اُغري باللذات و الشهوات، و وقع في تيه السيئات، و لزمه كبير التبعات» (5).

ص: 44


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 16
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 113
3- تصنيف غرر الحكم للآمدي: 6019
4- نهج البلاغة الخطبة رقم: 157
5- تصنيف غرر الحكم للآمدي: 6014

6 - التغلب على الشيطان

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «أشعر قلبك التقوى، و خالف الهوى، تغلب الشيطان» (1).

موانع التقوى:

اشارة

و أخيراً يشير أمير المؤمنين علیه السلام إلى بعض موانع التقوى، و هي كما يلي:

1- الخصومة

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصّر فيها ظُلم، و لا يستطيع أن يتقي الله من خاصم» (2).

2 - عدم حفظ اللسان

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «والله ما أرى عبداً يتقي تقوى تنفعه حتى يختزن لسانه» (3).

3- حب الدنيا

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «حرام على كل قلب متولّه بالدنيا أن يسكنه التقوى»(4).

4- متابعة الشهوات

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «لا يفسد التقوى الّا غلبة الشهوة»(5)

5- الطمع: قال أمير المؤمنين علیه السلام : «سبب فساد الورع الطمع» (6)

ص: 45


1- تصنيف غرر الحكم للآمدي: 6009
2- نهج البلاغة، قصار الحكم: 289
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 176
4- تصنيف غرر الحكم للآمدي: 2521
5- المصدر نفسه 6003
6- المصدر نفسه: 6706

3- أداء الفرائض

قال علیه السلام : «الفرائض الفرائض، أدّوها إلى الله تؤدّكم إلى الجنة» (1) و كتب علیه السلام في عهده للأشتر: «أمره بتقوى الله، و ايثار طاعته، و اتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه و سننه التي لا يسعد أحد الا باتباعها، و لا يشقى الّا مع جحودها واضاعتها» (2).

والله تعالى قد أتم الحجة علينا، و بيّن لنا الفرائض بحيث لم يُبق لأحد عذراً، قال علیه السلام : «و اتخذ عليكم الحجة، وبيّن لكم محابه من الأعمال، ومكارهه منها، لتتبعوا هذه و تجتنبوا هذه» (3) و بأدائها سيكون أمير المؤمنين علیه السلام هو الشاهد لنا يوم القيامة و المدافع عنّا، كما قال علیه السلام : «و اخرجوا إلى الله ممّا افترض عليكم من حقّه، و بيّن لكم من وظائفه، أنا شاهد لكم و حجيج يوم القيامة عنكم» (4).

و كان علیه السلام يقول أيضاً: «انّ الله افترض عليكم فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ لكم حدوداً فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، و سكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلّفوها» (5).

ص: 46


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 167
2- المصدر نفسه الكتاب رقم 53
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 176
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم 176
5- المصدر نفسه، قصار الحكم: 100

4- الذكر

و من مصاديق العبودية الذكر، إذ هو علامة لحب الله تعالى عبده قال علیه السلام : «إذا رأيت الله سبحانه يؤنسك بذكره فقد أحبّك» (1) كما انّه يوجب الفرح و السرور للذاكر، قال علیه السلام : «ذكر الله مسرّة كل متق ولذّة كل موقن» (2).

و لأهل الذكر علامات، قال عنها أمير المؤمنين علیه السلام : «وانّ للذكر لأهلاً أخذوه من الدنيا بدلاً، فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه، يقطعون به أيام الحياة، و يهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، و يأمرون بالقسط ويأتمرون به، و ينهون عن المنكر ويتناهون عنه، فكأنّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة و هم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنّما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه، وحقّقت القيامة عليهم عداتها، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا، حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس، ويسمعون ما لا يسمعون» (3).

و قال علیه السلام في صفات أولياء الله تعالى: «إن أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك، وإن صبّت عليهم المصائب لجأوا إلى الاستجارة بك، علماً بانّ أزمّة الامور بيدك، ومصادرها عن قضائك» (4) وهذا على عكس المغترّ

ص: 47


1- تصنيف غرر الحكم للآمدي: 3611
2- المصدر نفسه: 3653
3- نهج البلاغة الخطبة رقم: 221
4- المصدر نفسه الخطبة رقم 226

بالدنيا حيث انّه «يتعلّل بالسرور في ساعة حزنه، و يفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به، ضنّاً بغضارة عيشه، و شحاحة بلهوه و لعبه» (1).

5- ترك الذنوب و الخطايا

و من مصاديق العبودية أيضاً ترك الذنوب والخطايا و ما يبغضه الله تعالى، قال أمير المؤمنين علیه السلام : «ألا وانّ الخطايا خيل شُمُس حُمل عليها أهلها، و خلعت لُجمها، فتقحّمت بهم في النار» (2).

و كان يحذّر أصحابه و يقول: «احذروا الذنوب المورّطة، و العيوب المسخطة» (3)

و من جملة الذنوب الاستخفاف بها، قال علیه السلام : «أشد الذنوب ما استخف به صاحبه» (4)

و منها الكبر والحسد، قال علیه السلام : «الحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحّم في الذنوب، و الشرّ جامع مساوئ العيوب» (5)

و قال علیه السلام : «ولا تكونوا كالمتكبر على ابن امّه من غير ما فضل جعله الله فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، و قدحت الحمية في قلبه من نار الغضب، و نفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر

ص: 48


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 220
2- المصدر نفسه الخطبة رقم 16
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 82
4- المصدر نفسه، قصار الحكم: 465
5- المصدر نفسه، قصار الحكم: 360

الذي أعقبه الله به الندامة، و ألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة ... استعيذوا بالله من لواقح الكبر كما تستعيذونه من طوارق الدهر، فلو رخّص الله في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه و لكنه سبحانه كرّه إليهم التكابر و رضي لهم التواضع» (1).

و منها الرياء، قال علیه السلام : «و اعلموا انّ يسير الرياء شرك» (2). و كان علیه السلام يدعو بهذا الدعاء: «اللهم أنّي أعوذ بك أن تحسن في لامعة العيون علانيتي، و تقبح فيما اُبطن لك سريرتي، محافظاً على رياء الناس من نفسي بجميع ما أنت مطلع عليه منّي، فأبدي للناس حسن ظاهري، و اُفضي إليك بسوء عملي، تقرّباً إلى عبادك، و تباعداً من مرضاتك» (3).

و منها العجب، قال علیه السلام : «و اعلم انّ الاعجاب ضد الصواب، و آفة الألباب» (4) و قال علیه السلام : «و اياك و الاعجاب بنفسك، و الثقة بما يعجبك منها، و حب الإطراء، فانّ ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين»(5)

و قال علیه السلام : «سيئة تسوءك خير عند الله من حسنة تعجبك» (6).

و ليس هذا الّا لسوء حالة العجب. و قال علیه السلام : «الاعجاب يمنع من الازدياد» (7).

ص: 49


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 192
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 85
3- المصدر نفسه، قصار الحكم: 267
4- المصدر نفسه الكتاب رقم 31
5- المصدر نفسه، الكتاب رقم 53
6- المصدر نفسه، قصار الحكم: 41
7- المصدر نفسه، قصار الحكم: 157

و منها الخيانة في الأمانة، قال علیه السلام : «و من استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزّه نفسه ودينه عنها، فقد أحلّ بنفسه في الدنيا الخزي، و هو في الآخرة أذلّ و أخزى» (1).

و منها البغي والعدوان، قال علیه السلام في كتابه لمعاوية: «انّ البغي و الزور يوتغان المرء في دينه و دنياه، و يبديان خلله عند من يعيبه» (2) و قال علیه السلام : «لو لم يكن فيما نهى الله عنه من البغي و العدوان عقاب يخاف، لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه» (3).

و منها البخل، قال علیه السلام : «البخل جامع لمساوىء العيوب، و هو زمام يقاد به إلى كل سوء» (4)

و منها الحسد، قال علیه السلام : «و لا تحاسدوا فانّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب» (5).

