كتاب إبليس اللعين : مکائده، مصایده، و امانیه، مواعیده و مواعظه

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -

عنوان المؤلف واسمه: کتاب ابلیس اللعین: مکائده، مصایده، و امانیه، مواعیده و مواعظه/ تالیف هادي النجفي.

تفاصيل النشر: قم: دلیل ما، 1429ق.= 1387.

مواصفات المظهر: 144 ص.

شابک : 17000 ریال 978-964-397-387-2 :

حالة الاستماع: فاپا

ملحوظة : العربية.

ملحوظة : کتابنامه: ص. [141] - 144؛ أيضا مع ترجمة.

موضوع : شیطان

تصنيف الكونجرس: BP226/1/ن3ک2 1387

تصنيف ديوي: 297/467

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 2 2 5 8 3 0

كتاب إبليس اللعين

مكائده ، مصايده ، وأمانيه

مواعيده و مواعظه

تأليف

الشيخ هادي النجفي

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

- «أبو منصور الطبرسي بإسناده إلى أبي محمد العسكري عليه السلام قال: قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام علماء شيعتنا مرابطون في الشغر الذي يلي ابليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلط عليهم ابليس وشيعته النواصب ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع على أديان محبّينا، وذلك يدفع عن أبدانهم».(1)

المرابطة ملازمة ثغر العدوّ مايلي دار الحرب وموضع المخافة من فروج البلدان العفريت: الخبيث المنكر، الخزر: اسم جبل.

«أبو منصور الطبرسي بإسناده عن أبي محمد عليه السلام قال: قال علي بن محمد عليه السلام: لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين الضعفاء عباد الله من شباك ابليس ومردته، ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، اولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل».(2)

الذب: الدفع الشباك جميع الشبكة التي يصادبها، المردة: المستمردون العاصون الفخ المصيدة.

ص: 4


1- الاحتجاج /17؛ التفسير المنصوب إلى الإمام العسكري عليه السلام / 343 ح221.
2- الاحتجاج 18؛ التفسير المنصوب إلى الإمام العسكري عليه السلام / 344ح225.

الفهرس

تمهيد 13

معرفة عدوّ اللَّه إبليس من الفرائض 17

حكمة خلق إبليس 18

الكبر أوّل عصيان إبليس 19

خمسة من شرّ خلق اللَّه 20

إبليس ليس مَلَكاً 21

صلاة إبليس في السماء 21

سبب التسمية بإبليس 22

سبب تسميته بالخناس 23

طمع إبليس في رحمة اللَّه يوم القيامة 23

إقرار إبليس بالدعوة الظاهرة مع الملائكة 24

إبليس ولد كافراً 24

الشيطان يبيض ويفرّخ في صدور أتباعه 25

مؤمنٌ من نسل إبليس 26

ص: 5

غواية إبليس لآدم وزوجته 27

عدم مفارقة إبليس لابن آدم 28

أشدّ عذاب اللَّه لإبليس إملائه 29

إبليس يحضر المولود 29

الشيطان يطلب أتباعه 30

الدُّنيا شبكة الشيطان 30

يستولي الشيطان على اوليائِهِ إذا ... 31

غواية إبليس في ثلاث 31

الشيطان يُزَيِّنُ للعبد المعصية ليركِبَها 32

رضى إبليس بصغائر الذُّنوب 32

تزيين الشيطان سيّئات الذنوب 33

من ترك فريضة أو ارتكب كبيرة فهو مع إبليس في النار 33

مَصْيَدَة إبليس العظمى 34

العُصاة خيل إبليس ورجّالته 34

نسيان الاستغفار من إبليس 35

الشاذّ من الناس للشيطان 35

ثلاث أقرب مواطن إلى إبليس 36

سرعة تلقّف الأبالسة لابن آدم 36

استمكان إبليس من ابن آدم في ثلاث 37

الشيطان يأخذ برقبة ابن آدم بالمال 37

قول إبليس لجنوده بإلقاء الحسد والبغي بين العباد 38

إلقاء إبليس العداوة والهجران بين المؤمنين 38

الشيطان يذهب بالحلم 39

ص: 6

عمل الشيطان الفرقة والفتنة 41

نصب إبليس حبائله في دار الغرور 41

النساء حبالات إبليس 42

قطع إبليس لذكر اللَّه 43

عبادة الأصنام من بدع إبليس 43

اشتداد غضب إبليس 46

لعن إبلس بالكبر 47

إتيان إبليس للعباد من طريق العبادة والبرّ 48

لإبليس كحل ولعوق وسعوط 49

كُحْلِهِ وسفوفه ولعوقه 50

الغضب طريق إبليس 50

إغواء إبليس بالدرهم والدينار 51

إبليس أوّل مَن كفر 51

أوّل من كفر وحرص وحسد 52

أوّل مَنْ غنّى إبليس 52

إبليس إمام المتعصّبين 53

إبليس أوّل من يلوط بنفسه 55

إبليس أوّل من لاط به 56

اسمه في السماء و . . . أنّه أوّل مَن عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ 56

المساحقة من عمل لاقيس بنت إبليس 57

أوّل من صنع المعازف والملاهي إبليس 57

أوّل من عمل المنجنيق إبليس 58

إبليس وضع السحر 58

ص: 7

جاحد الأئمّة المعصومين عليهم السلام بمنزلة إبليس 59

دولة إبليس 60

أبو منصور رسول إبليس 60

الخمر شراب إبليس وهو بوله 61

النظرة سهم من سهام إبليس 62

النمّام شريك إبليس 62

شارب الخمر أخٌ لإبليس 63

الثلثان من العصير نصيب الشيطان 64

نصيب إبليس من الكبش 65

مهبط إبليس البصرة 66

الأسواق مَيَدان إبليس 67

مراكب إبليس 67

نوم إبليس 68

الشعر من إبليس 69

أبيات له 69

القياس من عمل إبليس 70

الحسن البصري أخو إبليس 70

وقت بثّ إبليس جنوده 71

تقليل إبليس المسلمين في أعين الكفّار يوم بدر 72

دعوى إبليس بالصلاة له عند طلوع الشمس 73

نظر إبليس إلى المصلّي حسداً 73

الديّوث لا يسكن الجنّة 74

إذا أطال أحدكم ركوعه وسجوده هتف إبليس : يا ويلاه 74

ص: 8

كره إبليس للسجود الطويل 75

العبادة والسجدة لابدّ أن تكونا كما أمر اللَّه تعالى بهما 75

عداوة إبليس لأداء الأمانة 76

التحرّز من إبليس بالخوف الصادق 77

يئس الشيطان من إطاعته حين نزل الوحي 77

خمسة ليس له فيهم حيلة 77

خمش وجه إبليس وقرحه 78

زيارة الإخوان أنكى شي ء لإبليس 78

الأعمال التي تباعد عنّا إبليس 79

الصدقة تُسوِّد وجه إبليس 79

ما يغيظ إبليس قول العبد : الحمد للَّه والعاقبة للمتّقين 80

ينحّي ملك الموت إبليس عن المصلّي 81

إبليس لم يسلّط على عقل المؤمن 82

وإن جهد إبليس جُهده 82

مَن عُصِمَ من إبليس؟ 82

قراءة سورة لقمان تطرد إبليس 83

الدّعاء الحصن في السفر من الشياطين 83

دعاء الحراسة من إبليس 84

دعاء حفظ اللَّه عبده بسبعين ملكاً من إبليس وجنوده 85

أكل السفرجل ثلاثة أيّام يقي من كيد إبليس وجنوده 90

الاستعاذة باللَّه من الشيطان عند سماع نباح الكلب ونهيق الحمير 90

إنّ لإبليس شيطان يقال له : المتكوّن يأتي الناس في أيّ صورة شاء 91

تمثّل إبليس في أربع صور 92

ص: 9

رؤية إبليس في موضع الجمار 93

رؤية إبراهيم عليه السلام للشيطان 94

حُجِبَ إبليس عن السماوات السبع بمولد النبيّ صلى الله عليه وآله 95

طرد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إبليس من قم المشرّفة 97

أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إبليس بالقيام عن قم 98

ليس له على الشيعة سلطان 99

الصلاة على محمّد وآله يوجب النصرة على الشياطين 100

معنى قوله تعالى : « اسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ » 101

دعاء إبليس لنجاته بالخمس من أصحاب الكساء 102

رؤية إبليس حين عبادته نور عليّ عليه السلام 103

حثّ الأبالسة التراب على رؤوسهم يوم الغدير 104

صراخ إبليس يوم الغدير 104

رنّات إبليس الأربعة 106

إنّه لم يشارك محبّ أهل البيت عليهم السلام 107

إبليس لا يشارك أتباع عليّ عليه السلام 108

الملوط والزانية شركا بابن إبليس 108

مبغضي عليّ عليه السلام رفقاء إبليس 109

أشقى من إبليس 110

أمر إبليس شياطينه بتِشكيك الناس في أهل البيت عليهم السلام 111

تصوّر إبليس لعليّ بن الحسين عليهما السلام 117

الحسد والحرص من عمل إبليس 118

قدرة إبليس على ابن آدم عند الغضب 119

تكلّم إبليس مع موسى عليه السلام 119

ص: 10

مكالمة إبليس مع عيسى عليه السلام 121

محادثة إبليس للنبيّ يحيى عليه السلام 122

حسد إبليس لأيّوب النبيّ عليه السلام 124

استخدام النبيّ سليمان عليه السلام للشياطين 125

قصّة المقدسي وإبليس 126

موعظة إبليس لعليّ بن محمّد الصوفي 131

حضور إبليس أو وكيله عند الاحتضار 132

فرح إبليس بموت الفقيه 133

الفقيه أشدّ على إبليس من ألف عابد 133

مناداة إبليس حين الظهور 134

ضرب عنق إبليس بسيف القائم(عج) 135

إيجاد التعادل بين آدم وعدوّه إبليس 137

غفران اللَّه جميع الذنوب لعباده بدلاً من تسليط إبليس عليهم 138

دعاء استعاذة الإمام السجّاد عليه السلام من ذكر الشيطان ومن عداوته وكيده 138

فهرس بعض مصادر الكتاب 141

ص: 11

ص: 12

تمهید

بسم الله الرحمن الرحیم

أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم وأحمد اللَّه تعالى ربّ العالمين ، واُصلّي واُسلِّم على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد المصطفى وعلى وصيّه أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب وأولاده الأئمّة الهُداة المعصومين سيّما الحجّة المستور المنتظر المهدي صاحب العصر والزمان عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف .

كان إبليس من الجنّ فعبد اللَّه تعالى آلاف سنين حتّى صار في مقام ملائكة اللَّه المقرّبين ، وفي قصّة خِلْقة آدم عليه السلام وأمر اللَّه تعالى بسجود الملائكة له أبى إبليس أن يكون مع الساجدين وأخذته العصبيّة والكِبر وقال : أنا خيرٌ من آدم خلقتني من نار وخلقتُهُ من طين ، ولم أكن لأسجُد لبشرٍ خلقته من صلصالٍ من حمأٍ مسنون ، وبهذا العصيان والتكبّر هبطه ربّ العالمين من مقامه العالي .

فلمّا هبط دعا اللَّه تعالى « قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » فأجابه اللَّه تعالى « قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ » .(1)

ص: 13


1- سورة الحجر : 36 - 38 .

وحيث كان علّة هبوطه عدم سجوده لآدم عليه السلام صار عدوّاً له ولذرّيته و « قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَبِعِزَّتِكَ(1) - لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ » .(2)

وبعد إسكان آدم وزوجته في الجنّة وأمرهما بعدم التقرّب من الشجرة والأكل منها ، جاء إبليس ووسوس لهما بالخلود أو أن يكونا مَلَكين وقاسمهما أنّي لكما لمن الناصحين فدلّهما بغرور ، فلمّا ذاقا الشجرة هبطا من الجنّة .

لا يزال إبليس يكون لآدم وذريّته عدوّاً مبيناً ، يُزيِّن لهم أعمالهم ويأمرهم بالفحشاء والمنكر والسوء ويعدهم الفقر ويوقع بينهم العداوة والبغضاء ويأمرهم بشرب الخمر واللعب بالميسر ويصدّهم عن ذكر اللَّه وعن الصلاة ، وليس عمله إلّا الدعاء والوسوسة وإلقاء الأماني والآمال ، وله خطوات وجنود وأولاد وأعمال ومكائد ومصايد ومواعيد وآخر همّه أن يجعل الإنسان كافراً ويقول له : اكفر فلمّا كفر قال : إنّي بري ءٌ منك إنّي أخاف اللَّه ربّ العالمين .

وقد وعد اللَّه أن يجعل جهنّم موعد مَن اتّبعه وقال له : « لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ » .(3)

وعلى هذا يجب علينا معرفة عدوّ اللَّه وعدوّنا إبليس وحِيلَه ومكائده ومصايده واشتباكاته وأعماله وأفعاله وطرقه وجنوده حتّى يوفّقنا اللَّه للخلاص منه والوصول إلى الجنّة إن شاء اللَّه تعالى .

وإنّي حين مطالعتي للروايات الشريفة الواردة عن أهل بيت العصمة

ص: 14


1- ورد في سورة ص / 82 .
2- سورة الحجر : 40 .
3- سورة الأعراف : 18 .

والطهارة عليهم السلام وجدت فيها ما يشتمل على لزوم معرفة عدوّ اللَّه إبليس ومكائده ومصايده ومواعظه ، ومن المعلوم أنّ العبد لا يتمكّن من المسير على الصراط المستقيم إلّا بمعرفة ما ينحرفه عنه ، فلذا عزمت على تأليف هذا السفر الذي يجمع بين دفّتيه ما ورد من رواياتهم عليهم السلام في إبليس اللعين وقد سميته ب «كتاب إبليس اللعين» مكائده ومصايده وأمانيه ومواعيده ومواعظه .

وإنّي بحقٍّ أقولُها أنّ من يقرأ هذه الروايات الواردة في شأن إبليس اللعين ويعمل على طبقها ستكون له حصناً حصيناً منه ومن جنوده إن شاء اللَّه تعالى .

وأسأل اللَّه تعالى في ختام هذا العمل أن يجعلني من عباده الذين ليس لإبليس عليهم سلطان ، وهم الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون وهم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الأئمّة المعصومين عليهم السلام .

والحمد للَّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً .

يوم الثلاثاء ، العشرين من رجب 1427

اصفهان . هادي النجفي

ص: 15

ص: 16

معرفة عدوّ اللَّه إبليس من الفرائض

1 - أبو علي محمّد بن همام الإسكافي رفعه عن المفضّل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال اللَّه عزّ وجلّ : افترضت على عبادي عشرة فرائض؛ إذا عرفوها أسكنتهم ملكوتي وأبحتهم جنّاني :

أوّلها : معرفتي .

والثانية : معرفة رسولي إلى خلقي والإقرار به والتصديق له .

والثالثة : معرفة أوليائي وأنّهم الحجج على خلقي ، مَنْ والاهم فقد والاني ومَنْ عاداهم فقد عاداني وهم العَلَم فيما بيني وبين خلقي ، ومَنْ أنكرهم أصليته(1) ناري وضاعفت عليه عذابي .

والرابعة : معرفة الأشخاص الذين أُقيموا من ضياء قدسي وهم قوّام قسطي .

والخامسة : معرفة القوّام بفضلهم والتصديق لهم .

والسادسة : معرفة عدوّي إبليس وما كان من ذاته وأعوانه .

والسابعة : قبول أمري والتصديق لرُسلي .

ص: 17


1- أدخلته، نسخة بدل.

والثامنة : كتمان سرّي وسرّ أوليائي .

والتاسعة : تعظيم أهل صفوتي والقبول عنهم والردّ عليهم فيما اختلفتم فيه حتّى يخرج الشرح(1) منهم .

والعاشرة : أن يكون هو وأخوه في الدِّين شرعاً سواء .

فإذا كانوا كذلك أدخلتهم ملكوتي وآمنتهم من الفزع الأكبر وكانوا عندي(2) في علِّيين .(3)

قال العلّامة المجلسي في ذيل الحديث : «كأنّ الفرق بين الثالثة والرابعة أنّ الاُولى في الحجج الموجودين وقت الخطاب كعليٍّ والسبطين عليهم السلام ، والثانية في الأئمّة بعدهم ، أو الاُولى في سائر الأنبياء والاوصياء والثانية في أئمّتنا عليهم السلام» .

حكمة خلق إبليس

2 - أبو منصور الطبرسي رفعه عن هشام بن الحكم قال : سأل الزنديق أبا عبداللَّه عليه السلام في حديثٍ قال : أفمِنْ حكمته أن جعل لنفسه عدوّاً وقد كان لا عدوّ له ، فخلق كما زعمت إبليس فسلّطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته ويأمرهم بمعصيته وجعل له القوّة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم فيوسوس إليهم فيشكّكهم في ربّهم ويلبس عليهم دينهم فيزيلهم عن معرفته حتّى أنكر قوم لمّا وسوس إليهم ربوبيّته وعبدوا سواه فلِمَ سلّط عدوّه على عبيده وجعل

ص: 18


1- الشرع ، نسخة بدل .
2- عبيدي ، نسخة بدل .
3- التمحيص / 69 ح 167 ونقل عنه في بحار الأنوار : 66 / 13 ح 13 .

له السبيل إلى إغوائهم؟

قال عليه السلام : إنّ هذا العدوّ الذي ذكرت لا تضرّه عداوته ولا تنفعه ولايته ، وعداوته لا تنقص من مُلكه شيئاً ، وولايته لا تزيد فيه شيئاً ، وإنّما يتّقي العدوّ إذا كان في قوّة يضرّ وينفع ، إن همَّ بمُلكٍ أخذه أو بسلطانٍ قهره ، فأمّا إبليس فعبدٌ خلقه ليعبده ويوحِّده وقد عَلِمَ حين خلقه ما هو وإلى ما يصير إليه ، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتّى امتحنه بسجود آدم فامتنع من ذلك حسداً وشقاوةً غلبت عليه ، فلعنه عند ذلك وأخرجه عن صفوف الملائكة وأنزله إلى الأرض ملعوناً مدحوراً ، فصار عدوّ آدم وولده بذلك السبب ، وما له من السلطنة على ولده إلّا الوسوسة والدعاء إلى غير السبيل وقد أقرَّ مع معصيته لربّه بربوبيّته .(1)

الكبر أوّل عصيان إبليس

3 - الكليني ، عن عليّ عن أبيه وعليّ بن محمّد جميعاً عن القاسم بن محمّد عن سليمان المنقري عن عبد الرزّاق بن همام عن معمّر بن راشد عن الزهري محمّد بن مسلم بن عبيداللَّه قال : سُئل عليّ بن الحسين عليهما السلام : أيّ الأعمال أفضل عند اللَّه؟ قال : ما من عملٍ بعد معرفة اللَّه عزّ وجلّ ومعرفة رسوله صلى الله عليه وآله أفضل من بغض الدُّنيا ، فإنّ لذلك لشعباً كثيراً ، وللمعاصي شعب ، فأوّل ما عصى اللَّه به الكبر معصية إبليس حين « أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ »(2) ، ثمّ الحرص وهي معصية آدم وحوّاءعليهما السلام حين قال اللَّه عزّ وجلّ : « فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا

ص: 19


1- الاحتجاج : 2 / 338 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 60 / 235 ح 75 .
2- سورة البقرة : 34 .

هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ »(1) فأخذا ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذرّيتهما إلى يوم القيامة ، وذلك أنّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه ، ثمّ الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله ، فتشعّب من ذلك حبّ النساء وحبّ الدُّنيا وحبّ الرياسة وحبّ الراحة وحبّ الكلام وحبّ العلوّ والثروة ، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلّهنّ في حبّ الدُّنيا ، فقالت الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حبّ الدُّنيا رأس كلّ خطيئة ، والدُّنيا دنياءان : دنيا بلاغ ودنيا معلونة .(2)

وللعلّامة المجلسي قدس سره بيان في ذيل الحديث فراجع بحار الأنوار .(3)

خمسة من شرّ خلق اللَّه

4 - الصدوق عن عليّ بن محمّد الدقّاق عن أحمد بن يحيى القطّان عن بكر ابن عبداللَّه بن حبيب عن نصير بن عبيد عن نصر بن مزاحم المنقري عن يحيى بن يعلى عن يحيى بن سلمة بن كُهيل عن أبيه عن سالم بن أبي الجُعد عن أبي حرب ابن أبي الأسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله يقول : من(4) شرِّ خلق اللَّه خمسة : إبليس ، وابنُ آدم الذي قتل أخاه ، وفرعونُ ذو الأوتاد ، ورجلٌ من بني إسرائيل ردّهم عن دينهم ، ورجلٌ من هذه الاُمّة يبايع

ص: 20


1- سورة الأعراف : 19 .
2- الكافي : 2 / 316 ح 8 .
3- بحار الأنوار : 70 / 20 (28 / 337) كلاهما من طبع بيروت .
4- ليس في وقعة صفّين كلمة «مِنْ» .

على كفرٍ(1) عند باب لُدٍّ(2) ، قال : ثمّ قال : إنّي لمّا رأيت معاوية يُبايَع عند باب لدٍّ ، ذكرتُ قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فلحقتُ بعليٍ عليه السلام فكنتُ معه .(3)

رواها نصر بن مزاحم المنقري المتوفّى سنة 212 في كتابه وقعة صفّين / 217 .

إبليس ليس مَلَكاً

5 - العياشي رفعه عن جميل بن درّاج عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن إبليس أكان من الملائكة ، وهل كان يلي شيئاً من أمر السماء؟ قال : لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئاً من أمر السماء ، وكان من الجنّ وكان مع الملائكة وكانت الملائكة تراه أنّه منها ، وكان اللَّه يعلم أنّه ليس منها ، فلمّا أُمر الملائكة بالسجود كان منه الذي كان .(4)

وللعلّامة المجلسي رحمه الله بيان في ذيل الحديث ، فراجعه .

صلاة إبليس في السماء

6 - الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبداللَّه عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن حسّان عن عليّ بن عطية قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : إنّ إبليس عَبَدَ اللَّه في السماء سبعة آلاف سنة في ركعتين فأعطاه اللَّه ما أعطاه ثواباً له بعبادته .(5)

ص: 21


1- في وقعة صفّين : كفره .
2- لُدّ بضمّ اللام وتشديد الدال : قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين .
3- الخصال : 1 / 319 ح 104 .
4- تفسير العياشي : 3 / 96 ح 36 ونقل عنه في بحار الأنوار : 60 / 218 ح 55 .
5- علل الشرائع : 525 ح 2 .

7 - وبالإسناد قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : حدِّثني كيف قال اللَّه عزّ وجلّ لإبليس « فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »(1)؟ قال : لشي ء كان تقدّم شكره عليه ، قلت : وما هو؟ قال : ركعتان ركعهما في السماء في ألفي سنة أو في أربعة آلاف سنة .(2)

8 - العياشي رفعه عن الحسن بن عطية قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : إنّ إبليس عبَدَ اللَّه في السماء الرابعة في ركعتين ستّة آلاف سنة ، وكان إنظار اللَّه إيّاه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة .(3)

ويمكن رفع التنافي بين الأزمنة بإمكان وقوع الجميع منه لعنة اللَّه عليه .

سبب التسمية بإبليس

9 - الصدوق عن المظفّر بن جعفر العلوي عن جعفر بن محمّد بن مسعود العياشي عن أبيه عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن محمّد بن الوليد عن العبّاس ابن هلال عن الرضاعليه السلام أنّه ذكر أنّ اسم إبليس الحارث ، وإنّما قول اللَّه عزّوجلّ : يا إبليس ، يا عاصي ، وسمّي إبليس لأنّه أبلس من رحمة اللَّه .(4)

قال الراغب : الإبلاس : الحزن المعترض من شدّة اليأس ، يُقال : أبلس ومنه اشتقّ إبليس فيما قيل ، قال تعالى : « وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ »(5) .(6)

ص: 22


1- سورة الحجر : 37 و 38 - سورة ص : 81 و 82 .
2- علل الشرائع : 525 ح 1 .
3- تفسير العياشي : 2 / 428 ح 13 .
4- معاني الأخبار : 138 .
5- سورة الروم : 12 .
6- المفردات : 58 .

10 - وروى أبو منصور الطبرسي نحوها في احتجاج مولانا محمّد بن عليّ الباقرعليه السلام على طاووس اليماني قال : فلِمَ سُمّي إبليس إبليس؟ قال : لأنّه أبلس من رحمة اللَّه عزوجلّ فلا يرجوها .(1)

سبب تسميته بالخناس

11 - الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبداللَّه عن ابي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سالته عن الخناس ، قال : إنّ إبليس يلتقم القلب ، فإذا ذكر اللَّه خنس فلذلك سُمي الخناس.(2)

الراوية صحيحة الإسناد ، التقم الطعام : ابتلعه ، يقال التقم اُذُنَهُ : اَي سارّه ، خنس عنه ، تأخّر وتنحّى وانقبض ، خنس بين أصحابه : استخفى .

طمع إبليس في رحمة اللَّه يوم القيامة

12 - الصدوق عن أحمد بن هارون الفامي عن محمّد بن عبداللَّه الحميري عن أبيه عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن زياد الكرخي قال : قال الصادق عليه السلام : إذا كان يوم القيامة نَشَرَ اللَّه تبارك وتعالى رحمته حتّى يَطْمَع إبليس في رحمته .(3)

الرواية معتبرة الإسناد .

ص: 23


1- الاحتجاج : 2 / 329 .
2- علل الشرائع / 526 .
3- أمالي الصدوق ، المجلس السابع والثلاثين : ح 2 / 273 الرقم 301 .

إقرار إبليس بالدعوة الظاهرة مع الملائكة

13 - الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن عمير عن جميل قال : كان الطيّار يقول لي : إبليس ليس من الملائكة ، وإنّما اُمرت الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام ، فقال إبليس : لا أسجد ، فما لإبليس يعصي حين لم يسجد وليس هو من الملائكة؟ قال : فدخلت أنا وهو على أبي عبداللَّه عليه السلام قال : فأحسن واللَّه المسألة ، فقال : جعلت فداك أرأيت ما ندب اللَّه إليه المؤمنين من قوله : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » أدخل في ذلك المنافقون معهم؟ قال : نعم ، والضلّال وكلّ من أقرَّ بالدعوة الظاهرة ، وكان إبليس ممّن أقرَّ بالدعوة الظاهرة معهم .(1)

الرواية صحيحة الإسناد والمراد بالطيّار هو محمّد بن عبداللَّه روى عن الباقر والصادق عليهما السلام ، وقد روي عن أبي عبداللَّه عليه السلام : أنّ أبا جعفرعليه السلام كان يباهي بالطيّار(2) ، وقد ورد شبيه هذه الرواية الأصلية ما بمعناها في الكافي : 8 / 274 ح 413 فراجعها إن شئت .

إبليس ولد كافراً

14 - الصدوق عن محمّد بن الحسن بن الوليد عن الصفّار عن أحمد بن محمّد ابن عيسى عن محمّد بن إسماعيل عن الحسن بن ظريف عن أبي عبد الرحمان عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : الآباء ثلاثة : آدم ولِدَ مؤمناً ، والجانّ ولد

ص: 24


1- الكافي : 2 / 412 ح 1 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 60 / 262 ح 142 .
2- راجع قاموس الرجال : 9 / 345 .

مؤمناً وكافراً ، وإبليس ولد كافراً ، وليس فيهم نتاج إنّما يبيض ويفرخ وولده ذكور ليس فيهم اُناث .(1)

أقول : تُحمل الرواية على الأغلبية من جهة الإيمان والكفر والذكورة لأنّ الوارد في بعض الروايات أنّ لإبليس بنت اسمها لاقيس وهي التي جاءت بالمساحقة ، فراجع الكافي 5 / 552 ح 4 .

الشيطان يبيض ويفرّخ في صدور أتباعه

15 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في خطبته التي يذمّ فيها أتباع الشيطان : اتَّخَذُوا الشيطانَ لأمرهم مِلاكاً واتّخذهم له أشراكاً فباض وفَرَّخ في صدورهم ودَبَّ ودَرَجَ في حجورهم ، فنظر بأعينهم ونَطَقَ بألسنتهم فَرَكِبَ بهم الزَّللَ وزَيَّنَ لهم الخَطَلَ ، فِعْلَ من قد شَرِكَهُ الشيطانُ في سلطانه ، ونطق بالباطل على لسانِهِ .(2)

مِلاك الشي ء : قوامه الذي يُمْلَكُ به ، الأشراك : جمع شَرَك وهو ما يُصاد به فكأنّهم آلة الشيطان في الإضلال .

باض وفرّخ : كناية عن توطّنه في صدورهم لأنّ الطائر لا يبض إلّا في عشّه ، وفراخ الشيطان : وساوسه ومكائده .

دبَّ ودرّج : تربّى في حجورهم كما يُربى الطفل في حجر والديه ، الزلل : الخطأ ، الخطل : أقبح الخطأ ، شَرِكَهُ : صار شريكاً له .

ص: 25


1- الخصال : 1 / 152 ح 186 .
2- نهج البلاغة ، الخطبة 7 .

مؤمنٌ من نسل إبليس

16 - عليّ بن إبراهيم القمّي رفعه وقال : الجنّ من ولد الجانّ ، منهم مؤمنون وكافرون ، ويهود ونصارى وتختلف أديانهم ، والشياطين من ولد إبليس وليس فيهم مؤمن إلّا واحد اسمه هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس ، جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فرآه جسيماً عظيماً وأمراً مهولاً فقال له : مَن أنت؟ قال : أنا هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس ، كنت يوم قتل قابيل هابيل غلاماً ابن أعوام أنهى عن الاعتصام وآمر بإفساد الطعام ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : بئس لعمري الشاب المؤمّل والكهل المؤمّر ، فقال : دع عنك هذا يا محمّد ، فقد جرت توبتي على يد نوح عليه السلام ، ولقد كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه ، ولقد كنت مع إبراهيم عليه السلام حين اُلقي في النار ، فجعلها اللَّه عليه برداً وسلاماً ، ولقد كنت مع موسى عليه السلام حين غرق اللَّه فرعون ونجّى بني إسرائيل ، ولقد كنت مع هودعليه السلام حين دعا على قومه فعاتبته على دعائه على قومه ، ولقد كنت مع صالح عليه السلام فعاتبته على دعائه على قومه ، ولقد قرأت الكتب فكلّها تبشّرني بك ، والأنبياء يقرؤونك السلام ويقولون : أنت أفضل الأنبياء وأكرمهم ، فعلِّمني ممّا أنزل اللَّه عليك شيئاً ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : علِّمه ، فقال هام : يا محمّد إنّا لا نطيع إلّا نبيّاً أو وصيّ نبيّ ، فمَنْ هذا؟ قال : هذا أخي ووصيّي ووزيري ووارثي عليّ بن أبي طالب ، قال : نعم ، نجد اسمه في الكتب إليا ، فعلَّمه أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا كانت ليلة الهرير بصفّين جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام .(1)

المؤمّل والمؤمّر : يمكن أن يُقرأ بالفتح بناءً على المفعول فيصير معنى بئس حالك

ص: 26


1- تفسير القمّي : 1 / 377 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 18 / 83 ح 2 .

في شبابك حيث كنتَ مؤمَّلاً أي يأملون منك الخير ولا يدركونه أو يأملون منك الشرّ بمناسبة تلازمك مع الشرور ، وفي حال شيخوختك وشيبتك صرت يأمرون بك إلى الخيرات ولا تنفعك ولا تسمع عنهم ، أو يأمرونك بالشرور لمواظبتك عليها .

