دراسات علمیة - 6 : مجلة نصف سنوية تعنى بالأبحاث التخصصية في الحوزة العلمية

هویة الکتاب

دراسات العلمیة

مجلة نصف سنوية تعنى بالأبحاث التخصصية في الحوزة العلمية

تصدر عن المدرسة العلمية (الآخوند الصغرى) في النجف الأشرف

العدد السادس

ذو الحجة 1435 ﻫ

ص: 1

اشارة

رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1614 لسنة 2011

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾

التوبة: 122

ص: 3

الأسس المعتمدة للنشر

1- ترحب المجلة بإسهامات الباحثين الأفاضل في مختلف المجالات التي تهم طالب الأبحاث العليا في الحوزة العلمية, من الفقه والأُصول والرجال والحديث ونحوها.

2- يُشترط في المادة المُراد نشرها أُمور:

أ- أنْ تكون مستوفية لأُصول البحث العلمي على مختلف المستويات (الفنية والعلمية), من المنهجية والتوثيق ونحوهما.

ب- أن تكون الأبحاث مكتوبة بخط واضح أو (منضَّدة).

ت- أنْ توضع الهوامش في أسفل الصفحة.

ث- أنْ يتراوح حجم البحث بين (12) الى (60) صفحة من القطع الوزيري بخطٍ متوسط الحجم, وما يزيد على ذلك يمكن جعله في حلقتين أو أكثر حسب نظر المجلة, شريطة استلام البحث كاملاً.

ج- أنْ لا يكون البحث قد نُشر أو أُرسل للنشر في مكان آخر.

ح- أنْ يُذيَّلَ البحث بذكر المصادر التي اعتمدها الباحث.1- يخضع البحث لمراجعة هيئة استشارية (علمية), ولا يُعاد إلى صاحبه سواء أنُشر أم لم يُنشر.

2- للمجلة حق إعادة نشر البحوث التي نشرتها.

3- يخضع ترتيب البحوث المنشورة في المجلة لاعتبارات فنية لا علاقة لها بمكانة الكاتب أو أهمية الموضوع.

4- ما يُنشر في المجلة لا يعدو كونه مطارحات علمية صرفة, ولا يُعبر بالضرورة عن رأي المجلة.

ص: 4

محتويات العدد

كلمة العدد

إدارة

المجلة ........................................................................................... 7

حلِّية أكل الطاووس

الشيخ جعفر علي اليعسوبي ................................................................. 11

رسالة في خمس الهدية

الشيخ رافد الفتال ................................................................................ 49

مناشئ الانصراف

الشيخ وليد العامري ............................................................................ 115

الواسطة المبهمة بين الحسن بن محمد بن سماعة و أبان بن عثمان / 2

الشيخ علي سالم الناصري ................................................................... 157

رجال المستمسك /3

الشيخ علي الغزي .............................................................................. 203

رسالَة في حرمة قتل الْحيوان أو حلِيته للشيخ حسين الحلي (قدس سره)

تحقيق: الشيخ مصطفى أبو الطابوق .................................................. 313

رسالَة فقهية في قصد معاني ما يُقرأ في الصلاة.. للشيخ حسين الحلي (قدس سره)

تحقيق: السيد حسين الخرسان .......................................................... 363

ص: 5

ص: 6

كلمة العدد

بسم الله الرحمن الرحیم

كلُّ وعاءٍ يضيقُ بما فيه، إلاّ وعاء العلم فإنَّه يتسع. بهذه الكلمات نستهل افتتاحية عدد جديد من المجلَّة العلميَّة التي استكملت عددها السادس وهي تستوعب في كلِّ عددٍ بحوثاً جديدة وتحقيقات متتابعة، ويتلقاها قراؤها بالارتياح والقبول، وتتسع لها صدورهم فيعودوا عليها بالآراء ويرفدوها بالنقد البنّاء، ومن هذا وذاك تنبثق الطاقة التي تدور بها عجلة النتاج العلمي, ومن تلاقح الاثنين, تُثمر الحركة العلمية نشراً وقراءة.

إنا وإنْ كنا نعتقد بأن ما يطرح في مجلّتنا هذه لا يشكل إلاّ جزءً يسيراً مما يمكن أن تجود به قرائح العاكفين على الدرس العلمي العالي في الحوزة العلمية, متخصصين وروّادا، وباحثين وطلاباً، غير أنا -كما ألمعنا سابقاً- أردناها مصباحاً يُقتفى, ومثالاً يُحتذى، ووعاءً يتسع لفكر يستجد، وبارقة تلمح، وديواناً لمتتبع تبحّر في مسألة علمية فيكون حافظاً لها فيه، ورافداً ومصدراً لغيره يُنقّح بها ويغني مساعيه، فيجد في بعض أعدادها بعض ضالته، مع قرب المأخذ وسهولة الطلب؛ إذ تتميز هذه الكتابات عادة بالموضوعية والمواكبة للحديث من الآراء في كل مسألة مطروحة، والإحالة على مصادر البحث والاستفادة.

ومن هنا نجدد الدعوة للباحثين والمهتمين بكتابة البحث العلمي بأن يغتنموا الفرصة ويستغلوا الدعوة للكتابة في موضوعٍ من الموضوعات التي تهتم بها المجلة، ممن تراكمت عندهم مواد العلوم ووجدوا تفاعلاً في أذهانهم لوارداتها مع صادرات منعكسات أفكارهم، وتأملات أذهانهم، وتدقيقات التتبعات والمراجعات، قبل تشتت

ص: 7

الأفكار، وغوائل الحوادث والأيام، وعلو سلطان النسيان، ليدفعوا كل ذلك بالتقييد والكتابة وكما وردت به الوصية بتقييد شوارد العلم بكتابتها.

كما لعلَّ القارئ يجد فكراً طارفاً جديداً، وتحقيقاً شيقاً رقيقاً، يروّج كاتبه لسوق العلم الشرعي فيه ويجذب من كان بعيداً عن هذه العلوم الأصيلة, ليقترب من غاياتها النبيلة، ويتعرّف على مضامينها فيقلع عن شبهة ويتأمل في حكمة.

هذا، ولا يفوت الكاتب اللبيب تشوّق القراء والمهتمين إلى الموضوعات الجديدة والمستحدثات العصرية كموضوعات تجلي المفاهيم الشرعية بوضوح، حيث كانت تطبيقات واضحة لقواعد الأصول والفقه ومضامير تجري فيها جياد الروايات المعتبرة، ومختبرات تنقح فيها المباني المختلفة والنظريات العلمية التي تفتقت عنها أذهان العلماء والمفكرين الشيعة الاثني عشرية بأقصى الطاقات البشرية في فهم مرادات الله تعالى ورسوله, كتاباً وسُنَّة, قديماً وحديثاً.

وتجدر الإشارة إلى أن إدارة المجلَّة مع حبها وحرصها على نشر نتاج كل يراع كاتب جاد أتقن أسبابه وأختبر أدواته، إلاّ إنَّها تتبع خطة في عملها تقتضيها الأهداف التي رسمتها للمجلَّة وتأمل في تحقيقها في مستوى معين من الضبط العلمي والفني, والذي يحتم عليها العرض على لجنة علمية، تتفضل بالتدقيق في المفاصل المهمة من البحوث باذلة نفسها ومقتطعة من وقتها؛ رغبة في ترويج البحوث العلمية ومساعدة في إنضاجها وإرشاد أصحابها إلى مواقع النظر, والمجلة تتبع أنظارها في استيفاء البحوث للحد المطلوب الذي يؤهلها للنشر بصورة لا تدع مجالاً لتطرق الاشتباه والخطأ في المادة العلمية, مما لا يمكن تصحيحه ولو بتنزيله على أي من النظريات العلمية المقبولة أو الصالحة للبناء عليها بحسب ما انتهى إليه تطور العلم، أو كان موضع عناية العلماء على اختلاف مشاربهم. شكر الله سعيها وجزاها على حسن جدها.وفي هذا السياق نتقدم بالشكر البالغ والثناء الواسع للكثيرين ممن سعوا بهمّة عالية من أجل إخراج عمل المجلَّة بالصورة التي تظهر فيها, ويسهرون على تتبع إخراج

ص: 8

البحوث خالية من النقص والخطأ وبالغة حدّ التمام إن لم يكن الكمال من كل الجهات التي يحتاجها مثل هذا العمل, جزاهم الله بأفضل ما عملوا وعاملهم بلطفه لما قدَّموا.

وأملنا في الباحثين الكرام الأريحية والانبساط فيما نعتذر لهم عنه مما يعرضون علينا من مجهوداتهم إذا وجدنا أنه لا يناسب خطة المجلة، أو السقف الذي وضعته لقبول البحث وانسجامه مع أهدافها، وهذا لا يعني إزّراءً أو بخساً لعمل قد يكون أضنى كاتبه وأحكم بنظره أسبابه، بل لأنه لابد لكل صاحب مشروع أن ينتقي ما يلائم الطريقة التي يريد توصيل غايته بها، وربما يخطئ البصير قصده، ويجد الباحث غايته عند غيرنا، ونسأل الله تعالى التوفيق لنا ولجميع المشتغلين بالعلم.

إدارة المجلة / 18 ذی الحجة 1435 ه.

ص: 9

ص: 10

حلِّية أكل الطاووس - الشيخ جعفر علي اليعسوبي دام عزه

اشارة

قد تأخذ مسألة فقهية لوناً واحداً فترة طويلة بحيث لا يعرف قائل بخلاف ذلك, ثم يأتي فقيه يقرّب القول الآخر ويغيّر مسار الفتوى فيها.

ومسألة حكم الطاووس من حيث الحلّية والحرمة كادت أن تكون من هذا القبيل؛ فإنّه لم يعرف قائل بحليّة أكله بشكل واضح من أصحابنا إلى عصرنا هذا إلى أن اختار حلّيته بعض الأعلام المعاصرين حفظهم الله.

وفي هذه الأوراق بيان لتأريخ المسألة والأقوال فيها وما يمكن أن يستدل به للطرفين.

ص: 11

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحیم

نبذة عن الطاووس

الطاووس هو من أجمل الطيور بل ربما من أقدم طيور الزينة المعروفة, وأول ظهور له قبل 4000 عام, وهو من أكثر الطيور بهجةً وزهواً لكثرة ريشه وجماله, وكان يحمل إلى كل أنحاء العالم بوصفه شيئاً نادراً, وكان يُعدّ من الأطعمة المشويّة الفاخرة ويقدّم على المائدة محلّى بريشه الجميل.

وهو يعيش في الهند وسيرلانكا وفي الغابات الاستوائية المطيرة. والطاووس بطبيعته اجتماعي يعيش في مجموعات مكونة من زوجين إلى خمسة أزواج, وعند بلوغ ثلاث سنوات من عمره يبلغ الطاووس, وتبيض الأنثى من 4-10 بيضات في البرية وتحضنها من 28-30 يوماً, ولكون الطاووس كثير العبث مع الأنثى مما قد يؤدي إلى تكسير البيض فلذا يوضع البيض تحت الدجاجة, ولا تقوى الدجاجة على أكثر من بيضتين, وتتبع الصغار أمها لمدة أربعة أشهر ويكتمل نموها بين ثمانية أشهر وعشرة أشهر. وزن الذكر يقارب 4.5 كيلو غرام, وطوله 90 سم, وطول ذيله 100 سم, بل قيل طول ذيله خمسة أضعاف طول نفسه عند نشره له إلى الخلف على شكل مروحة جميلة, ويحتاج إلى قفص ارتفاعه 2م وكلّ من طوله وعرضه 4م. وهو مزيج من الألوان المختلفة, رقبته بلون, والجناحان بلون, والذيل بلون ثالث, وعند توهّج الأضواء عليه تظهر الألوان الأخرى.

ويتغذى الطاووس على الحبوب وفتات العيش والفواكه والأعشاب, ويفضّل أن يكون له مكان يتجوّل فيه مثل الحديقة والمزرعة, ولا يستطيع

ص: 13

الطاووس الصغير مقاومة تقلّبات الطقس في المناطق الحارّة ولذا تصعب تربيته(1).

المدخل

قد تأخذ مسألة فقهية لوناً واحداً فترة طويلة بحيث لا يعرف قائل بخلاف ذلك, ثم يأتي عالم يقرّب القول الآخر ويحرف مسار الفتوى فيها.

ومسألة حكم الطاووس من حيث الحلّية والحرمة كادت أن تكون من هذا القبيل؛ فإنّه لم يعرف قائل بحليّة أكله بشكل واضح من أصحابنا إلى عصرنا هذا إلى أن اختار حلّيته بعض الأعلام المعاصرين حفظهم الله.

وفي هذه الأوراق بيان لتأريخ المسألة والأقوال فيها وما يمكن أن يستدل به للطرفين مع بيان المختار.

تأريخ المسألة

وللنظر في تاريخ هذه المسألة علينا الاطلاع على ما نقل لنا عن فئتين من علماء الإمامية: الأولى المحدّثون السابقون, والثانية أصحاب الفتيا.

أمّا المحدّثون السابقون الذين لا علم لنا بأقوالهم وفتاواهم إلاّ عن طريق ما أدرجوا في كتبهم من الأحاديث, فإننا نرى أنه لم يرد منهم في هذا المعنى إلاّ حديث واحد -كما سيأتي- رواه الكليني (قدس سره) (2) من طريق أحمد بن محمد بن خالد عن بكر بن صالح عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) .

ومن ثَمَّ يمكن الحدس بخلو أصول أصحابنا ومصنّفاتهم المشهورة والذين هم من طبقة أصحاب الصادق والكاظم والرضا (علیهم السلام) عن التعرّض لحكم الطاووس, حيث لم توجد الرواية عنهم إلاّ عن طريق بكر بن صالح ولم توجد

ص: 14


1- ظ: حياة الحيوان الكبرى: 1/ 456, الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).
2- الكافي: 6/ 245.

عن المتأخرين عنهم طبقةً إلاّ عن البرقي ثم عن الكليني (قدس سره) .

و أما أصحاب الفتيا فلم يتطرّق لحكم الطاووس أحد من القدماء منهم إلاّ الصدوق (قدس سره) في الفقيه(1)

حيث عدّه من المسوخ -كما سيأتي- ثم ذكره الشيخ (قدس سره) في النهاية(2) ثم ذُكر في عامّة كلمات المتأخرين.

أمّا العامّة فالظاهر عدم تعرّضهم للمسألة إلى عهد متأخر كالقرن السادس الهجري, فلم يُحكَ عن الأئمة الأربعة قول فيه بخصوصه, لكن تطرّق له بعض الشافعية كالنووي(3)

المتوفى 676 ﻫ, وبعض الحنبلية كعلي بن سليمان المرداوي المتوفى 885 ﻫ في الإنصاف(4).

وكأن السرّ في عدم تعرّض الأكثر لحكم هذا الحيوان هو أن موطنه الهند وماليزيا -كما تقدّم في مستهل البحث - ومن ثم ما كان يوجد منه في المجتمعات الإسلامية قبل فتح الهند ولم يكن محل ابتلاء للمسلمين.

الأقوال في المسألة

في المسألة قولان: قول بحرمة أكله, وقول بالحلّية, وهناك تردد من بعض.

أمّا القول بالحرمة فهو ما ذهب إليه معظم فقهائنا الأبرار (رضوان الله تعالى عليهم) ممن تعرّض لحكمه كما عليه الشيخ في النهاية(5)

وابن إدريس في السرائر(6)

وابن البراج في المهذب(7)

وقطب الدين في إصباح

ص: 15


1- الفقيه: 3/ 213.
2- النهاية: 578.
3- المجموع: 9/ 22.
4- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب أحمد بن حنبل: 10/ 274.
5- النهاية: 578.
6- السرائر: 3/ 104.
7- المهذّب: 2/ 429.

الشيعة(1)

والمحقق في المختصر(2)

ونكت النهاية(3)

والعلامة في الإرشاد(4)

والتحرير(5)

والشهيد الأول في الدروس (6)

واللمعة(7)

والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة(8)

والشهيد الثاني في المسالك(9)

و الخوانساري في جامع المدارك في شرح المختصر(10)

والمحدّث البحراني في الحدائق(11)

والسيد الطباطبائي في الرياض(12)

والسيد محمد في المناهل (13)

والنراقي في مستند الشيعة(14)

والسبزواري في كفاية الأحكام(15)

والشيخ محمد حسن في الجواهر(16)

وكثير ممن تأخر عنه إلى الفقهاء المعاصرين مثل السيد الخوئي في المنهاج(17).

ص: 16


1- إصباح الشيعة: 387.
2- المختصر: 2/ 252.
3- نكت النهاية: 3/ 82.
4- الإرشاد: 2/ 110.
5- التحرير: 2/ 160.
6- الدروس: 3/ 11.
7- اللمعة: 236.
8- مجمع الفائدة: 11/ 174.
9- المسالك: 12/ 42.
10- جامع المدارك في شرح المختصر: 5/ 154.
11- الحدائق: 5/ 224.
12- الرياض: 13/ 398.
13- المناهل: 630.
14- مستند الشيعة: 15/ 75.
15- كفاية الأحكام: 2/ 601.
16- جواهر الكلام: 36/ 309.
17- منهاج الصالحين للسيد الخوئي: 2/ 346 , مسألة 1689.

وأمّا العامّة الشافعية فذهبوا إلى حرمته حسب ما ذُكر في الفقه على المذاهب الأربعة(1)

وحكى النووي في المجموع عن البغوي وغيره الحرمة على أصح القولين(2).

وأمّا القول بالحلّية: فلم أجد الصراحة به إلاّ في منهاج الصالحين(3)

للسيد السيستاني (دام ظله العالي).

نعم, قال السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في هامشه على منهاج الصالحين للسيد الحكيم (قدس سره) (لم تثبت حرمته - أي الطاووس-)(4).

وجمهور العلماء من العامة غير الشافعية اختاروا الحلّية حسب ما جاء في الفقه على المذاهب الأربعة(5),

وقال علي بن سليمان الحنبلي - في المصدر المتقدّم ذكره - الطاووس مباح لا أعلم فيه خلافا.

وهنا يطرح السؤال التالي: وهو أنه على ماذا اعتمد المشهور في بنائهم على الحرمة؟ ولمَِ خالف السيّدان العلمان هذا المشهور؟ وهل يمكن لنا أن ننتصر لأحد الفريقين؟

إجابة لهذا نقول: إن ما استند إليه أو يمكن الاستناد إليه في حرمة الطاووس وجوه, بعضها خاصة وبعضها عامة. أما الخاصة فهي أربعة وجوه :

الوجه الأول: الروايات الدالّة على الحرمة, وهي ثلاث:

الأولى: ما رواهُ الكليني (قدس سره) , عن عدّة من أصحابنا, عن أحمد بن محمد, عن بكر بن صالح, عن سليمان الجعفري, عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال:

ص: 17


1- الفقه على المذاهب الأربعة: 2/ 114.
2- المجموع: 9/ 22.
3- منهاج الصالحين للسيد السيستاني: ج3 مسألة 883.
4- منهاج الصالحين محشى للسيد الحكيم: 2/ 372.
5- الفقه على المذاهب الأربعة: 2/ 16.

(الطاووس لا يحل أكله ولا بيضه)(1).

وهذه الرواية لم تتعدَّ من الحرمة إلى بيان سببها.

الثانية: ما رواهُ الكليني (قدس سره) عن عدّة من أصحابنا, عن أحمد بن محمد, عن بكر بن صالح, عن سليمان الجعفري, عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال:

(الطاووس مسخ, كان رجلاً جميلاً, فكابر امرأة رجل مؤمن تحبّه, فوقع بها ثم راسلته بعد, فمسخهما الله طاووسين أنثى وذكراً, ولا يؤكل لحمه ولا بيضه)(2).

وهذه الرواية تذكر لنا وجه الحرمة, وهو كونه من المسوخ.

وروى الشيخ (قدس سره) هذه الرواية عن الكليني (قدس سره) مع وجود (فاء) تسبق كلمة (لا) في قوله (لا يؤكل لحمه ولا بيضه). ولعله هو الصحيح, لمناسبة المقام(3).

الثالثة: ما رواه الصدوق (قدس سره) من أنه سأل محمد بن مسلم أبا جعفر (علیه السلام) عن لحوم الخيل والدواب والبغال والحمير فقال:(حلال, ولكن الناس يعافونها وإنما نهى رسول الله : عن أكل لحوم الحمر الإنسية ... والشيراز المتخذ منها. ولا يجوز أكل شيء من المسوخ وهي القردة والخنزير... والطاووس... والقنفذ مسوخ لا يجوز أكلها. وروى أن المسوخ لم تبقَ...)(4)

إلى آخره.

قال في الوافي بعد نقل هذا الحديث: (ويحتمل أن يكون ما قبل روى كله أو بعضه من الحديث, وبناءً على هذا فالرواية عدّت الطاووس من المسوخ فلا يجوز أكله)(5).

ص: 18


1- الكافي: 6/245.
2- الكافي: 6/ 247.
3- التهذيب: 9/ 18.
4- الفقيه: 3/ 336.
5- الوافي: 19/ 33.

وممن صرّح بالاستدلال بالروايات لإثبات الحرمة المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة(1),

والفاضل الهندي في كشف اللثام(2),

والخوانساري في جامع المدارك في شرح المختصر(3),

والمحدّث البحراني في الحدائق(4)

وغيرهم.

الوجه الثاني: دعوى الإجماع على حرمة الطاووس. والتعبيرات في نقله متعددة, فقد قال العلامة المجلسي (قدس سره) : (وحرمة الطاووس مقطوع به في كلامهم)(5),

وقال صاحب الجواهر (قدس سره) : (إني لم أجد الخلاف في حرمته نصّاً وفتوى)(6).

وقال المحقق السبزواري (قدس سره) : (إن حرمته معروفة بينهم)(7).

الوجه الثالث: يمكن أن يقال: إن حرمة الطاووس أمر مرتكز عند المتشرعة, فإنّه لم يعهد عندهم أكل لحم الطاووس في جميع الأزمنة, ولم تنقل لنا أي واقعة وحادثة تتعلق بأكل لحم الطاووس, بل كانت الغاية والمنفعة المقصودة من بيعه وشرائه هو رؤية حسنه وجماله, كما يشهد له ما جاء في حاشيتي قلوبي وعميرة -في شروط البيع- من أن النفع المقصود من الطاووس هو الاستمتاع برؤية لونه(8).

وقال عبد الكريم الرافعي في فتح العزيز: (ومنه -أي: من الحيوان- ما ينتفع بلونه أو صوته كالطاووس والزرزور)(9).

ص: 19


1- مجمع الفائدة: 11/ 174.
2- كشف اللثام: 9/ 259.
3- جامع المدارك في شرح المختصر: 5/ 154.
4- الحدائق الناضرة: 5/ 224.
5- ملاذ الأخيار: 14/ 149.
6- جواهر الكلام: 36/ 309.
7- كفاية الأحكام: 2/ 601.
8- حاشيتا قلوبي وعميرة: 6/ 299.
9- فتح العزيز: 8/ 118.

ومحلّل الأكل لا يحتاج أن يُبحث عن المنفعة المحللة فيه.

الوجه الرابع: يمكن أن يقال أيضاً: إنّ مدلول كثير من الروايات أن الطاووس طير مشؤوم, وهذه الروايات بمختلف تعبيراتها تجتمع في هذا المعنى, (فمنها) ما دلّ على أن الطاووس أدخل الشيطان إلى الجنة(1),

(ومنها) ما دلّ على أنه بصوته ينادي بالويل على خطيئته التي ارتكبها(2),

(ومنها) ما دلّ على أنه يدعو بالويل على أهله حتى أذنهم بالرحيل(3).

والحاصل من المجموع أنه طير مشؤوم لاخير فيه ولا بركة, وهذا لا ينسجم مع حلّيته.

وأمَّا الوجوه العامة, فهما وجهان:

الأول: أنّه لا دليل على حلّيته فيكون حراما, ويظهر التمسك به من صاحب الفقه على المذاهب الأربعة(4).

الثاني: أنّ الطاووس مما تستخبثه الطبائع, فيحرم أكله لقوله تعالى: (ويحلّ لهم الطيبات و يحرّم عليهم الخبائث)(5).

وقد بنى على هذا الوجه بعض الشافعية حسب ما نقل عنه البجيرمي في تحفة الحبيب(6),

وكذلك الشربيني الشافعي في الإقناع(7) إذ حرّما الطاووس اعتمادا على هذا الوجه.وأما القول الثاني (وهو الحليَّة): فما يمكن أن يتمسك به وجوه:

ص: 20


1- البحار: 62/ 42, تحف العقول: 5/2.
2- البحار: 62/ 41.
3- البحار: 62/ 41.
4- الفقه على المذاهب الأربعة: 2/ 16.
5- الأعراف: 157.
6- تحفة الحبيب : 5/ 217.
7- الإقناع: 2/ 236.

الوجه الأول: التمسك بالعمومات الدالَّة على أن مناط حلّية الطائر هو كون دفيفه أكثر من صفيفه, (مثل) صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) أنه قال: (والله ما رأيت مثل أبي جعفر (علیه السلام) قط وذلك أني سألته فقلت: أصلحك الله ما يؤكل من الطير؟ فقال: كل ما دف, ولا تأكل ما صف... الخبر)(1).

مناقشة سندية

وسندها هكذا: (علي بن إبراهيم, عن أبيه, عن ابن أبي عمير, عن علي الزيات, عن زرارة).

وهل أنّ علي الزيات محرّف عن علي بن الرئاب كما ادعى البعض في حاشية له على الكافي(2),

أو هو علي بن عطية كما ادعى السيد الخوئي (قدس سره) (3), وبعض المحشين على الكافي(4).

أو هو شخصية ثالثة باسم علي بن الزيات كما جاء هذا الاسم في إسناد بعض الروايات؟

والبحث في أنه هل هو علي بن الزيات أو هو على بن عطية الزيات أو هما شخص واحد عديم الثمرة مطلقاً بالنسبة إلى هذه الرواية أو غيرها, وسواء بنينا على وثاقة مشايخ ابن أبي عمير أو لم نبنِ عليها؛ لأن كُلاً من على بن عطية وعلي بن الزيات قد روى عنه ابن أبي عمير, فتثبت وثاقتهما مع قطع النظر عن هذه الرواية, بناءً على مبنى وثاقة مشايخ ابن أبي عمير ولا تثبت بناءً على عدم قبول هذا المبنى؛ إذ لم يوثّقا في الكتب الرجالية, فتعيين هذا الراوي في أحدهما أو إثبات أنهما شخص واحد لا ثمرة له, لا بالنسبة إلى هذه الرواية ولا غيرها.

نعم, الثمرة تترتب على أنه هل هو محرَّف عن علي بن رئاب أو ليس

ص: 21


1- الكافي: 6/ 248.
2- الكافي (طبع الإسلامية): 6/ 247.
3- معجم رجال الحديث: 12/ 30.
4- الكافي (طبع دار الحديث): 12/ 231.

كذلك؛ لأنه إذا كان هو علي بن رئاب تكون الرواية معتبرة حتى بناءً على عدم قبول المبنى المذكور لأن علي بن رئاب موثق, وإلاّ لا تكون معتبرة حينئذ. نعم, تكون معتبرة على قبول المبنى المذكور.

والذي يمكن أن يقال هو: إن الجزم بأن الرجل هو علي بن رئاب صعب جداً نظراً إلى مجموع الأمور التالية:

الأول: أنّ علي بن عطية قد وصف بالزيات في بصائر الدرجات(1),

والكافي(2),

والاختصاص(3).

الثاني: أنّ طبقته هي نفس طبقة هذا الراوي.

الثالث: أنّ ابن أبي عمير روى عن علي بن عطية في موارد كثيرة(4),

بل هو راوي كتابه كما في الفهرست(5).

الرابع: أنّ علي بن عطية قد توسط بين ابن أبي عمير وبين زرارة في روايات متعددة في المحاسن(6)

والتهذيب(7)

ورجال الكشي(8).

الخامس: أنّ علي بن رئاب وإن روى عنه ابن أبي عمير, وهو روى عن زرارة كثيرا, لكن لم نعثر على رواية توسط ابن رئاب فيها بين ابن أبي عمير وزرارة.

ص: 22


1- بصائر الدرجات: 1/19.
2- الكافي: 8/ 330.
3- الاختصاص: 201.
4- ظ: الكافي: 1/ 83, 2/ 98, 3/ 283 وغيرها.
5- الفهرست: 283.
6- المحاسن: 2/ 462.
7- التهذيب: 5/ 308, 6/ 337, 10/ 59.
8- رجال الكشي: 134.

السادس: أنّ الشيخ روى الرواية المذكورة عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن علي بن الزيات عن زرارة(1),

ويستبعد وقوع التصحيف بنوع واحد في سند رواية واحدة في الكافي وفي التهذيب.

السابع: أنّه لا يوجد الاختلاف في نسخ الكافي في هذا الموضع, وإن وجد الاختلاف في بعض النسخ منه في الموضع الثاني للرواية في باب حكم البيض -الحديث الثاني منه- حيث جاء فيه: (علي بن الرئاب) حسب نقل بعض المحشين(2).

نعم, نقل صاحب الوافي(3)

عن الكتب الثلاثة, وصاحب الوسائل(4)

عن الكافي أن هذه الرواية مروية عن: علي بن إبراهيم, عن أبيه, ابن أبي عمير, عن علي بن رئاب, عن زرارة.

وكذلك ادعى بعض المحشين(5)

على الكافي وجود علي بن رئاب في نسخة مصححة للفقيه عنده.

وغاية ما يدّل عليه ذلك هو أن نسخة صاحب الوسائل وصاحب الوافي من الكافي فيها علي بن رئاب وكذلك بعض نسخ الفقيه, وهذا وحده لا يوجب إلاّ الإجمال في من هو الصحيح منهما والمحرف مع إمكان أن يكون الصحيح هو أي واحد منهما, ووجود بعض القرائن أيضاً على كل واحد منهما, بل القرائن الدالة على كونه ابن عطية أوضح من الأخرى, فعلى هذا لم يثبت أن الراوي هو ابن رئاب, فلا تكون هذه الرواية معتبرة إلاّ على مبنى وثاقة مشايخ ابن أبي

ص: 23


1- التهذيب : 9/ 16.
2- ظ: حاشية الكافي (طبع دار الحديث): 12/ 231.
3- الوافي: 19/ 57.
4- وسائل الشيعة: 24/ 152.
5- الكافي (طبع الإسلامية): 6/ 247.

عمير ولا تكون معتبرة بناءً على عدم قبول هذا المبنى.

متن الصحيحة

في متن الرواية نرى أن الإمام (علیه السلام) جعل مناط الحلّية الدفيف ومناط الحرمة الصفيف, ولمّا لم يكن لطائر أن يصف فقط بلا دفيف فيكون الدفيف لازماً في طيران كل طير, فينبغي أن يكون المراد هو أن مناط الحلّية غلبة الدفيف ومناط الحرمة هو غلبة الصفيف, وهذا ما فهمه الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم),كما في المقنع(1)

والمقنعة(2)

والسرائر(3)

وغيرها.

وقد صرّح بهذا المعنى في بعض الروايات فقد قال الصدوق (قدس سره) : (وفي حديث آخر إن كان الطير يصف ويدف فكان دفيفه أكثر من صفيفه أُكل, وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل)(4).

ونجد أن الطاووس دفيفه أكثر من صفيفه فهو بحسب هذه الرواية المعتبرة والتي أفتى الفقهاء بمضمونها مما تنطبق عليه ضابطة الحلية.

الوجه الثاني: على فرض أن طريقة طيرانه مجهولة فالمرجع علامات أُخرى للحلّية, وهي وجود القانصة أو الحوصلة أو الصيصية, كما جاء في بعض الروايات, (منها) معتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) , قال: (... وكل ما دف فهو حلال. والحوصلة والقانصة يمتحن بها من الطير ما لا يعرف طيرانه, وكل طير مجهول)(5).

ص: 24


1- المقنع: 422.
2- المقنعة: 577.
3- السرائر: 3/ 104.
4- الفقيه: 3/ 322.
5- الكافي: 6/ 247.

هذا في الحوصلة(1)

والقانصة(2).

وأمّا الصيصية(3)

فالروايات الواردة فيها ثلاث, وكلّها غير نقية السند, وهي:

1. خبر ابن بكير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة)(4).

و في سنده سهل بن زياد وهو ضعيف.

2. مرسلة الصدوق (قدس سره) , قال: (وفي حديث آخر: ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية ولا يؤكل ما ليست له قانصة أو صيصية)(5).

3. وفي حديث الأربعمائة - أي مما أوصى به النبي : علياً- قال: (كل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية)(6). وفي سنده مجاهيل مثل أنس بن محمد وأبيه.

وبملاحظة مجموع الكلام في الخبر الأول من الفقيه, وكذلك الخبر الثاني

ص: 25


1- الحوصلة: هي ما يجتمع فيه المأكول فهي بمنزلة المعدة من الإنسان. تهذيب اللغة عن أبي زيد 4/ 142 ومفردات ألفاظ القرآن ص168 و المحكم والمحيط الأعظم 3/ 79 ولسان العرب 11/ 147 و مجمع البحرين 5/ 350 و مقدمة الأدب ص79 وهذه تكون عند عنق الطير.
2- القانصة: ما يجتمع فيه الحصاة التي يأكلها الطير الصحاح 3/ 1157 والمعجم الوسيط 2/ 762 ولسان العرب 7/ 392 وهذا يكون في داخل الطير والبعض خلط بين الكلمتين فلم يفرق بينهما كما في النهاية لإبن الأثير 4/ 112.
3- الصيصية :هي شوكة في رجل الطير خارجة عن الكف, القاموس المحيط 1/ 846, ومفردات ألفاظ القرآن ص500 , والعين7/ 176, والمحكم والمحيط الأعظم 8/ 348 .
4- الكافي: 6/ 248.
5- الفقيه 3/ 322.
6- الفقيه: 4/ 366

يظهر تعدد الرواية وإن كان من المحتمل وحدتهما لتقارب لفظهما.

فالروايات في الصيصية ضعيفة السند لكن الذي يهون الخطب أمران:

الأول: تعدد الطريق في إسناد هذه الروايات وهو يقرّب صدور الرواية.

الثاني: الشهرة عند الإمامية بجعل الصيصية مناط الحلية(1),

بل ادعى صاحب الجواهر الإجماع بكلا القسمين(2)

على أن وجود أية واحدة من هذه العلامات الثلاث في الطير دليل الحلية.

لكن الاعتماد على هذين الأمرين لا يخلو من تأمل: من جهة أن الروايات لم يثبت أنها ثلاث فلعلها روايتان فقط, وهذا لا يكفي لحصول الاطمئنان بالصدور. وأما الشهرة أو دعوى الإجماع فهي صحيحة لكنها بالنسبة إلى القانصة والحوصلة, و أما الصيصية فهي لم تذكر عند القدماء وأول من ذكرها هو ابن إدريس ثمّ من جاء بعده.

نعم, يمكن أن يضم إلى هذين الأمرين أمر ثالث في الاعتماد على الروايات المذكورة, وهو أن خبر ابن بكير المروي في الكافي لا مشكلة في سنده من غير جهة وجود سهل فيه, وفي النظر القاصر لا مانع من الاعتماد على مروياته إذا وجد لها شاهد -كما وجدناه هنا– لنقل أصحاب الكتب الأربعة لرواياته الكثيرة, ولاسيما ما نراه من الكليني (قدس سره) من الإكثار المفرط عنه, وفيه دلالة على أن شخصية سهل لم تكن عند القدماء من أصحاب الحديث مرفوضة على الإطلاق.

فاتضح كفاية وجود علامة واحدة من هذه العلامات في الطائر لإثبات الحلية.

ص: 26


1- ظ: السرائر (3/ 104) وإصباح الشيعة (ص378) وشرائع الإسلام (3/ 172) والمختصر النافع (2/ 252) والتحرير (4/ 635) وغيرها.
2- الجواهر: 36/ 306.

والأخيرة منها ترى فيه بالمشاهدة, وأما الأولان -أي الحوصلة والقانصة- فلمّا شكك البعض في وجودهما في الطاووس كلفتُ بعض من أثق به بالتحقيق بالموضوع فأكد لي وجودهما فيه بعدما حصل على طاووس وذبحه لهذا الغرض.

و على هذا فالعمومات التي تدلّ على الضابطة في حلّية الطائر بكلا قسميها تنطبق على الطاووس. والذي يؤيد وجدان الطاووس لعلامات الحلية هو أنه لم أجد ممن حرّم الطاووس مَن استند فيها إلى عدم وجود علامات الحلّية فيه أو وجود ما جعل علامة لحرمة الطائر مثل غلبة الصفيف ونحوها, بل صرّح غير واحد (كالشهيد الثاني في المسالك والفاضل الهندي في كشف اللثام و النراقي في مستند الشيعة) بأن التحريم يتناوله عيناً لا عنوانا.

لا يقال: إن موضوع الروايات هو الطير, وشموله للطاووس غير معلوم؛ لعدم العلم بصدق الطير عليه.

فإنه يُجاب:

أولاً: أنّ المفهوم من هذه اللفظة لغة وعرفاً هو كل ذي ريش فيشمل الطاووس ولهذا شواهد:

الأول: أنّ كل من تعرّض من الفقهاء للطاووس ذكره في ضمن الكلام عن الطير.

الثاني: جاء في تفسير قوله سبحانه وتعالى (فخذ أربعة من الطير فصرهن) روايات كثيرة في أنه من هذه الطيور الأربعة هو الطاووس(1)

فهو من مصاديق الطير.

الثالث: شهادة أهل اللغة بأنه طير فإنهم عرّفوا الطاووس بأنه طير(2).

ص: 27


1- ظ: البحار: 7/36, 12/ 58 و61 و63 و65 و73.
2- العين: 2/ 62, الصحاح في اللغة: 1/ 431, القاموس المحيط: 1/ 94.

وثانياً: ورد في بعض الروايات حلّية كل ما يدف أو كل ما كانت له قانصة, فيشمل الطاووس حتى على فرض عدم صدق الطير عليه.

فتبين أن حلّيته هي مقتضى القاعدة لشمول ضوابط الحلية له.

بل قد يقال: إننا لا نحتاج لإثبات أن الطاووس واجد لعلامات الحلّية إلى بذل مؤونة إضافية؛ لأنها مبذولة باعتبار أن الطاووس من العائلة الدجاجية وله نفس صفات الدجاج وعاداته الشائعة, وله نفس خيلاء الديك وتباهيه ومشاكساته فالطاووس ديك ليس إلا, وقد ذكر هذا المعنى الأستاذ الهاشمي اليماني في مقالاته(1).

وجاء في الموسوعة العربية العالمية: إن الديك الرومي اسم يطلق على نوعين من أنواع الطيور الأمريكية ذات الصلة بالدجاج هما الطاووس والتدرج.

وعرّف الطاووس بأنه (طائر من الرتبة الدجاجية من العائلة التدرجية)(2).

و يؤيد هذا التقارب بين الطاووس و الديك رواية رواها الكليني (قدس سره) (3) عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال ذكرت عند أبي الحسن (علیه السلام) حسن الطاووس, فقال: (لا يزيدك على حسن الديك الأبيض بشئ , قال: وسمعته يقول: الديك أحسن صوتاً من الطاووس وهو أعظم بركة).

وفيها إشعار بأن غاية الاقتناء من الطاووس و الديك واحدة لكن الديك رجّحه الإمام (علیه السلام) على الطاووس للاقتناء بالبيت, وأصل فكرة التقسيم العائلي في الحيوانات والطيور مما لا ينكر مثل السنور و النمر والأسد أو البقر والجاموس وهكذا, والدجاج لاشك في حلّيته وأنه مستجمع لعلامات الحلّية فمقتضى كون الطاووس من عائلته وجدانه لها.

ص: 28


1- مقالات الأستاذ الهاشمي اليماني: 1/ 376
2- المعجم الزولوجي الحديث: 4/ 152.
3- الكافي: 6/ 550.

وللتأمل فيه مجال, فإن تمّ فهو, وإلاّ أغنانا عنه ما تقدَّم عليه.

وعلى كلٍّ فالقائل بالحرمة مطالب بإقامة دليل خاص, وما تقدَّم من الوجوه على حرمته لو تمَّت لكانت بمثابة دليل مخصص لهذه العمومات لكنها غير تامة -كما سيأتي- فيبقى مشمولاً لإطلاقات أدلة الحلّية.

مناقشة الوجوه المذكورة في الحرمة

أمّا الروايات:

فالرواية الأولى منها يُشكل عليها من حيث السند من جهة بكر بن صالح فقد ضعّفه كلٌّ من النجاشي(1)

وابن الغضائري(2)

بل وصفه الأخير بأنه ضعيف جداً, كثير التفرد بالغرائب.

والمترجَم بهذا الاسم في كتب الرجال وإن كان ملقباً بالرازي, لكن الصحيح هو وحدة الرجل, كما بنى عليها السيد الخوئي (قدس سره) (3), والذي يدلّنا على ذلك قرائن توجب الاطمئنان باتحادهما, هي:

الأولى: أن عشرات الروايات التي وقع في سندها بكر بن صالح خالية عن كلمة (الرازي), وهناك عدد قليل من الروايات جاء فيها مع هذا الوصف, والمترجَم في الكتب الرجالية هو مع هذا الوصف, ومن المستبعد جداً أن يكون هناك شخصان اشتركا في اسميهما واسمي أبيهما وأحدهما يروي كثيراً والثاني قليلاً ثم يترجَم للثاني دون الأول.

الثانية: الاشتراك في الراوي والمروي عنه دليل الاتحاد, فإن (بكر بن صالح الرازي) روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى في الخصال(4),

وعلي بن محمد في

ص: 29


1- رجال النجاشي: 109.
2- رجال ابن الغضائري: 144.
3- معجم رجال الحديث: 4/ 251.
4- الخصال: 1/ 178.

البصائر(1), وهما قد رويا عن (بكر بن صالح) أيضاً(2).

وأكثر من روى عن( بكر بن صالح) هو أحمد بن محمد بن خالد, وقد جاءت روايته عن (الرازي)(3)

أيضاً, هذا في الراوي عنه.

أما المروي عنه فإن (بكر بن صالح) روى عن محمد بن سليمان الديلمي الذي هو البصرى(4),

وعن سليمان بن جعفر الجعفري -وهي الرواية المبحوث عنها- وقد وقعت رواية (الرازي) عن الأول في البصائر(5),

وعن الثاني في أمالي المفيد -وقد أشرنا إليها آنفاً- .

الثالثة: أنّ ابن الغضائري وصف (بكر بن صالح الرازي) بأنه كثير التفرد بالغرائب(6)

وهذا يمكن ملاحظته في روايات (بكر بن صالح).

ونذكر منها أنموذجاً واحداً, فقد روى الشيخ (قدس سره) عن أحمد بن محمد بن عيسى, عن بكر بن صالح, عن الحسن بن محمد بن عمران, عن زرعة, عن سماعة بن مهران, عن أبي عبد الله (علیه السلام) , قال: (إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما وباطنهما, ثم قال: هكذا فوضع يده على الكعب وضرب الأخرى على باطن قدمه ثم مسحهما إلى الأصابع)(7)

فهذا من الغرائب وليس على طريقة العامة حتى يحمل على التقية, وهناك نماذج أخرى في رواياته يجدها المتتبع.

ص: 30


1- البصائر: 472.
2- يلاحظ رواية الأول عنه في الكافي (2/ 101 و189), والتهذيب (9/ 100). ورواية الثاني عنه في الكافي (1/ 184و278).
3- أمالي المفيد, المجلس الثالث عشر: 112.
4- الكافي: 1/278 و300.
5- البصائر: 272.
6- رجال ابن الغضائري: 144.
7- التهذيب: 1/ 92.

فوجود ما وصف به الرازي في (بكر بن صالح) دليل الاتحاد, والرواية المبحوث عنها لعلها أيضاً من غرائب الرجل.

فإن قيل: ما الذي يدعو إلى عدم الإتحاد حتى يبنى على التعدد؟

إذ ليس في البين شيء يقتضيه.

قلتُ: الداعي إلى ذلك هو أن النجاشي(1) ذكر أن (بكر بن صالح الرازي) يروي عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) , والشيخ الطوسي(2) ذكره ممن لا يروي عن الأئمة (علیهم السلام) . والنجاشي وصفه بالضعف, والشيخ لم يذكر هذا الوصف. والنجاشي جعله من أصحاب الكاظم (علیه السلام) والشيخ جعله من أصحاب الرضا (علیه السلام) .

ويمكن الإجابة عنه: بأن سكوت الشيخ (قدس سره) عن شخص وتضعيف النجاشي له أمر شائع لا قرينة فيه على التعدد, وكذلك لا تنافي بين عدّ النجاشي له ممن روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) وعدّ الشيخ له من أصحاب الرضا (علیه السلام) مع عدم وجود روايته عنه؛ إذ لامانع من أن يكون الإنسان من أصحاب الرضا (علیه السلام) , مع عدم وجود روايته عنه في الكتب و يوجد له رواية عن الكاظم (علیه السلام) , والشيخ لمّا جعله من أصحاب الرضا (علیه السلام) ولم يجد له رواية عنه أدرجه ممن لم يروِ عن الأئمة (علیهم السلام) ولم يلتفت إلى روايته عن الكاظم (علیه السلام) والتفت النجاشي إلى ذلك فذكر روايته عنه (علیه السلام) .

فالمحصّل: اتحاد الرجل, وهو ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه.

وعلى هذا لا وجه لتردد صاحب جامع المدارك في شرح المختصر(3), وصاحب الجواهر(4) في توصيف خبره بين الخبر وبين الصحيحة, ولعل منشأه هو

ص: 31


1- رجال النجاشي: 109.
2- رجال الشيخ: 353.
3- جامع المدارك في شرح المختصر: 2/ 413.
4- جواهر الكلام: 18/ 406.

ما جاء في رجال ابن داود(1) من توثيق الرجل في أحد الموارد وتضعيفه في مورد آخر ففهما تعدد الرجل بهذا الاسم, أحدهما ثقة والثاني ضعيف, فترددا في وصف خبره؛ لعدم إمكانية التمييز بينهما, وكلام ابن داود والإستناد إليه لا وجه له لأنه:

أولاً: لا اعتداد بتوثيق المتأخرين كما حقق في محله(2).

ثانياً: قد ثبت اتحاد الرجل, فيعارض توثيقه له مع تضعيف غيره له.

ثالثاً: أنّ الذي ضعّفه ابن داود في الجزء الثاني هو نفس مَن وثّقه في الجزء الأول اسما ونسباً ولقباً, وهذا إن دلّ على شيء فإنمّا يدل على الاشتباه عنده.

رابعاً: أنّ وجه الاشتباه عنده هو أنه لمّا ترجَم الشيخ لبكر بن صالح الضبي عنون بعده لشخص آخر اسمه بائس, وقال: (هو مولى حمزة بن اليسع الأشعري ثقة)(3), فاشتبه الأمر على ابن داود ولم يلتفت إلى أن هذا وصف لرجل ذكره الشيخ مستقلا لا علاقة له مع بكر بن صالح, وتصوّر أن هذا الكلام ذيل لكلامه في بكر بن صالح, فجعل الوصف له.

و الشاهد على هذا الاشتباه هو أن ابن داود جعل بكر بن صالح مولى بائس وهذا لم يوصفه به أحد ممن ترجم له, وكان هذا نتيجة الدمج بين الترجمتين.

وكذلك لا وجه لما ذكره المجلسي (قدس سره) من أن الرواية كالقوي. فالصحيح هو ضعف الرواية لاتحاد الرجل كما بنى عليه السيد الخوئي (قدس سره) في معجمه, وإن بنى في معتمده على التعدد(4).

ص: 32


1- رجال ابن داود: 72.
2- معجم رجال الحديث: 1/ 42.
3- رجال الشيخ : 353.
4- معتمد العروة الوثقى: 2/ 30.

ولا يقال: إن الرواية وإن كانت ضعيفة في نفسها ولكن عمل بها المشهور من زمان الشيخ (قدس سره) إلى يومنا هذا, وقد عمل بها حتى من ليس ديدنه العمل بأخبار الآحاد كابن إدريس, ومن لا يعمل بالأخبار الموثقة فضلاً عن الضعيفة؛ لأنه يشترط العدالة في الراوي كالمحقق الأردبيلي, ومثل هذه الشهرة جابرة لضعف السند.

لأنه يجاب: أولاً: أنّ جابرية الشهرة لضعف السند غير ثابتة, والوجه في الإشكال مذكور في محله(1).

ثانياً: وبعد التسليم فالجابر هو شهرة القدماء فقط -أي الذين تقدّموا على الشيخ (قدس سره) - لأنهم هم الذين عملهم بالرواية الضعيفة يمكن أن يولّد الاطمئنان بصدور النص, ورأيهم في الطاووس غير معلوم؛ لأن المصادر التي بين أيدينا لم تنقل لنا قول واحد ممن تقدّم على الشيخ في الطاووس صراحة.

بل قد يقال: إن مقتضى ذكرهم ضابطة الحلّية -وهي غالبية الدفيف- وعدم استثنائهم الطاووس هو الحلية عندهم, والشهرة المتحققة للحرمة هي من الشيخ (قدس سره) ومن بعده.

و أما عمل ابن إدريس فهو لا يفيد شيئاً لأنه لا يستقر على رأيه الأصولي في الفتاوى الفقهية, بل حاله مختلف في مورد عنه في مورد آخر, يعمل بالضعيف مرّة ويترك العمل بالمتواتر أخرى(2).

وأما عمل المحقق الأردبيلي (قدس سره) وأمثاله بها فلعله إما للبناء على جابرية الشهرة مطلقاً وإما لاعتقادهم أن المسألة ليست محل خلاف عند المتقدمين والمتأخرين, و إما للبناء على صحة الرواية لظن أن الرجل بهذا الاسم متعدد

ص: 33


1- مصباح الأصول: 1/ 235.
2- للاطلاع على المزيد من هذا الأمر يمكن مراجعة بحوث في شرح مناسك الحج: 7/ 569.

أحدهما ثقة والثاني ضعيف, والراوي لهذه الرواية هو الأول بقرينة عمل العلماء بها, وأصل هذا الاشتباه هو ابن داود -كما سبقت الإشارة إليه- ولذا نرى تردد صاحب الجواهر و غيره في بعض الموارد بين توصيف روايته بالخبر وبين توصيفها بالصحيحة(1).

أما الرواية الثانية فالجواب عنها أن الاعتبار بها مشكل من حيث السند, ومن حيث المضمون:

أمّا من حيث السند فإنها ليست رواية أخرى, بل هي متحدة مع الأولى بقرينة أن الراوي في كليهما هو بكر بن صالح, عن سليمان الجعفري, عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) , والمضمون فيهما واحد.

نعم, ذكر الحكم فيها مع ذكر سببه هنا, وفي المورد الأول اكتفى بعض الرواة بذكر الحكم فقط. وقد ذكرنا آنفاً عدم تمامية سندها.

وأمّا من حيث المضمون فإنها لاشتمالها على أن الطاووس من المسوخ معارضة لما دلّ على أن الطاووس كان موجودا حين دخول آدم في الجنة, وأدخل الطاووس الشيطان إليها وهو إلى الآن ينادي بالويل على خطيئته هذه وتقدّمت الإشارة إليه.

وبالجملة: ما دلّ على أن الطاووس كان موجوداً قبل أن يخلق بنو آدم يعارض ما دلّ على أنه كان رجلاً ومسخ.

لكنه من الانصاف أن هذا الاشكال غير وارد؛ لأن مسخ انسان طاووساً لا يعني أن الطاووس لم يكن موجوداً قبل وقوع هذا المسخ بل كان نسخ الأقوام بما يشبه بعض المخلوقات ثم تموت بعد ثلاثة أيام فلو لم يكن الطاووس مخلوقاً قبل المسخ لما بقي له نسل, وهذا هو ظاهر بعض الأخبار(2).

ص: 34


1- جواهر الكلام: 18/ 406.
2- ينظر: البرهان في تفسير القرآن: 2/ 222, 2/ 600.

وحينئذ فلا يبقى تعارض بين هذين القسمين من الروايات, وعلى هذا لا يبقى إلا الإشكال الأول.

أما الرواية الثالثة فهي تناقش من جهتين:

الجهة الأولى: لا يمكن الجزم بأن هذا المقطع من العبارة من كلام الإمام (علیه السلام) لاحتمال قوي أنه من عبارة الصدوق (قدس سره) , فإن كلامه يشتمل على ثلاثة مقاطع, والذي هو من كلام الإمام (علیه السلام) جزماً هو المقطع الأول فقط, أمّا الباقي ولاسيما المقطع الأخير منه فلا نعلم أنه من كلام الإمام (علیه السلام) .

ومجرد احتمال كونه من كلام الإمام (علیه السلام) كما ذكره الفيض الكاشاني (قدس سره) لا يفيد شيئاً, بل هناك قرائن تقرّب كون هذا المقطع المشتمل على ذكر المسوخ وعدّها تفصيلاً من عبارة الصدوق (قدس سره) .

الأولى: قرينة السؤال, فإن السائل سأل عن لحوم البغال والحمير, فبعدما ذكر جواب الإمام (علیه السلام) إلى قوله (ولا بأس بألبان الأتن والشيراز المعدّ منها) ذكر هذه العبارة: (ولا يجوز أكل شيء من المسوخ). ولا ينبغي أن يكون هذا من كلام الإمام لأن السؤال لم يقع عن المسوخ وحكمه.

الثانية: هناك اختلاف في التعبير بين صدر الرواية وبين هذا الذيل, فإن في صدرها (فقال: حلال ولكن الناس يعافونها, وإنما نهى رسول الله : عن أكل لحوم الحمر الأنسية) وهذا الذيل يبدأ بقوله: (ولا يجوز أكل شيئ من المسوخ), وهذا الاختلاف في التعبير كاشف عن تعدد الكلام, و لذا جعل صاحب الوسائل هذا الكلام ثلاثة مقاطع, وفهم أن رواية محمد بن مسلم تنتهي عند قوله الناس يعافونها(1).

الثالثة: يظهر بمراجعة كتب حديثية أخرى أن ما ذكر في المقام ليس رواية واحدة, بل الصدوق جمع بين الروايات, فإن المقطع الأول من كلامه إلى قوله

ص: 35


1- وسائل الشيعة: 24/ 122.

(الناس يعافونها) نقل كرواية مستقلة في المحاسن(1) وفي التهذيب(2), والمقطع الثاني منه, فإن الكليني ذكر في الكافي(3)

ما يقاربه نقلاً عن محمد بن مسلم إلى قوله: لأنها -أي الحمر- كانت حمولة للناس. ومثله في مسائل علي بن جعفر(4). بل الصدوق (قدس سره) نفسه ذكر في العلل(5) هذا المقطع كرواية مستقلة بدون التتمة بالمقطع الثالث.

وأما المقطع الأخير الذي عدّ فيه المسوخ مع بيان حكمها, فإن في الخصال(6) رواية تقاربه باللفظ جداً لكنها خالية من ذكر الطاووس, فالمحتمل جداً أن الصدوق (قدس سره) نقل هنا رواية الخصال وزيادة الطاووس فيها من طغيان القلم أو للاشتباه منه بسبب خبر بكر بن صالح الذي ذكر أن الطاووس مسوخ .

فكلامه المتضمن لذكر الطاووس إما هو كلامه أو نقل لرواية الخصال, و على أي تقدير لا يمكن الاعتماد عليه.

إن قلت: على فرض أن هذا المقطع من عبارة الصدوق (قدس سره) , لكنه شهادة منه بكون الطاووس من المسوخ, ومثله لا يشهد إلاّ بعد ثبوته عنده عن المعصوم (علیه السلام) , وبهذا يثبت كونه من المسوخ.

قلتُ: يمكن أن يقال:

أولاً: إنه على تقدير ثبوت كلّية كلِّ مسوخ يحرم أكله, فهذا الكلام لا يثبت أن الطاووس من المسوخ؛ لجواز أن الصدوق لاحظ الرواية الضعيفة المتقدمة فعدّ

ص: 36


1- المحاسن: 2/ 473.
2- التهذيب: 9/ 41.
3- الكافي: 6/ 246.
4- مسائل علي بن جعفر: 129.
5- العلل: 2/ 563.
6- الخصال: 2/ 494.

الطاووس من المسوخ, ومثل هذه الشهادة لا تفيد شيئاً.

وثانياً: تقدّم أن كونه مسوخاً معارض مع عدّة روايات فلا يمكن الالتزام به.

وثالثاً: إن شهادته هذه معارضة مع شهادة السيد المرتضى, فإنه قال: (لأنهم -أي الإمامية- يعدون الضَّبَ من جملة المسوخ التي هي: الفيل والأرنب... إلى قوله: والخنزير)(1), فهو حصر المسوخ في المذكور ولم يعدّ الطاووس منها.

إن قلت: على هذا يثبت على الأقل أن هذا هو رأي الشيخ الصدوق (قدس سره) فكيف تقولون إن الشهرة على الحرمة هي من بعد الشيخ (قدس سره) .

قلتُ: إنه لا يحصل الجزم بأن هذا هو رأي الصدوق (قدس سره) لأمرين:

الأول: أنّه ذكر رواية المسوخ بطرق متعددة في الخصال(2) وهي عددت المسوخ تفصيلاً على نحو الحصر ولا ذكر للطاووس فيها, بل قرّبنا –آنفاً- أن ما ذكره في الفقيه هو بالنظر إلى هذه الرواية في الخصال وليس فيها ذكر للطاووس, فعدّ الطاووس في الفقيه من المسوخ من طغيان القلم.

الثاني: أنّه ذكر في المقنع(3) ضابطة حلّية الطير التي تنطبق على الطاووس ولم يستثنه مع ذكره لبعض ما حرّم؛ لأنه من المسوخ في المقام نفسه, و على تقدير التسليم فقوله لا يمثل قول المشهور في عصره.

الجهة الثانية: على تقدير أن الذيل من تتمّة الرواية لايثبت المطلوب, لأن الرواية ضعيفة السند؛ فإن الصدوق (قدس سره) رواها عن محمد بن مسلم الثقفي, وطريق الشيخ إليه ضعيف. قال في مشيخته: وما كان فيه عن محمد بن مسلم الثقفي فقد رويته عن علي بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله عن أبيه عن جده أحمد بن أبي عبدالله البرقي عن أبيه محمد بن خالد عن العلاء بن

ص: 37


1- الانتصار: 400.
2- الخصال: 2/ 493.
3- المقنع: 422.

رزين عن محمد بن مسلم.

وهذا علي بن أحمد الذي هو من مشائخ الصدوق مجهول ووالده أحمد بن عبدالله مجهول, وجدهم محمد بن خالد البرقي تعارض فيه توثيق الشيخ وتضعيف النجاشي له.

أقول: إن علي بن أحمد بن عبدالله البرقي قد ترحّم عليه الصدوق (قدس سره) وترضى له كثيراً في مختلف كتبه(1) وكثرة الترضي لأحد من أمثال الصدوق تدل على وثاقته, فالإشكال ليس من جهته, بل من جهة غيره وهو والده أحمد بن عبدالله وجده محمد بن خالد البرقي لما ذكر.

لكن حسب رأي بعض الأساتذة المحترمين لا مشكلة في السند من جهة أحمد بن عبد الله, والوجه فيه هو أنه وإن لم يوثّق في الكتب الرجالية لكنه بمساعدة بعض القرائن يظهر أنه ليس له دور في نقل الرواية غير الدور التشريفي, وأنه مجرد شيخ الإجازة لرواية كتب جده وجد أبيه, فإن النجاشي روى عنه عن جدّه كتب جد أبيه بواسطة الحسن بن حمزة العلوي(2), وكذلك الشيخ روى في الفهرست(3) كتب جدّه أحمد بن محمد بن خالد بطريق ينتهي إلى الحسن بن حمزة العلوي عن أحمد بن عبدالله عن جده ولا توجد له رواية عن غير جده.

فحاله حال غيره من أبناء الأسر العلمية الذين لم يبغلوا درجة معتداً بها من العلم وكانت مهمتهم أن يجيزوا للآخرين رواية ما كان بحوزتهم من كتب آبائهم وأجدادهم مثل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وأحمد بن محمد بن يحيى

ص: 38


1- يراجع التوحيد ص99 و103 و130 و 412 و أمالي الصدوق ص 494 و511 و غيرها من الموارد.
2- رجال النجاشي: 335.
3- فهرست الشيخ: 54.

العطار. وعلى هذا فعدم توثيقه لا يخل بالسند من جهته لعدم وجود دور حقيقي له في نقل الرواية(1).

فلم يبقَ من يكون وجوده مانعاً من أخذ الرواية إلاّ محمد بن خالد البرقي؛ لأن الشيخ (قدس سره) (2) وإن وثّقه بقوله: ثقة هؤلاء من أصحاب أبي الحسن (علیه السلام) , لكن النجاشي ضعّفه قائلاً –كان ضعيفاً في الحديث– فالتوثيق والتضعيف فيه متعارضان فلم يعلم حاله.