ص: 50


1- نهج البلاغة الكتاب رقم: 26
2- المصدر نفسه الكتاب رقم 48
3- المصدر نفسه الكتاب رقم 51
4- المصدر نفسه، قصار الحكم: 368
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم 85

3- الإنسان و الدنيا

1- الدنيا قنطرة

الدنيا ليست هي الهدف، و لا هي الغاية والمنتهى، و انّما هي قنطرة يعبر عليها الإنسان ليصل إلى داره ومقره الأساسي، قال أمير المؤمنين علیه السلام تأكيداً لهذا الأمر: «الدنيا خلقت لغيرها و لم تخلق لنفسها»(1)

وهي أيضاً: «دار ممرّ إلى دار مقرّ» (2) و كما أوصى ابنه الحسن علیه السلام : «و انّك في منزل قلعة، و دار بلغة، و طريق إلى الآخرة» (3).

وقد أتينا إلى الدنيا لنُختبر فيها و نُبتلى بها، قال علیه السلام : «انّ الله سبحانه جعل الدنيا لما بعدها، و ابتلى فيها أهلها، ليعلم أيّهم أحسن عملاً، و لسنا للدنيا خُلقنا، ولا بالسعي فيها اُمرنا، وانّما وُضعنا فيها لنُبتلى بها» (4).

لذا يجب على الانسان التزوّد من هذه الدار، إذ فيها الماء و الكلأ، و بها تحرز الآخرة، قال علیه السلام : «وَلْيُمهد لنفسه و قدمه، و ليتزوّد من دار

ص: 51


1- نهج البلاغة قصار الحكم 451
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 126
3- المصدر نفسه الكتاب رقم: 31
4- المصدر نفسه الكتاب رقم 55

ظعنه لدار اقامته» (1).

و قال علیه السلام : «انّ الدنيا لم تخلق لكم دار مقام، بل خلقت لكم مجازاً لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار» (2).

و أخيراً قال علیه السلام : «ألا و انّ هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنّونها و ترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم و ترضيكم، ليست بدارکم ولا منزلكم الذي خلقتم له، و لا الذي دعيتم إليه، ألا و انّها ليست بباقية لكم و لا تبقون عليها، و هي وإن غرّتكم منها فقد حذّرتكم شرّها، فدعوا غرورها لتحذيرها، و أطماعها لتخويفها، وسابقوا فيها إلى الدار التي دعيتم اليها، و انصرفوا بقلوبكم عنها، و لا يخننّ أحدكم خنين الأمة على ما زُوي عنه منها، و استتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله، والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه، ألا و انّه لا يضركم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم، ألا وأنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم. (3)

2 - إتمام الحجة في الدنيا

انّ الله تعالى لم يترك الإنسان في الدنيا من دون حجة ترشده و تنير له الدرب – كما مضى - و عليه يقول أمير المؤمنين علیه السلام : «لقد بُصّرتم إن أبصرتم، و اسمعتم إن سمعتم، و هديتم إن اهتديتم»(4).

ص: 52


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 85
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 132
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 173
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 20

وقال علیه السلام : «انّ الله سبحانه لم يخلقكم عبثاً، و لم يترككم سدىّ، و لم يدعكم في جهالة وعمى، و قد سمّى آثاركم، و علم أعمالكم، و كتب آجالكم، و أنزل عليكم الكتاب تبياناً، و عمّر فيكم نبيه أزماناً، حتى أكمل له و لكم فيما أنزل من كتابه دينه الذي رضي لنفسه، و أنهى إليكم على لسانه محابه من الأعمال و مكارهه، و نواهيه وأوامره، فألقى إليكم المعذرة، واتخذ عليكم الحجة، و قدّم إليكم الوعيد، وأنذركم بين يدي عذاب شديد»(1)

و قال علیه السلام : «فانّه لم يخف عليكم شيئاً من دينه، و لم يترك شيئاً رضيه أو كرهه الّا و جعل له علماً بادياً، و آية محكمة، تزجر عنه أو تدعو إليه، فرضاه فيما بقي واحد، و سخطه فيما بقي واحد» (2).

3- الابتلاء في الدنيا

انّ الدنيا وضعت للابتلاء، كما قال أمير المؤمنين علیه السلام في قصة هبوط نبي الله آدم علیه السلام : «فأهبطه إلى دار البلية» (3) و كتب علیه السلام إلى معاوية: «و لسنا للدنيا خُلقنا، و لا بالسعي فيها اُمرنا، و انّما وضعنا فيها لنبتلى بها»(4)، و في كتاب آخر لبعض أصحابه علیه السلام : «و اعلم انّ الدنيا دار بلية» (5).

ص: 53


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 85
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 183
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 1
4- المصدر نفسه، الكتاب رقم 55
5- المصدر نفسه، الكتاب رقم 59

و لتأييد هذا المبدأ يستشهد أمير المؤمنين علیه السلام بالقرآن و يقول: «أيها الناس انّ الله قد أعاذكم من أن يجور عليكم، و لم يعذكم من أن يبتليكم، و قد قال جل من قائل: (إنَّ فِي ذلِكَ لآیاتٍ وَ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) (1)»(2)

ثم يبيّن أمير المؤمنين علیه السلام سبب الابتلاء، و يشير إلى عدّة عوامل:

منها التمحيص و الاختبار، فقد قال علیه السلام : «أما بعد فانّ الله سبحانه ... لم يجبر عظم أحد من الأمم الّا بعد أزل وبلاء» (3)، و قال علیه السلام : «و انّما أراد أن يبلوكم أيكم أحسن عملاً» (4)، و قال علیه السلام : «و لكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزاً بالاختبار لهم ...» (5)، و كتب علیه السلام لمعاوية: «أما بعد فانّ الله سبحانه جعل الدنيا لما بعدها، و ابتلى فيها أهلها ليعلم أيّهم أحسن عملاً» (6).

و منها استحقاق الثواب و العقاب، قال علیه السلام : «ألا انّ الله قد كشف الخلق كشفة، لا انّه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم، و مكنون ضمائرهم، و لكن ليبلوهم أيّهم أحسن عملاً، فيكون الثواب جزاء،

ص: 54


1- المؤمنون: 30
2- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 102
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 87
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 183
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 192
6- المصدر نفسه الكتاب رقم 55

و العقاب بواء» (1).

و قال علیه السلام في تفسير قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) (2): «و معنى ذلك أنّه سبحانه يختبرهم بالأموال و الأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه و الراضي بقسمه، و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، و لكن لتظهر الأفعال التي بها يُستحق الثواب والعقاب» (3).

و قال علیه السلام : «كلّما كانت البلوى و الاختبار أعظم، كانت المثوبة و الجزاء أجزل».

ثم يذكر علیه السلام شواهد لهذا و يستشهد بالأنبياء حيث «اختبرهم الله بالمخمصة، و ابتلاهم بالمجهدة ... و لو أراد سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم يفتح لهم كنوز الذهبان، و معادن العقيان، و مغارس الجنان، و أن يحشر معهم طير السماء، و وحوش الأرض لفعل، و لو فعل لسقط البلاء و بطل الجزاء، و اضمحل الأنباء، و لما وجب للقابلين اجور المبتلين».

ثم يستشهد علیه السلام بالحج حيث انّ الله تعالى اختبر الأولين و الآخرين ببيته الحرام، و جعله في أوعر البقاع و أخشنها، و أمرهم بالرحيل إليه و الطواف حوله: «و لو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام، و مشاعره العظام بين جنات و أنهار، و سهل و قرار، الأشجار، داني الثمار، ملتف البنى، متصل القرى، بين بُرّة سمراء، و روضة خضراء، و أرياف محدقة، و عراص مغدقة، و زروع ناضرة، و طرق عامرة، لكان قد

ص: 55


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 144
2- الأنفال: 28
3- نهج البلاغة، قصار الحكم: 88

صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء»(1).

و منها اخراج التكبر من النفوس، قال علیه السلام : «و لكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله ... نفياً للاستكبار عنهم، و ابعاداً للخيلاء منهم» (2)

و قال علیه السلام : «و لكن الله سبحانه يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بألوان المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم، و ليجعل ذلك أبواباً فُتُحاً إلى فضله، و أسباباً دُللاً لعفوه» (3).

ثم يشير علیه السلام إلى أنواع ابتلاءات الإنسان في الدنيا، منها الابتلاء بالفقر والغنى حيث يقول: «أما بعد، فانّ الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كل نفس بما قُسم لها من زيادة أو نقصان، فإذا رأى أحدكم لأخيه غفيرة (4) في أهل أو مال أو نفس فلا تكوننّ له فتنة»(5).