ويمكن أن يُقرأ بالكسر - بناءً على الفاعل - فيصير معنى الشاب المؤمِّل في كلّ شي ء من الحلال والحرام والخير والشرّ والكهل المؤمِّر وإذا كنت شيخاً صرت أميراً وبقرينة لفظة بئس تحمل على الإمارة في الشرور والمحرَّمات وهكذا الأمر في المؤمِّل تحمل على الأمل الحرام أو الشرّ .

والقراءة بالكسر أظهر خلافاً للعلّامة المجلسي في ذيل الحديث في بحار الأنوار 18/84 حيث رجّح القراءة بالفتح .

غواية إبليس لآدم وزوجته

17 - عليّ بن إبراهيم القمّي عن أبيه رفعه قال : سُئل الصادق عليه السلام عن جنّة آدم ، أمِنْ جنان الدُّنيا كانت أم من جنان الآخرة؟ فقال : كانت من جنان الدُّنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما اُخرج منها أبداً ، قال : فلمّا أسكنه اللَّه الجنّة أتى جهالة إلى الشجرة لأنّه خلق خلقه لا تبقى إلّا بالأمر والنهي والغذاء واللباس والاكنان والتناكح ، ولا يدرك ما ينفعه ممّا يضرّه إلّا بالتوقيف ، فجاءه إبليس فقال له : إنّكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما اللَّه عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنّة أبداً ، وإن لم تأكلا منها أخرجكما اللَّه من الجنّة وحلف لهما أنّه لهما ناصح كما قال اللَّه تعالى حكايةً عنه : « مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ »(1) وكان كما

ص: 27


1- سورة الأعراف : 20 و 21 .

حكى اللَّه : « بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا »(1) وسقط عنهما ما ألبسهما اللَّه تعالى من لباس الجنّة ، وأقبلا يستتران من ورق الجنّة « وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ » .(2)

فقالا كما حكى اللَّه عزّ وجلّ عنهما : « رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ »(3) ، فقال اللَّه لهما : « اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ »(4) ، قال : إلى يوم القيامة .(5)

عدم مفارقة إبليس لابن آدم

18 - الطبرسي رفعه عن الحسن [البصري] قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : لمّا هبط إبليس قال : وعزّتك وجلالك وعظمتك لا اُفارق بن آدم حتّى تفارق روحه جسده ، فقال اللَّه سبحانه : وعزّتي وجلالي وعظمتي لا أحجب التوبة عن عبدي حتّى يغرغر بها .(6)

روى نحوها الثعلبي في تفسيره(7) والقرطبي أيضاً في تفسيره(8) باختلاف .

ص: 28


1- سورة الأعراف : 22 .
2- سورة الأعراف : 22 .
3- سورة الأعراف : 23 .
4- سورة الأعراف : 24 .
5- تفسير القمّي : 35 (الطبعة الحجرية) و 1 / 53 (الطبعة الحروفية) ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 11 / 161 ح 5 .
6- مجمع البيان : 4 / 22 . ذيل الآية 17 من سورة النساء ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 6 / 16 (2 / 466) .
7- الكشف والبيان المعروف بتفسير الثعلبي : 3 / 274 .
8- تفسير القرطبي : 5 / 93 .

غَرْغَرَ الرجلُ : جاد بنفسه عند الموت .

أشدّ عذاب اللَّه لإبليس إملائه

19 - الكشي عن أبي صالح خلف بن حمّاد قال : حدّثني أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي عن علي بن أسباط عن الحسين بن الحسن قال : قلت لأبي الحسن الرضاعليه السلام : إنّي تركت ابن قياما من أعدى خلق اللَّه لك ، قال : ذلك شرّ له ، قلت : ما أعجب ما أسمع منك جعلت فداك؟! قال : أعجب من ذلك إبليس ، كان في جوار اللَّه عزّ وجلّ في القرب منه ، فأمره فأبى وتعزّز فكان من الكافرين ، فأملى اللَّه له ، واللَّه ما عذّب بشي ء أشدّ من الإملاء(1) ، واللَّه يا حسين ما عذّبهم اللَّه بشي ء أشدّ من الإملاء .(2)

والمراد بابن قياما هو الحسين بن قياما ذكره الشيخ في رجاله(3) ووصفه بأنّه واقفيّ ، وقال العلّامة الحلّي في شأنه : « من أصحاب الكاظم عليه السلام واقفيّ لا يقول بإمامة الرضاعليه السلام ضعيف » .(4)

إبليس يحضر المولود

20 - العياشي رفعه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمّدعليهما السلام قال : ما من

ص: 29


1- أمْلى إمْلاءً عمرَهُ : طال عمرُهُ ومتَّعهُ به .
2- اختيار معرفة الرجال : 553 ح 1045 .
3- رجال الشيخ الطوسي : 348 الرقم 27 .
4- ترتيب خلاصة الأقوال : 166 الرقم 32 .

مولودٍ يُولَدُ إلّا وإبليس من الأبالسة بحضرته ، فإن عَلِم اللَّه أنّه من شيعتنا حَجَبه عن ذلك الشيطان ، وإن لم يكن من شيعتنا أثبت الشيطان إصبعه السَّبابة في دُبُره ، فكان مأبوناً ، [وذلك أنّ الذّكر يخرج للوجه(1)] فإن كانت امرأة أثبت في فرجها ، فكانت فاجرة ، فعند ذلك يبكي الصبيّ بُكاءً شديداً إذا هو خرج من بطن اُمّه ، واللَّه بعد ذلك يمحو ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب .(2)

الشيطان يطلب أتباعه

21 - الطوسي عن جماعة عن أبي المفضل بإسناده عن شقيق البلخي عمّن أخبره من أهل العلم قال: قيل لعليّ بن الحسين عليهما السلام : كيف أصبحت يا بن رسول اللَّه؟

قال : أصبحت مطلوباً بثمان : اللَّه يطلبني بالفرائض والنبيّ صلى الله عليه وآله بالسنّة والعيال بالقوت والنفس بالشهوة والشيطان باتّباعه والحافظان بصدق العمل وملك الموت بالروح والقبر بالجسد ، فأنا بين هذه الخصال مطلوب .(3)

الدُّنيا شبكة الشيطان

22 - الآمدي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : احذر الدُّنيا فإنّها شبكة الشيطان ومفسدة الإيمان .(4)

ص: 30


1- لم ترد هذه الجملة في نقل العلّامة المجلسي من الرواية في بحار الأنوار : 4 / 121 ح 65 (2 / 94) .
2- تفسير العياشي : 2 / 398 ح 72 .
3- أمالي الطوسي ، المجلس الثاني والثلاثون : ح 16 / 641 الرقم 1330 .
4- غرر الحكم : ح 2608 - عيون الحكم والمواعظ : 104 ح 2340 .

يستولي الشيطان على اوليائِهِ إذا ...

23 - الرضى رفعه عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال : إِنَّما بَدْءُ وقوع الفتنِ أهواءٌ تُتَّبَعُ واحكامٌ تُبْتَدَعُ ، يُخالفُ فيها كتابُ اللَّهِ ويتولّى عليها رجالٌ رجالاً على غيرِ دين اللَّه ، فلو أنّ الباطلَ خَلَصَ مِنْ مزاجِ الحقِّ لم يَخْفَ على المُرتادينَ ولو أنّ الحقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الباطلِ انْقَطَعَتْ عنه ألْسُنُ المعاندينَ ولكن يؤخذُ مِنْ هذا ضِعْثٌ ومن هذا صِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنالِكَ يستولي الشيطانُ على اوليائِهِ ويَنْجُو الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِن اللَّهِ الحُسْنى .(1)

غواية إبليس في ثلاث

24 - الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبداللَّه عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد البرقي عن عبد الرحمان بن محمّد العرزمي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : يقول إبليس لعنه اللَّه : ما أعياني في ابن آدم فلم يعيني منه واحدة من ثلاث : أخذ مال مِن غير حلِّه ، أو منعه من حقّه ، أو وضعه في غير وجهه .(2)

الرواية صحيحة الإسناد ، وقال العلّامة المجلسي رحمه الله في ذيله : «أي أيُّ شي ءٍ أعجزني في إضلال ابن آدم في أمر من الاُمور ومعصية من المعاصي فلا أعجز عن إضلاله في أحد هذه الاُمور الثلاثة فأغويه في واحدة منها ، أي غالباً» .(3)

ص: 31


1- نهج البلاغة - الخطبة 50 .
2- الخصال : 1 / 132 ح 141 .
3- بحار الأنوار : 60 / 223 .

الشيطان يُزَيِّنُ للعبد المعصية ليركِبَها

25 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في خطبته : . . . فَتَزوّدوا في الدُّنيا من الدُّنيا ما تَحرزُونَ به أنفسكم غداً ، فاتَّقى عبدٌ ربّهُ ، نَصحَ نَفْسَهُ وقدَّمَ توبتَهُ وغلبَ شهوَتَهُ فإنّ أجلهُ مستورٌ عنه وأملَهُ خادِعٌ له والشيطانُ مُوَكَّلٌ به يُزيِّن له المعصية ليركِبها ويُمَنِّيه التوبةَ ليسوِّفها إذا هَجَمت منيّتهُ عليه أغفل ما يكون عنها ، فيالها حسرةً على كلِّ ذي غَفْلةٍ أن يكون عمرُهُ عليه حُجّةً وأنْ تؤدِّيهُ أيّامهُ إلى الشقوة ... الخطبة .(1)

رضى إبليس بصغائر الذُّنوب

26 - السيّد فضل الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفرعليهما السلام عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال : إنّ إبليس رضى منكم بالمحقَّرات ، والذنب الذي لا يغفر قول الرجل : لا اُؤاخذُ بهذا الذنب ، استصغاراً له .(2)

27 - ابن شعبة الحراني رفعه إلى موسى بن جعفرعليهما السلام أنّه قال في وصيّته لهشام ابن الحكم : ... وإنّ صغار الذنوب ومُحقّراتها من مكائد إبليس يُحَقِّرُها لكم ويُصغِّرها في أعنيكم فتَجتمِعُ وتكثرُ فتُحيطُ بكم ، الحديث .(3)

ص: 32


1- نهج البلاغة ، الخطبة 64 .
2- النوادر : 129 / ح 157 .
3- تحف العقول : 392 .

تزيين الشيطان سيّئات الذنوب

28 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في خطبته الغرّاء : ... اُوصيكم بتقوى اللَّه الذي أعذَرَ بما أنْذَرَ واحتجّ بما نَهَجَ وحذّركُم عدوّاً نفذَ في الصدور خفيّاً ونفثَ في الآذان نجيّاً فأضلَّ وأرْدَى ، ووعَدَ فَمَنّى وزَيَّنَ سيّئات الجرائِم وهوَّن مُوبِقات العظائم حتّى إذا استدرَجَ قرينَتَهُ واستغلَقَ رهينَتَهُ أنكر مازَيَّنَ واستعْظَمَ ما هوَّن وحذّرَ ما أمَّنَ ، الخطبة .(1)

النجى : من تحادثه سرّاً ، وعد فَمنّى : صوّر الأماني كذباً ، استدرج قرينته : القرينة هي النفس التي يقارنها الشيطان بالوسوسة واستدرجها أي أنزلها من الرشد إلى الضلالة ، استغلق رهينته : أي جعله بحيث لا يمكن تخليصه ، أنكر ما زيّن : تبرّأ الشيطان ممّن أغواه .

من ترك فريضة أو ارتكب كبيرة فهو مع إبليس في النار

29 - الصدوق عن علي بن أحمد عن محمّد بن جعفر الأسدي عن موسى بن عمران النخعي عن الحسين بن يزيد النوفلي عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : روي عن المغيرة أنّه قال : إذا عرف الرجل ربّه ليس عليه وراء ذلك شي ء؟! قال : ما له لعنه اللَّه ، أليس كلّما ازداد باللَّه معرفة فهو أطوع له ، أفيطيع اللَّه عزّ وجلّ من لا يعرفه ، إنّ اللَّه عزّ وجلّ أمر محمّداًصلى الله عليه وآله بأمرٍ ، وأمر محمّدصلى الله عليه وآله المؤمنين بأمرٍ، فهم عاملون به إلى أن يجي ء نهيه ، والأمر والنهي عند المؤمن سواء؟!.

ص: 33


1- نهج البلاغة ، الخطبة : 83 .

قال : ثمّ قال : لا ينظر اللَّه عزّ وجلّ إلى عبدٍ ولا يزكّيه إذا ترك فريضة من فرائض اللَّه وارتكب كبيرة من الكبائر ، قال : قلت : لا ينظر اللَّه إليه؟ قال : نعم ، قد أشرك باللَّه ، قال : قلت : أشرك؟ قال : نعم ، إنّ اللَّه عزّ وجلّ أمر بأمرٍ وأمره إبليس بأمرٍ فترك ما أمر اللَّه عزّ وجلّ به وصار إلى ما أمر إبليس به ، فهذا مع إبليس في الدرك السابع من النار .(1)

المغيرية : نسبة إلى المغيرة بن سعيد ، وهم أتباعه ، يعتقدون أنّ اللَّه تعالى جسم على صورة رجل من نور على رأسه تاج من نور وقلبه منبع الحكمة .(2)

مَصْيَدَة إبليس العظمى

30 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في الخطبة القاصعة : . . . فاللَّه في عاجل البغي وآجل وخامة الظلم وسوء عاقبة الكبر فإنّها مصيدةُ إبليس العظمى ومَكيدَتَهُ الكبرى التي تُساورُ قلوب الرجال مُساورةَ السُّموم القاتلة . . . أمّا إبليس فتعصّب على آدم لأصله وطعن عليه في خِلقَتهِ فقال : أنا ناريٌّ وأنت طينيٌّ .(3)

تساوِرُ القلوب : تُواثِبُها وتُقاتلها .

العُصاة خيل إبليس ورجّالته

31 - الصدوق عن محمّد بن عليّ ماجيلويه عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن

ص: 34


1- عقاب الأعمال : 294 .
2- مقباس الهداية : 2 / 372 .
3- نهج البلاغة : الخطبة القاصعة 192 .

محمّد بن علي الكوفي عن محمّد بن سنان عن حمّاد بن عثمان عن خلف بن حمّاد عن ربعي عن الفضيل [بن يسار] عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إذا أخذ القوم في معصية اللَّه عزّوجلّ فإن كانوا ركباناً(1) كانوا من خيل إبليس، وإن كانوا رجّالة كانوا من رجّالته.(2)

نسيان الاستغفار من إبليس

32 - الصدوق عن أبيه عن الحميري عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي عن علي بن مَعْبَد عن علي بن سليمان النوفلي عن فِطر بن خليفة عن الصادق جعفر بن محمّدعليهما السلام قال : لمّا نزلت هذه الآية « وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ »(3) صَعِد إبليس جبلاً بمكّة يُقال له ثور ، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه ، فقالوا : ياسيّدنا لِمَ دعوتنا؟ قال : نزلت هذه الآية فمَن لها؟ فقام عفريتٌ من الشياطين ، فقال : أنا لها بكذا وكذا ، قال : لست لها ، فقام آخر فقال مثل ذلك ، فقال لست لها ، فقال الوسواس الخنّاس : أنا لها ، قال : بماذا؟ قال : أعِدْهم واُمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة ، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار . فقال : أنت لها ، فوكّله بها إلى يوم القيامة .(4)

الشاذّ من الناس للشيطان

33 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في خطبته : . . . والزموا السواد

ص: 35


1- في بعض النسخ «ركاباً» .
2- عقاب الأعمال : 302 .
3- سورة آل عمران : 135 .
4- أمالي الصدوق ، المجلس الحادي والسبعون : ح 5 / 155 الرقم 736 .

الأعظم فإنّ يد اللَّه مع الجماعة ، وإيّاكم والفرقة فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان كما أنّ الشاذ من الغنم للذئب . . . الخطبة .(1)

ثلاث أقرب مواطن إلى إبليس

34 - الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن محمّد البرقي عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال : لمّا دعا نوح عليه السلام ربّه عزوجلّ على قومه أتاه إبليس لعنه اللَّه فقال : يانوح إنّ لك عندي يداً اُريد أن اُكافيك عليها ، فقال نوح عليه السلام : واللَّه إنّي لبغيض إليَّ أن يكون لك عندي يد فما هي؟ قال : بلى دعوت اللَّه على قومك فأغرقتهم فلم يبق أحدٌ اُغويه فأنا مستريح حتّى ينشأ قرن آخر فاُغويهم فقال له نوح عليه السلام : ما الذي تريد أن تكافئني به؟ قال : اذكرني في ثلاث مواطن فإنّي أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في إحديهنّ : اذكرني إذا غضبت ، واذكرني إذا حكمت بين اثنين ، واذكرني إذا كنت مع امرأة خالياً ليس معكما أحد .(2)

سرعة تلقّف الأبالسة لابن آدم

35 - القطب الراوندي بإسناده عن الصدوق عن عليّ بن أحمد عن الأسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسني قال : سمعت علي بن محمّد العسكري [الإمام الهادي عليه السلام ]يقول في حديث : . . . وجاء إبليس إلى نوح عليه السلام فقال : إنّ لك عندي يداً

ص: 36


1- نهج البلاغة : الخطبة 127 .
2- الخصال : 1 / 132 ح 140 .

عظيمةً فانتصحني فإنّي لا أخونك ، فتأثّم نوح عليه السلام بكلامه ومسألته ، فأوحى اللَّه إليه أن كلّمه وسَلْه فإنّي ساُنطقه بحجّة عليه ، فقال نوح عليه السلام : تكلّم ، فقال إبليس : إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً أو حريصاً أو حسوداً أو جبّاراً أو عجولاً تلقّفناه(1) تلقّف الكرة فإن اجتمعت لنا هذه الأخلاق سمّيناه شيطاناً مريداً ، فقال نوح : ما اليد العظيمة التي صنعتُ؟ قال : إنّك دعوت اللَّه على أهل الأرض فألحقتهم في ساعة [ واحدة ] بالنار فصرتُ فارغاً ، ولولا دعوتك لشغلتُ بهم دهراً طويلاً .(2)

استمكان إبليس من ابن آدم في ثلاث

36 - الصدوق عن أبيه عن سعد عن البرقي عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمان بن الحجّاج عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال إبليس لعنه اللَّه لجنوده : إذا استمكنت من ابن آدم في ثلاث لم اُبالِ ما عمل فإنّه غير مقبول منه : إذا استكثر عمله ونسى ذنبه ودخله العُجب .(3)

الرواية صحيحة الإسناد ، ويأتي منّا في تكلّمه مع موسى عليه السلام ما يفيد المقام .

الشيطان يأخذ برقبة ابن آدم بالمال

37 - الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن يحيى

ص: 37


1- تلقّف الشي ء : تناوله بسرعة .
2- قصص الأنبياء : 85 ح 77 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 11 / 287 ح 10 .
3- الخصال : 1 / 112 ح 86 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 69 / 315 ح 15 .

الخزّاز عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إنّ الشيطان يريد ابن آدم في كلّ شي ء فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته .(1)

الرواية معتبرةالإسناد، جثم الإنسان والطائر: لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره.

قول إبليس لجنوده بإلقاء الحسد والبغي بين العباد

38 - الكليني عن عليّ عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: يقول إبليس لجنوده: ألقوا بينهم الحسد والبغي ، فإنّهما يعدلان عند اللَّه الشرك .(2)

الرواية معتبرة الإسناد .

إلقاء إبليس العداوة والهجران بين المؤمنين

39 - الكليني عن عليّ عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن زرارة عن أبي جعفرعليه السلام قال : إنّ الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن دينه ، فإذا فعلوا ذلك استلقاه على قفاه وتمدَّد ، ثمّ قال : فُزْتُ ، فرحم اللَّه امرءاً ألّف بين وليّين لنا ، يا معشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا .(3)

الرواية صحيحة الإسناد .

أغرى بينهم العداوة : ألقاها . التمدّد : الاستراحة وإظهار الفراغ من العمل ، فزتُ : أي وصلتُ إلى مطلوبي .

ص: 38


1- الكافي : 2 / 315 ح 4 .
2- الكافي : 2 / 327 ح 4 .
3- الكافي : 2 / 345 ح 6 .

40 - الكليني عن الحسين بن محمّد عن عليّ بن محمّد بن سعد(1) عن محمّد بن سالم(2) عن محمّد بن محفوظ عن عليّ بن النعمان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : لا يزال إبليس فرحاً ما اهتجر مسلمان ، فإذا التقيا اصطكّت ركبتاه وتخلّعت أوصاله ونادى يا ويله ، ما لقى من الثبور .(3)

اصطكاك الركبتين : اضطرابهما وتأثير أحدهما للآخر ، التخلّع : التفكّك ، الأوصال : المفاصل أو مجتمع العظام ، الثبور : الهلاك ، والتفت في حكاية قول إبليس عن التكلّم إلى الغيبة في قوله : «ويله» و«لقى» تنزيهاً لنفسه المقدَّسة عن نسبة الشرّ إليه في اللفظ، وإن كان في المعنى منسوباً إلى غيره ، ونظيره شايع في الكلام . كذا في بحار الأنوار .(4)

الشيطان يذهب بالحلم

41 - المفيد رفعه وقال : قالَ عليُّ بنُ الحسينِ عليهما السلام : إِنّي لَجالسٌ في تلكَ العشيّةِ الّتي قُتِلَ أَبي في صبيحتِها ، وعندي عمّتي زينبُ تُمرِّضُني ، إِذا اعتزلَ أَبي في خباءٍ له وعندَه جُوَيْنٌ مولى أَبي ذرٍّ الغفاريِّ وهو يُعالجُ سيفَه ويُصلِحُه وأَبي يقولُ :

يَا دَهْرُ أُفٍ ّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ *** كَمْ لكَ بالْإِشْرَاقِ وَالْأَصِيْلِ

مِنْ صَاحِبٍ أَوْ طَالِبٍ قَتِيْلِ *** وَالدَّهْرُ لَا يَقْنَعُ بالْبَدِيْلِ

وَإِنَّمَا الْأَمْرُ إِلى الْجَلِيْلِ *** وَكُلُّ حَيٍ ّ سَالِكٌ سَبِيْلِي

ص: 39


1- في المصدر : السعيد بدل سعد والصحيح ما أثبتناه .
2- في المصدر : مسلم بدل سالم ، والصحيح ما أثبتناه .
3- الكافي : 2 / 346 ح 7 .
4- بحار الأنوار : 72 / 188 (29 / 426) كلاهما من طبعة بيروت .

فأَعادَها مرّتينِ أو ثلاثاً حتّى فهِمْتُها وعَرفْتُ ما أَرادَ ، فخنقَتْني العَبْرةُ فردَدْتُها ولزمتُ السُّكوت ، وعلمتُ أَنّ البلاءَ قد نزلَ ، وأَمّا عمّتي فإنّها سَمِعَتْ ما سَمِعْتُ وهيَ امرأةُ ومن شأْنِ النساءِ الرِّقّةُ والجَزَعُ ، فلم تَملِكْ نفسَها أَنْ وَثَبَتْ تجرُّ ثوبَها(1) وإِنَّها لَحاسرةٌ ، حتّى انتهتْ إِليه فقالتْ : واثكْلاه ! ليتَ الموتَ أعدمَني الحياةَ ، اليومَ ماتْتْ أُمِّي فاطمةُ وأَبي عليٌّ وأَخي الحسنُ ، يا خليفةَ الماضِي وثِمالَ الباقي . فنظرَ إِليها الحسينُ عليه السلام فقالَ لها : يا أُخيَّةُ لا يُذْهِبَنَّ حلمَكِ الشّيطانُ ، وَتَرَقْرَقَتْ عيناه بالدُّموعِ وقالَ : لو تُرِكَ القَطَا لَنامَ ؛(2) فقالتْ : يا ويلتاه ! أَفتُغتصبُ نفسُكَ اغتصاباً ؟ ! فذاكَ أَقْرَحُ لِقَلبي وأَشدَّ على نفسي . ثمّ لطمتْ وجهَها وهَوَتْ إِلى جيبِها فشقّتْه وخرَّتْ مغشيّاً عليها .

فقامَ إِليها الحسينُ عليه السلام فصبَّ على وجهها الماءَ وقالَ لها : يا أُختاه ! اتّقي اللَّهَ وتَعزَّي بعزاءِ اللَّهِ ، واعْلمي أَنّ أَهلَ الْأَرضِ يموتونَ وأَهلَ السّماءِ لا يَبْقَوْنَ ، وأَنَّ كلَّ شي ءٍ هالكٌ إِلّا وجهَ اللَّهِ الّذي خلقَ الخلقَ بقدرتِه ، ويَبعثُ الخلقَ ويعودونَ ، وهو فردٌ وحدَه ، أَبي خيرٌ منِّي ، وأُمِّي خيرٌ منِّي ، وأَخي خيرٌ منِّي ، ولي ولكلِّ مسلمٍ برسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أُسوةٌ . فعزّاها بهذا ونحوِه وقالَ لها : يا أُخيّةُ إِنِّي أقسمتُ فأَبِرِّي قَسَمي ، لا تَشُقِّي عليَّ جيباً ، ولا تَخْمِشي(3) عليَّ وجهاً ، ولا تَدْعِي عليَّ بالويلِ والثُّبورِ إِذا أَنا هلكتُ . ثمّ جاءَ بها حتّى أَجلسَها عندي .

ثمّ خرجَ إِلى أصحابِه فأَمرَهم أن يُقَرِّبَ بعضُهم بيوتَهم من بعضٍ ، وأن يُدخِلوا الْأَطنابَ بعضها في بعضٍ ، وأن يكونوا بينَ البيوتِ ، فيستقبلونَ القومَ من وجهٍ

ص: 40


1- في بعض النسخ : ذيولها .
2- يضرب مثلاً للرجل يُستثار فيُظْلَم .، اُنظر جمهرة الأمثال للعسكري 2 : 194 / 1518 .
3- خمش وجهه : خدشه ولطمه وضربه وقطع عضواً منه . ( القاموس - خمش - 2 : 273 ) .

واحدٍ والبيوتُ من ورائهم وعن أَيْمانِهم وعن شمائِلهم قد حَفّتْ بهم إِلّا الوجهَ الّذي يأْتيهم منه عدوُّهم .

ورجَعَ عليه السلام إِلى مكانِه فقامَ الليلَ كلَّه يُصلّي ويستغفرُ ويدعو ويتضرّعُ ، وقامَ أصحابُه كذلكَ يُصَلُّونَ ويدعونَ ويستغفرونَ .(1)

في هذا المجال راجع تاريخ الطبرى 5 / 420 .

عمل الشيطان الفرقة والفتنة

42 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في خطبته : . . . إنّ الشيطان يُسنِّنُ لكم طُرُقَهُ ويريد أن يحلَّ دينكم عُقدَةً عُقدَةً ويُعطيكم بالجماعة الفرقة ، وبالفرقة الفتنة ، فاصدفُوا عن نَزَغاتِهِ ونَفَثاتِهِ واقبلوا النصيحة ممّن أهداها إليهم واعقِلوُها على أنفسكم .(2)

يُسَنّي: يُسهِّل، فاصدقوا: فاعرضوا، نزغاته: وساوسه، اعقلوها: احبسوها على أنفسكم.

نصب إبليس حبائله في دار الغرور

43 - ابن شعبة الحراني رفعه إلى الصادق عليه السلام أنّه قال في وصيّته لعبداللَّه بن جندب : يا عبداللَّه لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلّا أولياءنا ، ولقد جلّت الآخرة في أعينهم حتّى ما يريدون بها بدلاً ، ثمّ قال : آهٍ آه على قلوبٍ حُشِيَتْ نوراً وإنّما كانت الدُّنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم والعدوّ

ص: 41


1- الارشاد 2 / 93 و 94 .
2- نهج البلاغة : الخطبة 121 .

الأعجم ، أنِسوا باللَّه واستوحشوا ممّا به استأنس المترفون ، أُولئك أوليائي حقّاً وبهم تُكشَفُ كلُّ فتنةٍ وتُرْفَعُ كلُّ بليَّةٍ - إلى أن قال - : يا بن جندب إنّ للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه ومصائده ، قلت : يا بن رسول اللَّه وما هي؟ قال : أمّا مصائده فصدٌّ عن برّ الإخوان . وأمّا شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها اللَّه ، أما إنّه ما يُعْبَدُ اللَّه بمثل نقل الأقدام إلى برّ الإخوان وزيارتهم ، ويلٌ للساهين عن الصلوات ، النائمين في الخلوات المستهزئين باللَّه وآياته في الفترات « أُوْلَئِكَ » الذين « لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ »(1) .(2)

حُسْيت : أي مُلأت ، الشجاع : الحيّة العظيمة وتكون في الصحاري . الأرقم : الحيّة التي فيها سواد وبياض ، يحتمل أن يكون الأقرع : وهو حيّة قد تمعط شعر رأسها لكثرة سمّها . فتحاموا : اجتنبوها . الشباك : حبائل الصيد . الفترة : الضعف والانكساء والمراد بها زمان ضعف الدِّين .

النساء حبالات إبليس

44 - المفيد رفعه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه لمّا أراد الخروج إلى تبوك بثنيّة الوداع خطب وقال في خطبته : . . . والشعر من إبليس والخمر جماع الآثام والنساء حبالات إبليس والشباب شعبة من الجنون . . . الخطبة .(3)

رواها عليّ بن إبراهيم القمّي مرسلاً في تفسيره : 1 / 290 .

ص: 42


1- سورة آل عمران : 77 .
2- تحف العقول : 301 و 302 .
3- الاختصاص : 342 .

قطع إبليس لذكر اللَّه

45 - نقل العلّامة المجلسي عن أمالي الشيخ الطوسي عن الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمّد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ما قعد قوم قطّ يذكرون اللَّه إلّا بعث إليهم إبليس شيطاناً فيقطع عليهم حديثهم .(1)

هذه الرواية لم توجد في أمالي الشيخ الطوسي المطبوعة ، ولعلّ وجدها العلّامة المجلسي قدس سره في نسخته .

عبادة الأصنام من بدع إبليس

46 - القطب الراوندي بإسناده عن الصدوق عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبداللَّه بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، حدّثنا محمّد بن النعمان الأحول ، عن يزيد بن معاوية(2) قال : سمعت أبا جعفرعليه السلام يقول في مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ إبليس اللعين هو أوّل من صوّر صورةً على مثال آدم عليه السلام ليفتن به الناس ويضلّهم عن عبادة اللَّه تعالى ، وكان ودّ في ولد قابيل ، وكان خليفة قابيل على ولده وعلى مَن بحضرتهم في سفح الجبل يعظّمونه(3) ويسوّدونه ، فلمّا أن مات ودّ جزع عليه إخوته وخلّف عليهم ابناً يُقال له : سواع فلم

ص: 43


1- بحار الأنوار : 90 / 160 ح 40 (37 / 358) .
2- في نسخة والبحار : بريد بن معاوية .
3- في نسخة : وكانوا يعظّمونه .

يغن غنا أبيه منهم(1) ، فأتاهم إبليس في صورة شيخ فقال : قد بلغني ما أصبتم به من موت ودّ وعظيمكم ، فهل لكم فيَّ أن أُصوّر لكم على مثال ودّ صورةً تستريحون إليها وتأنسون بها؟ قالوا : افعل ، فعمد الخبيث إلى الآنك فأذابه حتّى صار مثل الماء .