ولكن هذا أيضاً يمكن اعتبار رواياته بناءً على ما قالوا: من أن عبارة النجاشي لا دلالة لها على ضعف في شخصيته, بل لعل مقصوده أنه ضعيف في معرفة الأحاديث وتمييز صحيحها من سقيمها, ولا سيما بالنظر إلى عبارة ابن الغضائري في حقّه, حيث قال: (حديثه يعرف وينكر ويروي عن الضعفاء كثيرا ويعتمد على المراسيل)(3).

وهذا ليس طعناً في شخصيته بل طعن في مسلكه في أخذ الروايات.

والظاهر أن هذا ما يقصده النجاشي من كلامه, بل في كلامه أيضاً توجد قرينة على هذا المعنى لأنه بعد قوله كان ضعيفاً في حديثه قال كان أديباً حسن المعرفة بالأخبار فلا يبعد أن يقصد من هذا الكلام أنه ضعيفٌ في معرفة الأحاديث لكنه قويٌ بالأدب وعارفٌ بأخبار العرب.

وحينئذ تبقى شهادة الشيخ (قدس سره) بوثاقته بلا معارض, وقد أشير إلى هذا المعنى في بحوث في شرح المناسك(4).

ص: 39


1- وهذا مضمون ما جاء في شرح المسألة 248 من مناسك الحج (محاضرة 23/ جمادى الثانية 1434 ﻫ), غير مطبوع.
2- رجال الشيخ: 364.
3- رجال ابن الغضائري: 93.
4- بحوث في شرح المناسك: 6/481.

وعلى هذا لا يبقى عائق أمام اعتبار هذا الخبر من حيث السند.

نعم, يبقى الإيراد الأول مانعاً من الاعتماد على هذه الرواية .

فتبيّن عدم تمامية الوجه الأول من وجوه الاستدلال وهو التمسك بالروايات.

أما الوجه الثاني: وهو دعوى الإجماع ففيه أولاً:أنه لم يثبت موافقة من تقدم على الشيخ (قدس سره) على حرمة الطاووس وبدونها ليس بحجة. . وثانياً:أنه مدركي والبعض منهم صرح بتمسكه بالروايات ويحتمل هذا في الآخرين .

وأما الوجه الثالث, ففيه:

أولاً: أنّ عدم تعارف أكل الطاووس بين المسلمين عامّة غير مسلّم بل لا يمكن الجزم بهذا حتّى بالنسبة إلى المتشرعة الإمامية المعاصرين للأئمة (علیهم السلام) .

نعم, المتأخرون عن عصر الأئمة لم يمارسوا أكله نتيجة فتاوى الفقهاء.

ثانياً: أنّه على تسليمه لا يستلزم الحرمة؛ لأنه مع فرض حلّيته فهناك جهات تقتضي عدم مطلوبية لحمه, وهى أنه من جهة هو حيوان جميل جداً ورؤيته تعجب الناظرين ولذا كان الملوك والسلاطين يقتنونه في قصورهم, فكان يُرغب في بقائه للرؤية والحفاظ على حياته وكانت المنفعة الأقصى المطلوبة منه في بيعه وشرائه هو رؤية جماله لا أكل لحمه, و هذا لا ينافي وجود منفعة محللة أخرى. هذا من جهة. ومن جهة ثانية هو قليل الوجود ولعل سببه هو أن تكاثره بطيء جداً.

ومن جهة ثالثة أن الطاووس يعيش في القارة الهندية وليس من ما يعيش في البلاد العربية.

ومن جهة رابعة أنّ لحمه حار صلب عسر الهضم ويمكن إصلاحه بالطبخ

ص: 40

مع الخل(1).

ونتيجة هذه الجهات توفّرت الدواعي لغلاء ثمنه وعدم شيوع أكله.

ثالثاً: بعد تسليم الكل, فإن هذا لا يدل على أكثر من كراهته كما هو حال غيره من الحيوانات المكروهة مثل الحمير والخيل؛ لأن أكلهما متروك مع حلّيتهما.

و أما ما ذكره البعض من أن المنفعة المقصودة من بيعه هى رؤية جماله فهو لا يدل إلا على أنه يبني على حرمته بل لا دلالة لهذا الكلام حتى على هذا المعنى لاحتمال أن يكون مقصوده هو أن المنفعة المطلوبة من بيعه وشرائه صوته أو لونه فيصح بيعه سواء حل أكله أم لا. وقد ذكر هذا الاحتمال في كلام السنيكي في أسنى المطالب(2).

وأما الوجه الرابع, ففيه:

أولاً: أنّ هذه الروايات ضعيفة سنداً.

ثانياً: أنّها معارضة للروايات المذكورة في الوجه الأول الدالة على أن الطاووس من المسوخ.

ثالثاً: على تقدير اعتبارها وضعف تلك فإنها لا تدل على الحرمة؛ لأنه لا دليل عقلي ولا نقلي على أن كل حيوان محلل الأكل يجب أن يكون مباركاً أو كل حيوان مشؤوم يحرم أكله. فكونه مشؤوماً لا يمنع من التمسك بإطلاقات الحلّية, بل جاء في بعض ما يحلّ أكله قطعاً ما يدل على شؤمه, كما في الإبل فروى أنس بن عياض الليثي عن أبي عبد الله (علیه السلام) , قال: قال رسول الله :: إن على ذروة كل بعير شيطان فامتهنوها(3).

ص: 41


1- كتاب الماء: 2/ 840. حياة الحيوان الكبرى: 1/ 458.
2- أسنى المطالب: 7/ 408.
3- وسائل الشيعة: 11/ 505.

وروى إسحاق بن جعفر, عن أبيه, أنه قال: يابنيّ اتخذ الغنم ولا تتخذ الإبل(1). وروي عن علي (علیه السلام) قال: قال رسول الله : وسُئل عن الإبل, فقال: تلك أعناق الشياطين ويأتي خيرها من جانبها الأشأم(2).

رابعاً: أنّ كونه مشؤوماً إن استلزم شيئاً فإنه لا يستلزم أكثر من الكراهة.

هذه هي الوجوه الخاصة.

وأما الجواب عن الوجوه العامّة:

فالوجه الأول منهما ليس بشيء لأن الظاهر من كلامه أن الشبهة حكمية لعدم وجود دليل شرعي على حليته, لكنه مع وجود ضوابط عامة لتمييز محلل الأكل من الطيور عن محرمه لا معنى لشبهة حكمية في طائر من الطيور, وقد عرفت انطباق هذه الضوابط على الطاووس.

وإذا فرضنا أنه لم نعلم بوجود أية واحدة من هذه العلامات فحينئذ تكون الشبهة موضوعية فلا يجوز أكله بناءً على أصالة الحرمة في الشبهات الموضوعية في خصوص الحيوانات لحكومة أصالة عدم التذكية على أصالة الحلية فيها, ويجوز الأكل بناء على أصالة الحلية فيها.

وأمّا الوجه الثاني فأيضاً لا اعتبار به؛ لأن دعوى خباثة الطاووس لم نعلم وجهها وهي غير مستندة إلى الوجدان أو إلى العرف العام أو الخاص, بل هناك من استدل على حلّية الطاووس بقوله تعالى: (ويحل لهم الطيبات) بناءً على أن الطاووس مستطاب وأنه لايأكل الخبائث كالجيفة(3).

وما يُبعِّد الدعوى الأخيرة هو أنه لم يستند أحد من علمائنا الذين حرّموا الطاوس إلى هذا الوجه.

ص: 42


1- وسائل الشيعة: 11/ 508.
2- وسائل الشيعة: 11/ 503.
3- الروض المربع شرح زاد المستقنع: 1/ 687. حياة الحيوان الكبرى: 1/ 457.

نعم, لو تمّ هذا الوجه كانت النتيجة هي الحرمة؛ لأنه تكون النسبة حينئذ بين هذا العام -أي حرمة الخبائث- وبين عمومات الحلّية عموم وخصوص من وجه ويكون الطاووس مما اجتمع فيه دليلان, ويقدّم دليل الحرمة؛ لإبائه عن التخصيص كما هو واضح.

فقد تحرر بحول الله تعالى أن حلية الطاووس هي مقتضى إطلاقات الأدلة الدالة على الضابطة في حلية الطائر ولم يتم ما يوجب إخراجه عنها.

والله ولي التوفيق.

ص: 43

مصادر البحث

1. القرآن الكريم.

2. الاختصاص: تحقيق: علي أكبر غفاري ومحمود زرندي، الناشر: المؤتمر العالمي لالفية الشيخ المفيد/ قم الطبعة الأولى سنة 1413ﻫ.

3. أسنى المطالب في شرح روض الطالب, القاضي زكريا الأنصاري.

4. الإقناع: تحقيق: مكتبة البحوث والدراسات، الناشر: دار الفكر/ بيروت سنة 1415 ﻫ.

5. أمالي الشيخ المفيد: الطبعة الأولى سنة 1413ﻫ. الناشر: كنكرة الشيخ المفيد قم. تحقيق: حسين استاد الولي وعلي أكبر غفاري.

6. أمالي الصدوق: الناشر: كتابجي طهران الطبعة السادسة.

7. الانتصار: الناشر: كتاب فروشي داوري/ قم.

8. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب أحمد بن حنبل, الطبعة الثانية, سنة 1406 ﻫ. دار إحياء التراث العربي – بيروت.

9. بحار الأنوار: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية سنة 1403ﻫ.

10. البرهان في تفسير القرآن. الناشر: بنياد بعثت – طهران. الطبعة الأولى 1416ﻫ.

11. بصائر الدرجات: الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي/ قم, الطبعة الثانية سنة 1404 ﻫ.

12. تحف العقول: الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني. تحقيق: علي أكبر غفاري، الناشر: جامعة المدرسين/ الطبعة الثانية: 1404 ﻫ.

13. تحفة الحبيب: الناشر: دار الكتب العلمية/ بيروت، الطبعة الأولى سنة 1417ﻫ.

ص: 44

14. تهذيب الأحكام: تحقيق: السيد حسن الخرسان (طاب ثراه)، الناشر: دار الكتب الإسلامية/ طهران، الطبعة الرابعة سنة 1407ﻫ.

15. التوحيد: الناشر: جامعة المدرسين/ قم.

16. جامع المدارك في شرح المختصر: تحقيق: علي أكبر غفاري، الناشر: مؤسسة اسماعيليان/ قم، الطبعة الثانية سنة 1405ﻫ.

17. جواهر الكلام: تحقيق: عباس قوجاني وعلي آخوندي، الناشر: دار إحياء التراث العربي/بيروت.

18. حاشية الكافي: الناشر: دار الحديث/ قم الطبعة الأولى سنة 1429ﻫ

19. الحدائق الناضرة: تحقيق: محمد تقي الايرواني والسيد عبد الرزاق المقرم، الناشر: دفتر انتشارات إسلامي/ قم، الطبعة الأولى سنة 1405ﻫ.

20. حياة الحيوان الكبرى, الدميري, تحقيق: أحمد حسن. الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت: 1424 ﻫ.

21. الخصال: تحقيق: علي أكبر غفاري، الناشر: جامعة المدرسين/ قم الطبعة الأولى.

22. رجال ابن الغضائري: تحقيق: محمد رضا الجلالي، الناشر: دار الحديث الطبعة الأولى.

23. رجال ابن داوود: الناشر: دانشكاه طهران الطبعة الأولى.

24. رجال الشيخ : تحقيق: جواد القيومي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي/ قم الطبعة الثالثة.

25. رجال النجاشي: تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي سنة 1407ﻫ.

26. الروض المربع شرح زاد المستقنع, منصور بن يونس الحنبلي, دار الفكر للطباعة والنشر. تحقيق: سعيد محمد اللحام.

ص: 45

27. رياض المسائل: تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ، الطبعة الأولى سنة 1418ﻫ.

28. العروة الوثقى المحشاة: ط4 مؤسسة النشر الإسلامي سنة 1430ﻫ.

29. علل الشرائع: الناشر: كتاب فروشي داوري/ قم الطبعة الأولى.

30. فتح العزيز: دار الفكر.

31. الفقه على المذاهب الأربعة: دار الثقلين/بيروت، الطبعة الأولى - 1419ﻫ.

32. الفهرست: تحقيق: عبد العزيز الطباطبائي، الناشر: مكتبة المحقق الطباطبائي/ قم الطبعة الأولى سنة 1420ﻫ.

33. الكافي: تحقيق: علي أكبر غفاري الطبعة السادسة سنة 1407ﻫ، الناشر: دار الكتب الإسلامية- طهران.

34. كتاب المناهل: الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) / قم الطبعة الأولى.

35. كفاية الأحكام: الناشر: دفتر انتشارات إسلامي/ قم الطبعة الأولى سنة 1423ﻫ.

36. المجموع, النووي. الناشر: دار الفكر.

37. المحاسن: تحقيق: جلال الدين محدث، الناشر: دار الكتب الإسلامية/ قم، الطبعة الأولى سنة 1371ﻫ.

38. مسالك الافهام إلى آيات الأحكام: تحقيق: لجنة التحقيق في مؤسسة المعارف، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية/ قم، الطبعة الأولى سنة 1413ﻫ.

39. مسائل علي بن جعفر: الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) الطبعة الأولى سنة 1409 ﻫ.

40. مستند الشيعة: تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ، الطبعة الأولى سنة 1415ﻫ.

ص: 46

41. مصباح الأصول: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي (قدس سره) / قم الطبعة الأولى سنة 1413ﻫ.

42. معتمد العروة الوثقى: منشورات دار العلم/ قم الطبعة الثانية سنة 1416ﻫ.

43. المعجم الزولوجي الحديث, الشيخ محمد كاظم الملكي (رحمه الله).

44. معجم رجال السيد الخوئي (قدس سره) : مركز نشر الثقافة الإسلامية، الطبعة الخامسة سنة 1413ﻫ.

45. من لا يحضره الفقيه: الناشر: دار الكتب الإسلامية/ طهران، المطبعة: خورشيد سنة 1387ﻫ.

46. منهاج الصالحين للسيد الحكيم (قدس سره) مع تعليقات السيد الشهيد الصدر (قدس سره) : الناشر: دار التعارف للمطبوعات/ بيروت الطبعة الأولى سنة 1410ﻫ.

47. منهاج الصالحين للسيد الخوئي (قدس سره) : مدينة العلم/ قم، الطبعة الثامنة والعشرون سنة 1410ﻫ.

48. منهاج الصالحين للسيد السيستاني (دام ظله): الناشر: دار المؤرخ العربي، الطبعة الثامنة عشر سنة 1434ﻫ.

49. الوافي: تحقيق: ضياء الدين الحسيني الأصفهاني، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) / أصفهان الطبعة الأولى سنة 1406ﻫ.

50. وسائل الشيعة: الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) الطبعة الأولى سنة 1409ﻫ.

ص: 47

ص: 48

رسالة في خمس الهدية - الشيخ رافد الفتال دام عزه

اشارة

من الموارد الفقهية التي اختلفت فيها آراء المتقدمين والمتأخرين فكانت مسرحاً للصراع العلمي هي مسألة خمس الهدية.

فقد ذهب معظم المتقدمين إلاّ من ندر إلى القول بعدم وجوب الخمس فيها، في حين نجد أن معظم المعاصرين من الفقهاء ذهبوا إلى وجوب الخمس فيها.

ولذا فهذا البحث من الموارد غير القليلة في الفقه التي تغيّرت فيها أقوال الفقهاء تغيّراً جذرياً بين المتقدمين والمتأخرين، وله نظائر لا تخفى على المتتبع.

وهكذا بحث يكون عادة مشوقاً؛ لأنه يدور بين فريقين من الفقهاء لابد معه من محاكمة الأدلة ليرى الباحث إلى جانب مَن يكون.

ص: 49

ص: 50

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين

وبعد: فهذه رسالة مختصرة في بيان حكم الخمس في الهدية، نتعرض فيها لمعنى الهدية لغة، ونذكر أقوال الفقهاء في حكمها, ونذكر الأدلة على ذلك مع مناقشتها, ونخلص إلى الحكم المختار فيها، فنقول:

اختلفت أقوال الفقهاء من الأصحاب في ثبوت الخمس في الهدية, وهو أمر لم تستقر عليه آراء الفقهاء إلا في هذه الأواخر, حيث كانت إلى وقت قريب مسرحا للصراع بين نافٍ ومثبت، بعدما كان معظم المتقدمين يجمعون على عدم الخمس فيها إلا من ندر، كما سنذكره عند ذكر أقوال الفقهاء, إلى أن وصل الأمر إلى الفقهاء المعاصرين حيث ذهب معظمهم – فيما نعلم – إلى القول بالخمس فيها.

ونحن بداية سنعرّف الهدية لغة ونذكر الفرق بينها وبين الهبة؛ ليتضح موضوع البحث وبعض الحيثيات المأخوذة فيه والتي يستفاد منها في بيان مدى اندراج الهدية في موضوع الخمس بشكل عام – والذي سوف تتضح حدوده من خلال البحث – ، ثم نتطرق لأقوال الفقهاء في المسألة قديماً وحديثاً فنذكر جملة من أقوالهم، ثم نذكر مقتضى الأصل العملي في المسألة.

ومن ثم سنتعرض للأدلة العامة التي سيقت لوجوب أصل الخمس من آية الخمس والروايات التي فسرتها أو التي ذكرت وجوب الخمس؛ لنرى ماذا تقتضي الأدلة ؟ فهل تقتضي الخمس بالدائرة الوسيعة والتي تشمل حتى مثل

ص: 51

الهدية والميراث ونحوهما، أم بالدائرة الضيقة التي أثبتها المتقدمون؟ وبذلك يخرج محل البحث عن موضوع الخمس، أم تقتضي أمراً غيرهما، ليكون أصلاً فوقانياً وقاعدةً عامةً يرجع إليها في فرض الشك.

ثم نتعرض بعد ذلك للأدلة الخاصة التي تتعرض لخصوص الهدية - إن وجدت - لنرى هل تقتضي ما يخالف العموم الفوقاني أو أنها موافقة له؟ ثم نخلص إلى نتيجة البحث بعد فذلكة له, فأقول:

معنى الهدية لغة

قال ابن منظور في لسان العرب(1): والهَدِيَّةُ: ما أَتْحَفْتَ به، يقال: أَهْدَيْتُ له وإِليه.

وقال الخليل في كتاب العين(2): الهدية: ما أهديت إلى ذي مودة من بر، ويجمع: هدايا، ولغة أهل المدينة: هداوى، بالواو، والإهداء: أن تهدي إلى إنسان مديحاً أو هجاء شعراً، والهديّ والهدي - يثقل ويخفف -: ما أهديت إلى مكة، وكل شيء تهديه من مال أو متاع فهو هدي.

وقال ابن سلام في غريب الحديث(3): قد يقال للأسير: الهدي، قال المتلمس يذكر طرفة ومقتل عمرو بن هند إياه بعد أن كان سجنه:

كطريفة بن العبد كان هديّهم *** ضربوا صميم قذاله بمهندِ

وأظن المرأة إنما سُمِّيت هديا لهذا المعنى، لأنها كالأسيرة عند زوجها، قال عنترة:

ألا يا دار عبلة بالطويِّ *** كرجع الوشم في كف الهديِّ

ص: 52


1- لسان العرب: 15/ 357.
2- كتاب العين: 4/ 77 – 78.
3- غريب الحديث: 2/ 187 – 188.

وقد يمكن أن يكون سُمِّيت هدياً لأنها تهدى إلى زوجها، فهي هديُّ (فعيل) في موضع (مفعول)، فقال: هدي يريد مهدية، يقال منه: هديت المرأة إلى زوجها أهديها هداء بغير ألف، قال زهير:

فإن تكن النساء مخبآت فحق لكل محصنة هداء

بمعنى أن تهدى إلى زوجها، وليس هذا من الهدية [ في شيء، لا يقال من الهدية ] إلا أهديت بالألف إهداء، ومن المرأة: هديت وقد زعم بعض الناس أن في المرأة لغة أخرى أيضاً: أهديت والأولى أفشى في كلامهم وأكثر.

وقال ابن السكيت الأهوازي في ترتيب إصلاح المنطق(1): ويقال: أهديت الهدية أهديها إهداء، فهي مهداة, وأهديت الهديّ إلى بيت الله هدياً، والهدي، لغتان، بالتشديد والتخفيف، وقرأ بهما جميعا القراء: [حتى يبلغ الهديّ محله] و[الهدي محله] (2)، والواحدة: هديّة وهدية, وهديته الطريق هداية، وهديته إلى الدين وللدين هدي، وهديت العروس إلى زوجها أهديها هداء، فهي مهدية وهدي. ويقال: أهدأت الصبي أهدئه إهداء، إذا جعلت تضرب عليه بكفك وتسكنه لينام. ويقال: قد هدأت، إذا سكنت.

وقال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية(3): الفرق بين الهدية والهبة: أن الهدية ما يتقرب به المُهدي إلى المُهدى إليه، وليس كذلك الهبة, ولهذا لا يجوز أن يقال: إن الله يهدي إلى العبد كما يقال: إنه يهب له وقال تعالى: [فهب لي من لدنك وليا] (4)، وتقول: أهدى المرؤوس إلى الرئيس ووهب الرئيس للمرؤوس، وأصل الهدية من قولك هدى الشيء إذا تقدم وسميت الهدية هدية

ص: 53


1- ترتيب إصلاح المنطق: 69.
2- البقرة: 196.
3- الفروق اللغوية: 555 – 557.
4- مريم: 5.

لأنها تقدم أمام الحاجة.

والهدية: وإن كانت ضرباً من الهبة، إلا أنها مقرونة بما يشعر إعظام المهدى إليه وتوقيره، بخلاف الهبة.

وقال أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا في معجم مقاييس اللغة(1): (هديَ) الهاء والدال والحرف المعتل: أصلان أحدهما التقدم للإرشاد والآخر بعثة لطف.. إلى أن قال: والأصل الآخر الهدية: ما أهديت من لطف إلى ذي مودة, يقال: أهديت أهدي إهداء, والمهدى: الطبق تهدى عليه, ومن الباب الهدي: العروس وقد هديت إلى بعلها هداء.. إلخ .

وقال رضي الدين الاسترابادي في شرح شافية ابن الحاجب(2): وقد يجيء أفعل لجعل الشيء نفس أصله إن كان الأصل جامدا، نحو أهديت الشيء: أي جعلته هدية أو هدياً.

أقول: يتحصل من هذه الأقوال: أن كلا من الهدية والهبة هي إعطاء مال إلى آخر ابتداء أي من دون سعي من الطرف الآخر إلى ذلك, أو كسب أو قصد، وأن الهدية من جنس الهبة, ولكنها تتميز عنها بزيادة خصوصية, وهي قصد التقرب من المهدي للمهدى إليه مما يشعر بتعظيم المهدى إليه من طرف المهدي, وهذا المعنى الإضافي غير موجود في الهبة.

وهذه الخصوصية والمعنى الزائد لا دخل لها في المقام، فكل من الهدية والهبة فيهما خصوصيتان دخيلتان في تحديد اندراجهما في موضوع الخمس، وهما: عدم القصد, وعدم الكسب. فكل منهما فائدة حاصلة للإنسان من دون قصد وكسب. هذا عن المعنى اللغوي.

ص: 54


1- معجم مقاييس اللغة: 6/ 42 – 43.
2- شرح شافية ابن الحاجب:1/ 87.

الأقوال في حكم خمس الهدية

اختلف الفقهاء في وجوب الخمس في الهدية قديماً وحديثاً فمن قائل بالوجوب وهم أكثر المتأخرين, وقائل بعدم الوجوب وهم أكثر المتقدمين، وقد اتفق المتقدمون تقريباً (عدا ما يظهر من أبي الصلاح الحلبي) على القول بعدم وجوب الخمس في الهدية, ويظهر ذلك من أمرين:

1- تحديدهم لموضوع الخمس - في خصوص الفرع الذي تقع فيه الهدية عادة، وهو الفاضل عن مؤونة السنة– بأرباح التجارات أو الزراعات ونحوها، وهو يقتضي حصر الخمس في التكسبات ولا تندرج فيه الهدية بوضوح.

2- عَدُّهم مَن أثبت الخمس في الهدية من المتفردين بهذا الحكم حيث وصفوه بما يقتضي مخالفته للرأي السائد من عدم الوجوب.

هذا بالإضافة – طبعاً – إلى من صرّح بعدم وجوب الخمس فيها.

ولنعرض جملة من أقوال المتقدمين تأييداً لذلك, فممن يندرج في الأمر الأول:

الشيخ المفيد (قدس سره) ، قال في المقنعة(1): والخمس واجب في كل مغنم، قال الله عز وجل: [واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول.. ] (2)إلخ الآية الشريفة، والغنائم: كل ما استفيد بالحرب.. إلى أن قال: وكل ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد.

وقال السيد المرتضى (قدس سره) في الانتصار(3): ومما انفردت به الإمامية القول بأن

ص: 55


1- المقنعة: 276.
2- الأنفال: 41.
3- الانتصار: 25.

الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب وما استخرج من المعادن والغوص والكنوز وما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد.

وقال سلار (قدس سره) في المراسم العلوية(1): وفاضل أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤونة وكفاية طول عامه إذا اقتصد.

ونقل المحقق الحلي في المعتبر عن ابن أبي عقيل(2): وقد قيل: الخمس في الأموال كلها حتى على الخياط والنجار وغلة الدار والبستان والصانع في كسب يده؛ لأن ذلك إفادة الله وغنيمة.

وقال الشيخ (قدس سره) في المبسوط(3): وأرباح التجارات والمكاسب وفيما يفضل من الغلات عن قوت السنة له ولعياله.. إلى أن قال: والغلات والأرباح يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السلطان ومؤونة الرجل ومؤونة عياله بقدر ما يحتاج إليه على الاقتصاد.

وقال (قدس سره) في الخلاف(4): يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار على اختلاف أجناسها.

وقال السيد ابن زهرة (قدس سره) في الغنية(5): يجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة، أي وجه كان.

ص: 56


1- المراسم: 139.
2- المعتبر: 2/ 623.
3- المبسوط: 1/ 236, 238.
4- الخلاف، كتاب الزكاة: 118.
5- الغنية: 507.

وقال أبو المجد الحلبي (قدس سره) في إشارة السبق(1): وفي كل ما يفضل عن مؤونة السنة من كل مستفاد بسائر ضروب الاستفادات من تجارة أو صناعة أو غيرهما.

وقال ابن حمزة (قدس سره) في الوسيلة(2): والفاضل من الغلات عن قوت السنة بعد إخراج الزكاة منها.. وفاضل المكاسب عما يحتاج إليه لنفقة سنته وأرباح التجارات.

وقال المحقق (قدس سره) في المعتبر(3): الرابع: أرباح التجارات والصنائع والزراعات وجميع الاكتسابات، قال كثير من الأصحاب: فيها الخمس بعد المؤونة على ما يأتي.

وقال العلامة (قدس سره) في النهاية(4): جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك.

وصرح ابن إدريس (قدس سره) بالاتفاق وأن المخالف هو أبو الصلاح فقط حيث قال(5): وقال بعض أصحابنا: إن الميراث والهدية والهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنّفه، ولم يذكره أحد من أصحابنا إلا المشار إليه، ولو كان صحيحاً لَنُقِل نقْلَ أمثاله متواتراً، والأصل براءة الذمة فلا نشغلها ونعلق عليها شيئاً إلا بدليل، وأيضاً قوله تعالى: [ولا يسألكم أموالكم].

وأما من صرح بذلك، أي: كون موضوع الخمس هو التكسبات التي

ص: 57


1- إشارة السبق: 114.
2- الوسيلة: 137.
3- المعتبر: ج2, 623.
4- النهاية: 1/ 447.
5- السرائر: 1/ 495- 496.

لا تشمل الهبة والهدية ونحوها، فمنهم العلامة في التحرير، حيث قال (قدس سره) (1): إنما يجب الخمس في هذا النوع من فواضل أرباح التجارات والزراعات ولا يجب في الميراث ولا الهبة ولا الهدية خلافاً لأبي الصلاح، ولا فرق بين جميع أنواع الاكتسابات، فلو غرس غرساً فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب الخمس في الزيادة، ولو زادت القيمة لِتَغَيّر السعر لا لزيادة فيه لم يجب.

وقد صرّح (قدس سره) أيضا في المنتهى بأنه قول علمائنا أجمع، حيث قال: أرباح التجارات والزراعات والصنائع وجميع أنواع الاكتسابات وفواضل الأقوات من الغلات والزراعات من مؤونة السنة على الاقتصاد يجب فيها الخمس، وهو قول علمائنا أجمع، وقد خالف فيه الجمهور كافة(2).

وهو ظاهر الشهيد الأول (قدس سره) في الدروس حيث بيّن المخالفين في بعض الموارد مما ينبه على أن الباقي هو المشهور, فقال(3): الثاني: جميع المكاسب من تجارة وصناعة وزراعة وغرس بعد مؤونة السنة له ولعياله الواجبي النفقة والضيف وشبهه، ولو عال مستحب النفقة اعتبر مؤونة، ولو أسرف حسب عليه، ولو قتر حسب له.

ورخص ابن الجنيد في ترك خمس المكاسب، وأضاف الحلبي الميراث والهبة والهدية والصدقة، ومنعه ابن إدريس وهو ظاهر ابن الجنيد، وأضاف الشيخ العسل الجبلي والمن، وأضاف الفاضلان الصمغ وشبهه.

وأما قوله: (ومنعه ابن إدريس) فلا يعني أن المانع هو ابن إدريس فقط، بل يعني أن المصرح بالمنع هو ابن إدريس، وقد تقدمت عبارته، فلاحظ.

هذه بعض أقوال المتقدمين وقد ظهر منها أن الجميع – ما عدا الحلبي –

ص: 58


1- تحرير الأحكام: 64.
2- منتهى المطلب: 8/ 537.
3- الدروس الشرعية: 1/ 259.

ذهبوا إلى استثناء الهدية من الخمس.

وأما المتأخرون فقد اختلفت أقوالهم بين مؤيد لقول مشهور القدماء في تخصيص الخمس بما عدا الهدية ونحوها، ومعمم الخمس لمطلق الفائدة حتى الهبة والهدية والميراث، وبين من جعل ذلك أحوط استحباباً أو وجوباً.

فقد قال السيد صاحب العروة (قدس سره) فيها(1): السابع: ما يفضل عن مؤونة سنته ومؤونة عياله من أرباح التجارات ومن سائر التكسبات من الصناعات والزراعات والإجارات حتى الخياطة والكتابة والتجارة والصيد وحيازة المباحات وأجرة العبادات.. إلى أن قال: بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة وإن لم تحصل بالاكتساب كالهبة والهدية والجائزة والمال الموصى به ونحوها، بل لا يخلو عن قوة.

وقال السيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك معلقاً على قول صاحب العروة (قدس سره) (2): (بل الأحوط.. إلخ) بعد كلام له ما نصه: وكيف كان فمقتضى النصوص عموم الحكم لكل فائدة وإن لم تكن عن قصد واختيار فضلا عما كان كذلك، وحينئذ يضعف القول باعتبار صدق التكسب – كما نسب إلى المشهور – فضلا عن القول باعتبار اتخاذه مهنة، كما عن الجمال في حاشيته على اللمعتين, كيف ولازمه عدم الخمس في الثمار ونماء الحيوان كاللبن والصوف والسخال وغير ذلك، وسيجيء التصريح بوجوب الخمس فيه.

وأما الأعلام المعلّقون على العروة في الموضع المتقدم منها(3)، فقد منع كل من الميرزا النائيني والشيخ آل ياسين والسيد البروجردي والسيد الشيرازي وبعض آخر (قدست أسرارهم) من القوة في قول المصنف (لا يخلو عن قوة) مما

ص: 59


1- الطبعة المحشاة من العروة الوثقى: 4/ 275.
2- مستمسك العروة الوثقى: 9/ 522.
3- الطبعة المحشاة من العروة الوثقى: 4/275, 276.

يعني عدم وجوب الخمس فيها، ولكن احتاط بعضهم وجوباً في تخميسها كالثلاثة الأول.

وبعض قيد الخمس بخصوص ما كان من الهدية لها خطر.

ومن هذا العرض يتبين أن معظم المتقدمين ذهبوا إلى عدم وجوب الخمس في الهدية إلا النادر منهم. وأما المتأخرون فقد ضعف هذا القول عندهم بذهاب مجموعة من الأعلام للوجوب فيها فتوى أو احتياطاً, وإن بقي هناك قائل منهم بعدم الوجوب(1).

الاحتمالات في المقام

ومن العرض المتقدم لأقوال الفقهاء يظهر أن الاحتمالات أو الأقوال في المقام أربعة:

1. أن يكون التشريع من أول الأمر مختصاً بما يؤخذ من الكفار حال الحرب، فلا يشمل أرباح المكاسب فضلاً عن الهدية ونحوها والميراث، ولم يذهب إليه أحد من علمائنا فيما نعلم، بل هو قول للجمهور.

2. أن يعم أرباح المكاسب فقط، أي: ما أُخذ عن طريق التكسب وبالاختيار والقصد، فلا يشمل مثل الهدية ونحوها والميراث، وهو قول مشهور المتقدمين من علمائنا.

3. أن يعم ما أخذ بغير التكسب ولكن بالاختيار والقصد، فيشمل الهدية ونحوها، وهو قول مجموعة كبيرة من المتأخرين.

4. أن يشمل أيضاً ما لم يكن له قصد أو اختيار في أخذه بل يدخل في ملكه قهراً فيشمل الميراث، وهو قول بعض المتقدمين كأبي الصلاح الحلبي، وذهب له بعض المتأخرين.

ص: 60


1- المصدر السابق: 275, هامش 4.

مقتضى الأصل العملي

وأما ما يقتضيه الأصل العملي، فإنه لما كان الخمس ضريبة مالية بنسبة معينة تكون على صاحب المال توضع في محل مخصوص وهم المصارف له, لذا فيدور أمر متعلقه بين الأقل والأكثر, والقدر المتيقن الذي عليه إجماع الأصحاب من المتقدمين والمتأخرين هو الغنيمة بالمعنى الأخص أي غنائم دار الحرب, والمكاسب التي يكون فيها قصدٌ للتكسب، بالإضافة إلى باقي موارد الخمس السبعة من الكنز والغوص والمعدن.. إلخ, ويشك في شموله لغيره من سائر الاستفادات مما ليس فيه قصد التكسب ونحوه من مطلق الفائدة، فالمفروض أن تجري فيه البراءة العقلية للشك في الزائد, بل والنقلية أيضاً لشمول حديث الرفع وغيره من أدلتها له.

فلو كنا نحن والأصول العملية في فرض عدم نهوض دليل على شمول الخمس للهدية فالجاري فيها البراءة, فلا يجب الخمس فيها.

وهذا ما ذكره ابن إدريس في العبارة المتقدمة التي نقلناها عنه، حيث قال(1): وقال بعض أصحابنا: إن الميراث والهدية والهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنفه، ولم يذكره أحد من أصحابنا إلا المشار إليه، ولو كان صحيحاً لَنُقِل نقْلَ أمثاله متواتراً، والأصل براءة الذمة فلا نشغلها ونعلق عليها شيئاً إلا بدليل.

وأما في مقام تأسيس الأصل اللفظي في المقام

فنقول: إنه قد دل على وجوب الخمس وبيان مورده مجموعة من الأدلة، أهمها من القرآن الكريم قوله تعالى: [واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم

ص: 61


1- السرائر: 1/ 495 - 496.

بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير] (1)، ومجموعة من الأدلة من السنة المطهرة وهي على نحوين: إما في مقام تفسير الآية الكريمة, أو في مقام بيان الخمس لا من جهة تفسير الآية الكريمة. فلنستعرضها لنرى ما يمكن أن يستفاد منها.

آية الخمس

أما الآية الشريفة، فلابد أن نتعرض لها على وجه التفصيل لأنها عمدة الدليل في المقام بعد أن عرفت أن مجموعة من الأدلة تعرضت لبيان معناها بما يعتبر الخمس بهذا المعنى أو ذاك مذكوراً في القرآن الكريم مما يعطي هذا الرأي القائل بوجوب الخمس قوة إقناعية أكبر في مقابل الجمهور القائل بالعدم وكذلك للخاصة؛ لكون القرآن مقطوع الصدور عند جميع الطوائف وهو مصدر التشريع الأول عند المسلمين، ولا يُختلف فيه بخلاف باقي الأدلة، فالذي يستطيع أن يدعم رأيه من فقهاء المذاهب المختلفة بآية من القرآن يكون له سند قوي في مقبولية قوله، وهذا ما كان يمارسه الأئمة من أهل البيت (علیهم السلام) في مقام المحاجّة مع القوم لإثبات صحة ما ذهبوا إليه في مختلف المجالات.

وكيف كان ففي الآية عدة نقاط للبحث لا يهمنا منها فعلاً إلا بيان معنى الغنيمة الوارد فيها, وبعض آخر من البحوث التي تتعلق بمحل الكلام:

المراد بالغنيمة في الآية

اختلفت الآراء في المراد بلفظ الغنيمة الوارد في الآية الشريفة، في قوله تعالى: (غنمتم), ولنتعرض أولاً لقول اللغويين في معناه، ثم إلى قول جملة من المفسرين، فنقول:

ص: 62


1- الأنفال: 41.

قال الفيروز آبادي في القاموس(1): (والمغنم والغنيم والغنيمة والغنم بالضم: الفيء.. والفوز بالشيء بلا مشقة).

وفي لسان العرب(2): (والغُنْم: الفَوْز بالشيء من غير مشقة. والاغتِنام: انتهاز الغُنم، والغُنم والغَنِيمة والمَغْنم: الفي ء، يقال: غَنِمَ القَوم غُنْماً، بالضم، وفي الحديث: الرَّهْن لمن رَهَنه له غُنْمه وعليه غُرْمه).

وعن الخليل في العين(3): (الغنم هو الفوز بالشيء من غير (في غير خ ل) مشقة).

وفي مفردات الراغب(4): (الغَنَم معروف، قال: [ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما]، والغُنم: إصابته والظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العِدَى وغيرهم).

وقال ابن قتيبة في غريب الحديث(5): (والغنيمة: ما غنمه المسلمون من أرض العدو عن حرب تكون بينهم، فهي لمن غنمها إلا الخمس، وأصل الغنيمة والغنم في اللغة: الربح والفضل، ومنه قيل في الرهن: (له غنمه وعليه غرمه)، أي: فضله للراهن ونقصانه عليه).

وفي النهاية في غريب الحديث والأثر(6): (قد تكرر فيه ذكر الغنيمة والغنم والغنائم، وهو ما أصيب من أموال أهل الحرب وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب.. ومنه الحديث: (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة)، إنما سمّاه غنيمة لما

ص: 63


1- القاموس المحيط: 4/ 158.
2- لسان العرب: 12/ 445-446.
3- كتاب العين: 4/ 426.
4- مفردات ألفاظ القرآن: 615.
5- غريب الحديث: 1/ 46.
6- النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/ 389، 390.

فيه من الأجر والثواب، ومنه الحديث: الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه).

وقال ابن فارس في المقاييس(1): (الغين والنون والميم أصل صحيح واحد يدل على إفادة شيء لم يملك من قبل، ثم يختص به ما أخذ من مال المشركين بقهر وغلبة).

وقال الزبيدي في تاج العروس(2): (قال الأَزهري: الغَنِيمة ما أَوجَف عليه المسلمون بخيلهم وركابهم من أَموال المشركين..، وأَما الفَي ء فهو ما أَفاء الله من أَموال المشركين على المسلمين بلا حرب ولا إيجاف عليه.., وقد تكرر في الحديث ذكر الغنيمة والمَغنم والغنائم، وهو ما أُصيب من أَموال أهل الحرب وأَوجَف عليه المسلمون الخيل والركاب. يقال: غَنِمت أَغْنَم غُنماً وغَنيمة، والغنائم جمعها، والمَغانم: جمع مَغْنم، والغنم بالضم الاسم، وبالفتح المصدر.. وفي الحديث: (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة)؛ سماه غنيمة لما فيه من الأَجر والثواب).

وقال الطريحي (ره) في مجمع البحرين(3): (الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة، ولكن اصطلح جماعة على أن ما أُخذ من الكفار، إن كان من غير قتال فهو فيء، وإن كان مع القتال فهو غنيمة، وإليه ذهب الإمامية، وهو مروي عن أئمة الهدى (علیهم السلام) كذا قيل، وقيل هما بمعنى واحد.

ثم اعلم أن الفيء للإمام خاصة، والغنيمة يخرج منها الخمس، والباقي بعد المؤن للمقاتلين ومن حضر.

وقد عمم فقهاء الإمامية مسألة الخمس، وذكروا أن جميع ما يستفاد من أرباح التجارات والزراعات والصناعات زائدا عن مؤونة السنة، والمعادن،

ص: 64


1- معجم مقاييس اللغة: 4/ 397.
2- تاج العروس: 17/ 527.
3- مجمع البحرين: 6/ 129.

والكنوز، والغوص, والحلال المختلط بالحرام ولا يتميز عند المالك ولا يعرف قدر الحرام، وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم، وما يغنم من دار الحرب، جميعه يخرج منه الخمس).

هذه جملة من كلمات أرباب اللغة، أقول:

المعاني المتحصلة من أقوال اللغويين أربعة:

1- ما أصيب من أموال أهل الحرب (ابن الأثير والأزهري).

2- ما يصيبه الإنسان ويناله ويظفر به من غير مشقة, أو الفوز بالشيء من غير مشقة (العين والقاموس واللسان).

3- ما في غريب الحديث لابن قتيبة من الربح والفضل, وما عن الراغب من أنه استعمل في كل مظفور به، ويلحق به ما في المنجد من قوله: فاز به وناله بلا بدل, وكذا ما في معجم مقاييس اللغة من أن الغنيمة إفادة شيء لم يملك من قبل.

4- ما عن الطريحي من أنها الفائدة المكتسبة.

وهذه الأقوال كما هو واضح تتراوح بين المعنى الخاص من أنها ما أصيب من أموال أهل الحرب، وبين المعنى العام من أنه استعمل في كل مظفور به. بالإضافة إلى معان بينهما من قبيل: الفوز بالشيء من غير مشقة، فهنا معان ثلاثة تستفاد من أقوال اللغويين بعد ضم بعضها المتشابه منها إلى بعض, وهي:

1- المعنى العام المستفاد من مفردات الراغب وغريب الحديث لابن قتيبة, وغيره، وهو استعماله في كل مظفور به أو الربح والفضل.

2- المعنى الأخص منه وهو: الفوز والظفر بالشيء من غير مشقة كما عن العين واللسان والقاموس.

3- ما أصيب من أموال أهل الحرب كما عن ابن الأثير والأزهري.

ص: 65

وأما ما عن الطريحي (ره) من الفائدة المكتسبة فيبعد – بوضوح - أن يكون معنى لغوياً للفظ، بل الظاهر أنه مما يستفاد من أقوال فقهاء الإمامية.

إذاً لدينا ثلاثة معان نحتاج إلى تأملها.

أما المعنى الأخير فإنه يبعد أيضاً أن يكون تفسيراً للمعنى اللغوي بل هو يناسب تعريف المعنى الشرعي للغنيمة وما صار حقيقة متشرعية بعد صدر الإسلام في زمن التابعين ومن بعدهم، ويؤيده أمران:

1- ما ذكره بعض اللغويين مثل ابن قتيبة في غريب الحديث وابن فارس في المقاييس, حيث قال الأول: (والغنيمة ما غنمه المسلمون من أرض العدو عن حرب تكون بينهم فهي لمن غنمها إلا الخمس) فذكر المعنى الاصطلاحي, ثم عقبه بقوله: (وأصل الغنيمة والغنم في اللغة الربح والفضل).

وأما ابن فارس فقد فعل العكس فعرفه لغة ثم قال باختصاصه بالمعنى الاصطلاحي, حيث قال: الغين والنون والميم أصل صحيح واحد يدل على إفادة شيء لم يملك من قبل، ثم يختص به ما أخذ من مال المشركين بقهر وغلبة.

2- ما صرح به بعض المفسرين من أن تعريفها بالمعنى الخاص هو معنى شرعي من مثل القرطبي والرازي وغيرهم , كما سيأتي النقل عنهم مفصلاً.

فمن هذا يقرب القول بأن مَن عرّفه بهذا المعنى الخاص جداً فهو ناظر إلى المعنى الاصطلاحي عند المتشرعة, أو يكون من قبيل تعريف المعنى اللغوي بأظهر مصاديقه، حيث دأب اللغويون على تعريف الألفاظ بمصاديقها وهو من باب التعريف بالمثال.

وأما المعنى الثاني وهو ما يتضمن خصوصية الفوز بالشيء من غير مشقة, فقد يقال بدواً: إن هذه الخصوصية المذكورة، لو التزم بأنها هي الخصوصية المأخوذة في معنى الغنيمة، فينتج في المقام عدة إشكالات:

الأول: أنّ لازم هذا المعنى أن يكون أوضح مصاديقه في الفرع المبحوث عنه

ص: 66

- أي: ما يفضل بعد المؤنة - هو الهدية والإرث ونحوهما, لأنها من أوضح مصاديق ما يغنمه المرء من غير مشقة, من أنواع الفائدة (1).

وعليه فيكون البحث في أن لفظ الغنيمة هل يشمل مثل المقام أو لا ؟ مستدركاً بعد كون اللفظ بالمعنى المذكور يدل بالمطابقة على شموله لمحل الكلام، مع أن الفقهاء قديمهم وحديثهم اختلفوا في شموله لها, بل المتقدمون على العموم أنكروا شموله لها, فهذا في نفسه يثير التشكيك في كون المعنى اللغوي على هذا النحو، لا سيما وأن الفقهاء يستنطقون المعنى اللغوي للمفردة عند دخولها في موضوع حكم شرعي قبل أن يحكموا.

الثاني: أنّ الالتزام بأن معنى الغنيمة هو ما ذكر يقتضي خروج القدر المتيقن الذي أجمع عليه الفقهاء من تحتها وهو أرباح المكاسب والصنائع والتجارات والحرف ونحوها مما هو محل اتفاق وإجماع بين الأصحاب في الشمول له؛ وذلك لكون أغلب موارده مما لا يحصل إلا بمشقة عادة كالصناعات والزراعات والتجارات ونحوها غيرها.

فنتيجة هذين الإشكالين أنّ الالتزام بهذا المعنى يقلب الأمر, بأن يجعل محل الخلاف هو القدر المتيقن من المراد بالغنيمة, والقدر المتيقن منها هو محل الخلاف فيها.

ونفس الكلام في الإشكال الثاني يجري في مورد الآية وهو غنائم الحرب، إذ أنها أيضا مما لا إشكال في حصولها على إثر الحرب التي هي أوضح مصاديق الشدة والمشقة، ويضاف في موردها إشكال ثالث، وهو خروج مورد الآية عن المعنى اللغوي، وهو ظاهر الفساد.

ص: 67


1- ويؤيده أيضاً قوله في القاموس واللسان: النَفَل (محركة): الغنيمة، والهبة. فجعل الهبة معطوفة على الغنيمة، والظاهر أنه عطف تفسير، فيدل على اتحاد المعنى، وقد تقدم أنه لا فرق بين الهدية والهبة من هذه الجهة، فلاحظ.

بل قد تؤيد هذه الإشكالات ببيان إضافي، وذلك بأن يقال: إن هذا المعنى مخالف للوجدان اللغوي, ولصريح بعضٍ, ولمورد الآية:

أما مخالفته للوجدان اللغوي فإن التأمل الوجداني يقضي بأن الغنيمة فيها قوة وسلطة وإعمال مؤنة لأخذ الشيء حتى عُبِّر عنه بالفوز والظفر كما تقدم, وكذلك يناسبه تقسيم الفقهاء للمأخوذ من دار الحرب إلى مأخوذ بالقوة فهو غنيمة ومأخوذ بالسلم فهو فيء.

وأما تصريح البعض فلأن مجموعة من اللغويين – كما تقدّم - ومفسري العامة – كما سيأتي- فسروا الغنيمة بما أخذ بالقهر والغلبة.

وأما مخالفته للآية فلأنها واردة في غنائم الحرب وهي لابد أن تكون مأخوذة في أثر الحروب المصاحبة للشدة والمشقة، فلا يمكن إخراج مورد النزول عن معنى اللفظ.

ولكن الملفت للنظر أن هذا المعنى قد ذكره أعلام اللغويين الذين عليهم المعول في فهم معاني الألفاظ عند العرب من قبل الفقهاء، وعليه فلابد أن نحاول حل الإشكالات المتقدمة للحفاظ على هذا المعنى مهما أمكن، وإذا لم يمكن فيتعين طرحه وأخذ المعنى العام المتقدم.

وما يتصور في حل الإشكالات المتقدمة هو:

أما في خصوص الإشكال الأول فيقال في جوابه: إن هذا المعنى لو ثبت لا يستلزم بالضرورة دخول ما ذكر من الهبة والهدية والميراث ونحوها؛ لاحتمال وجود خصوصية أخرى في معنى الغنيمة تمنع دخول الهدية ونحوها لم يعتن اللغويون ببيانها.

وقد يكون ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين إشارة إليه(1)، وهذه الخصوصية هي القصد إلى فعل الشيء الذي ينتج عنه الكسب وهو المسمى

ص: 68


1- حيث تقدَّم عنه صفحة (64): الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة.

بالغنيمة، وفي الهدية والهبة والميراث ونحوها لا يوجد هذا المعنى.

وأما الإشكال الثاني فيمكن الجواب عنه في الجملة بأن يقال:

إنّ المراد بنفي المشقة هو نفي المشقة بالنسبة لا مطلقاً، بمعنى أن القيمة العقلائية للشيء تستلزم مقداراً من الجهد والتعب في سبيل تحصيله وكذا العكس فكل جهد وعمل له قيمة معينة، فإذا صرف شخص ما جهدا في سبيل تحصيل شيء وحصل من جرّائه على مال أكثر مما يكون عادة بإزائه يكون قد ظفر بشيء بلا مشقة، ويصدق عليه عرفا ولغة أنه غنم هذا المال, وليتدبر في الكنز أو الغوص فإن كلاً منهما وإن كان فيه مشقة الحفر أو الغوص وما يستتبعانه من كلفة ومشقة إلا أن في مقابله الحصول على الكنز أو الجواهر الثمينة من البحر كاللؤلؤ وغيره مما لا توازي قيمته ذلك الجهد بل تفوقه، فلذا يعد لغة من الغنيمة.

وكذا في عكسه لا يصدق الغُنم والغنيمة على الشخص الذي يستفيد فائدة قليلة مقابل عمله المجهد كأن يكون فلاحاً أو عاملاً يكدح طوال اليوم وفي المقابل يعطى دراهم معدودة، فلا يقال له عرفاً ولغة أنه غنم هذا المال.

وهذه الخصوصية كما تصدق في مورد الصناعات والتجارات وعموم المكاسب كذلك تصدق في مورد الحرب.

وقد يشير إليه ما ذكره ابن قتيبة في غريب الحديث بقوله: وأصل الغنيمة والغنم في اللغة الربح والفضل. فإن المراد بالفضل: ما يفضل، وهو بالتقريب المتقدم واضح.

بل يتضح من هذا البيان أن هذا المعنى منسجم أيضاً مع ما ذكره في المنجد من قوله: فاز به وناله بلا بدل، فالمراد بنفي البدلية هذا المعنى المتقدم، فهو بذلك يشمل أرباح المكاسب، ومثل الهدية ونحوها فكل منهما بلا بدل.

وأما الإشكال الثالث فيمكن أن يجاب عنه بالإضافة إلى ما سبق في جواب

ص: 69

الإشكال الثاني لأنهما من واد واحد؛ بأن يدعى وضوح الجواب بشكل أكبر في مورد الحرب منه في مورد الصناعات والتجارات وعموم المكاسب ببيان زائد توضيحه:

أنّ الجيش في الحرب إذا انتصر فإن النصر يكون مكافأة القوة والشجاعة واستعمال الخطط الجيدة في المعركة، حيث أن النصر هو ما كان يقصده عادة, وأما ما يغنمه المقاتلون من أرض المعركة فيعد بلا مقابل عرفاً وبلا مشقة, وتملكاً لما لم يملك من قبل, بمعنى أنه في أرض المعركة ينزَّل السلب منزلة مباحات الأراضي من العشب والماء ونحوها مما يملك بالحيازة وليس فيه تعب أو بدل.

أو يقال إن العرب تفتخر بشجاعتها فلا تعد مقارعة الأعداء مشقة بل هي أمر طبيعي - خاصة مع تعودهم على حياة الإغارة بعضهم على بعض – وعليه فأخذ الغنائم من المعركة بعد الحرب لا يعد في نظرهم مشقة بل المشقة منحصرة بالصناعات والتجارات والزراعة ونحوها من الأعمال والمهن، فليتأمل في ذلك.

وأما ما أُيدت به هذه الإشكالات، من مخالفة الوجدان اللغوي وصريح بعض ومورد الآية، فيمكن الجواب عنها، أما الوجدان اللغوي فهو وإن كان لا ينكر إلا أنه لا يجب أن يعبر بالضرورة عن هذه الخصوصية بل قد يكون معبراً عن الخصوصية الثانية التي ذكرناها في جواب الإشكال الأول.

وأما تصريح بعض اللغويين فهو لا يضر بعد اتفاق أعلام اللغويين على هذا المعنى.

وأما مورد الآية فقد تبين الجواب عنه في دفع الإشكال الثالث.

وبهذا البيان يمكن القبول بهذا المعنى، بل ربما يقال بأن بعض الروايات مؤيدة له(1) كما سيأتي.

ص: 70


1- في الروايات الخاصة وهي رواية أحمد بن محمد بن عيسى في قوله (علیه السلام) : (الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة) , فإن الإمام (علیه السلام) فسر الغنيمة بالفائدة وأراد من الفائدة خصوص ما يكون بعد استثناء رأس المال مثلاً في التجارة أو ما يأخذه السلطان في الزراعة ونحو ذلك، وهو بمعنى صافي الربح, وعليه فتكون هذه الرواية مؤيدة لكون المراد من الغنيمة لغة هو هذا المعنى وهو: الفائدة بلا بدل أو الفوز بالشيء بلا مشقة ونحو ذلك وهو المعنى النسبي، فليتأمل.

ونتيجة هذا القول أن المعنى اللغوي يشمل مورد غنائم الحرب وأرباح المكاسب، وأما الهدية ونحوها فلا يشملها، وذلك لأن الخصوصية الأخرى التي احتملناها بشكل غير بعيد تمنع من دخول محل الكلام في الغنيمة، وإذا شككنا في أصل هذه الخصوصية واعتبارها فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن من معنى الغنيمة وهو أيضا لا يشمل محل الكلام.

بقي أن يقال: ادعي استفادة التعميم أو التخصيص من خارج لفظة الغنيمة في الآية وذلك في موارد:

الأول: لفظة (ما) في قوله تعالى: [واعلموا أن ما غنمتم..] إلخ الآية الشريفة.

الثاني: لفظة (شيء) في قوله تعالى: [من شيء],فقد يقال باستفادة التعميم من كل منهما.

الثالث: قرينية السياق باعتبار ورود آية الخمس في ضمن آيات الجهاد, فيقال باستفادة المعنى الخاص وهو غنائم الحرب منها.

أما الأول والثاني: فلا يخفى أن (من شيء) تفسير ل- (ما) في الآية – بحمل (من) على التفسيرية - فيكون المراد منها نفس المراد من (ما), بل تأكيد للعموم المستفاد منها، فإن (شيء) نص في التعميم لكل شيء سواء في ذلك القليل والكثير وكذلك المنقول وغيره، ولكن مع ذلك فلا ينفع هذا في دعوى التعميم في المقام، لأنه في سياق معنى الغنيمة، إذ إنّ (ما) في الآية هو المفعول به للفعل

ص: 71

(غنمتم) فيكون المراد به هو الشيء الذي تسلط عليه معنى الغنم والغنيمة، فيكون محدوداً بحدوده.

وبذلك يظهر أن التعميم المستفاد من (ما) لا يؤثر في معنى الآية إذ إنّه في إطار معنى الغنيمة ومحكوم به، فإذا كان معنى الغنيمة خاصاً فلا ينفع التعميم المستفاد من (ما) في توسعة معنى الغنيمة، بل يفيد الشمول لكل أفراد ذلك المعنى الخاص من حيث الخصوصيات المتقدمة (أعني الكثير والقليل والمنقول وغيره ونحوها)، وكذا إذا كان عاما، ولذا فإن دعوى استفادة العموم من الآية في محل الكلام من (ما) أو (شيء) ليست صحيحة.

وأما قرينية السياق، فيمكن النقاش فيها كبرى وصغرى:

أما من حيث الكبرى فيمكن المنع من الأخذ بهذه القرينية وذلك بدعوى المنع من أن السياق القرآني – بالخصوص – يفيد تقييداً للمعنى أو يلقي بظلاله عليه فيغير من مفاد الألفاظ وظاهرها، وليس هذا المنع متوقفاً على كون آيات القرآن لم يثبت أنها رُتبت على هذا النحو من النبي :، وأنّ هذا الترتيب حصل من غيره, بمعنى أنه : تركه من غير ترتيب حتى مضى للرفيق الأعلى، فإنه من البعيد القول بذلك، بل بسبب أن كل آية لها خصوصيتها من حيث المعنى بسبب ظرف نزولها وملابساته التي قد لا تشترك معه الآية المجاورة لها.

ولكن الإنصاف أن هذا المنع إن ورد في مثل آية التطهير فلا يرد في المقام؛ لكون الآيات هنا متسقة بشكل لا يمكن معه ورود مثل هذا الاحتمال، بل يبعّده نزولها في وقت واحد ولسبب واحد.

وبعبارة أخرى: إن الآيات على نحوين: فمنها ما يكون متجاوراً في النص القرآني مع اختلاف ظروف نزوله مما يمنع من التمسك بقرينية السياق فيه ومثاله آية التطهير، ومنها ما يكون نازلا بمجموعه في واقعة واحدة ولسبب واحد فلا يأتي فيه هذا المعنى، ومحل الكلام يندرج في النحو الثاني دون الأول كما هو

ص: 72

واضح.

وأما من حيث الصغرى، فلأن السياق هنا وإن سُلِّم اختصاصه بما ذكر إلا أن هذا لا يعني انحصار معنى الغنيمة بالمعنى الخاص الذي دل عليه السياق وعدم شموله للمعنى العام، إذ غايته أن المعنى العام استعمل في أحد مصاديقه وهو غنيمة دار الحرب، وهذا لا يعني عدم شموله من حيث اللغة لباقي الأفراد، فقرينية السياق ليست بمنزلة الحصر الذي يمنع اللفظ من الشمول لغير هذا المعنى.

اللهم إلا أن يقال إن لفظ (ما غنمتم) بمعنى الذي غنمتموه، أي المغتنم ف-(ال) فيه وإن كانت اسماً موصولاً، ولكن مع ذلك فهي لا تخلو من معنى العهد الذي يستفاد من الكلام السابق، أي أن الحكم قد انصب في الآية على المعنى المعهود من الكلام السابق.

فقرينية السياق وإن كانت بشكل عام لا تخصص المعنى, إلا أن هنا خصوصية تمنع من جريان هذا الكلام في المقام, وهي أن الآية بصدد صب الحكم على موضوع معين وهذا الموضوع لو لم يكن هناك كلام سابق تُعرض له لأمكن الأخذ بمعناه اللغوي على سعته وشموله, إلا أنه في المقام هذا الموضوع هو نفس ما ذكر في سياق الآيات المتقدمة، فلا يشمل الحكم غير هذا الموضوع، ولا أقل من انصراف المعنى له، فليتأمل.

وكيف كان, فإذا شككنا في ذلك بأن ترددنا في أن الموضوع هل هو الخاص أو العام, فلا مرجح للخاص بعد عموم معنى اللفظ، فيمكن البناء على التعميم.

هذا عن المعنى اللغوي، ولنعرض بعض أقوال المفسرين في المقام فنقول:

قال العلامة الطباطبائي (قدس سره) في الميزان(1): قوله تعالى: [واعلموا أنما..]

ص: 73


1- الميزان في تفسير القرآن: 9/ 89.

إلخ، الغنم والغنيمة إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب، وينطبق بحسب مورد الآية على غنيمة الحرب، قال الراغب: - ونقل ما نقلناه عن الراغب - . أه

وقال (قدس سره) (1): وظاهر الآية أنها مشتملة على تشريع مؤبد كما هو ظاهر التشريعات القرآنية وأن الحكم متعلق بما يسمى غنما وغنيمة سواء كان غنيمة حربية مأخوذة من الكفار أو غيرها مما يطلق عليه الغنيمة لغة كأرباح المكاسب والغوص والملاحة والمستخرج من الكنوز والمعادن، وإن كان مورد نزول الآية هو غنيمة الحرب فليس للمورد أن يخصص.