و قال علیه السلام : «وقدّر الأرزاق فكثّرها وقلّلها، وقسّمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها و معسورها، و ليختبر بذلك الشكر و الصبر من غنيّها وفقيرها» (6)

ص: 56


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 192
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 192
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 192
4- الغفيرة: السعة
5- نهج البلاغة الخطبة رقم: 23
6- المصدر نفسه، الخطبة رقم 90

و قال علیه السلام : «أيها الناس ليركم الله من النعمة وجلين، كما يراكم من النقمة فرقين، أنّه من وُسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجاً فقد أمن مخوفاً، و من ضيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختباراً فقد ضيّع مأمولاً» (1).

ومنها الابتلاء بسوء الزمان، قال علیه السلام: «أيها الناس انّا قد أصبحنا في دهر عنود، و زمن شديد، يُعدّ فيه المحسن مسيئاً، و يزداد الظالم فيه عتوّاً، لا ننتفع بما علمنا، و لا نسأل عما جهلنا، و لا نتخوّف قارعة حتى رخواً تحلّ بنا» (2)، و قال علیه السلام : «و لقد نزلت بكم البلية جائلاً خطامها، رخواً و بطانها» (3)، فشبّه علیه السلام شدّة بلائهم بالخطام الذي يوضع في أنف البعير لينقاد به، لكنّه في جولان و عدم استقرار و كذا شبّه أيضاً حالهم ببطان البعير الذي يُجعل تحت بطنه، و متى استرخى كان الراكب على خطر السقوط.

و منها الابتلاء بالجهل، قال علیه السلام في بعثة النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «بعثه و الناس ضُلّال في حيرة ... حيارى في زلزال من الأمر، و بلاء من الجهل» (4).

و منها الرجوع إلى الله تعالى و التوبة من الذنوب، قال علیه السلام : «انّ الله تعالى يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، و حبس البركات، و اغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، و يُقلع مقلع، ويتذكّر

ص: 57


1- نهج البلاغة، قصار الحكم: 348
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 32
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 88
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم 94

متذكّر، ويزدجر مزدجر» (1).

ثم انّ أمير المؤمنين علیه السلام يذكر لنا بعض فوائد البلاء و يقول: «ومن لم ينفعه الله بالبلاء و التجارب لم ينتفع بشيء من العظة» (2)

ثم يعلّمنا علیه السلام أن نواجه البلاء بالصبر و الشكر و يقول: «وإن ابتليتم فاصبروا فانّ العاقبة للمتقين» (3)، و يقول علیه السلام : «و اصبروا على البلاء»(4)، و يقول علیه السلام : «نحمده على ما أخذ وأعطى، و على ما أبلى و ابتلى» (5)، ويقول علیه السلام : «أحمد الله على ما قضى من أمر، و قدّر من فعل و على ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت تجب ...» (6).

و أخيراً يبشّرنا علیه السلام بالخلاص من البلاء عند غاية شدته و يقول: «عند تناهي الشدّة تكون الفُرجة، و عند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء» (7).

4- الاعتبار من الدنيا

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «و خلّف لكم عبراً من آثار الماضين

ص: 58


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 143
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 176
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 97
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 190
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 132
6- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 180
7- المصدر نفسه، قصار الحكم: 341

قبلكم، من مستمتعِ خلاقهم ومستفسحِ خناقهم، أرهقتهم المنايا دون الآمال، وشذّبهم عنها تخرّم الآجال، لم يمهدوا في سلامة الأبدان، و لم يعتبروا في أنف الأوان ... عباد الله أين الذين عمّروا فنعموا، و علّموا ففهموا، واُنظروا فلهوا، وسُلّموا فنسوا، أمهلوا طويلاً، ومُنحوا جميلاً، و حُذّروا أليماً، و وُعدوا جسيماً» (1).

و قال علیه السلام : «فاتعظوا عباد الله بالعبر النوافع، واعتبروا بالآي السواطع، وازدجروا بالنذر البوالغ، و انتفعوا بالذكر والمواعظ، فكأن قد علقتكم مخالب المنية، و انقطعت منكم علائق الامنية، و دهمتكم مفظعات الامور، و السياقة إلى الورد المورود» (2).

وقال علیه السلام : «فاعتبروا عباد الله، واذكروا تيك التي آباؤكم بها مرتهنون، وعليها محاسبون، ولعمري ما تقدمت بكم و لا بهم العهود، ولا خلت فيما بينكم وبينهم الأحقاب والقرون، وما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد»(3).

و قال علیه السلام : «أوليس لكم في آثار الأولين مزدجر، و في آبائكم الماضين تبصرة و معتبر، إن كنتم تعقلون، أولم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، و الى الخلف الباقي لا يبقون، أولستم ترون أهل الدنيا يمسون و يصبحون على أحوال شتى فميّت يُبكى، و آخر يُعزّى، و صريع مبتلى، و عائد يعود، و آخر بنفسه يجود، و طالب للدنيا و الموت يطلبه،

ص: 59


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 82
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 84
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 88

و غافل و ليس بمغفول عنه» (1).

و قال علیه السلام : «رحم الله امرأً تفكّر فاعتبر، و اعتبر فأبصر، فكأنّ ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن، و كأنّ ما هو كائن من الآخرة عمّا قليل لم يزل، و كل معدود منقض، وكل متوقع آت، و كل آت قريب دان» (2)

وقال علیه السلام : «ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعماراً، و أبقى آثاراً، و أبعد آمالاً، و أعدّ عديداً، و أكثف جنوداً، تعبّدوا للدنيا أيّ تعبّد، و آثروها أي ايثار، ثم ظعنوا عنها بغير زاد مبلغ، ولا ظهر قاطع، فهل بلغكم انّ الدنيا سخت لهم نفساً بفدية، أو أعانتهم بمعونة، أو أحسنت لهم صحبة، بل أرهقتهم بالفوادح، و أو هنتهم بالقوارع، و ضعضعتهم بالنوائب، و عفّرتهم للمناخر، و وطئتهم بالمناسم، و أعانت عليهم ريب المنون، فقد رأيتم تنكّرها لمن دان لها وآثرها وأخلد اليها حين ظعنوا عنها لفراق الأبد، هل زوّدتهم الّا السغب، أو أحلّتهم الا الضنك، أو نوّرت لهم الّا الظلمة، أو أعقبتهم الّا الندامة، أفهذه تؤثرون أم عليها تطمئنون، أم عليها تحرصون، فبئست الدار لمن لم يتهمها، ولم يكن فيها على وجل منها»(3)

و من كلام له علیه السلام قبل موته: «و ستعقبون منّي جثة خلّاء، ساكنة بعد حراك، و صامتة بعد نطق، ليعظكم هدوّي، و خفوت إطراقي،

ص: 60


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 98
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 102
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 110

و سكون أطرافي، فانّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ و القول المسموع»(1).

و قال علیه السلام : «فلينتفع امرؤ بنفسه، فانّما البصير من سمع فتفكّر، ونظر فأبصر، و انتفع بالعبر، ثم سلك جدداً و اضحاً يتجنّب فيه الصرعة في المهاوي، و الضلال في المغاوي» (2)

و قال علیه السلام : «انّ لكم في القرون السالفة لعبرة، أين العمالقة و أبناء العمالقة، أين الفراعنة و أبناء الفراعنة، أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين، و أطفأوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين، أين الذين ساروا بالجيوش، و هزموا الالوف، و عسكروا العساكر، ومدّنوا المدائن ؟!» (3).

وقال علیه السلام: «فاعتبروا بما كان من فعل الله بابليس، إذ أحبط عمله الطويل، وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة الآف سنة، لا يُدرى أمن سنيّ الدنيا أم سنيّ الآخرة، عن كبر ساعة واحدة، فمن بعد ابليس يسلم على الله بمثل معصيته، كلّا ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً، انّ حكمه في أهل السماء و أهل الأرض لواحد، و ما بين الله و بين أحد من خلقه هوادة في اباحة حمى حرّمه على العالمين» (4).

ص: 61


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 149
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 153
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 182
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 192

وقال علیه السلام : «و اعتبر بما مضى من الدنيا ما بقي منها، فانّ بعضها يشبه بعضاً، و آخرها لاحق بأوّلها، وكلها حائل مفارق» (1).

و قال علیه السلام : «معاشر الناس اتقوا الله، فكم من مؤمّل ما لا يبلغه، و بان ما لا يسكنه، وجامع ما سوف يتركه، و لعلّه من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصابه حراماً، و احتمل به آثاماً، فباء بوزره و قدم على ربه آسفاً لاهفاً، قد خسر الدنيا و الآخرة، ذلك هو الخسران المبين» (2).

