دراسات علمیة - 19 و 20 : مجلة نصف سنوية تعنى بالأبحاث التخصصية في الحوزة العلمية

هویة الکتاب

الهيأة العلمية

نخبة من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف

رئيس التحرير

السيد جواد الموسوي الغريفي

هيأة التحرير

الشيخ محمد الجعفري

الشيخ قاسم الطائي

- دراسات علمية -

العنوان: مجلة دراسات علمية / العددان التاسع عشر والعشرون

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1614 لسنة 2011

صورة الغلاف: أنموذج من المخطوط المطبوع في هذا العدد بخط الشیخ محسن (رحمة الله) حفید المؤلف (شیخ الشریعة قدس سره).

ص: 1

اشارة

دراسات علمية

مجلة نصف سنونية تصدر عن المدرسة العلمية الاخون الصغرى في النجف الأشرف

تعنى بالابْحَاتِ التَّخَصُصِيَة في الحوزة العلمية

العددان التاسع عشر والعشرون. جمادی الآخرة 1443 ﻫ.

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾

التوبة 122

ص: 3

الأُسس المعتمدة للنشر

1. ترحّب المجلَّة بإسهامات الباحثين الأفاضل في مختلف المجالات التي تهمّ طالب الأبحاث العليا في الحوزة العلميّة من الفقه والأُصول والرجال والحديث ونحوها.

2. يُشترط في المادّة المُراد نشرها أُمور:

أ. أنْ تكون مستوفية لأُصول البحث العلميّ على مختلف المستويات (الفنّيّة والعلميّة) من المنهجيّة والتوثيق ونحوهما.

ب. أنْ تكون الأبحاث مكتوبة بخطّ واضح أو (منضَّدة).

ت. أنْ توضع الهوامش في أسفل الصّفحة.

ث. أنْ يتراوح حجم البحث بين (12) و(50) صفحة من القطع الوزيريّ بخطٍّ متوسّط الحجم، وما يزيد على ذلك يمكن جعله في حلقتين أو ثلاث - بحسب نظر المجلَّة - شريطة استلام البحث كاملاً، ويمكن للمجلّة في ما زاد عن ذلك أن تنشره مستقلّا ً مع نشر قسمٍ منه في بعض أعدادها.

ج. أنْ لا يكون البحث قد نُشر أو أُرسل للنشر في مكان آخر.

ح. أنْ يُذيَّلَ البحث بذكر المصادر التي اعتمدها الباحث.

3. يخضع البحث لمراجعة هيئة علميَّة ولا يُعاد إلى صاحبه سواء أنُشر أم لم يُنشر.

4. للمجلَّة وحدها حقّ إعادة نشر البحوث الّتي نشرتها.

5. يخضع ترتيب البحوث المنشورة في المجلَّة لاعتبارات فنّيّة لا علاقة لها بمكانة الكاتب أو أهمّيّة الموضوع.

6. ما يُنشر في المجلَّة لا يعدو كونه مطارحات علميّة صرفة، ولا يُعبّر بالضرورة عن رأي المجلَّة.

ص: 4

المحتوی

السنة العاشرة - العددان التاسع عشر والعشرون

كلمة العدد

هيئة التحرير .....................................................................................................7

وحدة أو تعدد سورتي الضحى والانشراح وسورتي الفيل وقريش

الشيخ محمد الجعفري (دام عزه)........................................................................11

ملكية الدولة

الشيخ وليد العامري (دام عزه)...........................................................................93

اجتماع العدد /1

الشيخ علاء آل شويجة (دام عزه).....................................................................137

انقلاب النسبة / 1

الشيخ حميد رمح (دام عزه)...........................................................................187

دراسة في مصادر الشيخ (قدس سره) في كتاب التهذيب / 1

الشيخ قاسم الطائي (دام عزه).........................................................................237

حاشية الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال للعلامة (قدس سره) وعلى حاشية والده (قدس سره) على الخلاصة

تحقيق: الشيخ محمد العتبي (دام عزه).............................................................325

ص: 5

ص: 6

کلمة العدد

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وآله الطاهرين.

وبعد، فكل شيء يزداد في الوجود عمراً يرجع إلى النقصان بعد الازدهار، إلا ما يرتبط بالعلم وشؤونه فإنّ مرور الزمان عليه لا يزيده إلا ازدهاراً ونمواً، وما خالط العلم والبحث عنه شيء إلا ناله من شرفه نور يرتفع به مثاله، وتبقى بعده ذكراه. هذه الحقيقة نستمد في المجلة الرغبة والشغف في العمل كلّما مضينا قدماً في ومن أعدادها، ودارت عجلة الصدور تطوي حثيثاً في السنوات، وقد تفرض علينا مناسبة المزامنة بين أوقات الإصدار أن ينتظم عددان في إصدار واحد كما في هذا الإصدار الذي ضم العددين التاسع عشر والعشرين و به اكتملت عشرون زهرة تفتحت منذ صدور المجلة، وفي النفوس آمال وتطلع لأن يكون في قرائح أهل الفضل والبحث والتأليف ما يساهم في انتشار مزيد من أزهار الأعداد الكامنة في أكمامها تنتظر ربيعها المؤاتي.

ص: 7

وهذا الإصدار من المجلة يمضي على إثر أعدادها السابقة، ويتابع اختيار الموضوعات التي تهتم بها المجلة كونه من تخصصاتها ولو في جهة ما حتى لو بدا بعضها يعنى بموضوع لا يضرب في صميم علمي الفقه والأصول قدماً إلا طابعاً جانبياً في أحدهما، لكنه لا يشدّ عن كونه من كبريات المسائل الدينية كالأبحاث القرآنية، وعلم الحديث ودرايته، وما يرجع إلى العقائد ما دام البحث فيها يعتمد الأصول المعتبرة المقرّرة في الأبحاث العالية الإسلامية ضمن الركائز التي قامت عليها المدرسة الاثنا عشرية.

ومن هذه الرؤية مهدنا الطريق لعدة بحوث للظهور، منها بحث يتعرّض لمسألة اتحاد أو تعدد بعض السور القرآنية المدوّنة في مصاحف المسلمين - إلا ما شد. كسور مستقلة مثل (الضحى والانشراح) و(الفيل وقريش)، فهذه مسألة قرآنية تدخل ضمن اهتمامات المجلة، مع إمكان أن تدخل في دائرة علم الفقه أيضاً بوقوعها موضوعاً لبعض مسائله، بناءً على وجوب قراءة المصلي لسورة كاملة بعد فاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين من كل فريضة وعدم جواز الاكتفاء ببعض السورة، فإنّ ذلك الحكم يعني عدم كفاية الاقتصار على قراءة إحدى تينك السورتين على تقدير كونها سورة واحدة.

وليس بعيداً عن كلامنا في علاقة الموضوعات المتنوعة بمحور اهتمام المجلة دراسة أخرى وردت في هذا العدد حول مصادر الشيخ الطوسي (قدس سره) في كتاب (تهذيب الأحكام)؛ فإن الظاهر من بعض الأعلام أن بمراجعة المشيخة والطرق إلى الروايات المعتمدة في الكتاب التي عقد لها المصنف (قدس سره) فصل المشيخة في آخر كتابه - ربما يتضح عدم شمول ودقة ما وعد به (قدس سره) من التزامه بعدم تصدير الرواية إلا باسم من أخذ الرواية من كتابه، فتكون نتيجة هذا البحث تحريراً لجملة من روايات

ص: 8

التهذيب من الارتباط في الأسانيد العامة التي تقيد بها في المشيخة ورتبها على وفق ترتیب ورود من تنتهي إليهم في الكتاب ومن هنا نكون قد فتحنا بمثل هذه البحوث باباً إلى تبني طرق جديدة لاعتبار أو عدم اعتبار تلك الروايات غير التفتيش في تلك الأسانيد العامة.

ولا يخفى دخول نتائج هذا البحث وأمثاله في موضوع اهتمام المجلة من جهة تنقيح طرق اعتبار الروايات التي هي إحدى أهم الركائز الأساسية التي تقوم عليها العلوم الإسلامية النقلية، ولا يخلو بحث عال في جهة علمية من شؤون الإسلام يحتاج فيها إلى الإثبات النقلي من محاولة تبني أو تأسيس أو تكييف وسيلة إثباتية قوية تعتمد فيها بعض الروايات المتعرضة للمسألة الدينية بما يتناسب مع تطور وسائل

الإثبات والنقاش فيها، هذا في غير مسائل علمي الفقه والأصول.

أما في أصل مضمار مسائل هذين العلمين فقد وردت في هذا العدد جملة من البحوث الفقهية والأصولية المهمة، فعلى صعيد الفقه . مضافاً إلى ما مرت الإشارة إليه في مسألة اتحاد وتعدد بعض السور القرآنية - بحثان آخران، أحدهما عن اجتماع العدد للمرأة لاجتماع أسبابها المختلفة - كالطلاق والوفاة - ، فيبحث في الفقه عن تداخلها وعدمه، والآخر عن ملكية الدولة التي لا يكون على رأسها الإمام (علیه السلام) أو نائبه، وهذا بحث تتوقف عليه جملة من المعاملات والتبادلات المالية بين المسلم ومؤسسات الدولة الحديثة، وطبيعة المال العام الذي بيدها، وعلاقة الحاكم الشرعي به.

وأما على صعيد الأصول فنطالع في هذا العدد بحث (انقلاب النسبة)، وهو بحث أصولي بامتياز وذو فائدة مباشرة في الفقه؛ إذ على أساس نتيجة هذا البحث يحكم بوقوع التعارض بين الروايات أو بإمكان الجمع العرفي بينها في الجملة.

ص: 9

وفي الخاتمة - كما في كل عدد تحل مخطوطةٌ من التراث ضيفة يزينها عمل التحقيق ليكون جواز عبورها للنشر، وحيث يصل المطالع إلى هذه الزاوية من المجلة يكون قد تنفس عميقاً من تعب القراءة بنكهة المعاصرة لينتقل إلى لون آخر من آثار الخالدين ليقلب نظره في أثر من مؤلفات علمائنا الماضين (رضوان الله علیهم)، وهو في هذا الإصدار مخطوطة لحاشية الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني (قدس سرهما) على أصل كتاب (خلاصة الأقوال) للعلامة الحلي (قدس سره) وعلى حاشية والده الشهيد الثاني أيضاً، وهي فرصة لأهل الفضل يتعرفون من خلالها على ثاقب نظر مؤلّفها وخبرته في مجال نقد رجال الحديث وأسانيده التي تظهر جلية في باقي مؤلفات هذا العيلم.

ختاماً نتمنى أن يُتلقى هذا العدد بالقبول كالأعداد السابقة، والشكر والعرفان موصول إلى الهيئة العلمية المتابعة لاستيفاء البحوث للضبط العلمي العام والأسس الرصينة للبحث، كما تقيم المجلة عالياً همم الباحثين في رفدهم المجلة بالبحوث المتنوعة، ونأمل ممن لم يسعفهم الوقت أو حالت بينهم وبين إكمال بحوثهم الا م الأحداث والموانع أن يحثوا الخطى لنرى بحوثهم في الأعداد القادمة للمجلة إن شاء الله تعالى، وما توفيقنا إلا بالله عليه نتوكل وإليه ننيب.

هيئة التحرير

النجف الأشرف / جمادى الآخرة 1443 ﻫ.

ص: 10

وحدة أو تعدد سورتي الضحى والانشراح وسورتي الفيل وقريش - الشيخ محمد الجعفري (دام عزه)

اشارة

قد اشتهر بين فقهائنا بل ادّعي عليه الإجماع أنَّ سورتي (الضحى وألم نشرح) سورة واحدة، وكذا سورتي (الفيل وقريش). وبناءً على هذا فلا يجتزأ في الفريضة إلَّا بقراءة كليهما بناءً على وجوب قراءة سورة كاملة فيها.

وفي المقابل هناك من قال إنَّ كُلَّ واحدة من السور الأربع سورة برأسها. وعليه فتكفي قراءة إحداها في الفريضة.

وبين يدي القارئ الكريم بحث يتناول هذه المسألة بالتفصيل في ضوء المدرستين.

ص: 11

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا وآله الطيّبين الطاهرين.

من المسائل الابتلائية الكثيرة الدوران مسألة وجوب قراءة سورة تامّة بعد الفاتحة - على القول بذلك - ومن السور التي وقعت محلَّاً للخلاف هي سور الضحى والانشراح، والفيل ولإيلاف، فقد قيل إنَّ الأُولتين سورة واحدة وكذا الأخيرتين، وقيل بل كلٌّ منها سورة على حدّة. وعليه فإذا أراد المكلّف أن يقرأ سورة الضحى فهل يُكتفى بها أم لا بُدَّ من أن يضمّ إليها سورة الانشراح، وكذا إذا أراد أن يقرأ سورة الفيل فهل يُكتفى بها أم لا بُدَّ أن يضمّ إليها سورة لإيلاف؟

وهذا البحث معقود لتنقيح هذه المسألة.

ونعقد البحث في محورين رئيسين وخاتمة:

المحور الأوّل: الأقوال في المسألة.

المحور الثاني: أدلّة القولين.

الخاتمة: تتضمّن ملخّص البحث ونتيجته.

ص: 13

المحور الأوّل: الأقوال في المسألة

أقوال أهل السنّة

اشارة

قبل التعرّض لسرد أقوال علمائنا نعرض بإيجاز ما نقل من قول وفعل الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذا الشأن(1).

فنقول: إنَّه لم تطرح هذه المسألة في الفقه لدى أهل السنّة صريحاً في موضعها المناسب، وهو حدود القراءة في الصلاة، ولكن ذكر في مجموع تراثهم أقوال وأفعال قد تتعلّق بالمقام، وهو يدور حول نقطتين:

النقطة الأولى: الجمع بين السورتين في الصلاة

حكي ذلك عن جمع، فقد نقل عن عمر بن الخطّاب (ت 23ﻫ) أنَّه قد جمع بين سورتي الفيل ولإيلاف في صلاة المغرب(2)، ونقل عن أُبيّ(3) أنَّه قد جمع بين الضحى وألم نشرح في المكتوبة(4).

ونقل عن إبراهيم النخعيّ (ت 96ﻫ) أنَّه قرأ في صلاة المغرب الفيل ولإيلاف

ص: 14


1- ويأتي تفصيله لاحقاً إن شاء الله تعالى في الجواب عمّا قيل بأنَّ الرواية التي جاء فيها أنَّ الإمام (علیه السلام) قرأ بأحدهما أنَّها صدرت تقيّة.
2- يلاحظ: المصنّف لابن أبي شيبة: 1/ 393 - 394، باب ما يقرأ به في المغرب، ح5.
3- اختلف في وفاته فقيل توفي سنة 19، أو 20، أو 22، 30. يلاحظ: الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 181 - 182.
4- يلاحظ: المصنَّف للصنعانيّ: 2/ 149، باب قراءة السور في الركعة، ح2851.

ولم يفصل بينهما بالبسملة(1).

وقال سفيان بن عيينة (ت 198ﻫ): (كان لنا إمام يقرأ بهما متّصلة سورة واحدة)(2).

وهذا الموقف قد يتخرّج على القِران بين السورتين، وذلك أمر منقول عن غير واحد من الصحابة وغيرهم.

النقطة الثانية: التصريح بأنَّهما سورة واحدة، أو أنَّهما بمنزلة سورة واحدة، أو عدم الإتيان بالبسملة بينهما

نقل عن طاووس (ت 106ﻫ) وعمر بن عبد العزيز (ت 101ﻫ) أنَّهما كانا يقولان إنَّ سورتي الانشراح والضحى سورة واحدة، وكانا يقرآنهما ولا يفصلان بينهما بالبسملة(3).وقال النسفيّ (ت 537ﻫ): (وهما في مصحف أُبيّ سورة واحدة بلا فصل، ويروى عن الكسائيّ ترك التسمية بينهما)(4).

ونقل السمرقنديّ عن بعض المتقدّمين أنَّ سورتي الانشراح والضحى بمنزلة سورة واحدة، وكذلك الفيل ولإيلاف(5).

ص: 15


1- يلاحظ: أحكام القرآن: 1/ 16.
2- المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 5/ 524.
3- يلاحظ: التفسير الكبير (مفاتيح الغيب): 32/ 2.
4- مدارك التنزيل وحقائق التأويل: 4/ 358.
5- يلاحظ: بحر العلوم (تفسير السمرقنديّ): 3/ 569.

وقال المجاشعيّ (ت 479ﻫ): (لإيلاف قريش مكّيّة، وقبل ]أي سورة الفيل[ هما سورة واحدة)(1).

وقال القرطبيّ (ت671ﻫ): (قيل: إنَّ هذه السورة متّصلة بالتي قبلها في المعنى. يقول: أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش، أي لتأتلف، أو لتتّفق قريش، أو لكي تأمن قريش فتؤلّف رحلتيها. وممّن عدّ السورتين واحدة أُبيّ بن كعب، ولا فصل بينهما في مصحفه. وقال سفيان بن عيينة: كان لنا إمام لا يفصل بينهما، ويقرأهما معاً)(2).

ولكن في مقابل ذلك هناك بعض الرواة أثبت وجود البسملة بينهما في مصحف أُبيّ، كما سيأتي كلّ ذلك.

وأيضاً نقل عن إبراهيم النخعيّ أنَّه قرأ في المغرب بإيلاف قريش وحدها(3).

ص: 16


1- النكت في القرآن الكريم في معاني القرآن الكريم وإعرابه: 101.
2- الجامع لأحكام القرآن: 20/ 200.
3- يلاحظ: المصنّف لابن أبي شيبة: 1/ 394، باب ما يقرأ به في المغرب، ح15.

أقوال فقهاء الطائفة

اشاره

هذا، وأمّا كلمات فقهائنا - رضوان الله على الماضين منهم، وأدام الله ظلّ الباقين - فقد اختلفت في الوحدة وعدمها على أقوال:

القول الأوَّل: أنَّهما سورة واحدة حقيقة ولا تعاد البسملة بينهما

وهو صريح صاحب كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام)، حيث قال: (ولا تقرأ في صلاة الفريضة والضحى وألم نشرح، وألم ترَ كيف ولإيلاف.. فإنَّه قد نهي عن قراءتهما في الفرائض؛ لأنَّه روي أنَّ والضحى وألم نشرح سورة واحدة، وكذلك ألم ترَ كيف ولإيلاف سورة واحدة)، والشيخ الصدوق في الفقيه، حيث قال: (فإذا كبّرت تكبيرة الافتتاح فاقرأ الحمد لله وسورة معها، موسّع عليك أيّ السور قرأتَ في فرائضك إلّا أربع سور، وهي سورة والضحى وألم نشرح؛ لأنَّهما جميعاً سورة واحدة، ولإيلاف وألم ترَ كيف؛ لأنَّهما جميعاً سورة واحدة، فإن قرأتهما كان قراءة الضحى وألم نشرح في ركعة واحدة، ولإيلاف وألم ترَ كيف في ركعة، ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع السور في ركعة فريضة)(1)، والشيخ الطوسيّ والشيخ الطبرسيّ والمحقّق - في بعض كتبه - وابن سعيد والمحقّق البحرانيّ وكاشف الغطاء، وآخرين(2).

ص: 17


1- ومنه يعلم أنَّ ما قاله المحقّق التستريّ (طابَ ثَرَاهُ) من عدم العثور على قول للصدوق في المسألة منشؤه عدم الوقوف على هذه العبارة. يلاحظ: النجعة في شرح اللمعة: 2/ 272.
2- يلاحظ: الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام): 112 - 113، من لا يحضره الفقيه: 1/ 306، ذيل ح921، الاستبصار في ما اختلف من الأخبار: 1/ 317، باب القِران بين السورتين في الفريضة، ذيل حديث: 4، تفسير مجمع البيان: 10/ 387، 449، المختصر النافع: 31، شرائع الإسلام: 1/ 66، الجامع للشرائع: 81، الحدائق الناضرة: 8/ 206 - 207، كشف الغطاء: 3/ 178، نهاية التقرير في مباحث الصلاة (تقرير البروجرديّ للنكرانيّ): 2/ 167 - 171.
القول الثاني: أنَّهما سورة واحدة حقيقة وتعاد البسملة بينهما

ذهب إلى هذا القول ابن إدريس والعلّامة في بعض كتبه، وكذلك الشهيد الأوَّل في اللمعة، وأيضاً المحقّق والشهيد الثانيان، والشيخ حسين بن عبد الصمد، والمحقّق الوحيد البهبهانيّ، والمحقّق القمّيّ، والمحقّق النراقيّ وآخرون(1).

القول الثالث: أنَّهما سورتان حقيقة وإن عبّر بعضهم أنَّهما بحكم السورة الواحدة فتجب قراءتهما معاً مع البسملة بينهما

وهذا القول ذهب إليه ابن إدريس في المنتخب من التبيان، ويظهر من المحقّق في المعتبر، والعلّامة في المنتهى، والشهيد الأوّل في الدروس، وابن أبي جمهور،

ص: 18


1- يلاحظ: السرائر الحاوي: 1/ 220 - 221، إرشاد الأذهان: 1/ 254، تحرير الأحكام: 1/ 246، تذكرة الفقهاء: 3/ 149 - 150 مسألة: 233، نهاية الإحكام: 1/ 468، اللمعة الدمشقيّة: 29، حاشية شرائع الإسلام المطبوعة ضمن حياة المحقّق الكركيّ وآثاره: 10/ 160، المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة: 252، حاشية شرائع الإسلام: 96، شرح الألفيّة للشيخ حسين ابن عبد الصمد: ورقة 140 - 141 (مخطوط)، مصابيح الظلام: 7/ 321 - 326، غنائم الأيّام: 2/ 512 - 513، مناهج الأحكام: 250 - 251، مستند الشيعة: 5/ 126 - 131، النجعة في شرح اللمعة: 2/ 270 - 272، منهاج الصالحين للسيّد محمّد صادق الروحانيّ: 1/ 173 - 174 مسألة: 605.

والمحقّق والشهيد الثانيين في بعض كتبهما، والسيّد الصائغ، والسيّد صاحب المدارك، والشيخ البهائيّ، وآخرين(1).

وممّن ذهب إلى أنَّهما بحكم السورة الواحدة - والذي معناه أنَّهما اثنتان حقيقة - ابن فهد والمحقّق الكركيّ في بعض كتبهما، وآخرون(2).

ص: 19


1- يلاحظ: المنتخب من تفسير القرآن والنكت المستخرجة من كتاب التبيان: 2/ 387، المعتبر: 2/ 187 - 188، منتهى المطلب: 5/ 83، الدروس الشرعيّة: 1/ 173، الأقطاب الفقهيّة: 86، جامع المقاصد: 2/ 262 - 263، الروضة البهيّة: 1/ 613، روض الجنان: 2/ 714 - 715، فوائد القواعد: 178، مسالك الأفهام: 1/ 211، مجمع البيان في شرح إرشاد الأذهان (مخطوط): ورقة 92، مدارك الأحكام: 3/ 378، الاثنا عشرية للشيخ البهائيّ: 64، روضة المتّقين: 2/ 286 - 287، ذخيرة المعاد: 1ق2/ 279 - 280، الوافي: 8/ 682.
2- يلاحظ: رسالة المحرّر في الفتوى المطبوعة ضمن الرسائل العشر لابن فهد: 156، الرسالة الجعفريّة المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الكركيّ: 1/ 109، شرح الألفيّة المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الكركيّ: 3/ 267، العروة الوثقى: 2/ 502، مسألة: 9، وسيلة النجاة مع تعليقة السيّد الخمينيّ: 150، مسألة: 6، وسيلة النجاة مع تعليقة السيّد الگلپايگانيّ: 149 - 150، مسألة: 6، منهاج الصالحين للسيّد محسن الحكيم: 1/ 228، مسألة: 37، تحرير الوسيلة: 1/ 165، مسألة: 6، منهاج الصالحين للسيّد الخوئيّ: 1/ 164، مسألة: 605، هداية العباد للسيّد الگلپايگانيّ: 1/ 151، مسألة: 763، منهاج الصالحين للسيّد محمّد الروحانيّ: 1/ 177، مسألة: 578، كلمة التقوى للشيخ زين الدين: 1/ 411، مسألة: 429، الأحكام الواضحة للشيخ اللنكرانيّ: 148 - 149 مسألة: 619، منهاج الصالحين للشيخ الوحيد: 2/ 182، مسألة: 605، هداية العباد للشيخ الصافي الگلپايگانيّ: 1/ 129، مسألة: 763.
القول الرابع: أنَّهما بحكم السورة الواحدة ولا تعاد البسملة بينهما

نسبه الفاضل الآبيّ إلى الشيخ في التبيان والاستبصار.

ولكنَّ في هذه النسبة تأمّلاً، حيث تقدّم في القول الأوّل أنَّ الشيخ اختار في الاستبصار أنَّهما سورة واحدة حقيقة لا حكماً، وأمّا في التبيان فقد نقل الرواية وعقّبها أنَّهما في المصحف سورتان فصل بينهما بالبسملة، حيث قال (طابَ ثَرَاهُ): (روى أصحابنا أنَّ ألم نشرح والضحى سورة واحدة؛ لتعلّق بعضها ببعض، ولم يفصلوا بينهما ب-(بسم الله الرحمن الرحيم)، وأوجبوا قراءتهما في الفرائض في ركعة وألّا يفصل بينهما. ومثله قالوا في سورة (ألم ترَ كيف) و(الإيلاف). وفي المصحف هما سورتان فصل بينهما ببسم الله)(1).

وممّن ذهب إلى هذا القول السيّد محمّد صادق الروحانيّ(2).

القول الخامس: يجب قراءتهما معاً

وهذا القول صرّح به الفاضل الهنديّ وبعض الأعلام(3).

القول السادس: يجب قراءتهما معاً وتعاد البسملة بينهما، لكن هل هما سورتان أم سورة واحدة؟ لم يظهر

وهذا القول ذهب إليه الشهيد الثاني في بعض كتبه، والسيّد الخوئيّ في تقريرات

ص: 20


1- يلاحظ: كشف الرموز: 1/ 158، الاستبصار في ما اختلف من الأخبار: 1/ 317، باب القِران بين السورتين في الفريضة، ذيل حديث: 4، التبيان في تفسير القرآن: 10/ 371.
2- يلاحظ: فقه الصادق (علیه السلام): 4/ 437 - 439.
3- يلاحظ: كشف اللثام: 4/ 40، توضيح المسائل للشيخ بهجت: 196، مسألة: 811.

بحثه الشريف، والسيّد محمّد سعيد الحكيم(1).

القول السابع: تجوز قراءتهما معاً مع البسملة بينهما استثناءً من حرمة القِران، كما يجوز أن يكتفى بقراءة إحداهما

وممّن صرّح أنَّهما متّحدتان حكماً(2) شيخ الشريعة في تقريرات بحثه الشريف(3).

وممّن قال بأنَّهما مستثنيتان من حرمة القِران العلّامة في المختلف، والشيخ عبد الكريم الحائريّ(4).

وممّن قال إنَّه يكتفى بقراءة إحداهما المحقّق الأردبيليّ، والشيخ البهائيّ، والفيض الكاشانيّ، والعلّامة المجلسيّ الثاني، وآخرون(5).

القول الثامن: أنَّهما بحكم سورة واحدة، والاكتفاء بإحداهما خلاف الاحتياط

وهذا القول ذهب إليه السيّد عبد الله الجزائريّ(6).

ص: 21


1- يلاحظ: الحاشية الأولى على الألفيّة: 535، مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 3/ 353 - 360، منهاج الصالحين للسيّد محمّد سعيد الحكيم: 1/ 205، مسألة: 187.
2- ومعنى الاتّحاد الحكميّ أنَّهما متعدّدان حقيقة.
3- يلاحظ: أحكام الصلاة (تقرير بحث شيخ الشريعة للشيخ محمّد حسين السبحانيّ): 68.
4- يلاحظ: مختلف الشيعة: 2/ 153، كتاب الصلاة (للمحقّق الشيخ عبد الكريم الحائريّ): 169.
5- يلاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: 2/ 243 - 244، الحبل المتين (ط. ق): 226 - 227، مشرق الشمسين: 388، مفاتيح الشرائع: 1/ 131 - 132، ملاذ الأخيار: 3/ 516، منهاج الصالحين للشيخ الفيّاض: 1/ 251، مسألة: 613.
6- يلاحظ: التحفة السنيّة في شرح النخبة المحسنيّة: 135 (مخطوط).
القول التاسع: من يظهر منه الاتّحاد والتوقّف في إعادة البسملة

وهذا القول ذهب إليه صاحب الجواهر(1).

القول العاشر: أنَّهما متّحدتان موضوعاً، وقراءة البسملة بينهما احتياطاً بنحو القربة المطلقة

هذا القول ذهب إليه المحقّق النائينيّ(2).

القول الحادي عشر: التوقّف في المسألة، وما يؤدّي مؤدّاه من الاحتياط الوجوبيّ

وهذا القول ذهب إليه المحقّق الداماد (قدس سره)، وأيضاً بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی)، والسيّد الشهيد الصدر في تعليقته على منهاج السيّد محسن الحكيم (رضوان الله علیهما)(3).

ص: 22


1- يلاحظ: جواهر الكلام: 10/ 20 - 24.
2- يلاحظ: كتاب الصلاة (تقرير بحث المحقّق النائينيّ للعلّامة الكاظميّ): 2/ 120.
3- يلاحظ: كتاب الصلاة (تقرير بحث المحقّق الداماد للآمليّ): 4/ 181 - 183، تعليقة العروة الوثقى للسيّد السيستانيّ: 2/ 131، تعليقة: 441، منهاج الصالحين له: 1/ 207، مسألة: 605، منهاج الصالحين للسيّد محسن الحكيم: 1/ 228، مسألة: 37، تعليقة: 140.

المحور الثاني: أدلّة القولين

اشارة

نعرض في هذا المحور أدلّة القول بتعدّد السورتين حقيقة، وأدلّة القول بوحدتهما كذلك، ومنه يظهر الحال في الاستدلال لبقيّة الأقوال.

أوّلاً: أدلّة القول بتعدّد السورتين حقيقةً

الدليل الأوّل: الفصل بين السورتين في المصحف بالبسملة

فإنَّ الظاهر أنَّ مصاحف المسلمين منذ الأوّل كانت تشتمل على التفريق بينهما، كما يدلّ عليه أنَّهم ذكروا أنَّ مصحف أُبيّ كان لا يشتمل على ذلك، ممّا يدلّ على خصوصيّته.

بل قد يقال: إنَّ جمع المصاحف على مصحف واحد في زمان عثمان مع الفصل بين هذه السور بالبسملة كان باطّلاع الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، ولو كان له موقف مخالف (صلوات الله عليه) لوصل إلينا.

وقد يستدلّ أيضاً بمصاحف أهل البيت (علیهم السلام)، فقد حكى الشيخ البهائيّ مشاهدته للمصاحف المنسوبة إلى أهل البيت (علیهم السلام) بقوله: (وما تشرّفنا بمشاهدته في مشهد مولانا وإمامنا أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا (علیه السلام) من المصاحف التي قد شاع وذاع في تلك الأقطار أنَّ بعضها بخطّه (علیه السلام)، وبعضها بخطّ آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين يؤيّد ما قلناه من التعدّد، فإنَّ الفصل في تلك المصاحف بين

ص: 23

كلٍّ من تلك السور الأربع وصاحبتها على وتيرة الفصل بين البواقي)(1).

أمّا القول بكونهما سورة واحدة تعويلاً على أنَّ أُبيّ لم يفصل بينهما في مصحفه فتفصيل الكلام فيه:

إنَّ أوَّل من عثرنا على تصريحه بذلك من علمائنا هو ما ذكره الشيخ الطبرسيّ بقوله: (وروي أنَّ أُبيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه)(2).

وأيضاً نقل ذلك بعض مفسّري العامّة في خصوص سورة الفيل والإيلاف، ونسرد بعضها..

1. قال الزمخشريّ (ت 538ﻫ): (وهما في مصحف أُبيّ سورة واحدة بلا فصل)(3).

2. قال ابن عطيّة الأندلسيّ (ت 542ﻫ): (وهذه السورة متّصلة في مصحف أُبيّ ابن كعب بسورة (لإيلاف قريش) لا فصل بينهما)(4).

3. قال ابن حجر (ت 852ﻫ): (قيل: اللام متعلّقة بالقصة التي في السورة التي قبلها. ويؤيّده أنّهما في مصحف أُبيّ بن كعب سورة واحدة)(5). وغيرهم(6).

ص: 24


1- مشرق الشمسين: 388.
2- مجمع البيان في تفسير القرآن: 10/ 449.
3- الكشاف: 4/ 287.
4- المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 5/ 524.
5- فتح الباري: 8/ 561.
6- يلاحظ: الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبيّ ت671ﻫ): 20/ 200، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاويّ ت710ﻫ): 5/ 340.

ويجاب عن هذا..

أوَّلاً: بمعارضة ذلك بالفصل بينهما في باقي مصاحف الأمّة(1).

وقد ذكر الشيخ البهائيّ (طابَ ثَرَاهُ) بأنَّ عدم الفصل في مصحف أُبيّ لعلّه سهو منه، مضافاً إلى أنَّه لا يصلح معارضاً لسائر مصاحف الأمّة، ثُمَّ ذكر ما تقدّم نقله عنه(2) من مشاهدته للمصاحف الموجودة في مشهد الإمام الرضا (علیه السلام) (3).

وثانياً: أنَّ هناك جمعاً من الرواة أثبتوا وجود البسملة في مصحف أُبيّ(4).

وثالثاً: لا حجّة في مصحف أُبيّ، فإنَّه قد اشتمل على مخالفات كثيرة لمصاحف الصحابة قد ذكرت في مظانّها(5).

ص: 25


1- قال محمّد بن جرير الطبريّ: (وفي إجماع جميع المسلمين على أنَّهما - أي سورتي الفيل والإيلاف - سورتان تامّتان كلّ واحدة منهما منفصلة عن الأخرى). جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 30/ 395. مضافاً إلى ما ذكرناه في صدر الدليل الأوّل من جمع المصاحف في عهد عثمان وكان ذلك بمرأى من أمير المؤمنين (علیه السلام).
2- يلاحظ: ص 23.
3- يلاحظ: مشرق الشمسين: 388.
4- يلاحظ: روح المعاني (تفسير الآلوسيّ): 30/ 238. قال: (وأجيب بأنَّ جمعاً أثبتوا الفصل في مصحف أُبيّ، والمثبت مقدّم على النافي. وبأنَّ خبر ابن ميمون - إن سلّمت صحّته - محتمل لعدم سماعه، ولعلّه قرأها سرّاً. ويدلّ على كونها سورة مستقلّة ما أخرج البخاريّ..).
5- ولنذكر طرفاً من تلك الموارد: 1. قوله تعالى: ﴿قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ عامّة القرّاء قرأوها بفتح الطاء، وقرأه بعض متأخّري القرّاء: (قطعاً) بسكون الطاء، قال الطبريّ: (ويعتل لتصحيح قراءته ذلك كذلك أنَّه في مصحف أُبيّ: (ويغشى وجوههم قطع من الليل مظلم)). يلاحظ: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (للطبريّ ت310ﻫ): 11/ 145. 2. قوله تعالى: ﴿يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (يوفّيهم الله الحقّ دينهم). يلاحظ: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 18/ 141. 3. قوله تعالى: ﴿أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾، وفي مصحف أُبيّ: (أن بوركت النار ومن حولها). يلاحظ: تفسير القرآن العظيم (لابن أبي حاتم الرازيّ ت327ﻫ): 9/ 2846. 4. قوله تعالى: ﴿إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ وفي مصحف أُبيّ: (إنْ هذان إلَّا لساحران). يلاحظ: بحر العلوم (تفسير السمرقنديّ): 2/ 404. 5. قوله تعالى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (أتبدلون). 6. قوله تعالى: ﴿تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾، وفي مصحف أُبيّ: (تشابهت). 7. قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (منها الأنهار). 8. قوله تعالى: ﴿أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (على الحياة). 9. قوله تعالى: ﴿نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (فلا تكفر سبع مرات). 10. قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (إلَّا من كان يهوديّاً أو نصرانيّاً). 11. قوله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (خيّفاء). من تسلسل 5 - 11 يلاحظ: الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبيّ ت427ﻫ): 1/ 205، 218، 221، 238، 248، 259، 261. 12. قوله تعالى: ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (ويستشهد الله). يلاحظ: الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 2/ 122. 13. قوله تعالى: ﴿طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (طيب). يلاحظ: الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 3/ 246. 14. قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (المعزى). يلاحظ: الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 4/ 200. 15. قوله تعالى: ﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (فانهارت به قواعده). يلاحظ: الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 5/ 95. 16. قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا﴾، وفي مصحف أُبيّ: (فخاف ربّك). 17. قوله تعالى: ﴿وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾، وفي مصحف أُبيّ: (ولو جئنا بمثله مداداً). 18. قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾، وفي مصحف أُبيّ: (أكاد أُخفيها من نفسي). 19. قوله تعالى: ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (فرددناك إلى أمِّك). من تسلسل 16 - 19 يلاحظ: الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 6/ 187، 202، 241، 244. 20. قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾، وفي مصحف أُبيّ: (إحساناً). يلاحظ: الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 7/ 271. 21. قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾، مَرَّ عمر بغلام وهو يقرأ في المصحف وفيه بعد أمّهاتهم: (وهو أب لهم)، فأمر عمر الغلام بحكّها، فقال الغلام: هذا مصحف أُبيّ، فذهب عمر إليه يسأله فأجابه: (إنّه كان يلهيني القرآن، ويُلهيكَ الصفق في الأسواق). يلاحظ: الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 8/ 8 - 9. 22. قوله تعالى: ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾، وفي مصحف أُبيّ: (وحوراً عيناً). يلاحظ: الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 9/ 205. 23. وقوله تعالى: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ في مصحف أُبيّ: (وَأكْفَلَهَا) بالألفِ. يلاحظ: الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبيّ ت671ﻫ): 4/ 70.

ص: 26

ص: 27

الدليل الثاني: أنَّ مقتضى تسمية كلّ سورة من السور الأربع باسمٍ خاصّ بها أن تكون سورة برأسها
اشارة

ذلك أنَّ من المتعارف بين المسلمين تسمية كلّ سورة من السور الأربع باسمٍ خاصّ، فتسمّى ب-(والضحى) و(ألم نشرح)، و(الفيل)، و(لإيلاف قريش)، ولم يقع أن تسمّى السورتان الأُولتان ب-(والضحى) لأنَّ (ألم نشرح) ذيلها، ولا الأخيرتان ب-(الفيل) لأنَّ (لإيلاف قريش) ذيلها.

هذا، وتسمية كلٍّ من هذه السور باسم خاصّ مشهود حتّى في الروايات التي تضمّنت أنَّهما سورة واحدة - وسيأتي ذكرها(1) - حيث ورد فيها - مثلاً - أنَّ (الضحى وألم نشرح لك سورة واحدة).

وكذلك ما تضمّن ذكرها معها، كما في خبر الصدوق بإسناده عن معاوية بن عمّار(2)، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (من أكثر قراءة والشمس والليل إذا يغشى،

ص: 28


1- يلاحظ: ص 44.
2- وعبّرنا بالخبر؛ لأنَّ فيه: 1. محمّد بن حسّان الرازيّ وضعّفه كلٌّ من ابن الغضائريّ في كتاب الرجال: 95، رقم: 138، والنجاشيّ في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 338، رقم: 903. 2. الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وضعّفه كلٌّ من الحسن بن عليّ ابن فضّال، وحمدويه بن نصير، كما في معرفة اختيار الرجال: 2/ 827، رقم: 1042، وابن الغضائريّ في كتاب الرجال: 51، رقم: 33، والنجاشيّ في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 36، رقم: 73.

والضحى وألم نشرح في يوم أو ليلة لم يبقَ شيء بحضرته إلّا شهد له يوم القيامة حتّى شعره وبشره ولحمه..)(1).

وهناك موردان آخران:

المورد الأوّل

ما نقله السيّد رضي الدين ابن طاووس في سعد السعود عن كتاب (تجزئة القرآن) لبعض العامّة: (..والسبع الرابع.. واقرأ باسم ربّك، والضحى، وألم نشرح..)(2).

المورد الآخر

ما نقله في موضع آخر من الكتاب نفسه: (اتّفقوا أنَّ سورة الماعون ثلاث آيات منها نزلت بمكّة وأربع آيات نزلت بالمدينة، واتّفقوا أنَّ ثمانية وسبعين سورة منها نزلت بمكّة، ثُمَّ ذلك على ضربين، أحدهما: أنَّ السورة كلّها نزلت بمكّة، والثاني: أنَّ السورة نزلت بالمدينة، ثُمَّ ذلك أيضاً على ضربين، أحدهما: السورة كلّها بالمدينة، والثاني: آيات منها نزلت بمكّة. فأمّا السورة التي نزلت كلّها بمكّة فهي تسع وأربعون سورة وهي.. والضحى وألم نشرح..)(3).

ومقتضى ذلك أن يكون كلٌّ منهما سورة برأسها.

ودعوى أنَّ هذه التسمية هي مثل تسمية بعض الآيات أو مجموعة منها باسم

ص: 29


1- ثواب الأعمال: 123.
2- يلاحظ: سعد السعود: 237 - 238، فصل فيما نذكره من هذا المجلّد من كتاب تجزئة القرآن تلخيص أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمّد بن عبد الله.
3- يلاحظ: سعد السعود: 281 - 282، فصل فيما نذكره من كتاب مجلّد..، باب ما اتّفقوا في نزوله من السور.

خاصّ مثل آية الكرسي، بعيدة؛ لأنَّها تقتضي عدم وجود اسم جامع لمجموع السورة أصلاً.

إن قيل: إنَّ التسمية قد حدثت في زمان متأخّر عن زمان النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم).

قلنا..

أوّلاً: أنَّ الذي قد يبدو من مجموع القرائن هو أنَّ السور كانت مسمّاة في زمانه (صلی الله علیه و آله و سلم)، وتعرف لدى الصحابة بأسمائها في مقام الإشارة إليها، ونحن نذكر أسماء بعض السور التي كانت مسمّاة في عصره (صلی الله علیه و آله و سلم) على سبيل المثال، فقد أخرج الطبريّ في تفسيره وعبّر عنه بأنَّه صحّ الخبر عن رسول (صلی الله علیه و آله و سلم) أنَّه قال في الفاتحة: (هي أمّ القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني)، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنّفه في شأن غزوة حنين أنَّ النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) نزل عن بغلة كان عليها فجعل يصرخ بالناس: (يا أهل سورة البقرة)(1).

وثانياً: أنَّ هذه التسمية ممّا جرت عليها سيرة المسلمين بمرأى ومشهد أئمّة أهل

ص: 30


1- جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 1/ 73، ح110، المصنّف لابن أبي شيبة: 8/ 552، غزوة حنين وما جاء فيها، ح9. ويلاحظ أيضاً: الإرشاد في معرفة حجّج الله على العباد: 1/ 142. ولملاحظة المزيد ممّا ورد في أسماء السور في زمانه (صلی الله علیه و آله و سلم) يلاحظ: الجامع الصحيح (صحيح مسلم): 2/ 37 - 42، باب القراءة في الظهر والعصر، باب القراءة في الصبح، باب القراءة في العشاء، سنن أبي داود: 1/ 183، باب في تخفيف الصلاة، ح790، ص: 186، باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر، ح807، ص: 187، باب قدر القراءة في المغرب، ح810، 811، 812، ص: 187، باب من رأى التخفيف فيها، ح813.

البيت (علیهم السلام) لاحقاً.

الدليل الثالث: الروايات التي تضمّنت التعبير عن كلّ من هذه السور بعنوان السورة

فيعبَّر عن سورة الضحى وحدها ب-(سورة والضحى)، وعن سورة (ألم نشرح) وحدها بسورة (ألم نشرح)، وسورة الفيل بسورة (ألم ترَ كيف)، وسورة قريش بسورة (لإيلاف قريش) فإنَّها ظاهرة في أنَّ كلّ واحدة منها سورة واحدة.

والروايات في ذلك كثيرة سوف نذكر بعضها في الأدلّة اللاحقة.

ولكن من جملتها: خبر محمّد بن سليمان في مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) في سؤال مشركي قريش للنبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) في شقّ القمر نصفين، وكذلك الشجرة، ومحلّ الشاهد: (فقال لهم النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم): نعم، وأنسئ أن يقول (إن شاء الله)، فانتظر جبريل (علیه السلام) عشرة أيّام، ثُمَّ عشرين يوماً، ثُمَّ ثلاثين يوماً لم يأته، فقال مشركوا قريش: إنَّ الذي كان يأتي محمّداً قد شنأه وقلاه. فلمّا كان ليلة الأربعين لبس رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) المسوح - وهو حجّة لمن لبس في هذه الأمّة المسوح - ودخل إلى مصلّاه ودعا، فهبط عليه جبريل، فقال: يا محمّد أقرأه: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾. واقرأ أيضاً: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾)(1).

الدليل الرابع: ما تضمّن التوصية بقراءة واحدة من هذه السور لوحدها

أو في ضمن الصلوات المستحبّة، كما في الروايات التالية:

ص: 31


1- مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (علیه السلام): 1/ 43 - 44، ما جاء حول أنَّ عليّاً أوّل من آمن برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ح13.

1. مرسلة الطبرسيّ في صلاة لوجع الصدر حيث جاء فيها: (أربع ركعات، يقرأ في كلّ ركعة: الحمد مرّة، وبعدها في الأولى: ألم نشرح مرّة، وفي الثانية: الإخلاص ثلاث مرّات، وفي الثالثة: والضحى مرّة..)(1).

2. مرسلة السيّد رضي الدين ابن طاووس عن النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم): (ومن صلّى في الليلة الثالثة والعشرين من رجب ركعتين بالحمد مرّة وسورة والضحى خمس مرّات، أعطاه الله بكلّ حرف..)(2).

3. مرسلة السيّد ابن طاووس في الاستخارة، حيث قال: (وجدت في كتاب عتيق فيه دعوات وروايات من طريق أصحابنا تغمّدهم الله جلّ جلاله بالرحمات.. وسورة والضحى سبع مرّات)(3).

4. مرسلة الكفعميّ، حيث ورد فيها: (وأمّا صلوات رجب فهي مأخوذة من كتاب مصباح الزائر للسيّد رضي الدين عليّ ابن طاووس قدّس الله سرّه، رواها سلمان الفارسيّ عن النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) لكلّ ليلة من لياليه صلاة منفردة.. وفي الثالث والعشرين: ركعتين بالحمد والضحى خمساً أُعطي بكلّ حرف وبكلّ كافر وكافرة درجة في الجنّة وثواب..)(4).

ص: 32


1- مكارم الأخلاق: 397، صلاة لوجع الصدر.
2- الإقبال بالأعمال الحسنة: 3/ 260، فصل فيما نذكره من عمل الليلة الثالثة والعشرين من رجب.
3- يلاحظ: فتح الأبواب: 263، الباب التاسع عشر في بعض ما رأيته من مشاورة الله جلّ جلاله برقعتين في الطين والماء.
4- البلد الأمين والدرع الحصين: 167 - 169، صلوات شهر رجب.
الدليل الخامس: ما ورد من الثواب على قراءة إحدى هذه السور

ومن الأمثلة على ذلك:

1. خبر سلمان (رضوان الله علیه).

وهو ما رواه الصدوق - بإسناد عامّيّ - في ثواب من صلّى أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام، وجاء فيها: (وفي الثالثة والضحى فله من الثواب كأنَّما أشبع جميع المساكين ودهنهم ونظّفهم)(1).

وعلّق (طابَ ثَرَاهُ) على الرواية في جانب آخر من مضمونها، ولكنّه لم يعلّق على قراءة سورة (والضحى) منفردة(2).

2. مرسلة الطبرسيّ، عن أُبيّ، عن النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: (ومن قرأ سورة والضحى كان ممّن يرضاه الله، ولمحمّد صلّى الله عليه وآله أن يشفع له، وله عشر حسنات بعدد كلّ يتيم وسائل)(3).

ص: 33


1- ثواب الأعمال: 77.
2- يلاحظ: ثواب الأعمال: 77 - 78. قال (قدس سره): (أقول في ذلك وبالله التوفيق: إنَّ هذا الثواب هو لمن كان إمامه مخالفاً لمذهبه فيصلّي معه تقيّة، ثُمَّ يصلّي هذه الأربع ركعات للعيد، فأمّا إذا كان الإمام إماماً من الله عزّ وجلّ واجب الطاعة على العباد فصلّى خلفه صلاة العيد لم يكن له أن يصلّي بعد ذلك صلاة حتّى تزول الشمس، وكذلك من كان إمامه موافقاً لمذهبه إن لم يكن مفروض الطاعة صلّى معه العيد لم يكن له أن يصلّي بعد ذلك صلاة حتّى تزول الشمس. والمعتمد أنَّه لا صلاة في العيدين إلّا مع الإمام، فمن أحبّ أن يصلّي وحده فلا بأس، وتصديق ذلك ما حدّثني به..)
3- يلاحظ: تفسير مجمع البيان: 10/ 379.

3. مرسلته الأخرى أيضاً عن أُبيّ، عن النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: (من قرأ سورة ألم نشرح أعطي من الأجر كمن لقي محمّداً

(صلی الله علیه و آله و سلم) مغتمّاً ففرّج عنه)(1).

4. مرسلته الثالثة عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (من قرأ في الفريضة (ألم ترَ كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل) شهد له يوم القيامة كلّ سهل وجبل ومدر بأنَّه كان من المصلّين، وينادي يوم القيامة مناد: صدقتم على عبدي، قبلت شهادتكم له، أو عليه. أدخلوا عبدي الجنّة، ولا تحاسبوه فإنَّه ممّن أحبّه، وأحبّ عمله. ومن أكثر قراءة (لإيلاف قريش) بعثه الله يوم القيامة على مركب من مراكب الجنّة حتّى يقعد على موائد النور يوم القيامة)(2).

الدليل السادس: ما دلّ على أنَّ الإمام (علیه السلام) قد قرأ إحدى السورتين في ركعة من الفريضة

كما في مرسلة ابن أبي عمير عن زيد الشحّام، وسيأتي ذكرها والكلام فيها سنداً ومتناً مفصّلاً(3).

الدليل السابع: دعوى سيرة المتشرّعة

ولكن يمكن المناقشة في ذلك: بأنَّه لا دليل على استنادها إلى قول المعصوم أو فعله أو تقريره، فلعلّها نشأت عمّا جرت عليه المصاحف المعروفة من اعتبارهما سورتين.

ص: 34


1- يلاحظ: تفسير مجمع البيان: 10/ 387.
2- يلاحظ: تفسير مجمع البيان: 10/ 441.
3- يلاحظ: ص 50.

والحاصل من أدلّة القول بتعدّد السورتين حقيقة: أنَّ التامّ منها هو الدليل الأوَّل والثاني والسادس، وأمّا الثالث والرابع والخامس فهي وإن كان قد يناقش فيها ولكنّها بمجموعها تعضد تلك الأدلّة.

مقتضى القاعدة.

هذا، ولا يخفى أنَّه إذا ثبت تعدّد السورتين كان مقتضى القاعدة الاجتزاء بكلّ واحدة منهما، وحرمة أو كراهة الجمع بينهما من جهة العمومات الفوقانيّة.

وما يمكن أن يكون عموماً فوقانيّاً روايتان معتبرتان:

الأولى: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ فقال: (لا، لكلّ سورة ركعة)(1)، وفي الاستبصار: (لكلّ ركعة سورة).

والأخرى: موثّقة زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة؟ فقال: (إنَّ لكلّ سورة حقّاً، فأعطها حقّها من الركوع والسجود)(2).

مضافاً إلى معتبرة منصور بن حازم، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): (لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر)(3).

ص: 35


1- تهذيب الأحكام: 2/ 70، باب كيفيّة الصلاة وصفتها..، ح22، الاستبصار: 1/ 314، باب أنَّه لا يقرأ في الفريضة بأقلّ من سورة ولا بأكثر منها، ح2.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 73، باب كيفيّة الصلاة وصفتها..، ح36.
3- الكافي: 3/ 314، باب قراءة القرآن، ح12.

وموثّقة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: (إنَّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، فأمّا النافلة فلا بأس)(1).

والمراد بالكراهة هنا الحرمة، لا الكراهة المصطلحة التي هي من الأحكام التكليفيّة الخمسة، بقرينة المقابلة مع النافلة. والكراهة الواردة في الروايات هي أعمّ من الكراهة التنزيهيّة والتحريميّة، ولا تحمل على إحداهما إلَّا بقرينة(2).

ويعضده ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن القرويّ، عن أبان، عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) اقرأ سورتين في ركعة واحدة؟ قال: (نعم). قلت: أليس يقال: أعطِ كلّ سورة حقّها من الركوع والسجود؟ فقال: (ذلك في الفريضة فأمّا في النافلة فليس به بأس)(3).

ص: 36


1- الكافي: 3/ 314، باب قراءة القرآن، ح10.
2- وقد حقّق هذا المطلب سيّدنا الأستاذ (دامت برکاته) في وسائل المنع من الإنجاب: 18 - 20، ودرس بحث الحجّ ليوم السبت الخامس من جمادى الأولى 1440ﻫ.
3- تهذيب الأحكام: 2/ 70، باب كيفيّة الصلاة وصفتها..، ح25، الاستبصار: 1/ 316 - 317، باب القِران بين السورتين في الفريضة، ح1. وهذه الرواية غير معتبرة من جهة القرويّ وهو (أحمد بن عبد الله) فإنَّه لا ذكر له في كتب الرجال.

ثانياً: أدلّة القول بوحدة السورتين حقيقة

اشارة

ونعرض عناوينها بإيجاز، ثُمَّ نتعرّض لتفصيلها إن شاء الله تعالى.

الدليل الأوّل: الإجماع وما يؤدّي مؤدّاه.

الدليل الثاني: الروايات الخاصّة.

الدليل الثالث: وحدة النزول.

الدليل الرابع: وحدة السياق.

تفصيل الكلام في هذه الأدلّة
الدليل الأوّل: الإجماع وما يؤدّي مؤدّاه

بتتبّع كلمات علمائنا (رضوان الله علیهم) - بحسب المصادر المتاحة - نجد أنَّ أوَّل من ادّعى ما يؤدّي مؤدّى الإجماع هو الشيخ الصدوق في الاعتقادات، حيث قال: (وعندنا أنَّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة، ولإيلاف وألم ترَ كيف سورة واحدة)(1).

وأوَّل من ادّعى الإجماع صريحاً عندنا هو السيّد المرتضى (قدس سره)، حيث قال في ما انفردت به الإماميّة من وجوب سورة كاملة في الفريضة: (ولا إفراد كلّ واحدة من سورة والضحى وألم نشرح عن صاحبتها، وكذلك إفراد سورة الفيل عن لإيلاف. والوجه في ذلك مع الإجماع المتردّد طريقة اليقين ببراءة الذمّة)(2).

ص: 37


1- الاعتقادات في دين الإماميّة: 84.
2- الانتصار: 146.

وبعده جاء الشيخ (قدس سره) فذكر ما يؤدّي مؤدّى الإجماع، قال في الاستبصار: (لأنَّ هاتين السورتين سورة واحدة عند آل محمّد (علیهم السلام)، وينبغي أن يقرأهما موضعاً واحداً، ولا يفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم في الفرائض)(1).

وقال في التهذيب: (وعندنا أنَّه لا يجوز قراءة هاتين السورتين إلَّا في ركعة)(2).

ثُمَّ ابن إدريس (قدس سره) صرّح بأنَّهما: (سورة واحدة عند أصحابنا)(3).

ثُمَّ العلّامة في كتبه المختلفة، ففي التحرير: (قال علماؤنا)(4)، وفي التذكرة: (عند علمائنا)(5)، وكذلك في النهاية(6).

أقول..

أوّلاً: أنَّ هذا الإجماع ليس بمحصَّل؛ لأنَّه لم تصلنا كلمات أرباب الفتاوى من القدماء كلّهم، فإنَّه لم تصلنا كلمات مثل ابن الجنيد وابن أبي عقيل والجعفيّ، ولا من قبلهم من الفقهاء في هذه المسألة مع عناية فقهائنا بنقل كلماتهم، كالمحقّق والعلّامة والشهيد الأوَّل الذين وصلت كتب القدماء إليهم، بل حتّى أنَّ الشيخ الكلينيّ (رضوان الله علیه) لم ينقل روايات المسألة، مع أنَّه في كتابه يسرد الروايات التي يعمل بها، والكتاب أُلِّف

ص: 38


1- الاستبصار: 1/ 317، باب القِران بين السورتين في الفريضة، ذيل ح4.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 72، باب كيفيّة الصلاة وصفتها..، ذيل ح32.
3- السرائر الحاوي: 1/ 220.
4- تحرير الأحكام: 1/ 246.
5- تذكرة الفقهاء: 3/ 149، مسألة: 233.
6- نهاية الإحكام: 1/ 468.

لكي يُعمل به(1).

وثانياً: أنَّه محتمل المدركيّة؛ لوجود روايات بمضمونه، فلا حجّة فيه.

الدليل الثاني: الروايات الخاصّة
اشارة

وهي أهمّ أدلّة المسألة التي استند إليها كلٌّ بحسب ما فهمه منها، وهي على قسمين:

الأوّل: المسانيد.

الثاني: المراسيل التي وردت بنفس مضمون الطائفة الثانية من المسانيد، فهي عين المسانيد كما يظهر بالمقارنة بينهما، وسنذكرها في ذيل الطائفة الثانية.

الروايات المسندة
اشارة

والروايات المسندة على طوائف ثلاث: فالطائفة الأولى تتضمّن أنَّهما سورتان ولكن يجمع بينهما، والثانية صريحة في أنَّهما سورة واحدة، والثالثة تتضمّن حكاية التفريق بينهما.

الطائفة الأولى: أنَّهما سورتان ولكن يجمع بينهما
اشارة

وهي روايتان:

الرواية الأولى
اشارة

رواية المفضّل بن صالح أبي جميلة(2). وهو ما رواه المحقّق (رضوان الله علیه)،

ص: 39


1- يلاحظ: مقدّمة الكافي: 1/ 8 - 9.
2- وإسناد الرواية إلى المفضّل بن صالح؛ لأنَّه مَن يروي عنه البزنطيّ، بقرينة باقي الأسانيد. يلاحظ على سبيل المثال: الكافي: 4/ 188، ح2، 229، ح2، 262، ح39، 389، ح3، وغير ذلك كثير.

عن جامع أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ، عن المفضّل، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: (لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلَّا الضحى وألم نشرح، وسورة الفيل ولإيلاف قريش)(1).

وقد نقلها الشيخ الطبرسيّ عن تفسير العياشيّ بقوله: (وروى العياشيّ بإسناده، عن المفضّل بن صالح، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته يقول: لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلَّا الضحى وألم نشرح، وألم ترَ كيف ولإيلاف قريش)(2).

والكلام فيها في الصدور والدلالة، ونقدّم الكلام في الدلالة؛ لأنَّه أخصر.

ودلالتها صريحة أوّلاً: في أنَّهما سورتان لا سورة واحدة؛ لأنَّ ظاهر الاستثناء هو الاستثناء المتّصل.

وثانياً: في النهي عن الجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلَّا هذه السور، فتكون مستثناة من كراهة أو حرمة القِران بين السورتين، وأمّا وجوب قراءتهما معاً فيحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة في المقام.

وأمّا في الصدور فما حكاه الطبرسيّ عن تفسير العياشيّ مرسلٌ؛ للإرسال الواقع بين العياشيّ والمفضّل؛ إذ لا يعلم طريقه إليه، بالإضافة إلى الإشكال في المفضّل نفسه(3).

ص: 40


1- المعتبر: 2/ 188.
2- مجمع البيان في تفسير القرآن: 10/ 449.
3- ضعّفه ابن الغضائريّ أشدّ تضعيف، وعدّه النجاشيّ في ضمن رجال غمز فيهم وضُعِّفوا. يلاحظ: الرجال: 88، رقم: 118، فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشيّ): 128، رقم: 332 في ترجمة جابر بن يزيد الجعفيّ.

وأمّا في السند إلى البزنطيّ فيمكن تصحيحه كما أفاده سيّدنا الأستاذ (دامت برکاته) في قبساته بوجوه ثلاثة لم يرتضِ (دامت برکاته) الأوّلين منها(1):

الوجه الأوّل

أنَّ المحقّق له طريق صحيح إلى جميع مرويات الشيخ الطوسيّ، وللشيخ الطوسيّ طريق معتبر إلى كتاب الجامع للبزنطيّ ذكره في الفهرست، فبالإمكان البناء على صحّة طريق المحقّق إلى هذه الرواية.

ولكن ناقش (دامت برکاته) في هذا الوجه بقوله: (ولكن قد مرّ مراراً أنَّ الطرق والأسانيد المذكورة في الفهارس هي في الغالب لعناوين الكتب والمصنّفات، وليست إلى نسخ معيّنة منها، فهي لا تجدي في تصحيح الكتب المستحصلة بالوجادة ونحوها. وأمَّا الإجازات فالأمر فيها أوضح؛ فإنَّها شرفيّة بحتة إلّا في ما صرّح فيها بخلاف ذلك. وعلى هذا فالوجه المذكور لا يفي بتصحيح الرواية المبحوث عنها)(2).

الوجه الثاني

أنَّ كتاب الجامع للبزنطيّ كان من الكتب المعروفة المشهورة المتداولة بين الأصحاب قبل زمان الشيخ الطوسيّ (قدس سره) إلى عصر متأخّر، ونقل عنه ابن إدريس ] (رحمة الله) في السرائر(3)، وأيضاً استطرف منه عدّة أحاديث في قسم المستطرفات(4). وأيضاً وصلت نسخته إلى المحقّق الحلّيّ (قدس سره)، ثُمَّ إلى الشهيد الأوّل (قدس سره) الذي نقل عنه

ص: 41


1- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 2/ 629 - 631.
2- قبسات من علم الرجال: 2/ 630.
3- يلاحظ: السرائر: 1/ 302.
4- يلاحظ: السرائر: 3/ 594 وما بعدها.

في مجموعته روايات كثيرة، بل إنَّ الكتاب كان موجوداً إلى عصر المجلسيّ الثاني(1).

والحاصل: إنَّ حال جامع البزنطيّ في ذلك العصر حال الكتب الأربعة ونحوها في العصور المتأخّرة، فلا حاجة إلى توفّر طريق إلى النسخة الواصلة منه إلى المحقّق (قدس سره)، كما لا حاجة في زماننا إلى وجود طريق إلى نسخة الكافي مثلاً(2).

وناقش (دامت برکاته) بهذا الطريق بقوله: (ولكن يصعب الوثوق بأنَّ هذا الكتاب كان مشهوراً في عصر المحقّق (قدس سره) إلى هذا الحدّ الذي يُستغنى به عن السند، والشواهد المذكورة ليست وافية بإثبات هذا المدّعى)(3).

الوجه الثالث

مقارنة ما أورده كلٌّ من المحقّق والشهيد الأوّل (طابَ ثَرَاهُما) عن جامع البزنطيّ بما ورد في الكتب الأربعة ونحوها عن أحمد بن أبي نصر، فإنَّه ممّا يقطع أنَّ كثيراً منه مستخرج من كتاب الجامع - الذي هو أهمّ وأشهر كتب البزنطيّ - وبالتالي قد يحصل الوثوق بأنَّ النسخة التي وصلت إلى العلمَين كانت بالفعل هي نسخة كتاب الجامع للبزنطيّ، فيعتمد على الروايات التي أورداها منها لهذه الجهة، فليتأمّل(4).

ويضاف وجه رابع - وقد ذكره (دامت برکاته) في محلّ آخر -: هو أن يتوفّر في الناقل مواصفات: منها: كونه خبيراً في مجال معرفة الكتب، وتشخيص مؤلّفيها، وتمييز

ص: 42


1- يلاحظ: بحار الأنوار: 107/ 175.
2- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 2/ 630 - 631.
3- قبسات من علم الرجال: 2/ 631.
4- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 2/ 631.

الصحيح من نسخها عن غيره، وأيضاً بأن يكون متثبّتاً في ما ينسبه من المؤلّفات إلى الأشخاص معتمداً في ذلك على القرائن الواضحة والشواهد الكافية دون الأمور الظنّيّة التي لا تُغني عن الحقّ شيئاً(1).

وهذه السمات متوفّرة في المحقّق (طابَ ثَرَاهُ).

إذن، هذه الرواية معتبرة إلى ابن أبي نصر البزنطيّ، لكن يبقى الإشكال في المفضّل.

ويلحق بما رواه المحقّق عن جامع البزنطيّ مرسلة العلّامة الطبرسيّ، وهي ما ذكره بقوله: (وعن الصادق (علیه السلام): لا تجمع بين سورتين في ركعة إلَّا الضحى وألم نشرح، وألم ترَ كيف ولإيلاف قريش)(2).

ومضمون هذه المرسلة هو نفس ما نقله المحقّق عن جامع البزنطيّ من رواية المفضّل بن صالح المتقدّمة، والكلام في دلالة هذه الرواية هو الكلام في تلك.

وهذا يؤيّد ما استظهرناه في تلك الرواية من أنَّها مستثناة من كراهة أو حرمة القِران بين السورتين.

ويضاف إلى الدلالة الإشكال السنديّ بالإرسال.

الطائفة الثانية: ما ورد فيها أنَّهما سورة واحدة
اشارة

وهي روايات ثلاث:

الأولى

رواية شجرة النبّال، وهو ما رواه السيّاريّ، عن البرقيّ، عن القاسم بن

ص: 43


1- يلاحظ: بحوث فقهيّة حول الذبح بغير الحديد: 142.
2- تفسير جوامع الجامع: 3/ 847.

عروة(1)، عن شجرة(2) أخي بشير النبّال، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): (ألم ترَ ولإيلاف سورة واحدة)(3).

الثانية

رواية المفضّل بن صالح أبي جميلة، وهو ما رواه السيّاريّ(4)، بقوله: (ومحمّد بن عليّ ]أبو سمينة[(5)، عن أبي جميلة، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: الضحى وألم نشرح لك سورة واحدة)(6).

ص: 44


1- ليس له توثيق صريح. نعم، يمكن توثيقه بناءً على كبرى وثاقة المشايخ الثلاثة؛ لرواية ابن أبي عمير عنه كما في النوادر: 91، ح214، الكافي: 2/ 232، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح6، 4/ 100 - 101، باب وقت الإفطار، ح2، وغيرها من الموارد.
2- وثّقه النجاشيّ في ترجمة ابنه بقوله: (عليّ بن شجرة بن ميمون بن أبي أراكة النبّال مولى كندة، [و] روى أبوه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام)، وأخوه الحسن بن شجرة روى، وكلّهم ثقات وجوه أجلّة). فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشيّ): 275، رقم: 720. وقال الشيخ في الأبواب: 224، رقم: 3018: (شجرة بن ميمون، أبي أراكة النبّال الوابشيّ، مولاهم الكوفيّ).
3- كتاب القراءات: 192، ح699.
4- قال النجاشيّ في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 80، رقم: 192: (أحمد بن محمّد بن سيّار أبو عبد الله الكاتب، بصريّ، كان من كُتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد (علیه السلام). ويعرف بالسيّاريّ، ضعيف الحديث، فاسد المذهب، ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيد الله. مجفوّ الرواية، كثير المراسيل).
5- ضعّفه علماء الرجال أشدّ تضعيف. يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 332، رقم: 894، اختيار معرفة الرجال: 2/ 823، رقم: 1032، 1033، الرجال لابن الغضائريّ: 94، باب الميم، رقم: 19.
6- كتاب القراءات: 183، ح661. وكلا الطريقين غير معتبر بالإضافة إلى السيّاريّ.
الثالثة

رواية أبي العبّاس البقباق، وهو ما رواه السيّاريّ أيضاً، بقوله: (روى البرقيّ ]محمّد بن خالد[، عن القاسم بن عروة، عن أبي العبّاس(1) ]الفضل بن عبد الملك البقباق[، عن أبي عبد الله (علیه السلام)). والمتن عين رواية المفضّل بن صالح أبي جميلة المتقدّمة؛ لذكر السيّاريّ إسنادهما معاً بمتن واحد.

ويلحق برواية البقباق هذه مرسلة الشيخ الطبرسيّ عنه - أي: البقباق -، قال: (وعن أبي العبّاس، عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: ألم ترَ كيف فعل ربّك ولإيلاف قريش سورة واحدة)(2).

ففي هذه الروايات تصريح بأنَّ (الضحى وألم نشرح لك سورة واحدة) وكذلك (ألم ترَ ولإيلاف)، لكن هل هما واقعاً كذلك؟ بمعنى أنَّ الله سبحانه وتعالى أنزلهما كذلك، والناس فرّقوا بينهما وجعلوهما سورتين، أم هما سورة واحدة في القراءة في الفريضة؟ القدر المتيقّن هو الثاني، والأوَّل لا قرينة عليه.

لكن هذه الروايات جميعاً غير نقيّة السند؛ لوجود السيّاريّ، والقاسم بن عروة على بعض المباني(3)، وأبي سمينة، والمفضّل بين صالح، والإرسال.

الروايات المرسلة
اشارة

والظاهر أنَّها تعبير آخر عن الروايات السابقة، وهي كالتالي:

ص: 45


1- ثقة عين، كما في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشيّ): 308، رقم: 843.
2- مجمع البيان في تفسير القرآن: 10/ 449.
3- وهو مبنى مَن يبني على عدم وثاقة مشايخ الثلاثة.
الرواية الأولى

مرسلة فقه الرضا التي تقدّم نقلها في القول الأوّل(1).

الرواية الثانية

مرسلة الشيخ في التبيان، قال: (روى أصحابنا أنَّ ألم نشرح والضحى سورة واحدة؛ لتعلّق بعضها ببعض، ولم يفصلوا بينهما ب(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ) وأوجبوا قراءتهما في الفرائض في ركعة وألّا يفصل بينهما. ومثله قالوا في سورة (ألم ترَ كيف) و(الإيلاف). وفي المصحف هما سورتان فصل بينهما ببسم الله)(2).

وهذه المرسلة معلّلة، ويظهر أنَّ هذا التعليل من الشيخ، فالرواية تنتهي بكلمة (واحدة)، ثُمَّ نقل عن الأصحاب أنَّهم أوجبوا قراءتهما معاً بدون الفصل بالبسملة.

وأمّا المقطع الثاني من الرواية فقد نسبه الشيخ إلى القيل وليس إلى الرواية، وفي نهاية الرواية قال: إنَّهما - أي: الفيل والإيلاف - سورتان في المصحف فُصل بينهما بالبسملة.

الرواية الثالثة

مرسلة الشيخ الطبرسيّ في مجمع البيان، قال: (وروى أصحابنا أنَّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة؛ لتعلّق إحداهما بالأخرى، ولم يفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم، وجمعوا بينهما في الركعة الواحدة في الفريضة، وكذلك القول في سورة ألم ترَ كيف ولإيلاف قريش. والسياق يدلّ على ذلك)(3).

ومضمون هذه المرسلة نفس مضمون مرسلة التبيان، لكنّ الشيخ قال:

ص: 46


1- يلاحظ: ص 17.
2- التبيان في تفسير القرآن: 10/ 371.
3- مجمع البيان في تفسير القرآن: 10/ 387.