التبيان في تفسير القرآن(2): قوله تعالى: [واعلموا أنما غنمتم.. ] آية (41).

الغنيمة: ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال، وهي هبة من الله تعالى للمسلمين، والفيء: ما أخذ بغير قتال في قول عطاء بن السائب، وسفيان الثوري وهو قول الشافعي، وهو المروي في أخبارنا، وقال قوم: الفيء والغنيمة واحد.

وقالوا هذه الآية ناسخة للآية التي في الحشر من قوله: [ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل]، لأنه بين في هذه الآية أن الأربعة أخماس للمقاتلة، وعلى القول الأول لا يحتاج إلى هذا، وعند أصحابنا أن مال الفيء للإمام خاصة يفرقه في مَن شاء، بعضه في مؤونة نفسه وذوي قرابته، واليتامى والمساكين وابن السبيل من أهل بيت رسول الله : ليس لسائر الناس فيه شيء.

وفي تفسير مجمع البيان للطبرسي(3)نفس اللفظ.

ص: 74


1- الميزان في تفسير القرآن: 9/ 90.
2- التبيان في تفسير القرآن: 5/ 117-118.
3- مجمع البيان: 4/ 416.

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام في آية الخمس: قال الفاضل الجواد ما لفظه(1): ظاهر الغنيمة ما أخذت من دار الحرب ويؤيده الآيات السابقة واللاحقة، وعلى ذلك حملها أكثر المفسرين، والظاهر من أصحابنا أنهم يحملونها على الفائدة مطلقاً، وإن لم يكن من دار الحرب، ورواه الكليني والشيخ عن حكيم مؤذن بني عبس عن الصادق (علیه السلام) قال: قلت له: [واعلموا أنما غنمتم فأن لله خمسه..] قال: هي والله الفائدة يوماً فيوماً.. الحديث، وقد أدرجوا السبعة الأشياء التي أوجبوا فيها الخمس في ذلك وهي: غنيمة دار الحرب، وأرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد مؤنة السنة له ولعياله على الوجه الأوسط من غير إسراف ولا تقتير، والمعادن، والكنوز، وما يخرج بالغوص، والحلال المختلط بالحرام مع جهل القدر والمالك، وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم، وزاد الحلبي على ذلك الميراث والهدية والهبة والصدقة، وأضاف الشيخ العسل الجبلي والمن، وأضاف الفاضلان الصمغ وشبهه(2).

ص: 75


1- مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: 2/ 76، 80.
2- زاد في بعض النسخ: وقال ابن الجنيد: فأما ما استفيد من ميراث أو كد بدن أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه لاختلاف الرواية في ذلك (ولأن لفظ فريضة يحتمل هذا المعنى) وقد يستدل على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) : ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة، إذ لا ريب في عدم صحة الحمل على غنائم دار الحرب فينبغي أن تحمل على الغنائم (الفوائد) مطلقاً، وأوردها في المعتبر إيراداً على وجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام، ثم قال: ولا نوجبه إلا فيما يطلق عليه اسم الغنيمة وقد بينا أن كل فائدة غنيمة، واحتمل الشيخ في الاستبصار بعد إيرادها أن تكون هذه المكاسب والفوائد التي تحصل للإنسان من جملة الغنائم التي ذكرها الله تعالى واستدل بها في المختلف لابن الجنيد ثم قال: وجوابه القول بالموجب، فإن الخمس إنما يجب فيما يكون غنيمة وهو يتناول غنائم دار الحرب وغيرها من جميع الاكتسابات على أنه لا يقول بذلك فإنه أوجب الخمس في المعادن والغوص وغير ذلك، واستدل فيه أيضاً على إيجاب الخمس في أرباح التجارات والصناعات والزراعات وأورد على ابن الجنيد فقال: لنا قوله تعالى [واعلموا أنما غنمتم..] الآية، وهذا من جملة الغنائم وفيه أيضاً في بيان وقت وجوبه أن الآية وغيرها يقتضي وجوب الخمس وقت حصول ما يسمى غنيمة وفائدة، وبالجملة فالقول بدلالة الآية على وجوب الخمس في كل فائدة إلا ما أخرجه الدليل غير بعيد خصوصا مع ملاحظة أن الغنيمة في اللغة والعرف للفائدة مطلقاً وتخصيص الآية أو تقييدها أولى بطلب الدليل عليه وربما استبعد بعض أصحابنا استفادة ذلك من ظاهر الآية وقال: والظاهر منها كون الغنيمة.. انتهى.

والحق أن استفادة ذلك من ظاهر الآية بعيد بل الظاهر منها كون الغنيمة غنيمة دار الحرب، والخبر غير صحيح، والأولى حمل الغنيمة في الآية على ذلك وجعل الوجوب في غير الغنيمة من المواضع السبعة ثابتا بدليل من خارج كالإجماع إن كان والأخبار، ويبقى ما عدا ذلك على الأصل الدال على العدم.(1)

وقال في تفسير المنار(2): وإننا نذكر أقوال العلماء في الغنيمة، وما في معناها أو على مقربة منها، كالفيء والنفل والسلب والصفي قبل تفسير الآية لطوله؛ حتى لا يختلط بمدلول الألفاظ فنقول: الغنم بالضم والمغنم والغنيمة في اللغة ما يصيبه الإنسان ويناله ويظفر به من غير مشقة، كذا في القاموس، وهو قيد يشير إليه ذوق اللغة أو يشتم منه ما يقاربه، ولكنه غير دقيق، فمن المعلوم بالبداهة أنه لا يسمى كل كسب أو ربح أو ظفر بمطلوب غنيمة، كما أن العرب أنفسهم قد

ص: 76


1- وزاد في بعض النسخ: وقد يؤيد ذلك بقوله (من شيء) فإنه يشمل كل ما يقع عليه اسم الشيء من كثير وقليل ما أمكن نقله كالثياب والدواب وما لم يمكن كالأراضي والعقارات مما يصح تملكه للمسلمين وظاهر أن هذا الإطلاق يناسب المعنى الخاص لأن أكثر الفوائد يعتبر فيها النصاب أو الفضل بعد المؤونة، وكذا يؤيده كون سابقها ولاحقها في الحرب والجهاد، ونزولها في غنيمة دار الحرب إن صح، فتأمل.
2- تفسير المنار: 10/ 3.

سموا ما يؤخذ من الأعداء في الحرب غنيمة، وهو لا يخلو من مشقة، فالمتبادر من الاستعمال أن الغنيمة والغنم: ما يناله الإنسان، ويظفر به من غير مقابل مادي يبذله في سبيله (كالمال في التجارة مثلاً)، ولذلك قالوا: إن الغرم ضد الغنم، وهو ما يحمله الإنسان من خسر وضرر بغير جناية منه، ولا خيانة يكون عقاباً عليهما، فإن جاءت الغنيمة بغير عمل ولا سعي مطلقاً سميت الغنيمة الباردة.

وفي كليات أبي البقاء: الغنم بالضم: الغنيمة، وغنمت الشيء: أصبته غنيمة ومغنماً، والجمع غنائم ومغانم (والغنم بالغرم)، أي: مقابل به، وغرمت الدية والدين: أديته, ويتعدى بالتضعيف يقال: غرّمته، وبالألف (أغرمته): جعلته لي غارماً، والغنيمة أعم من النفل، والفيء أعم من الغنيمة؛ لأنه اسم لكل ما صار للمسلمين من أموال أهل الشرك بعد ما تضع الحرب أوزارها، وتصير الدار دار الإسلام .

وقال القرطبي في تفسيره(1): قوله تعالى: [واعلموا أنما غنمتم من شيء] الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي، ومن ذلك قول الشاعر:

وقد طوفت في الآفاق حتى *** رضيت من الغنيمة بالإياب

وقال آخر:

ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه *** أنى توجه والمحروم محروم

والمغنم والغنيمة بمعنى; يقال: غنم القوم غنماً، واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: [ غنمتم من شيء] مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على مابيناه، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع، وسمى الشرعُ الواصلَ من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة وفيئاً، فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي

ص: 77


1- تفسير القرطبي: 4/ 363, 364.

وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفاً، والفيء مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف، كخراج الأرضين وجزية الجماجم وخمس الغنائم، ونحو هذا قال سفيان الثوري وعطاء بن السائب، وقيل: إنهما واحد، وفيهما الخمس; قاله قتادة، وقيل: الفيء عبارة عن كل ما صار للمسلمين من الأموال بغير قهر، والمعنى متقارب .

وقال ابن كثير في تفسيره(1): يبين تعالى تفصيل ما شرّعه مخَصصاً لهذه الأمة الشريفة من بين سائر الأمم المتقدمة من إحلال المغانم، و(الغنيمة): هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب، و(الفيء): ما أخذ منهم بغير ذلك، كالأموال التي يصالحون عليها، أو يُتوفَون عنها ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك، هذا مذهب الإمام الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف.

ومن العلماء مَن يُطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة، والغنيمة على الفيء أيضاً؛ ولهذا ذهب قتادة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية (الحشر): [ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين](2)، قال: فنسخت آية (الأنفال) تلك، وجعلت الغنائم أربعة أخماسها للمجاهدين، وخمساً منها لهؤلاء المذكورين، وهذا الذي قاله بعيد؛ لأن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر، وتلك نزلت في بني النضير، ولا خلاف بين علماء السير والمغازي قاطبة أن بني النضير بعد بدر، هذا أمر لا يشك فيه ولا يرتاب، فمن يفرق بين معنى الفيء والغنيمة يقول: تلك نزلت في أموال الفيء وهذه في المغانم، ومن يجعل أمر المغانم والفيء راجع إلى رأي الإمام يقول:

ص: 78


1- تفسير ابن كثير: 4/ 59.
2- الحشر: 7.

لا منافاة بين آية الحشر وبين التخميس إذا رآه الإمام، والله أعلم .

وقوله تعالى: [واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه] توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط، قال الله تعالى: [ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون] (1).

وقال الطبري في تفسيره(2): قال أبو جعفر: وهذا تعليم من الله عز وجل المؤمنين قسم غنائمهم إذا غنموها، يقول تعالى ذكره: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ما غنمتم من غنيمة، واختلف أهل العلم في معنى (الغنيمة) و(الفيء)، فقال بعضهم: فيهما معنيان، كل واحد منهما غير صاحبه، ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح قال: سألت عطاء بن السائب عن هذه الآية: [واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه]، وهذه الآية: [ما أفاء الله على رسوله] (3)، قال قلت: ما (الفيء)، وما (الغنيمة)؟ قال: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم، وأخذوهم عنوة، فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو (غنيمة)، وأما الأرض فهو في سوادنا هذا (فيء).

وقال آخرون: (الغنيمة)، ما أخذ عنوة، و(الفيء)، ما كان عن صلح، ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان الثوري قال: (الغنيمة)، ما أصاب المسلمون عنوة بقتال، فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهدها, و(الفيء)، ما صولحوا عليه بغير قتال، وليس فيه خمس، هو لمن سمى الله.

وقال آخرون: (الغنيمة) و(الفيء)، بمعنى واحد، وقالوا: هذه الآية التي في

ص: 79


1- آل عمران: 161.
2- تفسير الطبري: 13/ 546-548.
3- الحشر: 7.

(الأنفال)، ناسخة قوله: [ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول] (1)، ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: [ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل]، قال: كان الفيء في هؤلاء، ثم نسخ ذلك في (سورة الأنفال)، فقال: [واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل]، فنسخت هذه ما كان قبلها في (سورة الأنفال)، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في (سورة الحشر)، وسائر ذلك لمن قاتل عليه، وقد بينا فيما مضى (الغنيمة)، وأنها المال يوصل إليه من مال من خول الله ماله أهل دينه، بغلبة عليه وقهر بقتال.

فأما (الفيء)، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك، وهو ما رده عليهم منها بصلح، من غير إيجاف خيل ولا ركاب، وقد يجوز أن يسمى ما ردته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم (فيئاً)، لأن (الفيء)، إنما هو مصدر من قول القائل: (فاء الشيء يفيء فيئاً)، إذا رجع و(أفاءه الله)، إذا رده.

غير أن الذي رد حكم الله فيه من الفيء بحكمه في (سورة الحشر)، إنما هو ما وصفت صفته من الفيء، دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب، لعلل قد بينتها في كتاب: (كتاب لطيف القول)، في أحكام شرائع الدين، وسنبينه أيضا في تفسير (سورة الحشر)، إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى.

وأما قول من قال: الآية التي في (سورة الأنفال)، ناسخة الآية التي في (سورة الحشر)، فلا معنى له، إذ كان لا معنى في إحدى الآيتين ينفي حكم الأخرى، وقد بينا معنى (النسخ)، وهو نفي حكم قد ثبت بحكم خلافه، في غير

ص: 80


1- الحشر: 7.

موضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وأما قوله: (من شيء)، فإنه مراد به: كل ما وقع عليه اسم (شيء)، مما خوّله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين، مما وقع فيه القسم، حتى الخيط والمخيط، كما حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قوله: [واعلموا أن ما غنمتم من شيء]، قال: المخيط من (الشيء).

الروايات التي فسرت الآية الشريفة

هذا وهناك روايات تعرضت لتفسير الآية الشريفة لا بد من متابعتها لمعرفة ما هو منظور الإمام (علیه السلام) في معنى الآية، فنقول: إن هذه الروايات الشريفة يقال باستفادة معنى التعميم منها وهي مجموعة روايات.

1- رواية الصفار عن أبي محمد عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عن علي بن أسباط عن محمد بن الفضل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: قرأت آية الخمس، فقال: ما كان لله فهو لرسوله, وما كان لرسوله فهو لنا, ثم قال: والله لقد يسر الله على المؤمنين أنه رزقهم خمسة دراهم جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة حلالاً.. (1).

بتقريب أنه (علیه السلام) ذكر بعد تلاوة الآية وبيان أن الخمس لهم (علیهم السلام) , قوله (علیه السلام) : والله لقد يسر الله على المؤمنين أنه رزقهم.. إلخ، وهذا يعني أن مورد الآية هو مطلق الخمس الشامل لمثل الهدية أيضا.

وهي غير تامة لا سنداً ولا دلالة، أما السند فمن عدة جهات:

الأولى: لجهالة موسى بن جعفر، إذ لا يتوهم أنه الإمام (علیه السلام) (بسبب أن صاحب الوسائل (قدس سره) نقلها هكذا: محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات

ص: 81


1- بصائر الدرجات: 29, ونقلها في الوسائل عنه: 6/ 338.

عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر قال: .. الرواية) بل الأرجح كونه البغدادي الذي يروي عنه عمران بن موسى، وهو مجهول.

الثانية: أن عمران بن موسى مردد بين الزيتوني الثقة والأشعري غير الموثق، فلا يمكن الاعتماد عليه هنا، وإن كان يحتمل الاتحاد، كما جزم به السيد الخوئي (قدس سره) في رجاله(1).

الثالثة: جهالة أبي محمد.

الرابعة: إن محمد بن الفضيل فيه كلام وإن كان الأظهر وثاقته وفاقاً لجماعة.

وأما من جهة الدلالة، فلأن دلالتها تتوقف على استفادة الإطلاق منها، مع أن الكلام ليس مسوقاً لإفادته، كما هو واضح، إذ إنّ الإمام ليس في مقام البيان من هذه الجهة – أي من جهة أن الرزق من أي مورد حصل – بل من جهة أن الخمس الذي له هذه الآثار العظيمة من تحليل المطعم والمنكح وغير ذلك قد جعله الله على العباد في يسر، فبعد أن كان هو الذي رزقهم الرزق أمرهم أن يعطوا واحداً من خمسة دراهم خُمساً ويأكلوا الباقي حلالاً.

2- رواية حماد بن عمرو، وأنس بن محمد عن أبيه جميعاً عن الصادق (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) في وصية النبي : لعلي (علیه السلام) : يا علي إن عبد المطلب سَنَّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام.. إلى أن قال: ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله [واعلموا أنما غنمتم.. ] (2).

وسند هذه الرواية مبتلى بعدة مجاهيل هم جميع من في السند مما يسقطها عن الاعتبار من حيث السند، وكذا من حيث الدلالة، إذ ليس فيها أكثر من أن الكنز مما يصدق عليه الغنيمة لغة – وهو ليس ببعيد -، وهذا المقدار لا ينفعنا فيما نحن فيه, فهي خارجة عن محل الكلام.

ص: 82


1- معجم رجال الحديث: 14/ 164.
2- وسائل الشيعة: 6/ 345.

3- رواية حكيم المؤذن عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال: قلت له: [واعلموا أنما غنمتم..]، قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم، إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلٍّ ليزكوا(1).

وقد قيل بأنها أقوى الروايات دلالة على المطلوب, فبعد أن تلا الراوي الآية على الإمام (علیه السلام) ليفسّرها له – أو يفسر منها أمراً معيناً يظهر من الجواب بحسب ما فهمه الإمام (علیه السلام) من سؤال السائل –ذكر الإمام (علیه السلام) في الجواب أن المراد بموضوع الخمس هو الإفادة يوماً بيوم، وهو يتضمن أمرين:

الأول: أن معنى (غنمتم) هو الإفادة وهو معنى عام يشمل جميع الموارد المتقدمة للخمس ومنها محل الكلام.

الثاني: أن الخمس يتعلق بالفائدة مباشرة بمعنى أن كل فائدة تحصل, يتعلق بها الخمس مباشرة، وهذا المعنى مقتضى ظهور الآية لولا الروايات التي رخصت للناس أن يؤخروا الإخراج إلى السنة ليستثنوا مؤونة السنة, وهذا خارج عن محل الكلام.

ولكن الأمر الأول يصب في محل الكلام وهو تام لولا ضعف السند بحكيم المؤذن(2)ومحمد بن سنان, ولكن سيأتي أيضاً ما يؤيد هذا المعنى للغنيمة.

4- صحيحة علي بن مهزيار الطويلة: وأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى: [واعلموا أنما غنمتم..]، فالغنائم والفوائد

ص: 83


1- وسائل الشيعة: 6/ 381.
2- ضبط في الكافي (مؤذن بني عيسى) وفي التهذيبين (مؤذن بني عبس) ونقل المجلسي عن التهذيبين (مؤذن بني عيسى) بالياء المثناة أيضاً، وفي جامع الرواة للأردبيلي: 1/ 268: بني عبس وبني عيسى وبني عبيس وعلى أي فالرجل مجهول، عدَّه الشيخ في رجال الإمام الصادق: 184 الرقم 319، ونقل عنه أرباب الرجال ولم يزيدوا على ذلك (هامش مسالك الأفهام للفاضل الجواد الكاظمي: 2/ 79، هامش1، تخريج محمد باقر شريف زاده).

يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها.. إلخ الرواية الشريفة(1).

ومبنى الاستدلال بها هو ذكر الإمام (علیه السلام) للآية الشريفة في سياق بيان وجوب الخمس في الفوائد، بما يفهم منه الاستشهاد بالآية على الوجوب، وقد ذكر الإمام (علیه السلام) لفظ الفوائد من دون قيد مما يعني إرادة الإطلاق منه الشامل لمحل الكلام، ثم عقب الآية الشريفة بتفريع يفهم منه تفسير معنى الغنيمة التي هي واجبة بنص هذه الآية الشريفة، وذلك بقوله (علیه السلام) : فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها.. إلخ، وهذا ظاهر في تفسير الآية ومحل الاستشهاد منها وهو معنى الغنيمة.

وهذا المعنى تام إذا قلنا بأن الظاهر من العطف في قوله (علیه السلام) : وأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم.. قبل ذكر الآية الشريفة، ثم قوله (علیه السلام) بعد ذلك – أي بعد ذكر الآية الشريفة – فالغنائم والفوائد.. إلخ ظاهر في أنه عطف تفسير, فالإمام (علیه السلام) بصدد تفسير الغنيمة بأنها الفائدة ثم يبين مواردها التي قد يقع السؤال عنها عادة، وهذا هو الأقرب فيها، وعليه فيتم الاستدلال بها، لا سيما وأن سندها صحيح معتبر.

وأما إذا قلنا بأن العطف ليس للتفسير بل لبيان الأفراد، وهو ظاهر في التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه، فقد يقال: بأن الاستدلال حينئذ لا يتم لوضوح التغاير بين الغنيمة والفائدة مما يعني أن المراد بالغنيمة هو المعنى الخاص وهو ما أخذ من العدو في حالة الحرب، والفائدة هي ما عدا ذلك من موارد الخمس.

ولكن هذا الكلام ليس بتام، إذ إنّه حتى على هذا الاحتمال – وإن كان بعيدا في نفسه– يتم المدعى، وذلك بالالتفات إلى أن التعدد والتغاير إنما وقع في كلام الإمام (علیه السلام) والذي هو في مقام تفسير الآية الشريفة ومعنى الغنيمة فيها

ص: 84


1- وسائل الشيعة: 6/ 350.

– حسب الفرض–، فمن الممكن أن يكون لفظ الغنيمة الذي في قول الإمام (علیه السلام) هو للمعنى الخاص – والذي لا يبعد أن يكون قد حصل له وضع تعيني في زمنه (علیه السلام) بهذا المعنى الخاص– بينما نفس اللفظ في القرآن هو بمعنى عام، وعليه فيكون معنى كلام الإمام (علیه السلام) هو أن لفظ الغنيمة الذي ورد في القرآن الكريم معناه: الغنيمة بالمعنى الأخص والفائدة, أي مجموع هذين الأمرين وكأنه أراد أن ينبه على أن الغنيمة وردت في القرآن بمعناها اللغوي الذي كان سائداً قبل التشريع لا المعنى الذي تم تداوله بين المسلمين حتى صار للفظ وضع فيه من كثرة الاستعمال(1).

وعلى كل فالاستدلال بهذا الحديث تام من هذه الجهة أي من جهة شمول الغنيمة لمعنى الفائدة والجائزة وما بمعناهما، وهو محل الكلام.

وفي الحديث الشريف جهات أخرى للنقاش يتوقف عليها الاستدلال من غير هذه الجهة المبحوث عنها، بل من جهات أخرى لايهمنا التعرض لها في المقام.

وكيف كان فقد تحصّل من معنى الآية الشريفة أنها تدل بمجموع ما يستفاد منها – بضميمة تفسير الإمام (علیه السلام) لها– على شمول الغنيمة لمطلق الفائدة الشاملة للهدية.

الاستدلال على المدعى بالإجماع

وأما الإجماع فإنه وإن استدل به على ثبوت الخمس في هذا الصنف إجمالاً بالمنقول منه والمحصل، ونقل تأييداً لذلك مثل قول المرتضى (قدس سره) في الانتصار(2): (ومما انفردت به الإمامية القول بأن الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب، ومما استخرج من المعادن والغوص والكنوز، ومما فضل من أرباح التجارات

ص: 85


1- وبمضمونه كلام بعض الأعلام المعاصرين في بحث الخمس (مخطوط): 14, 15.
2- الانتصار: 86.

والزراعات والصناعات بعد المؤونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد).

إلا أن هذا لا ينفع في المقام، من عدة وجوه:

1. عدم صحته في نفسه بعد مخالفة مثل ابن الجنيد وابن أبي عقيل له في مورده، لاسيما وأن الإجماع المعتبر هو إجماع القدماء.

2. احتمال المدركية فيه غير مدفوع بعد وجود الروايات واشتهارها في المقام ووضوحها على الشمول لهذا الصنف، لا سيما مع ذهاب بعضهم إلى أن آية الخمس تعم ذلك أيضاً.

3. بعد الغض عن ذلك كله والتنزّل إلى إمكان تحقق الإجماع في المورد، إلا أنه لا يشمل محل الكلام وهو الهدية، بعد التصريح بأن أغلب المتقدمين ذهبوا إلى عدم شمول الخمس لمثل الهدية، الذي يفهم من استثناء أبي الصلاح من المشهور، وذلك لذهابه إلى تعميم الخمس للهدية ونحوها.

4. ومع الغض عن هذا أيضاً إلا أنه لا أقل يوجب التردد في شمول الإجماع لمحل الكلام مما يعني الأخذ منه بالقدر المتيقن، بعد كونه دليلا لبياً لا إطلاق له ليتمسك به في موارد الشك، والقدر المتيقن لا يشمل محل الكلام.

وبذلك يتبين أن لا قيمة لدعوى الإجماع في المقام صغرى وكبرى.

الاستدلال على المدعى بالروايات

وأما الروايات، فهناك مجموعة من الروايات تعرضت للخمس فلابد من استعراضها لملاحظة دلالتها على العموم أو لا.

1- صحيحة ابن مهزيار الطويلة المتقدمة, في مقطع آخر منها، حيث قال الإمام (علیه السلام) : .. وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا في ضيعة سأفسر لك أمرها, تخفيفاً

ص: 86

مني عن موالي ومَنَّاً مني عليهم.. إلخ الرواية الشريفة(1).

فإن قوله (علیه السلام) : في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، يشير إلى الفاضل بعد مؤونة السنة منهما, وهو يشير بدوره إلى الأعم من المكاسب والفوائد المتحصلة للإنسان، فإن غالب ذلك من النقد، ولا قول بالفصل بينه وبين غيره من الفوائد والمكاسب التي هي من الأعيان، وإثباته فيهما بالخصوص كان لخصوصية في هذه السنة حيث عفا الإمام (علیه السلام) عن غيره لما ذكر في الرواية الشريفة، فلا يرد أن الحكم بالخمس في الذهب والفضة مطلقاً يحتمل فيه أن يكون لخصوصية في هذه السنة، بل العكس هو الصحيح فإن العفو عن غيره هو الذي كان لخصوصية في هذه السنة فلاحظ.

وعلى كل حال فحيث أطلق الإمام (علیه السلام) القول بالخمس فيهما إذا حال عليهما الحول، دلّ ذلك على شموله لمطلق ما يحصل منهما من أنواع الفوائد والمكاسب والهدية ونحوها، وهو المطلوب.

2- صحيحته الأخرى، قال: قال لي أبو علي بن راشد، قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك، وأخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شيء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنايعهم (ضياعهم)، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(2).

ولا إشكال في سندها، فإن أبا علي بن راشد هو الحسن بن راشد المكنى بأبي علي من وكلاء الإمام الهادي (علیه السلام) وممن عاصر الجواد والهادي (علیهما السلام) وكان من الأجلاء العظام.

وأما من حيث الدلالة، فإن قوله (علیه السلام) : في أمتعتهم، حيث أطلق ذلك ولم

ص: 87


1- وسائل الشيعة: 6/ 349-350.
2- وسائل الشيعة: 6/ 348.

يفصل من حيث الجهة التي بسببها تملكوها سواء أكان من تجارة أو صناعة أو من هدية ونحوها أو من ميراث – فضلاً عن التصريح ببعض الأسباب كما في الفقرة التي بعدها -، وأثبت في كل ذلك الخمس، فإنه يدل بإطلاقه على ثبوت الخمس لكل ذلك، ومنه محل الكلام.

3- صحيحته الثالثة عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام) : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب، وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤونة(1).

وهي من حيث السند يناقش فيها بأن محمد بن الحسن الأشعري – وقد ذكر السيد الخوئي (قدس سره) أنه هو محمد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري القمي(2) - ممن لا شهادة بتوثيقه، بالرغم مما ذكره بعضهم عنه من الظن بوثاقته لمن يراجع ترجمته في كتب الرجال(3)، فإنه لم يتضح وجهه بعد أن لم يرد ما يوجب ذلك، وقد ذكر السيد الخوئي (قدس سره) أنه مجهول الحال(4).

وأما من حيث الدلالة، فقد يقال بدواً: إن الإمام (علیه السلام) أعرض عن الإجابة عن السؤال الأول – وهو المهم في المقام – الذي يتضمن طلب معرفة موارد الخمس، وأجاب فقط عن كيفية الخمس وهو أنه بعد المؤونة وليس قبلها، فليس في الرواية دلالة على المدعى.

ولكن هذا ليس بصحيح، ويعرف ذلك من راجع أسلوب الأئمة (علیهم السلام) وكيفية جوابهم على الأسئلة خصوصاً المكتوبة، فإنها مختصرة وفيها بلاغة

ص: 88


1- وسائل الشيعة: 6/ 348.
2- معجم رجال الحديث: 16/ 213.
3- ينظر: كتاب الخمس لبعض الأعلام (مخطوط): 2/ 31.
4- المصدر السابق: 217.

الإيجاز، فالإمام كأنه بجوابه هذا أجاب بالإيجاز على ما ذكر في موارد الخمس المتقدمة في السؤال وذكر أن الخمس بعد المؤونة، فيكون هذا جواباً مختصراً للسؤالين، فكأنه قال (علیه السلام) نعم في كل ذلك ويكون بعد المؤونة.

وبعبارة أخرى: إن الإمام (علیه السلام) لو كان يرى أن السؤال الأول فيه ما لا يجب فيه الخمس لكان لا بد عليه أن يبين ذلك للسائل، بمقتضى كونه منصوباً ليبين للناس ما نزل إليهم، فمن سكوته عن ذلك وجوابه عن السؤال الثاني يعلم أنّ كلَ ما ذكر فيه الخمس بالضرورة.

وإذا تم ذلك، فبما أن السؤال تضمن قول السائل: أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب؟ فإنه ظاهر في عمومه لمحل الكلام، ولا يُصغى إلى اختصاصه بضروب المكاسب فقط فإنه خلاف الظاهر أولاً، وخلاف تعقيب السائل ذلك بقوله: وعلى الصناع, الذي هو من جملة المكاسب، فإن العطف يفيد المغايرة، كما لا يخفى.

4- معتبرة سماعة، قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الخمس، فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير (1).

وهذه الرواية كسابقتها تدل على التعميم بوضوح, الشامل لمحل الكلام, بيانه: أنه وإن كان يظهر من القاموس أن لفظة (أفاد) من الأضداد فقد تكون بمعنى (الإفعال) وقد تكون بمعنى (الاستفعال) وعلى الأول يكون (الناس) مفعولا وعلى الثاني يكون فاعلاً، إلا أنه من الواضح استعمالها هنا بالمعنى الثاني، أي في كل ما استفاده الناس، كما جزم به في الوافي(2)، ولا وجه لما أفاده بعضهم من استفادة كون الأول أقرب(3).

ص: 89


1- وسائل الشيعة: 6/ 348.
2- الوافي: 10/ 309.
3- ينظر: كتاب الخمس للشيخ مرتضى الحائري: 148.

وعليه فيكون المعنى: في كل ما استفاده الناسُ من قليل أو كثير، وهو واضح في العموم، ويتضح من قوله (علیه السلام) : (في كل) أن السؤال كان عن موارد الخمس وما يجب فيه.

5- رواية عبد الله بن سنان, قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة (علیها السلام) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا وحرم عليهم الصدقة، حتى الخياط لَيَخيط قميصه بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة.. الحديث(1).

وفي هذا الحديث عطف الاكتساب على الغنيمة ب-(أو) مما يفهم منه المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه, وعليه فيكون المراد بالغنيمة معنى آخر غير المراد من الاكتساب حتى يصح العطف، وهذا المعنى لا بد أن يكون أوسع منه، باعتبار أن لفظ الغنيمة لغة أوسع من حيث المعنى من لفظ الاكتساب، وإطلاق الكلام يقتضي إرادة هذا المعنى الواسع، فقد يقال بشموله لمحل الكلام بهذا التقريب،

ولكن هذا الكلام لا يفي بإدخال الهدية ونحوها في معنى الغنيمة إذ لو سلمنا الأعمية - ولم نقل بإرادة خصوص غنائم الحرب الذي هو قول في معنى الغنيمة ويحقق المغايرة أيضاً - يكفي في المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه شمول معنى الغنيمة – بالإضافة لغنائم الحرب – غيرها مما يحقق الأعمية، ولا يلزم منه بالضرورة شموله لمثل الهدية والهبة أيضاً، ولا سيما أننا قربنا عدم شمول المعنى اللغوي للغنيمة لمحل الكلام، بسبب احتمال خصوصية أخرى مأخوذة في معنى الغنيمة لا يشمل بسببها اللفظ الهدية، ولو سلم بأن لفظ الغنيمة شامل لها لغة فالإطلاق ممنوع، لعدم الجزم بأن المتكلم كان في مقام

ص: 90


1- الوسائل: 6/ 351.

البيان من هذه الجهة، فليتأمل.

على أن سندها ضعيف بعبد الله بن القاسم الحضرمي فقد قال فيه النجاشي: إنه متهم بالكذب والغلو والضعف(1).

6- معتبرة يونس بن يعقوب، قال: كنت عند أبي عبد الله فدخل عليه رجل من القمّاطين، فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت، وإنّا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم(2).

وهي وإن كانت معتبرة بطريق الصدوق(3)لا الشيخ فإنّ فيه محمد بن سنان, إلا أنها ناظرة إلى روايات التحليل وموردها المال الذي تعلق به الخمس ثم صار في يد الشيعة فقد أحل الأئمة (علیهم السلام) لهم ذلك المال، ولا تعلق لها بمحل الكلام، فلا ينعقد لكلام السائل إطلاق يشمل محل الكلام ليقال بدلالة الرواية على وجوب الخمس في الهدية.

7- رواية عيسى بن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه (علیه السلام) أن رسول الله : قال: .. وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يدفعه إلى ولي المؤمنين وأميرهم.. الحديث(4).

وقوله (علیه السلام) : (وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس)، عام يشمل محل الكلام، فدلالته على ذلك بالعموم الذي لا إشكال فيه، ولو كان بالإطلاق لكان يمكن المناقشة فيه بأن النبي : لا يحرز أنه في مقام البيان من هذه الجهة فلا يتم انعقاد الإطلاق، فحجيته.

ص: 91


1- رجال النجاشي: 226، رقم 594.
2- الوسائل: 6/ 380.
3- من لا يحضره الفقيه، باب 7 من أبواب الزكاة، ح16.
4- الوسائل: 6/ 386.

إلا أنها ضعيفة بعيسى بن المستفاد وبغيره في السند.

8- فقه الرضا بعد ذكر الآية الشريفة، قال: وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص.. وهو ربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد والمكاسب والصناعات والمواريث وغيرها، لأن الجميع غنيمة وفائدة(1).

وهو وإن كان ظاهراً في ذلك، ولكن الكلام في سنده من جهة عدم الوثوق بنسبته للإمام الرضا (علیه السلام) كما هو عنوانه، بل المحقق أنه لغيره، وإن اختلف فيه هل هو لوالد الصدوق أو هو كتاب التكليف للشلمغاني, أو غيره.

وقد تحصل مما مر في استعراض الروايات أنه يوجد في الروايات ما هو تام سنداً ودلالة، مما ينفع في الاعتماد عليه في القول بثبوت الخمس في مطلق الفائدة الشامل لمحل الكلام بلا كلام.

هذا, وهناك روايات قيل بمعارضتها لتلك الطائفة التي تدل على التعميم حيث تدل على تخصيص الغنيمة بخصوص ما أخذ من الحرب، وهي روايتان:

1- صحيحة ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة(2).

2- رواية سماعة التي ينقلها العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله (علیه السلام) وأبي الحسن (علیه السلام) ، قال سألت أحدهما عن الخمس، فقال: ليس الخمس إلا في الغنائم(3).

وقد قيل في وجه الجمع بين هاتين الروايتين وبين ما تقدم أقوال مختلفة، نعرض بعضها ثم نذكر المختار في المقام:

ص: 92


1- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام) : 294.
2- وسائل الشيعة: 6/ 338.
3- المصدر السابق.

القول الأول: ما ذكره الشيخ (قدس سره) في الاستبصار، من حمل الغنائم في هذا الحديث على مطلق الفوائد، فيشمل جميع الأصناف التي يجب فيها الخمس(1).

ولكنه وإن أمكن تقريب كون معنى الغنيمة يشمل جميع الفوائد – كما تقدم في محله – إلا أن سياق الحديث لا يساعد عليه، فقول الإمام (علیه السلام) في مقام تحديد الخمس وتضييقه لا توسعته، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى قوله (علیه السلام) في الرواية الأولى (خاصة)، يعني: أنه في مقام نفي توهم التوسعة إلى شيء آخر، والشيخ (قدس سره) لم يتصد لبيان الشيء الآخر ما هو، حتى يصحح الرواية بهذا الحمل.

القول الثاني: ما ذكره الشيخ (قدس سره) أيضاً في الاستبصار، من أن المقصود نفي الخمس الواجب بظاهر القرآن عن غير الغنائم لا نفي مطلق الخمس(2)، أي: أن ما ذكر في القرآن في آية الخمس لما كان ظاهره الاختصاص بغنائم دار الحرب – على تأمل في ذلك ظهر مما تقدم – فهذا الحكم – أي ثبوت الخمس – الثابت في القرآن لا يشمل غير غنائم دار الحرب من موارد الخمس الأخرى.

وهو خلاف الظاهر إذ الظاهر أن الإمام (علیه السلام) ناظر لبيان حكم الخمس الواقعي وليس ناظراً لبيان حكم الخمس في الكتاب وإلا لقال مثلاً: ليس الفرض من الخمس في القرآن إلا في الغنائم خاصة، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فلو كان المقصود ذلك لوجب عليه تعقيبه ببيان التوسعة الواردة في السنة للحكم حتى يشمل غير ذلك من سائر الفوائد ولا يتوهم انحصار الخمس بذلك، فليتأمل(3).

ص: 93


1- الاستبصار: 2، كتاب الزكاة، باب 30، شرحه للحديث رقم 6.
2- المصدر السابق.
3- ووجه التأمل: أنه قد يكون المقام في بيان حكم الخمس من القرآن, إذ لم تنقل لنا الواقعة كاملة حتى نعرف ما هو مقام السؤال (ولا أصل السؤال) – إن كان – فيمكن أن يدعى أن السائل توفرت له القرينة على ذلك فأمن التوهم، فلذلك اقتصر الإمام (علیه السلام) على بيان هذا الأمر وحده.

ولكن مع ذلك يبقى الإشكال على ما ذكره (قدس سره) هو أننا لا نسلم أن الحكم الثابت في الآية هو لخصوص غنائم دار الحرب حتى يأتي هذا الكلام.

القول الثالث: ما أفاده بعض من إمكان تقييد إطلاق الحصر في الحديث بما ثبت الخمس فيه من تلك الأصناف، نظير تقييد الحصر في مثل (لا يضر الصائم إذا اجتنب ثلاثاً) بسائر المفطرات(1).

وفيه أن لسان الصحيحة الأولى (صحيحة ابن سنان) آبية عن التقييد، وذلك لمكان لفظ (خاصة) فيها الذي تأبى الرواية معه عن التقييد، فضلاً عن تقييدها بما لا يُبقي خصوصية للعنوان المذكور فيها وهو الغنائم، فإنه بعد البناء على أنّ الغنائم هي بالمعنى الخاص لا يبقى له خصوصية في حكم الخمس إذا كان الواقع أن الخمس يتعلق بمطلق الفائدة.

القول الرابع: لو فرض التعارض وعدم وجود جمع عرفي، فيقال بتقديم روايات الخمس على هذين الحديثين سنداً باعتبار موافقتها للكتاب الكريم.

وفيه: منع كون الموافقة في جانب تلك الأحاديث بل الموافقة إلى جانب هذين الحديثين لأنهما عبرا بنفس ما عبر به القرآن وهو الغنائم، فكيف تكون مخالفة للكتاب وتلك الأحاديث موافقة له ؟!

القول الخامس: ترجيح أدلة الخمس باعتبار مخالفتها للعامة، وهو المرجح السَنَدي الثاني.وفيه: أن كلاً من الطائفتين مخالف للعامة في الجملة، إذ إنّ أحاديث التعميم وإن كانت مخالفة للعامة بشكل عام – فيما عدا خمس الغنائم والكنز -، لكن هذين الحديثين أيضاً مخالفان لهم باعتبار قولهم بثبوت الخمس في الركاز أيضاً،

ص: 94


1- مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس (الهامش) : 36.

بل ذهاب المشهور منهم إلى ثبوته في المعدن أيضا(1).

القول السادس: سقوط هذا الحديث عن الحجية سنداً لمعارضته للسنة المقطوع بصدورها إجمالاً، حيث لا يحتمل عدم صدور شيء منها، بل مخالفة مضمونه مع الواقع في نفسه للقطع بعدم اختصاص الخمس بغنيمة الحرب.

ويمكن القول بتماميته إن وصلت النوبة إلى التعارض، ولكن سيأتي عدمه.

القول السابع: سقوطه عن الحجية بإعراض المشهور عن العمل به بناء على قبول كبراه.

وفيه – مع تسليم الكبرى – منع الصغرى، إذ يمكن ذهاب المشهور لأحد وجوه الجمع، ولم تصل النوبة إلى الإعراض.

القول المختار: أنّ المستفاد من جملة من الروايات أن الغنيمة تطلق في مقابل الفيء، كما تطلق في مقابل سائر موارد الخمس مما تقدم، ومنها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال: سمعته يقول: (في الغنيمة يخرج منها الخمس ويقسم ما بقي بين من قاتل عليه وولي ذلك، وأما الفيء والأنفال فهو خالص لرسول الله :)(2), فهذا المعنى – في مقابل الفيء – أصبح في عصر الأئمة (علیهم السلام) من المعاني المشهورة الواضحة وكثير من الروايات أكدت على أن الفيء للإمام (علیه السلام) وليس فيه الخمس، بل كله للإمام، فصحيح أن الغنيمة قد تطلق في مقابل غيره من موارد الخمس، ولكن تطلق أيضاً بهذا المعنى الذي ذكرناه، وعليه فيمكن القول بأن هذه الرواية ظاهرة في إرادة هذا المعنى للغنيمة أي ما يقابل الفيء وليس ما يقابل سائر ما فيه الخمس.

بل يمكن أن يقال إنه يمكن حمل كلام الشيخ (قدس سره) في الاستبصار على هذا

ص: 95


1- الفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 612-616.
2- وسائل الشيعة: 6/ 374.

المعنى، فإن قوله: إنّ الغنيمة أريد بها كل موارد الخمس يكون بهذا المعنى، أي: ما يخمس في مقابل ما لا يخمس وهو الفيء.

ما يمكن أن يوجه به خروج الفقهاء عن روايات التعميم إلى خصوص المكاسب وما يؤديه ذلك:

وهنا تساؤل وهو أن المتقدمين –كما مَرَّ استعراض أقوالهم– ذهبوا إلى اختصاص الخمس بأرباح المكاسب، كالتجارات والصناعات والزراعات، في حين أن الأدلة المتقدمة، من الآية والروايات تدل –كما تقدم– على عموم الخمس لمطلق الفائدة التي تعم المكاسب وغيرها كالهبة ونحوها.

وحينئذ يُتساءل، هل يؤخذ بعموم الآية والروايات، ولا يُعتنى بما هو الظاهر من كلماتهم، ولو بحملها على المثال؟ أو تطرح هذه الأدلة بسبب إعراض المشهور عنها فتسقط عن الحجية؟ فلا يؤخذ بعمومها، بل يقتصر منها على مقدار ما ذهب إليه المشهور منهم، وهو أرباح المكاسب؟

والمستند في هذا الحمل، هو إعراض المشهور عن هذه الأدلة في شمولها لهذه الموارد، بأن لم يتعرضوا لشمول الخمس لغير أرباح المكاسب، من مثل الهبة ونحوها، مع أنهم في معرض البيان لما يفتون به في كتبهم المعدة لذلك، لاسيما وأن هذه الموارد ليست من الموارد التي يندر الابتلاء بها، بل هي من الموارد العامة البلوى في كل زمان ومكان.

فقد يقال: إن هذا الإعراض منهم يكشف عن أن عدم حكمهم بالخمس فيها لا بد أن يكون ناشئاً من أدلة كانت عندهم أخذوها من الأئمة (علیهم السلام) وغابت عنا.

ومما يؤيد ذلك أن العلامة عندما حكى ثبوت الخمس في الميراث والهبة

ص: 96

والهدية عن بعضهم قال: والمشهور خلاف ذلك في الجميع(1).

وكذلك ابن إدريس حيث قال: وقال بعض أصحابنا: إن الميراث والهدية والهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنفه، ولم يذكره أحد من أصحابنا إلا المشار إليه، ولو كان صحيحا لَنُقِل نقْلَ أمثاله متواتراً، والأصل براءة الذمة فلا نشغلها ونعلق عليها شيئا إلا بدليل(2).

ولكن يرد عليه:

1- أنّه وإن سلم أن مشهور الفقهاء المتقدمين قد ذهبوا إلى عدم وجوب الخمس في الهدية ونحوها – كما تقدّم بيانه عند استعراض أقوالهم – ما عدا قليل منهم كالحلبي وابن الجنيد، وقد صرح بذلك بعض المتأخرين كالعلامة وابن إدريس – كما تقدّم –، خلافاً لمن ادعى ظهور كلماتهم بإرادة التعميم - زائداً على من ذكرنا من مثل الحلبي وابن الجنيد – أمثال الشيخ وابن زهرة وغيرهما فإن هذه الدعوى غير ظاهرة، بل لا يخفى ما فيها من التكلف، بإرادة المثال فيما ذكروه بدعوى أنها الأفراد الغالبة التي يبتلى بها عادة, وذلك لما عرفت من أن الهدية والهبة والميراث ونحوها ليست بأقل ابتلاء واعتياداً في المجتمعات في كل زمان ومكان.

أقول: إنه وإن سلم ذلك إلا أنه لا يحرز أن عملهم هذا كان عن إعراض عن تلك الروايات، بل يجزم أنهم لم يعرضوا عنها وأنها كانت معتبرة عندهم سنداً وقد عملوا بها في الجملة، غاية الأمر أنّهم لم يعملوا بها بإطلاقها الشامل لمثل المقام إما لعدم فهم الإطلاق منها، أو لوجود مقيد لها وإنْ كان هذا المقيد لبياً كالإجماع ونحوه، وعليه فمن لم تتم عنده هذه المقيدات فلا بأس بحجيتها والعمل بها عنده، بعد أن تمت تلك الروايات سنداً ولم يثبت إعراضهم عنها.

ص: 97


1- تذكرة الفقهاء: 5/ 421.
2- السرائر: 1/495- 496.

2- أنّ أصل الكبرى لو قيل بتماميتها فهي لا تتم على إطلاقها، بل في خصوص ما إذا لم يكن في المورد ما يحتمل استناد المشهور إليه في الإعراض مما يعد مدركاً لهم في ذلك الإعراض، وعلى هذا الأساس فلا يحرز تحقق هذا الشرط في المقام، بل يحتمل قوياً استنادهم في ذلك إلى كيفية الجمع بين الروايات حيث ورد في بعضها التنصيص على الزراعات والتجارات والصنائع.

3- هذا وقد يقال بعد التنازل عن كل ما سبق إن هذه الروايات وإن سقطت حجيتها من حيث السند بسبب إعراض المشهور عنها، وقبوله كبرى وصغرى في المقام، إلا أنه لا يمنع من دعوى استفاضة مجموع هذه الروايات المطلقة لكثرتها فيحصل الاطمئنان بصدور بعضها إجمالاً، وهو يغني عن صحة السند وحجيته لكل واحدة منها، فتأمل.

4- على أننا بعد أن أثبتنا أن الآية الكريمة شاملة لمطلق الفائدة – ولو بضميمة الروايات المفسرة لها – لا يضرنا إعراض المشهور عن الروايات – لو ثبت – وقلنا بكبرى الإعراض، فإن في التعميم المستفاد من الآية غنى وكفاية.

هذا كله بغض النظر عما سيأتي من الروايات الخاصة التي تدل على ثبوت الخمس في الهدية بالخصوص، وفيما يأتي الحديث عنه مفصلا.

الروايات التي تدل على المدعى بالخصوص

وأما الروايات التي يمكن أن يقال بدلالتها على شمول الخمس لمثل الهدية فهي:

1- خبر أبي بصير الذي ينقله صاحب السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (علیه السلام) :

ص: 98

الخمس في ذلك(1).

والكلام في سنده يقع من جهتين:

أولاً: من جهة أحمد بن هلال العبرتائي الذي كان غالياً متهماً في دينه كما في فهرست الشيخ، ووردت فيه ذموم عن الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) كما نقله النجاشي والكشي، ولكن الشيخ ابن الغضائري ذكر في حقه استثناء، حيث قال: يتوقف في حديثه إلا ما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة وعن محمد بن أبي عمير من نوادره، وقد سمع هذين الكتابين جل أصحاب الحديث(2).

أقول: مقصود ابن الغضائري أن هذين الكتابين كانا من الشهرة بمكان يطمأن معه من عدم تحريف مضمونهما فيكون السند إليهما لا قيمة له لاشتهارهما، وهذا المبنى عليه جمع من الأعلام، والأمر فيه سهل، ولكن الإشكال أن هذه الرواية المبحوث عنها وإن كان يرويها عن محمد بن أبي عمير، إلا أنه لا يعلم كونها من كتاب نوادره أو لا، وعليه فيشكل الأخذ بهذه الرواية على هذا الأساس.

إلا أنه قد ذهب بعض الأعلام إلى تصحيح روايات أحمد بن هلال من جهة أخرى، ببيان: أن الرجل كان سابقا من رجال الطائفة الموثوقين ثم طرأ عليه الفساد في العقيدة بعد ذلك فذمه الإمام واشتهر أمره بين الأصحاب، وعلى هذا فالرواة الموثوقون اجتنبوا الرواية عنه بعد انحرافه، فيكون ما بأيدينا من الروايات هي ما كان قبل انحرافه، ويمكن حصول الاطمئنان بذلك مما تقدم.

ولكن يرد عليه أن أحوال الناس عادة في مثل هذه الأمور بحسب ما يظهر من رصد ما يشابه هذه الحالات في المجتمع، لا تظهر وتشتهر بسرعة، في أحسن الأحوال، أي إذا لم يتقصد صاحبها إخفاء حالته الجديدة، بل هي في طبيعتها

ص: 99


1- وسائل الشيعة: 6/ 351.
2- جامع الرواة: 1/ 74 " أحمد بن هلال".

– أعني حالة التحول – حالة تدريجية وليست دفعية تحصل في يوم وليلة فيصحو الناس على الشخص وقد بان انحرافه، وعليه فلا يطمأن أنه في هذه الفترة بين سلامة عقيدته واشتهار انحرافه لم يرو عن الأئمة أو لم يحرف كلامهم مع توفر الدواعي لذلك عادة.

فهذا الذي ذكر في هذا البيان تبسيط للمسألة بما لا تساعد عليه الشواهد التأريخية في أزمنة الفتن على مر العصور.

وثانياً: من جهة سند ابن إدريس إلى محمد بن علي بن محبوب، وقد قيل إن ابن إدريس (قدس سره) قد صرح أن كتاب ابن محبوب واصل إليه من الشيخ الطوسي (قدس سره) بخطه فالواسطة بين ابن إدريس وبين الشيخ ساقطة بعد أن كان الكتاب يعلم أنه للشيخ، وأما طريق الشيخ لكتاب ابن محبوب فهو معلوم من المشيخة فيتم من هذه الجهة(1)، ولكن يرد عليه أنه لا يعلم بعد ذلك أن طريق الشيخ لكتاب ابن محبوب الذي ذكره في المشيخة هو لهذه النسخة التي ادعى ابن إدريس (قدس سره) أنها للشيخ، لو سلم ذلك ولم تكن وصلت إليه بالوجادة.

والحاصل أنه لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية سندا.

وأما من جهة الدلالة، فيمكن أن يقال: إن دلالتها على المدعى واضحة لا لبس فيها، ولكن مع ذلك قد يقال بوجود مجال للمناقشة فيها من جهات:

الأولى: إن الوارد فيها خصوص الهدية التي تبلغ ألفي درهم أو أقل من ذلك أو أكثر، والظاهر من هذا التعبير في اللغة عدم إرادة التعميم من جهة القلة والكثرة مطلقاً بأن يراد به من جهة القلة حتى الدرهم الواحد مثلاً، ومن جهة الكثرة الآلاف المؤلّفة من الدراهم، فإن هذا المعنى بعيد عن فهم أرباب المحاورة، بل هو معنى مستحدث في أذهان المأنوسين بالمعقول.

وأما العرف فيفهم من هذا التعبير ألفي درهم أو أقل منه بقليل أو أكثر منه

ص: 100


1- كتاب الخمس (مخطوط): 2/ 34.

كذلك، والظاهر أن هذا المقدار من المال كبير في تلك الأزمنة.

وعلى هذا المعنى يمكن أن يقال: إن الوارد في الرواية خصوص مورد معين من الهدية وهو قد يكون ليس الفرد الغالب من الهدية التي تكون بين الأصدقاء والأهل والأقارب والمعارف في المناسبات المختلفة, بل هي فرد لا نقول إنّه نادر الوقوع بل قليل الوقوع عادة، فلا يمكن تعدية الحكم الذي ذكره الإمام (علیه السلام) من عدم وجوب الخمس فيه إلى مطلق الهدية.

ولكن مع كل ما ذكر لا يتم هذا البيان؛ لأن التحديد المذكور قد ورد في سؤال السائل ولا يجب على الإمام (علیه السلام) أن يجيب وفق تلك الخصوصية، بل يمكن أيضاً له أن لا يعتبر هذه الخصوصية فارقة في الحكم – لأن الواقع كذلك – فيجيبه بغض النظر عنها, فيكون حكم الإمام (علیه السلام) مطلقاً يشمل كل موارد الهدية، فليتأمل(1).

الثانية: إن قول السائل: يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه، قد لا يكون ظاهرا في المولى العرفي الذي هو السيد للعبد كما أنه لا يراد به طبعاً الإمام المعصوم (علیه السلام) بل هم سلاطين الجور بقرينة قوله: (المنقطع إليه)، فيكون التخميس فيه ليس لأنه هدية بل لأنه مال مخلوط بالحرام فيخمس من هذه الجهة(2).

ولكن الإنصاف أن هذا التعبير ليس فيه ظهور بهذا المعنى بحد نفسه، إلا إذا ضم إليه قيمة الهدية المرتفعة وعدم معهودية إهداء الموالي لعبيدهم هدايا فضلا عن أن تكون بهذا المقدار، والمسألة تحتاج إلى مزيد نظر.

ولكن مع هذا كله لم يعلم أن حكم الإمام (علیه السلام) بالخمس فيها كان من غير الجهة المبحوث عنها مع عدم وضوح ذلك من الجواب, بل ظاهر الجواب باسم

ص: 101


1- ووجه التأمل أن الإمام (علیه السلام) ذكر في الجواب هكذا: الخمس في ذلك، فقد يكون اسم الإشارة ظاهراً في النظر إلى تلك الخصوصية.
2- ينظر: كتاب الخمس للسيد الشاهرودي: 2/ 34-35.

الإشارة ملاحظة كونها هدية، فليتأمل.

2- ما رواه في الوسائل عن الكافي عن سهل بن زياد عن علي بن الحسين بن عبد ربه، قال: سرّح الرضا (علیه السلام) بِصِلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عَليَّ فيما سرّحت إلي خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس(1).

وظاهر القيد هو الاحترازية، فكما قلنا سابقا إن الأئمة (علیهم السلام) – وخاصة في المكاتبات– يقتصرون على أقل ما يفيد المطلوب، فإعادة الإمام (علیه السلام) لهذا القيد بطوله –أعني: فيما سرح به صاحب الخمس– لا بد وأن يراد به الاحتراز عن طبيعي الهدية في الجملة –كقدر متيقن– فلا بد أن يثبت في هذا الطبيعي خلاف الحكم المذكور، وهو المطلوب.

ولكن الرواية فيها سهل بن زياد، وهو مختلف فيه، والأقرب عدم وثاقته.

3- خبر أحمد بن محمد بن عيسى، عن يزيد، قال: كتبت إليه: جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدها؟ رأيك –أبقاك الله– أن تمن علي ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة(2).

ودلالتها واضحة على المدعى بعد وضوح أن المراد من السؤال عن الفائدة وحدّها هي الفائدة الواردة في لسان الأئمة (علیهم السلام) في الخمس وليس هناك غيرها ليتوهم عدم وضوح أن المسؤول عنه هو الخمس في حدوده لا أصله.

إلا أن الكلام في سندها ففيه اضطراب، ففي الكافي في بعض النسخ بعنوان (بن يزيد)(3)، وفي بعض النسخ بعنوان (عن يزيد)، وعلى الأول يكون السند

ص: 102


1- وسائل الشيعة: 6/ 354.
2- وسائل الشيعة: 6/ 350.
3- أصول الكافي، كتاب الحجة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، ح12.

هكذا: أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد، وهذا ليس بصحيح إذ المراد بأحمد في السند هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي وليس والد عيسى هو يزيد، فقد يقال(1): إنّه لا بد أن يكون في السند سقط هو اسم من أبوه يزيد الذي يروي عنه أحمد بن محمد بن عيسى، والمظنون كونه يعقوب بن يزيد الكاتب الأنباري القمي الذي هو من الأجلاء الثقات, وهو من أصحاب الرضا أو الهادي (علیهما السلام) فيتم السند عندئذ.

ولكن هذا الاحتمال بعيد في نفسه إذ يتوقف ذلك على افتراض سقوط كلمتين هما (عن يعقوب) مثلا وهو بعيد، لا سيما أن في مقابله احتمال التصحيف وهو أقرب عادة وأخف مؤونة.

وعليه فيتعين الأخذ بالنسخة الثانية وهي (عن يزيد)، ولكن (يزيد) هذا مردد بين يزيد بن إسحق الذي لم يثبت توثيقه إلا على أساس قاعدة وروده في أسانيد كامل الزيارات، وهي غير مسلمة، أو يزيد بن حماد الأنباري أبي يعقوب فيكون ثقة بشهادة الشيخ، فالسند مردد بين الثقة وغيره، فلا يمكن الاعتماد عليه.

ومن هذا العرض يتبين أن الروايات التي دلت على ثبوت الخمس في الهدية بالخصوص لا يمكن الاعتماد عليها في الاستدلال لضعفها سنداً، وإن كان فيها ما هو تام دلالة, نعم تصلح للتأييد، ولا يضر عدم الاعتماد عليها بعد توافر الأدلة العامة على ذلك.

الروايات المعارضة لما دل على ثبوت الخمس في الهدية أو للعمومات:

هذا وقد يقال بوجود روايات معارضة في تصريحها بعدم ثبوت الخمس في الهدية, لتلك الروايات التي نصت على ثبوت الخمس فيها، أو للعمومات التي

ص: 103


1- كما عن بعضهم, كتاب الخمس (مخطوط): 2/ 33.

شملت بعمومها مثل الهدية، وهي مجموعة من الروايات عمدتها:

رواية علي بن مهزيار: كتبت إليه: يا سيدي رجل دفع إليه مال يحج به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب (علیه السلام) : ليس عليه الخمس(1).

والكلام في هذه الرواية من حيث السند ومن حيث الدلالة:

أما من حيث السند فقد عبر عنها السيد الخوئي (قدس سره) في المستند(2): بما رواه الكليني بسنده الصحيح -في أحد طريقيه– عن علي بن مهزيار عن الرضا (علیه السلام) ..إلخ.

وأقول: ما ذكره (قدس سره) ناشئ من ملاحظة ما نقله صاحب الوسائل (قدس سره) عن الكافي حيث نقلها عنه هكذا: محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين, وعن علي بن محمد بن عبد الله عن سهل بن زياد جميعاً عن علي بن مهزيار، فيكون سهل بن زياد مذكوراً في أحد الطريقين دون الآخر وتصح الرواية بالطريق الآخر.

ولكن هذا غير صحيح إذ إنّ صاحب الوسائل (قدس سره) اشتبه في ذلك فجعل سهلاً مذكورا في أحد الطريقين والصحيح أن التعدد قبل سهل بن زياد وهو مشترك بعد ذلك، حيث نقل الشيخ الكليني (قدس سره) الرواية هكذا: محمد بن الحسن وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد عن علي بن مهزيار.. الرواية(3)، ونقلها في شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني أيضاً بهذا السند(4)وكذا في

ص: 104


1- وسائل الشيعة: 6/ 354.
2- مستند العروة الوثقى, كتاب الخمس: 218.
3- الكافي: 1/ 547.
4- شرح أصول الكافي: 7/ 414.

الوافي عن الكافي، وكذلك في مرآة العقول للعلامة المجلسي (قدس سره) (1)، وأيضاً في جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي (قدس سره) (2)نقلا عن الكافي، فإذاً الرواية غير صحيحة من حيث السند.

وأما من حيث الدلالة فقد ذكرت وجوه متعددة لبيان المراد من هذه الرواية:

منها: ما ذكره في مصباح الفقيه(3)حيث قال:

فما في مكاتبة ابن مهزيار.. مطروح أو محمول على ما لو كان الدفع من باب الصلة، وصرف المال في سبيل اللَّه، والتسبيب لعمل الخير، كما لعلَّه الظاهر من السؤال، لا الأجرة حتى يدخل في أرباح المكاسب، أو على ما إذا لم يفضل ما يبقى في يده بعد الحجّ عن مؤونة سنته أو غير ذلك.