و ختاماً يجمع هذا كله قوله علیه السلام : «ما أكثر العبر وأقلّ الاعتبار» (3).

و الخلاصة انّ أوجه الاعتبار كثيرة، منها الاعتبار بأحوال الماضين، و ما كانوا عليه وما صاروا إليه، و منها أحوال الموتى، و منها تقلّبات الدنيا و عدم بقائها على و تيرة واحدة، و كذلك سرعة انقضائها، و منها أحوال ابليس و ما آل أمره إليه، و أنّه ليس بين الله و بين أحد من خلقه هوادة، و انّ حكمه في أهل السماء وأهل الأرض واحد.

5- الاغترار بالدنيا

اشارة

من الأمور التي حذّر منها أمير المؤمنين علیه السلام كثيراً، هو الاغترار بالدنيا، و هذا ما دأب عليه دوماً و أكثر منه بأدنى حجة و في أكثر مناسبة، فبيّن غدر الدنيا و فناءها و سرعة انقضائها و غيرها من الصفات المذمومة،

ص: 62


1- نهج البلاغة الكتاب رقم 69
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 334
3- المصدر نفسه، قصار الحكم: 288

و نبّه على عدم الاغترار بها قائلاً: «أيّها الناس، انّ الدنيا تغرّ المؤمّل لها و المخلد اليها، و لا تنفس بمن نافس فيها، و تغلب من غلب عليها» (1)

و قال علیه السلام في وصف أبناء الدنيا: «أنسوا بالدنيا فغرّتهم، و وثقوا بها فصرعتهم» (2).

وقال علیه السلام : «و لا تغرّنكم الدنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية، والقرون الخالية، الذين احتلبوا درتها، وأصابوا غرتها، وأفنوا عدتها، وأخلقوا جدّتها» (3)

و قال علیه السلام مخاطباً الدنيا: «أين القرون الذين غررتهم بمداعبكِ، أين الامم الذين فتنتهم بزخارفكِ، هاهم رهائن القبور، و مضامين اللحود، و الله لو كنتِ شخصاً مرئياً و قالباً حسياً، لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأماني، و امم ألقيتِهمْ في المهاوي، و ملوك أسلمتهم إلى التلف، وأوردتهم موارد البلاء» المصدر نفسه، الكتاب رقم: 45 (4).

و من نتائج الاغترار بالدنيا امور:

ألف: نسيان الله تعالى

قال علیه السلام : «من عظمت الدنيا في عينه، و كبر موقعها من قلبه، آثرها على الله، فانقطع اليها وصار عبداً لها» (5).

ص: 63


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 178
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 188
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 229
4-
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 160

ب: ترك الهدى والبينات

قال علیه السلام في وصف أهل البغي الذين حاربهم: «فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة و مرقت اخرى وفسق آخرون، كأنَّهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (1) بلى و الله سمعوها و وعوها، و لكنّهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها» (2).

ج: التمسك بالدنيا

قال علیه السلام : «و مثل من اغترّ بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب، فنبا بهم إلى منزل جديب، فليس شيء أكره اليهم و لا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه ويصيرون إليه» (3).

و قال علیه السلام : «قد غاب عن قلوبكم ذكر الآجال، و حضرتكم كواذب الآمال، فصارت الدنيا أملك بكم من الآخرة، و العاجلة أذهب بكم من الآجلة» (4).

د: نسيان الموت

قال علیه السلام و قد تبع جنازة فسمع رجلاً يضحك: «كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب، و كأنّ الحق فيها على غيرنا وجب، و كأنّ الذي نرى من الأموات سفرٌ عمّا قليل الينا راجعون،

ص: 64


1- القصص: 83
2- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 3
3- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 31
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 112

نبوّئهم أجداثهم، و نأكل تراثهم، كأنّا مخلّدون، قد نسينا كل واعظ وواعظة، و رمينا بكل جائحة» (1).

ه_: الغفلة

قال علیه السلام : «فائكم لو عاينتم ما قد عاين من مات منكم، الجزعتم و وهلتم، وسمعتم و أطعتم، و لكن محجوب عنكم ما عاينوا، و قريب ما يطرح الحجاب» (2).

وقال علیه السلام: «ألا و انّي لم أر كالجنة نام طالبها، و لا كالنار نام هاربها» (3).

و قال علیه السلام : «و لو تعلمون ما أعلم ممّا طُوي عنكم غيبه، إذاً لخرجتم إلى الصعدات، تبكون على أعمالكم، وتلتدمون على أنفسكم، و لتركتم أموالكم لا حارس لها ولا خالف عليها، و لهمّت كل امرئ منكم نفسه لا يلتفت إلى غيرها، و لكنكم نسيتم ما ذكّرتم، وأمنتم ما حُذّرتم، فتاه عنكم رأيكم، و تشتت عليكم أمركم»(4).

و قال علیه السلام : «كم من مستدرج بالاحسان إليه، و مغرور بالستر عليه، و مفتون بحسن القول فيه، و ما ابتلى الله أحداً بمثل الاملاء له» (5).

و قال علیه السلام : «يا أسرى الرغبة أقصروا فان المعرِّج على الدنيا لا

ص: 65


1- نهج البلاغة، قصار الحكم: 116
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 20
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 28
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 115
5- المصدر نفسه، قصار الحكم: 110

يروعه منها الّا صريف أنياب الحدثان» (1).

و أخيراً ندعو الله تعالى و نقول كما قال أمير المؤمنين علیه السلام : «و نحن نستقيل الله عشرة الغفلة» (2)

6- أصناف الناس في الدنيا

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «الناس على أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض الا مهانة نفسه، و كلالة حدّه، و نضيض و فره ومنهم المصلت لسيفه، و المعلن بشرّه، و المجلب بخيله و رجله، قد أشرط نفسه، و أوبق دينه الحطام ينتهزه، أو مقنب يقوده، أو منبر يفرعه. و لبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمناً، و مما لك عند الله عوضاً.

و منهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، و لا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامن من شخصه، و قارب من خطوه، و شمّر من ثوبه، و زخرف من نفسه للأمانة، و اتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية.

ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله، فتحلّى باسم القناعة، و تزيّن بلباس أهل الزهادة، و ليس من ذلك في مراح ولا مغدىً.

و بقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع، و أراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادِّ، وخائف مقموع، و ساكت مكعوم، وداع مخلص وثكلان موجع، قد أخملتهم التّقيّة، و شملتهم الذلة فهم في بحر

ص: 66


1- نهج البلاغة، قصار الحكم 349
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 361

أجاج، أفواههم ضامزةٌ، و قلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملّوا، و قهروا حتى ذلّوا، وقتلوا حتى قلّوا» (1).

و قال علیه السلام : «النّاس في الدّنيا عاملان: عامل عمل في الدّنيا للدّنيا، قد شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلفه الفقر، ويأمنه على نفسه، فيفني عمره في منفعة غيره. و عامل عمل في الدّنيا لما بعدها، فجاءه الّذي له من الدّنيا بغير عملٍ، فأحرز الحظّين معاً، و ملك الدّارين جميعاً، فأصبح وجيهاً عند الله، لا يسأل الله حاجةً فيمنعه» (2).

وقال علیه السلام لكميل: «الناس ثلاثة: فعالم ربّاني، و متعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.

يا كميل، العلم خير من المال: العلم يحرسك و أنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق، وصنيع المال يزول بزواله.

ياكميل بن زياد، معرفة العلم دين يدان به، به یکسب الانسان الطاعة في حياته، و جميل الاحدوثة بعد وفاته، و العلم حاكم، و المال محكوم عليه.

ياكميل بن زياد، هلك خزّان الأموال و هم أحياء، والعُلماء باقون ما بقي الدّهر: أعيانهم مفقودة، و أمثالهم في القلوب موجودة.

ها انّ هاهنا لعلماً جمّاً (و أشار إلى صدره) لو أصبت له حملة، بلى

ص: 67


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 32
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 260

أصبت لقناً غير مأمون عليه مستعملاً آلة الدِّين للدنيا، و مستظهراً بنعم الله على عباده، و بحججه على أوليائه أو منقاداً لحملة الحق، لا بصيرة له في أحنائه ينقدح الشك في قلبه لأوّل عارض من شبهة.

ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوماً بالّلذّة، سلس القياد للشّهوة، أو مغرماً بالجمع و الادّخار، ليسا من رعاة الدين في شيء، أقرب شيء شبهاً بهما الأنعام السّائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه.

اللهمّ بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إمّا ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيّناته.

و كم ذا وأين أولئك ؟ أولئك - و الله - الأقلّون عدداً، و الأعظمون قدراً، يحفظ الله بهم حججه وبيّناته، حتى يودعوها نظراءهم، و يزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، و باشروا روح اليقين، و استلانوا ما استوعره المترفون، و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون، و صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، و الدعاة إلى دينه، آه آه شوقاً إلى رؤيتهم» (1).

و قال علیه السلام : «الناس في الدنيا عاملان: عامل عمل في الدنيا للدنيا، قد شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلفه الفقر، ويأمنه على نفسه، فيفني عمره في منفعة غيره.

و عامل عمل في الدنيا لما بعدها، فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل، فأحرز الحظّين معاً، و ملك الدارين جميعاً، فأصبح وجيها عند

ص: 68


1- نهج البلاغة، قصار الحكم 137

الله، لا يسأل الله حاجةً فيمنعه» (1).

وقال علیه السلام لجابر بن عبد الله الأنصاري: «ياجابر، قوام الدين و الدنيا بأربعة عالم مستعمل علمه، و جاهل لا يستنكف أن يتعلّم، و جواد لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه؛ فإذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلّم، وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه.

ياجابر، من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب عرّضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم لله فيها بما يجب عرّضها للزوال و الفناء» (2).

و قال علیه السلام : «الدنيا دار ممرّ إلى دار مقرّ، و الناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، و رجل ابتاع نفسه فأعتقها» (3).

وقال علیه السلام : «لا خير في الدنيا الّا لرجلين: رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة، و رجل يسارع في الخيرات» (4).

و قال علیه السلام: «انّ أبغض الخلائق إلى الله تعالى رجلان: رجل وكَلَه الله إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، مشعوف بكلام بدعة، و دعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضالّ عن هدى من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته و بعد و فاته، حمّال خطايا غيره، رهنّ بخطيئته.

ص: 69


1- نهج البلاغة، قصار الحكم: 260
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 362
3- المصدر نفسه، قصار الحكم: 126
4- المصدر نفسه، قصار الحكم: 89

ورجل قمش جهلاً، موضع في جهال الأمّة، غار في أغباش الفتنة، عم بما في عقد الهدنة، قد سمّاه أشباه الناس عالماً و ليس به بكَّر فاستكثر من جمع، ما قلّ منه خيرٌ مما كثر، حتى إذا ارتوى من ماء آجن، و أكثر من غير طائل، جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثّاً من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت: لا يدري أصاب أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب.

جاهل خبّاط جهلات عاش ركّاب عشوات، لم يعضَّ على العلم بضرس قاطع، يُذري الروايات إذراء الريح الهشيم، لا مليٌ - والله - بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما فوض إليه، لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكره، ولا يرى انّ من وراء ما بلغ منه مذهباً لغيره، و إن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، و تعجّ منه المواريث.

إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالاً، و يموتون ضلَّالاً، ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا سلعة أنفق بيعاً و لا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حرِّف عن مواضعه، و لا عندهم أنكر من المعروف، و لا أعرف من المنكر» (1)

و قال علیه السلام : «عباد الله، انّ أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه، و انّ

ص: 70


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 17

أغشّهم لنفسه أعصاهم لربه» (1)

وقال علیه السلام : «عباد الله انّ من أحبّ عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه، و أعدّ القرى ليومه النازل به، فقرّب على نفسه البعيد، و هوّن الشديد، نظر فأبصر، و ذكر فاستكثر، و ارتوى من عذب فرات سهِّلت له موارده، فشرب نهلاً، و سلك سبيلاً جدداً.

قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلّى من الهموم، إلّا همّاً واحداً انفرد به، فخرج من صفة العمى، و مشاركة أهل الهوى، و صار من مفاتيح أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الردى.

قد أبصر طريقه، وسلك سبيله، و عرف مناره، و قطع غماره و استمسك من العرى بأوثقها، و من الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس، قد نصب نفسه الله - سبحانه - في أرفع الأمور، من إصدار كل وارد عليه، وتصيير كل فرع إلى أصله. مصباح ظلمات، کشّاف غشوات، مفتاح مبهمات، دفّاع معضلات، دليل فلوات، يقول فيفهم، ويسكت فيسلم.

قد أخلص الله فاستخلصه، فهو من معادن دينه، و أوتاد أرضه قد ألزم نفسه العدل، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحقّ و يعمل به، لا يدع للخير غايةً إلّا أمّها، و لا مظنّةً إلّا قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده و إمامه، يحلّ حيث حلّ ثقله، وينزل حيث

ص: 71


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 85

كان منزله.

وآخر قد تسمّى عالماً و ليس به، فاقتبس جهائل من جهّال، و أضاليل من ضلَّال، ونصب للنّاس أشراكاً من حبال غرور، و قول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، و عطف الحق، على أهوائه، يؤمن من العظائم، و يهوّن كبير الجرائم، يقول: أقف عند الشبهات و فيها وقع، و يقول: أعتزل البدع و بينها اضطجع، فالصورة صورة إنسان، و القلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، و لا باب العمى فيصدّ عنه، فذلك ميّت الأحياء» (1).

و قال علیه السلام : «انّ من أبغض الرجال إلى الله لعبد وكله الله إلى نفسه، جائر عن قصد السبيل، سائر بغير دليل، إن دُعي إلى حرث الدنيا عمل، و الى حرث الآخرة كسل، كأنّ ما عمل له واجب عليه، و كأنّ ما وَنى فيه ساقط عنه» (2)

وقال علیه السلام : «انّ أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه - و إن نقصه و كرثه - من الباطل و إن جرّ إليه فائدة و زاده» (3).

وقال علیه السلام: «انّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، هُدِيَ وَهَدَى، فأقام سُنّة معلومة، و أمات بدعة مجهولة، و إنّ السنن لنيّرة، لها أعلام و إنّ البدع لظاهرة لها أعلام، وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ضَلَّ و ضُلَّ به، فأمات سنّة مأخوذة، و أحيا بدعة متروكة و إنّي سمعت رسول

ص: 72


1- نهج البلاغة الخطبة رقم 86
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 102
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم 125

الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في نار جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحى ثم يرتبط في قعرها» (1).

وقال علیه السلام : «إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالاً في غير طاعة الله، فورّثه رجلاً فأنفقه في طاعة الله سبحانه، فدخل به الجنة، ودخل الأوّل به النار» (2).

وقال علیه السلام : «إنّ أخسر الناس صفقةً، وأخيبهم سعياً، رجل أخلق بدنه في طلب آماله، و لم تساعده المقادير على إرادته، فخرج من الدنيا بحسرته، و قدم على الآخرة بتبعته» (3).

ص: 73


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 164
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 417
3- المصدر نفسه، قصار الحكم: 418

4- الإنسان والبيئة

قال تعالى في محكم كتابه عن لسان نبيه صالح علیه السلام : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) (1)، فالله تعالى حمّل الإنسان مسؤولية إعمار الأرض و المحافظة عليها، ثم أنّه تعالى سيحاسبنا في حال الإهمال و الإفساد فيها بأيّ نحو كان، فقد قال أمير المؤمنين علیه السلام : «اتقوا الله في عباده و بلاده، فانّكم مسؤولون حتى عن البقاع و البهائم»(2).

فهنا يشير أمير المؤمنين علیه السلام إلى انّ الإنسان يتحمل المسؤولية أمام البيئة التي يعيش فيها، و أنه سيحاسب غداً في كيفية تعامله معها.

و لذا كتب علیه السلام في عهده لمالك الأشتر يعلّمه كيفية تعامله مع البيئة التي يعيش فيها في مسألة أخذ الخراج من الناس ويقول: «وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لانّ ذلك لا يُدرك الّا بالعمارة، و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، و أهلك العباد، ولم يستقم أمره الّا قليلا» (3).

ص: 74


1- هود: 61
2- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 167
3- المصدر نفسه، الكتاب رقم 53

كما أنّه علیه السلام يهتم حتى في مسألة المكان الذي يتخذه الانسان لسكناه و يقول: «واسكن الأمصار العظام فانّها جماع المسلمين، و احذر منازل الغفلة و الجفاء و قلّة الأعوان على طاعة الله» (1).