(أوجبوا)، والشيخ الطبرسيّ قال: (جمعوا بينهما) والجمع لا يدلّ على وجوب قراءتهما معاً بخلاف ما نقله الشيخ في قوله (أوجبوا)، مع أنَّه من المحتمل أن يكون أحدهما مصحّفاً عن الآخر؛ لقرب رسم الخطّ.

وأيضاً ذكر الشيخ الطبرسيّ قرينة السياق دليلاً على الوحدة، وهو نفس ما ذكره الشيخ من تعلّق بعضها ببعض. ولكنَّه (قدس سره) لم ينقل في الأخيرتين أنَّهما سورتان في المصحف فُصل بينهما بالبسملة.

وعليه فإذا قلنا باتّحاد الروايتين فلا يحرز أنَّ الوارد فيها هل هو (أوجبوا) أو (جمعوا)؟ ومن ثَمَّ فلا يمكن الاستدلال بها في المقام على أنَّ السورتين الأُولتين المبحوث عنهما واحدة، وكذا الأخيرتين.

الرواية الرابعة

مرسلة الطبرسيّ في تفسير جوامع الجامع، قال: (وروي عن أئمّتنا (علیهم السلام): أنَّ (الضحى)، و(ألَم نشرح) سورة واحدة، وكذلك: (أَلَم ترَ كيف) و(لإيلاف) سورة واحدة)(1).هذه المرسلة قد جمعت بين روايات البقباق، والمفضّل بن صالح، وشجرة، ويأتي فيها نفس الكلام في تلك الروايات.

الرواية الخامسة

مرسلة المحقّق في الشرائع، قال: (روى أصحابنا أنَّ (الضحى) و(ألم نشرح) سورة واحدة. وكذا (الفيل) و(لإيلاف). فلا يجوز إفراد إحداهما من صاحبتها في كلّ ركعة. ولا يفتقر إلى البسملة بينهما، على الأظهر)(2).

ص: 47


1- تفسير جوامع الجامع: 3/ 803.
2- شرائع الإسلام: 1/ 66.

والظاهر أنَّها ليست رواية جديدة غير ما أرسله الشيخ في تبيانه، فالرواية تنتهي بكلمة: (لإيلاف)، ثُمَّ تبدأ فتواه (طابَ ثَرَاهُ) بقوله: (فلا يجوز إفراد إحداهما من صاحبتها في كلّ ركعة. ولا يفتقر إلى البسملة بينهما، على الأظهر).

يضاف إليها الإشكال السنديّ بالإرسال.

الطائفة الثالثة: ما تضمّنت التفريق بينهما
اشارة

وهي روايات:

الأولى: رواية داود الرقّيّ

وهو ما رواه قطب الدين الراونديّ مرسلاً عن داود الرقّيّ عن أبي عبد الله (علیه السلام): أنَّه (لمّا طلع الفجر، قام ]أيْ الإمام [ (علیه السلام) فأذَّن وأقام، وأقامني عن يمينه، وقرأ في أوَّل ركعة (الحمد والضحى)، وفي الثانية ب(الحمد وقل هو الله أحد) ثُمَّ قنت، ثُمَّ سلَّم وجلس)(1).

وهذه الرواية ضعيفة السند بالإرسال وبداود الرقّيّ، ولكن دلالتها تامّة على أنَّ الإمام (علیه السلام) قرأ في صلاة فريضة الفجر سورة الضحى فقط، ومعنى ذلك جواز إفرادها عن سورة الانشراح.

ولكن جزم المحقّق التستريّ بسقوط كلمة (ألم نشرح) بعد قوله: (والضحى)

ص: 48


1- الخرائج والجرائح: 2/ 630، فصل في أعلام الإمام جعفر بن محمّد الصادق (علیه السلام)، ح29، وسائل الشيعة (ط. آل البيت): 6/ 56، أبواب القراءة، باب أنَّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة وكذا الفيل، ح10.

جمعاً بين هذه الرواية وبين سائر الأخبار. وقال: (إنَّ السقط في النسخ كثير)(1).

ولكنّ ما جزم به محلّ تأمّل لا يخفى.

الرواية الثانية: رواية زيد الشحّام
اشارة

- وهي العمدة -، وقد رويت بصور ثلاث:

الصورة الأولى

ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد(2) عن فضالة(3) عن العلاء ]ابن رزين[ عن زيد الشحّام(4) قال: (صلّى بنا أبو عبد الله (علیه السلام) الفجر فقرأ والضحى وألم نشرح في ركعة)(5).

وسند هذه الصورة من الرواية معتبر كما تبيّن آنفاً.

ص: 49


1- النجعة في شرح اللمعة: 2/ 271.
2- وطريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في المشيخة معتبر: وهو (الشيخ المفيد والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه محمّد بن الحسن بن الوليد، وأخبرني به أيضاً أبو الحسين بن أبي جيد القمّيّ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد..). تهذيب الأحكام (المشيخة): 10/ 63 - 69.
3- نقل النجاشيّ عن الحسين بن يزيد السورائيّ أنَّه كان يقول: (الحسن شريك أخيه الحسين في جميع رجاله إلّا في زرعة بن محمّد الحضرميّ وفضالة بن أيّوب، فإنَّ الحسين كان يروي عن أخيه عنهما). فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي): 58، رقم: 136 - 137. وهذا لا يضرّ باعتبار الطريق.
4- وثّقه الشيخ في الفهرست. يلاحظ: الفهرست: 129، رقم: 298.
5- تهذيب الأحكام: 2/ 72، باب كيفيّة الصلاة وصفتها..، ح34، الاستبصار: 1/ 317، باب القِران بين السورتين في الفريضة، ح4.

وأمّا الدلالة فإنَّ غاية ما تدلّ عليه الرواية الأولى هو أنَّ الإمام (علیه السلام) قد جمع بين السورتين في صلاة الفجر، وهذا فعل يدلّ على الجواز، وهو أعمّ من الوجوب، فهو لرفع الحظر عن كراهة أو حرمة القِران بين السورتين، وأمّا الوجوب فيحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة في المقام.

الصورة الثانية

هو ما رواه الشيخ (رضوان الله علیه) في التهذيب عقيب الرواية المتقدّمة بقوله: (وروى هذا الحديث أحمد بن محمّد ]ابن عيسى[، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن زيد الشحّام، قال: صلّى أبو عبد الله (علیه السلام) فقرأ في الأولى والضحى، وفي الثانية ألم نشرح لك صدرك).

وعلّق على هذا الخبر بقوله: (فهذه الرواية تضمّنت أنَّه قرأهما في الركعتين، إلّا أنَّه ليس في الخبر أنَّه قرأهما في النافلة أو الفريضة، وإذا احتمل ذلك حملناه على النافلة)(1).

الكلام في هذه الرواية تارةً في السند، وأخرى في المتن، وثالثةً في الدلالة..

أمّا السند فهو تامّ إلى ابن أبي عمير، وتبقى الواسطة بينه وبين زيد الشحّام، فإذا قيل بكبرى أنَّ المشايخ الثلاثة لا يروون ولا يرسلون إلَّا عن ثقة فالسند تامّ، وأمّا إذا لم يبنَ على هذه الكبرى فلا يكون تامّاً.

نعم، يمكن حصول الاطمئنان بمعرفة الواسطة بين ابن أبي عمير وزيد الشحّام

ص: 50


1- تهذيب الأحكام: 2/ 72، باب كيفيّة الصلاة وصفتها، ح33، الاستبصار: 1/ 318، باب القِران بين السورتين في الفريضة، ح6.

بقرينة الأسانيد الأخرى، فقد توسّط بين ابن أبي عمير وزيد الشحّام في الكتب الحديثيّة كلٌّ من سيف بن عميرة(1)، حميد بن المثنّى أبي المغرا(2)، إبراهيم بن عبد الحميد(3)، عمّار بن مروان(4)، هشام بن سالم(5)، عمر بن أذينة(6)، عليّ بن إسماعيل(7)، أبي أيّوب

ص: 51


1- كما في المحاسن: 2/ 624، ح80، الكافي: 5/ 74، باب ما يجب من الاقتداء بالأئمّة (علیهم السلام) في التعرّض للرزق، ح4. وقد وثّقه النجاشيّ في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 189، رقم: 504، والشيخ في الفهرست: 140، رقم: 114.
2- كما في الكافي: 2/ 76، باب الورع، ح1. وقد وثّقه كلٌّ من النجاشيّ في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 133، رقم: 340، والشيخ في الفهرست: 114، رقم: 236.
3- كما في الكافي: 2/ 287، باب استصغار الذنب، ح1، علل الشرائع: 2/ 350، وثّقه الشيخ في الفهرست: 40، رقم: 12.
4- كما في الكافي: 3/ 101، باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة، ح3، تهذيب الأحكام: 1/ 159، باب حكم الحيض والاستحاضة والنفاس والطهارة من ذلك، ح27. وقد وثّقه النجاشيّ في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 291، رقم: 780.
5- كما في أمالي الصدوق: 672، ح903. وثّقه النجاشيّ في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 434، رقم: 1165.
6- كما في تهذيب الأحكام: 1/ 17، باب الأحداث الموجبة للطهارة، ح40. والرجل من الأجلّة.
7- كما في أمالي الصدوق: 476، ح641. وهو ابن عمّار، ابن أخي إسحاق بن عمّار بقرينة ما ورد في اختيار معرفة الرجال: 2/ 622، ح602، وقال النجاشيّ في ترجمة إسحاق بن عمّار: (كان من وجوه من روى الحديث). يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشيّ): 71، رقم: 169.

الخزّاز ]الخرّاز[(1)، معاوية بن عمّار(2)، محمّد بن مروان(3).

ومن هذا العرض يحصل الاطمئنان بكون الواسطة أحد هؤلاء، ولا قدح في أيّ واحد منهم، وعليه تكون الرواية معتبرة.

أمّا متن الرواية ففيه كلام؛ وذلك لأنَّ الموجود في المطبوع من التهذيب (صلّى)، ونقلها بعضهم عنه مع كلمة (بنا) - أي: صلّى بنا -.

والظاهر أنَّ ذلك خطأ؛ وذلك بقرينة أنَّ الشيخ حملها على النافلة، بينما لم يحمل الصورة الأخرى التي وردت فيها كلمة (بنا) على النافلة.

ومنه يظهر أنَّ نسخة الأصل من التهذيب لم تكن تشتمل على كلمة (بنا)، كما أنَّ مصدر الشيخ لم يكن يشتمل على كلمة (بنا).

نعم، الموجود في المطبوع من الاستبصار وكذلك جملة من المصادر الناقلة عن

ص: 52


1- كما في تهذيب الأحكام: 2/ 66، باب كيفيّة الصلاة وصفتها..، ح9. وهو إبراهيم بن عيسى وقيل (ابن عثمان)، وثّقه عليّ بن الحسن ابن فضّال والنجاشيّ والشيخ. يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 661، ح679، فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشيّ): 20، رقم: 25، الفهرست: 41، رقم: 13.
2- كما في تهذيب الأحكام: 7/ 80، باب ابتياع الحيوان، ح60. وهو من أعيان الطائفة كما في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشيّ): 411، رقم: 1096.
3- كما في الكافي: 4/ 445، باب إحرام الحائض والمستحاضة، ح4، تهذيب الأحكام: 5/ 388، باب من الزيادات في فقه الحجّ، ح3. وقد وثّقه النجاشيّ في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 360، رقم: 967.

الشيخ في التهذيب: (صلّى بنا)(1)، ولكنَّه أيضاً خطأ؛ لأنَّ الشيخ أيضاً حمل الرواية فيه على النافلة.

ومع وجود كلمة (بنا) تكون الرواية ناظرة إلى الفريضة، ومن دون وجودها يكون الفعل مجملاً، فيحتمل أن يكون الفعل المحكيّ فريضة، ويحتمل أن يكون نافلة، ولذلك لا يكون فيها غير حكم الفريضة إذا احتمل اختلافهما في المسألة كما بنى عليه الشيخ.

ومن المعلوم أنَّه بوجود كلمة (بنا) تكون الصلاة التي صلّاها الإمام (علیه السلام) جماعة لا نافلة، ومن المعلوم أنَّه لا جماعة في نافلة. وقد نبّه على ذلك بعض الأعلام(2).

وأمّا دلالة الرواية فهي - على ما هو الصحيح من خلوّها من كلمة (بنا) - تكون مجملة؛ إذ يحتمل أن تكون الصلاة نافلة، ويكون الإتيان بكلٍّ من السورتين في ركعة من باب الاجتزاء في النافلة ببعض السورة، ومن ثَمَّ لا يمكن التعدّي منها إلى الفريضة.

الصورة الثالثة

وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب(3)، عن

ص: 53


1- يلاحظ: الاستبصار: 1/ 318، باب القِران بين السورتين في الفريضة، ح6، مجمع الفائدة: 2/ 243، روضة المتّقين: 2/ 287، وسائل الشيعة: 4/ 743، ح3 (ط. الإسلاميّة)، 6/ 54 - 55، ح3 (ط. آل البيت)، الحدائق الناضرة: 8/ 205، مصابيح الظلام: 7/ 324، رياض المسائل: 3/ 419، مفتاح الكرامة: 7/ 192، مستند الشيعة: 5/ 129، جواهر الكلام: 10/ 23.
2- يلاحظ: مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 3/ 357.
3- والطريق إلى محمّد بن عليّ بن محبوب في المشيخة معتبر؛ إذ طريقه هو: (الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن أبيه محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عليّ بن محبوب). تهذيب الأحكام (المشيخة): 10/ 72.

أحمد بن محمّد ]ابن عيسى[، عن الحسين ]ابن سعيد[، عن فضالة، عن حسين ]ابن عثمان[(1)، عن ]عبد الله[ ابن مسكان، عن زيد الشحّام، قال: (صلّى بنا أبو عبد الله (علیه السلام) فقرأ بنا بالضحى وألم نشرح).

قال الشيخ (طابَ ثَرَاهُ): (فليس في هذا الخبر أنَّه قرأهما في ركعة أو ركعتين، وعندنا أنَّه لا يجوز قراءة هاتين السورتين إلّا في ركعة، وإذا لم يجز ذلك حملناه على أنَّه قرأهما في ركعة)(2).

وعقّب هذا الخبر في الاستبصار بقوله: (لأنَّه ليس في هذا الخبر أنَّه قرأهما في ركعة أو ركعتين، فإذا كان هذا الراوي بعينه قد روى هذا الحكم بعينه وبيَّن أنَّه قرأهما في ركعة واحدة فحمل هذه الرواية المطلقة على ما يطابق ذلك أولى)(3).

والكلام في هذه الرواية تارةً في السند، وأخرى في الدلالة..

أمّا السند فالرواية معتبرة لا غبار عليها.

وأمّا الدلالة فما ذكره الشيخ في التهذيب من إجمال الرواية يبتني على مقدّمتين:

ص: 54


1- الحسين بن عثمان في هذه الطبقة مشترك بين اثنين: (ابن شريك) و(الأحمسيّ) وكلاهما وثّقهما النجاشيّ في فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 53 - 54، رقم: 119، 122. وراوي كتابهما ابن أبي عمير.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 72، باب كيفيّة الصلاة وصفتها..، ح32.
3- الاستبصار: 1/ 318، باب القِران بين السورتين في الفريضة، ذيل ح5.

الأولى: أنَّه ليس في الرواية دلالة على أنَّه قرأهما في ركعة أو ركعتين.

الثانية: لا يجوز عندنا - وكأنّ هذا يشير إلى إجماع الإماميّة - إفراد هاتين السورتين في الفريضة.

ونتيجة ذلك أنَّه قرأهما في ركعة واحدة.

وأمّا في الاستبصار فقال بحمل هذه الصورة المجملة من الرواية على الرواية المبيَّنة لوقوع ذلك في ركعتين، كما مرّ في الصورة الثانية.

والكلام مع الشيخ (رضوان الله علیه) يقع تارة في ما ذكره في التهذيب، وأخرى في ما ذكره في الاستبصار.

أمّا في ما ذكره في التهذيب فيمكن المناقشة فيه بأنَّ المقدّمة الأولى غير تامّة؛ وذلك لاقتصار الراوي في ذكر السور التي قرأها الإمام (علیه السلام) على قراءته لهاتين السورتين، فلو كان قد قرأ السورتين في ركعة واحدة لذكر ما قرأه في الركعة الأخرى، ومقتضى ذلك أنَّه (علیه السلام) قرأ في كلّ ركعة مع الحمد إحدى السورتين.

ويشهد لما اخترناه في هذه المعتبرة رواية صابر مولى بسّام ]ابن عبد الله الصيرفيّ مولى بني أسد[ قال: (أمّنا أبو عبد الله (علیه السلام) في صلاة المغرب فقرأ المعوّذتين، ثُمَّ قال: هما من القرآن)(1).

الشاهد أنَّ الراوي قال قرأ في صلاة المغرب المعوّذتين، والظاهر أنَّه (علیه السلام) قرأ في كلّ ركعة سورة.

ص: 55


1- الكافي: 3/ 317، باب قراءة القرآن، ح26.

على أنَّ كون الراوي بصدد الإجمال في أنَّه فعل ذلك في ركعة أو ركعتين، بعيدٌ. وعليه فالمفهوم أنَّه قرأ ذلك في ركعتين.

وأمّا ما ذكره في الاستبصار من حمل هذه الرواية للراوي على روايته الأخرى التي تضمّنت أنَّه أتى بهما في ركعة واحدة حملاً للمجمل على المبيَّن فيمكن المناقشة فيه بما تقدّم(1) من عدم إجمال الرواية، بل ظاهرها قراءة كلٍّ من السورتين في ركعة، وروايته التي تتضمّن أنَّه قرأهما في ركعة تحتمل التصحيف كما سيأتي(2).

وكيفما كان: فهذه صور ثلاث لرواية زيد الشحّام، والكلام يقع في أنَّه هل هذه الروايات هي واقعة واحدة أم متعدّدة؟ وإذا كانت واقعة واحدة فما هي الصورة الراجحة منها؟

فهنا احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: أن يقال إنَّها جميعاً تحكي واقعة واحدة، ولكن اختلفت تفاصيل نقلها إمّا من قبل الرواة عن الشحّام، أو مَن بعدهم مِن أصحاب الأصول، إلَّا أنَّه يمكن الترجيح بينها بحسب القرائن.

أمّا اختلاف الروايات في اشتمالها على كلمة (بنا) وعدمه فالراجح أنَّ الرواية تشتمل على كلمة (بنا)؛ لأنَّها موجودة في نقلين، فتكون صلاة فريضة، وذكر في إحدى الصور أنَّها الفجر، وهو المناسب مع البقيّة من حيث نقل الحادثة؛ إذ لم يذكر

ص: 56


1- يلاحظ: الصفحة السابقة.
2- يلاحظ: الصفحة القادمة.

فيها أنَّه صلّى فيها ثالثة أو رابعة.

يبقى هل قرأهما الإمام (علیه السلام) في ركعة أو ركعتين؟

ففي إحدى الصور - وهي رواية (العلاء عن زيد) - أنَّهما في ركعة، وفي الصورة الثانية - وهي مرسلة ابن أبي عمير - أنَّه قرأهما في ركعتين، وفي الصورة الثالثة - وهي حكاية ابن مسكان - لم يذكر أيّ شيء.

ولا يبعد أن يقال: إنَّ الأصل أنَّه قرأهما في ركعتين؛ لأنَّ رواية ابن أبي عمير واضحة في ذلك، ولا يحتمل التحريف؛ فإنَّه جاء فيها أنَّه قرأ في الأولى كذا، وفي الثانية قرأ كذا.

وأمّا رواية العلاء فيحتمل تصحيف كلمة (في ركعة) عن (في ركعتين)، ولكن بتقدّم الزمن وعدم وضوح الخطّ قُرأت (في ركعة)، أو يكون ذلك إضافة من بعض الرواة؛ لأنَّه فهم ذلك من الرواية.

وأمّا في رواية ابن مسكان فاعتمد على وضوح أنَّه قرأهما في ركعتين؛ لأنَّه هو المتبادر.

الاحتمال الثاني: أنَّ رواية العلاء ومرسلة ابن أبي عمير روايتان(1) تحكي حادثة واحدة على وجهين مختلفين، فيسقطان بالمعارضة؛ لاستقرار التعارض.

الاحتمال الثالث: أن يكون ما جاء في هذه الروايات واقعتين أو ثلاثاً حصلت لزيد الشحّام مع الإمام الصادق (علیه السلام).

ص: 57


1- ولم نذكر رواية ابن مسكان لأنَّها مجملة لا تدلّ على واقعة أخرى.

إن قيل: إنَّ من البعيد اتّفاق ثلاث صلوات متفرّقة لنفس الفريضة لزيد الشحّام مع الإمام (علیه السلام).

قلت: لا بُعد فيه؛ لجواز أن يكون الشحّام قد صحب الإمام (علیه السلام) - كما حصل لبعض الرواة(1) - وصلّى بهم (علیه السلام) جماعة على هذه الأنحاء وأراد بها أن يبيّن لشيعته أنَّ الجمع بين هذه السور ليس على نحو اللزوم والحتم، ومن ثَمَّ جمع بين السورتين تارة وأفرد أخرى.

والأقرب من هذه الاحتمالات الثلاثة هو الأوّل، فيكون الواقع أنَّ الإمام (علیه السلام) قرأ بالسورتين في ركعتين.

يبقى أنَّه قد يقال: إنَّه يتعيّن أن تحمل هذه الرواية التي تتمثّل بمرسلة ابن أبي عمير عن زيد الشحّام على التقيّة، جمعاً بينها وبين ما دلّ على جمعه (علیه السلام) بين السورتين من الطائفتين الأوّلتين.

ولكن هذا الطرح غير وارد في نفسه؛ لوضوح أنَّ الجمع بين سورتين في ركعة يناسب مذاق العامّة، ولا يحتمل حمل التفريق على التقيّة.

والذي يؤيّد ذلك: أنَّ الجمع بين السورتين في الفريضة قد صدر من كبار الصحابة عندهم والتابعين، وننقل نماذج من ذلك:

ص: 58


1- كما حصل لأبان بن تغلب حيث صلّى مع الإمام أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) المغرب بالمزدلفة لأكثر من موسم حيث نقل تفاصيل مختلفة لكلّ موسم. يلاحظ: الكافي: 3/ 267 - 268، باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها، ح1، 2، وكما حصل لصفوان الجمّال حيث إنَّه صلّى خلف الإمام أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) أيّاماً. يلاحظ: الكافي: 3/ 315، باب قراءة القرآن، ح20.

1. روى عبد الرزاق الصنعانيّ (ت211ﻫ) عن طاووس، قال: (كان أُبيّ يجمع (بين (سبِّح اسم ربِّك الأعلى، والليل إذا يغشى) في ركعة، وبين (والضحى، وألم نشرح) في ركعة في المكتوبة).

2. وروى أيضاً عبد الرزاق (عن ابن جريج عن عطاء أنَّه كان لا يرى بجمع السور في الركعة بأساً، قال ابن جريج: وكان طاووس يجمع ثلاث سور في ركعة).

3. وروى عبد الرزاق (عن الثوريّ عن عاصم عن محمّد بن سيرين عن ابن عمر أنَّه كان يقرأ بعشر سور في ركعة)(1).

4. وروى ابن أبي شيبة (ت235ﻫ) عن عمرو بن ميمون، قال: (صلّى بنا عمر صلاة المغرب فقرأ في الركعة الأولى بالتين والزيتون، وفي الركعة الثانية: ألم ترَ كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل ولإيلاف قريش)(2).

5. وروى أيضاً في باب (الرجل يقرن السور في الركعة من رخّص فيه) فقد نقل عن ابن عمر أنَّه كان يقرأ في الركعة بعشر سور وأكثر وأقلّ، وأنَّه كان يقرن بين السورتين في ركعة من الصلاة المكتوبة. وعن عطاء في الرجل يصلّي المكتوبة فيقرأ بسورتين في ركعة أو بسورة في ركعتين؟ قال: لا بأس به. وعن سعيد بن جبير أنَّه كان يجمع بين سورتين في كلّ ركعة في الفريضة. وعن علقمة أنَّه كان يقرأ في الفجر في الركعة الأولى ب-(حم الدخان والطور والحشر)، ويقرأ في الثانية بآخر البقرة وآخر آل عمران وبالسورة القصيرة. وعن حذيفة، قال: صلّيت مع النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) فافتتح

ص: 59


1- المصنّف: 2/ 149، باب قراءة السور في الركعة، ح2851، 2852، 2854.
2- المصنّف: 1/ 393 - 394، باب ما يقرأ به في المغرب، ح5.

البقرة، فقلت يختمها فيركع بها، ثُمَّ افتتح آل عمران، فقلت يختمها فيركع بها، ثُمَّ افتتح النساء فقلت يركع بها فقرأ حتّى ختمها(1).

6. وقال الجصّاص (ت370ﻫ): (روى جرير عن المغيرة، قال: أمّا إبراهيم(2) فقرأ في صلاة المغرب: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) حتّى إذا ختمها وصل بخاتمتها (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) ولم يفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم)(3).

7. وقال السمرقنديّ (ت383ﻫ): (وروي عن بعض المتقدّمين أنَّه قال: سورة التوبة والأنفال بمنزلة سورة واحدة، وسورة ألم نشرح لك والضحى بمنزلة سورة واحدة، وسورة لإيلاف قريش وألم ترَ كيف بمنزلة سورة واحدة)(4).

8. ونقل الثعلبيّ (ت427ﻫ) عن عمرو بن ميمون الأوديّ(5) أنَّه قال: (صلّيت المغرب خلف عمر بن الخطّاب فقرأ في الأُولى والتين والزيتون، وفي الثانية ألم ترَ ولإيلاف قريش)(6).

ص: 60


1- يلاحظ: المصنّف لابن أبي شيبة: 1/ 403 - 405، ح1، 6، 7، 13، 15، 16.
2- هو إبراهيم بن يزيد النخعيّ، أبو عمران الكوفيّ، فقيه أهل الكوفة (ت 96ﻫ). يلاحظ: تهذيب الكمال: 2/ 233، 240.
3- أحكام القرآن: 1/ 16.
4- بحر العلوم (تفسير السمرقنديّ): 3/ 569.
5- تابعيّ كبير مخضرم أسلم في عهد النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) ولم يرَه، ثُمَّ نزل الكوفة. يلاحظ: فتح الباري: 1/ 301.
6- الكشف والبيان عن تفسير القرآن: 10/ 300.

وهذه نفس الرواية التي رواها الطبرسيّ في تفسيره، والمطمأنّ به أنَّه قد أخذها من مصادر الجمهور، لكن فيها (عمرو بن ميمون الأزديّ) لا (الأوديّ)(1). وما في مجمع البيان تصحيفٌ، فإنَّ لقب الرجل (الأوديّ) في كلّ مصادر العامّة التي ذكرته الحديثيّة وغيرها(2).

9. وقال فخر الدين الرازيّ (ت606ﻫ): (يروى عن طاووس وعمر بن عبد العزيز أنَّهما كانا يقولان: هذه السورة وسورة الضحى سورة واحدة، وكانا يقرآنهما في الركعة الواحدة، وما كانا يفصلان بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم)(3).

10. وقال القرطبيّ (ت671ﻫ): (قيل: إنَّ هذه السورة متّصلة بالتي قبلها في المعنى. يقول: أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش، أي لتأتلف، أو لتتّفق قريش، أو لكي تأمن قريش فتؤلّف رحلتيها. وممّن عدّ السورتين واحدة أُبيّ بن كعب، ولا فصل بينهما في مصحفه. وقال سفيان بن عيينة: كان لنا إمام لا يفصل بينهما، ويقرأهما معاً. وقال عمرو بن ميمون..)(4).

إذن يظهر بذلك أنَّ الجمع بين السورتين بل حتّى أكثر من سورتين - كما تقدّم

ص: 61


1- يلاحظ: مجمع البيان في تفسير القرآن: 10/ 449.
2- يلاحظ على سبيل المثال: صحيح البخاريّ: 2/ 107، الجامع الصحيح (صحيح مسلم): 5/ 179، مسند أحمد: 5/ 231، السنن الكبرى للبيهقيّ: 1/ 456، تهذيب الكمال: 22/ 261 - 267، رقم: 4458.
3- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب): 32/ 2.
4- الجامع لأحكام القرآن: 20/ 200.

آنفاً - كان متعارفاً لدى العامّة، فلا يمكن أن يقال إنَّ التفريق بين السورتين قد صدر تقيّة.

بل قد يدّعى أنَّ رواية الجمع بين السورتين(1) قد صدرت تقيّة مجاراة للعامّة؛ فإنَّ كبراء صحابتهم وتابعيهم كانوا يفعلونه في الفريضة، كما تقدّم تفصيله آنفاً.

الدليل الثالث: وحدة النزول

فقد جاء في تفسير مقاتل بن سليمان (ت150ﻫ) أنَّ مشركي مكّة قالوا: (قد ودّعه ربّه وقلاه، فلمّا نزل جبريل (علیه السلام) قال النبيّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم: يا جبريل، ما جئت حتّى اشتقت إليك، قال: وأنا إليك كنت أشدّ شوقاً، ونزل في قولهم ﴿وَالضُّحَىٰ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ﴾، ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ﴾ جميعاً)(2).

وأجاب الفخر الرازيّ (ت 606ﻫ) عن ذلك - بعد أن نقل عن طاووس وعمر ابن عبد العزيز أنَّهما كانا يقولان أنَّ سورتي الانشراح والضحى سورة واحدة، وكانا يقرآنهما في ركعة واحدة، وما كانا يفصلان بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم -: (والذي دعاهما إلى ذلك هو أنَّ قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ﴾ كالعطف على قوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا﴾).

والصحيح أنَّه لا دليل على وحدة النزول؛ إذ لا حجّة في قول مقاتل، بل اختلاف مضمون السورتين قد يشير إلى نزولهما في حالتين مختلفتين، كما قال الفخر الرازيّ في ردّ دعوى وحدة النزول بقوله: (وليس كذلك؛ لأنَّ الأوَّل كان نزوله حال

ص: 62


1- وقد تقدّم في التسلسلات: 7، 9، 10 ممّن عدّهما سورة واحدة من الصحابة والتابعين عند العامّة.
2- تفسير مقاتل بن سليمان: 2/ 317.

اغتمام الرسول صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم من إيذاء الكفّار فكانت حال محنة وضيق صدر، والثاني: يقتضي أن يكون حال النزول منشرح الصدر طيّب القلب، فأنّى يجتمعان!)(1).

الدليل الرابع: وحدة السياق

وهو ما ذكره العلّامة الطبرسيّ - تعليلاً لرواية الأصحاب بأنَّ الضحى والانشراح سورة واحدة، وكذلك الفيل والإيلاف - بقوله: (لتعلّق إحداهما بالأخرى.. والسياق يدلّ على ذلك)(2).

قال السمرقنديّ في شأن سورتي الفيل والإيلاف: (قول الله تبارك وتعالى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ﴾ قرأ ابن عامر (لإلاف قريش) بهمزة مختلسة الكسر، والباقون بياء قبلها همزة، ومعناهما واحد، وهذا موصول بما قبله، يعني: أنَّ الله تعالى أهلك أصحاب الفيل؛ ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾ يعني: لتقرّ قريش بالحرم ويجاورون البيت، حيث قال: ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾؛ ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾ يعني فعل ذلك ليؤلّف قريشاً بهاتين الخصلتين الرحلتين اللتين بهما عيشهم ومقامهم بمكّة)(3).

وهذا الوجه أيضاً موجود في كلمات القوم، ولكنْ بعضهم عمّمه للسور الأربع، وثانٍ خصّه بسورتي الفيل والإيلاف، وثالث خصّه بسورتي الضحى والانشراح.

والكلام يقع في كلٍّ منهما مستقلَّاً..

ص: 63


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب): 32/ 2.
2- مجمع البيان في تفسير القرآن: 10/ 387.
3- بحر العلوم (تفسير السمرقنديّ): 3/ 598.

أمّا القول في سورتي الضحى وألم نشرح فقد قال السمرقنديّ: (قول الله تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ معطوف على قوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ﴾ [الضحى 6]؛ وذلك أنَّ النبيّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم قال: (سألتُ ربّي مسألة ووددت أنّي لم أسألها قطّ، فقلت اتّخذت إبراهيم خليلاً، وكلّمت موسى تكليماً، فقال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ﴾! قلت: بلى، قال: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ﴾ [الضحى 7]، قلت: بلى، قال: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ﴾ [الضحى 8]، قلت: بلى، قال: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ الآية)(1).

قال الآلوسيّ (ت1270ﻫ) فيما يخصّ سورة الانشراح: (وهي شديدة الاتّصال بسورة الضحى)، ثُمَّ ذكر ما روي عن طاووس وعمر بن عبد العزيز، ثُمَّ عقّب الرواية بكلام الفخر - المتقدّم آنفاً(2)، من أنَّ نزول السورة الأولى كان حال اغتمام الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)، ونزول الثانية كان حال انشراح صدره (صلی الله علیه و آله و سلم) - وتنظّر فيه، وقال: (والحقّ أنَّ مدار مثل ذلك الرواية لا الدراية، والمتواتر كونهما سورتين والفصل بينهما بالبسملة. نعم، هما متّصلتان معنى جدّاً، ويدلّ عليه ما في حديث الإسراء..)(3).

وأمّا عن سورتي الفيل وقريش فقد ذكر وحدة سياقهما القرطبيّ (ت 671ﻫ) ونقل عن الفرّاء (ت 207ﻫ) أنَّه قال: (هذه السورة ]أي سورة الإيلاف[ متّصلة بالسورة الأولى ]أي سورة الفيل[؛ لأنَّه ذكَّر أهل مكّة عظيم نعمته عليهم في ما فعل

ص: 64


1- بحر العلوم (تفسير السمرقنديّ): 3/ 569.
2- يلاحظ: ص 62.
3- روح المعاني (تفسير الآلوسيّ): 30/ 165.

بالحبشة، ثُمَّ قال: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾ أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منّا على قريش)(1).

ولكنّ الموجود في كتاب معاني القرآن للفرّاء المطبوع: (قال بعضهم ]فنسبه إلى غيره وليس هو القائل[ كانت موصلة بألم ترَ كيف فعل ربُّك، وذلك أَنَّهُ ذكَّر أهل مكَّة عظيم النعمة عليهم في ما صنع بالحبشة، ثُمَّ قَالَ: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾ أيضاً، كأنَّه قال: ذلك إلى نعمته عليهم في رحلة الشتاء والصيف، فتقول: نعمة إلى نعمة، ونعمة لنعمة سواء في المعنى)(2).

وأيضاً تقدّم نقل قول السمرقنديّ في شأن سورتي الفيل والإيلاف(3).

وقد فصَّل الفخر الرازيّ الكلام في ذلك حيث ذكر أنَّ (لام) لإيلاف فيها وجوه ثلاثة:

أوَّلها: أن تكون متعلّقة بالسورة التي قبلها. وهو محلّ الشاهد في المقام.

ثانيها: أن تكون متعلّقة بالآية التي بعدها.

ثالثها: لا تكون متعلّقة بما قبلها، ولا بما بعدها.

والكلام على الوجه الأوَّل، وفيه احتمالات ثلاثة:

الأوَّل - وهو قول الزجّاج وأبي عبيدة -: أنَّ التقدير: (فجعلهم كعصف مأكول) لإلف قريش؛ أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش، وما قد ألفوا من رحلة

ص: 65


1- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبيّ): 20/ 200.
2- كتاب معاني القرآن: 3/ 293.
3- يلاحظ: ص 63). ويلاحظ أيضاً: بحر العلوم (تفسير السمرقنديّ): 3/ 598.

الشتاء والصيف.

الثاني: أن يكون التقدير: (ألم ترَ كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل، لإيلاف قريش) كأنَّه تعالى قال: كلّ ما فعلنا بهم فقد فعلناه لإيلاف قريش، فإنَّه تعالى جعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، حتّى صاروا كعصف مأكول، فكلّ ذلك إنَّما كان لأجل إيلاف قريش.

الثالث - وهو قول الفرّاء -: أن تكون اللام في قوله: (لإيلاف) بمعنى (إلى) كأنَّه قال: فعلنا كلّ ما فعلنا في السورة المتقدّمة أضفناه إلى نعمة أخرى عليهم وهي إيلافهم: (رحلة الشتاء والصيف).

فهذه احتمالات في تعلّق هذه السورة بالسورة التي قبلها، وللمفسّرين قولان على تقدير تعليق اللام بالسورة التي قبلها:

القول الأوَّل: إنَّهما سورة واحدة؛ وذلك لوجوه، أوّلها اعتباري والأخيران نقليان..

الوجه الأوَّل: وهو أنَّ كلّ سورة لا بُدَّ أن تكون مستقلّة بنفسها، ولمّا كان مطلع هذه السورة متعلّقاً بما قبله، فمن ثَمَّ لا يكونان سورتين، بل واحدة.

وردّه الفخر: أنَّ تعلّق أوّل هذه السورة بما قبلها ليس بحجّة؛ لأنَّ القرآن كلّه كالسورة الواحدة وكالآية الواحدة يصدّق بعضها بعضاً، ويبيّن بعضها معنى بعض، ألا ترى أنَّ الآيات الدالّة على الوعيد مطلقة، ثُمَّ إنَّها متعلّقة بآيات التوبة وبآيات العفو عنه، وقوله: (إنّا أنزلناه) متعلّق بما قبله من ذكر القرآن.

وهذا الجواب ليس بتامّ؛ لأنَّ المدّعى هو اتّحاد موضوع السورتين، ومن ثَمَّ

ص: 66

صارا سورة واحدة، أو كالسورة الواحدة، لا أنَّ القرآن يفسِّر بعضه بعضاً الذي لا خلاف فيه، ولو بني على ما ذكره الفخر لزم جعل القرآن كلّه سورة واحدة، أو آية واحدة، ومن ذا يمكن أن يتفوّه به.

الوجه الثاني: أنَّ أُبيّ جعلهما في مصحفه سورة واحدة، ولم يفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم.

وأجاب عنه الفخر: بأنَّه معارض بإطباق الكلّ على الفصل بينهما.

ونضيف على ذلك ما نقله الآلوسيّ من أنَّه نُقل وجود البسملة في مصحفه بينهما(1)، مضافاً إلى ما سردناه من مخالفات أُبيّ الكثيرة لما عند الصحابة(2).

الوجه الثالث: ما روي أنَّ عمر قرأ في ثانية المغرب ألم ترَ ولإيلاف قريش معاً، من غير فصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم.

وأجاب عنه الفخر: بأنَّه يجوز للإمام أن يقرأ سورتين في ركعة، ولا دلالة في ذلك على أنَّهما سورة واحدة. فعندهم مطلق القِران يجوز بين أي سورتين أو أكثر.

القول الثاني: - وهو المشهور المستفيض، كما عبّر الفخر - أنَّ هذه السورة منفصلة عن سورة الفيل(3).

والجواب عن وحدة السياق: هو أنَّ الارتباط الموضوعيّ - على تقدير التسليم به - لا يجعل هاتين السورتين سورة واحدة بعد ما تقدّم من تسمية كلّ سورة باسم خاصّ

ص: 67


1- يلاحظ: روح المعاني (تفسير الآلوسيّ): 30/ 238.
2- يلاحظ: الهامش رقم (5) من الصفحة رقم (25).
3- يلاحظ: التفسير الكبير (مفاتيح الغيب): 32/ 103 - 104.

مميّزة عن اسم الأخرى، ووحدة السورة وتعدّدها توقيفيّ، واختلاف الاسم يدلّ على التعدّد.

مضافاً إلى ما ذكره الشيخ البهائيّ (طابَ ثَرَاهُ) من رؤيته للمصاحف التي بخطّ الإمام عليّ بن موسى الرضا (علیهما السلام) وبخطّ آبائه (صلوات الله عليهم أجمعين)(1).

ص: 68


1- يلاحظ: مشرق الشمسين: 388.

نتيجة البحث

والحاصل من جميع ما تقدّم: أنَّه لا يبعد البناء على تعدّد السورتين والاكتفاء بقراءة واحدة منهما في الفريضة وفاقاً لجمع من الأعلام. نعم، تجوز قراءتهما معاً استثناءً من حرمة أو كراهة القِران في الفريضة.

هذا الكلام كلّه مبنيّ على وجوب قراءة سورة كاملة في الفريضة، وإلَّا إذا لم يُبنَ على ذلك فالأمر واضح جدّاً. والله العالم بحقائق أحكامه.

وطريق الاحتياط غير خفيّ.

ص: 69

الخاتمة: في ملخّص البحث ونتيجته

عقدنا البحث في محورين رئيسين:

الأوّل: كان في الأقوال في المسألة، وفي ضمن هذا المحور تطرّقنا بإيجاز إلى أقوال العامّة، ثُمَّ بسطنا القول في استقصاء أقوال علمائنا الأعلام (رضوان الله على الماضين منهم وأدام ظلّ الباقين)، وكان هناك قولان رئيسان:

أحدهما: أنَّهما سورة واحدة.

والآخر: أنَّهما سورتان.

وفي ضمن القول الأوّل الرئيس اختلفت آراء الأعلام - رفع الله درجات الماضين في الجنان وحفظ الباقين بحفظه الذي لا يرام - في الوحدة، هل أنَّهما سورة واحدة حقيقة، أو حكماً، أو أنَّهما متّحدتان حكماً لا موضوعاً، أو أنَّهما متّحدتان موضوعاً، أو التوقّف في المسألة؟ وأيضاً اختلفت آراؤهم في وجوب إعادة البسملة من عدمها.

والقول الأوّل الرئيس كان هو المشهور بين المتقدّمين، بل ادّعي عليه الإجماع من بعضهم.

وأمّا القول الثاني الرئيس فأوّل من ذهب إليه ابن إدريس في المنتخب من التبيان، ثُمَّ المحقّق في المعتبر، وهلمّ جرّاً.

وفي ضمن هذا القول من أوجب قراءة السورتين معاً وإعادة البسملة، كابن إدريس والمحقّق والشهيد.

ص: 70

ومنهم من قال يُكتفى بقراءة واحدة منهما. وأوّل من وقفنا على تصريحه بذلك هو المحقّق الأردبيليّ، ثُمَّ الشيخ البهائيّ، ثُمَّ الفيض الكاشانيّ، وهلمّ جرّاً.

وأمّا في المحور الثاني فعرضنا..

أوّلاً: أدلّة القول بتعدّد السورتين حقيقة.

كان الدليل الأوّل: الفصل بين السورتين في المصحف بالبسملة.

والدليل الثاني: أنَّ مقتضى تسمية كلّ سورة من السور الأربع باسمٍ خاصّ بها أن تكون سورة برأسها.

والدليل الثالث: ما ورد التعبير به عن كلّ من هذه السور في الروايات ب-(سورة كذا) فورد التعبير ب-(سورة ألم نشرح)، و(سورة والضحى)، و(سورة الفيل)، و(سورة لإيلاف قريش).

والدليل الرابع: ما تضمّن التوصية بقراءة واحدة من هذه السور في الصلوات المستحبّة.

والدليل الخامس: ما ورد من الثواب على قراءة إحدى هذه السور.

والدليل السادس: ما دلّ على أنَّ الإمام (علیه السلام) قد قرأ إحدى السورتين في ركعة من الفريضة.

والدليل السابع: دعوى سيرة المتشرّعة.

ثانياً: أدلّة القول بوحدة السورتين حقيقة.

كان الدليل الأوّل منها: الإجماع وما يؤدّي مؤدّاه.

والدليل الثاني: الروايات الخاصّة.

ص: 71

الدليل الثالث: وحدة النزول.

الدليل الرابع: وحدة السياق.

وكانت نتيجة البحث أنَّه لا يبعد البناء على تعدّد السورتين والاكتفاء بواحدة منهما في الفريضة وفاقاً لجمع من الأعلام.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمَّد وآله الطيّبين الطاهرين.

* * *

ص: 72

المصادر

القرآن الكريم.

1. (الأبواب) رجال الطوسيّ: شيخ الطائفة أبو جعفر محمَّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيّوميّ الأصفهانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، الطبعة الأولى، 1415ﻫ.

2. الاثنا عشرية في الصلاة اليوميّة: الشيخ محمّد بن الحسين الحارثيّ الهمدانيّ، المعروف ب-(الشيخ البهائيّ ت1030ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، الناشر: مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ - قم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1409 ﻫ، المطبعة: بهمن - قم.

3. أحكام الصلاة (تقرير بحث شيخ الشريعة الأصفهانيّ ت 1339ﻫ)، تأليف: الشيخ محمّد حسين السبحانيّ (ت 1392ﻫ)، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) العامّة في أصفهان، المطبعة العلميّة - قم.

4. أحكام القرآن: أبو بكر أحمد بن عليّ الرازيّ الجصّاص (ت 370ﻫ)، ضبط نصّه وخرّج آياته: عبد السلام محمَّد عليّ شاهين، الناشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، ط. الأولى 1415ﻫ - 1994م.

5. الأحكام الواضحة: الشيخ محمّد الفاضل اللنكرانيّ (ت 1428ﻫ)، الناشر: مركز فقه الأئمّة الأطهار (علیهم السلام)، الطبعة: الخامسة - 1424ﻫ المطبعة: اعتماد، قم.

6. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّيّ): شيخ الطائفة أبو جعفر محمَّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460ﻫ)، تصحيح وتعليق: المعلّم الثالث المير داماد محمَّد باقر الحسينيّ الاسترآباديّ (ت 1014ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام)، مطبعة بعثت - قم، 1404ﻫ.

ص: 73

7. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهَّر المعروف ب-(العلّامة الحلّيّ ت726ﻫ)، تحقيق: الشيخ فارس الحسّون، طبع ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1410ﻫ.

8. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبريّ البغداديّ، المعروف ب-(الشيخ المفيد ت413ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لتحقيق التراث، الطبعة الثانية، 1414 ﻫ - 1993م.

9. الاستبصار في ما اختلف من الأخبار: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيّ (ت460ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان (ت 1405ﻫ)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، 1390ﻫ. ق. الطبعة: الرابعة، المطبعة: خورشيد.

10. الاعتقادات في دين الإماميّة: الشيخ أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمّيّ المعروف ب-(الشيخ الصدوق ت381ﻫ)، تحقيق: عصام عبد السيّد، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 - 1993 م.

11. الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة: السيّد رضي الدين عليّ بن موسى ابن جعفر ابن طاووس (ت 664ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيّوميّ الأصفهانيّ، طبع ونشر: مكتب الإعلام الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1416ﻫ.

12. الأقطاب الفقهيّة على مذهب الإماميّة: الشيخ محمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائيّ المعروف ب-(ابن أبي جمهور ق9)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، إشراف: السيّد محمود المرعشيّ، الناشر: مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ - قم، مطبعة الخيّام - قم، 1410 ﻫ. ق.

ص: 74

13. الأمالي: الشيخ أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ المعروف ب-(الشيخ الصدوق ت381ﻫ)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، قم، الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، الطبعة الأولى 1417ﻫ.

14. الانتصار: السيّد عليّ بن الحسين الموسويّ المعروف (بالشريف المرتضى ت 436 ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، 1415ﻫ.

15. أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف ب-(تفسير البيضاويّ): الشيخ ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمّد الشيرازيّ الشافعيّ البيضاويّ (ت 691ﻫ)، إعداد وتقديم: محمّد عبد الرحمن المرعشليّ، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1418 ﻫ - 1998 م.

16. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: الشيخ محمَّد باقر المجلسيّ (ت 1111ﻫ)، الناشر: مؤسّسة الوفاء بيروت - لبنان، ط. الثانية المصحّحة 1403ﻫ - 1983م.

17. بحر العلوم (تفسير السمرقنديّ): أبو الليث نصر بن إبراهيم السمرقنديّ (ت 383ﻫ)، تحقيق: د. محمود مطرجيّ، طبع ونشر: دار الفكر، المطبعة: دار الفكر - بيروت.

18. بحوث فقهيّة حول الذبح بغير الحديد: السيّد محمَّد رضا السيستانيّ، الناشر: دار المؤرّخ العربيّ، بيروت - لبنان، الطبعة الثالثة، 1433ﻫ - 2012م.

19. البلد الأمين والدرع الحصين: الشيخ إبراهيم الكفعميّ (ت 905ﻫ)، الناشر: مكتبة الصدوق - طهران - بازار سراي ارديبهشت، سنة الطبع: 1383ﻫ. ق، المطبعة: چاپ أفست مروي.

20. التبيان في تفسير القرآن: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت

ص: 75

460ﻫ)، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العامليّ، طبع ونشر: مكتب الأعلام الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1409ﻫ. ق.

21. تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر المعروف ب-(العلّامة الحلّيّ ت726ﻫ)، إشراف: الشيخ جعفر السبحانيّ، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادريّ، الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (علیه السلام)، الطبعة الأولى، 1420ﻫ، المطبعة: اعتماد - قم.

22. تحرير الوسيلة: السيّد روح الله الموسويّ الخمينيّ (ت 1409ﻫ)، مطبعة الآداب في النجف الأشرف، الطبعة الثانية، 1390ﻫ. ق.

23. التحفة السنيّة في شرح النخبة المحسنيّة (مخطوط)، السيّد عبد الله بن نعمة الله الجزائريّ (ت1173ﻫ)، نسخة خطّيّة في مكتبة الآستانة الرضويّة.

24. تذكرة الفقهاء: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر المعروف ب-(العلّامة الحلّيّ ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، الطبعة الأولى، 1414ﻫ، المطبعة: مهر - قم.

25. تعليقة على العروة الوثقى: السيّد عليّ الحسينيّ السيستانيّ.

26. تفسير القرآن العظيم: الحافظ عبد الرحمن بن محمَّد بن إدريس الرازيّ ابن أبي حاتم (ت 327ﻫ)، تحقيق: أسعد محمَّد الطيّب، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، 1424ﻫ - 2003م.

27. التفسير الكبير (المعروف بتفسير الرازيّ): الإمام الفخر الرازيّ (ت 606ﻫ)، ط. الثالثة.

28. تفسير جوامع الجامع: الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسيّ (ق6)، تحقيق ونشر:

ص: 76

مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1418 ﻫ.

29. تفسير مقاتل بن سليمان: مقاتل بن سليمان (ت 150ﻫ)، تحقيق: أحمد فريد، طبع ونشر: دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، المطبعة: دار الكتب العلميّة، 1424 - 2003م.

30. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد: شيخ الطائفة أبو جعفر محمَّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460ﻫ)، حقّقه وعلّق عليه: السيّد حسن الموسويّ الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، نهض بمشروعه الشيخ عليّ الآخونديّ، الطبعة الثالثة، 1364ش.

31. تهذيب الكمال في أسماء الرجال: جمال الدين أبو الحجّاج يوسف المزيّ (ت 742ﻫ)، حقّقه وضبط نصّه وعلّق عليه: د. بشّار عوّاد معروف، الطبعة الأولى، 1413 ﻫ - 1992 م، مؤسّسة الرسالة - بيروت.

32. رسالة توضيح المسائل: الشيخ محمّد تقي بهجت (ت 1430ﻫ)، الطبعة الثانية.

33. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: الشيخ أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين ابن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381ﻫ)، قدم له: السيّد محمَّد مهدي السيّد حسن الخرسان، منشورات الرضي - قم، الطبعة الثانية، 1368ﻫ ش.

34. جامع البيان عن تأويل آي القرآن: أبو جعفر محمَّد بن جرير الطبريّ (ت 310ﻫ)، قدّم له: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطّار، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، 1415ﻫ - 1995م.

35. الجامع الصحيح (صحيح مسلم): أبو الحسين مسلم بن الحجّاج بن مسلم القشيريّ النيسابوريّ (ت261ﻫ)، دار الفكر، بيروت - لبنان.

ص: 77

36. جامع المقاصد في شرح القواعد: الشيخ عليّ بن الحسين الكركيّ المعروف ب-(المحقّق الثاني ت941ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1408ﻫ، المطبعة المهديّة - قم.

37. الجامع لأحكام القرآن، المعروف ب-(تفسير القرطبيّ): الشيخ أبو عبد الله محمَّد بن أحمد الأنصاريّ القرطبيّ (ت 671ﻫ)، تصحيح: أحمد عبد العليم البردونيّ، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ بيروت - لبنان، 1405ﻫ - 1985م.

38. الجامع للشّرائع: الشيخ يحيى بن سعيد الحلّيّ المعروف ب-(ابن سعيد ت690ﻫ)، تحقيق وتخريج: جمع من الفضلاء، الناشر: مؤسّسة سيّد الشهداء العلميّة، المطبعة العلميّة - قم، 1405ﻫ.

39. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: الشيخ محمّد حسن النجفيّ المعروف ب-(صاحب الجواهر ت1266ﻫ)، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچانيّ، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، الطبعة الثالثة، 1367ﻫ، مطبعة خورشيد.

40. الحاشية الأولى على الألفيّة: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ المعروف ب-(الشهيد الثاني ت965ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة - قسم إحياء التراث الإسلاميّ، طبع ونشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1420 ق.

41. حاشية شرائع الإسلام: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ المعروف ب-(الشهيد الثاني ت965ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة - قسم إحياء التراث الإسلاميّ، طبع ونشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلاميّ، الطبعة: الأولى - 1422 ق.

ص: 78

42. حاشية شرائع الإسلام: الشيخ عليّ بن الحسين الكركيّ المعروف ب-(المحقّق الثاني ت941ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، الناشر: الاحتجاج، المطبعة: نكارش، الطبعة الأولى، 1423ﻫ.

43. الحبل المتين (ط. ق): الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثيّ الهمدانيّ العامليّ الجبعيّ، المعروف ب-(الشيخ البهائيّ ت 1031ﻫ)، الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم، المطبعة: مهر - قم.

44. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: الشيخ يوسف البحرانيّ المعروف ب-(المحدّث البحرانيّ ت1186ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ.

45. الخرائج والجرائح: الشيخ قطب الدين الراونديّ (ت 573ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة الإمام المهدي (علیه السلام) - قم المقدّسة، المطبعة العلميّة - قم، الطبعة الأولى، 1409ﻫ.

46. الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة: الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّيّ الجزينيّ العامليّ المعروف ب-(الشهيد الأوَّل ت786ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الثانية، 1417ﻫ.

47. ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: الشيخ محمّد باقر بن محمّد مؤمن المعروف ب-(المحقّق السبزواريّ ت1090ﻫ)، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام)، قم - إيران، الطبعة الأولى، 1427ﻫ.

48. الرجال: الشيخ أَحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم أبي الحسين الواسطيّ البغداديّ، تحقيق: السيّد محمَّد رضا الحسينيّ الجلاليّ، الناشر: مؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، قم، إيران، الطبعة الأولى، 1422 ﻫ ق - 1380ش.

ص: 79

49. رسائل المحقّق الكركيّ: الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركيّ المعروف ب-(المحقّق الثاني ت940ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، الناشر: مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ - قم، مطبعة الخيّام - قم، الطبعة الأولى - 1409ﻫ. ق.

50. الرسائل العشر: الشيخ جمال الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّيّ (ت 841ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ العامّة - قم المقدّسة، طبع: مطبعة سيّد الشهداء (علیه السلام)، 1409 ﻫ. ق.

51. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، المعروف ب-(تفسير الآلوسيّ): السيّد شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسينيّ الآلوسيّ (ت 1270ﻫ).

52. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ المعروف ب-(الشهيد الثاني ت965ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة - قسم إحياء التراث الإسلاميّ، طبع ونشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، الطبعة: الأولى - 1422 ق، 1390 ش.

53. الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ المعروف ب-(الشهيد الثاني ت965ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيّد محمّد كلانتر (ت1420ﻫ)، الناشر: جامعة النجف الدينيّة، مطبعة أمير - قم، الطبعة:الأولى، 1410ﻫ. ق (نسخة أوفست).

54. روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه: الشيخ محمّد تقي ابن المولى عليّ المعروف ب-(المجلسيّ الأوَّل ت1070ﻫ)، نمّقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه: السيّد حسين الموسويّ الكرمانيّ والشيخ علّي پناه الاشتهارديّ، الناشر: بنياد فرهنك إسلاميّ حاجّ محمّد حسين كوشانپور، المطبعة العلميّة بقم المقدّسة، الطبعة الأولى، 1393ﻫ.

ص: 80

55. رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل: السيّد عليّ الطباطبائيّ (ت 1231ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المقدّسة، الطبعة الأولى، المطبعة: ستارة - قم، 1422ﻫ.

56. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: الشيخ أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّيّ المعروف ب-(ابن إدريس ت598ﻫ)، تحقيق وطبع ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الثانية،1410ﻫ. ق.

57. سعد السعود: السيّد رضي الدين أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحسنيّ (ت 664ﻫ)، منشورات الرضي - قم، المطبعة: أمير - قم، 1363.

58. السنن الكبرى: الشيخ أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقيّ (ت 458ﻫ)، الناشر: دار الفكر.

59. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الهذليّ المعروف ب-(المحقّق الحلّيّ ت676ﻫ)، تحقيق: عبد الحسين محمّد عليّ البقّال، الناشر: إسماعيليان، الطبعة الثانية، 1408ﻫ، قم - إيران.

60. شرح الألفيّة للشيخ حسين بن عبد الصمد (مخطوط).

61. صحيح البخاريّ: أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة البخاريّ الجعفيّ (ت256ﻫ)، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول، 1401ﻫ - 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

62. العروة الوثقى المحشّاة: السيّد محمّد كاظم الطباطبائيّ اليزديّ (ت 1337ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1417ﻫ.

63. علل الشرائع: الشيخ أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين ابن بابويه القمّيّ المعروف

ص: 81

بالشيخ الصدوق (ت 381ﻫ)، تحقيق وتقديم: السيّد محمَّد صادق بحر العلوم، الناشر: منشورات المكتبة الحيدريّة ومطبعتها، النجف الأشرف، 1385ﻫ - 1966م.

64. غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام: الميرزا أبو القاسم القمّيّ (ت 1231ﻫ)، تحقيق ونشر: مكتب الإعلام الإسلاميّ - فرع خراسان، المحقّق: الشيخ عبّاس تبريزيان، المساعدان: الشيخ عبد الحليم الحلّيّ، السيّد جواد الحسينيّ، الطبعة الأولى، 1417 ق، 1375 ش.

65. فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين ربّ الأرباب في الاستخارات: السيّد أبو القاسم عليّ بن موسى ابن طاووس الحسنيّ (ت 664ﻫ)، تحقيق: الحاجّ حامد الخفّاف، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - بيروت، الطبعة الأولى، 1409ﻫ - 1989 م.

66. فتح الباري في شرح صحيح البخاريّ: الحافظ شهاب الدين أحمد بن عليّ بن محمَّد ابن محمَّد بن حجر العسقلانيّ الشافعيّ (ت 852ﻫ)، الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان.

67. فقه الصادق (علیه السلام): السيّد محمّد صادق الروحانيّ، الناشر: مدرسة الإمام الصادق (علیه السلام) للسيّد الروحانيّ، الطبعة الثالثة، المطبعة العلميّة، 1412ﻫ.

68. الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرّفة، الناشر: المؤتمر العالميّ للإمام الرضا (علیه السلام) - مشهد المقدّسة الطبعة الأولى، 1406 ﻫ. ق.

69. فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشيّ): الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عليّ ابن أحمد بن العبّاس النجاشيّ الأسديّ الكوفيّ (372 - 450ﻫ)، تحقيق: السيّد موسى

ص: 82

الشبيريّ الزنجانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الخامسة 1416ﻫ.

70. الفهرست: شيخ الطائفة أبو جعفر محمَّد بن الحسن الطوسيّ (ت460ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيوميّ، طبع ونشر: مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأولى، 1417ﻫ، قم - إيران.

71. فوائد القواعد: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ المعروف ب-(الشهيد الثاني ت965ﻫ)، تحقيق: السيّد أبو الحسن المطّلبيّ، مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، قسم إحياء التراث الإسلاميّ - قم، طبع ونشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ.

72. قبسات من علم الرجال: أبحاث السيّد محمَّد رضا السيستانيّ، جمعها ونظّمها السيّد محمَّد البكّاء، الناشر: دار المؤرّخ العربيّ، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى 1437ﻫ - 2016م.

73. الكافي: ثقة الإسلام الشيخ أبو جعفر محمَّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ (ت 329ﻫ)، علّق عليه: الشيخ عليّ أكبر الغفّاريّ، نهض بمشروعه الشيخ محمَّد الآخونديّ، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، مرتضى آخونديّ - طهران، الطبعة الثالثة، 1388ﻫ.

74. كتاب الصلاة (تقرير بحث السيّد المحقّق الداماد ت 1388ﻫ): المقرّر: الشيخ عبد الله الجواديّ الطبريّ الآمليّ، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الثانية، 1416ﻫ.

75. كتاب الصلاة (تقرير بحث الميرزا المحقّق محمّد حسين الغرويّ النائينيّ ت1355ﻫ. ق)، تأليف: المحقّق الشيخ محمّد عليّ الكاظميّ الخراسانيّ (ت 1365ﻫ.

ص: 83

ق)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1411ﻫ.

76. كتاب الصلاة: المحقّق الشيخ عبد الكريم الحائريّ (ت 1355ﻫ)، الناشر: مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلاميّ - قم - ايران، 1362 ش.

77. كتاب القراءات أو التنزيل والتحريف: أبو عبد الله أحمد بن محمَّد السيّاريّ (ق3)، حقّقه وقدّم له: أتيان كولبرغ ومحمَّد عليّ أمير معزي، الناشر: دار بريل للنشر في ليدن وبوسطن 2009.

78. معاني القرآن: أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلميّ المعروف ب-(الفرّاء ت207ﻫ)، تحقيق: أحمد يوسف نجاتيّ، محمّد عليّ النجّار، الناشر: الهيأة المصريّة العامّة للكتاب، طبع في القاهرة، الطبعة الثانية، 1980م.

79. الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشريّ الخوارزميّ (467ﻫ - 538ﻫ)، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابيّ الحلبيّ وأولاده بمصر عبّاس ومحمَّد محمود الحلبيّ وشركاؤهم - خلفاء، الطبعة الأخيرة 1385ﻫ - 1966م.

80. كشف الرموز في شرح المختصر النافع: الشيخ زين الدين أبو عليّ الحسن بن أبي طالب ابن أبي المجد اليوسفيّ المعروف ب-(الفاضل الآبي ت690ﻫ)، تحقيق: الشيخ عليّ پناه الاشتهارديّ، الشيخ حسين اليزديّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، 1408ﻫ.

81. كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء: الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت1228ﻫ)، تحقيق مكتب الإعلام الإسلاميّ/ فرع خراسان - قسم إحياء التراث الإسلاميّ، المحقّقون: الشيخ عبّاس تبريزيان، الشيخ محمّد رضا الذاكريّ (طاهريان)، الشيخ عبد الحليم الحلّيّ، طبع ونشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ،

ص: 84

الطبعة الأولى، 1422 ﻫ. ق.

82. كشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحكام: الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصفهانيّ المعروف ب-(الفاضل الهنديّ ت1137ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1416ﻫ.

83. الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبيّ ت427ﻫ).

84. كلمة التقوى: الشيخ محمّد أمين زين الدين (ت1419ﻫ)، المطبعة: مهر، الطبعة الثالثة، 1413ﻫ.

85. اللمعة الدمشقيّة: الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّيّ الجزينيّ العامليّ المعروف ب-(الشهيد الأوَّل ت786ﻫ)، الناشر: دار الفكر - إيران - قم، الطبعة الأولى، 1411ﻫ. ق، المطبعة: قدس - قم.

86. مجمع البيان في تفسير القرآن: الشيخ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ (ق6)، حقّقه وعلّق عليه: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصّائيين، تقديم: السيّد محسن الأمين العامليّ، الناشر: مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1415 ﻫ - 1995م.

87. مجمع البيان في شرح إرشاد الأذهان: السيّد عليّ بن حسين بن محمّد بن محمّد الشهير ب-(الصائغ الحسينيّ ت 980ﻫ)، مخطوط (قيد التحقيق).

88. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: المحقّق المولى أحمد الأردبيليّ (ت993ﻫ)، صحّحه ونمّقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه: الحاجّ آقا مجتبى العراقيّ والحاجّ شيخ عليّ پناه الاشتهارديّ والحاجّ آقا حسين اليزديّ الأصفهانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ.

ص: 85

89. المحاسن: الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمَّد بن خالد البرقيّ (ت 274ﻫ)، عنى بنشره وتصحيحه والتعليق عليه: السيّد جلال الدين الحسينيّ المشتهر بالمحدّث، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، 1370ﻫ.

90. المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: القاضي أبو محمّد عبد الحقّ بن غالب بن عطيّة الأندلسيّ المعروف ب-(ابن عطيّة الأندلسيّ (ت546ﻫ)، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمّد، طبع ونشر: دار الكتب العلميّة، الطبعة الأولى، 1413 - 1993م.

91. المختصر النافع في فقه الإماميّة: الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الهذليّ المعروف ب-(المحقّق الحلّيّ ت676ﻫ)، الناشر: قسم الدراسات الإسلاميّة في مؤسّسة البعثة - طهران، الطبعة الثانية - الثالثة، 1402 - 1410ﻫ.

92. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهَّر المعروف ب-(العلّامة الحلّيّ ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الأولى - 1412ﻫ. ق.

93. مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: السيّد محمَّد بن عليّ الموسويّ العامليّ (ت 1009ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - مشهد المقدّسة، الطبعة الأولى، 1410ﻫ، المطبعة: مهر - قم.

94. مدارك التنزيل وحقائق التأويل: الشيخ أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفيّ (ت 537ﻫ).

95. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ المعروف ب-(الشهيد الثاني ت965ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1413ﻫ. ق، المطبعة: بهمن.

ص: 86

96. مستند الشيعة في أحكام الشريعة: الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقيّ (ت 1245ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - مشهد المقدّسة -، الطبعة الأولى، 1415ﻫ، المطبعة: ستارة - قم.

97. مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة): محاضرات السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (ت1413ﻫ)، بقلم الشهيد الشيخ مرتضى البروجرديّ (ت 1418ﻫ)، الناشر: مدرسة دار العلم، الطبعة النجفيّة.

98. مسند أحمد ابن حنبل: الإمام أحمد بن محمَّد بن حنبل (ت 241ﻫ)، وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، دار صادر، بيروت - لبنان.

99. مشرق الشمسين وإكسير السعادتين الملّقب ب-(مجمع النورين ومطلع النيرين): الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثيّ الهمدانيّ العامليّ الجبعيّ، المعروف ب-(الشيخ البهائيّ ت1030ﻫ)، منشورات مكتبة بصيرتي - قم، (طبعة حجريّة).

100. مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع: العلّامة محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ (ت1205ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهانيّ، الطبعة الأولى، 1424ﻫ.

101. مصنّف ابن أبي شيبة في الأحاديث والآثار: الحافظ عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان ابن أبي بسكر بن أبي شيبة الكوفيّ العبسيّ (ت 235ﻫ)، تحقيق وتعليق: سعيد اللحّام، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، 1409 - 1989 م، الطبعة الأولى.

102. المصنّف: الحافظ أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعانيّ (126 - 211ﻫ)، عني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: الشيخ المحدّث حبيب الرحمن الأعظميّ.

ص: 87

103. المعتبر في شرح المختصر: الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّيّ، المعروف بالمحقّق (ت 676ﻫ)، حقّقه وصحّحه عدّة من الأفاضل، بإشراف: الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الناشر: مؤسّسة سيّد الشهداء (علیه السلام)، المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، 1364ش.

104. مفاتيح الشرائع: الشيخ المحدّث محمّد محسن الفيض الكاشانيّ المعروف ب-(المولى الفيض الكاشانيّ ت1091ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: مجمع الذخائر الإسلاميّة، مطبعة الخيّام - قم، 1401ﻫ.

105. مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة: السيّد محمّد جواد الحسينيّ العامليّ (ت 1226ﻫ)، حقّقه وعلّق عليه: الشيخ محمّد باقر الخالصيّ، طبع ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الأولى - 1419ﻫ. ق.

106. المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة: الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ المعروف ب-(الشهيد الثاني ت965ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة/ الشيخ محمّد الحسّون - قسم إحياء التراث الإسلاميّ، طبع ونشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1420 ق - 1378ش.

107. مكارم الأخلاق: الشيخ رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل الطبرسيّ (ق6)، الناشر: منشورات الشريف الرضي، الطبعة السادسة، 1392ﻫ - 1972م.

108. ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار: الشيخ محمَّد باقر المجلسيّ (ت 1111ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: مكتبة السيّد المرعشيّ - قم، طبع: مطبعة الخيّام - قم، 1406ﻫ.

109. من لا يحضره الفقيه: الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ابن بابويه القمّيّ

ص: 88

المعروف ب-(الشيخ الصدوق ت381ﻫ)، صحّحه وعلّق عليه: الشيخ عليّ أكبر الغفّاريّ، الناشر: جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة، الطبعة الثانية.

110. مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (علیه السلام): الحافظ محمَّد بن سليمان الكوفيّ القاضي (ت حدود300ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمَّد باقر المحموديّ، الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة، إيران - قم، الطبعة الأولى، 1412ﻫ.

111. مناهج الأحكام: الميرزا أبو القاسم القمّيّ (ت 1231ﻫ)، تحقيق وطبع ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، الطبعة الأولى، 1420ﻫ.

112. المنتخب من تفسير القرآن والنكت المستخرجة من كتاب التبيان: الشيخ أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّيّ المعروف ب-(ابن إدريس ت598ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ العامّة - قم المقدّسة، مطبعة سيّد الشهداء (علیه السلام)، 1409 ﻫ. ق.

113. منتهى المطلب في تحقيق المذهب: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر المعروف ب-(العلّامة الحلّيّ ت726ﻫ)، التحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة، الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة، إيران - مشهد، الطبعة الأولى 1412 ق، الطبع: مؤسّسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة.

114. منهاج الصالحين: السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (ت 1413ﻫ)، الطبعة الثامنة والعشرون، 1410 ﻫ، المطبعة مهر - قم.

115. منهاج الصالحين: السيّد محسن الطباطبائيّ الحكيم (ت 1390ﻫ).

116. منهاج الصالحين: السيّد محمّد الحسينيّ الروحانيّ، (ت 1418ﻫ)، الناشر: مكتبة الألفين، الطبعة الثانية، 1414ﻫ - 1994 م.

ص: 89

117. منهاج الصالحين: السيّد محمّد سعيد الطباطبائيّ الحكيم (ت 1443ﻫ)، الناشر: دار الصفوة بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1415 - 1994م.

118. منهاج الصالحين: السيّد محمّد صادق الحسينيّ الروحانيّ، 1404ﻫ.

119. منهاج الصالحين: الشيخ محمَّد إسحاق الفيَّاض، الناشر: مكتب سماحة الشيخ محمَّد إسحاق الفيَّاض - قم، المطبعة أمير، الطبعة الأولى.

120. منهاج الصالحين: الشيخ وحيد الخراسانيّ.

121. منهاج الصالحين: السيّد عليّ الحسينيّ السيستانيّ، الناشر: مكتب السيّد السيستانيّ - قم، الطبعة الأولى، 1414ﻫ. المطبعة: مهر - قم.