وقال في الجواهر(4)-بعد الحكم بثبوت الخمس-: فما في خبر ابن مهزيار.. مطرح أو محمول على إرادة نفيه بالنسبة للقسم الأول من السؤال، ضرورة وجوب إخراج ما يحتاجه نفس العمل وإن لم يرد إيقاعه في تمام الإجارة، إذ هو حينئذ كرأس المال ومؤونة السنة أولاً ثم يجب الخمس في الباقي أو على غير ذلك، إذ لم نعرف أحداً من الأصحاب توقف في ذلك، بل ولا في المنصوص عداه إشارة إليه، بل عمومها وإطلاقها قاض بخلافه ..

وقال السيد الخوئي (قدس سره) في المستند(5):

وأنت خبير بما فيها من قصور الدلالة وإن صحّ السند:

ص: 105


1- مرآة العقول: 6/ 281.
2- جامع أحاديث الشيعة: 8/ 556.
3- مصباح الفقيه: 14/ 124.
4- جواهر الكلام: 6/ 34.
5- مستند العروة الوثقى, كتاب الخمس: 218.

أمّا أوّلاً: فلأجل أنّه لم يفرض فيها أنّ المال المدفوع إليه كان بعنوان الأُجرة، ومن الجائز أن يكون قد بذل للصرف في الحجّ كما هو متعارف ومذكور في الروايات أيضاً من غير تمليك ولا عقد إجارة، بل مجرّد البذل وإجازة الصرف في الحجّ، ومن الواضح عدم وجوب الخمس في مثل ذلك، إذ لا خمس إلَّا فيما يملكه الإنسان ويستفيده، والبذل المزبور ليس منه حسب الفرض.

وأمّا ثانياً: فلقرب دعوى أنّ السؤال ناظر إلى جهة الوجوب الفعلي، إذ لم يسأل أنّه هل في المال خمس أو لا حتى يكون ظاهراً في الحكم الوضعي ليلتزم بالاستثناء، بل يقول: هل عليه خمس؟ ولا ريب أنّ كلمة (على) إذا دخلت على الضمير الراجع إلى الشخص ظاهرةٌ حينئذٍ في التكليف وغير ناظرة إلى الوضع، وعليه فلو سلَّمنا أنّ الدفع كان بعنوان الإيجار فالسؤال ناظر إلى وقت الإخراج وأنّه هل يجب الخمس فعلاً أو بعد العودة من الحجّ؟ فجوابه (علیه السلام) : بأنّه ليس عليه الخمس، أي ليس عليه ذلك فعلاً، لا أنّ هذا المال لم يتعلَّق به الخمس.

وعلى كلّ حال، فلا ينبغي الإشكال في أنّه لا فرق فيما ينتفع الإنسان بين أُجرة الحجّ وغيرها، واحتمال التخصيص باطل جزماً. انتهى.

وكيف كان فإن تمت بعض هذه الوجوه – كما هو غير بعيد في بعض ما أفاده السيد الخوئي (قدس سره) – فهو وإلا فلا عبرة بهذه الرواية على كل حال لضعفها سندا.

وأما غيرها من الروايات فهي لا ترقى لمستوى الإشكال والمعارضة لما تقدم فلا نطيل الكلام بالتعرض لها لوضوح الجواب عنها.

ص: 106

خاتمة المطاف

هذا وبعد اكتمال البحث نذكر خاتمة له، فنقول:

إنّه تبين مما سبق أن الأدلة التي يمكن الاعتماد عليها للقول بوجوب الخمس في الهدية، هي:

· آية الخمس بعد أن قربنا أن معنى الغنيمة فيها ليس عاماً وشاملاً لمثل المقام، ولكن يمكن الاعتماد على الروايات التي فسرتها في ذلك, فيها ما يمكن الاعتماد عليه في ذلك.

· الروايات التي تعرضت لحكم الخمس بشكل عام, فإن فيها ما ينفع لثبوت الحكم في مثل المقام بإطلاقه.

وهذا كاف في ثبوت الحكم، وإن لم نصحح سند الروايات التي تعرضت لخمس الهدية بالخصوص بعد أن كان فيها ما تتم دلالته على المدعى، فيكون مؤيداً للحكم بثبوت الخمس فيها.

وكذلك فإن الروايات التي قيل بمعارضتها للحكم بالثبوت لم يتم شيء منها سنداً أو دلالة أو هما معا.

وبذلك يتضح أن الصحيح في المقام أن يقال بثبوت الخمس في الهدية بعد وضوح الأدلة عليه، وبذلك يستغرب ذهاب المشهور من القدماء إلى القول بعدم شموله لها، والذي يتضح من جعل من أثبته فيها – كأبي الصلاح الحلبي (قدس سره) – من القول الشاذ.

وبذلك يتم ما أردنا ذكره ولله الحمد والمنة وبه الاعتصام ومنه السداد، ونسأله أن يتقبل منّا هذا القليل وأن يجعله خالصاً لوجهه حتى ننتفع منه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

ص: 107

وقد وقع الفراغ من هذه الرسالة ليلة الخامس والعشرين من شهر شعبان المعظم من سنة 1433 هجرية على مهاجرها آلاف السلام والتحية وعلى آله, في مدينة باب مدينة علم رسول الله : أمير المؤمنين (علیه السلام) النجف الأشرف حرسها الله تعالى.

ص: 108

مصادر البحث

1. القرآن الكريم.

2. الاستبصار, الشيخ الطوسي (قدس سره) , مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

3. إشارة السبق, علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي (قدس سره) , تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري ط 1 سنة 1414ﻫ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، مطبعة القيام/ قم.

4. الانتصار, الشريف المرتضى (قدس سره) , تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، سنة الطبع 1415ﻫ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.

5. بصائر الدرجات, محمد بن الحسن الصفار, تحقيق وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوجه باغي سنة 1404ﻫ، مطبعة الأحمدي/طهران، الناشر: منشورات الأعلمي طهران.

6. تاج العروس, الزبيدي, المطبعة علي شيري سنة 1414ﻫ.

7. التبيان في تفسير القرآن, الشيخ الطوسي (قدس سره) , تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي. ط1 سنة 1409ﻫ، مطبعة مكتب الأعلام الإسلامي.

8. تحرير الأحكام, العلامة الحلي (قدس سره) , تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف الشيخ جعفر السبحاني، ط1 سنة 1420ﻫ مطبعة اعتماد/ قم، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

9. تذكرة الفقهاء, العلامة الحلي (قدس سره) , تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث ط1 سنة 1414ﻫ المطبعة ستارة/ قم، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث/ قم.

10. ترتيب إصلاح المنطق, الشيخ محمد حسن بكائي ط1 1412ﻫ، المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية. الناشر: مجمع البحوث الإسلامية-ايران.

11. تفسير ابن كثير: تحقيق وتقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي سنة 1992م، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت.

ص: 109

12. تفسير الطبري: تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطاء، سنة الطبع 1995م.

13. تفسير القرطبي: الناشر: دار احياء التراث العربي/لبنان.

14. تفسير المنار, محمد رشيد رضا, تحقيق: أبو إسحاق إبراهيم اطفيش سنة 1985م،

15. جامع أحاديث الشيعة, السيد البروجردي, مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

16. جامع الرواة, الأردبيلي, مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

17. جواهر الكلام, الشيخ محمد حسن النجفي, مؤسسة المرتضى ودار المؤرخ العربي ط1 1992م.

18. الخلاف, الشيخ الطوسي (قدس سره) , تحقيق: السيد علي الخراساني والسيد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي نجف، الطبعة الجديدة سنة 1409ﻫ، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

19. الدروس الشرعية, الشهيد الأول (قدس سره) , تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي ط2 سنة 1417ﻫ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/قم.

20. رجال النجاشي: ط5 سنة 1416ﻫ.

21. السرائر: ابن إدريس الحلّي, طبعة مؤسسة النشر الإسلامي ط5 المنقحة.

22. شرح أصول الكافي: تحقيق: علي أكبر غفاري ط5 سنة 1363ﻫ.ش، المطبعة الحيدرية، الناشر: دار الكتب الإسلامية-طهران.

23. شرح شافية ابن الحاجب, الرضي الأستراباذي, تحقيق وضبط وشرح: محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محي الدين عبد الحميد سنة 1975م، دار الكتب العلمية-بيروت.

24. العروة الوثقى المحشاة: ط4 مؤسسة النشر الإسلامي سنة 1430ﻫ.

ص: 110

25. غريب الحديث لابن قتيبة: تحقيق: د. عبد الله الجبوري ط1 سنة 1408ﻫ، الناشر: دار الكتب العلمية.

26. غريب الحديث, القاسم بن سلام الهروي, تحقيق: محمد بن عبد المعيد خان، ط1: 1384ﻫ، المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانية-حيدر آباد/الهند. الناشر: دار الكتاب العربي.

27. الغنية, ابن زهرة الحلبي (قدس سره) , تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف الشيخ جعفر السبحاني، ط1 سنة 1417ﻫ، المطبعة: اعتماد/قم، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

28. الفروق اللغوية الحاوي لكتاب ابي هلال العسكري: تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، ط1 1412ﻫ.

29. الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام) : مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

30. الفقه على المذاهب الأربعة, عبد الرحمن الجزيري, مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

31. القاموس المحيط, الفيروزآبادي, مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

32. كتاب الخمس: السيد الشاهرودي.

33. كتاب الخمس: الشيخ مرتضى الحائري.

34. كتاب العين, الخليل بن أحمد الفراهيدي, الطبعة الثانية سنة 1410ﻫ، تحقيق: د.مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي. الناشر: مؤسسة الهجرة.

35. لسان العرب, ابن منظور, سنة الطبع 1405ﻫ-الناشر: نشر أدب الحوزة.

36. المبسوط, الشيخ الطوسي (قدس سره) , تحقيق وتصحيح وتعليق السيد محمد تقي الكشفي، المطبعة الحيدرية طهران سنة الطبع 1387ﻫ، الناشر: المكتبة المرتضوية.

37. مجمع البحرين, الطريحي, ط2 سنة 1362ﻫ.ش، الناشر: مرتضوي، المطبعة: جابخانة طراوت.

ص: 111

38. مجمع البيان, الطبرسي, تحقيق وتعليق لجنة من العلماء والمحققين الاخصائيين ط 1 سنة 1995م، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت.

39. مرآة العقول: مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

40. المراسم, أبو يعلى الديلمي, تحقيق: السيد محسن الأمين، سنة الطبع 1414ﻫ، المطبعة: أمير قم، الناشر: المعاونية الثقافية للمجمع العلمي لأهل البيت.

41. مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام, الجواد الكاظمي (قدس سره) , علق عليه وأخرج أحاديثه: الشيخ محمد باقر شريف زاده، صححه وحققه: محمد باقر البهبودي. سنة الطبع 1347 المطبعة جابخانة حيدري.

42. مستمسك العروة الوثقى, السيد الحكيم (قدس سره) , منشورات مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي سنة 1404ﻫ.

43. مستند العروة الوثقى, السيد الخوئي (قدس سره) , مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

44. مصباح الفقيه, آقا رضا الهمداني (قدس سره) , مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

45. المعتبر, المحقق الحلي (رض), تحقيق وتصحيح عدة من الأفاضل، إشراف ناصر مكارم الشيرازي، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء/قم.

46. معجم رجال الحديث, السيد الخوئي (قدس سره) , ط5 سنة 1992م.

47. معجم مقاييس اللغة, ابن فارس, تحقيق: عبد السلام محمد هارون. سنة 1404ﻫ مكتبة الإعلام الإسلامي.

48. مفردات ألفاظ القرآن, الراغب الأصفهاني, تحقيق: صفوان عدنان الداودي، ط2 سنة 1427ﻫ، المطبعة سليمان زاده، الناشر: طليعة نور.

49. المقنعة, الشيخ المفيد (رض), تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، ط2 سنة 1410ﻫ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/قم.

50. من لا يحضره الفقيه, الشيخ الصدوق, مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

ص: 112

51. منتهى المطلب, العلامة الحلي (رض), تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، ط1 سنة 1412ﻫ، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية

52. الميزان في تفسير القرآن, السيد الطباطبائي (قدس سره) , مؤسسة النشر الإسلامي.

53. النهاية في غريب الحديث لابن الاثير: تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود أحمد ط 4 سنة 1364ﻫ، الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة/قم.

54. النهاية, الشيخ الطوسي (قدس سره) , تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، ط1 سنة 1412ﻫ، الناشر: مؤسسة النشر.

55. الوافي, الفيض الكاشاني (قدس سره) , مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) .

56. وسائل الشيعة, الحر العاملي (قدس سره) , ط5 سنة 1983م، تحقيق وتصحيح وتذييل الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي.

57. الوسيلة, ابن حمزة الطوسي (قدس سره) , تحقيق: محمد الحسون، إشراف السيد محمود المرعشي ط1 1408ﻫ، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي.

ص: 113

ص: 114

مناشئ الانصراف - الشيخ وليد العامري دام عزه

اشارة

لا يخفى على المتتبع أن من أهم النكت الاستظهارية التي يستعين بها الفقيه على إلغاء خصوصية المورد وتعميم الحكم لغير مورده المذكور أو تخصيصه ببعض الحالات، هي نكتة الانصراف.

ويجد المتتبع – أيضاً- اختلافاً في تشخيص موارد تطبيقها، فنرى فقيهاً ما يدعي الانصراف في مورد، في حين ينكر الآخر ذلك. بل نجد في موردٍ واحدٍ أنَّ أحدهم يدعي التعميم والآخر التخصيص، وكلاهما يستند في ذلك إلى الانصراف.

ولعل من أسباب ذلك الاختلاف هو عدم جعل ضوابط محددة للانصراف -ولا أقل لبعض مناشئه-.

وهذا البحث محاولة لاستكشاف الضوابط التي يستند إليها في كل منشأ من مناشئ الانصراف، ومتى يكون ذلك المنشأ حجة من عدمه، وبالخصوص منشأ (مناسبات الحكم والموضوع).

ص: 115

ص: 116

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد وعترته الطيبين الطاهرين.

لا يخفى على المتتبع أن من أهم النكت الاستظهارية التي يستعين بها الفقيه على إلغاء خصوصية المورد وتعميم الحكم لغير مورده المذكور أو تخصيصه ببعض الحالات، هي نكتة الانصراف.

ويجد المتتبع –أيضاً- اختلافاً في تشخيص موارد تطبيقها، فنرى فقيهاً ما يدعي الانصراف في مورد، في حين ينكر الآخر ذلك. بل نجد في موردٍ واحدٍ أنَّ أحدهم يدعي التعميم والآخر التخصيص، وكلاهما يستند في ذلك إلى الانصراف.

ولعل من أسباب ذلك الاختلاف هو عدم جعل ضوابط محددة للانصراف -ولا أقل لبعض مناشئه-.

فأغلب الأبحاث الأصولية قد اقتصرت الكلام على بعض مناشئ الانصراف كغلبة الوجود، وغلبة الاستعمال، والقدر المتيقن في مقام التخاطب. في حين لم يتم التركيز على منشأ مهم ألا وهو ما يسمى (بمناسبات الحكم والموضوع), مع أنه إن لم يكن أهم من بقية المناشئ فهو لا يقل عنها أهمية، لشيوعه في الأبحاث الفقهية وعلى ألسنة الفقهاء.

فكان هذا المنشأ بحاجة إلى مزيد بحث بنحو تجعل له ضابطة تكون هي المرجع له.

وهذا البحث محاولة لاستكشاف الضوابط التي يستند إليها في كل منشأ من مناشئ الانصراف، ومتى يكون ذلك المنشأ حجة من عدمه، وبالخصوص منشأ

ص: 117

(مناسبات الحكم والموضوع).

الانصراف (لغةً) مأخوذ من الصرف بمعنى رد الشيء ورجوعه وتحوله إلى حالة أخرى.

قال في لسان العرب: (الصرف: رد الشيء عن وجهه, صرفه يصرفه صرفاً فانصرف, وصارف نفسه عن الشيء: صرفها عنه. وقوله تعالى: [ثم انصرفوا] أي رجعوا عن المكان الذي استمعوا فيه)(1).

وفي معجم مقاييس اللغة: (صرف: الصاد والراء والفاء معظم بابه يدل على رَجْع الشيء)(2).

وفي مفردات الراغب: ( الصَّرف: رد الشيء من حالة إلى حالة, أو إبداله بغيره, يقال: صرفته فانصرف)(3).

والمراد من الانصراف في المقام (هو انسباق معنى غير المعنى الموضوع له اللفظ إلى الذهن عند اطلاق اللفظ -سواء كان هذا المعنى هو بعض أفراد المعنى الموضوع له اللفظ أم كان مبايناً له- أو انصرافه عن معنى من المعاني، وعدم ظهور اللفظ فيه).

فأثر الانصراف أحد أمرين:

1- تعيين المعنى المنصرف إليه (الانصراف إلى).

2- الانصراف عن معنى من المعاني، سواء تعيّن المعنى المراد أم لا (الانصراف عن).. وفرق الانصراف عن المجاز -في بعض الحالات-: أن صحة المجاز متوقفة على القرينة الخاصة الصارفة للكلام. في حين أن الانصراف المبحوث عنه يمثل قرينة عامة تتجسد في أحد مناشئ الانصراف الآتية.

ص: 118


1- لسان العرب: 9/ 189.
2- معجم مقاييس اللغة: 3/ 342.
3- مفردات الراغب الأصفهاني: 482.

فالانصراف الحجة -كما سيتضح- إما أن يندرج تحت القرينة العامة وبالخصوص المتصلة -وهو الانصراف إلى- أو يندرج تحت كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة -وهو الانصراف عن- ولكي تتم حجية الانصراف فلابد من تحقق ضابطة القرينة في ذلك المورد، أو ضابطة الاحتفاف بما يصلح للقرينة. وهنا لا بأس بأن نستذكر مرادهم من ضابطة الأمرين.

أما القرينة العامة النوعية فهي: (أن تكون هناك إفادتان ودلالتان تكون إحداهما معدة إعداداً عرفياً عاماً لتفسير الدلالة الأخرى وتحويل مفادها إلى مفاد آخر)(1).

فملاك القرينة النوعية هو الإعداد العرفي العام، أي ما يعدّه العرف ناظراً ومفسراً لمدلول الدال الآخر، وأن طريقة العرف والعقلاء هي ذاك.

وبعبارة أخرى: إن القرينة العامة النوعية هي ما يصح للمتكلم عرفاً أن يتكل عليها في بيان مراده، ويفهم من خلالها السامع العرفي مراده.

والمهم هو استكشاف وإحراز ذلك الإعداد العرفي وتلك الطريقة العقلائية في ذلك المورد حتى تتم القرينة. وبالتالي ففي المورد الذي يُشك في تحقق ذلك الإعداد العرفي فيه، يحكم بعدم القرينة لعدم إحراز تحقق ملاكها.

وأما احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة، فموردها الشك في قرينية الموجود، ولكي تتحقق لابد من توفر أمور:

1- أن يكون هناك شيء موجود محرز محتف بالكلام -متصل به-، ولا يكفي احتمال وجوده.

2- أن يكون ما يدل عليه ذلك الموجود يدور أمره بين أكثر من مدلول ومعنى، ولم يتم تشخيص معناه بحده، أي هناك شك في الظهور سواء أكان ذلك الشك على نحو دوران المفهوم بين المتباينين، أم بين الأقل والأكثر.

ص: 119


1- بحوث في علم الأصول: 7/173.

3- أن يكون أحد تلك المداليل والمعاني المحتملة على تقدير ثبوته قرينة مفسرة لذلك الكلام. وهذا معنى كونه صالحاً للقرينة، أي الشيء الموجود على أحد محتملاته يكون قرينة.

ومع تحقق هذه الأمور يرتفع الظهور الأولي للكلام للشك فيه. ولا يمكن نفي ذلك الشك في الظهور بإجراء أصالة عدم القرينة، وذلك لأن مرجعها إلى أصالة عدم الغفلة، لأن الغفلة على خلاف الطبع العقلائي، واحتمالها في قبال احتمال الالتفات وعدم الغفلة ضعيف جداً، مما يستدعي استبعاد غفلة السامع عن القرينة. ولذا تجري في حالة الشك في وجود القرينة باعتبار أن وجود القرينة يستلزم الغفلة عنها. وأما في حالة الشك في قرينية الموجود المتصل فالشك لم ينشأ من احتمال الغفلة بل نشأ من جهة إجمال المفهوم واحتمال عدة معانٍ له. وعليه فمورد جريان أصالة عدم الغفلة غير متحقق وبالتالي لا تجري أصالة عدم القرينة، مما يعني بقاء الشك في الظهور والإجمال على حاله. وفي هذا الصدد ذكر الميرزا النائيني (قدس سره) في أجود التقريرات أنه: (وبوجود ما يصلح للقرينة لا ينعقد للكلام ظهور أصلاً ويكون من المجملات)(1).

وجاء في مباحث الأصول للسيد الشهيد (قدس سره) : (وإن كان الشك في قرينية الموجود المتصل فلا تجري أصالة عدم القرينة، لما عرفت من أن النكتة في أصالة عدم القرينة المتصلة إنما هو غلبة عدم الغفلة، فمع الشك في القرينة من جهة أخرى كاحتمال معنى معين للفظ المتصل على تقديره يكون قرينة، لا يمكن نفيها بأصالة عدم القرينة، وبالتالي لا يحرز موضوع الظهور كي نتمسك بأصالة الظهور)(2).

نعم إن ما يصلح للقرينية لا ينحصر بكونه لفظاً كما هو واضح، بل يشمل

ص: 120


1- أجود التقريرات: 3/156.
2- مباحث الأصول القسم الثاني/ الجزء الثاني: 195.

كل ما يمكن اتكال المتكلم عليه في بيان مراده، فإن المراد من القرينة -كما تقدّم- هو ما يتكل عليه المتكلم في بيان مراده، وعليه فما يصلح للقرينية هو ما يصلح لذلك، وهو غير منحصر باللفظ كما هو واضح، بل يشمل حتى مثل الكثرة الموجبة للانصراف كما سيأتي توضيحه في المنشأ الأول والثاني للانصراف.

وبعد اتضاح هذه المقدمة يقع الكلام في أهم مناشئ الانصراف، وقد وضعناها في أربعة مناشئ.

المنشأ الأول: غلبة الوجود

ومورده ما إذا كان مصداق أحد المعنيين أغلب وجوداً من مصداق المعنى الآخر، أو مصداق أحد أفراد الطبيعة أغلب وجوداً من بقية الأفراد، فينصرف الذهن إلى ذلك الفرد الغالب.

وحجية هذا المنشأ تختلف باختلاف صوره، وهي ثلاث:

الصورة الأولى: أن تكون تلك الغلبة في قبال ندرة بقية الأفراد ندرة عادية غير ملحقة بالعدم. كما في انصراف لفظ الماء في بغداد –مثلاً- إلى ماء دجلة في قبال ماء البئر, وهذه الصورة هي محل كلامهم عندما قالوا: إن الانصراف الناشئ من غلبة الوجود غير تام وليس بحجة. ولعل الوجه في ذلك هو عدم تمامية القرينة في المقام, فإن هذه الغلبة وان أوجبت أنساً ذهنياً بين الطبيعي وبين ذلك الفرد الغالب، ولكن في بلوغه حداً يوجب الأنس الذهني لدى العرف بين نفس اللفظ وخصوص تلك الأفراد الغالبة -أي بلوغه درجة القرينية- فهو أول الكلام.

وبعبارة أخرى: إن حجية الظهور تابعة لمراد المتكلم الجدي، ومفروض الكلام أن اللفظ استعمل في الطبيعي أو في المشترك, وحتى يتم الانصراف لابد من القول بأن ذلك الفرد الغالب هو المراد الجدي للمتكلم الموجب لعدم التطابق بين مرحلتي المراد الجدي والمراد الاستعمالي، أي تكون غلبة الوجود

ص: 121

قرينة على ذلك بعد عدم كونه مدلولاً وضعياً أو استعمالياً للفظ. وحينئذ نقول إن لم نستظهر عدم تحقق ضابطة القرينة في المقام فلا أقل من التشكيك في ذلك الموجب لعدم القرينية كما تقدّم.

ومما يشهد على عدم القرينية في المقام: أن العرف وبالتفاتة بسيطة يرى دلالة اللفظ على جميع المصاديق بما فيها الأفراد النادرة، مما يكشف عن عدم تحقق الأنس الذهني بين اللفظ وخصوص الحصة.

الصورة الثانية: أن تكون الغلبة في قبال الندرة الشديدة الملحقة بالعدم. وهنا يتم انصراف اللفظ إلى الفرد الغالب ولا يشمل الفرد النادر, فإن استحكام العلاقة في ذهن العرف بين الطبيعة والأفراد الغالبة، وعدم التفاته إلى الأفراد النادرة جداً إلاّ بإقامة القرينة ولو من قبيل الإشارة يوجب ذلك سريان الاستحكام بين نفس اللفظ وتلك الأفراد الغالبة، بحيث لا يرى العرف أن المعنى الدال عليه اللفظ جامعاً وشاملاً للفرد الغالب والنادر، بل يرى اختصاصه بخصوص الغالب.

وعدم الشمول هذا حاصل في مرحلة المدلول الاستعمالي فضلاً عن مرحلة المدلول الجدي. وإلى ذلك أشار السيد الشهيد (قدس سره) إذ استثنى هذه الصورة من عدم حجية الانصراف الناشئ من غلبة الوجود، إذ قال: (اللهم إلا إذا كانت الندرة بدرجة بحيث يرى ما وضع له اللفظ ليس مقسماً شاملاً لما ينصرف عنه ويكون هذا بحسب الحقيقة من نشوء ضيق وتحديد في المدلول)(1).

نعم, لابد من التفريق بين عدم إلتفات الذهن إلى ذلك الفرد عند إطلاق اللفظ، وبين سريان الحكم إلى ذلك الفرد النادر في بعض الحالات. فمثلاً لو قال السيد لعبده الساكن في بغداد (ائتني بماء) فأتاه بماء زمزم والذي هو من الندرة الملحقة بالعدم بحسب الفرض، فحينئذ يصدق على ذلك العبد أنه قد امتثل أمر

ص: 122


1- بحوث في علم الأصول: 3/431.

مولاه، وما ذلك إلا لتعميم الحكم إلى ذلك الفرد بأحد وجوه التعميم ولو بمثل

تنقيح المناط.

الصورة الثالثة: ما إذا شككنا في أن ندرة ذلك الفرد هل هي من قبيل الصورة الأولى حتى لا يتم الانصراف، أم أنها من قبيل الصورة الثانية حتى يتم الانصراف؟

ومثلوا له بانصراف مسح الرأس إلى مسحه مقبلاً لا بالعكس، لأنه الغالب خارجاً، نعم هناك شك في درجة هذه الغلبة.

وهنا يمنع الإطلاق من جهة اندراجه في كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية.

ببيان: أننا نحرز تحقق الغلبة والندرة، ونشك أنها من قبيل الصورة الأولى حتى لا تكون قرينة صارفة أم أنها من قبيل الصورة الثانية حتى تكون قرينة صارفة. فهي على أحد نحويها تكون قرينة، وقد تقدم أن القرينة هي ما يصح للمتكلم أن يتكل عليها في بيان مراده وإن لم تكن من قبيل اللفظ. وعليه فضابطة كبرى الاحتفاف متحققة في المقام. نعم, هذه الكبرى لا تُعيّن المنصرف إليه اللفظ، بل توجب الانصراف عن الفرد النادر فقط.

المنشأ الثاني: غلبة الاستعمال

بأن يكثر استعمال اللفظ في معنى غير معناه الحقيقي، أو في حصة من حصصه إن كان مطلقاً. وهذه الكثرة لها مراتب:

المرتبة الأولى: أن تبلغ تلك الكثرة حدّ النقل، وهو ما يسمى بالوضع التعينّي. فتتغير الدلالة التصورية للفظ فضلاً عن الاستعمالية والجدية. وبالتالي فهي توجب الانصراف بمعناه اللغوي لتغير نفس الظهور الأولي.

المرتبة الثانية: أن توجب الاشتراك بين معنيين، أو بين المطلق والحصة الخاصة، وهذا يلحقه حكم المشترك والذي لا يُعيّن المراد منه إلاّ مع القرينة، وإلاّ أصبح اللفظ مجملاً. فهذه المرتبة توجب الانصراف عن الاختصاص بالمعنى

ص: 123

الأولي ومن دون تحديد المعنى المنصرف إليه اللفظ.

المرتبة الثالثة: أن توجب كثرة الاستعمال تلك جعل استعمال اللفظ في هذا المعنى من المجاز المشهور، فيلحقه حكم المجاز المشهور -أي مع عدم القرينة يكون اللفظ مجملاً- فيأتي فيه ما تقدم في المرتبة السابقة.

نعم, فرق هذه المرتبة عن السابقتين هو أن الإجمال هنا يتم في مرحلة المدلول الاستعمالي مع بقاء المدلول الوضعي على حاله، وهذا بخلاف المرتبتين السابقتين، فإن الاشتراك وكذا النقل يتم في مرحلة المدلول الوضعي.

المرتبة الرابعة: أن لا تبلغ الكثرة إحدى المراتب المتقدمة، فلا توجب تغيّر لا في الدلالة التصورية ولا الاستعمالية ولا الجدية للفظ.

المرتبة الخامسة: أن يحصل الشك في بلوغ الكثرة إحدى المراتب المتقدمة, وهذه المرتبة تكتسب أهميتها من جهة كثرة مصاديقها.

ولتحديد الموقف العملي في المقام قد يقال: إن الأمر يدور مدار إحراز المعنى الاستعمالي لذلك اللفظ. فإن أحرز فبأصالة التطابق بين مرحلتي المدلول الجدي والمدلول الاستعمالي نثبت أن مراده الجدي هو ذاك، فيتم موضوع الحجية.

وعليه فالشك في بلوغه درجة الاشتراك يعني أن هناك إحرازاً للمدلول التصوري الوضعي أو شك في تعيّنه في هذا المعنى أو اشتراكه مع معنى آخر. وكذا الشك في المجاز المشهور يعني أن هناك إحرازاً للمعنى الوضعي، وشك في أن استعماله فيه بحاجة لقرينة أم لا؟ إذاً في كلتا الصورتين هناك إحرازٌ لعدم تغيّر مدلوله الوضعي، وبإجراء أصالة التطابق بين مرحلتي المدلول الاستعمالي والمدلول الوضعي، ومن ثم أصالة التطابق بين مرحلتي المدلول الجدي والمدلول الاستعمالي، يثبت المدلول والمراد الجدي وأنه نفس المدلول الوضعي.

وأما في حالة الشك في النقل، فمقتضى أصالة عدم النقل هو بقاء المدلول

ص: 124

الوضعي للفظ على حاله، وبإجراء أصالة التطابق -كما تقدّم- نثبت أن المراد الجدي هو نفس المدلول الوضعي.

وهذا البيان وإن كان لا بأس به في نفسه، إلا أن هناك مانعاً يمنع من الأخذ به وهو اندراج المسألة في كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية، فإن الكثرة وإن شككنا في بلوغها أي مرتبة من المراتب المتقدمة، لكنها على كل حال موجودة وأمرها دائر بين المعاني في المراتب المتقدّمة، فهي إمّا كثرة موجبة للنقل, أو موجبة للاشتراك, أو موجبة للمجاز المشهور, أو غير موجبة لشيء من ذلك. وتقدّم أنها على المراتب الثلاثة الأول موجبة للانصراف, أي كانت قرينة يصح للمتكلم الاتكال عليها في بيان مراده, مما يعني أن الكثرة الموجودة في المقام على إحدى مراتبها المحتملة والمترددة بينها موجبة للانصراف. فتحققت ضابطة كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية والتي تقدم بيانها.

وبعد اندراجها في كبرى الاحتفاف لا تجري أصالة التطابق, فإن مورد جريانها إنما هو مع عدم القرينة أو ما هو بمثابتها.

فإن قلت: إنه يمكننا إثبات الحقيقة وعدم المجاز، بأصالة الحقيقة. وإثبات عدم النقل بأصالة عدم النقل فيعود التوجيه السابق؟

قلت: إن مورد تلك الأصول إنما هو الشك البدوي، أي الشك في أصل وجود المجاز أو النقل وهكذا, دون المقام والذي هو من الشك في قرينية الموجود.

والنتيجة: هي تحقق الانصراف عند الشك المذكور، فتنصرف دلالة اللفظ عن الاختصاص بالمعنى الموضوع له، فيكون مجملاً، وتطبق عليه قواعد المجمل.

المنشأ الثالث: الانصراف الناشئ من الارتكاز والمناسبة العرفية العقلائية أو المتشرعية

اشارة

في البدء نقدّم مقدّمة في بيان مناشئ الارتكاز العقلائي والشرعي، لما لها من

ص: 125

دور في تحديد الضابطة لهذا المنشأ.

مناشئ الارتكاز العقلائي (العرف العام)

حصرها الميرزا النائيني (قدس سره) بالفطرة التي أودعها الله تعالى في طباع العقلاء، فقد جاء عنه في فوائد الأصول قوله: (وأما طريقة العقلاء: فهي عبارة عن استمرار عمل العقلاء بما هم عقلاء على شيء سواء انتحلوا إلى ملة ودين أم لم ينتحلوا، ومنهم المسلمون سواء كان ما استمرت عليه طريقتهم من المسائل الأصولية أو من المسائل الفقهية. وقد يعبر عن الطريقة العقلائية ببناء العرف، والمراد منه العرف العام، كما يقال: إن بناء العرف في المعاملة الكذائية على كذا. وليس بناء العرف شيئاً يقابل الطريقة العقلائية. ولا إشكال أيضاً في اعتبار الطريقة العقلائية وصحة التمسك بها، فإن مبدأ الطريقة العقلائية لا يخلو: إما أن يكون لقهر قاهر وجبر سلطان جائر قهر جميع عقلاء عصره على تلك الطريقة، واتخذها العقلاء في الزمان المتأخر طريقة لهم واستمرت إلى أن صارت من مرتكزاتهم.

وإما أن يكون مبدؤها أمر نبي من الأنبياء بها في عصر حتى استمرت.

وإما أن يكون ناشئاً عن فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما أودعها الله تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة حفظاً للنظام.

ولا يخفى بُعد الوجه الأول بل استحالته عادةً, وكذا الوجه الثاني, فالمتعين هو الوجه الثالث. ولكن على جميع الوجوه الثلاثة يصح الاعتماد عليها والاتكال بها)(1).

ثم إن المراد من الطريقة والسيرة العقلائية الأعم من الفعل والارتكاز العقلائي، كما هو الصحيح, قال في البحوث: (السيرة العقلائية: ونقصد بها ما هو أعم من السلوك الخارجي فهي تشمل أيضاً المرتكزات العقلائية وإن لم

ص: 126


1- فوائد الأصول: 3/192-193.

يصدر منهم بالفعل سلوك خارجي على طبقها؛ لعدم تحقق موضوعها بعد، والعنوان الجامع: المواقف العقلائية سواء تجسدت في سلوك خارجي أم لا)(1).

فالارتكاز هو المفهوم الكذائي المترسخ في ذهن أهل العرف، المحرك لهم نحو سلوك موقف معين، فمناشئ السلوك العقلائي هي مناشئ الارتكاز.

والخلاصة: أن منشأ الارتكاز العقلائي والعرف العام هي تلك النكتة الفطرية المودعة في طبع العقلاء. وأما غيرها من المناشئ التي قد تذكر فهي في الحقيقة مناشئ للعرف الخاص كُلٌ بحسبه.

مناشئ السيرة والارتكاز المتشرعي (العرف الخاص بالمتشرعة)

اشارة

مناشؤها هي تلقي الأحكام الشرعية من قبل الشارع. قال في البحوث: (فالسيرة المتشرعية دلالتها على قبول الشارع لمضمونها تشبه دلالة البرهان الإني. بتوضيح: أننا نتكلم عن المتشرعة المعاصرين لعهد الأئمة (علیهم السلام) الذين أتيح لهم تلقي الأحكام والمعارف الشرعية عنهم بطريق الحس أو القريب من الحس وذلك بالسؤال... ومن الواضح أن تطابق آراء الأصحاب والمتشرعة في عصر من هذا القبيل لا محالة يكشف عن تلقيهم ذلك الحكم من الشارع، بمعنى استناد موقفهم العملي إليه، لأن احتمال استناده إلى نكات عقلائية غير موجود بحسب الفرض، إذ المفروض أن السيرة انعقدت في مسألة شرعية بحتة كالجهر في الصلاة، فلو فرض أن سلوكهم المذكور مما لا يرضى به الشارع وغير مقبول لديه بل غير مستند إليه فهذا معناه افتراض الغفلة الحسية في عدد كبير من الناس، أما بالغفلة عن أصل الفحص والسؤال، أو عن الفحص التام، وهو منفي بحساب الاحتمالات)(2).

ص: 127


1- بحوث في علم الأصول: 4/234.
2- بحوث في علم الأصول: 4/242.

وذلك التلقي كما يكون ببيان نفس الحكم في المسألة الجزئية، كذلك يكون ببيان ملاك وعلّة الحكم.

ثم إن تحديد موضوع ومتعلق الحكم لما كان من قبل الشارع أيضاً فحالهما حال نفس الحكم أيضاً. وعليه: فإن كان هناك ارتكاز متشرعي على أن موضوع أو متعلق الحكم هو الأمر الكذائي، فمنشؤه يكون نفس منشأ الارتكاز المتشرعي على الحكم.

والخلاصة: أنّ منشأ الارتكاز المتشرعي حكماً وموضوعاً ومتعلقاً إنما هو التلقي من قبل الشارع؛ وبخلافه نقع في المحذور من قبيل القياس ونحوه.

وبعد اتضاح هذه المقدمة نقول: قد يجعل هذا المنشأ في قسمين(1):

القسم الأول: الارتكاز العقلائي أو المتشرعي

ببيان: أن الارتكاز بمثابة القرينة اللبية المتصلة، فيعمل عملها من منع الظهور الأولي للجملة وانعقاد الظهور على طبقها.

وأما كونه بمثابة القرينة المتصلة، فلأن فرض الارتكاز يعني رسوخ تلك الصورة القائم عليها الارتكاز في الذهن العقلائي بسبب نشوئها عن الفطرة المودعة في طبائعهم والمرتكزة في أذهانهم. أو الرسوخ في الذهن المتشرعي بسبب تلقيهم تلك الأحكام من قبل الشارع.

وذلك الرسوخ موجب لعدم التفات الذهن إلى غيرها وظهورها في الخصوص من كلام المتكلم. بل إذا احتملنا قرينية هكذا مرتكزات موجودة فلا يمكن نفيها بأصالة عدم القرينة وتندرج تحت كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية.

وعليه فاللازم على المتكلم عند عدم إرادة تلك الصورة المترسخة أن يُعمِل

ص: 128


1- ذُكرت بعض هذه التقسيمات في كلمات بعض الباحثين, انظر مجلة فقه أهل البيت (علیهم السلام) : 26/ 134, المعجم الأصولي: 2/ 529. وسيتضح لاحقاً عدم الداعي لهذه التقسيمات لكون مرجعها أمراً واحداً.

عناية لرفع ذلك الرسوخ، وإلفات السامع والمخاطب إلى ما يريده، ولابد أن تتناسب تلك العناية كماً وكيفاً مع درجة ثبوت ورسوخ ذلك الارتكاز.

وكمثال على الارتكاز العقلائي: مسألة حجية خبر الثقة فإن قلنا إنّ السيرة والارتكاز العقلائي قائم على حجية الخبر الموثوق لا خبر الثقة بما هو ثقة. فلابد من التصرف حينئذٍ بما دلّ من الروايات على حجية خبر الثقة بما هو ثقة، كما في رواية الحميري والتي ورد فيها: (العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي... العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان... فإنهما الثقتان المأمونان)(1). وذلك بإلغاء خصوصية الثقة وحمله على الموثوق، وإنما عبر في الرواية بالثقة لكونه الحالة الغالبة لتحصيل الخبر الموثوق.

ومن أمثلة الارتكاز المتشرعي: ما ذكروه في مسألة عموم مفطرية الأكل والشرب لغير المعتاد، فإن من أدلة المفطرية صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) : (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث -أربع- خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء)(2). فقد ذكروا أن الطعام والشراب غير صادقين على غير المعتاد، فلا يصدق على التراب أو الحصى أنه طعام، لكنهم مع ذلك عمموا الحكم لغير المعتاد استناداً إلى أنه من مرتكزات المتشرعة.

القسم الثاني: ما يسمى بمناسبات الحكم والموضوع

وهي تلك القرينة التي بموجبها يتم توسيع أو تضييق دائرة الحكم بسبب مناسبة ونكتة ما. وهذه التوسعة والتضييق إنما تتم في ظهور ومفهوم موضوع الحكم لا في مصداقه، أي أن المخاطب لو جرد نفسه من تلك المناسبات لَفَهِم من موضوع الحكم أمراً وهو الظهور الأولي، ولكنه ببركة تلك المناسبات يتبدل ذلك الظهور إلى ظهور ثانوي على وفق ما تقتضيه تلك المناسبات.

ص: 129


1- بحار الأنوار، باب أحوال السفراء: 51/ 347-348.
2- الوسائل، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم: ب1/ح1.

فمناسبات الحكم والموضوع تقتضي تبدل الظهور الأولي للموضوع، لا أن الظهور الأولي للموضوع يبقى على حاله وتكون التوسعة والتضييق في المصداق حتى يأتي البحث في أن الذهن العرفي هل له تحديد وتشخيص المصداق أم أن وظيفته تحديد المفهوم فقط؟

والكلام يقع في تحديد ضابطة هذه المناسبة. ولبيان ذلك يقع الكلام في الصور التي قد تفرض لهذا القسم وهذه المناسبة:

الصورة الأولى: عدم قابلية الحكم إلا للجريان في حصة من الموضوع.

وكمثال لذلك مسألة لزوم تعفير الظرف الذي يلغ فيه (الكلب)، فإن لفظ الظرف مطلق شامل للظرف من المعدن والفخار والورق ونحوها. لكن لعدم قابلية الظرف من الورق مثلاً للتعفير ينصرف عنوان الظرف كموضوع لهذا الحكم عنه.

ومن أمثلته أيضاً مسألة (الماء مطهر) فإن الماء وإن كان مطلقاً يشمل حتى الماء النجس، لكنه كموضوع للمطهرية ينصرف عن الماء النجس لعدم قابليته للتطهير.

ومرد هذه الصورة في الحقيقة إلى المناسبة الناشئة عن الارتكاز: ففي مثال (الماء مطهر) رجع الانصراف في الحقيقة إلى الحكم والارتكاز العقلائي بأن فاقد الشيء لا يعطيه. أو إلى الارتكاز بعدم مطهرية النجس.

وكذلك في مسألة (تعفير الظرف بالتراب)، فإن تعفير الظرف من الورق يلزم منه جعل الظرف عديم الفائدة وبمثابة المعدوم عرفاً. والارتكاز العقلائي لا يرى شمول الحكم للموضوع الذي يؤدي شموله له إلى جعله عديم المنفعة كذلك.

الصورة الثانية: المناسبة الناشئة عن اكتشاف ملاك الحكم، وعلى ضوء ذلك الملاك يتم توسعة أو تضييق دائرة موضوع ذلك الحكم. فالحكم الوارد على

ص: 130

موضوع معين إذا تم إحراز ملاك حكمه تلغى خصوصية ذلك الموضوع، وتوسع أو تضيق دائرة الموضوع حسب وسع أو ضيق نفس الملاك.

ثم إن اكتشاف ملاك الحكم قد يكون بنص الخطاب الشرعي الواصل على ذلك الملاك، أو بما يسمى بتنقيح المناط.

وقد حصر الوحيد البهبهاني (قدس سره) طرق التنقيح بالإجماع والعقل، قال (قدس سره) : (والتنقيح لا يحصل إلا بدليل يقيني شرعي، فينحصر دليله في الإجماع والعقل)(1).

وقال في موضع آخر: (إذ لابد للتنقيح من منقح شرعاً. وليس فيما نحن فيه سوى الإجماع. نعم في بعض المواضع يصير المنقح هو حكم العقل على سبيل اليقين لكنه قليل جداً. فالعمدة والأصل هو الإجماع)(2).

ومن مناشئ الإجماع الارتكاز الشرعي. فإن اتفاق ذلك العدد الكبير من الفقهاء قد يكون بسبب ارتكاز ذلك الحكم الشرعي في أذهانهم. وقد تقدم أن الارتكاز المتشرعي قائم على تلقي ذلك الحكم من الشارع, ومن صور ذلك التلقي أن يلقي عليهم الشارع ملاك وعلة الحكم. وعليه فحصة من هذه الصورة ترجع إلى الارتكاز المتشرعي.

الصورة الثالثة: ما يمكن تسميتها بالمناسبة المستفادة من الفهم العرفي.

وقد يمثل لها بحديث الرفع. ففي المورد الذي يبيع داره مضطراً مثلاً، مع عدم مخالفة ذلك للامتنان كما إذا باع داره لمعالجة نفسه أو مَن يهمه أمره، فقد قالوا بصحة البيع وعدم شمول الرفع له؛ لأن حديث الرفع وإن كان ظهوره الأولي يقتضي البطلان مطلقاً، لكن الذي يفهمه العرف من جو الخطاب هو اختصاص الحديث بالمورد الذي يكون فيه الرفع امتناناً على المكلف, ولا امتنان

ص: 131


1- الفوائد الحائرية: 147.
2- الفوائد الحائرية: 294.

في الرفع في مورد الاضطرار بخلاف الإكراه, فمستند هذا التخصيص هو الفهم العرفي، أي أن العرف يرى أن الذي يناسب الحكم ببطلان البيع الاضطراري هو ما لم يكن في البيع امتنان على البائع وإلاّ لصح البيع.

وتظهر أهمية هذه الصورة من خلال كثرة تطبيقاتها على ألسنة الفقهاء، واستنادهم إليها في التعميم والتخصيص وحمل الدليل على خلاف ظهوره الأولي، فكان اللازم بيان ضابطة لها. فإن الفهم العرفي كي يستند إليه ويكون حجة لابد أن يكون ناشئاً من مناسبة ونكتة نوعية عامة، فالظهور الناشئ من هذا الفهم هو الذي يكون حجة والذي يسمى بالظهور الموضوعي. دون ما كان ناشئاً من ملابسات وعوامل شخصية ذاتية، وهو ما يسمى بالظهور الذاتي.

وجاء في كلمات السيد الشهيد (قدس سره) أن: (الظهور - سواء كان تصورياً أو تصديقياً- تارة يراد به الظهور في ذهن إنسان معين، وهذا هو الظهور الذاتي، وأخرى يراد به الظهور بموجب علاقات اللغة وأساليب التعبير العام، وهذا هو الظهور الموضوعي, والأول يتأثر بالعوامل والظروف الشخصية للذهن التي تختلف من فرد إلى آخر تبعاً إلى أنسه الذهني وعلاقاته، بخلاف الثاني الذي له واقع محدد يتمثل في كل ذهنٍ يتحرك بموجب علاقات اللغة وأساليب التعبير العام.

وما هو موضوع الحجية الظهور الموضوعي؛ لأن هذه الحجية قائمة على أساس أن ظاهر حال كل متكلم إرادة المعنى الظاهر من اللفظ، ومن الواضح أن ظاهر حاله بوصفه إنساناً عرفياً إرادة ما هو المعنى الظاهر موضوعياً لا ما هو الظاهر نتيجة لملابسات شخصية في ذهن هذا السامع أو ذاك)(1).

نعم: قد يقال بكفاية الظن بالمناسبة والنكتة، ولا يشترط إحراز وجودها.

ص: 132


1- دروس في علم الأصول (الحلقة الثالثة): 1/ 205- 206.

ببيان: أن طرق استكشاف ذلك الظهور الموضوعي تتم عن طريق الظهور الذاتي، ومن تلك الطرق ما ذكره السيد الشهيد (قدس سره) في البحوث حيث قال: (يمكن إحراز الظهور الموضوعي بإحدى طريقتين الأولى: إحرازه تعبداً، وذلك بدعوى جعل الظهور الذاتي إمارة عقلائية عليه، فإن السيرة العقلائية قائمة على جعل ما يتبادره كل شخص من الكلام هو الميزان في تشخيص الظهور الموضوعي المشترك عند العرف)(1).

وظاهر العبارة قيام السيرة العقلائية على إمارة الظهور الذاتي مطلقاً سواء حصل العلم والإحراز عند صاحب الظهور الذاتي للنكتة والمناسبة التي على ضوئها تم رفع اليد عن الظهور الأولي، أم كان الحاصل عنده مجرد الظن بالمناسبة.

بل صرح البعض بكفاية الظن بالمناسبة ونسبه إلى بعض الأعلام، حيث

قال: (وقد تكون هذه المناسبة ظنية، بمعنى أن كل شخص يواجه النص يظن أن المناسبة لهذا الحكم هي هذا الموضوع، فلابد للشارع من رعاية هذا الذي للعرف من حصول الظن لديهم بالنسبة إلى نصه بلحاظ أنه يتكلم حسب ما لديهم من الأصول والقواعد التي يتحقق على أساسها فهم النصوص لديهم، فهذا الظن الارتكازي يعد كقرينة متصلة، وهذا المورد هو الذي لابد من اعتباره كتخصيص واستثناء من تلك القاعدة العامة لدى الإمامية من عدم اعتبار الظن.

وقد تفطن إلى هذا الموضوع أحد الفقهاء الماضين، وهو الشيخ فضل الله النوري (قدس سره) حيث صرح بكفاية الظن في حصول المناسبة الحكمية)(2).

أقول: يمكن أن يلاحظ على هذه الدعوى بما حاصله:

ص: 133


1- بحوث في علم الأصول: 4/292.
2- مجلة فقه أهل البيت (علیهم السلام) : 26/139.

إن الظهور الذاتي لما كان تبادراً كاشفاً عن الظهور الموضوعي، فلابد من توفر شرط التبادر فيه وهو إحراز العلاقة اللغوية والعلم بها -على تفصيل ذكروه في الأبحاث الأصولية لنوع ذلك العلم بالوضع، كجواب على إشكال الدور على ذلك التبادر- فكما أن التبادر الذي هو علامة الحقيقة والوضع لابد فيه من إحراز الوضع -كما هو مذهب المشهور، أو إحراز القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى كما هو مبنى نظرية القرن الأكيد-، كذلك التبادر في المقام -أي إثبات التطابق بين ما يفهمه الشخص مع ما يفهمه العرف العام- هو فرع إحراز وجود العلاقة اللغوية العرفية وما يعتمده العرف من أساليب المحاورة والكلام. وهذا الأمر واضح لا غبار عليه.

فإن ذلك الظهور الذاتي لابد له من سبب ومستند، وهو إما الوضع أو القرينة الخاصة، وكلاهما خارج عن محل الكلام، وأما القرينة العرفية العامة وطريقة أهل المحاورة -وهي محل الكلام- فلكي يستند السامع في فهمه إليها لابد من اطلاعه وإحرازه لوجودها.

ومنه يتضح أن ادعاء قيام سيرة في المقام على كفاية مطلق الظهور الذاتي أو الظن بالمناسبة بعيد.

بل لو فرض قيام هكذا سيرة وارتكاز عقلائي فحجيتها حينئذ منوطة بإمضاء وعدم ردع الشارع عنها. ويكفي للردع عنها عمومات النهي عن الظن.

بل عند التأمل نرى أن رفع اليد عن الظهور الأولي والعمل بالظهور الثانوي استناداً إلى الظن بالمناسبة قريب من العمل بالرأي -إن لم يكن في بعض الحالات هو بعينه- وكان الجو السائد عند أصحاب الأئمة (علیهم السلام) فضلاً عما بعدهم هو عدم العمل به للنهي الشديد عنه، وليس من البعيد التوقف عن العمل في كل ما قاربه, فلا أقل من التشكيك وعدم إحراز إمضاء الشارع لهكذا سيرة وارتكاز.

ص: 134

نعم لابد من التفريق بين ما ذكرناه وبين حجية الظهور -والذي موضوعه الظن-، ببيان: أن هناك نوعين من الظن:

الأول: الظن بوجود نكتة ومناسبة يستند إليها العرف في محاوراتهم، تكون كقرينة عامة على رفع اليد عن الظهور الأولي الثابت، وهذا ما قلنا بعدم كفايته.

الثاني: إحراز وجود النكتة والمناسبة، ولكن السامع يشك في أن المتكلم هل اتبع طرق وأساليب أهل المحاورة واعتمد على تلك المناسبة في بيان مراده أم لا؟ وهنا قالوا إن ظاهر حال كل متكلم أن يتكلم على وفق أساليب وطرق المحاورة اللغوية العرفية.

وهذا هو مورد حجية الظهور والتعبّد بالظهور الظني والذي قامت عليه السيرة دون الأول.

وعليه فالقول بلابدية إحراز وجود المناسبة العرفية وطريقة وأسلوب أهل المحاورة، لا يعني إخراج المسألة عن كبرى حجية الظهور.

وخلاصة ما تقدم: أنه لابد من إحراز وجود المناسبة العرفية، وعدم الاكتفاء بالظن بها. ولعل هذا هو مراد السيد الشهيد (قدس سره) أيضاً. فإن عبارته في البحوث وإن كانت موهمة لما تقدم، لكنه (قدس سره) في الحلقة الثالثة فسرها بما يرجع بروحه إلى ما ذكرناه، حيث قال: (وأما الظهور الذاتي -وهو ما قد يعبر عنه بالتبادر أو الانسباق- فيمكن أن يقال بأنه أمارة عقلائية على تعيين الظهور الموضوعي، فكل إنسان إذا انسبق إلى ذهنه معنى مخصوص من كلام ولم يجد بالفحص شيئاً محدداً شخصياً يمكن أن يفسر ذلك الانسباق، فيعتبر هذا الانسباق دليلاً على الظهور الموضوعي)(1).

أي أن السامع يقوم بعملية تحليلية في ذهنه لمعرفة سبب ذلك التبادر، فإن

ص: 135


1- دروس في علم الأصول (الحلقة الثالثة): 1/ 206.

جرده عن جميع الأسباب والعوامل الشخصية المحتملة، انحصر السبب حينئذٍ بالمناسبة العرفية العامة، فيكشف حينئذ عن الظهور الموضوعي، وذلك مساوق لإحراز وجود المناسبة والنكتة، وإلا فالظن بها يعني احتمال مدخلية أحد العوامل الشخصية في ذلك.

ثم إن تلك المناسبة العرفية منحصرة بالارتكاز أو تنقيح المناط، فإن المناسبة تعني أن الطريقة اللغوية وأساليب الحوار عند أهل العرف والعقلاء هي تلك، أي أن سيرتهم قامت على ذلك، وقد تقدم أن منشأ الطريقة والسيرة هو الارتكاز.

نعم ليس بالضرورة للعمل على وفق المناسبة العرفية إحرازها بخصوصها وعينها، بل يكفي إحراز أصل وجودها.

ومما تقدم يتضح: أنه على المستمع -كي يثبت التعميم أو التخصيص أو الظهور الثانوي وفق مناسبات الحكم والموضوع- أن يحرز تحقق الارتكاز العقلائي أو المتشرعي -مع إثبات معاصرته لعصر النص- أو أن ينقح مناط الحكم.

فإن لم يحرز ذلك وبقي شاكاً، فالأصل العدم، مما يوجب إبقاء الظهور الأولي للكلام على حاله، وتعلّق الحجية به.

والخلاصة: أن مناسبات الحكم والموضوع الموجبة للانصراف مرجعها إلى الارتكاز العقلائي أو المتشرعي، أو اكتشاف ملاك الحكم وتنقيح المناط.

وبذلك يمكن تفسير تخصيص حديث الرفع المتقدم وخروج البيع الاضطراري غير المخالف للامتنان عن اطلاق النهي فيه. فإن مرجع ما ذكر لا يخلو: إما من دعوى أن الطريقة والارتكاز العقلائي أو المتشرعي قائم على صحة هكذا بيع. أو دعوى استكشاف ملاك الحكم وتنقيح المناط، وأن حديث الرفع شُرِّع بملاك الامتنان.

ص: 136

وعلى ضوء نتائج هذا المنشأ الثالث للانصراف، يتضح عدم الوجه لهذه التقسيمات والصور التي تقدّم ذكرها. فإنها جميعاً ترجع إلى إحراز وجود النكتة والمناسبة العرفية، والتي لا تخلو إما أن تكون على نحو الارتكاز أو تنقيح المناط. وإنما ذكرناها متابعة لذكرها في بعض الكلمات.

ص: 137

تذييل

اشارة

ثم إن هذه الضابطة تجري أيضاً في بعض وجوه التعميم وإلغاء خصوصية المورد. ومن تلك الوجوه مسألة الأولوية. ولا بأس ببحثها لتداخلها مع مسألة (مناسبات الحكم والموضوع) في أكثر من وجه، ولكثرة موارد تطبيقها أيضاً.

فنقول: قسَّم الأعلام الأولوية قسمين:

القسم الأول: الأولوية العرفية

ويمكن إجمال المراد منها: بأنها الأولوية التي يفهمها العرف بمجرد ثبوت المدلول المطابقي للكلام، ومن دون الحاجة إلى توسط مقدمة عقلية أو خارجية فيفهم منها العرف ثبوت الحكم للموضوع الآخر لأنه أولى بذلك. إذاً هناك ملازمة بين الحكمين لا بين الموضوعين. وهناك منشآن محتملان لهذه الملازمة، هما:

الأول: أن يشترك كلا الموضوعين في ملاك الحكم، وذلك الملاك يكون أقوى وأشد في الموضوع الآخر منه في الموضوع الأول. أي أن العرف يفهم من قوله تعالى: [فلا تقل لهما أف] –مثلاً- أن ملاك حرمة التأفف للوالدين هو الإهانة ومن دون دخل لأي خصوصية أخرى، فتكون هي علة الحكم. ومن البديهي ثبوت الحكم في المورد والموضوع الذي يوجد فيه ذلك الملاك بنحو أقوى وأشد.

وأما منشأ فهم وتشخيص العرف لذلك الملاك أي تنقيحه لمناط الحكم، فلابد أن يكون بطريق قطعي ولا يكفي فيه مجرد الظن، وإلاّ لزم الوقوع في محذور القياس ونحوه.

وقد تقدّم عن المحقق البهبهاني (قدس سره) حصر تلك الطرق بالإجماع والعقل, ويمكن أن نضيف إلى ذلك الارتكاز العرفي (عقلائي أو متشرعي) - هذا إذا لم يقصد بالعقل ما يعم ما ذكر- بأن يكون المرتكز في ذهن العرف (ولو عرف

ص: 138

المتشرعة) أن علة حرمة التأفف للوالدين هو الإهانة. فالعرف وببركة ذلك الارتكاز يحرز ذلك الملاك وبالتالي يكتشف الملازمة القطعية.

ومما تقدم يتضح: أن الدلالة في المقام بحسب هذا المنشأ ليست من دلالة اللفظ على المدلول الالتزامي أي حرمة الضرب -الأولوية-، أي أن الملازمة ليست بين اللفظ والمدلول الالتزامي، وإنما هي من دلالة المدلول على المدلول، وملازمة بين المدلول المطابقي والمدلول الذي يُراد إثباته، وذلك لما تقدّم من أن الملازمة إنما تثبت بعد تنقيح المناط وتحديد الملاك، وهو ليس مدلول للفظ المذكور في الآية المباركة مثلاً. نعم بين المدلولين (حرمة التأفف) و (حرمة الضرب) ملازمة في الملاك وهو الإهانة.

ومما يدل على ذلك أيضاً أنه لو جيء بصياغات أخرى للدليل الذي يُراد إثبات الأولوية به لما كان ذلك مؤثراً في ثبوت أو انتفاء الملازمة، بل لو ثبت الحكم بواسطة دليل غير لفظي لكانت الملازمة ثابتة أيضاً، فإن اكتشاف الملاك وبالتالي الاولوية غير متوقف على نوع الصياغة اللفظية كما هو واضح، مما يعني أن الدال في المقام ليس هو اللفظ حتى تكون الأولوية من دلالة اللفظ على المدلول. وهذا أحد وجوه الفرق بين الأولوية -مفهوم الموافقة- وبين مفهوم المخالفة. فإنهما وإن اشتركا في دلالتهما على المدلول الالتزامي، لكن دلالة مفهوم المخالفة من دلالة اللفظ على المفهوم بقرينة أن ثبوت المفهوم من عدمه يتأثر بتأثر الصياغات اللفظية. فالجملة الشرطية (إن كان علي عالماً فأكرمه) يثبت لها مفهوم الشرط، ولكن لو صيغت بصياغة الجملة الوصفيه بأن تقول (أكرم علياً العالم) لم يثبت لها المفهوم بناءً على عدم ثبوت مفهوم الوصف.