ثمّ صوّر لهم صورةً مثال ودّ في بيته ، فتدافعوا على الصورة يلثمونها ويضعون خدودهم عليها ويسجدون لها ، وأحبّ سواع أن يكون التعظيم والسجود له ، فوثب على صورة ودّ ، فحكّها حتّى لم يدع منها شيئاً وهمّوا بقتل سواع ، فوعظهم وقال : أنا أقوم لكم بما كان يقوم به ودّ ، وأنا ابنه ، فإن قتلتموني لم يكن لكم رئيس ، فمالوا إلى سواع بالطاعة والتعظيم .

فلم يلبث سواع أن مات وخلّف ابناً يقال له : يغوث فجزعوا على سواع فأتاهم إبليس وقال : أنا الذي صوّرت لكم صورة ودّ ، فهل لكم أن أجعل لكم مثال سواع؟ على وجه لا يستطيع أحدٌ أن يغيّره؟ قالوا : فافعل ، فعمد إلى عود فنجّره ونصبه لهم في منزل سواع ، وإنّما سمّي ذلك العود خلافاً ، لأنّ إبليس عمل صورة سواع على خلاف صورة ودّ قال : فسجدوا له وعظّموه وقالوا ليغوث : ما نأمنك على هذا الصنم أن تكيده كما كاد أبوك مثال ودّ ، فوضعوا على البيت حُرّاساً وحجّاباً(2) ، ثمّ كانوا يأتون الصّنم في يوم واحد ويعظّمونه أشدّ ما كانوا يعظّمون سواعاً ، فلمّا رآى ذلك يغوث قتل الحرسة والحجّاب ليلاً وجعل الصنم رميماً ، فلمّا بلغهم ذلك أقبلوا ليقتلوه فتوارى منهم(3) إلى أن طلبوه ورأّسوه وعظّموه .

ثمّ مات وخلّف ابناً يُقال له : يعوق فأتاه إبليس ، فقال : قد بلغني موت يغوث

ص: 44


1- في نسخة : عنه .
2- في نسخة : وحجباً .
3- في نسخة : عنهم .

وأنا جاعل لكم مثاله في شي ء لا يقدر أحدٌ أن يغيّره قالوا : فافعل ، فعمد الخبيث إلى حجر جرع(1) أبيض ، فنقره بالحديد حتّى صوّر لهم مثال يغوث ، فعظّموه أشدّ ما مضى(2) ، وبنوا عليه بيتاً من حجر ، وتبايعوا أن لا يفتحوا باب ذلك البيت إلّا في رأس كلّ سنة ، وسُمّيت البيعة يومئذٍ ، لأنّهم تبايعوا وتعاقدوا عليه ، فاشتدّ ذلك على يعوق ، فعمد إلى ريطة(3) وخلق فألقاها في الحاير ثمّ رماها بالنار ليلاً ، فأصبح القوم وقد احترق البيت والصّنم والحرس وأرفض الصنم ملقى ، فجزعوا وهمّوا بقتل يعوق ، فقال لهم : إن قتلتم رئيسكم فسدت أُموركم(4) فكفّوا .

فلم يلبث أن مات يعوق ، وخلّف ابناً يُقال له : نسراً ، فأتاهم إبليس فقال : بلغني موت عظيمكم ، فأنا جاعل لكم مثال(5) يعوق في شي ءٍ لا يُبلى ، فقالوا : افعل فعمد إلى الذهب وأوقد عليه النار حتّى صار كالماء ، وعمل مثالاً من الطين على صورة يعوق ، ثمّ أفرغ الذهب(6) فيه ، ثمّ نصبه لهم في ديرهم ، واشتدَّ ذلك على نسر ولم يقدر على دخول تلك الدِّير ، فانحاز عنهم في فرقة(7) قليلة من اُخوته يعبدون نسراً ، والآخرون يعبدون الصنم .

حتّى مات نسر وظهرت نبوّة إدريس ، فبلغه حال القوم وأنّهم يعبدون جسماً على مثال يعوق وأنّ نسراً كان يُعبد من دون اللَّه ، فصار إليهم بمن معه حتّى نزل

ص: 45


1- في نسخة : حجر جزع ، وفي البحار : إلى حجر أبيض .
2- في البحار : ممّا مضى .
3- في نسخة : الريطة .
4- في نسخة : أفسدتم أمركم .
5- في نسخة : مثل .
6- في نسخة : أفرغ عليه الذهب .
7- في نسخة : في قرية .

مدينة نسر وهم فيها ، فهزمهم وقتل من قتل وهرب من هرب ، فتفرّقوا في البلاد ، وأمروا بالصنم فحمل وأُلقي في البحر ، فاتّخذت كلّ فرقة منهم صنماً وسمّوها بأسمائهم ، فلم يزالوا بعد ذلك قرناً بعد قرن لا يعرفون إلّا تلك الأسماء .

ثمّ ظهرت نبوّة نوح عليه السلام ، فدعاهم إلى عبادة اللَّه وحده وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام ، فقال بعضهم : « لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً »(1) .(2)

الرواية صحيحة الاسناد .

ارفضاض الشي ء : تفرّقه ، ترفّض : تكسّر ، وانحاز عنه : عدل ، كذا في البحار .

اشتداد غضب إبليس

47 - الصدوق عن محمّد بن أحمد بن الحسين البغدادي عن عليّ بن محمّد بن عنبسة عن دارم بن قبيصة عن الرضاعليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : كان النبيّ صلى الله عليه وآله يأكل الطلع والجمّار بالتمر ويقول : إنّ إبليس يشتدُّ غضبه ويقول : عاش بن آدم حتّى أكل العتيق بالحديث .(3)

قال في القاموس : «الطلع من النخل شي ء يخرج كأنّه نعلان مطبقان ، والحمل بينهما منضود ، والطّرف محدَّد ، أو ما يبدو من ثمرته في أوّل ظهوره ، وقشرها يسمّى الكفّرى ، وما داخله إلّا غريض لبياضه» .(4)

ص: 46


1- سورة نوح : الآية 23 .
2- قصص الأنبياء / ( 69 - 67 ) ح 48 ونقل عنه في بحار الأنوار : 3 / ( 250 - 252 ) ح 8 .
3- عيون أخبار الرضاعليه السلام : 2 / 72 ح 334 .
4- القاموس المحيط : 3 / 61 .

وقال : «الجمّار كرمّان : هو شحم النخل» .(1)

وقال في بحر الجواهر : «الجمّار كزنّار : هو شحم النخلة ، وقيل : إنّها بارد يابس في الاُولى يعقل الطبيعة ، وهو بطي الانحدار من المعدة» .(2)

وقال في النهاية : «الجمّارة : قلب النخلة وشحمتها» .(3)

وقال في المصباح : «الطلع بالفتح : ما يطلع من النخلة ثمّ يصير تمراً إن كانت اُنثى وإن كانت النخلة ذكراً لم يصر ثمراً بل يؤكل طريّاً ويترك على النخلة أيّاماً معلومة حتّى يصير فيه شي ء أبيض مثل الدقيق وله رائحة زكيّة فيلقح به الاُنثى» .(4)

وقال : «جمّار النخلة : قلبها ، ومنه يخرج الثمر والسعف وتموت بقطعه» .(5)

وذكر كلّ ذلك العلّامة المجلسي في بحار الأنوار .(6)

لعن إبلس بالكبر

48 - الأربلي رفعه إلى الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّه قال : هلاك الناس في ثلاث : الكبر والحرص والحسد ، فالكبر هلاك الدِّين وبه لُعن إبليس ، والحرص عدوّ النفس وبه اُخرج آدم من الجنّة ، والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل .(7)

ص: 47


1- القاموس المحيط : 1 / 408 .
2- بحر الجواهر : 86 .
3- النهاية : 1 / 294 .
4- المصباح المنير : 2 / 375 .
5- المصباح المنير : 1 / 108 .
6- بحار الأنوار : 63 / 126 و 127 ، (25 / 305) .
7- كشف الغمّة : 1 / 571 ونقل عنه في بحار الأنوار : 75 / 111 ح 6 (31 / 197) .

إتيان إبليس للعباد من طريق العبادة والبرّ

49 - الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن الحكم عن محمّد بن سنان عمّن أخبره عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدُّنيا شيئاً فنخر إبليس نخرةً فاجتمع إليه جنوده فقال : مَن لي بفلان؟ فقال بعضهم : أنا له ، فقال : من أين تأتيه؟ فقال : من ناحية النساء ، قال : لستَ له لم يُجرِّب النساء ، فقال له آخر : فأنا له ، فقال له : من أين تأتيه؟ قال : من ناحية الشراب واللذّات ، قال : لستَ له ليس هذا بهذا ، قال آخر : فأنا له ، قال : من أين تأتيه؟ قال : من ناحية البرّ ، قال : انطلق فأنت صاحبه ، فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاه يصلّي ، قال : وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ، ويستريح والشيطان لا يستريح ، فتحوّل إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه واستصغر عمله ، فقال : يا عبد اللَّه بأيّ شي ءٍ قويتَ على هذه الصلاة؟ فلم يجبه ، ثمّ أعاد عليه ، فلم يجبه ثمّ أعاد عليه ، فقال : يا عبد اللَّه إنّي أذنبتُ ذنباً وأنا تائبٌ منه فإذا ذكرتُ الذنب قويتُ على الصلاة ، قال : فأخبرني بذنبك حتّى أعمله وأتوب فإذا فعلته قويتُ على الصلاة؟ قال : اُدخل المدينة فسلْ عن فلانة البغيّة فأعطها درهمين ونَل منها ، قال : ومن أين لي درهمين؟ ما أدري ما الدرهمين ، فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله إيّاهما ، فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغيّة فأرشده الناس وظنّوا أنّه جاء يعِظها فأرشدوه ، فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين ، وقال : قومي ، فقامت فدخلت منزلها وقالت : اُدخل ، وقالت : إنّك جئتني في هيئة ليس يُؤتي مثلي في مثلها فأخبرني بخبرك فأخبرها ، فقالت له : يا عبد اللَّه إنّ ترك

ص: 48

الذنب أهون من طلب التوبة وليس كلُّ من طلب التوبة وجدها وإنّما ينبغي أن يكون هذا شيطاناً مثّل لك فانصرف فإنّك لا ترى شيئاً ، فانصرف ، وماتت من ليلتها فأصبحت فإذا على بابها مكتوب : اُحضروا فلانة فإنّها من أهل الجنّة ، فارتاب الناس فمكثوا ثلاثاً لم يدفنوها ارتياباً في أمرها ، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى نبيٍّ من الأنبياء - لا أعلمه إلّا موسى بن عمران عليه السلام - أن ائت فلانة فصلِّ عليها ومُر الناس أن يصلّوا عليها فإنّي قد غفرتُ لها وأوجبتُ لها الجنّة بتثبيطها عبدي فلاناً عن معصيتي .(1)

روى نحوها عليّ بن اسباط في نوادره : 127 المطبوع ضمن الاُصول الستّة عشر .

لم يقارف : أي لم يكتسب ، النخر : مدّ الصوت في خياشيمه .

تقاصر : أي أظهر القصور ، بجلابيبه : الجِلباب : القميص وثوب واسع للمرأة أو ما تغطّي به ثيابها من فوق كالملحفة أو هو الخمار كما في القاموس ، ولكن المراد منه هنا الهيئة الخاصّة له بحيث يتميّز عن غيره ، ثبّطه عن الأمر تثبيطاً : شغله عنه .

لإبليس كحل ولعوق وسعوط

50 - الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبداللَّه عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال رفعه إلى أبي جعفرعليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : إنّ لإبليس كُحْلاً ولعوقاً وسعوطاً ، فكُحله : النعاس ، ولعوقه : الكذب ، وسعوطه : الكِبر .(2)

اللعوق : كلّ ما يُلعَقُ كالعسل والدواء ونحوهما . ويقال أيضاً لأقلّ الزاد .

السعوط : الدواء يصيب في الأنف .

ص: 49


1- الكافي : 8 / 384 ح 584 .
2- معاني الأخبار : 138 .

كُحْلِهِ وسفوفه ولعوقه

51 - في صحيفة الرضاعليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : إنّ لإبلقيس كُحلاً وسفوفاً ولعوقاً ، فأمّا كحله فالنوم وأمّا سفوفه فالغضب وأمّا لعوقه فالكذب .(1)

وللعلّامة المجلسي قدّس سرّه القدسي بيان في ذيل الحديث فراجعه .

الغضب طريق إبليس

52 - العياشي رفعه عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : إنّ أحدكم ليغضب فما يرضى حتّى يدخل به النار ، فأيّما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه ، فإنّ الرحم إذا مسّتها الرحم استقرّت وإنّها متعلّقة بالعرش ينتقضه انتقاض الحديد ، فينادي اللهمَّ صِلْ مَنْ وصلني ، واقطع مَن قطعني وذلك قول اللَّه في كتابه : « وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً »(2) ، وأيّما رجل غضب وهو قائم فليلزم الأرض من فوره ، فإنّه يذهب رجز الشيطان .(3)

53 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كتب في كتابه إلى الحارث الهمداني : . . . واحذر الغضب فإنّه جندٌ عظيم من جنود إبليس ، والسلام .(4)

ص: 50


1- صحيفة الإمام الرضاعليه السلام : 85 ح 197 ونقل عنه في بحار الأنوار : 60 / 217 ح 53 .
2- سورة النساء : 1 .
3- تفسير العياشي : 1 / 217 .
4- نهج البلاغة : الكتاب 69 .

54 - صاحب جامع الأخبار رفعه عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : الغضب جمرة من الشيطان ... وقال إبليس عليه اللعنة : الغضب وهقي ومصيادي ، وبه أصدُّ خيار الخلق عن الجنّة وطريقها .(1)

إغواء إبليس بالدرهم والدينار

55 - الصدوق عن ابن مسرور عن ابن عامر عن عمّه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عِكْرِمة عن ابن عبّاس قال : إنّ أوّل درهم ودينار ضُربا في الأرض نظر إليهما إبليس فلمّا عاينهما أخذهما فوضعهما على عينيه ، ثمّ ضمّهما إلى صدره ، ثمّ صَرخَ صرخَةً ، ثمّ ضمّهما إلى صدره ، ثمّ قال : أنتما قُرّة عيني وثمرة فؤادي ، وما اُبالي من بني آدم إذا أحبّوكما أن لا يعبدوا وَثَناً ، حسبي من بني آدم أن يُحبّوكما .(2)

إبليس أوّل مَن كفر

56 - الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام وسئل عن الكفر والشرك أيّهما أقدم؟ فقال : الكفر أقدم ، وذلك أنّ إبليس أوّل من كفر وكان كفره غير شرك لأنّه لم يدعُ إلى عبادة غير اللَّه ، وإنّما دَعى إلى ذلك بعد فأشرك .(3)

ص: 51


1- جامع الأخبار : 453 ح 1273 و 1275 .
2- أمالي الصدوق ، المجلس السادس والثلاثون ح 17 / 269 الرقم 296 ونقل عنه في بحار الأنوار : 70/137 ح 3 .
3- الكافي : 2 / 386 ح 8 .

الرواية معتبرة الإسناد ورواها الحميري بسنده المعتبر في قرب الإسناد / 48 ح 156.

57 - الصدوق بإسناده إلى أسئلة الشامي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سئل عن أوّل مَن كَفَر وأنشأ الكُفْرَ ، فقال عليه السلام : إبليس لعنه اللَّه .(1)

أوّل من كفر وحرص وحسد

58 - العياشي رفعه عن أبي بصير قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : إنّ أوّل كُفْرٍ كُفِر باللَّه حيث - خلق اللَّه آدم - كُفْر إبليس حيث رَدَّ على اللَّه أمره ، وأوّل الحسد حيث حَسَد بن آدم أخاه ، وأوّل الحِرْص حرص آدم ، نُهي عن الشجرة فأكل منها فأخرجه حِرْصُه من الجنّة .(2)

أوّل مَنْ غنّى إبليس

59 - العياشي رفعه عن جابر بن عبداللَّه عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال : كان إبليس أوّل من تغنّى ، وأوّل من ناح ، وأوّل من حدا ، لمّا أكل آدم من الشجرة تغنّى ، فلمّا هَبَط حدا ، فلمّا استقرّ على الأرض ناح يُذكِّره ما في الجنّة .(3)

60 - الصدوق بإسناده في حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : الغناء نوح إبليس على الجنّة ، الحديث .(4)

ص: 52


1- علل الشرائع : 595 ح 44 .
2- تفسير العياشي : 1 / 120 ح 20 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 11 / 149 ح 23 .
3- تفسير العياشي : 1 / 128 ح 26 ، ونقل عنه مختصراً في بحار الأنوار : 60 / 199 .
4- الخصال : 2 / 631 .

إبليس إمام المتعصّبين

61 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في الخطبة القاصعة : الحمد للَّه الذي لَبِسَ العِزَّ والكبرياء واختارهما لِنفسه دون خلقه ، وجعلهما حِمىً وحرَماً على غيرهِ ، واصطفاهما لجلالِه . وجعلَ اللعنة على مَن نازعه فيهما من عباده ، ثمّ اختبرَ بذلك ملائكتهُ المُقرّبين ، ليميزَ المتواضعين منهم من المستكبرين ، فقال سبحانه وهو العالِمُ بمضمرات القلوب ، ومحجوباتِ الغيُوب : « إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ »(1) اعترضته الحميّة فافتخرَ على آدم بخلقِهِ ، وتعصّبَ عليه لأصلهِ ، فعدوُّ اللَّه إمامُ المتعصِّبين ، وسلَفُ المُستكبرين ، الذي وضعَ أساسَ العصبيّة ونازع اللَّه رداءَ الجبريّة ، وادَّرَعَ لباس التعزُّز ، وخلَعَ قِناعَ التذلّل .

ألا ترون كيف صغَّره اللَّه بتكبّرهِ ، ووضعهُ بترفُّعهِ ، فجعلَهُ في الدُّنيا مدحوراً ، وأعدَّ له في الآخرةِ سعيراً ؟ !

ولو أراد اللَّهُ أن يخلُقَ آدمَ من نورٍ يَخْطَفُ الأبصارَ ضِياؤهُ ، ويَبْهَرُ العقولَ رُوَاؤُه ، وطيبٍ يأخذُ الأنفاسَ عَرْفُهُ ، لَفَعَل ولو فعلَ لَظَلَّتْ له الأعناقُ خاضِعةً ، ولَخَفَّتِ البلوى فيه على الملائكةِ ، ولكنَّ اللَّه سبحانه يَبتلي خَلْقَهُ ببعضِ ما يجهلون أصلَهُ ، تمييزاً بالاختبار لهُمْ ، ونفياً للاستكبارِ عنهُمْ ، وإبعاداً للخُيلاء منهم .

فاعتبروا بما كان من فِعل اللَّه بإبليس إذْ أحبَطَ عملَهُ الطَّويلَ ، وجَهْدَهُ الجهيدَ ، وكان قدْ عَبَدَ اللَّه ستّةَ آلافِ سنةٍ ، لا يُدرَى أمِنْ سِني الدُّنيا أم مِن سِني الآخرةِ ،

ص: 53


1- سورة ص : ( 71 - 74 ) .

عَن كِبرِ ساعةٍ واحدةٍ . فمَنْ ذا بعد إبليس يَسْلَمُ على اللَّهِ بمثلِ معصيتهِ؟ كلَّا ، ما كان اللَّه سبحانه ليُدخِلَ الجنّةَ بشراً بأمرٍ أخرجَ به منها مَلَكاً ، إنَّ حُكمَه في أهل السماء وأهل الأرضِ لواحدٌ . وما بينَ اللَّه وبينَ أحدٍ مِن خلقهِ هَوادَةٌ في إباحة حِمىً حَرَّمَهُ على العالمينَ .

فاحذروا عبادَ اللَّه عدوَّ اللَّهِ أنْ يُعدِيَكُمْ بدائِهِ ، وأن يستفِزَّكم بِنِدائِهِ ، وأن يُجْلِبَ عليكم بخيله ورجله ، فلعمري لقد فَوَّقَ لكم سهمَ الوعيد ، وأغرق إليكم بالنزع الشديد ، ورماكم من مكانٍ قريبٍ ، فقال : « رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ »(1) ، قَذْفاً بغيبٍ بعيدٍ ، ورجماً بظنٍّ غير مُصيب ، صَدَّقَهُ به أبناءُ الحميّة ، وإخوان العَصَبيّة ، وفُرسان الكِبرِ والجاهلية . حتّى إذا انقادَتْ له الجامِحَةُ منكم ، واستحكمت الطَّماعيّةُ منه فيكم ، فَنَجَمَتِ الحالُ من السِّرِّ الخفيّ إلى الأمر الجليّ ، استفحلَ سُلطانه عليكم ، ودَلَفَ بجنودِهِ نحوكم . فأقحموكم ولَجَاتِ الذُّلِّ ، وأحلُّوكم ورَطاتِ القتل . وأوطؤُوكم إتخانَ الجراحةِ ، طعناً في عيونكم ، وحَزَّاً في حُلوُقِكم ، ودقّاً لمَنَاخِرِكُم ، وقصداً لمقاتِلِكُم ، وسوقاً بخزائمِ القهرِ إلى النار المُعَدَّةِ لكم . فأصبح أعظمَ في دينكم حرجاً ، وأوْرَى في دُنياكم قَدْحاً ، من الذّين أصْبَحْتُمْ لهم مُناصِبِين ، وعليهم متألِّبين ، فاجعلوا عليه حدَّكُم ، وله جَدَّكم ، فَلَعَمْر اللَّهِ لقد فخرَ على أصلِكُم ، ووقعَ في حَسَبِكُم ، ودفَعَ في نسَبِكُم . وأجلبَ بخيلهِ عليكم ، وقصدَ برجِلهِ سبيلَكُم ، يقتنصُونَكم بكلِّ مكانٍ ، ويضربون منكم كلَّ بنانٍ . لا تَمْتَنِعُونَ بِحِيلةٍ ، ولا تَدْفَعُون بعزيمةٍ ، فأطفِئُوا ما كمَنَ في قلوبكم من نيران العصبيّة وأحقاد الجاهليّة ، فإنّما تلك الحميّةُ تكون في المسلمِ من خطراتِ الشيطانِ

ص: 54


1- سورة الحجر : 93 .

ونخواته ، ونزعاته ونفثاتِهِ . واعتمدوا وضع التذلّل على رؤوسِكُم ، وإلقاء التعزُّزِ تحت أقدامكُم ، وخَلْعَ التكبّرِ مِنْ أعناقكم ، واتّخذوا التواضع مَسْلَحَةً بينكم وبين عدوِّكم إبليس وجُنودهِ ، فإنَّ له من كلِّ أُمَّةٍ جنوداً وأعواناً ، ورَجِلاً وفُرساناً ، ولا تكونوا كالمتكبِّرِ على ابن أُمِّهِ من غير ما فَضْلٍ جعلهُ اللَّه فيه سِوَى ما ألحقَتِ العظمةُ بنفسهِ من عداوةِ الحسدِ ، وقدَحَتِ الحميَّةُ في قلبه من نارِ الغَضَبِ ، ونفخَ الشيطانُ في أنفهِ من ريحِ الكِبْرِ الذي أعقَبَهُ اللَّهُ به النَّدامةَ ، وألزمَهُ آثامَ القاتلينَ إلى يومِ القيامةِ .

ألَا وقد أمْعَنْتُم في البغي ، وأفسدتُم في الأرض ، مُصارحَةً للَّهِ بالمُناصَبةِ ، ومبارَزةً للمؤمنين بالمحاربة . فاللَّهَ اللَّهَ في كِبْرِ الحميّةِ وفخر الجاهليّة! فإنّه مَلاقِحُ الشَّنَآن ، ومنافِخُ الشيطانِ ، التي خَدَعَ بها الأُممَ الماضيةَ ، والقرونَ الخاليَةَ . حتّى أعْنَقُوا في حَنَادِسِ جهالَتِهِ ، ومهاوِي ضلالَتِهِ ، ذُلُلاً عن سِياقِهِ ، سُلُساً في قيادهِ . أمراً تشابهَتِ القلوبُ فيه ، وتتابعتِ القُرونُ عليه ، وكِبراً تضايَقَتِ الصُّدورِ به .(1)

إبليس أوّل من يلوط بنفسه

62 - الصدوق عن أبيه عن محمّد بن يحيى العطّار عن محمّد بن أحمد عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن آبائه عليهم السلام عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : إنّ اللَّه عزّ وجلّ حين أمر آدم أن يهبط هبط آدم وزوجته ، وهبط إبليس ولا زوجة له ، وهبطت الحيّة ولا زوج لها ، فكان أوّل من يلوط بنفسه إبليس ، فكانت ذرّيته من نفسه ، وكذلك

ص: 55


1- نهج البلاغة : الخطبة 192 .

الحيّة ، وكانت ذرّية آدم من زوجته فأخبرهما أنّهما عدوّان لهما .(1)

الرواية موثّقة سنداً .

إبليس أوّل من لاط به

63 - الصدوق عن محمّد بن موسى عن عبداللَّه الحميري عن محمّد بن الحسين عن أحمد بن محمّد البزنطي عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أحدهماعليهما السلام في قول لوط : « إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ »(2) فقال : إبليس أتاهم في صورة حسنة فيه تأنيث عليه ثياب حسنة ، فجاء إلى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به ، ولو طلب إليهم أن يقع بهم لأبوا عليه ، ولكن طلب إليهم أن يقعوا به ، فلمّا وقعوا به التذّوه ، ثمّ ذهب عنهم وتركهم فأحال بعضهم على بعض .(3)

الرواية صحيحة الإسناد .

اسمه في السماء و . . . أنّه أوّل مَن عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ

64 - الصدوق بإسناده عن الرضاعليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن عليّ عليهما السلام في حديث أسئلة الشامي عن أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة : . . . وسأله عن اسم إبليس ما كان في السماء؟ فقال : كان اسمه الحارث . . . وسأله عن أوّل من كفر وأنشأ

ص: 56


1- علل الشرائع : 547 ح 2 .
2- سورة العنكبوت : 28 .
3- علل الشرائع : 547 ح 3 .

الكفر ، فقال : إبليس لعنه اللَّه . . . وسأله عن أوّل مَن عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط ، فقال : إبليس فإنّه أمكن من نفسه ، الحديث .(1)

المساحقة من عمل لاقيس بنت إبليس

65 - الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن عليّ بن القاسم عن جعفر بن محمّد عن الحسين بن زياد عن يعقوب بن جعفر قال : سأل رجلٌ أبا عبداللَّه عليه السلام أو أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تساحق المرأة ، وكان متّكئاً فجلس ، فقال : ملعونة راكبة والمركوبة ، ملعونة حتّى تخرج من أثوابها الراكبة والمركوبة فإنّ اللَّه تبارك وتعالى والملائكة وأوليائه يلعنونهما وأنا ومَن بقي في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فهو واللَّه الزنا الأكبر ، ولا واللَّه ما لهنّ توبة ، قاتل اللَّه لاقيس بنت إبليس ماذا جاءت به ، فقال الرجل : هذا ما جاء به أهل العراق ، فقال : واللَّه لقد كان على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قبل أن يكون العراق وفيهنَّ ، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : لعن اللَّه المتشبّهات بالرجال من النساء ولعن اللَّه المتشبِّهين من الرجال بالنساء .(2)

أوّل من صنع المعازف والملاهي إبليس

66 - الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن سليمان بن سماعة عن عبداللَّه بن القاسم عن سماعة قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : لمّا مات آدم وشمت به إبليس

ص: 57


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 242 و 244 و 246 - علل الشرائع : 594 و 595 و 596 ونقل عنهما في بحار الأنوار : 10 / 75 ح 1 .
2- الكافي : 5 / 552 ح 4 .

وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم عليه السلام فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذاك .(1)

أوّل من عمل المنجنيق إبليس

67 - الفرات الكوفي عن عليّ بن محمّد بن عمر الزهري معنعناً عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه تعالى : « قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ »(2) قال : إنّ أوّل منجنيق عمل في الدُّنيا منجنيق عمل لإبراهيم بسور الكوفة في نهرٍ يُقال لها كوثي ، وفي قرية يُقال لها قنطانا ، قال : عمل إبليس المنجنيق وأجلس فيه إبراهيم عليه السلام وأرادوا أن يرموا به في نارها أتاه جبرئيل عليه السلام قال : السلام عليك يا إبراهيم ورحمة اللَّه بركاته ، ألكَ حاجة؟ قال : ما لي إليك حاجة ، بعدها قال اللَّه تعالى : « قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ »(3) .

إبليس وضع السحر

68 - عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه السلام قال : إنّ سليمان بن داود أمر الجنّ فبنوا له بيتاً من قوارير ، فبينا هو متّكئ على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت عنه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبّة ففزع منه فقال له : مَن أنتَ؟ قال : أنا الذي

ص: 58


1- الكافي : 6 / 431 ح 3 .
2- سورة الأنبياء : 69 .
3- تفسير الفرات الكوفي : 263 ح 358 .

لا أقبل الرشى ولا أهاب الملوك ، أنا ملك الموت ، فقبضه وهو متّكئ على عصاه فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه ويدأبون له ويعملون حتّى بعث اللَّه الأرضة فأكلت منسأته وهي العصا ، فلمّا خرَّ تبيّنت الإنس أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب ما لبثوا سنة في العذاب المهين ، فالجنّ تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان ، قال : فلا تكاد تراها في مكان إلّا وجد عندها ماء وطين ، فلمّا هلك سليمان وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ثمّ طواه وكتب على ظهره : هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم ، من أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا ، ثمّ دفنه تحت السرير ثمّ استثاره(1) لهم فقرأه فقال الكافرون : ما كان سليمان يغلبنا إلّا بهذا ، وقال المؤمنون : بل هو عبد اللَّه ونبيّه .(2)

الرواية صحيحة الإسناد . استثاره : أي أظهره .

جاحد الأئمّة المعصومين عليهم السلام بمنزلة إبليس

69 - المفيد رفعه إلى الصادق عليه السلام أنّه قال : إنّ اللَّه تبارك وتعالى جعلنا حججه على خَلْقهِ ، واُمناءه على علمه ، فمَنْ جحدنا كان بمنزلة إبليس في تعنّته على اللَّه ، حين أمره بالسجود لآدم ، ومَنْ عرفنا واتّبعنا كان بمنزلة الملائكة الذين أمرهم اللَّه بالسجود لآدم فأطاعوه .(3)

ص: 59


1- وفي البحار : استشاره .
2- تفسير القمّي : 46 من طبع الحجري ، و2 : 200 من طبع الحروفي ونقل عنه في بحار الأنوار : 60/279 ح 167 .
3- الاختصاص : 334 .

دولة إبليس

70 - الكليني عن عليّ بن محمّد عن صالح بن أبي حمّاد عن رجل من الكوفيّين عن أبي خالد الكابلي عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال : إنّ اللَّه عزّ وجلّ جعل الدِّين دولتين : دولة آدم - وهي دولة اللَّه - ودولة إبليس ، فإذا أراد اللَّه أن يُعبد علانيةً كانت دولة آدم ، وإذا أراد اللَّه أن يُعبد في السِّرّ كانت دولة إبليس ، والمُذيع لِما أراد اللَّهُ سَترَهُ مارقٌ من الدِّين .(1)

مارق : خارج .