122. النجعة في شرح اللمعة: الشيخ محمّد تقي التستريّ (ت 1416ﻫ)، الناشر: كتابفروشي صدوق، الطبعة الأولى، 1406ﻫ، طبع في طهران.

123. النكت في القرآن الكريم في معاني القرآن الكريم وإعرابه: عليّ بن فضّال المجاشعيّ (ت 479ﻫ)، الناشر: دار الكتب العلميّة، منشورات محمّد عليّ بيضون، الطبعة الأولى - بيروت - لبنان، 1428ﻫ.

124. نهاية الإحكام في معرفة الأحكام: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر المعروف ب-(العلّامة الحلّيّ ت726ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: مؤسّسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1410ﻫ.

125. نهاية التقرير في مباحث الصلاة: تقريرات السيّد حسين الطباطبائيّ البروجرديّ (ت 1380ﻫ)، تأليف: الشيخ محمّد الفاضل اللنكرانيّ (ت 1428ﻫ)، تحقيق ونشر: مركز فقه الأئمّة الأطهار (علیهم السلام) - قم، إشراف: الشيخ حسين الواثقيّ، الطبعة الثالثة (الأولى المحقّقة)، 1420 ﻫ المطبعة: بهمن، قم.

ص: 90

126. هداية العباد: السيّد محمّد رضا الموسويّ الگلپايگانيّ (ت 1414ﻫ)، الناشر: دار القرآن الكريم - قم المشرّفة، الطبعة الأولى، 1413ﻫ.

127. هداية العباد: الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگانيّ، الناشر: دار القرآن الكريم، الطبعة الأولى، 1416ﻫ، المطبعة: سپهر.

128. الوافي: الشيخ المحدّث محمّد محسن الفيض الكاشانيّ المعروف ب-(المولى الفيض الكاشانيّ ت1091ﻫ)، تحقيق وتصحيح وتعليق: السيّد ضياء الدين الحسينيّ الأصفهانيّ، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ (علیه السلام) العامّة - أصفهان، الطبعة الأولى، 1411ﻫ. ق، المطبعة: طباعة أوفست نشاط أصفهان.

129. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ المحدّث محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ المعروف ب-(الشيخ الحرّ ت1104ﻫ)، تصحيح وتحقيق: الشيخ عبد الرحيم الربّانيّ، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ - بيروت، الطبعة الخامسة، 1403ﻫ.

130. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ المحدّث محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ المعروف ب-(الشيخ الحرّ ت1104ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرّفة، الطبعة الثانية، 1414 ﻫ. ق، المطبعة: مهر - قم.

131. وسيلة النجاة مع تعاليق السيّد الخمينيّ (ت 1409ﻫ)، الناشر: مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ - طهران، الطبعة الأولى، 1422ﻫ.

132. وسيلة النجاة مع تعاليق السيّد محمّد رضا الموسويّ الگلپايگانيّ (ت 1414ﻫ)، طبع بإشراف: السيّد أحمد الحسينيّ، مطبعة مهر استوار إيران - قم، الطبعة الأولى، 1393 ش.

ص: 91

ص: 92

ملكية الدولة - الشيخ وليد العامري (دام عزه)

اشارة

ملكيّة الدولة من العناوين التي لم تعنون في كتب الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين.

نعم، ذكرت في كلمات جملة من فقهاء العصر المتأخّر، وكانت محلَّاً للخلاف بينهم بين النفي والإثبات.

وأهمّيّة هذه المسألة لا تخفى بعد شيوع الابتلاء بجملة من الفروع المترتّبة عليها.

وهذا البحث الذي بين يديك - عزيزي القارئ - محاولة لتسليط الضوء على إثبات أصل ملكيّة الدولة من دون التعرّض لسعة دائرة تلك الملكيّة.

ص: 93

ص: 94

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا وآله الطيّبين الطاهرين.

ملكيّة الدولة من العناوين التي لم تعنون في كتب الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين.

نعم، هناك بعض المسائل - والتي قد يلزم منها القول بملكيّة الدولة إثباتاً أو نفياً - طرحت في كلمات البعض، كما في مسألة كون الخمس ملكاً شخصيّاً للإمام (علیه السلام)، أم أنَّه ملك للمنصب على ما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى(1).

وإنَّما ذُكرت ملكيّة الدولة في كلمات جملة من فقهاء العصر المتأخّر وكانت

محلَّاً للخلاف بينهم، فقد انكرها غير واحد، منهم: الشيخ حسين الحلّيّ (قدس سره) (2) والسيّد الخوئيّ (قدس سره) (3)، بل يمكن نسبته لكلّ من حكم بمجهوليّة المالك بالنسبة لأموال

ص: 95


1- يلاحظ: ص 110.
2- بحوث فقهيّة: 99.
3- يلاحظ: صراط النجاة: 412، السؤال: 1133.

الدولة، في حين ذهب غير واحد إلى القول بثبوتها، منهم السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) (1).

ثُمَّ إنَّ الخلاف لا يكمن في إمكان تملّك الدولة من عدمه بعد كونها جهة غير واعية، بل هي شخصيّة حقوقيّة - بحسب اصطلاح القوانين الوضعيّة -، فإنّهم قالوا بملكيّة بعض الجهات كملكيّة عنوان المسجد وغيرها - كما سيأتي التعرّض لذلك(2) -، بل منشأ الخلاف هو في قيام الدليل على ذلك بعد عدم ذكر عنوان الدولة - فضلاً عن ملكيّتها - في الآيات والروايات إلَّا في موارد قليلة جدّاً، فقد ذُكرت الدولة في عهد الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى مالك الأشتر (رضوان الله علیه)، حيث جاء فيه: (ثُمَّ اعلم يا مالك: أنِّي وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور)(3)، وكذا ذكرت في دعاء الافتتاح: (اللهم إنَّا نرغب إليك في دولة كريمة)(4)، وأمّا ملكيّتها فلم تذكر أصلاً.

وفي هذا البحث سنحاول تسليط الضوء على إثبات أصل ملكيّة الدولة من دون التعرّض لسعة دائرة تلك الملكيّة.

ثُمَّ إنَّ الدولة لمّا كانت من مصاديق الجهات المعنويّة غير الواعية، أو ما تسمّى بالشخصيّة الحقوقيّة، كان المناسب البحث - ومن باب المقدّمة - في ملكيّة الجهة.

ص: 96


1- كما هو مذكور في غير موضع من كتاب اقتصادنا. يلاحظ على سبيل المثال: 479، 486، 507، 510، 522، 547، 789.
2- يلاحظ: ص 98.
3- نهج البلاغة: 427، كتاب رقم: 53.
4- مصباح المتهجّد: 581.

فنقول:

هل يشترط في المالك أن يكون إنساناً واعياً، أم لا يشترط ذلك، فيجوز أن يكون المالك جهة اعتباريّة؟

ولا كلام في إمكان ذلك بل وقوعه؛ إذ قام الدليل على ملكيّة الجهة في جملة من الموارد، وهي:

1. الزكاة: والتي هي ملك للجامع بين الطوائف الثمانية من المستحقّين، وبعض تلك الطوائف حيثيّة معنويّة صرفة من قبيل (في سبيل الله)، فالمالك للزكاة هو نفس عنوان (في سبيل الله) لا الفرد من الإنسان الواعي، والذي يكون مصداقاً لذلك العنوان الاعتباري.

وكذا الكلام في عنوان (الفقير والغارم) فإنَّ المالك هو ذلك العنوان الجامع - أيْ: الجهة المعنويّة الاعتباريّة - لا شخص (زيد الفقير) أو (زيد الغارم).

فإن قلت: إنَّ الملكيّة - في الحقيقة - هي لمعنونات تلك الطوائف، فهي ملك لنفس الفقير والذي هو إنسان واعٍ، وإنَّما ذكرت تلك العناوين كطرق مشيرة إلى تلك الأفراد.

قلت: إنَّ ما ذكر يعني جعل تلك الأفراد مالكة للزكاة ملكاً شخصيّاً، ولازمه أنَّ كلّ فقير يستحقّ من الزكاة مقداراً معيّناً لا تفاوت فيه بين أفراد المستحقّين، ولا يمكن سلبه عنه، وعدم إيصاله إليه، ففي كلّ زكاة يكون لكلّ فرد من المستحقّين مقداراً معيّناً يكون مالكاً له ملكاً شخصيّاً لا يحقّ لمن كان قيّماً على تنظيم أمر الزكاة التصرّف فيه. وهو كما ترى، ولا قائل به من عندنا، ممّا يعني أنَّ الملكيّة للجامع.

ص: 97

2. الملكيّة في الأوقاف العامّة: كالوقف على العلماء أو الفقراء أو المسلمين، فإنَّ المالك لها هو عنوان العلماء أو عنوان الفقراء أو عنوان المسلمين، وعليه إن قلنا إنَّ مفاد الوقف هو تمليك العين يصبح ذلك العنوان وتلك الجهة مالكة للعين، وإن قلنا إنَّ الوقف هو تحبيس للعين - وهو غير التمليك - فلا أقلّ - حينئذٍ - من تمليك الثمرة والمنفعة، فتكون - حينئذٍ - تلك المنفعة مملوكة لتلك الجهة ولذلك العنوان.

ويأتي فيه ما تقدّم من شبهة مالكيّة المعنونات بالملك الشخصيّ مع جوابه(1).

3. ملكيّة الأراضي الخراجيّة: والتي هي ملك للمسلمين سواء قلنا بأنَّ المالك (طبيعيّ المسلم بنحو صرف الوجود، بحيث يكون كلّ فرد في الخارج مصداقاً للمالك لا نفس المالك، أو يقال: إنَّ الأُمّة الإسلاميّة بمجموعها شخصيّةٌ واحدة، نسبتها إلى زيد وعمرو كنسبة زيد إلى أذنه وعينه وأنفه، وهذه الشخصيّة المعنويّة الواحدة هي المالكة الحقيقيّة، وهذان النحوان يرجعان إلى ملكيّة الجهة)(2).

4. ملكيّة عنوان المسجد: فهو مالكٌ لما يوقف عليه، وكذا مالكٌ للبناء الموجود فيه - بناءً على أنَّ المسجد هو المكان لا البناء الموجود فيه -، فلو كان نفس البناء هو المسجد لما صحّ بيع ما يخرب من بناء المسجد، بقرينة أنَّ وقفيّة المسجد هي عبارة عن تحرير الرقبة، فلا تصحّ المعاوضة عليها.

ص: 98


1- يلاحظ: ص 97.
2- بحوث في فقه الاقتصاد الإسلاميّ: 167.

5. الخمس: فإنَّ نصفَه - أو جميعه على قول(1) - ملكٌ للإمام (علیه السلام)، بناءً على أنَّه ملك للإمام (علیه السلام) بما هو إمام؛ أيْ: ملك للمقام والمنصب، لا أنَّها ملك شخصيّ.

ونصف الخمس الآخر للعنوان الجامع بين الفقراء والمساكين وابن السبيل.

6. ملكيّة النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) والإمام (علیه السلام) للأنفال، بناءً على أنَّها ملك للمنصب والمقام.

نعم، بعد قيام الدليل - كما عرفت - على ملكيّة الجهة في جملة من الموارد يأتي الكلام في تعميم ملكيّة الجهة للجهات والشخصيّات الحقوقيّة التي لم يقم الدليل الخاصّ على ثبوت ملكيّتها، كالبنوك والشركات التي يكون المالك لأموالها نفس البنك ونفس الشركة لا أصحاب الأسهم فيها، ومنها الدولة، وهو ما سيتناوله البحث التالي.

ص: 99


1- ذهب جملة من المحقّقين إلى أنَّ الخمس حقّ وحدانيّ كلّه للإمام (علیه السلام)، منهم: الشيخ فيّاض الدين الزنجانيّ في كتابه (ذخائر الإمامة في الخمس: 226)، وممّن اختاره أيضاً الشيخ المنتظريّ في كتابه (الخمس: 261 وما بعد)، والسيّد كاظم الحائريّ في (مباني فتاوى في الأموال العامّة: 107 - 111)، وشيخنا الأستاذ (دامت برکاته) في مجلس الدرس، وجذور هذا القول موجودة في كلمات صاحب المنتقى (منتقى الجمان: 2/ 439 - 440)، والذخيرة (ذخيرة المعاد/ ط. حجريّة: 481)، وأشار إليه في الجواهر بقوله: (ولظهور سياق أكثر الأخبار فيه من إضافته إليهم (علیهم السلام) وتحليلهم (علیهم السلام) بعض الناس منه، وغير ذلك ممّا يومي إلى أنَّ ولاية التصرّف والقسمة إليه (علیه السلام)، وللأمر بإيصاله إلى وكيله (علیه السلام) في صحيحة ابن مهزيار الطويلة، بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتّفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أنّ الخمس جميعه للإمام (علیه السلام) وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زاد كان له (علیه السلام)، ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، وحلّلوا منه مَن أرادوا). جواهر الكلام: 16/ 155.

أدلّة ملكيّة الدولة

اشارة

المناسب أن تجعل الأدلّة في مقامين:

المقام الأوّل: الأدلّة العامّة

والتي يستدلّ بها على ملكيّة الجهات والشخصيّات الحقوقيّة التي لم يقم عليها دليل خاصّ، فإنَّ الدولة - على ما تقدّم(1) - من مصاديق تلك الجهات.

المقام الثاني: الأدلّة الخاصّة لإثبات ملكيّة الدولة.

المقام الأوّل: الأدلّة العامّة

اشارة

قد طرحت في الاستدلال على ملكيّة الدولة عدّة أدلّة.

الدليل الأوّل: السيرة والارتكاز العقلائيّ

وحاصله: أنَّ هناك سيرة قائمة على ملكيّة جملة غير قليلة من الجهات الاعتباريّة، والشارع قد اعتبر تلك السيرة ليس بالإمضاء وعدم الردع فقط، بل بالأدلّة الخاصّة والصريحة كما في المصاديق المتقدّمة، فإذا أضفنا لذلك - ما هو الصحيح - من أنَّ إمضاء الشارع للسيرة إنَّما هو إمضاء للنكتة والارتكاز القائمة عليها تلك السيرة، لا أنَّه إمضاء لخصوص الفعل الخارجيّ، فيمكن - حينئذٍ - تعميم الحكم للمصاديق

ص: 100


1- يلاحظ: ص 96.

المندرجة تحت ذلك الارتكاز والتي استحدثت ووجدت بعد زمن الإمضاء من الشارع؛ فإنَّ الارتكاز - كما هو واضح - أوسع دائرة من الفعل الخارجيّ المعمول به في زمن الإمضاء.

ومسألتنا من هذا القبيل؛ فإنَّ السيرة تكشف عن كون ملكيّة الجهات الاعتباريّة من الأمور الارتكازيّة والتي قد أمضاها الشارع، وبالتالي ملكيّة الجهات الاعتباريّة المستحدثة، كمالكيّة نفس الشركات الأهليّة، فإنَّه لمّا كانت مصداقاً لذلك الارتكاز فهي ممضاة ومعتبرة شرعاً.

ويمكن مناقشة ذلك بأمور:

أوّلاً: أنَّ ما ذكر إنَّما يتمّ فيما إذا وجد مصداق حقيقيّ جديد لذلك الارتكاز، ولا يتمّ فيما إذا لم يكن المتحقّق مصداقاً حقيقيّاً جديداً، وإنَّما كان هناك توسّع من قبل العقلاء والذي يتمثّل بإحدى حالتين:

1. توسّع من العقلاء في الحكم، كما لو وسّع العقلاء في الحكم بالملكيّة، فحكموا بحصولها بالحيازة والبيع، وحكموا أيضاً بحصولها من خلال وقوع ضوء المصباح - مثلاً - على ذلك الشيء المباح، فهذا مرجعه إلى إيجاد حكم جديد للعقلاء لم يكن مستبطناً في الارتكاز السابق؛ لأنَّ حقيقة الاعتبار العقلائيّ هو التوسّع في الحكم.

وعدم سراية الحكم الممضى لهذه الحالة واضح.

2. إيجاد العقلاء لفرد اعتباريّ جديد لذلك الموضوع، كما لو اعتبر العقلاء أنَّ وقوعَ ضوء المصباح على ذلك الشيء المباح مصداقٌ للحيازة، فهكذا اعتبار لا يوجِد فرداً ومصداقاً حقيقيّاً، وإنَّما مرجعه إلى التوسّع في الحكم، فيرجع إلى الحالة السابقة.

ص: 101

ومسألتنا من هذا القبيل، فإنَّ (الملكيّة أو الذمّة أو المعاملة التي يراد إثباتها بالارتكاز هي الحكم، وموضوعها الموجود في زمن المعصوم (علیه السلام) كان عبارة عن الشخص الحقيقيّ وبعض الشخصيّات الحقوقيّة. وأمّا مثل شخصيّة الشركة القانونيّة أو الجمعيّة أو المؤسّسة التي لم تكن اعتبرت وقتئذٍ شخصيّة حقوقيّة - إذ لم تكن خاطرة على البال أصلاً - فاعتبارها في يومنا هذا شخصيّة حقوقيّة يرجع بروحه إلى توسيع جديد لدائرة الحكم والارتكاز)(1).

وثانياً: التشكيك في أصل وجود هكذا ارتكاز في زمن المعصوم (علیه السلام)، فنحن (نحتمل أنَّ الارتكاز الثابت في هذا اليوم يكون أحد أجزاء العامل المكوّن له تطوّر الحياة وتجدّد الحاجة إلى هذه الشخصيّات، فلنفترض أنَّه لو كان هذا التطوّر في الحياة ثابتاً في زمن المعصوم وكانت الحاجة الفعليّة ثابتة وقتئذٍ لحصل هذا الارتكاز آنذاك، ولكنّ المفروض أنَّ هذا التطوّر وهذه الحاجة لم يكونا وقتئذٍ، فلا دليل على ثبوت هذا الارتكاز آنذاك)(2).

فالنتيجة أنَّ السيرة والارتكاز لا يتمّان.

الدليل الثاني: التمسّك بإطلاقات البيع والتجارة

كقوله تعالى: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾(3).

ببيان: أنَّه إذا حصلت المبادلة والبيع بين الشخصيّة الحقوقيّة وطرف آخر - سواء

ص: 102


1- فقه العقود: 1/ 93.
2- فقه العقود: 1/ 94.
3- سورة البقرة: 275.

أكان شخصيّة حقوقيّة أيضاً أم فرداً - فعند الشكّ في صحّتها من عدمه يتمسّك بإطلاق﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ لتصحيح تلك المعاملة، وبذلك تثبت ملكيّة تلك الشخصيّة الحقوقيّة؛ لأنَّ صحّة البيع متوقّفة على ملكيّة الطرفين.ويمكن الإيراد عليه: بأنَّ التمسّك بالإطلاق فرع إحراز الموضوع مع الشكّ في شموله لجميع أفراد البيع، وفي المقام الموضوع غير محرز، فالمبادلة بين تلك الشخصيّة الحقوقيّة وغيرها من أفراد أو شخصيّات حقوقيّة أُخر لا بُدَّ أن يصدق عليها البيع حتّى يتمسّك بإطلاق ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ لتصحيحها، والحال أنَّنا نشكّ في تحقّق موضوع البيع وصدقه في المقام، فلا يمكن التمسّك بتلك المطلقات لتصحيح هكذا معاملة؛ فإنَّه من قبيل التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.

وبعبارة أخرى: أنَّا نمنع من صدق البيع - في عصر النصّ - على البيع الذي يكون أحد طرفيه أو كلاهما جهة حقوقيّة معنويّة؛ وذلك للشكّ في ملكيّتها، فإنَّ ملكيّة الجهة وبالتالي وقوعها طرفاً في معاملة لا يحرز كونها حالة موجودة في حياة العقلاء وأهل العرف في عصر النصّ.

نعم، في العصور المتأخّرة وجدت هذه الحالة في حياة بعض أهل العرف فقالوا بمالكيّتها وصدق البيع عليها.

ولكن مع ذلك فإنَّ التمسّك بالإطلاق - حينئذٍ - متوقّف على عدم احتمال مخالفة الشرع للعرف، فلا يكفي مجرّد الصدق العرفيّ المتأخّر للتمسّك بالإطلاق، وشرعاً نحتمل عدم صدق البيع؛ لأنَّ البيع الشرعيّ هو ما تحقّقت فيه الشروط الشرعيّة ومنها ملكيّة الطرفين، وملكيّة الجهة المعنويّة غير معلومة شرعاً.

ص: 103

قد يقال: إنَّه مع إحراز كونه بيعاً عرفاً والشكّ في كونه كذلك شرعاً فيمكن التمسّك بالإطلاق المقاميّ لإثبات كونه بيعاً شرعاً.

ببيان: أنَّ البيع في المقام هو بيع عرفي، فلو كان الشارع لم يرتضِ ذلك وكان يرى هكذا شخصيّة حقوقيّة لا تملك، وبالتالي لا يكون هذا البيع شرعيّاً لكان عليه البيان، وبما أنَّه لم يبيِّن ذلك فيكون البيع - حينئذٍ - من هذه الجهة لا يزيد على البيع في نظر العرف، فيحرز بذلك موضوع تلك المطلقات، ويتمّ التمسّك بها.

ويرد عليه: أنَّ التمسّك بالإطلاق المقاميّ في المقام إنَّما يتمّ بلحاظ نظر العرف المعاصر للمعصوم (علیه السلام)، ولا بُدَّ من إحراز أنَّه كان يرى ملكيّة هكذا شخصيّة حقوقيّة، وأنَّ البيع معها صحيح، ولإثبات ذلك لا بُدَّ من الرجوع إلى الدليل الأوّل وإثبات سعة دائرة الارتكاز في زمن المعصوم (علیه السلام)، وقد تقدّم عدم تماميّته(1).

وكذا الكلام في باقي المطلقات ك-﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾(2) و﴿تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ﴾(3)، فإنَّ التمسّك بها من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة؛ للشكّ في صدق العقد أو التجارة إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما جهة حقوقيّة معنويّة بعد الشكّ في ملكيّتها.

ص: 104


1- يلاحظ: ص 102.
2- سورة المائدة: 1.
3- سورة النساء: 29.
الدليل الثالث: التمسّك بولاية الفقيه
اشارة

ونذكر لذلك وجهين:

الوجه الأوّل

التمسّك بالولاية العامّة للفقيه، بدعوى أنَّه من صلاحية الولي الفقيه إمضاء الملكيّة لهكذا شخصيّات حقوقيّة إذا رأى أنَّ المصلحة تقتضي ذلك.

وتماميّة هذا الوجه تتوقّف على أمرين:

الأمر الأوّل: القول بالولاية العامّة للفقيه.

الأمر الثاني: البناء على سعة دائرة ولاية الفقيه لهكذا حالات.

وأمّا إذا قلنا بأنَّها محدودة بما لا يكون خروجاً عمّا هو ثابت في الشريعة فحينئذٍ لا يتمّ هذا الوجه، فإنَّه لو (كانت الشخصيّة الحقوقيّة للشركة - مثلاً - بحدّ ذاتها غير ثابتة في الشريعة لبطلان الوجه الأوّل والثاني الماضيين لتصحيحها، فولاية الفقيه عاجزة عن تصحيحها؛ فإنَّ ولاية الفقيه على المجتمع أو على أصحاب الشركة إنَّما تدلّ على أنَّه يحلّ محلّهم في التصرّف، ويكون أولى بالتصرّف منهم، فلو كان أمر إيجاد الشخصيّة الحقوقيّة بيدهم ثبت بذلك أنَّه من حقّه إيجادها بالولاية عليهم. أمّا إذا لم يكن ذلك بيدهم، وكانت الشخصيّة الحقوقيّة في ذاتها منفيّة شرعاً، فإيجاد الفقيه لها خروج على نظام الإسلام، وهذا غير صحيح، والشكّ في ذلك كافٍ في عدم الثبوت)(1).

نعم، يمكن للفقيه إعمال الولاية بلحاظ الآثار العمليّة لتلك الشخصيّات الحقوقيّة حتّى مع عدم ثبوت تلك الشخصيّات الحقوقيّة؛ (وذلك بأن يلحظ الفقيه

ص: 105


1- فقه العقود: 1/ 103.

الآثار العمليّة المترتّبة على فرض الشخصيّة الحقوقيّة، ويأمر بها إذا رأى المصلحة الاجتماعيّة في ذلك من دون خلق هذه الشخصيّة ابتداءً - التي فرضنا أنَّها لا تخلق ابتداءً بولاية الفقيه -، وذلك بالقدر الذي لا يتنافى مع نظام الإسلام)(1).

الوجه الثاني

إعمال الفقيه لولايته من باب الحسبة، وهذا ما سيأتي توضيحه عند ذكر دليل الحسبة على ملكيّة الدولة(2).

ولا يخفى أنَّ دخول العنوان تحت الأمور الحسبيّة - والتي لا يرضى الشارع بتفويتها - موجب لكونه من الأمور الشرعيّة، فلا يرد عليها الإشكال المتقدّم من أنَّ إعمال الفقيه لولايته محدود بالأمور الثابتة في الشريعة(3).

ص: 106


1- فقه العقود: 1/ 104.
2- يلاحظ: ص 119.
3- يلاحظ: ص 105.

المقام الثاني: الأدلّة الخاصّة

الدليل الأوّل
اشارة

قيام الدليل على ثبوت الملكيّة في جملة من المصاديق والتي أدرجها بعض(1) تحت عنوان ملكيّة الدولة.

وقبل البحث في تلك المصاديق يستحسن الإشارة إلى مقدّمة، وحاصلها:

إنَّ ملكيّة الأموال في بيت المال على نحوين:

النحو الأوّل

ملكيّة عامّة؛ أيْ: ملكيّة جهة عامّة جامعة لطائفة أو طوائف من أفراد المجتمع وليست لعموم المسلمين، كملكيّة الفقراء للزكاة، أو من قبيل كونها ملكيّة للمسلمين عامّة كملكيّة الأراضي الخراجيّة، وغيرها من مصاديق ملكيّة الجهة التي تقدّم ذكرها(2)، والتي قام الدليل على ثبوتها. ويصطلح عليها بالأموال العامّة.

النحو الثاني
اشارة

ملكيّة الإمام (علیه السلام) بما هو إمام، أيْ: الأموال التي تعود ملكيّتها لمنصب الإمامة - بناءً على القول به - وهذا ما يصطلح عليه بملكيّة الدولة، كالخمس بناءً على أنَّه ملك لمنصب الإمامة، وهي تندرج أيضاً تحت عنوان الأموال العامّة.

فالبحث في ثبوت ملكيّة الدولة يجب أن ينصبّ على المصاديق التي تندرج تحت عنوان ملكيّة المنصب.

وقبل الدخول في البحث عن تلك المصاديق لابأس بالإشارة إلى أهمّ الفوارق بين ملكيّة عامّة المسلمين وملكيّة الدولة - على تقدير القول بها -، ونكتفي في ذلك بما

ص: 107


1- يلاحظ: ص 110 وما بعدها.
2- يلاحظ: ص 98.

ذكره السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) حيث قال:

(وهاتان الملكيّتان - الملكيّة العامّة للأمّة، وملكيّة الدولة - وإن اتفقتا في المغزى الاجتماعي إلّا أنَّهما يعتبران شكلين تشريعيّين مختلفين؛ لأنَّ المالك في أحد الشكلين هو الأمّة، والمالك في الشكل الآخر هو المنصب، الذي يباشر حكم تلك الأمّة من قبل الله.

وينعكس الفرق بين الشكلين في الأمور التالية:

أوّلاً: طريقة استثمار كلّ من المِلكيّتين والدور الذي تؤدّيه للمساهمة في بناء المجتمع الإسلاميّ، فالأراضي والثروات التي تُمْلَك ملكيّة عامّة لمجموع الأمّة يجب على وليّ الأمر استثمارها للمساهمة في إشباع حاجات مجموع الأمّة، وتحقيق مصالحها العامّة التي ترتبط بها ككلّ، نحو إنشاء المستشفيات، وتوفير وتهيئة مستلزمات التعليم، وغير ذلك من المؤسّسات الاجتماعيّة العامّة التي تخدم مجموع الأمّة.

ولا يجوز استخدام الملكيّة العامّة لمصلحة جزء معيّن من الأمّة ما لم ترتبط مصلحته بمصلحة المجموع، فلا يسمح بإيجاد رؤوس أموال - مثلاً - لبعض الفقراء من ثمار تلك الملكيّة ما لم يصبح ذلك مصلحة وحاجة لمجموع الأمّة، كما إذا توقّف حفظ التوازن الاجتماعيّ على الاستفادة من الملكيّة العامّة في هذا السبيل.

وكذلك لا يسمح بالصرف من ريع الملكيّة العامّة للأمّة على النواحي التي يعتبر وليّ الأمر مسؤولاً عنها من حياة المواطنين الذين في المجتمع الإسلاميّ.

وأمّا أملاك الدولة فهي كما يمكن أن تستثمر في مجال المصالح العامّة لمجموع الأمّة كذلك يمكن استثمارها لمصلحة معيّنة مشروعة، كإيجاد رؤوس أموال منها لمن هو بحاجة إلى ذلك من أفراد المجتمع الإسلاميّ، أو أيّ مصلحة أخرى من المصالح

ص: 108

التي يعتبر وليّ الأمر مسؤولاً عنها.

ثانياً: أنَّ الملكيّة العامّة لا تسمح بظهور حقّ خاصّ للفرد، فقد رأينا في ما سبق أنَّ الأرض المفتوحة عنوة والتي تعود ملكيّتها للأمّة لا يكسب الفرد فيها حقّاً خاصّاً ولو مارس عليها عملية الإحياء، خلافاً لملك الدولة فإنَّ الفرد قد يكتسب في ممتلكاتها حقّاً خاصّاً على أساس العمل بالقدر الذي تأذن به الدولة، فمن يُحيي أرضاً مَيتَة للدولة بإذن من الإمام يكتسب حقّاً خاصّاً فيها وإن لم يملك رقبتها، وإنّما هو حقّ يجعله أولى من الآخرين بها مع بقاء رقبتها ملكاً للدولة على ما يأتي.

ثالثاً: أنَّ ما يدخل في نطاق الملكيّة العامّة للأمّة لا يجوز لوليّ الأمر بوصفه وليّاً للأمر نقل ملكيّته إلى الأفراد ببيع أو هبة ونحو ذلك، خلافاً لما يدخل في نطاق ملكيّة الدولة فإنَّه يجوز فيه ذلك وفقاً لما يقدّره الإمام من المصلحة العامّة.

وهذا الفارق بين المِلكِيَّتين يقرّب هذين المصطلحين الفقهيّين نحو مصطلحي الأموال الخاصّة للدولة والأموال العامّة لها في لغة القانون الحديث، فما نطلق عليه اسم ملكيّة الدولة يوازي من هذه الناحية ما يعبّر عنه قانونيّاً بالأموال الخاصّة للدولة، بينما يناظر الملكيّة العامّة للأمّة ما يطلق عليه القانون اسم الأموال العامّة للدولة. غير أنَّ مصطلح الملكيّة العامّة للأمّة يتميّز عن مصطلح الأموال العامّة للدولة بأنَّه يستبطن النصّ على أنّ الأموال العامّة التي يشملها هي ملك الأمّة، ودور الدولة فيها دور الحارس الأمين، بينما ينسجم التعبير القانونيّ بالأموال العامّة للدولة مع هذا، كما ينسجم مع كونها ملكاً للدولة نفسها)(1).

ص: 109


1- اقتصادنا: 510 - 512.

وبعد اتّضاح هذه المقدّمة، يقع الكلام في بيان أهمّ المصاديق التي يمكن اندراجها تحت ملكيّة الدولة، والبحث يقع في مرحلتين: زمن الحضور، وزمن الغيبة.

المرحلة الأولى: ثبوت مصاديق لملكيّة الدولة في زمن الحضور
اشارة

وأهمّ تلك المصاديق هي:

المصداق الأوّل: الخمس

والمشهور(1) أنَّه يقسّم إلى نصفين: نصف للإمام (علیه السلام)، ونصف لبني هاشم.

والكلام في نصف الإمام (علیه السلام) هل هو ملك شخصيّ له (علیه السلام)، كما هو مختار جملة من المحقّقين(2)، ومعه لا يكون الخمس مصداقاً لملكيّة الدولة، أم أنَّه ملك للإمام (علیه السلام) بما هو إمام؛ أيْ: ملك لمنصب الإمامة، والذي اختاره جملة من المتأخّرين(3)، فالإمام بما هو إمام ورئيس للدولة يتصرّف في الخمس بما يراه مناسباً لإدارة شؤون الدولة،

ص: 110


1- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئيّ: 25/ 310.
2- قال في الجواهر مستدلِّاً لكلام المحقّق: ((نعم ما كان) قد (قبضه النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) أو الإمام (علیه السلام) من الأسهم السابقة (ينتقل إلى وارثه)؛ ضرورة صيرورته حينئذٍ كسائر أمواله التي فرض الله تقسيمها على الوارث، واحتمال اختصاص الإمام (علیه السلام) به أيضاً لقبض النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) له - مثلاً - بمنصب النبوّة أيضاً باطل قطعاً؛ إذ هو وإن كان كذلك لكنَّه صار ملكاً من أملاكه بقبضه وإن كان سببه منصب النبوّة، وفرق واضح بينه وبين انتقال الاستحقاق السابق للإمام). جواهر الكلام: 16/ 87 - 88.
3- كما هو مختار الشيخ المنتظريّ (كتاب الخمس: 267)، والسيّد الشهيد الصدر (قدس سره) (اقتصادنا: 479)، وتبعه بعض تلامذته، منهم شيخنا الأستاذ (دامت برکاته) في مجلس الدرس.

ومعه يكون الخمس مصداقاً شرعيّاً لملكيّة الدولة.

وقد استُدلّ على أنَّ الإمام بما هو إمام مالك للمنصب ببعض الأدلّة:

منها: آية الخمس، قال عزّ من قائل: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(1).

ببيان: أنَّه لا يمكن تعقّل الملكيّة الاعتباريّة لله سبحانه وتعالى؛ فإنَّ ملكيّته تعالى للأشياء ملكيّة حقيقيّة فلا معنى لجعلها ثانياً بالاعتبار، وعليه فكون الخمس مملوكاً لله تعالى لا بُدَّ أن يرجع لجهة ثابتة له تعالى، والجهة المناسبة لذلك هي جهة ولايته المطلقة وحاكميّته على شؤون الناس، فالمالك للخمس هو منصب الولاية والحاكميّة.

ثُمَّ إنَّ هذا المعنى من المالكيّة يكون ثابتاً للرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) وللإمام (علیه السلام) بمقتضى العطف في الآية، بل إنَّ نفس عطف الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) وعطف ذي القربى - والذي فسّر في الروايات بالإمام (علیه السلام) (2) - يكون مؤيّداً إن لم يكن دليلاً على ذلك؛ فإنَّ الجهة المشتركة بين المعطوف والمعطوف عليه هي الولاية والحاكميّة. نعم، هي على نحو الطوليّة لا العرضيّة.

ص: 111


1- سورة الأنفال: 41.
2- يلاحظ: وسائل الشيعة: 9/ 510 - 518، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، باب أنَّه يقسّم ستّة أقسام ثلاثة للإمام وثلاثة..، ح2، 4، 7، 9، 19، ص: 519، باب عدم وجوب استيعاب كلّ طائفة من مستحقّي الخمس، ح1.

ويؤكّد ذلك أيضاً ورود هذا السياق في آية الأنفال(1) وآية الفيء(2) مع وضوح أنَّهما ملك للمنصب.

واستُدلّ له أيضاً بالروايات التي قد يدّعى ظهورها في ذلك.

منها - ولعلّ أهمّها -: معتبرة أبي عليّ ابن راشد، عن صاحب العسكر (علیه السلام)، قال: قلت له: جُعلتُ فداك، نؤتى بالشيء فيقال: هذا ما كان لأبي جعفر (علیه السلام) عندنا فكيف نصنع؟ فقال: (ما كان لأبي جعفر (علیه السلام) بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيّه (صلی الله علیه و آله و سلم))(3).

ببيان: أنَّها دلّت على أنَّ ما كان للإمام (علیه السلام) بسبب الإمامة فهو ليس إرثاً، ممّا يعني أنَّه لم يكن ملكاً شخصيّاً للإمام (علیه السلام)، والخمس - كما هو واضح - يكون للإمام (علیه السلام) بسبب الإمامة.

وبذلك يدفع ما قد يقال من أنَّ حيثيّة الإمامة هنا مردّدة بين كونها تعليليّة أو

ص: 112


1- ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾. سورة الأنفال: 1.
2- ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. سورة الحشر: 6 - 7.
3- وسائل الشيعة: 9/ 537، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب أنّ الأنفال كلّها للإمام خاصّة لا يجوز التصرّف في شيء منها إلّا بإذنه، ح6.

تقييديّة، فإذا كانت تعليليّة فمعنى ذلك أنَّ الإمامة سبب لملكه وإن كان الملك ملكاً شخصيّاً.

وجه الدفع: أنَّ تفصيله (علیه السلام) ونفيه الإرث عن المال الذي يملكه بسبب الإمامة ظاهر وبوضوح في نفي كونه ملكاً شخصيّاً، فحتّى إن قلنا إنَّ الحيثيّة هنا تعليليّة فمع ذلك يثبت أنَّه مملوك للمنصب.

ومنها: معتبرة عليّ بن مهزيار، قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر (علیه السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس؟ فكتب بخطّه: (من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ)(1). بناءً على أنَّ الظاهر هو سؤال السائل عن تحليل تمام الخمس لا خصوص نصفه.

ومنها: الروايات التي جعلته للإمام (علیه السلام) كصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا (علیه السلام)، سئل عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ﴾، فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: (لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وما كان لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فهو للإمام). فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ، ما يصنع به؟ قال: (ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كيف يصنع، أليس إنَّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام)(2).

ص: 113


1- وسائل الشيعة: 9/ 543، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب إباحة حصّة الإمام من الخمس للشيعة مع تعذّر إيصالها إليه، ح2.
2- وسائل الشيعة: 9/ 519، أبواب قسمة الخمس، باب عدم وجوب استيعاب كلّ طائفة من مستحقّي الخمس، ح1.

ومنها: الروايات التي جعلته لعنوان الحجّة في زمانه، وهي مرفوعة أحمد بن محمّد، حيث ورد فيها: (..والذي للرسول هو لذي القربى، والحجّة في زمانه فالنصف له خاصّة..)(1).

ومنها: الروايات التي جعلته لعنوان أولي الأمر، كمرسلة حمّاد بن عيسى (..فسهم الله وسهم رسول الله لأولي الأمر من بعد رسول الله وراثة..)(2).

وغيرها من الروايات(3).

المصداق الثاني: الفيء والأنفال

لا إشكال في كون الفيء ملك لمنصب الإمامة، وكذا بعض مصاديق الأنفال. ويستدلّ لذلك بالآيات والروايات.

أمّا الآيات فقوله تعالى في الفيء: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ

ص: 114


1- وسائل الشيعة: 9/ 514 - 515، أبواب قسمة الخمس، باب أنَّه يقسّم ستّة أقسام..، ح9.
2- وسائل الشيعة: 9/ 513، أبواب قسمة الخمس، باب أنَّه يقسّم ستّة أقسام..، ح8.
3- يلاحظ: وسائل الشيعة: 9/ 487 - 488، أبواب ما يجب فيه الخمس، باب وجوب الخمس في غنائم دار الحرب، وفي مال الحربيّ، والناصب، ح5، 8. وأيضاً: 9/ 500 - 504، باب وجوب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات، ح2، 3، 5، 8. وكذلك: 9/ 524، 529، 534، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب أنَّ الأنفال كلّ ما يصطفيه من الغنيمة، وكلّ أرض ملكت بغير قتال، ح3، 16، 33. وأيضاً: 9/ 543 - 550، باب إباحة حصّة الإمام من الخمس للشيعة مع تعذّر إيصالها إليه، وعدم احتياج السادات، ح2، 3، 9، 14، 20.

قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(1).

وقوله تعالى في الأنفال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(2).

ودلالتها بنفس البيان المتقدّم في آية الخمس(3).

وأمّا الروايات فهي كثيرة..

منها: صحيحة حفص بن البختريّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء)(4).

وهي تكاد تكون صريحة في إرادة منصب الإمامة؛ فإنَّه (لم يفرض حصول أنفال في زمن الإمام، وإنَّما فرض أنَّ نفس الأنفال التي كانت باليد في زمن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) تكون للإمام من بعده يضعه حيث يشاء. وهذا لا يكون إلَّا مع فرض كون الأنفال

ص: 115


1- سورة الحشر: 6 - 7.
2- سورة الأنفال: 1.
3- يلاحظ: ص 111.
4- وسائل الشيعة: 9/ 523، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، الباب: 1، باب أنَّ الأنفال كلّ ما يصطفيه من الغنيمة، وكلّ أرض ملكت بغير قتال، ح1.

لمنصب الإمامة؛ إذ لو كانت لشخص الرسول لانتقلت بوفاة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى الورثة لا إلى الإمام من بعده)(1).

ومنها: معتبرة أبي عليّ ابن راشد المتقدّمة وبنفس البيان المتقدّم(2).

ومنها: صحيحة أبي ولّاد الحنّاط، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً، فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمّة من قرابته؟ فقال: (على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين؛ لأنَّ جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين).

قلت: فإن عفا عنه الإمام.

قال: فقال: (إنَّما هو حقّ جميع المسلمين، وإنَّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له أن يعفو)(3).

ببيان: أنَّ إرث من لا وارث له أحد مصاديق الأنفال، والتي هي ملك للإمام بما هو إمام، لا أنَّها ملك شخصيّ له، وإلَّا لكان له العفو.

ص: 116


1- مباني فتاوى في الأموال العامّة: 338 - 339.
2- يلاحظ: ص 112.
3- وسائل الشيعة: 29/ 124، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، باب أنَّ المسلم إذا قتله مسلم وليس له وليّ إلّا ذمّيّ، ح1.

وأمّا قوله (علیه السلام): (فجعلها في بيت مال المسلمين) فلا يراد منه كونه ملكاً للمسلمين حتّى يقسّم بينهم مثلاً؛ لتصريحه بأنَّه للإمام (علیه السلام)، بل المراد منها أنَّ الإمام يصرفه بما يكون في صالح المسلمين، فإنَّ ذلك من شؤون إمامته.

ونحوها غير واحدة من الروايات.

هذا، بالإضافة إلى الروايات التي صرّحت بأنَّ الأنفال للإمام (علیه السلام)، كمعتبرة سماعة بن مهران، قال: سألته عن الأنفال؟ فقال: (كلّ أرض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام، وليس للناس فيها سهم). قال: (ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب)(1).

ورواية محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول وسئل عن الأنفال، فقال: (كلّ قرية يهلك أهلها، أو يجلون عنها، فهي نفل لله عزّ وجلّ، نصفها يقسّم بين الناس، ونصفها لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فما كان لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فهو للإمام)(2).

ونحوها بقيّة روايات الباب، فإنَّها ظاهرة في كونها ملكاً للمنصب.

ص: 117


1- وسائل الشيعة: 9/ 526، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب أنَّ الأنفال كلّ ما يصطفيه من الغنيمة، وكلّ أرض ملكت بغير قتال، ح8.
2- وسائل الشيعة: 9/ 526، أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، باب أنَّ الأنفال كلّ ما يصطفيه من الغنيمة، وكلّ أرض ملكت بغير قتال، ح7.
المرحلة الثانية: أيْ ثبوت ملكيّة الدولة في زمن الغيبة
اشارة

ولإثبات ذلك من عدمه نذكر جهتين:

الجهة الأولى: التمسّك بالولاية العامّة للفقيه
اشارة

الفقهاء - كما هو معلوم - مختلفون من جهة ثبوت الولاية للفقيه، ومقدار نيابته عن المعصوم (علیه السلام)، فيمكن للقائل بأنَّ الخمس ملك لمنصب الإمامة أن ينكر تنصيب الإمام لقيّم على الخمس ينوب عنه (علیه السلام)، ممّا يعني أنَّه يقول بمالكيّة الدولة مع عدم وجود القيّم الشرعيّ على ذلك المال في زمن الغيبة.

وبالتالي توجد أربعة احتمالات في مسألتنا من هذه الجهة:

الاحتمال الأوّل

القول بأنَّ الخمس ملك لمنصب الإمامة، والقول أيضاً بثبوت الولاية للفقيه، ونتيجة ذلك هو القول بملكيّة الدولة مع وجود القيّم الشرعيّ في زمن الغيبة.

الاحتمال الثاني

القول بأنَّ الخمس ملك لمنصب الإمامة مع إنكار ثبوت الولاية للفقيه.

نعم، بعض المنكرين لثبوت الولاية العامّة للفقيه يقولون بثبوت ولاية للفقيه على الأمور العامّة من باب الحسبة والتي من مصاديقها محلّ الكلام، فتكون النتيجة على ضوء ذلك نفس نتيجة الاحتمال الأوّل.

أمّا من ينكر ثبوت حتّى هكذا ولاية للفقيه فيكون - حينئذٍ - من القائلين بملكيّة الدولة مع عدم وجود القيّم الشرعيّ في زمن الغيبة.

الاحتمال الثالث

القول بأنَّ الخمس ملك شخصيّ للإمام (علیه السلام) مع القول بثبوت

ص: 118

الولاية العامّة للفقيه. ومن الواضح أنَّ كون الخمس ملكاً شخصيّاً للإمام (علیه السلام) يلازم عدم ثبوت ملكيّة الدولة بهذا الطريق.

الاحتمال الرابع

القول بأنَّ الخمس ملك شخصيّ للإمام (علیه السلام)، مع إنكار الولاية العامّة للفقيه، وحكمه يتّضح من الاحتمال السابق.

الجهة الثانية: التمسّك بالحسبة
اشارة

أيْ: إثبات مالكيّة الدولة أو بعض مصاديقها من باب اندراجها في الأمور الحسبيّة والتي تكون تحت يد الفقيه.

ولبيان ذلك نحتاج لتوضيح نظرية الحسبة أوّلاً، وإمكان تطبيقها في المقام ثانياً.

أمّا توضيح النظرية فنكتفي بما جاء في كلمات الشيخ التبريزيّ (قدس سره) حيث قال في تعريفها: (هي المصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة على شخص معيّن، المعبّر عنها بالأمور الحسبيّة، وهي التي علم من الشرع العمل بها وعدم جواز تركها، وأنَّ التكليف بها لم يتوجّه إلى شخص معيّن، ولا تكون من الواجب الكفائيّ لتكون مطلوبة على كلّ أحد، كالتصرّف في أموال القصّر من الذين ليس لهم أولياء، والموقوفات العامّة التي لم يعيّن المتولّي لها من قبل الواقفين، أو قام الدليل على كونها بيد وليّ أمر المسلمين، والحاكمين، كإقامة الحدود والتعزيرات، والتصدّي لجمع الحقوق الشرعيّة وصرفها لمواردها، والتصدّي لتنظيم أمر جوامع المسلمين وبلادهم)(1).

ثُمَّ ذكر (قدس سره) في موضع آخر: أنَّ المتصدّي لأمور المسلمين إن كان صالحاً للتصدّي

ص: 119


1- إرشاد الطالب في شرح المكاسب: 4/ 204.

لتنظيم أمورهم ورعاية مصالحهم (أنَّه إذا توقّف تأمين نظام البلاد على تحصيل المال كالزكاة، حيث يجوز صرفها على تحصيل الأمن ونظام البلاد، وجب إيصالها إليه مع احتياجه ومطالبته بها، بل لو طالب المال تبرّعاً في صورة احتياجه وجب على الناس الاستجابة، كلّ ذلك تمكيناً للمتصدّي من المال اللازم لتهيئة أمن البلاد، وتأمين الحوائج العامّة التي تصدّى لتأمينها، كما أنَّ للمتصدّي تحصيل المال بإخراج المعادن من الأراضي المباحة، ووضع اليد على الغابات ونحوها، وتكون كلّ هذه الأموال ملكاً للحكومة الإسلاميّة، نظير ملك المال للعناوين، ولا تدخل في ملك شخص المتصدّي، غاية الأمر يكون للمتصدّي الولاية في التصرّف في تلك الأموال ليصرفها في الموارد التي يتوقّف عليها نظام البلاد، وتأمين حوائج أهلها..

ولا يخفى أنَّ كلّ تصرّف لا يخرج عن حدود التحفّظ على حوزة الإسلام والمسلمين نافذ من المتصدّي لأمور المسلمين فيما إذا كان مقتضى الأدلّة الأوّليّة جوازه، كهيئة مراكز الثقافة لنشر العلوم وبسط الرفاه الاجتماعيّ، وأنَّ كلّ تصرّف يكون مقتضى الأدلّة عدم جوازه كالتصرّف في بعض أموال آحاد الناس وقهراً عليهم وأمثال ذلك فلا يدخل في ولاية المتصدّي)(1).

ولنأخذ كمثال ومصداق للأمور الحسبيّة مسألة البنوك، فالبنوك أمر لا يمكن الاستغناء عنه في ضمن التعاملات الاقتصاديّة والقضايا الماليّة للمجتمعات المعاصرة، فكثير من المعاملات البنكيّة تُوجِد نوعاً من التسهيلات العمليّة للأفراد بحيث يكون المقابل لها أمراً بدائيّاً مرغوباً عنه.

ص: 120


1- إرشاد الطالب في شرح المكاسب: 4/ 219 - 220.

فعلى سبيل المثال مسألة نقل الأموال من بلد إلى بلد، فإنَّ في مقابل نقلها عن طريق البنوك - وما تتضمّنه من تسهيلات وسرعة نقل وأمان - هو نقلها عن طريق الشخص نفسه أو من ينوب عنه من بلد إلى بلد، ولا يخفى ما تكتنفه هذه الطريقة من مخاطر وتعقيدات، وعليه فمن البعيد جدّاً أن يرفض الشارع الطريقة الأولى، بل إنَّ رفض جملة من عمليات البنوك قد يترتّب عليه جملة ليست باليسيرة من المعوّقات لمصالح العباد.

فتأسيس البنوك من الأمور التي قد يُطمأن بأنَّ الشارع يرى العمل بها، وعدم جواز تركها، فتدخل في الأمور الحسبيّة.

ويؤكّد ذلك: أنَّ القول بأنَّ أموال البنوك الحكوميّة ليست مملوكة للدولة وإنَّما هي مجهولة المالك يلزم منه جملة من اللوازم(1):

اللازم الأوّل

أنَّ المودع لأمواله في البنك يكون بمثابة المتلف لها شرعاً؛ وذلك لأنَّ الإيداع لدى البنك إن كان بعنوان الإقراض فهو متوقّف على تملّك البنك لذلك القرض، وإن كان بعنوان المضاربة أو الجعالة فهو أيضاً متوقّف على قابلية البنك للتملّك حتّى يتملّك حصّته من الربح أو العوض المعلوم، وهكذا، فدفع المال إلى طرف غير قابل للتملّك يكون بمثابة الإتلاف له، ولذا رتّب بعض الفقهاء على ذلك الخمس بمجرّد الإيداع.

قال بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی): (لا يجوز الإيداع في البنوك الحكوميّة بمعنى إقراضها مع اشتراط الحصول على الزيادة، فإنَّه ربا، بل إعطاء المال إليها ولو من

ص: 121


1- يلاحظ: كتاب فقه البنوك (تقرير درس الشيخ الإيروانيّ (دامت برکاته)): 72 وما بعدها.

دون شرط الزيادة بمنزلة الإتلاف له شرعاً؛ لأنَّ ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك، بل من المال المجهول مالكه، وعلى ذلك يشكل إيداع الأرباح والفوائد التي يجنيها الشخص أثناء سنته في البنوك الحكوميّة قبل إخراج الخمس منها؛ لأنَّه مأذون في صرفه في مؤونته، وليس مأذوناً في إتلافه، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه)(1).

اللازم الثاني

أنَّ الأموال التي يسحبها المودع لدى البنك لن تكون ملكاً له، بل تكون مجهولة المالك؛ لأنَّ الأموال التي أودعها في البنك قد أتلفها شرعاً، فما يسحبه من البنك لا يترتّب عليه عنوان ماله الأوّل، وما قبضه من أموال قبضه من جهة غير مالكة.

ويترتّب على ذلك عدم جواز التصرّف في تلك الأموال من قبل القابض إن لم يكن مستحقّاً؛ بناءً على اشتراط التصدّق على الفقير بجميع المال في مصرف مجهول المالك، بل بطلان كثير من معاملات الاستيراد والتصدير وغيرها، والتي يتمّ تحويل الأموال إلى البائع أو المشتري عن طريق البنوك.

ومنه يظهر أنَّ إعطاء إذنٍ من الفقيه في جواز التصرّف فيها موقوف: إمّا على عدم اشتراط أن يكون المتصدَّق عليه فقيراً، أو إعمال الفقيه لولايته على تقدير قوله بها ولو من باب الحسبة مع تحقّق موضوعها خارجاً، أو من باب كون الحاكم الشرعيّ وكيلاً عن الفقير في القبض والتصرّف كما اختاره بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی).

ص: 122


1- منهاج الصالحين للسيّد السيستانيّ: 1/ 480، مستحدثات المسائل (الاقتراض - الإيداع)، مسألة: 5.

جاء في موقع مكتبه (دام ظله العالی): (السؤال: هل صدر من سماحتكم إذنٌ عامّ لجميع من قلّدكم في قبض مجهول المالك أو الإذن خاصّ لمن يطلب ذلك؟

الجواب: قد أذِنّا لإخواننا المؤمنين (وفّقهم الله تعالى لمراضيه) في ما يستلمونه من المؤسّسات الحكوميّة، أو المشتركة بالطرق القانونيّة أن يقبضوه من قبل موكّلينا من الفقراء بنيّة التصدّق عليهم، ثُمَّ يتملّكوه لأنفسهم. هذا في الرواتب ونحوها.

وأمّا في الفوائد المصرفيّة وشبهها فقد أذِنّا لهم في تملّك النصف منها بالطريقة المذكورة بشرط التصدّق بالنصف الآخر على الفقراء المتديِّنين)(1).

اللازم الثالث

كلّ مال يقبضه من البنك يلزم تخميسه بعد مضيّ الحول؛ لأنَّه مال جديد دخل في ملكه، وهكذا إذا أودعه من جديد فيلزم تخميسه بمجرّد إيداعه، وتخميسه بعد مضيّ الحول على قبضه.

اللازم الرابع

عدم وجوب الخمس على مَن كان يتعامل بالصكوك وبطاقات الائتمان ولا يستلم بيده من البنك، كما هو حال الكثير من التجّار وغيرهم، بل هو الحالة الغالبة في كثير من البلدان؛ فإنَّ مجهول المالك لا يُملَك إلَّا بالقبض. نعم، إذا وسّعنا مفهوم القبض، وقلنا بصدقه على الحالة المذكورة فحينئذٍ ينتفي اللازم.

اللازم الخامس

أنَّ أموال الخمس والزكاة وغيرها من الحقوق الشرعيّة التي يتمّ تحويلها من بلد إلى بلد عن طريق البنك سينتفي عنها - حينئذٍ - عنوان ذلك الحقّ، وتتعنون بعنوان مجهول المالك.

ص: 123


1- الاستفتاءات (مجهول المالك): السؤال: 8.
اللازم السادس

باستطاعة أيّ شخص سحب أموال الآخرين إن كان مورداً لمصرف مجهول المالك، خصوصاً إذا لم نشترط إذن الحاكم الشرعيّ في التصرّف.

اللازم السابع

التصدّق بقيمة التصرّف في الأشياء من المرافق العامّة - كما إذا جلس في محطّة القطار - فإنَّها مجهولة المالك؛ فيلزمه التصدّق بقيمة ذلك التصرّف كما أفتى بذلك السيّد الخوئيّ (قدس سره) (1).

هذه بعض اللوازم التي تترتّب على القول بعدم ملكيّة الدولة، وكون الأموال التي تحت تصرّفها مجهولة المالك.

وبعض هذه اللوازم - كما اتّضح - يصعب الالتزام بها، أو إيجاد مخارج فقهيّة لها، وذلك يقوّي القول بمالكيّة البنك أو الدولة من باب الحسبة.

نعم، قد يقال: بإمكان الاكتفاء لتحصيل الغرض المدّعى بتأسيس البنوك الأهليّة المملوكة للأفراد والتي لا إشكال في ملكيّتهم لها، وذلك بخلاف تأسيس البنوك الحكوميّة والتي قد يستشكل فيها من جهة المحذور الإثباتيّ، وعدم قيام الدليل على ثبوت الملكيّة لها.

ويشهد لذلك: أنَّ البنوك الأهليّة - في جملة من الدول المتقدّمة في هذا المجال - لعلّها تمثّل عصب الحياة الاقتصاديّة فيها. ومع وجود البديل الشرعيّ لا تندرج مسألتنا تحت الأمور الحسبيّة.

وفيه: أنَّ الواقع الخارجيّ لعلّه على خلاف ذلك، فحتّى في تلك الدول هناك ما

ص: 124


1- يلاحظ: صراط النجاة: 3/ 333، سؤال: 694.

يسمّى بخزينة الدولة، أو البنك المركزيّ، تكون جملة من المعاملات والتسهيلات البنكيّة راجعة إليه، وبالتالي المنظومة الاقتصاديّة لأيّ بلد لا تستغني عنها.

هذا فضلاً عن كون كثير من تلك البنوك المالك لها نفس عنوان البنك.

ثُمَّ إنَّ هذا الدليل - على تقدير تماميّته - يمكن من خلاله إثبات ملكيّة الدولة الوضعيّة إن رأى الفقيه انطباق عنوان الحسبة عليها.

الدليل الثاني: السيرة والارتكاز العقلائيّ الممضى من الشارع

بتقريب: أنَّ سيرة العقلاء قائمة على وجود مؤسّسات لكلّ دولة تقوم بوظيفة إدارة شؤون المجتمع، وتلك المؤسّسات مرتبطة في جوانبها الماليّة بخزينة الدولة، أو بيت المال والتي كان العقلاء يتعاملون معها كعنوان اعتباريّ مالك لأموال تلك الدولة.

ثُمَّ إنَّ هذه السيرة كان معمولاً بها في زمن المعصومين (علیهم السلام)، ولم يتمّ الردع عنها، مع كثرة ابتلاء المؤمنين بالتعامل بأموال الدولة من جهة البيع أو الشراء أو العطاء وغيرها، ممّا يعني أنَّ الردع لو كان موجوداً لانعكس علينا بوضوح.

وفيه:

أوّلاً: دعوى أنَّ السيرة قائمة على مالكيّة بيت المال لأموال الدولة عهدتها على مدّعيها، واحتمال أنَّ جملة من الملوك والسلاطين كانوا يتعاملون مع تلك الأموال كملك شخصيّ ليس ببعيد. نعم، العطاء من بيت المال كان جارياً وثابتاً ولم يكن مختصّاً بموظّفي الدولة، بل يشمل قطّاعات من المجتمع تختلف دائرتها سعةً وضيقاً باختلاف الحكّام، لكن ذلك لا يتعارض مع ادّعائهم للملكيّة الشخصيّة؛ لإدراكهم أنَّ بقاء دولهم ودوام سلطانهم لا يتمّ إلَّا بذلك.

ص: 125

وعلى كلّ حال يكفينا التشكيك في أصل قيام السيرة.

وثانياً: على تقدير قيام السيرة فدعوى إمضائها المستكشف من إمضاء المعصوم (علیه السلام) أوّل الكلام، بل هو على خلاف الواقع؛ لصدور جملة من الروايات الدالّة على أنَّ الحكّام في عصرهم لا يملكون، وأنَّ العطاء الذي يؤخذ من بيت المال لمن يعمل تحت ولايتهم بحاجة إلى إذنٍ وإجازة، كما في موثّقة عمّار عن أبي عبد الله (علیه السلام): سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: (لا، إلّا أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت)(1).

ورواية أبي حمزة عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: سمعته يقول: (من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال، وما حرّمناه من ذلك فهو له حرام)(2)

وكذا روايات (لك المهنأ وعليه الوزر) كصحيحة أبي ولّاد، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلّا من أعمالهم، وأنا أمرّ به فأنزل عليه فيضيّفني ويحسن إليّ، وربّما أمر لي بالدرهم والكسوة، وقد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: (كُلْ وخذ منه، فلك المهنأ، وعليه الوزر)(3).

ص: 126


1- وسائل الشيعة: 17/ 202، أبواب ما يكتسب به، باب جواز قبول الولاية من قبل الجائر مع الضرورة، ح3.
2- وسائل الشيعة: 17/ 198، أبواب ما يكتسب به، باب جواز الولاية من قبل الجائر لنفع المؤمنين، ح15.
3- وسائل الشيعة: 17/ 213، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح1.

فإن قلت: إنَّ منشأ هذه الروايات هو عدم مشروعيّة القيّم على أموال الدولة، لا أنَّ المنشأ هو عدم ملكيّة الدولة.

قلت: إنَّ عدم شرعيّة القيّم على أموال الدولة باعتبار أنَّه سلب حقّ الإمام (علیه السلام) الذي هو القيّم والمالك لما يجبى لبيت المال، ولكنّ ملكيّته (علیه السلام) لذلك يحتمل أن تكون ملكيّة شخصيّة - كما هو مختار جملة من المحقّقين -، فتكون الروايات - حينئذٍ - نافية لشرعيّة القيّمين فعلاً في زمانهم، وهي غير دالّة على ملكيّة الدولة.

الدليل الثالث
اشارة

الدلیل الثالث(1): وهذا الدليل يستدلّ به على ملكيّة الدولة حتّى إذا كانت الدولة وضعيّة، وكان القيّم عليها غير عادل.

وحاصله: دعوى ظهور غير واحدة من طوائف الروايات في ذلك، والمهمّ منها طائفتان:

الطائفة الأولى: الروايات الدالّة على جواز الولاية من قبل الحاكم الجائر

وهي روايات عديدة مذكورة في الوسائل، أبواب ما يكتسب به، الباب: 46، باب جواز الولاية من قبل الجائر لنفع المؤمنين.

منها: صحيحة زيد الشحّام، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (علیه السلام) يقول: (مَن تولّى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يؤمن روعته يوم القيامة، ويدخله الجنّة)(2).

ص: 127


1- يلاحظ: كتاب ملكيّة الدولة: 49 وما بعدها.
2- وسائل الشيعة: 17/ 193، أبواب ما يكتسب به، باب جواز الولاية من قبل الجائر لنفع المؤمنين، ح7.

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: ذكر عنده رجل من هذه العصابة قد ولي ولاية، فقال: (كيف صنيعه إلى إخوانه؟). قال: قلت: ليس عنده خير، قال: (أُفٍّ، يدخلون في ما لا ينبغي لهم، ولا يصنعون إلى إخوانهم خيراً)(1).

وغيرها من روايات الباب.

وجه الدلالة: أنَّ نفس الجواز التكليفيّ بتولّي المؤمن لمنصب من قبل الكافر لازمه الجواز الوضعيّ؛ أيْ: إنفاذ جميع المعاملات الماليّة التي يقوم بها، وإلَّا فلا معنى لتولّيه ذلك المنصب ومباشرته، خصوصاً أنَّ بعض تلك الروايات ظاهرة في أنَّ هذا الجواز هو للتسهيل على المؤمنين. وبالتالي فصحّة معاملته بما هو والٍ وتابع للحكومة الجائرة كاشف عن صحّة المعاملات الماليّة التي تقوم بها نفس الحكومة غير الشرعيّة، وبالتالي ملكيّتها.

وفيه: لا دلالة في هذه الروايات على أكثر من إذن الإمام (علیه السلام) في تولّي ذلك المنصب، فإذا قلنا بما تقدّم من أنَّ أموال الدولة مملوكة للإمام (علیه السلام) ملكيّة منصب، وأنَّه (علیه السلام) هو القيّم على بقيّة أموال بيت مال المسلمين ممّا لا يدخل تحت عنوان ملكيّة الدولة، فيكون - حينئذٍ - ذلك الإذن إذناً خاصّاً من المالك والقيّم الشرعيّ، وبالتالي صحّة المعاملات الصادرة منه، ولا يلزم من ذلك صحّة معاملات غير القيّم الشرعيّ الذي لم يصدر له إذن خاصّ من الإمام (علیه السلام).

ص: 128


1- وسائل الشيعة: 17/ 195، أبواب ما يكتسب به، باب جواز الولاية من قبل الجائر لنفع المؤمنين، ح10.

ويؤيّد ذلك بروايات التحليل؛ فإنَّ بعضها عامّة لمطلق حقّهم (علیهم السلام) كما في معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج؟ ففزع أبو عبد الله (علیه السلام). فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنَّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أُعطيَه، فقال: (هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما والله لا يحلّ إلّا لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمّة، وما عندنا لأحد عهد، ولا لأحد عندنا ميثاق)(1).

وكذا روايات (لك المهنأ وعليه الوزر) كما في صحيحة أبي ولّاد، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلّا من أعمالهم، وأنا أمرّ به فأنزل عليه فيضيّفني ويحسن إليّ، وربّما أمر لي بالدرهم والكسوة، وقد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: (كُلْ وخذ منه، فلك المهنأ، وعليه الوزر)(2). فإنَّها إن لم تكن ظاهرة، فلا أقلّ من احتمال أن يكون التحليل والتجويز في حقّهم - والذي يمثّل ملكيّة الدولة كما تقدمّ(3) - بما يترتّب عليه من أحكام وضعيّة من النقل والانتقال مختصّ بالمؤمنين دون أهل الخلاف.

ص: 129


1- وسائل الشيعة: 9/ 544، أبواب الأنفال، باب إباحة حصّة الإمام من الخمس للشيعة مع تعذّر إيصالها إليه، وعدم احتياج السادات، ح4.
2- وسائل الشيعة: 17/ 213، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح1.
3- يلاحظ: ص 129.
الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على قبول هدايا السلطان

بتقريب: أنَّ تجويز التعاطي مع السلطان - والذي يمثّل الدولة - عن طريق الهدية فتجويز غيره من المعاملات المشتملة على العوض كالبيع ونحوه إن لم يكن أولى فهو مساوٍ للمعاملة المجانيّة، وصحّة المعاملات مع الدولة فرع تملّك الدولة.

ثُمَّ إنَّ روايات هذه الطائفة قد وردت في الوسائل، أبواب ما يكتسب به، الباب: 51، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، والتي منها: صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة.

ومنها: صحيحة أبي بكر الحضرميّ، قال: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) وعنده إسماعيل ابنه، فقال: (ما يمنع ابن أبي السمّال أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، ويعطيهم ما يعطي الناس؟) ثُمَّ قال لي: (لِمَ تركت عطاءك؟). قال: مخافة على ديني، قال: (ما منع ابن أبي السمّال أن يبعث إليك بعطائك؟ أما علم أنَّ لك في بيت المال نصيباً!)(1).

ومنها: معتبرة أبي المغرا، قال: سأل رجل أبا عبد الله (علیه السلام) وأنا عنده، فقال: أصلحك الله: أمرّ بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها؟ قال: (نعم). قلت: وأحجّ بها؟ قال: (نعم)(2).

ص: 130


1- وسائل الشيعة: 17/ 214، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح6.
2- وسائل الشيعة: 17/ 213، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح2.

ومنها: معتبرة محمّد بن مسلم وزرارة، قالا: سمعناه يقول: (جوائز العمّال ليس بها بأس)(1). وغيرها من روايات الباب.

وفيه: أنَّ مجموع هذه الروايات - وبالخصوص صحيحة أبي ولّاد - تدلّ على أنَّ ذلك جائز للمؤمنين دون غيرهم، فيرد عليها ما تقدّم في الطائفة الأولى(2).

وبنفس الوجه يجاب عن بقيّة الروايات التي قد يدّعى دلالتها على ملكيّة الدولة، كالروايات المجوّزة لشراء المقاسمة والخراج.

ومنه ظهر عدم تماميّة هذا الدليل.

هذه أهمّ الأدلّة التي يمكن أن تذكر لإثبات ملكيّة الدولة شرعاً.

ومن مجموع ما تقدّم ظهر إمكان إثبات ملكيّة الدولة استناداً إلى الدليل الأوّل، والله العالم.

ص: 131


1- وسائل الشيعة: 17/ 214، أبواب ما يكتسب به، باب أنَّ جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له، ح5.
2- يلاحظ: ص 128.

خلاصة البحث

1. البحث كان منعقداً لإثبات أصل ملكيّة الدولة بعد كونها جهة معنويّة غير واعية، من دون التعرّض لسعة دائرة وتطبيقات تلك الملكيّة.

2. الأدلّة التي يمكن أن تطرح لإثبات ملكيّة الدولة على نحوين:

النحو الأوّل: الأدلّة العامّة؛ أيْ: الأدلّة التي يستدلّ بها على ملكيّة مطلق الجهات المعنويّة غير الواعية والتي منها الدولة، وتتمثّل هذه الأدلّة بالسيرة، وإطلاقات البيع والتجارة، والتمسّك بولاية الفقيه، سواء كان على نحو الولاية العامّة، أو على نحو الحسبة.

وقد ظهر عدم تماميّة شيء منها.

النحو الثاني: الأدلّة الخاصّة، وتمثّلت بثلاثة أدلّة.

الأوّل: ما دلّ على ثبوت ملكيّة منصب الإمامة للخمس والأنفال والفيء.

وقد ظهر تماميّة هذا الدليل في عصر الحضور، وأمّا في عصر الغيبة فلا بُدَّ من إثبات أنَّ هذا الحقّ للفقيه، وذلك إمّا بناءً على القول بولاية الفقيه العامّة، أو بناءً على الحسبة، وبناءً عليه لا تثبت الملكيّة للدولة إلَّا مع إذن الفقيه، والذي يكون قيّماً على تلك الأموال.

الثاني: السيرة والارتكاز العقلائيّ.

واتّضح عدم تماميّته للتشكيك في انعقاد تلك السيرة وذلك الارتكاز.

الثالث: طائفة من الروايات، استدلّ بها على ملكيّة الدولة حتّى إذا كانت

ص: 132

وضعيّة، وكان القيّم عليها غير عادل، كروايات جواز الولاية من قبل الحاكم الجائر بدعوى أنَّ لازمها الجواز الوضعيّ في إنفاذ جميع المعاملات المادّيّة التي يقوم بها الحاكم الجائر.

وكروايات قبول هدية السلطان بدعوى أنَّ لازمه بالأولويّة جواز المعاملات المشتملة على العوض مع ذلك السلطان، ممّا يعني ملكه بما هو سلطان، أيْ: ملك للدولة.

وقد ظهر عدم دلالتها على المدّعى؛ لعدم دلالتها على أكثر من إذن الإمام (علیه السلام) في تولّي المنصب، أو قبول الهدايا للمؤمنين دون غيرهم.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين.

* * *

ص: 133

المصادر

القرآن الكريم.

1. إرشاد الطالب في شرح المكاسب: الشيخ جواد التبريزيّ (ت1427ﻫ)، الناشر: دار الصدّيقة الشهيدة I، الطبعة السادسة، 1431ﻫ. ق - 1389ﻫ.ش.

2. اقتصادنا: السيّد محمّد باقر الصدر (ت1400ﻫ)، نشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصيّة للشهيد الصدر، الطبعة الأولى 1424 ﻫ.

3. بحوث فقهيّة: محاضرات الشيخ حسين الحلّيّ (ت 1394ﻫ)، تقرير: السيّد عزّ الدين بحر العلوم، الناشر: مؤسّسة المنار، الطبعة الرابعة.