و أما بالنسبة إلى تحمّل المسؤولية عن البهائم، فانّه علیه السلام كان يوصي عمّاله على الصدقات ويقول: «فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه ألّا يحول بين ناقة و بين فصيلها، و لا يمصر لبنها فيضرّ ذلك بولدها، و لا يجهدنّها ركوباً، و ليعدل بين صواحباتها في ذلك وبينها، و ليرفّه على اللاغب، و ليستأن بالنقب و الظالع، و ليوردها ما تمرّ به من الغدر، و لا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جواد الطرق، و ليروّحها في الساعات، و ليمهلها عند النطاف و الأعشاب» (2).

ص: 75


1- نهج البلاغة الكتاب رقم 69
2- المصدر نفسه الكتاب رقم 25

5 - الإنسان و الشيطان

اشارة

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (1).

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) (2).

إلى غيرها من الآيات الكثيرة التي تتكلّم عن الشيطان، وتحذّر الإنسان منه ومن خدعه ومكره وحيله، كما انّ كتاب نهج البلاغة أيضاً لم يخل من ذكر الشيطان و التحذير منه، و فيما يلي نشير إلى ما عثرنا عليه من ذكره في كلام أمير المؤمنين علیه السلام.

1 - العصيان

يشير أمير المؤمنين علیه السلام إلى بدء الخلقة، و انّ الله تعالى لما خلق آدم أمر الملائكة بالسجود له، فامتثلوا إلّا إبليس حيث يقول: «و استأدى الله

ص: 76


1- يس: 60
2- النساء: 119

سبحانه الملائكة و ديعته لديهم، و عهد وصيته إليهم، في الاذعان بالسجود له، و الخنوع لتكرمته، فقال عز من قائل: (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) (1)، و قبيله، اعترتهم الحمية، و غلبت عليهم الشقوة، و تعزّزوا بخلقة النار، و استوهنوا خلق الصلصال، فأعطاه الله تعالى النظرة استحقاقاً للسخطة، و استتماماً للبلية، و انجازاً للعدة، فقال: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(2)» (3).

و قال علیه السلام أيضاً: «الحمد الله الّذي لبس العزّ و الكبرياء، و اختارهما لنفسه دون خلقه، و جعلهما حمىّ و حرماً على غيره، و اصطفاهما لجلاله. و جعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده، ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه و هو العالم بمضمرات القلوب، و محجوبات الغيوب: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ) (4) اعترضته الحميّة، فافتخر على آدم بخلقه، وتعصّب عليه لأصله.

فعدوّ الله إمام المتعصّبين، و سلف المستكبرين، الّذي وضع أساس العصبيّة، و نازع الله رداء الجبريّة، و ادّرع لباس التّعزّز، و خلع قناع التّذلّل. ألا ترون كيف صغّره الله بتكبّره، و وضعه بترفّعه، فجعله في

ص: 77


1- الإسراء: 61
2- الحجر: 37-38
3- نهج البلاغة الخطبة رقم: 1
4- ص: 71 - 74

الدّنيا مدحوراً، و أعدّ له في الآخرة سعيراً!

و لو أراد الله سبحانه أن يخلق آدم من نورٍ يخطف الأبصار ضياؤه، و يبهر العقول رواؤه، و طيبٍ يأخذ الأنفاس عرفه لفعل، و لو فعل لظلّت له الأعناق خاضعةً، و لخفّت البلوى فيه على الملائكة» (1).

2 - أهداف الشيطان

يشير علیه السلام إلى جملة من أهداف الشيطان، و التي منها الإغواء حيث يقول: «و اجتالتهم الشياطين عن معرفته و اقتطعتهم عن عبادته» (2)

و منها حاكمية الباطل، كما قال علیه السلام : «ألا و انّ الشيطان قد ذمّر حزبه، و استجلب جلبه، ليعود الجور إلى أوطانه، و يرجع الباطل إلى نصابه» (3).

3- جنود الشيطان

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «عُصي الرحمن، و نُصر الشيطان، و خُذل الإيمان، فانهارت دعائمه، وتنكّرت معالمه، و درست سبله، و عفت شركه، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه، و وردوا مناهله، بهم سارت

ص: 78


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 192
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 1
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 22

أعلامه، و قام لواؤه، في فتن داستهم بأخفافها، و وطئتهم بأظلافها، و قامت على سنابكها، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون» (1).

و قال علیه السلام : «اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، و اتخذهم له أشراكاً، فباض و فرّخ في صدورهم ودبّ ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزيّن لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه» (2).

و قال علیه السلام في المنافقين: «أوصيكم عباد الله بتقوى الله، و أحذّركم أهل النفاق، فإنهم الضالّون المضلّون، والزالّون المزلّون، يتلوّنون ألواناً، و يفتنون افتناناً، ويعمدونكم بكل عمادٍ و يرصدونكم بكل مرصادٍ.

قلوبهم دوية، و صفاحهم نقية، يمشون الخفاء، و يدبون الضراء. وصفهم دواء، وقولهم شفاء، وفعلهم الداء العياء، حسدة الرخاء، و مؤكدوا البلاء، و مقنطوا الرجاء.

لهم بكل طريق صريع، و إلى كل قلب شفيع، و لكل شجو دموع، يتقارضون الثناء، و يتراقبون الجزاء، إن سألوا ألحفوا، و إن عذلوا كشفوا، و إن حكموا أسرفوا. قد أعدوا لكل حق باطلاً، و لكل قائمٍ مائلاً، و لكل حي قاتلاً، ولكل بابٍ مفتاحاً، و لكل ليلٍ مصباحاً، يتوصلون إلى

ص: 79


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 2
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 7

الطمع باليأس ليقيموا به أسواقهم، و ينفقوا به أعلاقهم. يقولون فيشبِّهون، و يصفون فيموِّهون، قد هيّأوا الطريق، وأضلعوا المضيق، فهم لمة الشيطان، وحمة النيران (أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (1)»(2).

وكتب علیه السلام إلى معاوية: «فانّك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه، وبلغ فيك أمله، و جرى منك مجرى الروح و الدم» (3)، و كتب علیه السلام إلى زياد بن أبيه في شأن معاوية: «فاحذره فانّما هو الشيطان يأتي المرء من بين يديه و من خلفه وعن يمينه و عن شماله، ليقتحم غفلته، ويستلب غرّته» (4).

4- منافذ الشيطان

المنافذ من التي يدخل منها الشيطان الفتن، قال علیه السلام : «إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع، و أحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، و يتولّى عليها رجال رجالاً، على غير دين الله، فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين؛ و لو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين؛ و لكن يؤخذ من هذا ضغث، ومن هذا

ص: 80


1- المجادلة: 19
2- نهج البلاغة الخطبة رقم: 194
3- المصدر نفسه الكتاب رقم: 10
4- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 44

ضغث، فيمزجان! فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه، و ينجو الّذين سبقت لهم من الله الحسنى» (1).

ومنها مجالسة أهل الهوى، قال علیه السلام : ومجالسة أه-ل اله-وى منساة

للإيمان، ومحضرة للشيطان» (2).

و منها الكبر والحمية والعصبية، قال علیه السلام : «فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية، و أحقاد الجاهلية، و انّما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان و نخواته و نفثاته ... فالله الله في كبر الحمية وفخر الجاهلية، فانّه ملاقح الشنآن ومنافخ الشيطان ... فالله الله في عاجل البغي وآجل وخامة الظلم، و سوء عاقبة الكبر، فانّها مصيدة إبليس العظمى، و مكيدته الكبرى التي تساور قلوب الرجال مساورة السموم القاتلة، فما تكدي أبداً، ولا تشوي أحداً، لا عالماً لعلمه ولا مقلاً في طمره» (3).

ومنها العجب، قال علیه السلام : «واياك و الاعجاب بنفسك، و الثقة بما يعجبك منها، و حب الاطراء، فانّ ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من احسان المحسنين» (4).

و منها الجلوس في الأسواق، قال علیه السلام : «واياك و مقاعد الأسواق،

ص: 81


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 50
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم 85
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 192
4- المصدر نفسه، الكتاب رقم 53

فانّها محضرة الشيطان، ومعاريض الفتن» (1).

