حوارٌ مُبين في زيارة الأمين عليه السلام

هوية الكتاب

العتبة العباسیة المقدسة

قسم الشؤون الفكرية وَالثقافیة

مَعَهَدُ تَراث الأنبياءِ علیهم السلام لِلدراسات الجوزَونَة الالكترونية

سلسلة اصدارات مدونة الكفيل

حوار المبين في زيارة الامين عليه السلام

العلوم الحسينى

دُعَاءَ فاضل الربیعي

الكتاب: حوار مبين في زيارة الأمين.

تأليف: علوية الحسيني ودعاء فاضل الربيعي.

الناشر : قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، معهد تراث الأنبياء

للدراسات الحوزوية الإلكترونية.

الاخراج الطباعي: علاء سعيد الاسدي.

المطبعة: دار الكفيل للطباعة والنشر.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 500 .

رجب الأصب 1442ه- - اذار 2021م

ص: 1

اشارة

العتبة العباسیة المقدسة

قسم الشّؤون الفكرية والثقافيّة

www.alkafeel.net

info@alkafeel.net

nashra@alkafeel.net

كربلاء المقدسة

ص.ب (233)

هاتف : 322600، داخلي : 175-163

الكتاب: حوار مبين في زيارة الأمين.

تأليف: علوية الحسيني ودعاء فاضل الربيعي.

الناشر : قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، معهد تراث الأنبياء

للدراسات الحوزوية الإلكترونية.

الاخراج الطباعي: علاء سعيد الاسدي.

المطبعة: دار الكفيل للطباعة والنشر.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 500 .

رجب الأصب 1442ه- - اذار 2021م

ص: 2

مقدمة المعهد

معهد تراث الأنبياء، مؤسسة علمية حوزوية تدرس المناهج الدينية المعَدَّة لطلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف.

الدراسة فيه عن طريق الانترنت وليست مباشرة.

يساهم المعهد في نشر وترويج المعارف الإسلامية وعلوم آل البيت عليهم السلام ووصولها إلى أوسع شريحة ممكنة من المجتمع، وذلك من و خلال توفير المواقع والتطبيقات الإلكترونية التي يقوم بإنتاجها كادر متخصص من المبرمجين والمصممين في مجال برمجة وتصميم المواقع الإلكترونية والتطبيقات على أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية.

وبالنظر للحاجة الفعلية في مجال التبليغ الإسلامي النسوي فقد أخذ المعهد على عاتقه تأسيس جامعة متخصصة في هذا المجال، فتم إنشاء جامعة أُمّ البنين عليه السلام الإلكترونية لتلبية حاجة المجتمع وملء الفراغ في الساحة الإسلامية لإعداد مبلغات رساليات قادرات على إيصال الخطاب الإسلامي بطريقة علمية بعيدة عن الارتجال في العمل التبليغي.

على أنَّ المعهد لم يُهمل الجانب الإعلامي، فبادر إلى إنشاء مركز

ص: 3

القمر للإعلام الرقمي، الذي يعمل على تقوية المحتوى الإيجابي على شبكة الانترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي، حيث يكون هذا المحتوى موجّهاً لإيصال فكر أهل البيت عليه السلام وتوجيهات المرجعية الدينية العليا إلى نطاق واسع من الشرائح المجتمعية المختلفة وبأحدث تقنيات الإنتاج الرقمي وبأساليب خطابية تناسب المتلقي العصري.

وأحد فروع المعهد هي مدونة الكفيل، التي تهتم بنشر النتاجات الأدبية والعلمية للأقلام اليافعة والهادفة ضمن المواضيع الإسلامية والعلمية والتربوية والاجتماعية والأدبية وكل ما من شأنه أن يساهم في زيادة الوعي الإيجابي في المجتمع.

هذا الكتاب (حوار مبين في زيارة الأمين)، مما نُشر على موقع المدونة على الانترنت للكاتبة العلوية الحسيني (صانها الله تعالى)، وقد ارتأينا أن نجمعها في كتاب واحد ضمن سلسلة الإصدارات المتعلقة بما يُنشر في مدونة الكفيل، علماً أنه الكتاب الثاني للعلوية المصانة، والرابع في سلسلة إصدارات مدونة الكفيل.

نسأل الله عزو جل أن يجعل عملنا في عينه، وأن يتقبله بقبوله الحسن، إنَّه سميع مجيب.

إدارة المعهد

ص: 4

بسم الله الرَحمان الرَّحيم

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون

صدق الله العلي العظيم

سورة المائدة: 55 .

ص: 5

ص: 6

إهداء

إلى

جامع القرآن

وتبيان البيان

شقيق الرسول

وبعل البتول

سؤال متى

وممدوح هل أتى

أمين الله علي بن أبي طالب علیه السلام

أهدي بضاعتي المزجاة هذه.

ص: 7

ص: 8

شكر وعرفان

الشكر أولاً والامتنان المتتابع لله عَزٍوَجَل على توفيقه ومنه، إذ لولاه لكان المشروع عدما .

والشكر ثانيًا لإشراف إذاعة الكفيل المتمثل بحضرة الحاجة الفاضلة ام محمد كاشف الغطاء (دامت توفيقاتها).

والشكر ثالثًا لإشراف وتدقيق مدونة الكفيل، المتمثل بسماحة الشيخ الفاضل حسين عبد الرضا الأسدي (دام توفيقه.

اللهم لك الشكر على هذا الشكر أيضًا، فاكتبنا جميعًا من الشاكرين.

ص: 9

ص: 10

مقدمة

بسم الَلَّهِ الرَّحَمَان الرحیم

الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، المتنزه عن ظلم عباده، الذي لا شبيه ولا مثيل له .

وصل اللهم على محمد كما حمل وحيك وبلغ رسالاتك، وأحلّ حلالك، وحرّم حرامك، وعلّم كتابك، بأفضل صلواتك، وعلى آله الأطهار هداة خلقك، وأمناء سرّك.

وصل اللهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أخي نبيّك، ومستودع علمه، وخليفته في أمته، والداعي إلى شريعته.

وبعد، تعد زيارة أمين الله عزوجل من أهم الزيارات المروية في زيارة أمير المؤمنين علي علیه السلام، وينبغي للمؤمن أن يتأمل في مفرداتها عالية المضامين، سواء في عبارات السلام على أمين الله، أو في عبارات الدعاء؛ كي تكون زيارته عن معرفة يقينية، ولئلا تكون قراءته لها مجرد لقلقة لسان. فلهذه

ص: 11

الزيارة أهمية كبيرة في توثيق عرى العقيدة والتخلق بأخلاق الله عزوجل وأوليائه.

وسبب اختيار موضوع شرح بعض مفردات تلك الزيارة كان ذا أبعاد ثلاثة:

1- بعد عقائدي؛ فللولاية حق عظيم علينا، ولعلّ من مصاديق أداء ذلك الحق هو التصدي لشرح بعض كلمات الأئمة علیهم السلام، فيتمثل بتعريف الناس مضامين كلامهم علیهم السلام، وجوهر شخصيتهم.

2- بعد خارجي؛ فالبيئة التي أعيش فيها تطلبت بذل المجهود بالتصدي لشرح بعض مفردات زيارة سيّد تلك البيئة، وهي النجف الأشرف، التي تشرفت باحتواء مرقده علیه السلام. وأسأل الله عزوجل الشفاعة ببركة هذا العمل القاصر .

3- بعد أخوي؛ وهو امتثال لطلب الأخت القديرة دعاء الربيعي دام توفيقها، فأسأل الله عزوجل أن يوفقها لكل خير في خدمة أهل البيت عليهم السلام .

هذه الحلقات تولت بثها إذاعة الكفيل مشكورة سنة 1440ه- ؛ برعاية الحاجة القديرة الفاضلة أم محمد كاشف الغطاء (دام توفيقها)،

ص: 12

واستمرت عدة أسابيع.

تولت مدونة الكفيل مشكورة بنشر تلك الحلقات مكتوبة سنة الأسدي 1441ه-؛ بإشراف وتدقيق سماحة الشيخ الفاضل حسين (دام عزّه)، مشرف المدونة، وأيضًا استمر النشر عدة أشهر بعد التدقيق، ولاقت عددًا لابأس به من القرّاء.

وأما عن هيكلة تلك الحلقات المتواضعة فكانت على شكل فقرات متسلسلة، تتناول جزءًا من الدعاء الوارد في تلك الزيارة المقدّسة، متضمنةً عدّة أسئلة مع أجوبتها؛ تفضلت بطرح الأسئلة الأخت الربيعي (دام توفيقها) بصورة دقيقة، مرتبطةً بالواقع الخارجي، ومشكلات عصرنا هذا، وأجبت على تلك الأسئلة، ولله الفضل، حتى صار أشبه بالحوار ؛ ولهذا سُميت الحلقات باسم (حوار مبين في زيارة الأمين)، ونسأل الله عزوجل أن يكون فعلاً حوارًا مبينا بحق محمد وآله الطاهرين.

وأما المشكلات التي واجهت هذا المشروع فهي لا تتعدى الخشية من عدم الوصول إلى مقصود الإمام زين العابدين علیه السلام في زيارته لجده - تحديدًا في مضامين الأدعية - ؛ فإنّ لكلام أهل بيت النبوة عليهم السلام باطن، ولباطنه باطن.

ص: 13

ومع الرجوع إلى جذور الكلمات في بعض المصادر اكتملت هذه الحلقات القاصرة.

وأسأل الله عزوجل حسن القبول، ومرضاة أوليائه، وما هى إلا بضاعة مزجاة، وعقيدتي بالله عزوجل كما أخبرني بها في القرآن الكريم أنه لن يضيع عمل عامل منّا من ذكر أو أنثى، وهو المأمول منه، إنه أكرم الأكرمين.

الكاتبة

علوية الحسيني / النجف الأشرف

27/ محرم الحرام/ 1442ه-.

ص: 14

زيَارَةُ أَمينُ الله

« السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ الله فِي أَرْضِهِ وَحُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ السَّلَامُ ، عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَعَمِلْتَ بِكِتَابِهِ وَاتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَعَاكَ اللَّهُ إِلَى جِوَارِهِ فَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ وَأَلْزَمَ أَعْدَائِكَ الحَجَّةَ مَعَ مَا لَكَ مِنَ الْحَجَجِ الْبَالِغَةِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، أَللَّهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةٌ بِقَدَرِكَ رَاضِيَةً بِقَضَائِكَ مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعَائِكَ مُحِبَّةٌ لِصَفْوَةِ أَوْلِيَائِكَ تَحْبُوبَةٌ فِي أَرْضِكَ وَسَمَائِكَ صَابِرَةً عَلَى نُزُولِ بَلائِكَ شَاكِرَةً لِفَوَاضِلِ نَعْمَائِكَ ذَاكِرَةٌ لِسَوَابِعْ الأَئِكَ مُشْتَاقَةٌ إِلَى فَرْحَةِ لِقَائِكَ مُتَزَوِّدَةَ التَّقْوَى لِيَوْمٍ جَزَائِكَ مُسْتَنَّةٌ بِسُنَنِ أَوْلِيَائِكَ مُفَارِقَةٌ لأَخْلاقِ أَعْدَائِكَ مَشْغُولَةٌ عَنِ الدُّنْيَا بِحَمْدِكَ وَثَنَائِكَ.

أَللَّهُمَّ إِنَّ قُلُوبَ المُخْبِتِينَ إِلَيْكَ وَالهَةٌ، وَسُبُلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْكَ شَارِعَةٌ، وَأَعْلَامَ الْقَاصِدِينَ إِلَيْكَ وَاضِحَةٌ، وَأَفْئِدَةَ الْعَارِفِينَ مِنْكَ فَازِعَةٌ، وَأَصْوَاتَ الدَّاعِينَ إِلَيْكَ صَاعِدَةٌ، وَأَبْوَابَ الإِجَابَةِ هُمْ مُفَتَّحَةٌ، وَدَعْوَةَ مَنْ نَاجَاكَ مُسْتَجَابَةٌ، وَتَوْبَةَ مَنْ أَنَابَ إِلَيْكَ مَقْبُولَةٌ، وَعَبْرَةَ مَنْ بَكَى مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ، وَالإغَاثَة من اسْتَغَاثَ بِكَ مَوْجُودَةٌ (مَبْذُولَةٌ)، وَالإِعَانَةَ مَنِ اسْتَعَانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ (مَوْجُودَةٌ)، وَعِدَاتِكَ لِعِبَادِكَ مُنْجَزَةٌ

ص: 15

وَزَلَلَ مَنِ اسْتَقَالَكَ مُقَالَةٌ، وَأَعْمَالَ الْعَامِلِينَ لَدَيْكَ تَحْفُوظَةٌ، وَأَرْزَاقَكَ إِلَى الْخَلائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نَازِلَةٌ، وَعَوَائِدَ الْمَزِيدِ إِلَيْهِمْ وَاصِلَةٌ، وَذُنُوبَ المُسْتَغْفِرِينَ مَغْفُورَةٌ، وَحَوَائِجَ خَلْقِكَ عِنْدَكَ مَقْضِيَّةٌ وَجَوَائِزَ السَّائِلِينَ عِنْدَكَ مُوَفَّرَةٌ، وَعَوَائِدَ الْمَزِيدِ مُتَوَاتِرَةٌ، وَمَوَائِدَ الْمُسْتَطْعِمِينَ مُعَدَّةٌ، وَمَنَاهِلَ الظُّمَاءِ الظَّاءِ لَدَيْكَ) مُتْرَعَةٌ، أَللَّهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعَائِي وَاقْبَلْ ثَنَائِي وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَوْلِيَائِي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ إِنَّكَ وَلِيُّ نَعْمَائِي وَمُنْتَهَى مُنَايَ وَغَايَةُ رَجَائِي فِي مُنْقَلَبِي وَمَثْوَايَ.

أَنْتَ إِلَي وَسَيِّدِي وَمَوْلاَيَ اغْفِرْ لَأَوْلِيَاتِنَا وَكُفَّ عَنَّا أَعْدَاتَنَا وَاشْغَلْهُمْ عَنْ أَذَانَا وَأَظْهِرْ كَلِمَةَ الحَقِّ وَاجْعَلْهَا الْعُلْيَا وَأَدْحِضْ كَلِمَةَ الْبَاطِلَ وَاجْعَلْهَا السُّفْلَى، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير » . (1)

ص: 16


1- مصباح المتهجد للشيخ الطوسي، ص 738 .

الفقرة الأولى / «اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك»

اشارة

في هذا المقطع من الزيارة الشريفة يتمحور حديثنا حول الاطمئنان بقدر الله عزوجل، وأهمية ذلك بالنسبة للفرد المؤمن في مسيرته الدنيوية والأخروية. نسلط الضوء عليه من خلال عدة أسئلة، مرفقة مع أجوبتها:

السؤال الأول: ما شرح هذا المقطع ؟

الجواب : الفقرة هذه جملة طلبية دعائية، يطلب فيها العبد من ربه أن يجعل نفسه مطمئنة بقدر أو قدر الله (سبحانه وتعالى)، ولابد من الوقوف على أهم مفرداتها.

اللّهم: « صيغة نداء ودعاء مثل : يا الله ، حذف منها حرف النداء وعوض عنه بميم مشدّدة » (1) .

اجعل: فعل أمر جاء للطلب من الداني –العبد- إلى العالي -الرَّب- « وهو أحد صيغ الأمر الخارجة عن معناها الأصلي، حيث

ص: 17


1- معجم اللغة العربية المعاصرة : لأحمد مختار عمر، ج 1، ص 114.

مفادها هنا الدعاء » (1) . كما إنّ الطلب هذا يصنف ضمن قسم الإنشاء الطلبي « الذي يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب » (2) .

نفسي: النفس بالمعنى الفلسفي هي: « الجوهر المجرد من المادة ذاتًا، المتعلّق بها فعلاً » (3) .

أما بالمعنى الطبي، فهي: « كيان الإنسان وأساس وجوده وما يدل على تأثيره في بيته وعمله ومجتمعه » (4) .

مطمئنة: الاطمئنان مشتق من الفعل طَمَنَ، فيقال: « طمأن الشيءَ: سَكَّنه. والطُّمَأْنِينَةُ : السُّكون » (5) .

كما وعُرّف بأنه: « سكون النفس بعد انزعاجها واضطرابها » (6) ، وهي درجة فوق السكينة، تنتهي بها حركتا المد والجزر للنفس، فبعد أن تكون كالبحر تصبح كالنهر الجاري بانتظام، الخالي من ملوحة الاضطراب.

ص: 18


1- ظ : البلاغة الواضحة لعلي الجارم ومصطفى أمين، ص179.
2- مصدر سابق، ص 170.
3- بداية الحكمة للعلامة الطباطبائي، م6 ، ف8، ص98.
4- ظ: الموسوعة الطبية، موقع إلكتروني.
5- لسان العرب لابن منظور، ج 13 ، فصل الطاء المهملة ، ص 268.
6- ظ: الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي، ج 2، ص 373.

بقدرك : القدر قدران

1- التقدير العلمي.

2- التقدير العيني.

أما التقدير العلمي: « عبارة عن تحديد كل شيء بخصوصياته في علمه الأزلي سبحانه قبل أن يخلق العالم أو قبل أن يخلق الأشياء الحادثة. فالله سبحانه يعلم حد كل شيء ومقداره وخصوصياته الجسمانية والمعنوية، كقوله عزوجل: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (1)، وقوله: ﴿إِنَّ ذُلِكَ عَلَى اللَّه يَسِير) (2)، دل على أن تقدير الحوادث قبل وقوعها والقضاء عليها بقضاء لا صعوبة فيه.

والتقدير العيني: وهو عبارة عن الخصوصيات التي يكتسبها الشيء من علله عند تحققه وتلبسه بالوجود الخارجي، قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِتُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) . فلكل شيء حد محدود في خلقه لا يتعداه، وصراط ممدود في وجوده يسلكه ولا

ص: 19


1- سورة التوبة: 51.
2- سورة الحج : 70.

يتخطاه » (1) .

القدر (بسكون الدال) : « مصدر الفعل قَدِرَ يَقْدَرُ قدَرَاً، وقد تسكن داله. قال ابن فارس: في مادة (قدر): القاف، والدال، والراء، أصل صحيح يدل على مبلغ الشيء وكنهه، ونهايته؛ فالقدر مبلغ كل شيء، يقال : قَدْرُه كذا أي مبلغه ، وكذلك القدَرُ ، وقدَرْت الشيء أقدره وأقدره من التقدير » (2) .

والقدر (بفتح الدال): « القضاء، والحكم، وهو ما يقدره الله عزوجل من القضاء، ويحكم به من الامو ن الأمور » (3) .

إن الله عزوجل قدر أشياءً تقديرًا حتميًا أو تكوينيا، كما في قوله تعالى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِين) (4)، أي جعل الحياتكم الدنيا نهاية وهي الموت ، وقدَّر أشياء بما هي معلّقة على فعل العبد، كما في قوله تعالى: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا مِنَ الْغَابِرِين) (5)، وهذا القدر مرتهن بفعل امرأة لوط، فاستحقت أن يكون قدرها أنها من الغابرين؛ لأنّها

ص: 20


1- الإلهيات للشيخ جعفر السبحاني، ج 2، ص 180-191.
2- معجم مقاييس اللغة : لأبي الحسين أحمد بن فارس زكريا ، ج 5 ، ص 62.
3- لسان العرب لابن منظور، ج 5 ، فصل القاف، ص 74.
4- سورة الواقعة : 60.
5- سورة الحجر : 60.

عصت نبي الله لوط علیه السلام ونهج دعوته للواحد الأحد.

السؤال الثاني: ما هو القدر قرآنيًا ؟

الجواب: جاءت هذه المفردة « بمعان متعددة » (1)، نشير إلى بعض منها :

أ) التضييق : كقوله عزوجل: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّ أَهَانَن) (2) .

ب) التعظيم : كقوله عزوجل: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه) (3) .

ج) الاستطاعة والتغلب والتمكن : كقوله عزوجل: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِم) (4) .

د) التدبير : كقوله عزوجل: ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُون) (5)، أي دبَّرنا الأمور، أو أردنا وقوعها بحسب تدبيرنا.

ه-) تحديد المقدار، أو الزمان، أو المكان : كقوله عزوجل:

ص: 21


1- ظ : تاج العروس للزبيدي، ج 7، ص 371.
2- سورة الفجر: 16.
3- سورة الأنعام: 91.
4- سورة المائدة: 34.
5- سورة المرسلات : 23.

(وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّير﴾ (1)، وقال: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِين﴾ (2) .

و) الإرادة : كقوله عزوجل: (فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْر قَدْ قُدِر﴾ (3)، أي دبّر ، وأريد وقوعه.

ز) القضاء والإحكام : كقوله عزوجل: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِين) (4)، أي قضينا، وحكمنا.

ح) التمهل والتروي في الإنجاز : كقوله عزوجل: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّر) (5)، أي تمهَّل ، وتروَّى؛ ليتبين ما يقوله في القرآن.

ط الصنع بمقادير معينة : كقوله: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) (6) .

إشارة :

« القضاء والقدر أمران متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر،

ص: 22


1- سورة سبأ: 18.
2- سورة فصلت: 10.
3- سورة القمر : 12.
4- سورة الواقعة 60.
5- سورة المدثر: 18.
6- سورة الإنسان: 16.

لأنّ أحدهما بمنزلة الأساس وهو «القدر»، والآخر بمنزلة البناء وهو «القضاء» (1)، والثاني موافق للشرح.

وهنا سوف نسلط الضوء على مفردة القدر من خلال الأسئلة التالية، ولاحقًا إن شاء الله و نسلط الضوء على مفردة القضاء.

السؤال الثالث: ربما يتساءل البعض عند قراءته لزيارة الأمين یری أن الأسطر الاولى من الزيارة هي عبارة عن سلام لمولانا أمير المؤمنين وبعدها ينتقل الإمام زين العابدين علیه السلام إلى مناجاة، فما السر

الذي يكمن وراء هذه الانتقالة من الزيارة والسلام الى المناجاة؟

الجواب: حينما نقرأ : « السَّلامُ عَلَيْكَ يا آمين الله في أَرْضِهِ وَحُجَّتَهُ عَلَى عِبادِهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ »، ثم الشهادة له علیه السلام: « اَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ فِي اللَّه حَقَّ جِهادِهِ وَعَمِلْتَ بِكِتَابِهِ وَاتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيَّهِ صلی الله و علیه و آله حَتّى دَعَاكَ اللهُ إلى جوارِهِ فَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيارِهِ وَالْزَمَ اَعْدانَكَ الحَجَّةَ مَعَ مالَكَ مِنَ الحَجَجِ الْبَالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلْقِه » ثم الدعاء « اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةٌ بِقَدَرِك » نجد أنّ الجمل الدعائية تبدأ تتوالى، متدرجةً من حيث الكمال.

وهذا المنهج بتراتبية السلام على المعصوم، ثم الشهادة له، ثم اللهج

ص: 23


1- شرح أصول الكافي : للمولي المازندراني، ج 10، ص 406.

بالدعاء وارد في أغلب زيارات أهل البيت عليهم السلام ، ومن شاء فليراجع زياراتهم عليهم السلام الواردة على لسان الأئمة علیهم السلام ؛ نأخذ مثالاً على ذلك، زيارة وارث؛ حيث روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: « ... يا مفضل إذا اتيت قبر الحسين بن علي عليهما السلام فقف بالباب وقل هذه الكلمات... السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله،... أشهد أنك قد أقمت الصلاة، واتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين » (1) .

فنستظهر من ذلك كلّه أنّ السر من وراء ذلك هو احاطة شيعتهم بآداب الزيارة، بابتداء السلام على المزار وهو الإمام المعصوم ، فكأنّ الإمام زين العابدين يريد أن يخبر شيعته طريقة اجابة الدعاء في محضر المشاهد المقدسة بالسلام على صاحب القبر، ثم الدعاء في محضره ليكون شفيعا لهم؛ وهذا نظير ما نقوم به اليوم من زيارة لأحد ما، فبعد السلام ،والثناء عليه، نطلب الحاجة منه، أو نسأله الدعاء لنا .

إذا تبين هذا نقول :

إن الإمام السجاد يسأل من الله أن يجعل نفسه مطمئنة بقدر الله عزوجل، فيا ترى ماهي الآثار الايجابية التي يتركها الاطمئنان بقدر الله عزوجل

ص: 24


1- كامل الزيارات الجعفر بن قولويه ب79، ص 375-376 ، ح 5.

في نفس المؤمن، حتى يبتدأ الامام سؤاله الله عن هذه الامر ؟

الجواب: الآثار الإيجابية للاطمئنان بقدر الله عزوجل كثيرة، منها:

1- حسن الظن بالله عزوجل

بعد الاطمئنان بقدر الله لا يظهر للعبد أنّ الله و عادل، لطيف، رحيم، وليس فقط منتقم جبار، شديد العقاب.

فاليوم ما إن أصاب أحدنا قدر مقدور، إلا وقد تجد الجزع يتسلل إلى نفسه، والاعتراض على المقدّر، (إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعاً﴾ (1) .

2- علو الهمة

فيؤسس العبد لنفسه قاعدة مفادها، كلّ ما هو من الحبيب والمحب لمن أحب مطيع.

فكلما كانت همته عالية كان رضاه بقدر وقضاء الله عزوجل متحققا.