4. بحوث في الاقتصاد الإسلاميّ: تقرير أبحاث السيّد محمّد باقر الصدر (ت1400 ﻫ)، إعداد: الشيخ حيدر حبّ الله، الناشر: مؤسّسة الانتشار العربيّ، الطبعة الأولى، 2010م.

5. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: الشيخ محمّد حسن النجفيّ (ت 1266ﻫ)، الطبعة الثانية 1367ش.

6. ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: الشيخ محمّد باقر السبزواريّ (ت1090ﻫ)، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، طبعة حجريّة.

7. صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات: السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (ت1411ﻫ)، الناشر: دفتر نشر برگزيده، الطبعة الأولى، 1416ﻫ.

8. فقه البنوك: تقرير بحث الشيخ محمّد باقر الإيروانيّ، بقلم: الشيخ يوسف أحمد الإحسائيّ، الناشر: مؤسّسة أم القرى، الطبعة الأولى، 1423 ﻫ - 2002م.

9. فقه العقود: السيّد كاظم الحسينيّ الحائريّ، الناشر: مجمع الفكر الإسلاميّ - قم،

ص: 134

الطبعة الثانية 1423ﻫ.

10. كتاب الخمس: الشيخ حسين عليّ المنتظريّ، الناشر: دار الفكر، الطبعة الثانية - 1412ﻫ.

11. مباني فتاوى في الأموال العامّة: السيّد كاظم الحسينيّ الحائريّ، الناشر: دار التفسير، الطبعة الأولى، 1428ﻫ - 2007م.

12. مصباح المتهجّد: الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسيّ المعروف ب-(شيخ الطائفة ت460 ﻫ. ق)، الناشر: مؤسّسة فقه الشيعة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى: 1411 ﻫ - 1991م.

13. ملكية الدولة الوضعيّة: محاضرات الشيخ محمّد السند، بقلم: السيّد جعفر الحكيم والشيخ أحمد الماحوزيّ، الطبعة الأولى، 1423ﻫ - 2003م.

14. منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: الشيخ الحسن ابن الشهيد الثاني (ت1011ﻫ) الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، 1406.

15. منهاج الصالحين: سماحة السيّد علي الحسينيّ السيستانيّ، الطبعة التاسعة عشرة - طبعة مصحّحة ومنقّحة - 1439ﻫ ق.

16. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (ت1104ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1424ﻫ - 2003م.

17. نهج البلاغة، تحقيق د. صبحي الصالح، الناشر: دار الكتاب المصريّ - القاهرة، ودار الكتاب اللبنانيّ - بيروت، الطبعة الرابعة، 1425ﻫ - 2004م.

ص: 135

ص: 136

اجتماع العدد (الحلقة الأولى) - الشيخ علاء آل شويجة (دام عزه)

اشارة

قد يكتسب الخلاف - خصوصاً إذا اتّسع - أهمّيّةً في مسائل ذات خصوصيّة كالتي تُعنى بالروابط الاجتماعيّة؛ لما لها من تأثير في تنظيم العلاقة بين فردين أو أكثر، وممّا كثر الكلام فيه بين الفقهاء الحكم بالتداخل وعدمه في موضوع المسألة الماثلة بين يديك - عزيزي القارئ - وهو اجتماع عدّتين أو أكثر على المرأة، وقد عُني هذا البحث بتتبّع الأقوال، ومحاولة التدقيق في نسبتها إلى أصحابها والتماس الدليل لكلٍّ منها.

ص: 137

ص: 138

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

نصّ الكتاب الكريم على وجوب العدّة للطلاق بقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ﴾(1)، وبقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾(2)، وللوفاة بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾(3)، كما دلّت الأخبار الواردة(4) على ثبوت العدّة للوطء الحاصل من الشبهة.

ص: 139


1- سورة البقرة: 228.
2- سورة الطلاق: 1.
3- سورة البقرة: 234.
4- عدّة من الأخبار سيأتي ذكر بعضها في أثناء البحث.

وقد يتّفق للمرأة أن تكون في حال يجتمع عليها عدّتان أو أكثر، كما لو انضمّت إلى عدّة الطلاق أو الوفاة عدّةٌ أو أكثر من وطء الشبهة.

وقد وقع في فتاوى الخاصّة والعامّة الخلاف في تداخل هذه العدد أو تعدّدها نظراً لاختلاف الأدلّة في ذلك، والغاية من هذا البحث تسليط الضوء على أقوال الفقهاء، وكيفيّة استفادتهم من الأدلّة المتباينة، وما يكتنفها من ملابسات، وتفصيل الأدلّة وما يمكن أن يُركن إليه منها، وبه نستعين.

في المراد من تداخل العدد

إذا اجتمع على المرأة سببان لثبوت العدّة:

فإن اتّحد أو تقارب زمان الابتداء بالعدّتين على فرض تداخلهما، كما إذا وطِئت شبهةً فطلّقها زوجها مباشرةً أو علمت بموته كذلك، فلا إشكال في أنّ المراد من التداخل حينئذٍ الاكتفاء بمضيّ زمن عدّة واحدة في الاجتزاء عن كلتا العدّتين إذا كانتا متساويتين في المقدار، وبمُضيّ أطولهما إذا لم تتساويا فيه.

وكذا لو اختلفتا في زمان الابتداء وتقدّمت الأطول وكان انقضاؤها متزامناً مع انقضاء العدّة الأقصر أو بعده، كما إذا وطِئت مَن تعتدّ بالشهور شبهة قبل انقضاء عدّتها من الوفاة بثلاثة أشهر أو أكثر.

وأمّا لو اختلفتا في زمان الابتداء في غير الفرع المتقدّم، بأن كان انقضاء المتأخّرة متأخّراً عن انقضاء الأُولى، سواء أكانتا متّحدتين في المقدار أم مختلفتين، كما لو طلّقها زوجها أو بلغها خبر موته أثناء عدّتها من وطء الشبهة، فللتداخل في هذا الفرض

ص: 140

معنيان متصوّران:

الأوّل: أن يكون بمراعاة مضيّ خصوص العدّة الأُولى وكفايتها عن العدّة الواقعة في أثنائها، فإذا شرعت بعدّة الطلاق ووطِئت شبهة بعد مضيّ ثلثيها - مثلاً - فلا يجب للحكم بخلوّها من مطلق العدّة سوى مراعاة الثلث الباقي من عدّة الطلاق.

الثاني: أن يكون بمراعاة مضيّ تمام العدّة المتأخّرة، ودخول ما بقي من العدّة المتقدّمة فيها، فيجب عليها في المثال المتقدّم مراعاة عدّةٍ كاملة لوطء الشبهة، ويكون ثلثها الأوّل مُتمّماً لما بقي من العدّة الأُولى أيضاً.

ويظهر إرادة المعنى الأوّل من كلام الفاضل المقداد في التنقيح، حيث قال: (وأمّا الاكتفاء بواحدة فلا أعلم القائل به.. نعم، يمكن أن يحتجّ لهذا القول بأنّ حكم العدّة استبراء الرحم، وهو يحصل بإتمام العدّة. وفيه نظر من وجهين.. الثاني: لو دخل بها وقد بقي يوم واحد، فإنّ العلم بالاستبراء لا يتمّ بالإتمام المذكور؛ لجواز العلوق من الثاني)(1).

وظاهر كلامه أنّ دليل التداخل عند اجتماع سببين للعدّة هو أنّ استبراء الرحم يحصل بإتمام عدّةٍ واحدة، ثمّ استشكل في ذلك من وجهين، ثانيهما هو أنّ السببين لو اختلفا من حيث الوقوع زماناً وكان وقوع الثاني قبل يوم من إتمام عدّة الأوّل فينبغي على القول بكفاية عدّةٍ واحدة الحكم بخلوِّها من العدّة عند نهاية اليوم التالي لوطء الشبهة، وهذا النحو من الاعتداد لا يتحقّق به الاستبراء المطلوب.

ص: 141


1- التنقيح الرائع: 3/ 84 - 85.

ومن الواضح إرادته للمعنى الأوّل من المعنيين المتقدّمين.

ولكن يظهر من عموم كلمات الفقهاء القائلين بالتداخل وغيرهم أنّ مقصودهم من التداخل المبحوث عنه هو المعنى الثاني، فقد قال الشهيد الثاني: (ومعنى التداخل أنّه يدخل الأقلّ منهما تحت الأكثر، فلو كانتا بالأقراء أو الأشهر استأنفت العدّة من حين الوطء، ودخل باقي العدّة الأولى في الثانية.. وبالجملة: لا بدّ من مراعاة أكثر العدّتين عند اجتماعهما حيث نحكم بالتداخل)(1).

ومن هنا كان معنى التداخل في هذا البحث مبنيّاً على المعنى المنظور في أكثر كلمات الفقهاء الآتية.

العرض التاريخي للمسألة

إنّ أقدم من نُقل عنه التطرّق إلى بعض موارد اجتماع عدّتين على المرأة هو ابن الجنيد (قدس سره)، فقد قال العلّامة (قدس سره) في المختلف: (وقال ابن الجنید: إذا نعي إلى المرأة زوجها، أو أخبرت بطلاقه، فاعتدّت، ثمّ تزوّجت بعد العدّة، فجاء الأوّل، وأنكر الطلاق، ولم يقم به بيّنة، فهو أحقّ بها من هذا الزوج الثاني، دخل بها أو لا، فإن كان قد دخل استبرأت منه بثلاث حِيَض، أو ثلاثة أشهر وإن كان نكاحها منفسخاً، وإن مات الثاني قبل خروجها من العدّة التي تعتدّ منه لم يكن عليها عدّة الوفاة، وإن مات الأوّل وهي في عدّة من الثاني ابتدأت عدّة الوفاة من الأوّل من يوم مات، فإذا انقضت استتمّت ما كان ابتدأت به من العدّة من الثاني، وإن كان الثاني لم يدخل بها

ص: 142


1- مسالك الأفهام: 9/ 359 - 360، ويلاحظ أيضاً: الحدائق الناضرة: 25/ 551، أنوار الفقاهة (كتاب الطلاق): 67، جواهر الكلام: 32/ 367، 380.

فلا عدّة عليها، وللأوّل أن يقربها ساعة دخوله، وإن طلّقها الزوج بعد دخول الثاني فإنّ عدّتها واحدة منهما جميعاً)(1).

وكلامه يتطرّق لصورتين: إحداهما اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهة بعد عقد الواطئ عليها مع عدّة الوفاة، وذهب فيها إلى عدم تداخل العدّتين، والأُخرى اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهة مع عدّة الطلاق، وذهب فيها إلى التداخل.

وذكر الشيخ الصدوق (قدس سره) في مواضع مختلفة من المقنع ثلاث صور:

الأُولى: اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهة مع عدّة الوفاة، فقال: (وسئل الصادق (علیه السلام) عن أختين أهديتا لأخوين في ليلة واحدة، فأدخلت امرأة هذا على هذا، وامرأة هذا على هذا، قال: فلكلّ واحد منهما الصداق بالغشيان، فإن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتّى تنقضي العدّة.. قيل: فإن مات الزوجان وهما في العدّة؟ قال (علیه السلام): ترثانهما، ولهما نصف المهر المسمّى، وعليهما العدّة، ثمّ بعدما تفرغان من العدّة الأولى تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها)(2).

الثانية: التزويج بالمعتدّة من دون علم مع الدخول، فقال: (وإذا تزوّج الرجل امرأة في عدّتها ولم يعلم، وكانت هي قد علمت أنّه قد بقي من عدّتها، ثمّ قذفها بعد علمه بذلك، فإن كانت علمت أنّ الذي عملت محرّم عليها، فقدمت على ذلك، فإنّ عليها الحدّ حدّ الزاني، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، فإن فعلت بجهالة منها

ص: 143


1- مختلف الشيعة: 7/ 502.
2- المقنع: 316.

ثمَّ قذفها ضرب قاذفها الحدّ، وفرّق بينهما، وتعتدّ من عدّتها الأولى، وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة)(1).

الثالثة: اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهة بعد العقد عليها مع عدّة الطلاق، فقال: (وإذا نعي إلى امرأة زوجها فاعتدّت، وتزوّجت، ثمّ قدم زوجها، فطلّقها، وطلّقها الأخير، فإنّها تعتدّ عدّة واحدة ثلاثة قروء)(2).

وقال بعدهم السيّد المرتضى (قدس سره) في الناصريّات - معلّقاً على المسألة الحادية والسبعين بعد المائة لجدّه من أُمّه الناصر: إذا تزوّجت المرأة في عدّتها، ودخل بها زوجها الثاني، فرّق بينهما، وتعتدّ من الأوّل، ثمّ من الثاني -: (هذا صحيح، وذهب إلى مثله الشافعيّ، فقال: إذا طلّق الرجل امرأته، ونكحت في عدّتها غيره، ووطئها الثاني، وهما جاهلان بتحريم الوطء، فإنّ عليها العدّة للثاني وبقيّة العدّة للأوّل، ولا تتداخل العدّتان. وقال أبو حنيفة: تتداخل العدّتان، فتأتي المرأة بثلاثة أقراء بعد مفارقتها للثاني، ويكون ذلك عن بقيّة عدّة الأوّل وعن عدّة الثاني، دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه: أنّ العدّة حقّ لكلّ واحد من الزوجين، فلا مداخلة بينهما، وإنّما لم يملك الزوج إسقاط العدّة لأنّ فيها حقّاً لله تعالى، وليست بحقّ خالص للآدميّ، وأيضاً فعلى ما قلناه إجماع الصحابة؛ لأنّه روي: أنّ امرأة نكحت في العدّة، ففرّق بينهما أمير المؤمنين (علیه السلام) وقال: أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوّجها فإنّها تعتدّ من الأوّل، ولا عدّة عليها للثاني، وكان خاطباً من الخُطّاب، وإن كان دخل

ص: 144


1- المصدر السابق: 328.
2- المصدر السابق: 354.

بها فرّق بينهما، وتأتي ببقيّة العدّة عن الأوّل، ثمّ تأتي عن الثاني بثلاثة أقراء مستقبلة. وروي مثل ذلك عن عمر بعينه، وأنّ طليحة كانت تحت رشيد الثقفيّ فطلّقها، فنكحت في العدّة، فضربها عمر، وضرب زوجها بخفقة، وفرّق بينهما، ثمّ قال: أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوّجها فإنّها تعتدّ عن الأوّل، ولا عدّة عليها للثاني، وكان خاطباً من الخطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، وأتت ببقيّة عدّة الأوّل ثمّ تعتدّ عن الثاني، ولا تحلّ له أبداً، ولم يظهر خلاف لما فعل، فصار إجماعاً)(1).

وقال الشيخ في الخلاف: (كلّ موضع تجتمع على المرأة عدّتان، فإنّهما لا تتداخلان، بل تأتي بكلّ واحدة منهما على الكمال، وروي ذلك عن عليّ (علیه السلام)، وعمر، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الشافعيّ، وذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنّهما تتداخلان، وتعتدّ عدّة واحدة منهما معاً.

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً فقد ثبت وجوب العدّتين عليها، وتداخلهما يحتاج إلى دليل، وروى سعيد بن المسيّب وسليمان بن يسار [ثمّ ذكر الرواية المتقدّمة في كلام السيّد المرتضى] وعن عليّ (علیه السلام) مثل ذلك، ولا مخالف لهما في الصحابة)(2).

وقال ابن إدريس (قدس سره) في السرائر: (كلّ موضع تجتمع على المرأة عدّتان فإنّهما لا يتداخلان، بل تأتي بكلّ واحدة منهما على الكمال، تقدّم الأولى ثمّ الثانية)(3).

ص: 145


1- الناصريّات: 361.
2- الخلاف: 5/ 75.
3- السرائر: 2/ 748.

والذي يظهر من تعليل السيّد المرتضى (قدس سره) وما ساقه من الأدلّة اختصاص كلامه بأنّ الحقّين عندما يكونان لشخصين فلا مداخلة بينهما؛ لأنّه قد فرض في جميع أدلّته وجود زوجين أوّل وثان، على خلاف ما يظهر من عبارة الشيخ وابن إدريس (قدس سرهما)، فإنّ التعبير ب-: (كلّ موضع تجتمع على المرأة عدّتان) واضح في الالتزام بعدم التداخل حتّى لو كانت العدّتان من شخص واحد.

ومن هنا نسب جمع إلى الشيخ وابن إدريس (قدس سرهما) - كما في المسالك والمفاتيح والحدائق والجواهر(1) - إطلاق الحكم بعدم التداخل، ففي المسالك مثلاً: (وقال الشيخ وابن إدريس: لا تتداخل العدّتان عليها مطلقاً، بل تأتي بكلّ منهما على الكمال؛ لأنّهما حقّان مختلفان)(2).

والظاهر أنّ اعتمادهم في نسبة القول بعدم التداخل مطلقاً إليهما كان على العبارة المتقدّمة في الخلاف والسرائر والتي عنونها العلّامة في المختلف فكانت محطّ نظر الفقهاء.

لكن للتأمّل في ذلك مجال، فإنّ الشيخ في مقدّمة كتاب الخلاف(3) يشير إلى أنّ نظره فيه إلى العامّة؛ إذ إنّه قد كتبه استجابة لطلب موجّهٍ إليه في إحصاء المسائل الخلافيّة بين الخاصّة والعامّة، كما لعلّه يفهم منها أيضاً أنّ كثيراً ممّا يُساق فيه من الأدلّة من باب الاحتجاج والإلزام بما يُؤمن به الخصم، ولذا فلا ينبغي الاعتماد في

ص: 146


1- يلاحظ: مسالك الأفهام: 9/ 358، مفاتيح الشرائع: 2/ 355، الحدائق الناضرة: 25/ 551، جواهر الكلام: 32/ 380.
2- مسالك الأفهام: 9/ 358 - 359.
3- يلاحظ: الخلاف: 1/ 45.

تشخيص آراء الشيخ ونسبتها إليه على كتاب الخلاف، ثمّ إنّه بمراجعة المبسوط والذي كان تأليفه متأخِّراً(1) عن النهاية والخلاف يتّضح أنّ التزامه بعدم التداخل ليس بمطلق تماماً، وإنّما هو مطلق لجميع الصور التي تكون فيها العدّتان من شخصين، فقد جاء فيه: (وكلّ موضع اجتمع عليها عدّتان من شخصين فإنّهما لايتداخلان، بل تأتي بكلّ واحدة منهما على الكمال، وفيه خلاف.

وإذا وجبت العدّتان لرجل واحد بأن طلّق زوجته طلاقاً رجعيّاً ثمّ وطئها في حال العدّة، فعندنا تصير بالوطء راجعاً، وعند بعضهم الوطء محرّم عليه، فإن كانا عالمين عزّرا، وإن كانا جاهلين عُذرا، وإن كان أحدهما عالماً عزّر دون الجاهل، ويلزم المرأة بهذا الوطء عدّة؛ لأنّه وطء شبهة.

ثمّ لا تخلو أن تكون حاملاً وقت الوطء أو حائلاً، فإن كانت حائلاً نظر، فإن لم يحبلها فقد كانت اعتدّت عن الطلاق بعض العدّة، وعليها الباقي، ويلزمها عدّة ثانية بالوطء، وتدخل إحداهما في الأخرى؛ لأنّهما لرجل واحد، فتأتي بثلاثة أقراء كوامل تدخل فيها بقيّة العدّة الأولى)(2)، ومن الواضح اختصاص کلامه بما لو كانت العدّتان من اثنين.

وممّا قد يشهد له ما ذكره بعد ذلك بقوله: (وإذا وجبت العدّتان لرجل واحد بأن طلّق زوجته طلاقاً رجعيّاً ثمّ وطأها في حال العدّة، فعندنا تصير بالوطء راجعاً، وعند بعضهم الوطء محرّم عليه، فإن كانا عالمين عزّرا، وإن كانا جاهلين عذرا، وإن

ص: 147


1- يلاحظ: المبسوط: 1/ 2، 3.
2- المبسوط: 5/ 267.

كان أحدهما عالماً عزّر دون الجاهل، ويلزم المرأة بهذا الوطء عدّة؛ لأنّه وطء شبهة.

ثمّ لا تخلو أن تكون حاملاً وقت الوطء أو حائلاً، فإن كانت حائلاً نظر، فإن لم يحبّلها فقد كانت اعتدّت عن الطلاق بعض العدّة، وعليها الباقي، ويلزمها عدّة ثانية بالوطء، وتدخل إحداهما في الأخرى؛ لأنّهما لرجل واحد، فتأتي بثلاثة أقراء كوامل تدخل فيها بقيّة العدّة الأولى)(1).

فإنّ القول بثبوت العدّة على من وطء مطلّقته الرجعيّة في زمن العدّة وإن كان مخالفاً لما ذهب إليه فقهاء الخاصّة، إلّا أنّ استدلاله لهذا القول بقوله: (لأنّهما لرجل واحد) ظاهر في قبوله له في غير هذه المسألة، كما لو طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها في العدّة عن شبهة.

هذا كلّه إذا سُلّم صراحة عبارة الخلاف في إطلاق عدم التداخل.

أمّا لو شُكّك فيها - كما قال في الجواهر في أمثال هذه العبارة: (نعم، لو كان الاشتباه من المطلّق نفسه - مثلاً - اتّجه التداخل وفاقاً للفاضلين، بأن تستأنف عدّة كاملة للأخير واجتزأت بها؛ لأنّهما إنّما تعلّقتا بواحد، والموجب لهما حقيقة إنّما هو الوطء، وإذا استأنفت عدّة كاملة ظهرت براءة الرحم، ولا ينافي ذلك إطلاق الأكثر إطلاق عدم تداخل العدّتين بعد انسياق التعدّد منه)(2) - فالأمر في الإشكال على من نسب إلى الشيخ هذا النحو من الإطلاق أسهل.

وعلى هذا فإمّا أن يقال: بأنّ آخر رأي للشيخ (قدس سره) هو ما صرّح به في المبسوط من

ص: 148


1- المصدر السابق.
2- جواهر الكلام: 32/ 266.

عدم التداخل فيما لو كانت العدّتان من شخصين لا مطلقاً، بخلاف ما ذكره في الخلاف، أو يقال: إنّ عبارة الخلاف لا تنافي ذهاب الشيخ إلى التداخل فيما لو كانت العدّتان من واحد.

وأمّا ابن إدريس فإنّه وإن ذكر في سرائره عبارة الخلاف نفسها - فيظهر أنّ نظره كان إليها دون عبارة المبسوط - إلّا أنّ الذي يظهر من بعض إجاباته عن بعض الأسئلة الموجَّهة إليه أنّ التزامه بعدم التداخل ليس بنحو مطلق، فقد جاء في كتابه أجوبة مسائل ورسائل في مختلف فنون المعرفة: (مسألة: ما تقول في امرأة سافر عنها زوجها سنة سبعين إلى بلاد بعيدة، ثمّ مات في خلال تلك السنة، فلمّا كان سنة خمس وسبعين ضجرت الزوجة من المقام على الفقر، فخطبها بعض الناس، وهو غير عالم بحالها، فتزوّج بها في تلك السنة - أعني سنة خمس وسبعين - ودخل بها، فبعد ذلك أتى الخبر مع رجال ثقات بأنّ الزوج مات سنة سبعين، ففارقها الزوج، واعتدّت عدّتين، فلمّا خرجت من العدّة هل لهذا الزوج أن يعقد عليها ثانياً أم تحرم عليه أبداً؟

الجواب وبالله التوفيق: الذي أراه في هذا السؤال وأعتقده مذهباً.. فأمّا ما ذكره في أثناء السؤال من العدّتين فلا يلزمها إلّا عدّة الوفاة فحسب، فإذا خرجت من عدّة الوفاة يصحّ أن يعقد عليها، ويطأها من غير أن تأتي بعدّة أخرى منه؛ لأنّ لزوم العدّتين ما ورد، إلّا فيمن نكحت بشبهة عقد، وهي في عدّة، فيفارقها الزوج، وتكمل عدّة الأوّل، وتأتي بعده بعدّة أخرى عن النكاح الثاني، فتبيّن ذلك وتحقّقه، فهذا خلاصة فقه المسألة، والحمد لله على توفيقه للصواب)(1).

ص: 149


1- أجوبة مسائل ورسائل في مختلف الفنون: 347.

وکلامه صریح في انحصار لزوم تعدُّد العدّتين وعدم تداخلهما بمن نكحت بشبهةِ عقدٍ وهي في عدّة دون غيرها.

ومنه يظهر اختلاف رأي ابن إدريس (قدس سره)، ففي السرائر ذهب إلى أنّ عدم التداخل مطلق، وذهب في كتاب آخر إلى اختصاص ذلك بوطء المرأة بشبهة عقد في عدّة، فلا ينبغي الجزم بذهابه إلى القول بعدم التداخل بنحو مطلق.

ومن مجمل ما تقدّم يتبيّن انحصار الخلاف بين قول ابن الجنيد والصدوق (قدس سرهما) بالتداخل، وبين قول السيّد والشيخ (قدس سرهما) ومن وافقهما بعدم التداخل في خصوص ما لو كانت العدّتان لشخصين هذا من جهة، وفي غير التزويج بالمعتدّة من جهة أخرى، وأمّا التزويج بها فهو مورد اتّفاقهم على عدم التداخل عدا ابن الجنيد لا من جهة كونه مخالفاً، بل لعدم نقل رأيه، فيمكن دعوى عدم ظهور الخلاف من أحدٍ فيه.

كما نصّ على الحكم بعدم التداخل في التزويج بالمعتدّة عن جهل مع الدخول ابن حمزة في الوسيلة(1)، والكيدريّ في الإصباح(2)، والمحقّق في النافع(3) والفاضل الآبيّ في كشف الرموز(4)، وهو ظاهر ابن سعيد في الجامع(5)، وصريح ابن فهد في

ص: 150


1- يلاحظ: الوسيلة: 327.
2- يلاحظ: إصباح الشيعة: 399.
3- يلاحظ: المختصر النافع: 1/ 178.
4- يلاحظ: كشف الرموز: 2/ 144.
5- يلاحظ: الجامع للشرائع: 434.

المقتصر(1)، والصيمريّ في غاية المرام(2)، والشهيد الثاني في المسالك(3)، وغيرهم(4).

ثمّ إنّه عُبّر بصياغات مختلفة تُفيد أنّ عدم التداخل هو المشهور في فرض التزويج بالمعتدّة، أو فيما إذا كانت العدّتان لشخصين، أو مطلقاً في المسالك(5)، ونهاية المرام(6)، والكفاية(7)، والمفاتيح(8)، وكشف اللثام(9)، والحدائق(10)، والرياض(11)، والجواهر(12)، بل لم يُنقل الخلاف من أحدٍ سوى ما أشار إليه المحقّق (قدس سره) في الشرائع ومختصره من أنّه قيل يجزي عدّة واحدة(13)، ولم ينسبه لأحدٍ، وعلّق على

ص: 151


1- المقتصر في شرح المختصر النافع: 237.
2- يلاحظ: غاية المرام: 3/ 64.
3- يلاحظ: مسالك الأفهام: 9/ 342.
4- يلاحظ: روضة المتّقين: 8/ 524، رياض المسائل: 11/ 234.
5- يلاحظ: مسالك الأفهام: 9/ 343.
6- يلاحظ: نهاية المرام: 1/ 171.
7- يلاحظ: كفاية الأحكام: 2/ 142.
8- يلاحظ: مفاتيح الشرائع: 2/ 354.
9- يلاحظ: كشف اللثام: 8/ 155.
10- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 25/ 459.
11- يلاحظ: رياض المسائل: 11/ 231.
12- يلاحظ: جواهر الكلام: 32/ 364.
13- يلاحظ: شرائع الإسلام: 2/ 235، المختصر النافع: 1/ 178.

كلامه في التنقيح(1)، والمسالك(2)، ونهاية المرام(3) بما يُفيد مجهوليّة القائل.

لكن في مختلف العلّامة، وإيضاح ابنه، ومهذّب ابن فهد، والجواهر، وأنوار الفقاهة: أنّ القائل المخالف هو الإسكافيّ والصدوق (قدس سرهما) (4)، وفي كشف اللثام: الإسكافيّ والصدوق في موضع من المقنع(5)، وفي الرياض: أنّه الإسكافيّ على ما حُكي(6).

وللتأمّل فيه مجال؛ فإنّ مورد كلامهم بالتحديد أو الشمول هو التزويج بالمعتدّة، وقد تقدّم(7) أنّه لم يرد فيه نقلُ رأيٍ لابن الجنيد، وإنّما الذي نقله عنه العلّامة (قدس سره) هو التزامه بالتفصيل في مورد خاصّ - وهو تزويج ذات البعل التي نعي إليها زوجها اشتباهاً فظهرت حياته فيما بعد - بين ما لو مات بعلها فلا تداخل وعليها عدّتان، وبين ما لو طلّقها فتتداخل العدّتان وتأتي بعدّة واحدة.

وكذا بالنسبة إلى الصدوق فقد تقدّم(8) أيضاً أنّه ذكر ثلاثة موارد تجتمع فيها

ص: 152


1- يلاحظ: التنقيح الرائع: 3/ 84.
2- يلاحظ: مسالك الأفهام: 7/ 339.
3- يلاحظ: نهاية المرام: 1/ 171.
4- يلاحظ: مختلف الشيعة: 7/ 502، إيضاح الفوائد: 3/ 361، المهذّب البارع: 3/ 285، جواهر الكلام: 29/ 438، أنوار الفقاهة (كتاب الطلاق): 67.
5- يلاحظ: كشف اللثام: 8/ 156.
6- يلاحظ: رياض المسائل: 11/ 232.
7- يلاحظ: صفحة (142) وما بعدها.
8- يلاحظ: صفحة (143) وما بعدها.

على المرأة عدّتان، وأنّه التزم في المورد الثاني منها، وهو مورد كلامهم - أعني التزويج بالمعتدّة - بعدم التداخل، مضافاً إلى التزامه بذلك في اجتماع عدّة وطء ذات البعل شبهةً مع عدّة الوفاة.

وبالنظر إلى ذلك كيف يمكن نسبة القول بالتداخل إلى ابن الجنيد والصدوق (قدس سرهما) في التزويج بالمعتدّة، أو مطلقاً؟

والظاهر أنّ الاعتماد على كلام العلّامة في المختلف هو الذي سبّب لهم الوقوع في ذلك الاشتباه؛ إذ إنّ الذي يظهر من منهجيّته في ذلك الكتاب أنّ همّه كان منصبّاً على جمع ما يقع فيه الخلاف، ولذا فقد اقتصر في نقل رأي الشيخ (قدس سره) في المسألة على كتاب الخلاف الذي كان يقرِّر فيه رأيه في مقابل العامّة، ولم يرجع إلى المبسوط - مع أنّه آخر كتب الشيخ - لينقل ما استقرّ عليه، بل لعلّه لم يورد رأي ابن الجنيد (قدس سره) في التزويج بالمعتدّة؛ لكونه غير مخالف فيه، ويشهد لذلك أنّه لم يَنقل من المواضع الثلاثة التي ذُكرت في المقنع إلّا المورد الثالث الذي يحصل به الخلاف، وترك ذكر الموردين الآخرَين اللذين التزم فيهما الصدوق بعدم التداخل.

هذا مضافاً إلى النظر في بيان العلّامة (قدس سره) لدليل الصدوق (قدس سره) على التداخل؛ إذ قال: (وقال الصدوق في المقنع: إذا نعي إلى المرأة زوجها فاعتدّت وتزوّجت ثمّ قدم زوجها فطلّقها، وطلّقها الآخر، فإنّها تعتدّ عدّة واحدة ثلاثة قروء.. احتجّ الصدوق بما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقر (علیه السلام): في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً، وعن زرارة في الصحيح عن الباقر (علیه السلام): في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها، فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلك

ص: 153

فطلّقها، قال: تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة، وليس للأخير أن يتزوّجها أبداً، وفي الصحيح عن ابن بكير أو أبي العبّاس عن الصادق (علیه السلام): في المرأة تتزوّج في عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً)(1).

في حين أنّ الصدوق (قدس سره) لم يحتجّ بمتون هذه الروايات في المقنع، ومن المعروف أنّ دأبه فيه على ذكر المتون، ولا رواها في الفقيه، مضافاً إلى أنّ مورد الروايتين الأُولى والثالثة هو التزويج بالمعتدّة، وهو المورد الثاني من موارد المقنع الثلاثة، وقد التزم فيه الصدوق - على خلافهما - بعدم التداخل.

ويشهد لكون محطّ نظر بقيّة الفقهاء عبارة المختلف استدلال المسالك في كتاب الطلاق بنفس ما جاء في المختلف من روايات، بل لم يخالف حتّى في ترتيبها ما يُظهِر الاعتماد عليه في النقل، قال: (والرواية الأخرى الدالّة على تداخل العدّتين والاكتفاء بواحدة تامّة بعد وطء الأوّل رواها زرارة في الصحيح.. وروى زرارة أيضاً.. وروى أبو العبّاس..)(2).

وحذا حذوهم في الجواهر، فأسند الاستدلال بروايات التداخل في التزويج بالمعتدّة ومخالفة المشهور فيها إلى ابن الجنيد والصدوق قائلاً: (وقيل - والقائل الصدوق فيما حكي من مقنعه وابن الجنيد -: تجزئ عدّة واحدة لموثّق زرارة السابق وصحيحه الآخر عن أبي جعفر (علیه السلام): في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال:

ص: 154


1- مختلف الشيعة: 7/ 502.
2- مسالك الأفهام: 9/ 342، 343.

يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّة واحدة عنهما جميعاً)(1).

فإن قيل: إنّ تعبيره في نسبة الاستدلال بهذه الأخبار وإن كان مشعراً بإسناده إليهما، لكن يحتمل أيضاً أن يكون لأصل القول المخالف، وهو أعمّ من إسناد الاستدلال بهذه الأخبار إليهما.

ففيه: إنّه - إذن - يرى التزامهما بالتداخل في التزويج بالمعتدّة، وهو ممّا لا يصحّ نسبته إليهما.

فقد تبيّن ممّا تقدّم:

أوّلاً: إنّ نسبة مخالفة المشهور إلى ابن الجنيد والصدوق (قدس سرهما) والقول بالتزامهما بالتداخل مطلقاً ليست في محلّها؛ فإنّ الأوّل إنّما ذهب إلى التداخل في خصوص من نُعي إليها زوجها، فتزوّجت، وجاء الأوّل فطلّقها، دون ما إذا مات عنها، ولم يُنقل عنه التصريح في بقيّة الموارد بالتداخل، وكذا الصدوق (قدس سره)، فقد خصّ الحكم بالتداخل في أصل المورد المتقدّم على خلاف موردين آخرَين من الموارد الثلاثة المذكورة في مقنعه، حيث التزم فيهما بعدم التداخل.

وثانياً: إنّ نسبة القول بعدم التداخل مطلقاً إلى الشيخ (قدس سره) في غير محلّها أيضاً؛ لأنّها تعتمد على ما جاء في كتابه الخلاف، في حين أنّه صرّح في آخر كتبه بما يفيد اختصاص التزامه بعدم التداخل بما لو كانت العدّتان من شخصين.

وعلى أيّ حال فهذه جملة من كلماتهم إذا اتّضح الأمر فيها تصل النوبة إلى ذكر الأقوال في المقام، وهي ستّة:

ص: 155


1- جواهر الكلام: 29/ 438.

الأقوال في المسألة

القول الأوّل

- وهو المنسوب إلى المشهور(1) -: عدم تداخل العدّتين مطلقاً، سواء أكانتا من شخصٍ واحدٍ أم من شخصين، في فرض التزويج بالمعتدّة أم في غيره، وسواء أكان المجتمع مع عدّة وطء الشبهة عدّة الطلاق، أم عدّة الوفاة، أم عدّة أخرى للشبهة، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف، وابن إدريس في السرائر، وتقدّم ذكر كلامهم(2)، كما تقدّم الكلام في نسبته إلى المشهور أيضاً.

القول الثاني

التداخل مطلقاً، وهو مختار السيّد العامليّ في نهاية المرام والمحقّق السبزواريّ في الكفاية، والمحدّث البحرانيّ في الحدائق، والسيّد اليزديّ في تكملة العروة، والسيّد الحكيم في المستمسك (رضوان الله علیهم).

قال في نهاية المرام: (نعم، يمكن حمل الأمر بالاستئناف على الاستحباب)(3)، ونحوها عبارة الكفاية(4).

وفي الحدائق: (فما ورد بذلك [أي عدم التداخل] في أخبارنا يجب حمله على التقيّة وإن اشتهر بينهم العمل عليه)(5).

ص: 156


1- نسبه إلى الشهرة المحدّث الكاشانيّ في مفاتيح الشرائع: 2/ 354.
2- يلاحظ: صفحة (142).
3- نهایة المرام: 1/ 172.
4- يلاحظ: كفاية الأحكام: 2/ 143.
5- الحدائق الناضرة: 23/ 584.

وفي تكملة العروة: (وعن ابن الجنيد والصدوق - في موضع من المقنع - التداخل، واختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين، وهو الأقوى)(1).

وفي المستمسك: (وعلى الأوّل يمكن الجمع العرفيّ بينها وبين نصوص التعدّد بحمل الثانية على الاستحباب؛ لأنّه أبرأ للرحم وأحفظ للحقوق، والإنصاف يقتضي البناء على ذلك)(2).

القول الثالث

التفصيل بين ما إذا كانت العدّتان من شخصين فلا تداخل، وبين ما إذا كانتا من واحدٍ فتتداخلان، ذهب إليه الشيخ في المبسوط، وتقدّم نقل كلامه(3)، والعلّامة وابنه وشمس الدين الحلّيّ، وهو اختيار الجواهر في موضع.

ففي القواعد: (ولا تتداخل العدّتان إذا كانتا لشخصين)(4). وفي الإيضاح: (والذي اختاره والدي المصنّف أنّ العدّتين إن كانتا من واحد تداخلتا، وإن كانتا من اثنين لم تتداخلا، وهو الأصحّ عندي)(5).

وفي معالم الدين: (إذا كانتا لشخصين لم يتداخلا، وإن كانت(6) لواحد تداخلتا)(7).

ص: 157


1- تكملة العروة: 1/ 109.
2- مستمسك العروة الوثقى: 14/ 140.
3- يلاحظ: صفحة (147).
4- قواعد الأحكام: 3/ 150.
5- إيضاح الفوائد: 3/ 362.
6- كذا وردت في المصدر.
7- معالم الدين: 2/ 119.

وفي الجواهر: (نعم، لو كان الاشتباه من المطلّق نفسه - مثلاً - اتّجه التداخل، وفاقاً للفاضلين، بأن تستأنف عدّة كاملة للأخير، واجتزأت بها؛ لأنّهما إنّما تعلّقتا بواحد، والموجب لهما حقيقة إنّما هو الوطء، وإذا استأنفت عدّة كاملة ظهرت براءة الرحم، ولا ينافي ذلك إطلاق الأكثر - إطلاق عدم تداخل العدّتين - بعد انسياق التعدّد منه)(1).

ولكنّه رجع عنه بعد ذلك، وذهب إلى التفصيل بين اختلاف السبب من الرجل الواحد، كما لو طلّقها ثمّ وطأها شبهة، فلا تداخل، وبين اتّحاد السبب من الواحد، كما لو وطأها شبهة مرّتين، فتتداخلان، فقال: (إذا طلّقها بائناً ثمّ وطأها لشبهة قيل - وإن لم نعرف القائل به قبل المصنّف -: تتداخل العدّتان.. وهو حسن عند المصنّف.. خلافاً للمحكيّ عن الشيخ وابن إدريس، فلا تتداخل.. وليس الموجب لها في الفرض حقيقة الوطء، بل هو والطلاق، وكلّ منهما سبب. نعم، لو تعدّد الوطء من المشتبه اجتزئ بعدّة كاملة للأخير؛ لكون الموجب لها حقيقة هو الوطء، فالأقوى حينئذٍ عدم التداخل)(2).

ولعلّ السیّد (قدس سره) يذهب إلى هذا القول في كلامه المتقدّم في الناصريّات(3)؛ فإنّ استدلاله يقتضي التزامه بعدم التداخل فيما لو كانت العدّتان لشخصين، فلاحظ.

لكن لم يتطرّق في كتبه الموجودة إلى فرض اجتماعهما من واحد.

ص: 158


1- جواهر الكلام: 32/ 266.
2- المصدر السابق: 32/ 380.
3- يلاحظ: صفحة (144).

وكذا الحال فيما ذكره ابن البرّاج (قدس سره) ؛ إذ يظهر من كلامه في موضعين من المهذّب الالتزام بعدم التداخل إذا كانتا لشخصين، قال في الأوّل: (وإذا اجتمع على امرأة عدّتان، وكانت هي والزوج جاهلين، أو كان الزوج جاهلاً، وكانت غير حامل، تعتدّ بالأقراء أو بالشهور، فإنّها تكمل عدّة الأوّل، ثمّ تعتدّ عن الثاني)(1). والثاني قوله في مسألة زوجة الصبيّ الموطوءة شبهة إذا مات: (لأنّه لا يصحّ أن تكون معتدّة عن رجلين في حالة واحدة)(2).

لكنّه أيضاً لم يتطرّق إلى فرض اجتماعهما من شخص واحد وإن كان آخر كلامه مشعراً بالتداخل فيه.

القول الرابع

تفصيل مفاده أنّ العدّتين إذا اجتمعتا في مورد التزويج بالمعتدّة فلا تداخل، وتتداخلان في غير ذلك من موارد الاجتماع، وهو ظاهر ابن إدريس (قدس سره) في أجوبة المسائل، وتقدّم نقل كلامه(3).

القول الخامس

تفصيل مفاده: أنّ العدّتين إذا كانتا في مورد التزويج بالمعتدّة فلا تداخل مطلقاً، وأمّا في مورد التزويج بذات البعل فيفرّق بين اجتماع عدّة وطء الشبهة مع عدّة الوفاة فلا تداخل، وبين اجتماع عدّة وطء الشبهة مع عدّة الطلاق فتتداخلان، وهو مذهب الصدوق (قدس سره) بعد جمع الموارد الثلاثة التي تقدّمت من

ص: 159


1- المهذّب: 2/ 332.
2- المصدر السابق: 2/ 321.
3- يلاحظ: صفحة (147).

المقنع(1)، بل يمكن نسبته إلى ابن الجنيد (رحمة الله) على ما تقدّم احتماله(2).

ولعلّ هذا هو مختار الشيخ الحرّ في الوسائل (قدس سره)، فقد قال: (باب أنّ من تزوّج بامرأة ذات بعل حرّمت عليه مؤبّداً إن كان عالماً أو دخل، وإلّا فلا، بل العقد باطل وعليها عدّة واحدة إن فارقها الأوّل)(3).

ثمّ قال في الباب الذي يليه: (باب أنّ من تزوّج امرأةً في عدّتها من طلاق أو وفاة عالماً أو دخل حرّمت عليه مؤبّداً، وإلّا فلا، بل العقد باطل، فإن كان أحدهما عالماً حرم عليه خاصّةً بغير دخول، ويجب المهر مع الدخول والجهل، ويجب عليها إتمام العدّة واستئناف أخرى إن كان دخل)(4).

نعم، لم يصرّح في الباب الأوّل بأنّ ذات البعل إذا تزوّجت ودخل بها ثمّ مات بعلها هل تتداخل عليها العدّتان أم لا؟

القول السادس

التفصیل بین ما لو وطئت المعتدّة من الوفاة شبهةً فلا تتداخل العدّتان، وتتداخلان في ما لو كانت معتدّة من الطلاق فوطئت شبهةً، أو وطئت شبهة فطلّقها زوجها، أو مات عنها، وهو ما ذهب إليه السيّد الخوئيّ (قدس سره) كما في بحثه على العروة، فقد جاء في المباني: (وبالجملة فالذي يتحصّل ممّا تقدّم كلّه أنّ مقتضى ملاحظة النصوص والقاعدة في المقام هو الالتزام بالتداخل في فروض ثلاثة من

ص: 160


1- يلاحظ: صفحة (143).
2- يلاحظ: الموضع السابق.
3- وسائل الشيعة: 20/ 446.
4- المصدر السابق: 20/ 449.

فروض المسألة الأربعة، وهي ما لو دخلت عدّة وطء الشبهة على عدّة الطلاق، أو دخلت عدّة الطلاق على عدّة وطء الشبهة، أو دخلت عدّة الوفاة على عدّة وطء الشبهة، والالتزام في فرض واحد خاصّة هو دخول عدّة وطء الشبهة على عدّة الوفاة بعدم التداخل ولزوم التعدّد)(1).

وربّما أوهمت تعليقته على العروة تفصيلاً آخر، فإنّه - بعد ما ذكر السيّد اليزديّ (قدس سره) المسألة: 12من فصل التزويج بالمعتدة: (إذا اجتمعت عدّة وطء الشبهة مع التزويج أو لا معه وعدّة الطّلاق أو الوفاة أو نحوهما، فهل تتداخل العدّتان، أو يجب التعدّد؟ قولان: المشهور على الثاني، وهو الأحوط وإن كان الأوّل لا يخلو عن قوّة؛ حملاً للأخبار الدالّة على التعدّد على التقيّة، بشهادة خبر زرارة وخبر يونس) - علّق عليها قائلاً: (لا وجه للحمل على التقيّة، والظاهر هو التفصيل بين عدّة الوفاة وغيرها بالالتزام بالتعدّد في الأُولى والتداخل في الثانية؛ وذلك لأنّ الروايات على طوائف ثلاث:

إحداها: تدلّ على عدم التداخل مطلقاً.

وثانيتها: تدلّ على التداخل مطلقاً.

وثالثتها: تدلّ على عدم التداخل في خصوص الموت.

وبما أنّ النسبة بين الطائفة الثالثة والطائفة الثانية عموم مطلق فتقيّد الطائفة الثالثة إطلاق الطائفة الثانية، وبعد ذلك تنقلب النسبة بين الطائفة الثانية والطائفة الأولى فتصبح الطائفة الثانية أخصّ من الطائفة الأُولىٰ فتقيّد إطلاقها، فالنتيجة هي

ص: 161


1- موسوعة الإمام السيّد الخوئيّ (قدس سره) (مباني العروة): 32/ 205.

عدم التداخل في خصوص الموت والتداخل في غير الموت، فإذن لا معارضة بين الروايات)(1).

وعبارته بإطلاقها توهم أنّ الحكم بعدم التداخل ثابت في اجتماع عدّتين: إحداهما من الوفاة سواء أكانت هي الداخلة على عدّة الشبهة أم كانت مدخولة لها.

لكن هذا التوهّم يرتفع بملاحظة تعليقته التالية للتعليقة الآنفة فقد جاء فيها: (قد عرفت أنّه لا تعدّد إلّا فيما إذا كان الوطء بشبهة في عدّة الوفاة ولا بدّ فيه من إتمام عدّة الوفاة أوّلاً ثمّ الاعتداد بعدّة الوطء بالشبهة)(2).

فخصّ الحكم بعدم التداخل بما لو تأخّرت عدّة الشبهة ودخلت على عدّة الوفاة دون العكس، وهي نفس نتيجة بحثه في المباني.

هذا هو تمام الكلام في كلمات فقهائنا وأقوالهم، وأمّا فقهاء العامّة فتفصيل آرائهم كالآتي.

كلمات فقهاء العامّة وأقوالهم

يظهر من بعض أخبار العامّة أنّ القول بعدم التداخل منسوب إلى أمير المؤمنين (علیه السلام)، وأنّه قضى في التي تزوّج في عدّتها بالتفريق بينهما، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدّة الأوّل، وتعتدّ من الآخر(3).

كما رووا ذلك عن عمر، فقد روى مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب

ص: 162


1- العروة الوثقى مع تعليقات السيّد الخوئيّ (قدس سره): 2/ 598.
2- المصدر السابق.
3- يلاحظ: السنن الكبرى: 7/ 725.

وسليمان بن يسار: أنّ طليحة كانت تحت رشيد الثقفيّ، فطلّقها ونكحها غيره، فضربها عمر بن الخطّاب وضرب زوجها ضربات بمخفقة، وفرّق بينهما، ثمّ قال: أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن كان زوجها الذي تزوّجها لم يدخل بها فرّق بينهما، ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من زوجها الأوّل، وكان خاطباً من الخطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل، ثمّ اعتدّت من الآخر، ولا ينكحها أبداً(1).

ونسب السرخسيّ إلى معاذ بن جبل القول بتداخل العدّتين(2).

ويظهر من بعض أخبارنا أنّ إبراهيم النخعيّ - وهو من رواة الحديث المشهورين عندهم(3)- كان يفتي بعدم تداخل العدّتين(4).

وذهب أبو حنيفة ومالك إلى التداخل، فقد ذكر السرخسيّ الحنفيّ في المبسوط: (وإذا تزوّجت المرأة المعتدّة من الطلاق برجل، ودخل بها، ففرّق بينهما، فعليها عدّة واحدة من الأوّل والآخر ثلاث حِيَض، وهو مذهبنا)(5).

وعبارة القاسانيّ الحنفيّ في بدائع الصنائع أعمّ، حيث قال: (وعلى هذا ينبني العدّتان إذا وجبتا أنّهما يتداخلان، سواء كانتا من جنس واحد أو من جنسين،

ص: 163


1- يلاحظ: الموطّأ: 1/ 583، السنن الكبرى: 7 / 725.
2- يلاحظ: المبسوط: 6/ 41.
3- يلاحظ: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 5/ 190.
4- يلاحظ: الكافي: 6/ 151.
5- المبسوط: 6/ 41.

وصورة الجنس الواحد: المطلّقة إذا تزوّجت في عدّتها فوطأها الزوج، ثمّ تتاركا حتّى وجبت عليها عدّة أخرى، فإنّ العدّتين تتداخلان عندنا، وصورة الجنسين المختلفين: المتوفّى عنها زوجها، وإذا وطئت بشبهة تداخلت أيضاً، وتعتدّ بما رأته من الحيض في الأشهر من عدّة الوطء عندنا)(1).

وفي المدوّنة الكبرى التي يَنقل فيها سحنون آراء مالك: (أرأيت المرأة يطلّقها زوجها طلاقاً بائناً بخلع، فتزوّجت في عدّتها، فعلم بذلك، وفرّق بينهما.

قال: كان مالك يقول الثلاث حيض تجزي من الزوجين جميعاً من يوم دخل بها الآخر، ويقول قد جاء عن عمر ما قد جاء، يريد أنّ عمر قال: تعتدّ بقيّة عدّتها من الأوّل، ثمّ تعتدّ من الآخر)(2).

لكن يظهر من عيون المسائل للثعلبيّ المالكيّ وبداية المجتهد وجود الاختلاف في النقل عن مالك:

قال الأوّل: (اختلف عن مالك في المرأة إذا تزوّجت في العدّة ودخل بها الثاني، فقال: تعتدّ بقيّة الأوّل، وتستأنف من الثاني، كانت بالأقراء أو الشهور.

وقال أيضاً: تعتدّ من الثاني، ويجزئها عن بقيّة الأولى، إلّا أن تكون حاملاً فبالوضع تنقضي العدّتان، كان الحمل للأوّل أو للثاني)(3).

ص: 164


1- بدائع الصنائع: 3/ 190.
2- المدوّنة الكبرى: 2/ 440.
3- عيون المسائل: 386.

وجاء في الثاني: (وإذا تزوّجت ثانياً في العدّة فعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما تداخل العدّتين، والأخرى نفيه)(1).

وذهب أحمد بن حنبل والشافعيّ إلى عدم التداخل، فقد ذكر ابن قدامة الحنبليّ في شرحه مسألة من مختصر الخرقيّ المؤلّف على مذهب أحمد: (مسألة: قال: لو طلّقها أو مات عنها فلم تنقض عدّتها حتّى تزوّجت من أصابها فرّق بينهما، وبنت على ما مضى من عدّة الأوّل، ثمّ استقبلت العدّة من الثاني)(2).

وفي روضة الطالبين للنوويّ الشافعيّ: (إذا كانت العدّتان لشخصين - بأن كانت معتدّة لزيد عن طلاق أو وفاة أو شبهة أو نكحها جاهلاً ووطئها أو كانت المنكوحة معتدّة عن وطء شبهة فطلّقها زوجها - فلا تداخل، بل تعتدّ عن كلّ واحد عدّة كاملة)(3).

ويتلخّص من جميع ما تقدّم أنّ القول بعدم تداخل العدّتين منسوب عندهم إلى أمير المؤمنين (علیه السلام)، وإلى عمر، وهو قول مالك - في أحد النقلين - وأحمد ابن حنبل والشافعيّ، وأمّا القول بالتداخل فقد نُسب إلى معاذ بن جبل، وهو قول أبي حنيفة وكذا مالك في نقل آخر.

إذا اتّضح ذلك فالكلام يقع في الأصل ومقتضى القاعدة على فرض فقدان الدليل.

ص: 165


1- بداية المجتهد: 3/ 113.
2- المغني: 9/ 120.
3- روضة الطالبين: 6/ 362.

الأصل ومقتضى القاعدة

تقدّم في كلمات الفقهاء ما يدلّ على استدلالهم لعدم تداخل العدّتين بدلالة الأصل ومقتضى القاعدة على ذلك، ففي الناصريات للسيّد المرتضى (قدس سره): (أنّ العدّة حقّ لكلّ واحد من الزوجين، فلا مداخلة بينهما، وإنّما لم يملك الزوج إسقاط العدّة لأنّ فيها حقّاً لله تعالى، وليست بحقّ خالص للآدميّ)(1).

وفي خلاف الشيخ: (وأيضاً فقد ثبت وجوب العدّتين عليها، وتداخلهما يحتاج إلى دليل)(2).

وفي غاية المرام: (وقيل بالثاني؛ لأنّهما حكمان، وتداخلهما على خلاف الأصل، فلا بدّ من عدّتين، وهو المعتمد)(3).

وعبّر عن هذا المضمون بنحوٍ آخر في بعض كلماتهم، ففي جامع المقاصد مثلاً: (لأنّ تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات)(4)، ونحوه تعابير جماعة(5).

لكن يظهر الخلاف من ابن إدريس في بعض كتبه، فإنّه وإن وافق في السرائر

ص: 166


1- المسائل الناصریّات: 361 - 362.
2- الخلاف: 5/ 76.
3- غاية المرام: 3/ 64.
4- جامع المقاصد: 12/ 309.
5- يلاحظ: مسالك الأفهام: 7/ 339، نهاية المرام: 1/ 171، مفاتيح الشرائع: 2/ 354، كشف اللثام: 7/ 182، رياض المسائل: 11/ 231، أنوار الفقاهة (كتاب النكاح): 124.

كلام الشيخ المتقدّم ذكره عن الخلاف الناصّ على كون الأصل هو عدم التداخل، إلّا أنّه في كتابه الموسوم ب-(أجوبة مسائل في مختلف الفنون) أجاب عن بعض الأسئلة - التي تقدّم ذكرها عند ذكر كلمات الفقهاء(1) - بما يُفيد كون الأصل هو التداخل، فإنّه بعد ما أفتى بتداخل العِدد على من تزوّجت قبل علمها بموت زوجها ثمّ علمت، علّل ذلك بأنّ أخبار عدم التداخل إنّما وردت في خصوص المعتدّة التي توطأ بشبهة نكاح، وهذا يقتضي التزامه بأنّ الأصل الذي يرجع إليه عند فقدان الدليل - كما في مورد سؤال السائل فإنّه خالٍ من النصّ - هو التداخل.

وعلى أيّ حال فقد أُشكل(2) على اقتضاء الأصل عدم التداخل بأنّه إنّما يكون كذلك حيث يكون المورد قابلاً لجريانه، وأمّا في المقام فيدّعى عدم إمكانه؛ وذلك لأنّ الزمان الواحد غير قابلٍ لامتثال عدّتين مستقلّتين معاً، وحيث إنّ أدلّة وجوب العدد ظاهرة باتّصالها بأسبابها - فعدّة وطء الشبهة إنّما تجب من حين انكشاف الشبهة مثلاً، وعدّة الطلاق من حين الطلاق، وعدّة الوفاة من حين الوفاة إن كان حاضراً، ومن حين بلوغ الخبر في الغائب من أجل الحداد - فلا معنى حينئذٍ لجريان هذا الأصل في محلّ الكلام؛ لأنّه يقتضي انفصال إحدى العدّتين عن سببها، إذ عليه لا تأتي بالعدّة الأُخرى إلّا بعد إتمام الأُولى.

وما أجاب به في الجواهر بقوله: (ودعوى عدم معقوليّة التعدّد هنا واضحة المنع؛ ضرورة أنّ العدّة إنّما هي تربّص مدّة من الزمان عن التزويج، والاتّصال

ص: 167


1- يلاحظ: صفحة (142).
2- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 14/ 140، موسوعة الإمام السيّد الخوئيّ: 32/ 200.

بالسبب غير معتبر في مفهومها شرعاً ولا لغةً. نعم، ظاهر الأدلّة فوريّتها، فمع فرض التعدّد تكون الفوريّة حينئذٍ على حسب الإمكان بالتعاقب)(1) غير واضح في الردّ؛ فإنّ الكلام لو كان في عدم المعقوليّة لصحّ الجواب عنه بأنّه لو فرض بأنّ الأصل يقتضي عدم تداخل العدّتين فإنّه رغم ذلك لا يخرج عن المعقوليّة؛ لأنّ الفوريّة والاتّصال بالسبب يعلّق حينئذٍ على الإمكان، فلا ضير حال عدم الإمكان كما في المقام من الالتزام بالتعاقب بين العدّتين، فإنّه بعد ما فرض مسبقاً أنّ الأصل هو عدم التداخل يأتي بعده الكلام في كيفيّة التكييف بينه وبين ظهور الأدلّة في الفوريّة.

ولكن ما ينبغي أن يقع فيه الكلام هو مفاد الأصل بعد فرض ظهور الأدلّة في الاتّصال بين السبب وعدّته، فهل يقتضي التداخل أو عدمه؟

وفي هذا المقام يمكن أن يدّعى أنّ ظهور الأدلّة في الاتّصال والفوريّة قرينة على إفادته التداخل؛ إذ به يُحفظ الاتّصال بين العدد وأسبابها.

ومن هنا ذهب بعض الأعلام (رضوان الله تعالی علیهم) إلى أنّ الأصل في المقام يقتضي التداخل، كما في تكملة العروة ومستمسكها ومبانيها(2)، وأُضيف في ثانيها شاهد آخر نُبّه عليه في كلماتهم وإن لم يتبنّوه، وهو: أنّ الغرض من العدّة استبراء الرحم من الولد، وهذا المعنى لا يحتاج إلى التعدّد(3).

ص: 168


1- جواهر الكلام: 32/ 367 - 368.
2- يلاحظ: تكملة العروة الوثقى:1/ 106 - 107، مستمسك العروة الوثقى: 14/ 140، شرح العروة الوثقى(مباني العروة الوثقى): 32/ 200.
3- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 14/ 140.

ومراده أنّ الغرض والعلّة من العدّة هو استبراء الرحم، وهو حاصل بالعدّة المتّصلة بالسبب، فالقول بعدم التداخل ولزوم اعتدادها بعدّةٍ أخرى غير متّصلة بسببها لا يكون دخيلاً في تحقيق ذلك الغرض؛ لأنّه قد تحقّق بالعدّة الأولى، فلا معنى لإيجاب الثانية مستقلّة بتمامها عن الأُولى.

وقد يُتأمّل في ذلك من جهتين:

الأُولى: أنّ كون الغرض من العدّة استبراء الرحم لم يَثبت كونه بنحو العلّة التي يدور الحكم بوجوب العدّة مدارها، ولذا لا كلام بينهم في وجوبها في طلاق من فارقها زوجها مدّةً لا يُحتمل فيها الحمل منه.

ويمكن أن يردّ: بأنّ هذا وإن كان ينفي علّيّة استبراء الرحم للعدّة بالمعنى المتقدّم لكنّه لا ينفي حكميتها، والحكمة وإن لم يكن الحكم دائراً مدارها وجوداً وعدماً - فلا يشترط وجودها في جميع الأفراد - إلّا أنّه لا بدّ من عدم انخرامها في موردٍ ما، ولذا لا يوجد مورد واحد من موارد العدد ثبت فيه انتفاء هذه الحكمة، فلاحظ.

نعم، هناك معنى آخر تطلق عليه الحكمة أيضاً ليس هو المقصود في محلّ الكلام، ويراد منه اشتمال أغلب الأفراد عليها، فهي قد تتخلّف عن بعض الموارد، ولعلّ أبرز ما يدلّ على اعتبار الاستبراء معتبرة زرارة الآتية في أخبار التداخل الواردة في اجتماع عدّتين الدالّة على أنّ ملاك الحكم في المقام ومناطه هو الاستبراء، فإنّه (علیه السلام) بعد أن حكم فيها بتداخل العدّتين قال معلّلاً: (وإنّما تستبرئ رحمها بثلاثة قروءٍ تُحلّها للناس

ص: 169

كلّهم)(1).

الثانية: لو سلّم أنّ الغرض هو استبراء الرحم فإنّما يسلّم في عدّة وطء الشبهة دون عدّة الوفاة التي تختلف عنها في المدّة، ووجوب الحداد فيها، وعدم انقضائها بوضع الحامل حملها، بل حتّى في عدّة الطلاق - فإنّه بعد وجود الكلام في كون المطلّقة في الطلاق الرجعيّ هل هي زوجة حقيقةً أو حكماً في زمن عدّة الطلاق - يمكن أن يُشكّك في أنّ تمام الغرض منها الاستبراء. نعم، لا يبعد كونه تمام الغرض في البائن.

ويمكن أن يُردّ: بأنّ هذا وإن كان يصلح إيراداً عمّا في المستمسك؛ لإطلاقه كون الغرض من العدد الاستبراء، لكنّه رغم ذلك لا ينافي كون الأصل هو التداخل؛ وذلك لأنّه يمكن أن يقال: إنّا لا نحتاج لجعل الأصل في المقام التداخل سوى إحراز كون الغرض من عدّة وطء الشبهة هو استبراء الرحم من الولد، فإنّ الجامع المشترك بين الفروض المتصوّرة لاجتماع العدد هو عدّة وطء الشبهة - فإنّها تارةً تجتمع مع نفسها، كما لو اجتمع على المرأة عدّتان من وطأين للشبهة. وأخرى تجتمع مع عدّة الطلاق، كما في المعتدّة من الطلاق التي توطأ شبهةً، أو ذات البعل إذا وطِئت شبهة وطلّقها زوجها. وثالثة مع عدّة الوفاة، كالتي تُوطأ شبهة قبل إكمالها عدّة الوفاة، أو من توفّي عنها زوجها بعد أن وُطئت شبهةً - فإنّ عدّتي الطلاق والوفاة حتّى لو فرض أنّ لهما غرضاً خاصّاً، إلّا أنّ كلّ واحدةٍ منهما لا تجتمع إلّا مع عدّة وطء الشبهة التي لا يكون الغرض منها إلّا استبراء الرحم من الولد، فيكون هذا الغرض حاصلاً

ص: 170


1- الكافي: 6/ 151، باب المرأة يبلغها نعي زوجها أو طلاقه فتتزوّج..، ح1.

بمجرّد مضيّ عدّة الطلاق أو الوفاة.

وبعبارة أخرى: أنّ الغرض من عدّة وطء الشبهة حاصل قهراً، ولا ينافي الأغراض التي يمكن أن تتصوّر لبقيّة العِدد التي تجتمع معها.

ومن عموم ما تقدّم يظهر أنّ الذي ينبغي أن يصار إليه - وفاقاً لبعض الفقهاء القريبين من هذا العصر - هو أنّ الأصل في المقام يدلّ على التداخل.

إذا عرفت هذا فتصل النوبة إلى استعراض الأدلّة المتعلّقة بهذه المسألة.

الأدلّة

اشارة

أمّا الأخبار في المقام فمنها ما يدلّ على التداخل، ومنها ما يدلّ على عدمه.

ما يدلّ من الأخبار على عدم التداخل:

الأُولى

موثّقة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة في عدّتها، قال: (إن كان دخل بها فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً، وأتمّت عدّتها من الأوّل وعدّةً أخرى من الآخر، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما، وأتمّت عدّتها من الأوّل، وكان خاطباً من الخطّاب)(1).

ويستفاد منها بطلان العقد الواقع على المعتدّة، ووجوب إتمام العدّة التي كانت قد ابتدأت بها من زوجها الأوّل، والإتيان بعدّة أخرى من الثاني إذا كان داخلاً بها، فهي ظاهرة في تعدّد العدّتين، وعدم تداخلهما عليها.

ص: 171


1- الكافي: 5/ 428، باب المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحلّ له أبداً، ح8.

الثانية

رواية عليّ بن بشير النبّال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوّج امرأةً في عدّتها، ولم يعلم، وكانت هي قد علمت أنّه بقي من عدّتها، وأنّه قذفها بعد علمه بذلك، فقال: (إن كانت علمت أنّ الذي صنعت محرّم عليها فقدمت على ذلك فإنّ عليها الحدّ حدّ الزّاني، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، وإن فعلت ذلك بجهالة منها ثمّ قذفها بالزنى ضرب قاذفها الحدّ وفرّق بينهما، وتعتدّ ما بقي من عدّتها الأولى، وتعتدّ بعد ذلك عدّةً كاملةً)(1).

ويظهر من جماعة ضعف سندها(2)، قال في الملاذ معلّقاً: (مجهول ويحتمل الصحّة)(3) مع أنّ سندها: (روى محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العبّاس والهيثم، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب، عن عليّ بن بشير النبّال)، فالعبّاس هو ابن معروف، والهيثم هو ابن أبي مسروق النهديّ، وكلّ من وقع في هذا السند موثّق، ولذا فقد اعتمد عليها السيّد الخوئيّ واعتبرها(4)، ولكن يظهر من تعبير السيّد الحكيم في المستمسك: (في الصحيح عن عليّ بن رئاب، عن عليّ بن بشير النبّال)(5) أنّ جهة الإشكال فيها هو عليّ بن بشير النبّال، ولعلّه من جهة أنّ ابني بشير (محمّد

ص: 172


1- تهذيب الأحكام: 7/ 309، ح1284.
2- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 23/ 590، تكملة العروة: 1/ 109، مستمسك العروة: 14/ 141.
3- ملاذ الأخيار: 12/ 136.
4- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئيّ: 32/ 201.
5- مستمسك العروة: 14/ 138.

وعليّ) وإن كانا موثّقين صريحاً عند النجاشيّ(1) إلّا أنّ طريقه إلى كتاب محمّد بن بشير يكشف عن كونه من مشايخ أحمد بن محمّد بن خالد، فيكون من رواة الطبقة السادسة، فكيف يمكن أن يروي عن الإمام الصادق (علیه السلام) بلا واسطة؟ مضافاً إلى عدم ذكره أنّ لقبهما (النبّال).

في حين أنّ الوارد هو لقب النبّال في المقام، ومن لقّب به في الأخبار وكتب الرجال ثلاثة - بعد أبيهم بشير الذي يروي عن الإمامين الصادقين (علیهما السلام) (2)- هم إسحاق بن بشير النبّال، وقد عدّ من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) (3)، وعليّ بن بشير النبّال، ولم ترو له في الكتب الحديثية غير هذه الرواية، ويحيى بن بشير النبّال، وله روايتان بواسطة واحدة عن الإمام الصادق (علیه السلام)، وعدّ من أصحابه (علیه السلام) (4).

وعليه فيظهر أنّ عليّ بن بشير النبّال الذي يروي عن الإمام الصادق (علیه السلام) مباشرةً في هذه الرواية غير من وثّقه النجاشيّ في ترجمة أخيه، فهو مهمل في كتب الرجال، ولا يمكن الاعتماد على روايته.

الثالثة

موثّقة محمّد بن مسلم، عن الباقر (علیه السلام)، قال: قلت له المرأة الحبلى يتوفّى عنها زوجها، فتضع وتزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً، فقال: (إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً، واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل،

ص: 173


1- يلاحظ: رجال النجاشيّ:344.
2- يلاحظ: بصائر الدرجات: 1/ 284، الكافي: 3/ 434.
3- يلاحظ: رجال البرقيّ: 10، رجال الطوسيّ (الأبواب): 125.
4- يلاحظ: المحاسن: 1/ 255، 2/ 501، رجال الطوسيّ (الأبواب): 322.

واستقبلت عدّةً أخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما، وأتمّت ما بقي من عدّتها، وهو خاطب من الخطّاب)(1).

ورواها بسندين غير ما تقدّم في موضع آخر(2) باختلاف يسير، فقد جاء في الجواب: (قال: إن كان زوجها الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما، واعتدّت ما بقي من عدّتها الأولى، وعدّةً أخرى من الأخير، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما، واعتدّت ما بقي من عدّتها، وهو خاطب من الخطّاب).

وكلا التعبيرين: (واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل، واستقبلت عدّةً أخرى من الآخر) و(واعتدّت ما بقي من عدّتها الأولى، وعدّةً أخرى من الأخير) ظاهر في الانفصال بين العدّتين، وعدم تداخلهما إذا تزوّجت في عدّة الوفاة ودخل بها.

الرابعة

صحيحة الحلبيّ أو حسنته عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها، فتضع وتزوّج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشراً(3)، فقال: (إن كان دخل بها فرّق بينهما، ثمّ لم تحلّ له أبداً، واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل، واستقبلت عدّةً أخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما، واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل، وهو خاطب من الخطّاب)(4).

ص: 174


1- الكافي: 5/ 427، باب المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحلّ له أبداً، ح5.
2- يلاحظ: الكافي: 6/ 114، باب عدّة الحبلى المتوفّى عنها زوجها ونفقتها، ح7.
3- كذا في المصدر، وفي طبعة دار الحديث من الكافي: 10/840 وجود نسخة فيها: (عشر)، وكذا في التهذيب: 7/ 306، باب من يحرم نكاحهن..، ح31.
4- الكافي: 5/ 427، باب المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحلّ له أبداً، ح4.

وهي كسابقتها في الدلالة على أنّ الحبلى المتوفّى زوجها يلزمها التفريق بين العدّتين إذا تزوّجت قبل إتمامها لعدّة الوفاة، كما أنّ هذا هو مفاد الرواية الآتية.

الخامسة

رواية عليّ بن جعفر: وسألته عن امرأة توفّي زوجها وهي حامل، فوضعت وتزوّجت قبل أن تمضي أربعة أشهر وعشراً، ما حالها؟ قال: (لو كان دخل بها زوجها فرّق بينهما، فاعتدّت ما بقي عليها من زوجها [الأوّل]، ثمّ اعتدّت عدّةً أخرى من الزّوج الآخر، ثمّ لا تحلّ له أبداً، وإن تزوّجت غيره ولم يكن دخل بها فرّق بينهما فاعتدّت ما بقي عليها من المتوفّى عنها، وهو خاطب من الخطّاب)(1).

لكنّها غير معتبرة من جهة جهالة حال عبد الله الواسطة بين الحميري وعليّ بن جعفر.

السادسة

مرسلة جميل بن صالح التي رواها في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بعض أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام): في أختين أهديتا إلى أخوين في ليلة، فأدخلت امرأة هذا على هذا، وأدخلت امرأة هذا على هذا، قال: (لكلّ واحد منهما الصداق بالغشيان، وإن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتّى تنقضي العدّة، فإذا انقضت العدّة صارت كلّ واحدة منهما إلى زوجها بالنكاح الأوّل)، قيل له فإن ماتتا قبل انقضاء العدّة، قال: فقال: (يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما، ويرثانهما الرجلان)، قيل: فإن مات الرجلان وهما في العدّة، قال: (ترثانهما، ولهما نصف المهر المسمّى، وعليهما العدّة بعد ما تفرغان من

ص: 175


1- قرب الإسناد: 249.