ومن خلال ما تقدم اتضح الوجه في تعبير البعض عنها ب-(الأولوية العرفية القطعية) أما كونها عرفية فباعتبار أن العرف هو الذي يكتشف الملاك والأشدية، وأما كونها قطعية فباعتبار أن ذلك الاكتشاف إن لم يبلغ مرتبة القطع

ص: 139

والاطمئنان فلا اعتبار به.

الثاني: أن يكون ذكره من باب ذكر الخاص للتنبيه على العام، وذكر الفرد الخفي للتنبيه على الفرد الجلي. وهو ما ذكره الميرزا (قدس سره) بحسب ما نقله الشيخ الحلي (قدس سره) عن تقرير الشيخ موسى الخوانساري (قدس سره) حيث قال: (ثم وجه الأولوية قد يكون لحكم العقل بها أو لدلالة اللفظ عليها، وأولوية حرمة إيذاء الوالدين بالضرب المستفادة من قوله تعالى: [فلا تقل لهما أف] يمكن أن يكون على كلا الوجهين، لأن العقل يحكم بعد أن علم بحرمة الأف أن الضرب محرم بطريق أولى فهذه الأولوية من الأحكام العقلية الملازمية، واللفظ أيضاً دال عليها بالدلالة السياقية، لأنه يفهم من هذا الكلام أنه من قبيل التنبيه على العام بذكر الخاص، فإنه بصدد بيان أول درجة من الإيذاء وأدناه. فحرمة أعلى درجة تستفاد من سوق الكلام)(1)، والذي قد صرح بأنها من المداليل الالتزامية اللفظية، فتندرج تحت كبرى حجية الظهور.

أقول: إن كان مراده (قدس سره) من ذلك أن هناك قرينة في سياق الكلام تدل على ذلك فحينئذ يكون التعميم لأجل تلك القرينة، وتندرج تحت حجية الظهور، وإن لم يكن كذلك -وإن كان ذلك بعيداً عن مجموع كلامه- بل لأجل أن العرف يفهم ذلك، فيرجع الكلام حينئذ إلى المنشأ الأول. هذا أولاً.

وثانياً: إن دار الأمر بين هذا المنشأ (بناءً على الاحتمال الأول) والمنشأ المتقدم، فالأصل مع المنشأ المتقدم، لأن هذا المنشأ بحاجة إلى قرينة لتعيينه، والأصل عدمها.

القسم الثاني: الأولوية العقلية

ولعل المراد منها قد اتضح مما تقدم، فهي الأولوية التي تثبت من خلال

ص: 140


1- أصول الفقه: 5/290.

توسط مقدمة عقلية، وهذه المقدمة وبالتالي الأولوية لابد أن تكون قطعية، أي من خلال هذه المقدمة نستطيع أن نستكشف ملاك الحكم وأنه ثابت في الآخر بنحو أقوى وأشد. وكما تقدم فإن من أبرز الطرق لاكتشاف ذلك هو الإجماع - بعد رجوعه إلى حكم العقل- أو حكم العقل.

ويأتي فيها نفس الكلام المتقدم: من أنها من دلالة المدلول على المدلول لا من دلالة اللفظ على المدلول.

المنشأ الرابع: القدر المتيقن في مقام التخاطب

ذهب المشهور إلى عدم مانعية القدر المتيقن في مقام التخاطب من جريان الإطلاق وأدرجوه في كبرى (أن المورد لا يخصص الوارد) فهي لا توجب التقييد ولا الانصراف؟

في حين ذهب صاحب الكفاية (قدس سره) -وتبعه بعض المحققين- إلى جعل عدم القدر المتيقن في مقام التخاطب أحد مقدمات الحكمة، فمع وجود القدر المتيقن لا يتم الإطلاق. وظاهر كلماتهم أنه يوجب الانصراف عن الإطلاق، لا التقييد والانصراف إلى الحصة والقدر المتيقن.

قال في الكفاية: (... إنه لا إطلاق فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأجزاء أو الأصناف، لظهوره فيه، أو كونه متيقناً منه ولو لم يكن ظاهراً فيه بخصوصه حسب اختلاف مراتب الانصراف)(1).

وقال المحقق العراقي (قدس سره) : (ثم لا يخفى عليك أنه مع وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وإن كان لا مجال للأخذ بالإطلاق، بل كان اللازم هو الاقتصار عليه وعدم التعدي عنه إلى غيره، إلاّ أنه لا يوجب التقيد بالخصوص حتى يلزمه معارضته مع مطلق آخر في قباله، بل وإنما غايته هو مانعيته عن الأخذ بإطلاق

ص: 141


1- كفاية الأصول: 289.

ذلك، وهو واضح)(1).

وقال (قدس سره) في مقام تعداد مراتب الانصراف (والثانية: هي المضرة الإجمالية فتمنع عن الأخذ بالإطلاق خاصة، كما في القدر المتيقن في مقام التخاطب)(2).

وممن اختار ذلك أيضاً المحقق الأصفهاني (قدس سره) إذ قال: (والفرق بين القدر المتيقن في مرحلة المحاورة والتقييد: أن الأول شيء لا مجال معه للإطلاق، مع بقاء احتمال مرادية الباقي على حاله، بخلاف الثاني فإنه يضيق دائرة المراد، وبيان لكون الباقي غير مراد)(3).

وفي أصول الفقه للشيخ الحلي (قدس سره) فسر مراد صاحب الكفاية بالقدر المتيقن بقوله: (بل مراده بالقدر المتيقن في مقام التخاطب هو اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية على التقييد لو كان المراد هو المقيد على وجه أنه لو أراد المقيد لأمكن أن يكون متكلاً عليه في بيانه، فلا تكون إرادته لذلك المقيد بلا بيان، بل تكون مع البيان)(4).

وذكر أيضاً أنه (لا شبهة كما أفاده الأستاذ (دام ظله) في أن المرتبة الثانية من الانصراف هي من قبيل ما يصلح للقرينية ولبيان التقييد لو كان المراد هو المقيد، وبملاحظة ما صرّح به في الكفاية من أنها من قبيل القدر المتيقن ينكشف لنا أن مراد الكفاية من القدر المتيقن هو ما يكون من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية، وحينئذ فيكون مراده من انتفاء القدر المتيقن الذي جعله من المقدمات هو انتفاء ما يصلح للقرينية)(5).

ص: 142


1- نهاية الأفكار: 2/575.
2- نهاية الأفكار: 2/576.
3- نهاية الدراية: 2/497.
4- أصول الفقه: 5/432.
5- أصول الفقه: 5/434.

ومن الواضح أن اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية إنما يوجب الانصراف والإجمال لا التقييد، فتحمل كلمات القائلين بالقدر المتيقن في مقام التخاطب على اندراج المسألة في كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية.

اتضح مما تقدم: أن هناك اتجاهين تجاه القدر المتيقن في مقام التخاطب:

الأول: لا يقول به ويدرجه تحت كبرى (أن المورد لا يخصص الوارد) وهو المشهور.

الثاني: من يقول به ويدرجة تحت كبرى (احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية) الموجب للانصراف والإجمال.

وبعد اتضاح هذه المقدمة يقع الكلام في مدى تمامية هذا المنشأ:

فرّع صاحب الكفاية (قدس سره) وغيره من الأعلام (رضوان الله عنهم) البحث على تنقيح المقصود من المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة، أي (كون المتكلم في مقام البيان).

فقال (قدس سره) : (ومع انتفاء الثالثة -أي مقدمة عدم القدر المتيقن...- لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده، فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه وقد بيّنه، لا بصدد بيان أنه تمامه كي أخل ببيانه، فافهم)(1).

والحاصل أن هناك ثلاثة تفاسير لتلك المقدمة تختلف النتيجة باختلافها. وهذه التفاسير هي:

التفسير الأول: ما تبناه صاحب الكفاية (قدس سره) بكلامه المتقدم، وحاصله: أن يكون المتكلم في مقام بيان تمام مراده، من دون أن يكون غرضه أن يعلم السامع بأنه تمام المراد، بل غرضه هداية السامعين وإيصالهم إلى الأفراد المقصودة بالحكم، ولو لم يعلم السامع ما هو موضوع الحكم وما هو تمام المراد بوصف

ص: 143


1- كفاية الأصول: 287.

التمام، بل يكفي علمه على نحو الإجمال بأن ذلك مراد للمتكلم، لكفاية ذلك في تحريكه نحو الإتيان بالمطلوب.

وقد فسَّر كلام صاحب الكفاية (قدس سره) بذلك بعض الأعلام منهم الشيخ الحلي (قدس سره) إذ قال: (وبالجملة: إن صاحب الكفاية أخذ البيان بمعنى مجرد إيصال المراد إلى المكلفين، فلو وصل إليهم مراده بمثل كونه مورداً للمطلق كان ذلك كافياً)(1).

وكذا السيد الشهيد (قدس سره) بقوله: (وأخرى تفسر بأن الأصل في كونه في مقام هداية المكلف إلى كل فرد يريد ترتب الحكم بالنسبة إليه ولو بنحو لا يفهم ما هو موضوع حكمه ثبوتاً، بأن يأتي في مقام الإثبات بما يهدي المكلف إلى الأفراد المقصود إكرامهم. والظاهر أن المحقق الخراساني (قدس سره) فهم من أصالة كونه في مقام البيان بالمعنى الثاني)(2).

ومن الواضح أن القدر المتيقن حينئذ يكون تمام المراد, لأنه به يتحقق غرض المتكلم وبه يتمّ الامتثال.

وممن تبنى هذا التفسير –أيضاً- المحقق العراقي (قدس سره) حيث قال: (وأما على الثاني من كونه في مقام بيان تمام مراده من دون تعلق غرضه بفهم المخاطب أيضاً بأن مدلول اللفظ تمام المراد بوصف التمامية، فلازمه الاحتياج إلى عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب... ولكن التحقيق حينئذ هو الثاني، وذلك من جهة أن غاية ما تقتضيه تلك المقدمات بمقتضى برهان نقض الغرض إنما هو عدم إخلال المتكلم بما هو واقع مرامه في خطابه، وأما من حيث فهم المخاطب أيضاً بأنه تمام المراد فلا، لأن ذلك أمر زائد قلما يتعلق الغرض به)(3).

ص: 144


1- أصول الفقه: 5/443.
2- مباحث الأصول: ق1/ج4/514-415.
3- نهاية الأفكار: 2/575.

ويرد عليه: أنه بناءً على هذا التفسير لا يكون هناك فرق بين القدر المتيقن في مقام التخاطب أو من الخارج، فإنه على كلا الفرضين يكون مُراد المتكلم مُبيّن، وتتحقق هداية وإيصال المكلفين إلى الأفراد المقصودة بالحكم. مع أن الثابت عندهم أن القدر المتيقن من الخارج لا يوجب ذلك، فإنه معه لا يكاد يتحقق إطلاق لأي كلام، فما من كلام إلاّ وله قدر متيقن في الخارج يتحقق به الامتثال. والفرق بينهما أن هذا قدر متيقن في مرحلة اللفظ والخطاب، وذاك قدر متيقن في عالم الخارج والمصداق، وهو ليس بفارق من جهة الاعتماد عليه في بيان المراد من عدمه. وذلك لأن مراد المتكلم وفق هذا التفسير إنما هو ايصال المكلف إلى الأفراد المقصودة بالحكم والتي يتحقق بها الامتثال، فكما يصح له الاتكال على القدر المتيقن في مقام التخاطب لبيان ذلك, كذلك يصح له الاتكال على القدر المتيقن في الخارج وفي مقام الامتثال، فإن كونه قدراً متيقناً يعني أن السامع ملتفت إلى أنه يتحقق به مراد المتكلم وأن المتكلم يريده على كل حال، أي أنه يتحقق به المطلوب من إيصال السامع إلى الأفراد المقصودة بالحكم.

أضف إلى ذلك أن الحالة الغالبة للقدر المتيقن في مقام التخاطب لا يكون القدر المتيقن فيها صادراً من نفس المتكلم, وإنما هو صادر من المخاطب على نحو السؤال والجواب, فلا يمكن أن ننسبه للمتكلم ونقول إنه اعتمد على ما يبيّن به مراده من نفس خطابه. فالقدر المتيقن في هذه الحالة على النحوين - في مقام التخاطب، وفي الخارج- لا ينسبان إلى المتكلم, فملاكهما واحد من هذه الجهة. نعم ذلك لا يعني أن كلام المجيب غير ناظر إلى سؤال السائل، بل هو ناظر إليه، غايته أن هناك حالتين, الأولى: عدم توسعه في الجواب وإعطاء القاعدة الكلية، والأخرى: التوسع وإعطاء القاعدة الكلية، وكلامنا من هذا القبيل. والقول بالتفصيل - بين هذه الحالة وحالة ما إذا ورد القدر المتيقن في مقام التخاطب في نفس كلام المتكلم- لا قائل به.

ص: 145

أضف لذلك أن أصل هذا التفسير غير تام لما سيأتي في مقام إثبات التفسير الثالث.

التفسير الثاني: أن يكون غرض المتكلم هو إفهام السامع بأن هذا هو تمام المراد -متصف بأنه تمام المراد- وفرقه عن التفسير السابق، أن إفهام السامع كافٍ للبيان ولو على نحو الإجمال في السابق كما تقدم، بخلاف المقام فإن ذلك غير كافٍ, بل لابد من إفهام السامع بأن ذلك هو تمام المراد.

وقد أشار صاحب الكفاية (قدس سره) إلى هذا التفسير بقوله: (... لا بصدد بيان أنه تمامه كي أخل ببيانه، فافهم)(1). وظاهره عدم مانعية القدر المتيقن في مقام التخاطب من الإطلاق، في قبال التفسير الأول والذي كان مانعاً عنده.

لكنه (قدس سره) في تعليقته على الكفاية فسّر مراده من الأمر بالفهم، ورتب على ذلك عدم جريان الإطلاق، حيث قال: (إشارة إلى أنه لو كان بصدد بيان أنه تمامه ما أخل ببيانه بعد عدم نصب قرينة على إرادة تمام الأفراد، فإنه بملاحظته يفهم أن المتيقن تمام المراد, وإلاّ كان عليه نصب القرينة على إرادة تمامها وإلاّ قد أخل بغرضه. نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن إلاّ بصدد بيان أن المتيقن مراد لا بصدد بيان أن غيره مراد أو ليس بمراد قبالاً للإجمال والإهمال المطلقين)(2).

وذكر السيد الشهيد (قدس سره) ما يصلح أن يكون بياناً لهذه التعليقة حيث قال: (لو قال مثلاً (أكرم العالم) وكان في مقام تفهيم كل فرد أراد سريان الحكم إليه وفي مقام بيان أنه التمام ولم يكن في مقام بيان تمام الموضوع لم يمكن لنا تشخيص كون العالم الفاسق أيضاً مقصوداً إكرامه، فإننا لا نعرف ذلك إلاّ بأن نعرف أن العالم تمام الموضوع، ولا نعرف ذلك، لعدم كونه في مقام بيان تمام الموضوع، وإذا ضممنا ذلك إلى العلم بأن المولى في مقام بيان تمام الأفراد المراد

ص: 146


1- كفاية الأصول: 287.
2- كفاية الأصول: 287-288 الهامش.

إكرامهم حصل العلم بأن العالم الفاسق غير مراد، لأنه لم يبينه، فحصل العلم بأن تمام المراد هو أفراد العالم العادل، أي يثبت التقييد لا الإطلاق)(1).

وفيه: بناءً على أصل التفسير وأنه ينتج الإطلاق حتى مع وجود القدر المتيقن. فإنه يرد عليه عدم تمامية أصل التفسير في نفسه كما سيتضح من بيان التفسير الثالث.

وأما بناءً على ما ذكر في التعليقة من عدم إنتاجه للإطلاق. فيرد عليه: أنه لا فرق بينه وبين التفسير الأول حينئذ من هذه الجهة، فيرد عليه ما تقدم في التفسير الأول.

التفسير الثالث: ما اختاره المشهور من منكري الأخذ بالقدر المتيقن في مقام التخاطب, وحاصله: أن المتكلم إنما يكون في مقام بيان ما له الدخل في مطلوبه، وبعبارة أخرى: بيان ما هو موضوع حكمه. فيقال إن ظاهر حال كل متكلم أنه في مقام بيان ما هو موضوع حكمه، وكل ما له دخل في ترتب ذلك الحكم. فمع عدم ذكره لقيد من القيود يكشف ذلك عن عدم دخالته في ذلك الموضوع ثبوتاً أيضاً. فالمتكلم في مقام بيان وتفهيم السامع بنفس كلامه، فما ذكره يريده إثباتاً وثبوتاً، وما لم يذكره لم يرده كذلك.

ويترتب على ذلك أن القدر المتيقن لا يؤثر في إطلاق كلام المتكلم. فلو كان موضوع حكمه ثبوتاً مثلاً هو (العالم العادل)، وكان هو القدر المتيقن أيضاً، لكن في مقام الجواب أطلق المتكلم وقال (أكرم العالم) فحينئذ إنما يكون قد بيّن جزء الموضوع لحكمه لإتمامه فإن تمام الموضوع حسب الفرض هو مجموع (العالم العادل) فالعالم يكون جزء الموضوع لإتمامه, وهو خلاف ظاهر حاله كمتكلم.

ومما يستدل به على إثبات هذا التفسير:

ص: 147


1- مباحث الأصول: ق1/ج4/516.

1- أن كلام المتكلم - لا أقل الشارع - ناظر إلى مرحلة الجعل والإنشاء لا مرحلة المجعول والفعلية. وفي مرحلة الجعل يكون البيان لموضوع الحكم وقيوده، بخلاف مرحلة المجعول والتي تكون ناظرة إلى المصاديق الخارجية ومبينة لها. ومع القدر المتيقن إنما يُبيّن مورد ومصداق ما ينطبق عليه الحكم، لا موضوع وقيود الحكم.

2- ما تقدم من أن التفسير الأول وكذا الثاني على أحد محتمليه يلزم منه محذور عدم الفرق بين القدر المتيقن في مقام التخاطب أو من الخارج. وهو مما لا يُلتزم به, وبعد استبعادهما يتعيّن التفسير الثالث.

نعم, ذكر الشيخ الحلي (قدس سره) احتمالين لهذا التفسير على أحدهما تندرج المسألة في كبرى الاحتفاف.

وحاصله: أن الأخذ بالقدر المتيقن حينئذٍ من عدمه مبنيٌ على (أن المراد من بيان ما له الدخل في مطلوبه هل هو البيان الواصل أو البيان الواقعي، فإن كان المراد به البيان الواصل، أعني ما يوجب ظهور اللفظ عند المخاطب، لم يكن انتفاء القدر المتيقن بهذا المعنى محتاجاً إليه. لأن المتكلم لا يمكنه الاعتماد عليه في تحقق ما هو بصدده من البيان الموجب لظهور اللفظ عند المخاطب.

وإن كان المراد من البيان هو البيان الواقعي وإن لم يكن موجباً لظهور اللفظ فيما أُريد بيانه، كان انتفاء القدر المتيقن بالمعنى المذكور مُحتاجاً إليه في تمامية المقدمات.

والفاصل بين هذين الاحتمالين هو النظر فيما جرى عليه العقلاء من الأصل المذكور. فإن كان ما جروا عليه هو الإظهار وعدم الخفاء بالنسبة إلى كل أحد، على وجه يتكلفون إيصال مرادهم إلى كل أحد على اختلاف المراتب تعيّن الاحتمال الأول وهو الاستغناء عن المقدمة الثالثة. وإن كان ما جروا عليه

ص: 148

هو الإظهار بالنحو العادي تعيّن الاحتمال الثاني، وهو عدم الاستغناء عنها. لأن الفرض أن ذلك الذي اكتنف به الكلام مما يمكن الاعتماد عليه عادة.

والمتعيّن من هذين الوجهين هو الوجه الثاني كما هو واضح لا يخفى. وعليه فتكون مقدمات الحكمة محتاجة إلى انتفاء القدر المتيقن بالمعنى المذكور، أعني اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية)(1).

أقول: إن المرجع في ذلك كما ذكره (قدس سره) هو طريقة وسيرة العقلاء. فإن البحث بمجمله يدخل في كبرى حجية الظهور، والمرجع فيها تشخيصاً وحجةً هو السيرة العقلائية كما هو واضح.

وقد تقدّم: أن القرينة النوعية كي تكون قرينة لابد من الإعداد العرفي العام لها كي تكون ناظرة ومفسرة للكلام. وعليه فلابد من إحراز أن السيرة قائمة على الاستناد إلى القدر المتيقن في مقام التخاطب كقرينة أو ما يصلح للقرينية. وإحراز ذلك أول الكلام. بل هناك عدة شواهد على عدمه:

منها: أن المشهور شهرة عظيمة هو أن المورد لا يخصص الوارد. وقد ذكر الميرزا النائيني (قدس سره) أن مسألتنا من هذا القبيل، ففي ما قرره الشيخ الحلي (قدس سره) عنه ذكر: (أن صاحب الكفاية (قدس سره) يريد بالقدر المتيقن في مقام التخاطب ما يكون مورداً لورود المطلق)(2). وقال (قدس سره) في فوائد الأصول: (فإن من أوضح مصاديق القدر المتيقن في مقام التخاطب هو ورود العام والمطلق في مورد خاص، كقوله (علیه السلام) : (خلق الله الماء طهوراً) في مورد السؤال عن ماء بئر بضاعة. فإن المورد هو المتيقن المراد من اللفظ المطلق، مع أنه لا يخصص المطلق بالمورد، ولا قال به أحد، ولا هو (قدس سره) قال به)(3).

ص: 149


1- أصول الفقه: 5/440.
2- أصول الفقه: 5/429.
3- فوائد الأصول: 2/ 575.

ومع هذه الشهرة العظيمة إن لم تنعقد طريقة العرف على عدم الأخذ بالقدر المتيقن في مقام التخاطب، فلا أقل من التشكيك بقيام طريقة وسيرة العقلاء على الأخذ به. ومن المعلوم عدم كفاية الشك للقول بانعقاد السيرة.

ويؤيد ذلك ما تقدّم: من عدم الفرق بين القدر المتيقن في مقام التخاطب، والقدر المتيقن من الخارج من هذه الجهة، جهة صلاحية القدر المتيقن لاتكال المتكلم عليه في بيان مراده، مما قد يشير إلى أن أصل الارتكاز القائمة عليه السيرة في المقام مشكوك.

فتحصّل مما تقدّم: أن القدر المتيقن في مقام التخاطب غير مانع من جريان الإطلاق وبالتالي لا يكون منشأً من مناشئ الانصراف.

ص: 150

النتائج

اتضح مما تقدم أن أهم مناشئ الانصراف أربعة:

المنشأ الأول: غلبة الوجود، ولها ثلاث صور:

الصورة الأولى: الغلبة في قبال الندرة العادية، وهي محل نظر المشهور القائل بعدم حجية الانصراف الناشئ عن غلبة الوجود.

الصورة الثانية: الغلبة في قبال ندرة الأفراد الملحقة بالعدم، والانصراف هنا تام وحجة.

الصورة الثالثة: وهي الشك في أن الغلبة هي من قبيل الصورة الأولى أو الثانية. وهذه تندرج تحت كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية، مما يوجب الانصراف عن الإطلاق.

المنشأ الثاني: غلبة الاستعمال، وقد ذكرنا لها خمس مراتب:

الأولى: ما توجب النقل.

الثانية: ما توجب الاشتراك.

الثالثة: ما توجب المجاز المشهور.

وهذه المراتب توجب الانصراف -على اختلاف في نوع الانصراف- لإيجابها تغير الدلالة التصورية أو الاستعمالية. وأما في حالة الشك في بلوغ الغلبة أحدى تلك المراتب الثلاث أم لا -وهي المرتبة الخامسة- فتدخل حينئذ في كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية والموجبة للانصراف أيضاً.المنشأ الثالث: الارتكاز والمناسبة العرفية العقلائية أو المتشرعية (مناسبات الحكم والموضوع) وأتضح أن مرجع هذا المنشأ إلى الارتكاز العقلائي أو المتشرعي، أو اكتشاف ملاك الحكم وتنقيح المناط.

ص: 151

ببيان: أن إلغاء خصوصية المورد ورفع اليد عن الظهور الأولي للكلام لابد فيه من وجود مناسبة يصح استناد المتكلم إليها في أيصال مراده بكلامه. وتلك المناسبة لابد أن تكون عامة وإلا دخلت في القرينة الخاصة وهو خروج عن محل الكلام. ومعنى كونها مناسبة عامة هو أنها أحد الطرق العرفية وأساليب الحوار عند أهل العرف والعقلاء، أي أن سيرتهم قامت على ذلك.

ولما كان منشأ السيرة هو الارتكاز، فمرجع هذه المناسبة إلى الارتكاز. وكذا مع اكتشاف الملاك وتنقيح المناط يمكن إلغاء خصوصية المورد، فإنه أحد أساليب وطرق المحاورة العرفية. وعليه فمرجع تلك المناسبة إلى الارتكاز أو اكتشاف الملاك.

ويترتب على ذلك: أنه لابد من إحراز وجود المناسبة -ويكفي لذلك إحراز أصل وجودها لا بعينها وخصوصها-، فإن السيرة والارتكاز وكذا تنقيح المناط لابد من إحرازه حتى يصح الاستناد إليه، ولا يكفي الظن بتحققه، فلا يكفي الظن بالمناسبة لأجل رفع اليد عن الظن بالمناسبة لأجل رفع اليد عن الظهور الأولي.

ولا يعني ذلك خروج مناسبات الحكم والموضوع عن كبرى حجية الظهور، فإن إحراز المناسبة العرفية العقلائية وأن طريقة المحاورة عندهم كذا مع الظن في اتباع المتكلم تلك الطريقة شيء، والظن بأصل وجود المناسبة شيء آخر. ومسألتنا من قبيل الأمر الأول فهي داخلة في كبرى حجية الظهور.

وظهر أيضاً أن التقسيمات المذكورة لهذا المنشأ لا داعي لها فإنها جميعاً ترجع إلى ما ذكرناه من إحراز المناسبة العرفية الارتكازية أو تنقيح المناط.

المنشأ الرابع: القدر المتيقن في مقام التخاطب، وقد ظهر أن فيه قولين:

الأول: ما ذهب إليه المشهور من عدم مانعيته للإطلاق وبالتالي لا يوجب الانصراف، بل يندرج تحت كبرى (المورد لا يخصص الوارد).

ص: 152

الثاني: ما تبناه صاحب الكفاية وجملة من الأعلام رحمهم الله من مانعيته للإطلاق، أي أنه يوجب الانصراف عن الإطلاق، وظهر من كلماتهم إدراجهم له في كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية.

وظهر أن الاختلاف ناشئ من الاختلاف في تفسير المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة أي (كون المتكلم في مقام البيان) فالقول الثاني قد استند إلى التفسير الأول -أي أن البيان بمعنى مجرد إيصال المتكلم مراده إلى المكلفين- في حين استند القول الأول إلى التفسير الثالث -وهو بيان ما هو موضوع حكمه، وماله الدخل في مطلوبه ومراده- وأتضح أن هذا التفسير هو الصحيح. وعليه فلا يكون القدر المتيقن في مقام التخاطب منشأ من مناشىء الانصراف.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 153

مصادر البحث

1. أجود التقريرات: تقريراً لأبحاث المحقق النائيني (قدس سره) . تأليف السيد الخوئي (قدس سره) . الطبعة الثانية 1430ﻫ. الناشر: مؤسسة صاحب الأمر (عج).

2. أصول الفقه: تأليف: الشيخ حسين الحلي (قدس سره) . الطبعة الأولى 1431ﻫ.

3. بحار الأنوار: العلامة المجلسي, الناشر: دار إحياء التراث العربي, الطبعة الثانية, بيروت, 1403 ﻫ.

4. بحوث في علم الأصول: تقريراً لأبحاث السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) . تأليف: السيد محمود الهاشمي. الطبعة الثالثة 1417ﻫ-1996م.

5. دروس في علم الأصول (الحلقة الثالثة): تأليف: السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) . الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره) . الطبعة الثانية سنة 1424ﻫ.

6. فوائد الأصول: تقريراً لأبحاث المحقق النائيني (قدس سره) . تأليف: الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني (قدس سره) . الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي/قم.

7. الفوائد الحائرية: تأليف: الوحيد البهبهاني (قدس سره) . مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى سنة 1415ﻫ.

8. كفاية الأصول: تأليف: الشيخ محمد كاظم الخراساني (قدس سره) . مؤسسة النشر الإسلامي/قم. الطبعة الثامنة 1424ﻫ.

9. لسان العرب: ابن منظور. تحقيق: أحمد فارس. الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت: 1414 ﻫ.

10. مباحث الأصول: تقريراً لأبحاث السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) . تأليف: السيد كاظم الحائري. الطبعة الثانية 1425ﻫ.

11. مجلة فقه أهل البيت (علیهم السلام) : 1425ﻫ-2005م.

ص: 154

12. معجم ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني. تحقيق: صفوان عدنان. نشر: دار العلم – الدار الشامية: 1412 ﻫ.

13. معجم مقاييس اللغة: أحمد بن فارس. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. انتشارات: دفتر تبليغات إسلامي: 1404 ﻫ.

14. نهاية الأفكار: تقريراً لأبحاث الشيخ آغا ضياء الدين العراقي (قدس سره) . تأليف: الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي (قدس سره) . الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي/قم. الطبعة الخامسة سنة 1431ﻫ.

15. نهاية الدراية: تأليف: الشيخ محمد حسين الأصفهاني (قدس سره) . الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث. الطبعة الثانية 1429ﻫ-2008م.

16. وسائل الشيعة: تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث. الطبعة الثانية 1424ﻫ-2003م.

ص: 155

ص: 156

دراسة حول الواسطة المبهمة بين الحسن بن محمد بن سماعة و أبان بن عثمان(الحلقة الثانية) - الشيخ علي سالم الناصري دام عزه

اشارة

في الاستدلال بالسنة الشريفة صعوبات نشأت من مشاكل في مثبتاتها، كالإرسال في الأسانيد، وليس بالضرورة أن يكون لسبب قهر المرسل, فقسم منه ولَّده ضياع قرينة، أو تصريح اعتُمد عليه عند الإتيان بلفظ موجز, ونظرية الاحتمال من الأساليب العلمية المتَّبعة للتغلُّب على بعض عقبات صراط الاستدلال, والذي بين يديك محاولة لحلِّ مشكلة نجمت من إبهام الواسطة بين راويين هما: ابن سماعة، وأبان بن عثمان اعتماداً على نظرية الاحتمال مع إيجاز لبعض أساسياتها وقوانينها.

ص: 157

ص: 158

بسم الله الرحمن الرحیم

في هذه الحلقة من الدراسة تتميم لما بدأناه في الحلقة الأولى والتي انتهينا فيها إلى نتائج حساب الاحتمال وفق المستوى الأول, وهو ما لوحظ فيه تمام مشايخ ابن سماعة سواء رووا عن أبان أم لم يرووا عنه, وكانت النتيجة هي التغلب على الإشكال لو اعتمدنا على عدد الروايات, وعدمه لو اعتمدنا على عدد المشايخ سواء لاحظنا الفهارس أو لم نلاحظها.

ففي هذه الحلقة نتعرّض للمستويين الثاني - وهو ما يلاحظ فيه مَن وردت روايته عن أبان بن عثمان من مشايخ ابن سماعة - ، والثالث - خصوص روايات ابن سماعة عن أبان بالواسطة - وقبل الشروع بالمستوى الثاني نود الإشارة إلى أمرين:

الأمر الأول: ما ذكر من مستويات ثلاثة لا تمثل كل الدوائر المحتملة الأحقية, وإنما تمثل نماذجا تغطي طيف تلك الدوائر, وإلا فهناك دوائر أخرى محتملة الأحقية, منها: ملاحظة مشايخ ابن سماعة الواقعين في روايات ابن سماعة بالواسطة عن أبان, لكن مع عدم الاقتصار على رواياتهم عن أبان التي رواها ابن سماعة, وإنما يتعدى إلى كل رواياتهم التي رواها ابن سماعة حتى التي عن غير أبان بن عثمان. وهذا المستوى أعم مطلقاً من الثالث وأخص مطلقاً من الثاني.

ومنها: ملاحظة كل من روى عن أبان سواء روى عنه ابن سماعة أو لم يروِ, وهذا أعم من وجه من المستوى الأول ولعله يكافؤه في قوة الاحتمال.

ومنها: ملاحظة من كان من أهل بلد أبان من مشايخ ابن سماعة فقط دون غيرهم, وهذا يمكن أن تقسَّم بلحاظه بقية المستويات.

ص: 159

الأمر الثاني: ما ذكرناه من طريقتين لحساب الاحتمال في الاحتمالات المشروطة ليس على سبيل الحصر بل هناك طريقة ثالثة, وقد ذكروا(1)

مثالاً بينت فيه الطرق الثلاثة, وهو كما يلي:

يوجد في فصل اثنا عشر طالباً و أربع طالبات. إذا اختير ثلاثة من الفصل بطريقة عشوائية فما هو احتمال أن يكونوا جميعا طلابا؟

الحل الأول: احتمال أن يكون المختار الأول طالبا هو 12\16 حيث أنه يوجد 12 طالبا من بين 16 طالبا, وإذا كان الأول طالبا فيكون احتمال أن المختار الثاني طالب هو 11\15 حيث أنه يوجد 11 طالباً من بين 15 طالباَ الباقين , وأخيراً إذا كان الأول والثاني طالبين يكون احتمال أن المختار الثالث طالب هو 10\14, حيث أنه يوجد 10 طلاب من بين 14 طالبا الباقين وبذلك يكون احتمال أن الثلاثة طلاب باستخدام نظرية الضرب هو:

12\16 × 11\15 × 10\14 =11\28

الحل الثاني(2): يوجد ق16 3 طريقة لاختيار ثلاثة طلاب من بين 16طالبا, ويوجد ق123 طريقة لاختيار ثلاثة طلاب من بين 12 طالبا إذاً الاحتمال = ق123 \ ق16 3 = 220 \ 560 = 11\28

الحل الثالث: إذا اختير الطلبة واحدا بعد الآخر يوجد (16 × 15 × 14) طريقة لاختيار ثلاثة طلبة بغض النظر عن الجنس ويوجد

(12 × 11 × 10) طريقة لاختيار ثلاثة طلاب ذكور إذاً

الاحتمال = (12 × 11 × 10) \ (16 × 15 × 14) = 11 \ 28

ص: 160


1- ملخصات شوم ، نظريات ومسائل في الاحتمالات , تأليف د. سيمور ليبسشتز : 83.
2- ق نر = ن! \ ر! × (ن – ر )! ويمثل عدد طرق اختيار ر من الحوادث من بين ن من الحوادث أو طرق توزيع ن من الحوادث على ر من الحوادث.

1250 المستوى الثاني(1): حساب الاحتمال بلحاظ مشايخ ابن سماعة الذين رووا عن أبان وإن كان الراوي لرواياتهم عن أبان غير ابن سماعة.

وعليه لابد من ملاحظة مَن رووا عن أبان بن عثمان ممن روى عنهم ابن سماعة وهنا نحتاج أولاً إلى متابعة من رووا عن أبان وهم:

1 - أبو علي بن سالم(2).

2 - أبو محمد الأنصاري(3).

3 - أبو يعقوب(4).

4 - أبو علي البجلي(5).

5 - أبو أحمد الأزدي(6) = أبو أحمد محمد بن زياد الأزدي(7)

= ابن أبي عمير(8)

= محمد ابن أبي عمير(9)

= محمد بن زياد بن عيسى(10)

= محمد ابن زياد بن عيسى بياع السابري(11) = محمد بن زياد(12).

ص: 161


1- لا نلاحظ في هذا المستوى روايات الفهارس لقلتها (7 فقط, 6 للثقات وواحدة لغيرهم).
2- أمالي الصدوق: 755.
3- الكافي: 2/ 609. ذكر في البحار: 73/ 149 رواية أبي عبد الله محمد الأنصاري عن أبان لكنه تصحيف أبي محمد الأنصاري كما في المصدر.
4- كامل الزيارات: 167.
5- كمال الدين: 202.
6- أمالي الصدوق: 187.
7- أمالي الصدوق: 88.
8- المحاسن: 2/ 360.
9- رجال الكشي: 90.
10- تهذيب الأحكام: 9/ 279.
11- الكافي: 5/ 448.
12- تهذيب الأحكام: 2/ 47.

6 - أبو عبيدة معمر بن المثنى(1).

7 - أبي الحسن(2).

8 - ابن أبي نصر(3)

= أحمد بن محمد(4)

= أحمد بن محمد بن أبي نصر(5)

= أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي(6) = أحمد بن محمد البزنطي(7)

= البزنطي(8).

9 - إبراهيم بن عبد الله(9).

10 - إبراهيم بن محمد الثقفي(10).

11 - إبراهيم بن عبد الحميد(11).

12 - أحمد بن الحسن الميثمي(12) = الميثمي(13)

= أحمد بن الميثمي(14).

ص: 162


1- رجال النجاشي: 13, ولعله أخذ عن أبان أخبار العرب وأشعارهم وليس روايات أهل البيت (علیهم السلام) فلم تعهد روايته عنه, مع أن علوم العربية اختصاصه.
2- ثواب الأعمال: 128.
3- تهذيب الأحكام: 2/ 53.
4- تهذيب الأحكام: 1/ 22.
5- الكافي: 1/ 403.
6- أمالي الصدوق: 360.
7- علل الشرائع : 2/ 562.
8- علل الشرائع: 1/ 37.
9- تهذيب الأحكام: 10/ 278.
10- تفسير القمي: 2/ 335.
11- مختصر البصائر: 210.
12- الكافي: 8/ 337.
13- الكافي: 3/ 179
14- التهذيب: 7/ 121.

13 - أحمد بن حمزة(1)

= أحمد بن حمزة العدوي(2).

14 - أحمد بن محمد بن خالد البرقي(3).

15 - أحمد بن أبي حمزة(4).

16 - أحمد بن عديس(5).

17 - أحمد بن عبد الله(6) = أحمد بن عبد الله القروي(7).

18 - إسماعيل بن بزه بن عبد العزيز(8).

19 - بكر بن محمد الأزدي(9).

20 - جعفر بن بشير(10)

= جعفر بن بشير البجلي(11).

21 - جعفر بن سماعة(12).

22 - جعفر بن محمد بن حكيم(13).

ص: 163


1- بصائر الدرجات: 235.
2- الخصال: 645.
3- المحاسن: 2/ 610, لكن الأظهر وقوع سقط في السند فقد روى عنه بكثرة بالواسطة مع أنه من السابعة.
4- بصائر الدرجات : 49.
5- تهذيب الأحكام: 9/ 131.
6- تهذيب الأحكام: 10/ 182.
7- علل الشرائع: 2/ 340.
8- بصائر الدرجات : 91.
9- تهذيب الأحكام: 2/ 326.
10- الكافي: 1/ 400.
11- أمالي الصدوق: 481.
12- الكافي: 5/ 191.
13- تهذيب الأحكام: 1/ 155.

23 - جيفر(1).

24 - الحسن بن علي بن أبي حمزة(2).

25 - الحسن بن علي الخزاز(3).

26 - الحسن بن حماد(4)

= الحسن بن عديس(5).

27 - الحسن بن مخلد(6).

28 - الحسن بن علي بن فضال(7).

29 - الحسن بن علي الوشاء(8)

= الوشاء(9).

30 - الحسن بن علي(10).

31 - الحسن بن محبوب(11).

32 - الحسين بن سعيد(12).

ص: 164


1- بحار الأنوار: 79/ 231, لكن في المصدر (الخصال: 522): جعفر.
2- تفسير القمي: 2/ 370.
3- تفسير القمي: 2/ 308.
4- تهذيب الأحكام: 7/ 130 على نسخة قويناها فيما تقدَّم.
5- الاستبصار: 3/ 291.
6- المحاسن: 2/ 615.
7- تهذيب الأحكام: 6/ 296.
8- الكافي: 1/ 56.
9- الكافي: 1/ 51.
10- الكافي: 4/ 256, وهو أحد من تقدَّم.
11- كامل الزيارات: 41
12- تهذيب الأحكام: 2/ 362, والأقرب وقوع سقط في السند فإنه روى عنه كثيراً بالواسطة, مع أنه من السابعة.

33 - حماد(1).

34 - حماد بن عيسى(2).

35 - حماد بن عثمان(3).

36 - درست(4).

37 - زيد بن المعدل(5).

38 - السندي بن محمد(6)

= السندي بن محمد البزاز(7).

39 - صفوان بن يحيى(8)

= صفوان(9).

40 - ظريف بن ناصح(10).

41 - العباس بن عامر(11)

= العباس بن عامر القصباني(12).

42 - العباس بن معروف(13).

ص: 165


1- الكافي: 4/ 373.
2- المحاسن : 2/ 337.
3- الكافي: 1/ 403.
4- تهذيب الأحكام: 9/ 29.
5- بصائر الدرجات: 48.
6- بصائر الدرجات: 29.
7- تهذيب الأحكام: 2/ 231.
8- المحاسن ج2/ 395.
9- تهذيب الأحكام: 1/ 164.
10- تهذيب الأحكام: 1/ 259.
11- الكافي: 2/ 18.
12- الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد: 275.
13- تهذيب الأحكام: 9/ 182.

43 - عبد الله بن حماد الأنصاري(1).

44 - عبدالله بن عبد الرحمان(2).

45 - عبد الله بن الفضل(3).

46 - عبدالله بن يحيى(4).

47 - عبد الله بن المغيرة(5).

48 - عبيس بن هاشم(6).

49 - علي بن الحكم(7)

= علي بن الحكم بن الزبير(8).

50 - علي بن سيف بن عميرة(9).

51 - علي بن مهزيار(10).

52 - عاصم بن حميد(11).

53 - عيسى الفراء(12).

ص: 166


1- تهذيب الأحكام: 4/ 46.
2- بصائر الدرجات: 363.
3- أمالي الصدوق: 319.
4- أمالي الصدوق: 646.
5- تهذيب الأحكام:3/ 44.
6- الكافي: 3/ 180.
7- الكافي: 1/ 69.
8- مستطرفات السرائر: 565.
9- الغيبة للنعماني: 72, وفي الهامش أن في بعض النسخ "علي بن أبي يوسف عن ابن عمرو".
10- تهذيب الأحكام: 1/ 322.
11- كمال الدين: 223.
12- الكافي: 5/ 124.

54 - فضالة(1)

= فضالة بن أيوب(2).

55 - القاسم(3).

56 - القاسم بن عامر(4).

57 - القاسم بن عروة(5).

58 - القاسم بن محمد(6) = القاسم بن محمد الجوهري(7)

= القاسم الزيات(8).

59 - محسن بن أحمد(9)

= محسن بن أحمد بن معاذ(10).

60 - محسن بن أحمد الميثمي(11).

61 - محسن بن محمد(12).

62 - محمد بن الحسين(13).

63 - محمد بن أحمد(14).

ص: 167


1- الكافي: 3/ 419.
2- الكافي: 1/ 264.
3- تهذيب الأحكام: 3/ 243.
4- تهذيب الأحكام: 4/ 19.
5- تهذيب الأحكام: 1/ 146.
6- بصائر الدرجات: 55.
7- تهذيب الأحكام: 2/ 92.
8- المحاسن: 2/ 548.
9- المحاسن: 2/ 609.
10- الكافي: 8/ 342.
11- أمالي الصدوق: 210, ولعل فيه تصحيف, والصحيح محسن بن أحمد القيسي.
12- بصائر الدرجات: 206.
13- مختصر بصائر الدرجات: 18.
14- المحاسن: 2/ 395.

64 - محمد بن إسماعيل(1).

65 - محمد بن خالد البرقي(2).

66 - محمد بن عمرو(3).

67 - محمد بن سنان(4).

68 - محمد بن القاسم(5).

69 - محمد بن الوليد(6).

70 - محمد بن الوليد الخزاز(7).

71 - محمد بن الوليد شباب الصيرفي(8)

= محمد بن الوليد الصيرفي(9).

72 - محمد بن مروان(10).

73 - موسى بن القاسم(11).

ص: 168


1- كامل الزيارات: 392.
2- المحاسن: 1/ 72.
3- كامل الزيارات: 529.
4- أمالي الصدوق: 708.
5- تهذيب الأحكام: 5/ 410, ولعله مصحف موسى بن القاسم, فقد بدأ به السند.
6- الكافي:3/ 281.
7- تهذيب الأحكام: 2/ 351.
8- الكافي: 1/ 236.
9- علل الشرائع: 1/ 166.
10- الكافي: 2/ 17.
11- تهذيب الأحكام: 5/ 57, مع أنه قد وردت رواياته في موارد عديدة , لكن الظاهر وقوع السقط لأنه من السابعة وأبان من الخامسة ووقوع الخلل فيما نقله الشيخ عن كتاب موسى بن القاسم ليس بعزيز.

74 - النضر بن سويد(1).

75 - النضر بن شعيب(2).

76 - يونس(3)

= يونس بن عبد الرحمان(4).

77 - يحيى بن عمر(5).

وبعد هذه الإحصائية وبملاحظة ما تقدم من بيان مشايخ ابن سماعة يتبين أن من روى عن أبان من مشايخ ابن سماعة هم التالي:

(هذا الجدول يبين مشايخ ابن سماعة الذين رووا عن أبان وإن لم يكن الراوي ابن سماعة, ويبين عدد روايات ابن سماعة عنهم سواء أكانت الرواية عن أبان أو عن غيره - وهو ما نريد حساب الاحتمال بلحاظه في هذا المستوى -, كما ويبين فيه حال الراوي من الوثاقة وعدمها).

1- ابن أبي عمير = 71 رواية(6) = ثقة

2- أحمد بن الحسن الميثمي = 63 رواية = ثقة

3- أحمد بن عديس = 3 روايات = لم يوثق

4- جعفر بن سماعة = 61 رواية = ثقة

5- الحسن بن حماد (الحسن بن عديس) = 5 روايات = لم يوثق

6- الحسن بن علي بن فضال = روايتان = ثقة

ص: 169


1- تهذيب الأحكام: 9/ 223.
2- الكافي: 2/ 410.
3- الكافي: 3/ 302.
4- تهذيب الأحكام: 10/ 32.
5- بصائر الدرجات: 440.
6- ننبه على أن هذه الروايات مأخوذة للراوي بكل عناوينه, ولم تعد روايات الفهارس لقلتها (6 للثقاة و واحدة لغيرهم).

7- الحسن بن محبوب = 25 رواية = ثقة

8- صفوان بن يحيى = 71 رواية = ثقة

9- عبيس بن هاشم = 13 رواية = ثقة

10- فضالة = رواية واحدة = ثقة

11- محسن بن احمد = رواية واحدة = لم يوثق

12- محمد بن سنان = رواية واحدة = لم يوثق

وهل يمكن التغلب على المشكلة من دون الاستعانة بحساب الاحتمال؟ أي بملاحظة أن التعبير بعن غير واحد يدل على الأقل على ثلاثة, هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا وجدنا أن غير الثقات من المشايخ الذين رووا عن أبان وروى عنهم ابن سماعة أقل من ثلاثة يتم المطلوب؟

و لكن من النتائج واضح أن هذه الطريقة عقيمة لأن عدد غير الثقات لا يقل عن ثلاثة.

حساب الاحتمال

اشارة

وهنا لا نحتاج إلى الحساب مرتين مرة بلحاظ كل الروايات وأخرى بلحاظ الوارد منها في كتب الحديث فقط لأن روايات هذه الدائرة في الفهارس قليلة (6 للثقات و واحدة لغيرهم).

أولاً: بلحاظ عدد المشايخ

عدد المشايخ الموثقين = 8, وعدد المشايخ غير الموثقين = 4, والعدد الكلي = 12

قيمة احتمال أن يجتمع ثلاثة من مشايخ ابن سماعة غير المعتمدين = ق43 \ ق123 = 4\220= 1 \ 55

النسبة المئوية = 1.818 % وهي نسبة ضعيفة

ص: 170

ثانياً: بلحاظ عدد الروايات

عدد روايات المشايخ الموثقين = 307, عدد روايات المشايخ غير الموثقين = 10, العدد الكلي للروايات = 317

قيمة احتمال أن يجتمع ثلاثة من مشايخ ابن سماعة غير المعتمدين = ق103 \ ق3173 =120\ 5259030 = 1\ 43825 تقريبا

النسبة المئوية = 0.00228 % وهي ضعيفة جداً

النتيجة وفق هذا المستوى تقبل روايات الوسائط المتعددة سواء كان الحساب بلحاظ عدد المشايخ أو بلحاظ عدد الروايات.

المستوى الثالث:

حساب الاحتمال في خصوص الدائرة الضيقة - خصوص روايات ابن سماعة عن أبان بالواسطة - بملاحظة روايات ابن سماعة عن أبان بالواسطة تبين أن عناوين من توسطوا بينهم كالتالي:

1- أحمد بن الحسن الميثمي = في سبعة وعشرين موضعا [27](1). ثقة .

2- أحمد بن الميثمي = في موضع واحد [1] (2), ثقة.

3- الميثمي = في سبعة مواضع [7](3), ثقة.

4- احمد بن عديس = في ثلاثة مواضع [3](4), لم يوثق .

5- جعفر بن سماعة = في خمسة عشر موضعا [15](5), ثقة.

ص: 171


1- منها : الكافي: 2/ 616.
2- التهذيب: 7/ 121.
3- الكافي: 3/ 179.
4- الكافي: 7/ 39, 8/ 81 ,82.
5- منها: الكافي: 4/ 252.

6- جعفر = في ثلاثة مواضع [3](1), ثقة.

7- الحسن بن عديس = في موضع واحد [1](2), لم يوثق.

8- الحسن بن حماد = في موضع واحد [1](3), لم يوثق .

9- محسن بن أحمد = في موضع واحد [1](4), لم يوثق.

10- فضالة = في موضع واحد [1](5), ثقة.

11- محمد بن أيوب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر = في موضع واحد [1](6), محمد بن أيوب لم يوثق, وابن أبي نصر ثقة.

وهنا أمور لابد من التعرض لها:

الأمر الأول: لا شبهة في اتحاد المعنون بالعناوين الثلاثة الأُوَل.

الأمر الثاني: بناءً على مغايرة جعفر بن سماعة مع جعفر بن محمد بن سماعة يأتي سؤال: مَن منهما المقصود بعنوان جعفر الوارد مجردا؟ والثمرة تظهر في زيادة عدد المشايخ لو قلنا بأنه الثاني.

وقد كنا قوينا أنه جعفر بن سماعة لكثرة روايات ابن سماعة عنه لكن يمكن أن يقال هناك شاهد على أنه جعفر بن محمد بن سماعة, وهو سند أورده الشيخ في كتابيه(7)

هكذا (عنه - الحسن بن محمد بن سماعة - عن جعفر عن أبيه عن إسحاق بن عمار قال: أظنه عن عبد الله بن جذاعة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام)

ص: 172


1- منها: التهذيب: 7/ 205.
2- الاستبصار: 3/ 291.
3- التهذيب: 7/ 130 على نسخة هي الأقرب.
4- الكافي: 2/ 608.
5- التهذيب: 7/ 114, الاستبصار: 3/ 99.
6- الكافي: 8/ 126.
7- التهذيب: 7/ 113, الاستبصار: 3/ 99.

عن السيف المحلى بالفضة .. الحديث), فالملاحظ أنه قال: (عن جعفر عن أبيه), والذي أبوه من الرواة هو جعفر بن محمد بن سماعة, وأما أبو جعفر بن سماعة فلا يعلم أنه من الرواة أصلاً, فتأمل.

الأمر الثالث : تقدّم البناء على اتحاد الحسن بن عديس مع الحسن بن حماد عند الحديث في المستوى الأول والثمرة تظهر في عدد المشايخ.

الأمر الرابع: قد يناقش في توسط فضالة بين ابن سماعة وأبان, وذلك بأن يقال إن الرواية التي وقع فيها فضالة متوسطا بينهما في التهذيبين وردت نفسها في الكافي(1)

وفيها (عن غير واحد) بدلاً من (عن فضالة) مما يرفع الوثوق بتوسطه بينهما, لكن يمكن دفع ذلك بخطوتين:

1- إنما يرتفع الوثوق لو كان الشيخ قد نقلها عن الكافي فعندها لقائل أن يقول إن وجود عنوان فضالة في نسخة الشيخ من الكافي لا يكفي بالوثوق بوجوده فعلاً ما دامت النسخ الأخرى - ومنها مصادر المطبوع- غير مشتملة على ذلك, لكن الشيخ لم ينقلها عن الكافي, وإنما نقلها من كتاب الحسن بن محمد بن سماعة؛ لأنه ابتدأ السند باسمه.

لا يقال: هذا وجيه لو كان الشيخ ملتزماً بذلك على نحو الموجبة الكلية لكن الشواهد على مخالفة الشيخ لذلك موجودة.

فإنه يقال: صحيح, ولكن هذا لا يجري في الجميع وما يمكن الخروج بلحاظه عن تصريح الشيخ هو من قامت القرائن على عدم وجود كتابه عند الشيخ أو قامت قرينة في موضع خاص أنه لم ينقله عن كتاب من ابتدأ باسمه وإن كان كتابه من مصادر الشيخ في تأليف التهذيبين, وفتح الباب أكثر من هذا بلا دليل وموجب لعدم حجية أكثر التهذيبين. وكتاب الحسن بن محمد بن سماعة مما

ص: 173


1- الكافي: 5/ 250.

يوثق بتوفر الشيخ عليه عند تأليفه للتهذيبين.

2- أن هذا المورد إلى كونه شاهداً على أن التعبير بغير واحد جاء من الكليني (قدس سره) أقرب منه إلى نسبة الخلل في التهذيب.ولبيان ذلك أقول:

لا ترفع اليد عن حجية خبر الثقة إلا بمدرك من قرينة رافعة للوثوق أو تعارض ونحوه وفي المقام يوجد احتمال معتد به للاختلاف في النقل لا يرتفع معه الوثوق بالنقلين فلا وجه للتنازل عن حجيتهما, وهو: أنه لما كان الكليني قد روى الرواية عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة, والشيخ قد ابتدأ فيها بالحسن بن محمد بن سماعة وطرقه إليه تنتهي إلى حميد بن زياد عن ابن سماعة(1) وحيث إن ابن سماعة وحميد موجودان في الطريقين يستبعد أن يكون منشأ الاختلاف أحدهما كأن ينقل ابن سماعة الرواية إلى حميد مرتين إحداهما عن فضالة والأخرى عن غير واحد, وحميد بدوره ينقل الأول لمن وقع في طريق الشيخ(2) وينقل الثاني للكليني, أو أن ابن سماعة ينقل عن ثلاثة بأسمائهم, ولكن حميد ينقل للكليني عن الثلاثة مجملاً, وينقل لمن وقع في طريق الشيخ واسطة واحدة - فضالة - ويهمل البقية, فكلا الفرضين بعيدان وإن كان الأول أبعد, فالأقرب أن يكون الكليني قد روى كتباً لجمع من مشايخ ابن سماعة عن طريق حميد بن زياد وهذه الكتب تشتمل على هذه الرواية, فبطبيعة

ص: 174


1- التهذيب: 10/ 75 من المشيخة قال: (وما ذكرته في هذا الكتاب عن الحسن بن محمد بن سماعة فقد اخبرني به أحمد بن عبدون عن أبي طالب الأنباري عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة ، وأخبرني أيضا الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد ابن عبدون كلهم عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة).
2- الأنباري والبزوفري.

الحال لما أراد ذكر الطرق للرواية تبين له أن ابن سماعة يرويها عن أبان بأكثر من طريق فذكر الطرق على نحو الإجمال اعتماداً على معلوميتها آنذاك مثلاً, أما الشيخ أو من وقع بينه وبين حميد في طريقه إلى ابن سماعة فلم يتوفر إلا على واحد من كتب تلكم الجماعة مما اشتمل على هذه الرواية - كتاب فضالة - فبطبيعة الحال يذكر طريقاً واحداً أو توفر على غيره لكنه لم يشأ ذكر كل الطرق اختصاراً مثلا أو لم يلتفت إلى تكرر الرواية - وفرق بين عدم الالتفات إلى تكرر الرواية والاشتباه في نقل ما هو مكتوب أو في سمع ما يلقى, فالاشتباه يدفعه أصل عقلائي في حين لا أصل يثبت الإلتفات إلى التكرر-.

وعليه لا موجب لرفع اليد عن ما ورد في التهذيبين, ولا وجه لنسبة الخلل إلى ما نقل فيهما.

مضافاً إلى أن الخطين ليسا متقاربين ففرق بين (عن غير واحد) و (عن فضالة).

الأمر الخامس: التعبير ب- (عن غير واحد) ظاهر بتعدد الواسطة في عرض واحد أما تعدد الوسائط طولاً وعرضاً فغير ظاهر منه, وعليه لا يكون المورد الأخير - محمد بن أيوب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر - داخلاً في الحساب.

نتيجة هذه الأمور هي أن المشايخ وعدد الروايات في هذا المستوى كالتالي:

(1) أحمد بن الحسن الميثمي = في خمسة وثلاثين موضعاً [35] ثقة.

(2) أحمد بن عديس = في ثلاثة مواضع [3], لم يوثق.

(3) جعفر بن سماعة = في خمسة عشر موضعاً [15], ثقة.

(4) جعفر = في ثلاثة مواضع [3], ثقة.

(5) الحسن بن حماد = الحسن بن عديس = في موضعين [2], لم يوثق.

(6) محسن بن أحمد = في موضع واحد [1] , لم يوثق.

ص: 175

(7) فضالة = في موضع واحد [1](1), ثقة.

الملاحظ أن عدد غير الثقات لا يقل عن ثلاثة فأيضا لا ينفع التعبير بغير واحد بحد ذاته لحل المشكلة .

حساب الاحتمال

بلحاظ عدد المشايخ

إذا بنينا على اتحاد عنوان جعفر مع عنوان جعفر بن سماعة - إما لأن المراد بهما جعفر بن محمد بن سماعة أو لأن المراد بهما غيره - يكون عدد المشايخ الثقات ثلاثة وعدد المشايخ غير الثقات ثلاثة والعدد الكلي ستة، وعليه قيمة احتمال اجتماع ثلاثة من المشايخ غير الموثقين = 3\6 × 2\5 × 1\4 = 1\20

النسبة المئوية = 5% وهي كبيرة

وإذا بنينا على عدم الاتحاد - المراد بجعفر هو جعفر بن محمد بن سماعة وهو غير جعفر بن سماعة - يكون عدد المشايخ الثقات أربعة وعدد المشايخ غير الثقات ثلاثة والعدد الكلي سبعة

وعليه قيمة احتمال اجتماع ثلاثة من المشايخ الموثقين = 3\7 × 2\6 × 1\5 = 1\35

النسبة المؤية = 857ر2 % وهي نسبة ضعيفة

بلحاظ عدد الروايات

وهنا لا نحتاج إلى الحساب مرتين مرة بلحاظ كل الروايات وأخرى بلحاظ الوارد منها في كتب الحديث, لأن روايات هذه الدائرة موجودة في كتب الحديث فقط, كما أنه لايؤثر البناء على اتحاد جعفر مع جعفر بن سماعة وعدمه فكلاهما ثقة.

ص: 176


1- التهذيب: 7/ 114, الاستبصار: 3/ 99.

وعليه لما كان عدد الروايات جميعا [60] وعدد روايات الضعاف[6] فقط ستكون النتائج كالتالي:

قيمة احتمال كون أحد الوسائط من غير الثقة هي ق61 \ ق601 = 6\60 = 1\ 10

النسبة المئوية = 10 % وهي عالية

وقيمة احتمال اجتماع ثلاث وسائط كلهم من غير الموثقين = ق63 \ ق603 = 20 \ 34220 =1 \ 1711

النسبة المئوية = 0.0584 % وهي ضعيفة لا يعتنى بها.

وهذه النسبة هي التي ينبغي اعتمادها على الأقوى كما تقدّم في النقطة الخامسة من الأمر الثالث.

بقي شيء: حصول الاطمئنان الشخصي بوجود الثقة في موارد عن غير واحد من روايات ابن سماعة قريب جداً لمن يراجع روايات ابن سماعة, وذلك بملاحظة أنه في جميع الموارد التي تكررت فيها الواسطة بين ابن سماعة وأبان أو غير أبان دائماً يوجد ثقة أو أكثر, بل غير الثقة دائماً واحد لا أكثر.