ومنها الغضب، قال علیه السلام : «و اياك والغضب، فانّه طيرة من الشيطان» (2)، و قال علیه السلام : «و احذر الغضب فانّه جند عظيم من جند ابلیس» (3)

5- سبل الشيطان

انّ للشيطان في الاغواء طرائق مختلفة، منها التزيين والتسويف، قال أمير المؤمنين علیه السلام : «و الشيطان موکّل به يزيّن له المعصية ليركبها، و يمنّيه التوبة ليسوّفها، حتى تهجم عليه منيّته عليه أغفل ما يكون عنها» (4)

و منها الوسوسة، قال علیه السلام : «وحذّركم عدوّاً نفذ في الصدور خفيّاً، و نفث في الآذان نجياً، فأضلّ وأردى و وعد فمنّی، و زيّن سيئات الجرائم، و هوّن موبقات العظائم» (5).

و منها تسهيل الأمور في نظر الإنسان، قال علیه السلام : «انّ الشيطان يسنّي [أي يسهّل] لكم طرقه، ويريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة،

ص: 82


1- نهج البلاغة الكتاب رقم 69
2- المصدر نفسه الكتاب رقم 76
3- المصدر نفسه الكتاب رقم 69
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 63
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 82

ويعطيكم بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة»(1)، و قال علیه السلام بنفس المضمون: «و اعلموا انّ الشيطان انّما يسنّي لكم طرقه لتتبعوا عقبه» (2)

6- التخلص من الشيطان

من الأمور النافعة في التخلّص عن شراك إبليس وجنوده الاستعانة بالله تعالى و الاعتصام به، كما قال أمير المؤمنين علیه السلام: «وأستعينه على مداحر الشيطان ومزاجره، و الاعتصام من حبائله و مخاتله» (3).

ومنها أيضاً التقوى، قال علیه السلام : «واتقوا مدارج الشيطان، ومهابط العدوان» (4).

7- الاعتبار من عاقبة الشيطان

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «فاعتبروا بما كان من فعل الله بابليس، إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، لا يُدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة، فمن بعد ابليس يسلم على الله بمثل معصيته كلّاً ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً، انّ حكمه في أهل السماء وأهل

ص: 83


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 120
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 138
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 151
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 151

الأرض لواحد، و ما بين الله و بين أحد من خلقه هوادة في اباحة حمى حرّمه على العالمين» (1).

8- الحذر من الشيطان

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «فاحذروا عدوّ الله أن يعديكم بدائه، وأن يستفزّكم بخيله ورجله. فلعمري لقد فوّق لكم سهم الوعيد، وأغرق لكم بالنّزع الشّديد، ورماكم من مكانٍ قريب، (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)، قذفاً بغيبٍ بعيدٍ، ورجماً بظنِّ غير مصيبٍ، صدّقه به أبناء الحميّة، وإخوان العصبيّة، و فرسان الكبر والجاهليّة.

حتى إذا انقادت له الجامحة منكم، واستحكمت الطّماعيّة منه فيكم، فنجمت الحال من السّرّ الخفىّ إلى الأمر الجليّ، استفحل سلطانه عليكم، ودلف بجنوده نحوكم، فأقحموكم ولجات الذّلّ، و أحلّوكم ورطات القتل، و أوطأوكم إثخان الجراحة، طعناً في عيونكم، وحزّاً في حلوقكم، ودقّاً لمناخركم، وقصداً لمقاتلكم، وسوقاً بخزائم القهر إلى النّار المعدّة لكم، فأصبح أعظم في دينكم جرحاً، و أورى في دنياكم قدحاً، من الذين أصبحتم لهم مناصبين، وعليهم متألّبين.

فاجعلوا عليه حدّكم، وله جدّكم، فلعمر الله لقد فخر على أصلكم، و وقع في حسبكم، و دفع في نسبكم، وأجلب بخيله عليكم،

ص: 84


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 192

و قصد برجله سبيلكم، يقتنصونكم بكلّ مكان، و يضربون منكم كلّ بنانٍ، لا تمتنعون بحيلةٍ، ولا تدفعون بعزيمةٍ، في حومة ذلٍّ، وحلقة ضيقٍ، وعرصة موتٍ، وجولة بلاءٍ» (1)

9- تبرأ الشيطان من الإنسان

وفي نهاية المطاف فانّ الشيطان سيتخلّى عن الإنسان ويتركه بحسراته، قال أمير المؤمنين علیه السلام : «وزين سيئات الجرائم، و هوّن موبقات العظائم، حتى إذا استدرج قرينته، واستغلق رهينته، أنكر ما زيّن، و استعظم ما هوّن، وحذّر ما أمّن» (2).

وقال علیه السلام في الخوارج: «انّ الشيطان اليوم قد استفلّهم، وهو غداً متبرئ منهم ومخل عنهم» (3).

و ذلك كما ورد في القرآن الكريم عن لسان إبليس: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ(4).

ص: 85


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 192
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 82
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 181
4- إبراهيم: 22

6- الإنسان المنكوس

قال أمير المؤمنين علیه السلام: «فمن لم يعرف بقلبه معروفاً، ولم يُنكر منكراً، قُلب فجُعل أعلاه أسفله و أسفله أعلاه» (1).

يشير أمير المؤمنين علیه السلام في هذا الكلام المبارك إلى مرض نفسي يعترض الإنسان و يغيّر موازينه و طريقة تفكره وسلوكه، فيقلب أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، ويصير منكوساً، وهذا النموذج قد أعيى الأنبياء علیهم السلام و أتعبهم على طول التاريخ، حتى انّ الله تعالى يخاطب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ويقول له: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (2)، ويقول: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (3).

وهنا يشير أمير المؤمنين علیه السلام إلى بعض أسباب هذه الانتكاسة و هذا التقهقر، التي منها تغيير معالم الدين و تحريف مبادئه السامية، قال علیه السلام : «أيها الناس سيأتي عليكم زمان يُكفأ فيه الإسلام كما يكفأ

ص: 86


1- نهج البلاغة قصار الحكم 365
2- الكهف: 6
3- الشعراء: 3

الإناء بما فيه» (1)

و قال علیه السلام : «تواخى الناس على الفجور، وتهاجروا على الدين، و تحابوا على الكذب، وتباغضوا على الصدق، فإذا كان كذلك كان الولد غيظاً، والمطر قيظاً، وتفيض اللئام فيضاً، وتغيض الكرام غيضاً، وكان أهل ذلك الزمان ذئاباً، وسلاطينه سباعاً، وأوساطه اُكّالاً، وفقراؤه أمواتاً، وغار الصدق، و خاض الكذب، و استعملت المودة باللسان، وتشاجر الناس بالقلوب، وصار الفسوق نسباً، و العفاف عجباً، ولُبس الإسلام لُبس الفرو مقلوباً» (2).

و قال علیه السلام : «يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلّا رسمه، و من الإسلام إلّا اسمه، مساجدهم يومئذٍ عامرة من البُنى، خراب من الهدى، سكّانها و عمّارها شرّ أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة، و إليهم تأوي الخطيئة، يردّون من شذّ عنها فيها، ويسوقون من تأخّر عنها إليها» (3)

و منها ترك الهدى والبينات، قال علیه السلام : «فيا عجباً! و ما لي لا أعجب من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها! لا يقتصّون أثر نبيِّ، ولا يقتدون بعمل وصيِّ، ولا يؤمنون بغيبٍ، ولا يعفّون عن عيبٍ، يعملون في الشّبهات، ويسيرون في الشّهوات،

ص: 87


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 102
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 107
3- المصدر نفسه، قصار الحكم: 361

المعروف فيهم ما عرفوا، و المنكر عندهم ما أنكروا، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، و تعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأنّ كلّ امرىءٍ منهم إمام نفسه، قد أخذ منها فيما يرى بعرًى ثقاتٍ، وأسبابٍ محكماتٍ» (1).

و قال علیه السلام : «فقد نبذ الكتاب حملته، و تناساه حفظته، فالكتاب يومئذٍ و أهله منفيان طريدان، و صاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو، فالكتاب و أهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم، لانّ الضلالة لا توافق الهدى و إن اجتمعا، فاجتمع الناس على الفرقة، وافترقوا عن الجماعة كانّهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، فلم يبق عندهم منه الّا اسمه، ولا يعرفون الّا خطّه وزبره» (2).