العدّة الأولى تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها)(1).

وفي الفقيه: (وروى الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، أنّ أبا عبد الله (علیه السلام) قال في أختين..)(2)، ولفظه وإن أوهم بدواً عدم الإرسال لكن تعلم الواسطة المجهولة من طريق الكلينيّ، فلا تكون معتبرة.

ودلالتها صريحة في أنّ المتزوّجة إذا وجب عليها أن تعتدّ من وطء الشبهة يجب عليها أيضاً إذا مات زوجها في ذلك الوقت عدّة أخرى لوفاته تبدأ بها بعد الفراغ من العدّة الأولى.

هذه هي الروايات الدالّة على عدم تداخل العدد في حال اجتماعها، وتبيّن أنّها ستّ روايات، اثنتان منها مطلقة بلسان تزويج المرأة في عدّتها، وهي موثّقة محمّد بن مسلم، ورواية عليّ بن بشير النبّال، وثلاث منها في التزويج بها في عدّة الوفاة، وهي موثّقة محمّد بن مسلم الأخرى، وصحيحة الحلبيّ، ورواية عليّ بن جعفر، وواحدة وهي مرسلة جميل بن صالح في من وجب عليها الاعتداد بوطء الشبهة فمات زوجها.

وفي مقابل هذه الروايات الدالّة على عدم التداخل روايات أخر تدلّ على التداخل.

ص: 176


1- الكافي: 5/ 407، باب المدالسة في النكاح وما تردّ منه المرأة، ح11.
2- من لا يحضره الفقيه: 3/ 422، ح4469.

أدلّة التداخل

اشارة

أمّا الروايات الدالّة على التداخل فهي:

الأولى

موثّقة أبي العبّاس أو صحيحته عن أبي عبد الله (علیه السلام): في المرأة تتزوّج في عدّتها، قال: (يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّةً واحدةً منهما جميعاً)(1).

وسندها: (عن سعد، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان، عن جميل، عن ابن بكير، عن أبي العبّاس، عن أبي عبد الله (علیه السلام)).

ورواها في موضع آخر بنفس السند إلّا أنّ الذي فيه: (عن ابن بكير أو عن أبي العبّاس)(2)، وفي روضة المتّقين: (وفي بعض النسخ: (وعن أبي العبّاس)، وفي بعضها (أو عن أبي العبّاس))(3).

الثانية

صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام): في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال: (يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّةً واحدةً منهما جميعاً)(4).

الثالثة

اشارة

مرسلة جميل في الفقيه، قال: (وفي رواية جميل بن درّاج في المرأة تتزوّج في عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّةً واحدةً منهما، فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير، وإن جاءت بولد في أقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل)(5).

ص: 177


1- تهذيب الأحكام: 7/ 308، ح1280.
2- المصدر السابق: 8/ 168، ح585.
3- روضة المتّقین: 8/ 524.
4- تهذيب الأحكام: 7/ 308، ح1278.
5- من لا يحضره الفقيه: 3/ 470، ح4639.

وعبارته وإن كانت توهم عدم الإرسال بدواً لكن يظهر استخدامه لهكذا عبارة في الأعمّ من الروايات المسندة والمرسلة، وسيأتي ما يشهد للإرسال(1).

ورواها الشيخ في موضعين من التهذيب، جاء في الموضع الأوّل: (روى ذلك محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل، عن بعض أصحابه عن أحدهما (علیهما السلام))(2).

وفي الموضع الثاني: (أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن صالح، عن بعض أصحابنا عن أحدهما (علیهما السلام))(3).

وهذا ينافي ما نقله الصدوق (قدس سره) من كون الراوي هو جميل بن درّاج بعد استبعاد تعدّد الرواية.

ومن هنا يقع البحث في سندها من عدّة جهات:

الأولى: في تعيين جميل، وهل هو ابن درّاج أو ابن صالح؟

الثانية: في طريق الصدوق إلى جميل.

الثالثة: في إمكان تحديد المرسل عنه.

الرابعة: في إمكان تجاوز الإرسال.

الخامسة: في الطريق الذي ذكره الشيخ للرواية.

ص: 178


1- يلاحظ: صفحة (180).
2- تهذيب الأحكام: 7/ 309، ح1283.
3- المصدر السابق: 8 / 168،ح584.
الجهة الأولى: في تعيين جميل، وهل هو ابن درّاج أو ابن صالح؟

أمّا الجهة الأولى فقد يقال فيها بعدم إمكان التعيين؛ فإنّ رواية عليّ بن حديد - الراوي عن جميل في الطريق الأوّل للشيخ - عن ابن درّاج وإن كانت ثابتة من جهة كونه الراوي المباشر لبعض كتب جميل بن درّاج في طريق النجاشيّ، حيث قال: (وله كتاب اشترك هو ومرازم بن حكيم فيه، أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد عنهما)(1)، لكن هذا وحده لا يكفي؛ إذ قد وقع عليّ هذا في بعض طرق النجاشيّ راوياً لكتب جميل بن صالح أيضاً، فقد جاء في ذكره لطرقه إلى كتب ابن صالح: (وقد رواه عنه عليّ بن حديد، أخبرنا ابن نوح، عن الحسن بن حمزة، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر بن بطّة، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد، عن جميل به)(2).

لكن ما يمكن أن يجعل قرينةً على التعيين - كما أشار إليه السيّد الخوئيّ (قدس سره) (3) - هو رواية عليّ بن حديد عن جميل المصرّح بكونه ابن درّاج في اثنين وثلاثين مورداً(4)

ص: 179


1- رجال النجاشيّ: 127.
2- المصدر السابق: 128.
3- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئيّ: 32/ 197.
4- يلاحظ: الكافي: 1/ 388، 2/ 428، 3/ 41، 375، 4/ 441، 479، 5/ 179، 213، 229، 280، 6/ 85، 166، 7/ 81، 219، 256، 320، 357، 8/ 274، 341، 345، تهذيب الأحكام: 1/ 256، 2/ 271، 6/ 349، 7/ 25، 100، 276، 300، 373، 9/ 216، 378، 10/ 122، 129.

من أصل تسعة وأربعين، فيما أهمل ذكر اسم والد جميل في البقيّة، ولم ترد روايته صريحاً عن جميل بن صالح، إلّا في هذا المورد من الشيخ في أحد موضعي نقله للرواية في التهذيب مخالفاً للصدوق الذي صرّح في الفقيه بكونه ابن درّاج، ومن هنا فدعوى وحدة الرواية وكون الصحيح فيها هو جميل بن درّاج غير بعيدة.

الجهة الثانية: في اعتبار طريق الصدوق إلى جميل بن درّاج

وقد صرّح السيّد الخوئيّ (قدس سره) بعدم صحّة الاعتماد على الطريق الذي ذكره الصدوق في المشيخة؛ لأنّ طريقه هذا إلى خصوص الكتاب الذي اشترك في تأليفه جميل بن درّاج ومحمّد بن حمران، ولم يصرّح بأنّه طريقه إلى غير ذلك الكتاب(1)، ومن هنا استعان لتصحيح الرواية بالطريق الذي ذكره الشيخ في الفهرست إلى جميل، فإنّه يمرّ بالصدوق(2).

ولعلّ بالإمكان الاستغناء عن ذلك بعد الشهرة العظيمة للكتاب، قال النجاشيّ: (له كتاب رواه عنه جماعات من الناس وطرقه كثيرة)(3)، واحتمال اختلاف النسخ لا يعتنى به عندما يكون النقل بهذا النحو من الاشتهار.

الجهة الثالثة: وهي البحث في إمكان تعيين الواسطة المجهولة

ويمكن أن يقال في هذا المقام إنّ الشيخ روى في التهذيب باختلاف يسير ذيل المرسلة مسنداً، حيث قال: (عليّ بن الحسن، عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن

ص: 180


1- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 4/ 430.
2- يلاحظ: الفهرست:44.
3- يلاحظ: رجال النجاشيّ: 127.

جميل، عن أبي العبّاس، قال: إذا جاءت بولد لستّة أشهر فهو للأخير، وإن كان أقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل)(1).

والظاهر أنّ لهذا التعبير متعلّقاً، وأنسب ما يحتمل هو أن يكون صدراً لمرسلة جميل: (في المرأة تتزوّج في عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وتعتدّ عدّةً واحدةً منهما).

ويتجلّى هذا المعنى أكثر إذا ضممنا إلى ذلك معتبرة أبي العبّاس، وهي الرواية الأولى من هذه الطائفة، فتكون مرسلة ابن درّاج هي نفس معتبرتي أبي العبّاس، وقد ذكر مقدار الحاجة منها في موضعين، فقطّعت لذلك.

لكن على هذا لا ينبغي عدّ مرسلة جميل روايةً ثالثة، بل ترجع إلى المعتبرة الأولى، ومن هذا يمكن ترجيح كون السند في الأولى هو: (عن سعد، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان، عن جميل، عن أبي العبّاس) فتوصف بالصحيحة.

الجهة الرابعة: في إمكان تجاوز الإرسال

والبحث في هذه الجهة مبنيّ على عدم تماميّة الجهة الثالثة؛ إذ لا معنى للبحث عن تجاوز الإرسال إذا كانت هي الصحيحة الأولى نفسها، ويقرب في هذا المقام الاعتماد على حساب الاحتمال لتجاوز خلل الإرسال، فإنّ الروايات التي يرويها جميل عن الموثّقين من أصحاب الأئمّة (علیهم السلام) تفوق بنسبة تجعل احتمال كون هذه المرسلة من رواياته عن غير الموثّقين ضئيلاً جدّاً لا يعتنى به(2).

ص: 181


1- تهذيب الأحكام: 8/ 167، وعليّ بن الحسن هو ابن فضّال، وإكثاره الرواية عن جعفر بن محمّد بن حكيم كافٍ في توثيقه.
2- يلاحظ في ذلك مجلّة دراسات علميّة عدد (14): 245 وما بعدها.

لكن يمكن أن يقال: إنّه على فرض تماميّة جريان حساب الاحتمال في أمثال المقام، وأنّه ينتج كون احتمال روايته عن غير الموثّقين ضئيلاً، إلّا أنّه لا يدفع احتمال رواية جميل لها عن أبي العبّاس الذي ثبتت روايته لهذا المضمون نفسه، بل بما يقاربها من ألفاظ في المعتبرة الأولى، فلا اطمئنان بكونها روايةً أخرى غير ما تقدّم عن زرارة.

فإن قيل: إنّ البحث في هذه الجهة فرض بناؤه على عدم استيضاح اتّحاد هذه المرسلة مع صحيحة أبي العبّاس.

فجوابه: أنّ عدم استيضاح الاتّحاد رغم فرضه لا ينفي احتمال الاتّحاد، وما ينفع في مقام الإشكال هو الاطمئنان بعدم الاتّحاد.

الجهة الخامسة: في سند الشيخ إلى جميل في المرسلة

والظاهر عدم اعتباره؛ من جهة وقوع عليّ بن حديد فيه، وقد ضعّفه الشيخ عند تطرّقه لبعض الأسناد في التهذيب قائلاً: (فالطريق إليه عليّ بن حديد، وهو مضعّف جدّاً لا يعوّل على ما ينفرد بنقله)(1).

وعلى أيّ حال فلسان ما تقدّم من الروايات واحد، وهو يدلّ على كفاية الإتيان بعدّة واحدة لمن تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، وتكون هذه العدّة منهما جميعاً، وهو معنى تداخل العدّتين مطلقاً.

الرابعة

معتبرة زرارة المرويّة في الكافي، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن امرأة نعي إليها زوجها، فاعتدّت وتزوّجت، فجاء زوجها الأوّل، ففارقها وفارقها الآخر،

ص: 182


1- تهذيب الأحكام: 7/ 101.

كم تعتدّ للناس؟ قال: (ثلاثة قروء، وإنّما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم)، قال زرارة: وذلك أنّ أناساً قالوا تعتدّ عدّتين من كلّ واحد عدّةً، فأبى ذلك أبو جعفر (علیه السلام) قال: (تعتدّ ثلاثة قروء، فتحلّ للرجال)(1).

ورواها الصدوق في الفقيه بإسناده عن موسى بن بكر، عن زرارة: (قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام))(2)، ولعلّه من سهو قلمه الشريف، فإنّ الشيخ رواها (بإسناده عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام))(3)، وهو يؤيّد صحّة ما في الكافي من كون الرواية عن الإمام الباقر (علیه السلام).

وكيفما كان فاعتبارها سنداً مبنيّ على توثيق موسى بن بكر - الذي لم يتطرّق لحاله في كتب الرجال - بإكثار الأجلّاء، ورواية بعض المشايخ الثلاثة عنه(4).

الخامسة

مرسلة يونس المرويّة في الكافي عن بعض أصحابه: في امرأة نعي إليها زوجها، فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها الأوّل، فطلّقها وطلّقها الآخر، قال: فقال إبراهيم

ص: 183


1- الكافي: 6/ 151، باب المرأة يبلغها نعي زوجها..، ح1
2- من لا يحضره الفقيه: 3/ 548، ح4888.
3- تهذيب الأحكام: 7/ 488، ح1961.
4- روى عنه عبد الله بن المغيرة في الكافي: 2/ 555، 4/ 52، 7/ 104، 114، ويونس بن عبد الرحمن في الكافي: 2/ 25، 389، 7/ 81، وأكثر عنه صفوان من المشايخ الثلاثة في الكافي: 1/ 222، 5/ 199، 381، 389، 6/ 76، 82، 88، 104 وغيرها، كما روى عنه في من لا يحضره الفقيه: 3/ 416 بتوسّط صفوان بن يحيى ومحمّد بن أبي عمير.

النخعيّ: عليها أن تعتدّ عدّتين، فحملها زرارة إلى أبي جعفر (علیه السلام): فقال: (عليها عدّة واحدة)(1).

ويجري الكلام في سندها من جهة إسماعيل بن مرّار الراوي لكتب يونس أوّلاً، وفي الإرسال ثانياً.

أمّا إسماعيل فهو ممّن لم يتعرّض له في كتب الرجال بتوثيق ولا تضعيف، وهناك عدّة محاولات لتوثيقه، أهمّها ما حكاه الشيخ (قدس سره) في الفهرست عن الصدوق (قدس سره) أنّ محمّد بن الحسن بن الوليد قال: (كتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها إلّا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس، ولم يروه غيره، فإنّه لا يعتمد عليه، ولا يُفتى به)(2)، وجعله الوحيد البهبهانيّ (قدس سره) في فوائده(3) شهادة على توثيق بقيّة رواة كتب يونس، وهم إسماعيل بن مرّار، وصالح ابن السنديّ.

وهو الصحيح بعد وضوح تعليق الاعتماد على رواية محمّد بن عيسى عن يونس على انضمام رواية غيره مطلقاً، وحيث إنّ هذا الغير منحصر بإسماعيل وصالح كان ذلك شاهداً منه على وثاقتهما؛ إذ انضمام رواية غير الموثّق إلى رواية من يماثله أو الضعيف لا توجب الوثوق عادةً بالصدور، وعلى هذا فالإشكال فيها من جهة الإرسال فقط.

ص: 184


1- الكافي: 6/ 151، باب المرأة يبلغها نعي زوجها..، ح2.
2- الفهرست:.512
3- الفوائد الحائريّة: 231.

السادسة

معتبرة زرارة في التهذيب عن أبي جعفر (علیه السلام): في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها، فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلك، فطلّقها، قال: (تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّةً واحدةً، وليس للأخير أن يتزوّجها أبداً)(1).

واحتمال اتّحاد الروايات الثلاث الأخيرة وارد جدّاً؛ فإنّ لسان الرابعة والخامسة واحد، وألفاظهما متقاربة، والواقعة واحدة، مضافاً إلى ورود احتمال كون زرارة أو من يروي عنه هو من أرسل عنه يونس، وكذا الحال بين الرابعة والأخيرة؛ فإنّ وحدة الراوي وتقارب الألفاظ يمكن أن يكون قرينة على الاتّحاد.

ثمّ إنّه إذا ضممنا إلى ما تقدّم أنّ جميعها مرويّة عن الإمام الباقر (علیه السلام) فلا يستبعد دعوى اتّحادها بعد وحدة الراوي والرواية والمرويّ عنه.

وعلى أيّ حال فدلالتها واضحة على أنّ زوج ذات البعل إذا فقد، وبلغها خبر وفاته، فتزوّجت بعد اعتدادها للوفاة، ثمّ قدم زوجها، فإنّ عليها عدّة وطء الشبهة من الثاني من جهة كونها باقيةً على زوجيّة الأوّل، فلو طلّقت حينئذٍ - وهذا سبب آخر لثبوت العدّة عليها - فإنّ عليها أن تعتدّ من وطء الثاني وطلاق الأوّل عدّة واحدة، وهو معنى تداخل العدد التي عليها.

هذه هي الروايات التي تدلّ على التداخل، وقد تبيّن أنّ ما يمكن أن يركن إليه هو أنّ عَددها ثلاث، اثنتان منها تدلّ على تداخل العِدد على من تزوّجت في عِدّتها مطلقاً، وهي معتبرة أبي العبّاس وصحيحة زرارة، وأمّا مرسلة جميل فهي وإن كانت بلسانهما إلّا أنّ الأقرب اتّحادها مع معتبرة أبي العبّاس كما تقدّم، فلا تحتسب ثالثة هذه

ص: 185


1- تهذيب الأحكام: 7/ 308، ح1279.

الطائفة، وتبقى واحدة تدلّ على التداخل في من بلغها وفاة زوجها فتزوّجت وتبيّن حياة زوجها فطلّقها وهي معتبرة زرارة الأخرى.

* * *

وبهذا يتمّ الكلام فيما يخصّ الحلقة الأولى من هذا البحث، ويجري في الحلقة التالية استعراض الوجوه المطروحة لحلّ التنافي بين مداليل هذه الأخبار إن شاء الله تعالى.

والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 186

انقلاب النسبة (الحلقة الأولى) - الشيخ حميد رمح (دام عزه)

اشارة

يقع التعارض في كثير من أبواب الفقه بين أكثر من دليلين، ممّا حدا ببعض الأصوليّين إلى الالتزام بانقلاب النسبة بينها إلى ما يمكن معه من الجمع بين الأدلّة المتعارضة، بعد أن لم يكن ممكناً قبل الانقلاب.

وبين يدي القارئ الكريم هذه الدراسة التي تمثّل محاولة للإحاطة بمقدّمات هذه النظريّة ومصطلحاتها، والأقوال فيها، وأدلّتها، وما يترتّب عليها من نتائج، مع ذكر بعض تطبيقاتها.

ص: 187

ص: 188

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

تعتبر نظرية انقلاب النسبة - بناءً على القول بها - من خصائص باب التعارض بين أكثر من دليلين، وتمتاز هذه النظرية بتأثيرها الواضح في نتائج كثيرٍ من المسائل الفقهيّة، ممّا يستدعي استقصاء الأقوال فيها، وأدلّة كلِّ قولٍ وصُوَرِهِ، وبيان كيفيّة انقلاب النسبة في كلِّ صورةٍ في نظر القائلين بها، أو تقديم أقوى الظهورين في نظر الرافضين لها، وبيان نتيجة كلِّ صورةٍ وفقاً لكلٍّ من القولين، وذِكر نماذج من تطبيقاتها، ولا بُدَّ قبل ذلك كلّه من التعرّض لبعض المطالب المؤثّرة في فهم هذه القاعدة، مثل بيان معنى التعارض وأقسامه الأوّليّة، وكيفيّة علاجه، وبيان أنواع الجمع إن كان ذلك ممكناً، وأقسام المرجّحات وطرق الترجيح؛ لكون بحث انقلاب النسبة من موارد التعارض بين أكثر من دليلين المشمولة بتعبير: (الجمع العرفيّ).

ص: 189

والذي دعانا لهذه الدراسة أنّ الأعلام لم يطرحوا هذه البحوث من خلال عناوين محدّدة، بل ذكروا أمثلة هي مصاديق وصغريات لتطبيق هذه النظرية أو عدمه، وبحثوا هذه الأمور من خلالها، مع أنّ وظيفة الأصوليّ البحث عن الكبريات والقواعد الكلّيّة، لا المصاديق والصغريات.

والكلام يقع في مقامات..

المقام الأوَّل: في بيان معنى التعارض.

المقام الثاني: في أنحاء الجمع.

المقام الثالث: في أقسام المرجّحات.

المقام الرابع: في القسمة الأوّليّة للتعارض وكيفيّة العلاج.

المقام الخامس: في نظرية انقلاب النسبة، والأقوال فيها، وأدلّتها.

المقام السادس: في نماذج من تطبيقات هذه النظريّة.

ص: 190

المقام الأوَّل: في بيان معنى التعارض

التعارض في اللغة: من (العَرْض) وهو ذو معانٍ عديدة، فقيل: مأخوذ من (العَرْض) بمعنى الإظهار(1)، فكأنّ كلَّاً من الدليلين يُظهر نفسه في مقابل الآخر.

وقيل: مأخوذ من (العَرْض) بمعنى جعل الشيء حذاء الشيء الآخر وفي قباله، فيقال: عارض الشيء بالشيء معارضة، قابله(2)، فيكون ملاك العرضيّة إمّا التماثل والمباراة بين الشيئين، وإمّا بملاك التناقض والتكاذب.

ويمكن أن يكون مأخوذاً من (العُرْضة) بمعنى المنع، ومنه (سرتُ فعرض لي في الطريق عارضٌ) أي: مانع من السير، ومنه (عارضهُ في كلامه) أي: منعهُ منه، ومنه سُمّي الردّ على الدليل: الاعتراض عليه(3).

وعلى الأخيرين يكون إطلاق التعارض على الدليلين المتنافيين مستفاداً من المعنى اللغويّ بالدلالة المطابقيّة؛ باعتبار أنّ كلَّاً منهما يمنع من حجّيّة الآخر، وينفي دليليّته على الواقع، ويقتضي عدم صدقه وعدم مطابقته، في حين يكون التنافي لازماً لمعناه اللغويّ على ما يقتضيه التفسير الأوّل.

ص: 191


1- يلاحظ: القاموس المحيط: 2/ 334، المصباح المنير: 312، واختاره من الأصوليّين الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول: 4/ 13.
2- يلاحظ: لسان العرب: 7/ 167، واختاره من الأصوليّين السيّد الشهيد الصدر في بحوث في علم الأصول: 7/ 13.
3- يلاحظ: المصدر نفسه: 7/ 179.

وفي الاصطلاح: هو التنافي إمّا بالذات أو بالعرض على وجهٍ لا يستلزم التناقض أو التضادّ لو أُريد الجمع؛ وذلك لأنّ الدليلين: إمّا متنافيان بحسب الدلالة، أو غير متنافيين.

وعلى الأوَّل: إمّا أن تكون المنافاة بالذات، أو بالعرض.

أمّا المنافاة بالذات فمعناها: كون مدلول أحدهما منافياً لمدلول الآخر بحسب الدلالة المطابقيّة - حسبما يُفهم ذلك من العرف - تنافياً إمّا على نحو التناقض، أو التضادّ، كما لو فرض أنّ أحد الدليلين دلَّ على حرمة ذلك الشيء، ودلَّ الآخر على عدم حرمة نفس ذلك الشيء، أو دلّ أحدهما على وجوب شيء، والآخر على حرمته، فإنّ العرف لو نظر إلى مدلول كلٍّ منهما لفهم أنّ كلَّاً منهما ينفي ما يفهم من مقتضى الدليل الآخر صراحةً.

وأمّا المنافاة بالعرض فمعناها: استناد عدم إمكان الجمع إلى أمر خارج عن مقتضى الدلالة، وذلك الأمر الخارج إمّا إجماع، أو ضرورة، أو خبر، فمثلاً: لو دلَّ دليل على وجوب صلاة الظهر ودلّ آخر على وجوب صلاة الجمعة، فإنّ العرف لا يرى منافاة بين الدليلين، ويجوّز صلاتين في نهار واحد، ولكن بالنظر إلى نهوض الأدلّة على أنّه لا تجب على المكلّف صلاتان في وقت واحد، إمّا للإجماع، أو للضرورة، فحينئذٍ يكون علمنا بذلك الأمر الخارج عن ذات الدليلين موجباً للحكم بوجود منافاة بين مدلولي الدليلين، فيكون مدلول أحدهما مستلزماً لنفي مدلول الآخر بالدلالة الالتزاميّة، التي منشؤها وسببها هو قيام الإجماع(1) أو الضرورة

ص: 192


1- يلاحظ: محاضرات في أصول الفقه: 3/ 223.

ونحوهما من الخارج.

فتحصّل من ذلك أنّ التعارض: هو التنافي الذاتيّ المستفاد من صريح اللفظ، أو العرضيّ المستفاد من أمر خارجيّ على وجهٍ تستلزم إرادة الجمع بينهما إمّا التضادّ، أو التناقض.

واعلم: أنّهم بعد اتّفاقهم على أنّ التعارض هو: التنافي إمّا بالذات أو بالعرض على وجهٍ يستلزم التناقض أو التضادّ، اختلفوا في أنّ متعلّق التنافي هل هو مدلول الدليلين، أم نفس الدليلين بحسب الدلالة ومقام الإثبات؟

والأوّل مختار الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)، والمحقّق النائينيّ (قدس سره) (2)، وآخرين(3)، وذهب صاحب الكفاية (قدس سره) إلى الثاني(4).

والسبب في هذا الاختلاف هو اعتقاد كلّ منهما ضرورة إخراج موارد الجمع العرفيّ، كالتزاحم، والتخصيص، والحكومة، والتخصّص، والورود، عن التعريف.

فصاحب الكفاية (قدس سره) يعتقد أنّ تعريف المشهور قاصر عن ذلك؛ إذ إنّ التنافي بين المدلولين ثابت في موارد الجمع العرفيّ أيضاً فيشمله تعريفهم، بينما يسلم تعريفه من ذلك؛ لعدم التنافي بحسب الدلالة مع إمكان الجمع العرفيّ بين الدليلين، وهو ما دعاهُ للعدول عن تعريف المشهور.

ص: 193


1- يلاحظ: فرائد الأصول: 4/ 11.
2- يلاحظ: أجود التقريرات: 2/ 501.
3- يلاحظ: القوانين المحكمة: 4/ 580، ضوابط الأصول: 6/ 376.
4- يلاحظ: كفاية الأصول: 437.

في حين يعتقد المحقّق النائينيّ (قدس سره) عدم شمول تعريف المشهور لموارد الجمع العرفيّ؛ وذلك لعدم التنافي بين المدلولين في الموارد المذكورة(1).

وبهذا يتّضح لك اتّفاق الجميع على عدم تحقّق التعارض في موارد التزاحم، أو التخصيص، أو الحكومة، أو الورود، والتخصّص.

أمّا في مورد التزاحم فلأنّ الدليلين إنّما يكونان متعارضين إذا تكاذبا في مقام الجعل والتشريع، ويكونان متزاحمين إذا امتنع الجمع بينهما في مقام الامتثال مع عدم التكاذب في مقام التشريع، فلا يتصوّر التعارض في مورده.

وأمّا في مورد التخصيص فلأنّه عبارة عن سلب حكم العامّ عن الخاصّ وإخراجه من تحت عموم العامّ، مع فرض بقاء عموم لفظ العامّ شاملاً للخاصّ بحسب لسانه وظهوره الذاتيّ.

نعم، صوّر السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) وقوع التعارض في صورتين من صور التخصيص(2):

الصورة الأولى: أن يكون الخاصّ متكفِّلاً لإثبات سنخِ حُكمِ العامّ، ولكن في دائرةٍ أخصّ، كما إذا قيل: (أكرم كلَّ فقيرٍ)، وقيل: (أكرم الفقير العادل)، فإذا لم تُحرز وحدة الحكم لا يكون هناك تعارضٌ، وإن أُحرزت وحدة الحكم المدلول للحاظين وقع التعارض بين ظهور الأوَّل في العامّ وظهور الثاني.

الصورة الأخرى: أن يكون الخاصّ متكفِّلاً لإثبات نقيض حُكم العامّ أو ضدِّهِ

ص: 194


1- يلاحظ: فوائد الأصول: 4/ 700، وما بعدها.
2- يلاحظ: دروس في علم الأصول: 3/ 229 - 230.

لبعض حصص العامّ، كما إذا قيل: (أكرم كلَّ عالمٍ) وقيل: (لا تُكرم العالم النحويّ).

وتتَّفق الصورتان في حُكم التعارض بعد حصولِه؛ إذ يُقدَّم الخاصّ على العامّ في كلتا الصورتين بملاك قرينيّة الخاصّ(1).

ويختلف الثاني عن الأوّل في أنَّ التعارض فيه محقّقٌ على أيِّ حالٍ، بلا حاجةٍ إلى افتراض شيءٍ من الخارج، بخلاف السابق فإنَّه يحتاج إلى افتراض العلم من الخارج بوحدة الحكم.

وذهب بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) إلى أنّ ظهور العامّ مع ظهور الخاصّ متعارضان بدون فرق بينهما وبين التعارض بين المتباينين والعامّين من وجه؛ لأنّ مورد التعارض يتحقّق فيما إذا كان هناك ظهوران كاشفان عن حكمين لا يمكن اجتماعهما لتنافيهما وتنافرهما، فيتّصف الظهوران المذكوران بالتنافي بالعرض، فيمتنع - حينئذٍ - أن يتّصفا معاً بالحجّيّة، فإذا قال المولى: (يجب إكرام كلّ عالم)، ثُمَّ قال: (لا يجب إكرام أيّ عالم فاسق)، فهما متعارضان؛ لأنّ الموجبة الكلّيّة تعارضها السالبة الجزئيّة وتناقضها، ولذا فالعقلاء يلاحظون خصوصيّات الدليلين كي يخرجوا بعلاج لهذا التعارض، كما هو شأنهم في غير العامّ والخاصّ، فهم يتردّدون بين النسخ أو التأويل في أحدهما، أو التخصيص، فإذا رأوا أنّ الأنسب هو الحمل على التخصيص اختاروه علاجاً للتعارض، فتتحدّد حجّيّة العامّ بما وراء حدود التخصيص، وهذا ما يعبّر عنه

ص: 195


1- سيأتي تحقيق حال قرينيّة الخاصّ، وهل أنَّها بملاك الأخصّيّة مباشرةً، أم بملاك كونها أقوى الدليلين ظهوراً؟

بالطوليّة في الحجّيّة(1).

وأمّا في مورد الحكومة فبيانه: أنَّ الحكومة لها معنيان رئيسان:

الأوّل: أن يكون أحد الدليلين ناظراً للدليل الآخر وشارحاً له على نحو المفسّريّة ب-(أي) التفسيريّة أو ما شاكلها، على نحوٍ لولا الدليل المحكوم لما كان للدليل الحاكم أثرٌ مهمّ، كما لو ورد في دليل: (لا يعيد المكلّف إذا شكّ في صلاته)، ثُمَّ يأتي دليل آخر يقول: (المقصود منها الشكّ بين الثلاث والأربع)، فهنا لا منافاة بين الدليلين.

الثاني: أن يكون أحد الدليلين رافعاً للدليل الآخر رفعاً تعبّديّاً بسببٍ من الشارع، بمعنى: أنّ الرفع وسببه إنّما كان من الشارع المقدّس، أي: بتعبّده.

وكون أحد الدليلين رافعاً للآخر يكون تارة بالتصرّف في عقد الوضع:

إمّا بتضييق دائرة الموضوع، كما لو قال المولى: (أكرم العلماء) وقال: (الفاسق ليس بعالم)، فمفاد الثاني إخراج الفاسق عن صفة العلم بتنزيل الفسق منزلة الجهل، وهذا تصرّف في عقد الوضع، فلا يبقى عموم لفظ (العلماء) شاملاً للفاسق بحسب هذا الادّعاء والتنزيل.

ومثاله في الشرعيّات: قوله (علیه السلام): (ليس بين الوالد وولده ربا)(2)، أو (ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه مَن خلفه)(3)، التي تنزِّل الربا والسهو في هذه الموارد

ص: 196


1- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 486.
2- مستدرك الوسائل: 13/ 339، باب أنَّه لا يثبت الربا بين الوالد والولد، ح 15536.
3- الكافي: 3/ 358 - 359، باب مَن شكّ في صلاته كلّها ولم يدرِ زاد أو نقص، ح5، تهذيب الأحكام: 3/ 54، باب أحكام الجماعة وأقلّ الجماعة وصفة الإمام، ح99.

منزلة العدم.

وبهذا يتّضح أنّ نتيجة الحكومة هاهنا عين نتيجة التخصيص، إلّا أنّ الأخير لا يخرج الخاصّ عن الموضوع تنزيلاً على وجهٍ لا يبقى معه ظهور ذاتيّ للعموم في الشمول، وإنّما يحافظ على بقاء صفة العالم للفاسق، ولكن يخرجه عن وجوب الإكرام إخراجاً حقيقيّاً.

وإمّا بتوسعة دائرة الموضوع، مثل ما لو قال عقيب الأمر بإكرام العلماء: (المتّقي عالم)، فإنّ هذا يكون حاكماً على الأوّل وليس فيه إخراج، بل هو تصرّف في عقد الوضع بتوسعة معنى العالم ادّعاءً إلى ما يشمل المتّقي تنزيلاً للتقوى منزلة العلم.

ومثاله في الشرعيّات: قوله (علیه السلام): (الطواف بالبيت صلاة)(1) المعطي للطواف الأحكام المناسبة التي تخصّ الصلاة من الطهارة في الثوب والبدن.

وتارة أخرى في عقد الحمل: مثل أدلّة (لا ضرر) و(لا حرج)، كقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾(2)، فإنّ هذه الأدلّة التي تفيد رفع الحكم في صورة ثبوت الحرج والضرر إنّما تكون ناظرة إلى تلك الأدلّة المطلقة الثابتة للأحكام بعناوينها الأوّليّة.

والحاصل: أنّه لا منافاة بين الدليل الحاكم والمحكوم، كما لا يخفى.

وأمّا في موردي التخصّص والورود فنقول:

ص: 197


1- مستدرك الوسائل: 9/ 410، باب جواز الكلام في الطواف الواجب وغيره..، ح11203.
2- سورة الحجّ: 78.

الورود: عبارة عن أن يكون الدليل الوارد رافعاً للدليل المورود، على أن يكون الخروج وجدانيّاً، ولكنّه بسبب التعبّد الشرعيّ، أي: أنّ مستند الخروج أمر تعبّديّ، إلّا أنّ نفس الخروج أمر وجدانيّ.

والتخصّص: عبارة عن الخروج الموضوعيّ وجداناً، وسببه أمر وجدانيّ، مثل ما لو قال: (أكرم العلماء) فالجاهل بلا ريب خارج عن الموضوع خروجاً وجدانيّاً غير مشوب بالتعبّد، فليس بين الأمرين تنافٍ أصلاً.

فالورود في نفس الخروج عين معنى التخصّص، أمّا في مستند الخروج فيفترق عن التخصّص باحتياجه إلى دليلٍ شرعيّ يتعبّد به في الخروج.

ومن هنا تعرف أنّ الرفع في كلٍّ من الورود والتخصّص واحد، وهو الوجدان، ولكنّ سببه في التخصّص وجدانيّ أيضاً، وفي الورود تعبّديّ.

ومثاله: خبر الواحد؛ فإنّه إنّما تثبت له الحجّيّة كونه مفيداً للعلم بتعبّدٍ من الشارع، إذ ليس فيه كاشفيّة تامّة، بل كاشفيّته ناقصة لا يمكن العمل على مقتضاها، وعدم كونه مفيداً للعلم وجدانيّ؛ كون الظنّ خارجاً عن العلم تخصّصاً.

ومثاله الآخر: دليل الأمارة الوارد على أدلّة الأصول العقليّة، كالبراءة وقاعدتي الاحتياط، والتخيير، فإنّ البراءة العقليّة لمّا كان موضوعها عدم البيان الذي يحكم معه العقل بقبح العقاب، فالدليل الدالّ على حجّيّة الأمارة يعتبر الأمارة بياناً تعبّداً مع كونه ليس بياناً وجداناً، وبهذا التعبّد يرتفع موضوع البراءة العقليّة، وهو عدم البيان، وعليه: فدليل الأمارة لا تنافي بينه وبين أدلّة الأصول العقليّة، فلا تعارض.

ص: 198

لذلك كلّه صرّح بعض الأعلام(1) بأنّ من شروط التعارض عدم كون أحد الدليلين مزاحماً، أو مخصِّصاً للآخر، أو وارداً، أو حاكماً عليه، مضافاً إلى شروط أخرى:

منها: أن لا يكون أحد الدليلين أو كلٌّ منهما قطعيّاً؛ لأنّه لو كان أحدهما قطعيّاً عُلم منه كذب الآخر، وكون كلٍّ منهما قطعيّاً مستحيل في نفسه، كما لا يخفى.

ومنها: أن لا يكون الظنّ الفعليّ معتبراً في حجّيّتهما معاً؛ لاستحالة حصر الظنّ الفعليّ بالمتكاذبَين كاستحالة القطع بهما. نعم، يجوز أن يعتبر في أحدهما الظنّ الفعليّ دون الآخر.

ومنها: أن يكون كلٌّ من الدليلين المتعارضين واجداً لشرائط الحجّيّة، بمعنى: أنّ كلَّاً منهما لو خُلّي ونفسه ولم يحصل ما يعارضه لكان حجّةً يجب العمل بموجبه، وإن كان أحدهما لا على التعيين بمجرّد التعارض يسقط عن الحجّيّة بالفعل.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّه - على المشهور(2) - لو لم يمكن الجمع بين المتعارضَين

ص: 199


1- يلاحظ: كتاب التعارض: 46، مصباح الأصول: 3/ 347، 353، أصول الفقه: 3/ 314.
2- وقد نسب السيّد الطباطبائيّ في كتاب التعارض: 148 - 149 إلى جماعة إنكار الجمع الدلاليّ. وهو ما يظهر من كلمات صاحب الحدائق واعتراضاته على حمل الأصوليّين الأمر على الاستحباب، أو حمل النهي على الكراهة عند المعارضة، بعدم ورود ذلك في النصوص، ولا بُدَّية إعمال المرجّحات المنصوصة. فمع عدم وجود مرجّح تجدهم يلجؤون مباشرةً للتخيير، أو التساقط، حتّى وإن كان الجمع ممكناً، لذلك قالوا بالتخيير بين العامّ والمطلق، والخاصّ والمقيّد. ومن يقول بالتساقط يرجع مباشرةً للعامّ الفوقانيّ، أو الأصل، بمجرّد التعارض وفقدان المرجّح. يلاحظ: الحدائق الناضرة: 1/ 71، 108- 109، ونُسب الإنكار للشيخ في كلٍّ من الاستبصار والعدّة، وفي نسبة الإنكار إليه نظر. يلاحظ: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 4، العدّة في أصول الفقه: 1/ 147- 148.

فحينئذٍ تصل النوبة إلى إجراء قواعد التعارض من التساقط، أو التخيير، وقد اختلفوا في القاعدة الأوّليّة في المتعارضين على ثلاثة أقوال:

الأوّل: التساقط المطلق، وهو ما ذهب إليه المشهور(1).

الثاني: بقاء الحجّيّة في الجملة في تمام موارد التعارض، فيلتجأ إلى التخيير في الأخذ بأحدهما وطرح الآخر، وهو ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ (قدس سره) في فوائد الأصول(2).

الثالث: ما نسب إلى المحقّق العراقيّ (قدس سره) من التفصيل(3) بين ما إذا كان التعارض ذاتيّاً، بأن يكون الخبران متنافيين بحسب مدلولهما فيحكم فيه بالتساقط المطلق، وبين ما إذا كان التعارض عرضيّاً، بأن لم يكن تنافٍ بين مدلولي الخبرين، بل يمكن صدقهما معاً، لكنّه عُلم بكذب أحد الراويين المستلزم لدلالة كلٍّ منهما بالملازمة على كذب الآخر، فيحكم فيه بالحجّيّة وتنجيز مدلولهما على المكلّف(4).

ص: 200


1- يلاحظ: منتهى الأصول: 2/ 616، أصول الفقه: 3/ 226، المعجم الأصوليّ: 1/ 434، القواعد الأصوليّة: 5/ 346.
2- يلاحظ: فوائد الأصول: 4/ 726.
3- يلاحظ: المعجم الأصوليّ: 1/ 435.
4- يلاحظ: فوائد الأصول: 4/ 755، تعليقة: 1، مقالات الأصول: 2/ 72، 463 - 467، نهاية الأفكار: 5/ 138 - 139.

المقام الثاني: في أنحاء الجمع

ذكرنا أنّه قبل الوصول إلى مرحلة إجراء قواعد التعارض لا بُدَّ لنا:

إمّا من محاولة الجمع بين الدليلين المتعارضين - إمّا لبناء العقلاء، أو لسيرة العلماء، أو لتسالمهم على أنّ الجمع أولى من الطرح(1) -، أو ترجيح أحد المتعارضين بعد فرض حجّيّتهما معاً في أنفسهما(2)، ويعبّر عن التعارض - حينئذٍ - ب-(التعارض غير المستقرّ).

وإمّا اللجوء إلى قواعد التعارض وهو يكون عند عدم إمكان الجمع، وهو ما يعبّر عنه ب-(التعارض المستقرّ)، لذلك لا بُدَّ أوّلاً من بيان معاني الجمع، ومعرفة ما هو المعنى المتّبع منها في مثل هذه الحالات، وما هي حدوده، ثُمَّ الحديث عن أقسام المرجّحات وطرق الترجيح وصوره.

ص: 201


1- يلاحظ: عوالي اللآلئ: 4/ 136.
2- إنّما قيّدنا بذلك احترازاً عمّا يُقَوِّم أصل الحجّة ويميّزها عن اللاحجّة، فالجهة التي تكون من مقوّمات الحجّة مع قطع النظر عن المعارضة، لا تدخل في مرجّحات باب التعارض، بل تكون من باب تمييز الحجّة عن اللاحجّة، لذلك يجب التنبّه إلى أنّ الروايات المذكورة في باب الترجيحات هل هي واردة في صدد ترجيح الحجّة على الحجّة، أو تمييز الحجّة عن اللاحجّة؟ فعلى الثاني: لا يكون فيها شاهد على ما نحن فيه، كما قال صاحب الكفاية (قدس سره) في روايات الترجيح بموافقة الكتاب (يلاحظ: كفاية الأصول: 505)، أو السيّد الخوئيّ (قدس سره) في روايات الترجيح بالشهرة (يلاحظ: مصابيح الأصول: 4/ 467)، لذلك جعل فرض حجّيّتهما في أنفسهما أحد شروط تحقّق التعارض الاصطلاحيّ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

فنقول: إنّ الجمع في موارد اختلاف الطرق والأمارات على نحوين:

الأوّل: الجمع الدلاليّ: وهو استكشاف مراد المتكلّم في مقام الثبوت من كلماته الصادرة عنه المختلفة ظاهراً.

الثاني: الجمع العمليّ: وهو العمل بالدليلين المتعارضين ولو بالتبعيض في مدلولهما، مع الإغماض عن التصرّف في دلالتهما.

مثلاً: إذا قال: (أكرم العلماء) وقال أيضاً: (لا تكرم العلماء)، فتارة يقال: المراد بالعلماء في الأوّل العدول، وفي الثاني الفسّاق، ويبني عمله على ذلك.

وأخرى يقال: المراد بالعلماء وإن كان هو الجميع في الخبرين، إلّا أنّه في مقام العمل يؤخذ بالبعض في كلٍّ من الحكمين، فالأوّل جمع دلاليّ، والثاني عمليّ، كما لو قامت بيّنة على أنّ هذه الدار لزيد، وقامت بيّنة أخرى مساوية لها عدداً وعدالةً أنّها لعمرو، فيتعيّن الأخذ بكلّ واحد منها في نصف مدلوله، فيعطى نصف الدار لزيد ونصفه الآخر لعمرو.

وبهذا يظهر أنّ مورد الجمع العمليّ فيما إذا كان المتعلّق في كليهما أو أحدهما عامّاً ذا أفراد، أو مركّباً ذا أجزاء، فلا يجري في البسيط كالحرمة والحلّيّة والزوجيّة والحرّيّة ونحوها؛ إذ التبعيض من حيث الزمان لا دخل له بالجمع العمليّ، بمعنى أنّه معلوم العدم؛ بأن يحكم بالحرمة في يوم، وبالحلّيّة في آخر، عملاً بالخبرين الدالّ أحدهما على إحداهما، والآخر على الأخرى.

ومن ذلك يظهر بيان الجمعين مفهوماً ومصداقاً؛ لاختلاف المناط والملاك فيهما؛ إذ العمل اللازم للتصرّف في الدلالة ليس من الجمع العمليّ - كما عرفت - حتّى

ص: 202

يكون مصداقاً لهما. نعم، بينهما - بحسب المورد - عموم من وجه، بمعنى أنّ في بعض الموارد يمكن الجمع الدلاليّ دون العمليّ، وفي بعضها عكس ذلك، وفي بعضها يمكن كلٌّ منهما.

فمورد الاجتماع المثال المتقدّم، ومورد افتراق الأوّل ما إذا دلّ أحد الخبرين على العشر في الرضاع، والآخر على عدمه واعتبار خمس عشرة رضعة، فإنّه لا يمكن الجمع العمليّ؛ إذ الحرمة ليست قابلة للتبعيض إلّا بحسب الزمان، وهو معلوم العدم. ومورد افتراق الثاني تعارض النصّين والأصلين حيث لا يمكن التصرّف في دلالتهما، ويمكن الجمع العمليّ بينهما إذا كان المتعلّق فيهما أو في أحدهما قابلاً للتبعيض.

والحاصل: أنّ الجمع العمليّ على نوعين:

1. أن يُعمل بكلا الدليلين المتعارضين احتياطاً.

2. أن يُعمل بمضمون كلٍّ من الطريقين المتعارضين في بعض مدلوله، كما في تعارض البيّنتين في ملكيّة الدار مثلاً، فإنّه لا يتصرّف في لفظ البيّنتين، بل يعمل بهما ويحكم بتنصيف الدار.

وأضاف بعضهم نوعاً ثالثاً من الجمع العمليّ، وهو تبعيض العمل بمدلول أحد الخبرين مع العمل بتمام مدلول الخبر الآخر، ومثّل له بالمطلق والمقيّد، حيث يُعمل بتمام مدلول المقيّد، وببعض مدلول المطلق وهو المقدار الذي لا يتنافى مع المقيّد(1).

وفيه نظر؛ لأنّ معه سينتفي الفرق بين الجمع العمليّ والدلاليّ، خصوصاً على

ص: 203


1- يلاحظ: المعجم الأصوليّ: 1/ 611.

تفسير الدلاليّ بما يتناسب مع الضوابط العرفيّة، وأنّ الدليل عليه هو بناء العقلاء، إلّا أن يدّعى أنّه من موارد اجتماع الجمعين كما في مثال (أكرم العلماء) و(لا تكرم العلماء)، فتأمّل.

والمراد بالجمع في المقام: الجمع الدلاليّ دون العمليّ، فمع عدم إمكان الأوّل يرجع إلى سائر قواعد التعارض من التخيير والترجيح ونحو ذلك وإن أمكن الجمع العمليّ؛ وذلك لأنّ محلّ كلامهم تعارض أدلّة الأحكام، والجمع العمليّ فيها خلاف الإجماع كما هو مقرّر في محلّه.

مضافاً إلى أنّ غرضهم من الجمع أنّه إذا أمكن رفع التنافي بين الخبرين بحيث يخرجان عن التعارض وجب ذلك، ويكون مقدّماً على التخيير والترجيح، والجمع العمليّ ليس دافعاً للتنافي كما هو واضح، فلا ينبغي التأمّل في أنّ مرادهم من الجمع خصوص الجمع الدلاليّ لا العمليّ، ولا الأعمّ منهما.

هذا مضافاً إلى أنّ ظاهر أدلّتهم أيضاً ذلك، كما لا يخفى.

ولمعرفة ما هو الصحيح من أنحاء الجمع الدلاليّ المتّبع في علاج التعارض بين دليلين أو أكثر، نقول: إنّ للجمع الدلاليّ نحوين رئيسين، على الرغم من أنّه يمكن أن تكون له أنحاء ومحتملات تختلف بحسب الأدلّة التي استُدلّ بها له:

الأوّل: الجمع العرفيّ: وهو مبنيّ على أنّ الدليل على جواز الجمع هو:

إمّا بناء العقلاء، بمعنى أنّه لو صدرت أقوال مختلفة من متكلّم واحد أو من أفراد متعدّدين لهم حكم المتكلّم الواحد - كالأئمّة (علیهم السلام) -، بأن يكون أحدها عامّاً والآخر خاصّاً، أو أحدها مطلقاً والآخر مقيّداً، أو ظاهراً وأظهر، فإنّ العقلاء في

ص: 204

مرحلة استكشاف مراد المتكلّم يبنون على حمل العامّ على الخاصّ، والمطلق على المقيّد، والظاهر على الأظهر.

فعلى هذا يكون المراد من الجمع العرفيّ: أن يكون هذا الجمع في مستوى فهم عموم العرف، ولا يعتمد على خبرة خاصّة للشخص، بحيث لو عرض هذان الكلامان على عموم الناس لما بقي العرف متحيّراً، بل إنّهم يلجؤون لهذا الجمع.

وإمّا السيرة التي تفترق عن بناء العقلاء بأنّها تعبّر عن عمل طائفة خاصّة تابعة لمنهج خاصّ، فتكشف عن رأي رئيسهم ومتبوعهم، والحكم المستكشف بها حكم تأسيسيّ، وأنّها تكشف عن عدم الردع عنها بالشروط المذكورة لها، التي منها الاتّصال بزمان المعصوم (علیه السلام). في حين يقوم بناء العقلاء على أمر عامّ، يحتاج في حجّيّته لإحراز عدم ردع الشارع عنه، فيكون الحكم المستكشف منه حكماً إمضائيّاً، فيختلفان في كلٍّ من الكاشف والمنكشف.

وممّن استدلّ على التوفيق في مثل الخاصّ والعامّ، والمقيّد والمطلق بالسيرة القطعيّة من لدن زمان الأئمّة (علیهم السلام)، وأنّها كاشفة إجمالاً عمّا يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفيّ لولا دعوى اختصاصها به، صاحب الكفاية(1).

واعترض عليه المحقّق الحائريّ (قدس سره) بقوله: (ودعوى السيرة القطعيّة على التوفيق بين الخاصّ والعامّ، والمطلق والمقيّد، من لدن زمان الأئمّة (علیهم السلام)، وعدم رجوع أحد من العلماء إلى المرجّحات الأُخر يمكن منعها، كيف! ولو كانت لما خفيت على مثل شيخ الطائفة (قدس سره)، فلا يظنّ بالسيرة فضلاً عن القطع بعد ذهاب مثله إلى العمل

ص: 205


1- يلاحظ: كفاية الأصول: 449.

بالمرجّحات في تعارض النصّ والظاهر، كما يظهر من العبارة المحكيّة عنه في الاستبصار والعدّة)(1).

وقد قرّب بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) السيرة التي ادّعاها صاحب الكفاية ببعض ما يمكن أن يكون شاهداً على هذه السيرة، مثل ما جاء من هذه الجموع في اعتقادات الصدوق، والكافي، والفقيه، والتهذيبين، ثُمَّ ناقش تلك الشواهد، كما ناقش وجود السيرة على الجمع العرفيّ عند الأصحاب والعلماء السابقين في مجال الروايات المتعارضة، وهو ما اعتبره توضيحاً لاعتراض المحقّق الحائريّ المتقدّم(2).

الثاني: الجمع التبرّعيّ(3): وهو مبنيّ على أنّ الدليل على الجمع هو قاعدة (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح)، التي ادّعى ابن أبي جمهور الإجماع عليها(4)، فهو نوع من التأويل والتوسعة لدائرة الجمع إلى أقصى ما يمكن.

وهو ما يمكن أن تُحمل عليه عبارة الشيخ في مقدّمة التهذيب، حيث قال: (ومهما تمكّنتُ من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن في أسنادها فلا أتعدّى وأجتهد أن أروي في معنى ما أتأوّل الحديث عليه حديث آخر يتضمّن ذلك المعنى)(5).

ورفض بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) أن يكون أيّ نحو من هذه الأنحاء الثلاثة هو

ص: 206


1- درر الفوائد: 2/ 680.
2- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 385 - 389.
3- أو الجمع التورّعيّ؛ لمناسبة تقتضيه، أي: لورع الفقيه من طرح روايات المعصومين (علیهم السلام)، على ما ذكره بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) في تقريرات في علم الأصول: 2/ 399.
4- يلاحظ: عوالي اللآلئ: 4/ 136.
5- تهذيب الأحكام: 1/ 3 - 4.

النحو الصحيح من أنحاء الجمع الدلاليّ، وهو الصحيح.

أمّا الجمع العرفيّ العقلائيّ فرفضهُ؛ لأنّه إذا كان المراد أنّ هذه الجموع التي نقوم بها بين الروايات والأقوال المختلفة للأئمّة (علیهم السلام) هي جموع عرفيّة عقلائيّة عامّة كأقوال سائر الناس، كما هو الحال في المخصّصات المنفصلة الواردة قبل وقت العمل بالعامّ، حيث يكون الجمع فيها عرفيّاً عقلائيّاً يتفهّمه ويتعقّله عامّة أبناء العرف والعقلاء، فهذا الرأي ممّا تدلّ الشواهد على خلافه(1).

ومن هذه الشواهد: أنّه لم يثبت بالاستقراء بناء العقلاء على الجمع فيما لو لزم من الاعتماد على القرينة المنفصلة محذور تأخير البيان عن وقت الحاجة، ففي مثل هذه الموارد يحمل العقلاء القول الثاني على النسخ فيما لو كان المتكلّم ممّن يمكن في حقّه تبدّل الرأي وتغيّره، وإلّا فإنّهم يحكمون بالتعارض بين كلاميه، والروايات التي هي محلّ الابتلاء هي في الغالب من هذا القبيل.

ومنها: وقوع الحيرة والاضطراب والتشكيك العقائديّ، وهو ما صرّح به الشيخ في مقدّمة التهذيب(2)، والكلينيّ في مقدّمة الكافي(3)، فلو كانت مثل هذه الجموع الشائعة عند المتأخّرين جموعاً عرفيّةً واضحة عند العقلاء، لم يكن هناك أيّ موجب لمثل هذه الحيرة والاضطراب، ولزال التعارض بين كثير من الروايات.

وأمّا الجمع العرفيّ المبنيّ على السيرة فناقشهُ بتوقّف هذا النحو من الجمع على

ص: 207


1- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 378.
2- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 1/ 2.
3- يلاحظ: الكافي: 1/ 8.

استقراء سيرة العلماء، وهو غير ثابت، وبعدم استقلاليّة السيرة؛ إذ لا بُدَّ أن تستند السيرة إلى دليل، وهذا الدليل إمّا هو بناء العقلاء، وإمّا الروايات، فيكون الدليل هما وليس السيرة(1).

وأمّا الجمع التبرّعيّ - فمضافاً إلى كون كبرى سقوطه عن الحجّيّة مسلّمة عند الأكثر؛ لعدم استناده إلى الظهورات العرفيّة التي هي موضوع أدلّة الحجّيّة - فإنّه لا دليل عليه إلّا الإجماع الذي ادّعاه ابن أبي جمهور، ولا يبعد أن يريد من الإجماع: إجماع من تأخّر عن الشيخ؛ لأنّ الشيخ كان مُتَّبعاً لدى العلماء لفترة طويلة في فتاواه وآرائه، وإن كان قد نبّه في مقدّمة التهذيب على أنّ هذه الجموع التي يذكرها في كتابه ليست واجبة، وإنّما ذكرها لأنّها توجب أنس الأذهان بالأحاديث(2).

لذلك كلّه ذهب (دام ظله العالی) إلى نحوٍ آخر من الجمع الدلاليّ أسماه ب-(الجمع الاستنباطيّ) الذي يعتمد على فقاهة المستنبِط؛ بأن يلاحظ الكلمات المختلفة الصادرة من متكلّم واحد أو متكلّمين في حكم المتكلّم الواحد ممّن يتصدّى لزعامة اجتماعيّة أو دينيّة، بحيث لا يمكن لكلّ أحد من أبناء العرف القيام بمثل هذا الجمع وتفهّمه، وإنّما تختصّ معرفته بالمتخصّصين في معرفة كلام الأئمّة (علیهم السلام) ممّن يعرفون قواعد الإعلام والنشر، ومواقعه وأساليبه، وقوانين الكتمان عندهم (علیهم السلام)، وملاحظة الأوضاع، والأجواء، والمخاطبين، والمعاصرين للكلام، ومستوى الكلام وخصوصيّاته، ونوع الحكم من كونه ولائيّاً أو غيره.

ص: 208


1- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 401 - 402.
2- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 401.

فهؤلاء العارفون المتخصّصون هم من يحقّ لهم الجمع بين أقوال الأئمّة (علیهم السلام)، ولا علاقة لهذا النحو من الجمع بقيام سيرة العلماء على مثله.

والدليل على هذا النحو من الجمع هو أيضاً بناء العقلاء، ولكن لا على مستوى عامّة الناس، بل على مستوى الخاصّة، أي: على مستوى ذلك المتكلّم الذي يعلم مسبقاً بأنّه يتكلّم الكلام المختلف بحسب دواعي النشر والكتمان، ويحثّ على التعرّف على مقاصده وأساليبه وقواعده الخاصّة بحسب مكانته الاجتماعيّة، أو الدينيّة، لذلك لا تناط صحّة هذا الجمع بتقبّل العرف وفهمه، إلّا بعد تعرّفه على قواعد النشر والكتمان وموازينه(1).

ص: 209


1- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 378، 400 - 401.

المقام الثالث: في أقسام المرجّحات

اشارة

وللمرجّحات تقسيمات متعدّدة:

منها: تقسيمها إلى مرجّحات منصوصة، وغير منصوصة:

أمّا المرجّحات المنصوص عليها(1) في الروايات فقد اختلف في عددها، والصحيح أنّها خمسة وإن كانت الروايات الدالّة عليها عبارة عن أربعة أصناف؛ وذلك لوحدة روايات الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة، وهذه المرجّحات الخمس هي: الترجيح بموافقة الكتاب، والترجيح بمخالفة العامّة - على خلاف في المراد من العامّة، وهل هو مخالفتها لحكّام العامّة وقضاتهم، أو مخالفتها لروايات العامّة -، والترجيح بالأحدث زماناً، والترجيح بصفات الراوي مثل أعدليّته وأفقهيّته وأصدقيّته وأورعيّته، والترجيح باشتهار الرواية شهرة فتوائيّة أو روائيّة على خلاف بينهم.

وأمّا المرجّحات غير المنصوصة فهي كثيرة، لكنّ أهمّ ما ذكر منها في كتب الأعلام: كثرة رواة أحد الخبرين بناءً على أنّ المراد بالشهرة في الأخبار هي الروائيّة، وأضبطيّة الرواة، وعلوّ الإسناد، وترجيح النقل باللفظ على النقل بالمعنى إذا لم يكن الناقل للفظ معروفاً بالضبط والمعرفة، وتأكّد دلالة أحد الخبرين بالقَسَم، وكون أحدهما بلفظ فصيح والآخر بركيك، وكون أحدهما بلفظ حقيقيّ والآخر بمجازيّ،

ص: 210


1- وممّا تجدر الإشارة إليه أنّه قد وقع الخلاف في إفادة النصوص مرجّحيّة بعضها مثل الترجيح بالصفات والأحدثيّة، والتي ذهب كثير من الأصوليّين إلى عدمه.

وموافقة الرواية أو مخالفتها للأصل على خلاف في ذلك، وموافقة شهرة القدماء، وقيل: موافقة شهرة المتأخّرين بناءً على إرادة الشهرة الفتوائيّة في أخبار الترجيح، وترجيح الشيعة الإماميّة على باقي فرق الشيعة، وموافقة الرواية لحكم العقل أو التجربة، وأعلميّة الراوي، وترجيح الخبر المرويّ سماعاً على المرويّ إجازةً، وترجيح الخبر المتضمّن للزيادة، وترجيح الخبر المرويّ بالمشافهة على المرويّ بالمكاتبة، والترجيح بشهرة الراوي، وترجيح الأعلم بالعربيّة، وترجيح رواية صاحب الواقعة، وترجيح رواية من هو أكثر مجالسة للعلماء، وتقديم رواية من عُلمت عدالته بالاختبار على المزكّى، وتقديم رواية الراوي الجازم على الظانّ، وترجيح رواية المشهور بالرئاسة، ومرجوحيّة رواية من يلتبس اسمه باسم بعض الضعفاء، وترجيح رواية المتحمّل وقت البلوغ على المتحمّل وقت الصبا، وتقديم الرواية المتضمّنة لذكر السبب الموجب لصدور الرواية، ورواية المدنيّ أرجح من المكّيّ، والرواية المعلّلة أولى، والرواية التي فيها تهديد أولى، وترجيح الراوي الأقرب إلى المرويّ عنه.

ومنها: تقسيمها إلى مرجّحات دلاليّة، وغير دلاليّة:

وغير الدلاليّة تقسّم إلى داخليّة: وهي كلّ مزيّة غير مستقلّة في نفسها، بل متقوّمة بما في الدليل، وهي على ثلاثة أقسام باعتبار رجوعها إمّا إلى الصدور - سواء كان راجعاً إلى السند كصفات الراوي، أو إلى المتن كالأفصحيّة -، وإمّا إلى وجه الصدور ككون أحدهما مخالفاً للعامّة(1)، وإمّا إلى المضمون كترجيح مضمون المنقول باللفظ

ص: 211


1- بناءً على احتمال كون مثل هذا الخبر صادراً لأجل التقيّة، أمّا بناءً على أنّ الوجه في الترجيح بها هو ما ورد في الكافي: (1/ 8) من أنّ (الرشد في خلافهم) فهي من المرجّحات الراجعة إلى المضمون.

على المنقول بالمعنى، وترجيح الخبر الموافق للشهرة على غير الموافق لها.

ومرجّحات خارجيّة: وهي أمر مستقلّ بنفسه ولو لم يكن هناك خبرٌ، سواء كان معتبراً كالأصل والكتاب، أو غير معتبر في نفسه كالشهرة على قولٍ.

والمستقلّ: إمّا أن يكون مؤثّراً في أقربيّة أحد الخبرين إلى الواقع كالكتاب، والأصل بناءً على إفادته الظنّ، أو غير مؤثّر ككون الحرمة أولى بالأخذ من الوجوب، والأصل بناءً على كونه من باب التعبّد الظاهريّ.

وذهب الشيخ الأعظم (قدس سره) إلى أنّ جعل المستقلّ مطلقاً - خصوصاً ما يؤثّر في أقربيّة الخبر - من المرجّحات لا يخلو عن مسامحة(1).

والمرجّحات الدلاليّة - المعبّر عنها بالترجيح بحسب قوّة الدلالة - لها صورتان رئيستان:

الصورة الأولى: ترجيح النصّ على الظاهر

وقد ذهب الشيخ الأعظم (قدس سره) إلى أنّه خارج عن مسألة الترجيح بحسب الدلالة؛ لأنّ الظاهر لا يعارض النصّ حتّى يرجّح النصّ عليه. نعم، النصّ الظنّيّ السند يعارض دليل سنده دليل حجّيّة الظهور(2).

وعدّ صاحب الكفاية (قدس سره) تقدّم العامّ المخصَّص على العامّ المعارض له منه؛

ص: 212


1- يلاحظ: فرائد الأصول: 4/ 80.
2- يلاحظ: المصدر نفسه: 4/ 89.

لكونه كالنصّ في الباقي بعد التخصيص(1)، وهو ما يمكن أن يستفاد بالتأمّل في مجموع كلمات الشيخ الأعظم (قدس سره).

الصورة الثانية: ترجيح الأظهر على الظاهر

اشارة

والأظهريّة أيضاً لها عدّة صور، منها:

1. أن تكون بملاحظة خصوص المتعارضين من جهة القرائن الشخصيّة، وهذا لا يدخل تحت ضابطة(2).

2. أن تكون بملاحظة نوع المتعارضين، وقد ذكروا له صوراً عديدة:

الأولى

تقديم الخاصّ على العامّ بناءً على كونه من قبيل تقديم الأظهر على الظاهر.

الثانية

تقديم التخصيص على النسخ، المعلّل بشيوع التخصيص وندرة النسخ، ومورده فيما إذا كان هناك دليلان بينهما نسبة العموم والخصوص المطلق.

والمراد بالنسخ في المقام: إنشاء حكم جديد في حصّة خاصّة بعد أن كانت محكومة بحكم العامّ واقعاً قبل صدور الخاصّ، كما لو قيل أوّلاً: (أكرم كلّ عالم)، وبعد تحقّق إكرام العلماء خارجاً - الفسّاق والعدول - قال: (لا تكرم العالم الفاسق)، فيلتزم في مثله بتغيّر حكم العامّ في الحصّة إلى جعل حكم آخر لها؛ لتغيّر المصالح والمفاسد، فيحرم إكرام العالم الفاسق.

والمراد بالتخصيص: الالتزام بأنّ حكم العامّ منذ صدوره لم يكن شاملاً لحصّة

ص: 213


1- يلاحظ: كفاية الأصول: 453.
2- يلاحظ: المصدر نفسه.

الخاصّ، فيكتشف منه كون مقام الإثبات بالنسبة إلى الحكم العامّ أوسع من مقام الثبوت، وأنّ الإرادة الاستعماليّة غير مطابقة للإرادة الجدّيّة في العامّ، فالأخيرة في مقام الثبوت أضيق من الأولى في مقام الإثبات.

ولا بُدَّ من تقييد هذه الصورة بصدور الثاني منهما بعد وقت العمل بالأوّل(1)؛ لأنّه لو كان قبله لم يحتمل النسخ؛ لقُبح النسخ قبل وقت العمل، فتعيّن النسخ مشروط بورود الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ أو بالعكس، إلّا إذا كان هناك دليل على امتناعه، كغلبة هذا النحو من التخصيصات، وهو كون تكليف المخاطبين بالعامّ ظاهراً في العمل بالعموم المراد به الخصوص واقعاً في صورة تقدّم العامّ على الخاصّ، وبالعكس في حالة تقدّم الخاصّ على العامّ، ونحو ذلك.

ومحلّ الابتلاء هو ما لو صدر العامّ عن النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) أو أحد الأئمّة المتقدّمين كالإمام الباقر (علیه السلام)، ثُمَّ بعد وقت العمل بالعامّ صدر الخاصّ عن أحد الأئمّة المتأخّرين كالإمام الرضا (علیه السلام) مثلاً، أو بالعكس بأن يصدر العامّ بعد وقت العمل بالخاصّ(2).

ص: 214


1- إنّما عبّرنا بالأوّل والثاني ولم نعبّر بالعامّ والخاصّ؛ لأنّ في المسألة صورتين: إحداهما تقدّم العامّ زماناً على الخاصّ، بحيث يصدر الخاصّ بعد وقت الحاجة للعمل بالعامّ، أي: بعد الجري العمليّ بالفعل أو بالقوّة على طبق العامّ، والثانية بالعكس.
2- إنّما كانت هذه الصورة هي محلّ الابتلاء؛ لأنّه يمكن جريان البحث في العرف العامّ الذي يحمل المتأخّر على النسخ بلا إشكال، ويحكم بتغيّر رأيه في حصّة من حصص موضوع العامّ؛ لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة عند العرف، وهو قبيح ذاتاً أو اقتضاءً. وكذلك يجري فيما لو صدر كلا الدليلين في زمان النبيّ الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم)، فحينئذٍ لا مانع من الالتزام بالنسخ أيضاً، ولكن لا من جهة تبدّل الرأي، بل من جهة أنّ العامّ كان من البداية ذا ملاك إلى أمدٍ معيّن في علم المولى ولكنّه لم يبرزه، وإنّما أُبرز بعد ذلك بلسان حكمٍ جديد رافعٍ للحكم الأوّل في الحصّة المعيّنة.

والمتتبّع لأقوال الأعلام في المسألة يجد اتّفاقهم على أنّ الحمل على النسخ غير صحيح في نظرهم مطلقاً، فيتعيّن التخصيص؛ للانحصار بينهما، إلّا على رأي بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) المُبرز لاحتمال ثالث في المسألة، وهو احتمال الحكم الولائيّ الذي ليس بنسخ ولا تخصيص، بل هو من قبيل عروض عنوان آخر؛ إذ ليس كلّ حكم مغيّر للحكم السابق يسمّى ناسخاً.

وعليه فالتخصيص - إن تمّ - ففي بعض الموارد فقط، وإبراز هذا الاحتمال نافع أيضاً في ظهور ثمرة عمليّة لهذه الصورة، حيث قال: (ومع ذلك فلا يدور الأمر بين النسخ والتخصيص، بل يبرز احتمال ثالث، وهو احتمال الحكم الولائيّ، حيث إنّ الأئمّة (علیهم السلام) بما أنّهم ساسة الأمم، وولاة الأمر، وتجب طاعتهم، فتكون لهم الولاية على جعل الحكم بحسب المصالح والمفاسد المتغيّرة، وإلزام المكلّفين بها، ولا يُسمّى هذا الحكم نسخاً، لأنّه لا ينافي الحكم السابق؛ إذ هو من قبيل العناوين الثانويّة، فكما يمكن للإنسان أن يُلزم نفسه بعمل - بنذر أو بشرط أو يمين أو بيع أو شراء أو غيره، فلا يقال: إنّه قد نسخت الإباحة مثلاً - فكذا الأئمّة (علیهم السلام) الذين هم أولى بنا من أنفسنا، فلهم حقّ التشريع والإلزام في حدود منطقة الفراغ، ولكنّ هذا التشريع الخاصّ يعتبر فيه ألّا يكون موجباً لتحليل الحرام أو تحريم الحلال)(1).

ص: 215


1- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 426.

وبذلك يندفع ما أفاده السيّد الخوئيّ (قدس سره) من عدم ترتّب ثمرة عمليّة على هذا البحث بالنسبة إلينا(1)؛ لأنّنا لم ندرك ولم نعش الفترة المتوسّطة الممتدّة بين العامّ والخاصّ، وإنّما وُجدنا بعد صدورهما، فسواء كان الخاصّ مخصّصاً للعامّ أو ناسخاً له أو بالعكس، فإنّه ينبغي علينا العمل بالخاصّ، فلا أثر لدوران الأمر بينهما.

الثالثة

تقديم ظهور الكلام في استمرار الحكم على النسخ، عند دوران الأمر بين النسخ وارتكاب خلاف الظاهر، والمعروف ترجيح الكلّ على النسخ؛ لغلبتها بالنسبة إليه(2).

وقد استُدلّ على ذلك بدليلين:

الأوّل: التمسّك باستصحاب عدم النسخ في المقام.