3- استمرارية الدعاء بحسن الخاتمة

اشارة

فالعبد يهمه أمر حسن خاتمته، وهو قدر لا يعلمه إلا الله عزوجل بعلمه

ص: 25


1- سورة المعارج: 19-21.

الأزلي، فيبقى على لسانه لهجا بالدعاء لا يكل ولا يمل، مرتبطا بعالم السماء، حيث الدعوات الصاعدات والعنايات النازلات، فهذا العبد يؤمن ويرضى بكل قدر أو قضاء من الله عزوجل له .

هذا، وإن لعدم الاطمئنان بقدر الله عزوجل و آثارًا، منها:

1- حلول اللعنة الإلهية

عن علي بن الحسين قال : قال رسول الله صلی الله و علیه و آله: « ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله والتارك لسنتي والمستحل من عترتي ما حرم الله والمتسلط بالجبروت ليذل من أعزه الله ويعز من أذله الله، والمستأثر بفيء الله المستحل له » (1) .

واللعنة هي الطرد من رحمة الله تعالى فيكون مصيره كإبليس اللعين الرجيم.

2- عدم الرحمة الإلهية يوم القيامة

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : عاق ومنان ومكذب بالقدر ، ومدمن خمر » (2) . والمراد بالنظر هو عدم

ص: 26


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج 5 ، ح 4 ، ص 88.
2- الخصال: للشيخ الصدوق، ص 203.

شمولهم بعناية الله عزوجل اليوم القيامة.

3- عدم راحة العبد نفسيًا

فيبقى في قلق وتشكيكِ دائم بمجريات الأمور التي تواجهه، إلى أن يؤول الحال به إلى اتهام الله بأنه سبب انتكاسته صحيًا، أو تعسّر رزقه، أو فقدان ولده ، أو غير ذلك من الأمور المبتلى بها.

السؤال الرابع: في أي مرتبة من مراتب الايمان يكمن الاطمئنان بقدر الله وقضائه، وكيف عكس لنا أهل البيت عليهم السلام هذا المفهوم من خلال مسيرة حياتهم؟

الجواب: إنه في مرتبة اليقين تلك المرتبة التي توجب اليقين بكل شيء، وإنّ الوصول إلى الكمال الرّوحي يتطلب تحمل المشاق، والتسليم المطلق الله سبحانه، والذوبان في هيمنته وسلطنته جل شأنه، فالإنسان وإن كان مجبولا في فطرته على حب الوصول إلى الكمال، إلا أن التعلقات الدنيوية التي تطرأ عليه عرضًا تجعله محجوبًا عن الوصول.

وها هي السيدة زينب عليها السلام قد نالت ما نالت من فيوضات، وهيمت قلبها لإرادة الواحد القهار، وتركت التأثر بالعالم المادي لأهله، واعشوشب زهرها في ما فوق ذلك العالم ، فأصبحت من خواص الله خلقا، وأثمرهم عطاء.

ص: 27

« ما رأيتُ إلاّ جميلاً » (1) ، عبارة قصيرة دلّت عباد الله على الله، إذ أعتقد أنه لم يك هدف السيّدة علیها السلام أن تبيّن للطاغية والحاضرين مدى رضاها بقضاء الله عزوجل وحسب، بل كان لها هدف سام آخر ألا وهو: أن تدلّهم على الله وترسخ محبتهم له سبحانه، حيث نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة: « السَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ إِلى الله، وَالادِ لاءِ عَلى مَرْضاة الله وَالْمُسْتَقِرّينَ فِي أَمْرِ الله، والتامين في محبَّةِ الله » (2) .

وجاء في مقطع آخر: « إلَى اللهِ تَدْعُونَ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ، وَبِهِ تُؤْمِنُونَ، وَلَهُ تُسَلَّمُونَ، وَبِأَمْرِهِ تَعْمَلُونَ، وَإِلَى سَبِيلِهِ تُرْشِدُونَ » (3) .

ومنبع تصرفها هذا هو حبّ الله عزوجل، ومعرفته، حيث روي أنه: « أوحى الله إلى بعض الصديقين : ان لي عبادا يحبوني وأحبهم ويشتاقون إلي فأشتاق إليهم ويذكرونني فأذكرهم... أول ما أعطيهم ثلاثا : اقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما اخبر عنهم، والثاني لو كانت السماوات والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللتها لهم، والثالث اقبل بوجهي عليهم فترى من أقبلت بوجهي عليه يعلم أحد ما أريد

ص: 28


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج 14، ص 116.
2- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، ج 2، ص 610، ح 3213.
3- مصدر سابق، ج 2، ص 613 ، ح 3213.

ان أعطيه» (1) .

فقذف سبحانه في قلبها التفويض المطلق ووجدها صابرة، مسلّمة للقضاء والقدر.

السؤال الخامس: ماهي الاستعدادات النفسية التي تؤهل الفرد للوصول الى التسليم والاطمئنان بقدر الله؟ أو قل: هل هناك بعض الاعمال والممارسات العبادية والاخلاقية التي توصل الفرد الى مرتبة الاطمئنان؟

الجواب: أول استعداد يؤهل العباد إلى الاطمئنان بقدر الله عزوجل هو معرفته عزوجل، فمن عرف الله أحبه، ثم اعتقد به، ثم امتثل لأوامره واجتناب عن نواهيه، ثم الاطمئنان بما قدر عزوجل له .

وهنا التفاتة عقائدية لابد من التركيز عليها، ألا وهي : معرفة الله عزوجل، جاء في الدعاء « اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك . اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني » (2) .

ص: 29


1- الجواهر السنية في الأحاديث القدسية للحر العاملي، ص 358.
2- الكافي للشيخ الكليني، ج 1، باب في الغيبة، ص 342، ح29.

فالضلال عن الدين هو نتيجة الشك بوجود الله تعالى، أو بقدره فيجزع العبد شيئًا فشيئًا إلى أن يصل إلى درجة الشك، والشك غير اليقين مصداقًا ونتيجة؛ فالمعرفة تولّد يقينًا بوجوده، وبقضائه وقدره.

ولكن ما هي حدود معرفة الله عزوجل؟

إنّ كمال الدين معرفته، ونفي الصفات عنه، وتنزيهه عن صفات التجسيم، وتأويل تلك الصفات إلى ما يليق وذاته المقدّسة.

ومعرفته بأنه واحدٌ أحدٌ، ليس كمثله شيء، قديمٌ، سميعٌ، بصيرٌ، عليمٌ، حكيمٌ، حيٌ، قيومٌ، عزيزٌ، قدوسٌ، قادرٌ، غنيٌّ. لا يوصف بجوهرٍ، ولا جسمٍ، ولا صورة، ولا عرض، ولا خط، ولا سطح، ولا ثقل، ولا خفةٍ، ولا سكون، ولا حركة، ولا مكان، ولا زمان.

وأنه تعالى منزّه عن جميع صفات خلقه، خارج من الحدين: حدّ الإبطال وحدّ التشبيه.

أما كيف نعرف ذات الله عزوجل؟

فهنا يقف العقل البشري عاجزًا عن إدراك ماهية الذات المقدّسة؛ لقصور إدراك عقولنا.

فلابد للواصف أن يكون :

ص: 30

- إمّا بمرتبة الموصوف.

- أو أعلى مرتبة منه.

لكي يصفه، وإلا لكان عاجزا عن وصفه؛ لأنّ الناقص لا يوازي الكامل، والعاجز لا يساوي القادر ، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام حيث قال: « الحمد لله الدّالّ على وجوده بخلقه، وبمحدث خلقه على أزليّته، وباشتباههم على أنّ لا شبه له، لا تستلمه المشاعر، ولا تحجبه السواتر؛ لافتراق الصانع والمصنوع، والحاد والمحدود، والرّبّ والمربوب » (1) .

وإنّ للمعرفة درجات، ويجب على المؤمنين معرفة أدناها على الأقل، كما هو في الجانب الفقهى حيث يوجب الفقهاء معرفة المسائل الابتلائية التي هي أدنى درجات المعرفة الفقهية، فلابد إذن من التوازن المعرفي بين العلوم ومعرفة ماهي أدنى المعرفة العقائدية بالله عزوجل.

ويجب أن تكون تلك المعرفة الدنيا بالله لا مبنيّة على أسس عقليّة بديهية ،فطريّةٍ يعرفها حتى الساكن في بلدة نائية بفطرته، وليس شرطًا أن تكون تلك المعرفة مبتنية على قواعد فلسفيّة أو منطقية، وإلاّ :

ص: 31


1- نهج البلاغة، ج2، خ152، ص 39.

- لكانت نسبة كبيرة من الناس كافرين بالله عزوجل.

- أو كانَ إيمانهم بالأصول الاعتقادية ناتجا عن تقليد أعمى للعلماء والفلاسفة والمتكلمين.

إذاً، الإنسان بفطرته يستطيع أن يُثبت ما يعتقد به كما صنع أمير المؤمنين علیه السلام حينما سُئِلَ ما الدليل على وجود الله عزوجل؟ فأجاب بجواب يناغم الفطرة: « البعرة تدلّ على البعير » مشيرًا إلى سهولة الاستدلال على وجوده تعالى إذا ما كانت الفطرة سليمة.

فهذا الدليل الفطري يُنمّق كلامياً وفلسفياً ليناسب إدراكات الطلبة المتعلمين ويُسمى بتسمياتٍ أخر ؛ كدليل (الأثر والمؤثر). والأئمة علیهم السلام لم يتركوا شيعتهم دون توضيح لأدنى المعرفة بالله عزوجل، حيث « رويَ عَنْ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ عَن أَبِي الْحَسَنِ علیه السلام سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَى المَعْرِفَةِ .. فَقَالَ : الاقْرَارُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلا شِبْهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ وَأَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ » (1) .

أي إنّ الإيمان الكافي للعبد بالله عزوجل يكفي فيه، الاعتقاد بأنه عزوجل واحد ، لا شريك له، ولا شبيه يشبهه، ولا نظير يناظره، وأنّه قديم ليس بمخلوق موجود معنا، لكن ليس كمثله شيء حتى نقايسه عليه.

ص: 32


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 1 ، ب 26 أدنى المعرفة، ح1.

فتلك هي أدنى المعرفة به عزوجل، وبالتالي لم يتركنا أهل البيت عليهم السلام بدون ارشاد وتوجيه، بل أخذوا بأيدينا وأبعدونا عن التيه.

ووجه الاستدلال بهذا الحديث كان حول الوصول إلى مرتبة الاطمئنان بقدر الله عزوجل، ومن درجات ذلك الاطمئنان، معرفة الله عزوجل؛ ثم معرفة حكمته من قدره، ثم التسليم لذلك القدر؛ حتى نلهج بالدعاء الوارد في الزيارة: « اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك ».

وصل اللهم على السيّد المطهر، والإمام المظفّر ، والشجاع الغضنفر أبي شبير وشبّر، علي بن أبي طالب علیه السلام.

ص: 33

ص: 34

الفقرة الثانية / «راضية بقضائك»

اشارة

الحديث هنا حول الرضا بقضاء الله عزوجل، فلنبدأ الحديث بالأسئلة التالية:

السؤال الأول: ما المراد من القضاء والقدر؟ وهل هناك فرق بينهما ام انهما مفردتان لمعنى واحد؟

الجواب: بدايةً لابد من تعريف مفردة (الرضا)، ثم ربطها بالقضاء والقدر.

فالرضا لغةً: فمشتق من الفعل « رضي الرضا... ضد السخط » (1) .

أما اصطلاحًا : « فهو ترك الاعتراض والسخط باطنا وظاهرا قولا وفعلا، وهو من ثمرات المحبة ولوازمها إذ المحب يستحسن كلما يصدر عن محبوبه ، وصاحب الرضا يستوي عنده الفقر والغنا، والراحة والعناء، والبقاء والفناء، والعز والذل، والصحة والمرض، والموت والحياة، ولا يرجح بعضها على بعض ، ولا يثقل شيء منها على طبعه،

ص: 35


1- لسان العرب لابن منظور، ج 14 ، مادة رضي، ص 323.

إذ يرى صدور الكل من الله - سبحانه -، وقد رسخ حبه في قلبه، بحيث يحب أفعاله ويرجح على مراده مراد الله عزوجل، فيرضى لكل ما يكون ویرد» (1) .

إذًا الرضا يأتي بدرجة بعد الاطمئنان، إذ إنّ الامام زين العابدين علیه السلام لم يتكلم عبثًا حينما لهج بهذه الزيارة، فحينما قدّم القدر على القضاء؛ فانه استند على أساس علمي؛ وهو إنّ الاطمئنان بالقدر يسبق وجدانًا الرضا بالقضاء، وحتمًا الاطمئنان يناسب القدر، فقال: « مطمئنة بقدرك »، والرضا يناسب القضاء، فقال: « راضية بقضائك ».

كيف لا يكون هذا الترتيب الكلامي، والإمام المعصوم من يتكلم؟! وما تسليمنا إلا عبارة عن يقيننا باعتقادنا في الإمام المعصوم أنّه لا يقول عبيًّا؛ لعصمته .

القضاء: « الحكم ... يقال : قضى يقضي قضاء فهو قاض إذا حكم وفصل. وقضاء الشيء : إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه فيكون بمعنى الخلق» (2) .

والقضاء قضاءان - كما القدر - :

ص: 36


1- جامع السعادات للمحقق النراقي، ج 3، ص 162.
2- لسان العرب لابن منظور، ج 15 ، مادة قضي، ص 186.

« القضاء العلمي: وهو عبارة عن علم الله عزوجل بوجود الأشياء وإبرامها، ومعرفته بتحققها أو عدم تحقّقها.

القضاء العيني: وهو عبارة عن ضرورة وجود الشيء في الخارج عند وجود علّته التامّة » (1) .

والفرق بين القدر والقضاء هو ما بينه لنا أهل البيت عليهم السلام مما روي عنهم؛ إذ روي عن يونس بن عبد الرحمن قال : قال لي أبو الحسن الرضاء علیه السلام: « ... [ أخذ يونس يسأل الامام إلى أن قال له الامام] فتعلم ما القدر؟ قلت: لا، قال: هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، قال : ثم قال : والقضاء هو الابرام وإقامة العين » (2) .

فالفارق هو في الأسبقية، فالقدر يسبق القضاء، وهناك ما يؤيد ذلك مما روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام: « إنّ الله إذا أراد شيئاً قدره، فإذا قدّره ،قضاه، فإذا قضاه أمضاه » (3) .

وهنا أمر مهم لابد من الانتباه إليه، وهو اننا حينما نقول: هذا أمر

ص: 37


1- الإلهيات للشيخ جعفر السبحاني، ج2، ص 515.
2- الكافي للشيخ الكليني، ج 1 ، ص 158، ح4.
3- بحار الأنوار للعلّامة المجلسي ، ج 5 ، كتاب العدل والمعاد، ب3: القضاء والقدر ، ح 64.

من قدر الله عزوجل وقضائه فهذا لا يعني أنه عزوجل يجبرنا على أن نكون محل تلك الظروف والابتلاءات؛ فعقيدتنا أن لا جبر ولا تفويض وإنّما أمر بين أمرين، فليس الله عزوجل مجبرنا ، وليس مفوض امورنا إلينا استقلالاً، بل أمر بين أمرين.

جاء في كلام الإمام علي علیه السلام للشامي لما سأله: عن مسيره إلى الشام بقضاء من الله وقدره؟ « ويحك لعلك ظننت قضاءً لازمًا وقدرًا حتمًا، ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد الوعيد... إن الله سبحانه أمر عباده تخييرًا، ونهاهم تحذيرًا، وكلف يسيرًا، ولم يكلف عسيرا، وأعطى على القليل كثيرا » (1) .

كذلك روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا : « إن الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون قال فسئلا عليهما السلام هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا : نعم أوسع مما بين السماء والأرض » (2) .

السؤال الثاني : ما هو القضاء قرآنيًا؟

الجواب: « القضاء في القرآن الكريم على أربعة أضرب:

ص: 38


1- رسائل المرتضى للشريف المرتضى، ج 2، ص 241-242.
2- شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني ، ج 5، ص 27.

أحدها الخلق، والثاني: الأمر، والثالث: الإعلام والرابع: القضاء في الفصل بالحكم. وعلى كل شاهد قرآني.

فأما شاهد القضاء بمعنى الخلق فقوله عزوجل: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ إِثْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَين) (1)، يعني خلق الله عزوجل لن و سبع سموات في يومين.

وشاهد القضاء بمعنى الأمر فقوله عزوجل: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إيَّاه) (2)، أي أمر الله عزوجل بعدم عبادة غيره.

وشاهد القضاء بمعنى الإعلام فقوله عزوجل: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل) (3)، أي أعلمهم الله عزوجل وأخبرناهم بالأمر قبل كونه.

وأما شاهد القضاء بمعنى الفصل بالحكم بين الخلق فقوله عزوجل: (وَاللَّهُ يَقْضِي بالحق) (4)، أي يفصل الله عزوجل بالحكم بالحق بين الخلق، وقوله: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالحق) (5)، أي حكم تعالى بينهم بالحق، وفصل

ص: 39


1- سورة فصلت: 11-12.
2- سورة الاسراء : 23.
3- سورة الاسراء: 4.
4- سورة غافر: 40.
5- سورة الزمر : 29.

بينهم بالحق » (1) .

السؤال الثالث: قال الإمام الصادق علیه السلام: « اعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله »، من هذا الحديث الشريف يتضح أن هناك علاقة بين معرفة الله تعالى وبين الرضا بقضائه، ماهي معالم تلك العلاقة واسسها التي تقوم عليها؟

الجواب: تقدم فيما سبق اجمالا أنّ أول استعداد يؤهل العباد إلى الاطمئنان بقدر الله عزوجل و هو معرفة الله عزوجل، فمن عرف الله أحبه، ثم اعتقد به، ثم امتثل أوامره واجتنب نواهيه، ثم اطمأن بما قدر تعالى له، ثم رضى بقضائه.

هذا وقد جاء في الدعاء اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك. اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني

حجتك ضللت عن ديني» (2) .

فالضلال عن الدّين قد يكون نتيجة الشك إما بوجود الله تعالى أو بقدره، أو بقضائه، فيجزع العبد شيئاً فشيئاً إلى أن يصل إلى درجة

ص: 40


1- تصحيح اعتقادات الامامية للشيخ المفيد، ص 54.
2- الكافي للشيخ الكليني، ج 1، باب في الغيبة، ص 342، ح29.

الشك، والشك غير اليقين مصداقًا ونتيجةً؛ لأنّ المعرفة تولّد يقينًا بوجوده وبقضائه وقدره.

السؤال الرابع: ما هي الآثار السلبية المترتبة على عدم الرضا بقضاء الله تعالى؟

الجواب: من الآثار السلبية :

1- الكسل عن اللهج بالدعاء بدعوى ان قضاء الله عزوجل لقد تم، فيستسلم العبد للظرف المبتلى به .

2- اللجوء الى أهل الكهانة والشعوذة ليضعوا عنهم قضاء الله عزوجل.

3- الاكتئاب الذي يصيب البعض، إذا ما يفقد له عزيز، أو يسلب له مال، أو تنتكس له صحة، وعدم الايمان بقول إِنَّا الله وإنا اليه راجعون، فمن منا يملك نفسه حتى يملك عوارضها من صحة وسرور وراحة ابدية ؟!.

التفاتة

هناك من يقول : إني راض بقضاء الله وقدره وما سوف يجري عليّ، ولا داعي للدعاء والتوسل بالله لدفع البلاء، وكأن الدعاء مناقض للرضا، وفي الحقيقة أن هذا تصرف مغلوط، نتيجة البعد عن التأمل في

ص: 41

آيات القرآن الكريم، كما يتبين من التدبر في قوله عزوجل: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَاب) (1) .

فظاهر الآية يدل على وجود أمور يمحوها الله عزوجل، وأخرى يثبتها، وأنّ هناك شيئًا يسمى بأم الكتاب، وهنا على العبد التفكر، وإزالة تراب الجهل ليكتشف كنز المعرفة، فبالعقل كرّم الله عزوجل بني آدم على سائر مخلوقاته، أليس حريًا بنا توظيف عقولنا في معارف التأملات القرآنية ؟!

جاء في تفسير هذه الآية: « محو الشيء هو اذهاب رسمه واثره يقال محوت الكتاب إذا أذهبت ما فيه من الخطوط والرسوم قال تعالى : (وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقِّ بِكَلِمَاتِهِ) أي يذهب بآثار الباطل كما قال: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء) وقال: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً). وقد قوبل المحو في الآية بالإثبات وهو اقرار الشيء في مستقره بحيث لا يتحرك ولا يضطرب.

فالكتاب الذي أثبته الله عزوجل في الأجل الأول إن شاء محاه في الاجل الثاني وأثبت كتابا آخر فلا يزال يمحو كتابًا ويثبت كتابًا آخر ... وأن القضاء ينقسم إلى قضاء متغير وغير متغير (2) .

ص: 42


1- سورة الرعد: 39.
2- تفسير الميزان للسيد الطباطبائي، ج 11، ص 375.

كما وجاء في بعض الروايات أنّ هناك أمورًا يمكن محوها، وأخرى يستحيل؛ لأنها تستلزم تكذيب الله عزوجل نفسه وأنبيائه ورسله؛ منها ما ورد عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول « من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدم فيها ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت منها ما يشاء لم يطلع على ذلك أحدا يعنى الموقوفة فأما ما جاءت به الرسل فهى كائنة لا يكذب نفسه ولا نبيه ولا ملائكته » (1) .

فمن الأمور الموقوفة التي لا يغيرها الله عزوجل: أن حول يمحو الله تعالى أمر الصلاة مثلا أو الصوم، أو وجوب الإيمان بالله الواحد الاحد، أو وجوب الإيمان بعصمة نبيه او غير ذلك من الأمور.

أما أمور الرزق والاحياء والممات فممكن أن يمحوها الله عزوجل ويبدلها؛ ففي الرزق روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: « قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدقوا فإن الصدقة تزيد في المال كثرة وتصدقوا رحمكم الله » (2) .

وفي الإحياء والإماتة؛ روي عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال: « البر

ص: 43


1- تفسير العياشي لمحمد العياشي، ج 2، ص 217، ح 65.
2- الكافي للشيخ الكليني، ج 4 ، باب في أن الصدقة تزيد في المال، ص 9 ، ح2.

والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر ويدفعان تسعين [ في بعض النسخ [ سبعين ميتة] ميتة السوء » (1) .

كما لو كان مقدرًا في قضاء شخص أنه يعيش عشرين سنة، لكنه ما إن تصدق بصدقة حتى غيرت قضاءه ومحته، وأطالت عمره سنوات اخرى. وهكذا بالنسبة لموجبات تغيير القضاء الاخرى.

ومن هنا نعلم أنّ القضاء غير المحتوم ممكن أن يبدل ويمحى، ويتعلق به البداء.

اللهم صل على الأشرف المكين، والعلم المبين، والناصر المعين، ولي الدين، على أمير المؤمنين علیه السلام.

ص: 44


1- مصدر سابق، ج 4 ، باب فضل الصدقة ، ص 2 ، ح 2.

الفقرة الثالثة / مولعةً بذكركَ

اشارة

روي عن الإمام علي علیه السلام أنه قال: « الذكر لذة المحبين » (1)، وقال ايضًا : من اشتغل بذكر الناس قطعه الله سبحانه عن ذكره (2)، وهنا عدّة أسئلة :

السؤال الأول: كأنّ هناك سرًا مقدسًا من وراء استعمال مفردة (الولع)، ويكأن الله جل جلاله يريد بنا أن نصل إلى أوج درجات محبته، ولا غلو في ذلك بنانًا، فما هو الولع ؟

الجواب: إنّ مفردة الولع من درجات الحب، وينبغي أن نعلم ما هو موقف تراثنا الإسلامي من الحب الإلهي بصورة عامة.

الولع لغةً: « الشديدُ التعلُّق » (3)، وهو الشخص الشديد التعلق بالشيء.

والولَع (بفتح اللام) : صفة يتصف بها الولع (بكسر اللام)، « وهي

ص: 45


1- غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، ص 42 ، ح721.
2- مصدر سابق، ص 190 ، ح 3665.
3- المعجم الوسيط : المجموعة مؤلفين، ج2، ص 1056.

درجة من درجات الحب، فللحب مصاديق، منها الانس، الولع، الهيمان، الشوق ،العشق الهوى، الشغف الوجد، النجوى، الود، الوله » (1) .

وشواهد الكتاب والسنة ناطقة بأنّ الله سبحانه يحب العبد، كقوله عزوجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه) (2) .

وقوله عزوجل: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانُ مرْصُوص) (3) .

وقوله عزوجل: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين) (4) .

وما ورد في أخبار داود علیه السلام: « إن الله عز وجل أوحى إليه: يا داود! أبلغ أهل أرضي: إني حبيب لمن أحبني، وجليس لمن جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري. وصاحب لمن صاحبني ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني، ما أحبني عبد أعلم ذلك يقينا من قلبه إلا قبلته لنفسي، وأحببته حبا لا يتقدمه أحد من خلقي، من طلبني بالحق وجدني، ومن

ص: 46


1- ظ: روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني للآلوسي، ج6، ص 417.
2- سورة المائدة: 54.
3- سورة الصف: 4.
4- سورة البقرة: 222.