النتيجة النهائية : تحصل مما تقدَّم أن الأقرب هو اعتبار روايات ابن سماعة عن غير واحد عن أبان بن عثمان بل عن غيره لو وجدت.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

ص: 177

الملحق الأول: من هو المراد بمحمد بن زياد الذي يروي عنه الحسن بن محمد بن سماعة؟

هناك كلام في تعيين محمد بن زياد الذي يروي عنه الحسن بن محمد بن سماعة فهل هو محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى الأزدي بياع السابري أو محمد بن الحسن بن زياد العطار؟ ولعل أصل إثارة احتمال أنه محمد بن الحسن بن زياد العطار ما ذكره الأستر آبادي في الوسيط(1)

في عنوان محمد بن الحسن بن زياد العطار, قال:"عنه الحسن بن محمد (جش). وقال في آخر سنده: عن محمد بن زياد, وهو يعطي أنه ينسب إلى جده وهو يقع كثيراً, وقد ورد في التهذيب: الحسن بن محمد عن محمد بن زياد كثيراً فلا يبعد أن يكون هو المراد, فتدبر".

وكيفما كان, بعد الفراغ عن ثبوت رواية الحسن بن محمد بن سماعة بالمباشرة عن محمد ابن أبي عمير(2)

وعن محمد بن الحسن بن زياد العطار(3)

يقع الكلام في تعيين محمد بن زياد الذي يروي عنه الحسن بن محمد بن سماعة:

بدواً يحتمل أنه محمد بن أبي عمير, كما يحتمل أنه محمد بن الحسن بن زياد العطار, وهناك شواهد للطرفين(4),

بيان ذلك:

الشاهد على كون المراد من محمد بن زياد الذي يروي عنه ابن سماعة

محمد بن الحسن بن زياد العطار هو ما يظهر من النجاشي في ترجمة محمد بن

ص: 178


1- حكاه في مشايخ الثقات الحلقة الأولى: 63.
2- كما في خمسة مواضع بعناوين متعددة ذكرناها في الملحق, منها ما في الكافي: 7/ 8.
3- كما في خمسة مواضع بعنوانين ذكرناهما في الملحق منها ما في الكافي: 7/ 126.
4- مستخلصة من نقد الرجال: 4/ 174، وجامع الرواة: 2/ 91، وإكليل المنهج: 441، والمعجم: 16/ 229.

الحسن بن زياد العطار(1)

من أن الحسن بن محمد - وهو ابن سماعة - روى كتاب محمد بن الحسن بن زياد العطار بعنوان محمد بن زياد, فإنه بعد أن ذكر في العنوان محمد بن الحسن بن زياد العطار ذكر في طريقه إليه هكذا " أخبرنا أحمد بن عبد الواحد قال: حدثنا علي بن حبشي، عن حميد, قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا محمد بن زياد بكتابه" فهو ظاهر بأن الحسن بن محمد أطلق محمد بن زياد في السند وأراد به محمد بن الحسن بن زياد العطار, بل يكفي أن النجاشي أو بعض من وقع في الطريق أطلق محمد بن زياد على محمد بن الحسن ابن زياد العطار, فهو يدل على تعارفه, وبالنتيجة يرجح على احتمال كونه ابن أبي عمير.

ويؤيد ذلك ما يظهر من رجال ابن داود من أن محمد بن زياد العطار هو محمد بن الحسن بن زياد العطار ففيه دلالة على أنه قد ينسب إلى جده, قال السيد الخوئي

(قدس سره) (2)

- تبعاً للتفريشي(3)

-: "ويؤكد ذلك، أن ابن داود ذكر محمد بن الحسن بن زياد العطار، وقال فيه: (كش) (كر) (ق) ثقة. وكلمة (كش) في كلامه، محرف (جش) جزماً، ثم ذكر بعد ذلك بقليل محمد بن زياد العطار، وقال: (كش) ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله (علیه السلام) . وكلمة (كش) فيه محرف أيضاً، فيعلم من ذلك، أن محمد بن زياد العطار، هو محمد بن الحسن بن زياد العطار بعينه ".

وفي قبال ذلك شواهد عديدة على أنه محمد بن أبي عمير هي:

1- ما أورده الشيخ الطوسي في التهذيب(4)

قال: "ما رواه الحسن بن سماعة

ص: 179


1- رجال النجاشي: 369.
2- المعجم: 16/ 229.
3- في النقد: 4/ 174.
4- التهذيب: 9/ 395.

عن محمد بن زياد ومحمد بن الحسن العطار عن هشام عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن مملوك أعتق سائبة قال..." وأورده في الاستبصار(1)

إلا أن فيه " محمد بن زياد عن محمد بن الحسن العطار" ففيه قرينة واضحة على مغايرة محمد بن زياد لمحمد بن الحسن العطار, ولا يؤثر الاختلاف فيما وقع بين عنوانيهما من لفظ, فسواء كان "و" أو "عن" فالدلالة على المغايرة واضحة.

2- رواية محمد بن زياد عن أشخاص روى عنهم ابن أبي عمير ولم يروِ عنهم محمد بن الحسن العطار كالحسين بن مصعب الهمداني(2)

فإن محمد بن زياد راوي كتاب الحسين بن مصعب في طريق الشيخ في الفهرست(3)

هذا من جهة, ومن جهة أخرى لم ترد رواية لمحمد بن الحسن العطار عن الحسين ابن مصعب, ووردت رواية ابن أبي عمير عنه في خمسة مواضع(4).

3- في طبقة واحدة إذا تطابق عنوانان وكان المعنون بأحدهما أشهر فالقاعدة أن المشهور لا يقيد, ويقيد غيره, وحيث إن محمد بن أبي عمير أشهر بكثير من العطار, بل العطار ليس مشهوراً أصلاً, فابن أبي عمير هو المراد من محمد بن زياد لو أطلق.

أقول: المدعى وجود قرينة على الخلاف فلا ينفع الأصل والقاعدة.

4- لما ورد محمد بن زياد مقيداً - مثلاً محمد بن الحسن بن زياد العطار- وأريد به محمد بن الحسن العطار كان المراد منه إذا أطلق ابن أبي عمير.

ص: 180


1- الاستبصار: 4/ 199.
2- وذكروا غيره كمعاوية بن عمار وعبد الله بن سنان وغيرهم لاحظ مشايخ الثقات الحلقة الأولى ص65 .
3- الفهرست: 112.
4- الكافي: 5/ 132, 8/ 261, أمالي الصدوق: 318, الخصال : 128, 271.

أقول: فيه ما لا يخفى فقد ورد محمد بن زياد مقيداً وأريد به محمد بن أبي عمير مثل محمد بن زياد ابن عيسى كما تقدم.

5- كثرة رواية محمّد بن زياد في هذه الطبقة دليل على أنّه من الرواة المشهورين فيها، فبأيّ شيء اختصّت كثرة الرواية عنه بالحسن بن سماعة دون غيره؟ فهذا يشهد بأن المراد منه محمد ابن أبي عمير الذي هو مشهور وروى عنه الكثيرون, لكن ابن سماعة اختار هذا العنوان ويشاركه في ذلك الطاطري الذي علمه مذهب الوقف, وكذلك علي بن أسباط, ولعل اختياره ناشيء من التعصب, فلم تطب أنفسهم بتكريم من يخالفهم ولو بمستوى تكنية أبيه, فليتأمل!

6- روى عن محمد بن زياد من لم يروِ عن محمد بن الحسن بن زياد العطار وروى عن محمد بن أبي عمير مثل أحمد بن محمد بن عيسى, فإنه روى عن محمد بن زياد(1),

وروى عن محمد بن أبي عمير(2),

ومثل إبراهيم بن هاشم فإنه روى عن محمد بن زياد(3)

وروى عن محمد بن أبي عمير كثيراً(4).

وهناك مناقشة في الاستفادة من كلام النجاشي لإثبات كون المراد من محمد ابن زياد محمد بن الحسن بن زياد العطار ذكرها الشيخ عرفانيان(5)

بثلاث نقاط هي:

1- أن سند النجاشي إلى كتاب العطار ضعيف بعلي بن حبشي.

وفيه: أن ضعف السند لا يؤثر دائماً, فحتى الكذاب لا يخرج عن الأسماء

ص: 181


1- كما في الكافي: 2/ 192/ح2، وفي الكافي: 2/ 193/ح3.
2- كما في رجال النجاشي في ترجمة الحسن بن زياد العطار: 47.
3- كما في الكافي: 2/ 193/ذيل ح3، وفي الكافي: 2/193/ح4.
4- كما في الكافي: 1/ 33, 38, 40, 43.
5- في مشايخ الثقات الحلقة الاولى: 64 وما بعدها.

المعروفة للرواة.

2- أن النسبة إلى الجد فيما لا يكون الانتساب مشهوراً, ولم تقم قرينة واضحة على الانتساب لا يصار إليها, وإلا لكان المصير إلى دعواها مصيراً إلى دعوى بلا بينة وبرهان.

وفيه: أن الكلام في استكشاف الشهرة من كلام النجاشي, مع أنه يكفي أن نفهم أن هذا مراد عند ابن سماعة ولو على نحو التعبير الخاص به.

3- أن العبارة ليست ناصَّة في النسبة إلى الجد, وإنما هي تحتملها, كما أنّها تحتملُ التقدير والحذف أو السقط وأشباه ذلك, بل يمكن دعوى: أن العبارة قوية الاحتمال في أن محمد بن زياد حدّث ابن سماعة بكتاب محمد بن الحسن بن زياد.

أقول: يمكن أن يقال إن التشكيك ليس في محله, فلو لم يكن هناك من يشترك بهذا الاسم هل يتوقف أحد في كون المراد من محمد بن زياد في الأسانيد هو محمد بن الحسن بن زياد العطار؟! ثم أين روايات محمد بن أبي عمير عن العطار؟! ولو كان راوياً لكتابه لانعكس عادة.

مع أنه يمكن أن يقال إن هذه الدعوى مخالفة لما هو ديدن النجاشي في ذكر طرقه إلى أصحاب الكتب, فإنه في آخر الطريق يذكر اسم صاحب الكتاب ضمن السند مثلا في ترجمة سليم بن قيس(1)

قال في آخر الطريق "عن سليم بن قيس بالكتاب" وفي ترجمة الأصبغ بن نباتة(2)

قال في آخر الطريق "عن الأصبغ بالوصية" وفي ترجمة إبراهيم بن صالح الأنماطي(3)

قال في آخر الطريق "عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك عنه" وهكذا.

ص: 182


1- رجال النجاشي: 8.
2- رجال النجاشي: 8.
3- رجال النجاشي: 15.

لكن هذا ليس دائماً فقد لا يذكر كما في ترجمة أبان بن عمر الأسدي(1),

قال في آخر الطريق "عن عبيس بن هشام بكتاب أبان بن عمر الأسدي", ولم يقل "عن عبيس بن هشام عن أبان بن عمر الأسدي بكتابه".

بل يمكن أن يقال إن النجاشي عند إيراد أسماء أصحاب الكتب في آخر طرقه إلى كتبهم لا يراعي الأسماء الواردة في الأسانيد وإنما يكتفي بأي عنوان ويعتمد على قرينة أن الترجمة له, فمثلاً في ترجمة أبان بن عثمان الأحمر البجلي(2)

قال في آخر الطريق الأول "حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بها", و قال في آخر الطريق الثاني "حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بكتبه" ولو تم ما ذكر لاقتضى أن تكون روايات ابن أبي نصر عن أبان من كتاب أبان كلها بعنوان أبان, في حين إذا رجعنا إلى الأسانيد نجد روايات أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بعنوان أبان بن عثمان كثيرة جداً, بل لعلها تزيد على رواياته عنه بعنوان أبان, مما لا يبقي مجالاً للقول بأنها جميعاً ليست من كتاب أبان.

ويمكن أن يقال بالفرق بين الحذف من آخر الاسم اختصاراً اعتماداً على قرينة الترجمة وبين النسبة إلى الجد فهو ليس اختصاراً معهوداً, ولا يكاد يصح لو لم يكن التعبير به معهوداً, فليتأمل !

هذا وقد ذكر الشيخ عرفانيان بعد ذلك قرائن بعضها تفصيل, أو مصاديق أخرى لبعض ما ذكر في النقد والإكليل, وبعضها لا يتم لوحده يفيد الاطلاع عليها في ترسيخ الوثوق بكون المراد من محمد بن زياد من غير تقييد محمد بن أبي عمير.

هذه شواهد الطرفين والأقوى شواهد أنه محمد بن أبي عمير فانها مجتمعة

ص: 183


1- رجال النجاشي: 14.
2- رجال النجاشي: 13.

- مع أن فيها ما هو تام بنفسه- تمنع من الاعتماد على شاهد كونه العطار لو تم بنفسه مع أنه ليس بذلك الوضوح كما ظهر مما تقدم.

وما ذكر عن ابن داود لا يبعد فيه الاشتباه كما أشير إليه في النقد(1)

وجامع الرواة(2),

فإنه لا وجود لعنوان محمد بن زياد العطار.

وهذا الكلام لا تظهر له ثمرة عملية هنا, فإن العطار وابن أبي عمير كلاهما ثقة, غايته لأيهما تعد روايات محمد بن زياد, وإنما تظهر ثمرة البحث في توثيق من يروي عنه محمد بن زياد لو قلنا إنّه ابن أبي عمير بناءً على قبول أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة, ولا تعد رواية محمد بن زياد عن شخص توثيقاً لو قلنا إنّه العطار أو ترددنا في ذلك.

ص: 184


1- نقد الرجال: 4/ 207.
2- جامع الرواة: 2/ 114.

الملحق الثاني: في تعيين جعفر بن سماعة

ورد عنوان جعفر بن سماعة كثيراً في أسانيد الروايات, ووقع كلام في المراد منه, هل المراد منه جعفر بن محمد بن سماعة أخو الحسن بن محمد بن سماعة ذكر منسوباً لجده أو المراد منه شخص آخر؟

ذهب الكثير من الرجاليين إلى الاتحاد كالسيد التفريشي(1)

والأردبيلي(2)

والوحيد البهبهاني(3)

والحائري(4)

والكرباسي(5)

والسيد علي البروجردي(6)

وأبي القاسم النراقي(7)

والسيد الخوئي (8) والأبطحي(9)

وعرفانيان(10)

وغيرهم(11).

وذهب آخرون إلى عدم الاتحاد كالشيخ علي النمازي الشاهرودي(12)

ولم يستبعده المجلسي(13).

ص: 185


1- نقد الرجال: 1/ 344.
2- جامع الرواة: 1/ 152.
3- التعليقة : 105, 109.
4- منتهى المقال (رجال أبي علي الحائري): 2/ 247.
5- إكليل المنهج: 161.
6- طرائف المقال: 1/ 288.
7- شعب المقال: 60.
8- المعجم: 5/ 38.
9- تهذيب المقال: 4/ 372.
10- مشايخ الثقات الحلقة الثانية: 192.
11- في رجال الحائري: 2/ 247: " في الحاوي والمجمع أيضا أنّهما واحد، واستظهره في النقد وحكم به في الوجيزة، ثمّ قال: وقيل: ضعيف غيره . وليس بذلك البعيد".
12- مستدركات علم رجال الحديث: 1/ 161.
13- كما تقدم نقله عن الحائري في هامش سابق.

ويمكن أن يقال إنه ليس جعفر بن محمد بن سماعة ويدل على ذلك مضافاً إلى ظاهر التعبير أمور:

الأول: ما نقله الشيخ الطوسي في الاستبصار(1) " قال الحسن بن سماعة وسمعت جعفر بن سماعة وسئل عن امرأة طلقت على غير السنة ألي أن أتزوجها؟ فقال: نعم فقلت له: أليس تعلم أن علي بن حنظلة روى: إياكم والمطلقات ثلاثاً على غير السنة, فإنهن ذوات أزواج؟ فقال: يا بني رواية علي بن أبي حمزة أوسع على الناس, قلت: فأيش روى؟ قال: روى علي بن أبي حمزة...الخ" ومثله في التهذيب(2), ففي قوله للحسن (يا بني) دلالة على أنه ليس أخاه فالأخ لا يقول لأخيه يا بني وإن كان أصغر منه إلا بعناية كبيرة ولا يكفي مجرد العلو في الرتبة.

الثاني: التصريح في كونه عمه في الكافي (7/ 129) قال: "حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد ابن سماعة، عن عمه جعفر بن سماعة، عن مثنى عن عبد الملك بن أعين، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: ليس للنساء من الدور والعقار شيء".

هذا ولكن لم يثبت وجود لفظة "عمه" فإنها وإن وجدت في المطبوع وفي خمس نسخ من الكافي(3) وهو الموافق للوسائل(4), إلا أنه قد خلت منها خمس نسخ أخرى وفيها ما يعد من أقدم النسخ في المقام(5)، وفي الوافي(6) "عن أخيه" بدل "عن عمه" مما يعني خلو نسخته من لفظة "عمه".

ص: 186


1- الاستبصار: 3/ 292.
2- التهذيب: 8/ 58.
3- الكافي: 13/ 649 (الهامش) طبعة دار الحديث.
4- الوسائل: 26/ 209.
5- الكافي: 13/ 649 (الهامش) طبعة دار الحديث.
6- الوافي: 25/ 782.

الثالث: ما أشار إليه الوحيد(1)

من غرابة كون الابن من أصحاب الصادق (علیه السلام) والأب من أصحاب الرضا (علیه السلام) , فمحمد بن سماعة عد من أصحاب الرضا (علیه السلام) , فإذا أريد بجعفر بن سماعة الذي هو من أصحاب الصادق (علیه السلام) جعفر بن محمد بن سماعة لزم ما ذكر.

لكن مضافاً إلى الإشكال في أصل كون جعفر بن سماعة من أصحاب الصادق (علیه السلام) -حيث إن واقع الروايات لا يساعد على ذلك فإنه لم يعثر على رواية جعفر بن سماعة عن الصادق (علیه السلام) بالمباشرة إلا في مورد واحد(2)-

يأتي ما ذكره الحائري في رجاله(3)

من أن الصحبة لا تعني أكثر من الرواية, فلو أن محمد ابن سماعة عاصر الصادق (علیه السلام) ولم يرو عنه لا يعد في أصحابه, واستشهد قائلا: " قول الشيخ في بعض التراجم: (عاصره ولا أدري روى عنه أم لا). وقوله في أوّل رجاله: (ولمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) : لم) ينادِ بذلك, وهذا الحسن بن محمّد بن سماعة لم يذكره إلَّا في ظم - أي في أصحاب الكاظم (علیه السلام) - مع أنّه أدرك الرضا والجواد (علیهما السلام) ، بل والهادي والعسكري (علیهما السلام) ... "

الرابع: ما أشار إليه الوحيد أيضاً من وجود روايات توسط فيها صفوان بين الحسن بن سماعة وجعفر بن سماعة(4).

ويمكن أن يجاب بأن النجاشي(5)

نص على أن جعفر بن محمد بن سماعة أكبر من إخوته (أخويه), فيمكن أن يكون من الطبقة السادسة, فيمكن أن يروي عنه صفوان, فالطبقة الواحدة تروي عن بعضها البعض.

ص: 187


1- التعليقة: 105 ذكره كإشكال على عده في أصحاب الصادق (قدس سره) وليس تشكيكاً في الاتحاد لأنه عاد والتزم بالاتحاد في: 109.
2- الإمامة والتبصرة: 38، وذكرها في كمال الدين: 232.
3- منتهى المقال (رجال أبي علي الحائري): 2/ 247.
4- التهذيب: 3/ 85.
5- رجال النجاشي: 119.

وفي مقابل ذلك استدل السيد الخوئي (قدس سره) (1) على كون المراد أخاه - على تقدير التسليم بوجود عم للحسن باسم جعفر بن سماعة - بوجهين حاصلهما:

(1) جعفر بن سماعة مجهول وجعفر بن محمد بن سماعة صاحب كتاب والحسن بن محمد ابن سماعة روى نوادر أخيه وهو كتاب كبير كما في رجال النجاشي(2), فلو لم نقل بأن المراد من جعفر بن سماعة في الأسانيد هو جعفر بن محمد بن سماعة لزم أمرٌ بعيدٌ عادةً وهو كثرة روايته عن مجهول لم يرو كتابه وندرة روايته عمن روى كتابه, فلم يرو عن جعفر بن محمد بن سماعة إلا في موردين في الاستبصار(3).

أقول: لماذا لا نجعل كثرة رواية جعفر بن سماعة دليلا على شهرته, ولا ينافيه عدم ذكره في رجال النجاشي؛ لأنه ليس من أصحاب الكتب مثلاً. ثم كون الراوي صاحب كتاب لا يلازم كونه مشهوراً.

(2) الروايتان أعلاه وردتا في التهذيب(4) وفيهما جعفر بن سماعة بدل جعفر بن محمد بن سماعة وليس لاختلاف تعبير الشيخ في كتابيه وجه إلا بناءً على انصراف جعفر بن سماعة إلى جعفر بن محمد بن سماعة ليكون ما في التهذيب معتمداً على الانصراف لو كان ما في المصدر جعفر بن محمد بن سماعة, ويكون ما في الاستبصار تبييناً لما في المصدر, إذا كان الموجود فيه اعتماداً على الانصراف جعفر بن سماعة.

أقول: لماذا حبى الشيخ هذين الموردين بالتبيين وفي الاستبصار فقط؟!

ص: 188


1- المعجم: 5/ 38.
2- رجال النجاشي: 119.
3- الاستبصار: 4/ 178, 179.
4- التهذيب: 8/ 336, 339.

وهناك وجه ثالث ذكره السيد الخوئي (قدس سره) أيضاً وهو أنه من البعيد جداً عدم

تعرض الشيخ لمن هو شهير في الرواية - يعني جعفر بن محمد بن سماعة, فإنه لم يذكر في الفهرست ولا في الرجال - لكن هل ذكر الشيخ كل أصحاب الكتب؟! وهل كل صاحب كتاب مشهور؟!

ووجه رابع يمكن استخراجه مما ورد في التهذيب(1) "قال محمد بن الحسن: الذي أعتمده في هذا الباب وأفتي به أن المختلعة لا بد فيها من أن تتبع بالطلاق وهو مذهب جعفر بن سماعة والحسن بن سماعة وعلي بن رباط وابن حذيفة من المتقدمين، ومذهب علي بن الحسين من المتأخرين، فأما الباقون من فقهاء أصحابنا المتقدمين فلست أعرف لهم فتيا في العمل به ولم ينقل منهم أكثر من الروايات التي ذكرناها وأمثالها، ويجوز أن يكونوا رووها على الوجه الذي نذكر فيما بعد وإن كان فتياهم وعملهم على ما قلناه".

تقريب الوجه أن هذا الكلام كالصريح بأن جعفر بن سماعة من فقهاء أصحابنا المتقدمين فكيف يمكن أن يراد به رجل مجهول!.

وفيه ما تقدم من أنه لماذا لا نعتبر هذا دليلاً على شهرة جعفر بن سماعة.

النتيجة أنه لم يتم وجه بما يركن إليه على الاتحاد والأصل مع المغايرة.

والثمرة إنما تظهر لو أريد حساب الاحتمال بحسب عدد المشايخ ولكنه ليس المختار كما تقدم, وأما من حيث الوثاقة فلا ثمرة عند من يقبل وثاقة مشايخ ابن أبي عمير وأخويه, فإن صفوان قد روى عن جعفر بن سماعة(2)

كما تقدَّم.

ص: 189


1- التهذيب: 8/ 97.
2- التهذيب: 3/ 85.

الملحق الثالث: هل يمكن أن يروي من كان من الطبقة السابعة عن وهيب بن حفص؟

اشارة

قد يشكل بأن وهيب بن حفص من الخامسة فلا يمكن لمن هو من السابعة أن يروي عنه.

لكن الظاهر عدم تمامية الإشكال, ولنتكلم في مقامين:

المقام الأول: في أصل كون وهيب من الطبقة الخامسة

والأساس الذي أعتمد عليه في إثبات أن وهيب من الطبقة الخامسة هو روايته عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) , لكنه مما يمكن المناقشة فيه.

ولنتكلم تارة بناءً على عدم اتحاد وهيب بن حفص مع وهب بن حفص وأخرى بناءً على الاتحاد.

أما بناءً على عدم الاتحاد فرواية وهيب بن حفص عن أبي عبد الله (علیه السلام) بالمباشرة مما يمكن الخدش فيها, فإنه وإن ذكر النجاشي في ترجمته أنه "روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ووقف " وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (علیه السلام) إلا أن ذلك لم يتمثل في الروايات في المصادر الحديثية لا الفقهية ولا غيرها.

نعم, ورد في الفقيه(1) " وروى وهيب بن حفص عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: البقرة والبدنة تجزيان عن سبعة نفر إذا كانوا من أهل بيت أو من غيرهم "

لكنه (قدس سره) بنفسه أوردها في الخصال(2) والعلل(3) وفيها "عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ", و كذلك أوردها الشيخ في

ص: 190


1- الفقيه: 2/ 491.
2- الخصال: 356.
3- علل الشرائع: 2/ 441.

التهذيب(1) والاستبصار(2) كما في الخصال والعلل مع اختلاف في المتن.

وعليه لا يحصل الوثوق بما ذكره النجاشي من روايته عن أبي عبد الله (علیه السلام) , وعد الشيخ إياه من أصحاب الصادق (علیه السلام) فلا يتم ما رتب عليه من كونه من الطبقة الخامسة(3), هكذا يمكن أن يقال.

ولكن يمكن المناقشة بأن روايته عن الصادق (علیه السلام) ليس لها موضوعية, وإنما هي كاشفة عن كونه من الخامسة, ويمكن الاستدلال على أنه من الخامسة بأمرين آخرين:

الأول: أنّ الأعم الأغلب من روايات وهيب بن حفص هي عن أبي بصير, وهو ممن لم يتأخر بعد الصادق (علیه السلام) بل مات بعد وفاة الصادق (علیه السلام) بسنتين أي

ص: 191


1- التهذيب: 5/ 208.
2- الاستبصار: 2/ 266.
3- تجدر الإشارة إلى أنه وردت رواية في التهذيب(6/ 200) محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن وهيب بن حفص عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يشارك الرجل على السلعة ويوليه عليها قال: إن ربح فله وإن وضع فعليه، قال: وسألته عن مملوك يشتري ويبيع قد علم بذلك مولاه حتى صار عليه مثل ثمنه قال: يستسعى فيما عليه . وأورد ذيلها في الاستبصار (3/ 12) محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن وهب بن حفص عن أبي جعفر (علیه السلام) قال سألته عن مملوك يبيع ويشتري قد علم بذلك مولاه حتى صار عليه مثل ثمنه قال: يستسعى فيما عليه. لكن لم يرد في غير هذا المورد ولم يذكر أي واحد من الرجاليين رواية وهيب بن حفص عن أبي جعفر (علیه السلام) فمن المطمأن به وقوع خلل في السند ومما يؤيد ذلك ورود رواية في التهذيب (7/ 187) من غير البعيد أنها نفس صدر هذه الرواية ورد فيها هكذا "عنه (الحسن بن محمد بن سماعة) عن وهيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) في رجل يشاركه الرجل في السلعة يدل عليها, قال: إن ربح فله وإن وضع فعليه" كما أشير إليها في هامش التهذيب (5/ 200).

سنة خمسين ومائة(1), فالرواية عنه لا تفرق عن الرواية عن الصادق (علیه السلام) في كشفها عن أن الراوي من الطبقة الخامسة(2).

لا يقال هذا بناءً على كون المراد من أبي بصير هو يحيى بن القاسم الأسدي, ولكن لعله ليث بن البختري المرادي, فإنه يقال لو سلم فهو غير ضائر بعد عدم ثبوت بقائه إلى زمن الكاظم (علیه السلام) , فما ذكره الشيخ في الفهرست من روايته عن الكاظم (علیه السلام) وعده إياه في أصحابه في رجاله مخالف لظاهر النجاشي والكشي و البرقي(3), مع أن الرواية عن الكاظم (علیه السلام) لا تعني أنه بقي إلى زمن يبقى إليه من كان من الخامسة بحيث يعد من روى عنه من السادسة, فتأمل!,

ص: 192


1- روى الكليني عن سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر، جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: قبض موسى بن جعفر (علیه السلام) ، وهو ابن أربع وخمسين سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة، وعاش بعد جعفر (علیه السلام) خمساً وثلاثين سنة . الكافي: الجزء 1، كتاب الحجة. 4 . باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام) 120، الحديث 9 . علق عليها السيد الخوئي (قدس سره) قائلا: "وهذه الرواية فيها تحريف لا محالة، وقد مر في ترجمة عبد الله بن مسكان: أنه أيضاً لم يبق إلى زمان الرضا (علیه السلام) ، ومع ذلك فالرواية في نفسها ضعيفة، فإن محمد بن سنان في نفسه لم يوثق ". أقول: هذه الرواية مخالفة لما صرح به النجاشي والشيخ من كون موته في سنة خمسين ومائة.
2- إليك أسماء بعض من روى عنهم وهيب بن حفص: علي (علي بن أبي حمزة) , أبو حسان العجلي ,عبد الله بن القاسم.
3- قال السيد (قدس سره) في المعجم: 15/ 155: " بقي هنا شئ: وهو أن ظاهر النجاشي أن ليث بن البختري لم يروِ عن الكاظم (علیه السلام) ، كما أن ذكره الكشي في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) يقتضي ذلك، لكنك عرفت من الشيخ عده في أصحاب الكاظم (علیه السلام) أيضاً، والظاهر أن ما ذكره النجاشي هو الصحيح، فإنا لم نجد له الرواية عن الكاظم (علیه السلام) . وعليه فكل رواية رواها أبو بصير عن الكاظم (علیه السلام) ، فهي عن يحيى بن القاسم، والله العالم".

وكون شخص من أصحاب الإمام لا يدل على أكثر من أنه روى عنه فلا يقال لا يصدق أنه من أصحاب الكاظم (علیه السلام) إذا لم يصحبه مدة معتداً بها من الزمن فتدبر!.

نعم قد يقال كما أشار إليه السيد الأستاذ (دامت بركاته) لعل بعض من يتحرج من الرواية عن الإمام الصادق (علیه السلام) لا يتحرج من الرواية عن أبي بصير, كمن كان شاباً في مقتبل عمره, فإنه ليس كل من يتحمل الرواية يروي عنهم (علیهم السلام) , وعليه ليس كل من روى الرواية في عصر الصادق والكاظم (علیهما السلام) يعد من الخامسة, بل خصوص من روى فعلاً عن الصادق والكاظم (علیهما السلام) أو كان مؤهلاً لذلك هو من يعد من الخامسة, فتأمل!

الثاني: رواية من يعد من الطبقة السادسة(1) عنه مثل محمد بن علي الهمداني فإنه وقع في مشيخة الفقيه في طريق الصدوق (قدس سره) إلى وهيب بن حفص, وقد روى الهمداني عن الرضا (علیه السلام) , والغالب في من يروي عنه (علیه السلام) كونه من السادسة والكليني -وهو من التاسعة- يروي عن الهمداني بواسطتين عادة , والبرقي -وهو من السابعة- يروي عنه أيضاً, فتأمل!

هذا كله بناءً على عدم اتحاد وهيب بن حفص مع وهب بن حفص.

أما بناءً على اتحاد وهيب بن حفص مع وهب بن حفص كما ذهب إليه السيد الخوئي (قدس سره) وهو الأقرب فهناك بعض الروايات لوهب بن حفص عن أبي عبد الله (علیه السلام) بالمباشرة هي:

ص: 193


1- إليك بعض من رووا عن وهيب بن حفص: محمد بن عصام , علي بن محمد بن عبد الله الخياط , محمد بن يوسف بن إبراهيم الورداني عن أبيه , محمد بن نعمة السلولي , الطاطري ,محمد بن علي الكوفي , جعفر بن عثمان , الحسن بن علي , علي بن الحسين.

1- حميد بن زياد عن الحسن بن محمد عن وهب(1) بن حفص عن أبي

عبد الله (علیه السلام) قال: من قال علم الله ما لا يعلم اهتز العرش إعظاماً له(2).

2- محمد بن الحسين عن وهب(3) بن حفص عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته يقول: إن القرآن فيه محكم ومتشابه.. الحديث(4).

3- روي عن وهب بن حفص، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل في كم يقرأ القرآن ؟ قال: في ست فصاعداً...الحديث(5). يلاحظ أن هذه الرواية مرسلة.

وهناك روايتان قد يتوهم منها ثبوت رواية وهب بن حفص عن أبي عبد الله (علیه السلام) بالمباشرة إلا أنه ليس كذلك.

1- في الجواهر السنية(6) " وعن محمد بن علي عن وهب بن حفص عن أبي عبد الله (علیه السلام) إن الله خلق العقل فقال له أقبل ثم قال له أدبر...الحديث.

لكن في البصائر(7) رواها عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) وكذا في الوسائل(8) عن البصائر.

ص: 194


1- في الوسائل: 23/ 209 عن الكافي وهيب بدلاً من وهب.
2- الكافي: 7/ 437 ح 3.
3- في البحار (23/ 198) عن البصائر وفي الوسائل (27/ 198) عن البصائر وهيب بن حفص بدلاً من وهب بن حفص.
4- البصائر: 223.
5- الإقبال للسيد ابن طاووس: 1/ 232.
6- في الجواهر السنية للحر العاملي: 353.
7- البصائر: 1/ 192.
8- الوسائل : 1/ 41.

2- في الوسائل(1) محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي, عن وهب بن حفص, عن جعفر بن محمد عن أبيه (علیهما السلام)

قال: لا يأكل الضالة إلا الضالون.

لكن في الفقيه(2) روى أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي رضي الله عنه عن وهب بن وهب عن جعفر بن محمد (علیه السلام) ....الحديث.

وعليه لما كان الصحيح اتحاد وهيب بن حفص مع وهب بن حفص فرواية وهيب بن حفص عن أبي عبد الله (علیه السلام) ثابتة.

لكن الملاحظ أن الغالبية العظمى من روايات وهيب بن حفص بما له من عناوين عن أبي عبد الله (علیه السلام) بالواسطة ولم تثبت روايته بالمباشرة إلا في الموارد القليلة جداً المتقدمة فمن القرب بمكان وقوع الخلل في هذه الموارد بسقوط الواسطة, ولعله لهذه الموارد نظر من عده من أصحاب الصادق (علیه السلام) ومن قال بروايته عنه (علیه السلام) .

الخلاصة يمكن القول بأن وهيب بن حفص من الخامسة لا لروايته عن الصادق (علیه السلام) بل لروايته عمن هو من الطبقة الرابعة ولم يطل به العمر لإدراك الخامسة, أو قل من كان معاصراً للصادق (علیه السلام) ولم يتأخر بعده.

المقام الثاني: في رواية الطبقة السابعة من الرواة عنه

الظاهر إدراك وهيب بن حفص للطبقة السادسة وبقاؤه إلى زمن يمكن لمن كان من الطبقة السابعة الرواية عنه وذلك لأمرين:

1- أن النجاشي روى كتابه عن طريق الحسن بن سماعة, وهو الحسن بن محمد بن سماعة, وهو من السابعة و الشيخ في الفهرست روى كتابه عن طريق

ص: 195


1- الوسائل: 25/ 44.
2- الفقيه: 3/ 292.

محمد بن الحسين, وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب, وهو من السابعة أيضاً.

2- روايات من هم من السابعة عنه كثيرة مبثوثة في الكتب كالحسن بن

محمد بن سماعة - رواياته في الكافي وحده بعناوينه المتعددة تزيد على الخمس عشرة رواية(1) - ومحمد بن الحسين ابن أبي الخطاب - رواياته في التهذيب وحده خمس عشرة رواية(2)- والطاطري(3), محمد بن علي الكوفي (أبو سمينة)(4).

هذا ولم يوجد ولا في مورد واحد واسطة بينهم وبينه(5).

ومن الواضح أن روايات من هم من الطبقة السادسة عنه لا تؤثر في ثبوت روايات الطبقة السابعة عنه, فمن كان من الخامسة وبقي إلى السادسة تروي عنه السادسة والسابعة .

وبهذا يظهر عدم تمامية الإشكال والحمد لله رب العالمين.

ص: 196


1- منها الكافي: 2/ 95, 344 , 496 .. وغيرها.
2- منها التهذيب: 1/ 190, 312 , 237 .. وغيرها.
3- التهذيب: 2/ 43.
4- إرشاد المفيد: 2/ 379 , غيبة الطوسي : 452, 477.
5- لا يقال ههنا دور فقد اعتمد على رواية ابن سماعة في إثباتها, فإنه يقال: الكلام لم يعتمد عليها لوحدها وإنما تشكل هي وما شاكلها قرائن توجب الوثوق بالرواية وتدعم ظاهر السند بأنه لا سقط فيه.

المصادر

1 - الاختصاص, منسوب للشيخ المفيد, منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

2 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي, تصحيح وتعليق المعلم الثالث ميرداماد الأسترابادي, تحقيق السيد مهدي الرجائي, مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

3 - الإرشاد, المفيد, مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لتحقيق التراث.

4 - الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار, الشيخ الطوسي, دار الكتب الإسلامية , تهران, تحقيق السيد حسن الخرسان.

5 - أساسيات الاحتمالات, د. خالد زهدي خواجة مدير المعهد العربي للتدريب والبحوث الإحصائية.

6 - إقبال الأعمال, السيد ابن طاووس, مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي.

7 - إكليل المنهج في تحقيق المطلب, محمد جعفر الكرباسي, مركز بحوث دار الحديث.

8 - الأمالي, الشيخ الصدوق, مؤسسة البعثة.

9 - الأمالي, الشيخ المفيد, منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

10 - الأمالي, الشيخ الطوسي, مؤسسة البعثة .

11 - الإمامة والتبصرة, علي بن بابويه القمي, مدرسة الإمام المهدي (عج) في قم المقدسة.

12 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار, العلامة المجلسي, مؤسسة الوفاء, بيروت.

13 - بحوث فقهية, السيد محمد رضا السيستاني, دار المؤرخ العربي, بيروت.

ص: 197

14 - بحوث في علم الرجال, محمد آصف المحسني, الطبعة الخامسة, مركز المصطفى.

15 - بصائر الدرجات الكبرى, الصفار, منشورات الأعلمي, طهران.

16 - التحرير الطاووسي, حسن بن زين الدين العاملي, نشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي, قم المقدسة, طبع: مطبعة سيد الشهداء (علیه السلام) .

17 - تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال.

18 - تفسير القمي, علي بن إبراهيم, منشورات مكتبة الهدى, مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر, قم المقدسة

19 - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة, الحر العاملي, مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

20 - تهذيب الأحكام, الشيخ الطوسي, حققه وعلق عليه السيد حسن الموسوي الخرسان, نشر دار الكتب الإسلامية, تهران

21 - تهذيب الأحكام, الشيخ الطوسي, صححه وعلق عليه علي اكبر الغفاري, مكتبة الصدوق, الطبعة الأولى.

22 - تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال للنجاشي, الأبطحي, الطبعة الثانية قم المقدسة.

23 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد, الأردبيلي.

24 - جمال الأسبوع, السيد علي بن طاووس, مؤسسة الآفاق, تحقيق قيومي.

25 - الجواهر السنية, الحر العاملي, منشورات مكتبة المفيد, قم – إيران.

26 - الخصال, الشيخ الصدوق, جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم.

27 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال, العلامة الحلي, مؤسسة النشر الإسلامي.

28 - دلائل الإمامة, الطبري, مؤسسة البعثة.

ص: 198

29 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد, محمد باقر السبزواري, مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

30 - الرجال لابن الغضائري, : أحمد بن الحسين الغضائري, مؤسسة دار الحديث الثقافيّة.

31 - الرجال, البرقي, مطبعة جامعة تهران.

32 - الرسائل الرجالية, أبو المعالي الكلباسي, مؤسسة دار الحديث, تحقيق محمد الدرايتي.

33 - شرح مناسك الحج, السيد محمد رضا السيستاني, نسخة أولية محدودة التداول.

34 - شعب المقال في درجات الرجال, الميرزا أبو القاسم النراقي.

35 - طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال, السيد علي أصغر الجابلقي البروجردي.

36 - الرياضيات للصف السادس العلمي وفق منهج وزارة التربية في جمهورية العراق لسنة 2008 م.

37 - الرياضيات للصف السادس الأدبي وفق منهج وزارة التربية في جمهورية العراق لسنة 2013 م.

38 - علل الشرائع, الصدوق, منشورات المطبعة الحيدرية - النجف.

39 - عيون أخبار الرضا (علیه السلام) , الصدوق, مؤسسة الأعلمي.

40 - الغيبة, الطوسي, مؤسسة المعارف الإسلامية.

41 - الغيبة, النعماني, منشورات أنوار الهدى.

42 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب في الاستخارات, السيد علي بن طاووس, مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

ص: 199

43 - فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي), النجاشي, مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

44 - الفهرست, الشيخ الطوسي, مؤسسة نشر الفقاهة.

45 - الفوائد الرجالية, البهبهاني

46 - الكافي, الكليني, نشر دار الكتب الإسلامية, طهران.

47 - الكافي, الكليني, طبعة دار الحديث.

48 - كامل الزيارات, ابن قولويه, مؤسسة النشر الإسلامي.

49 - كمال الدين وتمام النعمة, الصدوق, مؤسسة النشر الإسلامي, تصحيح علي أكبر الغفاري.

50 - كتاب من لا يحضره الفقيه, الصدوق, جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة, الطبعة الثانية.

51 - المحاسن, البرقي, عنى بنشره وتصحيحه والتعليق عليه السيد جلال الدين الحسيني.

52 - مختصر بصائر الدرجات, حسن بن سلمان الحلي, منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف.

53 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام, السيد محمد العاملي, مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

54 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل, المحدث النوري, مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

55 - مستدركات علم الرجال, علي النمازي الشاهرودي, المطبعة: شفق - تهران.

56 - مستطرفات السرائر , ابن إدريس الحلي, مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

ص: 200

57 - مشايخ الثقات الحلقة الأولى والثانية, عرفانيان.

58 - معاني الأخبار, الصدوق, انتشارات إسلامي.

59 - المعتبر في شرح المختصر, المحقق الحلي, منشورات مؤسسة سيد الشهداء (علیه السلام) .

60 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب (ط ج) – العلامة, تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية.

61 - منتهى المقال في أحوال الرجال محمد بن إسماعيل المازندراني (أبو علي الحائري) تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

62 - ملخصات شوم نظريات ومسائل في الاحتمالات , تأليف د. سيمور ليبسشتز , أستاذ الرياضيات المشارك جامعة تمبل , ترجمة د.سامح داود جامعة عين شمس , دار الرائد العربي - بيروت - لبنان.

63 - نقد الرجال, التفريشي, مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

64 - الهداية الكبرى, الخصيبي, مؤسسة البلاغ.

65 - الوافي, الفيض الكاشاني, منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (علیه السلام) العامة, أصفهان.

66 - اليقين باختصاص مولانا علي (علیه السلام) بإمرة المؤمنين, السيد علي بن طاووس, مؤسسة الثقلين لإحياء التراث الإسلامي.

ص: 201

ص: 202

رجال المستمسك(الحلقة الثالثة) - الشيخ علي الغزي دام عزه

اشارة

ص: 203

ص: 204

بسم الله الرحمن الرحیم

من المعلوم توقف الاستنباط الفقهي على البحث الرجالي.

ومن طرق رصد البحث الرجالي ملاحظته في المجال التطبيقي الفقهي لعلمائنا.

وهذه الصفحات محاولة لرصد البحث الرجالي في (مستمسك العروة الوثقى) للسيد الحكيم (قدس سره) .:

الحمد لله مبتدئ النعم ومتمها, والصلاة والسلام على النبي الأكرم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين حتى قيام يوم الدين.

هذا هو القسم الثالث والأخير من رجال المستمسك. وهو معقود لذكر من تناولهم السيد الحكيم (قدس سره) من الرواة. ولم نتعرض فيه لمن ذكره (قدس سره) وهو معلوم الوثاقة كزرارة, أو معلوم الضعف كأبي الخطاب, أو معلوم الجهالة كمحمد بن يزيد الطبري, أو الإهمال كيوسف بن إبراهيم, وإنما اقتصرنا على ذكر من تعرض له (قدس سره) وكان في وثاقته أو ضعفه كلام, مبيّنين وجه الاختلاف فيه, وما هو موقفه (قدس سره) منه مع مراعاة إيضاحه على وفق مبانيه العامة في معرفة أحوال الرواة والتي تقدّمت في القسم الأول, ومنبّهين على بعض الخصوصيات التي وردت في كلامه (قدس سره) .

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نكرر عرفان الجميل، والشكر الجزيل للأساتذة والأخوة القائمين على هذا المشروع, ونسأله تعالى أن يزيد في توفيقهم وأن يبارك لهم في أوقاتهم, فإنه ولي التوفيق.

ص: 205

1- أبان بن عثمان

أبان بن عثمان الأحمر أبو عبد الله أصله الكوفة يسكنها تارة والبصرة أخرى, من أصحاب الصادق والكاظم (علیهما السلام) , مؤرخ فقيه له أصل, وله كتاب حسن كبير يجمع فيه المبدأ والمعاد والمغازي والوفاة والسقيفة والردة(1).

وقد وقع الكلام في كل من وثاقته وإماميته؛ أما وثاقته فلعدم التنصيص عليها في كلمات متقدمي الرجال. وقد ذهب السيد الحكيم (قدس سره) إلى وثاقته قائلاً: (مثل صحيح أبان بن عثمان عمن أخبره عن أحدهما (علیهما السلام) ... ونحوها صحاح عمر بن يزيد وعلي بن يقطين وإسماعيل بن الفضل وغيرهما. فإن رواية هؤلاء الأجلاء لذلك تأبى ورود التقية. كيف وهم أعيان حملة الحديث وأمناء الله تعالى على حلاله وحرامه)(2).

لكنه (قدس سره) لم يتعرض صريحاً لمأخذ ذلك, ويمكن تحصيل وثاقته على وفق مبانيه (قدس سره) - والتي تقدمت في المبحث الأول- بوجوه ثلاثة:

الأول: أن أبان بن عثمان من أصحاب الإجماع الذين ذكرهم الكشي في ضمن الستة من أصحاب الصادق (علیه السلام) بأن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم والتصديق لما يقولونه وأقروا لهم بالفقه(3). وقد استفاد السيد الحكيم (قدس سره) من ذلك أن الوجه في إجماع الطائفة ما عُلِم عن حالهم من مزيد التثبت والإتقان والضبط بنحو لا ينقلون إلا عن ثقة - ولو في خصوص الخبر الذي ينقلونه-(4).

ص: 206


1- ظ: رسالة أبي غالب الزراري: 165/33، ورجال الكشي: 441/715، ورجال البرقي: 237/595، ورجال النجاشي: 13/8، والفهرست: 59/62، ورجال الشيخ: 164/1886.
2- المستمسك: 6/153.
3- رجال الكشي: 275/705.
4- المستمسك: 1/426، ويُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/180.

ومن كان هذا شأنه فهو من الثقات لتصديق الطائفة له واعتقادها في حقه التثبت والإتقان والضبط.

الثاني: رواية الأجلاء من المشايخ الثلاثة - الذين قيل فيهم: إنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة- وأصحاب الإجماع وسائر الثقات. وهذا كله وإن كان لا يعطي عنده (قدس سره) إلا وثوقهم بالرواية عنه ولو لقيام قرائن اتفاقية خاصة بنفس الخبر، إلا إنه قد ظهر منه (قدس سره) أن روايتهم عن الراوي قد تؤشر لوثاقته في نفسه في حال انضمت إليها قرائن أخرى ككثرة رواية بعضهم عنه أو أنه روى عنه جملة منهم(1).

وهو حاصل في أبان فقد روى المشايخ الثلاثة الذين قيل فيهم إنهم لا يروون إلا عن ثقة - ابن أبي عمير والبزنطي وصفوان- جميعاً عنه وقد أكثر ابن أبي عمير من الرواية عنه(2) مصرحاً في بعضها بأنه من مشايخه(3)، وروى عنه مَن هو من أصحاب الإجماع من أصحاب الكاظم والرضا (علیهما السلام) - مضافاً إلى المشايخ الثلاثة- يونس بن عبد الرحمن والحسن بن محبوب وعبد الله بن المغيرة. وروى عنه من سائر الأجلاء الثقات جعفر بن بشير والحسن بن علي الوشاء وعيسى بن هاشم الناشري ومحمد بن الوليد البجلي الخزاز وموسى بن القاسم وغيرهم(4).

الثالث: اعتماد العلامة (قدس سره) على أبان، فقد ذكره في الخلاصة في القسم الأول(5) الذي أعده لمن يعتمد على روايته, كما صحح طريق الصدوق (قدس سره)

ص: 207


1- المستمسك: 1/592 و 5/246 و 14/447 ويُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/192.
2- تعليقة الوحيد: 1/255.
3- الخصال: 1/218/ باب أربعة/ ح43، وأمالي الصدوق: ص6/ المجلس الثاني/ ح2.
4- يُنظر طبقة أبان في معجم رجال الحديث: 1/149.
5- الخلاصة: 74/121.

إلى أبي مريم(1) وطريقه إلى العلاء بن سيابة(2) وأبان فيهما. وهذا عنده (قدس سره) من جملة القرائن على الوثاقة التي اعتمد عليها منضماً إلى قرائن أخرى(3). هذا عن وثاقة أبان.

والملاحظ من السيد الحكيم (قدس سره) هنا أنه جعل (أبان) في جملة من وصفهم بأنهم أجلاء وأعيان حملة الحديث وأمناء الله على حلاله وحرامه, ولكن لم يرد شيء من هذه الأوصاف صريحاً في حق أبان وإنما وردت في حق بعض من ذكرهم كزرارة(4), ولعل منشأ توصيفه بذلك هو تصديق الطائفة لأصحاب الإجماع والإقرار لهم بالفقه، ومنه يُعلم أنه (قدس سره) قد ينتزع أوصافاً هي من تعبيره ولا يتقيد بتعابير الرجاليين في ذكر الأوصاف المادحة.

وأما إماميته فقد وقع خلاف فيها فقيل: بأنه كان ناووسياً -أي ممن وقف على أبي عبد الله (علیه السلام) تبعاً لرجل من أهل البصرة يسمى ب-(ناووس), أنكر موته (علیه السلام) وزعم أنه غاب عن الأنظار, وأنه هو القائم من آل محمد (علیهم السلام) (5)- استناداً لما نقله الكشي عن: (محمد بن مسعود قال حدثني علي بن الحسن قال: كان أبان من أهل البصرة, وكان مولى بجيلة, وكان يسكن الكوفة, وكان من الناووسية)(6).

إلا أن السيد الحكيم (قدس سره) بنى على كونه إمامياً حيث عدّ خبره من الصحيح على ما تقدم عنه، بل جعل بعض الأخبار التي وقع فيها (أبان بن عثمان) موثقاً

ص: 208


1- الخلاصة: 438 الفائدة الثامنة ومشيخة الفقيه 4/23.
2- الخلاصة: 442 الفائدة الثامنة ومشيخة الفقيه: 4/126.
3- المستمسك: 1/361 و 8/345، ويُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/168.
4- رجال الكشي: 170/286.
5- يُنظر في معنى الناووسية رجال الكشي: 431/676 و 476/781 782، والملل والنحل: 1/168.
6- رجال الكشي: 418/660.

من غير جهته. قال (قدس سره) : (أما الثانية فرواها الشيخ بأسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن العباس بن عامر عن أبان بن عثمان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام) ... ولا يخفى أن اللازم عدّ الرواية الثانية من الموثق لوجود علي بن فضال في سندها)(1) فالملاحظ أنه (قدس سره) حكم على الرواية بكونها موثقة من غير جهة أبان.

ولعل الوجه في الخدش في الاستناد إلى ما ذكره الكشي - رغم صحة طريقه- عدم الوثوق بكلمة (الناووسية) -كما ذكر ذلك الوحيد والمامقاني(2) لاحتمال تصحيفها عن القادسية. لما ذكره المحقق الأردبيلي (قدس سره) : (وفي كتاب الكشي الذي عندي: قيل: كان قادسياً أي من القادسية فكأنه تصحيف)(3)، مؤيداً بما رواه أبان بن عثمان عن زرارة عن الباقر (علیه السلام) من أن الأئمة أثنا عشر مما يدعم عدم وقفه على الصادق (علیه السلام) (4)، وبذكر النجاشي له في كتابه المُعد مبدئياً لذكر سلفنا المصنفين, ولم يُشر إلى كونه على غير مذهب الإمامية كعادته في غيره(5).

2- إبراهيم بن عبد الحميد

إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي, مولاهم كوفي أنماطي, يروي عن الصادق والكاظم (علیهما السلام) له كتاب, يرويه عنه جماعة(6), لاشك في وثاقته كما صرح بها السيد الحكيم (قدس سره) , فقد نص الشيخ على وثاقته قائلاً: (ثقة له أصل)(7). ونقل

ص: 209


1- المستمسك: 14/561.
2- تعليقة الوحيد: 39، تنقيح المقال: 3/136 (ط. مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ).
3- مجمع الفائدة والبرهان: 9/323.
4- الخصال: 2/478/ أبواب 12/ح44.
5- رجال النجاشي: المقدمة و 13/8.
6- رجال النجاشي: 20/27، ورجال الشيخ: 332/4967.
7- الفهرست: 17/12.

الكشي عن الفضل بن شاذان: (أنه صالح)(1).

نعم: قد يخدش فيه من جهة كونه واقفياً لما نقله الكشي عن نصر بن الصباح(2), وذكره الشيخ في رجاله(3) كما ذكر ذلك صاحب المدارك, ورد عليه السيد الحكيم (قدس سره) بعد نقل كلامه بأنه غير قادح مع الوثاقة قائلاً: (طعن في المدارك في سنده بأنه إبراهيم بن عبد الحميد واقفي وأن في رجاله جعفر بن محمد بن حكيم وهو مجهول لكن الأول غير قادح مع الوثاقة)(4).

ويظهر منه (قدس سره) بناؤه على كون إبراهيم واقفياً اعتماداً على نصر بن الصباح إذ لا يبعد اعتماد الشيخ عليه أيضاً فيما نص عليه في رجاله من واقفيته.

هذا، وقد تقدم توجيه عدم قادحية فساد العقيدة مع ثبوت الوثاقة بناءً على مسلك حجية خبر الثقة بعموم أدلته للثقة الفاسد العقيدة, وعلى مسلك حجية الخبر الموثوق به - كما عليه السيد الحكيم (قدس سره) - بأنه يتحقق بها الوثوق المعتبر في الحجية حتى لو كان المخبر فاسد العقيدة(5).

3- إبراهيم بن محمد الهمداني

إبراهيم بن محمد الهمداني, من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي (علیهم السلام) وكان وكيلاً للناحية المقدسة(6), كما نص على ذلك الكشي(7) والنجاشي(8).

ص: 210


1- رجال الكشي: 446/839.
2- رجال الكشي: 446/839.
3- رجال الشيخ: 332/4947.
4- المستمسك: 11/256.
5- يُنظر مجلة دراسات علمية: 5/263.
6- رجال البرقي: 54, 56, 58، ورجال الشيخ: 352/5210 و37/5515 و383/5637.
7- رجال الكشي: 608/1131.
8- رجال النجاشي: 344/928.

وإبراهيم بن محمد لم يرد فيه توثيق صريح في كلمات متقدمي علماء الرجال وإنما يوثق للنص عن المعصوم (علیه السلام) وقد روي هذا النص بطريقين، وهما:

الطريق الأول: ما رواه الكشي عن: (محمد بن مسعود حدثني علي بن محمد قال: حدثني محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن أبي محمد الرازي قال: كنت أنا وأحمد بن أبي عبد الله البرقي -بالعسكر- فورد علينا رسول من الرجل فقال لنا: الغائب العليل ثقة وأيوب بن نوح وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة وأحمد بن إسحاق ثقات جميعاً)(1).

الطريق الثاني: ما رواه الشيخ في الغيبة عن: (أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي محمد الرازي قال: كنت وأحمد بن عبد الله بالعسكر فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات)(2).

والظاهر اعتماد السيد الحكيم (قدس سره) على هذه الرواية في توثيق الرجل كما يلمح إليه تعبيره ب-(الثقات) الوارد في نص الرواية حيث قال: (وأما إبراهيم فهو من الوكلاء الثقات)(3) لكن قد يتوجه الإشكال في الطريقين لوجهين مختصين وآخر مشترك.

أما المختص بطريق الكشي فهو من جهة (علي بن محمد بن فيروزان القمي) فإنّه من يروي عنه العياشي(4). وقد ذكره الشيخ (قدس سره) في رجاله من غير مدح أو ذم(5).

ص: 211


1- رجال الكشي: 557/1053.
2- الغيبة: 417.
3- المستمسك: 14/579.
4- ينظر: رجال الكشي: 4/5 و209/369 و210/371.
5- رجال الشيخ: 429/6164.

ويدفع ذلك: أنّ الظاهر وثاقته على وفق مباني السيد الحكيم (قدس سره) لأنّه من مشايخ العياشي المعتبرين حيث أكثر من الرواية عنه(1).

ويؤيده أنّ حمدويه بن نصير –والذي وصفه الشيخ في رجاله بأنه: عديم النظير في زمانه, كثير العلم والرواية, ثقة, حسن المذهب(2)- اعتمد عليه في تمييز مالك بن أعين مما يكشف عن (أن قوله معتمد عليه عنده, وأنّه كان عالماً بأحوال الرجال(3)) وأيضاً أن العلامة المجلسي حكم بحُسن حاله في الوجيزة(4).

وأما المختص بطريق الشيخ فمن جهتين, هما:

أ: الإرسال لعدم إمكان رواية الشيخ (المتوفى: 460)(5) وهو من الطبقة الثانية عشرة(6) مباشرة عن أحمد بن إدريس (المتوفى: 306ﻫ)(7) الذي هو من الطبقة الثامنة(8).

ويدفعه: ما تقدم عن السيد الحكيم (قدس سره) من أنه يرى تعويض طرق الشيخ في بقية كتبه بطرقه في الفهرست(9) وطريقه في الفهرست هو: (الحسين بن عبد الله عن أحمد ابن جعفر بن سفيان البزوفري عن أحمد بن إدريس)(10).

ص: 212


1- ينظر: رجال الكشي: 4/5 و6 و39/80 و44/93 و64/113 و68/112 وغيرها.
2- رجال الشيخ: 421/ 6074.
3- معجم رجال الحديث: 12/ 158–159.
4- الوجيزة: 265/1283, وينظر: تعليقة الوحيد: 259.
5- خلاصة الأقوال: 148/46.
6- أسانيد الكافي: 1/267-268.
7- رجال النجاشي: 92/228، والفهرست: 64/81.
8- طبقات من لا يحضره الفقيه: 189 (مخطوط).
9- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 5/312.
10- الفهرست: 64/81.

ب: أن طريق الشيخ في الفهرست - كما عرفت- فيه البزوفري، ولم يرد فيه توثيق(1).

ويمكن أن يدفع: بأن البزوفري روى عنه جملة من الأجلاء، كالشيخ المفيد والحسين بن عبيد الله الغضائري في أكثر من طريق للشيخ والنجاشي إلى أصحاب الكتب(2), وكونه شيخ إجازة(3) وقد ترحم عليه الشيخ في الغيبة(4), وخصوصاً رواية الأجلاء في حال انضمت إليها قرائن أخرى فإنه مما يوظفه (قدس سره) في استفادة اعتبار الرواة.

ويمكن أن يضاف: أن جهالة البزوفري لا تضر في اعتبار الرواية؛ إذ الظاهرأن دوره في نقل الأخبار كان شرفياً ولمجرد اتصال السند لعدم كونه من المؤلفين, ولعل ذلك كان كافياً عنده (قدس سره) بالوثوق في الرواية وإن كان هو في سندها. فظهر إمكان انحلال الإشكالين المختصين.

وأما الإشكال المشترك فهو من جهة أبي محمد الرازي المذكور في الطريقين فإنه مجهول مع عدم توفر قرائن يمكن أن تُعطي اعتباره، ولكن لعل الوجه في اعتماد السيد الحكيم (قدس سره) على الرواية مع وجود أبي محمد الرازي المجهول هو: أن الظاهر من الشيخ في الغيبة اعتماده عليها حيث جعلها مدركاً لوثاقة

أحمد بن إسحاق ومن معه قائلاً: (وقد كان في زمان السفراء الممدوحين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل... ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة خرج التوقيع في مدحهم, روى أحمد بن إدريس...

ص: 213


1- رجال الشيخ: 410/5954.
2- رجال النجاشي: الرقم: 13 و17 و 44 و 55 و 59 و 61 و 64 و 132 وغيرها، والفهرست: 2 و 32 و 52 و 54 و 59 و 67 و 71، والتهذيب: 1/185/ح70.
3- رجال النجاشي: 98/228، ورجال الشيخ: 410/5954.
4- الغيبة: 367.