أبو منصور رسول إبليس

71 - الكشي عن ابن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار عن سعد بن عبداللَّه ابن أبي خلف(2) عن أحمد بن محمّد عن أبيه ويعقوب بن يزيد والحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن حصن(3) بن عمرو النخعي ، قال : كنت جالساً عند أبي عبداللَّه عليه السلام فقال له رجل : جعلت فداك أنّ أبا منصور حدّثني أنّه رفع إلى ربّه ومسح على رأسه وقال له بالفارسية : ياپسر ، فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام : حدّثني أبي عليه السلام عن جدّي عليه السلام أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : إنّ إبليس اتّخذ عرشاً فيما بين السماء والأرض ، واتّخذ زبانية كعدد الملائكة ، فإذا دعا رجلاً فأجابه

ص: 60


1- الكافي 2 : 372 ح 11 .
2- يظهر التعليق في السند من الحديث 541 من رجال الكشي : 301 .
3- كذا في المطبوعة ولكن الصحيح الحفص كما في بعض النسخ .

ووطئ عقبه وتخطّت إليه الأقدام ، تراءى له إبليس ورفع إليه ، وإنّ أبا منصور كان رسول إبليس ، لعن اللَّه أبا منصور ، لعن اللَّه أبا منصور ثلاثاً .(1)

رجال السند كلّهم ثقات إلّا الحِصن أو الحَفص لأنّه مهمل أو مجهول . ويأتي عرشه في عنوان دعوى إبليس بالصلاة له عند طلوع الشمس .

الخمر شراب إبليس وهو بوله

72 - في الفقه الرضوي : الخمر تورث قساوة القلب ، يسوِّد الإنسان ويبخّرالفمّ ويبعّد من اللَّه ويُقرِّب من سخطه ، وهو من شراب إبليس .(2)

73 - الكليني بإسناده عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال في حديث : « . . . ثمّ إنّ إبليس - لعنه اللَّه - ذهب بعد وفاة آدم عليه السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة فجرى الماء على عروقهما من بول عدوّ اللَّه فمن ثمّ يختمر العنب والتمر فحرّم اللَّه عزّ وجلّ على ذرّية آدم كلّ مسكر لأنّ الماء جرى ببول عدوّ اللَّه في النخلة والعنب وصار كلّ مختمر خمراً ، لأنّ الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدوّ اللَّه إبليس - لعنه اللَّه - .(3)

قال العلّامة المجلسي في بيان ذيل الحديث ما نصّه : «قوله عليه السلام : فمن ثمّ يختمر العنب : أي يغلي وينتن ويصير مسكراً . قوله عليه السلام : لأنّ الماء اختمر في النخلة : أي غلى وتغيّر وأنتن من رائحة بول عدوّ اللَّه . قال الفيروزآبادي : الخمر بالتحريك : التغيّر عمّا كان عليه ، وقال : اختمار الخمر : إدراكها وغليانها(4) انتهى . ويحتمل أن يكون المراد

ص: 61


1- رجال الكشي : 303 ح 546 .
2- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضاعليه السلام : 254 .
3- الكافي 6 : 393 ح 2 .
4- القاموس المحيط : 2 / 23 .

باختمار العنب والتمر : تغطية أوانيهما ليصير خمراً وكذا اختمار الماء المراد به احتباسه في الشجرة ولكنّه بعيد» .(1)

النظرة سهم من سهام إبليس

74 - البرقي عن محمّد بن علي عن ابن فضّال عن عليّ بن عقبة عن أبيه عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمعته يقول : النظر سهم من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرةٍ أورثت حسرة طويلة .(2)

ورواها الصدوق في عقاب الأعمال : 314 ح 1 .

75 - صاحب جامع الأخبار رفعه عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، فمن تركها خوفاً من اللَّه ، أعطاه اللَّه إيماناً يجد حلاوته في قلبه .(3)

76 - وفي الفقه الرضوي في بحث الصيام : « . . . واجتنب المسّ والقبلة والنظر ، فإنّها سهم من سهام إبليس ... » .(4)

النمّام شريك إبليس

77 - الصدوق عن البرقي عن أبيه عن جدّه عن جعفر بن عبداللَّه الناونجي عن عبد الجبّار بن محمّد عن داود الشعيري عن الربيع صاحب المنصور في حديث

ص: 62


1- بحار الأنوار : 60 / 212 (24 / 366) .
2- المحاسن : 1 / 196 ح 122 .
3- جامع الأخبار : 407 ح 3 .
4- الفقه الرضوي : 206 .

طويل أنّ الصادق عليه السلام قال للمنصور : لا تقبل في ذي رحمك وأهل الرعاية من أهل بيتك قول مَن حرّم اللَّه عليه الجنّة وجعل مأواه النار ، فإنّ النمّام شاهدُ زورٍ وشريك إبليس في الإغراء بين الناس وقد قال اللَّه تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ »(1) الحديث .(2)

شارب الخمر أخٌ لإبليس

78 - الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة عن غير واحدٍ عن أبان بن عثمان عن حمّاد بن بشير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : مَن شرب الخمر بعد أن حرّمها اللَّه تعالى على لساني فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب ولا يصدّق إذا حدَّث ولا يشفّع إذا شفع ولا يؤتمن على أمانة فمَن ائتمنه على أمانة فأكلها أو ضيّعها فليس للذي ائتمنه على اللَّه عزوجلّ أن يأجره ولا يخلف عليه .

وقال أبو عبداللَّه عليه السلام : إنّي أردت أن أستبضع بضاعة إلى اليمن فأتيتُ أبا جعفرعليه السلام فقلت له : إنّني اُريد أن أستبضع فلاناً بضاعة ، فقال لي : أما علمت أنّه يشرب الخمر؟ فقلت : قد بلغني من المؤمنين أنّهم يقولون ذلك ، فقال لي : صدِّقهم فإنّ اللَّه عزوجلّ يقول : « يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ »(3) ، ثمّ قال : إنّك إن استبضعته فهلكت أو ضاعت فليس لك على اللَّه عزوجلّ أن يأجرك ولا يخلف عليك ، فاستبعتُهُ فضيّعها فدعوت اللَّه عزوجلّ أن يأجرني ، فقال : يا بُنيَّ مَهْ ليس لك على اللَّه أن يأجرك

ص: 63


1- سورة الحجرات : 6 .
2- أمالي الصدوق ، المجلس التاسع والثمانون ح 10 / 710 الرقم 978 .
3- سورة التوبة : 61 .

ولا يخلف عليك ، قال : قلت له : ولِمَ؟ فقال لي : إنّ اللَّه عزوجلّ يقول : « وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً »(1) فهل تعرف سفيهاً أسفه من شارب الخمر؟ قال : ثمّ قال عليه السلام : لا يزال العبد في فسحة من اللَّه عزّ وجلّ حتّى يشرب الخمر فإذا شربها خرق اللَّه عزوجلّ عنه سرباله وكان وليّه وأخوه إبليس - لعنه اللَّه - وسمعه وبصره ويده ورجله يسوقه إلى كلّ ضلال ويسرفه عن كلّ خير .(2)

ورواها الشيخ عن الكليني في التهذيب : 9 / 103 ح 185 ، وروى العياشي نحوها في تفسيره : 1 / 367 ح 21 ، وأيضاً روى نحوها الكليني بسندٍ صحيح في الكافي : 5 / 299 ح 1 . السربال : القميص ، وقيل : الدرع ، أو كلّ ما يُلبس .

الثلثان من العصير نصيب الشيطان

79 - الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نصر عن أبان عن زرارة عن أبي جعفرعليه السلام قال : لمّا هبط نوح من السفينة غرس غرساً فكان فيما غرس الحَبَلة(3) ثمّ رجع إلى أهله فجاء إبليس لعنه اللَّه فقلعها ، ثمّ إنّ نوحاًعليه السلام عاد إلى غرسه فوجده على حاله ووجد الحبلة قد قلعت ووجد إبليس عندها فأتاه جبرئيل عليه السلام فأخبره أنّ إبليس لعنه اللَّه قلعها ، فقال نوح عليه السلام لإبليس لعنه اللَّه : ما دعاك إلى قلعها فواللَّه ما غرست غرساً أحبُّ إليَّ منها ، وواللَّه لا أدعها حتّى أغرسها ، وقال إبليس لعنه اللَّه : وأنا واللَّه لا أدعها حتّى أقلعها ، فقال له : اجعل لي

ص: 64


1- سورة النساء : 5 .
2- الكافي : 6 / 397 ح 9 .
3- الحَبَلة : القضيب من الكرم .

منها نصيباً ، قال : فجعل له منها الثلث ، فأبى أن يرضى فجعل له النصف فأبى أن يرضى وأبى نوحٍ عليه السلام أن يزيد ، فقال جبرئيل عليه السلام لنوح : يا رسول اللَّه أحسن فإنّ منك الإحسان ، فعلم نوح عليه السلام أنّه قد جعل اللَّه له عليها سلطاناً فجعل نوح له الثلثين ، فقال أبو جعفرعليه السلام : فإذا أخذت عصيراً فاطبخه حتّى يذهبا الثلثان فذاك نصيب الشيطان فكُلْ واشرب حينئذٍ .(1)

الرواية صحيحة الإسناد .

نصيب إبليس من الكبش

80 - الصدوق عن محمّد بن موسى بن المتوكّل عن عليّ بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبداللَّه البرقي عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن أبان بن عثمان قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : كيف صار الطحال حراماً وهو من الذبيحة؟ فقال : إنّ إبراهيم هبط عليه الكبش من ثبير وهو جبل بمكّة ليذبحه ، أتاه إبليس فقال له : أعطني نصيبي من هذا الكبش ، قال : وأيّ نصيبٍ لك وهو قربان لربّي وفداء لإبني؟ فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه؛ إنّ له فيه نصثيباً وهو الطحال ، لأنّه مجمع الدم . وحرّم(2) الخصيتان لأنّهما موضع للنكاح ومجرى للنطفة ، فأعطاه إبراهيم الطحال والأنثيين - وهما الخصيتان - .

قال : قلت : فكيف حرّم النخاع؟ قال : لأنّه موضع الماء الدافق من كلّ ذكرٍ واُنثى ، وهو المخُّ الطويل الذي يكون في فقار الظهر .

ص: 65


1- الكافي : 6 / 394 ح 3 .
2- قال العلّامة المجلسي قدس سره : الظاهر أنّ «حرّم» زيد من النسّاخ . بحار الأنوار : 63 / 37 (25/241) .

قال أبان : ثمّ قال أبو عبداللَّه عليه السلام : يكره من الذبيحة عشرة أشياء منها : الطحال والانثيان ، والنخاع والدم والجلد والعظم والقرن والظلف والغدد والمذاكير واُطلق في الميتة عشرة أشياء : الصوف والشعر والريش والبيضة والناب والقرن والظلف والأنفحة والإهاب واللبن وذلك إذا كان قائماً في الضرع .(1)

قال في القاموس : «الإهاب ككتاب : الجلد أو ما لم يدبغ» .(2)

قال العلّامة المجلسي : «ذكر الجلد والقرن والظلف في الموضعين إمّا أنّها ليست محرّمة بل مكروهة ، وسائرها محرّمة ، فإنّ الكراهة في عرف الحديث أعمّ من الحرمة والكراهة ، والمراد في الأوّل كراهة الأكل ، وفي الثاني جواز الاستعمال ، وعلى التقديرين الإهاب محمول على التقيّة لذهاب أكثر العامّة إلى جواز استعماله بعد الدباغة، وإن كان من الميتة ، يمكن أن يحمل الإهاب على جلد الأنفحة كما ستعرف ».(3)

أقول : استعمال جلد الميتة لا بأس به ، نعم هي نجسة ولا تطهر بالدباغ ، والعامّة يقولون بتطهيرها بالدباغ .

مهبط إبليس البصرة

81 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كتب إلى عبداللَّه بن عبّاس وهو عامله على البصرة : واعلم أنّ البصرة مهبط إبليس ومَغْرِس الفتن ، فحادِثْ أهلَها بالإحسان إليهم ، واحْلُلْ عُقْدَة الخوفِ عن قلوبهم ، الكتاب .(4)

ص: 66


1- علل الشرائع : 2 / 562 ح 1 .
2- القاموس المحيط : 1 / 39 .
3- بحار الأنوار : 63 / 37 (25 / 241) .
4- نهج البلاغة : الكتاب 18 .

الأسواق مَيَدان إبليس

82 - الصدوق عن سعد بن عبداللَّه عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن البزنطي عن مفضل بن سعيد عن أبي جعفرعليه السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال في حديث : وشرّ بقاع الأرض الأسواق وهي مَيدان إبليس يغدو برايته ويضع كرسيّه ويبثّ ذرِّيته فبين مُطفِّفٍ في قَفيز أو طائِشٍ في ميزان أو سارق في ذراع أو كاذبٍ في سلعة فيقول : عليكم برجل مات أبوه وأبوكم حيٌّ ، فلا يزال الشيطان مع أوّل مَن يدخل وآخر مَن يرجع ، وخير البقاع المساجد وأحبّهم إليه أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً ، الحديث .(1)

رجال السنّد كلّهم ثقات إلّا المفضّل بن سعيد فإنّه إماميٌّ مجهولٌ ، القفيز : المكيال ، طفّف فيه : نقص ، طاش في الميزان : نقصه ، الفاعل في فيقول : هو إبليس لعنه اللَّه تعالى .

83 - الرضيّ رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كتب في كتابه إلى الحارث الهمداني : ... وإيّاك ومقاعد الأسواق فإنّها محاضر الشيطان ومعاريض الفتن ، الكتاب .(2)

مراكب إبليس

84 - الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن إسماعيل ، وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حنان بن سدير ، قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : قال

ص: 67


1- معاني الأخبار : 168 / ح 1 .
2- نهج البلاغة : الكتاب 69 .

النبيّ صلى الله عليه وآله لعليٍ عليه السلام : إيّاك أن تركب ميثرة حمراء فإنّها ميثرة إبليس .(1)

85 - الصدوق عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن محمّد بن الحسن عن عبداللَّه بن جبلة عن أبي الجارود عن أبي جعفرعليه السلام قال : قال النبيّ صلى الله عليه وآله لعليٍ عليه السلام : إنّي أُحبُّ لك ما اُحبّ لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي فلا تتختّم خاتم ذهب فإنّه زينتنا في الآخرة ، ولا تلبسوا القرمز فإنّه من أردية إبليس ولا تركبوا ميثرة حمراء فإنّها من مراكب إبليس ولا تلبس الحرير فيحرق اللَّه عزّ وجلّ جلدك يوم القيامة .(2)

القِرمز بالكسر : صبغ أرمني يكون من عصارة دود تكون في آجامهم . كذا في القاموس : 2 / 194 .

قال في النهاية : «فيه أنّه نهى عن ميثرة الأرجوان ، الميثرة بالكسر مفعلة من الوثارة ، يقال : وثر وثارة فهو وثير أي وطئ ليّن ، وهي من مراكب العجم تُعمل من حرير أو ديباج يحشّى بقطن أو صوف يجعلها الراكب تحته على الرِّحال» .(3)

نوم إبليس

86 - الصدوق بإسنادنه في خبر الشامي أنّه سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن النوم على كم وجه هو؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : النوم على أربعة أصناف : الأنبياء تنام على أقفيتها مستلقية وأعينها لا تنام متوقّعة لوحي ربّها عزوجلّ ، والمؤمن ينام على يمينه

ص: 68


1- الكافي : 6 / 541 ح 4 .
2- علل الشرائع : 2 / 348 ح 3 .
3- النهاية : 5 / 150 .

مستقبل القبلة ، والملوك وأبناؤها على شمائلها ليستمرئوا ما يأكلون ، وإبليس وإخوانه وكلّ مجنون وذو عاهة ينامون على وجوههم منبطحين .(1)

الشعر من إبليس

87 - في تفسير أبي الجارود الدخيل في تفسير القمّي رفعه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال في خطبته : . . . والشعر من إبليس ... .(2)

أبيات له

88 - الصدوق بإسناده إلى الرضاعليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام في ما سأله الشامي عنه عليه السلام في حديث : وسأله عن أوّل من قال الشعر ، فقال آدم عليه السلام ، قال : وما كان شعره؟ قال عليه السلام : لمّا أُنزل إلى الأرض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها وقتل قابيلُ هابيلَ قال آدم عليه السلام :

تغيّرت البلاد ومن عليها *** فوجه الأرض مغبرٌّ قبيحُ

تغيّر كلّ ذي طعمٍ ولونٍ *** وقلَّ بشاشة الوجه المليح

أرى طول الحياة عليَّ غمّاً *** وهل أنا من حياتي مستريحُ؟

وما لي لا أجود بسكبِ دمعٍ *** وهابيل تضمّنه الضريح

قتل قابيل هابيلاً أخاه *** فواحزني لقد فقد المليح

ص: 69


1- الخصال : 1 / 263 ح 140 - علل الشرائع : 2 / 597 ح 44 - عيون أخبار الرضاعليه السلام : 1 / 246 .
2- تفسير القمّي : 1 / 290 .

فأجابه إبليس لعنه اللَّه :

تنحَّ عن البلاد وساكنيها *** فبي في الخُلد ضاق بك الفسيحُ

وكنتَ بها وزوجك في قرارٍ *** وقلبك من أذى الدُّنيا مريح

فلم تنفكّ من كيدي ومكري *** إلى أن فاتك الثمن الربيح

وبدّل أهلها أثلاً وخمطاً *** بحبّات وأبواب منيح

فلولا رحمة الجبّار أضحى *** بكفّك من جنان الخُلد ريح(1)

وروى مختصرها في علل الشرائع : 594 .

القياس من عمل إبليس

89 - الصدوق بإسناده عن ابن أبي ليلى قال : دخلت على أبي عبداللَّه ومعي نعمان فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : مَن الذي معك؟ فقلت : جعلت فداك هذا رجل من أهل الكوفة له نظر ونفاذ رأي يُقال له : نعمان ، قال : فلعلّ هذا الذي يقيس الأشياء برأيه؟ فقلت : نعم ، - . . . - ثمّ قال [ أبو عبداللَّه عليه السلام ] : يا نعمان إيّاك والقياس فقد حدّثني أبي عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال : مَن قاس شيئاً بشي ءٍ قرنه اللَّه عزوجلّ مع إبليس في النار فإنّه أوّل من قاس على ربّه ، فدع الرأي والقياس ، فإنّ الدِّين لم يوضع بالقياس والرأي .(2)

الحسن البصري أخو إبليس

90 - أبو منصور الطبرسي رفعه عن ابن عبّاس قال : مرَّ أمير المؤمنين عليه السلام

ص: 70


1- عيون أخبار الرضاعليه السلام : 1 / 242 و 243 .
2- علل الشرائع : 91 ح 6 .

بالحسن البصري وهو يتوضّأ ، فقال : يا حسن أسبغ الوضوء ، فقال : يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس اُناساً يشهدون أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، يصلّون الخمس ويسبغون الوضوء . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : فقد كان ما رأيتَ فما منعك أن تُعين علينا عدوّنا؟ فقال : واللَّه لأصدقنّك يا أمير المؤمنين ، لقد خرجتُ في أوّل يوم فاغتسلتُ وتحنّطت وصببتُ عليَّ سلاحي ، وأنا لا أشكّ في أنّ التخلّف عن اُمّ المؤمنين عائشة هو الكفر ، فلمّا انتهيتُ إلى موضع من الخريبة(1) نادني منادٍ : يا حسن إلى أين؟ ارجع فإنّ القاتل والمقتول في النار ، فرجعتُ ذعراً وجلست في بيتي ، فلمّا كان اليوم الثاني لم أشكّ أنّ التخلّف عن اُمّ المؤمنين عائشة هو الكفر فتحنّطت وصببت عليَّ سلاحي وخرجت اُريد القتال حتّى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني منادٍ من خلفي : يا حسن إلى أين؟ مرّة بعد اُخرى فإنّ القاتل والمقتول في النار .

قال عليّ عليه السلام : صدقت ، أفتَدري مَنْ ذلك المُنادي؟ قال : لا ، قال عليه السلام : ذاك أخوك إبليس وصدقك ، إنّ القاتل والمقتول منهم في النار ، فقال الحسن البصري : الآن عرفتُ يا أمير المؤمنين أنّ القوم هلكى .(2)

وقت بثّ إبليس جنوده

91 - الكليني عن العدّة عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال : إنّ إبليس عليه لعائن اللَّه يبثُّ جنود الليل من حين

ص: 71


1- الخريبة مصغّراً موضع بالبصرة ، عندها كانت وقعة الجمل .
2- الاحتجاج : 1 / 171 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 42 / 141 ح 1 .

تغيب الشمس وتطلع ، فأكثروا ذكر اللَّه عزوجلّ في هاتين الساعتين وتعوَّذوا باللَّه من شرّ إبليس وجنوده ، وعوّذوا صغاركم في تلك الساعتين فإنّهما ساعتا غفلةٍ .(1)

رجال السند كلّهم ثقات إلّا أبي جميلة المفضّل بن صالح وعلى القول باعتباره صار السند معتبراً .

92 - ورواها الصدوق بسنده عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال : إنّ إبليس إنّما يبثُّ جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، ويبثُّ جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس ، وذكر أنّ نبيّ اللَّه صلى الله عليه وآله كان يقول : أكثروا ذكر اللَّه عزوجلّ في هاتين الساعتين ، وتعوَّذوا باللَّه عزوجلّ من شرّ إبليس وجنوده ، وعوِّذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنّهما ساعتا غَفلة .(2)

تقليل إبليس المسلمين في أعين الكفّار يوم بدر

93 - الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن أبان عن زرارة عن أبي جعفرعليه السلام قال: كان إبليس يوم بدر يقلّل المسلمين في أعين الكفّار ويكثّر الكفّار في أعين المسلمين ، فشدَّ عليه جبرئيل بالسيف فهرب منه وهو يقول: يا جبرئيل إنّي مؤجّل إنّي مؤجَّل، حتّى وقع في البحر ، قال زرارة : فقلت لأبي جعفرعليه السلام : لأيّ شي ءٍ كان يخاف وهو موجَّل؟ قال : على أن يقطع بعض أطرافه .(3)

الرواية صحيحة الإسناد .

ص: 72


1- الكافي : 2 / 522 ح 2 .
2- الفقيه : 1 / 501 ح 1440 .
3- الكافي : 8 / 277 ح 419 .

دعوى إبليس بالصلاة له عند طلوع الشمس

94 - ابن شهرآشوب السروي عن عليّ بن محمّد عن أبيه رفعه قال : قال رجل لأبي عبداللَّه عليه السلام : إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان؟ قال : نعم ، إنّ إبليس اتّخذ عرشاً بين السماء والأرض ، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس ، قال إبليس : إنّ بني آدم يصلّون لي .(1)

95 - ولكن ورد في التوقيع الذي ذكره الشيخ الصدوق عن الشيباني والدقاق وابن المؤدّب وابن الورّاق عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي قال : كان فيما ورد عليَّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان - قدّس اللَّه روحه - في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان (عج) : أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقولون إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة ، فصلّها وارغم أنف الشيطان .(2)

سند التوقيع صحيح ويظهر منه أنّ المرفوعة صدرت تقيّة أو تحمل على الكراهة كما عليه المشهور بين الأصحاب ، واللَّه العالم .

نظر إبليس إلى المصلّي حسداً

96 - الصدوق بإسناده عن حديث الأربعمائة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في حديث : إذا قام الرجل إلى الصلاة أقبل إليه إبليس ينظر إليه حسداً لما يرى

ص: 73


1- المناقب : 4 / 257 ، ( 4 / 279) .
2- كمال الدِّين وتمام النِّعمة : 520 ح 49 .

من رحمة اللَّه التي تغشّاه ، الحديث .(1)

الديّوث لا يسكن الجنّة

97 - البرقي قال : وفي رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفرعليه السلام قال: سمعته يقول : عرض إبليس لنوح عليه السلام وهو قائم يصلّي فحسده على حسن صلاته ، فقال: يا نوح إنّ اللَّه تعالى خلق جنّة عدن بيده وغرس أشجارها واتّخذ قصورها ، وشقَّ أنهارها ثمّ اطّلع إليها فقال : « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ »(2)[ أ ] لا وعزّتي وجلالي لا يسكنها ديّوث.(3)

إذا أطال أحدكم ركوعه وسجوده هتف إبليس : يا ويلاه

98 - الكليني عن محمّد بن يحيى عن ابن عيسى عن عليّ بن نعمان عن أبي اُسامة قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : عليك بتقوى اللَّه ، والورع والاجتهاد وصدق الحديث ، وأداء الأمانة وحُسن الخلق ، وحُسن الجوار ، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم ، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ، وعليكم بطول الركوع والسجود ، فإنّ أحدكم إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه فقال : ياويله أطاع وعصيتُ ، سجد وأبيتُ .(4)

الرواية صحيحة الإسناد . ورواها البرقي في المحاسن : 1 / 83 ح 50 .

ص: 74


1- الخصال : 2 / 632 .
2- سورة المؤمنون : 1 .
3- المحاسن : 1 / 205 ح 142 .
4- الكافي : 2 / 77 ح 9 .

كره إبليس للسجود الطويل

99 - الكليني عن عليّ عن محمّد بن عيسى عن يونس عن هارون بن خارجة عن زيد الشحّام عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمعته يقول : إنّ العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس : يا ويلاه أطاع وعصيت وسجد وأبيت .(1)

الرواية معتبرةالإسناد وهي مرويّة في دعائم الإسلام: 1/136 عن أميرالمؤمنين عليه السلام.

«الويل : الحزن والهلاك والمشقّة من العذاب وكلّ مَن وقع في هلكة دعا بالويل ، ومعنى النداء فيه : يا ويلي ويا حزني ويا هلاكي ويا عذابي احضر فهذا وقتك وأوانك فكأنّه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع والشدّة» .(2)

100 - الصدوق عن أبيه عن سعد عن اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جدّه عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أطيلوا السجود ، فما من عمل أشدّ على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً ، لأنّه أُمر بالسجود فعصى ، وهذا أمر بالسجود فأطاع ونجا .(3)

العبادة والسجدة لابدّ أن تكونا كما أمر اللَّه تعالى بهما

101 - الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال لي : يا أبا محمّد واللَّه

ص: 75


1- الكافي : 3 / 264 ح 2 .
2- النهاية : 5 / 236 .
3- علل الشرائع : 340 ح 2 - الخصال : 2 / 616 .

لو أنّ إبليس سجد للَّه بعد المعصية والتكبّر عمر الدُّنيا ما نفعه ذلك ، ولا قَبِلَه اللَّهُ عزوجلّ منه ما لم يسجد لآدم كما أمره اللَّه أن يسجد له ، الحديث .(1)

الرواية صحيحة الإسناد .

102 - الراوندي بسنده الصحيح عن الصادق عليه السلام قال : أمرَ اللَّه إبليس السجود لآدم فقال : ياربِّ وعزّتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنّك عبادة ما عبدك أحدٌ قطّ مثلها ، قال اللَّه جلّ جلاله : إنّي أحبُّ أن أُطاع من حيث اُريد ، الحديث .(2)

عداوة إبليس لأداء الأمانة

103 - الصدوق عن ابن إدريس عن أبيه عن الأشعري عن محمّد بن آدم عن الحسن بن عليّ الخزّاز عن الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام قال : سمعته يقول : أَحبُّ العباد إلى اللَّه عزوجلّ صدوق في حديثه ، محافظ على صلواته وما افترض اللَّه عليه ، مع أداء الأمانة ، ثمّ قال عليه السلام : مَن اُؤتمن على أمانةٍ فأدّاها فقد حلّ ألف عقدة من عنقه من عقد النار ، فبادروا بأداء الأمانة فإنّ مَن اُؤتمن على أمانةٍ وكل به إبليس مائة شيطان من مَرَدة أعوانه ليُضلّوه ويُوسوسوا إليه حتّى يُهلكوه ، إلّا مَن عَصَم اللَّه عزوجلّ .(3)

ص: 76


1- الكافي : 8 / 270 ح 399 .
2- قصص الأنبياء : 43 / ح 7 .
3- أمالي الصدوق ، المجلس 49 ح 8 / 371 الرقم 467 . ونقل عنه في بحار الأنوار : 66 / 384 و72/114 .

التحرّز من إبليس بالخوف الصادق

104 - ابن شعبة الحراني رفعه إلى أبي جعفر الباقرعليه السلام في وصاياه لجابر بن يزيد الجعفي أنّه قال : . . . وتحرّز من إبليس بالخوف الصادق ، وإيّاك والرجاء الكاذب فإنّه يوقعك في الخوف الصادق ، الحديث .(1)

والضمير في «فإنّه» يرجع إلى التحرّز عن الرجاء الكاذب .

يئس الشيطان من إطاعته حين نزل الوحي

105 - الرضي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في الخطبة القاصعة : . . . ولقد سمعتُ رنَّةَ الشيطان حين نزل الوحي عليه (على الرسول الأعظم)صلى الله عليه وآله ، فقلتُ : يارسول اللَّه صلى الله عليه وآله ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيِسَ من عبادته ، إنّك تسمعُ ما أسمعُ وترى ما أرى ، إلّا أنّك لستَ بنبيٍّ ولكنّك الوزير وإنّك لَعَلى خيرٍ . الخطبة .(2)

خمسة ليس له فيهم حيلة

106 - الصدوق عن الفامي عن ابن بطّة عن البرقي عن أبيه عن صفوان بن يحيى رفعه إلى أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال : قال إبليس : خمسة أشياء ليس لي فيهنّ حيلة

ص: 77


1- تحف العقول : 285 .
2- نهج البلاغة : الخطبة 192 .

وسائر الناس في قبضتي : مَنْ اعتصم باللَّه عن نيّة صادقة واتّكل عليه في جميع اُموره، ومَن كثر تسبيحه في ليله ونهاره ، ومَن رضي لأخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه ، ومَن لم يجزع على المصيبة حين تُصيبه ، ومَن رضي بما قسم اللَّه له ولم يهتمّ لرزقه .(1)

خمش وجه إبليس وقرحه

107 - الكليني عن الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى جميعاً عن عليّ بن محمّد بن سعد عن محمّدبن أسلم عن محمّد بن عليّ بن عدي قال : أملأ عليَّ محمّد بن سليمان عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : أحسن يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت ، فما أحسن مؤمنٌ إلى مؤمنٍ ولا أعانه إلّا خمش وجه إبليس وقُرِّح قلبه.(2)

خمش وجهه : خدشه ولطمه وضربه وقطعه .

القُرح : الألم وهو هنا كناية عن شدّة الغمّ واستمراره .

زيارة الإخوان أنكى شي ء لإبليس

108 - الكليني عن الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى جميعاً عن عليّ بن محمّد بن سعد عن محمّد بن مسلم عن أحمد بن زكريا عن محمّد بن سليمان عن محمّد بن محفوظ عن أبي المغراء قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : ليس شي ءٌ أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في اللَّه بعضهم لبعض، قال : وإنّ المؤمنَين يلتقيان

ص: 78


1- الخصال : 1 / 285 ح 37 .
2- الكافي : 2 / 207 ح 9 .

فيذكران اللَّه ثمَّ يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلّا تَخدَّد حتّى أنّ روحه لتستغيث مِن شدّة ما يجد من الألم فتحسُّ ملائكة السماء وخزّان الجنان فيلعنونه حتّى لا يبقى مَلكٌ مقرّبٌ إلّا لعنه ، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً .(1)

نكى العدوّ وفيه نكاية : قتل وجرح ، المُضْغَة : قطعة اللحم ، خَدَّد لحمه وتخدّد : هَزل ونقص ، خَسَأ الكلب : طرده ، حَسَرَ : تلهّف فهو حسير ، الدَّحر : الطرد والإبعاد .