طلب غيري لم يجدني فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها، وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي، وآنسوا بي أوانسكم وأسارع إلى محبتكم » (1) .

الأنس: « استبشار القلب بما يلاحظه في المحبوب، فيسمى استبشاره أنسا » (2) .

ونجد في ما روي عن أهل البيت علیهم السلام امتزاج الأنس بالحب؛ كما روي عن الإمام علي علیه السلام: «إذا رَأَيتَ اللَّهَ سُبحانَهُ يُؤنِسُكَ بِذِكرِهِ فَقَد أحَبَّك » (3) .

والإمام الحسين علیه السلام في دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ يبين لنا أن درجة الحب أولاً ثم تليها درجة الأنس بالله سبحانه؛ حيث يقول: « يا مَن أَذاقَ أَحِبّاءَهُ حَلاوَةَ المُؤانَسَة » (4) .

أما الإمام زين العابدين علیه السلام فيعلمنا أنّ هناك درجات طولية، وهي الذكر، ثم الأنس، ثم القرب، ثم الطاعة؛ ففي مناجاته مُناجاةِ الذَّاكِرين

ص: 47


1- الجواهر السنية للحر العاملي: ص 94.
2- جامع السعادات للمحقق النراقي، ج 3، ص 152.
3- تصنيف غرر الحكم للشيخ الآمدي، ص188.
4- إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس، ص 1، 35.

يقول: « إلهي... أستَغفِرُكَ مِن كُلٌّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ ذِكرِكَ، ومِن كُلِّ راحَةٍ بِغَيْرِ أنسِكَ، ومِن كُلِّ سُرورٍ بِغَيْرِ قُربِكَ ومِن كُلِّ شُغلِ بِغَيْرِ طَاعَتِكَ » (1) .

أما الإمام الصادق علیه السلام فقد بيّن لنا ضريبة الأُنس – الولع - بذكر الله تعالى، حيث روي عنه أنه قال: «إنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ عَبداً بَعَثَ إِلَيهِ مَلَكاً، فَيَقولُ : أَسقِمهُ، وشَدِّدِ البَلاءَ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَرَأَ مِن شَيء فَابْتَلِهِ لِما هُوَ أشَدُّ مِنهُ وقَوِّ عَلَيْهِ حَتَّى يَذكُرَي؛ فَإِنّي أشتهي أن أسمَعَ دُعاءَه (2) .

السؤال الثاني: ما الآثار الايجابية المترتبة على العبد المولع بذكر ربه ومناجاته في كل الاحوال والاوقات؟ وكيف جسد لنا أئمة آل البيت علیهم السلام هذا المفهوم وبالأخص الامام السجاد علیه السلام كونه سيد

الذاكرين وزين العابدين؟

الجواب: إنّ الآثار الإيجابية الواضحة على العبد المولع بربّه، وبذكر ربّه ناشئة من أفعاله، زكّى نفسه وهذبها وأدبها حتى تطبّع بطباع ميّزته عن سائر بني جنسه، ومن تلك الأفعال كما ذكرها المحقق النراقي قدّس سرُّه:

« الأولى: أن يحب لقاءه [الله تعالى] في دار السلام، أي يتعرض للرحمة الإلهية.

ص: 48


1- بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، 94 / 151.
2- المؤمن للشيخ حسين بن سعيد الأهوازي، ص 26، ح 44.

الثانية: أن يؤثر مراد الله - سبحانه - على مراده بتغليب أرادة ربّه على ارادته.

الثالثة: ألا يغفل عن ذكر الله سبحانه؛ حيث إنّ الذكر اطمئنان للقلوب التي هي محل الحب والولع .

الرابعة: ألا يحزن ولا يتألم عن فقد شيء؛ لئلا يتعلّق قلبه بذلك الشيء، ويغفل عن ذكر ربه محبوبه .

الخامسة: أن يكون مشفقًا رؤوفًا على عباد الله رحيما على أوليائه وشديدًا على أعداء الله كارها لمن يخالفه ويعصيه فذلك من أوامر المولى.

السادسة: أن يكون في حبه خائفًا متذللا تحت سلطان العظمة ،والجلال وليس الخوف مضادًا للحب، كما ظن البعض » (1) .

ونضيف عليها ونقول: من آثار الولع بذكر الله عزوجل:

1- احياء القلب.

2- التقرّب من رضا الرّب.

3- الدنو من ملائكة الرحمن.

ص: 49


1- جامع السعادات للمحقق النراقي ، ج 3، ص 142.

4- الابتعاد عن وساوس الشيطان.

5- النجاة والرحمة.

6- الأمن من الهلكة .

ثم إنه ورد في حديث للإمام زين العابدين علیه السلام قال فيه: « إن قسوة البطنة وفترة الميلة وسكر الشبع وغرة الملك مما يثبط ويبطئ عن العمل وينسي الذكر »، ويتضح من هذا الحديث ان هناك أمورًا من شأنها ان تثبط عزيمة الفرد عن ذكر الله وقد ذكرها مولانا السجاد اجمالا في حديثه الشريف، ببيان :

أن جميع الخلق مشتركون في أصل المحبة الله تعالى، إلا أنّ درجات حبهم له سبحانه متفاوتة، وسبب التفاوت أشار إليه الإمام زين العابدين علیه السلام بالحديث المتقدم، وقبل بيان مفرداته لابد من معرفة منشأ تلك الأسباب، والمنشأ أمران :

الأمر الأول : المعرفة الروتينية الوراثية عن الله عزوجل

فمن يعرف أن الله عزوجل خالقنا ورازقنا، يميتنا، ويحيينا، ويثيبنا، ويعاقبنا، فمعرفته هذه توارثها أبا عن جد، والحال أنه لا يصح التقليد في اصول الدين، ومعرفة الله عزوجل تدخل ضمن أول وأشرف أصل من

ص: 50

اصول الدين، وهو التوحيد، فكما يقول أمير المؤمنين: « أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَ كَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُه ».

أما من يمحص ويبحث عن الدلائل، ويغور في أعماق المعارف التوحيدية، ويكتشف الأسرار واللطائف الربانية، فإن معرفته ستكون عن وعي وإدراك وإقبال ومحبة، وذكره لمولاه سيكون عن ولع تباعًا.

ومن مصاديق هذا الأمر :

1- الجهل بالمعارف الإلهية.

2- العلم السطحي بتلك المعارف.

3- الاعتقاد بالله عزوجل تقليدًا للآباء والأجداد.

4- الاندكاك في العالم المادي ومتعلقاته، والغفلة عن عالم الملكوت وأنواره.

الأمر الثاني: النظرة الجزئية الله عزوجل

فمن ينظر الله تعالى على أنّه الرازق فقط؛ لأنه مرزوق في عمله فمحبته لربّه تختلف عمّن ينظر إلى ربّه بأنّه الرازق والمانع، الواجب حمده في السراء والضراء.

ص: 51

ومن مصاديقه :

1- التعلّق الشديد بعالم الدنيا ومتعلقاتها.

2- عدم استشعار عظمة الله سلوكًا وعلما .

3- عدم التأمل في ظواهر الآيات الكريمة والروايات الشريفة لاستشعار ماذا يعني له الله سبحانه .

4- عدم الإحاطة بالأسماء الحسنى الله تعالى ومعانيها، فمن يقرأ اسم (النافع) يقرأ اسم (الضار)، ومن يقرأ اسم (الرحمن) يقرأ اسم (الجبار)، وهكذا.

وعليه، فمن يتمسك باسم دون اسم فإنه لا يكون مولعًا بذكر الله تعالى كليًّا، بل إنْ أنس بذكر مولاه فيأنس بالاسم الذي يختاره هو !

ولهذا نجد أنّ العبد وهو على قيد الحياة يلهج ويأنس باسم الله (الحي)، لكن ما إن يفقد له قريبًا أو صديقا حتى يجزع، ويتزلزل أُنسه بذلك الاسم، ناسيًا أن (المحيي) هو (المميت)، وهذا نتيجة النظرة الجزئية لله تعالى، وهو من موجبات سلب الولع بذكر الله تعالى على نحو الدوام.

ص: 52

السؤال الثالث : ما آثار الإعراض عن الذكر الله عزوجل؟

الجواب: إن في الآية المباركة اشارة الى تلك الآثار، وهي حتما آثار وخيمة، بعضها مستندة إلى دليل نقلي بالمباشر، واخرى باللازم وبعضها مستندة إلى دليل عقلي، نذكر منها :

1- المعيشة الضيقة، بدليل قوله عزوجل: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا) (1) ، وحالة الضيق والاكتئاب والاختناق لا تجتمع مع حالة الطمأنينة نتيجة ذكر الله عزوجل المشار إليها في قوله عزوجل: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا من وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب) (2) .

2- يحشر أعمى يوم القيامة؛ بدليل قوله عزوجل: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (3)، والعمى مطلق هنا، فقد يريد به الله عزوجل و عمى القلب لأنه لم يتبع طريق الحق، وقد يريد به تعالى عمى البصر ؛ فيُمنع من النظر إلى الجنان وملائكة الرحمن.

3- نقص الايمان بالله عزوجل؛ فمن مصاديق ذكر الله عزوجل و هو الدعاء، وبالتالي من يترك الدعاء عمدًا، فقد نقص من إيمانه شيئًا، لأنه حتما

ص: 53


1- سورة طه : 124.
2- سورة الرعد : 28.
3- سورة طه : 124.

يشكك في قدرة الله (تعالت قدرته)؛ ولهذا جاءت بعض الروايات مؤكدة على اليقين باستجابة الله عزوجل للدعاء؛ كما روي عن الإمام الصادق علیه السلام : « إذا دعوت فظن أن حاجتك بالباب » (1) .

4- الفناء في عالم الدنيا؛ فقول الله عزوجل: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ - قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهَ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهَ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب) (2)، دليل على أنّ القلب الذي يذكر الله قلب مطمئن وبالدلالة الالتزامية إنّ القلب المعرض عن ذكر الله هو قلب أغرّته الدنيا وزينتها.

5- التكبر على الله عزوجل؛ فحينما يأمر الله عزوجل لعباده بعدم الغفلة عن ذكره عزوجل ينبغي على العبد الطاعة، فيكون تارك الذكر عاصيًا متكبرًا على أمر مولاه؛ قال عزوجل: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجُهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِين﴾ (3) .

6- قسوة القلب؛ فالقلب يقسو متى ما عصى ربّه فمن يعصي خالقه لاشك يعصي مخلوقاته واجبة الطاعة، ومعه فتصبح معاشرته موجبة للضيق والنفور؛ يقول الله عزوجل: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ

ص: 54


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب اليقين في الدعاء، ص 473 ، ح1.
2- سورة الرعد : 28.
3- سورة الأعراف : 205.

مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (1) .

7- إفراح الشيطان، فالشيطان يفرح لترك العبد لذكر ربّه ، بحكم بغضه لبني آدم، فحتا أنّه يحزن إذا كان العبد من الذاكرين؛ بدليل ما روي عن الإمام الصادق عن آبائه علیهم السلام : « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى قال .... والاستغفار يقطع وتينه - عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه - » (2)، فالرواية هذه لا تشير إلى كيفية غضب الشيطان وحسب، بل تشير إلى ما يقطع وتينه، وهو الاستغفار، ذلك الذكر العظيم.

وأيضًا الرواة بالدلالة الالتزامية لها تشير إلى أنّ الشيطان يحيا مجددًا ويفرح إذا ترك العبد ذكر الله عزوجل.

ولابد من الإشارة أخيرًا إلى أن الولع بذكر الله عزوجل هو نفسه الولع به عزوجل؛ فإنه لم يلهج العبد بذكر فلان إلا إذا كان يحبه وولع به، وبالتالي فإنّ الكلام أولاً وآخرًا حول الولع بالله عزوجل، الذي ناله الامام المعصوم

ص: 55


1- سورة طه : 124.
2- الكافي للشيخ الكليني، ج 4 ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم، ص 62، ح 2.

زين العابدين علیه السلام الذي وردت الزيارة عنه، حيث يرتجى أن نناله بتوفيق منه عزوجل.

على أنه جاء في بعض النسخ (1) لا توجد مفردة (مولعة بذكرك)، بل (متعلقة بذكرك)، فيثبت ما سردناه من التعلق بالذات المقدسة الإلهية ثم التعلق بذكرها.

اللهم اجعل لساني بذكرك لهجا، وقلبي بحبك متيّما، بحق محمد وآله أهل الحجى.

ص: 56


1- الصحيفة الجامعة لأدعية الإمام السجاد ، اشراف السيد الأبطحي ص 590.

الفقرة الرابعة / «مُحبةً لصفوة أوليائكَ»

ورد عن مولانا الباقر علیه السلام أنه قال: « إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيرًا، فانظر الى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض اهل طاعة الله ويحب اهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك ، والمرء مع من أحب » (1) .

وفي حديث عنه أيضًا علیه السلام أنه قال: « وهل الدين الا الحب! » (2) .

السؤال الأول: ما توضيح ذلك؟

الجواب: « الحُبُّ: نَقِيضُ البُغْض. والحبُّ: الوداد والمَحَبَّة... والمَحَبَّةُ ... اسم للحب. والحِبابُ بالكَسْر : المحابَّةُ والموادَّةُ والحب » (3) .

وليس بمقدور كلّ أحدٍ أن يُحبَّ العبادة ويُحِبَّ المعبود مالم يجتز بعض المراحل حتى تتعلق روحه في نور الملكوت، ويكأنّ الإمام السجاد علیه السلام هنا يريد أن يربط الفقرة السابقة من الزيارة (مولعةً

ص: 57


1- علل الشرائع : للشيخ الصدوق، ج 1 ، ب 96 ، ص 117 ، ح 16.
2- تفسير العياشي: محمد مسعود العياشي، ج 1، ص 167، ح27.
3- لسان العرب لابن منظور، فصل الحاء المهملة ، ج 1، ص 289 - 290.

بذكرك) بهذه الفقرة (محبةً لصفوة أوليائك)؛ إذ إنه راعى التدرّج في المحبة، فأوّل درجةٍ كانت لله عزوجل ولذكره، وقد عرفنا ذلك في الفقرة السابقة، وثاني درجة هي الصفوة أولياء الله عزوجل.

السؤال الثاني: ما المراد بصفوة الأولياء في هذه الزيارة المباركة حيث سأل الإمام السجاد الله تعالى ليكون محبًّا لهم؟

الجواب: صفوة أولياء الله عزوجل هم محمد وآل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم).

والدليل على ذلك هو أنّ الاصطفاء: « ... أخذ صفوة الشيء وتخليصه مما يكدره فهو قريب من معنى الاختيار، وينطبق من مقامات الولاية على مقام الإسلام، وهو جري العبد في مجرى التسليم المحض الأمر ربه فيما يرتضيه له » (1) .

مع ملاحظة بقاء مقام الأفضلية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم على سائر المصطفين الذين أشار إليهم القرآن الكريم في هذه الآية ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمين (2)، وغيرها؛ بلحاظ اختلاف درجات الاصطفاء.

ص: 58


1- الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي، ج 3، ص 164.
2- سورة آل عمران 33.

وقد أشار العلامة الطباطبائي قدس سرُّه إلى اختلاف درجات الاصطفاء بقوله: « من الدليل على ما ذكرناه من اختلاف الاصطفاء قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ

الْعَالَمِينَ) (1)، حيث فرق بين الاصطفاءين فالاصطفاء غير الاصطفاء.

وقد ذكر سبحانه في هؤلاء المصطفين آدم ونوحًا، فأما آدم فقد اصطفى على العالمين بأنه أول خليفة من هذا النوع الإنساني جعله الله في الأرض، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خلِيفَةً) (2)، وأول من فتح به باب التوبة ... فأما آل إبراهيم فظاهر لفظه أنهم الطيبون من ذريته كإسحاق وإسرائيل والأنبياء من بني إسرائيل وإسماعيل والطاهرون من ذريته، وسيدهم محمد صلی الله و علیه و آله » (3) .

و بدلیل آخر وهو كلام أهل البيت علیهم السلام؛ فكما أن القرآن الكريم - الثقل لأكبر - يفسّر بعضه بعضًا، كذا كلامهم عليهم السلام - الثقل الأصغر - ؛ حيث قالت السيدة الزهراء عليها السلام في خطبتها الفدكية: « وأشهد أنّ أبي محمدًا عبده ورسوله ... اصطفاه قبل أن ابتعثه » (4) ، فكان دليلًا على

ص: 59


1- سورة آل عمران: 42.
2- سورة البقرة: 30.
3- الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي، ج 3، ص 165.
4- الاحتجاج للشيخ الطبرسي، ج 1، ص 133.

ثبوت الصفوة للنبي محمد صلی الله و علیه و آله، ثم أنّ الإمام المهدي يقول في خطبته حين ظهوره: « أنا مصطفى من ابراهيم وصفوة من محمد عليهم السلام » (1)، وهذا دليل على تسرية وصف الصفوة من

أنبياء الله تعالى ابراهيم و محمد صلی الله و علیه و آله إلى الإمام الخاتم المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، وبالملازمة يكون الأئمة ما بين النبي محمد والإمام المهدي عليهما السلام هم صفوة الله عزوجل؛ بصريح ما روي عن سلمان الفارسي (رضوان الله تعالى عليه) أنّه قال: « دخلت على رسول الله صلی الله و علیه و آله يوما فلما نظر إلي [و] قال: ... يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته، وخلق من نوري عليا فدعاه فأطاعه وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي وفاطمة، الحسن والحسين فدعاهما فأطاعا فسمانا الله عز وجل بخمسة أسماء من أسمائه: فالله المحمود، وأنا محمد والله العلي وهذا علي، والله فاطر وهذه فاطمة، والله ذو الاحسان وهذه الحسن والله المحسن وهذا الحسين.

ثم خلق منا ومن نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوا قبل أن يخلق الله عز وجل سماء مبنية وأرضا مدحية، أو هواء أو ماء أو ملكا أو بشرا، وكنا بعلمه أنوارا نسبحه ونسمع له ونطيع » (2) .

ص: 60


1- الغيبة للشيخ النعماني، ج 1، ب 14، ص 288، ح 67.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج 53 ، ص 142 ، ح 162.

فالأئمة عليهم السلام صفوة الله عزوجل، وبالتالي هم صفوة الأولياء.

السؤال الثالث : هل تكفي محبة الصفوة عليهم السلام لدخول الجنة؟

الجواب: للأسف البعض رتّب آثارًا على مجرد المحبة، وخرج بنتيجة أنّ محبة الصفوة كافية لدخول الجنة! والصحيح هو غير ذلك؛ قال عزوجل: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم﴾ (1). فالله عزوجل يتكلم حكاية عن النبي صلی الله و علیه و آله، الذي قرن بين محبة الله عزوجل لهم، ويتشعب عنها محبته صلی الله و علیه و آله لهم ايضًا وبين اتباعهم له صلی الله و علیه و آله بالعمل بأوامر -التي هي أوامر الله عزوجل- والاجتناب عن نواهيه -التي هي نواهي الله عزوجل- فمن أحب الله عزوجل يتبع ويعمل.

وفي حديث روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: « وهل الدين إلا الحب » (2)، « أي ليس الدين إلا حبنا ولا يتحقق إلا به لأنه أصل يثبت الدين بثبوته وينتفي بانتفائه ولا يغتفر التقصير فيه » (3).

فكما أن الحب الإلهي غير كافٍ لنيل رضا الله ودخول الجنة، كذا حب أوليائه، فلابد من الإيمان الذي هو معرفة بالقلب، واقرار

ص: 61


1- سورة آل عمران: 31.
2- الخصال للشيخ الصدوق، ص 21، ح 74.
3- شرح أصول الكافي للمازندراني، ج 11، ص 451.

باللسان وعمل بالأركان؛ كما يروى عن أمير المؤمنين علیه السلام حينما قال: « قال رسول الله صلی الله و علیه و آله: الایمان معرفه بالقلب واقرار باللسان وعمل بالأركان » (1) .

ومعه، فإنّ من يحبّ الله عزوجل قد أقرن معه إيمانًا، وهذا هو الفلاح بعينه؛ بدلالة قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون) (2)، وسياق الآيات فيهما بعدها أعطى سمات المؤمنين؛ فالمؤمنون هم الذين يقرون باللسان ويعملون بالأركان، أسماهم الله عزوجل فالحين والآيات التي تلي هذه الآية تبين ما يقوم به المؤمنون.

إذا فالمحبة والإيمان ركنان لا ينفصلان أبدا، وعليهما الحث مستجمعا؛ فالعقل يحكم بطاعة من أحب، فمن لم يطع لم يحب، ولا جزاء له. إذا ان يتجلى بالطاعة المقرونة مع المحبة.

وعلى هذا كثيرًا ما كان يؤكد الإمام الصادق علیه السلام؛ فروي « أنّه غالبًا ما يستشهد بقول الشاعر:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا محال في الفعال بديعُ

ص: 62


1- عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق، ج 2، ب22، ح 1.
2- سورة المؤمنون: 1.

لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع » (1) .

أي انّ الطاعة شعبة من شعب الإيمان، ويتفرع عن المحبة الإيمان بكافة شعبه. ولهذا ضلت الكثير من المذاهب بل والفرق التي لم تنتهج منهج صادق أهل البيت علیهم السلام؛ وخير مثال على انحراف من قال بكفاية الحب الإلهي هم « الصوفية » (2)، تلك الفرقة الضالة المضلة التي تسوّف لأتباعها منذ ابتداعها وحتى يومها هذا.

نعم، إنّ الأحاديث الواردة في فضل حب الصفوة علیهم السلام كثيرة وعظيمة؛ منها ما روي عن رسول الله صلی الله و علیه و آله أنّه قال: « ألا ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط » (3). فالرواية مطلقة لم تقرن شيئًا مع المحبة.

بل وهناك روايات مطلقة أيضًا جعلت حب الصفوة استكمالًا للدّين، أي إنّ الدّين بلا محبتهم دين ناقص؛ حيث روي عن رسول الله صلی الله و علیه و آله أنه قال: « حبّ أهل بيتي وذريتي استكمال الدين » (4) .

لكن في قبال هذا الإطلاق توجد لدينا نصوص مقيدة له؛

ص: 63


1- الأمالي للشيخ الصدوق، ص 578، ح3.
2- نظرات في التصوف والكرامات للشيخ محمد جواد مغنية، ص 25.
3- فضائل الشيعة للشيخ الصدوق، ص 47.
4- أمالي الصدوق للشيخ الصدوق، ج 1 ، ص 259.

كقول الله عزوجل: ﴿قُل إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم ﴾ (1)، فاتباع النبي وآله (صلوات الله وسلامه عليهم) طريق لمحبة الله عزوجل، ونتيجة لحبّه عزوجل لهم، فالآية جاءت مقيّدة بالإتباع، وهو عينه الإيمان المشار إلى تعريفه أعلاه. وكل قيد يذكره الله عزوجل في كتابه فهو قاصد من ورائه افهام مخاطبيه، وهو مريد له؛ لتنزهه عن اللغو، وبالتالي فإنّ كل ما يقوله يريده؛ «حيث إنّ لكل كلام دلالة تصورية وتصديقية، وهنا تطابقت الدلالتان؛ وقد بان ذلك من ظهور حال المولى المتكلم، فكل ما قاله في الآية الكريمة المقيّدة للمحبة بالاتِّباع، فأنّه يريده، وهذا دیدن كل حكيم في كلامه» (2) . إذًا الله يريد منا ثنائية الولاء بالمحبة والإيمان.

لكن هناك الكثير من المغالطات التي وقع فيها البعض، ومنها التسويف بالمعاصي، وتراكم الذنوب دون توبة، اتكاء على مبرر أنّ حبّ محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم جميعًا) كافٍ لهم، وأنّهم ستنالهم الشفاعة يوم القيامة؛ استنادًا إلى ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام: « جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أعلمهم عن أشياء فكان فيما سأله

ص: 64


1- سورة آل عمران: 31.
2- ظ : دروس في علم الأصول للسيد محمد باقر الصدر، ح3، قاعدة احترازية القيود، ص 84-85.

أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين وأعطى أمتك من بين الأمم ؟ فقال النبي : أعطاني الله عز وجل... والشفاعة لأصحاب الكبائر من أمتي »! (1)

غاب عنهم أنّ الشفاعة بإذن الله عزوجل، إن لم يشأ لعبد من عباده دخول الجنة لم يشأ مهما كان مقام الشفيع؛ فإرادته عزوجل هي الحاكمة؛ بدليل قوله عزوجل: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِه) (2)، أي حتى الشفاعة بإذنه تعالى.

إلا أنّ هناك قرينة متصلة في ذيل الحديث ما نصها: « وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم » (3) . فيكون هذا التقييد اختصاص الشفاعة بما عدا أهل الشرك والظلم حاكما على الإطلاق (شمول الشفاعة لأصحاب جميع الكبائر).

ومن المغالطات أنّ هناك من يدّعون أنهم مرحومون مهما فعلوا لأنهم فقط يحبون الصفوة (صلوات الله وسلامه عليهم)! وقد غاب

ص: 65


1- الخصال: للشيخ الصدوق، سبع خصال أعطاها الله عزوجل نبيه صلی الله و علیه و آله، ص 355.
2- سورة البقرة: 255.
3- الخصال للشيخ الصدوق سبع خصال أعطاها الله عزوجل نبيه صلی الله و علیه و آله، ص 355.