وذكر الخبر...)(1). مضافاً إلى أن في سند الرواية أحمد بن إدريس(2) وأحمد بن محمد بن عيسى(3) وهما من الأجلاء الأعيان خصوصاً وأن أحمد عُرف بتشدده في أمر الرواية(4)، وأن العلامة (قدس سره) في الخلاصة عدّ إبراهيم ابن محمد في القسم الأول ناقلاً للرواية المذكورة عن الكشي من غير أن يخدش في سندها محيلاً في بيان الموقف منه إلى كتابه الكبير(5) ولما ذكره المامقاني في التنقيح من التعليق على المناقشة في سندها قائلاً: (ومناقشة الشهيد الثاني في تعليقته(6) فيها: بأن في طريقها من هو مطعون فيه (ومجهول العدالة) ومجهول الحال. قد دفعها في الحاوي بأن ما ذكره في السند غير واضح)(7).

والظاهر أن هذه المؤشرات جعلت من الرواية موثقة عنده (قدس سره) , وإن كان فيها أبو محمد الرازي (المجهول).

4- إبراهيم بن مهزيار

إبراهيم بن مهزيار أبو إسحاق الأهوازي له كتاب البشارات, ذكره متقدمو الرجال من غير مدح أو ذم(8) إلا ما سيأتي عن الكشي (قدس سره) .

وقد اختار السيد الحكيم (قدس سره) وثاقته اعتماداً على قرائن ذُكرت في حقه, قال (قدس سره) : (وهذان الخبران رواهما الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب عن

ص: 214


1- الغيبة: ص415 و 417.
2- رجال النجاشي: 92/228، والفهرست: 64/81.
3- الفهرست: 60/75.
4- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/188.
5- خلاصة الأقوال: 52/23.
6- حاشية الشهيد على الخلاصة: ص49.
7- تنقيح المقال: 4/365 (ط. مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)).
8- رجال النجاشي: 16/17، ورجال الشيخ: 374/5532 و 383/5639.

إبراهيم بن مهزيار, وطريقه إليه صحيح, ورواهما الصدوق أيضاً عنه وطريقه أيضاً صحيح, وأما إبراهيم فهو من الثقات, وفي الحدائق: (أنه من أعلى مراتب الصحة), وعن علي بن طاووس في كتاب ربيع الشيعة: (أنه من سفراء الصاحب والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الاثنا عشرية فيهم), وقد تعرض في مستدرك الوسائل لذكر القرائن الدالة على وثاقته. فراجع)(1).

وقبل عرض قرائن وثاقته ينبغي التنبيه على أن في العبارة المذكورة -حسب الظاهر- تقديماً وتأخيراً, وأنها كانت في الأصل بتقدم قوله: (وفي الحدائق...) على قوله: (وأما إبراهيم فهو من الثقات) لتكون العبارة هكذا: (ورواها الصدوق أيضاً عنه وطريقه أيضاً صحيح، وفي الحدائق: (أنه في أعلى مراتب الصحة) وأما علي بن إبراهيم فهو من الثقات، وعن علي بن طاووس في كتاب ربيع الشيعة...)، لأن عبارة صاحب الحدائق -بعد مراجعتها- متعلقة بصحة طريق الصدوق إلى إبراهيم -التي ذكرها قبلاً- لا بوثاقة إبراهيم. ونص عبارة صاحب الحدائق -التي ذكرها تعقيباً على تضعيف صاحب المدارك لخبرين رواهما عن الكافي والتهذيب عن إبراهيم بن مهزيار-: (أقول: فيه.. إن الخبرين وإن كانا ضعيفين بناءً على نقله لهما من الكافي (محمد بن يحيى عمن حدثه عن إبراهيم بن مهزيار) إلا أنهما في من لا يحضره الفقيه صحيحان فإنه رواهما فيه عن إبراهيم بن مهزيار وطريقه إليه في المشيخة: أبوه عن الحميري عنه وهو في أعلى مراتب الصحة)(2).

إن قلت: لعل السيد الحكيم (قدس سره) فهم من عبارة الحدائق أن الحكم بأعلائية صحة الطريق شاملٌ حتى لإبراهيم.

ص: 215


1- المستمسك: 11/91-92.
2- الحدائق الناضرة: 14/297.

قلتُ: إنه خلاف ظاهر العبارة ويؤيده قوله في الحدائق: (ما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن مهزيار)(1) و (روى المشايخ الثلاثة في الصحيح عن إبراهيم بن مهزيار)(2) واستعماله لصيغة (الصحيح عن إبراهيم) دون (صحيح إبراهيم) يشهد بأن صاحب الحدائق (قدس سره) يرى صحة الطريق إلى إبراهيم, وأما إبراهيم نفسه فغير مشمول بها.

ويترتب على ذلك: أن السيد الحكيم لم يجعل من تصحيح صاحب الحدائق إحدى القرائن التي تعطي وثاقة إبراهيم على ما يوهمه ترتيب العبارة المذكورة.

وأما القرائن التي ذكرت في إفادة وثاقة إبراهيم فذكر منها (قدس سره) ما قاله ابن طاووس (ت: 664ﻫ) في إبراهيم وأحال في مراجعة البقية على (خاتمة) مستدرك الوسائل(3), وما ذكره صاحب المستدرك هو عبارة عن ستة أمور, نذكرها ونبين حالها وفق مباني السيد الحكيم (قدس سره) وهي كالآتي: قال في خاتمة المستدرك: تستظهر وثاقة إبراهيم من أمور:

أ: قول السيد علي بن طاووس في ربيع الشيعة: أنه من سفراء الصاحب (علیه السلام) والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الاثنا عشرية فيهم.

أقول: إن هذا القول إنما هو للفضل بن الحسن الطبرسي (460-548ﻫ) في كتابه (أعلام الورى بأعلام الهدى) حيث قال فيه: (وأما غيبته الصغرى منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه (علیه السلام) موجودين وأبوابه معروفين لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي (علیه السلام) فيهم، منهم... إبراهيم بن مهزيار)(4)، لكن من المعلوم أن كتاب (ربيع الشيعة) المنسوب لابن طاووس ليس من تأليفه،

ص: 216


1- الحدائق الناضرة: 13/93.
2- الحدائق الناضرة: 22/650.
3- خاتمة المستدرك: 4/26.
4- إعلام الورى: 430/ الباب الثالث/الفصل الأول (ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ).

وإنما هو كتاب (إعلام الورى) للطبرسي كما بَيَّنَ ذلك صاحب المستدرك نفسه بأنه إنما نسب لابن طاووس لأنه وجده وجعل له مقدمة ذكر اسمه في ذيلها. فتُوهم أن الكتاب له(1).

ثم إنّ أبا الصلاح الحلبي (367-447ﻫ) سبق الطبرسي (قدس سره) في نقل هذا الوصف في حق إبراهيم بن مهزيار قائلاً: (وأما شهادة المقطوع بصدقهم فمعلوم لكل سامع لأخبار الشيعة تعديل أبي محمد الحسن بن علي (علیه السلام) جماعة من أصحابه جعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم والأمناء على قبض الأخماس والأنفال, وشهادته بإيمانهم وصدقهم فيما يُؤدونه عنه إلى شيعته, وأن هذه الجماعة شهدت بمولد الحجة بن الحسن (علیه السلام) ... والجماعة المذكورة أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري... وإبراهيم بن مهزيار...)(2).

ب: ما في الكشي حدثني أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي -وكان من القوم أو الفقهاء- وكان مأموناً على الحديث، قال: حدثني إسحاق بن محمد البصري قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال: إن أبي لما حضرته الوفاة دفع إليّ مالاً وأعطاني علامة ولم يعلم بتلك العلامة إلا الله عز وجل, وقال: من أتاك بهذه العلامة فأدفع إليه المال, قال: فخرجت إلى بغداد ونزلت في خان, فلما كان في اليوم الثاني إذ جاء شيخ ودق الباب, فقلت للغلام: انظر من هذا؟ فقال: شيخ بالباب فقلت: أدخله، فدخل وجلس وقال: أنا العمري هات المال الذي عندك وهو كذا وكذا ومعه العلامة قال: فدفعت إليه المال(3).

أقول: وطريقها ضعيف بجهالة إسحاق بن محمد البصري ومحمد بن إبراهيم, قال العلامة بعد نقل الخبر في الخلاصة: (وفي الطريق ضعف)(4).

ص: 217


1- خاتمة المستدرك: 2/447.
2- تقريب المعارف: 185-187.
3- رجال الكشي: 531/1015.
4- خلاصة الأقوال: 6/17.

ج: رواية الأجلاء عنه كعبد الله بن جعفر الحميري في هذا الطريق - أي طريق الصدوق إلى إبراهيم بن مهزيار(1)- وفي الكافي في باب مولد الحسن بن علي (علیه السلام) (2), وباب مولد فاطمة الزهراء(3), وفي الفهرست في ترجمة أخيه علي(4). وسعد بن عبد الله كما يأتي في طريق الفقه إلى علي بن مهزيار(5) وفي الفهرست في ترجمة أخيه علي وفي البابين المذكورين.

ومحمد بن علي بن محبوب في التهذيب في أواخر كيفية الصلاة من أبواب الزيادات وباب وصية الإنسان لعبده(6) وباب الزيادات في فقه الحج(7).

وأحمد بن محمد - والظاهر أنه ابن عيسى- في الكافي في باب مولد

الحسين (علیه السلام) (8) ومحمد بن عبد الجبار كما في النجاشي في ترجمته(9).

ومحمد بن أحمد بن يحيى في أواخر باب الذبح(10) وباب الكفارة عن خطأ المحرم(11) وباب الإقرار في المرض من التهذيب(12) وفي الاستبصار في باب لبس

ص: 218


1- مشيخة الفقيه: 4/44.
2- الكافي: 1/461/ح2.
3- لم نعثر عليه في هذا الباب وإن كان متوفراً في غيره كما في باب مولد أمير المؤمنين (علیه السلام) : 1/457/ح10.
4- الفهرست: 152/379.
5- مشيخة الفقيه: 4/38.
6- التهذيب: 9/226/ح40.
7- التهذيب: 5/408/ح64.
8- الكافي: 1/463/ح1.
9- رجال النجاشي: 16/17.
10- التهذيب: 5/238/ح144.
11- التهذيب: 5/385/ح258.
12- التهذيب: 9/162/ح13.

الخاتم للمحرم(1) ومن روايته عنه يظهر الأمر.

أقول: ويضاف إلى هؤلاء الأجلاء والثقات محمد بن الحسن الصفار في العيون(2) وكمال الدين(3) والعباس بن معروف في الأخير(4).

هذا، وإن تقدم عن السيد الحكيم (قدس سره) أنه يرى مجرد رواية الأجلاء والثقات عن شخص لا توجب الوثوق به أو بخبره؛ لاحتمال وثوق هؤلاء الأجلاء به بسبب مقدمات بعيده يكثر فيها الخطأ, لكنه (قدس سره) يجعل من ذلك جزء قرينة في الكشف عن اعتبار الراوي في حال انضمت إليه قرائن أخرى كرواية أكثر من جليل وثقة عنه وإكثار بعضهم من الرواية عنه وما إلى ذلك(5).

وفي المقام لما كانت رواية هؤلاء الأجلاء والثقات مشفوعة بقرائن أخرى

- كمقولة ابن طاووس التي نقلها (قدس سره) . وأن بعضهم أكثر من الرواية عنه كعبد الله بن جعفر الحميري, وسعد بن عبد الله كما أنه روى عنه غير واحد من الأجلاء والثقات -كما عرفت أسماءهم- مضافاً لما سيأتي من القرائن- كانت رواية الأجلاء من المؤشرات المعتمدة في المقام في الكشف عن وثاقة إبراهيم بن مهزيار.

د: (محمد بن أحمد بن يحيى.. ومن روايته عنه يظهر الأمر فإنه صاحب نوادر الحكمة ولم يستثنوا روايته وصرح الأستاذ الأكبر(6) بأن فيه إشعاراً بالوثاقة).

وقد مرّ أيضاً(7) أن موقف السيد الحكيم (قدس سره) ممن لم يُستثنَ من روايات

ص: 219


1- الاستبصار: 2/165/ح3.
2- عيون أخبار الرضا: 2/222/ح41.
3- كمال الدين: 1/222/ح12.
4- كمال الدين: 1/233/ح42.
5- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/191-192.
6- تعليقة الوحيد: 1/157.
7- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/200.

كتاب نوادر الحكمة هو نفس رأيه في رواية الأجلاء وأنه لا يدل على وثاقة من لم يستثنوا لاحتمال استناد القميين في الاستثناء على مقدمات بعيدة يكثر فيها الخطأ كخلو الرواية مما يوجب ضعفها كعدم إفادتها ما يدل على الغلو أو التخليط. نعم, هو (قدس سره) يجعل من عدم الاستثناء جزء قرينة يمكن أن تكشف - منضمة مع غيرها من القرائن- عن وثاقة الراوي في نفسه كما مرّ عنه في محمد بن أحمد العلوي(1), وسيأتي.

وقد اتضح أن في المقام هناك قرائن أخرى منضمة لعدم استثناء إبراهيم بن مهزيار من روايات كتاب نوادر الحكمة وهي ما تقدم من مقولة ابن طاووس ورواية الأجلاء عنه وبعض آخر سيأتي من القرائن.

ﻫ: ما في التهذيب في كتاب الوصايا: عن محمد بن علي بن محبوب عن إبراهيم بن مهزيار قال: كتبت إليه (علیه السلام) أن مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحج عنه من ضيعة صيَّر ربعها إلى حجه في كل سنة إلى عشرين ديناراً, وأنه قد انقطع طريق البصرة فتضاعفت المؤونة على الناس وليس يكتفون بالعشرين, وكذلك أوصى عدة من مواليك في حجهم؟ فكتب (علیه السلام) : يُجعل ثلاث حجج حجتين إن شاء الله... الخبر, وفيه إشعار بأنه كان وصي أخيه علي(2).

أقول: إن تمامية الاستفادة من الخبر في الدلالة على وثاقة إبراهيم بن مهزيار تتوقف على أمرين:

أ: أن كون الشخص وصياً لأحد الأعيان الأجلاء الثقات كعلي بن مهزيار(3) يدل على وثاقته من جهة أن اعتماد من هذا شأنه عليه يكشف عن ثقته وأمانته.

ص: 220


1- المستمسك: 5/224.
2- التهذيب: 9/226/ح40.
3- رجال النجاشي: 253/664، والفهرست: 265/379.

ب: الاكتفاء من الأخبار بما يدل على وثاقة الراوي أو حسنه ولو كان هو فيها- كما في المقام- إذ الخبر الدال على أن إبراهيم كان وصياً لأخيه علي بن مهزيار إنما رواه إبراهيم نفسه، ولم يتضح من ملاحظة كلمات السيد الحكيم (قدس سره) ما هو موقفه من هذين الأمرين.

هذا، ويمكن أن يُشكك في دلالة الخبر المذكور على كون إبراهيم كان وصياً لأخيه إذ غاية ما يُعطيه أن علي بن مهزيار أوصى بأن يحج عنه بكذا وكذا ولم يدل بوضوح على أن وصيه كان هو إبراهيم بن مهزيار.

و: أن العلامة حكم بصحة طريق الصدوق إلى بحر السقا(1) وفيه إبراهيم(2).

أقول: ويضاف أن العلامة في الخلاصة ذكر إبراهيم بن مهزيار في القسم الأول(3) منها الذي أعده لمن يعتمد على روايته أو ترجح عنه قبول قوله(4).

وقد تقدم عنه (قدس سره) أنه اعتمد على قول متأخري الرجال كالعلامة منضماً إلى قرائن أخرى في تشخيص حال الراوي(5) كما في علي بن محمد بن قتيبة(6). وسيأتي.والمتحصل من متابعة ما ذكره صاحب المستدرك في الخاتمة أنه ذكر ستة أمور تفيد وثاقة إبراهيم بن مهزيار في نظره (قدس سره) والظاهر تمامية أربعة منها - منضمة- في نظر السيد الحكيم (قدس سره) . وهي: مقولة ابن طاووس, ورواية الأجلاء, وعدم استثنائه من روايات كتاب نوادر الحكمة, وتصحيح العلامة لطريقٍ

ص: 221


1- خلاصة الأقوال: 440/ الفائدة الثامنة.
2- مشيخة الفقيه: 4/69.
3- خلاصة الأقوال: 51/17.
4- خلاصة الأقوال: المقدمة: 22.
5- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/168.
6- المستمسك: 5/13، ويُنظر/ مجلة دراسات علمية: 4/164.

للصدوق كان إبراهيم فيه. وأما ما رواه عن الكشي والتهذيب فلم يظهر اعتماد السيد الحكيم (قدس سره) عليه وفق ما عرفناه من المبادئ العامة لثبوت الوثاقة عنده، ومن المحتمل أن يكون (قدس سره) قد اعتمد عليه كقرينة ناقصة تنضم إلى سائر القرائن.

ومنه يتضح أن إرجاع السيد الحكيم (قدس سره) على (خاتمة) مستدرك الوسائل في مطالعة قرائن وثاقة إبراهيم لا يعني أنه يلتزم بما ذُكر فيها كله وإنما يفيد أن هناك قدراً فيها كان كافياً في إثبات المطلوب في نظره (قدس سره) .

5- إبراهيم بن هاشم

إبراهيم بن هاشم, أبو إسحاق القمي, أصله من الكوفة, وانتقل إلى قم, وهو أول من نشر حديث الكوفيين فيها, وقيل: إنه لقي الرضا (علیه السلام) , له كتاب النوادر, وكتاب قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) (1) قال الشيخ: إنه تلميذ يونس بن عبد الرحمن(2) وكذا نقله النجاشي عن الكشي وتنظر فيه(3), ولم يرد في إبراهيم توثيق صريح في كلمات متقدمي الرجال.

واختلف المتأخرون فيه فالمشهور عدّ خبره من الحسن(4) وذهب جماعة من المتأخرين كالمحقق السبزواري(5) والمحقق الخونساري(6) وغيرهما إلى أنه مثل الصحيح بينما يظهر من موضع من المدارك بناء صاحبها على جهالته(7).

ص: 222


1- رجال النجاشي: 16/18، والفهرست: 11/6.
2- رجال الشيخ: 353/5224.
3- رجال النجاشي: 16/18.
4- الحدائق الناضرة: 13/148.
5- ذخيرة المعاد: 1/ق1/18.
6- مشارق الشموس: 10/296.
7- مدارك الأحكام: 8/152.

وظاهر السيد الحكيم (قدس سره) اختيار الثاني وأنه (حسن) كالصحيح حيث قال: (فتصحيح الحديث مبنى على حجية حديث إبراهيم بن هاشم كما هو الظاهر لأنه من الحسن كما هو ظاهر المشهور)(1).

والذي يظهر من مجموع كلماتهم أن الوجه في تعاملهم مع حسنة إبراهيم على أنها أعلى مراتب الحسن وأنها لا تقصر عن الصحيح, هو ثلاثة أمور:

أولها: اعتماد الأصحاب على رواياته وهو ما يظهر من صاحب الذخيرة حيث قال: (لا يقصر عن الصحيح إذ ليس في طريقها من يتوقف فيه إلاإبراهيم بن هاشم وأخباره من الأخبار المعتمدة عند الأصحاب وإن لم يكن في ِشأنه توثيق صريح بل أخباره تُعد عند بعضهم من الصحاح)(2).

الثاني: أنّ العمل بروايات إبراهيم بن هاشم لا يحتاج إلى جبره باتفاق الأصحاب أو غيره وهو ما يظهر من صاحب الحدائق حيث قال: (يُعد حديث إبراهيم بن هاشم من بين أفراد الحسن في الصحيح كما صرح به في الذخيرة والمدارك وغيرهما, فإنه لا يُحتاج في العمل بالخبر المذكور إلى جبرٍ باتفاق الأصحاب ولا غيره)(3).

الثالث: قبول القميين لرواياته وأنه أول من نشر حديث الكوفيين بينهم, وهو ما يظهر من صاحب الحدائق أيضاً حيث قال: (على أن حديث إبراهيم بن هاشم مما عدّه في الصحيح جملة من محققي متأخري المتأخرين كالشيخ البهائي ووالده والمولى محمد باقر المجلسي ووالده وغيرهم وهو الحق الحقيقي بالاتباع؛ إذ لا يخفى أن ما ذكره علماء الرجال في حقه من أنه أول من نشر حديث الكوفيين بقم من أعلى مراتب التوثيق؛ لما عُلمَ من تصلب أهل قم في قبول الروايات

ص: 223


1- المستمسك: 14/558.
2- ذخيرة المعاد: 1/ق1/18.
3- الحدائق الناضرة: 5/386.

والطعن بمجرد الشبهة في محله من الثقات وزيادة احتياطهم في ذلك, فأخذهم عن هذا الفاضل وسماعهم عنه الحديث واعتمادهم عليه لا يقصر عن قولهم ثقة بقولٍ مطلق إن لم يزد على ذلك, وبالجملة فأهل هذا الاصطلاح مجمعون على قبول روايته)(1).

هذا، وبنى السيد الحكيم (قدس سره) على وثاقة إبراهيم بن هاشم لتوفر القرائن التي اقتضت الوثوق به في نظره (قدس سره) . وقد صرح ببعضها قائلاً: (إبراهيم بن هاشم جليل القدر الذي قيل في حقه أنه أول من نشر حديث الكوفيين في قم)(2)، وأشار إلى بعضها الآخر بأن تناولها بعض المتأخرين حيث قال: (والتوقف في حجيته من جهة أن في السند إبراهيم بن هاشم وفيه كلام -كما في المسالك- ضعيف بعد انعقاد الإجماع على العمل به والاعتماد عليه مع أن المحقق عند المتأخرين تصحيح خبره)(3). وقد تعرض لذلك جماعة من المتأخرين ممن لاحظنا مراجعة السيد الحكيم (قدس سره) لما يذكرونه في الرجال(4)، كالوحيد البهبهاني في تعليقته(5) والمحدث النوري في خاتمة المستدرك(6) والمامقاني في تنقيح المقال(7)، ويمكن بيان ما ذكره من القرائن بما يلي:

أولاً: ذكر النجاشي والشيخ في ترجمة إبراهيم بن هاشم - نقلاً عن أصحابنا- بأنه أول من نشر حديث الكوفيين بقم مع معروفية المدرسة القميَّة

ص: 224


1- الحدائق الناضرة: 3/354.
2- المستمسك: 3/196.
3- المستمسك: 9/95.
4- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/174-175.
5- تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال: 1/384.
6- المستدرك 4/33-37.
7- تنقيح المقال: 5/83-92.

بالتشدد في أمر الرواية فهو مع (بقائه مدة مديدة عندهم وتوطنه في بلدهم ونشر حديث الكوفيين فيهم وقبولهم إياها عنه وعملهم بها على ما هو الظاهر... وعدم صدور قدح من أحد منهم بوجه من الوجوه فيه في تلك المدة المديدة مع ما يظهر من حالهم من قدحهم الرجال خصوصاً بالنسبة إلى الأجلّة وسيما ما ارتكبوا بالنسبة إليهم من إخراج البلد وغير ذلك من الأذية وخصوصاً باعتبار رواية المراسيل وعن المجاهيل وغيرها مما لا يثبت عندهم عدالة رواتها فبملاحظة ما ذُكر وأن أحاديث الكوفيين ما كانوا يعرفونها قبل نشره حتى لا يحتاجوا إلى معرفة من يؤخذ عنه وأنه لو لم يُعرف حاله لم يضر... فبملاحظة جميع ما ذكر يترجح في النظر عدالته عندهم بل في الواقع أيضاً)(1).

وظاهر إبراز السيد الحكيم (قدس سره) لهذا الأمر في عبارته المتقدمة أنه يعتمد عليه في الوثوق بإبراهيم بن هاشم.

ثانياً: رواية جمع من الأجلاء عنه - حيث إنّ ذلك من الأمارات المفيدة للوثوق بالراوي عنده (قدس سره) كما مرّ في أصل البحث(2) وفي أبان بن عثمان وإبراهيم بن مهزيار- كابنه (علي) وقد أكثر عن الرواية عنه(3)، ومحمد بن الحسن الصفار في غير موضع(4)، وسعد بن عبد الله الأشعري(5)، ومحمد بن

ص: 225


1- تعليقة الوحيد: 1/387.
2- يُنظر مجلة دراسات علمية: 4/190-193.
3- يُلاحظ مثلاً الكافي: 1/ص30/ح1 و ص62/ح1 وص72/ح1 وص166/ح2 وص442/ح1.
4- التهذيب: 1/124/ح23 و 3/202/ح20 و 4/214/ح29 و 4/263/ح26 و 6/125/ح1 وغيرها.
5- التهذيب: 3/211/ح22 و 3/216/ح40 و 4/87/ح4 و 4/101/ح5 و 4/159/ح20 وغيرها.

علي بن محبوب(1)، وعلي ابن الحسن بن فضال(2)، وأحمد بن إدريس(3)، وعبد الله بن جعفر الحميري(4).

ثالثاً: روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري في غير موضع(5)، ولم يستثنه القميّون من روايات نوادر الحكمة. وهو عنده (قدس سره) مما قد يقتضي الوثوق بالراوي كما مرّ في أصل البحث(6) وسبق تقريبه في إبراهيم بن مهزيار.

رابعاً: عدّه العلامة (قدس سره) في القسم الأول من الخلاصة(7), وصحح طريق الصدوق إلى كردويه(8) الهمداني وعامر بن نعيم(9) وياسر الخادم(10), وإبراهيم بن هاشم موجود فيها, وهو محل اعتماد عند السيد الحكيم (قدس سره) ؛ إذ يندرج تحت توثيقات المتأخرين التي يعتمد عليها كقرينة تنتج الوثوق مع ضم سائر القرائن الأخرى، كما مرّ إيضاحه في أصل البحث(11) وفي أبان بن عثمان وإبراهيم بن مهزيار.

ص: 226


1- التهذيب: 3/249/ح5 و 4/42/ح20 و 6/300/ح45.
2- التهذيب: 4/10/ح15 و 4/11/ح17 و 4/52/ح6 و 4/59/ح6 و 4/61/ح11 وغيرها.
3- أمالي الصدوق: 32/مجلس9/ح3 و 291/ مجلس48/ح15 و 307/ مجلس50/ح16 و449/مجلس75/ح10.
4- أمالي الصدوق: 336/مجلس54/ح13 و 546/مجلس81/ح13.
5- الفقيه: 1/562/ح1549، والتهذيب: 1/260/ح42 و 2/267/ح103 و 3/206/ح37 و 4/84/ح19 وغيرها.
6- ينظر مجلة دراسات علمية: 4/196.
7- خلاصة الأقوال: 48/9.
8- الخلاصة: 347/ الفائدة الثامنة، ومشيخة الفقيه: 48.
9- الخلاصة: 438/الفائدة الثامنة، ومشيخة الفقيه: 38.
10- الخلاصة: 439/ الفائدة الثامنة، ومشيخة الفقيه: 48.
11- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/167.

خامساً: ذكر ابن طاووس (664ﻫ) الاتفاق على وثاقته في كتابه (فلاح السائل) قائلاً: (ورواه -الصدوق- في أماليه قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (قدس سره) قال: حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن محمد بن أبي عمير قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (علیه السلام) ... ورواة الحديث ثقات بالاتفاق)(1).

وقول ابن طاووس (قدس سره) هذا كسابقه يندرج تحت موقفه (قدس سره) من قول متأخري الرجال.

سادساً: أن إبراهيم بن هاشم من مشايخ الإجازة بشهادة وقوعه في جملة من طرق النجاشي والشيخ إلى أصحاب الكتب(2).

لكن قد تقدم في أصل البحث أنه لم يظهر من السيد الحكيم (قدس سره) اعتماده على مشيخة الإجازة في الكشف عن اعتبار الراوي أو جعلها جزء قرينة لذلك وإنما اعتمدها في موطن مقيداً لها ب-(المعتبرين) وهو ما تقدم في عبد الواحد بن محمد بن عبدوس(3). وظاهر تقييده عدم اعتماده على مطلق مشيخة الإجازة في إفادة اعتبار الراوي وإنما خصوص من حمل هذا الوصف، والظاهر أن مراده منه من أكثر من الرواية عنه مترحماً عليه تارة ومترضياً أخرى, كما في ابن عبدوس حيث أكثر الصدوق من الرواية عنه مترحماً عليه تارةً ومترضياً أخرى.

نعم، يمكن أن يصدق على إبراهيم بن هاشم كونه من مشايخ الإجازة المعتبرين نظراً إلى كثرة رواية الأجلاء عنه، ولا أقل كثرة رواية ابنه عنه، وحينئذٍ سيشكل جزء قرينة في الكشف عن اعتباره (قدس سره) .

ص: 227


1- فلاح السائل: 284/ح6.
2- رجال النجاشي: 16/16 و 26/47 و 38/77 وغيرها، والفهرست: 18/12 و 95/127 و 189/279 وغيرها.
3- المستمسك: 5/13، وينظر مجلة دراسات علمية: 4/196.

سابعاً: أن إبراهيم بن هاشم من مشايخ ابنه (علي) في تفسيره المعروف ب-(تفسير القمي) وقد قال في مقدمته: (ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم)(1)، وهو ظاهر في وثاقة جميع مشايخه الذين يروي عنهم في تفسيره ومنهم أبوه بل قد أكثر عنه فيه: (ومع هذا الإكثار لا يبقى ريب في أن أباه مراد من عموم قوله: مشايخنا وثقاتنا... فيكون ذلك توثيقاً صريحاً له من ولده الثقة)(2).

أقول: لم يقف السيد الحكيم (قدس سره) فيما تابعناه من كلماته (قدس سره) على بيان موقفه صريحاً من تفسير القمي والعبارة المذكورة في مقدمته, ودلالتها على وثاقة مشايخه على الرغم من نقله (قدس سره) الأخبار عنه حكاية -في الأعم الأغلب- في أكثر من موضع(3). نعم يظهر من موضع منها عدم وثوقه بالنسخة الموجودة من تفسير القمي -وقد نبه المعاصر له صاحب الذريعة إلى أن النسخة المتداولة من التفسير مدخولة(4)- فإنه (قدس سره) على الرغم من نقله للخبر المعتبر -لوصفه ب-(المصحح)- من تفسير القمي لم يعمل على طبقه لعدم القائل به, قال (قدس سره) : (وأما مصحح إسحاق بن عمار المروي عن تفسير القمي (قدس سره) عن أبي عبد الله (علیه السلام) .. فلم يعرف القول به فيتعين تأويله أو طرحه)(5).

والمتحصل: أن هناك سبعَ قرائنَ قيلت في وثاقة إبراهيم بن هاشم, والظاهر تمامية ست منها عند السيد الحكيم (قدس سره) الأولى لتصريحه بها, والبقية الظاهر

ص: 228


1- تفسير القمي: 1/مقدمة/ ص4 (ط: دار الكتاب. قم).
2- تنقيح المقال: 5/84.
3- المستمسك: 3/323 و 5/219 و 6/64 و106 و 7/50 و 9/317 و386 و247 و255 و257 و602 و 11/150.
4- الذريعة: 4/302-303 (ط: دار الأضواء. بيروت).
5- المستمسك: 6/379، وتفسير القمي: 2/30.

تماميتها على وفق ما تقدم من مبانيه الرجالية, وأما السابعة فلم يظهر تماميتها عنده (قدس سره) .

بقي هنا أمر، وهو:

أن إبراهيم بن هاشم وإن لم ينص عليه بتوثيق لكن وصفه جملة من الأعلام ب-(عظم الشأن وجلالة القدر) كالشهيد الثاني في المسالك(1) والمحقق الخوانساري في مشارق الشموس(2) والوحيد البهبهاني في حاشيته على مجمع الفائدة(3) وصاحب الجواهر فيها(4), وجرى على ذلك السيد الحكيم (قدس سره) في المقام حيث وصفه ب-(جليل القدر)(5).

ويظهر من كلماتهم أن منشأ وصفه ب-(عظم الشأن وجلالة القدر) أمران:

الأول: أنه كثير الرواية جداً وبذلك يكون مندرجاً تحت ما روي عن الصادق (علیه السلام) : (اعرفوا منازل الرجال على قدر رواياتهم عنا)(6)، وهو ما يظهر من الشهيد الثاني (قدس سره) (7)، وصريح المحقق الخوانساري (قدس سره) حيث قال:

(إبراهيم بن هاشم وإن لم ينص الأصحاب على توثيقه لكن الظاهر أنه من أجلاء الأصحاب وعظمائهم المشار إلى عظم منزلتهم ورفع قدرهم في قول الصادق (علیه السلام) : (اعرفوا منازل الرجال على قدر رواياتهم عنا))(8).

ص: 229


1- مسالك الأفهام: 7/469 و 9/76 و 10/20.
2- مشارق الشموس: 1/13.
3- حاشية الوحيد على مجمع الفائدة: 173.
4- جواهر الكلام: 4/8.
5- المستمسك: 3/196.
6- رجال الكشي: 1/رقم 1-3.
7- مسالك الافهام: 7/469.
8- مشارق الشموس: 1/13.

الثاني: أنه أول من نشر حديث الكوفيين في قم، وهو لا يكون إلا مع التلقي والقبول، وقبول رواياته من قبل القميين المعروفين بالتشدد في أمر الرواية يكشف أن إبراهيم بن هاشم كان بمرتبة من الوثاقة والجلالة جعلت منهم يتلقون مروياته بالقبول. وهو ما يظهر من الشهيد الثاني في رسائله(1)، وصاحب الجواهر قائلاً: (بأن إبراهيم بن هاشم مع أنه من مشايخ الإجازة فلا يُحتاج إلى توثيقه في وجه عدم نصهم على توثيقه لعله لجلالة قدره وعظم منزلته كما لعله الظاهر ويشعر به ما حكاه النجاشي عن أصحابنا أنهم كانوا يقولون: إن إبراهيم بن هاشم هو أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم بعد انتقاله من الكوفة, فإنه ظاهر -وإن لم يكن صريحاً- في كونه ثقة معتمداً عليه عند أئمة الحديث من أصحابنا؛ إذ نشر الأحاديث لا يكون إلا مع التلقي والقبول وكفى بذلك توثيقاً, سيما بعد ما علم من طريقة أهل قم من تضييق أمر العدالة عندهم وتسرعهم في جرح الرواة والطعن عليهم وإخراجهم عن بلدة قم بأدنى ريب وتهمة... فلولا أن إبراهيم بن هاشم بمكان من الوثاقة والاعتماد عندهم لما سلم من طعنهم وغمزهم)(2).

6- أبو بصير

أبو بصير كنية لعدة رواة منهم أربعة ذكرهم ابن داود: (أبو بصير مشترك بين أربعة منهم ليث بن البختري... وأبو بصير يحيى بن القاسم المكفوف، وأبو بصير يوسف بن الحارث بتري، وأبو بصير عبد الله بن محمد الأسدي)(3)، لكن المشهور منهم في أسانيد الأخبار اثنان, ليث بن البختري ويحيى بن القاسم،

ص: 230


1- رسائل الشهيد الثاني: 256 (ط: حجري).
2- جواهر الكلام: 4/8.
3- رجال ابن داود: 392-393.

وربما تقع الشبهة والإشكال في وثاقة كل منهما ولكن المشهور عند المتأخرين توثيقهما وإماميتهما، ومن هنا صححوا الأخبار التي وقع فيها هذا العنوان.

وقد وافق السيد الحكيم (قدس سره) مشهور المتأخرين في ذلك قائلاً: (إن المُحقَّق: أن أبا بصير ثقة سواء كان ليثاً أم يحيى)(1).

وأما وجه الشبهة والإشكال في ليث بن البختري ويحيى بن القاسم، فسيأتي التعرض له في عنوانيهما.

7- أبو بكر الحضرمي

عبد الله بن محمد أبو بكر الحضرمي, الكوفي, سمع من أبي الطفيل, تابعي, روى عن الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) (2)، روى الكشي له مناظرة حسنة جرت مع زيد لكن في طريقها محمد بن جمهور(3)، وهو (ضعيف الحديث فاسد المذهب)(4)، كما روى ما يدل على تشيعه(5)، لكن في طريقه عمرو بن إلياس وهو مجهول(6)، وجعله في عداد أصحابنا في ترجمة البراء بن عازب إلى جنب أبان بن تغلب والحسين بن أبي العلاء قائلاً: (روى جماعة من أصحابنا منهم أبو بكر الحضرمي وأبان بن تغلب والحسين بن أبي العلاء وصباح المزني عن أبي جعفر (علیه السلام) ...)(7).

فالرجل لم يُذكر بتوثيق صريح لكن ذهب جمع من الأعلام كالوحيد في

ص: 231


1- المستمسك: 5/566.
2- رجال الشيخ: 23/2116.
3- رجال الكشي: 416/788.
4- رجال النجاشي: 337/901.
5- رجال الكشي: 417/789 و 790.
6- ينظر: حاشية الشهيد الثاني على الخلاصة: 171.
7- رجال الكشي: 44/94.

تعليقته(1) والمحدث النوري في خاتمة المستدرك(2) والمامقاني في التنقيح(3) إلى وثاقته أو لا أقل حسنه، إلا أن كلمات السيد الحكيم (قدس سره) اختلفت فيه فقد وصف في موضع رواية الرجل بأنها صحيحة أو حسنه بصيغة الترديد قائلاً: (بحسن الحضرمي أو صحيحه عن الصادق (علیه السلام) قال: قال رسول الله (ص) عن جامع...)(4)، وقد رواها الكليني عن (علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي بكر الحضرمي)(5).

لكن بعضها الآخر كالصريح في عدم صحة الحديث من جهته وهو قوله: (نعم في صحيح ابن مسكان عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام) ...)(6) والصيغة المذكورة أعني (صحيح فلان عن فلان) ظاهرة في أن السند صحيح إلى أبي بكر وأما هو فغير داخل في الحكم بالصحة، بل لعله ينفي حسنه أيضاً وإلا لنبّه عليه.

ومما قد ينفي صحة الحديث وحسنه من جهته صريحاً قوله: (كما لا يقدح أيضاً فيه ضعف سنده لإهمال عثمان وعدم التنصيص على أبي بكر؛ إذ في رواية الأساطين لها كالمفيد ومحمد بن يحيى وسعد وأحمد بن محمد -الظاهر أنه ابن عيسى الأشعري- وعلي بن الحكم نوع اعتماد عليها)(7) فهو (قدس سره) عالج ضعف سند الرواية بما يقتضي اعتبارها مع ضعف سندها بجهالة عثمان وأبي بكر.

ص: 232


1- تعليقة الوحيد: 370 (ط. ق).
2- خاتمة المستدرك: 4/426-428.
3- تنقيح المقال: 2/204/7037 (ط. حجري).
4- المستمسك: 3/20.
5- الكافي: 5/244/ح2.
6- المستمسك: 14/243، ويُنظر الكافي: 5/431/ح2.
7- المستمسك: 2/79، ويُنظر التهذيب: 1/273/ح91.

كما وصف في عدة مواضع رواية أبي بكر الحضرمي ب-(الخبر) مع أنه ليس في أسانيدها من يتوقف فيه غيره وهو ظاهر في ضعف سندها من جهته منها قوله: (خبر أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) إني خرجت بأهلي ماشياً...)(1) و (خبر الحضرمي وكليب الأسدي جميعاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنه حكى لهما الأذان ...)(2) و (استدل له بخبر سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: لا تقرأ في الفجر شيئاً من ال حم)(3).

والكلام يقع في أمرين:

الأول: هل يمكن استنباط وثاقة أبي بكر الحضرمي أو حسن حاله وفق المباني العامة للسيد الحكيم (قدس سره) .

الثاني: ما هو السبب في اختلاف كلماته (قدس سره) في أبي بكر الحضرمي.

أما الأمر الأول: فهناك أمارات عامة على وثاقة أبي بكر الحضرمي أو حسن حاله كما ذكرها غير واحد من الأعلام الثلاثة: (الوحيد، والمحدث النوري، والمامقاني) الذين يعتمد عليهم السيد الحكيم (قدس سره) في مراجعته الرجالية، وهي:

الأولى: رواية جمع من الأجلاء عنه وفيهم من قيل في حقهم: إنهم لا يروون إلا عن ثقة - كابن أبي عمير(4) وصفوان بن يحيى(5) - وأصحاب الإجماع مضافاً إلى من سبقه، جميل بن دراج(6) وعبد الله بن مسكان(7)

ص: 233


1- المستمسك: 11/253، ويُنظر الكافي: 4/324/ح3.
2- المستمسك: 5/240.
3- المستمسك: 6/160، ويُنظر التهذيب: 2/60/ح4 و 3/276/ح123.
4- الكافي: 5/544/ح2.
5- الفقيه: 4/49/ح5068.
6- الكافي: 4/554/ح3.
7- الكافي: 3/408/ح2.

ويونس بن عبد الرحمن(1) وسائر الثقات كثعلبة بن ميمون(2) وأيوب بن الحر(3) وسيف بن عميرة, وقد أكثر من الرواية عنه(4).

الثانية: عدّه ابن شهرآشوب في المناقب من خواص أصحاب الصادق (علیه السلام) (5).

الثالثة: ذكره العلامة في القسم الأول من الخلاصة مرتين(6)، وكذا ابن داود في رجاله مصرحاً بتوثيقه في الثانية(7).

الرابعة: ما تقدمت الإشارة إليه من الأخبار التي رواها الكشي وهي تدل على تشيعه وكمال دينه، وعدّه من جملة أصحابنا.

الخامسة: كونه كثير الرواية وأكثر رواياته مقبولة ومعمول بها.

وهذه الأمور مجتمعة وإن كان بإمكانها أن تُعطي وثاقته أو لا أقل حسن أبي بكر الحضرمي حسبما تقدم من مباني السيد الحكيم (قدس سره) الرجالية خصوصاً الثلاثة الأولى مدعومة بالأمرين الأخيرين كما مرّ اعتماده على نظيرها في أبان بن عثمان وإبراهيم بن مهزيار، لكن مع ذلك قد لاحظت اختلاف كلماته (قدس سره) في أبي بكر الحضرمي.

وأما الأمر الثاني: فلا يبعد أن يكون السيد الحكيم (قدس سره) قد راجع الموضوع في المقام الأول الذي تردد فيه في وثاقة أو حسن حال أبي بكر الحضرمي مراجعة أفضت إلى بنائه على أحد أمرين، ولكنه في سائر المواضع لم يتأت له فوصف

ص: 234


1- الكافي: 5/33/ح4.
2- الكافي: 3/235/ح1.
3- الكافي: 7/17/ح5.
4- الكافي: 1/298/ح3 و 1/204/ح3 و 2/410/ح5 وغيرها.
5- مناقب آل أبي طالب: 4/303.
6- خلاصة الأقوال: 200/621 و 302/1137.
7- رجال ابن داود: 211/881 و 293/12.

أحاديث أبي بكر الحضرمي بما وصفها به الأصحاب من قبله أو أنه اختار تعبيراً وسطاً بينهم بعدما وجدهم مختلفين في وصفها، كما في الرواية التي استعمل فيها صيغة (صحيح ابن مسكان عن أبي بكر الحضرمي), فقد وصفها العلامة في المختلف ب-(الصحيح)(1) وكذا ابن فهد الحلي في المهذب(2)، بينما وصفها صاحب الحدائق ب-(الحسنة)(3) وصاحب الجواهر ب-(الخبر)(4) ولما كان ذلك بحسب الظاهر من جهة أبي بكر الحضرمي قال (قدس سره) : (صحيح ابن مسكان عن أبي بكر الحضرمي).

وأما الرواية الثالثة والرابعة -أعني قوله: (خبر أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : إني خرجت بأهلي ماشياً) و (خبر الحضرمي وكليب الأسدي جميعاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) )- فقد وصفهما جمع من الأعلام ب-(الخبر) أو (الرواية) كما في كشف الرموز(5) ومنتهى المطلب(6)، ومجمع الفائدة(7)، وذخيرة المعاد(8)، وكشف اللثام(9)، والحدائق(10)، والجواهر(11).

وأمّا الأخيرة -أعني قوله: (استدل بخبر سيف بن عميرة عن أبي بكر

ص: 235


1- المختلف: 7/52.
2- المهذب البارع: 3/593.
3- الحدائق: 23/265.
4- الجواهر: 29/284.
5- كشف الرموز: 1/149.
6- منتهى المطلب: 4/476.
7- مجمع الفائدة: 2/180 و 6/183.
8- ذخيرة المعاد: الرقم2/253 و الرقم3/576.
9- كشف اللثام: 3/376 و 5/213.
10- الحدائق: 7/402 و 14/445.
11- الجواهر: 9/82 و 15/111.

الحضرمي)- فقد وصفها صاحب الجواهر(1)، والشيخ الأعظم(2) ب-(الخبر) بينما وصفها صاحب الرياض(3) والنراقي(4) ب-(الحسنة), ولعل ملاحظته كانت للجواهر فقط في هذه الرواية أو لها مع كتاب الصلاة للشيخ الأعظم.

ولا يبعد أن يكون منشأ اكتفائه (قدس سره) بوصف من سبقه من الأعلام لروايات أبي بكر الحضرمي في هذه الموارد هو أنه لم يكن مدرك المسألة المبحوث عنها في كلماته (قدس سره) متوقفاً على وثاقة أبي بكر أو حسنه لقيام شهرة أو إجماع في موارد مفاد مرويات أبي بكر الحضرمي كما نجد ذلك في الخبر الثالث والرابع والخامس، إذ على مبناه (قدس سره) ستكون الشهرة جابرة للخبر على تقدير ضعفه بأبي بكر الحضرمي فتتم به حجيته.

وهكذا الحال مع الخبر الأول الذي وصفه ب-(الحسن أو الصحيح), فهو وإن كان مفاده مطابقاً للشهرة لكن لعل الذي دعاه للنظر في حال الحضرمي فيه ظاهراً وترديد وصفه بالحسن أو الصحيح مع أن من سبقه وصفه ب-(الحسن) فقط هو أنه كان المدرك الوحيد في المسألة إلى جنب الشهرة.

وأما الخبر الثاني فمفاده كان على خلاف الإجماع المدعوم بصحيح زرارة، وبالتالي لا فائدة في معرفة حال أبي بكر وبذل الجهد فيه؛ لأنه حتى على تقدير وثاقته وكون حديثه صحيحاً فهو يكون ساقطاً عن الحجية للإجماع على خلافه.

وهذا يُفسر أيضاً الوجه في معالجة ضعف سند الرواية بإهمال عثمان وعدم التنصيص على أبي بكر بما يقتضي اعتبار الخبر حتى على تقدير بقاء ضعف السند بهما؛ لأن المعالجة التي ذكرها اقتضت الوثوق بالخبر وصلاحيته

ص: 236


1- الجواهر: 9/351.
2- كتاب الصلاة: 1/408.
3- رياض المسائل: 3/395.
4- مستند الشيعة: 5/105.

للاستدلال, وهو كافٍ في إثبات مطلوبه خصوصاً وأنه في المورد حتى لو عولج حال الحضرمي تبقى المشكلة السندية من جهة إهمال عثمان بن عبد الملك الذي لم يذكر في كتب الرجال.

وقد نبَّهنا في مقدمة هذا البحث إلى أن الملاحظ من طريقته (قدس سره) أنه يستغني عن المناقشة السندية بوجود ما يمكن أن يرفع الإشكال من حيث الدلالة أو وجود ما يقتضي سقوطها بالإعراض(1).

والمتحصل: أن السيد الحكيم (قدس سره) وإن لم يتعرض لحال أبي بكر الحضرمي صريحاً, إلا أن ظاهر تردده في وصف حديثه ب-(الحسن أو الصحيح) يكشف عن أن حاله عنده (قدس سره) دائر بين الحسن والوثاقة, وأما الموارد التي وصف حديثه فيها ب-(الخبر) فهو قد اعتمد بذلك - ظاهراً- على وصف من سبقه من الأعلام مكتفياً به؛ لعدم توقف الاعتماد على خبر أبي بكر الحضرمي فيها أو رفضه على معرفة حاله.

8- أبو الربيع الشامي

خالد (خُليد) بن أوفى, أبو الربيع, الشامي, العنزي, روى عن الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) لم يُذكر بمدح أو ذم في كلمات متقدمي الرجال(2).

وقد اختلفت كلمات السيد الحكيم (قدس سره) بعض الشيء حول أبي الربيع الشامي, ففي موضع ذكر إيراداً بضعف الخبر بعدم ثبوت وثاقته ودفعه من غير جهته, وبَيَّن أنه حتى لو تمت حجية حديثه لا يمكن الاستناد إليه في المقام؛ لحصول الإعراض عنه مما قد يُعطي أنه (قدس سره) لم يحسم الأمر في حاله. قال (قدس سره) :

ص: 237


1- مجلة دراسات علمية: 4/157.
2- رجال النجاشي: 153/403 و 455/1233، والفهرست: 525/841، ورجال الشيخ: 134/1388.

(نعم، قد يعارضه ما عن المحقق (قدس سره) (1) عن كتاب الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الجنب يمس الدرهم... والطعن بسند الثاني بعدم ثبوت وثاقة خالد ولا أبي الربيع، مندفع -كما قيل- برواية الحسن بن محبوب الذي هو -مع أنه من أصحاب الإجماع- لا يروي إلا عن ثقة ولاسيما مع تأييده بمصحح إسحاق... والإنصاف: أنه لو تمت حجية رواية أبي الربيع في نفسها أمكن وهنها بإعراض الشيخين ومن تأخر عنهما عنها)(2).

وهكذا وصف جملة من روايات أبي الربيع الشامي التي وردت بهذا الطريق ب-(الخبر)(3). ومن ذلك قوله (قدس سره) : (مثل خبر أبي الربيع: (إن الأرض ليست مثل الأجير...) )(4)، ولكنه وفي نفس الموضع وصف الخبر المذكور ب-(الحسنة)، ولم يتضح وجهه خصوصاً وأن من سبقه من الأعلام ممن تناول الخبر المذكور لم يصفه بذلك، بل بمثل (عن أبي الربيع) كما في المختلف(5)، والحدائق(6) أو (خبر أبي الربيع) كما في الجواهر(7).

هذا، وذهب الحر العاملي في (أمل الآمل) وتبعه المحدث النوري في الخاتمة إلى وثاقة أبي الربيع الشامي لقرائن، كرواية ابن مسكان عنه كما في طريق النجاشي إليه ويونس بن عبد الرحمن والحسن بن محبوب وهم من أصحاب الإجماع, ومنصور بن حازم وأنه كثير الرواية, وأن للصدوق طريقا إليه في المشيخة, وذكر النجاشي والشيخ له في فهرستهما مما يدل على أنه من مؤلفي

ص: 238


1- المعتبر: 1/188.
2- المستمسك: 3/43-44.
3- المستمسك: 1/252 و 2/163 و 10/76 و160 و 12/95 و 13/49 و56 و 14/234.
4- المستمسك: 12/93.
5- المختلف: 6/146.
6- الحدائق: 21/292.
7- جواهر الكلام: 27/223.

الشيعة نظراً إلى إعدادهما مبدئياً لذلك. وأنه من أصحاب الصادق (علیه السلام) الذين يظهر من المفيد (قدس سره) وثاقة أربعة آلاف راوٍ منهم، والمذكور في كتب الرجال دون هذا العدد، وفيهم أبو الربيع الشامي(1).

لكن لم يظهر كفاية ذلك في اعتبار أبي الربيع عند السيد الحكيم (قدس سره) أما رواية بعض أصحاب الإجماع والثقات فهي مع قلة مواردها فإن رواية الأجلاء -عنده (قدس سره) - بنفسها غير كافية في الكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه لاحتمال اعتمادهم على قرائن اتفاقية اقتضت وثوقهم بالخبر. نعم، في حال انضمت إليها قرائن أخرى كتكرر نقلهم عنه ومن أكثر من واحد, وكثرة رواية بعضهم عنه, وتصحيح العلامة لطريق هو فيه, وأمثالها قد يقتضي ذلك وثاقته, وهي غير متوفرة في أبي الربيع الشامي.

وأما بقية القرائن الأخرى التي ذكرها العلمان، فلم يظهر من تضاعيف كلماته (قدس سره) أنه يعتمدها ولو جزء قرينة في الوثوق بالراوي.

هذا مضافاً إلى عدم وضوح كلام الوحيد في التعليقة بالانتهاء إلى حُسنه بل يدل بعض كلامه على ذمه, قائلاً: (للصدوق طريق إليه، وحكم خالي بحسنه وفي باب حب الرئاسة حديث يدل على تشيعه ويستفاد منه ذم بالنسبة إليه)(2)، وهكذا اختلفت كلمات المامقاني فيه حيث انتهى في (خالد بن أوفى) إلى أن (ظاهره كونه إمامياً إلا أنا لم نقف فيه على مدح يلحقه بالحسان)(3) وفي

(خليد بن أوفى) إلى أن (الحق عدّ حديث الرجل من الحسان أقلاً)(4) وفي (أبو الربيع الشامي) إلى (أن الرجل إمامي ظاهراً مجهول الحال, ورام بعضهم

ص: 239


1- أمل الآمل: 1/82/79، وخاتمة المستدرك: 5/422-434.
2- تعليقة الوحيد: 376 (ط.ق).
3- تنقيح المقال: 25/54 (ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ).
4- تنقيح المقال: 25/411 (ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ).

إصلاح حاله برواية ابن محبوب عنه وأنت خبير بأنه لا يثمر إلا الاعتماد على ما رواه عنه ولا يجعل الرجل معتمداً فيما رواه عنه غيره)(1).

والظاهر أن هذا الحال كان كافياً عنده (قدس سره) في عدم الوثوق بحال الرجل وإخراجه من الجهالة إلى الوثاقة أو الحُسن.

9- أبو علي الحراني

ذكره النجاشي والشيخ بهذا العنوان من غير مدح أو ذم(2), روى عن الإمام الصادق (علیه السلام) (3) وروى عنه ابن أبي عمير(4) وهارون بن مسلم(5).

وظاهر السيد الحكيم (قدس سره) التأمل في وثاقته قائلاً: (وأما ما عن المدارك من الاستدلال للحكم بروايتي أبي بصير الأولى وأبي علي والاستشكال فيه لاشتراك راوي الأولى بين الثقة والضعيف وجهالة راوي الثانية في غير محله, لاسيما... وأن ابن أبي عمير الراوي عن أبي علي في طريق الصدوق (قدس سره) لا يروي إلا عن ثقة كما عن الشيخ. فتأمل)(6). ووجه التأمل ظاهر مما مرّ من أن مبناه (قدس سره) هو عدم دلالة رواية المشايخ الثلاثة -الذين قيل في حقهم أنهم

ص: 240


1- تنقيح المقال: 3/الكنى/ص16 (ط: الحجرية).
2- رجال النجاشي: 456/1239، والفهرست: 529/851. وذكر طريقاً إلى كتابه عن (ابن بُطه عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن أبي علي). والظاهر أنه هو (أبو علي الواسطي) الذي ورد في المحاسن: 1/220/ح124 و 1/265/342، وكذا روى عنه البرقي في الكافي 2/127/ح12 و 5/515/ح6، والخصال: 2/404/ح116. علماً أنه ورد في المحاسن (أبو علي) مجرداً في موضعين 2/493/ح586 و 2/539/ح819.
3- الفقيه: 1/408/ح1217.
4- نفس المصدر السابق.
5- كامل الزيارات: 251/باب 83/ح3.
6- المستمسك: 5/566.

لا يروون إلا عن ثقة- على وثاقة من يروون عنه, وأن ما قيل في حقهم إنما يدل على أنهم عرفوا بمزيد التثبت والإتقان, وأنهم لا يروون إلا عمن يثقون به ولو في خصوص الخبر الذي رووه عنه؛ لتوفر قرائن - كانت كافية في نظرهم في الوثوق به- نعم في حال انضمت إليها قرائن أخرى أمكن تحصيل الوثوق بالراوي لكنها مفقودة في المقام(1).

ثم إنه ناقش بما ذكره صاحب الجواهر في المقام من أن (أبا علي الحراني) هو (سلام بن عمر الثقة) قائلاً: (وأما ما في الجواهر(2) من أن أبا علي الحراني سلام بن عمر الثقة فلم أعرف مأخذه, إذ ليس فيمن يسمى سلاماً من ينسب إلى حران. نعم، سلامة بن ذكاء الحراني يكنى أبا الخير صاحب التلعكبري(3), وكذا ليس فيهم من هو ثقة عندهم سوى سلام بن أبي عمرة الخراساني(4))(5).

وحاصله: عدم تمامية ما ذكره صاحب الجواهر من جهتين:

أ: ليس فيمن يسمى سلاماً من ينسب إلى حران، نعم سلامة بن ذكاء الحراني. لكنَّ كنيته (أبو الخير) وليس (أبا علي)(6).

ب: ليس فيمن اسمه سلام من هو ثقة عند الرجاليين سوى سلام بن أبي عمير الخراساني وهو -ومن سبقه- غير من ذكره صاحب الجواهر.

ص: 241


1- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/181-186.
2- جواهر الكلام: 9/42 (ط. دار الكتب الإسلامية- طهران).
3- رجال الشيخ: 427/6140.
4- رجال النجاشي: 189/502.
5- المستمسك: 5/566.
6- ورد في أمالي الطوسي: 473/مجلس17/ح1، سلام بن رزين الحراني.

10- أبو الورد

ذكره البرقي والشيخ في أصحاب الباقر (علیه السلام) بكنيته(1), وله رواية عن الإمام الصادق (علیه السلام) (2) والظاهر كونه شيعياً ففي الصحيح عن سلمة بن محرز (كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) إذ جاء رجل يقال له: أبو الورد... أما أنتم فترجعون مغفوراً لكم وأما غيركم فيُحفظون في أهاليهم وأموالهم)(3) وليس له توثيق صريح في كلمات القدماء, ومال جماعة من المتأخرين إلى حسن حاله لجملة من القرائن فقد عده المجلسي في الوجيزة ممدوحاً(4) ووثقه المحدث النوري في الخاتمة(5) وجرى عليه المامقاني في الرجال(6)، والكلام يقع في أمرين:

الأول: موقف السيد الحكيم (قدس سره) بملاحظة مجموع كلماته.

الثاني: مقتضى مبانيه العامة فيما لا نص على توثيقه.

أما عن الأمر الأول: فالظاهر عدم اعتماد السيد الحكيم (قدس سره) عليه حيث قال: (وكان مأخذه خبر أبي الورد المتقدم لكنه... قاصر السند مخالف لإجماع الخلاف)(7), وليس في السند من يتوقف فيه سوى أبي الورد؛ إذ رواها الشيخ بسنده -المصحح بإبراهيم بن هاشم- عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي الورد(8).

ص: 242


1- رجال البرقي: 14، ورجال الشيخ: 15/1667.
2- الكافي: 4/263/ح46 و 7/294/ح2.
3- الكافي: 4/263/ح46.
4- الوجيزة: 357/2262 (ط: مؤسسة الأعلمي).
5- خاتمة المستدرك: 5/441.
6- تنقيح المقال: 3/الكنى/ص37 (ط. حجري).
7- المستمسك: 3/359 و361.
8- التهذيب: 1/392/ح33، ومشيخة التهذيب: 10/385/رقم 11.

نعم، له كلام آخر قد يتراءى منه بدواً ميله إلى وثاقته على تأمل، حيث قال: (ويشهد به الصحيح عن أبي الورد وضعفه بأبي الورد لو سلم مجبور بالعمل, وفي حاشية الوحيد (قدس سره) في الرجل (ربما أجمع على العمل بروايته في المقام) مع أنه عدّه في الوجيزة من الممدوحين, وأن في السند حماد بن عثمان وهو من أصحاب الإجماع. فتأمل)(1).

لكن الصحيح اعتماده (قدس سره) في المورد على الرواية لا على الرجل؛ لأنه اعتمد على مجموع قرائن ثلاث:

القرينة الأولى: عمل المشهور بهذه الرواية بل عن الوحيد الإجماع عليه, وهذه القرينة تتعلق بشخص هذه الرواية فإنه من قبيل جبر الرواية بالشهرة, ومن المعلوم أنه لا يقتضي وثاقة رجال الرواية المنجبرة ودعوى أن العمل بها لا ينفك عن البناء على وثاقته ليست واضحة؛ إذ من المحتمل أن يكون هذا الاعتماد ليس من جهة الوثوق ب-(أبي الورد) بل لوجود أحد أصحاب الإجماع في سنده وهو حماد بن عثمان, وبالتالي لا يكون في إجماعهم على العمل بروايته في المورد دلالة على وثاقته نظراً إلى احتمال استنادهم على تصحيح روايات أصحاب الإجماع. وقد عرفت عدم تماميتها عنده (قدس سره) .