الأعمال التي تباعد عنّا إبليس

109 - الصدوق عن محمّد بن عليّ ماجيلويه عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبداللَّه البرقي عن أبيه عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر عن يونس بن ظبيان قال : قلت للصادق عليه السلام : يابن رسول اللَّه ما الذي يباعد عنّا إبليس؟ قال : الصوم يسوِّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في اللَّه والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره ، والاستغفار يقطع وتينه .(2)

الصدقة تُسوِّد وجه إبليس

110 - ابن شعبة الحراني رفعه إلى أبي جعفرعليه السلام أنّه قال : ألا اُنبِّئُكُم بشي ءٍ إذا فعلتموه يَبْعُدُ السلطان والشيطان منكم؟ فقال أبو حمزة : بلى ، أخبرنا به حتّى

ص: 79


1- الكافي : 2 / 188 ح 7 .
2- فضائل الأشهر الثلاثة : 76 ح 58 .

نفعله ، فقال عليه السلام : عليكم بالصدقة فَبَكِّروا بها فإنّها تُسوِّد وجهَ إبليس وتُكسِّرُ شِرَّة السلطان الظالم عنكم في يومكم ذلك .

وعليكم بالحُبِّ في اللَّه والتودّدِ والمُوازَرَةِ على العمل الصالح فإنّه يقطعُ دابرهما - يعني السلطان والشيطان - وألِحّوا في الاستغفار فإنّه مَمْحاةٌ للذنوبِ .(1)

الشِرَّة : الشَرُّ والغضب والحِدّة .

ما يغيظ إبليس قول العبد : الحمد للَّه والعاقبة للمتّقين

111 - القطب الراوندي بإسناده عن الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن الوشاء عن الحسن بن الجهم عن رجل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل يكثر أن يقول : الحمد للَّه ربّ العالمين والعاقبة للمتّقين ، فغاظ إبليس ذلك ، فبعث إليه شيطاناً فقال : قل : العاقبة للأغنياء ، فجاءه فقال ذلك ، فتحاكما إلى أوّل مَن يطلع عليهما على قطع يد الذي يحكم عليه ، فلقيا شخصاً فأخبراه بحالهما ، فقال : العاقبة للأغنياء فرجع ، وهو يحمد اللَّه ويقول : العاقبة للمتّقين ، فقال له : تعود أيضاً! فقال : نعم ، على يدي الاُخرى ، فخرجا فطلع الآخر فحكم عليه أيضاً ، فقطعت يده الاُخرى ، وعاد أيضاً يحمد اللَّه ويقول : العاقبة للمتّقين ، فقال له : تحاكمني على ضرب العنق؟ فقال : نعم ، فخرجا فرأيا مثالاً فوقفا عليه ، فقال : إنّي كنتُ حاكمتُ هذا وقصّا عليه قصّتهما ، قال : فمسح يديه فعادتا ثمَّ ضرب عنق ذلك الخبيث وقال : هكذا العاقبة للمتّقين .(2)

ص: 80


1- تحف العقول : 298 .
2- قصص الأنبياء : 179 ح 213 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 67 / 293 ح 36 .

ينحّي ملك الموت إبليس عن المصلّي

112 - الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن محمّد بن عيسى عن يونس عن الهيثم بن واقد عن رجل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على رجل من أصحابه وهو يجود بنفسه فقال : يا مَلك الموت ارفق بصاحبي فإنّه مؤمن ، فقال : أبشر يا محمّد فإنّي بكلِّ مؤمن رفيق ، واعلم يا محمّد أنّي أقبض روح بن آدم فيجزع أهله فأقوم في ناحية من دارهم فأقول : ما هذا الجزع فواللَّه ما تعجّلناه قبل أجله وما كان لنا في قبضه من ذنبٍ فإن تحتسبوا وتصبروا تُؤجروا ، وإن تجزعوا تأثموا وتؤزروا ، واعلموا أنّ لنا فيكم عودة ثمّ عودة فالحذر الحذر إنّه ليس في شرقها ولا غربها أهل بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلّا وأنا أتصفّحهم في كلِّ يومٍ خمس مرّات ولَأنا أعلم بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ولو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتّى يأمرني ربّي بها ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : إنّما يتصفّحهم في مواقيت الصلاة فإن كان ممّن يواظب عليها عند مواقيتها لقّنه شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه ونحّى عنه ملك الموت إبليس .(1)

أهل بيت مدر : أهل القرى ، أهل بيت وبر : أهل البوادي ، لأنّ هؤلاء بيوتهم من الطين وهؤلاء من الشَعر . لقّنه : أي لقّن ملك الموت الذي دنى أجله .

رجال السند كلّهم ثقات ، ولكن ضعف السند بالرجل الذي يروي عن الإمام الصادق عليه السلام ولا يُعرف .

ص: 81


1- الكافي : 3 / 136 ح 2 .

إبليس لم يسلّط على عقل المؤمن

113 - الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان عن عثمان النواء عمّن ذكره عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إنّ اللَّه عزوجلّ يبتلي المؤمن بكلِّ بليّه ويميته بكلِّ ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله، أما ترى أيّوب كيف سلّط إبليس على ماله وعلى ولده وعلى أهله وعلى كلّ شي ءٍ منه ولم يسلّط على عقله؟ ترك له يوحّد اللَّه به .(1)

وللعلّامة المجلسي قدس سره القدوسي بيان في ذيل الحديث فراجعه .(2)

وإن جهد إبليس جُهده

114 - الشهيد الثاني بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في فضائل شهر رمضان في حديث : ... مَن صلّى ليلة إحدى عشرة من شهر رمضان ركعتين : يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة وإنّا أعطيناك الكوثر عشرين مرّة لم يتبعه ذنب ذلك اليوم ، وإن جهد إبليس جهده ، الحديث .(3)

مَن عُصِمَ من إبليس؟

115 - الصدوق بإسناده عن ابن عبّاس عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال في حديث

ص: 82


1- الكافي : 2 / 256 ح 22 .
2- بحار الأنوار : 64 / 206 ذيل ح 5 (26 / 135) .
3- الأربعون حديثاً للشهيد الثاني : 88 ونقل عنه في بحار الأنوار : 94 / 383 (39 / 496) .

فضائل شعبان : ... ومَنْ صام سبعة أيّام من شعبان عُصِمَ من إبليس وجنوده دهرَهُ وعمرَهُ ، الحديث .(1)

وفي المطبوع من ثواب الأعمال : 87 ورد «من إبليس وجنوده وهمزه وغمزه» بدل «دهره وعمره» ونقل في الهامش عن بعض النسخ دهره وعمره . ولكن نقل الحديث في أماليه ، المجلس السابع : ح 1 / 76 الرقم 43 كما في الفضائل .

قراءة سورة لقمان تطرد إبليس

116 - الصدوق عن محمّد بن موسى بن المتوكّل عن محمّد بن يحيى عن أحمد ابن محمد عن محمّد بن حسّان عن إسماعيل بن مهران عن الحسن بن علي عن عمرو بن جبير العرزمي عن أبيه عن أبي جعفرعليه السلام قال : مَنْ قرأ سورة لقمان في كلّ ليلة وكّل اللَّه به في ليلته ملائكة يحفظونه من إبليس وجنوده حتّى يصبح ، فإذا قرأها بالنهار لم يزالوا يحفظونه من إبليس وجنوده حتّى يمسي .(2)

الدّعاء الحصن في السفر من الشياطين

117 - الصدوق بإسناده عن عليّ بن اسباط عن الرضاعليه السلام قال : قال لي : إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل : «بسم اللَّه ، آمنتُ باللَّه ، توكّلت على اللَّه ، ما شاء اللَّه ، لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه» ، فتلقّاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوهها

ص: 83


1- فضائل الأشهر الثلاثة : 47 ح 24 .
2- ثواب الأعمال : 136 .

وتقول : ما سبيلكم عليه وقد سمّى اللَّه وآمن به وتوكّل على اللَّه؟! وقال : ماشاء اللَّه لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه .(1)

الروية موثّقة سنداً ورواها الكليني بسنده الموثّق أيضاً في الكافي: 2/543 ح 12 .

دعاء الحراسة من إبليس

118 - نقل العلّامة المجلسي عن خط الشهيد قال : روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وآله عن تفسير المقاليد فقال : يا عليّ سألت عظيماً ، المقاليد(2) هو أن تقول عشراً إذا أصبحت وعشراً إذا أمسيت : «لا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر ، سبحان اللَّه والحمدُ للَّه ، أستغفر اللَّه لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن ، له الملك وله الحمد يُحيي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت بيده الخير وهو على كلّ شي ءٍ قدير».

مَن قالها عشراً إذا أصبح وعشراً إذا أمسى أعطاه اللَّه خصالاً ستّاً : أوّلهنَّ : يحرسه من إبليس وجنوده فلا يكون لهم عليه سلطان ، والثانية : يُعطى قنطاراً من الجنّة أثقل في ميزانه من جبل اُحد ، والثالثة : يرفع اللَّه له درجة لا ينالها إلّا الأبرار ، والرابعة : يزوّجه اللَّه من الحور العين ، والخامسة : يشهده اثنى عشر ملكاً يكتبونها في رقٍّ منشور يشهدون له بها يوم القيامة ، والسادسة : كان كمَن قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وكمَن حجّ واعتمر فقبل اللَّه حجّته وعمرته ، وإن مات من يومه أو ليلته أو شهره طبع بطابع الشهداء ، فهذا تفسير المقاليد .(3)

روى نحوها في هامش البلد الأمين : 55 .

ص: 84


1- الفقيه 2 : 272 ح 2416 .
2- المَقاليد جمع المِقلاد وهو المفتاح.
3- بحار الأنوار : 83 / 281 ح 42 (34 / 433) كلاهما من طبع بيروت .

دعاء حفظ اللَّه عبده بسبعين ملكاً من إبليس وجنوده

119 - المجلسي(1) نقلاً من الكتاب العتيق الغروي قال : روي عن العالم جعفر ابن محمّد الصادق عليهما السلام قال : قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : علّمني حبيبي رسول اللَّه دعاءً ولا أحتاج معه إلى دواء الأطبّاء ، قيل : وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال : سبع وثلاثون تهليلة من القرآن من أربع وعشرين سورة من البقرة إلى المزمّل ، ما قالها مكروبٌ إلّا فرّج اللَّه كربه ، ولا مديون إلّا قضى اللَّه دينه ولا غائب(2) إلّا ردّ اللَّه غربته ، ولا ذو حاجة إلّا قضى اللَّه حاجته ، ولا خائف إلّا آمن اللَّه خوفه ، ومَن قرأها في كلّ يوم حين يصبح أمِنَ قلبه من الشقاق والنفاق ، ودفع عنه سبعين نوعاً من أنواع البلاء أهونها الجذام والجنون والبرص ، وأحياه اللَّه ريّاناً وأماته ريّاناً وأدخله الجنّة ريّاناً ، ومَن قالها وهو على سفرٍ لم يرَ في سفره إلّا خيراً ، ومَن قرأها في كلّ ليلة حين يأوي إلى فراشه وكّل اللَّه به سبعين ملكاً يحفظونه من إبليس وجنوده حتّى يصبح ، وكان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتّى يمسي ، ومَن كتبها وشربها بماء المطر لم يصبه في بدونه سوء ولا خصاصة ، ولا شي ء من أعين الجنّ ، ولا نفثهم ولا سحرهم ، ولا كيدهم ، ولم يزل محفوظاً من كلّ آفة ، مدفوعاً عنه كلّ بليّةٍ في الدُّنيا ، مرزوقاً بأوسع ما يكون ، آمناً من كلّ شيطانٍ مريد ، وجبّارٍ عنيد ولم يخرج عن دار الدُّنيا حتّى يُريه اللَّه عزّ وجلّ في منامه مقعده من

ص: 85


1- بحار الأنوار : 92 / (287 - 291) - 38 / (440 - 443) كلاهما من طبع بيروت .
2- كذا في النسختين من المطبوعة البيروتية وكذا في الطبعة الحجرية : 19 / 265 ولكن يمكن فيها قراءة غريب بدلاً من غائب .

الجنّة وهذا أوّله :

من سورة البقرة اثنتنان : « وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمُ »(1) « اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ »(2) .

ومن آل عمران خمسة : « الم* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ* نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ »(3) ، « هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ »(4) ، « شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ »(5) ، « إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ »(6) .

ومن النساء واحدة : « اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً »(7) .

ومن المائدة واحدة : « لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ »(8) .

ومن الأنعام اثنتان : « ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ وَكِيلٌ »(9) ، « اتَّبِعْ مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ

ص: 86


1- سورة البقرة: آية 163.
2- سورة البقرة : آية 255 .
3- سورة آل عمران : آية 1 - 3 .
4- سورة آل عمران : الآية 6 .
5- سورة آل عمران : الآيتان 18 - 19 .
6- سورة آل عمران : الآية 62 .
7- سورة النساء : الآية 87 .
8- سورة المائدة : الآية 73 .
9- سورة الأنعام : الآية 102 .

وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ »(1) .

ومن الأعراف واحدة : « قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىِّ الْأُمِّىِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »(2) .

ومن براءة اثنتان : « اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ »(3) ، « فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ »(4) .

ومن يونس واحدة : « حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ »(5) .

ومن هود واحدة : « فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ »(6) .

ومن الرعد واحدة : « وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ »(7) .

ومن النحل واحدة : « يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ »(8) .

ص: 87


1- سورة الأنعام : الآية 106 .
2- سورة الأعراف : الآية 158 .
3- سورة التوبة : آية 31 .
4- سورة التوبة : آية 129 .
5- سورة يونس : آية 90 .
6- سورة هود : آية 14 .
7- سورة الرعد : آية 30 .
8- سورة النحل : آية 2 .

ومن طه ثلاثة : « يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى »(1) ، « وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى* إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي »(2) ، « إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْ ءٍ عِلْماً »(3) .

ومن الأنبياء اثنتان : « وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ »(4) ، « وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ »(5) .

ومن المؤمنين واحدة : « فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ »(6) .

[ ومن النمل واحدة : « وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ »(7) ] .

ومن القصص اثنتان : « وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »(8) ، « وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْ ءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »(9) .

ص: 88


1- سورة طه : الآيتان 7 - 8 .
2- سورة طه : الآيتان 13 - 14 .
3- سورة طه : آية 98 .
4- سورة الأنبياء : آية 25 .
5- سورة الأنبياء : آية 87 .
6- سورة المؤمنون : آية 116 .
7- سورة النمل : الآيتان 25 - 26 .
8- سورة القصص : آية 70 .
9- سورة القصص : آية 88 .

ومن فاطر واحدة : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ »(1) .

ومن الصافّات واحدة : « إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ »(2) .

ومن ص واحدة : « قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ »(3) .

ومن غافر اثنتان : « ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ »(4) ، « ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ »(5) ، « هُوَ الْحَىُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للَّهِ ِ رَبِّ الْعَالَمِينَ »(6) .

ومن الدخان واحدة : « لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ »(7) .

ومن الحشر اثنتان : « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ »(8) .

ومن التغابن واحدة : « اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ »(9) .

ومن المزمّل واحدة : « رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً »(10) .

ص: 89


1- سورة فاطر : آية 3 .
2- سورة الصافّات : آية 35 .
3- سورة ص : آية 65 .
4- سورة غافر : آية 62 .
5- سورة غافر : آية 64 .
6- سورة غافر : آية 65 .
7- سورة الدخان : آية 8 .
8- سورة الحشر : آية 22 - 23 .
9- سورة التغابن : آية 13 .
10- سورة المزمّل : آية 9 .

أكل السفرجل ثلاثة أيّام يقي من كيد إبليس وجنوده

120 - الصدوق بإسناده إلى دارم عن الرضاعليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن عليّ عليه السلام قال : دخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوماً وفي يده سفرجلة ، فجعل يأكل ويطعمني ويقول : كُلْ يا عليّ فإنّها هدية الجبّار إليَّ وإليك ، قال : فوجدت فيها كلّ لذّة ، فقال لي : يا عليّ مَن أكل السفرجلة ثلاثة أيّام على الريق صفا ذهنه وامتلأ جوفه حلماً وعلماً ، ووقى مِن كيد إبليس وجنوده .(1)

الريق : لعاب الفم ، يُقال : شربت أو أكلت على الريق : أي قبل أن آكل شيئاً . السفرجل : ما يقال له بالفارسيّة : به .

الاستعاذة باللَّه من الشيطان عند سماع نباح الكلب ونهيق الحمير

121 - الصدوق عن أبيه عن محمّد بن يحيى العطّار ، وعن محمّد بن أحمد الأشعري عن البرقي عن رجل عن ابن أسباط عن عمّه رفع الحديث إلى عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في كلام كثير : لا تؤوا منديل اللحم في البيت فإنّه مربض الشيطان ، ولا تؤوا التراب خلف الباب فإنّه مأوى الشياطين . . . وإذا بلغ أحدكم باب حجرته فليسم فإنّه يفرّ الشيطان - إلى أن قال : - إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمار فتعوّذوا باللَّه من الشيطان الرجيم فإنّهم يرون ولا ترون ، فافعلوا ما

ص: 90


1- عيون أخبار الرضاعليه السلام : 2 / 73 ح 338 ونقل عنه في بحار الأنوار : 39 / 125 ح 10 .

تُؤمرون ونِعْمَ اللهو المغزل للمرأة الصالحة .(1)

إنّ لإبليس شيطان يقال له : المتكوّن يأتي الناس في أيّ صورة شاء

122 - الكشي عن سعد عن أحمد بن محمّد عن أبيه والحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير - وعن سعد عن محمّد بن عيسى عن يونس وابن أبي عمير - عن محمّد بن عمر بن اُذينة عن بريد بن معاوية العجلي قال : كان حمزة بن عمارة البربريّ لعنه اللَّه يقول لأصحابه : إنّ أبا جعفرعليه السلام يأتيني في كلّ ليلة ، ولا يزال إنسان يزعم أنّه قد أراه إيّاه ، فقُدِّرَ لي أنّي لقيتُ أبا جعفرعليه السلام فحدّثته بما يقول حمزة ، فقال : كذب ، عليه لعنة اللَّه ، ما يقدر الشيطان أن يتمثّل في صورة نبيٍّ ولا وصيّ نبيّ .(2)

الرواية صحيحة الإسناد بسنديها .

123 - قال الكشي: وجدتُ بخطّ جبرئيل بن أحمد حدّثني محمّد بن عيسى عن عليّ ابن الحكم عن حمّاد بن عثمان عن زرارة قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : أخبرني عن حمزة أيزعم أنّ أبي يأتيه؟ قلت : نعم ، قال : كذب واللَّه ما يأتيه إلّا المتكوِّن ، إنّ إبليس سلّط شيطاناً يقال له : المتكوّن يأتي الناس في أيّ صورةٍ شاء ، إن شاء في صورة صغيرة وإن شاء في صورة كبيرة ، ولا واللَّه ما يستطيع أن يجيى ء في صورة أبي عليه السلام .(3)

الرواية معتبرة الإسناد .

ص: 91


1- علل الشرائع : 2 / 582 ح 23 ونقل عنه في بحار الأنوار : 62 / 64 ح 21 (25 / 43) .
2- رجال الكشي : 304 ح 548 ونقل عنه في بحار الأنوار : 69 / 214 ح 5 .
3- رجال الكشي : 300 ح 537 ونقل عنه في بحار الأنوار : 69 / 214 ح 4 .

تمثّل إبليس في أربع صور

124 - الطوسي عن المفيد عن أبي عبداللَّه بن أبي رافع عن جعفر بن محمّد بن جعفر الحسيني عن عيسى بن مهران عن يحيى بن الحسن بن فرات عن ثعلبة بن زيد الأنصاري قال : سمعت جابر بن عبداللَّه الأنصاري رحمه الله يقول : تمثّل إبليس لعنه اللَّه في أربع صور : تمثّل يوم بدر في صورة سراقة بن جُعشم المدلجيّ فقال لقريش : « لَا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِى ءٌ مِنْكُمْ »(1) ، وتصوّر يوم العقبة في صورة منبّه بن الحجّاج فنادى : إنّ محمّداً والصُباة معه عند العقبة فأدركوهم ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله للأنصار : لا تخافوا فإنّ صوته لن يعدوهم ، وتصوّر يوم اجتماع قريش في دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد وأشار عليهم في النبيّ صلى الله عليه وآله بما أشار ، فأنزل اللَّه تعالى : « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ »(2) ، وتصوّر يوم قبض النبيّ صلى الله عليه وآله في صورة المغيرة بن شعبة فقال : أيّها الناس لا تجعلوها كسروانيّة ولا قيصرانيّة ، وسّعوها تتّسع ، فلا تردّوها في بني هاشم فتُنتظر بها الحُبالى .(3)

الصباة جمع صابى ء : وهو من خرج من دين إلى دين آخر .

فينتظر بها الحبالى : قال العلّامة المجلسي في معناها : «أي إذا كانت الخلافة

ص: 92


1- سورة الأنفال : 48 .
2- سورة الأنفال : 30 .
3- أمالي الطوسي . المجلس السادس ح 50 / 176 الرقم 298 .

مخصوصة ببني هاشم صار الأمر بحيث ينتظر الناس أن تلد الحبالى أحداً منهم فيصير خليفة ولم يعطوها غيرهم» .(1)

رؤية إبليس في موضع الجمار

125 - الصدوق بإسناده عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث أنّه قال : . . . ثمّ أخذ جبرئيل عليه السلام بيد آدم فانطلق به إلى البيت فعرض له إبليس عند الجمرة فقال له : ياآدم أين تريد؟ قال جبرئيل : يا آدم ارمه بسبع حصيات وكبّر مع كلّ حصاة تكبيرة ففعل ذلك آدم كما أمره جبرئيل فذهب إبليس .

ثمّ أخذ جبرئيل بيده في اليوم الثاني فانطلق به إلى الجمرة فعرض له إبليس فقال له جبرئيل: ارمه بسبع حصيّات وكبّر مع كلّ حصاة تكبيرة ففعل ذلك آدم فذهب إبليس.

ثمّ عرض له عند الجمرة الثالثة فقال له : يا آدم أين تريد؟ فقال له جبرئيل : ارمه بسبع حصيّات وكبّر مع كلّ حصاة تكبيرة، ففعل ذلك آدم فذهب إبليس ثمّ فعل ذلك به في الثالث والرابع ، فقال له جبرئيل : إنّك لن تراه بعد مقامك هذا أبداً ، الحديث.(2)

126 - الحميري عن عبداللَّه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام ، وسألته عن رمي الجمار لِمَ جعل؟ قال : لأنّ إبليس كان يتراءى لإبراهيم عليه السلام في موضع الجمار فرجمه إبراهيم عليه السلام فجرت به السنّة .(3)

ورواها الصدوق بسنده الصحيح في علل الشرائع : 437 ح 1 .

ص: 93


1- بحار الأنوار : 60 / 234 .
2- علل الشرائع : 400 ح 1 .
3- قرب الإسناد : 238 ح 934 .

127 - الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبداللَّه عن أيّوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : أوّل من رمى الجمار آدم عليه السلام وقال أتى جبرئيل عليه السلام إبراهيم فقال : ارم يا إبراهيم ، فرمى جمرة العقبة ، وذلك إنّ الشيطان تمثّل له عندها .(1)

الرواية معتبرة الإسناد .

رؤية إبراهيم عليه السلام للشيطان

128 - الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبداللَّه عن أحمد وعبداللَّه ابني محمّد بن عيسى عن محمّد بن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام لِمَ جعل السعي بين الصفا والمروة؟ قال : لأنّ الشيطان تراءى لإبراهيم عليه السلام في الوادي فسعى وهو منازل الشيطان .(2)

الرواية صحيحة الإسناد وروى نحوها العياشي مرسلاً في تفسيره 1 / 171 ح 139 .

129 - الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبداللَّه عن أيّوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : صار السعي بين الصفا والمروة لأنّ إبراهيم عليه السلام عرض له إبليس فأمره جبرئيل عليه السلام فشدّ عليه فهرب منه فجرت به السنّة - يعني بالهرولة - .(3)

الرواية معتبرة الإسناد بل صحيحة .

ص: 94


1- علل الشرائع : 437 ح 2 .
2- علل الشرائع : 433 ح 2 .
3- علل الشرائع : 432 ح 1 .

حُجِبَ إبليس عن السماوات السبع بمولد النبيّ صلى الله عليه وآله

130 - الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضى الله عنه قال : حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبداللَّه بن أحمد بن أبي عبداللَّه البرقي ، قال : حدّثني أبي ، عن جدّه أحمد بن أبي عبداللَّه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام ، قال : كان إبليس (لعنه اللَّه) يخترق السماوات السبع ، فلمّا ولد عيسى عليه السلام حُجِب عن ثلاث سماوات ، وكان يخترق أربع سماوات ، فلمّا ولد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حُجِبَ عن السبع كلّها ، ورميت الشياطين بالنجوم ، وقالت قريش : هذا قيام الساعة الذي كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه ، وقال عمرو بن اُميّة وكان من أزجر أهل الجاهلية : انظروا هذه النجوم التي يُهتدى بها ، ويُعرف بها أزمان الشتاء والصيف ، فإن كان رُمي بها فهو هلاك كلّ شي ء ، وإن كانت ثبتت ورُمي بغيرها فهو أمرٌ حَدَث .

وأصبحت الأصنام كلّها صبيحة مولد النبيّ صلى الله عليه وآله ليس منها صَنم إلّا وهو مُنكبّ على وجهه ، وارتجس(1) في تلك الليلة إيوان كسرى ، وسقطت منه أربعة عشر شُرفة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وفاض وادي السماوة ، وخَمَدت نيران فارس ، ولم تخمُد قبل ذلك بألف عام ، ورأى المُؤبذان(2) في تلك الليلة في المنام إبلاً صِعاباً تقود خيلاً عِراباً ، قد قطعت دجلة ، وانسربت في بلادهم؛ وانقصم طاق المَلِك كِسرى من وسطه ، وانخرقت عليه دجلة العوراء ، وانتشر في تلك الليلة نورٌ من قِبل

ص: 95


1- الارتجاس : الاضطراب والتزلزل .
2- المؤبَذ : فقيه الفرس وحاكم المجوس ، وقيل : المُؤبَذان كقاضي القضاة للمسلمين ، والمُؤبذ كالقاضي .

الحجاز ، ثمّ استطار حتّى بلغ المشرق ، ولم يبق سريرٌ لمَلِك من ملوك الدُّنيا إلّا أصبح منكوساً ، والملك مُخرساً لا يتكلّم يومه ذلك ، وانتُزع علم الكَهَنة ، وبطلَ سحر السَّحرة ، ولم تبق كاهنة في العرب إلّا حُجبت عن صاحبها ، وعظُمت قُريش في العرب ، وسُمّوا آل اللَّه عزوجلّ ، قال أبو عبداللَّه الصادق عليه السلام : إنّما سُمّوا آل اللَّه عزوجلّ لأنّهم في بيت اللَّه الحرام .

وقالت آمنة : إنّ ابني واللَّه سقط فاتّقى الأرض بيده ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ، ثمّ خرج منّي نورٌ أضاء له كلّ شي ء ، وسمعتُ في الضوء قائلاً يقول : إنّك قد ولدت سيّد الناس ، فسمّيه محمّداً ، وأُتي به عبد المطّلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت اُمّه ، فأخذه فوضعه في حِجره ، ثمّ قال :

الحمدُ للَّه الذي أعطاني *** هذا الغلام الطيّب الأردان

قد ساد في المَهْد على الغُلمان *** ثمّ عوّذه بأركان الكعبة(1) ، وقال فيه أشعاراً .

قال : وصاح إبليس (لعنه اللَّه) في أبالسته ، فاجتمعوا إليه ، فقالوا : ما الذي أفزعك يا سيّدنا؟ فقال لهم : ويلكم ، لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة ، لقد حَدَث في الأرض حدثٌ عظيم ما حدث مثله منذ رُفِعَ عيسى بن مريم ، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث ، فافترقوا ثمّ اجتمعوا إليه ، فقالوا : ما وجدنا شيئاً . فقال إبليس : أنا لهذا الأمر . ثمّ انغمس في الدنيا ، فجالها حتّى انتهى إلى الحَرَم ، فوجد الحرم محفوفاً(2) بالملائكة ، فذهب ليدخل ، فصاحوا به فرجع ، ثمّ

ص: 96


1- أي مسحه بها ، أو دعا له عندها .
2- وفي بعض النسخ : محفوظاً .

صار مثل الصِّر - وهو العُصفور - فدخل من قبل حراء ، فقال له جبرئيل : وراءك لعنك اللَّه ، فقال له : حرفٌ أسألك عنه يا جبرئيل ، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟ فقال له : ولد محمّدصلى الله عليه وآله ، فقال له : هل لي فيه نصيب؟ قال : لا ، قال : ففي اُمّته؟ قال : نعم ، قال : رضيتُ .(1)

الرواية معتبرة الإسناد .

طرد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إبليس من قم المشرّفة

131 - الصدوق عن الورّاق عن سعد عن ابن عيسى والفضل بن عامر عن سليمان بن مقبل عن محمّد بن زياد الأزدي عن عيسى بن عبداللَّه الأشعري عن الصادق جعفر بن محمّدعليه السلام قال : حدّثني أبي عليه السلام عن جدّي عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : لمّا أُسري بي إلى السماء حملني جبرئيل على كتفه الأيمن ، فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لوناً من الزعفران وأطيب ريحاً من المسك فإذا فيها شيخ على رأسه برنس ، فقلت لجبرئيل : ما هذه البقعة الحمراء التي هي أحسن لوناً من الزعفران وأطيب ريحاً من المسك؟ قال : بقعة شيعتك وشيعة وصيّك عليّ ، فقلت : مَن الشيخ صاحب البرنس؟ قال : إبليس ، قلت : فما يريد منهم؟ قال : يريد أن يصدّهم عن ولاية أمير المؤمنين ويدعوهم إلى الفسق والفجور ، فقلت : يا جبرئيل أهوينا إليهم ، فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللامح ، فقلت : قم يا ملعون ، فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم

ص: 97


1- أمالي الصدوق ، المجلس الثامن والأربعون : ح 1 / 360 الرقم 444 .

ونسائهم ، فإنّ شيعتي وشيعة عليّ ليس لك عليهم سلطان فسمّيت قم .(1)

البرنس : قلنسوة طويلة كان النسّاك يلبسونها في صدر الإسلام كما ذكره الجوهري في الصحاح : 2 / 908 ونقل عنه المجلسي في بحار الأنوار: 57/207 (23 / 141).

أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إبليس بالقيام عن قم

132 - الحسن بن محمّد بن الحسن القمّي صاحب تاريخ قم قال : ومن روايات الشيعة في فضل قم وأهلها ما رواه الحسن بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه بأسانيد ذكرها عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام أنّ رجلاً دخل عليه فقال : ياابن رسول اللَّه إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة لم يسألك أحدٌ قبلي ولا يسألك أحدٌ بعدي ، فقال : عساك تسألني عن الحشر والنشر ؟ فقال الرجل : إي والذي بعث محمّداً بالحقّ بشيراً ونذيراً ما أسألك إلّا عنه ، فقال : محشر الناس كلّهم إلى بيت المقدس إلّا بقعة بأرض الجبل يقال لها قم ، فإنّهم يُحاسبون في حفرهم ويُحشرون من حفرهم إلى الجنّة . ثمّ قال : أهل قم مغفورٌ لهم . قال : فوثب الرجل على رجليه وقال : يابن رسول اللَّه هذا خاصّة لأهل قم؟ قال : نعم ومن يقول بمقالتهم . ثمّ قال : أزيدك؟ قال : نعم ، [قال :] حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : نظرت إلى بقعة بأرض الجبل خضراء أحسن لوناً من الزعفران وأطيب رائحةً من المسك وإذا فيها شيخ بارك على رأسه برنس ، فقلت : حبيبي جبرئيل ما هذه البقعة؟ قال : فيها شيعة وصيّك عليّ بن أبي طالب . قلت : فمَن الشيخ البارك فيها؟ قال : ذلك إبليس اللعين - عليه اللعنة - قلت : فما يريد منهم؟ قال : يريد أن يصدّهم

ص: 98


1- علل الشرائع : 572 ح 1 .