وأُجيب عنه: بأنّ الكلام في قوّة أحد الظاهرين وضعف الآخر، فلا وجه لملاحظة الأصول العمليّة في المقام، مع أنّا إذا فرضنا عامّاً متقدّماً وخاصّاً متأخّراً، فالشكّ - حينئذٍ - في أنَّ المتقدِّمين على زمان الخاصّ مكلّفون بالعامّ أو لا؟ وهو ليس مجرى للاستصحاب؛ إذ أنَّ استصحاب عدم النسخ عند الشكّ في التكليف لا معنى له، فيبقى ظهور الكلام في عدم النسخ معارضاً بظهوره في العموم(3).

الثاني: قولهم (علیهم السلام): (حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً

ص: 216


1- يلاحظ: مصباح الأصول: 2/ 459.
2- يلاحظ: فرائد الأصول: 4/ 99، فوائد الأصول: 4/ 739.
3- يلاحظ: المصدر والموضع نفسه.

إلى يوم القيامة)(1).

وأجيب عنه: بأنّه مسوق لبيان استمرار أحكام النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) نوعاً إلى يوم القيامة في مقابل نسخها بدين آخر، لا بيان استمرار أحكامه الشخصيّة، إلّا ما خرج بالدليل(2).

الرابعة

تقديم الإطلاق الشموليّ على الإطلاق البدليّ فيما إذا كان بين الدليلين عموم من وجه - كما ذهب إليه المحقّق العراقيّ(3)، وقوّاه المحقّق النائينيّ(4) -، أو يتساقط كلا الإطلاقين كما ذهب إليه صاحب الكفاية(5).

مثاله: (لا تكرم الفاسق) و(أكرم العلماء)، فعلى القول الأوّل يدخل المجمع - وهو العالم الفاسق - في الإطلاق الشموليّ فلا يُكرم، ويُقيّد الإطلاق البدليّ بغير المجمع، فيجب إكرام العالم العادل، وعلى القول الثاني يحكم بتساقطهما.

إلّا أنّ بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) منع من دوران الأمر في هذه الصورة بين الإطلاق البدليّ والإطلاق الشموليّ كي يُبحث عن تقديم أيٍّ منهما على الآخر، وإنّما التعارض بين الإطلاق المقاميّ الدالّ على شمول الجواز التكليفيّ لكلّ حصّة حصّة، والإطلاق الشموليّ اللفظيّ الدالّ على حرمة بعض الحصص، فالتقديم على ضوء ذلك لا يبتني على ما ذكره المحقّق النائينيّ (قدس سره) ؛ لأنّه يتوقّف على كون الجواز التكليفيّ

ص: 217


1- الكافي: 1/ 58، باب البدع والرأي والمقاييس، ح19.
2- يلاحظ: فرائد الأصول: 4/ 99، فوائد الأصول: 4/ 739.
3- يلاحظ: فوائد الأصول: 4/ 731، تعليقة: 3.
4- يلاحظ: أجود التقريرات: 2/ 513.
5- يلاحظ: كفاية الأصول: 106.

مقوّماً للإطلاق، وكون الإطلاق الإثباتيّ متوقّفاً على الإطلاق الثبوتيّ، وإنّما يبتني على أمور أخرى كالعناوين الثانويّة، أو حمل الجواز على الجواز اللااقتضائيّ، أو قوّة الظهور إذا لم يعارض بها في الطرف الآخر، فالبحث على الرأي المختار يختلف موضوعاً ومحمولاً(1).

الخامسة

ترجيح العموم على الإطلاق فيما لو كان هناك دليلان بينهما العموم من وجه، وكلٌّ منهما يشتمل على حكم ينافي حكم الآخر، ودلالة أحدهما بالعموم مثل: (أكرم كلّ عالم) والآخر بالإطلاق مثل: (لا تكرم الفاسق) فيتعارضان في العالم الفاسق(2).

وقد عبّر الشيخ الأعظم (قدس سره) عن هذه الصورة ب-(تعارض الإطلاق والعموم، فيتعارض تقييد المطلق وتخصيص العامّ).

ولا يخفى أنّ التعبيرين - وإن اختلفا - إلّا أنّ النتيجة واحدة؛ إذ إنّ نتيجة ترجيح التقييد على التخصيص هو ترجيح العموم على الإطلاق؛ لأنّ الحكم بالإطلاق من حيث عدم البيان، والعامّ بيان، فعدم البيان للتقييد جزء من مقتضي الإطلاق، والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العامّ للعموم، فإذا دفعنا المانع عن العموم بالأصل، والمفروض وجود المقتضي له، ثبت بيان التقييد وارتفع المقتضي للإطلاق.

لذلك قال الشيخ الأعظم (قدس سره): (ولا إشكال في ترجيح التقييد)(3)، وهو ما قوّاه

ص: 218


1- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 420 - 421.
2- يلاحظ: المصدر نفسه: 2/ 403.
3- فرائد الأصول: 4/ 97.

المحقّق النائينيّ (قدس سره) (1). وذهب صاحب الكفاية (قدس سره) إلى عدم ترجيح العموم(2)، وقوّاه المحقّق العراقيّ (قدس سره) (3).

وقد اعتمد الشيخ الأعظم (قدس سره) فيما ذهب إليه على ما حقّقه سلطان العلماء (قدس سره) من أنّ أسماء الأجناس إنّما وضعت للماهيّة المهملة، وأمّا اللابشرطيّة - أي الإطلاق - فهي حيثيّة خارجة عن حدود الموضوع لاسم الجنس، وإنّما تستفاد اللابشرطيّة من الأداة الموضوعة للعموم، فدلالة العامّ على الشمول وضعيّة تنجيزيّة، وأمّا دلالة الإطلاق على اللابشرطيّة والشمول فبمقدّمات الحكمة، ومن هذه المقدّمات عدم وجود البيان، فدلالته تعليقيّة؛ لكونها معلّقة على عدم البيان على التقييد، وبما أنّ العامّ يصلح أن يكون بياناً على عدم توفّر اللابشرطيّة في المطلق، فيكون المجمع محكوماً بحكم العامّ دون حكم المطلق.

أمّا صاحب الكفاية (قدس سره) فيرى أنّه لا فرق بين ظهور المطلق وظهور العامّ، إذ إنّ كلا الظهورين تنجيزيّ؛ لأنّ المطلق إنّما يناط ظهوره بالشمول بعدم خصوص البيان المتّصل، فالبيان المنفصل ليس له تأثير في ظهور المطلق؛ لأنّ عدم البيان - الذي هو من مقدّمات الحكمة - إنّما هو عدم البيان المتّصل لا عدم البيان إلى الأبد، فالبيان المنفصل في غير مقام التخاطب لا ينفي ظهور المطلق، وعليه يكون ظهور المطلق تنجيزيّاً كظهور العامّ، فيتعارض هذان الظهوران التنجيزيان، ولا بُدَّ في تشخيص

ص: 219


1- يلاحظ: أجود التقريرات: 2/ 513.
2- يلاحظ: كفاية الأصول: 450.
3- يلاحظ: نهاية الأفكار: 4 ق2/ 149.

أظهريّة أحدهما من الآخر من ملاحظة خصوصيات الكلام(1).

لكنّ بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) رفض فكرة ابتناء النزاع على كون ظهور المطلق تعليقيّاً وظهور العامّ تنجيزيّاً؛ لأنَّ هذا الابتناء ممّا لا يكاد يخفى فساده؛ وذلك (لأنَّ ظهور اللفظ ليس قابلاً للتعليق، فإنّ الظهور إنّما ينعقد بملاحظة ذات الكلام، والشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه، وعلى ضوء ما ذكرناه فإنّ البيان المنفصل إنّما يمنع من حجّيّة هذا الظهور، دون أن يمنع من أصل انعقاده)(2).

لذلك ذهب (دام ظله العالی) إلى أنّ رأي الشيخ ومن تبعه مبتنٍ على القول بأنّ انكشاف الإطلاق بحكم العقل، ورأي صاحب الكفاية ومن تبعه مبتنٍ على أنّ انكشافه بالظهور اللفظيّ، ولذلك اختار التفصيل على ضوء اختلاف مستويات الكلامين المتعارضين في صدورهما، فقد يكون مستوى أحدهما التعليم والآخر في مستوى الفتوى، وقد يكون كلاهما في مستوى التعليم، أو كلاهما في مستوى الإفتاء، والحكم في كلّ مستوى يختلف عن الآخر(3).

هذا كلّه بناءً على كونه حقيقة.

وأمّا على القول بكونه مجازاً فالمعروف في وجه تقديم التقييد كونه أغلب من التخصيص، وقد تأمّل فيه الشيخ بأنّ الكلام في التقييد بالمنفصل، وكونه أغلب غير

ص: 220


1- يلاحظ: كفاية الأصول: 450.
2- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 409.
3- يلاحظ: المصدر نفسه: 2/ 409 - 413.

مسلّم. نعم، دلالة ألفاظ العموم أقوى من دلالة المطلق ولو قلنا إنّها بالوضع(1).

السادسة

تقديم التخصيص على غير التقييد من الظواهر عند تعارض العموم مع غير الإطلاق من الظواهر، معلّلاً بغلبته وشيوعه.

وقد تأمّل الشيخ الأعظم (قدس سره) في بعض تطبيقات هذه الصورة، كما هو الحال في ظهور صيغة الأمر في الوجوب؛ فإنّ استعمالها في الاستحباب شائع أيضاً، بل قال صاحب هداية المسترشدين(2) بكونه مجازاً مشهوراً، ولم يقل ذلك في العامّ المخصّص، وهو ما تأمّل فيه الشيخ أيضاً(3).

3. أن تكون بملاحظة الصنفين المتعارضين المندرجين تحت نوع واحد:

ومثّلوا له بتقديم المجاز الشائع على غيره، كحمل الأمر المصروف عن الوجوب على الاستحباب دون الإباحة.

4. أن تكون بملاحظة الأفراد، فيقدّم بعض أفراد التخصيص على بعض، وذكروا له صوراً..

منها: الترجيح بقوّة عموم أحد الفردين على الآخر، وأقوائيّة العامّ إمّا بنفسه كتقديم الجمع المحلّى باللام على المفرد المعرّف، ونحو ذلك.

وإمّا بملاحظة المقام، فإنّ العامّ المسوق لبيان الضابط أقوى من غيره، ونحو ذلك.

ص: 221


1- يلاحظ: فرائد الأصول: 4/ 98.
2- يلاحظ: هداية المسترشدين: 1/ 659.
3- يلاحظ: فرائد الأصول: 4/ 99.

ومنها: الترجيح بقرب أحد المخصّصين وبُعد الآخر، ومثّلوا له بترجيح الأقلّ أفراداً على غيره، مثل تقديمهم عموم (يجوز أكل كلّ رمّان) على عموم النهي عن أكل الحامض؛ لأنّه أقلّ أفراداً فيكون أشبه بالنصّ.

ص: 222

المقام الرابع: في القسمة الأوَّليّة للتعارض وكيفيّة العلاج

اشارة

إنَّ التعارض على قسمين:

القسم الأوَّل: ما يقع بين دليلين لا غير

والمتعيّن في هذا القسم كون النسبة بين الدليلين واحدة، بخلاف القسم الثاني الآتي الذي يحتمل فيه أن تكون النسبة بين الأدلّة واحدة أو أكثر.

وقبل بيان صور التعارض في هذا القسم لا بُدَّ من بيان الغرض من ملاحظة النسبة بين الأدلّة المتعارضة، وهو أحد أمرين:

الأوّل: تحديد موضع التعارض، وتشخيص محلّ الظهورات وحدودها حيث لا يمكن اتّصاف الدليلين بالحجّيّة في ذلك المحلّ؛ فإذا كانت النسبة بين الدليلين هي التباين فإنّ التعارض يكون في تمام المدلول، وإذا كانت النسبة هي العموم من وجه فإنّ التعارض يكون في بعض المدلول لكليهما، وإذا كانت النسبة العموم المطلق كان التعارض بين بعض مدلول أحدهما - وهو الأعمّ - مع تمام مدلول الأخصّ.

وبهذا يظهر أنّ توصيف مجموع الدليلين المتباينين بأنّهما متعارضان هو توصيف حقيقيّ، وأمّا في غيرهما فإنّما يكون على نحو المجاز والواسطة في العروض.

الثاني: معرفة إمكان وعدم إمكان الجمع الدلاليّ؛ لكون معرفة النسبة مقدّمة للوصول إلى الجمع الدلاليّ، ففي حالات التعارض بين المتباينين لا مورد للجمع الدلاليّ أصلاً، وفي حالات العموم من وجه يمكن أن ترشد ملاحظة النسبة ذاتاً إلى إمكان الجمع الدلاليّ بينهما، كما في الموارد التالية:

ص: 223

1. ما تقدّم في المقام السابق من أنّه إذا كانت دلالة أحد العامّين من وجه بالعموم والآخر بالإطلاق، فيقدّم ما كانت دلالته بالعموم في الجملة.

2. ما لو كان إدخال المجمع في أحدهما موجباً لسقوط العنوان المأخوذ في الآخر، كما هو الحال في قوله (علیه السلام): (كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه)(1)، وقوله (علیه السلام): (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه)(2)؛ فإدخال المجمع وهو (الطائر غير المأكول اللحم) في عنوان الخبر الأخير موجب لسقوط عنوان (الطائر) عن خصوصيّة نفي البأس عن بوله وخرئه.

وفي حالات العموم المطلق فالمشهور تقديم الخاصّ على العامّ، إمّا بملاك الأخصّيّة مباشرةً، أو بملاك كونهِ أقوى الدليلين ظهوراً.

فهذان الدليلان المتعارضان: إمّا أن يكونا متساويين في المزايا والخصوصيّات، وإمّا أن يكون أحدهما واجداً لمزيّةٍ وخصوصيّةٍ يفتقدها الآخر.

وعلى الأوَّل - وهو ما يُسمّى التعارض فيه مستقرّاً - فالقاعدة الأوّليّة في مثله تقتضي التساقط.

والدليل على ذلك: أنَّ دليل الحجّيّة لا يخلو: إمّا أن يكون شاملاً للدليلين المتعارضين، أو لأحدهما المعيَّن دون الآخر، أو لهما على سبيل التخيير.

والجميع باطلٌ..

ص: 224


1- الكافي: 3/ 58، باب أبوال الدواب وأرواثها، ح9.
2- الكافي: 3/ 57، باب أبوال الدواب وأرواثها، ح3.

أمّا الأوَّل فلعدم معقوليّتهِ؛ لأنَّ الدليلين المتعارضين تارةً يكون مفاد أحدهما حكماً إلزاميّاً ومفاد الآخر نفي ذلك الحكم الإلزاميّ، والأخذ بكليهما مستحيلٌ؛ لأنَّه يستلزم تنجيز حكمٍ إلزاميٍّ والتعذير عنه في وقتٍ واحد.

وأخرى يكون مفادهما حكماً ترخيصيّاً، كما لو ورد: (يستحبّ إكرام العالم) و(يكره إكرام العالم) فالأخذ بكليهما مستحيلٌ أيضاً؛ لأنَّه يستلزم الترخيص في المخالفة القطعيّة لذلك الواقع المعلوم إجمالاً مع العلم بمخالفة أحد الترخيصين للواقع.

وثالثة يكون مفادهما حكماً إلزاميّاً، فإمّا أن يكون الحكمان متضادّين ذاتاً، فالشمول محالٌ؛ لاستلزامهِ تنجيز حكمين إلزاميّين في موضوعٍ واحد، كما إذا دلَّ دليلٌ على وجوب صلاة الجمعة وآخر على حُرمتها.

وإمّا أن يكونا متضادّين بالعرَض، وذلك للعلم الإجماليّ من الخارج بعدم ثبوت أحدهما، كما إذا دلَّ دليلٌ على وجوب الجمعة وآخر على وجوب الظهر، فالشمول محالٌ أيضاً؛ لأنَّ كلَّاً من الدليلين المفروضين يدلّ بالالتزام على نفي الوجوب المستفاد من الآخر، فيقع التعارض بين الدلالة المطابقيّة لأحدهما والالتزاميّة للآخر، وحجّيّتهما معاً تستلزم تنجيز حكمٍ والتعذير عنه في وقتٍ واحد، وهو محالٌ كما مرَّ.

وأمّا الثاني فلأنَّه ترجيحٌ بلا مرجِّح.

وهو تامّ في مثل ما إذا كان كلّ من الدليلين مورداً لاحتمال وجود الملاك الأقوى فيه.

وهذا يعني عدم اطّراد هذا البرهان فيما عدا الحالة السابقة، وهو ما يمكن

ص: 225

حصره في واحدةٍ من حالاتٍ ثلاث:

1. حالة عدم ثبوت ملاك الحجّيّة والطريقيّة في كلٍّ من الدليلين في حالة التعارض، فيسقطان معاً بلا حاجةٍ إلى برهان.

2. حالة العلم بوجود ملاك الحجّيّة في كلٍّ منهما، وأنَّ الملاك في أحدهما المعيَّن أقوى منه في الآخر، فيكون ذلك المعيَّن مشمولاً لدليل الحجّيّة قطعاً، بخلاف الآخر المعلوم عدم شموله له.

3. حالة كون الطريق لإحراز الملاك هو نفس دليل الحجّيّة، مع فرض العلم بأنَّ الملاك لو كان ثابتاً في المتعارضين فهو أقوى في أحدهما المعيّن، ممّا يعني العلم بسقوط إطلاق دليل الحجّيّة للآخر، فلا يكون ترجيحاً بلا مرجِّح.

وأمّا الثالث فلأنَّه لا ينطبق على مفادهِ العرفيّ، وهو الحجّيّة التعيينيّة، فيمكن إبطال الحجّيّة التخييريّة بأنَّ مفاد الدليل هو كون الفرد مركزاً للحجّيّة، لا الجامع.

وأشكل عليه السيّد الشهيد الصدر (قدس سره): بأنَّ الحجّيّة التخييريّة لا ينحصر أمرها بحجّيّة الجامع ليقال: إنَّ ذلك خلاف مفاد الدليل، بل يمكن تصويرها بحجّتين مشروطتين بأن يلتزم بحجّيّة كلٍّ من الدليلين لكن لا مطلقاً، بل شريطة أن لا يكون الآخر صادقاً، فمركز كلٍّ من الحجّتين هو الفرد لا الجامع، ولكن نرفع اليد عن إطلاق الحجّيّة لأجل التعارض، ولا تنافي بين حجّتين مشروطتين من هذا القبيل، ولا محذور في ثبوتهما إذا لم يكن كذبُ كلٍّ من الدليلين مستلزماً لصدق الآخر، فلا مانع من التخيير(1).

ص: 226


1- يلاحظ: دروس في علم الأصول (الحلقة الثالثة): 2/ 540.

لذلك قال المحقّق النائينيّ (قدس سره): (فالقاعدة فيهما تقتضي التساقط، ولكن قام الدليل على التخيير في الأخذ بأحدهما وطرح الآخر)(1) في إشارةٍ منه إلى قبوله بالحالات التي لا يوجد فيها مانع من التخيير.

نعم، إن كان كذبُ كلٍّ من الدليلين مستلزماً لصدق الآخر، وجبَ الرجوع إلى إناطة حجّيّة كلٍّ منهما بصدق نفسه، وهو غير معقولٍ، فيتعيَّن التساقط.

وعلى الثاني(2)- وهو ما يسمّى التعارض فيه بغير المستقِرّ - فالمزيّة إمّا أن تكون في السند أو في جهة الصدور، فلا بُدَّ من ترجيح صاحب المزيّة وطرح الآخر، ومستنده الروايات المعروفة بأخبار الترجيح(3).

وإمّا أن تكون المزيّة في الدلالة، فاللازم - حينئذٍ - الجمع بينهما، وعدم جواز طرح أحدهما؛ لذلك اشتهر على ألسنتهم أنَّ الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح، وهو ما ادَّعى البعض الإجماع عليه(4).

وكيفما كان، فلا خلاف في تقديم الخاصّ على العامّ مطلقاً؛ وذلك لعدم سماح الخاصّ بانعقاد ظهور تصديقيّ للعامّ في العموم إذا كان الخاصّ متّصلاً، وباعتبار

ص: 227


1- فوائد الأصول: 4/ 726.
2- وهو كون أحد الدليلين واجداً لمزيّة يفتقدها الآخر.
3- يلاحظ: الكافي: 1/ 67 - 68، باب اختلاف الحديث، ح8، 10، من لا يحضره الفقيه: 3/ 8 - 11، باب الاتّفاق على عدلين في الحكومة، ح3233، تهذيب الأحكام: 6/ 301 - 302، باب من الزيادات في القضايا والأحكام، ح52.
4- يلاحظ: عوالي اللآلئ: 4/ 136.

كون الخاصّ قرينةً على تخصيص العامّ، فيخرج ظهور العامّ عن موضوع دليل الحجّيّة إذا كان الخاصّ منفصلاً.

وإنَّما الخلاف في قرينيّة الخاصّ على التخصيص هل هي بملاك الأخصّيّة مباشرةً، أو بملاك كونهِ أقوى الدليلين ظهوراً؟ على الرغم من تسليم الجميع بقرينيّة الأظهر إذا كانت أظهريّته واضحة عرفاً، ومن ثَمَّ يجمع بينه وبين الظاهر - في حالة تعارضهما - بتحكيم الأظهر على الظاهر وفقاً لنظريّة الجمع العرفيّ.

وقد تقدّم الكلام فيه في تعريف التعارض، وسيأتي مزيد بيان لهذا الخلاف في المقام الخاصّ بالأقوال في انقلاب النسبة.

القسم الثاني: ما يقع بين أكثر من دليلين

وقد جرت عادة الأصوليّين أن يبيّنوا هذا القسم على أساس كون النسبة بين جميع الأدلّة المتعارضة واحدة أو مختلفة.

فإن كانت النسبة واحدةً فهي إمّا التباين، كما لو ورد عامّ مثل: (أكرم العلماء)، وورد خاصّان هما: (يحرم إكرام العالم الفاسق ) و(يكره إكرام عدول العلماء)، فيكون مجموع الخاصّين في قوّة (لا تكرم العلماء)، فتكون النسبة بينه وبين العامّ الأوّل هي التباين، فيقع التعارض بينه وبين مجموع الخاصّين، وكذلك مثل (يجب إكرام العلماء) و(يحرم إكرام العلماء) وورد (يستحبّ إكرام العلماء)، فمورد التعارض فيما بينها واضح؛ لوحدة الموضوع في الأدلّة الثلاثة، وعدم إمكان الجمع بينها ممّا لا يكاد يخفى، فيرجع إلى المرجّحات - إن وجدت - وإلّا فيأتي حديث التساقط أو التخيير المتقدّم.

ص: 228

وإمّا العموم من وجهٍ، نحو (يجب إكرام العلماء) و(يحرم إكرام الفسّاق) و(يستحبّ إكرام الشعراء)، فيتعارض الكلُّ في مادّة الاجتماع، وهو (العالم الفاسق الشاعر)، فإنّ مقتضى الدليل الأوّل وجوب إكرام العالم الفاسق، ومقتضى الدليل الثاني حرمة إكرامه، كما أنّ قوله: (يحرم إكرام الفسّاق) يعارضه قوله: (يستحبّ إكرام الشاعر) في الشاعر الفاسق، كما أنّ قوله: (يجب إكرام العلماء) يعارضه (يستحبّ إكرام الشعراء) في العالم الشاعر، ومعها يجب الرجوع إلى المرجّحات، وإلّا فيتساقطان أو يتخيّر بينها.

وإمّا العموم المطلق بأن يرد عامّ وخاصّان، فإن لم يلزم محذور من تخصيص العامِّ بهما، خصِّص العامُّ بهما(1)، كما لو ورد (أكرم العلماء)، ودلّ دليل على عدم وجوب إكرام الفسّاق منهم مثل (لا تكرم العالم الفاسق)، ثُمَّ ورد (لا تكرم النحويّين) فإنّه إذا عمل بالخاصّين وأخرج فسّاق العلماء والنحويّين عن عموم العلماء لم يلزم منه محذور تخصيص الأكثر، أو لزوم بقاء العامّ بلا مورد؛ لبقاء العلماء العدول من غير النحويّين تحته.

ومثالهُ في الشرعيّات: عموم قوله تعالى: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾(2) بملاحظة ما يدلُّ على أنَّه (لا ربا بين الوالد وَوَلَدِه)، وما يدلُّ على أنَّه (لا ربا بين الزوج

ص: 229


1- أشار الشيخ الأعظم في (فرائد الأصول: 4/ 103) إلى توهّم بعض من عاصره - وهو الفاضل النراقيّ في العوائد (119 - 120، العائدة: 40) - بملاحظة العامّ بعد تخصيصه ببعض الأفراد بإجماع ونحوه مع الخاصّ المطلق الآخر، فتنقلب النسبة، وسيأتي بيان ذلك في الحلقة الثانية عند الحديث عن الصورة الثانية من النوع الأوّل من صور انقلاب النسبة.
2- سورة البقرة: 275.

وزوجتِه)، وما يدلُّ على أنَّه (لا ربا بين المسلم والذمّيّ)، وما يدلُّ على أنَّه (لا ربا بين السيّد وعبدِه)(1)، فالحكم بحرمة الربا باستثناء هذه الموارد لا يلزم منه أيُّ محذورٍ.

ومن خصائص التعارض بين أكثر من دليلين وجود ظاهرة اشتباه أطراف المعارضة، وحينئذٍ يُحتاج إلى معرفة كيفيّة تعيين أطراف المعارضة؛ إذ إنّ مورد التعارض تارةً يكون بيّناً، وأخرى يكون خفيّاً.

والأوّل: له صورتان:

الأولى: أن يكون كلّ من مورد التعارض وإمكان الجمع بيّناً، كما لو ورد دليلان بينهما عموم من وجه مثل: (أكرم كلّ عالم) و(لا تكرم كلّ فاسق)، فيتعارضان في المجمع وهو العالم الفاسق، ثُمَّ يرد دليل خاصّ - وهو لا محالة أخصّ مطلقاً من كلّ واحد من العامّين - يتعرّض لخصوص المجمع، ويتضمّن حكماً مغايراً لحكمي العامّين من وجه، مثل: (يكره إكرام العالم الفاسق)؛ فإنّه يكون مخصّصاً لكلا الدليلين؛ لتكفّله ببيان حكم ما تعارض فيه العامّان، فيكون المجمع خاضعاً لحكم الخاصّ وحده، فيحكم بكراهة إكرام العالم الفاسق(2).

ص: 230


1- يلاحظ: الكافي: 5/ 147، باب أنَّه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا، ح1، 2، 3، من لا يحضرهُ الفقيه: 3/ 277 - 278، باب الربا، ح4000، 4001، 4002، تهذيب الأحكام: 7/ 17- 18، باب فضل التجارة وآدابها، ح75، 76، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 3/ 70 - 71، باب أنَّه لا ربا بين المسلم وبين أهل الحرب، ح1، 2.
2- وسيأتي الحديث مرّة أخرى عن هذه الصورة في الحلقة الثانية في أولى صور النوع الثاني، وهل يمكن أن تكون من صور انقلاب النسبة أو لا؟

الثانية: أن يكون كلّ من مورد التعارض وامتناع الجمع بيّناً، وهذه الصورة شاملة لحالتي كون النسبة بين الأدلّة الثلاثة هي التباين، والعموم من وجه، وقد تقدّم الكلام في وضوح مورد التعارض وعدم إمكان الجمع بينها، فيرجع إلى قواعد التعارض من الترجيح ثُمَّ التساقط، أو التخيير على اختلاف الآراء في ذلك.

وبهذا البيان تكون هاتان الصورتان خارجتين عن بحث انقلاب النسبة، وسيأتي في محلّه مناقشة دعاوى جريان انقلاب النسبة في بعضها عند الحديث عن صور انقلاب النسبة.

والثاني: وهو ما كان مورد المعارضة خفيّاً، وله صور متعدّدة(1)، أهمّها:

ما يعرف بمحذور (التخصيص المُستهجَن)، أو (بقاء العامّ بعد التخصيص بلا موردٍ في بعض صور تخصيص العامّ)، كما لو ورد عامّ مثل: (أكرم العلماء)، ومخصّصان مثل: (لا تكرم العلماء الفسّاق) و(يكره إكرام العلماء العدول)؛ فإنَّه إذا خصِّص العامُّ بكلا الخاصّين بقي العامُّ بلا موردٍ، بناءً على القول بعدم الواسطة بين العدالة والفسق(2)، وفي تحديد أطراف المعارضة في مثل هذه الحالة مسالك ثلاثة:

ص: 231


1- وسيأتي في الحلقة الثانية عند الحديث عن صور انقلاب النسبة صورٌ أخرى لخفاء مورد المعارضة، مثل صورة ورود عامّين بينهما عموم من وجه، وورد خاصّ لكلّ واحد من هذين العامّين يعارضه في مورد افتراقه عن العامّ المعارض له، وهي الصورة الثالثة من النوع الثاني.
2- أمّا على القول بثبوت الواسطة بين العدالة والفسق، وذلك بناءً على تفسير العدالة بملكة عدم ارتكاب الكبائر - كما قد يتَّفق للإنسان في أوَّل بلوغهِ من عدم ارتكاب الكبائر من دون أن يكون ذلك ملكة - فيلزم حمله على الفرد النادر الذي هو لا عادل ولا فاسق، وهو التخصيص المُستهجَن.

المسلك الأوّل: أنّ المعارضة تقع بين العامّ ومجموع الخاصّين؛ بأن يشكّل الخاصّان وحدة مجموعيّة، فتكون نسبته مع العامّ هي نسبة التباين، فيجب ملاحظة الترجيح بين العامّ ومجموع الخاصّين.

وهذا المسلك هو ما يظهر من كلمات كلٍّ من المحقّق النائينيّ(1)، والمحقّق الأصفهانيّ(2)، والمحقّق العراقيّ(3) (قدس سرهم).

المسلك الثاني: أنّ المعارضة تقع بين الأدلّة الثلاثة جميعاً، فتكون المعارضة ثلاثيّة الأطراف، ولازمه تحقّق علم إجماليّ بأنّ ظاهر أحد هذه الأدلّة الثلاثة غير مراد قطعاً.

وهو مختار السيّد الخوئيّ (قدس سره) (4)، وبعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) في هذه الصورة(5).

المسلك الثالث: أنّ المعارضة تقع بين الخاصّين فحسب، وأمّا العامّ فإنّه يخرج عن مورد المعارضة، فيتعيّن ملاحظة المرجّحات بين الخاصّين فقط.

وهذا المسلك هو ما استظهره بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) من كلمات صاحب العروة (قدس سره) (6).

وعليه فعند تعيّن الرجوع إلى المرجِّحات لا يخلو الأمر من واحدةٍ من ستِّ

ص: 232


1- يلاحظ: أجود التقريرات: 2/ 518.
2- يلاحظ: نهاية الدراية: 6/ 351.
3- يلاحظ: نهاية الأفكار: 4/ 160.
4- يلاحظ: مصباح الأصول: 3/ 390.
5- يلاحظ: تقريرات في علم الأصول: 2/ 449 -450.
6- المصدر نفسه: 2/ 451.

صورٍ(1):

الأولى: أن يكون العامُّ مرجوحاً بالنسبة إلى الخاصّين، فعلى المسالك الثلاثة لا إشكال - حينئذٍ - في طرح العامّ والعمل بالخاصّين، فتكون نتيجتهُ في المثال المتقدِّم كراهة إكرام عدول العلماء، وحرمة إكرام الفسّاق منهم.

الثانية: أن يكون العامّ راجحاً على كلا الخاصَّين، فعلى المسلك الأوّل - من القول بوقوع التعارض بين العامِّ ومجموع الخاصَّين فقط - يجب طرح الخاصَّين والأخذ بالعامّ، ونتيجته وجوب إكرام العلماء.

وعلى المسلك الثاني والقول بوقوع التعارض بين أحد الثلاثة وبين الآخرَين، وأنَّ المعلوم إجمالاً إنَّما هو كذب أحدها، فبعد الأخذ بالعامّ - لرجحانه على كلا الخاصَّين؛ لأنَّه هو المفروض - فلا وجهَ لطرح الخاصَّين معاً؛ لانحصار العلم بكذب أحدهما، فإن كان أحد الخاصَّين راجحاً على الآخر وجبَ الأخذ به وطرح المرجوح.

وأمّا إن كانا متساويين فإمّا أن يتساقطا - على ما تقدَّم من أنَّه مقتضى القاعدة -، أو يُتخيَّر بينهما على ما مرَّ بيانُه، والنتيجة هي الأخذ بالعامّ وهو وجوب إكرام العلماء، وبأحد الخاصَّين تعييناً في حال ترجيح أحدهما على الآخر، أو تخييراً في حالة التساوي بأن يمتنع عن إكرام الفسّاق من العلماء أو يُكرم عدولهم على كراهة.

أمّا المسلك الثالث فهو لا ينهض في علاج التعارض في هذه الصورة؛ لاستلزامه

ص: 233


1- ذكرها السيّد الخوئيّ في مصباح الأصول: 3/ 390 - 391، مع اختلاف في ترتيب الصور، وذكرت متفرّقة في كلمات غيره من الأعلام كالمحقّق النائينيّ في فوائد الأصول: 4/ 742 - 743، والمحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار: 4 ق2/ 160، 5/ 160.

طرح الراجح وترجيح المرجوح.

الثالثة: أن يكون العامّ راجحاً على أحد الخاصَّين ومساوياً للخاصّ الآخر، ومن الواضح أنَّه على المسلكين الأوّل والثاني يجب الأخذ بالعامّ والخاصّ المساوي، وطرح الخاصّ المرجوح.

فتكون النتيجة وجوب إكرام العلماء: إمّا مع حرمة إكرام الفسّاق منهم إن كان الأخير هو المساوي للعامّ، ويطرح الخاصّ الآخر الدالّ على كراهة إكرام العدول منهم.

وإمّا مع كراهة إكرام العدول منهم إن كان الآخر هو المساوي للعامّ، ويطرح الخاصّ الآخر الدالّ على حرمة إكرام الفسّاق منهم.

وأمّا على المسلك الثالث فيتعيّن الأخذ بالخاصّ المساوي للعامّ فقط.

الرابعة: أن يكون العامّ مرجوحاً بالنسبة لأحد الخاصَّين ومساوياً للخاصِّ الآخر، فإنَّه يجب على المسلكين الأوّل والثاني الأخذ بالخاصِّ الراجح ويُتخيَّر بين الأخذ بالعامّ والأخذ بالخاصِّ المساوي له.

فنتيجته: إمّا حرمة إكرام الفسّاق من العلماء والتخيير بين وجوب إكرام الجميع وبين كراهة إكرام العدول منهم، وإمّا كراهة إكرام العدول من العلماء والتخيير بين وجوب إكرام الجميع وحرمة إكرام الفسّاق منهم.

أمّا على المسلك الثالث فيتعيّن الأخذ بالخاصّ الراجح فقط.

الخامسة: أن يكون العامّ راجحاً على أحد الخاصَّين ومرجوحاً بالنسبة للخاصِّ الآخر.

ص: 234

فعلى المسلك الأوّل يكون المكلَّف مخيَّراً بين الأخذ بالعامِّ وطرح كلا الخاصَّين، وبين الأخذ بكلا الخاصَّين وطرح العامّ؛ لأنَّ التعارض إنَّما هو بين العامِّ ومجموع الخاصَّين(1).

ورفض السيّد الخوئيّ (قدس سره) أن تكون المعارضة بين العامّ ومجموع الخاصَّين؛ لعدم العلم الإجماليّ بكذب العامّ أو مجموع الخاصَّين، بل المعلوم كذبُ أحد الأدلّة الثلاثة، فلا بُدَّ - حينئذٍ - من الأخذ بالعامّ والراجح من الخاصَّين، وطرح المرجوح منهما(2).

وعلى المسلك الثالث يتعيّن الأخذ بالخاصّ الراجح فقط.

السادسة: أن يكون العامّ مساوياً لكلا الخاصَّين، فعلى المسلك الأوّل يتعامل مع العامّ ومجموع الخاصَّين كما يتعامل مع المتباينين من التساقط أو التخيير.

وعلى المسلك الثاني يتخيَّر بين طرح العامّ والأخذ بكلا الخاصَّين، وبين الأخذ بالعامّ وأحد الخاصَّين وطرح الخاصّ الآخر؛ لما مرَّ من العلم بكذب أحد الثلاثة، وعدم الترجيح بينها.

وعلى المسلك الثالث يتعيّن العمل بالخاصَّين فقط.

وإن كانت النسبة مختلفةً فحينئذٍ إمّا أن يُقدَّم ما حقّه التقديم؛ لأجل الدلالة كتقديم الأظهر على الظاهر، أو لمرجِّحٍ آخر من المرجّحات المتقدّمة، وإمّا أن يخصّص أحدهما بالآخر، ثُمَّ تلاحظ النسبة بين العامّ المخصّص مع الدليل الثالث، فقد تنقلب النسبة.

ص: 235


1- يلاحظ: درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 1/ 466.
2- يلاحظ: مصباح الأصول: 3/ 391.

وبذلك يظهر أنّ ظاهرة (انقلاب النسبة) من خصائص التعارض بين أكثر من دليلين مع كون النسبة بينها مختلفة، مضافاً إلى ما تقدّم من وجود ظاهرة اشتباه أطراف المعارضة.

* * *

ويأتي الكلام - إن شاء الله تعالى - في الحلقة القادمة في المقامين الأخيرين وهما:

المقام الخامس: في نظريّة انقلاب النسبة، والأقوال فيها، وأدلّتها.

والمقام السادس: في نماذج من تطبيقات هذه النظريّة.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على أشرف الخلق محمّد وآله الطاهرين.

ص: 236

دراسة في مصادر الشيخ (قدس سره) في كتاب التهذيب (الحلقة الأولى) - الشيخ قاسم الطائي (دام عزه)

اشارة

إنّ للتعرّف على مصادر الشيخ في إيراد روايات كتاب تهذيب الأحكام تأثيراً واضحاً على استنباط الحكم الشرعيّ منها، ولأجل ذلك أضع بين يدي القارئ الكريم هذه الدراسة التي اعتمدت في ركائزها على ما جادت به قرائح الأعلام لا سيّما بعض أساتيذنا (دامت إفاداتهما) مع بعض الإضافات هنا وهناك. راجياً من الله تعالى التوفيق والسداد.

ص: 237

ص: 238

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

لا يخفى ما للكافي والفقيه والتهذيبين وغيرها من كتب الحديث من أهمّيّة في عمليّة استنباط الحكم الشرعيّ، فهي تمثّل الركن الأساس الذي يأوي إليه الفقيه لاستكناه الحكم الشرعيّ للواقعة التي يروم معرفة حكم الله فيها.

ثمّ إنّ التهذيبين منها بالخصوص يستحوذان على نسبة كبيرة من الأحاديث المنقولة في عموم كتب الحديث، ومعه يحظيان بأهمّيّة خاصّة من هذه الجهة.

ثمّ إنّ ما يميّز الكافي عن الفقيه والتهذيبين أنّ غالبية الأحاديث الموجودة فيه قد ذكر فيها السند متّصلاً إلى المعصوم (علیه السلام)، ومعه لا حاجة في الغالب إلى التعرّف على مصدر الكلينيّ (رضوان الله علیه) في إيراده الحديث إلّا في بعض الحالات.

وهذا بخلاف الحال في الفقيه والتهذيبين فإنّ الحاجة إلى التعرّف على مصادر

ص: 239

الصدوق والشيخ - لإيرادهما نسبة كبيرة من الأحاديث فيهما من دون ذكر السند متّصلاً - ذات فوائد:

منها: اعتبار الرواية وعدمه.

فقد وصف غير واحد من الأعلام رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: (من أقام بمكّة سنة فهو بمنزلة أهل مكّة)(1) بالصحّة(2)، ولعلّ حكمهم هذا ناش من بنائهم على أنّ الشيخ حينما ابتدأ الرواية باسم العبّاس بن معروف فهذا يعني أنّه انتزعها من كتابه، ولمّا لم يذكر طريقه إليه في المشيخة وأحال على كتابه الفهرست في معرفة باقي الطرق يمكن البناء على صحّة الرواية بلحاظ أنّ طريقه إليه في الفهرست صحيح(3).

ولكن إذا بني على عدم صحّة التعويل على طريق الفهرست عند عدم ذكر الشيخ الطريق إلى من ابتدأ باسمه في المشيخة فحينئذ يمكن عدّ الرواية مرسلة؛ لجهالة طريق الشيخ إليها، اللهم إلّا إذا أمكن تصحيحها بطريق آخر(4).

ومنها: أنّ التعرّف على مصدر الرواية في كتاب معيّن يساعد على عدّ ذلك الكتاب مصدراً مستقلَّاً للرواية، في مقابل باقي المصادر أو في طولها.

ص: 240


1- تهذيب الأحكام: 5/ 476، ح 1680.
2- يلاحظ: منتهى المطلب: 13/ 238، مدارك الأحكام: 7/ 210، روضة المتّقين: 4/ 332، ملاذ الأخيار: 8/ 545، مستمسك العروة الوثقى: 11/ 173.
3- يلاحظ: الفهرست: 118.
4- يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحجّ: 9/ 671.

مثلاً في الكافي نقل الشيخ الكلينيّ (رضوان الله علیه) روايةً عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) مبتدِئاً بالعدّة راويةً عن أحمد بن محمّد بن خالد في قضية عذق سمرة بن جندب الذي كان طريقه إليه يمرّ في بيت أحد الأنصار(1)، ونقلها الشيخ الطوسيّ في التهذيب مبتدِئاً فيها باسم أحمد بن محمّد بن خالد(2)، فقد يظنّ(3) أنّ التهذيب مصدر مستقلّ للرواية في مقابل الكافي باعتبار أنّ كتاب أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ من مصادر الشيخ في التهذيب، وقد ذكر طريقه إليه في المشيخة(4)، لكن بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) لم يعدّ التهذيب مصدراً مستقلَّاً للرواية، وإنّما انتزع الشيخ الرواية من الكافي؛ لوجود قرائن تدلّ على ذلك(5).

والحاصل: أنّ التعرّف على مصدر الرواية ذو نفع واضح في مثل ما ذكرنا.

مقدّمة

وقبل الدخول في هذا المضمار لا بدّ من تحرير مقدّمة:

وهي أنّه قد يقال: لا أهمّيّة لمعرفة مصدر الرواية في التهذيب؛ ذلك لأنّ الشيخ أعطى ضابطه في انتزاع الحديث، حيث ذكر في مشيخة التهذيب أنّه يبتدئ الحديث باسم من أخذ الرواية من كتابه، ومعه تكون جميع روايات التهذيب منتزعة من كتب

ص: 241


1- يلاحظ: الكافي: 5/ 292، باب الضرار، ح2.
2- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 7/ 147.
3- كما لعلّه يلوح من عبارة شيخ الشريعة (قدس سره) في قاعدة لا ضرر: 11.
4- يلاحظ: تهذيب الأحكام (المشيخة): 44.
5- يلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار (تقرير بحث السيّد السيستانيّ (دام ظله العالی)): 13.

من ابتدأ السند بهم.

والعبارة المشار إليها هي قول الشيخ: (كنّا شرطنا في أوّل هذا الكتاب أن نقتصر على إيراد شرح ما تضمّنته الرسالة المقنعة، وأن نذكر مسألة مسألة، ونورد فيها الاحتجاج من الظواهر والأدلّة المفضية إلى العلم، ونذكر مع ذلك طرفاً من الأخبار التي رواها مخالفونا، ثمّ نذكر بعد ذلك ما يتعلّق بأحاديث أصحابنا رحمهم الله، ونورد المختلف في كلّ مسألة منها والمتّفق عليها، ووفينا بهذا الشرط في أكثر ما يحتوي عليه كتاب الطهارة، ثمّ إنّا رأينا أنّه يخرج بهذا البسط عن الغرض، ويكون مع هذا الكتاب مبتوراً غير مستوفىً، فعدلنا عن هذه الطريقة إلى إيراد أحاديث أصحابنا رحمهم الله المختلف فيه والمتّفق، ثمّ رأينا بعد ذلك أنّ استيفاء ما يتعلّق بهذا المنهاج أولى من الإطناب في غيره، فرجعنا وأوردنا من الزيادات ما كنّا أخللنا به، واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه، أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله، واستوفينا غاية جهدنا ما يتعلّق بأحاديث أصحابنا رحمهم الله المختلف فيه والمتّفق، وبيّنّا عن وجه التأويل فيما اختلف فيه على ما شرطناه في أوّل الكتاب، وأسندنا التأويل إلى خبر يقضي على الخبرين، وأوردنا المتّفق منها ليكون ذخراً وملجأ لمن يريد طلب الفتيا من الحديث، والآن فحيث وفّق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطرق التي يتوصّل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنّفات، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات)(1).

ص: 242


1- تهذيب الأحكام (المشيخة): 4 - 5.

ثمّ ذكر الطرق إلى أصحاب المصنّفات، وفي ختامها قال: (قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ رحمهم الله، من أراده أخذه من هناك إن شاء الله، وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة)(1).

فيفهم أنّه (رضوان الله علیه) كلّما ذكر حديثاً فإنّه يبتدئ باسم صاحب الكتاب الذي انتزع الحديث منه ويعرف طريق الشيخ (رضوان الله علیه) إلى هذا الكتاب من الطرق التي ذكرها في المشيخة، فإن لم يذكر الطريق في المشيخة إلى أحد الذين ابتدأ بأسمائهم في الكتاب يمكن التعويل على ما ذكره في كتاب الفهرست من الطريق إلى كتابه.

وأقول: إنّ العبارة المذكورة تحتمل أكثر من وجه، على بعضها تتمّ الدعوى المزبورة، وقبل بيان هذه الوجوه ينبغي الإشارة إلى أنّ أحاديث التهذيب على ثلاثة أقسام:

1 - الأحاديث التي ذكر فيها السند تامّاً، وهذا القسم يوجد في أكثر كتاب الطهارة.

2 - الأحاديث التي ابتدأ بها بأسماء من ذكر طريقه إليهم في المشيخة، وهؤلاء عددهم (35) رجلاً، وأوّل ما وقع منه ذلك في بدايات كتاب الطهارة، حيث قال - بعد حديث ذكر فيه الإسناد تامّاً وليس فيه من ابتدأ به في الحديث التالي له حتّى يقال بالتعليق فيه -: (فأمّا الخبر الّذي رواه محمّد بن أحمد بن يحيى عن العبّاس.. والخبر

ص: 243


1- تهذيب الأحكام (المشيخة): 88.

الذي رواه سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد..)(1).

3 - الأحاديث التي ابتدأ بها بأسماء من لم يذكر طريقه إليهم في المشيخة، وهم كُثر.

وحيث إنّ المستفاد من قوله (رضوان الله علیه): (لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات) أنّ الغرض من وضع المشيخة هو ذلك، فيكون المنظور لطرق المشيخة الأحاديث التي في القسم الثاني، دون القسم الأوّل.

وبناءً على هذا تبرز لدينا مشكلة بالنسبة إلى الأحاديث التي هي من القسم الثالث، فإنّ المفروض أنّ ظاهر المشيخة غير شامل لها، وهي تشكّل نسبة كبيرة من أحاديث التهذيب، ويستبعد عدم التفات الشيخ إلى مشكلة الإرسال فيها، فلا مناص إمّا من القول بدخولها في طرق المشيخة، وإمّا من القول بأنّ الشيخ انتزع هذه الأحاديث من كتب من ابتدأ بهم وإن لم يذكر طريقه إليهم في المشيخة، ولكنّه أحال في معرفة الطرق إليهم على طرقه إليهم في كتاب الفهرست، فتندفع مشكلة الإرسال فيها.

وما يمكن من الوجوه لحمل عبارة الشيخ عليها هي:

1 - أن يكون مراد الشيخ (رضوان الله علیه) بقوله: (واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه..) بيان أنّ كلّ خبر ذكره في الكتاب قد ابتدأه باسم صاحب الكتاب الذي أخذ الخبر من مصنّفه عدا الأحاديث التي هي من القسم الأوّل.

ص: 244


1- تهذيب الأحكام: 1/ 7، ح6، 7.

ومنشأ هذا الوجه ظهور الواو في قوله: (واقتصرنا) في الاستئناف، وظهور اللام في قوله: (الخبر) في الاستغراق.

ويؤيّده قوله في مشيخة الاستبصار: (وكنت سلكت في أوّل الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها، وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأوّل والثاني، ثمّ اختصرت في الجزء الثالث، وعوّلت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه أو أصله)(1) إن بني على اتّحاد طريقة الشيخ (رضوان الله علیه) في الكتابين.

وممّا يساعد عليه أيضاً أنّه مع هذا الوجه يحمل قول الشيخ (رضوان الله علیه): (أخذنا الخبر من كتابه) على معناه الحقيقيّ من دون أيّ تجوّز، بخلاف ما لو قلنا: إنّه ابتدأ باسم راوٍ حال كون الانتزاع قد تمّ من كتاب غيره، فإنّ هذا ليس إلّا تعبيراً آخر عن نسبة الشيخ إلى السهو أو الغفلة عمّا قاله التي يجلّ مقام الشيخ (رضوان الله علیه) عنها.

فإن قلت: إنّ عدد طرق الشيخ في المشيخة محدود جدّاً، ومعه لا محالة تبقى مشكلة الإرسال قائمةً استناداً إلى هذا الوجه؛ إذ لا محالة أنّ هذه الطرق لا تغطّي جميع أحاديث التهذيب.

قلت: هذا مدفوع بقوله: (قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول.. وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة)، فإنّ فيه إحالة على كتاب الفهرست لمعرفة باقي الطرق ممّن ابتدأ بهم ولم يذكر طريقه إليهم في المشيخة.

وهذا الوجه لعلّه يلوح من عبارات جملة من الأعلام، كالمحقّق الشيخ حسن

ص: 245


1- الاستبصار (المشيخة): 304 - 305.

نجل الشهيد الثاني(1)، والشيخ البهائيّ(2)، والفيض الكاشانيّ(3)، والمولى الخواجوئيّ(4)، والمحدّث البحرانيّ(5)، والسيّد الخوئيّ(6)، وغيرهم(7) (قدس سرهم).

وعلى هذا الوجه تتمّ الدعوى المذكورة آنفاً.

ولكن يلاحظ عليه:

أوّلاً: بالنقض في جملة من الموارد:

1 - (وروى الريّان بن الصلت، قال: كتبت إلى أبي محمّد (علیه السلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحىً في أرض قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبرديّ وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى)(8).

فالملاحظ أنّ الريّان وإن ذكر الشيخ له كتاباً(9)، ولكن يستبعد أن يكون هو مصدره في إيراد هذا الحديث؛ ذلك لأنّ النجاشيّ - الذي ألّف كتابه بعد تأليف

ص: 246


1- يلاحظ: منتقى الجمان: 1/ 23 - 24، معالم الدين (قسم الفقه): 1/ 322.
2- يلاحظ: مشرق الشمسين: 278.
3- يلاحظ: الوافي: 1/ 31.
4- يلاحظ: الرسائل الفقهيّة (للخواجوئيّ): 1/ 88.
5- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 1/ 479.
6- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 1/ 77.
7- يلاحظ: وسائل الشيعة: 30/ 129.
8- تهذيب الأحكام: 4/ 139، ح394.
9- يلاحظ: الفهرست: 71.

الشيخ لكتاب الفهرست، وناظر إليه - لم يذكر له إلّا كتاباً واحداً جمع فيه كلام الرضا (علیه السلام) في الفرق بين الآل والأمّة، وحكى أنّه في نسخة أخرى الريّان بن شبيب لا الريّان بن الصلت(1)، والحديث أعلاه يستبعد دخوله في موضوع الكتاب المذكور.

2 - (محمّد بن يزيد الطّبريّ قال: كتب رجل من تجّار فارس إلى بعض موالي أبي الحسن الرضا (علیه السلام) يسأله الإذن في الخمس، فكتب.. فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهّدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله بما عاهد عليه، وليس المسلم من أجاب باللسان، وخالف بالقلب، والسلام)(2).

ومحمّد بن يزيد الطبريّ لم يذكر له مصنّف في كتب الفهارس أصلاً.

3 - (وفي رواية أخرى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) أنّهما قالا: المحروم: الرجل الذي ليس بعقله بأس، ولا يُبسط له في الرزق، وهو مُحارَف)(3).

فيلاحظ أنّه لم يذكر اسم الراوي هنا حتّى يمكن القول بانتزاع الحديث من كتابه.

ومثل هذا كثير في التهذيب، كما في قوله: (وروى جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنّه قال: صلّى بنا عليّ (علیه السلام) ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة)(4) فإنّه لا يحتمل أن يكون لجبار بن عبد الله الأنصاريّ كتاباً حتّى ينقل الشيخ منه.

ص: 247


1- يلاحظ: رجال النجاشيّ: 165.
2- تهذيب الأحكام: 4/ 139 - 140، ح 395.
3- تهذيب الأحكام: 4/ 108، ح313.
4- تهذيب الأحكام: 3/ 264، ح747.

4 - سيأتي من خلال البحث التعرّف على جملة من الموارد ابتدأ بها بأسماء من ذكر طريقه إليهم في المشيخة - كالحسين بن سعيد وغيره - ولكن قامت القرينة على عدم انتزاع الحديث من كتبهم.

وثانياً: بالحلّ، وهو أنّ الوجه المذكور لا تساعد عليه عبارة المشيخة؛ إذ قد تقدّم أنّ المفروض وضعها لإخراج أحاديث الكتاب عن حدّ الإرسال، وبناءً على هذا الوجه تبقى مشكلة الإرسال على حالها؛ لأنّ عدد من ابتدأ بهم في المشيخة (35) رجلاً فقط.

وأمّا الاستناد إلى قول الشيخ: (قد أوردت جملاً..) في البناء على أنّ كلّ من ابتدأ باسمه في التهذيب ولم يذكر طريقه إليه في المشيخة فإنّه قد أخذ الحديث من كتابه، وأحال في معرفة الطريق إليه إلى ما ذكره في كتاب الفهرست، فليس في محلّه؛ إذ قد أجاب عنه سيّدنا الأستاذ (دامت افاداته) بأنّ ما ذكره الشيخ (قدس سره) في خاتمة المشيخة هو إيراده جملة من الطرق إلى المصنّفات والأصول التي اعتمدها في التهذيب، وقد استوفى ذكرها في الفهرست، لا أنّه ذكر طرقه إلى بعضهم في المشيخة، وذكر طرقه إلى البقيّة في الفهرست(1).

هذا مضافاً إلى أنّه قد يفهم من العبارة المذكورة أنّه (رضوان الله علیه) أحال على الفهرست لمعرفة أسماء المصنّفات والأصول التي ذكر الطريق إلى مؤلّفيها في المشيخة وبيان ماهيّتها.

ص: 248


1- يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحجّ: 9/ 558.

وأمّا الاستناد إلى كون هذا الوجه يقتضي عدم التجوّز في قول الشيخ: (أخذنا.. إلخ) فقد أجاب عنه السيّد بحر العلوم (قدس سره)، فقال: (والمتأخّرون في كلّ زمان قرّبوا البعيد من ذلك، وسهّلوا العسير منه بالترتيب والتبويب، وضمّ المنتشر وجمع المتفرّق، ولذا ترى الشيخ والصدوق وغيرهما ينقلون أحاديث الأصول من الكتب، وأحاديث كتب القدماء من كتب المتأخّرين، مع وجود الأصول وكتب القدماء عندهم، واحتمال أخذ حديث المتقدّم من كتاب المتأخّر قائم في نقل الشيخ لهذه الأخبار وإن كان الظاهر من قوله: أخذنا الخبر من كتابه والحديث من أصله، أخذه من نفس الكتاب والأصل، فإنّه مع بعد التزام الشيخ له ينافي تصريحه بكون الواسطة طريقاً يتوصّل بها إلى رواية الحديث، وأنّه بدونها يكون مرسلاً لا مسنداً، والتجوّز في التوصّل والإسناد والإرسال ليس أولى من حمل الأخذ على المعنى الأعمّ الحاصل بنقل الغير والأخذ منه؛ فإنّ المنقول من الشيء منقول من ذلك الشيء ومأخوذ منه، وكتاب المتأخّر نسخة من المتقدّم، وبعض منه فيما اشتمل عليه من أخباره، ولا فرق إلّا بمجرّد التسمية، أو قصد الكاتب أو المكتوب له، ولا يمنع ذلك من إطلاق الأخذ منه مع القرينة الدالّة عليه، ولا أقلّ من الاحتمال الناشئ من اختلاف عبارات الشيخ)(1).

وثالثاً: أنّ هذا الوجه ليس متعيّناً لحمل عبارة المشيخة عليه، كما سيتّضح في التالي.

2 - أن يكون المراد منها بيان أنّه ابتدأ باسم صاحب الكتاب في خصوص

ص: 249


1- رجال السيّد بحر العلوم (الفوائد الرجاليّة): 4/ 79 - 80.

الأخبار والأحاديث التي لم يذكر السند فيها تامّاً وقد ذكر طريقه إليه في المشيخة؛ فإنّ ذلك مقتضى الجمع بين العبارة المذكورة آنفاً وبين طرق المشيخة المعدودة؛ لأنّ مقتضاه دخول الأحاديث التي ابتدأ بها بأسماء من لم يذكرهم في المشيخة في طرق المشيخة، فتندفع بذلك شبهة الإرسال.

ولكن يلاحظ عليه: أنّه وإن دفع به شبهة الإرسال، إلّا أنّ هناك موارد ابتدأ بها بأسماء من لم يذكرهم في المشيخة، ولكنّ الشواهد قامت على انتزاع الحديث من كتبهم، كما في الموارد التي ابتدأ بها بالعيّاشيّ، والكشّيّ، ويعقوب بن يزيد، وغيرهم، هذا مضافاً إلى ما ذكرناه سابقاً من وجود قرائن على انتزاع بعض الأحاديث التي ابتدأ بها بأسماء من ذكرهم في المشيخة ومع ذلك انتزع الحديث من كتاب المتأخّر عنه.

3 - أن يكون غرضه (رضوان الله علیه) من العبارة المزبورة بيان أنّ كلّ خبر أورده في الكتاب ممّا لم يذكر السند فيه تامّاً فإنّه قد تمّ انتزاعه من مصنّفات أصحابنا ممّن ذكر طريقه إليهم في المشيخة بشرط أن لا توجد قرينة على انتزاع الحديث من كتاب من تأخّر عنه ممّن ذكر طريقه إليه في المشيخة أيضاً، وهذا التقييد ضروريّ لوجود جملة من الموارد - سيطلع عليها القارئ الكريم - ابتدأ بها بأسماء من ذكرهم في المشيخة، ولكن تبيّن من خلال القرائن انتزاعها من كتب من تأخّر عنهم ممّن ذكرهم في المشيخة أيضاً.

ويؤيّده - بل يدلّ عليه - ظاهر تعدّد طرقه (رضوان الله علیه) في المشيخة لمصنّفٍ واحد على الرغم من قصده الاختصار في ذكر الطرق، كلّ مرّة بعد ذكره طريق إلى مصنّف متأخّر عنه، كما في مثل الطرق التي ذكرها بعبارة: (ومن جملة..) التي ذكرها مباشرةً

ص: 250

بعد ذكره الطريق إلى محمّد بن يعقوب الكلينيّ ومشايخه (رضوان الله علیهم) في أربعة طرق، ثمّ أعاد ذكرها ثانياً لبعض ما رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى بعد ذكر طريقه إلى محمّد بن عليّ بن محبوب مبيّناً أنّه رواه بطريق محمّد بن عليّ بن محبوب، وهكذا ما ذكره بعده مباشرةً بالعبارة نفسها لما رواه عن الحسين بن سعيد والحسن بن محبوب، إلى غير ذلك من الموارد.

فيفهم منه أنّ جملة ممّا ابتدأ به بالمذكورين في المشيخة قد انتزعه من كتب من تأخّر عنهم ممّن ذكروا في المشيخة أيضاً.

وهذا لا يعني أنّ كلّ ما في التهذيب من الأحاديث قد تمّ إدخالها في عبارة المشيخة، فلا وجود عندئذٍ لمشكلة الإرسال؛ لأنّ هناك موارد ابتدأ بها بأسماء لم يذكر طريقه إليها في المشيخة، ولكن قامت القرينة على أنّها انتزعت من كتب من ابتدأ بهم، كما في الأحاديث التي ابتدأها بمحمّد بن مسعود العيّاشيّ، ويعقوب بن يزيد، وعليّ ابن إسماعيل، وغيرهم، إلّا أنّه يمكن القول بأنّها قليلة، بل نادرة بالقياس إلى المذكور في المشيخة، ولا يبعد عدم اعتنائه (رضوان الله علیه) بذكر طرقه إلى الكراريس الصغيرة التي كانت تشتمل على عدد قليل من الروايات، كما نبّه على ذلك السيّد الأستاذ (دامت افاداته) (1).

وبالجملة: البحث عن مصادر الشيخ في التهذيب ذو نفع واضح.

ص: 251


1- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 2/ 292 - 294.

الطريقة المتّبعة في معرفة مصدر الانتزاع

قد اتّبعت في تحديد مصدر الشيخ لانتزاع الحديث الخطوات التالية:

1 - دراسة الموضع الذي أورد فيه الحديث، فإن وجد من خلال القرائن أنّه معلّق على ما قبله تصريحاً أو تلويحاً أمكن الاعتماد على ذلك إذا كان المعلّق عليه ممّن ذكر طريقه إليه في المشيخة، أو لم يكن ولكن كانت هناك قرائن تدلّ على رجوعه إلى كتابه.

2 - المقارنة بين ورود الحديث في التهذيب ووروده في سائر ما وصل إلينا من المصادر الحديثيّة المتقدّمة على الشيخ ممّا يقطع بكونها من مصادره في التهذيب، فإن وجد تطابق ما في التهذيب مع ما فيها - ولو من خلال اختلاف النسخ - أمكن القول بانتزاع الحديث منها.

وهذه الطريقة تنفع مع توفّر بعض الشروط:

منها: أن تدلّ القرائن على أنّ ذلك المصدر الحديثيّ كان من مصادر الشيخ عند تأليفه التهذيب.

ومنها: وجود قرائن في نفس الموضع من التهذيب تدلّ على ذلك، كإيراد الشيخ مثلاً حديثين في ذلك الموضع، وهما موجودان بنفس الصيغة في ذلك المصدر.

3 - ملاحظة سند الحديث ومقارنته مع الطرق التي أوردها الشيخ والنجاشيّ إلى بعض الكتب في الفهارس، فإن وجد تطابق - ولو من خلال علاج - بين ما في التهذيب وبين ما في الفهارس، وكان طريق رواية الشيخ لذلك الكتاب يمرّ بمن ذكر

ص: 252

طريقه إليه في المشيخة أو كان كتابه من مصادره في التهذيب، فربّما يساعد ذلك على القول بانتزاع الحديث من كتابه.

4 - ملاحظة جميع الموارد في التهذيب والتي أورد الشيخ فيها اسم ذلك الراوي بعد من ابتدأ بأسمائهم، فإن وجد أنّ جلّها قد انتزعها ممّا علم كونه من مصادره في التهذيب أمكن بملاحظة حساب الاحتمالات القول بأنّه منتزع من تلك الكتب.

هذا، وحيث إنّ متابعة أحاديث التهذيب لمعرفة مصادرها بهذه الطريقة تستدعي جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً عمدنا إلى أسلوب الانتقاء لبعض من ابتدأ الشيخ بأسمائهم، واستقصاء هذه الموارد في التهذيب، ودراستها من خلال ما تقدّم لمعرفة إن كان الشيخ قد انتزعها من كتبهم أو من كتب غيرهم.

ص: 253

الحسين بن محمّد الأشعريّ

هو الحسين بن محمّد بن عمران بن أبي بكر الأشعريّ القمّيّ.

ذكر النجاشيّ له كتاب النوادر(1)، والشيخ لم يذكره في الفهرست أصلاً، ولكن ذكر طريقه إليه في المشيخة بقوله: (وما ذكرته عن الحسين بن محمّد فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب عن الحسين بن محمّد)(2).

وظاهر هذا الطريق وإن احتمل معه كون كتابه من مصادره في التهذيب إلّا أنّ مقتضى الشواهد والقرائن أنّ كتابه لم يكن من مصادر الشيخ عند تأليف التهذيب، بل كلّ ما في التهذيب ممّا ابتدأ فيه باسمه قد انتزعه من الكافي؛ وذلك للتالي:

1 - إنّ الطريق المذكور أعلاه هو رابع الطرق التي ذكرها الشيخ بعد ذكر طريقه إلى الكلينيّ، فإنّه يأتي بعد ذكر طرقه إلى مشايخ الكلينيّ: عليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن يحيى العطّار، وأحمد بن إدريس، والشيخ (رضوان الله علیه) وإن ذكر لكلّ واحد من هؤلاء المشايخ أكثر من طريق كان الأوّل منها طريقه المارّ بالكلينيّ (رضوان الله علیه) ما يحتمل معه أنّه انتزع الأحاديث المبدوءة بهم من كتبهم، إلّا أنّ هذا الاحتمال لا يتأتّى في الحسين بن محمّد؛ وذلك لأنّه لم يُذكر له إلّا طريق واحد، هو نفس الطريق الذي ذكره للكلينيّ، وفيه إشارة إلى أنّه وإن ابتدأ به في موارد من التهذيب لكنّه انتزعها من الكافي.

2 - إنّ ظاهر تعبير النجاشيّ في ذكر طريقه لرواية كتاب النوادر للحسين بن

ص: 254


1- رجال النجاشيّ: 66، رقم 156.
2- تهذيب الأحكام (المشيخة): 36، ويلاحظ: الاستبصار (المشيخة): 312.

محمّد يفضي إلى أنّه طريق إلى عنوان الكتاب، لا لنسخة منه، حتّى يقال بوصولها إلى زمان الشيخ والنجاشيّ وانتزاع الأحاديث منها، فإنّه قال: (له كتاب النوادر أخبرناه محمّد بن محمّد، عن أبي غالب الزراريّ، عن محمّد بن يعقوب، عنه)(1)، والظاهر منه بالمقارنة مع بعضٍ آخر من عباراته في فهرست الكتب والمصنّفات عدم وصول نسخة من الكتاب إليه؛ فإنّا نجد بوضوح أنّه تارةً يفصّل في وصف الكتب، ويذكر أنّه قد وصلت نسخة منه، بل قد يصرّح بأنّه قرأ بعضها على بعض مشايخه، وتارةً يجمل كما في المقام، ومن الصنف الأوّل التالي:

أ - في سعد بن عبد الله، قال: (وصنّف سعد كتباً كثيرة، وقع إلينا منها كتب: الرحمة.. قال الحسين بن عبيد الله رحمه الله: جئت بالمنتخبات إلى أبي القاسم بن قولويه رحمه الله أقرأها عليه..)(2).

ب - في حريز بن عبد الله، قال: ( كتاب الصلاة كبير، وآخر ألطف منه، وله كتاب نوادر.. فأمّا الكبير فقرأناه على القاضي أبي الحسين محمّد بن عثمان، قال: قرأته على أبي القاسم جعفر بن محمّد بن عبيد الله الموسويّ، قال: قرأت على مؤدّبي أبي العبّاس عبيد الله بن أحمد بن نهيك.. وأخبرنا الحسين بن عبيد الله.. عن حمّاد عن حريز بالنوادر)(3).

ج - في عبيد الله بن عليّ الحلبيّ، قال: (والنسخ مختلفة الأوائل، والتفاوت فيها

ص: 255


1- رجال النجاشيّ: 66، رقم 156.
2- رجال النجاشيّ: 177 - 178.
3- رجال النجاشيّ: 145.

قريب، وقد روى هذا الكتاب خلق من أصحابنا عن عبيد الله)(1).

د - في محمّد بن إبراهيم، قال: (والنسخة المقروءة عندي..)(2).

ﻫ - في أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، قال: (يعرف من كتبه كتاب الصلاة، كتاب الوضوء، أخبرنا بهما قراءةً عليه أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد..)(3).

و - في فارس بن سليمان، قال: (صنّف كتاب مسند أبي نؤاس وجحا وأشعب وبهلول وجعيفران وما رووا من الحديث، قرأته على القاضي أبي الحسين محمّد بن عثمان بن الحسن النصيبيّ وكتبته من أصله)(4).

فإنّ هذه الموارد - وغيرها كثير - تشهد بأنّه في الموارد التي تكون النسخة موجودة في زمانه يصرّح بذلك، أو بأنّه قرأها على أحد مشايخه، وفي الموارد التي تكون من هذا القبيل يكتفي بذكر طريقه إليها، بل قد يصرّح بأنّه فهرس النسخة استناداً إلى ذكر أحد مشايخه لها، كما ذكر مثل ذلك في الحسين بن عبيد الله السعديّ، حيث إنّه بعد تفصيله لعناوين أبواب كتابه قال: (هذه أبواب الكتاب نقلتها من خطّ أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح)(5)، وهو ظاهر في عدم وقوفه على الكتاب.

ومقامنا من هذا القبيل.

ص: 256


1- رجال النجاشيّ: 231.
2- رجال النجاشيّ: 383.
3- رجال النجاشيّ: 81.
4- رجال النجاشيّ: 310.
5- رجال النجاشيّ: 44.

بل انتهاء طريق النجاشيّ - كما هو طريق الشيخ - إلى الكلينيّ يؤكّد على أنّ رواياته الواصلة منحصرة بطريق الكلينيّ إليه، ما يشير إلى الاعتماد في نقل رواياته على كتاب الكلينيّ.

3 - خلوّ كتاب الفهرست للشيخ من الإشارة إلى كون الحسين بن محمّد صاحب كتاب على الرغم من ذكره.

4 - قد روى الشيخ (رضوان الله علیه) عنه في التهذيب في (148) مورداً، كان اثنان منها قد روى عنه بتوسّط غير الكلينيّ(1) (رضوان الله علیه)، فإذا طرحنا من الباقي (17) وهي الموارد التي ابتدأ فيها باسمه، يبقى المجموع (129) مورداً كلّها قد روى فيها عنه بتوسّط الكلينيّ (رضوان الله علیه)، وهو ما يشكّل ظنّاً قويّاً بأنّ التي ابتدأ فيها باسمه كانت منتزعة من الكافي أيضاً.

5- إنّ مقتضى التتبّع في الأحاديث التي ابتدأها الشيخ باسمه - وهي (17) مورداً - يفضي بوضوح إلى أنّ مصدره في إيراد هذه الأحاديث هو كتاب الكافي؛ وذلك حسب العرض التالي:

1 - (الحسين بن محمّد، عن عبد الله بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين ابن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن يزيد بن ضمرة الليثيّ، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل يشتغل عن الزوال أيتعجّل من أوّل النهار؟ فقال: نعم، إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلّها)(2).

ص: 257


1- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 3/ 84، ح240، 4/ 303، ح917.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 268، ح 1067.

والمظنون قويّاً بمقتضى المقارنة بينه وبين ما ورد في الكافي انتزاع الحديث منه؛ وذلك لما يلي:

أ - قد أورده في الكافي، حيث قال: (الحسين بن محمّد، عن عبد الله بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن بريد(1) بن ضمرة الليثيّ، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال، أيعجّل من أوّل النّهار، فقال: نعم، إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النّهار كلّها)(2).

والكافي من مصادر الشيخ في التهذيب، فإنّ طريقه إلى محمّد بن يعقوب الكلينيّ أوّل طرق المشيخة في التهذيب والاستبصار(3)، وقد ابتدأ باسمه في موارد كثيرة جدّاً.