عنهم أنّ هذا المنطق ،مذموم، كما أخبرنا القرآن الكريم حكايةً عن اليهود والنصارى؛ بقوله عزوجل: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء) (1)، فالآية وإن كانت غريبة التشبيه إلّا إنها فيها وجه شبه بين اليهود والنصارى الذين اكتفوا بزعم أنهم (أبناء وأحبّاء الله تعالى)، وزعموا أن الله عزوجل لا يعذبهم اتكاء على محبتهم ! إلا أن الرد الإلهي من جاء داحضًا لزعمهم؛ حيث جاء في ذيل الآية أنّ الله عزوجل ممكن أن يعذبهم وممكن أن يغفر لهم، ولم تنف العذاب أبدًا كما زعموا.

وهكذا الحال من يزعم كفاية محبة الصفوة دون العمل بأوامرهم، و اجتناب نواهيهم فلا وجه لاستبعاد العذاب الإلهي عنه عنهم، لا إرادة مع إرادته عزوجل.

لكن يبقى العقل يحكم بالاحتياط للنجاة، بإقران المحبة بالعمل.

بل والتاريخ يشهد بانحراف الغلاة « الذين من اتكائهم على حبهم لأهل البيت علیهم السلام بعد أن نسبوا الألوهية لهم، وقد برئ منهم الأئمة عليهم السلام آنذاك » (2)؛ لأنهم سلكوا طريقا واحدًا أدى بهم إلى الهلاك،

ص: 66


1- سورة المائدة: 18.
2- الشيعة في الميزان للشيخ محمد جواد مغنية، ص291.

وهو المحبة، وقد غالوا فيها، حتى نسبوا الألوهية لأمير المؤمنين علیه السلام آنذاك .

فهم عبرة لمن يزعم بكفاية محبة الصفوة عليهم السلام، ويفصل عنها العمل بأوامرهم، واجتناب نواهيهم؛ لئلا يكون مصيره مصير أولئك الغلاة.

وهناك مغالطات اخرى من البعض وهي اكتفاؤهم بمحبة الصفوة (صلوات الله وسلامه عليهم) لكن اعتمادًا على وصية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بالمودة بقربته؛ قال عزوجل حكايةً : (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (1)، غاب عنهم أن (المودة) لازمها (المحبة مع الطاعة)؛ فمودة آل محمد عليهم السلام لا تكفي من دون طاعة أوامرهم، وطاعتهم هي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة الله عزوجل؛ كما يقول الله عزوجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (2)

كما وروي « عن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام أنه قال: « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله تعالى يوم القيامة وهو يودنا، دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا

ص: 67


1- سورة الشورى 23.
2- سورة النساء: 59.

بمعرفة حقنا » (1). فالرواية امرت بالتمسك بمودتهم عليهم السلام، إلا أنها قرنت في ذيلها العمل، الذي هو طاعة الله عزوجل وطاعتهم، فلنتأمل.

ولذا صرّحت الصفوة (صلوات الله وسلامه عليهم) بالبراءة ممن يودهم ويحبهم دون أن يقرن ذلك بطاعة الله عزوجل؛ حيث روي عن جابر بن يزيد الجعفي قال: « خدمت سيدنا الإمام أبا جعفر محمد بن علي علیه السلام ثمانية عشر سنة فلما أردت الخروج ودعته وقلت له: أفدني. فقال: بعد ثمانية عشر سنة يا جابر!

قلت نعم إنكم بحر لا ينزف ولا يبلغ قعره.

قال: يا جابر بلّغ شيعتي عني السلام وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له، يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا ومن عصى الله لم ينفعه حبنا ... » (2)

وبالتالي جميع الروايات المطلقة الحاثة على مودة أو محبة الصفوة عليهم السلام، يقيدها النص القرآني أو الروائي الذي قرن بين المودة، المحبة وبين العمل.

والخلاصة : أنّ منهج صادق العترة علیه السلام هو قول كان دائما يردده،

ص: 68


1- الأمالي للشيخ الطوسي، ص 187 ، ح 314 / 16.
2- مصدر سابق، ص 296.

ناصحًا به أتباعه: « يا معشر الشيعة إنكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زينًا، ولا تكونوا علينا شيئًا » (1)، فالكمال هو اقران المحبة مع الإيمان، عندئذ يسمى المرء شيعيّاً، ولهذا ابتدأ خطابه بالنداء لمعشر الشيعة، ولم يقل: يا معشر المحبين؛ فالشيعة يعني الإتباع؛ فيقال: « شيَّعَ الرجلُ إِذا ادَّعى دَعْوى الشَّيعةِ. وشايَعَهُ شِياعاً وشَيَّعَه : تابعه » (2).

والاتباع لازمه العمل؛ بدليل ما روي عن الإمام الباقر علیه السلام: « ... يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول : أحب عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا؟ فلو قال: إني أحب رسول الله فرسول الله صلی الله و علیه و آله خير من علي علیه السلام ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله » (3)، وهذه الثنائية هي الإيمان بشرطه وشروطه.

وخلاصة الخلاصة : إنّ الصفوة عليهم السلام يريدون من أتباعهم إقران المحبة بالعمل، الذي هو قوام الاتِّباع بمعنى الشيعة؛ فالشيعي هو المتّبع ، ومن اتَّبَعَ عمل، ومن عمل أحبَّ ، ومن أحبَّ عمل دخل الجنة.

ص: 69


1- مشكاة الأنوار للشيخ علي الطبرسي، ص 134.
2- لسان العرب لابن منظور، فصل الشين المعجمة، ج 8، ص189.
3- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب الطاعة والتقوى، ص 74 ، ح2.

السؤال الرابع : كيف تتجلى مظاهر الذوبان في حب الله وحب اولياء الله عند الفرد المؤمن وكيف ينعكس ذلك على سلوكه الديني والاجتماعي الاخلاقي؟

الجواب: تتجلى تلك المظاهر بالاتباع، وذلك يحصل بالتالي:

1- خلوص الإيمان: فمن يؤمن بالله وحده لا شريك له حقًا حقا، فإنّه قد حقق العبودية الحقيقية، التي لا ترى في الوجود محبوبًا إلا المعبود ، وهذا له انعكاس على السلوك الديني للعبد في تذوق طعم العبادة، والابتعاد عن كونها روتينا يقوم به.

وكذا الحال في اعطاء الصفوة علیهم السلام حقهم في الاعتقاد بهم كما هو المطلوب منا دلالة واضحة على الذوبان في حبهم عليهم السلام وكذا لهذا الخلوص انعكاس على السلوك الاجتماعي والأخلاقي من خلال تعامله بخلق الإخلاص مع الغير.

2- معرفة الله عزوجل واوليائه: روي عن الإمام الرضا علیه السلام أنه قال: « أوّل عبادة الله معرفته » (1). وعن معرفة أوليائه وحقوقهم؛ عن الإمام الصادق علیه السلام في دعائه بالمعرفة عند قبر أمير المؤمنين علیه السلام: « أتيتك يا أمير

ص: 70


1- التوحيد للشيخ الصدوق، ب2، ص 34، ح2.

المؤمنين عارفا بحقك » (1)،

فمعرفة الله عزوجل وأوليائه بحقوقهم يعكس شيئًا من التوفيق على السلوك الديني للعبد ؛ إذ يعلم هو من يخاطب بعد معرفته.

وكذا على السلوك الاجتماعي؛ إذ يوجب على العباد معرفة كلّ منعم لأداء الشكر المتناسب مع مقامه.

3- دوام الذكر: قال الله عزوجل: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم﴾ (2)، هذه العملية توجب المحبة بين الذاكر والمذكور ، وتجعل اللسان بذكر ربه لهجا، في جميع أحواله له مستنيبا.

كذا الحال دوام ذكر الصفوة عليهم السلام دليل على محبتهم.

ويكفي تأثير ذلك على السلوك الديني للفرد هو عمله بتلك الآية، فهذا بحد ذاته ذوبان في حب الله عزوجل وصفوته عليهم السلام.

وأما الاجتماعي لربما ينعكس على ذكر وشكر العباد فيما بينهم بذكر شخوصهم إذا أنعم بعضهم على بعض.

ص: 71


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 4 ، باب ما يقال عند قبر أمير المؤمنين ، ص 571، ح 1.
2- سورة البقرة: 152.

4- التوبة: حيث روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: « إِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّهُ الله فَسَتَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة » (1)، فالعبد التائب يحب الله عزوجل وصفوته عليهم السلام ، وهذا نوع من تجليات المحبة. وتعود بالتأثير الإيجابي على السلوك الديني للعبد؛ فتسرع به إلى التوبة؛ ليرضي الخالق وصفوة الخالق.

وكذا بالنسبة للسلوك الاجتماعي؛ فالمحبة توجب عدم ؛ فالمحبة توجب عدم الأذى بين العباد.

5- طاعة أهل الطاعة: قال عزوجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُم) (2)، فالطاعة دليل على ذوبان المحبة لمن أطاع وفيها تأثير على السلوك الديني بالانقياد والتسليم للمطاع.

وكذلك على السلوك الاجتماعي بإعطاء حق الطاعة لمن هم أهله.

6- مكارم الأخلاق: تلك المكارم التي أمرنا الله عزوجل من خلال آياته الكريمة بالتحلي بها، وكذا الصفوة علیهم السلام من خلال أدعيتهم ووصاياهم المباركة. وهذا بحد ذاته ذوبان في حبهم جميعا.

وللتحلي به انعكاس على السلوك الديني للعبد من خلال تخلقه

ص: 72


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب التوبة، ص 430 ، ح1.
2- سورة النساء: 59.

بأخلاق الله عزوجل وصفوته.

وكذا بالنسبة للسلوك الاجتماعي، من خلال تعامله بشمائل الأخلاق مع الغير.

7- محاسن الأعمال : فالعبد الذي يعمل عملاً حسنًا مرضيا لله عزوجل، وبالتبع مرضيًا للصفوة عليهم السلام -حيث رضاهم من رضا الله عزوجل- ، فهذا دليل على ذوبانه في حبهم؛ لأنه اتبع أوامرهم، واجتنب نواهيهم، والمحب لمن أحبَّ مطيع . ولمحاسن الأعمال هذه انعكاس على السلوك الديني؛ من حيث سلامة اعتقاد العبد بثوابه الجزيل المترتب على أعماله الحسنة.

وكذا على سلوكه الاجتماعي والأخلاقي؛ فإنّه سيكون انعكاس للمذهب ؛ وهناك رواية مروية عن الإمام الصادق علیه السلام: « شيعتنا أهل الهدى وأهل التقى وأهل الخير وأهل الايمان وأهل الفتح والظفر » (1)، فيها بيان للقواعد الكلية لمحاسن الأعمال التي يريد من شيعته أن يعملوها، وتحتها تندرج مصاديق عديدة من يعمل بها يجعل المحبة له ولسائر الصفوة عليهم السلام أساسًا ينطلق منه .

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

ص: 73


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ص 233 ، ح 8.

ص: 74

الفقرة الخامسة / «صابرةً على نزول بلائكَ»

روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية » (1)، وهنا عدة اسئلة:

السؤال الأول: ما المراد من الصبر بشكل عام، ولماذا قرن الله عزوجل الصبر مع الصلاة في الآية الكريمة (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة) (2)؟ وما فضل الصبر؟

وكيف أنّ الصبر ذو أهمية بالغة فيقع من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد كما قال مولانا الصادق علیه السلام في حديثه: « الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وكذلك إذا ذهب الصبر ذهب الايمان » (3)؟

الجواب: قبل بيان مفردة الصبر لابد من معرفة لماذا قال الإمام زين

ص: 75


1- مصدر سابق، ج 2، باب الصبر ، ص 91 ، ح
2- سورة البقرة: 45.
3- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب الصبر، ص 89 ، ح 4.

العابدين علیه السلام « نزول بلائك »؟ ولم يقل صابرة على بلائك؟

هنا سؤال يثار عقائديًا -وإن كان المطلب أخلاقيًا؛ إلّا أنّ الأخلاق لا تستقيم بلا عقيدة- يتعلق بمكان الله عزوجل، مفاده: هل الله عزوجل في السماء حتى يشبه الإمام علیه السلام نزول البلاء من السماء إلى الأرض؟ جوابه: صحيح أنّ النزول يدل على أن يكون هناك علو ودنو، والسماء علو، والأرض دنو، وظاهر العبارة أنّ بلاء الله تعالى نازل من السماء على العبد المبتلى، وهذا قد يوحي للمؤمن أن الله عزوجل على السماء وشاءت مشيئته بأن ينزل على عبد من عبيده البلاء!.

لكن الحال ليس كذلك؛ فبلاء الله عزوجل وإن كان نازلاً من السماء إلا أنّه نازل من ملائكته عزوجل وبأمره سبحانه فتعالى أن تحدّه سماواته. فالملائكة مكانها السماء، لا الله عزوجل.

الصبر: « هو ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب بأن تقاوم معها، بحيث لا تخرجها عن سعة الصدر وما كانت عليه قبل ذلك من السرور والطمأنينة، فيحبس لسانه عن الشكوى، وأعضاءه عن الحركات غير المتعارفة » (1).

والآية قرنت بين الصلاة والصبر؛ إذ إن معنى الصبر « توطين

ص: 76


1- جامع السعادات للمحقق النراقي، ج 3، ص 225.

النفس على احتمال المكاره ، ويحتاج هذا إلى الثقة بالله عزوجل، والإيمان بأنه «مع الصابرين»... وليس من شك أن الصلاة تؤكد هذه الثقة، وتثبت هذا الإيمان... بالإضافة إلى ان مناجاة الله سبحانه تخفف من وطأة المصاب » (1).

وأما فضيلة الصبر، فنستوحيها من الآيات الكريمة والروايات الشريفة:

1 - الصابرون يصلي الله عزوجل عليهم وينزل عليهم ،رحمته ويصفهم بأنهم أهل هدى؛ بدلالة قوله عزوجل: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهَ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون ) (2).

2 - جهد الصابرين لا يضيعه الله عزوجل، وهو صبرهم على ما صبروا؛ بدلالة قوله عزوجل: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين) (3).

3 - للصابرين عقبى الدار؛ بدلالة قوله عزوجل: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ

ص: 77


1- التفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية، ج 1 ، ص 241.
2- سورة البقرة: 155 - 157.
3- سورة هود 115.

بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ هُمْ عُقْبَى الدَّار) (1).

4 - الصابرون في عين الله عزوجل -رعاية الله-؛ بدلالة قوله عزوجل: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) (2).

5 - الصابرون يغفر الله عزوجل ذنوبهم؛ بدلالة ما روي عن أبي جعفر علیه السلام قال: « ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند ذكره المصيبة ويصبر حين تفاجأه إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وكلما ذكر مصيبته فاسترجع عند ذكر المصيبة غفر الله له كل ذنب اكتسب فيما بينهما » (3).

6- الخلود في الجنة والنظر إلى كرامات الله عزوجل له؛ بدلالة ما روي « أن الله تعالى قال لجبرائيل : ما جزاء من سلبت كريمته؟ فقال: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا. قال: جزاؤه الخلود في داري، والنظر إلى وجهي » (4).

7 - الصابرون لا ينصب لهم ميزان يوم القيامة؛ بدلالة ما روي عن النبي محمد صلى الله عليه واله: « ... فإذا كان يوم القيامة جيء بأهل الأعمال فوزنوا

ص: 78


1- سورة الرعد: 22.
2- سورة الطور : 48.
3- الكافي : للشيخ الكليني، ج 3، ح 5.
4- جامع السعادات للمحقق النراقي، ج 3، ص231-232.

أعمالهم بالميزان أهل الصلاة والصيام والصدقة والحج، ثم يؤتى بأهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، يصب عليهم الأجر صبا كما كان يصب عليهم البلاء صبا، فيود أهل العافية في الدنيا لو أنهم كانت تقرض أجسادهم بالمقاريض لم يرون ما يذهب به أهل البلاء من الثواب، فذلك قوله تعالى : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب » (1).

السؤال الثاني: ما مراتب الصبر وفضائلها ؟

الجواب: للصبر مراتب أو درجات، تطرقت إليها كتب الأخلاق تفصيلا، إلا أنها اختلفت في اللحاظ الذي كان أساس التقسيم.

فهناك من قسَّم مراتب الصبر بلحاظ ارتباطه وعدم ارتباطه بأفعال الإنسان، فكان على ثلاثة أقسام، اعتمادًا على حديث مروي عن رسول الله محمد صلی الله علیه و آله جاء فيه: « الصبر ثلاثة صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، فمن صبر على المصيبة حتى يردّها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض، و من صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، و من صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدّرجة إلى الدرجة كما بين

ص: 79


1- المصدر سابق، ج 3، ص 232.

تخوم الأرض إلى منتهى العرش » (1).

فالرواية قسّمت الصبر على ثلاث مراتب، وبينت فضيلتها، وللتفصيل أكثر حول تلك المراتب نتطرق إلى ما ذكرته بعض كتب الأخلاق عنها:

« [القسم] الاول ما يرتبط باختياره وهو سائر أفعاله التي توصف بكونها طاعة أو معصية.

أما الطاعة فالصبر عليها شديد؛ لأن النفس بطبعها تنفر عن العبودية وتشتهي الربوبية .... ثمّ من العبادات ما يكره بسبب الكسل كالصلاة؛ ومنها ما يُكره بسبب البخل كالزّكاة ، ومنها ما يكره بسببهما جميعا كالحج و الجهاد... .

أما الصبر عن المعاصي فاشدّ أنواع الصبر عما كان مألوفًا بالعادة، فإن العادة طبيعة ثانية فاذا انضافت إلى الشّهوة تظاهر جندين من جنود الشيطان على جند الله فلا يقوى باعث الدين على قمعها... .

القسم الثاني ما لا يرتبط هجومه باختياره وله اختيار في دفعه:

كما لو اوذي بفعل أو قول أو جُني عليه في نفسه أو ماله فالصبر

ص: 80


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج 79، ص 139، ح 23.

على ذلك بترك المكافأة، قال الله تعالى: ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكَّلُونَ﴾ (1)، وقال تعالى: ﴿وَاصْبْرِ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا) (2)، وقال: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمور) (3).

القسم الثالث : ما لا يدخل تحت الاختيار أوله وآخره كالمصائب، مثل موت الأعزّة وهلاك الأموال و زوال الصحة بالمرض ونحو ذلك وهذا صبر مستنده اليقين » (4).

وهناك من قسّم الصبر إلى عدة مراتب بلحاظ أصناف الناس فكان على ثلاثة أقسام:

« الأوّل: صبر العوام وهو حبس النفس على وجه التجلّد وإظهار الثّبات في التحمُّل لتكون حاله عند العقلاء وعامة الناس مرضيّةً (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون) (5).

ص: 81


1- سورة ابراهيم: 12.
2- سورة المزمل: 10.
3- سورة آل عمران: 186.
4- الحقايق في محاسن الأخلاق للمحدّث الفيض الكاشاني، ص 144-146.
5- سورة الروم: 7.

والثاني: صبر الزهّاد والعبّاد وأهل التقوى وأرباب الحلم، لتوقّع ثواب الآخرة (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب) (1).

والثالث: صبر العارفين فإنّ لبعضهم التذاذاً بالمكروه لتصوّرهم أنّ معبودهم خصهم به من دون الناس، وصاروا ملحوظين بشريف نظره (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا الله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُون) (2) » (3).

وهناك من قسم الصبر بلحاظ الشيء الذي وقع الصبر عليه: كالصبر في الحروب، وهو من أنواع الشجاعة، وضده الجبن والصبر في كظم الغيظ، وهو الحلم وضده الغضب. والصبر على المشاق، كالعبادة، وضده الفسق، أي الخروج عن العبادات الشرعية. والصبر على شهوة البطن والفرج من قبائح اللذات وهي العفة وإليه أشير في قوله سبحانه: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهُوَى * فَإِنَّ الجنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (4)، وضده الشره. والصبر عن فضول العيش،

ص: 82


1- سورة الزمر: 10.
2- سورة البقرة : 155.
3- مسكن الفؤاد لشهيد الثاني، ص 45.
4- سورة النازعات: 40.

وهو الزهد، وضده الحرص والصبر في كتمان السر، وضده الإذاعة، والأولان، كالصبر على المكروه من فضائل قوة الغضب. والرابع من نتائج المحبة والخشية » (1).

وهناك من قسم الصبر على أسمى تقسيم، وهو تقسيم بلحاظ الله عزوجل، فكان على أربعة أقسام: «صبر الله تعالى: وهو الصبر لأجل ثواب الله وغفرانه.

وصبر بالله تعالى : وهو القائم على تأييد الله وقوته.

وصبر على الله تعالى: وهو الصبر على حكمة الله تعالى مع مكابدة لألم.

وصبر عن الله تعالى : وهو الصبر على فراقه، وهو أشد من عذاب النار عند أهل المحبة » (2) .

السؤال الثالث : هناك ملازمة واقتران بين صبر العبد وبين حب الله عزوجل له ونرى هذا المفهوم في الكثير من الآيات منها قوله عزوجل: (والله

ص: 83


1- جامع السعادات للمحقق النراقي، ج 3، ص 225 - 226.
2- مقامات السالكين للسيد عباس نور الدين، ص 108.

يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (1)، وقوله: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين) (2)، فما هو السر في ذلك؟

الجواب: عقيدتنا بالله عزوجل أنه حكيم، لا يفعل ولا يقول عبٍثاً، وكل متكلم حكيم يوضح كلامه فكل قيد يذكره في كلامه إذًا هو يريده، « حيث إنّ لكل كلام دلالة تصورية وتصديقية، وهنا تطابقت الدلالتان؛ وقد بان ذلك وقد بان ذلك من ظهور حال المولى المتكلم، فكل ما قاله في الآية الكريمة المقيّدة للمحبة بالاتِّباع، فأنّه يريده، وهذا ديدن كل حكيم في كلامه » (3)، فحينما ذكر كلمة « يحب » مع الصابرين حتماً هو سبحانه قاصدها، ولو لم يقصدها لم يقلها .

وهذه الملازمة نجدها عند أمير المؤمنين علیه السلام في دعائه الذي علّمه لكميل بن زياد (رضوان الله تعالى عليه) قائلًا: «... فَلَئِنْ صَيَّرْتَنِي لِلْعُقُوباتِ مَعَ أَعْدائِكَ ، وَجَمَعْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِ بَلَائِكَ، وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَائِكَ وَأَوْلِيَائِكَ فَهَبْني يا إِفِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ وَرَبِّ صَبَرْتُ عَلَى عَذابِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَى فِراقِكَ؟ وَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلَى

ص: 84


1- سورة آل عمران: 146.
2- سورة البقرة : 153.
3- دروس في علم الأصول للسيد محمد باقر الصدر، ح3، قاعدة احترازية القيود، ص 84-85.

حَرِّ نارِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ إِلى كَرامَتِكَ؟ أَمْ كَيْفَ أَسْكُنُ فِي النّارِ وَرَجَائِي عَفْوُكَ؟ فَبِعِزَّتِكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ أُقْسِمُ صَادِقاً، لَئِنْ تَرَكْتَنِي نَاطِقاً لَأَضِجَنَّ إِلَيْكَ بَيْنَ أَهْلِها ضَحِيجَ الْآمِلِينَ، وَلَأَصْرُ خَنَّ إِلَيْكَ صراحَ الْمُسْتَصْرِخِينَ، وَلَأَبَكِيَنَّ عَلَيْكَ بُكَاءَ الفَاقِدِينَ، وَلَأُنادِيَنَّكَ أَيْنَ أَنْتَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، يا غَايَةَ آمَالِ العَارِفِينَ، يَا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ، يا حَبِيبَ قُلوبِ الصَّادِقِينَ، وَيَا إِلهَ العالمين) (1).

فها هو أمير المؤمنين علیه السلام يبيّن لنا الملازمة بين الصبر على نزول البلاء وبين حب الله عزوجل.

بل وللإمام زين العابدين علیه السلام ربط كذلك بين المحبة والصبر؛ فحينما قدّم فقرة « مولعة بذكرك » على « صابرةً على نزول بلائك »، فمن لا يولع أو يحب الله عزوجل كيف له أن يصبر على بلائه؟!

فالمحبة تسبقها معرفة الله عزوجل، وهذا هو كمال الدين، « أول الدين معرفته » (2)، وهذا هو قول أمير المؤمنين علیه السلام، فالارتباط واضح ووثيق بين معرفة الله عزوجل له المترشح منها محبته عزوجل، وبين الصبر على نزول بلائه.

ص: 85


1- مصباح المتهجد : للشيخ الطوسي، ص 847-848.
2- نهج البلاغة ، ج 1، من خطبته التي يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم، ص 14.

السؤال الرابع: كيف يمكن للعبد المؤمن أن يصل إلى أعلى درجات الصبر؟

الجواب: طريق تحصيل مرتبة الصبر، يكون بمراعاة الأمور التالية:

« الأوّل: التأمل والتفكّر في الأحاديث التي تتحدّث عن فضيلة الابتلاء في الدُّنيا، وأنه في مقابل أية مصيبة يرتفع الصابر درجةً أو تُمحى عنه سيئة، وأن يستيقن أنه لا خير في مَن لا يُبتلى.