عن ولاية عليّ ويدعوهم إلى الفسق والفجور . فقلت : ياجبرئيل أهوينا إليه ، فأهوى بنا إليه أسرع من برق خاطف . فقلت له : قم يا معلون فشارك المرجئة في نسائهم وأموالهم ، لأنّ أهل قم شيعتي وشيعة وصيّي عليّ بن أبي طالب .(1)

133 - وعنه قال : وفي روايات الشيعة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لمّا اُسري به رأى إبليس باركاً بهذه البقعة ، فقال له : قم يا ملعون فسمّيت بذلك .(2)

ليس له على الشيعة سلطان

134 - العياشي رفعه عن أبي بصير قال : سمعت جعفر بن محمّدعليهما السلام وهو يقول : نحن أهل بيت الرحمة ، وبيت النعمة ، وبيت البركة ، ونحن في الأرض بُنيان ، وشيعتنا عُرى الإسلام ، وما كانت دعوة إبراهيم إلّا لنا ولشيعتنا ، ولقد استثنى اللَّه إلى يوم القيامة على إبليس فقال : « إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ »(3) .(4)

عرى الإسلام : يستوثق ويستمسك بهم الإسلام ، أو مَن أراد الصعود إلى الإسلام أو إلى ذروته يتعلّق بهم ويأخذ منهم .

ويحتمل أن يكون المراد بدعوة إبراهيم عليه السلام قوله تعالى : « رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ »(5) ، أو قوله تعالى : « فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ »(6) .

ص: 99


1- تاريخ قم : 91 و 92 بالفارسية ونقل عنه في بحار الأنوار : 57 / 218 ح 48 .
2- تاريخ قم : 25 بالفارسية ونقل عنه في بحار الأنوار : 57 / 217 ح 42 .
3- سورة الحجر : 42 .
4- تفسير العياشي : 2 / 429 ح 18 .
5- سورة إبراهيم : 14 .
6- سورة إبراهيم : 37 .

الصلاة على محمّد وآله يوجب النصرة على الشياطين

135 - في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ألا فاذكروا يا اُمّة محمّدٍ محمّداً وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصر اللَّه بهم ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم ، فإنّ كلّ واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته ، وملك عن يساره يكتب سيئاته ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه فإذا وسوسا في قلبه ذكر اللَّه وقال : لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم وصلّى اللَّه على محمّدٍ وآله ، حبس الشيطانان ، ثمّ صارا إلى إبليس فشكواه وقالا له : قد أعيانا أمره فأمددنا بالمردة ، فلا يزال يمدّها حتّى يمدّها بألف مارد فيأتونه ، فكلّما راموه ذكر اللَّه وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطيّبين لم يجدوا عليه طريقاً ولا منفذاً ، قالوا لإبليس : ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه وتغويه ، فيقصده إبليس وجنوده فيقول اللَّه تعالى للملائكة : هذا إبليس قد قصد عبدي فلاناً ، أو أمتي فلانة بجنوده ، ألا فقاتلوهم ، فيقاتلهم بإزاء كلّ شيطان رجيم منهم مائة ألف ملك وهم على أفراس من نار بأيديهم سيوف من نار ورماح من نار وقسيّ ونشاشيب وسكاكين وأسلحتهم من نار ، فلا يزالون يخرجونهم ويقاتلونهم بها ويأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة فيقول : ياربّ وعدك وعدك ، قد أجّلتني إلى يوم الوقت المعلوم ، فيقول اللَّه تعالى للملائكة : وعدته أن لا اُميته ، ولم أعده أن لا اُسلّط عليه السلاح والعذاب والآلام ، استبقوا منه ضرباً بأسلحتكم فإنّي لا اُميته ، فيثخنونه بالجراحات ، ثمّ يدعونه فلا يزال سخين العين على نفسه وأولاده المقتولين ، ولا يندمل شي ء من جراحاته إلّا بسماعه أصوات المشركين بكفرهم فإن

ص: 100

بقي هذا المؤمن على طاعة اللَّه وذكره والصلاة على محمّد وآله بقى على إبليس تلك الجراحات ، وإن زال العبد عن ذلك وانهمك في مخالفة اللَّه عزوجلّ ومعاصيه اندملت جراحات إبليس ثمّ قوى على ذلك العبد حتّى يلجمه ويسرّج على ظهره ويركبه ثمّ ينزل عنه ويركب ظهره شيطاناً من شياطينه ويقول لأصحابه : أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا؟ ذلّ ، وانقاد لنا الآن حتّى صار يركبه هذا ، ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فإن أردتم أن تديموا على إبليس من سخنة عينه وألم جراحاته فداموا على طاعة اللَّه وذكره والصلاة على محمّد وآله ، وإن زلتم عن ذلك كنتم اُسراء فيركب أقفيتكم بعض مردته .(1)

النشاشيب : جمع النُشّاب وهو النبل ، سخنة العين : نقيض قرّتها وأسخن اللَّه عينه : أي أبكاه . قسيّ : أي شديد وهنا بل أشدّ من النار .

معنى قوله تعالى : « اسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ »

136 - الصدوق بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا جلوساً مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذ أقبل إليه رجل فقال : يارسول اللَّه أخبرني عن قول اللَّه عزوجلّ : « اسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ »(2) فمَن هم يارسول اللَّه الذين هم أعلى من الملائكة؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، كنّا في سرادق العرش نسبِّح اللَّه وتسبّح الملائكة بتسبيحنا قبل أن خلق اللَّه عزّ وجلّ آدم بألفي

ص: 101


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 396 . ونقل عنه في بحار الأنوار : 60 / 271 ح 158 (24 / 403) .
2- سورة ص : 75 .

عام ، فلمّا خلق اللَّه عزوجلّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ولم يأمرنا بالسجود ، فسجدت الملائكة كلّهم أجمعون إلّا إبليس فإنّه أبى أن يسجد ، فقال اللَّه تبارك وتعالى : « اسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ » أي من هؤلاء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش ، الحديث .(1)

دعاء إبليس لنجاته بالخمس من أصحاب الكساء

137 - الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبداللَّه عن محمّد بن عبد الحميد العطّار عن محمّد بن راشد البرمكي عن عمر بن سهل الأسدي عن سهيل بن غزوان البصري ، قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : إنّ امرأة من الجنّ كان يُقال لها عفراء ، وكانت تأتي النبيّ صلى الله عليه وآله فتسمع من كلامه ، فتأتي صالحي الجنّ فيسلمون على يديها ، وإنّها فقدها النبيّ صلى الله عليه وآله فسأل عنها جبرئيل ، فقال : إنّها زارت اُختاً لها تحبّها في اللَّه ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : طوبى للمتحابّين في اللَّه ، إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلق في الجنّة عموداً من ياقوتة حمراء عليه سبعون ألف قصر ، في كلِّ قصر سبعون ألف غرفة خلقها اللَّه عزوجلّ للمتحابّين والمتزاورين في اللَّه .

ثمّ قال : يا عفراء أيّ شي ء رأيت؟ قالت : رأيت عجائب كثيرة ، قال : فأعجب ما رأيتِ؟ قالت : رأيتُ إبليس في البحر الأخضر على صخرة بيضاء ، مادّاً يديه إلى السماء وهو يقول : إلهي إذا بررت قسمك وأدخلتني نار جهنّم ، فأسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، إلّا خلّصتني منها وحشرتني معهم . فقلت : يا حارث ما هذه الأسماء التي تدعو بها؟ قال لي : رأيتها على ساق العرش من قبل أن

ص: 102


1- فضائل الشيعة : 50 ح 7 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 11 / 142 ح 9 .

يخلق اللَّه آدم بسبعة آلاف سنة ، فعلمت أنّهم أكرم الخلق على اللَّه عزوجلّ ، فأنا أسأله بحقّهم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : واللَّه لو أقسم أهل الأرض بهذه الأسماء لأجابهم .(1)

روى نظيرها مرفوعاً البرقي في المحاسن : 2 / 58 ح 98 وعلي بن عيسى الإربلي في كشف الغمّة : 2 / 175 من الطبعة الحديثة عام 1426 .

رؤية إبليس حين عبادته نور عليّ عليه السلام

138 - الصدوق بإسناده عن المسعودي رفعه عن سلمان الفارسي رحمه الله قال : مرّ إبليس بنفر يتناولون أمير المؤمنين عليه السلام فوقف أمامهم ، فقال القوم : مَنْ الذي وقف أمامنا؟ فقال : أنا أبو مُرّة . فقالوا : يا أبا مُرّة أما تسمع كلامنا؟ فقال : سَوءةٌ لكم ، تَسبّون مولاكم عليّ بن أبي طالب ، فقالوا له : من أين علمتَ أنّه مولانا؟ فقال : من قول نبيّكم : مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمَّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه وانصر مَنْ نصره واخذل مَن خذله ، فقالوا له : فأنت من مواليه وشيعته؟ فقال : ما أنا من مواليه ولا من شيعته ، ولكنّي اُحبّه وما يُبغِضه أحدٌ إلّا شاركته في المال والولد .

فقالوا له : يا أبا مرّة فتقول في عليٍّ شيئاً؟ فقال لهم : اسمعوا منّي معاشر الناكثين والقاسطين والمارقين ، عبدتُ اللَّه عزوجلّ في الجانّ اثنى عشر ألف سنة ، فلمّا أهلك اللَّه الجانّ شكوتُ إلى اللَّه عزوجلّ الوحدة ، فعَرَج بي إلى السماء الدُّنيا ، فعبدتُ اللَّه عزوجلّ في السماء الدُّنيا اثنى عشر ألف سنة اُخرى في جملة الملائكة ، فبينا نحن كذلك نسبِّح اللَّه عزوجلّ ونقدّسه إذ مرّ بنا نور شَعشَعانيّ ، فخرّت الملائكة لذلك النور سُجّداً ، فقالوا :

ص: 103


1- الخصال : 2 / 638 ح 13 ونقل عنه في بحار الأنوار : 60 / 80 ح 35 .

سُبّوحٌ قدّوس ، نور مَلك مُقرّب أو نبيٍّ مرسل ، فإذا النداء من قِبل اللَّه عزّ وجلّ : لا نور مَلَكٌ مقرّب ولا نبيٌّ مرسل ، هذا نور طينة عليّ بن أبي طالب عليه السلام .(1)

ورواها أيضاً في علل الشرائع : 1 / 143 ح 9 .

حثّ الأبالسة التراب على رؤوسهم يوم الغدير

139 - علي بن إبراهيم القمّي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : لمّا أمر اللَّه نبيّه أن ينصب أمير المؤمنين عليه السلام للناس في قوله : « يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ »(2) في عليّ بغدير خم ، فقال : مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على رؤوسهم ، فقال لهم إبليس : ما لَكُمْ؟ فقالوا : إنّ هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلّها شي ء إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس : كلّا إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عدّة لن يخلفوني ، فأنزل اللَّه على رسوله : « وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ »(3) .(4)

الرواية صحيحة الإسناد .

صراخ إبليس يوم الغدير

140 - العياشي رفعه عن جعفر بن محمّد الخزاعي عن أبيه قال : سمعت أبا

ص: 104


1- أمالي الصدوق ، المجلس الخامس والخمسون : ح 6 / 427 الرقم 565 .
2- سورة المائدة : 67 .
3- سورة سبأ : 20 .
4- تفسير القمّي : 2 / 176 .

عبداللَّه عليه السلام يذكر في حديث غدير خم أنّه لمّا قال النبيّ صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام ما قال ، وأقامه للناس ، صرخ إبليس صرخةً ، فاجتمعت له العفاريت ، فقالوا : يا سيّدنا ما هذه الصرخة؟ فقال : ويلكم يومكم كيوم عيسى ، واللَّه لاُضِلّنَّ فيه الخَلق ، قال : فنزل القرآن « وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ »(1) .

فقال : صرخ إبليس صرخةً ، فرجعت إليه العفاريت ، فقالوا : يا سيّدنا ما هذه الصرخة الاُخرى؟ فقال : ويحكم حكى اللَّه واللَّه كلامي قرآناً وأنزل عليه : « وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ » ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء ، ثمّ قال : وعِزّتك وجلالك لاُلحِقنّ الفريق بالجميع .

قال : فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : بسم اللَّه الرحمن الرحيم : « إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ »(2) .

قال : صرخ إبليس صرخة فرجعت إليه العفاريت ، فقالوا : يا سيّدنا ما هذه الصرخة الثالثة؟ قال : واللَّه من أصحاب عليّ ولكنّ وعزّتك وجلالك ياربّ لاُزيّنن لهم المعاصي حتّى اُبغّضهم إليك .

قال : فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : والذي بعث بالحقّ محمّداً للعفاريت والأبالسة على المؤمن أكثر من الزنابير على اللّحم ، والمؤمن أشدّ من الجبل والجبل تدنو إليه بالفأس فتنحِت منه ، والمؤمن لا يستقلّ عن دينه .(3)

روى الكليني نظيرها في الكافي : 8 / 344 ح 542 فراجعه إن شئت .

ص: 105


1- سورة سبأ : 20 .
2- سورة بني إسرائيل : 65 .
3- تفسير العياشي : 3 / 61 ح 111 .

رنّات إبليس الأربعة

141 - الحميري عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّدعليه السلام عن أبيه عليه السلام : أنّ إبليس رنّ أربع رنّات : يوم لُعن ويوم اُهبط إلى الأرض ويوم بعث النبيّ صلى الله عليه وآله ويوم الغدير .(1)

الرواية معتبرة الإسناد ، الرَّنَة : الصوت ويطلق غالباً على ما يكون عند مصيبة أو داهية شديدة . رنّ : صيحة حزينة . روى الصدوق نظيرها مع اختلاف في الرنّة الرابعة في الخصال : 1 / 263 ح 141 والراوندي بسنده الصحيح في قصص الأنبياء : 43 ح 7 .

142 - علي بن إبراهيم القمّي عن أبيه عن ابن فضّال عن علي بن عقبة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إنّ إبليس رنَّ(2) رنيناً(3) لمّا بعث اللَّه نبيّه صلى الله عليه وآله على حين فترة من الرسل ، وحين اُنزلت اُمّ الكتاب .(4)

الرواية موثّقة سنداً .

143 - العياشي رفعه عن عبد الملك بن عمر عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إنّ إبليس رَنَّ أربع رنّات : أوّلهنّ يوم لُعن ، وحين هبطَ إلى الأرض ، وحين بُعث محمّدصلى الله عليه وآله على فَتْرةٍ من الرُّسل ، وحين اُنزلت اُمّ الكتاب « الْحَمْدُ للَّهِ ِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » ، ونخر نخرتين : حين أكل آدم عليه السلام من الشجرة ، وحين اُهبط آدم إلى الأرض ، قال :

ص: 106


1- قرب الإسناد : 9 ح 30 ونقلت عنه في موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام : 8 / 70 .
2- في المصدر : انّ ، صححناها .
3- في المصدر : أنيناً ، صححناها .
4- تفسير القمّي : 16 من طبع الحجري عام 1315ه . ق .

ولُعن من فعل ذلك .(1)

النَّخِير : مدّ الصوت والنفس في خياشيمه .

إنّه لم يشارك محبّ أهل البيت عليهم السلام

144 - الكليني عن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد ، وعدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد جميعاً عن الوشاء عن موسى بن بكر، عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام حيث علّمه الدّعاء إذا دخلت عليه امرأته - قال فيه - : ولا تجعل فيه شركاً للشيطان ، قال : قلت : وبأيّ شي ءٍ يعرف ذلك؟ قال : أما تقرأ كتاب اللَّه عزوجلّ : « وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ »(2) ، ثمّ قال : إنّ الشيطان ليجيى ء حتّى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ويحدث كما يحدث وينكح كما ينكح ، قلت : بأيّ شي ءٍ يُعرف ذلك؟ قال : بحبّنا وبغضنا ، فمَن أحبّنا كان نطفة العبد ، ومَن أبغضنا كان نطفة الشيطان .(3)

الرواية حسنة سنداً بموسى بن بكر الواسطي .

ولعلّ المراد بالشركة هنا هي الشركه في الانتفاع الذي هو الغرض من اتّخاذ المال والولد ، فمشاركته للإنسان في المال أن يحصله من غير حلّه أو يستعمله في غير طاعة اللَّه ، ومشاركته للولد إمّا ولادته على فراش الزنا أو تربيته تكون غير صالحة ، ولتوضيح المقال راجع إلى الميزان في تفسير القرآن .(4)

ص: 107


1- تفسير العياشي : 1 / 101 ح 8 .
2- سورة الإسراء : 64 .
3- الكافي : 5 / 502 ح 2 .
4- الميزان : 13 / 146 .

إبليس لا يشارك أتباع عليّ عليه السلام

145 - البرقي عن عبداللَّه بن الصلت عن أبي هديّة عن أنس بن مالك أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان ذات يوم جالساً على باب الدار معه عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذ أقبل شيخ فسلَّم على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثمّ انصرف ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعليٍ عليه السلام : أتعرف الشيخ؟ فقال له عليّ : ما أعرفه ، فقال صلى الله عليه وآله : هذا إبليس ، فقال عليّ عليه السلام : لو علمتُ يارسول اللَّه لضربتُهُ ضربةً بالسيف فخلصت اُمّتك منه ، قال : فانصرف إبليس إلى عليّ عليه السلام فقال له : ظلمتني يا أبا الحسن ، أما سمعت اللَّه عزوجلّ يقول : « وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ »(1) فواللَّه ما شركت أحداً أحبَّك في اُمّه .(2)

روى الصدوق نظيرها في علل الشرائع : 142 ح 7 وعيون أخبار الرضاعليه السلام : 2 / 77 ح 335 فراجهما إن شئت .

الملوط والزانية شركا بابن إبليس

146 - الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معبد عن عبداللَّه الدهقان عن درست بن أبي منصور عن عطيّة أخي ابن العرام قال : ذكرت لأبي عبداللَّه عليه السلام المنكوح من الرجال ، فقال : ليس يبلى اللَّه بهذا البلاء أحداً وله فيه حاجة ، إنّ في أدبارهم أرحاماً منكوسة وحياء أدبارهم كحياء المرأة ، قد شرك فيهم ابن لإبليس يُقال له : زوال ، فمَن شرك فيه من الرجال كان منكوحاً ومَن شرك فيه من النساء

ص: 108


1- سورة الإسراء : 64 .
2- المحاسن : 2 / 58 ح 1168 .

كانت من الموارد ، والعامل على هذا من الرجال إذا بلغ أربعين سنة لم يتركه وهم بقيّة سدوم ، أمّا إنّي لستُ أعني بهم بقيّتهم أنّه ولدهم ولكنّهم من طينتهم .

قال : قلت : سدوم التي قلبت؟ قال : هي أربع مدائن : سدوم وصريم ولدماء وعميراء ، قال : فأتاهنّ جبرئيل عليه السلام وهنّ مقلوعات إلى تخوم الأرض السابعة فوضع جناحه تحت السفلى منهنّ ورفعهنَّ جميعاً حتّى سمع أهل سماء الدُّنيا نباح كلابهم ثمّ قلبها .(1)

الحياء : فرج المرأة ، وأربع مدائن : هنّ مدائن قوم لوط المعذَّبة .

مبغضي عليّ عليه السلام رفقاء إبليس

147 - في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : قال عليّ بن الحسين عليهما السلام : ... والويل للمعاندين عليّاً كفراً بمحمّد وتكذيباً بمقاله ، وكيف يلعنهم اللَّه بأخسّ اللعن من فوق عرشه وكيف يلعنهم حملة العرش والكرسي والحجب والسماوات والأرض والهوى وما بين ذلك وما تحتها إلى الثرى ، وكيف يلعنهم أملاك الغيوم والأمطار وأملاك البراري والبحار وشمس السماء وقمرها ونجومها وحصباء الأرض ورمالها وسائر ما يدبّ من الحيوانات فيسفل اللَّه بلعن كلّ واحدٍ منهم لديه محالّهم ، ويقبح عنده أحوالهم ، حتّى يردوا عليه يوم القيامة ، وقد شهّروا بلعن اللَّه ومقته على رؤوس الأشهاد وجعلوا من رفقاء إبليس ونمرود وفرعون أعداء ربّ العباد ، الحديث .(2)

ص: 109


1- الكافي 5 : 549 ح 2 .
2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 615 ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 65 / 37 ح 79 (26/278) .

أشقى من إبليس

148 - المفيد بإسناده إلى أبي عبداللَّه عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : خرجتُ ذات يوم إلى ظهر الكوفة وبين يدي قنبر فقلت له : ياقنبر ترى ما أرى؟ فقال : ضوَّء اللَّه عزوجلّ لك يا أمير المؤمنين عمّا عمى عنه بصري ، فقلت : يا أصحابنا ترون ما أرى؟ فقالوا : لا ، قد ضوَّء اللَّه لك يا أمير المؤمنين عمّا عمى عنه أبصارنا ، فقلتُ : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لترونه كما أراه ولتسمعنَّ كلامه كما أسمع فما لبثنا أن طلع شيخ عظيم الهامة مديد القامة له عينان بالطول فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته ، فقلت : من أين أقبلت يا لعين؟ قال : من الأنام ، فقلت : وأي تريد؟ قال : الأنام ، فقلت : بئس الشيخ أنتَ ، فقال : لِمَ تقول هذا يا أمير المؤمنين؟ فواللَّه لاُحدّثنّك بحديثٍ عنّي عن اللَّه عزوجلّ ما بيننا ثالث ، فقلتُ : يا لعين عنك عن اللَّه عزوجلّ ما بينكما ثالث؟ قال : نعم ، إنّه لمّا هبطتُ بخطيئتي إلى السماء الرابعة ناديتُ إلهي وسيّدي ما أحسبك خلقتَ خلقاً هو أشقى منّي؟ فأوحى اللَّه تبارك وتعالى : بلى قد خلقتُ مَنْ هو أشقى منك فانطلق إلى مالك يريكه ، فانطلقتُ إلى مالك فقلتُ : السلام يقرأ عليك السلام ، يقول : أرني مَن هو أشقى منّي ، فانطلق بي مالك إلى النار فرفع الطبق الأعلى فخرجت نار سوداء ظننتُ أنّها قد أكلتني وأكلت مالكاً فقال لها : اهدئي فهدأت ثمّ انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نارٌ هي أشدّ من تلك سواداً وأشدُّ حمى فقال لها : اخمدي فخمدتْ إلى أن انطلق بي إلى الطبق السابع وكلّ نار تخرج من طبق هي أشدّ من الاُولى فخرجتْ نار ظننتُ أنّها قد أكلتني وأكلت مالكاً وجميع ما خلقه اللَّه عزوجلّ فوضعتُ يدي على عيني وقلتُ :

ص: 110

مُرْها يا مالك أن تخمد وإلّا خمدتُ ، فقال : إنّك لن تخمد إلى الوقت المعلوم فأمرها فخمدتْ فرأيتُ رجلين في أعناقهما سلاسل النيران معلّقين بها إلى فوق وعلى رؤوسهما قوم معهم مقامع النيران أن يقمعونهما بها ، فقلتُ : يا مالك مَنْ هذان؟ فقال : أوما قرأت على ساق العرش - وكنتُ قَبْلَ قد قرأتُهُ ، قبل أن يخلق اللَّه الدنيا بألفي عام - لا إله إلّا اللَّه محمّدٌ رسول اللَّه أيّدتُهُ ونصرتُهُ بعليٍّ ، فقال : هذان مِن أعداء أُولئك أو ظالميهم - الوهم من صاحب الحديث - .(1)

أمر إبليس شياطينه بتِشكيك الناس في أهل البيت عليهم السلام

149 - قال الحسين بن أحمد بن المغيرة(2) فى الباب الثامن والثمانين من كامل الزيارات : حديث رواه شيخه أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه الله مؤلِّف كامل الزيارات ونقل عنه وهو عن زايدة عن مولانا علىّ بن الحسين عليه السلام ذهبَ على شيخنا رحمه الله أن يضمنه كتابه هذا وهو ممّا يليق بهذا الباب ويشتمل ايضاً على معانٍ شتى حسن تام الألفاظ أحببتُ إدخاله وجعلته أوّل الباب وجميع أحاديث هذا الباب وغيرها ممّا يجرى مجريها يُستدلّ بها على صحّة قبر مولانا الحسين عليه السلام

ص: 111


1- الاختصاص : 108 .
2- قد ألحق الحسين بن أحمد بن المغيرة هذا الحديث بكتاب ابن قولويه ، وهو ( أي الحسين ) « ابو عبداللَّه البُوشَنْجيّ كان عراقياً ، مضطرب المذهب وكان ثقة فيما يرويه ... » كما ذكره النجاشى في رجاله ، ص 98 ، الرقم 165 وروى عنه ابن قولويه صاحب الكتاب فيه ، ص 273 ، الباب التسعون الحديث الثالث ، وروى عنه الشيخ المفيد في أماليه ، ص 23 المجلس الثالث ، الحديث الخامس ، وروى محمّد بن ابي القاسم محمّد بن على الطبرى بإسناده عن المفيد عن الحسين بن أحمد بن المغيرة رواية في كتابه بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، ص 68 ، كما ذكر هذه الروايات الثلاث صاحب مستدركات علم الرجال ، ج 3 ، ص 93 ، الرقم 4195 .

بكربلا لأنّ كثيراً من المخالفين ينكرون أنّ قبره بكربلا كما ينكرون أنّ قبر مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام بالغري بظهر نجف الكوفة وقد كنت استفدت هذا الحديث بمصر عن شيخي أبي القاسم عليّ بن محمّد بن عبدوس الكوفي رحمه الله ممّا نقله عن مزاحم بن عبد الوارث البصرى بأسناده عن قدامة بن زايدة عن أبيه زايدة عن عليّ بن الحسين عليه السلام وقد ذاكرت شيخنا ابن قولويه بهذا الحديث بعد فراغِهِ مِن تصنيف هذا الكتاب ليدخله فيه فما قضى ذلك وعاجلته منيّته رضى الله عنه وألحقه بمواليه عليهم السلام وهذا الحديث داخلٌ فيما أجازلي شيخي رحمه الله وقد جمعت بين الروايتين بالألفاظ الزائدة والنقصان والتقديم والتأخير فيهما حتّى صحّ بجميعه عمّن حدّثني به أوّلاً ثمّ الان وذلك أنّي ما قرأته على شيخي رحمه الله ولا قرأه عليّ غير إنّي أرويه عمّن حدّثني به عنه و هو أبوعبداللَّه أحمد بن محمّد بن عيّاش قال حدّثني ابوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه قال حدّثني أبوعيسى عبيداللَّه بن الفضل بن محمّد بن هلال الطائي البصري رحمه الله قال حدثني أبوعثمان سعيد بن محمّد قال حدّثنا محمّد بن سلام بن يسار(1) الكوفي قال حدّثني أحمد بن محمّد الواسطي قال حدّثني عيسى بن أبي شيبة القاضي قال حدّثني نوح بن درّاج قال : حدّثنى قدامة بن زايدة عن أبيه قال : قال عليّ بن الحسين عليه السلام : بلغنى يا زايدة انّك تزور قبر أبي عبداللَّه الحسين عليه السلام إحياناً ، فقلت : انّ ذلك لكما بلغك . فقال لى : فلما ذا تفعل ذلك ولك مكانٌ عندَ سلطانك الذى لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمّة من حقّنا ؟ فقلت : واللَّه ما اُريد بذلك الّا اللَّه ورسوله ولا أحفل بسخط مَنْ سخط ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه . فقال : واللَّه إنّ ذلك لكذلك .

ص: 112


1- سيّار ، نسخة بدل .

فقلت : واللَّه إنّ ذلك لكذلك ، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً . فقال : أبشر ثمّ أبشر ثمّ أبشر فلأخبرنّك بخبر كان عندي في النخب(1) المخزون فإنّه لما اصابنا بالطف ما اصابنا وقُتل أبي عليه السلام وقُتل مَنْ كان معه من ولده وإخوته وساير أهله وحُملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يرادينا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا فعظم ذلك في صدري واشتدّ لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرجُ وتبينت ذلك منّي عمّتي زينب الكبرى بنت عليّ عليه السلام فقالت : مالي أراكَ تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي ؟ ! فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مصرعين بدمائهم مرمّلين بالعرى مسلبّين لا يكفنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشرٌ كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر . فقالت : لا يجزعنّك ماترى فواللَّه إنّ ذلك لعهد من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى جدّك وأبيك وعمّك ، ولقد أخذ اللَّه الميثاق اُناس من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذِه الأمّة وهم معروفون في أهل السموات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها وهذِه الجسوم المضرّجة وينصبون لهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليّالي والأيّام وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميعه فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً وأمره إلّا علوّاً ، فقلت وما هذا العهد وما هذا الخبر ؟ فقالت : نعم ، حدّثتنى اُمّ أيمن إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الأيّام فعملت له حريرة وأتاه عليّ عليه السلام بطبق فيه تمر ، ثمّ قالت امّ ايمن : فاتيتهم بعُسّ(2) فيه لبن وزبد ، فأكل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعليّ

ص: 113


1- البحر ، نسخة بدل .
2- العُسّ بالضمّ والسين المهملة المشدّدة : القدح الكبير ، وفي بعض النسخ ( بقعب ) بفتح القاف المعجمة يقال للقدح من خشب مقعّر .

وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام من تلك الحريرة وشرب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وشربوا من ذلك اللبن ثمّ أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد ثمّ غسل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يده وعليّ يصبّ عليه الماء فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه ثمّ نظر الى عليّ وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السرور في وجهه ثمّ رمق بطرفه نحو السّماء مليّاً ثمّ انّه وجّه وجهه نحو القبلة وبَسط يديه ودعا ، ثمّ خرّ ساجداً وهو ينشج(1) فاطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه ثمّ رفع رأسه وأطرق الى الأرض ودموعه تقطر كانّها صوب المطر ، فحزنت فاطمة وعليّ والحسن والحسين عليهم السلام ، وحزنت معهم لما رأينا من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهبناه أن نسأله حتّى إذا طال ذلك ، قال له عليّ وقالت له فاطمة : ما يبكيك يا رسول اللَّه ؟ لا أبكى اللَّه عينيك فقد أقرَح قلوبنا ما نرى من حالك ، فقال : يا أخي سررت بكم - وقال مزاحم ابن عبدالوارث في حديثه هاهنا فقال : يا حبيبى إنّي سررت بكم سروراً ما سررت مثله قطّ - وإنّي لأنظر إليكم وأحمد اللَّه على نعمته عليّ فيكم ، إذ هبط عليّ جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمّد ، إنّ اللَّه تبارك وتعالى اطّلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيكَ فأكمل لك النعمة وهناك العطيّة بأن جعلهم وذرّياتهم ومحبّيهم وشيعتهم معك في الجنّة لا يفرق بينك وبينهم يحبون كما تحبى(2) ويعطون كما تعطى حتّى ترضى وفوق الرّضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بأيدى اُناس ينتحلون ملّتك ويزعمون أنّهم مِنْ اُمّتك ، براء من اللَّه ومنك ، خبطاً خبطاً(3) وقتلاً قتلاً شتّى مَصارعهم نائية قبورهم ، خيرة من اللَّه لهم ولك فيهم ، فأحمد اللَّه عزوجلّ

ص: 114


1- نشج الباكي نشيجاً : غصّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب ، والقدر غلت فسمع لها صوت .
2- من الحباء وهو العطاء بلا منٍّ ولا جزاء ، وفي بعض النسخ يحيون كما تحيى والأنسب هو ما في المتن .
3- خبط خبطاً : ضرب ضرباً شديداً .