ب - الحديث الذي بعده مباشرةً أورده في التهذيب بقوله: (عليّ بن محمّد، عن أبيه رفعه، قال رجل لأبي عبد الله (علیه السلام): إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان، قال: نعم، إنّ إبليس اتّخذ عرشاً بين السماء والأرض، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس، قال إبليس لشياطينه: إنّ بني آدم يصلّون لي)(4)، وقد أورده في موضع

ص: 258


1- في الكافي (ط - دار الحديث): 6/ 551 وجود نسختين من الكافي فيها: (يزيد)، وهو المطابق لما في استقصاء الاعتبار: 4/ 425، والوافي: 7/ 327، فيكون (بريد) مصحّف (يزيد).
2- الكافي (ط - دار الكتب الإسلاميّة): 3/ 450 - 451، ح1، وعلى هذ ه الطبعة سيتمّ الاعتماد في جميع التخريجات التالية لكتاب الكافي إلّا ما صُرّح فيه بالنقل عن طبعة دار الحديث.
3- يلاحظ: تهذيب الأحكام (المشيخة): 5، الاستبصار (المشيخة): 305.
4- تهذيب الأحكام: 2/ 268، ح 1068.

من الكافي، ولكن بصورة: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه رفعه، قال: قال رجل لأبي عبد الله (علیه السلام) الحديث الذي روي عن أبي جعفر (علیه السلام) أنّ الشّمس تطلع بين قرني الشيطان، قال: نعم، إنّ إبليس..)(1).

وما في الكافي يختلف عن ما في التهذيب:

أوّلاً: السند في التهذيب: عليّ بن محمّد، عن أبيه رفعه، وفي الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه رفعه.

ثانياً: في الكافي وجود عبارة: (قال رجل لأبي عبد الله (علیه السلام) الحديث الذي روي عن أبي جعفر (علیه السلام))، وعدم وجودها في التهذيب.

ومن المحتمل أن يكون كلا الاختلافين لاختلاف نسخة الشيخ من الكافي عن ما وصلنا منه، ويحتمل فيما يخصّ الاختلاف الأوّل أن يكون من سهو قلم الشيخ (رضوان الله علیه)، فإنّه حينما أراد انتزاع الحديث من الكافي وقعت عينه على الحديث الذي بعده مباشرةً الذي ابتدأه الكلينيّ (رضوان الله علیه) بقوله: (عليّ بن محمّد عن سهل بن زياد)(2).

ج - الحديث الذي بعد الحديث في (ب) مباشرةً: (سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى دخل وقت العصر، قال: يبدأ بالمكتوبة، وكذلك الصلوات، وتبدأ بالتي نسيت، إلّا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها، ثمّ تقضي التي نسيت). وهو موجود في الكافي بالصورة التالية: (عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن

ص: 259


1- الكافي: 3/ 290، ح8.
2- الكافي: 3/ 292، ح2.

سنان... قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى دخل وقت العصر، قال: يبدأ بالظهر، وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت، إلّا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها، ثمّ تصلّي(1) التي نسيت)(2)، ولا يضرّ في ترجيح انتزاع الشيخ هذا الحديث من الكافي عدم ابتدائه بعليّ بن محمّد شيخ الكلينيّ؛ فإنّ المعلوم من طريقة الشيخ إسقاط بعض الوسائط من الأسانيد، كما ذكر ذلك المحقّق السبزواريّ(3)، والسيّد بحر العلوم(4).

ويؤكّد ذلك أنّه (رضوان الله علیه) قد أورده في موضع سابق من التهذيب، وكذا في الاستبصار مبتدِئاً بمحمّد بن يعقوب راوياً عن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد إلى آخر السند(5)، والمتن هو هو.

2 - (الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإن ذكرها

ص: 260


1- في الكافي (ط - دار الحديث): 6/ 84 الهامش (9) وجود نسختين من الكافي فيها: (تقضي) بدل (تصلّي)، وهكذا في الوافي والوسائل عن الكافي، يلاحظ: الوافي: 8/ 13، وسائل الشيعة: 4/ 290، فالفرق بين التهذيب والكافي في هذه الكلمة نتيجة لاختلاف النسخ.
2- الكافي: 3/ 292، ح2.
3- يلاحظ: ذخيرة المعاد: 2/ 280.
4- يلاحظ: رجال السيّد بحر العلوم: 3/ 30.
5- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 2/ 172، ح684، الاستبصار: 1/ 287، ح1050.

وهو في صلاة بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها وهو مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة، ثمّ صلّى المغرب، ثمّ صلّى العتمة بعد، فإن كان صلّى العتمة وحده، فصلّى منها ركعتين، ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة، فتكون صلاة المغرب ثلاث ركعات، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك)(1).

والمظنون قويّاً انتزاع الحديث من الكافي؛ وذلك لأمور:

أ - قد جاء في الكافي بالصورة التالية: (الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل نسي صلاةً.. فقال: إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة، ثمّ صلّى المغرب، ثمّ صلّى العتمة بعدها، وإن كان صلّى العتمة وحده، فصلّى منها ركعتين، ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة..)(2).

ب - قد أورد الشيخ الحديث الذي بعده مباشرةً بالصورة التالية: (عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل أمّ قوماً في العصر، فذكر وهو يصلّي أنّه لم يكن صلّى الأولى، قال: فليجعلها الأولى التي فاتته، ويستأنف بعد صلاة العصر، وقد قضى القوم صلاتهم)(3)، وقد أتى بنفس السند والمتن في الكافي ولم يفصل بينه وبين حديث الكافي في الفقرة (أ) إلّا

ص: 261


1- تهذيب الأحكام: 2/ 269، ح1071.
2- الكافي: 3/ 293، ح5.
3- تهذيب الأحكام: 2/ 269، ح1072.

بحديث واحد، هو نفس الحديث في الفقرة التالية(1).

ج - أورد الشيخ حديثاً آخر بعد الحديث في الفقرة (ب) بالصورة التالية: (محمّد ابن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، عن أبي الحسن (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس، وقد كان صلّى العصر، فقال: كان أبو جعفر (علیه السلام) أو كان أبي (علیه السلام) يقول: إذا أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، وإلّا صلّى المغرب، ثمّ صلّاها)(2)، وقد جاء في الكافي بالصورة التالية: (محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن (علیه السلام)..)(3).

وبهذا يتبيّن الخدش في ما يلوح من المحقّق السبزواريّ (قدس سره) في الذخيرة من عدّ رواية الشيخ للحديث مصدراً مستقلَّاً في مقابل رواية الكلينيّ له، حيث قال: (ومنها رواه الشيخ والكلينيّ بإسناد ضعيف بعليّ بن محمّد، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (علیه السلام))(4)، فإنّ مقتضى التتبّع لجملة من الأحاديث التي ابتدأها الشيخ بمحمّد بن يعقوب الكلينيّ قد ذكرها في الذخيرة بقوله: (وروى الكلينيّ والشيخ) ونحوها على الرغم من وضوح انتزاع الشيخ لهذه الأحاديث من الكافي(5).

3 - (الحسين بن محمّد، عن معلّى، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن سعيد بيّاع

ص: 262


1- يلاحظ: الكافي: 3/ 294، ح7.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 269، ح1073.
3- الكافي: 3/ 293 - 294، ح6.
4- يلاحظ: ذخيرة المعاد: 2/ 212.
5- يلاحظ: ذخيرة المعاد: 2/ 268، 275، 287.

السابريّ، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال: بخ بخ ولو مثل رأس الذباب)(1).

مقتضى القرائن الحافّة انتزاع الحديث من الكافي؛ وذلك بلحاظ التالي:

أ - أورد الشيخ هذا الحديث في باب كيفيّة الصلاة وصفتها والمفروض من ذلك والمسنون، والملاحظ أنّ الحديث رقم (1) في هذا الباب أورده بالصورة التالية: (محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: كان عليّ بن الحسين (علیه السلام) إذا قام في الصلاة تغيّر لونه، فإذا سجد لم يرفع رأسه، حتّى يَرْفَضَّ عرقاً)، وهو موجود تحت الرقم (5) من باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبث في الكافي بالصورة التالية: (محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (علیه السلام).. إلخ)(2).

ب - الحديث ذو الرقم (2) من نفس الباب أورده الشيخ بالصورة التالية: (عليّ ابن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة لتفسد صلاتك، فإنّ الله تعالى قال لنبيّه في الفريضة: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ واخشع بصرك، ولا ترفعه إلى السماء، وليكن حذاء وجهك في

ص: 263


1- تهذيب الأحكام: 2/ 287، ح1148.
2- الكافي: 3/ 300.

موضع سجودك)(1)، وقد أورده في الكافي في نفس الباب تحت الرقم (6) بالصورة التالية: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام).. إلخ)(2).

على أنّ الشيخ أورد هذا الحديث في موضع سابق وسنده: (محمّد بن يعقوب..)(3).

ج - الحديث ذو الرقم (3) الذي أورده الشيخ في الباب أعلاه صورته: (أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): ينبغي لمن قرأ القرآن إذا مرّ بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو، ويسأل العافية من النار ومن العذاب)(4)، وهو موجود تحت الرقم (1) من باب البكاء والدعاء في الصلاة في الكافي الذي يأتي مباشرةً بعد باب الخشوع في الصلاة وكراهيّة العبث، وصورته: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): ينبغي لمن يقرأ القرآن إذا مرّ بآية..)(5)، وقد مرّت الإشارة إلى جريان عادة الشيخ (رضوان الله علیه) على إسقاط العدّة أو بعضها من سند الكافي.

ص: 264


1- تهذيب الأحكام: 2/ 286، ح1146.
2- الكافي: 3/ 300 - 301، ح6.
3- تهذيب الأحكام: 2/ 199، ح782.
4- تهذيب الأحكام: 2/ 286، ح1146.
5- الكافي: 3/ 301، ح1.

د - الحديث الذي أورده الشيخ تحت رقم (4) في الباب المذكور آنفاً هو محلّ الكلام، وهو موجود تحت الرقم (2) من باب البكاء والدعاء في الصلاة في الكافي وصورته: (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن سعيد بيّاع السابريّ، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال: بخ بخ ولو مثل رأس الذباب).

هذا مضافاً إلى أنّ الشيخ (رضوان الله علیه) قد أورده في الاستبصار مبتدِئاً بمحمّد بن يعقوب راوياً عن الحسين بن محمّد إلى آخر السند(1).

والحاصل أنّ الراجح بملاحظة ما ذكر كون مصدر الشيخ في هذا الحديث هو الكافي.

4 - (الحسين بن محمّد، عن عبد الله بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين بن عثمان، عن عمرو بن أبي نصر، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): الرجل يقوم في الصلاة، فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، فقال يرجع من كلّ سورة إلّا من ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾)(2).

والظاهر أنّ الشيخ (رضوان الله علیه) قد أخذ الحديث من الكافي بشهادة:

أ - أورده في الكافي تحت الرقم: (25) من الأحاديث التي أوردها في باب قراءة

ص: 265


1- يلاحظ: الاستبصار: 1/ 407، ح1557.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 290، ح1166.

القرآن بالصورة التي في التهذيب(1).

ب - أورد الشيخ الحديث السابق عليه بالصورة التالية: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: في الرجل يصلّي في موضع، ثمّ يريد أن يتقدّم، قال: يكفّ عن القراءة في مشيه حتّى يتقدّم إلى الموضع الذي يريد، ثمّ يقرأ)(2)، وهو موجود في الكافي تحت الرقم: (24) من الباب المذكور بالصورة التي في التهذيب(3).

ج - أورد الشيخ (رضوان الله علیه) الحديث محلّ الكلام في موضع سابق بالصورة التالية: (محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن عبد الله بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين بن عثمان، عن عمرو بن أبي نصر، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): الرجل..)(4).

5 - (الحسين بن محمّد، عن عبد الله بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الرجل يأخذه الرعاف والقيء في الصلاة، كيف يصنع؟ قال: ينفتل فيغسل أنفه، ويعود في صلاته، وإن تكلّم فليعد صلاته، وليس عليه وضوء)(5).

ص: 266


1- يلاحظ: الكافي: 3/ 317، ح25.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 290، ح1165.
3- يلاحظ: الكافي: 3/ 316، ح24.
4- تهذيب الأحكام: 2/ 190، ح752.
5- تهذيب الأحكام: 2/ 323 - 324، ح1323.

الظاهر أنّه منتزع من الكافي بلحاظ التالي:

أ - أورد الشيخ (رضوان الله علیه) قبله حديثاً بالصورة التالية: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل أيقطع صلاته شيء ممّا يمرّ به بين يديه، فقال: لا يقطع صلاة المسلم شيء، ولكن ادرأ ما استطعت، قال: وسألته عن رجل رعف، ولم يرق رعافه حتّى دخل وقت الصلاة، قال: يحشو أنفه بشيء، ثمّ يصلّي، ولا يطيل إن خشي أن يسبقه الدم، قال: وقال: إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً، وإن كنت قد تشهّدت فلا تعد)(1)، وهو في الكافي عاشر الأحاديث التي أوردها في باب ما يقطع الصلاة من الضحك والحدث والإشارة والنسيان وغير ذلك بالصورة التي في التهذيب(2).

ب - الحديث محلّ الكلام أورده الكلينيّ (رضوان الله علیه) تاسع الأحاديث في الباب المذكور بالصورة التي في التهذيب(3).

ج - أورد الشيخ (رضوان الله علیه) بعد الحديث محلّ الكلام حديثاً بالصورة التالية: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زرارة، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: القهقهة لا تنقض الوضوء، ولكن تنقض الصلاة)(4)، وهو موجود في الكافي

ص: 267


1- تهذيب الأحكام: 2/ 323 - 324، ح1322.
2- يلاحظ: الكافي: 3/ 365 - 366، ح10.
3- يلاحظ: الكافي: 3/ 365، ح9.
4- تهذيب الأحكام: 2/ 324، ح1324.

سادس الأحاديث في الباب المذكور بالصورة التي في التهذيب(1).

د - أورد الشيخ (رضوان الله علیه) حديثاً بعد الحديث المذكور في الفقرة (ج) مباشرةً، بالصورة التالية: (الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن أخيه(2)، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة، وأمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة)(3)، وهو موجود في الكافي أوّل الأحاديث في الباب المذكور: (جماعة، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة، وأمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة)(4)، ومقتضى قرب المأخذ وسهولته مرجّح لكون مصدره فيه الكافي وإن ابتدأه بالحسين بن سعيد.

وإذا صحّ ما رجّحناه يلتفت إلى اختصار الشيخ (رضوان الله علیه) للسند، وكيف أسقط واسطتين من سند الكافي، وابتدأ بالحسين بن سعيد، ومثل هذا الاختصار متعارف عند الشيخ، وهو ما سيظهر للقارئ الكريم في موارد كثيرة ممّا يأتي.

ص: 268


1- يلاحظ: الكافي: 3/ 364، ح6.
2- كذا ورد في المطبوع من التهذيب، ولكنّ الصحيح: عن أخيه الحسن..؛ فإنّ الشيخ ذكر في عقب طريقه إلى الحسين بن سعيد: (وما ذكرته عن الحسين بن سعيد عن الحسن عن زرعة عن سماعة.. فقد رويته بهذه الأسانيد عن الحسين بن سعيد عنهم) وهذا الطريق هو المذكور في السند أعلاه، هذا مضافاً إلى أنّ الموجود في الوافي: 8/ 891، والوسائل: 7/ 250 نقلاً عن التهذيب موافق للكافي.
3- تهذيب الأحكام: 2/ 324، ح1325.
4- الكافي: 3/ 364، ح1.

والملاحظ أنّ الشيخ قد أورد في هذا الموضع من التهذيب تسعة أحاديث: أربعة أحاديث منها هي التي ذكرناها في الفقرات السابقة، وخمسة أحاديث أخر من خلال سندها يعرف الممارس أنّها من أسانيد الكافي، وهي موجودة في الكافي في الباب المشار إليه.

ﻫ - أورد الحديث محلّ الكلام في موضع سابق بالصورة التالية: (سعد بن عبد الله، عن موسى بن الحسن، عن السنديّ بن محمّد، عن العلاء بن رزين، عن محمّد ابن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يأخذه الرعاف أو القيء في الصلاة، كيف يصنع؟ قال: ينفتل فيغسل أنفه، ويعود في الصلاة، فإن تكلّم فليعد الصلاة)(1)، وهذا يعني أنّ الزيادة الموجودة في الحديث محلّ الكلام، وهي قوله: (وليس عليه وضوء) غير موجودة في كتاب سعد، ولكنّها موجودة في الكافي، وهذا ما يؤيّد انتزاع الحديث من الكافي.

6 - (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن عبد الله الواسطيّ، عن قاسم الصيقل، قال: كتبت إلى الرضا (علیه السلام): إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة، فتصيب ثيابي أفأصلّي فيها؟ فكتب إليّ: اتّخذ ثوباً لصلاتك، فكتبت إلى أبي جعفر (علیه السلام): كنت كتبت إلى أبيك (علیه السلام) بكذا وكذا فصعّب عليّ ذلك، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشيّة الذكيّة، فكتب إليّ: كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله فإن كان ممّا تعمل وحشيّاً ذكيّاً فلا بأس)(2).

ص: 269


1- تهذيب الأحكام: 2/ 318 - 319، ح1302.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 358، ح1483.

الظاهر أنّ مصدر الشيخ في هذا الحديث هو الكافي؛ للشواهد التالية:

أ - وجود الحديث تحت الرقم: (16) من الأحاديث التي أوردها في الكافي في باب الرجل يصلّي في الثوب وهو غير طاهر عالماً أو جاهلاً، بالصورة التالية: (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن عبد الله الواسطيّ، عن قاسم الصيقل، قال: كتبت إلى الرضا (علیه السلام): إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة، فتصيب ثيابي أفأصلّي فيها؟ فكتب إليّ: اتّخذ ثوباً لصلاتك، فكتبت إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام): كنت كتبت إلى أبيك (علیه السلام) بكذا وكذا، فصعّب عليّ ذلك، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشيّة الذكيّة، فكتب (علیه السلام) إليّ: كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله، فإن كان ما تعمل وحشيّاً ذكيّاً فلا بأس)(1).

ب - أورد الشيخ بعده مباشرةً الحديث التالي: (محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يتقيّأ في ثوبه، أيجوز أن يصلّي فيه ولا يغسله؟ قال: لا بأس)(2)، وهو في الكافي تحت الرقم: (13) من الباب المذكور أيضاً بالصورة التالية: (أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن بن عليّ، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يتقيّأ في ثوبه يجوز أن يصلّي فيه ولا يغسله، قال: لا بأس به)(3)، ولا يضرّ عدم ابتداء الشيخ في

ص: 270


1- الكافي: 3/ 407 - 408، ح16.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 358، ح1484.
3- الكافي: 3/ 406 - 407، ح13.

نقل الحديث بأحمد بن إدريس؛ فقد سبقت الإشارة إلى أنّ الشيخ (رضوان الله علیه) كثيراً ما يختصر سند الكافي، فيسقط العدّة أو أحدها.

ج - الحديث الذي يلي السابق مباشرةً قد أورده الشيخ بالصورة التالية: (سهل ابن زياد، عن خيران الخادم، قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير، أيصلّى فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه فإنّ الله إنّما حرّم شربها، وقال بعضهم: لا تصلّ فيه، فكتب (علیه السلام): لا تصلّ فيه، فإنّه رجس)(1)، وقد أورده في الكافي خامس الأحاديث في الباب المذكور(2).

د - قد أورد الشيخ الحديث محلّ الكلام في موضعٍ سابق من التهذيب والاستبصار بالسند التالي: (محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن خيران الخادم..)(3).

وممّا تجدر الإشارة إليه في ذيل هذه النقطة أنّ الشيخ (رضوان الله علیه) لمّا كان غرضه الاستدلال في الموضع المشار إليه من التهذيب لقول الشيخ المفيد (رضوان الله علیه): (والخمر ونبيذ التمر وكلّ شراب مسكر نجس إذا أصاب ثوب الإنسان شيء منه قلّ ذلك أم كثر، لم يجز فيه الصلاة حتّى يغسل بالماء) اقتطع عند انتزاعه الحديث من الكافي ما يوافق غرضه وترك الباقي؛ لأنّ الحديث في الكافي ورد بالصورة التالية: (عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن خيران الخادم، قال: كتبت إلى الرجل (صلوات الله عليه) أسأله

ص: 271


1- تهذيب الأحكام: 2/ 358، ح1485.
2- يلاحظ: الكافي: 3/ 405، ح5.
3- تهذيب الأحكام: 1/ 279، ح819، الاستبصار: 1/ 189، ح662.

عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه، فإنّ الله إنّما حرّم شربها، وقال بعضهم: لا تصلّ فيه، فكتب (علیه السلام): لا تصلّ فيه، فإنّه رجس، قال: وسألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجرّي أو يشرب الخمر، فيردّه أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: لا يصلّ فيه حتّى يغسله)(1). وما ينفع غرض الشيخ في الموضع المشار إليه هو المقطع الذي ينتهي إلى قوله (علیه السلام): (لا تصلّ فيه فإنّه رجس) فإنّ فيه موضع الاستدلال لقول الشيخ المفيد (رضوان الله علیه)، على أنّه (رضوان الله علیه) لم ينقل تمام المقطع المذكور، بل ترك قول السائل: (فقال بعضهم صلّ فيه فإنّ الله إنّما حرّم شربها، وقال بعضهم لا تصلّ فيه)؛ لعدم الغرض فيه وإن نقل هذا الموضع في الحديث الذي هو محلّ كلامنا.

هذا كلّه بناءً على صحّة نسخة الكافي المطبوع.

وأمّا بناءً على ما ورد في الكافي طبعة دار الحديث من وجود نسخة من الكافي تطابق التهذيب فلا يكون للكلام السابق مورد، إلّا فيما يخصّ عدم نقل الشيخ قول السائل - الذي تقدّمت الإشارة إليه - بتمامه(2).

والحاصل أنّ الشيخ (رضوان الله علیه) ربّما تصرّف في بعض المواضع بعدم نقل تمام الحديث من المصدر الذي انتزعه منه، ومثل ذلك لا يؤثّر على الاعتقاد بكون ذلك الكتاب هو مصدره في نقل الحديث.

7 - (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن عمرو بن

ص: 272


1- الكافي: 3/ 405، ح5.
2- يلاحظ: الكافي (ط - دار الحديث): 6/ 421.

خالد، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: قال جبرئيل (علیه السلام): يا رسول الله، إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان، ولا بيتاً يبال فيه، ولا بيتاً فيه كلب)(1).

وظاهر الشيخ (رضوان الله علیه) أنّ مصدره في إيراد هذا الحديث هو كتاب الكافي أيضاً؛ للشواهد التالية:

أ - وجود الحديث تحت الرقم: (26) من الأحاديث التي أوردها في الكافي من باب الصلاة في الكعبة وفوقها وفي البِيع والكنائس والمواضع التي تكره الصلاة فيها، وسنده: (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبان، عن عمرو بن خالد، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: قال جبرئيل (علیه السلام): يا رسول الله، إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان، ولا بيتاً يبال فيه، ولا بيتاً فيه كلب)(2)، علماً أنّ الكلينيّ (رضوان الله علیه) أورد نفس الحديث من دون زيادة ولا نقصان في موضع آخر من الكافي بالصورة التالية: (حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن عمرو بن خالد، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: قال جبرئيل (علیه السلام): يا رسول الله، إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان، ولا بيتاً يبال فيه، ولا بيتاً فيه كلب)(3)، ولعلّ لإبهام بعض الوسائط فيه لم ينقل الشيخ الحديث من هذا الطريق.

ب - قد أورد الشيخ (رضوان الله علیه) هذا الحديث ضمن مجموعة أحاديث كلّها موجودة في الكافي بنفس السند والمتن كالآتي:

ص: 273


1- تهذيب الأحكام: 2/ 377، ح1569.
2- الكافي: 3/ 393، ح26.
3- الكافي: 6/ 528، ح12.

أوّلاً: في التهذيب الحديث ذي الرقم: 89 من باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس.. ورد بالصورة التالية: (عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يخوض الماء، فتدركه الصلاة، فقال: إن كان في حرب فإنّه يجزيه الإيماء، وإن كان تاجراً فليقم ولا يدخله حتّى يصلّي)(1)، وهو موجود في الكافي تحت الرقم: (5) من الباب المذكور بالصورة التالية: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلّ فيها، ولا تصلّ في أعطان الإبل إلّا أن تخاف على متاعك الضيعة، فاكنسه ورشّه بالماء وصلّ فيه. وسألته عن الصلاة في ظهر الطريق، فقال: لا بأس أن تصلّي في الظواهر التي بين الجوادّ، فأمّا على الجوادّ، فلا تصلّ فيها، قال: وكره الصلاة في السبخة إلّا أن يكون مكاناً ليّناً تقع عليه الجبهة مستويةً. قال: وسألته عن الصلاة في البيعة، فقال: إذا استقبلت القبلة فلا بأس به. قال: ورأيته في المنازل التي في طريق مكّة يرشّ أحياناً موضع جبهته، ثمّ يسجد عليه رطباً كما هو، وربّما لم يرشّ الذي يرى أنّه طيّب. قال: وسألته عن الرجل يخوض الماء فتدركه الصّلاة، فقال: إن كان في حرب فإنّه يجزئه الإيماء، وإن كان تاجراً فليقم، ولا يدخله حتّى يصلّي)(2)، فيلاحظ أنّ الشيخ قد اقتطع من الحديث ما يوافق غرضه، وأورد الباقي في نفس الباب(3) تحت الرقم: 73

ص: 274


1- تهذيب الأحكام: 2/ 375، ح1557.
2- يلاحظ: الكافي: 3/ 388 - 389، ح5.
3- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 2/ 220، ح865.

مبدوءاً ب-(عنه) والضمير يعود على محمّد بن يعقوب الذي ابتدأ به الحديث السابق عليه إلى آخر السند السابق.

ثانياً: الحديث ذو الرقم: 90 ورد بالصورة التالية: (أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن (علیه السلام): إنّا كنّا في البيداء في آخر الليل، فتوضّأت واستكت وأنا أهمّ بالصلاة، ثمّ كأنّه دخل قلبي شيء، فهل يصلّى في البيداء في المحمل؟ فقال: لا تصلّ في البيداء، قلت: وأين حدّ البيداء؟ فقال: كان أبو جعفر (علیه السلام) إذا بلغ ذات الجيش جدّ في المسير، ولا يصلّي حتّى يأتي مُعرَّس النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم)، قلت له: وأين ذات الجيش؟ فقال: دون الحفيرة بثلاثة أميال)(1)، وهو موجود في الكافي بنفس المتن تحت الرقم: (7) من ذات الباب المذكور، وسنده: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن (علیه السلام))(2)، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ الشيخ عادةً ما يختصر في سند الكافي فيسقط العدّة أو أحدها.

ثالثاً: الحديث ذو الرقم: 91 أورده بالصورة التالية: (محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أيّوب بن نوح، عن أبي الحسن الأخير (علیه السلام)، قال: قلت له: تحضر الصلاة والرجل بالبيداء، قال: يتنحّى عن الجوادّ يمنةً ويسرةً ويصلّي)(3)، وهو موجود في الكافي بنفس المتن تحت الرقم: (9) من الباب المذكور، وسنده: (محمّد بن يحيى وغيره، عن محمّد بن أحمد، عن أيّوب بن نوح، عن أبي الحسن الأخير (علیه السلام))(4).

ص: 275


1- تهذيب الأحكام: 2/ 375، ح1558.
2- الكافي: 3/ 389.
3- تهذيب الأحكام: 2/ 375، ح1559.
4- الكافي: 3/ 389.

والاختلاف بين هذا الإسناد وإسناد الشيخ - في كون ابتداء السند في الكافي ب-(محمّد بن يحيى وغيره) بخلاف ابتداء السند في التهذيب فإنّه ب-(محمّد بن أحمد بن يحيى) - ليس بمهمّ بعد ما ذكرنا من أنّ عادة الشيخ جرت باختصار بداية سند الكافي، إلّا أنّ المهمّ هو أنّ ابتداء الشيخ كان ب-(محمّد بن أحمد بن يحيى)، في حين أنّ ما في الكافي هو (محمّد بن أحمد)، وقد يقال باختلافهما، فلا يكون هذا الحديث منتزعاً من الكافي، هذا مضافاً إلى أنّ كتاب محمّد بن أحمد بن يحيى من مصادر الشيخ في التهذيب، يظهر ذلك من ابتدائه باسمه في موارد كثيرة من التهذيب، وقد ذكر طريقه إليه في المشيخة.

ولكن في الوافي والوسائل نقلاً عن التهذيب: (محمّد بن أحمد)(1)، ومعه يكون الأمر في هذا الاختلاف من قبيل اختلاف النسخ، وهو لا يضرّ في المهمّ من كون مصدر الشيخ في الحديث كتاب الكافي.

رابعاً: الحديث ذو الرقم: 92 أورده كالتالي: (عليّ بن مهزيار، عن فضالة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق: البيداء، وهي ذات الجيش، وذات الصلاصل، وضجنان، وقال: لا بأس بأن يصلّى بين الظواهر، وهي الجوادّ جوادّ الطرق، ويكره أن يصلّى في الجوادّ)(2).

وهو موجود في الكافي بنفس المتن تحت الرقم: (10) في الباب المذكور، وسنده: (الحسين بن محمّد، عن عبد الله بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة بن

ص: 276


1- يلاحظ: الوافي: 7/ 468، وسائل الشيعة: 5/ 156.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 375، ح1560.

أيّوب، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام))(1).

فبناءً على انتزاع الحديث من الكافي يلاحظ كيف اختصر الشيخ سند الكافي فحذف واسطتين منه وابتدأ بعليّ بن مهزيار مباشرةً ما قد يحتمل معه أنّه انتزع الحديث من كتاب عليّ بن مهزيار، فهو ممّن ذكر طريقه إليه في المشيخة، وكتابه من مصادره في التهذيب؛ لابتدائه باسمه في موارد عديدة، ولكن مقتضى قرينة المقام يرجح انتزاع الحديث من الكافي.

خامساً: الحديث ذو الرقم: 93: (أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: لا تصلّ في وادي الشقرة)(2). وهو موجود في الكافي بنفس المتن في الباب المذكور تحت الرقم: (11) وسنده: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام))(3).

سادساً: الحديث ذو الرقم: 94: (محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو ابن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ قال: إذا غرق الجبهة ولم تثبت على الأرض)(4). وهذا الحديث موجود في الكافي في الباب المذكور تحت الرقم: (13) وصورته: (محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن بن عليّ، عن

ص: 277


1- الكافي: 3/ 389 - 390.
2- تهذيب الأحكام:2/ 375، ح1561.
3- الكافي: 3/ 390.
4- تهذيب الأحكام: 2/ 376، ح1562.

عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد فيه ما هو؟ قال: إذا غرق الجبهة ولم تثبت على الأرض، وعن الرجل يصلّي بين القبور، قال: لا يجوز ذلك إلّا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره، ثمّ يصلّي إن شاء)(1).

فيلاحظ كيف اقتطع الشيخ (رضوان الله علیه) هذا المقدار من حديث الكافي وأورده هنا، وأورد الباقي منه في الباب نفسه من التهذيب بالصورة التالية: (محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن بن عليّ، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يصلّي بين القبور، قال: لا يجوز ذلك..)(2).

سابعاً: الحديث ذو الرقم: 95: (سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): أقوم في الصلاة فأرى قدّامي في القبلة العذرة، قال: تنحّ عنها ما استطعت، ولا تصلّ على الجوادّ)(3).

وهو موجود في الكافي بنفس المتن في الباب المذكور تحت الرقم: (17)، وسنده: (محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد)(4) إلى آخر السند الموجود في

ص: 278


1- الكافي: 3/ 390.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 227 - 228، ح896.
3- تهذيب الأحكام: 2/ 376، ح1563.
4- الكافي: 3/ 391.

التهذيب. علماً أنّ الشيخ (رضوان الله علیه) قد أورده في موضع سابق بالصورة التالية: (محمّد بن يعقوب عن محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): أقوم في الصلاة..)(1).

ثامناً: الحديث ذو الرقم: 96: (الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (علیه السلام)، قال: لا تصلّ المكتوبة في الكعبة)(2)، وهو موجود في الباب نفسه من الكافي تحت الرقم: (18) بنفس المتن، وسنده: (جماعة، عن أحمد ابن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام))(3)، واختصار سند الكافي بحذف مشايخ الكلينيّ ومشايخهم ممّا جرت به عادة الشيخ (رضوان الله علیه).

وهذا الحديث مضافاً إلى الأحاديث السابقة عليه من الشواهد والمؤيّدات على أنّ الشيخ ليس كلّما ابتدأ باسم راو ذكر طريقه إليه في المشيخة يكون قد انتزع الحديث من كتابه - وهو الوجه الثالث الذي ذكرناه سابقاً لتفسير عبارة المشيخة -؛ إذ مع قيام القرينة على انتزاع الحديث من غير كتابه فالمعوّل عليها، فالحسين بن سعيد ممّن ذكر مكرّراً في المشيخة، وقد ابتدأ باسمه في موارد كثيرة من التهذيب يقطع بأنّها منتزعة من كتبه، ولكن مع ذلك قرينة المقام ترجّح انتزاع الحديث من الكافي.

ص: 279


1- تهذيب الأحكام: 2/ 226، ح893.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 376، ح1564.
3- الكافي: 3/ 391.

إن قيل: إنّ الشيخ (رضوان الله علیه) أورد الحديث المذكور في (ثامناً) في موضع من التهذيب والاستبصار بالصورة التالية: (الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: لا تصلّى المكتوبة في الكعبة، فإنّ النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يدخل الكعبة في حجّ ولا عمرة، ولكنّه دخلها في الفتح فتح مكّة، وصلّى ركعتين بين العمودين، ومعه أسامة بن زيد)(1)، وظاهره في ذلك المقام انتزاع الحديث من كتب الحسين بن سعيد؛ إذ لم يرد مثله في الكافي حتّى يمكن القول بانتزاعه من الكافي، وممّا يؤيّد انتزاعه من كتب الحسين بن سعيد ملاحظة ما ذكره في الاستبصار من سند للحديث، حيث قال: (أخبرني أبو الحسين بن أبي جيد القمّيّ، عن محمّد بن الحسن ابن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد..)، وهذا هو الطريق الثاني من الطرق المذكورة في المشيخة للحسين بن سعيد، وحيث إنّه (رضوان الله علیه) قد ابتدأ هنا باسم الحسين بن سعيد فلِم لا يكون قد انتزع الحديث من كتبه لا من الكافي؟

قلت: لا يصحّ البناء على انتزاع الحديث في المقام من كتب الحسين بن سعيد؛ لاختلاف السند، حيث إنّ السند في المقام: (الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (علیه السلام))، وفي الموضع المشار إليه في التهذيب والاستبصار: (الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام))، بل وكذلك المتن، فإنّ الشيخ وإن اقتصر في بعض الموارد على ذكر بعض الحديث

ص: 280


1- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 5/ 279، ح953، الاستبصار: 1/ 298، ح1101.

المنقول من الكافي، كما مرّت الإشارة إليه، ولكن ليس الأمر كذلك في المقام، فإنّ متن الحديث المنقول في التهذيب هو نفس المتن المنقول في الكافي من دون زيادة ولا نقيصة، وهذا بخلاف الموضع المشار إليه من التهذيب والاستبصار ففيه زيادة: (فإنّ النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يدخل الكعبة في حجّ ولا عمرة، ولكنّه دخلها في الفتح فتح مكّة، وصلّى ركعتين بين العمودين، ومعه أسامة بن زيد)، وهي لم ترد في المطبوع من الكافي والتهذيب في المقام.

على أنّ ملاحظة ما أورده الشيخ في المورد المشار إليه من التهذيب، وهو باب دخول الكعبة، ومقارنته مع ما أورده الكلينيّ في باب دخول الكعبة من الكافي يجد بوضوح أنّ الشيخ عند كتابته لهذا الباب قد كان يراجع الكافي تارةً، وكتاب الحسين ابن سعيد أخرى، وهذا ما يحتاج إلى بيان، فأقول:

قد أورد الكلينيّ (رضوان الله علیه) في الباب المذكور (11) حديثاً، وأمّا الشيخ (رضوان الله علیه) فأورد فيه (14) حديثاً، وتفصيلها كالتالي:

أوّلاً: الحديث الأوّل أورده الشيخ كالتالي: (محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عمرو بن عثمان، عن عليّ بن خالد، عمّن حدّثه، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: كان يقول: الداخل الكعبة يدخل والله راض عنه، ويخرج عطلاً من الذنوب)(1)، وهو الحديث الأوّل الذي أورده الكلينيّ في باب دخول الكعبة، وصورته نفس الصورة التي هو عليها في التهذيب سنداً ومتناً(2).

ص: 281


1- تهذيب الأحكام: 5/ 275، ح943.
2- يلاحظ: الكافي: 4/ 527، ح1، وفيه: (كان أبي يقول) بدل (كان يقول)، ولكن في الكافي (ط - دار الحديث): 9/ 193 هامش (5) عدم وجود هذه الزيادة في النسخ المعتمدة في تحقيق الكتاب، وكذلك في الوسائل نقلاً عن الكافي.

ثانياً: الحديث الثاني أورده الشيخ بالصورة التالية: (وعنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن فضّال، عن ابن القدّاح، عن جعفر، عن أبيه (علیه السلام)، قال: سألته عن دخول الكعبة، قال: الدخول فيها دخول في رحمة الله، والخروج منها خروج من الذنوب، معصوم فيما بقي من عمره، مغفور له ما سلف من ذنوبه)(1)، وضمير (عنه) راجع إلى محمّد بن يعقوب الذي ابتدأ به سند الحديث السابق عليه، وهو الحديث الثاني الذي أورده الكلينيّ في الباب المذكور، ومتنه ذات المتن الموجود في التهذيب، وسنده: (محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب ابن يزيد، عن ابن فضّال، عن ابن القدّاح، عن جعفر، عن أبيه (علیه السلام))(2).

ثالثاً: الحديث الثالث أورده الشيخ كالتالي: (الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب وصفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ولا تدخلها بحذاء، وتقول إذا دخلت: اللّهمّ إنّك قلت.. ولا تدخلنّ بحذاء، ولا تبزق فيها، ولا تمخط، ولم يدخلها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إلّا يوم فتح مكّة)(3)، وهذا الحديث أورده الكلينيّ ثالث الأحاديث التي أوردها في ذلك الباب مع اختلافات في المتن، وأمّا السند فأورده كالتالي: (عليّ بن إبراهيم، عن

ص: 282


1- تهذيب الأحكام: 5/ 275 - 276، ح944.
2- الكافي: 4/ 527، ح2.
3- تهذيب الأحكام: 5/ 276 - 277، ح945.

أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام))(1).

ومعه يظنّ قويّاً انتزاع الشيخ لهذا الحديث من كتب الحسين بن سعيد لا من الكافي.

رابعاً: الحديث الرابع أورده الشيخ بالصورة التالية: (وعنه، عن صفوان، عن المجاهد، عن ذريح، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) في الكعبة وهو ساجد وهو يقول: لا يردّ غضبك إلّا حلمك..)(2)، وضمير(عنه) فيه راجع إلى الحسين بن سعيد، كما هو واضح، وهذا الحديث لم يورده الكلينيّ (رضوان الله علیه) في ذلك الباب، ولا في غيره من كتاب الكافي، ولذا يرجح انتزاع الشيخ له من كتاب الحسين بن سعيد.

خامساً: الحديث الخامس أورده الشيخ كالتالي: (محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: لا بدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع، فإذا دخلته فادخله بسكينة ووقار، ثمّ ائت كلّ زاوية من زواياه، ثمّ قل: اللّهمّ إنّك قلت: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ فآمنّي من عذابك يوم القيامة، وصلّ بين العمودين اللذين يليان الباب على الرخامة الحمراء، فإن كثر الناس فاستقبل كلّ زاوية في مقامك حيث صلّيت، وادع الله عزّ وجلّ واسأله)(3).

ص: 283


1- الكافي: 4/ 528، ح3.
2- تهذيب الأحكام: 5/ 276 - 277، ح946.
3- تهذيب الأحكام: 5/ 277، ح947.

وهذا الحديث أورده الكلينيّ سادس الأحاديث في الباب المذكور، والمتن فيه اختلافات قليلة هي من قبيل اختلاف النسخ، كما يظهر من طبعة دار الحديث للكافي(1)، وأمّا السند في الكافي فهو: (وعنه، عن عليّ بن النعمان، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (علیه السلام))(2)، وضمير (عنه) راجع إلى أحمد بن محمّد الذي ابتدأ الكلينيّ به السند في الحديث رقم (5) من الباب المذكور، والحديث (5) معلّق على الحديث رقم (4) من الباب المذكور الذي ابتدأه الكلينيّ ب-(محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد)، ولذا أورد الشيخ السند كالتالي: (محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (علیه السلام)).

سادساً: الحديث السادس الذي أورده الشيخ في الباب المذكور: (الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن دخول البيت، فقال: أمّا الصرورة فيدخله، وأمّا من قد حجّ فلا)(3).

وهذا الحديث لم يرد في الكافي، ومعه يرجح انتزاع الحديث من كتب الحسين بن سعيد.

سابعاً: الحديث السابع أورده الشيخ كالتالي: (أحمد بن محمّد، عن إسماعيل بن همّام، قال: قال أبو الحسن (علیه السلام): دخل النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) الكعبة، فصلّى في زواياها الأربع في

ص: 284


1- يلاحظ: الكافي (ط - دار الحديث): 9/ 197.
2- الكافي: 4/ 529، ح6.
3- تهذيب الأحكام: 5/ 277 - 278، ح948.

كلّ زاوية ركعتين)(1).

وهذا الحديث أورده الكلينيّ في الباب المذكور ثامن الأحاديث، وصورته: (وعنه، عن إسماعيل بن همّام، قال: قال أبو الحسن (علیه السلام): دخل النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) الكعبة، فصلّى في زواياها الأربع، صلّى في كلّ زاوية ركعتين)(2)، وضمير (عنه) يعود على أحمد بن محمّد الذي ابتدأ الكلينيّ به سند الحديث الخامس من أحاديث الباب، وابتدأ الحديث السادس والسابع والثامن ب-(عنه)، وأمّا الشيخ فلم يمكنه الابتداء ب-(عنه) في بداية السند كما فعل الكلينيّ؛ لأنّ الحديث الذي قبله كان قد ابتدأه بالحسين بن سعيد، فلذا ذكر اسم الراوي صريحاً، وحينما فعل ذلك عوّل عليه فابتدأ الحديث الذي يليه ب-(عنه)، ومعه يرجح انتزاع الحديث من الكافي.

ثامناً: الحديث الثامن جاء في التهذيب بالصورة التالية: (وعنه، عن ابن فضّال، عن يونس، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): إذا دخلت الكعبة كيف أصنع؟ قال: خذ بحلقتي الباب إذا دخلت الكعبة، ثمّ امض حتّى تأتي العمودين، فصلّ على الرخامة الحمراء، ثمّ إذا خرجت من البيت فنزلت من الدرجة فصلّ عن يمينك ركعتين)(3)، وضمير (عنه) يعود على أحمد بن محمّد الذي ابتدأ به الشيخ في سند الحديث السابق عليه.

وقد أورده الكلينيّ (رضوان الله علیه) عاشر الأحاديث التي أوردها في باب دخول الكعبة

ص: 285


1- تهذيب الأحكام: 5/ 278، ح949.
2- الكافي: 4/ 529، ح8.
3- تهذيب الأحكام: 5/ 278، ح949.

بنفس الصورة أعلاه(1)، وضمير (عنه) فيه يعود على أحمد بن محمّد المذكور في الحديث (5) من نفس الباب.

ومعه يرجح انتزاع الحديث من الكافي.

تاسعاً: الحديث التاسع جاء في التهذيب كالتالي: (الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن عمّار، قال: رأيت العبد الصالح (علیه السلام) دخل الكعبة، فصلّى فيها ركعتين على الرخامة الحمراء، ثمّ قام فاستقبل الحائط بين الركن اليمانيّ والغربيّ، فرفع يده عليه، فلصق به ودعا، ثمّ تحوّل إلى الركن اليمانيّ، فلصق به ودعا، ثمّ أتى الركن الغربيّ، ثمّ خرج)(2).

وقد جاء في الكافي خامس الأحاديث في باب دخول الكعبة، وصورته: (أحمد ابن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار، قال: رأيت العبد الصالح (علیه السلام) دخل الكعبة، فصلّى ركعتين على الرخامة الحمراء، ثمّ قام فاستقبل الحائط بين الركن اليمانيّ والغربيّ، فوقع يده عليه ولزق به ودعا، ثمّ تحوّل إلى الركن اليمانيّ، فلصق به ودعا، ثمّ أتى الركن الغربيّ، ثمّ خرج)(3)، والسند فيه معلّق على الحديث الذي قبله الذي ابتدأ ب-(محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد).

ولعلّ الشيخ عوّل في اختصار اسم أحمد بن محمّد من هذا السند والابتداء بالحسين بن سعيد على ابتدائه به في الحديث التالي له، ومعه يحتمل انتزاع الحديث من

ص: 286


1- الكافي: 4/ 530، ح10.
2- تهذيب الأحكام: 5/ 278، ح949.
3- الكافي: 4/ 529، ح5.

الكافي، كما يحتمل انتزاعه من كتب الحسين بن سعيد.

عاشراً: أورد الشيخ الحديث العاشر بالصورة التالية: (أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن معاوية بن عمّار في دعاء الولد، قال: أفض دلواً من ماء زمزم، ثمّ ادخل البيت، فإذا قمت على باب البيت فخذ بحلقة الباب، ثمّ قل: اللّهمّ إنّ البيت بيتك والعبد عبدك، وقد قلت: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ فآمنّي من عذابك، وأجرني من سخطك، ثمّ ادخل البيت وصلّ على الرخامة الحمراء ركعتين، ثمّ تمرّ إلى الأسطوانة التي بحذاء الحجر، فألصق بها صدرك، ثمّ قل: يا واحد، يا ماجد، يا قريب، يا بعيد، يا عزيز، يا حكيم ﴿لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ ﴿هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، ثمّ در بالأسطوانة فألصق بها ظهرك وبطنك وتدعو بهذا الدعاء فإن يرد الله شيئاً كان)(1).

وقد جاء في الكافي تحت الرقم (11) من الأحاديث التي أوردها في باب دخول الكعبة، وصورة المتن فيها اختلافات طفيفة عمّا موجود في التهذيب، وأمّا السند فصورته: (وعنه، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار في دعاء الولد، قال: أفض..)(2)، والضمير في (عنه) عائد على أحمد بن محمّد الذي ابتدأ الحديث (5) به وعلّق الأحاديث التي بعده عليه، ومعه يرجح انتزاع الحديث من الكافي وإلّا لابتدأ بالحسين بن سعيد دون أحمد بن محمّد.

حادي عشر: الحديث (11) - وهو الحديث الذي هو محلّ الإشكال - أورده الشيخ

ص: 287


1- تهذيب الأحكام: 5/ 278 - 279، ح952.
2- الكافي: 4/ 530.

كالتالي: (الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: لا تصلّى المكتوبة في الكعبة، فإنّ النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يدخل الكعبة في حجّ ولا عمرة، ولكنّه دخلها في الفتح فتح مكّة، وصلّى ركعتين بين العمودين ومعه أسامة بن زيد)(1)، وهذا الحديث لم يرد في الكافي، فيرجح انتزاعه من كتب الحسين بن سعيد.

ثاني عشر: الحديث (12) أورده الشيخ كالتالي: (وعنه، عن صفوان وفضالة، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام)، قال: لا تصلح صلاة المكتوبة في جوف الكعبة)(2)، وضمير (عنه) يعود إلى الحسين بن سعيد المبدوء به السند في الحديث السابق عليه في التهذيب، وهذا الحديث لم يرد أيضاً في الكافي، فيرجح انتزاعه من كتب الحسين بن سيعد.

ثالث عشر: الحديث (13) أورده الشيخ بالصورة التالية: (الحسين بن سعيد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة، أفأصلّي فيها؟ قال: صلّ)(3).

وهذا الحديث لم يرد في الكافي فيرجح انتزاعه من كتب الحسين بن سعيد.

رابع عشر: الحديث (14) أورد في التهذيب كالتالي: (محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن ابن مسكان، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) وهو خارج من الكعبة وهو يقول: الله

ص: 288


1- تهذيب الأحكام: 5/ 279، ح953.
2- تهذيب الأحكام: 5/ 279، ح954.
3- تهذيب الأحكام: 5/ 279، ح955.

أكبر الله أكبر، قالها ثلاثاً، ثمّ قال: اللّهمّ لا تجهد بلائي، ولا تشمت بنا أعداءنا، فإنّك أنت الضارّ النافع، ثمّ هبط فصلّى إلى جانب الدرجة، جعل الدرجة عن يساره مستقبل الكعبة ليس بينه وبينها أحد، ثمّ خرج إلى منزله)(1).

وهذا الحديث أورده في الكافي في الباب المذكور سابع الأحاديث، وصورته: (وعنه، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) وهو خارج من الكعبة، وهو يقول: الله أكبر الله أكبر حتّى قالها ثلاثاً، ثمّ قال: اللّهمّ لا تجهد بلاءنا ربّنا، ولا تشمت بنا أعداءنا، فإنّك أنت الضارّ النافع، ثمّ هبط فصلّى إلى جانب الدرجة جعل الدرجة عن يساره مستقبل الكعبة ليس بينها وبينه أحد، ثمّ خرج إلى منزله)(2)، وضمير (عنه) عائد إلى أحمد بن محمّد الذي ابتدأ الكلينيّ به في سند الحديث (5)، وحيث إنّ الكلينيّ لا يمكنه الرواية عن أحمد بن محمّد - الذي هو أحمد بن محمّد بن عيسى - إلّا بتوسّط أحد مشايخه المباشرين، والموجود منهم في الحديث (4) من أحاديث الباب المذكور محمّد بن يحيى العطّار، ولذا فهم الشيخ (رضوان الله علیه) أنّ هذا الحديث معلّق عليه، فأورد السند كاملاً.

ومع تصريح الشيخ باسم محمّد بن يعقوب في بداية السند لا يوجد أدنى شكّ في انتزاع الحديث من الكافي، ولكن يلتفت إلى اختلاف نسخة الشيخ من الكافي عمّا وصلنا من نسخ الكافي ما أدّى إلى هذه الاختلافات في السند والمتن.

والحاصل بعد هذا العرض الطويل أنّ الأحاديث التي أوردها الشيخ في باب

ص: 289


1- تهذيب الأحكام: 5/ 279 - 280، ح956.
2- الكافي: 4/ 529.

دخول الكعبة كان مصدره في (8) منها كتاب الكافي، وفي (6) منها كتب الحسين بن سعيد، والحديث محلّ الإشكال من هذه الستّة.

وبناءً على ذلك يكون الراجح انتزاع الحديث المذكور تحت الرقم (7) من الكافي بلحاظ القرائن المذكورة.

8 - (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن المفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الصبيان إذا صفّوا في الصلاة المكتوبة، قال: لا تؤخّروهم عن الصلاة، وفرّقوا بينهم)(1).

المظنون قويّاً انتزاع الحديث من الكافي؛ للشواهد التالية:

أ - هذا الحديث ثالث الأحاديث التي أوردها الشيخ في باب الصبيان متى يؤمرون بالصلاة، وقد أورده الكلينيّ (رضوان الله علیه) كذلك في باب صلاة الصبيان ومتى يؤخذون بها في الكافي، وصورته: (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن المفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الصبيان إذا صفّوا في الصلاة المكتوبة، قال: لا تؤخّروهم عن الصلاة المكتوبة، وفرّقوا بينهم)(2)، ويبدو من الكافي طبعة دار الحديث أنّ الاختلاف في المتن نتيجة لاختلاف النسخ(3).

ب - الحديث الأوّل في هذا الباب أورده الشيخ (رضوان الله علیه) بالصورة التالية: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، عن

ص: 290


1- تهذيب الأحكام: 2/ 380، ح1586.
2- الكافي: 3/ 409، ح3.
3- يلاحظ: الكافي (ط - دار الحديث): 6/ 433، هامش (4).

أبيه (علیه السلام)، قال: إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين، ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين، بما أطاقوا من صيام اليوم إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا، حتّى يتعوّدوا الصوم فيطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم العطش أفطروا)(1).

وهذا الحديث أورده الكلينيّ أوّل الأحاديث في الباب المذكور أيضاً، ومتنه نفس المتن المذكور في التهذيب، وأمّا سنده فصورته: (عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير..)(2)، والاختلاف فيه عمّا موجود في التهذيب بإيراد اسم عليّ بن إبراهيم كاملاً في التهذيب ليس بمؤثّر بعد وجود نسخة من الكافي ورد فيها: عليّ بن إبراهيم(3).

ج - أورد الشيخ الحديث الثاني من باب الصبيان متى يؤمرون بالصلاة بالصورة التالية: (محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ، عن الفضيل بن يسار، قال: كان عليّ بن الحسين (علیه السلام) يأمر الصبيان يجمعون بين المغرب والعشاء الآخرة، ويقول: هو خير من أن يناموا عنها)(4).

ص: 291


1- تهذيب الأحكام: 2/ 380، ح1584.
2- الكافي: 3/ 409.
3- يلاحظ: الكافي (ط - دار الحديث): 6/ 432، هامش (1).
4- تهذيب الأحكام: 2/ 380، ح1585.

وقد أورده الكلينيّ ثاني الأحاديث في الباب المذكور، والمتن نفسه موجود في التهذيب، وسنده: (محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار، قال..)(1).

9 - (الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد﴾، قال: الباغي باغي الصيد، والعادي هو السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، وليس لهما أن يقصّرا في الصلاة)(2).

المظنون انتزاع الحديث من الكافي؛ لما يلي:

أ - أورده الكلينيّ سابع الأحاديث في باب صلاة الملّاحين والمكارين وأصحاب الصيد والرجل يخرج إلى ضيعته من الكافي بنفس الصورة التي أورده عليها في التهذيب(3).

ب - الحديث السابق عليه ذو الرقم: 538 أورده الشيخ بالصورة التالية: (عنه، عن عمران بن محمّد بن عمران القمّيّ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين يقصّر أو يتمّ؟ فقال: إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر ويقصّر، وإن خرج لطلب الفضول فلا، ولا كرامة)،

ص: 292


1- الكافي: 3/ 409.
2- تهذيب الأحكام: 3/ 217 - 218، ح539.
3- يلاحظ: الكافي: 3/ 438، ح7.

وضمير (عنه) عائد إلى أحمد بن محمّد الذي ابتدأ به سند الحديث السابق عليه.

وقد أورده الكلينيّ عاشر الأحاديث في الباب المذكور بالمتن نفسه، وسنده: (عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمران بن محمّد، عن عمران القمّيّ..)(1) إلى آخر السند الموجود في التهذيب، وهذا السند لا يختلف عن سند التهذيب إلّا في موردين:

الأوّل: عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد.

الآخر: عمران بن محمّد عن عمران القمّيّ.

أمّا الأوّل فقد تقدّم أنّ عادة الشيخ (رضوان الله علیه) اختصار العدّة أو أحدها من سند الكافي.

وأمّا الآخر فيبدو أنّ ما جاء في سند التهذيب من رواية أحمد بن محمّد عن عمران بن محمّد بن عمران القمّيّ - وهو الموافق لما جاء في نسختين من نسخ الكافي(2)، والوافي(3)، وحكاه كذلك المجلسيّ الأوّل والحرّ العامليّ عن الكافي(4)، وموافق لما في رجال النجاشيّ والشيخ والفهرست(5) - هو الصحيح، وما في المطبوع من الكافي تصحيف؛ إذ لا يوجد في شيء من الأسانيد رواية عمران بن محمّد عن عمران القمّي إلّا في هذا المورد من الكافي.

ص: 293


1- الكافي: 3/ 438، ح10.
2- يلاحظ: الكافي (ط - دار الحديث): 6/ 514.
3- يلاحظ: الوافي: 7/ 174 - 175.
4- يلاحظ: روضة المتّقين: 2/ 643، وسائل الشيعة: 8/ 480.
5- يلاحظ: رجال النجاشيّ: 292، رجال الطوسيّ: 360، الفهرست: 119.

10 - (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، قال: سمعت الرضا (علیه السلام) يقول: إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتمّ، فإذا خرجت بعد الزوال قصّر العصر)(1).

مقتضى المقارنة بين ما جاء في هذا الموضع من التهذيب وبين ما جاء في الكافي يفضي إلى أنّ مصدر الشيخ في إيراد هذا الحديث كتاب الكافي؛ وذلك ل-:

أ - ورود هذا الحديث في الكافي بنفس السند والمتن(2) ثاني الأحاديث في باب من يريد السفر أو يقدم من سفر متى يجب عليه التقصير أو التمام؟

ب - أورده الشيخ في موضع سابق من التهذيب بالصورة التالية: (محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، قال سمعت الرّضا (علیه السلام) يقول..)(3)، ومثله في الاستبصار(4)، ولعلّه (رضوان الله علیه) اعتمد على ذلك

ص: 294


1- تهذيب الأحكام: 3/ 224، ح562.
2- يلاحظ: الكافي: 3/ 434، ح2.
3- تهذيب الأحكام: 3/ 161، ح348.
4- يلاحظ: الاستبصار: 1/ 240، ح854. وفيه رواية محمّد بن يعقوب عن معلّى بن محمّد إلى آخر السند. والظاهر سقوط الحسين بن محمّد الذي يروي عنه الكلينيّ من هذا السند، ولذا قال الشيخ محمّد حفيد الشهيد الثاني: (ولا يخفى أنّ محمّد بن يعقوب إنّما يروي عنه بواسطة الحسين بن محمّد الأشعريّ، لكنّ الشيخ ترك الواسطة إمّا للعلم بها، وإمّا للغفلة عن عادة الكلينيّ من البناء على الإسناد السابق، فإنّه كثيراً ما يفعل هذا في الكافي اعتماداً على السند السابق، بل قد يترك أكثر من واسطة، والوالد (قدس سره) جزم بأنّ الشيخ لم يتنبّه لهذا، وأظنّه بعيداً، بل الظاهر أنّ الترك للمعلوميّة). استقصاء الاعتبار: 4/ 153 - 154.

في اختصار اسم: محمّد بن يعقوب.

ج - أورد الشيخ بعده مباشرةً الحديث التالي: (أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن داود بن فرقد، عن بشير النبّال، قال: خرجت مع أبي عبد الله (علیه السلام) حتّى أتينا الشجرة، فقال لي أبو عبد الله (علیه السلام): يا نبّال، فقلت: لبّيك، قال: إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً أربعاً غيري وغيرك، وذاك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج)(1).

وقد أورده الشيخ (رضوان الله علیه) في موضع سابق من التهذيب بالصورة التالية: (وعنه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن داود بن فرقد، عن بشير النبّال، قال: خرجت مع أبي عبد الله (علیه السلام) حتّى أتينا الشجرة، فقال لي أبو عبد الله (علیه السلام):.. يصلّي أربعاً غيري وغيرك..)(2)، وضمير (عنه) عائد إلى محمّد بن يعقوب الذي ابتدأ به سند الحديث السابق.

وهذا الحديث أورده في الكافي ثالث الأحاديث في الباب المذكور، والمتن هو هو عدا عدم زيادة قوله: (أربعاً) بعد قوله: (يصلّي أربعاً)، وقد أورده الشيخ من دون هذه الزيادة في الموضع السابق، وكذا في الاستبصار والخلاف(3)، وما حكاه ابن

ص: 295


1- تهذيب الأحكام: 3/ 224، ح563.
2- تهذيب الأحكام: 3/ 161، ح349.
3- يلاحظ: الاستبصار: 1/ 240، ح855، الخلاف: 1/ 578.

إدريس عن الشيخ في كتاب الخلاف(1)، وما حكاه جمع كالعلّامة والمجلسيّ الأوّل وولده والفيض الكاشانيّ والحرّ العامليّ عن الشيخ (2). وأمّا السند فهو: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن داود بن فرقد، عن بشير النبّال، قال..)(3)، واختصار الشيخ لاسم محمّد بن يعقوب من بداية السند يمكن أن يكون لاعتماده على ذكره في الموضع السابق.

د - أورد الشيخ بعد الحديث المذكور في (ج) الحديث التالي: (عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن (علیه السلام)، قال: سألته عن رجل خرج في سفر ثمّ تبدو له الإقامة وهو في صلاته، قال: يتمّ إذا بدت له الإقامة)(4)، وهو مذكور في الكافي ثامن الأحاديث في الباب المذكور بالصورة التي أورده الشيخ عليها(5).

11 - (الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن المفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: ليكن الذين يلون الإمام أولي الأحلام منكم والنُهى، فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه، وأفضل الصفوف أوّلها، وأفضل أوّلها

ص: 296


1- يلاحظ: السرائر: 1/ 333.
2- يلاحظ: منتهى المطلب: 6/ 372، روضة المتّقين: 2/ 630، ملاذ الأخيار: 5/ 273، الوافي: 7/ 145، وسائل الشيعة: 8/ 515.
3- يلاحظ: الكافي: 3/ 434، ح3.
4- تهذيب الأحكام: 3/ 224، ح564.
5- الكافي: 3/ 435، ح8.

ما دنا من الإمام، وفضل صلاة الجماعة على صلاة الرجل فرداً خمس وعشرون درجة في الجنّة)(1).

الظاهر انتزاع الحديث من الكافي؛ وذلك للشواهد التالية:

أ - أورده الكلينيّ سابع الأحاديث في باب فضل الصلاة في الجماعة من الكافي بنفس المتن وسنده: (الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن المفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال..)(2).

ب - أورد الشيخ قبله الحديث التالي: (الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن محمّد بن يوسف، عن أبيه، قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: إنّ الجهنيّ أتى النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم)

فقال: يا رسول الله، إنّي أكون في البادية ومعي أهلي وولدي وغلمتي فأؤذّن وأقيم وأصلّي بهم، أفجماعة نحن؟ فقال: نعم، فقال: يا رسول الله، إنّ الغلمة يتبعون قطر السحاب، فأبقى أنا وأهلي وولدي فأؤذّن وأقيم وأصلّي بهم، أفجماعة نحن؟ فقال: نعم، فقال: يا رسول الله، فإنّ ولدي يتفرّقون في الماشية فأبقى أنا وأهلي فأؤذّن وأقيم وأصلّي بهم، أفجماعة نحن؟ فقال: نعم، فقال: يا رسول الله، إنّ المرأة تذهب في مصلحتها فأبقى أنا وحدي فأؤذّن وأقيم، أفجماعة أنا؟ فقال: نعم، المؤمن وحده جماعة)(3).

ص: 297


1- تهذيب الأحكام: 3/ 265، ح751.
2- الكافي: 372 - 373، ح7، وفيه: (فذّاً) بدل (فرداً) لكن في نسخة من الكافي والوسائل: (فرداً)، يلاحظ: الكافي (ط - دار الحديث): 6/ 322، وسائل الشيعة: 8/ 286.
3- تهذيب الأحكام: 3/ 265، ح749.

وهذا الحديث أورده الكلينيّ ثاني الأحاديث في الباب المذكور والمتن هو هو، والسند: (جماعة، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن محمّد بن يوسف، عن أبيه، قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول..)(1)، ومع كون مصدر الشيخ في إيراد الحديث كتاب الكافي يلاحظ كيف اختصر الشيخ السند وابتدأ بالحسين بن سعيد، فيتوهّم أن مصدره كتابه.

ج - أورد الشيخ الحديث التالي بعد السابق: (عنه، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): أما يستحي الرجل منكم أن تكون له الجارية فيبيعها، فتقول: لم يكن يحضر الصلاة)(2)، وقد أورده الكلينيّ رابع الأحاديث في الباب المذكور، والمتن هو هو، والسند: (جماعة، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام))(3).

د - أورد الشيخ الحديث التالي بعد الحديث محلّ الكلام: (محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: يحسب لك إذا دخلت معهم وإن لم تقتد بهم مثل ما يحسب لك إذا كنت مع من تقتدي به)(4).

ص: 298


1- الكافي: 3/ 371.
2- تهذيب الأحكام: 3/ 265، ح750.
3- الكافي: 3/ 372.
4- تهذيب الأحكام: 3/ 265 - 266، ح752.

وهذا الحديث أورده في الكافي تاسع الأحاديث في الباب المذكور، وسنده: (محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام))(1).

12 - (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن حريز، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: اتّخذ مسجداً في بيتك، فإذا خفت شيئاً فالبس ثوبين غليظين من أغلظ ثيابك، فصلّ فيهما، ثمّ اجث على ركبتيك، فاصرخ إلى الله عزّ وجلّ، وسله الجنّة، وتعوّذ بالله من شرّ الذي تخافه، وإيّاك أن يسمع الله منك كلمة بغي وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك)(2).

أورد الشيخ هذا الحديث في باب من الصلوات المرغّب فيها، ومقتضى المقارنة بين ما أورده فيه وبين ما أورده الكلينيّ (رضوان الله علیه) في الكافي في باب صلاة الحوائج وما بعده من الأبواب يفضي إلى انتزاع هذا الحديث من الكافي؛ ذلك لأنّه:

أ - أورد الكلينيّ (رضوان الله علیه) هذا الحديث ثاني الأحاديث التي أوردها في باب صلاة من خاف مكروهاً بالصورة التي أورده الشيخ عليها(3).

ب - أورد الشيخ في الباب المذكور الحديث التالي: (محمّد بن يعقوب، عن عليّ ابن محمّد بن عبد الله، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن أحمد، عن الحسن بن عروة ابن أخت شعيب العقرقوفيّ، عن خاله شعيب، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): من

ص: 299


1- الكافي: 3/ 373.
2- تهذيب الأحكام: 3/ 314 - 315، ح973.
3- يلاحظ: الكافي: 3/ 480، ح2.

جاع فليتوضّأ، وليصلّ ركعتين ويتمّ ركوعهما وسجودهما، ويقول: يا ربّ، إنّي جائع فأطعمني، فإنّه يطعم من ساعته)(1)، وهو موجود في الكافي سادس الأحاديث في باب الصلاة في طلب الرزق بالسند نفسه(2)، وهذا الحديث يقع قبل حديثين من باب صلاة الحوائج الآتي.

وأمّا المتن ففيه بعض الاختلاف، إذ الموجود في الكافي هو قوله (علیه السلام): (قال أبو عبد الله (علیه السلام): من جاع فليتوضّأ، وليصلّ ركعتين، ثمّ يقول: يا ربّ، إنّي جائع فأطعمني) والموجود في نقل الشيخ: (قال أبو عبد الله (علیه السلام): من جاع فليتوضّأ، وليصلّ ركعتين، ويتمّ ركوعهما وسجودهما، ويقول: يا ربّ إنّي جائع فأطعمني) بزيادة (ويتمّ ركوعهما وسجودهما).

وأقول: قد نقل الشيخ (رضوان الله علیه) هذا الحديث في موضع من التهذيب - ويبدو أنّه انتزعه من كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب راوياً عن الحسن بن عليّ بن النعمان، قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عروة ابن أخت شعيب العقرقوفيّ، عن خاله شعيب إلى آخر الحديث(3) - ولا توجد فيه مثل هذه الزيادة، والحرّ العامليّ في الوسائل ذكر رواية الشيخ للحديث عن الكلينيّ ولم يذكر هذه الزيادة(4).

ج - أورد الشيخ الحديث ذا الرقم: 969 بالصورة التالية: (أحمد بن محمّد، عن

ص: 300


1- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 3/ 313، ح968.
2- يلاحظ: الكافي: 3/ 475، ح6.
3- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 2/ 237، ح939.
4- يلاحظ: وسائل الشيعة: 8/ 126.

ابن محبوب، عن الحسن بن صالح، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: من توضّأ فأحسن الوضوء وصلّى ركعتين وأتمّ ركوعهما وسجودهما، ثمّ جلس فأثنى على الله عزّ وجلّ وصلّى على رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، ثمّ سأل الله عزّ وجلّ حاجته، فقد طلب الخير في مظانّه، ومن طلب الخير في مظانّه لم يخب)(1).وقد أورده خامس الأحاديث من باب صلاة الحوائج في الكافي بالصورة التالية: (وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن الحسن بن صالح، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول..)(2)، والمراد (بهذا الإسناد) عدّه من أصحابنا التي ابتدأ بها الكلينيّ الحديث السابق عليه.

والملاحظ أنّ هذا الحديث ابتدأه الشيخ بأحمد بن محمّد راوياً عن ابن محبوب.

وأحمد بن محمّد في هذه الطبقة مشترك بين البرقيّ وابن عيسى، إلّا أنّ وجود الحديث في كتاب المحاسن(3) يرجّح أنّ المراد به هنا الأوّل، وقد ذكره الشيخ مرّتين في المشيخة، إحداهما بعنوان (أحمد بن محمّد بن خالد)(4) وطريقه إليه فيها يمرّ بالكلينيّ (رضوان الله علیه) راوياً عن العدّة عنه، والأخرى بعنوان (أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ)(5) وفيها ذكر له ثلاث طرق.

ص: 301


1- تهذيب الأحكام: 3/ 313، ح969.
2- الكافي: 3/ 478، ح5.
3- يلاحظ: المحاسن: 1/ 52، ثواب صلاة النوافل، ح77.
4- يلاحظ: تهذيب الأحكام (المشيخة): 44.
5- يلاحظ: تهذيب الأحكام (المشيخة): 85.

وعن بعض أعاظم العصر (دام ظله العالی) ترجيح أنّ مقتضى التتبّع يفضي إلى أنّ الشيخ (رضوان الله علیه) إذا ابتدأ السند بأحمد بن محمّد بن خالد يكون قد انتزع الحديث من الكافي، وإذا ابتدأه بأحمد بن أبي عبد الله يكون قد انتزعه من كتب البرقي نفسه(1).

وما ذكره (دام ظله العالی) - على كلام يأتي في ذكر أحمد بن محمّد بن خالد - منطبق في المقام؛ إذ إنّ قرينة المقام ترجّح انتزاع الحديث من الكافي بلحاظ نفس الحديث أوّلاً، وبلحاظ الأحاديث السابقة عليه واللاحقة له ثانياً.

د - الحديث ذو الرقم: 970 أورده الشيخ بالصورة التالية: (عنه، عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد الله بن عثمان، عن أبي إسماعيل السرّاج، عن عبد الله بن وضّاح وعليّ بن أبي حمزة، عن إسماعيل بن الأرقط وأمّه أمّ سلمة أخت أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: مرضت في شهر رمضان مرضاً شديداً حتّى تلفت، واجتمعت بنو هاشم ليلاً للجنازة، وهم يرون أنّي ميّت، فجزعت أمّي عليّ، فقال لها أبو عبد الله (علیه السلام) خالي: اصعدي إلى فوق البيت فابرزي إلى السماء، وصلّي ركعتين، فإذا سلّمت فقولي: اللّهمّ، إنّك وهبته لي، ولم يك شيئاً، اللّهمّ وإنّي استوهبتكه مبتدئاً فأعرنيه، قال: ففعلت فأفقت وقعدت، ودعوا بسحور لهم هريسة فتسحّروا بها، وتسحّرت معهم)(2)، وضمير (عنه) عائد إلى أحمد بن محمّد الذي ابتدأ به السند السابق.