الثاني: أن يتذكّر أنّ زمان المصيبة قصير وقليل، وأنه سيرفع عنه عما قريب.

الثالث: أن ينظر الى الجزوع الذي لا صبر له، ويرى هل استفاد شيئاً من جزعه، أو أنه بلغه ما كان مقدراً له؛ صبر عليه أم جزع؟

وما كان مقدرًا له لا يتغيّر بالجزع والاضطراب وشق الثياب، بل إنّ الجزع يُذهب ثوابه ويضيعه، ويسقط وقاره.

الرابع: أن يتأمل حال من ابتلي ببلاء أعظم من بلائه.

الخامس: أن يعلم أنّ الابتلاء والمصائب هي دليل الفضل ،والسعادة، فإن الإنسان كلما كان مقربًا من الله أكثر كلما كان ابتلاؤه أكثر ...

ص: 86

السادس: أنّ الآدمي يتكامل برياضة المصائب.

السابع: أن يتذكر أن هذه المصيبة إنما أتته من الله -تعالى- الذي هو أحب الموجودات إليه، ذلك الذي لا يريد سوى خيره وصلاحه.

الثامن: أن يتتبع ويتفحّص في أحوال المقربين، وبلائهم وصبرهم عليه، الى أن تحصل عنده رغبة الصبر واستعداد النفس » (1).

السؤال الخامس : ما هي أبرز الشواهد على من صبر؟

الجواب: أبرز الشواهد:

1 - على صعيد الصفوة:

روي انّه صلی الله و علیه و آله قال: « ما أوذي نبي بمثل ما اوذيت » (2)، فمنذ عصر التبليغ تعرّض إلى ما لم يتعرّض له أحد، حيث كان الكفار يلقون عليه القمامة لأنّه كان يدعو إلى توحيد الله عزو جل؛ فصبر وصبر.

وكذلك اوذي في أهل بيته عليهم السلام، وظلاماتهم تشهد بصبرهم، لا يليق بفجائعها حصرها بأسطر.

ص: 87


1- خمسون درس في الأخلاق للشيخ عباس القمي، ص 106 - 110.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي ، ج 39 ، ص 69.

2 - على صعيد عامة الناس:

المنتظرون للإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف الذين يعيشون وسط شبهات تحاول النيل من عقيدتهم بالإمام أو بغيره، أو تريد زلزلتهم وتشكيكهم، ذلك الوسط الذي كثر فيه أهل الباطل، وقلّ فيه أهل الحق، لكن اولئك المنتظرين ثبتوا على عقيدتهم حتى فاق فضلهم فضل من أصحاب النبي صلی الله و علیه و آله، حيث روي « عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثَّمَالِيَّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَايْلِيَّ، عَنْ عَلِيَّ بن الحسين علیهما السلام قَالَ: تَندُّ الْغَيْبَةُ بِوَليَّ الله الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَوْصِيَاءِ رَسُول الله صلی الله و علیه و آله وَالأَئِمَّةِ بَعْدَهُ يَا أَبَا خَالِدٍ إِنَّ أَهْلَ زَمَان غَيْبَتِهِ، الْقَائِلُونَ بِإِمَامَتِهِ، الْمُنتَظِرُونَ لِظُهُورِهِ، أَفْضَلُ أَهْل كُلّ زَمَانٍ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أعْطَاهُمْ مِنَ الْعُقُول وَالأَنْهَامِ وَالمَعْرِفَةِ مَا صَارَتْ بِهِ الْغَيْبَةُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ المُشَاهَدَةِ، وَجَعَلَهُمْ فى ذَلِكَ الزَّمَان بمَنْزلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول الله صلی الله و علیه و آله بالسَّيْفِ أُولَئِكَ المُخْلَصُونَ حَقًّاً، وَشِيعَتُنَا صِدْقاً، وَالدُّعَاةُ إِلَى دين الله سِراً وَجَهْرا » (1).

ربّنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين، بحق محمد وآله الطاهرين.

ص: 88


1- الاحتجاج للشيخ الطبرسي، د2 ، ص 50.

الفقرة السادسة / «شاكرةً لفواضل نعمائك»

ورد عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال: « ... لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العباد » (1)، وروي عن الإمام أمير المؤمنين علي علیه السلام: « من شكر الله سبحانه وجب عليه شكر ثان، إذا وفقه لشكره، وهو شكر الشكر » (2).

ونبين المقصود من خلال اسئلة وأجوبتها:

السؤال الاول: ما هو الشكر ؟ وما المراد من فواضل النعم التي دعا الامام السجاد علیه السلام الشكرها في زيارة أمين الله؟

الجواب: الشكر لغةً هو : « عِرْفانُ الإحسان ونشره، ... [ويعرف أيضًا أنّه] مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالنِّيَّةِ، فَيُثْنِي عَلَى المَنْعِمِ بِلِسَانِهِ وَيُذِيبُ نَفْسَهُ فِي طَاعَتِهِ وَيَعْتَقِدُ أَنه مُوليها » (3).

أما اصطلاحًا ، فهو عرفان النعمة من المنعم، والفرح به، والعمل

ص: 89


1- تحف العقول: لابن شعبة الحراني، ص 457.
2- تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، ص 278، ح 6133.
3- لسان العرب لابن منظور، فصل الشين المعجمة ، ج 4 ، ص 423 - 424.

بموجب الفرح بإضمار الخير والتحميد للمنعم، واستعمال النعمة في طاعته، وهو عكس الكفران: « فإنه عبارة عن الجهل بكون النعم من الله، أو عدم الفرح بالمنعم والنعمة من حيث إيصالها إلى القرب منه، أو ترك استعمال النعمة فيما يحبه المنعم، أو استعمالها في ما يكرهه » (1).

ويتحتم على العبد شكر الله عزوجل في السراء والضراء؛ وقد روي عن أمير المؤمنين علیه السلام: « كان رسول الله صلی الله و علیه و آله إذا أتاه أمر يسره قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا أتاه أمر يكرهه قال: الحمد لله على كل حال » (2).

السؤال الثاني: هناك حديث عن الامام الصادق علیه السلام في موضوع الشكر: « وتمام الشكر اعتراف لسان السر خاضعا الله تعالى بالعجز عن بلوغ أدنى شكره، لأن التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها » (3)، فما المراد من هذا الحديث؟

الجواب: إنّ المتعارف بيننا نحن كمخلوقات مادية أنّ للشكر مراتب تنتهي بأعلاها، فلو أردت شكر عبد ما لأديت شكره تثمينًا منك على نعمه عليك.

ص: 90


1- جامع السعادات للمحقق النراقي، ج 3، ص 187.
2- أمالي الطوسي للشيخ الطوسي، ج 1 ، ص 49.
3- مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق ، ب 10، ص 25.

أما لو أردت شكر الله تعالى فإنّك مهما شكرت فلن تصل إلى أدنى درجات الشكر، فكيف بك أن تصل إلى أعلى درجات الشكر؟!

وحالة العجز هذه الجميع يعترف بها تجاه شكر الله المنعم، والسبب واضح، فإنّ الشكر يكون على النعم، وكل النعم متجددة، إذًا الشكر متجدد، فلن يصل بنا الحال إلى الشكر بمرحلته الأدنى.

وروي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: « فيما أوحى الله عز وجل إلى موسى علیه السلام: يا موسى! اشكرني حق شكري. فقال: يا رب كيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به علي؟ قال: يا موسى! الآن شكرتني، حيث علمت أن ذلك منى » (1).

وأوحي ذلك إلى داود، فقال: « يا رب! كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك؟ فأوحى الله تعالى إليه إذا عرفت هذا فقد شكرتني » (2). وفي لفظ آخر: « وشكري لك نعمة أخرى منك ويوجب علي الشكر لك، فقال: إذا عرفت هذا فقد شكرتني » (3). وفي خبر آخر: « إذا عرفت أن النعم مني، رضيت عنك بذلك شكرًا » (4).

ص: 91


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب الشكر، ص98 ، ح 27.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج 68 ، ص 36، ح22.
3- ورد في جامع السعادات للمحقق النراقي، ج 3، ص 194.
4- أيضًا ورد في مصدر سابق، ج 3، ص 194.

وروي: « أن السجاد علیه السلام كان إذا قرأ هذه الآية ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهَ لا تُحْصُوهَا) يقول: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها! » (1).

فها هو العجز عن شكر الله تعالى ،واضح، فالتقصير في بلوغ الشكر أكمل مراتبه ملحوظ علينا؛ لتجدد نعم الله تعالى.

السؤال الثالث: كيف يكون الشكر ؟ ربما يتسأل البعض عن الطريقة المثلى لشكر الله على نعمه وأنها هل تقتصر على القول واللهج ب_ ( شكرًا الله) أو إن هناك طرق أُخرى لشكر الباري عزوجل؟

الجواب: الشكر مفهوم واحد إلا أنّ له مصاديق عديدة؛ فالشكر له تقسيمات عديدة بلحاظات مختلفة.

فمن تلك التقسيمات: شكر جوارحي، وشكر جوانحي.

« الجانح إما فعل نفساني أو قوة نفسانية، وجنح إلى الشيء أي مال إليه، فالجانح يعني الميل النفساني. ولهذا سمي بالجانح.

واما الجوارح فهي من أفعال البدن أو نفس أعضاء البدن، والأفعال التي تصدر منها تسمى أفعال جارحية، ... يعني الميل النفساني

ص: 92


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 8، ص 394 ، ح 592.

إذا صار على الأمور الصالحة، يشتد فيصير عزيمة » (1).

وأحد مفردات الشكر الجوانحي هي المعرفة، فعن أبي عبدالله علیه السلام أنّه قال: « من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدى شكرها » (2)، والقلب من الجوانح، وبه تم الشكر.

ومن تلك التقسيمات: شكر قولي وشكر فعلي؛ إذ إنّ الإنسان يصدر منه القول والفعل.

ثم إن هناك قاعدة عقلية توجب على الإنسان معرفة ربّه، تسمى (قاعدة لزوم شكر المنعم) (3)، ومفادها أن المعرفة بالمنعم لابد أن تكون سابقة ثم نشكره.

نعطي مثالاً عليها لو فتحت باب الدار ووجدت هديةً دون أن تعرف من المرسل، لحكم عقلك بوجوب شكره، وقبل ذلك يحكم بلزوم معرفة المرسل أولاً، ثم شكره، إذ يستحيل شكر المجهول.

ص: 93


1- النيات والخواطر: تقرير لأبحاث المحقق آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)، بقلم: إبراهيم حسن البغدادي، ص 21.
2- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب الشكر ، ح 15.
3- ظ : الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل بقلم الشيخ حسن العاملي ج 1 ، ص 25.

ومعرفته تتحقق بالبحث عنه، وشكره يتحقق إما بالقول بكلمة شكرًا، أو كلمة مرادفة لها، وإمّا بالفعل (وهو الفعل الذي يرتضيه المرسل).

كما يجب أن يكون الشكر بكلا قسميه لائقًا بحق المرسل؛ فمثلاً لا يليق بك أن تقول كلمة تدل على الشكر يستعملها الأطفال إذا كان المرسل إنسانًا كبيرا. كما لا يليق بك أن تهدي المرسل كتب أطفال إذا كان المرسل إنسانًا عالماً.

وهكذا الحال مع الله تعالى، يجب أن يكون الشكر لائقًا مع مقامه سبحانه.

فأما الشكر القولي فالآيات الكريمة كفيلة بتعليم العبد أدب شكر الله عزوجل؛ كقوله عزوجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا الله﴾ (1)، فالشكر أدب تجاه المنعم.

بل وهناك أمر إلهي بالشكر، وعدم جحود النعم؛ كقوله عزوجل: (وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونَ) (2).

وكذا الأدعية المباركة كفيلة ببيان ذلك؛ كما روي عن الإمام

ص: 94


1- سورة البقرة: 172.
2- سورة البقرة: 152.

الصادق علیه السلام: « ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد » (1)، فظاهر الحديث يدل على الملازمة بين الشكر القولي وزيادة النعم، وكفى به تعليما وافيًا لشكر الله عزوجل.

وأمّا الشكر الفعلي فعقل الإنسان قاصر عن معرفة جميع الأفعال التي تكون مرضية الله عزوجل ولا حتى تكون شكرًا له، لذا تعيّن أن يحدد تلك الأفعال من هو أكمل منه ، ولا كمال مطلق إلا لله عزوجل، فهو سبحانه من حدد تلك الأفعال، وهي ما تسمى بالتكاليف الشرعية، وأوجبها بدرجات، فكلّف كل عبد حسب وسعه بشرطه وشروطه، وهي فروع الدين.

ثم إن الشكر القولي لازمه الشكر الفعلي؛ لأن الكلام فعل من أفعال الإنسان الظاهرة، وقد روي عن الإمام علي علیه السلام: « شكر المؤمن يظهر في عمله، وشكر المنافق لا يتجاوز لسانه » (2).

السؤال الرابع: ماهي الآثار الايجابية والسلبية التي يتركها

ص: 95


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب الشكر ، ص 95 ، ح9.
2- غرر الحكم للآمدي التميمي، ص 195.

الشكر على العباد؟

الجواب: من الآثار الإيجابية:

1 - الرزق بالنعم؛ بدلالة قوله عزوجل: ﴿نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) (1)، فتوالي النعم جزاء الشاكرين.

2 - عفو الله عزوجل؛ بدليل قوله عزوجل: (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذُلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) (2)، فلعلم الله عزوجل بأنه لو عفى عن بعض عباده، فإنهم سيشكروه، وشكرهم هذا يوجب لهم المثوبة، فعفى، وذكر بالشكر.

3 - ذكر الله عزوجل للعبد الشاكر؛ بدليل قوله عزوجل: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونَ﴾ (3)، فظاهر الآية وجود تلازم بين الذكر والشكر، فإنّ الله عزوجل يذكر عبده الشكور.

4 - العبد الشاكر ضمن القلة المحمودة بدليل قوله عزوجل: (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُون) (4)، فالدلالة الالتزامية للآية تدل على أنّ الشاكرين هم الفئة القليلة من الناس.

ص: 96


1- سورة القمر: 35.
2- سورة البقرة: 52.
3- سورة البقرة : 152.
4- سورة البقرة : 243.

5 - للشاكر ثواب أهل الآخرة؛ بدليل قوله عزوجل: ﴿مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين) (1)، فجزاء الله عزوجل أوسع من أن يحد بما ذكر حتى في الروايات الشريفة، فلا ندري أي جزاء سيعطي عزوجل لعباده الشاكرين.

التحلي بصفات أو أخلاق الله عزوجل؛ بدليل قوله عزوجل: ﴿وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيما) (2)، فتفسير هذه الآية هو « أن الله عالم بأعمال ونوايا عباده، وهو يشكر ويثيب كل من يفعل الخير من العباد لوجه الله » (3)، وعليه، ينبغي أن يشكر الإنسان كل من يفعل الخير كذلك؛ تخلقًا بأخلاق الله عزوجل.

أمّا الآثار السلبية، فمنها:

1 - إن ترك الشكر مذموم شرعًا وعقلاً .

فأما شرعًا؛ بدلالة ما روي عن الإمام السجاد علیه السلام: « إن الله يحب كل قلب حزين ويحب كل عبد شكور يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلانا؟ فيقول : بل شكرتك يا رب، فيقول:

ص: 97


1- سورة آل عمران: 145.
2- سورة النساء: 146.
3- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل : للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 3، 512.

لم تشكرني إذ لم تشكره، ثم قال: أشكر كم الله أشكر كم للناس » (1). ففي الحديث دلالة على ذم ترك الشكر.

وأما عقلاً، فالعقل يحكم بقبح ترك شكر أي منعم أنعم علينا ولو بنعمةٍ واحدة، فكيف بمن كانت نعمه متتالية؟!.

2 - الزهد في اصطناع المعروف؛ فإذا صنع أحدنا معروفًا لآخر، ولم يقدّم الشكر الشخص الثاني لمن عمل معروفًا، لعل صاحب المعروف يزهد في صنع المعروف مجددًا، لأنه لم يحصل على الشكر المناسب المعروفه. وهذا يدرك بالوجدان.

3 - سرعة زوال النعم؛ بدلالة ما روي عم الإمام الصادق علیه السلام: « مكتوب في التوراة اشكر من أنعم عليك وأنعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعماء إذا شكرت » (2)، وهذا يعني أنّ النعمة في زوال لعله متسارع في حال عدم الشكر.

4 - منع الزيادة بدلالة ما روي عن الإمام الصادق علیه السلام: « من أعطي الشكر أعطي الزيادة » (3)، فمن لم يشكر لا زيادة في النعم عليه.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ص: 98


1- الكافي للشيخ الكليين، ج 2، باب الشكر ، ص 99 ، ح30.
2- مصدر سابق، ج 2، باب الشكر ، ص 94 ، ح3.
3- مصدر سابق، ج 2، باب الشكر ، ص 95 ، ح 8.

الفقرة السابعة / «ذاكرة لسوابغ آلائك»

أما هذا المقطع سنبينه من خلال أسئلة وأجوبة:

السؤال الاول: هل الآلاء والنعم هما مفردتان لمصداق واحد أو أنّ أحدهما يتخلف عن الآخر؟

الجواب في الفقرة السابقة كان الكلام في «شاكرةً لفواضل نعمائك ، ولاشك أنّ هناك ترابط بين الشكر والذكر، كما هو بين الآلاء والنعم.

فالنعم والآلاء تكرّم من الله تعالى على عباده، وأنّ النعم ظاهرة وباطنة؛ بدلالة الآية الكريمة: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة﴾ (1).

والفرق بين الحمد والشكر يعود على تحصيلنا المعرفي بالزيادة ليس إلا، رغم اذعاننا بالفارق بينهما، إلا أننا اليوم نتكلم مع ظاهر النص، ولا نستطيع أن نجزم أن مراد الإمام حين زيارته ما أدرجناه من بيان قاصر. فلو تأملنا في كلام له علیه السلام في صحيفته السجادية، في دعاء له في

ص: 99


1- سورة لقمان 20.

حمد الله عزوجل، يقول فيه: « وَالحَمْدُ الله الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلَاهُمْ مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتَابِعَةِ وَأَشَبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ المُتَظَاهِرَةِ لَتَصَرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ وَتَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ لخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الإِنْسَانِيَّةِ إِلَى حَدٌ الْبَهِيمِيَّة » (1)، لوجدنا قرينة تفتح لنا الإشارات البلاغية في إمكان اختصاص (الحمد والشكر) بالنعم و (الذكر) بالآلاء؛ والقرينة هي « الحمد لله الذي... أسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة » والنعم المتظاهرة حتما أنّها كانت باطنة ثم تظاهرت، فشملها الحمد.

أمّا الذكر فيكون للآلاء الظاهرة فقط؛ لأنها ظاهرة محسوسة، فلابد أن تؤدي رسالة تذكّر النفس بأنّ آلاء الله عزوجل لا تعد ولا تحصى، حتى تكون النفس دائمة الذكر.

وهناك من حلل ذلك فقال: « الشكر لابد أن يشمل كافة النعم التي أغدقها الله عزوجل على الإنسان، سواء الظاهرة المعروفة المحسوسة لديه، أم الباطنة الخلفية التي لا يستشعرها بجوارحه، لأنّ الحقيقة هي أن الله عزوجل قال: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة﴾ (2).

ص: 100


1- الصحيفة السجادية : ص 25.
2- سورة لقمان: 20.

فالشكر لابد أن يستوعبها جميعًا، لذا قال في الدعاء: واجعل نفسي شاكرةً لفواضل نعمائك، أي أياديك الجميلة عليّ بكافة النعم، ومنها النعماء، وهي النعم الباطنة، فجعل الشكر مقابل النعماء، لأنّ من يشكر الخفية فهو للظاهر من النعم أولى بها شكرا.

وجعل الذكر مقابل الآلاء السابغة، لأنها ظاهرة محسوسة، فلابد أن تؤدي ،رسالة ورسالتها أن تقوم بتذكير النفس أنها مغمورة بنعم الله تعالى النعم التي لا تحصى ولا تعد وعندما تكون النفس ذاكرة باستمرار للنعم الالهية، فإنّها ستسير في خط الاتزان » (1)، وهو تحليل حسن المؤدى، سليم الاتجاه.

السؤال الثاني: ورد في كتاب الله المبارك في سورة الاعراف قوله عزوجل: ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (2) فقرن الفلاح بذكر آلاء الله عزوجل والاقرار بها ، فما السر وراء ذلك الاقتران؟

الجواب: نعم عرفنا في اجابة السؤال الأول أنّ الإمام علیه السلام جعلَ الذكر السوابغ الآلاء؛ لأنّها ظاهرة محسوسة، فمن يقرّ ويذعن ويذكّر نفسه بآلاء الله عزوجل و عليه ويوقظ نفسه من سبات الغفلة، هو فالحٌ لا

ص: 101


1- بيضاء من: نور للسيد محمود الموسوي.
2- سورة الأعراف: 69.

محالة.

وحيث إنّ ذكر الآلاء الله عزوجل لا يكون إلا بالحمد أو بالشكر، وهذان الذكران، والذكر ثقل في ميزان الحسنات؛ كما روي عن النبي الأكرم محمد صلی الله علیه و آله: « لا إله إلا الله نصف الميزان، والحمد لله تملأه » (1)، كما وروي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: « ما أنعم الله على عبد بنعمة بالغة ما بلغت فحمد الله عليها إلا كان حمده الله أفضل من تلك النعمة وأعظم وأوزن » (2). فيتحقق الفلاح الموعود في القرآن الكريم، يقول عزوجل: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (3).

السؤال الثالث: كيف يمكن لنا أن نكون من الذاكرين لألاء الله تعالى كمحمد وآل محمد عليهم السلام؟

الجواب: حتمًا أنّ الآلاء متعددة ولا تحصى، كما أن النعم متعددة ولا تحصى، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رحیم) (4).

ص: 102


1- الأمالي للشيخ المفيد، المجلس 29، ص 246، ح 1.
2- ثواب الأعمال للشيخ الصدوق، ثواب من أنعم الله عليه بنعمة فحمده عليها، ص 182.
3- سورة المؤمنون: 102.
4- سورة النحل: 18.

فهنالك آلاء مادية وأخرى معنوية، وهناك آلاء دنيوية وأخرى أخروية، بل هي أعظم حتى من أن تقسّم؛ لئلا نغفل عن قسم منها.

الخلاصة / أنّ الآلاء لا تحصى، وبالتالي لا بد أن يكون لكل منها ذكر خاص بها يختلف عن الأخرى، وبما أنّها لا تعد ولا تحصى، فينتفي بيان كيفية الذكر الفردي، ويتعين بيان كيفية الشكر الكلي لجميع الآلاء، وممكن أن يكون كالتالي:

1 - معرفة مصدر الآلاء من عند واهبها الواحد الأحد.

2 - دوام الشكر للواهب جلّ جلاله، شكرًا قوليًّا أو فعليًا، جوارحيًا أو جوانحياً بالقدر الممكن.

3 - تحديث الناس عن الآلاء، إذ ذلك بيان لكرم الكريم المتعال.

4 - استعمال الآلاء فيما يحب الله عزوجل ويرضى.

السؤال الرابع: ما هي الآثار الإيجابية على ذكر آلاء الله عزوجل؟

الجواب الآثار عديدة منها:

1 - تعظيم الله عزوجل؛ كما قال الإمام السجاد علیه السلام: « ومن أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألسنتنا، وإذنك لنا بدعائك وتنزيهك

ص: 103

وتسبيحك » (1).

2 - بيان مدى افتقار الإنسان إلى خالقه؛ كما يقول أيضًا الإمام السجاد علیه السلام: « إلهي... فأمرتنا بذكرك، ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفا لنا وتفخيما وإعظاما، وها نحن ذاكروك كما أمرتنا، فأنجز لنا ما وعدتنا، یا ذاكر الذاكرين » (2)، فما أفقر العبد لما وعده به ربه!.

3 - عدم تغطرس النفس مهما اغدقت بالنعم، فيقتضي ذكر الله عزوجل على كل حال؛ كما جاء في مناجاة الإمام السجاد علیه السلام: « إلهي فألهمنا ذكرك ... في السراء والضراء » (3).

4 - شياع أدب شكر المنعم؛ كما علّمنا الإمام السجاد علیه السلام في مناجاته: « فكلما قلت لك الحمد، وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد » (4)، ولاشك أنّ الحمد ذكر.

5 - زيادة الحسنات حال الشكر أو الحمد؛ كما روي عن الإمام الصادق علیه السلام: « من قال الحمد لله كما هو أهله شغل الله كتاب السماء،

ص: 104


1- الصحيفة السجادية الجامعة لأدعية الإمام علي بن الحسين عليه السلام ، مناجاة الذاكرين، ص 418.
2- مصدر سابق، مناجاة الذاكرين، ص 419.
3- مصدر سابق، ص 419.
4- مصدر ،سابق مناجاة الشاكرين، ص 410.

قيل وكيف يشغل كتاب السماء؟ قال يقولون اللهم إنا لا نعلم الغيب فقال فيقول: اكتبوها كما قالها عبدي وعلي ثوابها » (1)، ولا نعلم كم هو الثواب الذي يعطيه الكريم الوهاب.