على خيرته وأرض بقضائه ، فحمدتُ اللَّه ورضيتُ بقضائه بما أختاره لكم ، ثمّ قال لى جبرئيل : يا محمّد إنّ أخاك مضطهدٌ بعدك مغلوبٌ على اُمّتك متعوبٌ من أعدائك ثمّ مقتول بعدك يقتله أشرّ الخلق والخليقة وأشقى البريّة يكون نظير عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته وهو مغرسُ شيعته وشيعة ولده ، وفيه على كلّ حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم وإنّ سبطك هذا - واومى بيده الى الحسين عليه السلام - مقتول في عصابة من ذرّيتك وأهل بيتك وأخيار من اُمّتك بضفّة الفرات(1) بأرض يقال لها كربلا من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذرّيتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفني حسرته - وهي أطيب بقاع الأرض وأعظهما حرمة يقتل فيها سبطك وأهله وأنّها من بطحاء الجنّة - فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله وأحاطت به كتايب أهل الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها ومادت الجبال وكثر اضطرابها واصطفقت(2) البحار بأمواجها وماجت السّموات بأهلها غضباً لك يامحمّد ولذريتك واستعظاماً لما ينتهك من حرمتك ولشرّ ما تكافى به في ذرّيتك وعترتك ولا يبقى شي ء من ذلك إلّا استأذن اللَّه عزوجلّ في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الّذين هم حجّة اللَّه على خلقه بعدك ، فيوحى اللَّه إلى السّموات والأرض والجبال والبحار ومن فيهنّ : إنّي أنا اللَّه الملكُ القادر الّذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع وأنا أقدر فيه على الأنتصار والأنتقام ، وعزّتى وجَلالي لاُعذبنّ مَنْ وتر رسولي وصفيتي وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهل بيته(3) عذاباً لا اعذّ به أحداً من العالمين ،(4) فعند ذلك يضجّ كلُّ شي ء في

ص: 115


1- الضفّة من النهر جانبه ومن البحر ساحله .
2- اصطفق الأشجار اضطربت واهتزّت بالرّيح ، والعود تحركت اوتاره .
3- أهله ، نسخة بدل .
4- عودٌ إلى كلام جبرئيل عليه السلام .

السّموات والأرضين بلعن من ظلم عترتك واستحلّ حرمتك ، فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولّى اللَّه عزوجلّ قبض أرواحها بيده وهبط الى الأرض ملائكة من السّماء السّابعة معهم انية مِنْ الياقوت والزمرّد مملوّة من ماءِ الحياة وحلل من حلل الجنّة وطيب من طيب الجنّة فغسلوا جثثهم بذلك الماء والبَسوها الحلل وحنّطوها بذلك الطيب ، وصلّت الملائكة صفّاً صفّاً عليهم ، ثمّ يبعث اللَّه قوماً من اُمّتك لايعرفهم الكفّار لم يشركوا في تلك الدّماء بقول ولا فعل ولا نيّة ، فيوارون أجسامهم ويقيمون رسماً لقبر سيّد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحقّ وسبباً للمؤمنين إلى الفوز ، وتحفّه ملائكة من كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم وليلة ويصلّون عليه ويطوفون عليه ويسبّحون اللَّه عنده ويستغفرون اللَّه لمن زاره ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً مِنْ اُمّتك متقرّباً إلى اللَّه تعالى وإليك بذلك وأسماء ابائهم وعشائرهم وبلدانهم ويوسمون في وجوههم بميسم(1) نور عرش اللَّه هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء فإذا كان يوم القيامة سطح في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار يدل عليهم ويعرفون به ، وكأنّي بك يا محمّد بيني وبين ميكائيل وعليٌّ أمامنا ومعنا من ملائكة اللَّه ما لا يحصي عددهم ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتّى ينجيهم اللَّه من هول ذلك اليوم وشدائده ، وذلك حكم اللَّه وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمّد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير اللَّه عزوجلّ ، وسيجتهد اُناس ممّن حقّت عليهم اللعنة من اللَّه والسّخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره ، فلا يجعل اللَّه تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً ، ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فهذا أبكاني وأحزننى .

ص: 116


1- الميسم : أثر الجمال .

قالت زينب : فلمّا ضرب ابن ملجم - لعنه اللَّه - أبي عليه السلام ورأيت عليه أثر الموت منه ، قلت له : يا أبة حدّثتنى اُمّ أيمن بكذا وكذا وقد أحببتُ أنّ أسمعه منك ، فقال : يا بنيّة الحديث كما حدّثتك اُمّ أيمن وكأنّي بكِ وبنساءِ أهلكِ سباياً بهذا البلد أذلّاء خاشعين تخافون أن يتخطّفكم الناس ، فصبراً صبراً ، فوالذي فلق الحبّة وبرء النسمة ما اللَّه على ظهر الأرض يومئذٍ ولىّ غيركم وغير محبّيكم وشيعتكم ، ولقد قال لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حين أخبرنا بهذا الخبر : إنّ إبليس لعنه اللَّه في ذلك اليوم يطير فرحاً فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته فيقول : يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذريّة آدم الطلبة وبلغنا في هلاكهم الغاية واورثناهم النار إلّا من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم واُوليائهم حتّى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم ولا ينجو منهم ناج ، ولقد صدق عليهم إبليس - وهو كذوب - أنّه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر .

قال زايدة ثمّ قال علي بن الحسين عليه السلام بعد أن حدّثني بهذا الحديث : خذه إليك ما لو ضربت في طلبه اباط الإبل حولاً لكان قليلاً .(1)

تصوّر إبليس لعليّ بن الحسين عليهما السلام

150 - قال أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي مرسلاً : قال إبليس : ياربّ إنّي قد رأيت العابدين لك من عبادك من أوّل الأمر إلى عهد عليّ ابن الحسين فلم أرَ فيهم أعبد لك ولا أخشع منه ، فأذّن لي - يا إلهي - أن أكيده

ص: 117


1- كامل الزيارات ، ( 259 - 266 ) .

لأعلم صبره ، فنهاه اللَّه عن ذلك فلم ينته ، فتصوّر لعليّ بن الحسين عليهما السلام وهو قائم في صلاته في صورة أفعى له عشرة أرؤس ، محدّدة الأنياب منقلبة الأعين بالحُمرة ، طلع عليه من جوف الأرض من مكان سجوده ، ثمّ تطول فلم يرعد لذلك ، ولا نظر بطرفه إليه ، فانخفض إلى الأرض في صورة الأفعى وقبض على عشرة أصابع عليّ ابن الحسين وأقبل يكدمها(1) بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه، وهو لا ينكسر طرفه إليه ولا يحرّك قدميه عن مكانها ، ولا يختلجه شكٌّ ولا وهمٌ في صلاته ، فلم يلبث إبليس حتّى انقضَّ عليه شهاب محرق من السماء ، فلمّا أحسَّ به إبليس صرخ وقام إلى جانب عليّ بن الحسين عليه السلام في صورته الاُولى وقال : يا عليّ أنت سيِّد العابدين كما سُمِّيتَ ، وأنا إبليس ، واللَّه لقد شاهدت من عبادة النبيِّين والمرسلين من لُدن آدم إلى زمنك ، فما رأيت مثل عبادتك ، ولَوَددتُ أنّك استغفرت لي ، فإنّ اللَّه كان يغفر لي ، ثمّ تركه وولّى ، وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتّى قضى صلاته على تمامها .(2)

أقول : روى نحوها في حلية الأبرار : ، ج 2 ، ص 9 ونوادر المعجزات : ص 251 ، ح 1 والمناقب ، ج 3 ، ص 277 ( ج 4 ، ص 146 ) لابن شهر آشوب ومدينة المعاجز : 293 ح 1 ( ج 4 ، ص 252 ، ح 32 ) وإثبات الهداة ، ج 3 ، ص 25 ، ح 53 .

الحسد والحرص من عمل إبليس

151 - الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن الحسن بن علي [ عن عمر (3)

ص: 118


1- أي يعضّها .
2- دلائل الإمامة : 196 .
3- زيادة من بعض النسخ .

عن أبان بن عثمان عن العلاء بن سيّابة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : لمّا هبط نوح عليه السلام من السفينة أتاه إبليس فقال له : ما في الأرض رجل أعظم منّة عليَّ منك ، دعوت اللَّه على هؤلاء الفسّاق فأرحتني منهم ، ألا اُعلّمك خصلتين؟ إيّاك والحسد فهو الذي عمل بي ما عمل ، وإيّاك والحرص فهو الذي عمل بآدم ما عمل .(1)

قدرة إبليس على ابن آدم عند الغضب

152 - القطب الراوندي بإسناده إلى الصدوق عن محمّد بن شاذان عن أحمد بن عثمان عن محمّد بن محمّد بن الحارث عن صالح بن سعيد عن عبد الهيثم عن المسيّب عن محمّد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : قال إبليس لنوح عليه السلام : لك عندي يد ساُعلّمك خصالاً ، قال نوح : وما يدي عندك؟ قال : دعوتك على قومك حتّى أهلكهم اللَّه جميعاً ، فإيّاك والكبر ، وإيّاك والحرص ، وإيّاك والحسد ، فإنّ الكبر هو الذي حملني على أن تركتُ السجود لآدم فأكفرني وجعلني شيطاناً رجيماً ، وإيّاك والحرص فإنّ آدم اُبيح له الجنّة ونُهِيَ عن شجرة واحدة فحمله الحرص على أن أكل منها ، وإيّاك والحسد فإنّ ابن آدم حسد أخاه فقتله .

فقال نوح : فأخبرني متى تكون أقدر على ابن آدم؟ قال : عند الغضب .(2)

تكلّم إبليس مع موسى عليه السلام

153 - المفيد عن ابن قولويه عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن اليقطيني

ص: 119


1- الخصال : 1 / 50 ح 61 .
2- قصص الأنبياء : 86 ح 78 ونقل عنه في بحار الأنوار : 11 / 293 ح 7 .

عن يونس بن عبد الرحمن عن سَعْدان بن مسلم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : بينما موسى بن عمران عليه السلام جالسٌ إذ أقبل عليه إبليس ، وعليه برنس ذو ألوان ، فلمّا دنا من موسى خلع البرنس ، وأقبل عليه فسلّم عليه ، فقال موسى : مَن أنت؟ قال : أنا إبليس ، قال موسى : فلا قرَّب اللَّه دارك فيمَ جئت؟ قال : إنّما جئتُ لاُسلِّم عليك لمكانك من اللَّه عزوجلّ ، فقال له موسى : فما هذا البرنس؟ قال : أختطف به قلوب بني آدم .

قال له موسى : أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذتَ عليه؟ فقال : إذا أعجبه نفسه ، واستكثر عمله ، وصغر في عينه ذنبه . ثمّ قال له : أوصيك بثلاث خصال يا موسى : لا تخل بامرأة ، ولا تخل بك ، فإنّه لا يخلو رجل بامرأةٍ ولا تخلو به إلّا كنتُ صاحبه دون أصحابي ، وإيّاك أن تعاهد اللَّه عهداً فإنّه ما عاهد اللَّه أحدٌ إلّا كنت صاحبه دون أصحابي حتّى أحُول بينه وبين الوفاء به ، وإذا هممت بصدقة فامضها ، فإنّه إذا همَّ العبد بصدقة كنتُ صاحبه دون أصحابي ، أحُول بينه وبينها ، ثمّ ولّى إبليس ويقول : ياويله ويا عوله علّمت موسى ما يعلّمه بني آدم .(1)

الرواية معتبرة الإسناد وروى نحوها القطب الراوندي في قصص الأنبياء : ص 153 ، ح 163 . فلا قرّب اللَّه دارك : دعاء عليه أي لا قرَّبك منّا أو من أحدٍ . اختطف : استلب . استحوذ : أي غلبت ، البُرْنس بالضمّ : هو كلّ ثوب رأسه ملتزق به من دراعه أو جبّة أو ممطر أو غيره كذا في النهاية ، وقال الجوهري : هو قلنسوة طويلة كان النسّاك يلبسونها في صدر الإسلام وهو من البرس بكسر الباء القطن ، والنون زائدة ، وقيل : إنّه غير عربيٍّ . في هذا المجال راجع بحار الأنوار : 69 / 313 .

ص: 120


1- أمالي المفيد ، المجلس التاسع عشر : ح 7 / 156 .

مكالمة إبليس مع عيسى عليه السلام

154 - الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضى الله عنه ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدّب رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن عبداللَّه بن جعفر بن جامع الحميري ، عن أبيه ، قال : حدّثني يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عُمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلِب ، عن عِكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا مضى لعيسى عليه السلام ثلاثون سنة ، بعثه اللَّه عزوجلّ إلى بني إسرائيل ، فلقيه إبليس (لعنه اللَّه) على عَقَبة بيت المَقْدِس ، وهي عَقَبة أفيق(1) ، فقال له : يا عيسى أنت الذي بَلَغ من عِظَم ربوبيّتك أن تكوّنت من غير أب؟ قال عيسى عليه السلام : بل العَظَمة للذي كوّنني ، وكذلك كوّن آدم وحوّاء .

قال إبليس : يا عيسى ، فأنت الذي بَلَغ من عِظم ربوبيّتك أنّك تكلّمت في المهد صبيّاً؟ قال عيسى عليه السلام : يا إبليس بل العظمة للذي أنطقني في صِغري ولو شاء لأبكمني.

قال إبليس : فأنت الذي بَلَغ من عِظم ربوبيّتك أنّك تخلُق من الطين كهيئة الطير ، فتنفخ فيه فيصير طيراً؟ قال عيسى عليه السلام : بل العظمة للذي خلقني وخلَقَ ما سخّر لي.

قال إبليس : فأنت الذي بَلَغ من عِظم ربوبيّتك أنّك تُشفي المرضى؟ قال عيسى عليه السلام : بل العظمة للذي بإذنه أشفيهم ، وإذا شاء أمرضني .

قال إبليس : فأنت الذي بَلَغ من عِظم ربوبيّتك أنّك تُحيي الموتى؟ قال عيسى عليه السلام : بل العظمة للذي بإذنه أُحييهم ، ولابدّ من أن يُميت ما أحييت ، ويُميتني .

ص: 121


1- أفِيق : قرية من حَوران في طريق الغَور في أوّل العقبة المعروفة بعقبة أفِيق ، والعامّة تقول : فيق «معجم البلدان 1 : 233» .

قال إبليس : يا عيسى ، فأنت الذي بَلَغ من عِظم ربوبيّتك أنّك تعبُر البحر فلا تبتلّ قدماك ولا تَرْسَخ فيه؟ قال عيسى عليه السلام : بل العظمة للذي ذلّلَهُ لي ولو شاء أغرقني .

قال إبليس : ياعيسى ، فأنت الذي بَلَغ من عِظم ربوبيّتك أنّك سيأتي عليك يومٌ تكون السماوات والأرض ومَن فيهنّ دونك ، وأنت فوق ذلك كلّه تدبّر الأمر وتقسّم الأرزاق؟ فأعظم عيسى عليه السلام ذلك من قول إبليس الكافر اللعين ، فقال عيسى عليه السلام : سبحان اللَّه مِل ء سماواته وأرضيه ، ومِداد كلماته ، وزِنة عرشه ، ورضا نفسه ، قال : فلمّا سَمِعَ إبليس (لعنه اللَّه) ذلك ذهب على وجهه لا يملِك من نفسه شيئاً حتّى وقع في اللُّجّة الخضراء .

قال ابن عبّاس : فخرجت امرأةٌ من الجِنّ تمشي على شاطئ البحر ، فإذا هي بإبليس ساجداً على صخرة صمّاء تسيل دموعه على خدّيه ، فقامت تنظر إليه تعجّباً ، ثمّ قالت له : ويحك يا إبليس ، ما ترجو بطول السجود؟ فقال لها : أيّتها المرأة الصالحة ، ابنة الرجل الصالح ، أرجو إذا أبرّ ربّي عزوجلّ قَسَمه ، وأدخلني نار جهنّم ، أن يُخرجني من النار برحمته .(1)

اللُّجّة : معظم الماء ، صمّاء : مؤنّث الأصم : الأرض الغليظة .

محادثة إبليس للنبيّ يحيى عليه السلام

155 - الطوسي عن ابن الصلت عن ابن عقدة عن الحسن بن القاسم عن ثبير بن إبراهيم عن سليمان بن بلال المدني قال : حدّثني عليّ بن موسى الرضاعليه السلام عن أبيه عليه السلام عن جعفر بن محمّدعليه السلام عن آبائه عليهم السلام : أنّ إبليس كان يأتي الأنبياء من لدن

ص: 122


1- أمالي الصدوق ، المجلس السابع والثلاثون : ح 1 / 272 الرقم 300 .

آدم عليه السلام إلى أن بعث اللَّه المسيح عليه السلام يتحدّث عندهم ويسألهم ، ولم يكن بأحد منهم أشدّ اُنساً منه بيحيى بن زكريا ، فقال له يحيى : يا أبا مُرّة لي إليك حاجة . فقال له : أنت أعظم قدراً من أن أردّك بمسألة فسلني ما شئت ، فإنّي غير مخالفك في أمرٍ تريده .

فقال يحيى : يا أبا مرّة ، أحبّ أن تعرض عليَّ مصائدك وفخوخك التي تصطاد بها بني آدم . فقال له إبليس : حبّاً وكرامةً ، وواعده لغدٍ .

فلمّا أصبح يحيى عليه السلام قعد في بيته ينتظر الموعد وأجاف عليه الباب إغلاقاً ، فما شعر حتّى ساواه من خَوْخَة كانت في بيته ، فإذا وجهه صورة وجه القرد ، وجسده على صورة الخنزير ، وإذا عيناه مشقوقتان طولاً ، وفمه مشقوق طولاً ، وإذا أسنانه وفمه عظماً واحداً بلا ذُقْنٍ ولا لحيةٍ وله أربعة أيد : يدان في صدره ويدان في منكبه ، وإذا عراقيبه وأصابعه خلفه ، وعليه قباء ، وقد شدّ وسطه بمنطقة ، فيها خيوط معلّقة من بين أحمر وأخضر وأصفر وجميع الألوان ، وإذا بيده جرس عظيم وعلى رأسه بيضة وإذا في البيضة حديدة معلّقة شبيهة بالكلّاب .

فلمّا تأمّله يحيى عليه السلام قال له : ما هذه المنطقة التي في وسطك؟ فقال : هذه المجوسية أنا الذي سَنَنْتُها وزيّنتها لهم ، فقال له : ما هذه الخيوط الألون؟ قال : هذه جميع أصباغ النساء ، لا تزال المرأة تصبغ الصبغ حتّى يقع مع لونها فأفتتن الناس بها .

فقال له : فما هذا الجرس الذي بيدك؟ قال : هذا مجمع كلّ لذّة من طنبورٍ وبربطٍ ومِعْزَفةٍ وطبل وناي وصرناي ، وأنّ القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذّونه فاُحرّك الجرس فيما بينهم ، فإذا سمعوه استخفّهم الطرب ، فمِن بين مَن يرقص ومِن بين مَن يفرقع أصابعه ومِن بين مَن يشقّ ثيابه .

ص: 123

فقال له : وأيّ الأشياء أقرّ لعينك؟ قال : النساء ، هنّ فخوخي ومصائدي فإنّي إذا اجتمعت عليَّ دعوات الصالحين ولعناتهم صرت إلى النساء فطابت نفسي بهنَّ .

فقال له يحيى عليه السلام : فما هذه البيضة على رأسك؟ قال : أتوقّى دعوة المؤمنين .

قال : فما هذه الحديدة التي أراها فيها؟ قال : بهذه اُقلّب قلوب الصالحين .

قال يحيى عليه السلام : فهل ظفرت بي ساعة قطّ؟ قال : لا ، ولكن فيك خصلة تعجبني . قال يحيى : فما هي ؟ قال : أنت رجلٌ أكولٌ ، فإذا أفطرت أكلت وبشمت فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل ، قال يحيى عليه السلام : فإنّي اُعطي اللَّه عهداً أنّي لا أشبع من الطعام حتّى ألقاه ، قال له إبليس : وأنا اُعطي اللَّه عهداً أنّي لا أنصح مسلماً حتّى ألقاه ، ثمّ خرج فما عاد إليه بعد ذلك .(1)

رواها مختصراً بسند لا بأس به البرقي في المحاسن : 2 / 221 ح 1667 .

أجاف الباب : ردّه ، الخوخة : كُوّة تؤدّي الضوء إلى البيت ، الكلّاب : ما يقال بالفارسية له «قلاب» ، البربط : العود ، المعزفة : آلات الموسيقى واللهو ، تفرقع الأصابع : ما يقال له بالفارسية : بشكن وهو عملية يصنع بالأصابع حين الطرب واللهو .

حسد إبليس لأيّوب النبيّ عليه السلام

156 - الصدوق عن ماجيلويه عن عمّه عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيّوب عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إنّما كانت بليّة أيّوب التي اُبتلي بها في الدّنيا لنعمة أنعمها اللَّه بها عليه فأدّى شكرها ، وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش فلمّا صعد عمل أيّوب بأداء شكر النعمة حسده إبليس فقال :

ص: 124


1- أمالي الطوسي ، المجلس الثاني عشر : ح 32 / 338 الرقم 692 .

ياربّ إنّ أيّوب لم يؤدّ شكر هذه النعمة إلّا بما أعطيته من الدُّنيا ، فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدّى إليك شكر نعمة ، فسلّطني على دنياه تعلم أنّه لا يؤدّي شكر نعمة ، فقال : قد سلّطتك على دنياه فلم يدع له دنياً ولا ولداً إلّا أهلك كلّ ذلك وهو يحمد اللَّه عزوجلّ ، ثمّ رجع إليه فقال : ياربّ إنّ أيّوب يعلم أنّك ستردّ إليه دنياه التي أخذتُها منه ، فسلّطني على بدنه حتّى تعلم أنّه لا يؤدّي شكر نعمة ، قال عزوجلّ : قد سلّطتك على بدنه ما عدا عينيه وقلبه ولسانه وسمعه .

فقال أبو بصير : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : فانقضّ مبادراً خشية أن تدركه رحمة اللَّه عزوجلّ فيحول بينه وبينه فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطاً نقطاً .(1)

الرواية معتبرة الإسناد ونظيرها خبر آخر لأبي بصير المروي في علل الشرائع : 76 ح 5 فراجعه إن شئت .

انقضّ الطائر : هوى ليقع ، كما في بحار الأنوار : 12 / 345 .

استخدام النبيّ سليمان عليه السلام للشياطين

157 - القطب الراوندي بإسناده عن الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن ابن ولّاد عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه السلام قال : كان لسليمان العطر وفرض النكاح في حصن بناه الشياطين له فيه ألف بيت في كلّ بيت طروقة ، منهنّ سبعمائة أمة قبطية وثلاثمأة حرّة مهيرة ، فأعطاه تعالى قوّة أربعين رجلاً في مباضعة النساء وكان يطوف بهنّ جميعاً ويسعفهنَّ ، قال : وكان سليمان عليه السلام يأمر الشياطين فتحمل له الحجارة من موضع إلى موضع ، فقال لهم إبليس : كيف أنتم؟

ص: 125


1- علل الشرائع : 75 ح 1 .

قالوا : ما لنا طاقة بما نحن فيه ، فقال إبليس : أليس تذهبون بالحجارة وترجعون فراغاً؟ قالوا : نعم ، قال : فأنتم في راحة ، فأبلغت الريح سليمان ما قال إبليس للشياطين ، فأمرهم يحملون الحجارة ذاهبين ويحملون الطين راجعين إلى موضعها ، فتراءى لهم إبليس فقال : كيف أنتم؟ فشكوا إليه ، فقال : ألستم تنامون بالليل؟ قالوا : بلى ، قال : فأنتم في راحة ، فأبلغت الريح سليمان ما قالت الشياطين وإبليس ، فأمرهم أن يعملوا بالليل والنهار ، فما لبثوا إلّا يسيراً حتّى مات سليمان .

وقال : خرج سليمان يستسقي ومعه الجنّ والإنس فمرَّ بنملة عرجاء ناشرة جناحها رافعة يدها وتقول : اللّهمَّ إنّا خَلْقٌ من خلقك ، لا غِنى بنا عن رزقك فلا تؤاخذنا بذنوب بني آدم واسقنا ، فقال سليمان عليه السلام لمَن كان معه : ارجعوا فقد شفع فيكم غيركم .

وفي خبر : وقد كفيتم بغيركم .(1)

الرواية معتبرة الإسناد . المباضعة : المجامعة . سعف وأسعف بحاجته : قضاها له . عرجاء : مؤنّث الأعرج .

قصّة المقدسي وإبليس

158 - في الفضائل المنسوب إلى ابن شاذان : روي من فضائله عليه السلام [ أي من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ] في حديث المقدسي ما يُغني سامعه عمّا سواه وهو ما حكي لنا أنّه كان رجل من أهل بيت المقدس ورد إلى مدينة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهو حسن الشباب حسن الصورة ، فزار حجرة النبيّ صلى الله عليه وآله وقصد المسجد ولم يزل ملازماً له مشتغلاً

ص: 126


1- قصص الأنبياء : 209 ، ح 274 ونقل عنه في بحارالأنوار ، ج 14 ، ص 72 ، ح 12 .

بالعبادة ، صائم النهار وقائم الليل في زمن خلافة عمر بن الخطّاب ، حتّى كان أعبد الخلق ، والخلق تتمنّى أن تكون مثله ، وكان عمر يأتي إليه ويسأله أن يكلّفه حاجة ، فيقول له المقدسي : الحاجة إلى اللَّه تعالى ، ولم يزل على ذلك إلى أن عزم الناس الحجّ ، فجاء المقدسي إلى عمر بن الخطّاب وقال : يا أبا حفص قد عزمت على الحجّ ومعي وديعة أحبّ أن تستودعها منّي إلى حين عودي من الحجّ ، فقال عمر : هات الوديعة ، فأحضر الشاب حُقّاً من عاج عليه قفل من حديد ، مختوم بختام الشاب ، فتسلّمه منه وخرج الشاب مع الوفد ، فخرج عمر إلى مقدَّم الوفد وقال : أوصيك بهذا الغلام ، وجعل عمر يودّع الشابّ ، وقال للمقدّم على الوافد : استوص به خيراً .

وكان في الوفد امرأة من الأنصار ، فما زالت تلاحظ الشاب المقدسي وتنزل بقربه حيث نزل ، فلمّا كان في بعض الأيّام دنت منه وقالت : يا شاب إنّي أرق لهذا الجسم الناعم المترف كيف يلبس الصوف؟ فقال لها : ياهذه جسمٌ يأكله الدود ومصيره التراب هذا له كثير ، فقالت : إنّي أغار على هذا الوجه المضيى ء تشعثه الشمس ، فقال لها : يا هذه اتّقي اللَّه وكفّي فقد شغلني كلامك عن عبادة ربّي ، فقالت له : لي إليك حاجة فإن قضيتها فلا كلام ، وإن لم تقضها فما أنا بتاركتك حتّى تقضيها لي ، فقال لها : وما حاجتك؟ قالت : حاجتي أن تواقعني! فزجرها وخوّفها من اللَّه تعالى فلم يردعها ذلك ، فقالت : واللَّه لئن لم تفعل ما آمرك لأرمينّك بداهية من دواهي النساء ومكرهم لا تنجو منها ، فلم يلتفت إليها ولم يعبأ بها ، فلمّا كان في بعض الليالي وقد سهر أكثر ليله بالعبادة فرقد في آخر الليل وغلب عليه النوم فأتته وتحت رأسه مزادة فيها زاده ، فانتزعتها من تحت رأسه وطرحت فيها كيساً فيه خمسمائة دينار ، ثمّ أعادت المزادة تحت رأسه .

ص: 127

فلمّا ثوّر الوفد قامت الملعونة من نومها وقالت : ياللَّه ويا للوفد ، يا وفد أنا امرأة مسكينة وقد سرقت نفقتي ومالي ، وأنا باللَّه وبكم ، فجلس المقدّم على الوفد وأمر رجلاً من المهاجرين والأنصار أن يفتّشوا الوفد ، ففتّشوا الوفد فلم يجدوا شيئاً ، ولم يبق في الوفد إلّا من فتّش رحله ، فلم يبق إلّا المقدسيّ ، فأخبروا مقدّم الوفد بذلك فقالت المرأة : يا قوم ما ضرّكم لو فتّشتموا رحله فله اُسوة بالمهاجرين والأنصار ، وما يدريكم أنّ ظاهره مليح وباطنه قبيح ، ولم تزل المرأة حتّى حملتهم على تفتيش رحله ، فقصده جماعة من الوفد وهو قائمٌ يصلّي ، فلمّا رآهم أقبل عليهم وقال لهم : ما حاجتكم؟ فقالوا له : هذه المرأة الأنصارية ذكرت أنّها سرقت لها نفقة كانت معها ، وقد فتّشنا رحال الوفد بأسرها ولم يبق منها غيرك ، ونحن لا نتقدّم إلى رحلك إلّا بإذنك لما سبق من وصيّة عمر بن الخطّاب فيما يعود إليك ، فقال : يا قوم ما يضرّني ذلك ففتّشوا ما أحببتم ، وهو واثق من نفسه ، فلمّا نفضوا المزادة التي فيها زاده وقع منها الهميان ، فصاحت الملعونة : اللَّه أكبر هذا واللَّه كيسي ومالي ، وهو كذا وكذا ديناراً ، وفيه عقد لؤلؤ ووزنه كذا وكذا مثقالاً ، فأحضروه فوجدوه كما قالت الملعونة ، فمالوا عليه بالضرب الموجع والسبّ والشتم وهو لا يردّ جواباً ، فسلسلوه وقادوه راحلاً إلى مكّة ، فقال لهم : يا وفد بحقّ اللَّه وبحقّ هذا البيت إلّا تصدّقتم عليَّ وتركتموني أقضي الحجّ وأشهد اللَّه تعالى ورسوله على بأنّي إذا قضيت الحجّ عدت إليكم وتركت يدي في أيديكم ، فأوقع اللَّه تعالى الرحمة في قلوبهم له فأطلقوه .