والحديث موجود في الكافي سادس الأحاديث من باب صلاة الحوائج بنفس

ص: 302


1- يلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار (تقرير بحث السيّد السيستانيّ (دام ظله العالی)): 11.
2- تهذيب الأحكام: 3/ 313، ح970.

المتن عدا اختلاف يسير لا يعدو أن يكون من قبيل تصحيف النسّاخ(1). وأمّا سنده ففي الكافي: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن عبد الله بن عثمان أبي إسماعيل السرّاج، عن عبد الله بن وضّاح وعليّ بن أبي حمزة، عن إسماعيل بن الأرقط وأمّه أمّ سلمة أخت أبي عبد الله (علیه السلام)، قال..) في حين أنّ الموجود في التهذيب: (محمّد بن إسماعيل، عن عبد الله بن عثمان، عن أبي إسماعيل السرّاج) فيلاحظ عدم وجود لفظ (عن) في سند الكافي.

ولكن ظاهر الوافي والوسائل عن التهذيب كما في الكافي(2).

وفي الكافي (ط - دار الحديث) التعليق على موضع مماثل من الكافي أنّ هناك نسخاً من الكافي فيها زيادة: (عن) بين عبد الله بن عثمان وأبي إسماعيل السرّاج(3)، ومثله ورد في موضعين من نسخة الوحيد البهبهانيّ من الكافي، ونقل أنّ هناك ثمان أو تسع نسخ من التهذيب فيها زيادة لفظ (عن). نعم، ورد بدونها في نسخة غير مصحّحة من التهذيب(4).

وأقول: لعلّ مثل هذا الاختلاف يؤكّد على انتزاع الشيخ للحديث من الكافي؛ إذ لم يوجد مثل هكذا إسناد في التهذيب إلّا في هذا الموضع وموضع سابق، وكلا الموضعين لا يوجدان إلّا في الكافي، وقد تتبّعت ما وقع فيه أبو إسماعيل السرّاج من

ص: 303


1- يلاحظ: الكافي: 3/ 478، ح6.
2- يلاحظ: الوافي: 9/ 1422، وسائل الشيعة: 8/ 137.
3- يلاحظ: الكافي (ط - دار الحديث): 5/ 30.
4- تعليقة الوحيد البهبهانيّ على منهج المقال: 369.

الأسانيد فلم أجد فيما يقرب من خمسين مورداً مثل هذا الإسناد إلّا في الكافي والتهذيب، ففي باب البئر تكون إلى جنب البالوعة ذكر الكلينيّ (رضوان الله علیه) حديثاً وقد وقع فيه محمّد بن إسماعيل بن بزيع راوياً عن أبي إسماعيل السرّاج عبد الله بن عثمان عن قدامة بن أبي زيد(1)، ومثله موجود في التهذيب في باب المياه وأحكامها عدا زيادة (عن) بين أبي إسماعيل السرّاج وعبد الله بن عثمان(2)، هذا هو الموضع الأوّل من الكتابين، والموضع الآخر هو الحديث محلّ الكلام.

وممّا يؤكّد ذلك تشابه الترتيب أيضاً، ففي الحديث الأوّل تقدّم ذكر أبي إسماعيل السرّاج على ذكر عبد الله بن عثمان في كلا الكتابين، وفي الحديث الثاني تقدّم ذكر عبد الله بن عثمان على أبي إسماعيل السرّاج.

ومن المحتمل - إن كان ما في الكافي هو الصحيح - أن يكون الشيخ أو غيره من النسّاخ قد وضعوا بين الاسمين كلمة (أي) أو (أعني) ونحوهما لأجل البيان، ثمّ جاء من بعده من صحّف الكلمة إلى (عن) لقرب رسم الخطّ.

ﻫ - الحديث ذو الرقم: 971 أورده الشيخ بالصورة التالية: (وبهذا الإسناد عن أبي إسماعيل السرّاج، عن ابن مسكان، عن شرحبيل الكنديّ، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: إذا أردت أمراً تسأله ربّك فتوضّأ وأحسن الوضوء، ثمّ صلّ ركعتين، وعظّم اللّه عزّ وجلّ، وصلِّ على النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم)، وقل بعد التسليم: اللّهمّ إنّي أسألك بأنّك ملك كريم وأنّك على كلّ شيء مقتدر، وأنّك على ما تشاء من أمر يكون، اللّهمّ إنّي أتوجّه

ص: 304


1- يلاحظ: الكافي: 3/ 8، ح3.
2- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 1/ 410، ح1291.

إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة (صلی الله علیه و آله و سلم)، يا محمّد، يا رسول الله، إنّي أتوجّه بك إلى الله ربّك وربّي لينجح لي بك طلبتي، اللّهمّ بنبيّك أنجح لي طلبتي بمحمّد، ثمّ تسأل حاجتك)(1)، والمقصود (بهذا الإسناد) بداية السند في الحديث المذكور بداية الفقرة (د).

وقد أورد الحديث في الكافي سابع الأحاديث من باب صلاة الحوائج بالصورة التي أورده عليها الشيخ(2).

و - الحديث ذو الرقم: 972 أورده الشيخ بالصورة التالية: (الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن وهب، عن زرارة، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الأمر يطلبه الطالب من ربّه، قال: تصدّق في يومك على ستّين مسكيناً على كلّ مسكين صاع بصاع النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم)، فإذا كان الليل اغتسلت في الثلث الباقي، ولبست أدنى ما يلبس من تعول من الثياب، إلّا أنّ عليك في تلك الثياب إزاراً، ثمّ تصلّي ركعتين، فإذا وضعت جبهتك في السجدة الأخيرة للسجود هلّلت الله وعظّمته وقدّسته ومجّدته، وذكرت ذنوبك فأقررت بما تعرف منها مسمّىً، ثمّ رفعت رأسك ثمّ إذا وضعت رأسك للسجدة الثانية، فاستخرت الله مائة مرّة اللّهمّ إنّي أستخيرك، ثمّ تدعو الله بما شئت، ثمّ تسأله، وكلّما سجدت فأفض بركبتيك إلى الأرض، ثمّ ترفع الإزار حتّى تكشفهما، واجعل الإزار من خلفك بين إلييك وباطن ساقيك)(3).

ص: 305


1- تهذيب الأحكام: 3/ 313 - 314، ح971.
2- يلاحظ: الكافي: 3/ 478، ح7.
3- تهذيب الأحكام: 3/ 314، ح972.

وهذا الحديث أورده في الكافي ثامن أحاديث باب صلاة الحوائج بالصورة التالية: (عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وأبو داود، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن معاوية بن وهب، عن زرارة، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: في الأمر يطلبه الطالب.. فإذا وضعت جبهتك في الركعة الأخير للسجود.. ثمّ تدعو اللّه بما شئت وتسأله إيّاه..)(1).

وقد يقال: إنّ الاختلاف المشار إليه في المتن مع الاختلاف في بداية السند بين الكتابين يوحي بأنّ مصدر الشيخ في إيراد الحديث هو كتاب الحسين بن سعيد لا الكافي.

ولكن يجاب عنه: بأنّ ما ذكر محتمل، إلّا أنّ الراجح بلحاظ انتزاع ما قبله وما بعده من الأحاديث من كتاب الكافي أن يكون الكافي مصدر الشيخ فيه.

وممّا يؤكّد ذلك أنّ الشيخ أورد نفس هذا الحديث في موضع سابق يرجّح أن يكون قد انتزعه من كتاب الحسين بن سعيد بالصورة التالية: (وأخبرني الشيخ أيّده اللّه تعالى عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن وهب، عن زرارة، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الأمر يطلبه الطالب من ربّه، قال: يتصدّق في يومه على ستّين مسكيناً على كلّ مسكين صاع بصاع النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) فإذا كان الليل فاغتسل في ثلث الليل الثاني، ويلبس أدنى ما يلبس وذكر الحديث إلى أن قال: فإذا رفع رأسه في السجدة الثانية استخار الله مائة مرّة،

ص: 306


1- يلاحظ: الكافي: 3/ 479، ح8.

يقول: وذكر الدعاء)(1)، والملاحظ أنّه بالرجوع إلى الأحاديث السابقة التي أوردها الشيخ قبل هذا الحديث في هذا الموضع لا نجد المراد من قوله: (وذكر الحديث)، و(ذكر الدعاء)؛ إذ لا يوجد فيها ما يناسبها، ولعلّها كانت كذلك في كتاب الحسين ابن سعيد، والشيخ نقلها على ما هي عليه.

ز - الحديث ذو الرقم: 974 أورده الشيخ بالصورة التالية: (أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن رجل، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: من أراد أن يحبل له فليصلِّ ركعتين بعد الجمعة يطيل فيهما الركوع والسجود، ثمّ يقول: اللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به زكريّا إذ قال: ﴿رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾، اللّهمّ هب لي ﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، اللّهمّ باسمك استحللتها وبأمانتك أخذتها، فإن قضيت في رحمها ولداً فاجعله غلاماً، ولا تجعل للشيطان فيه نصيباً ولا شركاً)(2).

وهذا الحديث أورده في الكافي قريباً من الموضع الذي أورد فيه الكلينيّ الحديث المذكور في الفقرة (و) بالصورة التي أورده عليها الشيخ في التهذيب(3).

13 - (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن أبان بن عثمان، عن سماعة، عن أبي الحسن (علیه السلام)، قال: سألته عن المجاور أله أن يتمتّع بالعمرة

ص: 307


1- تهذيب الأحكام: 1/ 117، ح307.
2- تهذيب الأحكام: 3/ 315، ح974.
3- يلاحظ: الكافي: 3/ 482، ح3.

إلى الحجّ؟ قال: نعم، يخرج إلى مهلّ أرضه، فيلبّي إن شاء)(1).

بنفس هذه الصورة ورد في الكافي بلا زيادة ولا نقصان سابع الأحاديث في باب حجّ المجاورين وقطّان مكّة(2)، فيكون الراجح انتزاعه من الكافي.

وممّا يؤكّد ذلك:

أ - أنّ الشيخ أورد بعده مباشرةً حديثاً بالصورة التالية: (وعنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: من دخل مكّة بحجّة عن غيره، ثمّ أقام سنةً فهو مكّيّ، فإن أراد أن يحجّ عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له أن يحرم بمكّة، ولكن يخرج إلى الوقت، وكلّما حوّل رجع إلى الوقت)(3).

وهو موجود في الكافي ثامن الأحاديث في الباب المذكور بالصورة التي هو عليها في التهذيب(4).

والملاحظ أنّ لفظ (عنه) في بداية الحديث يفترض أن يكون مرجع الضمير فيه هو محمّد ين يعقوب الكلينيّ، فهو الراوي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه، ولا يصحّ أن يكون مرجع الضمير الحسين بن محمّد الذي بدأ به الشيخ الحديث محلّ الكلام؛ لعدم معهوديّته في الأسانيد، فهو إمّا سهو من قلم الشيخ (رضوان الله علیه) بظنّ أنّه ابتدأ في السند السابق

ص: 308


1- تهذيب الأحكام: 5/ 59 - 60، ح188.
2- يلاحظ: الكافي: 4/ 302، ح7.
3- تهذيب الأحكام: 5/ 60، ح189.
4- يلاحظ: الكافي:4/ 302، ح8.

عليه بمحمّد بن يعقوب الكلينيّ، أو أنّه قد عوّل على وضوح الأمر، كما حكاه بلفظ القيل المجلسيّ في ملاذ الأخيار(1)، أو تكون هذه الكلمة من زيادات النسّاخ.

ب - أنّ الشيخ أورد حديثاً بعد المذكور في (أ) بالصورة التالية: (وعنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس، عن سماعة، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: المجاور بمكّة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ فإنّ أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وذو الحجّة من دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ، ثمّ أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة فليحرم منها، ثمّ يأتي مكّة، ولا يقطع التلبية حتّى ينظر إلى البيت، ثمّ يطوف بالبيت ويصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم (علیه السلام)، ثمّ يخرج إلى الصفا والمروة، فيطوف بينهما، ثمّ يقصّر ويحلّ، ثمّ يعقد التلبية يوم التروية)(2).

وهذا الحديث أورده الكلينيّ عاشر الأحاديث في باب حجّ المجاورين وقطّان مكّة بالصورة التالية: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس، عن سماعة، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: المجاور بمكّة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ في رجب أو شعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور، إلّا أشهر الحجّ فإنّ أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وذو الحجّة..)(3).

فهناك تفاوت بين نقل الشيخ ونقل الكلينيّ، فالموجود في الكافي زيادة قوله (علیه السلام): (المجاور بمكّة.. في رجب أو شعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور إلّا

ص: 309


1- يلاحظ: ملاذ الأخيار: 7/ 304.
2- تهذيب الأحكام: 5/ 60، ح190.
3- الكافي:4/ 302 - 303، ح10.

أشهر الحجّ فإنّ أشهر الحجّ..)، والموجود في التهذيب قوله (علیه السلام): (المجاور بمكّة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ فإنّ أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وذو الحجّة)، ولا يبعد أنّه أسقطها لعدم تعلّق غرض بذكرها، أو سقوطها من قلم الشيخ.

14- (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن أبي خديجة، قال: قال لي أبو عبد الله (علیه السلام): إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه)(1).

والظاهر أنّه منتزع من الكافي؛ للشواهد التالية:

أ - قد أورده الكلينيّ رابع الأحاديث في باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور بالصورة التي أورده عليها في التهذيب(2).

ب - قد أورد الشيخ الحديث الذي قبله مباشرةً بالصورة التالية: (أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: أيّما مؤمن قدّم مؤمناً في خصومة إلى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الإثم)(3).

وقد أورده في الكافي أوّل الأحاديث في الباب المذكور بالصورة التالية: (محمّد ابن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي

ص: 310


1- تهذيب الأحكام: 6/ 219 ح516.
2- يلاحظ: الكافي: 7/ 412، ح4.
3- تهذيب الأحكام: 6/ 218 - 219 ح515.

عبد الله (علیه السلام)، قال..)(1).

ج - قد أورد الشيخ بعد الحديث محلّ الكلام حديثاً بالصورة التالية: (الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) قول الله عزّ وجلّ في كتابه: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ فقال: يا أبا بصير، إنّ الله عزّ وجلّ قد علم أنّ في الأمّة حكّاماً يجورون، أما إنّه لم يعنِ حكّام العدل، ولكنّه عنى حكّام الجور، يا أبا محمّد، إنّه لو كان على رجل حقّ فدعوته إلى حاكم أهل العدل فأبى عليك إلّا أن يرافعك إلى حاكم أهل الجور ليقضوا له، كان ممّن حاكم إلى الطاغوت، وهو قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾)(2).

وقدد أورده الكلينيّ (رضوان الله علیه) ثالث الأحاديث في الباب المذكور بالصورة التالية: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام)..)(3).

فالشيخ وإن ابتدأه بالحسين بن سعيد ممّا يحتمل معه انتزاع الحديث من كتبه، لكن يرجح انتزاعه من الكافي لقرينة المقام.

15 - (الحسين بن محمّد، عن السيّاريّ، عن محمّد بن جمهور، عمّن ذكره، عن ابن

ص: 311


1- الكافي: 7/ 411، ح1.
2- تهذيب الأحكام: 6/ 218 - 219 ح515.
3- الكافي: 7/ 411، ح3.

أبي يعفور، قال: لزمته شهادة فشهد بها عند أبي يوسف القاضي، فقال له أبو يوسف: ما عسيت أن أقول فيك يا ابن أبي يعفور وأنت جاري، ما علمتك إلّا صدوقاً طويل الليل، ولكن تلك الخصلة، قال: وما هي؟ قال: ميلك إلى الترفّض، فبكى ابن أبي يعفور حتّى سالت دموعه، ثمّ قال: يا أبا يوسف، نسبتني إلى قوم أخاف أن لا أكون منهم، قال: وأجاز شهادته)(1).

يمكن القول بانتزاع الحديث من الكافي؛ للشواهد التالية:

أ - أورده في الكافي ثامن الأحاديث التي أوردها في باب النوادر بالصورة التالية: (الحسين بن محمّد، عن السيّاريّ، عن محمّد بن جمهور، عمّن حدّثه، عن ابن أبي يعفور، قال:.. فقال أبو يوسف: ما عسيت.. قال: فأجاز شهادته)(2).

ب - أورد الشيخ قبله حديثاً بالصورة التالية: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن أبي حنيفة، عن أبي حنيفة، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): كيف القتل يجوز فيه شاهدان والزنا لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود، والقتل أشدّ من الزنا؟ فقال: لأنّ القتل فعل واحد والزنا فعلان، فمن ثمّ لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود: على الرجل شاهدان، وعلى المرأة شاهدان)(3).

وقد أورده الكلينيّ سابع الأحاديث في الباب المذكور بالصورة التي هو عليها في التهذيب(4).

ص: 312


1- تهذيب الأحكام: 6/ 278، ح763.
2- يلاحظ: الكافي: 7/ 404، ح8.
3- تهذيب الأحكام: 6/ 277 - 278، ح760.
4- يلاحظ: الكافي: 7/ 404، ح7.

ج - قد أورد الشيخ بعد الحديث في (ب) حديثاً بالصورة التالية: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) بامرأة بكر زعموا أنّها زنت، فأمر النساء فنظرن إليها، فقلن: هي عذراء، فقال: ما كنت لأضرب من عليها خاتم من الله، وكان يجيز شهادة النساء في مثل هذا)(1).

وقد أورده الكلينيّ عاشر الأحاديث في ذلك الباب على الصورة التي أورد الشيخ الحديث عليها(2).

د - أورد الشيخ بعد الحديث في (ج) حديثاً صورته: (سهل بن زياد، عن محمّد ابن الحسن بن شمّون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان مرضيّان عدلان، وشهد له ألف بالبراءة جازت شهادة الرجلين، وأبطل شهادة الألف؛ لأنّه دين مكتوم)(3).

وقد أورده الكلينيّ تاسع الأحاديث في ذلك الباب بالصورة التالية: (عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (علیه السلام)..)(4) إلى آخر ما في التهذيب.

ص: 313


1- تهذيب الأحكام: 6/ 278، ح761.
2- يلاحظ: الكافي: 7/ 404 - 405، ح10.
3- تهذيب الأحكام: 6/ 278، ح762.
4- الكافي: 7/ 404، ح9.

16 - (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن عليّ الكاتب، عن إبراهيم بن محمّد الثقفيّ، عن عبد الله بن أبي شيبة، عن حريز، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، قال: استودع رجلان امرأةً وديعةً، وقالا لها: لا تدفعيها إلى واحد منّا حتّى نجتمع عندك، ثمّ انطلقا فغابا، فجاء أحدهما إليها، فقال: أعطيني وديعتي فإنّ صاحبي قد مات، فأبت حتّى كثر اختلافه، ثمّ أعطته، ثمّ جاء الآخر، فقال: هاتي وديعتي، فقالت المرأة: أخذها صاحبك وذكر أنّك قد متّ، فارتفعا إلى عمر، فقال لها عمر: ما أراك إلّا قد ضمنت، فقالت المرأة: اجعل عليّاً (علیه السلام) بيني وبينه، فقال عمر: اقض بينهما، فقال عليّ (علیه السلام): هذه الوديعة عندي، وقد أمرتماها أن لا تدفعها إلى واحد منكما حتّى تجتمعا عندها، فأتني بصاحبك، ولم يضمّنها، وقال: إنّما أرادا أن يذهبا بمال المرأة)(1).

يظهر انتزاع الحديث من الكافي بلحاظ التالي:

أ - أورده الكلينيّ ثاني عشر الأحاديث التي أوردها في باب النوادر بالصورة التالية: (الحسين بن محمّد، عن أحمد بن عليّ الكاتب، عن إبراهيم بن محمّد الثقفيّ، عن عبد الله بن أبي شيبة، عن حريز، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، قال: استودع رجلان امرأةً وديعةً..)(2)، والملاحظ فيه عدم وجود معلّى بن محمّد في السند، وكذا في نسخة الكافي عند المجلسيّ الأوّل(3)، ولكن في بعض نسخ الكافي وجود معلّى بن

ص: 314


1- تهذيب الأحكام: 6/ 290، ح804.
2- الكافي: 7/ 428، ح12.
3- يلاحظ: روضة المتّقين: 6/ 65.

محمّد(1)، وربّما يلوح من الوسائل سقوط معلّى بن محمّد من نسخته من التهذيب كما هنا(2)، وعليه لا يكون سقوط اسم معلّى بن محمّد ضارّاً في ترجيح انتزاع الحديث من الكافي.

ب - أورد الشيخ (رضوان الله علیه) قبله أحاديث كالتالي:

أوّلاً: (محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن جعفر الكوفيّ، عن محمّد بن إسماعيل، عن جعفر بن عيسى، قال: كتبت إلى أبي الحسن (علیه السلام): جعلت فداك، المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه أعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم، أتقبل دعواه بلا بيّنة أم لا تقبل دعواه إلّا ببيّنة؟ فكتب إليه (علیه السلام): يجوز بلا بيّنة، قال: وكتبت إليه إن ادّعى زوج المرأة الميّتة وأبو زوجها وأمّ زوجها في متاعها أو خدمها مثل الذي ادّعى أبوها من عاريّة بعض المتاع أو الخدم، أيكونون بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب: لا)(3).

وقد أورده الكلينيّ ثامن عشر الأحاديث في باب النوادر بالصورة التي أورده عليها الشيخ(4).

ثانياً: (محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد بن إسحاق، عن هارون ابن حمزة، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل استأجر أجيراً فلم يأمن أحدهما صاحبه، فوضع الأجر على يد رجل، فهلك ذلك الرجل، ولم يَدَع وفاءً، واستهلك

ص: 315


1- يلاحظ: الكافي (ط - دار الحديث): 14/ 692، هامش رقم (1).
2- يلاحظ: وسائل الشيعة: 19/ 10.
3- تهذيب الأحكام: 6/ 289، ح800.
4- يلاحظ: الكافي: 7/ 431 - 432، ح18.

الأجر، فقال: المستأجر ضامن لأجر الأجير حتّى يقضي، إلّا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك فرضي بالرجل، فإن فعل فحقّه حيث وضعه ورضي به)(1).

وقد أورده الكلينيّ سابع عشر الأحاديث في باب النوادر على الصورة التي في التهذيب(2).

ثالثاً: (عنه، عن محمّد بن أحمد، عن أبي عبد الله الجامورانيّ، عن الحسن بن عليّ ابن أبي حمزة، عن عبد الله بن وضّاح، قال: كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم، فقدّمته إلى الوالي، فأحلفته فحلف، وقد علمت أنّه حلف يميناً فاجرةً، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة، فأردت أن أقبض الألف درهم التي كانت لي عنده، وأحلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن (علیه السلام): فأخبرته أنّي قد حلّفته فحلف، وقد وقع له عندي مال فإن أمرتني أن آخذ منها الألف درهم التي حلف عليها فعلت، فكتب (علیه السلام): لا تأخذ منه شيئاً إن كان ظلمك فلا تظلمه، ولولا أنّك رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك، ولكنّك رضيت بيمينه، فقد مضت اليمين بما فيها، فلم آخذ منه شيئاً، وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن (علیه السلام))(3)، وضمير (عنه) راجع إلى محمّد بن يحيى الذي ابتدأ باسمه في سند الحديث السابق عليه.

وهذا الحديث أورده الكلينيّ رابع عشر الأحاديث في باب النوادر على نفس

ص: 316


1- تهذيب الأحكام: 6/ 289، ح801.
2- يلاحظ: الكافي: 7/ 431، ح17.
3- تهذيب الأحكام: 6/ 289 - 290، ح802.

الصورة التي في التهذيب(1).

رابعاً: (أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يوسف بن عقيل، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أكل هو وأصحاب له شاةً، فقال: إن أكلتموها فهي لكم، وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا، فقضى فيه أنّ ذلك باطل، لا شيء فيه للمؤاكلة في الطعام ما قلّ منه وما كثر، ومنع غرامته فيه)(2).

وقد أورده الكلينيّ حادي عشر الأحاديث في باب النوادر أيضاً بالصورة التالية: (محمّد ين يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يوسف بن عقيل، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام)..)(3)، ولعلّ الشيخ اعتمد في اختصار اسم محمّد بن يحيى من بداية السند على الحديثين السابقين على هذا الحديث، فإنّه ابتدأ به السند فيهما.

خامساً: (أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سمعت ابن أبي ليلى يحدّث أصحابه، قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) بين رجلين اصطحبا في سفر فلمّا أرادا الغداء أخرج أحدهما من زاده خمسة أرغفة، وأخرج الآخر ثلاثة أرغفة، فمرّ بهما عابر سبيل، فدعواه إلى طعامهما، فأكل الرجل معهما حتّى لم يبق شيء، فلمّا فرغوا أعطاهما العابر بهما ثمانية دراهم ثواب ما أكل من طعامهما، فقال صاحب الثلاثة أرغفة لصاحب الخمسة أرغفة: اقسمها نصفين بيني وبينك، وقال

ص: 317


1- يلاحظ: الكافي: 7/ 430 - 431، ح14.
2- تهذيب الأحكام: 6/ 290، ح803.
3- الكافي: 7/ 428، ح11.

صاحب الخمسة: لا بل يأخذ كلّ واحد منّا من الدراهم على عدد ما أخرج من الزاد، قال: فأتيا أمير المؤمنين (علیه السلام) في ذلك، فلمّا سمع مقالتهما قال لهما: اصطلحا فإنّ قضيّتكما دنيّة، فقالا: اقض بيننا بالحقّ..)(1).

وقد أورده الكلينيّ (رضوان الله علیه) عاشر الأحاديث في باب النوادر بالصورة التالية: (محمّد ابن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وعليّ بن إبراهيم عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سمعت ابن أبي ليلى يحدّث أصحابه، فقال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام)..)(2).

17 - (الحسين بن محمّد، عن سماعة، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلّا تتزوّج فتدخل عليهم من يفسد مواريثهم)(3).

والظاهر انتزاع الحديث من الكافي بشهادة التالي:

أ - أورده الكلينيّ سابع الأحاديث في باب أنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً بالصورة التالية: (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن حمّاد ابن عثمان، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب كيلا يتزوّجن، فيدخل عليهم، يعني أهل المواريث من يفسد مواريثهم)(4)، فيلاحظ عدم

ص: 318


1- تهذيب الأحكام: 6/ 290 - 291، ح805.
2- الكافي: 7/ 427 - 428، ح10.
3- تهذيب الأحكام: 9/ 298 - 299، ح1068.
4- الكافي: 7/ 129، ح7.

توسّط سماعة بين الحسين بن محمّد، ومعلّى بن محمّد في سند الكافي، ولكن لا وجود لهذه الزيادة في الاستبصار(1)، ولا في الوافي عن التهذيب(2)، وهو الصحيح بلحاظ الطبقات.

ب - أورد الشيخ قبله مجموعة من الأحاديث كالتالي:

أوّلاً: (الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن الحسن بن زياد العطّار، عن محمّد بن نعيم الصحّاف، قال: مات محمّد بن أبي عمير وأوصى إليّ، وترك امرأةً لم يترك وارثاً غيرها، فكتبت إلى عبد صالح (علیه السلام)، فكتب إليّ: أعط المرأة الربع، واحمل الباقي إلينا)(3).

وقد أورده في الكافي أوّل الأحاديث في باب الرجل يموت ولا يترك إلّا امرأته، وصورته: (حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن الحسن بن زياد العطّار، عن محمّد بن نعيم الصحّاف، قال: مات محمّد بن أبي عمير بيّاع السابريّ، وأوصى إليّ وترك امرأةً له ولم يترك وارثاً غيرها، فكتبت إلى العبد الصالح (علیه السلام) فكتب إليّ: أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا)(4).

ثانياً: (أحمد بن محمّد، عن عليّ بن مهزيار، قال: كتب محمّد بن أبي حمزة العلويّ إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام): مولىً لك أوصى إليّ بمائة درهم وكنت أسمعه يقول كلّ شيء

ص: 319


1- يلاحظ: الاستبصار: 4/ 152، ح574.
2- يلاحظ: الوافي: 25/ 785.
3- تهذيب الأحكام: 9/ 295 - 296، ح1058.
4- الكافي: 7/ 126، ح1.

هو لي فهو لمولاي، فمات وتركها ولم يأمر فيها بشيء..فكتب (علیه السلام) إليّ: انظر أن تدفع هذه الدراهم إلى زوجتي الرجل..)(1).

وقد أورده في الكافي رابع الأحاديث في الباب المذكور، وصورته: (عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن عليّ بن مهزيار، قال: كتب محمّد بن حمزة العلويّ إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام)..)(2).

ثالثاً: (سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن خلف بن حمّاد، عن موسى بن بكر، عن محمّد بن مروان، عن أبي جعفر (علیه السلام) في زوج مات وترك امرأته، قال: لها الربع ويدفع الباقي إلى الإمام)(3).

وقد أورده في الكافي خامس الأحاديث في الباب المذكور بالصورة التالية: (عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن خلف بن حمّاد، عن موسى ابن بكر، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) في زوج مات وترك امرأةً، فقال: لها الربع وتدفع الباقي إلينا)(4)، واختلاف السند في الراوي عن الإمام (علیه السلام) - من كونه في التهذيب محمّد بن مروان، وفي الكافي محمّد بن مسلم - من قبيل اختلاف نسخ الكافي كما يظهر من طبعة دار الحديث للكافي، وكذا الاختلاف في نهاية الحديث ففي الكافي: (إلينا) وفي التهذيب: (إلى الإمام)(5).

ص: 320


1- تهذيب الأحكام: 9/ 296، ح1059.
2- الكافي: 7/ 126، ح4.
3- تهذيب الأحكام: 9/ 296، ح1060.
4- الكافي: 7/ 127، ح5.
5- يلاحظ: الكافي (ط - دار الحديث): 13/ 642، 643، هامش (13)، (5).

رابعاً: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة وبكير وفضيل وبريد ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام)، منهم من رواه عن أبي جعفر (علیه السلام) ومنهم من رواه عن أبي عبد الله (علیه السلام) ومنهم من رواه عن أحدهما (علیهما السلام) أنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض، إلّا أن يقوّم الطوب والخشب قيمةً، فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان من قيمة الطوب والجذوع والخشب)(1).

وقد أورده في الكافي ثالث الأحاديث في باب أنّ النساء لا يرثنّ من العقار شيئاً بالصورة التي في التهذيب(2).

خامساً: (أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام): أنّ المرأة لا ترث ممّا ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدوابّ شيئاً، وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت ممّا ترك، ويقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقّها منه)(3).

وقد أورده في الكافي ثاني الأحاديث في الباب السابق بالصورة التالية: (عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، وحميد بن

زياد عن ابن سماعة، جميعاً عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام)..)(4).

ص: 321


1- تهذيب الأحكام: 9/ 297 - 298، ح1064.
2- الكافي: 7/ 128، ح3.
3- تهذيب الأحكام: 9/ 298، ح1065.
4- الكافي: 7/ 127 - 128، ح2.

سادساً: (يونس بن عبد الرحمن، عن محمّد بن حمران، عن زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً)(1).

وقد أورده في الكافي أوّل الأحاديث في الباب المذكور، وصورته: (عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن حمران، عن زرارة، عن(2) محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام)..)(3).

سابعاً: (سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً..)(4).

وقد أورده في الكافي خامس الأحاديث في الباب المذكور بالصورة التالية: (عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام)..)(5).

18 - (الحسين بن محمّد، عن حريز، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في رجل شجّ عبداً موضحةً، فقال: عليه نصف عشر قيمة العبد لمولى العبد، ولا يجاوز بثمن العبد دية الحرّ)(6).

ص: 322


1- تهذيب الأحكام: 9/ 298، ح1066.
2- كذا ورد في المطبوع من الكافي، ولعلّ ما في التهذيب من رواية محمّد بن حمران عن زرارة ومحمّد بن مسلم هو الصحيح.
3- الكافي: 7/ 127، ح1.
4- تهذيب الأحكام: 9/ 298، ح1067.
5- الكافي: 7/ 128 - 129، ح5.
6- تهذيب الأحكام: 10/ 293 - 294، ح1141.

ابتداء السند بالحسين بن محمّد هنا موافق لما في ملاذ الأخيار(1)، ولكن في الوافي والوسائل نقلاً عن التهذيب: الحسن بن محمّد بدل الحسين بن محمّد(2)، وهو الصحيح الموافق للطبقات؛ فإنّ المراد بالحسن هو الحسن بن محمّد بن سماعة، الذي هو من السادسة، فيمكن له الرواية عن حريز الذي هو من الخامسة، ولا وجود للحسين بن محمّد في هذه الطبقة.

وعليه فهذه الرواية لا تكون ممّا ابتدأه الشيخ بالحسين بن محمّد الأشعريّ شيخ الكلينيّ (رضوان الله علیه).

النتائج المتحصّلة

قد تبيّن ممّا مرّ أنّ ما ابتدأ به الشيخ باسم الحسين بن محمّد لم يكن مصدره فيه كتاب الحسين بن محمّد، بل كلّ ما ابتدأ فيه باسمه قد أخذه من كتاب الكافي، وقد نبّه على ذلك من قبلُ بعضُ أعاظم العصر (دام ظله العالی) (3).

* * *

هذا ما أردنا التعرّض له في هذه الحلقة، وسيأتي إن شاء الله تعالى التعرّض لبعضٍ آخر ممّن ابتدأ الشيخ بأسمائهم في الحلقة الثانية.

ص: 323


1- يلاحظ: ملاذ الأخيار: 16/ 629.
2- يلاحظ: الوافي: 16/ 728، وسائل الشيعة: 29/ 389.
3- يلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار (تقرير بحث السيّد السيستانيّ (دام ظله العالی)): 14.

ص: 324

حاشية الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال للعلامة الحلی (قدس سره) وعلى حاشية والده على الخلاصة - الشيخ محمد العتبي (دام عزه)

اشارة

ص: 325

ص: 326

مقدمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على محمّد نبيّنا الأمين، وعلى آله الطاهرين.

لا ريب في أنّ الحديث الشريف أهمّ مصدر للتشريع الإسلاميّ بعد القرآن الكريم، فليس للفقيه بديلاً عن النظر فيه فقهاً ودرايةً من جهة، وجهةً وصدوراً من جهة أخرى، وحيث كانت تلك الجهة الأخرى تتطلّب إحاطة بعلم الرجال نخلص إلى أنّ علم الرجال جناح الفقيه وعضده.

ولأجل ذلك كلّه بذل علماؤنا (قدّس الله أنفسهم الزكيّة) جهداً منقطع النظير في تشييد أركانه وتأصيل أصوله وصولاً للنظر الأصوب في بيان أحوال الرجال وما يرتبط بتلك الأحوال من ضبط الأسماء والكنى والألقاب، وعمّن روى ومن روى عنه، حرصاً على أن لا يضيع أصيل ويدخل غريب.

ولم يغب الشيخ حسن (رحمة الله) عن ذلك كلّه، فهذا الرجل النحرير حرّر طاووسه وانتقى جمانه وعلّق محشّياً وحشّى معلّقاً خدمة للغرض المذكور، فكان لزاماً أن يُبذل الجهد من أجل الوقوف على ما جادت به أنامله لدقّة صنعته وحسن فطنته.

وهذه الحاشية التي بين يديك - عزيزي القارئ - هي إحدى نتاجاته (رحمة الله) التي

ص: 327

حاول فيها أن يصل إلى غاية الضبط فيما ينقله العلّامة فكانت حاشيته على خلاصة الأقوال، وكذا ما حشّى به والده فكانت حاشيته على حاشية أبيه.

وممّا يؤسف له أنّ الحاشيتين لم تطلهما يد الإخراج من دائرة المخطوط، بل إنّ حاشيته على حاشية أبيه لم يُشَر إليها أصلاً، فكان حريّاً بنا أن نضع هاتين الحاشيتين بين يدي الباحثين والعارفين بأهمّيّتهما.

وقد صدّرتُ ذلك بإيجازٍ في ترجمته (رحمة الله) تضمّن ما لا بُدّ من ذكره في أمثال المقام من نسبه ونشأته وذكر مشايخه وتلاميذه وأهمّ ما صنّفه.

ص: 328

نبذة من حياة المؤلِّف

اسمه

هو الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن ابن الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ ابن أحمد بن محمّد بن عليّ بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح بن شرف العامليّ الجبعيّ الشاميّ(1).

مولده

ولد (رحمة الله) سنة 959ﻫ بقرية (جُبَع) المنسوب إليها أبوه (رحمة الله) من قرى جبل عامل المحميّة موطن علماء الإماميّة، بقي (رحمة الله) في حجر أبيه أربع سنين في الظاهر كما عن أكثر كتب التراجم(2).

أسرته ونشأته

كان (رحمة الله) من أسرة علميّة ذات وجاهة دينيّة واجتماعيّة، فوالده الشيخ زين الدين ابن عليّ المعروف ب- (الشهيد الثاني)، الفقيه المتكلّم، وظهور حاله في العلم والتقوى لا يحتاج إلى إيضاح.

وكان جدّه لأبيه هو الشيخ نور الدين عليّ بن أحمد المعروف ب- (الحجّة) أو (الحاجة) من كبار أفاضل عصره، وأمّا جدّه لأمّه فهو الشيخ الكامل الفاضل محيي الدين (رحمة الله).

ص: 329


1- يلاحظ: أمل الآمل: 1/ 57، رياض العلماء: 1/ 225.
2- يلاحظ: أمل الآمل: 1/ 67، مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال: 124.

وأمّا ولداه فأحدهما الشيخ أبو جعفر محمّد صاحب كتاب (استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار) ووالد كلّ من الشيخ عليّ صاحب كتاب الدرّ المنثور، والشيخ زين الدين، والآخر الشيخ أبو الحسن عليّ، وهو مذكور في التراجم والفهارس.

ونشأ الشيخ حسن (رحمة الله) مكفولاً من السيّد عليّ بن الحسين المشتهر ب- (بابن أبي الحسن) تلميذ الشهيد الثاني ووالد السيّد محمّد صاحب كتاب (مدارك الأحكام)؛ إذ قد فقد والده الشهيد في أوائل سني عمره.

وقد تولّى السيّد عليّ الصائغ والسيّد عليّ بن الحسين تربيته إلى أن كبر، وقد قرأ عليهما لا سيّما السيّد عليّ الصائغ هو والسيّد محمّد أكثر العلوم.. من معقول ومنقول وفروع وأصول وعربيّة، ولمّا انتقل السيّد عليّ إلى رحمة الله ورد الفاضل الكامل الشيخ عبد الله اليزديّ تلك البلاد، فقرأ عليه المنطق والمطوّل..

ثمّ سافر هو والسيّد محمّد إلى العراق قاصدين الشيخ أحمد الأردبيليّ.. وقرأ عنده عدّة كتب في الأصول والمنطق والكلام، مثل شرح مختصر العضديّ وشرح الشمسيّة وشرح المطالع وغيرها، وكان (قدّس الله روحه) يكتب شرحاً على الإرشاد ويعطيهما أجزاءً منه، ويقول: انظرا في عبارته، وأصلحا منها ما شئتما، فإنّي أعلم أنّ بعض عباراته غير فصيح، وهذا منه (قدس سره) غاية التواضع وعلو النفس(1).

وفاته ومدفنه

قال حفيده: (انتقل إلى جوار الله في سنة إحدى عشرة وألف، ولا يحضرني

ص: 330


1- يلاحظ لما ورد تحت هذا العنوان: الدرّ المنثور من المأثور وغير المأثور: 2/ 201، أمل الآمل: 1/ 67، روضات الجنّات: 2/ 302.

خصوص الشهر واليوم، ودفن في بلدة جبع (قدّس الله روحه ونوّر ضريحه)، فيكون سِنّه اثنين وخمسين سنة وشيئاً)(1).

ما قيل في حقّه

قال الحرّ العامليّ: (فاضل، فقيه، محقّق جليل، يروي عن أبيه وقد أجاز له)(2).

ولعلّ أبلغ ما قيل في حقّه هو ما قاله السيّد عليّ المدنيّ: (الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني العامليّ، شيخ المشايخ الأجلّة، ورئيس المذهب والملّة، الواضح الطريق والسنن، الموضّح للفروض والسنن، يمّ العلم الذي يفيد ويفيض، وجمّ الفضل الذي لا يراع له يراع، والمدقّق الذي راق فضله وراع، المتفنّن في جميع الفنون، المفتخر به الآباء والبنون، قام مقام والده في تمهيد قواعد الشرائع، وشرح الصدور بتصنيفه الرائق وتأليفه الرائع، فنشر للفضائل حللاً مطرّزة الأكمام، وماط عن مباسم أزهار العلوم لثام الكمام.. أمّا الأدب فهو روضه الأريض، ومالك زمام السجع منه والقريض، والناظم لقلائده وعقوده، والمميّز عروضه من نقوده..)(3).

مشايخه

1. المولى أحمد الأردبيليّ.

2. الشيخ أحمد بن سليمان العامليّ.

ص: 331


1- الدر المنثور من المأثور وغير المأثور: 2/ 203.
2- أمل الآمل: 1/ 67.
3- سلافة العصر في محاسن العصر: 2/ 507، الرقم: 51.

3. الشيخ عبد الله اليزديّ.

4. السيّد عليّ بن أبي الحسن صهر الشهيد الثاني، والد صاحب المدارك.

5. السيّد عليّ بن الحسين الصائغ الحسينيّ العامليّ.

6. الشيخ عزّ الدين حسين بن عبد الصمد، والد الشيخ البهائيّ(1).

تلامذته والراوون عنه

1. الشيخ حسين بن الحسن الظهيريّ.

2. الشيخ نجيب الدين عليّ بن محمّد بن مكّيّ العامليّ.

3. الشيخ زين العابدين بن محمّد العامليّ.

4. الشيخ أبو الحسن عليّ، وهو ابنه الأكبر.

5. الشيخ عليّ بن معالي العامليّ.

6. الشيخ عليّ بن محمّد بن مكّي العامليّ.

7. الشيخ عبد اللطيف بن عليّ العامليّ.

8. الشيخ عبد السلام بن محمّد الحرّ عمّ صاحب الوسائل.

9. الشيخ أبو جعفر محمّد، ابنه ووالد الشيخ عليّ.

10. السيّد نجم الدين ابن السيّد محمّد الحسينيّ(2).

هذه نبذة يسيرة عن قامة شامخة وجبل أشمّ لا تدركه هذه الكلمات القصار.

ص: 332


1- يلاحظ للكلّ: أمل الآمل: 1/ 58، روضات الجنّات: 2/ 301.
2- يلاحظ للكلّ: أمل الآمل: 1/ 99، 111، 134، رياض العلماء: 1/ 227، روضات الجنّات: 2/ 301.
مصنّفاته

له (رحمة الله) الكثير من المؤلّفات، والظاهر أنّه لم يبلغ الغاية من تأليفه لأكثرها؛ ولعلّه لما أشار إليه صاحب الروضات من أنّه كان يشتغل بأكثر من مؤلّف واحد في زمان واحد.

1. منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، خرج منه كتب العبادات، ولم يتمّه.

2. معالم الدين وملاذ المجتهدين، خرج منه مقدّمة في الأصول وبعض كتاب الطهارة، ولم يتمّه.

3. التحرير الطاووسيّ، وهو تهذيب لكتاب حلّ الإشكال للسيّد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس، فرغ منه سنة 991ﻫ.

4. شرح على ألفيّة الشهيد الأوّل.

5. الرسالة الاثني عشريّة في الصلاة.

6. مناسك الحجّ.

7. رسالة في عدم جواز تقليد الميت.

8. مشكاة القول السديد في تحقيق معنى الاجتهاد والتقليد.

9. ديوان شعر كبير.

10. تعاليقه على كتاب (مختلف الشيعة) للعلّامة الحلّيّ، وعلى شرح اللمعة لوالده (رحمة الله).

11. تعاليقه على الكتب الأربعة: الكافي، والفقيه، والتهذيبين.

ص: 333

12. جواب المسائل المدنيّات الأولى والثانية والثالثة.

13. إجازته الكبيرة للسيّد نجم الدين ابن السيّد محمّد الحسنيّ.

13. ترتيب مشيخة من لا يحضره الفقيه، وفرغ منها سنة 982ه- (1).

14. تعليقاته على خلاصة الأقوال(2)، وهو الذي بين يدي القارئ الكريم.

15. تعليقاته على حاشية والده على خلاصة الأقوال، وهو الذي بين يدي القارئ الكريم أيضاً.

ويبدو أنّه (قدس سره) كتب التعليقتين في العقد الرابع من عمره الشريف؛ حيث أرجع في تعليقته على عنوان: (عليّ بن الحسين بن عبد الله) إلى كتاب التحرير الطاووسيّ الذي أكمله ضحى يوم الأحد سابع شهر جمادى الأولى من سنة إحدى وتسعين وتسعمائة بحسب ما ورد في آخر المطبوع منه(3)، وبما أنّه سنة ولادته (959 ﻫ)، فيكون في عقده الرابع عند تعليقه على الخلاصة وعلى ما علّقه عليها والده الشهيد.

والملاحظ أنّ المتعرّضين لترجمته (رحمة الله) لم يذكروا تعليقته على ما علقّه والده الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال بحسب ما اطّلعت عليه، بل اكتفى في الرياض - الذي نظر إلى كلامه غير واحد ممّن ترجم للشيخ حسن - بذكر حاشيته على الخلاصة فقط، وهذا لا يعني عدم وجود تعليقة له على تعليقة والده؛ إذ لعلّهم يتوسّعون في

ص: 334


1- يلاحظ: مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال: 124، روضات الجنّات: 2/ 296.
2- يلاحظ لجميع ما تقدّم من المصنّفات: رياض العلماء: 1/ 226، روضات الجنّات: 2/ 296، وأمّا ترتيب مشيخة الفقيه فقد ذكرت في مصفّى المقال فقط، يلاحظ: مصفّى المقال: 124.
3- يلاحظ: التحرير الطاووسيّ: 247.

إطلاق اسم حاشية الخلاصة حتّى على التعليق الذي يكون على حاشية عليها، بلحاظ رجوع الحاشيتين لخلاصة الأقوال.

وعلى كلّ حال فلإثبات نسبة الحاشية الموجودة فعلاً في المخطوطات إلى الشيخ حسن (رحمة الله) لا بدّ من سلوك طريقين:

الأوّل: ملاحظة ما يدلّ على ذلك من قرائن في نفس النسخ المعتمدة في التحقيق.

الثاني: ملاحظة ما يدلّ عليه من خارج هذه النسخ.

ومن

الأوّل عباراته الصريحة التي تبيّن الارتباط النَسبيّ بالشهيد الثاني، وقد جاء ذلك في بعض الألفاظ:

منها: ( ما ذكره الوالد، أو ما ذكره والدي) وغير ذلك ممّا ورد في ترجمة:

1 - إبراهيم بن عمر، فالذي ورد فيه تعقيباً على كلام الشهيد، قلت: (فيما ذكره الوالد).

2 - بريد بن معاوية، وقد جاء فيه تعقيباً على كلام الشهيد، قلت: (يعضد ما ذكره والدي (قدس سره)).

3 - حذيفة بن منصور، قال معقّباً على كلام الشهيد: قلت: (لا يبعد أن يكون ما ذكره الوالد).

ومنها: ما جاء في تعليقته على الخلاصة وحاشيتها في ترجمة (عليّ بن الحسين بن عبد الله)، حيث أشار فيها إلى إحدى أهمّ تعليقاته، وهي على ما جمعه من كتاب السيّد ابن طاووس، حيث قال: (وأوضحنا في الفوائد التي علّقناها على الكتاب الذي جمعناه من كتاب ابن طاووس).

ص: 335

فلعلّ هذا من شواهد صدق نسبة هذه التعليقات إليه (رحمة الله).

ومنها: أنّه قد ذيّلت تعليقات الشيخ حسن في نسخة المسجد الأعظم بالرمز (ﻫ ابن ز) أو (ح ن ابن ز) أو (ﻫ ح ن ابن ز) وهو وإن لم يوجب الاطمئنان بكونها للشيخ حسن (رحمة الله) إلّا أنّه بمقارنة هذه التعليقات ورموزها مع ما ورد في نسخة جامعة طهران من اشتمالها على رمز (ابن زين) يتّضح وحدة المضمون ووحدة الجهة التي صدرت منها هذه التعليقات، وبه ينحلّ الرمز (ح ن ابن ز) إلى (حسن بن زين الدين)، وينحلّ أيضاً الرمز (ﻫ ح ن ابن ز) بحسب ما أظنّ إلى (انتهى حسن بن زين الدين).

وأمّا القرائن الخارجيّة الدالّة على نسبتها إلى الشيخ حسن (رحمة الله) فهو تقارب ما ورد في عدّة مواضع من تعليقته على حاشية والده الشهيد (رحمة الله) مع ما ذكره في تعليقته على التحرير الطاووسيّ ممّا يفيد بمجموعه الظنّ بوحدة كاتبها، منها(1):

1 - ما ذكره في تعليقته على الخلاصة في ترجمة الحسين بن عبد ربّه (ذكره المصنّف في الحسين بن عبد ربّه وهمٌ نسبه إليه السيّد جمال الدين..). ووصف الوهم كان لقول العلّامة: إنّه كان وكيلاً بطريق هو: (محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن نصير، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى أنّه كان وكيلاً).

وهذه العبارة قريبة ممّا ذكره في تعليقته على التحرير الطاووسيّ: 80، الرقم: 105، حيث قال هناك معقّباً على وصفه بأنّه كان وكيلاً، وبعين الطريق الذي ذكره

ص: 336


1- هذه النماذج المختارة هي من حاشيته في ضمن مجموعة حواشٍ ذكرت على متن الخلاصة التي هي من محفوظات المسجد الأعظم.

العلّامة: (قلت: ما ذكره في شأن الحسين بن عبد ربّه وهم).

2 - ما ورد في تعليقته على خلاصة الأقوال في ترجمة عيسى بن أبي منصور، قلت: في طريق كتاب من لا يحضره الفقيه: إذا أردت أن تنظر خياراً.. إلخ.

وأمّا ما جاء في تعليقته على التحرير الطاووسيّ فهو مقارب له، حيث قال هناك: (في نقل الحديث الثاني زيادة، وهذا نصّه: كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) إذ أقبل عيسى ابن أبي منصور، فقال: إذا أردت أن تنظر إلى خيار في الدنيا وخيار في الآخرة فانظر إليه)(1).

3 - ما ورد في ترجمة يزيد بن إسحاق، بعد حديث طويل، قال: (ولا يخفى أنّ الرواية صريحة في أنّ يزيد هو الذي كان يقول بحياة الكاظم (علیه السلام)، وأنّ قوله: وكان أرفع الناس لهذا الأمر ليس من الرواية، وإنّما هو من كلام الحسن بن موسى، والظاهر أنّ المراد منه القول بالوقف، فهي تشير إلى ما تضمّنته الحكاية من حال يزيد).

وجاء في تعليقته على التحرير الطاووسيّ ما نصّه: (ولا يخفى أنّ الذي يدلّ عليه صريحاً هو أنّ يزيد كان يقول بحياة الكاظم (علیه السلام) لا محمّداً، وأيضاً فقوله: كان من أرفع الناس لهذا الأمر ليس من الرواية، وإنّما هو من كلام الحسن بن موسى، والظاهر أنّ المراد منه كونه واقفياً، فهو يشير إلى أنّ الحكاية عنه، وكلام السيّد هنا موهوم، وقد تبعه فيه العلّامة في الخلاصة)(2).

ص: 337


1- التحرير الطاووسيّ: 200.
2- التحرير الطاووسيّ:310.
النسخ المعتمدة في التحقيق
اشارة

ما اعتمدته في تحقيق هذه التعليقة للشيخ حسن (رحمة الله) على خلاصة الأقوال للعلّامة الحلّيّ وعلى حاشية أبيه الشهيد الثاني على الخلاصة ثلاث نسخ:

الأولى

نسخة مكتبة المسجد الأعظم في قم المشرّفة ذات الرقم (1387)، وهي بخطّ النسخ، تاريخها ق12، أبعاد الصفحة بحدود: 13× 20سم، مؤلّفة من (174) ورقة بمعدّل (15) سطراً للصفحة الواحدة، وقد رمزت لها بالرمز (أ).

وقد أشرت لبعض ما يتعلّق بهذه المخطوطة من الخلاصة في مقدّمة تحقيقي لحاشية الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال التي هي في طور الإعداد.

وتبدأ حاشية الشيخ حسن على القسم الأوّل من الخلاصة بإبراهيم بن عيسى، لتنتهي عند الفائدة العاشرة من خاتمة الخلاصة في طرقه للشيخ أبي جعفر الطوسيّ (رحمة الله)، ويبلغ مجموع ما فيها (83) مورداًً، من أصل (85)، كان منها (52) مورداً هو مجموع ما علّق عليه من خلاصة الأقوال، و(31) مورداً هو مجموع ما علّق عليه من حاشية أبيه (رحمهم الله جميعاً).

وتمتاز هذه النسخة ببعض الخصوصيّات:

1- أنّها حوت كلّ ما في المخطوطة الثانية إلّا ترجمة: (عبد السلام بن صالح أبو الصلت)، وكذا كلّ ما في المخطوطة الثالثة إلّا ترجمة: (عبد الملك بن عمرو).

2 - تضمّنها تعليقات الشيخ حسن (رحمة الله) على خلاصة الأقوال، وحاشية أبيه على القسم الأوّل والثاني والخاتمة.

3 - هذه الحاشية جاءت هامشاً على متن الخلاصة، ونسخة الخلاصة هذه

ص: 338

معتمدة عند الشهيد - ويظنّ أنّها وصلت إلى ولده الشيخ حسن (رحمهما الله) في التعليق - وذلك لورود عبارة في آخر القسم الأوّل من الخلاصة، عبّر عنها الناسخ بأنّها صورة خطّ الشهيد، وصورتها كالتالي: (بلغت المقابلة على حسب الجهد والطاقة، إلّا ما زاغ عنه البصر بنسخة مكتوبة عن الأصل، وعليها خطّ المصنّف (رحمة الله) بالقراءة والمقابلة وبالنسخ المكتوبة منها، وهي مقروءة على ولد المصنّف رحمهما الله.. في مجالس آخرها يوم الثلاثاء خامس عشر شهر جمادى الآخر سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، كتبه زين الدين بن عليّ بن الحاجة تجاوز الله عنه). انتهى.

وجاء في آخر الكتاب: (بلغت المقابلة بحسب الجهد والطاقة بنسخة مقروءة على ولد المصنّف (رحمة الله)، وعليها إجازته، وبالنسخة المكتوبة منها ومقروءة على ولد المصنّف فخر الدين (رحمة الله)، فإذا تخالفا كتبتُ النسخة المقروءة على الهامش وجعلتُ علامتها خ. ف [سيأتي في بعض الموارد ضبطها: (خ. ق)] انتهى).

وقد أثبتنا في الهامش هذه الاختلافات التي ذكرها الشهيد.

ويظهر بحسب التتبّع أنّها جمعت من نسخ مختلفة؛، إذ احتوت على تعلىقات متعدّدة مختلفة الخطّ والرمز.

وحيث كان الاعتماد في ترتيب الأسماء على نسخة الخلاصة هذه فقد يجد القارئ الكريم بعض الاختلاف عن خلاصة الأقوال المطبوعة، وهو ما أشرت إليه في الهامش، وكذا الكلام في حاشية الشهيد الثاني.

الثانية

نسخة مكتبة جامعة طهران، وردت ضمن مجموعة بالرقم ( 208 - ج)، وهي بخطّ النسخ، تاريخها ق13، ومؤلّفة من (15) ورقة، تشتمل كلّ صفحة على (25) سطر، أبعاد كلّ صفحة: 7,5 × 13سم، وقد رمزت لها ب- (ب).

ص: 339

متنها مؤلّف من متن الخلاصة المناسب لتعليقة الشهيد الثاني عليها، مع تعليقات الشهيد، وجاءت تعليقة الشيخ حسن عليها في الهامش أيضاً.

وتبدأ من القسم الأوّل بإبراهيم بن عيسى، لتنتهي مع نهاية هذا القسم عند هارون ابن موسى، فيكون مجموع ما فيها (29) مورداً، (6) تعليقات هي مجموع ما ذكر من تعليقاته على خلاصة الأقوال، و(23) تعليقة هي مجموع ما علّقه على حاشية أبيه.

وتمتاز بوجوه:

1 - وضوح الخطّ.

2 - وضوح الرمز المشير للشيخ حسن حيث كان (ابن زين).

3 - قلّة ما على متنها من الحواشي ممّا يسهّل الاطّلاع على حاشية الشيخ حسن من بين تلك الحواشي.

الثالثة

نسخة مكتبة جامعة طهران أيضاً، وقد وردت ضمن المجموعة التي وردت فيها النسخة (ب)، وهي بخطّ النسخ تاريخها: ق13 ﻫ، مؤلّفة من (4) أوراق، تشتمل كلّ صفحة على (25) سطراً، أبعاد كلّ صفحة: 7,5 × 13سم، وقد رمزتُ لها ب- (ج).

متنها مؤلّف من متن الخلاصة وموارد قليلة من متن حاشية الشهيد المناسبة لتعليقة الشيخ حسن عليها، وتبدأ من القسم الأوّل من خلاصة الأقوال (بإبراهيم ابن عيسى ) لتنتهي مع نهاية خلاصة الأقوال في الفائدة العاشرة من خاتمة الخلاصة في طرقه للشيخ أبي جعفر الطوسي من ذكر هارون بن محمّد موسى التلعكبريّ، فيكون مجموع ما ذُكر فيها هو (53) مورداً، وهي في أغلبها على خلاصة الأقوال إلّا ثلاثة موارد هي للشيخ حسن على حاشية أبيه، كما هو مصرّح به فيها.

ص: 340

وأمّا جهات امتيازها:

1 - وضوح الخطّ.

2 - أقرب ما تكون إليه هو الاختصاص بحاشية الشيخ حسن (رحمة الله) على خلاصة الأقوال.

3 - لم تحمل رمزاً يرشد لكاتبها إلّا في مورد واحد، ولكنّها متّحدة مع النسختين الباقيتين لحاشية الشيخ حسن (رحمة الله).

4 - امتازت أيضاً بذكر مترجَم لم تذكره النسختين الأخريين كما تقدّم الإشارة إليه.

هذا، والملاحظ أنّ حاشية الشيخ حسن (قدس سره) لم تستوفِ جميع خلاصة الأقوال في القسمين والخاتمة، بل لم تستوف حاشية أبيه أيضاً.

عملنا في التحقيق

1 - صفّ الحروف بالآلة الطابعة.

2 - مقابلة المطبوع مع النسخ المعتمدة.

3 - ضبط النصّ، وتقطيعه وفق ما يؤدّي إلى فهم المعنى.

4 - تخريج الأقوال والأحاديث من مصادرها.

5 - اعتمدت طريقة التلفيق بين النسخ لضبط المتن، وإثبات نقاط الاختلاف المهمّة بين النسخ في الهامش.

6 - لأجل أن يتّضح مضمون تعليقات الشيخ حسن (رحمة الله)، وهل ما ذكره يرتبط بخلاصة الأقوال أو بحاشية الشهيد أبرزت ما تعلّقت به، فإن كانت تتعلّق بالخلاصة فقط قدّمت عبارة الخلاصة يسبقها: [قال العلّامة]، ثمّ تعليقته (رحمة الله)، وإن كانت تعليقته ترتبط بحاشية الشهيد ذكرت أوّلاً متن الخلاصة الذي يتعلّق به تعليق الشهيد، ثمّ

ص: 341

عقّبته بتعليق الشهيد يسبقه: [قال الشهيد]، ثمّ ما علّق به الشيخ حسن (رحمة الله).

7 - اعتمدنا في عناوين الأبواب والفصول وترتيب الأسماء على نسخة (أ) التي هي متن الخلاصة مع هوامش الشهيد الثاني وولده الشيخ حسن (قدس سرهما) عليها.

8 - إضافة بعض التعليقات التوضيحيّة.

هذا، ولم أدّخر جهداً لإتمام العمل بأكمل وجه فمع قِصَره إلّا أنّه ليس كذلك على أمثالي؛ لقلّة الخبرة والبضاعة.

وحتّى لا يفوتني أن أكون من شاكري الجميل أقدّم ثنائي ووافر شكري وتقديري لإدارة مجلّة (دراسات علميّة) لاهتمامهم وتوجيههم، بل يدهم الطولى لإخراج هذه التّعليقة من طوامير النسيان.

وهذه الحاشية في حقيقتها جزء من عملٍ أكبر، وهو تحقيقي لحاشية الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال بعد أن دعت الحاجة إلى إعادة تحقيقها، إلّا أنّ طول الحاشيتين وتكثّر صفحاتهما معاً الذي يتنافى مع مقرّرات النشر في المجلّة العلميّة تلطّفت إدارة المجلّة بطبع حاشية الشيخ حسن لتناسب عدد صفحاتها مع تلك المقرّرات وما تزال يد لطفهم ممتدّة إلى حين طباعة الحاشيتين معاً إن شاء الله تعالى.

فأسأل الله تعالى أن يمنّ عليهم بدوام توفيقاته وحسن رعايته.

وأنهي كلامي هذا حامداً لله تعالى على عظيم منّه وتوفيقه، وأسأله تعالى أن يتقبّل هذا القليل بجوده وكرمه إنّه سميع مجيب.

ص: 342

صورة

الصفحة الأولى من النسخة (أ)

ص: 343

صورة

الصفحة الأخيرة من النسخة (أ)

ص: 344

صورة

الصفحة الأولى من النسخة (ب)

ص: 345

صورة

الصفحة قبل الأخيرة من النسخة (ب)

ص: 346

صورة

الصفحة الأولى من النسخة (ج)

ص: 347

صورة

الصفحة ا لأخيرة من النسخة (ج)

ص: 348

حاشية الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني ...

اشارة

حاشية الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني

على

خلاصة الأقوال للعلامة الحلی (قدس سره)

وعلى

حاشية والده على الخلاصة

تحقيق

الشيخ محمد العتبي (دام عزه)

ص: 349

ص: 350

القسم الأول

الفصل الأوّل: في الهمزة
الباب الأوّل: في إبراهيم
1 - إبراهيم بن عيسى

[قال العلّامة]: (إبراهيم بن عيسى أبو أيّوب الخرّاز)(1).

قلت: المتكرّر في طرق الأخبار عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز(2).

2 - إبراهيم بن عمر اليمانيّ

2 - إبراهيم بن عمر اليمانيّ(3).

[قال العلّامة]: (والأرجح عندي قبول روايته)(4).

[قال الشهيد]: (أقول في ترجيح تعديله نظر..

ص: 351


1- خلاصة الأقوال: 50، الرقم: 13، وفيها: (ابن أيّوب).
2- يلاحظ: الكافي: 2/ 523، باب القول في الإصباح والإمساء، ح5، من لا يحضره الفقيه: 4/ 469، ح2554، تهذيب الأحكام: 3/ 293، ح888. ويلاحظ أيضاً: وسائل الشيعة: 30/ 297، الفائدة: 12.
3- في (ج): لم يرد العنوان.
4- خلاصة الأقوال: 51، الرقم: 15.

أمّا أوّلاً فلتعارض الجرح والتعديل، والأوّل مرجّح، مع أنّ كلَّاً من الجارح والمعدّل لم يذكر مستنداً لينظر في أمره، وأمّا ثانياً فلأنّ النجاشيّ نقل توثيقه وما معه عن أبي العبّاس وغيره كما يظهر من كلامه. والمراد بأبي العبّاس هذا أحمد ابن عقدة، وهو زيديّ المذهب لا يعتمد على توثيقه، أو ابن نوح، ومع الاشتباه لا يفيد، وغيره مبهم لا يفيد فائدة يعتمد عليها، وأمّا غير هذين من مصنّفي الرجال كالشيخ الطوسيّ وغيره فلم ينصّوا عليه بجرح ولا تعديل)(1).

قلت: فيما ذكره الوالد (قدس سره) تأمّل؛ لأنّ الجرح لا يقاوم التعديل هنا ليكون مقدّماً عليه، وكلام النجاشيّ(2) ظاهر في الموافقة على التعديل وإن حكاه بعد ذلك عن أبي العبّاس وغيره، والمعهود(3) من النجاشيّ في مثله إرادة ابن نوح، وهو أجلّ من أحمد ابن الحسين الغضائريّ صاحب كتاب الرجال الضعفاء، وانضمام غيره إليه زيادة في تحقيق الحكم، غير أنّ ما ذكرناه إنّما يتأتّى على الاكتفاء بتزكية الواحد كما لا يخفى.

3 - إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ

[قال العلّامة]: (وروى الكشّيّ في سند ذكرته في الكتاب الكبير عن أبي محمّد الرازيّ، قال: كنت أنا وأحمد بن أبي عبد الله البرقيّ بالعسكر، فورد علينا رسول من الرجل، فقال لنا: العامل(4) ثقة، وأيّوب بن نوح، وإبراهيم بن محمّد الهمدانيّ، وأحمد

ص: 352


1- حاشية الشهيد: 184، الرقم: 11.
2- يلاحظ: رجال النجاشيّ: 20، الرقم: 26.
3- في(ب) لم يرد: (والمعهود).
4- في اختيار معرفة الرجال: 2/ 831، الرقم: 1035: (الغائب العليل).

ابن حمزة، وأحمد بن إسحاق ثقات جميعاً)(1).

قلت: هنا سهو قلم، والأصل فيه كلام ابن طاووس(2)، فإنّ في نسخ الاختيار للكشّيّ: (وإبراهيم بن محمّد الهمدانيّ وأحمد بن حمزة(3))(4).

4 - إبراهيم بن عبدة

4 - إبراهيم بن عبدة(5).

[قال العلّامة]: (قال أبو عمرو الكشّيّ: حكي عن بعض الثقات بنيشابور..)(6).

قلت: ذكر الحكاية بهذه الصورة مأخوذة من كتاب السيّد جمال الدين(7)، والذي في نسختين عندي للاختيار - إحداهما مقروءة على السيّد - : (حكى بعض الثقات)(8)،

ص: 353


1- خلاصة الأقوال: 52، الرقم: 23، وفيها: (الحامل) بدل (العامل)، و(وابن حمزة) بدل (وأحمد بن حمزة)، وفي طبعة المكتبة الحيدريّة من الخلاصة: 7: (أحمد بن حمزة). وظاهر حال الشيخ حسن (قدس سره) أنّه علّق على نسخة من الخلاصة فيها: (وإبراهيم بن محمّد الهمدانيّ وابن حمزة).
2- يلاحظ: التحرير الطاووسيّ: 32، الرقم: 7.
3- اختيار معرفة الرجال: 2/ 831 الرقم: 1053.
4- في (أ) نسبت هذه التعليقة للشهيد، وفي (ب) نسبت إلى الشيخ حسن، والمظنون أنّها للشيخ حسن (رحمة الله)؛ لأنّها لم تذكر كتعليقة للشهيد في مخطوطة مركز التراث، ولا مخطوطة جامعة طهران المختصّتين بحاشية الشهيد، مضافاً لسياقها القريب من تعليقات الشيخ حسن، لذا صحّ اعتبارها من الموارد الجديدة المضافة لحاشية الشيخ حسن على خلاصة الأقوال.
5- في (ب، ج): لم يرد العنوان.
6- خلاصة الأقوال: 52، الرقم: 24.
7- يلاحظ: التحرير الطاووسيّ: 32، الرقم: 8.
8- اختيار معرفة الرجال: 2/ 844، الرقم: 1088.

والتفاوت بين العبارتين ظاهر.

5 - إبراهيم بن محمّد بن فارس

5 - إبراهيم بن محمّد بن فارس(1).

[قال العلّامة]: (لا بأس به في نفسه)(2).

[قال الشهيد]: (في كتاب الكشّيّ: ثقة في نفسه(3))(4).

[قلت]: هكذا حكاه السيّد جمال الدين ابن طاووس عنه(5)، وأمّا الذي في أصل الاختيار(6) فكما ذكره المصنّف، ونِعمَ ما فعل هنا حيث لم يتّبع كلام السيّد، كما هو الغالب من طريقته في هذا الكتاب حتّى شاركه في كثير من الأوهام.

والداعي للمراجعة هنا ما في الكلام من الحزازة، حتّى أنّ السيّد عَلّم عليه في حاشية نسخته، فلذلك سلّم المصنّف هذا الوهم، وقد اتّفق على ما حكيناه عن الاختيار نسختان: إحداهما مقروءة على السيّد.

ص: 354


1- في (ب، ج): لم يرد العنوان.
2- خلاصة الأقوال: 53، الرقم: 25.
3- اختيار معرفة الرجال: 2/ 812، الرقم: 1014.
4- حاشية الشهيد: 87، الرقم: 14.
5- يلاحظ: التحرير الطاووسيّ: 34، الرقم: 11، وفيه عين ما نقله عنه الشهيد الثاني، أي: (ثقة في نفسه).
6- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 812، الرقم: 1014، وورد فيه: (فهو في نفسه لابأس به).
الباب الثاني: في إسماعيل
6 - إسماعيل بن عبد الخالق

6 - إسماعيل بن عبد الخالق(1).

[قال العلّامة]: (وهو من بيت الشيعة، عمومته شهاب وعبد الرحمن ووهب، وأبوه عبد الخالق، كلّهم ثقات..)(2).

[قلت]: اتّفق في الاختيار ذكر عبد الرحمن سهواً في الكلام المحكيّ عن بعض المشايخ(3) بعد أن ذكر في الترجمة: (عبد الرحيم) مع بقيّة الجماعة المذكورين في ذلك الكلام المحكيّ(4)، وقد حكاه المصنّف في ترجمة وهب(5)، والنجاشيّ ذكر الجماعة وليس فيهم إلّا عبد الرحيم(6)، فراجع كلامهم(7).

7 - إسماعيل بن آدم

[قال العلّامة]: (إسماعيل بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعريّ من القمّيّين ثقة)(8).

قلت: لا يبعد أن يكون إسماعيل بن آدم هذا هو إسماعيل بن سعد السابق(9)؛

ص: 355


1- في (ج): لم يرد العنوان.
2- خلاصة الأقوال: 56، الرقم: 11، وورد فيها: (عبد الرحيم).
3- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 713، الرقم: 783.
4- يلاحظ: خلاصة الأقوال: 225، الرقم: 8.
5- المصدر السابق: 286، الرقم: 2.
6- رجال النجاشيّ: 27، الرقم: 50.
7- في (ب): نسبت هذه التعليقة إلى الشهيد (قدس سره).
8- خلاصة الأقوال: 56، الرقم: 13، وفيه: (وجه من القمّيّين) بدل (من القمّيّين).
9- السابق هو إسماعيل بن سعد الأحوص الأشعريّ القمّيّ، ثقة من أصحاب الرضا (علیه السلام)، يلاحظ: خلاصة الأقوال: 54، الرقم: 4.

لأنّ النجاشيّ ذكره بهذه الترجمة(1)، والشيخ ذكره بتلك(2)، فربّما كان اختصاراً في النسب لا للمغايرة.