6 - القرب من رضا الرحمن، والابتعاد عن شباك الشيطان؛ فقوله عزوجل: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم) (2)، فيه دلالة واضحة على أن من يذكر الله يكون بعيدًا عن الشيطان؛ لأنه توفق للذكر.

7 - مباهاة الله عزوجل لملائكته بالعبد الذاكر لآلائه؛ روي عن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم في وصية له: « يا أباذر ، إن ربك عزوجل يباهي الملائكة عليه واله عليه الله بثلاثة نفر... ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ،ساجد فيقول عزوجل: انظروا إلى عبدي روحه عندي، وجسده في طاعتي ساجد... » (3)، فصلاة الليل ذكر الله عزوجل، إذا فالذاكر يباهي الله عزوجل به الملائكة.

8 - اطمئنان القلب؛ حيث إن ذكر الآلاء هو ذكر لله عزوجل؛ كما يقول عزوجل: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْر الله أَلا بذكر الله تَطْمَئِنُّ

ص: 105


1- ثواب الأعمال للشيخ الصدوق، ثواب من قال الحمد لله كما هو أهله، ص 13.
2- سورة البقرة: 152.
3- الأمالي للشيخ الطوسي، ص 534.

الْقُلُوب) (1).

9 - استنتاج قاعدة أخلاقية تنفع المجتمع في لزوم بيان فضل المنعم، وعدم جحد ذلك؛ كما قال عزوجل: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهَ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم) (2)، فالتأليف بين القلوب نعمة عظيمة تستوجب ذكر الله عزوجل بالشكر؛ لأنها تعيد النظر بالعلاقات بين الناس، مما يخلق من ورائها مجتمعاً مثالياً.

10 - التحفيز على زيادة الآلاء؛ كما يقول عزوجل: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم) (3)، فالشكر لازمه زيادة النعم.

اللَّهُمَّ فَأَقِمْنَا ذِكْرَكَ فِي الْخَلاءِ وَالْمَلَاءِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالإِعْلَانِ وَالإسْرارِ، وَفِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَآنِسْنا بِالذِّكْرِ الْخَفِي.

ص: 106


1- سورة الرعد 28.
2- سورة آل عمران 103.
3- سورة ابراهيم: 7.

الفقرة الثامنة / «مشتاقة إلى فرحة لقائك»

موضوع هذه الفقرة هو الاشتياق الى لقاء الله عزوجل، وقد ورد في حديث عن الإمام علي علیه السلام: « من أحب لقاء الله سبحانه سلا عن الدنيا » (1). وكالعادة نبينها من خلال عدة أسئلة وأجوبتها.

السؤال الأول: ما المراد من مفردة الاشتياق التي ذكرها الإمام السجاد علیه السلام في زيارته وماذا يقصد الامام من فرحة اللقاء، هل هي عند الموت أو في وقت آخر؟

الجواب: كثير منا يبحث عن الله عزوجل، ويكأنه ضائع! فماذا لو جعلناه فينا روحًا إن لم تكن موجودة سُلبت منا الحياة؟! ماذا لو جعلنا موعد لقائنا معه ودًا نتوق إليه بلهفة وشوق؟!

ماذا لو تلذذنا بمناجاته وتركنا روحنا تهيم في سبحات كلامه، فتنهل من ذلك الفيض القدسيّ؟!

ماذا لو أخلصنا له قلبنا وتركنا عقلنا لا يفكّر بسواه؟!

ص: 107


1- تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، ص 141 ، ح 2491.

ماذا لو أزلنا عن بصيرتنا حجاب الدنيا، وعن بصرنا غشاوة الغفلة والفانيات؛ لنستشعر حلاوة لقاء المعشوق الحقيقي والباقي السرمدي الله الواحد الأحد العليّ؟!

حينها ستنجلي عن القلب أدرانه ووساوسه وأحقاده، ويغلبه صفاء الملكوت ونقاء السماوات وطمأنينة الجنّات.

وعندئذٍ لا نبحث عن الله تعالى لأنه معنا أينما نكون، بل نبحث عن ذاتنا الضائعة ونعيش حالة فرحة لقائه القلبية.

فالاشتياق هو: « نزاع النفس إلى شيء » (1).

والفرح: « نَقِيضُ الْحُزْن؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ : هُوَ أَن يَجِدَ فِي قَلْبِهِ خِفَّةٌ، فَرِحَ فَرَحا » (2).

أمّا لقاء الله عزوجل: فليس المراد به اللقاء الذي يكون بين شخصين في مكان وزمان ما؛ فالله و ليس جسمًا حتى يحده مكان وزمان، لندعي لقاءه بهذه الكيفية، (سبحانه وتعالى) عن ذلك علوًا كبيرا.

جاء في مناجاة الإمام زين العابدين علیه السلام: « وَلَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَرِيقاً

ص: 108


1- لسان العرب لابن منظور، مادة شوق، ج 10، ص192.
2- مصدر سابق، فصل الفاء، ج 2، ص 541.

إلى مَعْرِفَتِكَ إِلَّا بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِك » (1).

وعليه، فإنّ لقاء الله عزوجل لن يكون لقاءً قلبيًا في كل آن، وهو كالتالي تسلسلاً مع العوالم التي يعيشها الإنسان:

1 - رؤية الله عزوجل و رؤية قلبية في الدنيا للمؤمنين، وشرطها ازالة الحجب المانعة من ذلك، كالمعاصي، ورذائل الأخلاق، وشدّة الإيمان بالله الواحد الأحد، ومستند ذلك قول أمير المؤمنين علیه السلام حينما سُئل فقيل له: « يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره وقال كيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان » (2).

فهنا سيّد الموحدين علیه السلام يصرح أن رؤية الله عزوجل تكون رؤية قلبية، تتمثل في تجلّي المعرفة الإلهية في قلب العبد المؤمن.

2 - الموت، بشرط الاستعداد له، وحبّه ، فمن يقبل على الموت يكن فرحًا بلقاء كرامة الله عزوجل له وحيث إنّ الإنسان بعد موته ينتقل إلى عالم البرزخ في قبره، فيكون قبره أما روضة من رياض الجنان، أو حفرة من حفر النيران، فتعرض على الميت مكانته حسب أعماله، فيكون فرحًا

ص: 109


1- الصحيفة السجادية : مناجاة العارفين، ص211.
2- التوحيد للشيخ الصدوق، ب8، ح6.

للقاء كرامته عند الله تعالى إذا كانت الجنة مستقره، ويغتم إذا كانت النار مستقره ؛ قال عزوجل: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب) (1).

فاذا كانت النار تعرض على أصحابها في قبورهم، فالجنة كذلك، وقد روي عن الإمام الصادق علیه السلام في تفسير تلك الآية الكريمة أنه قال: « البرزخ : القبر ، وفيه الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة » (2).

3 - يوم القيامة، بشرط أن يكون قد عمل صالحا في الدنيا، وأطاع ربه، ومستند ذلك:

أ) قول الله عزوجل: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالحا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا﴾ (3)، فمن عدل الله أنه قد جعل معادًا إليه يرجع العباد، فيثيب المطيع، ويعاقب العاصي، ومعه، فمن كان يريد لقاء كرامته عند ربّه - وهي الجنة - فليمتثل لأوامر ربّه في الدنيا، ولينتهِ عن نواهيه.

ص: 110


1- سورة غافر : 46.
2- تفسير القمي لعلي بن ابراهيم، ج 2، ص 94.
3- سورة الكهف : 110.

ب) قوله عزوجل: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة) (1)، فالوجوه التي تتصف بالنضارة أي بالإشراق هي التي تنظر إلى كرم ربّها، هكذا بالمضمون جاءت الروايات مفسرةً للآية الكريمة، مؤولة النظر إلى الله تعالى بالنظر إلى كرمه (سبحانه وتعالى)؛ روي عن أمير المؤمنين الإمام علي علیه السلام أنه قال: « ... فأما قوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة) فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقا فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم (2).

ج) والإمام زين العابدين علیه السلام يعطينا تمثيلاً آخرًا لمن يرجو لقاء الله عزوجل، وذلك في دعائه الذي علّمه لأبي حمزة الثمالي، بقوله: « أبكي الخروجي من قبري عرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري، أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ*وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ*ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ*وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ*تَرْهَقُهَا فَتَرَةٌ) (3).

ص: 111


1- سورة القيامة : 22 - 23.
2- التوحيد للشيخ الصدوق، ب36، ص 262، ح 3.
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسي ، ج 95 ، ص 89.

السؤال الثاني: لماذا لا يمكن رؤية الله عزوجل يوم القيامة بالعين المجردة؟

الجواب: إن عقيدتنا هي امتناع رؤية الله عزوجل رؤية بصرية في الدنيا والآخرة؛ لدليلين عقلي ونقلي.

أما العقلي؛ فلأنه عزوجل لو كان مرئيا لكان في جهة، والتالي باطل، فالمقدم مثله في البطلان.

ولبيان الملازمة نقول: « لو كان الله عزوجل مرئيًا فهو إما مقابل مباشر لنا، أو بحكم المقابل كالصورة في المرآة، وكل مقابل أو ما بحكمه لابد أن يكون في جهة معينة. فيلزم أن يكون المرئي في جهة، والحال أنّ الله عزوجل ليس جسما حتى نقول ممكن أن يكون في جهة معينة ونراه، فالجسم محاط بزمان ومكان، وتقدّس ربّنا عن ذلك علوا كبيرا » (1).

وأما النقلي؛ فهو قوله عزوجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير) (2)، وقوله عزوجل: (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطيف الخبير) (3).

ص: 112


1- ظ: النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : للعلامة الحلي، م 4 ، ص 61.
2- سورة الشورى: 11.
3- سورة الأنعام: 103.

فالإنسان المؤمن إذا وصل إلى أعلى مراتب الإيمان بحيث يحصل له القطع واليقين والعلم المتين بوجود الخالق العظيم من خلال الآثار والحقائق والآيات الدالة عليه سوف يرى الله عزوجل - بقلبه، ووجدانه، وعقله المذعن الخالي عن الماديات الصافي من الشكوك والتخيلات - رؤية نورانيّة معنوية، لا حسية.

السؤال الثالث : كيف يجسد العبد المؤمن اشتياقه لله عزوجل، هل هناك بعض الأعمال التي يؤكد بها العبد حبّه واشتياقه للباري عزوجل؟

الجواب: ممكن أن تكون من تلك الأعمال:

1 - معرفة اصول الدين؛ فالمعرفة توجب الشوق للقاء القلبي.

2 - تعظيم الله عزوجل والإحاطة بأدنى المعرفة به عزوجل، وهي ما روي عَنْ الْفَتْح بْنِ يَزِيدَ عَن أَبِي الْحَسَنِ علیه السلام سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِ فَقَالَ: « الاقْرَارُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ غَيْرُهُ ولا شِبْهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ وأَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ وأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء » (1).

3 - الالتزام بفروع الدّين؛ حيث إنّ فروع الدين تكون كتطبيق عملي لما يعتقد به العبد، فمثلاً يصلي ويصوم لأنه متشوق لرضوان الله عزوجل، فضلا عن لقائه القلبي.

ص: 113


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 1 ، ب 26، ح 1.

4 - التحلّي بأخلاق محمد وآله الطاهرين عليهم السلام، ومَن مِن تلك الصفوة عليهم السلام لم يكن مشتاقاً إلى فرحة لقاء خالقهم؟! حيث إنّهم أكمل الناس خلقًا، فالعقل يحكم بالاقتداء بأهل الكمال.

5 - التدبّر في آيات القرآن الكريم عديدة هي الآيات التي تزيد من شوق العبد إلى لقاء ربّه، فينبغي لنا التأمل.

6 - المواظبة على الدعاء، والشعور الدائم بالافتقار لله عزوجل، وهذا بحد ذاته تجسّد للعبودية الموجبة لشوق اللقاء.

7 - تزكية النفس وجهادها بطرق المشارطة، والمراقبة، والمحاسبة؛ فهذه مقدمة مهمة جدًا للوصول إلى الشوق الدائم للقاء المولى عزوجل.

8 - الإسراع بالمبادرة إلى التوبة؛ وإلا قلب ران عليه بسبب الذنوب، ولم تجليه التوبة، لن يعرف حلاوة اللقاء، بل ولن يشتاق إلى خالقه.

السؤال الرابع: هل يتعارض الاشتياق لله عزوجل مع حبّ الحياة الدنيا؟

الجواب: عرفنا معنى لقاء الله عزوجل، ولنعرف الآن آثار حب الدنيا، ثم نرى هل يتجاذب هذان القطبان أو يتنافران، روي « عن الصادق علیه السلام في

ص: 114

تفسير قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ قال: هو القلب الذي سلم من حب الدنيا » (1).

والآن نربط بين لقاء الله عزوجل وحب الدنيا، ونقول: أنهما قطبان متنافران؛ بدليل قرآني، وروائي.

فأمّا القرآني: فهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنا غافِلُونَ*أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُون) (2)، فالآية ظاهرًا تقول أن الذين لا يرضون ؟ بلقاء الله تعالى - أي لا يكون همهم لقاء ربهم - ورضوا بالدنيا، وطغى حبّهم لها على حبّهم لربّهم، فهم يعيشون في وحل الغفلة عمّما وراء عالم المادة، فالحياة ليست فقط طعاما، وشرابا ولباسا ونكاحا، وعلما أسمى من ذلك، وللتكامل خلقنا، لا يقرب إلى الله تعالى، بل هي فبالاستكمال نرتقي شيئًا فشيئًا عن عالم المادة إلى العوالم الأخرى.

وأما الروائي، فهو ما روي عن مولى الموحدين علیه السلام أنه قال: « كما أن الشمس والليل لا يجتمعان كذلك حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان » (3).

ص: 115


1- مستدرك الوسائل : للميرزا النوري الطبرسي، ج 12، ص 40.
2- سورة يونس : 7-8.
3- تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، ص 141 ، ح 2531.

*وهنا تساؤل: كيف تكون الدنيا حجابًا بيننا وبين لقاء الله تعالى والحال بها نؤدي عباداتنا، وصالح معاملاتنا؟

يجيبنا عن ذلك الإمام علي علیه السلام بما روي عنه أنه قال لشخص يذم الدنيا: « أيها الذام للدنيا، المغتر بغرورها، المخدوع بأباطيلها، أتغتر بالدنيا ثم تذمّها؟ - إلى أن قال - إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار

عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلّى ملائكة الله ومهبط وحي الله ومتجر أولياء الله... » (1).

فاتضح أن الدنيا التي تحجب عن الله عزوجل هي المذمومة، أما ما تقرب إليه فهي ممدوحة، وهي بالحقيقة مزرعة الآخرة.

سُبْحانَكَ اللهم طَوَتِ الْأَبْصارُ في صُنْعِكَ مَديدَتَها، وَثَنَتِ الْأَلْبَابُ عَنْ كُنْهكَ أَعِتَتَها، فَأَنْتَ المُدْرِكُ غَيْرُ المَدْرَكِ، وَالمحيط غَيْرُ المحاط.

ص: 116


1- نهج البلاغة، ج 4 ، ص 32 ، خ 131.

الفقرة التاسعة / متزودةَ التقوى ليوم جزائكَ»

روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: « ما نقل الله عز وجل عبدًا ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه من غير مال وأعزه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر » (1). وكالعادة، نتحدث في هذه الفقرة ضمن عدة اسئلة :

السؤال الأول: ما هو مفهوم التقوى؟ وكيف السبيل الى التزود بهذا الزاد العظيم الذي ذكره كتاب الله المبارك في قوله عزوجل: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (2)؟

الجواب: التقوى لغةً: « الخشية والخوف. وتَقَوى الله: خشيته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه » (3).

واصطلاحًا هي تطبيق شريعة الله عزوجل، بعمل الواجبات، واجتناب المحرمات، ووضع النفس في موضع يرضى الله عزوجل به، وابتعادها عما لا

ص: 117


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب الطاعة والتقوى ، ص 76 ، ح 8.
2- سورة البقرة: 197.
3- المعجم الوسيط : المجموعة مؤلفين، ج 2، ص 1052.

يرضى به استنادًا إلى ما روي عن الإمام الصادق علیه السلام: « أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك » (1).

والتزوّد لغةً: « اتَّخَذَ زَاداً » (2).

* أما طرق التزوّد بالزاد لغرض اكتساب التقوى، فممكن أن يكون ذلك من خلال ما طلبه الإمام زين العابدين في زيارته هذه لجده عليهما السلام، وتحديدًا في أوائل دعائه لنفسه بعد السلام على جده الإمام

الهمام علیه السلام، فيتمثل لنا طريق التزود للتقوى بما يلي:

1 - الاطمئنان بقدر الله عزوجل.

2 - الرضا بقضاء الله عزوجل.

3 - الولع بذكر الله عزوجل ودعائه.

4 - المحبة لصفوة أولياء الله عزوجل.

5 - المحبوبية عند الخلق بالخلق الحسن.

6 - الصبر على نزول البلاء.

7 - الشكر لفواضل نعماء الله عزوجل.

ص: 118


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج 67 ، ص 285، ح 8.
2- معجم اللغة العربية المعاصرة: لأحمد مختار عمر، ج 2، ص 1008.

8 - الذكر السوابغ آلاء الله عزوجل.

9 - الاشتياق إلى فرحة لقاء الله عزوجل.

إذًا فجميع تلك الطرق هي تقوى، كل منها ملحوظة بلحاظ مختلف عن الآخر من ناحية. وبديهي أنّ تلك الطرق لا تتم إلا في دار الدنيا التي هي دار ممر إلى الآخرة، فيتزود العبد إلى آخرته تقريبًا كمن يذهب إلى السوق ويتسوق ما يحتاجه للبيت.

السؤال الثاني: يقول الله عزوجل في كتابه الكريم: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ) (1)، فكيف يكون الله عزوجل متقيًا؟

الجواب: جاء في تفسير هذه معنى كون الله عزوجل و أهل التقوى أنه تعالى «أهل لأن يُتَّقى منه لأن له الولاية المطلقة على كل شيء، وبيده سعادة الإنسان وشقاوته، وأهل لأن يغفر لمن اتقاه لأنه غفور رحيم» (2)، إذًا فالجميع يخافه تعالى؛ لأنّ بيده الجنة والنار، فيتقونه طمعا في الجنة، وهربًا من النار.

وجاء في رواية عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام، في قول الله عزوجل: (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) قال: قال الله تبارك وتعالى:

ص: 119


1- سورة المدثر : 56.
2- الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي، ج 20 ، ص 102.

أنا أهل أن أتقى ولا يُشرك بي عبدي شيئا، وأنا أهل إن لم يُشرك بي عبدي شيئا أن أدخله الجنة، وقال علیه السلام: إن الله تبارك وتعالى أقسم بعزته وجلاله أن لا يعذب أهل توحيده بالنار أبدا » (1).

وكفى بالتفسير والرواية جوابًا عن سؤال (كيف يكون الله تعالى متقيًا؟)، فالمقصود هو اسم المفعول لا الفاعل، فيكون سبحانه أهل لأن يُتَّقى فيسمى أهل التقوى.

السؤال الثالث: ما هي فوائد التقوى؟

الجواب: للتقوى فوائد جمة، أوضحتها لنا الآيات الكريمة والروايات الشريفة، منها:

1 - المثوبة : بدليل قوله عزوجل: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لمثوبَةٌ مِنْ عِنْدِ الله خیری) (2).

2 - دواء القلوب: بدليل ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام: « فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهَ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُم » (3). فإنّ داء القلوب هو جميع الرذائل الأخلاقية، ودواء ذلك الداء هو التقوى؛ فالتكبّر داءً قلبي علاجه التواضع الذي

ص: 120


1- التوحيد للشيخ الصدوق، ب 1 ، ح 6.
2- سورة البقرة : 103.
3- نهج البلاغة، ج 2، ص 173 ، خ 198.

أمر الله عزوجل به، والحسد داء قلبي علاجه القناعة والرضا، وهكذا، وتلك العلاجات إنّما هى اتقاء غضب الله عزوجل و بترك ما لا يرضيه.

3 - شفاء لمرض الأجساد بدليل قول أمير المؤمنين علیه السلام « شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ » (1)، فكم من جسد مريض علاجه اتقاء الله عزوجل.

4 - انارة القبور: بدليل قوله علیه السلام: (مَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ) (2)، حيث إن العمل الصالح الناتج عن التقوى يتمثل بالنور في عالم البرزخ، فيضيء القبور.

السؤال الرابع: روي عن الإمام علي علیه السلام: « إنّ لتقوى الله حبلاً وثيقًا عروته، ومعقلاً منيعا ذروته » (3)، ما المراد من الحبل الوثيق والمعقل المنيع الذي اشار له الامام علي في حديثه المبارك؟ وكيف يرتبط بالتقوى؟

الجواب: جاء في شرح كلام الأمير لهذا المقطع: « ... إنّ للتقوى حبلا وثيقا عروته من تمسك به و اعتصم لم يضره عدوّ و معقلا منيعا ذروته من لجأ إليه لم يصل إليه سوء. و لفظ الحبل و المعقل مستعاران

ص: 121


1- مصدر سابق، ج 2، ص 173.
2- مصدر سابق، ج 2، ص 173.
3- مصدر سابق، ج 2، ص 130 ، خ 190.

للتقوى » (1)

في حين أنّ الله عزوجل أشار في كتابه الكريم إلى عروة ذلك الحبل الوثيق والمعقل المنيع، بقوله: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم) (2)، وقال ايضًا: ﴿وَمَنْ يُسْلِمُ وَجْهَهُ إِلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) (3).

« والاستمساك هو الأخذ والامساك بشدة والعروة: ما يؤخذ به من الشيء كعروة الدلو وعروة الإناء، والعروة هي كل ماله أصل من النبات وما لا يسقط ورقه » (4)، إذًا الحبل الوثيق الموصل للتقوى، الذي أشار إليه أمير المؤمنين علیه السلام في حديثه له جذر قرآني، فالقرآن الكريم أسماه العروة الوثقى، وتعرف صحة هذا التجذير من خلال الاستمساك بالحبل أو بالعروة، فكلاهما موصل للإيمان بالله عزوجل المتفرع عنه التقوى؛ فالإيمان بالله عزوجل وبرسله وكتبه قد تم عن طريق العروة الوثقى.

هنا لابد أن نعرف عروة ذلك الحبل الوثيق والمعقل المنيع، ولا شك أنّها لا تخلو من أن تكون عبارة عن النبي محمد وأهل بيته (عليه وعليهم

ص: 122


1- شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني، ج 4 ، ص 205.
2- سورة البقرة: 256.
3- سورة لقمان 22.
4- تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، ج 2، ص 344.

الصلاة والسلام) بدليل ما روي عن رسول الله صلی الله و علیه و آله حينما قال: « جمع الله عزوجل لنا عشر خصال لم يجمعها لأحد قبلنا ولا تكون في أحد غيرنا : فينا الحكم والحلم والعلم والنبوة والسماحة والشجاعة والقصد والصدق والطهور والعفاف ونحن كلمة التقوى، وسبيل الهدى والمثل الاعلى والحجة العظمى والعروة الوثقى والحبل المتين» (1).

وسلوك مسلكهم هو الحبل الوثيق المؤدي إلى النجاة، والمعقل المنيع من الوقوع في الشبهات وما التقوى إلا التمسك بالواجبات وترك الشبهات والمحرمات.

السؤال الخامس: بما أنّ الله عزوجل حبلاً وثيقا وهم محمد وآل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم)، فماذا روى لنا الحبل الوثيق عن صفات المتقين؟

الجواب: يجيبنا أمير المؤمنين علیه السلام واصفاً المتقين « بإحدى خطبه » (2)، بأنّ:

1 - منطقهم الصواب.

ص: 123


1- الخصال للشيخ الصدوق، عشر خصال جمعها الله عز وجل لنبيه وأهل بيته صلوات الله عليهم، ص 432.
2- نهج البلاغة، ج 2، ص 160 - 164 ، خ 193.

2 - ملبسهم الاقتصاد.

3 - مشيهم التواضع.

4 - لا ينظرون إلى المحرمات.

5 - لا يسمعون إلا الأمور النافعات.

6 - البلاء والرخاء عندهم سواء.

7 - لا عظيم إلا الخالق عندهم.

8 - هم متأملون في الآيات القرآنية.

9 - الخير منهم مأمول والشر منهم مأمون.

10 - نحفاء الأجساد من كثرة العبادة.

11 - خفاف الحاجات من كثرة الزهد.

12 - هم عفيفو الأنفس من شدة التسليم.

13 - أُسود في النهار، ورهبان في الليل.

14 - يصبحون حامدين على ديمومة الحياة، ويمسون شاكرين على طيلة الأعمار.

وصفات اخرى كمالية عديدة وصفهم بها علیه السلام.

اللهم أكرمنا بالتقوى، ووفقنا للتي هي أزكى، بحق محمد وآله أولي الحجى.

ص: 124

الفقرة العاشرة / «مستنة بسنة أوليائك»

محور حديثنا هو الاستنان بسنن الأولياء، ونذكر بيانه ضمن الأسئلة التالية:

السؤال الأول: ما المقصود بالسنة في قول الإمام المعصوم؟ هل هو اتباع اقوال وأفعال أولياء الله، أو المراد من الاستنان بسنة الأولياء أمر آخر؟

الجواب: المراد بالسنة: هي أحد مصادر التشريع الإسلامي، وتأتي مع القرآن الكريم، ويليها الإجماع، ثم العقل.