فلمّا قضى مناسكه وما وجب عليه من الفرائض عاد إلى القوم وقال لهم : أمّا إنّي قد عدت إليكم فافعلوا بي ما تريدون ، فقال بعضهم لبعض ، لو أراد المفارقة لما عاد إليكم ، فتركوه ورجع الوفد طالباً مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ، فأعوزت تلك المرأة الملعونة الزاد في بعض الطريق ، فوجدت راعياً فسألته الزاد ، فقال لها : عندي ما تريدين

ص: 128

غير أنّي لا أبيعه فإن آثرت أن تمكِّنيني من نفسك أعطيتك ، ففعلت ما طلب وأخذت منه زاداً ، فلمّا انحرفت عنه اعترض لها إبليس لعنه اللَّه فقال لها : أنت حامل ، قالت : ممّن؟ قال : من الراعي ، فصاحت وافضيحتاه ، فقال : لاتخافي إذا رجعت إلى الوفد قولي لهم إنّي سمعت قراءة المقدسي فقربت منه ، فلمّا غلب عليَّ النوم دنا منّي وواقعني ولم أتمكّن من الدفاع عن نفسي بعد القراءة ، وقد حملت وأنا امرأة من الأنصار ، وخلفي جماعة من الأهل .

ففعلت الملعونة ما أشار به عليها إبليس لعنه اللَّه ، فلم يشكّوا في قولها لما عاينوا أوّلاً من وجود المال في رحله ، فعكفوا على الشاب المقدسي وقالوا : يا هذا ما كفاك السرقة حتّى فسقت؟ فأجعوه شتماً وضرباً وسبّاً ، وعادوه إلى السلسلة وهو لا يردّ جواباً ، فلمّا قربوا من المدينة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - خرج عمر بن الخطّاب ومعه جماعة من المسلمين للقاء الوفد ، فلمّا قربوا منه لم يكن له همّة إلّا السؤال عن المقدسي ، فقالوا : يا أبا حفص ما أغفلك عن المقدسي؟ فقد سرق وفسق ، وقصّوا عليه القصّة ، فأمر بإحضاره بين يديه فقال له : ويلك يا مقدسي تظهر بخلاف ما تبطن حتّى فضحك اللَّه تعالى؟ لأنكلنّ بك أشدّ النكال ، وهو لا يردّ جواباً .

فاجتمع الخلق وازدحم الناس لينظروا ماذا يُفعل به؟ وإذا بنور قد سطع شعاع قد لمع ، فتأمّلوه وإذا به عيبة علم النبوّة عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال : ما هذا الرهج في مسجد رسول اللَّه؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين إنّ الشاب المقدسي الزاهد قد سرق وفسق ، فقال عليه السلام : واللَّه ما سرق ولا فسق ولا حجّ أحدٌ غيره ، فلمّا سمع عمر كلامه قام قائماً على قدميه وأجلسه موضعه ، فنظر إلى الشاب المقدسي وهو مسلسل وهو مطرق إلى الأرض والمرأة جالسة ، فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك قصّي قصّتك ،

ص: 129

قالت : يا أمير المؤمنين إنّ هذا الشاب قد سرق مالي وقد شاهد الوفد مالي في مزادته ، وما كفاه ذلك حتّى كانت ليلة من الليالي حيث قربت منه فاستغرقني بقراءته واستنامني ، فوثب إليّ وواقعني ، وما تمكّنت من المدافعة عن نفسي خوفاً من الفضيحة ، وقد حملت منه .

فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام : كذبت يا معلونة فيما ادّعيت عليه ، يا أبا حفص إنّ هذا الشاب مجبوب ليس معه إحليل ، وإحليله في حُقّ من عاج ، ثمّ قال : يا مقدسي أين الحُقّ؟ فرفع رأسه وقال : يا مولاي من علم بذلك يعلم أين الحُقّ ، فالتفت إلى عمر وقال له : يا أبا حفص قم فأحضر وديعة الشاب ، فأرسل عمر فأحضر الحُقّ بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام ، ففتحوه وإذا فيه خرقة من حرير وفيها إحليله ، فعند ذلك قال الإمام عليه السلام : قم يا مقدسيّ ، فقام فجرّدوه من ثيابه لينظروا وليحقّق من اتّهمه بالفسق ، فجرّدوه من ثيابه فإذا هو مجبوب ، فعند ذلك ضجّ العالم فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : اسكتوا واسمعوا منّي حكومة أخبرني بها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .

ثمّ قال : يا ملعونة لقد تجرّأتِ على اللَّه تعالى ، ويلك أما أتيت إليه وقلت له كيت وكيت فلم يجبك إلى ذلك؟ فقلت له : واللَّه لأرمينّك بحيلة من حيل النساء لا تنجو منها؟ فقالت : بلى يا أمير المؤمنين كان ذلك ، فقال عليه السلام : ثمّ إنّك استنمتيه وتركت الكيس في مزادته ، أقرّي؟ فقالت : نعم يا أمير المؤمنين ، فقال : اشهدوا عليها ، ثمّ قال لها : حملك هذا من الراعي الذي طلبت منه الزاد فقال لك : لا أبيع الزاد ولكن مكِّنيني من نفسك وخذي لحاجتك ، ففعلت ذلك وأخذت الزاد وهو كذا وكذا ، قالت : صدقت يا أمير المؤمنين قال : فضجّ العالم فسكّتهم عليّ عليه السلام وقال لها : فلمّا خرجت عن الراعي عرض لك شيخ صفته كذا وكذا وقال لك يا فلانة : فإنّك حامل من الراعي ، فصرختي وقلتي : وافضيحتاه ، فقال : لا بأس عليك قولي

ص: 130

للوفد : استنامني وواقعني وقد حملت منه ، فصدّقوك لما ظهر من سرقته ففعلت ما قال الشيخ ، فقالت : نعم ، فقال الإمام عليه السلام : أتعرفين ذلك الشيخ؟ قالت : لا ، قال : هو إبليس لعنه اللَّه ، فتعجّب القوم من ذلك ، فقال عمر : يا أبا الحسن ما تريد أن تفعل بها؟ قال : [اصبروا حتّى تضع حملها وتجدوا من ترضعه] ، يحفر لها في مقابر اليهود وتُدفن إلى نصفها وتُرجم بالحجارة ، ففعل بها ما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، وأمّا المقدسي فلم يزل ملازم مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى أن توفّي رضى الله عنه ، فعند ذلك قام عمر بن الخطّاب وهو يقول : لولا عليٌّ لهلك عمر - قالها ثلاثاً - ثمّ انصرف الناس وقد تعجّبوا من حكومة عليّ بن أبي طالب .(1)

موعظة إبليس لعليّ بن محمّد الصوفي

159 - ابن شهرآشوب قال : في حديث طويل عن عليّ بن محمّد الصوفي أنّه لقى إبليس وسأله فقال له : مَن أنت؟ فقال : أنا من ولد آدم ، فقال : لا إله إلّا اللَّه ، أنت من قوم يزعمون أنّهم يحبّون اللَّه ويعصونه ويبغضون إبليس ويطيعونه ، فقال : مَن أنت؟ فقال : أنا صاحب الميسم والاسم الكبير والطبل العظيم وأنا قاتل هابيل وأنا الراكب مع نوح في الفلك أنا عاقر ناقة صالح أنا صاحب نار إبراهيم أنا مدبّر قتل يحيى أنا ممكِّن قوم فرعون من النيل أنا مخيّل السحر وقائده إلى موسى أنا صانع

ص: 131


1- الفضائل : ص 107 - 111 ، ونقل عن الفضائل في بحار الأنوار : 40 / (270- 274) [17/93-95] ، وهكذا راجع في هذا المجال الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : (49- 55) من مؤلّفات سديد الدِّين شاذان بن جبرئيل القمّي المتوفّى 660 ، طبع عام 1423 بتحقيق علي الشكرچي ، مكتبة الأمين . قم المقدّسة .

العجل لبني إسرائيل أنا صاحب منشار زكريا أنا السائر مع أبرهة إلى الكعبة بالفيل أنا المجمِّع لقتال محمّدصلى الله عليه وآله يوم اُحد وحنين ، أنا ملقي الحسد يوم السقيفة في قلوب المنافقين ، أنا صاحب الهودج يوم البصرة والبعير ، أنا صاحب الواقف في عسكر صفّين ، أنا الشامت يوم كربلاء بالمؤمنين ، أنا إمام المنافقين ، أنا مهلك الأوّلين ، أنا مضلّ الآخرين ، أنا شيخ الناكثين ، أنا ركن القاسطين ، أنا ظلّ المارقين ، أنا أبو مُرّة مخلوق من نار لا من طين، أنا الذي غضب عليه ربّ العالمين ، فقال الصوفي : بحقّ اللَّه عليك إلّا دللتني على عمل أتقرّب به إلى اللَّه وأستعين به على نوائب دهري ، فقال : اقنع من دنياك بالعفاف والكفاف واستعن على الآخرة بحبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام وبغض أعدائه ، فإنّي عبدتُ اللَّه في سبع سماواته وعصيته في سبع أرضيه فلا وجدتُ ملكاً مقرّباً ولا نبيّاً مرسلاً إلّا وهو يتقرّب بحبّه ، قال : ثمّ غاب عن بصري ، فأتيتُ أبا جعفرعليه السلام فأخبرته بخبره فقال عليه السلام : آمن الملعون بلسانه وكفر بقلبه .(1)

الميسم : من الماس : الذي لا يلتفت إلى موعظة أحد ، أو بمعنى الجمال فالمراد بصاحب الميسم أى صاحب الجمال الموهومة .

حضور إبليس أو وكيله عند الاحتضار

160 - الكليني عن علي بن محمّد بن مابندار عن أحمد بن أبي عبداللَّه عن محمّد بن علي عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ما مِن أحدٍ يحضره الموت إلّا وكّل به إبليس من شياطينه مَن يأمره بالكفر ويشكّكه في دينه حتّى تخرج نفسه ، فمَن كان مؤمناً لم يقدر عليه ، فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم

ص: 132


1- المناقب : 2 / 285 ونقل عنه في بحار الأنوار : 39 / 181 ح 23 (16 / 375) .

شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه حتّى يموت .

وفي رواية اُخرى قال : فلقّنه كلمات الفرج والشهادتين وتسمّي له الإقرار بالأئمّة عليهم السلام واحداً بعد واحد حتّى ينقطع عنه الكلام .(1)

فرح إبليس بموت الفقيه

161 - الكليني عن العدّة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن أبي أيّوب الخزّاز عن سليمان بن خالد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ما من أحدٍ يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من موت فقيهٍ .(2)

الرواية صحيحة الإسناد .

162 - العياشي رفعه عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه تعالى : « وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثِيراً »(3) فقال عليه السلام : إنّ الحكمة : المعرفة والتفقّه في الدِّين ، فمَن فَقِهَ منكم فهو حكيم ، وما مِن أحدٍ يموت من المؤمنين أحبُّ إلى إبليس من فقيهٍ .(4)

الفقيه أشدّ على إبليس من ألف عابد

163 - الطوسي بإسناده عن أخي دعبل عن الرضاعليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن

ص: 133


1- الكافي : 3 / 123 ح 6 .
2- الكافي : 1 / 38 ح 1 .
3- سورة البقرة : 269 .
4- تفسير العياشي : 1 / 276 ح 502 .

أمير المؤمنين عليه السلام قال : فقيه واحد أشدّ على إبليس من ألف عابد .(1)

مناداة إبليس حين الظهور

164 - الصدوق عن ابن المتوكّل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن الثمالي قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول : إنّ خروج السفياني من الأمر المحتوم قال لي : نعم ، واختلال وفد العبّاس من المحتوم وقتل نفس الزكية من المحتوم وخروج القائم من المحتوم .

فقلت له : فكيف يكون ذلك النداء؟ قال : ينادي منادٍ من السماء أوّل النهار ألا إنّ الحقّ في عليٍّ وشيعته ، ثمّ ينادي إبليس لعنه اللَّه في آخر النهار : ألا إنّ الحقّ في السفياني وشيعته ، فيرتاب عند ذلك المبطلون .(2)

الرواية صحيحة الإسناد ونظيرها في نداء إبليس عدّة من الروايات نحو خبر ميمون البان(3) ومعتبرة زرارة(4) وخبر المعلّى بن خنيس .(5)

165 - النعماني بسنده عن ابن عقدة عن عليّ بن الحسن عن محمّد بن عبداللَّه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : هما صيحتان : صيحة في أوّل الليل ، وصيحة في آخر الليلة الثانية ، قال : فقلت : كيف ذلك؟ فقال :

ص: 134


1- أمالي الطوسي ، المجلس الثالث عشر : ح 25 / 366 الرقم 774 .
2- كمال الدِّين وتمام النعمة : 2 / 652 ح 14 ونقل عنه في بحار الأنوار : 52 / 206 ح 40 (21/420) .
3- كمال الدِّين وتمام النعمة : 2 / 650 ح 4 .
4- كمال الدِّين وتمام النعمة : 2 / 650 ح 8 .
5- كمال الدِّين وتمام النعمة : 2 / 652 ح 13 .

واحدة من السماء ، وواحدة من إبليس ، فقلت : كيف تُعرف هذه من هذه؟ فقال : يعرفها مَن كان سمع بها قبل أن تكون .(1)

الرواية موثقة سنداً .

ضرب عنق إبليس بسيف القائم(عج)

166 - العياشي رفعه عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول إبليس : « رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ* إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »(2)، قال له وهب: جعلت فداك أيّ يومٍ هو؟ قال : يا وهب أتحسب أنّه يوم يبعث اللَّه فيه الناس؟ إنّ اللَّه أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا ، فإذا بعث اللَّه قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتّى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول : يا ويله مِن هذا اليوم فيأخُذ بناصيته فيضرب عُنُقه ، فذلك يوم الوقت المعلوم .(3)

رواها أيضاً الطبري في دلائل الإمامة : 453 ح 430 وشرف الدِّين الحسيني الاسترآبادي مرفوعاً إلى وهب بن جميع في تأويل الآيات الظاهرة .(4)

167 - ولكن ورد مختصر البصائر الذي كان أصله لسعد بن عبداللَّه الأشعري القمّي عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن موسى بن سعدان عن عبداللَّه بن القاسم الحضرمي عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام : إنّ إبليس قال « فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » فأبى اللَّه ذلك عليه ، فقال : « فَإِنَّكَ مِنْ

ص: 135


1- الغيبة للنعماني : 265 ح 31 ونقل عنه في بحار الأنوار : 52 / 295 ح 49 .
2- سورة الحجر : 36 - 38 .
3- تفسير العياشي : 2 / 428 ح 14 .
4- تأويل الآيات الظاهرة : 2 / 509 ح 12 .

الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ » فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس لعنه اللَّه في جميع أشياعه منذ خلق اللَّه آدم إلى يوم الوقت المعلوم ، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليه السلام ، فقلت : وإنّها لكرّات؟ قال : نعم ، إنّها لكرّات وكرّات ، ما من إمام في قرن إلّا ويكرّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّى يديل اللَّه عزوجلّ المؤمن من الكافر .

فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه ، ويكون ميثاقهم في أرض من أراضي الفرات ، يقال لها : الروحاء قريب من كوفتكم ، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق اللَّه عزوجلّ العالمين ، فكأنّي أنظر إلى أصحاب عليّ أمير المؤمنين عليه السلام قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم ، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات . فعند ذلك يهبط الجبّار عزوجلّ في ظللٍ من الغمام(1) والملائكة وقضى الأمر ، رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أمامه بيده حربة من نور ، فإذا نظر إبليس رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه ، فيقولون له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت؟ فيقول : « إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ »(2) « إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ »(3) فيلحقه النبيّ صلى الله عليه وآله فيطعنه طعنةً بين كتفيه ، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه ، فعند ذلك يعبد اللَّه عزوجلّ ولا يُشرك به شيئاً .

ويملك أمير المؤمنين عليه السلام أربعاً وأربعين ألف سنة حتّى يلد الرجل من شيعة عليّ عليه السلام ألف ولد من صلبه ذكراً في كلّ سنة ذكراً وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء اللَّه .(4)

ص: 136


1- كناية عن نزول آيات عذابه وانتقامه .
2- سورة الأنفال : 48 .
3- سورة الحشر : 16 .
4- مختصر البصائر : 115 - 117 ح 37 .

168 - وورد في خبر الصدوق بإسناده عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث أنّه قال : ... يوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخةً واحدة فيموت إبليس ما بين النفخة الاُولى والثانية .(1)

إيجاد التعادل بين آدم وعدوّه إبليس

169 - العياشي رفعه عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال : كان إبليس أوّل من ناح وأوّل من تغنّى وأوّل من حدا ، قال : لمّا أكل آدم من الشجرة تغنّى ، فلمّا اُهبط حدا به ، فلمّا استقرّ على الأرض ناح فأذكره ما في الجنّة .

فقال آدم عليه السلام : ربّ هذا الذي جعلت بيني وبينه العداوة لم أقوَ عليه وأنا في الجنّة ، وإن لم تعنّي عليه لم أقوَ عليه ، فقال اللَّه : السيّئة بالسيّئة ، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة . قال : ربِّ زدني ، قال : لا يُولَد لك ولدٌ إلّا جعلتُ معه مَلَكين يحفظانه ، قال : ربِّ زدني ، قال : التوبة معروضة في الجسد ما دام فيه الروح ، قال : ربّ دزني ، قال : اغفر الذنوب ولا اُبالي ، قال : حسبي .

قال : فقال إبليس : ربّ هذا الذي كرَّمت عليَّ وفضّلته ، وإن لم تفضّل عليَّ لم أقوَ عليه ، قال : لا يُولَد له ولد إلّا ولد لك ولدان ، قال : ربّ زدني ، قال : تجري منه مجرى الدم في العروق ، قال : ربّ زدني ، قال : تتّخذ أنت وذُريّتك في صدورهم مساكن . قال : ربِّ زدني ، قال : تَعِدهم وتُمنّيهم « وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً »(2) (3) .

ص: 137


1- علل الشرائع : 402 ح 2 .
2- سورة النساء : 120 .
3- تفسير العياشي : 1 / 444 ح 280 .

غفران اللَّه جميع الذنوب لعباده بدلاً من تسليط إبليس عليهم

170 - علي بن إبراهيم القمّي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : لمّا أعطى اللَّه تبارك وتعالى إبليس ما أعطاه من القوّة قال آدم : ياربِّ سلّطت إبليس على ولدي وأجريته فيهم مجرى الدم في العروق ، وأعطيته ما أعطيته ، فمالي ولولدي؟ فقال : لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة أمثالها ، قال : ربّ زدني ، قال : التوبة مبسوطة إلى أن تبلغ النفس الحلقوم ، قال : ياربّ زدني ، قال : أغفر ولا اُبالي ، قال : حسبي .

قال : قلت : جعلت فداك بماذا استوجب إبليس من اللَّه أن أعطاه ما أعطاه؟ فقال : بشي ءٍ كان منه شكره اللَّه عليه ، قلت : وما كان منه جعلت فداك؟ قال : ركعتين ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة .(1)

الرواية صحيحة الإسناد .

دعاء استعاذة الإمام السجّاد عليه السلام من ذكر الشيطان ومن عداوته وكيده

- اللّهمَّ إنّا نعوذُ بك من نزغات الشيطان الرّجيم وكيده ومكايده ، ومن الثقة بأمانيِّه ومواعيدهِ وغُرورهِ ومصائدِهِ ، وأنْ يُطمِعَ نفسهُ في إضلالِنا عن طاعَتِك ،

ص: 138


1- تفسير القمّي : 35 [الطبعة الحجرية] 1 / 53 [الطبعة الحروفية] ، ونقل عنه في بحار الأنوار : 11 / 142 ح 8 .

وامتهانِنا بمعصيتِك ، أو أن يحسُنَ عندنا ما حسَّنَ لنا ، أو أن يثقُلَ علينا ما كرَّه إلينا ، اللّهمَّ اخسأهُ عنّا بعبادتك ، واكبِتْهُ بدؤوبِنا في محبّتك ، واجعل بيننا وبينه سِتراً لا يهتكهُ ، وردماً مصمِتاً لا يفتقه . اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآله ، واشغلهُ عنّا ببعض أعدائك ، واعصمنا منه بحُسنِ رعايتك ، واكفِنا خترَهُ ، وولِّنا ظهرَهُ ، واقطع عنّا إثرهُ . اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلهِ ، وأمتعنا من الهدى بمثلِ ضلالَتهِ ، وزوِّدنا من التّقوى ضدَّ غوايته واسلُكْ بنا من التُّقى خِلاف سبيلهِ من الرّدى . اللّهمَّ لا تجعل له في قلوبنا مدخلاً ولا تُوطننَّ له فيما لدينا مَنْزِلاً ، اللّهمَّ وما سوّلَ لنا من باطلٍ فعرِّفناه ، وإذا عرّفتناهُ فقِناه ، وبصِّرنا ما نُكايدهُ بهِ ، وألهمنا ما نُعِدُّه له ، وأيقظنا عن سِنَةِ الغفلة بالرُّكون إليه ، وأحسن بتوفيقك عوننا عليه . اللّهُمَّ وأشرِب قُلوبنا إنكار عمله ، والطُفْ لنا في نَقْضِ حيلهِ . اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلهِ ، وحوِّل سلطانهُ عنّا ، واقطع رجاءَه منّا ، وادرأهُ عن الولوعِ بنا . اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلهِ ، واجعل آباءَنا وأُمّهاتنا وأولادنا وأهالينا وذوي أرحامِنا وقراباتِنا وجيراننا من المؤمنين والمؤمنات منه في حِرزٍ حارِزٍ ، وحِصنٍ حافظٍ ، وكهفٍ مانعٍ ، وألبسهم منه جُنناً واقيةً ، وأعطِهم علَيْهِ أسلحةً ماضيةً . اللّهُمَّ واعمُمْ بذلك مَن شهدَ لكَ بالرُّبوبيّة ، وأخلص لكَ بالوحدانية ، وعاداهُ لك بحقيقة العُبوديّة ، واستَظْهرَ بكَ عليهِ في معرفةِ العلوم الربّانيّة . اللّهُمَّ احلُلْ ما عَقَدَ ، وافتُق ما رَتَقَ ، وافسخْ ما دبَّر وثبِّطهُ إذا عزمَ ، وانقُض ما أبرم . اللّهُمَّ واهزِم جُندهُ ، وأبطل كيدهُ ، واهدِم كهفَهُ ، وأرغم أنفَهُ اللّهمَّ اجعلنا في نَظمِ أعدائه ، واعزِلنا عن عِداد أوليائه ، لا نُطيعُ له إذا استهوانا ، ولا نستجيبُ له إذا دَعانا ، نأمرُ بمُناواتهِ مَن أطاع أمرَنا ، ونَعِظُ عن متابعتهِ مَن اتّبع زَجْرَنا . اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ خاتِم النبيِّينَ وسيِّد المُرسلين وعلى أهل بيتهِ الطيِّبين

ص: 139

الطاهرين ، وأعِذنا وأهالينا وإخواننا وجميع المؤمنين والمؤمنات ممّا اسْتَعَذْنا منه ، وأجِرْنا ممّا اسْتَجَرْنا بك من خوفهِ واسمع لنا ما دَعَونا به ، وأعطنا ما أغفلناهُ ، واحفظ لنا ما نسيناهُ ، وصيِّرنا بذلك في درجاتِ الصّالحين ومراتبِ المؤمنين ، آمينَ ربّ العالمين .(1)

ص: 140


1- الصحيفة السجّادية / الدعاء الثامن عشر .

فهرس بعض مصادر الكتاب

1 - الاختصاص : صحّحه وعلّق عليه علي أكبر الغفاري ، طبع جماعة المدرسين بقم .

2 - اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي : للشيخ الطوسي ، تصحيح الشيخ حسن المصطفوي ، طبع جامعة مشهد 1348 ش .

3 - الارشاد : للشيخ المفيد ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، 1413 قم .

4 - الف حديث فى المؤمن : للشيخ هادي النجفي ، جماعة المدرسين ، قم المقدسة ، 1416 .

5 - أمالي الصدوق : للشيخ الصدوق ، طبع مؤسّسة البعثة ، 1417 قم .

6 - أمالي الطوسي : للشيخ الطوسي ، طبع مؤسّسة البعثة ، 1414 قم .

7 - أمالي المفيد : للشيخ المفيد ، تحقيق الحسين استاد ولي و علي أكبر الغفاري ، جماعة المدرسين ، 1403 .

8 - اندوخته خداوند : للشيخ هادي النجفي ، ترجمة جويا جهانبخش ، حروفيه تهران ، 1381 ش .

9 - بحار الانوار : للعلامة محمّد باقر المجلسي ، طبع دار احياء التراث العربي ، بيروت 1403 وطبع دار التعارف بيروت عام 1421 ، في اربع واربعين مجلداً .

10 - بحر الجواهر : لمحمّد بن يوسف الطبيب الهروي ، طبعة حجرية .

11 - بشارة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لشيعة المرتضى عليه السلام : لأبي جعفر محمّد بن أبي القاسم محمّد بن علي الطبري ، منشورات مكتبة الحيدرية ، النجف الاشرف ، 1383 .

ص: 141

12 - بصائر الدرجات : للشيخ محمّد بن الحسن الصفار القمي ، تصحيح الميرزا محسن كوچه باغى التبريزي ، مكتبة آية اللَّه المرعشى ، 1404 .

13 - تاريخ قم : للحسن بن محمّد بن الحسن القمي ، ترجمة الحسن بن علي بن الحسن القمي ، تصحيح سيد جلال الدين الطهراني ، من منشورات طوس طهران ، 1361 ش .

14 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : لشرف الدين على الحسيني الاسترآبادي ، مدرسة الإمام المهدي « عج » ، قم المقدسة ، 1407 .

15 - تحف العقول : لأبي محمّد الحسن بن علي بن شعبة الحراني ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، جماعة المدرسين ، 1404 .

16 - تفسير العياشي : للشيخ محمّد بن مسعود العياشي ، طبع مؤسّسة البعثة ، قم المقدسة ، 1421 .

17 - تفسير القمي : لعلي بن ابراهيم القمي ، طبع الحجري ، عام 1315 ، وربما نقلت من طبع الحروفي بقم ، مؤسّسة دار الكتاب .

18 - التمحيص : لأبي علي محمّد بن همام الإسكافي ، مدرسة الإمام المهدي « عج » ، قم 1404 .

19 - تهذيب الأحكام : للشيخ الطوسي ، تحقيق السيد حسن الخرسان ، دار الكتب الاسلامية ، طهران ، 1390 .

20 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : للشيخ الصدوق ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، طهران ، 1391 .

21 - الجعفريات : لمحمّد بن محمّد بن الاشعث ، طبع الحجري ، طهران ، 1370 .

22 - الخصال : للشيخ الصدوق ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، جماعة المدرسين ، بقم ، 1403 .

23 - خلاصة الأقوال [ ترتيبه ] : للعلامة الحلّي ، طبع الآستانه المقدسة الرضوية .

24 - الدعوات : للقطب الراوندي ، مدرسة الإمام المهدي « عج » ، قم 1407 .

25 - دلائل الإمامة : لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري الإمامي ، مؤسّسة البعثة ، قم 1413 .

26 - رجال النجاشي : لأبي العباس أحمد بن علي بن العباس النجاشي ، تحقيق آيةاللَّه السيد موسى الشبيري « مدظلّه » ، جماعة المدرسين ، بقم ، 1407 .

27 - الروضة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : لسديد الدين شاذان بن جبرئيل القمي ، تحقيق علي الشكرچي ، مكتبة الأمين ، قم المقدسة .

ص: 142

28 - شرح غررالحكم ودرر الكلم : لجمال الدين محمّد الخوانساري ، تحقيق جلال الدين المحدث ، جامعة طهران ، 1360 ش .

29 - صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : تحقيق محمّدمهدي النجف ، الآستانه المقدسة الرضوية ، عام 1406 .

30 - الصحيفة السجادية : للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، قم ذوي القربى 1424 .

31 - صفات الشيعة : للشيخ الصدوق ، طبع ايران .

32 - علل الشرائع : للشيخ الصدوق ، مكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ، 1385 .

33 - عيون اخبار الرضا عليه السلام : للشيخ الصدوق ، تصحيح السيد مهدي اللاجوردي ، مكتبة الطوس ، 1363 ش .

34 - الغيبة : للشيخ النعماني ، طبع ايران .

35 - فضائل الأشهر الثلاثة : للشيخ الصدوق ، تحقيق الميرزا غلامرضا عرفانيان ، النجف الأشرف ، 1396 .

36 - الفقه الرضوي : المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام ، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام .

37 - قاموس الرجال : لشيخنا الشيخ محمّد تقي التستري ، طبع جماعة المدرسين ، بقم المقدسة .

38 - القاموس المحيط : للفيروز آبادي ، الطبعة الحديثة .

39 - قرب الأسناد : للشيخ عبداللَّه بن جعفر الحميري ، مؤسّسة آل البيت ، 1413 .

40 - قصص الأنبياء : للقطب الراوندي ، تحقيق الميرزا غلامرضا عرفانيان ، مؤسّسة المفيد ، بيروت 1409 .

41 - الكافي : لثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، طهران .

42 - كامل الزيارات : للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، تحقيق الشيخ عبدالحسين الأميني ، النجف الأشرف ، 1356 .

43 - كشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام : لعلي بن عيسى الأربلي ، تحقيق الشيخ علي الفاضلي ، المجمع العالمي لأهل البيت ، قم 1426 .

44 - كمال الدين وتمام النعمة : للشيخ الصدوق ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، جماعة المدرسين ، بقم 1405 .

ص: 143

45 - مائة منقبة المعروف بالمناقب : لأبي الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي المعروف بابن شاذان ، مدرسة الإمام المهدي « عج » ، قم 1407 .

46 - المحاسن : للبرقي ، تحقيق السيد مهدي الرجائي ، قم 1416 ، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام .

47 - مختصر بصائر الدرجات : للشيخ حسن بن سليمان الحلّي ، تحقيق ، مشتاق المظفر ، جماعة المدرسين ، بقم 1421 .

48 - مستدركات علم رجال الحديث : للشيخ علي النمازي الشاهرودي ، طبع جماعة المدرسين ، بقم المقدرسة .

49 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار : لسبط الطبرسي ، طبع مؤسّسة آل البيت ، قم المقدسة .

50 - معاني الأخبار : للشيخ الصدوق ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، جماعة المدرسين ، بقم .

51 - مكارم الأخلاق : لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، 1392 .

52 - المناقب : لابن شهر آشوب السروي المازندراني ، طبع قم ، وربما نقلت من طبع بيروت .

53 - من لايحضره الفقيه : للشيخ الصدوق ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، جماعة المدرسين ، بقم 1404 .

54 - موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام : للشيخ هادي النجفي، داراحياء التراث العربي، بيروت 1423 .

55 - المؤمن : للحسين بن سعيد الأهوازي ، مدرسة الإمام المهدي « عج » : قم 1404 .

56 - الميزان في تفسير القرآن : للعلامة السيد محمّد حسين الطباطبائي ، جماعة المدرسين ، بقم .

57 - النهاية في غريب الحديث والأثر : لابن الأثير ، تحقيق طاهر احمد الزاوي و محمود محمّد الطناحي ، قم 1367 ش .

58 - نهج البلاغة : للشريف الرضي ، طبع الدكتور صبحي صالح .

59 - النوادر : للسيد ضياء الدين أبي الرضا فضل اللَّه الراوندى ، تحقيق سعيد رضا علي عسكري ، مؤسّسة دار الحديث ، 1418 .

60 - الوافي : للفيض الكاشاني ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، اصفهان .

61 - وسائل الشيعة : للشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي ، طبع مؤسّسة آل البيت عليهم السلام .

62 - وقعة صفين : لنصر بن مزاحم المنقري ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، مكتبة آيةاللَّه المرعشي ، قم 1403 .

63 - يوم الطف : للشيخ هادي النجفي ، قم المقدسة 1413 .

ص: 144

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109