وقال علیه السلام : «و اعلموا انكم صرتم بعد الهجرة أعراباً، وبعد الموالاة أحزاباً، ما تتعلّقون ما تتعلّقون من الاسلام الّا باسمه، ولا تعرفون من الإيمان الا اسمه، تقولون النار ولا العار، كأنّكم تريدون أن تكفئوا الاسلام على وجهه انتهاكاً لحريمه ونقضاً لميثاقه الذي وضعه الله لكم حرماً في أرضه، وأمناً بين خلقه» (3).

ومنها مرض القلوب، قال علیه السلام : «لو فكّروا في عظيم القدرة،

ص: 88


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 87
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 147
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 192

و جسيم النعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والأبصار مدخولة» (1).

و منها ترك اصلاح النفس، قال علیه السلام : «فمن شغل نفسه بغير نفسه تحيّر في الظلمات، و ارتبك في الهلكات، ومدت به شياطينه في طغيانه، و زيّنت له سيّء أعماله» (2).

و منها موارد المعرفة حيث إذا كانت خبيثة لا تنتج الّا السوء، قال علیه السلام : «فاعلم أنّ لكل عمل نباتاً، وكل نبات لاغنى به عن الماء، والمياه مختلفة، فما طاب سقيه طاب غرسه، وحلت ثمرته، وما خبث سقيه خبث غرسه و أمرّت ثمرته» (3).

ومنها متابعة الدنيا والوله اليها، قال علیه السلام : «أقبلوا على جيفة قد افتضحوا بأكلها، و اصطلحوا على حبّها، ومن عشق شيئاً أعشى بصره، و أمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، و يسمع باذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه، وولهت عليها نفسه، فهو عبد لها و لمن في يديه شيء منها، حيثما زالت زال اليها، و حيثما أقبلت أقبل عليها، لا ينزجر من الله بزاجر، ولا يتعظ منه بواعظ» (4)

ص: 89


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 185
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 157
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 154
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 108

و قال علیه السلام : «قد تصافيتم على رفض الآجل، و حبّ العاجل، وصار دين أحدكم لعقة على لسانه، صنيع من قد فرغ من عمله، وأحرز رضى سيده» (1).

وقال علیه السلام : «ازدحموا على الحطام، وتشاحّوا على الحرام، ورفع لهم علم الجنة و النار، فصرفوا عن الجنة وجوههم، و أقبلوا إلى النار بأعمالهم، دعاهم ربهم فنفروا وولّوا، و دعاهم الشيطان فاستجابوا و أقبلوا» (2).

وقال علیه السلام أيضاً يذكر سائر أوصافهم: «قلوبهم دوية، وصفاحهم نقية، يمشون الخفاء، و يدبّون الضراء. وصفهم دواء، وقولهم شفاء، وفعلهم الدّاء العياء، حسدة الرّخاء، و مؤكّدوا البلاء، و مقنطوا الرّجاء.

لهم بكلّ طريق صريع، وإلى كلّ قلب شفيع، ولكلّ شجو دموع، يتقارضون الثّناء، ويتراقبون الجزاء، إن سألوا ألحفوا، وإن عذلوا كشفوا، وإن حكموا أسرفوا. قد أعدّوا لكلّ حقٍّ باطلاً، ولكلّ قائم مائلاً، ولكلّ حيٍّ قاتلاً، ولكلّ بابٍ مفتاحاً، ولكلّ ليلٍ مصباحاً، يتوصّلون إلى الطّمع باليأس ليقيموا به أسواقهم، وينفّقوا به أعلاقهم (3). و يقولون فيشبّهون، ويصفون فيموّهون، قد هيّأوا الطّريق، وأضلعوا المضيق،

ص: 90


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 112
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 14
3- أعلاقهم: أمتعتهم

فهم لمة الشّيطان، وحمة النّيران (أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (1)» (2).

و قال علیه السلام : «واعلموا رحمكم الله انكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، و للسان عن الصدق كليل، و اللازم للحق ذليل، أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الإدهان، فتاهم عارم، و شائبهم آثم، و عالمهم منافق، وقارئهم مماذق، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم، ولا يعول غنيّهم فقيرهم» (3).

ص: 91


1- المجادلة 19
2- نهج البلاغة الخطبة رقم: 194
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 232

7- نهاية المطاف

انّ حياة الإنسان الدنيوية تشرف على الانتهاء عندما يحتضر الإنسان، ويكون على أبواب عالم الآخرة التي هي إمّا «شقوة لازمة أو سعادة دائمة» (1).

ولذا كان علیه السلام يكثر في تذكير الانسان بالموت والاستعداد له، و يقول: «أسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم» (2)، وكان علیه السلام يوصي ابنه الإمام الحسن علیه السلام و يقول: «يا بني أكثر من ذكر الموت، و ذكر ما تهجم عليه، و تفضي بعد الموت إليه، حتى يأتيك و قد أخذت منه حذرك، و شددت له أزرك، و لا يأتيك بغتة فيبهرك» (3).

وقال علیه السلام : «واستعدّوا للموت فقد أضلّكم، وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا، و علموا انّ الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فانّ الله لم يخلقكم عبثاً، ولم يترككم سدى، وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار الّا الموت أن ينزل به ... وانّ قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل

ص: 92


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 157
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 112
3- المصدر نفسه الكتاب رقم: 31

العُدّة، فتزوّدوا في الدنيا ما تحرزون به نفوسكم غداً» (1).

و قال علیه السلام : «تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل، وأقلّوا العُرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد» (2).

وقال علیه السلام : «و بادروا الموت وغمراته، وامهدوا له قبل حلوله، و أعدّوا له قبل نزوله ... و بادروا آجالكم بأعمالكم، فانّكم قوم مرتهنون بما أسلفتم، و مدينون بما قدّمتم، وكأنّ قد نزل بكم المخوف، فلا رجعة تنالون، ولا عثرة تقالون» (3).

هذا ومن أراد المزيد، فليراجع كتاب «منازل الآخرة في نهج البلاغة» من سلسلة في رحاب نهج البلاغة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الغرّ الميامين.

ص: 93


1- نهج البلاغة الخطبة رقم: 63
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 204
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 190

الفهرس

تمهيد ... 5

1 - الله والإنسان ... 7

1 - الخلقة ... 7

2 - معرفة الخالق ... 10

3- الإيمان والإسلام ... 15

4- الحجة الإلهية ... 21

1- العقل ... 21

2 - الأنبياء والرسل ... 25

رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ... 27

الثقلان ... 28

ألف - القرآن ... 29

ب - العترة ... 30

2- الإنسان والعبودية ... 32

1 - العمل الصالح ... 34

2 - التقوى ... 39

1- النجاة في الدنيا والآخرة ... 42

2- الفوز بالجنة ... 43

3- البُعد عن الشبهات ... 43

4- الحثّ على العمل ... 44

5- البُعد عن الذنوب ... 44

ص: 94

6- التغلّب على الشيطان ... 45

موانع التقوى ... 45

1- الخصومة ... 45

2- عدم حفظ اللسان ... 45

3- حب الدنيا ... 45

4- متابعة الشهوات ... 45

5- الطمع ... 45

3- أداء الفرائض ... 46

4- الذكر ... 47

5- ترك الذنوب والخطايا ... 48

3- الإنسان والدنيا ... 51

1 - الدنيا قنطرة ... 51

2 - إتمام الحجة في الدنيا ... 52

3- الابتلاء في الدنيا ... 53

4- الاعتبار من الدنيا ... 58

5- الاغترار بالدنيا ... 62

ألف - نسيان الله تعالى ... 63

ب- ترك الهدى والبينات ... 64

ج - التمسك بالدنيا ... 64

د - نسيان الموت ... 64

ه_ - الغفلة ... 65

6 - أصناف الناس في الدنيا ... 68

4 - الإنسان والبيئة ... 76

5- الإنسان والشيطان ... 78

1 - العصيان ... 78

2 - أهداف الشيطان ... 80

ص: 95

3- جنود الشيطان ... 80

4 - منافذ الشيطان ... 82

5 - سبل الشيطان ... 84

6- التخلّص من الشيطان ... 85

7- الاعتبار من عاقبة الشيطان ... 85

8- الحذر من الشيطان ... 86

9 - تبرأ الشيطان من الإنسان ... 87

6- الإنسان المنكوس ... 88

7- نهاية المطاف ... 94

الفهرس ... 96

ص: 96

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.