أي إنّ الأحكام التشريعية بأقسامها الخمسة (الوجوب، الاستحباب الحرمة، الكراهة الإباحة) يستخرجها الفقيه من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية؛ فقول أو فعل النبي وأهل بيته علیهم السلام، أو سكوتهم عن واقعة ما تفيد حكماً شرعياً.

ولا يمكن الفصل بين السنة والقرآن الكريم، والاكتفاء بالقرآن دونها، فمثلاً لو وجدنا في القرآن الكريم آية كريمة تنص على وجوب

ص: 125

الصلاة (وأقيموا الصلاة)، فهنا يجب الرجوع إلى السنة النبوية لتفسّر لنا أحكام الصلاة، من حيث عدد الركعات، انتظام الأوقات، علاج الأخطاء، وكل ما يتعلّق بالصلاة. فنحن نعلم أنّ للقرآن باطناً وظاهراً، ولا يعلم باطن القرآن الكريم إلاّ أهل السنة النبوية، محمد وآل محمد عليهم السلام، فيجب الرجوع إليهم، والاستنان بسنتهم؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعْتُم فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلى الله وَالرَّسُول) (1).

وأولوا الأمر - آل محمد عليه السلام - يستمدون السنن النبوية من الرسول محمد صلی الله و علیه و آله؛ بلحاظ كونهم الخلفاء بعد رسول الله، ولهذا وصف النبي صلی الله و علیه و آله أولي الأمر أهل البيت عليهم السلام بالثقل الأصغر، في حديث الثقلين: « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » (2).

إذا فالسنة هي الدليل الشرعي الصادر من المعصوم - النبي والأئمة علیهم السلام - الذي تكون له دلالة شرعية على الحكم الشرعي، من

ص: 126


1- سورة النساء : 59.
2- كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق، ج 1، باب اتصال الوصية من لدن آدم وأن الأرض لا تخلو من حجة الله عز وجل على خلقه إلى يوم القيامة، ص 265، ح 54.

قول أو فعل أو تقرير صادر منهم عليه السلام . ومن هنا أصبحت لدينا سنّة، قولية، وسنّة فعلية، وسنّة امضائية أو سكوتية.

نأخذ مثالاً على كل من تلك الأقسام:

1/ السنة القولية: مثل قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه: « اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت، وإذا قام من نومه قال: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور » (1)، فقوله هذا يدل على حكم راجح، ومن يقتفي أثر نبيه ويعمل بسنته يسمى مستنا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

2/ السنة الفعلية مثل سجود النبي صلى الله عليه وسلم عند استيقاظه من نومه، فيخر الله تعالى ساجدًا؛ كما روي عن الإمام الصادق علیه السلام: « ما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم إلا خر الله ساجدا » (2)، والسجود فعل، فمن يفعل كما فعل نبيه يسمى مستنا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

3/ السنة الامضائية: كما لو طلب رجل من النبي أو الإمام علیه السلام أن يرى صلاته هل يشوبها خطأ ما أو لا، فيصلي الرجل وينتهي، فيسكت المعصوم، فسكوته دلالة على امضاء وصحة صلاة الرجل، ودلّت صلاة

ص: 127


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب الدعاء عند النوم والانتباه، ص539، ح16.
2- مكارم الأخلاق: للشيخ الطبرسي، ص39.

الرجل على موافقتها لسنة المعصوم في الصلاة، بشرط أن لا يكون عن تقية.

والسنن متعددة - كسنن الأنبياء -، إلاّ أنّ خير السنن هي سنة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم يقول تعالى على لسان نبيه: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ؛ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾ (1)، والاتباع منه الاستنان.

وخاتمة السنن هي سنة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه واله؛ بدلالة ما روي عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند وفاته: لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي» (2)

السؤال الثاني: كيف يمكن للفرد أن يكون مستناً بسنن أولياء الله عزوجل، هل هناك امور تساعد في ذلك؟

الجواب: نعم، وذلك من خلال اتباع ما جاء في كتاب الله تعالى والسنة النبوية نفسها، وحديث الثقلين كافٍ لبيان كيفية الاستنان، « إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وعترتي » (3)،

ص: 128


1- سورة آل عمران: 31.
2- الأمالي للشيخ المفيد: ص 53 ، المجلس 6 ، ح 15.
3- كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق، ج 1، باب اتصال الوصية من لدن آدم وأن الأرض لا تخلو من حجة الله عز وجل على خلقه إلى يوم القيامة، ص 265، ح 54.

فالنبي صلى الله عليه واله يضمن لنا عدم الضلال إذا تمسكنا ،بالثقلين كتاب الله عزوجل، والعترة الطاهرة عليهم السلام.

ولا يخفى عليكم أن عقولنا قاصرة عن فهم الروايات الصادرة عن محمد وآل محمد عليهم السلام مما يقتضي دراسة سنوات عديدة، ولعلوم مختلفة، منها النحو، الفقه الأصول، المنطق، الرجال الدراية، العقائد من أجل الاقتراب من فهمها بصورتها الصحيحة الظاهرة.

* فالروايات منها التي يعود الضمير فيها إلى شيء وأخرى فاعلها محذوف، وهكذا، وهذا يتطلب معرفة دقيقة في علم النحو.

* ومنها ما تدل على الوجوب واخرى على الاستحباب مثلاً، وهذا يتطلب معرفة في علم الفقه والأصول.

* ومنها عامة، وأخرى خاصة مثلاً فيقدّم الخاص على العام ، وهذا يتطلب معرفة في علم الأصول.

* ومنها ما تشكل قياسًا منطقيًا يفيد في الاستدلال على اثبات أمر ما، وهذا يتطلب معرفة في علم المنطق.

* ومنها صحيحة السند واخرى ضعيفة مثلاً، وهذا يتطلب معرفة

ص: 129

في علم الرجال بمعرفة الرواة ووثاقتهم.

* ومنها ما تدل على الاعتقاد بالتوحيد، وأخرى تدل على الاعتقاد بالعدل الإلهي مثلاً، وللتفرقة بينهما لابد من معرفة بعلم العقيدة.

ومعه، فإنّ وظيفتنا نحن كمكلفين أحد أمور ثلاثة:

1/ الاجتهاد: وذلك بأن أتولى دراسة تلك العلوم، على مدى سنوات عديدة، وأجتهد في فهم النصوص فأستخرج السنة النبوية لنفسي وأعمل بها.

ويبدو أنّ دراسة هذه العلوم ولسنوات عديدة، مع استيعابها وفهمها بدقةٍ عالية لهو أمر يصعب على الغالب.

2/ الاحتياط: وذلك بأن أعمل وفق فتاوى جميع المراجع الذين هم في شبهة الأعلمية وأجمع بينها، بما أتيقن معه بفراغ الذمة.

ويبدو أنّ هذا أمر صعب للغاية، حيث قد يلزم على المكلف أن يأتي بالعمل مرتين في بعض الفروض ، وهذا ما لا يتحمله إلا قلة من الناس وغيرها من صور الصعوبة.

3/ التقليد: وذلك برجوعي أنا الجاهل في تلك العلوم إلى العالم بها، وأخذي السنة النبوية منه التي بعلومه فهمها ونقلها لمقلّديه.

ص: 130

وهذا هو المتيسر والأهون وظيفةً مما سبق من الاجتهاد والاحتياط.

لذا نجد أنّ الواسطة اليوم التي تنقل لنا السنة النبوية من مصادرها الموثوقة هي المرجعية الدينية، فيكون نفس العمل بالرسالة العملية للمرجع هو استنان بالسنة النبوية واقعًا أو ظاهرًا.

السؤال الثالث: ماهي الآثار الايجابية التي يحصل عليها الفرد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام عندما يستن أفراده بسنن أولياء الله وعباده الصالحين؟ وهل هناك آثار سلبية تحصل نتيجة لترك الاستنان بسنن الاولياء؟

الجواب : أما الآثار الإيجابية، فعديدة، منها:

أ) بشكل خاص أو فردي:

1 - القرب من رضا الرحمن فعن الإمام الصادق علیه السلام: « أقرب ما يكون العبد من ربه إذا دعا ربه وهو ساجد » (1)، والدعاء في سجود من السنن المستحبة.

2 - حب الله عزوجل له: فعن رسول الله صلی الله و عليه واله: قال الله عزوجل: « ما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى

ص: 131


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 3، السجود والتسبيح والدعاء فيه في الفرائض والنوافل وما يقال بين السجدتين، ح 7.

أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته » (1)، وأداء النوافل من السنن.

ب) بشكل عام، أو اجتماعي:

1 - دفع المضار، فإن جميع سنن النبي وآله عليهم السلام تعود نفعًا على من يستن بها، كسنة غسل اليدين قبل تناول الطعام، فهي تدفع الاصابة بأمراض نتيجة انتقال الميكروبات إلى الطعام.

2 - زيادة الخشوع في أداء الواجبات من العبادات؛ فمثلاً من السنن المستحبة صلاة الليل، فأداؤها يكون مقدمة لزيادة الخشوع في الصلاة الواجبة - الفجر -.

3 - إشاعة روح الإنسانية التي تبتغي الكمال الذي خلقنا الله عزوجل له، وهو السمو في العبادة، والارتقاء بها سلوكًا إلى رضوانه.

وأما الآثار السلبية، فعديدة أيضًا، منها:

1 - قلة الحسنات؛ حيث إنّ العبد لو استن بسنن الأولياء علیهم السلام، لزادت حسناته، فمن لم يستن لم تزد حسناته.

ص: 132


1- مصدر سابق، ج 2، باب من آذى المسلمين واحتقرهم، ص 352، ح 7.

2 - انطماس التاريخ؛ فلو لم نحيي سنن الأولياء علیهم السلام بتعريف الناس بها، وحثهم على الاستنان بها لانطمس تاريخهم عليهم السلام المبارك.

3 - الحزن والندم في دار الآخرة؛ فسنن الأولياء عليهم السلام حتما موجبة لرفع الدرجات في الجنة، فمن يستن بسنتهم يرتقي بالدرجات العاليات، ومن لم يستن يبقى في درجته ويحزن، ويصيبه الأذى النفسي، ويندم على عدم عمله بها في الدنيا.

السؤال الرابع: ماهي مظاهر تجلي الاستنان بسنن أولياء الله عزوجل عند علمائنا الأعلام؟

الجواب: لقد عمل علماؤنا بسنن عديدة، منها مداراة الناس، وحيث إنهم وعلى رأسهم مراجعنا العظام لهم الدور الأبوي الناصح الرؤوف في مداراة عباد الله عزوجل؛ استنانًا بما روي « عَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِض » (1).

ومنها أداء النوافل، فهذا العلامة الطباطبائي قدس سرّه تدل صاحب كتاب تفسير الميزان، « كان يصلي النافلة مشيًا أثناء ذهابه إلى مدرسته، حتى ينقل أنّ بعض أقاربه سلّم عليه ماشيًا، وكان العلامة منشغلاً بأداء

ص: 133


1- مصدر سابق، ج 2، باب المداراة، ص 117 ، ح 4.

النافلة، فإنّه فقط ردّ علیه السلام فانزعج ذلك الرجل من عدم سؤال العلامة له عن أحوال عياله، وبعد ذلك علم الرجل أنّ العلامة كان مشغولاً بأداء نافلة » (1).

اللهمَّ صَلَّ عَلَى أَبِي الْأَئِمَّةِ، وَسِراجِ الْأُمَّةِ، وَكَاشِفِ الْغُمَّةِ، وَمُحْيِ السُّنَّةِ، وَوَلِيّ النّعْمَةَ، أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طالب.

ص: 134


1- مجلة زن روز العدد / 892.

الفقرة الحادية عشر / «مُفارقة لأخلاق أعدائكَ»

الأسئلة حول هذه الفقرة هي كالتالي:

السؤال الأول: ما المراد من مفردة الخلق؟ وكيف وضّح القرآن الكريم هذا المفهوم؟

الجواب: الخُلُق: هو « عبارة عن هيئة قائمة في النفس، تصدرُ منها الأفعال بسهولة من دون الحاجة إلى تدبر وتفكر » (1).

أما القرآن الكريم فقد تعرّض إلى الأخلاق بقسميها الحسنة والسيئة، مؤكدًا على ضرورة التحلّي بالأولى، ناهيًا عن التخلّق بالثانية. وهو كتاب هدى وكمال، رسم للإنسان قواعد الأخلاقِ في التعامل مع بنى أقرانه، كقوله عزوجل: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَاهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم) (2)، فالآية الكريمةُ تُشير إلى التصدق، ذلك الخُلُق العظيم الذي يؤدي إلى التكافل الاجتماعي.

ص: 135


1- الحقايق في محاسن الأخلاق للفيض الكاشاني، ص 54.
2- سورة البقرة: 261.

وآياتٌ أخرى رسمت له أخلاقيات التعامل مع ربِّه، كقوله عزوجل: (مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه) (1)، فالآية الكريمة تُشير إلى العلاقة بين العبد وربه إذا كانت مشوبةً بالتعدي على الحدود التي رسمها الله عزوجل لعباده.

ومن ناحية أخرى نجده قد رسم لنا قواعد أخلاق المهن، وأخرى نجده قد رسم لنا أخلاقيات بناء الذات الإنسانية، وهكذا.

وبما أنّ الأخلاق أحد رؤوس هرم المنظومة المعرفية الدينية بالإضافة إلى أصول الدين - العقيدة - وفروعه - الفقه -، فقد أولاها القرآن الكريم درجةً من الأهمية، وحثّ ما حثّ عليه من فضائلها، ونهى ما نهى عنه من رذائلها.

السؤال الثاني: من هم أعداء الله عزوجل و المقصودون في الزيارة بحيث يطلب الإمام السجاد علیه السلام من الله عزوجل أنْ يُبعده ويُجنبه أخلاقهم؟

الجواب: إنّ الله عزوجل ذكر أعداءه في كتابه الكريم في آياتٍ عديدة، منها آيات أوضحت مصير أعداء الله عزوجل فقط دون أن تُحدِّدَ ماهية أولئك الأعداء، كقوله عزوجل: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ الله إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (2).

ص: 136


1- سورة الطلاق: 1.
2- سورة فصلت: 19.

وكقوله عزوجل: (ذُلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ الله النَّارُ هُمْ فِيهَا دَارُ الخُلد﴾ (1)، ومنها ما أوضحت عدم محبة الله عزوجل بمن عاداه، كقوله عزوجل: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (2).

وبما أنّ القرآن الكريم يفسّر بعضُه بعضًا، فنجد المراد من أعداء الله عزوجل في آيات أُخر، منها ما عرفتهم بالظالمين؛ كقوله عزوجل: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمون) (3)، وأول من تعدى حدود الله عزوجل هو ابليس، فكان أول أعداء الله عزوجل، ولهذا نهانا عزوجل عن اتباعه بقوله عزوجل: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين) (4).

ومن تلك الآيات ما عرفت أعداء الله بالكافرين؛ كقوله عزوجل: ﴿فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِين﴾ (5).

ومن تلك الآيات ما عرفتهم بأنهم أعداء رسل الله عزوجل وملائكته، ومعه فهم كافرون، وهذا ما صرحت به هذه الآية الكريمة في ذيلها: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا الله وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ

ص: 137


1- سورة فصلت: 28.
2- سورة البقرة: 190.
3- سورة البقرة : 229.
4- سورة البقرة: 168.
5- سورة البقرة : 208.

لِلْكَافِرِين) (1)، فالآية الكريمة « أشارت إلى حكم المعادي الكافر بأوائل أصولِ الدّين: التوحيد - بقوله عدوا الله -، والعدل الإلهي - بقوله وملائكته التي هي أحد الطرق التي يُكلّم الله عزوجل به أنبياءه ورسله بالتكاليف الشرعية فيوصلونها إلى العباد، وذلك من عدله عزوجل أنه يُعلّم عباده بالتكاليف ثم يُثيب المطيع، ويعاقب العاصي -، والنبوة - بقوله ورسله - » (2).

* فائدة: إنّ الآية الكريمة حينما قالت من كان عدوا لملائكة الله عزوجل فإنّها أوضحتِ المقصود من معاداة الكفار للملائكة وذلك بعدم الإيمان بهم، إلا أنّ الآية عطفت في الحكم - معاداة الله عزوجل لهم -، فقالت: من كان عدوا الله وملائكته ورسله، وجبريل، وميكال عليهما السلام.

فتكرار العطف على فردين من أفراد الملائكة جبرائيل وميكائيل عليهما السلام رغم أن نوع الملائكة قد ذُكِرَ في بداية الآية، يدعو إلى التساؤل: لماذا التكرار؟!

جوابه:

نحنُ نعتقد أنّ الله عزوجل حكيم، منزّه عن اللغو في الحديث، فحينما

ص: 138


1- سورة البقرة : 98.
2- ظ : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 308-309.

كرّرَ حكمَ معاداة الملكين - جبرائيل وميكائيل عليهما السلام - فلعل ذلك منه إشارة منه عزوجل إلى ما صدر من الكافرين في زمن النبي محمد صلی الله و علیه وآله حينما كفروا ببعض الملائكة؛ فكان سبب نزولِ هذه الآية: « أنّ ابن صوريا وجماعةً من اليهودِ جاؤوا للنبي الأكرم صلی الله و علیه وآله، وقالوا له: خصلةٌ واحدةٌ إِنْ قلتها آمنتُ بك واتبعتك فسألوه: أيّ ملكِ يأتيك بما يُنزل الله عليك؟ قال: جبريل. قال ابن صوريا ذاك عدوّنا ينزِلُ بالقتال والشدّة والحرب، وميكائيل ينزل باليُسر والرخاء.

وطلبوا أنْ يكونَ ميكائيل هو الذي يُنزّل الأحكام من عند الله عزوجل قلب النبي صلی الله و علیه وآله حتى يؤمنوا به!» (1)، وما كانَ ذلك إلّا تملّصًا من الإيمان بالدعوة المحمدية إلى دين الله عزوجل.

وبهذا يتضح لنا من هم أعداء الله عزوجل، وهذا ينطبق على ذراريهم، ومؤيديهم، وإن كانوا يطلقون على أنفسهم أنهم مسلمون.

السؤال الثالث: هل المراد من المفارقة لأخلاق أعداء الله عزوجل هي نفسها البراءة منهم، أم أنّ مفهوم البراءة يختلف عن مفهوم المفارقة؟

الجواب: نعم، فكما توجد هناك ملازمة بين أخلاق الله عزوجل وأوليائه ووجوب الاتصاف بها، توجد ملازمة بين أخلاق أعداء الله عزوجل ووجوب

ص: 139


1- ظ مصدر سابق، ج 1، ص 307-308.

النفور منها والتبرّي من أصحابها.

وبالعقل - إجمالا - يستطيع كلّ إنسان أنْ يُفرّق بين الأمور الحسنة والسيئة، فيُدرك أن الكذب - مثلاً - قبيح فلا يكذب، ويُدرك في قباله أنّ الصدق - مثلاً - حسن فيتصف به.

إذًا فمسألة التمييز بين الحسن و القبح لها تأصيل عقلي؛ والأخلاق من المسائل التي تخضع لذلك، فبالعقل أدرِكَتِ الأخلاق حتى قبل العلم بالنصوص النقلية الصادرة عن النبي الأكرم محمد صلی الله عليه واله؛ بدليل قوله صلی الله عليه واله: إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (1)، فلم يقل لأعلم الأخلاق، وإنّما ليتمم ما هو موجود لديهم بالفطرة، ويبيّن لهم أكمل الأخلاق.

وعليه، إنّ الإنسانَ يُدرك بعقله الأخلاق السيئة التي توجب غضب الله عزوجل فينفر منها ، ويتبرأ ممن يتصف بها. كما يدرك بعقله الأخلاق الحسنة التي توجب رضا الله من فيتصف بها، ويوالي من يتصف بها.

إذًا فالنفور شيئًا فشيئًا من أخلاق أعداء الله عزوجل يؤدي إلى البراءة منها وممن يتصف بها. كما التحلّي بأخلاق أولياء الله عزوجل يؤدي إلى اكتسابها وتولّي من يتصف بها.

ص: 140


1- مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي، ص 8.

السؤال الرابع: كيف يمكن لنا أن نُقبّحَ أفعال وأخلاق أعداء الله عزوجل في أعين الناس حتى يتجنبوا محاكاتها أو اتباعها؟ وما هي الرسالة التي من الممكن أن نوجهها للأجيال الشابة فيما يخص الابتعاد عن أخلاق أعداء الله عزوجل؟

الجواب: قُلنا سابقا إنّ الأمور القبيحةَ واضحة عقلا عندَ كلِّ إنسان؛ طبقًا لنظرية (الحسن والقبح العقليين)، فالقبيحُ قبيح لا يحتاج لأن نُقبّحه لسالكيه، فمن يتصف بقبائحِ الأخلاق يُدرك حتما أنه على غير الحالةِ المعتادة عند عامة الناس من الأخلاق الحسنة؛ بدليل أنّ البعض حينما يريد أن يعكس قبحَ أخلاقه يتردّد ويخشى الناس، فنجده لا يكذبُ أمام أي أحد، ولا يخون، ولا يُفشى سرًا أمام أي أحد.

و في أحيانٍ أخرى نجد البعض يتجاهر بقبائح الأخلاق أمام الملأ، كمن يتعدّى حدود الله عزوجل ويسب الله ورسوله وكلَّ من ينصحه ، فهؤلاء ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، بل وبعضُ الآياتِ تصفهم بأنّهم كالأنعام وأضل، بعد عدم استجابتهم للرشد، وعدم ارعوائهم عن طريق الغي.

وأمّا الرسالة التى من الممكن أن نوجهها لكلِّ من يتخلق بأخلاق أعداء الله عزوجل فتتمثل بالنقاط التالية :

ص: 141

1 - ضرورة معرفة الآثار السلبية من الاتصاف بأخلاق أعداء الله عزوجل (الأخلاق القبيحة)، من قبيل:

أ) فساد الإيمان عن أبي عبد الله علیه السلام قال: « إنّ سوءَ الْخُلُق ليفسد الإيمان كما يُفْسِدُ الخل العسل » (1)

ب) تعذيب النفس عن أبي عبد الله علیه السلام قال: « من ساء خُلُقه عذب نفسه » (2)، حيثُ إنّ الجميع ينفر منه؛ لسوء خلقه، فيبقى معتزلاً مستوحشةً نفسه.

ج) الاحتقار في المجتمع: إذ من وظائف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أنْ يأمر وينهى حسب الدرجات والشرائط، وحال عدم الاستجابة يُبدي الانزجار واللامبالاة لمن اتصف بأخلاقِ أعداء الله عزوجل.

د) توهين الشخصية: إذ إنّ صاحبَ الأخلاق السيئة ضعيفُ الرأي، وهن الشخصية؛ لبعده عن النهج القويم.

2 - بيان محاسن الأخلاق والآثار الإيجابية من التحلّي بها، وأنّها أخلاق النبي وآله عليهم السلام.

ص: 142


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب سوء الخلق، ح 3.
2- مصدر سابق، ج 2، باب سوء الخلق، ح 4.

3 - ترويضُ وتهذيب النفس بإشراف مرشد يكون كالطبيب الروحي له.

4 - ضرورة معرفة أنّ طريق التكامل لا زال مفتوحًا، فبإمكان الإنسان سيء الخلق أن ينسلخ بسهولة من تشبهه بأعداء الله عزوجل، ويُصبحُ كأحد أولياء الله عزوجل.

اللّهم استعملنا فيما تُحبُّ وترضى، بحق محمد وآله أولي الخلق السجي والعُلى .

ص: 143

ص: 144

الفقرة الثانية عشر / «مشغولةً عن الدنيا بحمدكَ وثنائكَ»

محور هذه الفقرة الأخيرة هو (الانشغال عن الدنيا بذكر الله عزوجل والثناء عليه)، وسوف نعلم كيفية الانشغال عن الدنيا بحمدِ وذكر الله عزوجل، وكيف لنا أن نصل إلى هذه المرتبة العظيمة. فذكرُ الباري من شيَمِ المتقين كما قال مولانا علي علیه السلام: « ذكر الله شيمةُ المتقين » (1). وقال أيضًا : « ذكر الله سجيةُ كلِّ مُحسن وشيمة كل مؤمن » (2)، وقال: « ذكر الله مسرةُ كلِّ مُتقِ ولذة كلٌّ موقن ». ويتم بيان ذلك من خلال عدة أسئلة:

السؤال الأول: ما كيفية الانشغال عن الدنيا؟ وكيف تحقق ذلك؟ ولماذا قال الإمام زين العابدين علیه السلام: « مشغولةً عن الدنيا بحمدك وثنائكَ » ولم يقل مثلاً « مشغولة بالاستغفار، أو التكبير »؟

الجواب: قبل بيان كيفية الانشغال بذكر وحمدِ الله عزوجل وترك الدنيا، هناك التفاتة مهمة لابد من بيانها، وهي أنّ الذكر والحمدَ لله عزوجل يكون في دارِ الدنيا فكيف تكون مذمومةً وهي طريقُ مؤدٍ للخيرات؟ إذا كيف

ص: 145


1- تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: للآمدي، ص 188 ، ح 3615.
2- مصدر سابق، ص 188 ، ح 3617.

نتركها؟

أجبنا عن ذلك فيما سبق تحديدا عند قوله علیه السلام: « مشتاقةً إلى فرحة لقائك »، فكانَ ، فكانَ حُبُّ الدنيا والتعلّق بها سببًا لحجب المؤمنين عن رؤية ربهم قلبيًا.

وأما الدنيا في هذا المقطع « مشغولةً عن الدنيا بحمدِك وثنائك » فالدنيا تارةً تكون دارَ اصطفاء، وأخرى دارَ خزي؛ كما أخبرنا الله عزوجل من في كتابه الكريم، بقوله: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَنَ الصَّالحين) (1)، وقال عزوجل في قباله: (هُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم) (2).

فيتضح لنا أنّ الدنيا متعددة الأدوارِ حسب سالكيها، فقد روي عن الإمام علي علیه السلام أنه قال لشخص يذم الدنيا: « أيها الدائم للدنيا، المغتر بغرورها المخدوع بأباطيلها، أتغتر بالدنيا ثم تذمها؟ - إلى أن قال - إن الدنيا دار صدقٍ لمن صدقها، ودارُ عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحبّاء الله، ومُصلّى ملائكة

ص: 146


1- سورة البقرة: 130.
2- سورة البقرة: 114.

الله، ومَهبطُ وحي الله ومتجر أولياء الله.... » (1).

وعليه، فأنّ للدنيا أربعة أدوار دار - صدق ودار عافية، ودار غنى، ودار موعظة - تندرج تحت إطار دنيا الاصطفاء المشار إليها، فمن يتخذها لغير هذه الأغراض الأربعة يكن محتجبًا عن لقاء الله عزوجل، منشغلًا بها، أما من اتخذها ممرا فقد لاقاه (جل جلاله)، وأنشغل عنها.

إلى هنا يبقى السؤالُ قائما: كيف ننشغل عن الدنيا بحمدِ وذكر الله عزوجل؟

والجواب: بما أنّ الدنيا هي دارُ علم وعمل، فينبغي اغتنام الأوقاتِ فيما يعود نفعا على النفس، وإلا سوفت وألهت بطول الأمل، كما جاء في الديوان الشعري المنسوب لأمير المؤمنين علیه السلام:

« یا من بدنياه اشتغل *** قد غره طول الأمل

الموت يأتي بغتةً *** والقبر صندوق العمل » (2).

وأيُّ عمل أزكى من ذكر الله عزوجل، ومن مصاديق الذكر أداء الواجبات والمستحبات؛ لأنّها تُهيمن على القلب فتجعله مطمئناً مُستنيرًا

ص: 147


1- نهج البلاغة، ج 4، ص 32 ، خ 131.
2- موسوعة كلمات الإمام الحسين السلام : لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع[عليه السلام])، ص 998.

بنور المعرفة، ولا يتعدى الحدود التي رسمها له الله الواحد الأحد، فلا يرتكب صاحبه الذنب، وإن ارتكب أسرع وتوضأ بماء التوبة، وصلّى على سجادة العفو؛ يقول عزوجل: (أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب) (1)، ويقول عزوجل: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون) (2)، فذكر الله أكبر وأوسع من أن يشمل الصلاة فقط.

إن الانشغال عن الدنيا بذكرِ وحمد الله عزوجل لا يعني انطواء العبدِ وعزلته عن الناس وتفرغه للتعبد، بل يعني اتخاذ دار الدنيا لحمد وثناءِ الله عزوجل، وفي الوقت نفسه ممارسة نشاطات الحياة فيها، والدعاء بأن يوفق لذلك مبتعدا عن الغفلات، يقول الإمام زين العابدين علیه السلام في دعائه مكارم الأخلاق: « اللهم نبهني لذكرِكَ في أوقات الغفلة، واستعملني لطاعتك في أيام المهلة » (3)، والحمد والثناء من الذكر، فيشمله طلب الدعاء.

ويعضد ذلك ما روي عن الإمام علي علیه السلام: « إنّ الدنيا لم تُخلق لكم

ص: 148


1- سورة الرعد 28.
2- سورة العنكبوت: 45.
3- الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين ، ص 116.

دار مقام، بل خُلِقت لكم مجازًا لتزودوا منها الأعمال إلى دار القرار (1).

أما سبب تخصيص الإمام زين العابدين علیه السلام في دعائه أثناء زيارته لجده الإمام علي بالحمد والثناء دون سائر الأذكار؛ فلعله إشارة منه علیه السلام إلى أنه وبعد معرفة الله عزوجل يأتي لزوم شكره، والثناء على عطاياه؛ وهذا ما تُشير إليه القاعدة العقلية (الزوم شكر المنعم)، التي هي إحدى القواعد التي توجب على العبدِ معرفةَ ربِّه؛ روي في فضل الحمد « عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ قُلْتُ لأبي عَبْدِ الله علیه السلام: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهُ عزوجل؟ فَقَالَ أَنْ تَحْمَدَه » (2).

وفي الثناء الذي هو التمجيد لله عزوجل، ومدحه، روي « عن الإمام الصادق علیه السلام: إنّ العبد لتكونَ له الحاجة إلى الله فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمد وآله حتى ينسى حاجته، فيقضيها من غير أن يسأله إياها » (3).

أما عن كيفية الثناء فقد روي عن أبي عَبْدِ الله علیه السلام: « إِذَا طَلَبَ أَحَدُكُمُ الْحَاجَةَ فَلْيُثْنِ عَلَى رَبِّهِ وَلْيَمْدَحْهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَبَ الْحَاجَةَ

ص: 149


1- نهج البلاغة، ج 2، ص 15 ، خ 132.
2- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب التحميد والتمجيد، ح 2.
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسي ، ج 39، ص 312.

مِنَ السُّلْطَانِ هَيَّأَ لَهُ مِنَ الْكَلامِ أَحْسَنَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِذَا طَلَبْتُمُ الحَاجَةَ فَمَجدُوا الله الْعَزِيزَ الجُبَّارَ وَامْدَحُوهُ وَأَنْنُوا عَلَيْهِ تَقُولُ: يَا أَجْوَدَ مَنْ أَعْطَى وَيَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ يَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ، يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، يَا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، يَا مَنْ لَمْ يَتَّخِذُ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَداً، يَا مَنْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَيَقْضِي مَا أَحَبَّ، يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ، يَا مَنْ هُوَ بِالمَنْظَرِ الأَعْلَى، يَا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء، يَا سَمِيعُ يَا بَصِيرُ. وَأَكْثِرُ مِنْ أَسْمَاءِ الله عزوجل؛ فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّه كَثِيرَةٌ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و وَآلِه » (1).

وجميع ذلك إقرار بوجودِ الله عزوجل، والمعرفة به.

السؤال الثاني: ماهي الآثار الدنيوية والأخروية المترتبة على الانشغال عن الدنيا بذكر الله عزوجل وحمده وثنائه؟

الجواب: الآثار عديدة، منها:

1 - الاطمئنان القلبي.

2 - تخفيف الحساب.

3 - بلوغ المنازل الشريفة في الدارين.

ص: 150


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 2، باب الثناء قبل الدعاء، ح 6.

4 - ديمومة حياطة الله عزوجل له.

5 - زيادة الأرزاق.

6 - إحياء القلوب.

7 - كثرة البركة.

8 - النجاة من الهلكة.

9 - الابتعاد عن الشيطان.

10 - الدنو من ملائكة الرحمن.

السؤال الثالث: كيف جسّد الإمام السجاد علیه السلام وهو سيد الساجدين وزين العابدين مفهوم الانشغال عن الدنيا بذكر الله عزوجل؟

الجواب: لقد جسّد الإمام زين العابدين علیه السلام صاحب هذه الزيارة الانشغال بحمد الله عزوجل والثناء عليه تاركًا الدنيا وزخرفها عن طريق المنظومة العبادية التي أسسها علیه السلام من صلاة ودعاء عالي المضامين، عميق المقاصد، وكان هذا سلاحه في مواجهة الدنيا وأهل الدنيا، فجمع بين محاربة الدنيا وتهذيب المتعلقين بها، وبين الانشغال بحمد الله عزوجل وثنائه.

لكن هذا لا يعني أنّه ترك وظيفته الدعوية، وظيفة الأنبياء عليهم السلام؛ إذ هو إمام ذلك الزمان بعد أبيه الحسين علیه السلام، بل كانتْ أدعيتُه فيها نوع

ص: 151

من الدعوة إلى الله عزوجل ذات صبغة تعليمية مكتسية بعبارات تكشفُ الحكّام الظالمين ومتلألئة بأنوارٍ معرفية عقائدية وفقهية وأخلاقية، فكتب صحيفته السجادية التي تُسمّى (زبور آل محمد)؛ لعظمتها، فهذا هو

الحمد والثناء الذي جسده علیه السلام.

ومن المؤسف أنّ البعض يعتقد في إمامه السجاد علیه السلام أنه اتخذ من البكاء وردًا ،له واعتزل شؤونَ الأمة الإسلامية آنذاك، وقد غابت عنهم أمور عديدة غير دور السلاح الدعائي، منها: أنه علیه السلام كان يشتري عبيدا ويعلّمهم ثم يعتقهم؛ لينشروا ما تعلموه بين الأوساط، فكان هذا من قبيل الانشغال بنشر حمد الله عزوجل الواحد الأحد والثناء عليه.

وكذا خطبته البليغة التي تشهد بموقفها المسيرة الحسينية، حيثُ كانت من قبيل نشر حمد وثناء الله تعالت أسماؤه.

السؤال الرابع: هناك بالتأكيد فارق كبير بين من ينشغل عن الدنيا وبين من ينشغل بالدنيا، ولنا في سير الماضين دروس وعبر فهلا بينتم هذا الأمر؟

الجواب: إنّ الفرق بين الجملتين هو حرفُ جر، فمفاد الأولى صرفُ الإنسانِ عن الدنيا، والثانية تغمسه في الدنيا. وشتّانَ ما بين الحالين.

ص: 152

لنأخذ مثالًا الشخص المَزُوْرَ ، النور في الديجور، أمير المؤمنين، علياً علیه السلام فقد كان كثيرًا ما يدعو إلى الزهد في الدنيا - الزهد أن لا يملكك شيءُ -، ولهذا كانت بطولاته وشجاعته مسجلةً أسمى الدرجات، وفاق من زاحمه المنصب القيادي آنذاك، وكان لا يهاب الموت ومفارقة الدنيا، حتى أصبح الموت له ولذريته عادة، والكرامة له ولهم الشهادة.

والمواقف التاريخية خير شاهد على ذلك؛ وما نومه في فراش النبي الله صلی الله و علیه و آله إلا تجل للانشغال بحمد الله عزوجل وثنائه، وترك التعلق بالدنيا، مع الاستعداد للموت. وما مشاركته في الحروب مع ابن عمه صلی الله و علیه و آله إلاّ تجل آخر أيضًا.

وعلى هذا فليقس كلّ من لا يعرف شيئًا عن آل محمد عليهم السلام فتوارثهم ذلك كان من المصطفى الأحمد، محمد صلی الله و علیه و آله.

ومن هنا توارثت العترة المحمدية خصلة الانشغال عن الدنيا بحمد وثناء الواحد الأحد، مع مراعاة وظائفهم المنوطة بهم، التي هي الخلاصة لأهم الدروس والعبر المستفادة من هذه الزيارة العظيمة التي شملت وتضمنت مفاهيم غاية في الأهمية تساهم وبشكل فعّال في صلاح الفرد والمجتمع ككل.

والخلاصة: أنّ الدعاء الوارد في زيارة أمين الله علیه السلام يُحاكي جوارح

ص: 153

وجوانح العبد؛ فتارةً يُحاكي الجوارح كالفقرات التالية: مولعةً بذكرك، مفارقةً لأخلاق أعدائك، مشغولةً عن الدنيا بحمدك وثنائك، ذاكرةً السوابغ آلائك، مستنةً بسنن أوليائك.

وأخرى يُحاكي الجوانح كالفقرات التالية: مطمئنةً بقدرك، راضيةً بقضائك، صابرةً على نزول بلائك، مشتاقةً إلى فرحة لقائك متزودةً التقوى ليوم جزائك، شاكرةً لفواضل نعمائك، محبةً لصفوة أوليائك.

وكما تعوّدنا قراءة الأدعية الشاملة من أهل البيت السلام علیهم السلام عموما، ومن صاحب الزبور المحمدي الإمام زين العابدين علیه السلام خصوصا ، فهذا الدعاء أحد أدعيته، الذي يُعد أحد اللوائح المعرفية التي لا تخلو منها حياةً أيّ عبد، ومن ثم فلا استغناء عن مفردات هذا الدعاء. ونرجو أن نكون قد أعطينا الفقرات شيئاً من حقها بالتوضيح - وإنْ كان قاصرًا. -

وَالحَمْدُ لله الَّذِي تَحَبَّبَ إِلَيَّ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِّي، وَالحَمْدُ الله الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لا ذَنْبَ لِي، فَرَبِّي أَحْمَدُ شَيْءٍ عِنْدِي وَأَحَقُّ بِحَمْدِي.

ص: 154

الخاتمة

في ختام هذا الجهد المتواضع الذي اختتمت فقراته بالدعاء بالانشغال عن الدنيا بحمد وثناء الله عزوجل، لا يسعني سوى حمد الله وشكره عزوجل على فيض فضله، وتوالي أياديه، ونسائم توفيقه، على الإتمام، وبلوغ المرام، والوصول إلى نهاية المقام، عسى ولعلّ أكون قد أصبت البيان في شرح زيارة الإمام الهمام أمير المؤمنين علي علیه السلام، فالحمد الله أولاً وآخرا.

وفي ختام المطاف توصلت إلى هذه النتائج القاصرة:

1 - تركيز أغلب فقرات الزيارة على البعدين العقائدي والأخلاقي؛ لعلّه إشارة من المعصوم علیه السلام إلى ضرورة تنمية هذين الجانبين في شيعته؛ كما صنع في صحيفته السجادية.

2 - ترسيخ عقيدة التوحيد في الألوهية بين الشيعة؛ لدفع أوهام الغلاة الذين اتخذوا من الإمام علي علیه السلام إلها دون الله عزوجل.

3 - التنبيه على عدم فصل القرآن الكريم عن السنة النبوية المتمثلة بقول وفعل وسكوت المعصوم - نبيَّاً كان أو إمامًا -؛ وإلا فلا سنّة كسنة

ص: 155

أولياء الله حتى ندعو بالاستنان بسنته.

4 - تسليط الضوء على ضرورة التبري من أعداء الله عزوجل، فلازم مفارقة أخلاقهم هو التبرّي منهم.

5 - شياع حب الموت؛ وأنه ليس نهاية الحياة، بل هو حياة خالدة بالنعيم لمن تزود بالتقوى.

كما ولا بأس ببعض التوصيات التي منها:

1 - بيان الجذر القرآني لمفردات الزيارة؛ لترسيخ العقيدة في الأذهان.

2 - التأمل في مفردات زيارة الأئمة عليه السلام ككل سواء أكانت دعاءً أو سلامًا؛ فلا عقيدة إلا بمعرفة.

3 - الفقه والأخلاق يشكلان قاعدة هرم، رأسه العقيدة، فينبغي بيان وجه الارتباط الوثيق بينهم؛ ليدرك كل مؤمن استحالة انفصال ركن عن آخر.

والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد، وآل بيته الطاهرين.

ص: 156

المصادر

1 - القرآن الكريم.

2 - نهج البلاغة : للإمام علي علیه السلام.

3 - الصحيفة السجادية : للإمام زين العابدين علیه السلام.

4 - إقبال الأعمال : علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، ط 2 ، 1390ه_ .ق - 1349 ه- ش، دار الكتب الاسلامية، طهران.

5 - الاحتجاج : الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، ط 1، 1386ه- - 1966 1966م، منشورات دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف.

6 - الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل : الشيخ جعفر السبحاني بقلم الشيخ حسن محمد مكي العاملي، ج 1، ج2، ط 1، مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

7 - الأمالي: محمد بن علي بن الحسين ابن موسى بن بابويه القمي الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الاسلامية، مؤسسة البعثة، ط1، 1417ه-، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، طهران.

8 - الأمالي: محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق قسم الدراسات

ص: 157

الاسلامية، ط 1، 1414ه-، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع دار الثقافة، قم المقدسة.

9 - الأمالي: محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد تحقيق الحسين أستاد ولي - علي أكبر الغفاري، 1403 ه_ . ق، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة، المطبعة الإسلامية.

10 - الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، ج 1، طبعة جديدة منقحة.

11 - البلاغة الواضحة علي الجارم ومصطفى الأمين، ط3، مؤسسة الصادق للطباعة والنشر، مطبعة قرآن كريم مكتبة سيد الشهداء، قم المقدسة.

12 - التفسير الكاشف: محمد جواد مغنية ، ج1، ط 1 ، 1968م، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان.

13 - التوحيد : محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي، تصحيح وتعلق: المحقق البارع السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة.

14 - الجواهر السنية في الأحاديث القدسية : محمد بن الحسن بن علي بن - الحسين الحر العاملي منشورات مكتبة المفيد، قم المقدسة.

ص: 158

15 - الحقائق في محاسن الأخلاق محمد بن مرتضى بن محمود المعروف بلقب الفيض الكاشاني، تحقيق: الحاج محسن عقيل، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي.

16 - الخصال: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1403ه- - 1362م، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة.

17 - الشيعة في الميزان: محمد جواد مغنية، بلا، دار الشروق، بيروت.

18 - الصحيفة الجامعة لأدعية الإمام السجاد، زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: إشراف: سماحة السيد محمد باقر الموحد الأبطحي الأصفهاني، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي، ط1، 1411ه_.ق، مطبعة قم، مؤسسة الأنصاريان للطباعة والنشر شارع الشهداء، قم المقدسة.

19 - الغيبة : الشيخ محمد بن ابن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف ب- ابن أبي زينب النعماني تحقيق فارس حسون كريم، ج1، ، طا ، 1422ه_ . ق ، أنوار الهدى للنشر، مطبعة مهر.

20 - الكافي : محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، تصحيح وتعلق: علي أكبر الغفاري، ج 1، ط 3 ، دار الكتب الاسلامية، طهران.

21 - المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية بالقاهرة: إبراهيم مصطفى

ص: 159

وأحمد الزيات وحامد عبد القادر ومحمد النجار، ج 2، بلا، دار الدعوة.

22 - المؤمن : للشيخ الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي من أصحاب الأئمة أبي الحسن الرضا أبي جعفر الجواد، أبي الحسن الهادي عليه السلام، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي ، ط 1، 1404ه_ ق - 1363ه_ ش، قم المقدسة.

23 - الميزان في تفسير القرآن السيد محمد حسين الطباطبائي، ج2، ج 11 ، بلا، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة.

24 - النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : تأليف العلامة الحلي، شرح المقداد السيوري، ط 1 ، 2015م، منشورات ديوان الوقف ،الشيعي مطبعة ،صبح بيروت.

25- النيات والخواطر: تقرير لأبحاث المحقق آية الله الشيخ محمد السند دام ظله) بقلم : إبراهيم حسن البغدادي، ط1، 1431ه_ - 2010م، الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

26 - بحار الأنوار الشيخ محمد باقر المجلسي، ج 5 ، ج 3، ج 53، ج 67 ، ج 68 ، ج 79، ج 4 9 ، ج 95 ، ط، 2 ، 1403ه- - 1983م، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان.

27 - بداية الحكمة: السيد محمد حسين الطباطبائي، ط 1 ، 1433ه_ - 2012 م ، مكتبة الكلمة الطيبة، بغداد.

ص: 160

28 - بيضاء من نور، زيارة أمين الله شرح وتحليل: السيد محمود الموسوي، ط 1، 1437 ه- - 2016م، مركز الفكر الرسالي للدراسات والأبحاث.

29 - تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليهم : الشيخ الثقة الجليل الأقدم أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط 2 ، 1363 - 1404ق، مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة) لجماعة المدرسين، بقم المشرفة.

30 - تصحيح اعتقادات الإمامية : الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم أبي عبد الله العكبري ،البغدادي، تحقيق حسين درگاهی، ط 2 ، 1414ه- - 1993م.

31 - تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: عبد الواحد بن محمد الآمدي التميمي، تحقيق: المصطفى الدرايتي، ط 1 ، مكتب الإعلام الاسلامي.

32 - تفسير العياشي: محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي تصحيح وتحقيق وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، ج 2، تصدر لطبعه ونشره السيد الجليل الحاج السيد محمود الكتابجي وأولاده.

33- تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: حجة الاسلام العلامة السيد يطيب الموسوي الجزائري، ج 2، 1387ه-،

ص: 161

مطبعة النجف.

34 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : الشيخ محمد بن علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، تقديم العلامة الجليل السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، ط 2 ، 1368 ه- ش، منشورات الرضى، مطبعة أمير، قم المقدسة.

35 - جامع السعادات المولى محمد مهدي النراقي، تحقيق وتعليق: العلامة السيد محمد كلانتر، تقديم الشيخ محمد رضا المظفر ، ج 3، ط 4

36 - خمسون درس في الاخلاق للشيخ عباس القمي، تحقيق: نزار الحسن، ط1، 1425ه- - 2004م، مكتبة الأمين، كربلاء المقدسة، الكويت.

37 - دروس في علم الأصول: السيد محمد باقر الصدر، ح3، ط2، 2009م - 1430ه_، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع.

38- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، تحقيق: علي عبد الباري عطية، ج 6 ، ط 1 ، 1415ه- ، دار الكتب العلمية، بيروت.

39 - رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثانية تقديم وإشراف السيد أحمد الحسيني، إعداد السيد مهدي الرجائي، 1405ه-، منشورات دار القرآن الكريم، مطبعة الخيام، قم المقدسة.

ص: 162

40 - شرح اصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني تعليق الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح السيد علي عاشور، ج 10، ج5، ط 1، 1421ه- _ 2000م، دار احياء التراث العربي للطباعة والنشر

والتوزيع، بيروت.

41 - شرح نهج البلاغة : ميثم بن علي بن ميثم البحراني، تصحيح عدة من الأفاضل ، ج 4 ، بلا.

42 - فضائل الشيعة محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الصدوق، بلا.

43 - علل الشرايع الشيخ محمد بن علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، ج 1 ، 1385ه- - 1966م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.

44 - عيون أخبار الرضا الشيخ محمد بن علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، تحقيق تصحيح وتعليق وتقديم : الشيخ حسين الأعلمي ، ج 2، ط 1، 1404 ه- - 1984م، منشورات مؤسسة الأعلمي

للمطبوعات، بيروت.

45 - كامل الزيارات : الشيخ الجليل جعفر بن محمد بن قولويه القمي تحقيق الشيخ جواد القيومي، ط 1 ، مؤسسة النشر الاسلامي.

46 - كمال الدين وتمام النعمة : الشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي

ص: 163

بن الحسين بن بابويه القمي، تصحيح وتعليق: على أكبر الغفاري، ج1، مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة ) لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

47 - لسان العرب محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي ، ط3، 1414ه-، دار صادر، بيروت.

48 - مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل: الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج 12، ط 2، 1308 ه- - 1988م، مؤسسة آل البيت عليه السلام لإحياء التراث، بيروت.

49 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد: الشهيد الثاني الشيخ زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 1، 1407 ه-.ق، مطبعة مهر، قم المقدسة.

50 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: أبو الفضل علي الطبرسي، تحقيق: مهدي ،هوشمند، ط 1 ، دار الحديث.

51 - مصباح الشريعة للإمام جعفر الصادق ط 1 ، 1400ه_ - 1980 م ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.

52 - مصباح المتهجد محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي، ط 1، 1411ه- - 1991م، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت.

53 - معجم اللغة العربية المعاصرة: د. أحمد مختار عبد الحميد، ط1،

ص: 164

1429ه- - 2008م ، عالم الكتب.

54 - معجم مقاييس اللغة: أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، ج 5، 1404ه-، مطبعة مكتب الاعلام الاسلامي، قم المقدسة.

55 - مقامات السالكين السيد عباس نور الدين، ط 1 ، 2009م، مرکز باء للدراسات والنشر، بيروت.

56 - مكارم الأخلاق الشيخ رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي، ط6 ، 1392ه- – 1972م.

57 - من لا يحضره الفقيه : الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ج2، بلا، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة.

58 - موسوعة كلمات الإمام الحسين: إعداد: محمود الشريفي -السيد حسين سجادي تبار محمود الأحمديان- السيد محمود المدني، معهد باقر العلوم منظمة الإعلام الإسلامي منظمة الأعلام الإسلامي،ط 1، 1425ه-. ق، انتشارات أسوة ((التابعة لمنظمة الأوقاف والأمور الخيرية))، مطبعة أسوة.

59 - ميزان الحكمة محمد الري ،شهري تحقيق دار الحديث، ط1، 1416ه-. ق، دار الحديث، مطبعة دار الحديث.

ص: 165

60 - نظرات في التصوف والكرامات لمحمد جواد مغنية، بلا، منشورات المكتبة الأهلية، بيروت.

المواقع

الموسوعة الطبية، موقع إلكتروني.

ص: 166

ص: 167

ص: 168

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.