القرينة الثانية: عدّ المجلسي إياه من الممدوحين وهو من قبيل توثيقات المتأخرين التي لا يُعوَّل عليها عنده (قدس سره) وحدها مالم ينضم إليها ما يفيد وثاقته بنحو عام, فتتثبت وثاقته بالمجموع, وإن كان ما ينضم إليه مما يفيد اعتبار الرواية كانت نتيجة المجموع اعتبار الرواية لا أزيد وهذا هو الحاصل في المقام.

القرينة الثالثة: وجود حماد بن عثمان في السند وهو من أصحاب الإجماع, وهي لا تفيد عنده وثاقة من رووا عنه لما تقدَّم من مبناه(2) في الإجماع

ص: 243


1- المستمسك: 2/398.
2- يُنظر مجلة دراسات علمية: 4/180.

الذي نقله الكشي وتلقاه من بعده بالقبول إنما مفاده هو بناء الأصحاب على صحة روايات هؤلاء والوثوق بها لا وثاقة مشايخهم, خصوصاً في المقام فإن حماد بن عثمان إنما روى عن أبي الورد بتوسط محمد بن النعمان, ولم يرو عنه مباشرة حتى يمكن القول بدلالته على وثاقته -بناء على القول بها- .فالمتحصل: أن السيد الحكيم (قدس سره) لم يعتمد في المورد على الرجل بما يقتضي بناؤه على وثاقته, بل مال إلى اعتماد الرواية ولم يثبت بذلك وثاقته وأمر بالتأمل في ذيل عبارته, وكأن الوجه فيه عدم نهوض المقدار المذكور للبناء عليها.

وأما الأمر الثاني: وهو مقتضى مبانيه (قدس سره) فقد يقال: بحصول الوثوق بوثاقة الرجل بحسبها؛ إذ يضاف إلى نص المجلسي على مدحه ما ذكره المحدث النوري من رواية جملة من الأجلاء والثقات عنه كعلي بن رئاب(1) وهشام بن سالم(2) وأبي أيوب الخزاز(3) والحسن بن محبوب(4) وأبي عبيدة الحذاء(5) ومالك بن عطية(6).

ولعل السيد الحكيم (قدس سره) لم يجد هذا المقدار كافياً, ويحتمل أنه (قدس سره) لم يقف على رواية الأجلاء عنه؛ إذ لا يبعد أنه لاحظ في المورد خصوص تعليقة الوحيد(7) الخالية من ذكرها, مع ما ذكره فيه صاحب الحدائق(8) والجواهر(9) من

ص: 244


1- الكافي: 3/103/ح5، والفقيه: 2/94/ح1831.
2- الفقيه: 3/155/ح3565.
3- الكافي: 4/66/ح4، والخصال: 1/209/ح135.
4- المحاسن: 1/103/ح81، وثواب الأعمال: ص250، والتهذيب: 10/231/ح47.
5- الكافي: 6/121/ح2.
6- الكافي: 4/263/ح46.
7- تعليقة الوحيد: 387 (ط. ق).
8- الحدائق الناضرة: 2/310.
9- جواهر الكلام: 2/240.

عدّ المجلسي له في الوجيزة من الممدوحين وكون الراوي عنه أحد أصحاب الإجماع, ولم يُلاحظ خاتمة المستدرك التي تعرضت لرواية الأجلاء, وأما تنقيح المقال فالجزء الثالث منه المذكور فيه أبو الورد طُبعَ بعد فراغه (قدس سره) من الجزء الثاني من المستمسك الذي تعرض فيه لأبي الورد(1), مضافاً إلى أن رواية سلمة بن محرز ضعيفة بجهالته(2).

11- أحمد بن هلال العبرتائي

أحمد بن هلال العبرتائي, أبو جعفر, البغدادي, الكوفي, ولد سنة (180ﻫ) ومات (267ﻫ) و قيل (269ﻫ), ورد فيه لعن وذموم(3), وروى الصدوق بسندٍ صحيح عن سعد بن عبد الله أنه كان يقول: (ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا أحمد بن هلال)(4). وقد استثنى القميّون من كتاب نوادر الحكمة ما كان فيه تخليط وغلو ومن ذلك ما رواه أحمد بن هلال(5), وقال فيه الصدوق: (إنه مجروح عند مشايخنا (رض)... وأنهم كانوا يقولون: ما تفرد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله)(6), وقال ابن الغضائري: (أرى التوقف في حديثه إلا فيما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة ومحمد بن أبي عمير في نوادره, وقد سمع هذين الكتابين جلّة أصحاب الحديث

ص: 245


1- طبع تنقيح المقال الجزء الثالث: 7/رجب/1349ﻫ على الحجر بينما فرغ السيد الحكيم من المستمسك الثاني: 21/محرم/1349ﻫ كما هو مذكور في آخرهما.
2- رجال الشيخ: 137/1434.
3- رجال الشيخ: 535/1020، ورجال الشيخ: 83/107، ورجال الشيخ: 284/5649.
4- كمال الدين: 1/76.
5- رجال النجاشي: 548/339، والفهرست: (144/612).
6- كمال الدين: 1/76.

واعتمدوه فيهما(1) وقال النجاشي: (صالح الرواية يُعرف ويُنكر, قد روي فيه ذموم من سيدنا أبي محمد العسكري)(2), وقال الشيخ في الفهرست: (كان غالياً متهماً في دينه روى أكثر أصول أصحابنا)(3), وفي الرجال: (بغدادي غالي)(4) وفي التهذيب: (خاصة صاحب التوقيع أحمد بن هلال فإنه مشهور بالغلو واللعنة وما يختص بروايته لا نعمل به)(5) وفي الاستبصار: (ضعيف فاسد المذهب لا يلتفت إلى حديثه فيما يختص بنقله)(6) و(ضعيف جداً)(7), وذكره في الغيبة في المذمومين الذين ادعوا البابية(8).

وأحمد بن هلال من الرواة الذين تعرض لهم السيد الحكيم (قدس سره) بشكل مفصل وفي موضعين, حتى إنه خرج عن الاختصار الذي بنى عليه كتابه, وقد عرض في كل منهما بعض ألفاظ الجرح التي وردت في حقه, ولكنه في الأول منهما قبل بضعف الرجل, إلا إنه ذكر قرائن توجب الوثوق بالرواية التي كانت محل كلامه, وأما في الثاني فقد تطرق للمناقشة في بعض تلك القرائن ولكنه منع من أصل ضعف الرجل, ورجح وثاقته أو كون الروايات عنه في زمان وثاقته. قال في الموضع الأول -ذاكراً لبعض ألفاظ الذم فيه عن سعد والكشي والشيخ والعلامة-: (والطعن بالسند باشتماله على أحمد بن هلال العبرتائي الذي رجع عن التشيع إلى النصب -كما عن سعد بن عبد الله الأشعري- والملعون المذموم

ص: 246


1- رجال ابن الغضائري: 111/166.
2- رجال النجاشي: 83/107.
3- الفهرست: 83/107.
4- رجال الشيخ: 284/5649.
5- التهذيب: 9/204/ذيل حديث9.
6- الاستبصار: 3/28/ذيل حديث 22.
7- الاستبصار: 3/351/ذيل حديث 3.
8- الغيبة: 399.

- كما عن الكشي- والغالي المتهم في دينه -كما في الفهرست- والذي لا يعمل بما يختص به -كما عن التهذيب- وروايته غير مقبولة كما عن الخلاصة)(1).

ثم دفع ذلك بقرائن تساعد على اعتبار الرواية بمجموعها، فقال: ("مدفوع" بأن اعتماد المشايخ الثلاثة وغيرهم على الرواية كافٍ في جبر ضعفه, ولاسيما بملاحظة أن الراوي عنه بواسطة الحسن بن علي سعد بن عبد الله, وهو أحد الطاعنين عليه, وأن رواية أحمد للخبر كانت عن الحسن بن محبوب والظاهر أنها من كتابه, وعن ابن الغضائري أنه لم يتوقف في روايته عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب؛ لأنه قد سمع كتابهما جلّ أصحاب الحديث واعتمدوه فيها)(2). والقرائن التي أفادها هي:

أولاً: أنّ المشايخ الثلاثة -الكليني والصدوق والشيخ- وغيرهم كالمحقق في المعتبر(3) اعتمدوا على الرواية التي هي محل الكلام, واعتمادهم كافٍ -على مبناه- في جبر ضعف سندها من جهة العبرتائي.

ثانياً: أنّ الراوي عنه في المقام هو سعد بن عبد الله الأشعري وهو أحد الطاعنين عليه كما مرّ نقل كلامه, وإنه خرج من التشيع إلى النصب.

ثالثاً: أنّ الخبر مروي عن الحسن بن محبوب والظاهر أنه من كتابه وعن ابن الغضائري أنه لم يتوقف في رواية العبرتائي عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب؛ لأنه سمع كتابهما جُل أصحاب الحديث واعتمدوه -أي العبرتائي- فيهما, واعتماد أصحاب الحديث على العبرتائي في هذين الكتابين إما من جهة وثوقهم بنقله ولو لإحراز أنه رواهما عنهما في حال استقامته -وهو الذي ورد في كلامه في الموضع الثاني- أو من جهة أن الكتابين مشهوران ومعروفان ولم

ص: 247


1- المستمسك: 1/220-221.
2- المستمسك: 1/220-221.
3- 1/86 و90، وينظر إيضاح الفوائد: 1/19.

يكن دور العبرتائي فيهما, إلا شرفياً ومن أجل اتصال السند وعلى كلا التقديرين فوجوده لا يضر في اعتبار الرواية.

وظاهر كلامه (قدس سره) في هذا الموضع أنه لم يبنِ على وثاقة أحمد بن هلال العبرتائي, بل جرى على ضعف السند من جهته ولكن عالج ضعف الرواية بقرائن أخرى تؤدي إلى اعتبارها حتى مع ضعف العبرتائي.

إلا أن ما ذكره (قدس سره) في هذا الموضع قد لا يخلو من نظر بحسب مذاقه الرجالي العام مما قد يكون هو السبب في عدوله عنه في الموضع الثاني.

أما القرينة الأولى: فلأن اعتماد المشايخ الثلاثة على الرواية لا يوجب الوثوق بها لاحتمال استنادهم على قرائن بعيدة قد لا تكون تامة لو اطلعنا عليها, وإلا للزم البناء على كل رواية اعتمدوها وهو مما لا تساعد عليه سائر كلماته, ولو قُدر أنه نظر في ذلك إلى شدة الطعن على الرجل لاقتضى البناء على كل رواية وقع في إسنادها رجل طعن عليه طعناً شديداً, وهو أيضاً لا تساعد عليه سائر كلماته (قدس سره) (1).

وأما القرينة الثانية: فلأن رواية الطاعن على الرجل عنه أيضاً لا يوجب الوثوق بروايته عنه, إذ يجوز أن يكون اعتماده عليها لقرينة اتفاقية خارجية غير كافية في حصول الوثوق لنا(2).

وأما القرينة الثالثة: فلأن رواية الرجل عن ابن محبوب لا قرينة فيها على أنها من كتابه حتى يندرج فيما ذكره ابن الغضائري من اعتماد الأصحاب عليه في رواية كتاب ابن محبوب.

ولعله من هنا نلاحظ أنه (قدس سره) في الموضع الثاني أعرض عن ذكر القرينتين الأوليين تماماً ونسب القرينة الثالثة إلى الجواهر وناقش فيها.

ص: 248


1- المستمسك: 1/425-426.
2- المستمسك: 5/426.

وأما الموضع الثاني الذي وثق فيه العبرتائي فقد ذكر فيه ألفاظ الجرح أولاً فقال(1): (وضعف سند الخبر بأحمد بن هلال العبرتائي المذموم -كما عن الكشي- الغالي المتهم في دينه -كما عن الفهرست- الذي رجع عن التشيع إلى النصب -كما عن سعد بن عبد الله الأشعري- الذي لا نعمل على ما يختص بروايته -كما عن التهذيب- أو روايته غير مقبولة -كما عن الخلاصة-).

ثم ذكر جواب صاحب الجواهر وهو الوجه الثالث المتقدم وهو اعتماد الأصحاب عليه في رواية ما في كتاب ابن محبوب، فقال: (مدفوع -كما عن الجواهر(2)- بما عن الخلاصة من أن ابن الغضائري لم يتوقف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب؛ لأنه قد سمع كتابهما جل أصحاب الحديث واعتمدوه فيهما).

ثم ناقش فيه بالنظر إلى عدم إحراز كون الرواية عن كتاب ابن محبوب، فقال: (اللهم إلا أن يقال: إن ما ذكره ابن الغضائري يختص بما رواه عن نوادر ابن أبي عمير ومشيخة ابن محبوب ولا يعم كل ما رواه عنهما).

ثم طرح طريقين آخرين لإصلاح الرواية، أحدهما: استظهار توثيق العبرتائي من عبارة النجاشي، فقال: (نعم، يمكن البناء على حجية الخبر المذكور أولاً: بما عن النجاشي في ترجمة أحمد بن هلال المذكور -من أنه صالح الرواية يعرف منها ويُنكر(3)- انتهى. فإن الظاهر من قوله (صالح الرواية) جواز الاعتماد على روايته, وأنه ثقة في نفسه, ولا ينافي الطعن فيه بما سبق؛ إذ يكون حاله حال جماعة من العامة والفطحية والواقفة وغيرهم, من المخالفين للفرقة الحقة مع بناء الأصحاب على العمل بروايتهم).

ص: 249


1- المستمسك: 5/365-366.
2- جواهر الكلام: 8/123.
3- رجال النجاشي: 83/199.

والآخر: كون الرواية عنه في حال استقامته ووثاقته, قال (قدس سره) :

(ثانياً: أنّ الذي يظهر مما ذكر في ترجمته أنه كان في أول أمره مستقيماً بل كان من أعيان هذه الطائفة ووجوهها وثقاتها, حتى أن أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا عنه ولم يقبلوا ما ورد في ذمه, حتى حملوا القاسم بن العلاء أن يراجع في أمره مرة بعد أخرى. فوردت فيه ذموم هائلة طاحنة شديدة وكان ذلك في آخر عمره, حتى بتر الله سبحانه عمره بدعوة الحجة -عجل الله فرجه- بل المصرح به فيما روي عن ابن همام: أن ذلك كان بعد وفاة عثمان بن سعيد (ره), ومن البعيد جداً أن يرجع إليه أحد من الشيعة بعد ورود تلك الذموم, ولاسيما الراوي عنه الحديث المذكور -أعني موسى بن الحسن الأشعري- الذي قيل في ترجمته: أنه ثقة عين جليل, وأن الراوي عن موسى المذكور سعد بن عبد الله الأشعري الذي هو أحد الطاعنين فيه كما تقدم كلامه, فذلك كله قرينة على كون رواية موسى عنه كانت في حال استقامته نظير ما عن إكمال الدين: (حدثنا يعقوب بن يزيد عن أحمد بن هلال في حال استقامته عن ابن أبي عمير)(1).

- وأضاف على ذلك الخدش في التضعيفات التي ذُكِرت في العبرتائي من جهة تهافتها فقال:- (على أن المذكور في ترجمته لا يخلو من تدافع فإن المحكي عن النجاشي أن الذموم وردت عن العسكري (علیه السلام) , وعن الكشي أنها من الناحية المقدسة, وعن كتاب الغيبة: أن ذلك كان بعد وفاة عثمان بن سعيد, وقد تقدم رميه بالغلو تارة وبالنصب أخرى ورمي بالرجوع عن الإمامة إلى القول بالوقف على أبي جعفر (علیه السلام) )(2).

وحاصل ما ذكره (قدس سره) هو طرق ثلاثة لإصلاح الرواية:

ص: 250


1- إكمال الدين: 1/204 العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام/ ح13.
2- المستمسك: 5/366.

الطريق الأول: ما يبتني على الوثوق بروايات أحمد بن هلال في خصوص ما يرويه عن ابن أبي عمير وابن محبوب, فإن سند الرواية المبحوث عنها -سعد بن عبد الله- عن الحسن بن علي عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير(1) وإن كان ضعيفاً بالعبرتائي لكنه لما كان راوياً عن ابن أبي عمير وقد ذكر ابن الغضائري قبول روايته التي ينقلها عن كتاب (النوادر) لابن أبي عمير و(مشيخة) ابن محبوب؛ لأن جلّ أصحاب الحديث سمع كتابهما واعتمدوه فيهما أوجب ذلك الوثوق بالسند وانجبار ضعفه, وهذا ما ذكره صاحب الجواهر(2).

وناقش (قدس سره) في ذلك: بأنه يتم فيما يرويه العبرتائي عن كتاب النوادر لابن أبي عمير وفي المقام لم يُحرز ذلك؛ إذ لعله من مسموعاته عن ابن أبي عمير.

الطريق الثاني: وثاقة العبرتائي فإن النجاشي قال في ترجمة العبرتائي إنّه (صالح الرواية يُعرف ويُنكر)(3), والظاهر من كونه (صالح الرواية) جواز الاعتماد على روايته وأنه ثقة في نفسه, ويدعمه ملاحظة مقابلاتها ك-(فاسد الرواية) و (فاسد الحديث) الظاهرة بعدم وثاقة الراوي(4). ولا تنافي بين وثاقته وبين ما تقدم عن أعلام الطائفة من فساد عقيدته؛ إذ سيكون حاله حال جماعة من العامة والفطحية والواقفة وغيرهم من المخالفين مع بناء الأصحاب على العمل بروايتهم.

مضافاً إلى أن ما قيل فيه من الجرح كان متهافتاً من جهتين:

أ: من جهة نسبة الذموم فما مرّ من عبارة النجاشي أن الذم ورد عن

ص: 251


1- التهذيب: 2/357/ح10.
2- جواهر الكلام: 8/123.
3- رجال النجاشي: 83/199.
4- يُنظر مجلة دراسات علمية: 5/288.

العسكري (علیه السلام) , وعن الكشي أنه من الناحية المقدسة, وفي الغيبة أنه كان بعد وفاة عثمان بن سعيد (ره).

ب: من جهة نسبة مذهبه فإنه رمي بالغلو تارة والنصب أخرى, ولا يخفى مدى مدافعة الغلو والنصب وتناقضهما, وثالثة بأنه رجع من القول بالإمامة إلى الوقف على أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وهذا التدافع في جرحه قد يضعف الوثوق به.

الطريق الثالث: كون الرواية عنه في حال استقامته، فإن أحمد بن هلال العبرتائي لم يكن منذ بدء أمره منحرفاً بل كان مستقيماً ومن أعيان هذه الطائفة ووجوهها وثقاتها بشهادة أن أصحابنا في العراق لقوه وكتبوا عنه ولم يقبلوا ما ورد فيه من الذم, حتى حملوا القاسم بن العلاء على أن يراجع في أمره مرة بعد أخرى, فوردت فيه ذموم طاحنة وهائلة شديدة, بل المصرح فيه فيما رواه الشيخ في الغيبة عن ابن همام أنه كان ذلك بعد وفاة عثمان بن سعيد (ره), وأنه كان في آخر عمر العبرتائي, حتى بُتر عمره بدعاء الإمام -عجل الله فرجه-.

ومن البعيد جداً بعد أن ظهرت هذه الذموم فيه أن يرجع إليه أحد من الشيعة, خصوصاً مثل راوي الحديث عنه في المقام أعني موسى بن الحسن الأشعري الثقة العين الجليل, وأن الراوي عنه سعد بن عبد الله وهو من الطاعنين على العبرتائي.

وذلك كله قرينة على أن رواية موسى بن الحسن عنه كانت في حال استقامته ووثاقته وأنه نظير ما رواه الصدوق بسنده عن يعقوب بن يزيد عن العبرتائي مقيداً بكونه في حال استقامته.

والمتحصل من مجموع كلماته (قدس سره) أنه بنى على وثاقة العبرتائي وأن ما وصلنا من رواياته إما أنها في حال استقامته للقرائن أو أنها في غيرها وهو لا يضر لعدم دخالة العقيدة في الاعتبار الرجالي.

ص: 252

12- بكر بن حبيب

بكر بن حبيب, أبو مريم, الأحمسي, الكوفي, روى عن الباقر والصادق (علیهما السلام) , وروى عنه منصور بن حازم(1) ذكره الشيخ في رجاله مهملاً(2), ومن ثم بُنيَ على جهالته كما جرى عليه السيد الحكيم (قدس سره) وقد طرح الشيخ الأعظم محاولة لتوثيقه ناقشها السيد الحكيم (قدس سره) قائلاً: (وضعفها بجهالة بكر منجبر بعمل المشهور... وأما ما في طهارة الشيخ الأعظم (قدس سره) (3) من أن الظاهر أنه بكر بن محمد بن حبيب الذي ظاهر المحكي عن النجاشي(4) وصريح الخلاصة(5) أنه من علماء الإمامية وحكى ابن داود عن الكشي أنه ثقة(6) فغير ظاهر, فإن ذلك أبو عثمان المازني المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائتين, وتمتنع روايته عن أبي جعفر (علیه السلام) الذي هو الباقر (علیه السلام) بقرينة وقوع منصور بن حازم في السند. فلاحظ)(7).

وحاصل مناقشته (قدس سره) هو: أن بكر بن حبيب الممدوح توفي سنة (248ﻫ) كما ذكره النجاشي, ومثله لا يمكن أن يروي عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) المتوفى سنة 114ﻫ(8).

ولا يقال: لعل المراد من أبي جعفر (علیه السلام) هو الجواد (علیه السلام) فإنه يكنى بذلك أيضاً, وحينئذٍ تصح رواية أبي بكر الممدوح عنه.

ص: 253


1- المحاسن: 2/496/ح598، والكافي: 3/14/ح2، والتهذيب: 7/190/ح28، والخصال: 2/651/ح52 وغيرها.
2- رجال الشيخ: 127/1288 و 170/1977.
3- كتاب الطهارة: 1/100.
4- رجال النجاشي: 110/279.
5- الخلاصة: 26/5.
6- رجال ابن داود: 73/261.
7- المستمسك: 1/186.
8- سيرة الأئمة الاثني عشر: 1/517.

فإنه يقال: إن الراوي عن أبي بكر هنا منصور بن حازم وهو من أصحاب الصادق والكاظم (علیهما السلام) (1) فلا يمكن روايته عمن كان قريب العصر من الجواد (علیه السلام) فإنه متأخر عنه.

13- الحسن بن الحسين اللؤلؤي

الحسن بن الحسين اللؤلؤي, كوفي, كثير الرواية, له كتاب مجموع نوادر, وثقه النجاشي(2), وضعفه الشيخ لاستثنائه من رجال كتاب نوادر الحكمة(3), وهذا الحال دعا صاحب المدارك إلى التوقف فيه ويظهر من السيد الحكيم (قدس سره) موافقته له لنقل كلامه من دون تعليق, قال (قدس سره) : (قال في المدارك: وفي الحسن بن الحسين اللؤلؤي توقف وإن وثقه النجاشي لقول الشيخ: إن ابن بابويه ضعفه(4))(5).

وهنا أمر:

وهو أنه (قدس سره) توقف – ظاهراً - في اللؤلؤي مع توثيق النجاشي له صريحاً لاستثناء القميين له من نوادر الحكمة, لكنه (قدس سره) رجح وثاقة العبرتائي لقول النجاشي فيه (صالح الرواية), مع أنه ممن استثني من نوادر الحكمة, بل وردت فيه ذموم وطعون أخرى.

ولعل الوجه الفارق بينهما هو:

ص: 254


1- رجال النجاشي: 413/1101.
2- رجال النجاشي: 40/83.
3- رجال الشيخ: 424/6110، ويُنظر رجال النجاشي: 348/939.
4- مدارك الأحكام: 2/246.
5- المستمسك: 4/463، ويُنظر تعليقة الوحيد: 4/32، وتنقيح المقال: 19/116.

إن كان وجه قبول رواية العبرتائي هو أن هناك قرائن على أن رواياته إنما نقلت عنه في حال استقامته فالفرق واضح. إذا لم يكن للؤلؤي حال استقامة وحال انحراف.

وإن كان الوجه هو البناء على وثاقته لقول النجاشي (صالح الرواية) فالفارق هو أن الطعون التي قيلت في العبرتائي ظاهرة في كونها من جهة انحرافه العقائدي وخروجه عن التشيع مضافاً إلى تدافع ما قيل فيه من الطعون -كما تقدم بيانه- وبالتالي يضعف الوثوق بما قيل فيه من الجرح في قبال ما قاله النجاشي بما يقتضي الوثوق برواياته وهذا الحال غير متوفر في حق اللؤلؤي.

14- الحسين بن أبي العلاء

الحسين بن أبي العلاء - واسم أبي العلاء (خالد بن طهمان) - أبو علي, أعور, مولى بني أسد, وقيل بني عامر, له كتاب يُعد في الأصول, روى عن الصادق (علیه السلام) هو وأخواه علي وعبد الحميد(1).

وقد اختلف في وثاقته فذهب جمع إلى عدم ثبوتها, وهو ظاهر العلامة في المنتهى(2) والأردبيلي في مجمع الفائدة(3)؛ لعدم النص على توثيقه.

بينما ذهب آخرون كالوحيد في تعليقته(4) والمحدث النوري في الخاتمة(5) والمامقاني في تنقيح المقال(6) إلى وثاقته, ووافقهم السيد الحكيم (قدس سره) قائلاً: (وليس

ص: 255


1- رجال الكشي: 365/678، ورجال النجاشي: 52/117، والفهرست: 14/204، ورجال الشيخ: 192/2202.
2- منتهى المطلب: 2/174 و 3/36.
3- مجمع الفائدة: 3/70 و 9/345.
4- تعليقة الوحيد: 136.
5- خاتمة المستدرك: 4/250.
6- تنقيح المقال: 21/239.

في الأولى من يتوقف في روايته إلا الحسين لعدم توثيق الشيخ والنجاشي صريحاً إياه, لكن حكى ابن داود عن شيخه ابن طاووس في البشرى تزكيته وهو ظاهر عبارة النجاشي, حيث قال في ترجمته: (وأخواه علي وعبد الحميد روى الجميع عن أبي عبد الله (علیه السلام) وكان الحسين أوجههم) وقد نصوا على توثيق عبد الحميد أخيه, فيدل الكلام المذكور على أنه أوثق منه, وحمل الأوجه على غير هذا المعنى خلاف الظاهر)(1).

فهو (قدس سره) استند إلى ما قاله النجاشي فيه بعد أن أرجع تزكية ابن طاووس إليها, وحاصل ما ذكره هو: أن النجاشي في ترجمة الحسين بن أبي العلاء ذكر أخويه علي وعبد الحميد, وقال: (وكان الحسين أوجههم), وقد نص النجاشي نفسه على وثاقة أخيه عبد الحميد(2) فيكون الحسين بن أبي العلاء أوجه من أخيه الثقة, وهو ظاهر في كونه أوثق منه, وحمل الأوجه على غير هذا المعنى كالوجاهة الاجتماعية هو خلاف الظاهر.

ويضاف إلى ذلك أن الحسين بن أبي العلاء روى عنه جمع من الأجلاء وفيهم من أصحاب الإجماع كابن أبي عمير(3) - وهو ممن قيل إنّه لا يروي إلا عن ثقة- وفضالة بن أيوب(4) والأعيان والثقات كجعفر بن بشير(5) وعلي بن الحكم(6) وعلي بن أسباط(7) وعلي بن النعمان(8) ولم يتضح الوجه في عدم

ص: 256


1- المستمسك: 2/13، ويُنظر: 7/330.
2- رجال النجاشي: 246, 647.
3- الكافي: 1/178/ح1 و 1/268/ح2.
4- الكافي: 1/305/ح3.
5- الكافي: 5/229/ح7 و 7/242/ح11 وغيرها.
6- الكافي: 1/178/ح7 و 2/104/ح1 و 3/10/ح3 وغيرها.
7- الكافي: 1/274/ح6.
8- الكافي: 3/383/ح11.

تعرضه (قدس سره) لذلك وهو مما يعتمده في تحصيل اعتبار الراوي مع أنه ذكر ذلك من يعتمد (قدس سره) كتبهم الرجالية كالوحيد والمحدث النوري والمامقاني إلى جنب قول النجاشي إنّه أوجه من أخويه بما فيهم عبد الحميد الثقة.

15- الحسين بن علوان الكلبي

الحسين بن علوان, الكلبي, مولاهم, كوفي, عامي, روى عن الصادق (علیه السلام) , وعن الأعمش, وهشام بن عروة(1), وعدّه الكشي في مجموعة من العامة لهم ميل ومحبة شديدة قائلاً: (محمد بن إسحاق ومحمد بن المنذر, وعمرو بن خالد الواسطي, وعبد الملك بن جريح, والحسين بن علوان, والكلبي هؤلاء من رجال العامة إلا أن لهم ميلاً ومحبة شديدة)(2)، وذكر النجاشي في ترجمة الحسين أخاه الحسن: (وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ثقة رويا عن أبي عبد الله)(3)، والظاهر أن التوثيق لأخيه, وقيل: هو للحسين لأنه مذكور في ترجمته(4), وعلى أيّة حال فالتوثيق إما ظاهر في كونه لأخيه أو مجمل غير معلوم النسبة للحسين. ونقل العلامة عن ابن عقده: (أن الحسن كان أوثق من أخيه وأحمد عند أصحابنا)(5).

والذي يظهر من السيد الحكيم (قدس سره) أنه غير موثق: (والضعف في سند الأول من جهة الحسين بن علوان لأنه من المخالفين ولم يثبت توثيقه)(6), وقد

ص: 257


1- رجال النجاشي: 52/116، والفهرست: 141/206.
2- رجال الكشي: 390/733.
3- رجال النجاشي: 25/116.
4- تعليقة الوحيد: 4/83.
5- خلاصة الأقوال: 216/2.
6- المستمسك: 10/309.

وصف رواية الحسين ب-(الخبر) في غير موضع(1) مما يعني أنه لم يستفد عود التوثيق له في كلام النجاشي, كما لم ير في سائر الأقوال الرجالية والأسانيد ما ينهض بتوثيقه موافقاً في ذلك الشيخ المامقاني في تنقيح المقال(2) خلافاً لصاحب المستدرك, حيث ذهب في خاتمته(3) إلى وثاقة الرجل مستفيداً ذلك من مجموع وجوه ثلاثة قد يقال بأن بعضها يتوجه على مباني السيد الحكيم (قدس سره) في كيفية توثيق الرجال, وهي:

الوجه الأول: ما قال فيه الكشي من أن له ميلاً ومحبة شديدة.

الوجه الثاني: ما نقله العلامة عن ابن عقده من صيغة (أوثق) التي تدل على وثاقة الحسين إلا أن الحسن أوثق منه.

الوجه الثالث: رواية جمع من الثقات وفيهم الأجلاء عنه كالحسين بن سعيد(4) وابن فضال(5) وأبي الجوزاء(6) والحسن بن ظريف(7) ومحمد بن عيسى بن عبيد(8) وهارون بن مسلم(9) وأحمد بن صبيح(10).

ويمكن أن يقال في مناقشة هذه الوجوه:

ص: 258


1- المستمسك: 2/187 و 5/227 و252 و557و 6/566 و 8/332.
2- تنقيح المقال: 20/33.
3- خاتمة المستدرك: 4/171/و314.
4- الكافي: 3/73/ح7 و 4/67/ح6 و 5/338/ح1 وغيرها.
5- الكافي: 1/450/ح34، والتهذيب: 2/281/ح21.
6- الكافي: 3/211/ح4 و 5/9/ح1، والفقيه: 4/324/ح5695 وغيرها.
7- الكافي: 5/338/ذيل حديث 7 و 5/510/ذيل حديث3.
8- الفقيه: 3/539/ح4856.
9- التهذيب: 1/228/ح41.
10- التهذيب: 4/153/ح8.

أما الوجه الأول: فيلاحظ عليه بأن مجرد كون الراوي له ميل ومحبة لا يقتضي الوثوق به في أمر الرواية, فإن المدح إنما يقتضي حسن الراوي فيما لو دلّ على الوثوق به فيما يرويه.

وأما الوجه الثاني: فقد يقال: إن المفروض اعتداد السيد الحكيم (قدس سره) به؛ إذ هو نظير ما استفاده في الحسين بن أبي العلاء مما قيل فيه إنه (أوجه) من إخوته وفيهم عبد الحميد الموثق حيث استظهر من (أوجه) وثاقته(1) ويلاحظ عليه: أن دلالة أفعل التفضيل على وجود المبدأ في الطرفين غير ثابتة، وأما استفادته التوثيق مما ذكر في الحسين بن أبي العلاء فلأن المفضول قد وثق فلابد من كون الفاضل فوقه في موضعه - وهو الحديث - بعد أن فضل عليه, وأما فيما نحن فيه فالثقة نفسه وصف بأفعل التفضيل, فلا شبه بين المقامين.

وأما الوجه الثالث: فقد تقدم عنه (قدس سره) أنه لا يرى دلالة رواية الأجلاء على وثاقة المروي عنه, وأن غاية ما يعطيه هو وثوقهم بروايته ولو بقرائن اتفاقية وجودها كافٍ في الاعتبار. نعم في حال انضمت إليها قرائن أخرى ربما دلّ على اعتبار الراوي ككثرة رواية بعضهم ورواية عدد معتد به منهم عنه(2), وما إلى ذلك مما يقتضي الوثوق به, ولم يظهر حصول ما يكفي لذلك في المقام لاسيما وأن بعض الموارد التي روى فيها الثقات عنه حملها الشيخ على التقية(3), مصرحاً في مورد منها بأن رواتها من العامة الزيدية الذين لا يعمل بما ينفردون به, بما فيهم الحسين بن علوان، قال: (إن رواة هذا الخبر كلهم عامة ورجال الزيدية, وما يختصون بروايته لا يعمل به)(4).

ص: 259


1- المستمسك: 2/13.
2- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/190.
3- التهذيب: 1/93/ح97.
4- الاستبصار: 1/65-66/ح8 وبَيَّنَ الوحيد الوجه في اجتماع وصفي العامة والزيدية بقوله: (ولعل الوجه أن الزيدية في الفروع من العامة) تعليقته على منهج المقال: 4/85.

16- زيد النرسي

زيد النرسي كوفي روى عن الصادق والكاظم (علیهما السلام) , له كتاب, وقال الشيخ: أصل, لم يروه الصدوق في فهرسته - على ما حكاه الشيخ عنه - ناقلاً عن شيخه ابن الوليد: أنه موضوع وضعه محمد بن موسى الهمداني(1), وذكر مثل ذلك بالنسبة إلى زيد الزراد, وخطَّأَ ابن الغضائري الشيخَ الصدوق في ذلك قائلاً: (غلط أبو جعفر في هذا القول فإني رأيتُ كتبهما مسموعة عن محمد بن أبي عمير)(2) وهو ممن لم يرد فيه مدح أو ذم صريح في كلمات متقدمي الرجال.

وبنى السيد الحكيم (قدس سره) على عدم ثبوت وثاقة زيد النرسي مناقشاً بما قيل لثبوت وثاقته برواية ابن أبي عمير كتابه إمّا من جهة كونه لا يروي إلا عن ثقة أو من جهة كونه من أصحاب الإجماع أو أن الطريق إلى كتابه كان فيه جماعة من الأجلاء أو كون كتابه أصلاً(3) بعدم دلالة الثلاثة الأُوَل على الوثاقة, وأن غاية ما يقتضي ذلك وثوقهم بروايته ولو لقرائن اتفاقية وجدوها كافيةً للوثوق بروايته, لا كون الراوي ثقة في نفسه, وذلك قد لا يوجب الوثوق لغيره لاحتمال استنادهم إلى قرائن بعيدة يكثر فيها الخطأ. وأما الأصل فلم يتضح له معنى محدد يمكن ان يُعطي وثاقة صاحبه, وقد تقدم إيضاح ذلك في القسم الأول(4) مضافاً إلى أن أصل زيد النرسي قال فيه الصدوق -تبعاً لشيخه ابن الوليد- أنه موضوع, وهذه الدعوى وإن خطأه فيها ابن الغضائري على ما تقدم من نقل عبارته إلا أنها توجب الريب؛ إذ من البعيد أن يكون الصدوق وشيخه ممن خفي عنهما ذلك, ومما يزيد الارتياب أن الشيخ مع قوله إن كتابه أصل - ورواه عنه

ص: 260


1- الفهرست: 201/299، ورجال النجاشي: 174/460.
2- رجال ابن الغضائري: 61/52.
3- يُنظر: تعليقة الوحيد: 5/292، وخاتمة المستدرك: 10/64، وتنقيح المقال: 29/175.
4- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/177 و181 و190 و194.

ابن أبي عمير إلا أنه لم يرو عنه إلا حديثاً واحداً على ما قيل- والظاهر أنه أخذ الخبر عن ابن فضال, وكذا الكليني لم يرو عنه إلا في موضعين, وظاهره أيضاً أنه لم يأخذ الخبر عن أصله فلو كان أصل زيد من الأصول المعتبرة والمعول عليها لما كان وجه للإعراض عنه.

قال (قدس سره) : لكن استشكل فيها أولاً: بعدم ثبوت وثاقة زيد, ورواية محمد بن أبي عمير عنه لا توجب ذلك وإن قيل إنه لا يروي إلا عن ثقة؛ إذ لا يبعد كون المراد منه الوثاقة في خصوص الخبر الذي رواه -ولو من جهة القرائن الخارجية- لا كون الراوي ثقة في نفسه... لكن ذلك قد لا يوجب الوثوق لغيره... ولذلك نجد أكثر الروايات الضعيفة غير مقبولة عند الأصحاب وفي سندها الثقات والأجلاء؛ لعدم حصول الوثوق لهم من مجرد ذلك؛ لاحتمال كون وثوق رجال السند حاصلاً من مقدمات بعيدة يكثر فيها الخطأ, ومن ذلك يظهر الإشكال في إثبات وثاقة زيد النرسي برواية جماعة من الأجلاء لكتابه كما قيل... ومثله في الإشكال ما قيل من أن محمد بن أبي عمير من أصحاب الإجماع... فإن الظاهر في الإجماع المذكور ما علم من حال الجماعة من مزيد التثبيت والإتقان والضبط بنحو لا ينقلون إلا عن الثقات ولو في خصوص الخبر الذي ينقلونه فيجيء فيه الكلام السابق من أن الوثوق الحاصل من جهة القرائن الاتفاقية غير كافٍ في حصول الوثوق لنا على نحو يدخل الخبر في موضوع الحجية... ومثل ذلك دعوى ثبوت وثاقة النرسي بعدِّ كتابه من الأصول كما في الفهرست وغيره؛ إذ فيه عدم وضوح كون المراد بالأصل الكتاب الذي يجوز الاعتماد عليه والعمل بما فيه؛ لاحتمال كون المراد معنى آخر فلاحظ كلماتهم في الفرق بين الكتاب والأصل فقد ذكروا فيه وجوهاً واحتمالات ليس على واحد منها شاهد واضح. وأيضاً فإن المحكي عن الصدوق في فهرسته -تبعاً لشيخه محمد بن الحسن بن الوليد- أن أصل زيد النرسي وزيد الزراد وكتاب خالد بن عبد الله بن سدير

ص: 261

موضوعات وضعها محمد بن موسى الهمداني وهذه الدعوى وإن غلطهما فيها ابن الغضائري وغيره بأن الأصلين الأولين قد رواهما محمد بن أبي عمير -لكنها توجب الارتياب- إذ من البعيد أن يكون الصدوق وشيخه خفي عليهما ذلك فجزما بالوضع, ومما يزيد الارتياب أن الشيخ (قدس سره) في الفهرست مع اعترافه بأن زيد النرسي له أصل وأنه رواه محمد بن أبي عمير عنه لم يرو عن زيد النرسي في كتابي الأخبار -على ما قيل(1)- إلا حديثاً واحداً في باب وصية الإنسان لعبده رواه عن علي بن الحسن بن فضال عن معاوية بن حكيم ويعقوب الكاتب عن ابن أبي عمير عنه, والظاهر من عادته أنه أخذ الحديث المذكور من كتاب ابن فضال لا من الأصل المذكور، وكذلك الكليني (قدس سره) فإنه لم يرو عنه إلا حديثين(2) أحدهما في باب التقبيل عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن زيد النرسي عن علي بن مزيد صاحب السابري قال: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) . والثاني: في كتاب الصوم في صوم عاشوراء عن الحسن بن علي الهاشمي عن محمد بن عيسى, قال: حدثنا محمد ابن أبي عمير عن زيد النرسي... ولا يظهر منه أخذ الحديثين المذكورين من أصل النرسي أو من أصل غيره ممن روى عنه, فلو كان كتاب النرسي من الأصول المعول والمعتمد عليها عنده لما كان وجه للإعراض عن الرواية عنه كما لا يخفى)(3).

17- سعدان بن مسلم

سعدان بن مسلم - واسمه عبد الرحمن وسعدان لقب له- العامري مولاهم, وقيل: هو من بني زهرة, كوفي, عمر طويلاً, روى عن الصادق

ص: 262


1- روى الشيخ في التهذيب عن زيد النرسي في موضعين: 4/301/ح18 و 9/228/ح46.
2- روى الكليني عن زيد النرسي في ثلاثة مواضع: 2/185/ح3 و4/147/ح6 و7/21/ح1.
3- المستمسك: 1/424، 428.

والكاظم (علیهما السلام) , له كتاب يرويه عنه جماعة, وقال الشيخ: له أصل(1), ولم يرد فيه نص صريح بمدح أو ذم في كلمات متقدمي الرجال.

وبنى السيد الحكيم (قدس سره) على الوثوق به لقرائن قائلاً: (لكنها ضعيفة السند لعدم توثيق عبد الرحيم ولا سعدان بن مسلم الراوي عنه... وإن أمكنت مناقشتهم... من جهة إمكان استفادة وثوق الرجلين من القرائن كاعتماد جماعة من أصحاب الإجماع -ومنهم صفوان ومحمد بن أبي عمير- وكثير من الأعيان والأجلاء عليهما جميعاً)(2).

وقال أيضاً: (الخامس ليس فيه من يتوقف في روايته إلا سعدان بن مسلم, ورواية كثير من الأجلاء عنه توجب اعتبار حديثه)(3).

وقال (قدس سره) ثالثة: (وأما الطعن في رواية سعدان بالضعف فلا مجال له بعد اعتماد المشهور عليها وكون الراوي معتبر الرواية في نفسه وإن لم ينص عليه بتوثيق, فإن ملاحظة أحواله المسطورة في كتب الرجال تستوجب الوثوق به واعتبار حديثه)(4).

وقد تقدَّم عنه (قدس سره) أنه لا يرى دلالة رواية من قيل فيه: أنه لا يروي إلا عن ثقة أو رواية أصحاب الإجماع عنه أو رواية الأجلاء عن راوٍ على وثاقته, وأن ما يُعطيه ذلك هو وثوقهم بروايته ولو لقرائن خارجية اتفاقية, وهو غير كافٍ في حصول الوثوق لغيرهم, لكن في حال انضمت إلى ذلك قرائن من قبيل رواية أكثر من واحد منهم وإكثار بعضهم عنه وما إلى ذلك قد يوجب الوثوق

ص: 263


1- رجال النجاشي: 192/515، والفهرست: 226/336، ورجال الشيخ: 215/2826، ومشيخة الفقيه: 4/19.
2- المستمسك: 1/592.
3- المستمسك: 5/246.
4- المستمسك: 4/447.

بالرواي(1).

وقد توفر ذلك في سعدان بن مسلم فقد روى عنه من قيل فيه أنه لا يروي إلا عن ثقة كابن أبي عمير(2) وصفوان بن يحيى(3), وممن روى عنه من أصحاب الإجماع مضافاً إليهما يونس بن عبد الرحمن(4) والحسن بن محبوب(5), وممن روى عنه من الأجلاء غير من تقدم محمد بن علي بن محبوب(6) والحسن بن فضال(7) والعباس بن معروف(8) وعلي بن أسباط(9) وأحمد بن إسحاق وقد أكثر عنه(10) وغيرهم.

وقد تعرَّض لهذه القرائن جمع من الرجاليين كالأعلام الثلاثة الذين اعتمد (قدس سره) على كتبهم وهم الوحيد وصاحب المستدرك(11) وتنقيح المقال(12), قال الوحيد: (ورواية هؤلاء الأعاظم -العباس بن معروف وعبد الله بن الصلت القمي وأحمد بن إسحاق- عنه شهادة على كونه ثقة سيما وفيهم صفوان

ص: 264


1- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/181 و 190.
2- الكافي: 1/178/ح2.
3- في طريق الشيخ له في الفهرست: 226/336.
4- أمالي المفيد: 156/ح7.
5- الكافي: 6/172/ح9.
6- التهذيب: 1/353/ح14.
7- التهذيب: 6/113/ح17.
8- الكافي: 6/380/ح3.
9- الكافي: 8/307/ح478.
10- الكافي: 1/33/ح9 و 2/192/ح13 و 3/174/ح2 و 4/165/ح6 و 5/452/ح7 و 6/531/ح5 و 7/78/ح1 وغيرها.
11- خاتمة المستدرك: 4/17.
12- تنقيح المقال: 31/43.

ويشهد عليه أيضاً رواية ابن أبي عمير عنه وأن القميين رووا رواياته سيما أحمد بن عيسى وابن الوليد عنهم, وأن الأصحاب حتى المتأخرين يرجحون روايته على الثقة الجليل... وأن الأعاظم غير المذكورين أيضاً رووا عنه مثل الحسن بن محبوب ومحمد بن علي بن محبوب ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم, ويؤيده أنه كثير الرواية ورواياته مقبولة مفتى بها, وكتابه يرويه جماعة, وأنه صاحب أصل...)(1).

18- سهل بن زياد

سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي, الرازي, من أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكري (علیهم السلام) (2) وقد اختلف القدماء في ضعفه وتوثيقه, فقد انفرد الشيخ في رجاله بتوثيقه قائلاً: (ثقة)(3), ولكن ضعفه الأكثر فقد نقل الكشي عن القتيبي عن الفضل بن شاذان أنه كان: (لا يرتضي أبا سعيد الآدمي ويقول: هو أحمق(4)). ونقل النجاشي والشيخ استثناء القميين له من كتاب نوادر الحكمة في ترجمة مؤلفه محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري(5), وضعفه ابن الغضائري قائلاً: (كان ضعيفاً جداً فاسد الرواية والمذهب, وكان أحمد بن محمد بن عيسى أخرجه من قم وأظهر البراءة منه, ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل)(6), وكذا النجاشي قائلاً: (كان ضعيفاً في

ص: 265


1- تعليقة الوحيد: 5/374.
2- رجال الكشي: 566/1069، ورجال النجاشي: 185/490، ورجال الشيخ: 399/5853.
3- رجال الشيخ: 387/5699.
4- رجال الكشي: 566/1068.
5- رجال النجاشي: 348/939، والفهرست: 410/623.
6- رجال الغضائري: 66/65.

حديثه غير معتد به وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري)(1) كما ضعفه الشيخ نفسه في الفهرست, قال: (ضعيف)(2), وفي الاستبصار: (أبو سعيد الآدمي ضعيف جداً عند نقاد الأخبار وقد استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة)(3).

وقد اختلف فيه المتأخرون ومتأخروهم فجرى جماعة على تضعيفه ومال آخرون إلى توثيقه حتى ذكر جملة من الأعلام كالوحيد(4) وصاحب الرياض(5) وصاحب الجواهر(6) أن الأمر في سهل سهل وهو ما ذكره السيد الحكيم (قدس سره) أيضاً فيه قائلاً: (والأمر في سهل سهل)(7).

والوجه في ترجيح توثيق الشيخ في الرجال هو (كونه -سهل بن زياد- كثير الرواية جداً ولأن رواياته سديدة مقبولة مفتى بها ولرواية جماعة من الأصحاب عنه... بل رواية أجلائهم عنه بل وإكثارهم من الرواية عنه منهم عدة من أصحاب الكليني)(8), ومن الأجلاء والثقات الذين رووا عنه محمد بن يحيى العطار(9) ومحمد بن الحسن الصفار(10) وعلي بن إبراهيم(11) وأحمد بن

ص: 266


1- رجال النجاشي: 185/490.
2- الفهرست: 228/339.
3- الاستبصار: 3/261.
4- حاشية مجمع الفائدة: 662.
5- رياض المسائل: 14/205.
6- جواهر الكلام: 41/286.
7- المستمسك: 1/245.
8- تعليقة الوحيد: 6/125.
9- أمالي الصدوق: 239/ح7 و 9 و392/ح1 وغيرها.
10- التوحيد: 97/ح3.
11- ثواب الأعمال: 46.

إدريس(1) وسعد بن عبد الله(2) والحسن بن متيل(3).

وقد نوقش في نصوص تضعيفه بما حاصله:

أن قول الفضل بن شاذان بأنه (أحمق) لا يدل على عدم وثاقته لأن الحماقة لا تعني الفسق أو فساد العقيدة, ولعل منشأها روايته عن الضعفاء واعتماده المراسيل مما كان سبباً لعدم ارتضائه.

وأما تضعيف ابن الغضائري وكذا النجاشي فلا يبعد أن يكون منشؤه موقف القميين منه من إخراج أحمد بن محمد له من قم واتهامه بالغلو والكذب وإظهار البراءة منه ونهي الناس عن الأخذ منه, واستثناء ابن الوليد وتبعه الصدوق وابن نوح له من كتاب نوادر الحكمة, وقد عُرفَ عن القميين تضعيفهم جملة من الرجال لاعتقادهم فساد عقيدتهم لعدم مطابقتها لما يروونه(4), وقد ارتضى السيد الحكيم (قدس سره) نظير ذلك في رسالته المخطوطة مما قاله الوحيد في تعليقته من: (أن النجاشي توهم من كتبه كما نشاهد في أمثال زماننا أن الفضلاء يرمون أمثالهم بالعقائد الفاسدة بالتوهم)(5).

وعلى هذا يُحمل تضعيف الشيخ في الفهرست, بل هو ظاهر عبارته في الاستبصار, حيث بَيَّن أنه ضعيف عند نقاد الأخبار وأن الصدوق استثناه من رجال كتاب نوادر الحكمة, ومعلوم أن القميين هم من طليعة نقاد الأخبار.

ومنه يتضح ما في إخراج أحمد بن محمد له واستثناء ابن الوليد إياه من نوادر الحكمة, ولذا استغرب ابن نوح استثناءه ل-(محمد بن عيسى بن عبيد فلا

ص: 267


1- الخصال: 1/26/ح91 و 1/258/ح132.
2- الخصال: 1/135/ح149.
3- كامل الزيارات: 34/ح5.
4- يُنظر: تعليقة الوحيد: 1/128-130.
5- رسالة مخطوطة له (قدس سره) في علمي الرجال والدراية: 8، ويُنظر: تعليقة الوحيد: 303 (ط.ق).

أدري ما رابه فيه لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة)(1), ووثق النجاشي (الحسن بن الحسين اللؤلؤي)(2), وقال في العبرتائي (صالح الرواية)(3) مع أنهما ممن استثناه ابن الوليد.

مضافاً إلى أن توثيق الشيخ ل-(سهل بن زياد) في رجاله متأخر عن الفهرست لمكان إحالته على الفهرست في الرجال في غير موضع, منها في ذكره (الحسن بن محمد بن سماعة)(4) و (ابن عقدة)(5).وأيضاً ضعفه في الحديث لا ينسجم مع ما تقدم من كثرة رواية الأجلاء والثقات عنه(6).

19- عباد بن صهيب

عباد بن صهيب, أبو بكر, التميمي, الكلبي, اليربوعي, بصري, روى عن الصادق (علیه السلام) , وثقه النجاشي قائلاً: (ثقة)(7), ولم يذكر شيئاً عن مذهبه, وقال البرقي والكشي والشيخ في رجاله: إنه عامي(8) ونص الكشي في موضع آخر على أنه بتري(9). (والبتري هو العامي الزيدي)(10).

ص: 268


1- رجال النجاشي: 348/939.
2- رجال النجاشي: 40/83.
3- رجال النجاشي: 83/107.
4- رجال الشيخ: 335/4994.
5- رجال الشيخ: 409/5949.
6- تُنظر جملة من هذه المناقشة في: خاتمة المستدرك: 5/213، وتنقيح المقال: 34/185 (ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ).
7- رجال النجاشي: 293/791.
8- رجال البرقي: 24، ورجل الكشي: 390/733، ورجال الشيخ: 142/1531.
9- رجال الكشي: 391/736.
10- تنقيح المقال: 2/122 (ط. حجري).

والكلام فيه يقع في أمرين: وثاقته ومذهبه.

أما وثاقته فقد وثقه الشهيد الأول(1) والثاني(2) والمحقق الأردبيلي(3) وصاحب الجواهر(4) والشيخ الأعظم(5). لتوثيق النجاشي له من دون نص معارض له من قدماء الرجاليين لكن ضعفه العلامة في الخلاصة حيث ذكره في القسم الثاني(6) المعدود لمن هو ضعيف أو متروك الرواية, وعلى ذلك جرى في كتبه الفقهية كالمختلف(7) والمنتهى(8). ووافقه المحقق السبزواري في الذخيرة(9) استناداً إلى عاميته, ولما رواه الكشي في عباد البصري عن الصادق (علیه السلام) من وصفه (علیه السلام) إياه بالمرائي(10).

وقد اختلفت كلمات السيد الحكيم (قدس سره) في شأن الرجل ففي بعضها بنى على وثاقته حيث وصف حديثه بالصحيح أو الموثق, قال: (في صحيح عباد بن صهيب -أو موثقه- عن أبي عبد الله (علیه السلام) : (في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته...))(11), ولكن في سائر كلماته عبر عن رواياته ب-(الخبر)(12) مما يُشير إلى

ص: 269


1- الدروس: 3/406.
2- مسالك الافهام: 7/341.
3- مجمع الفائدة: 3/267.
4- جواهر الكلام: 26/85.
5- الوصايا والمواريث: 202.
6- خلاصة الأقوال: 143/2، ومقدمة الخلاصة: 44.
7- المختلف: 5/405.
8- منتهى المطلب: 1/373.
9- ذخيرة المعاد: 1/ق2/393.
10- رجال الكشي: 391/736.
11- المستمسك: 11/120.
12- المستمسك: 7/326 و14/157.

عدم بنائه (قدس سره) على وثاقته بل قد عبر عن نفس الخبر الذي تردد في تصحيحه أو توثيقه ب-(الخبر) في موضعين آخرين(1). بل صرح في موضع آخر بضعفه محاولاً التوجيه على سبيل انجبار السند بضعفه قائلاً: (لضعف عباد, ولكن رواها في الكافي هكذا: (عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن عباد بن صهيب), وأحمد بن محمد بن عيسى أخرج البرقي من قم لأنه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل وابن محبوب هو الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع وممن لا يروي إلا عن ثقة, ولا يبعد أن يكون ذلك كافياً في جبر ضعف السند)(2).

وكأن الوجه فيه أنه ترجح في نظره تارة الاعتماد على توثيق النجاشي وأخرى الأخذ بما يستفاد من بعض الروايات من ذمه بكونه مرائياً.

لكن رواية ذمه - عباد البصري - بالرياء إنما هي في عباد بن كثير لا عباد بن صهيب للتصريح به في رواية الكليني(3), مضافاً إلى عدم دخالة الرياء بالوثاقة.

وأما مذهبه فقد عرفت أن النجاشي لم يتعرض لمذهبه, مما قد يتراءى منه أنه إمامي, وصريح البرقي والكشي والشيخ بأنه: بتري عامي, وقد تردد السيد الحكيم (قدس سره) في الموضع الذي بنى على وثاقته, حيث وصف خبره بأنه صحيح أو موثق, وكأن الوجه فيه تعارض ظاهر كلام النجاشي مع غيره.

والظاهر أن الرجل بتري وقد ذكره العامة في رجالهم بما هو ظاهر في أنه منهم ولم يتهموه بالتشيع بل قالوا أنه كان قدرياً داعية فترك حديثه, وتوفي في البصرة في شوال سنة (212ﻫ) في خلافة هارون الرشيد, وصلى عليه طاهر بن

ص: 270


1- المستمسك: 5/434 و 10/251.
2- المستمسك: 14/21.
3- الكافي: 6/443/ح9.

علي بن سليمان الهاشمي وهو يومئذٍ والي البصرة(1), وكلام النجاشي غايته أن يكون ظاهراً في كونه إمامياً وليس صريحاً, فترفع اليد عنه بالنص الصريح.

20- عبد الرحيم القصير

عبد الرحيم بن روح, القصير, الأسدي, مولاهم, كوفي, روى عن الباقر والصادق (علیهما السلام) وبقي إلى ما بعد الصادق (علیه السلام) , ذكره البرقي والشيخ في رجالهما من غير مدح أو ذم(2).

وظاهر السيد الحكيم (قدس سره) البناء على وثاقته لقيام القرينة على ذلك, وهي رواية جملة من أصحاب الإجماع والثقات عنه, قال (قدس سره) : (لكنها ضعيفة السند لعدم توثيق عبد الرحيم ولا سعدان بن مسلم الراوي عنه... وإن أمكنت مناقشتهم... من جهة استفادة توثيق الرجلين المذكورين من القرائن كاعتماد جماعة من أصحاب الإجماع -وفيهم صفوان وابن أبي عمير- على الأول منها, وكثير من الأجلاء والأعيان عليها جميعاً)(3), فقد روى عنه من أصحاب الإجماع صفوان بن يحيى بتوسط منصور بن حازم(4), وابن أبي عمير بتوسط محمد بن يحيى الخثعمي(5), وحماد بن عثمان(6), وعبد الله بن مسكان(7), ومن الثقات مضافاً إلى الأربعة (منصور بن حازم، محمد بن يحيى الخثعمي، وحماد

ص: 271


1- الطبقات الكبرى: 7/297.
2- رجال البرقي: 10/17، ورجال الشيخ: 237/3241.
3- المستمسك: 1/592.
4- الكافي: 1/192/ح4.
5- المحاسن: 1/237/ح207، والتوحيد: 456/باب 67/ح4.
6- الكافي: 2/27/ح1.
7- الكافي: 8/296/ح455، والفقيه: 3/339/ح4403.

وابن مسكان): إسحاق بن عمار(1) وعمر بن أبان الكلبي(2).

وهو (قدس سره) وإن لم يبنِ على إفادة رواية الأجلاء والثقات عن الراوي على وثاقته, لكن في حال انضمت إليه قرائن أخرى ربما أنتجت الوثوق بشخص الراوي كرواية أكثر من واحد منهم عنه وفيهم من هو من أصحاب الإجماع أو ممن قيل فيه: أنه لا يروي إلا عن ثقة(3) وما إلى ذلك, وهو ما قد توفر في المقام.

وهنا أمران:

الأول: الظاهر أن منشأ تعبيره (قدس سره) ب-(اعتماد جماعة من أصحاب الإجماع) بدل (رواية جماعة من أصحاب الإجماع) هو أن صفوان وابن أبي عمير إنما رويا عنه بالواسطة -كما عرفت- ولذا عبر ب-(الاعتماد) فهو أعم -بحسب الظاهر- من الرواية مباشرة أو بالواسطة؛ لأن الكشي حكى الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم (من الأحاديث) لا الإجماع على وثاقة من رووا عنهم.

الثاني: أن قوله (كثير من الأجلاء والأعيان) لا ينطبق على جميع من روى عن عبد الرحيم القصير كعمر بن أبان الكلبي(4) ومحمد بن يحيى الخثعمي(5), فهم مجرد ثقات وحسب, ولا يبعد أن يكون ذلك تسامحاً منه في وصفهم.

21- عبد الله بن حماد الأنصاري

عبد الله بن حماد الأنصاري, أبو محمد, نزل قم, ولا نص للقدماء على توثيقه. نعم, قال النجاشي: (من شيوخ أصحابنا)(6) وابن الغضائري: (إن

ص: 272


1- الكافي: 3/230/ح4.
2- الكافي: 1/56/ح12.
3- يُنظر: مجلة دراسات علمية: 4/ 190.
4- قال النجاشي (285/759): (أبو حفص مولى كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ).
5- قال النجاشي (359/963): (كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ).
6- رجال النجاشي: 218/568.

حديثه يُعرف تارة ويُنكر أخرى ويخرج شاهداً)(1).

واختلف المتأخرون ومتأخروهم في حاله, فمنهم من لم يبنِ على وثاقته, وهو ما صرح به السيد الحكيم (قدس سره) قائلاً: (بقرينة ما عن الإقبال عن كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري عن أبي الحسن الأحمس... وعدم الاعتناء بخبر الإقبال لضعف سنده, فإن أبا الحسن مهمل والأنصاري غير ظاهر التوثيق)(2).

وذهب آخرون إلى وثاقته أو حسن حاله كالعلامة حيث عده في القسم الأول من الخلاصة(3), وكذا ابن داود في رجاله(4) والوحيد(5) والمحدث النوري(6) والمامقاني(7). وحجتهم على ذلك هو قول النجاشي لدلالة قوله: (من شيوخ أصحابنا) على مدحه واعتماد الأصحاب عليه وأن ما ذكره ابن الغضائري لا يدل على عدم وثاقة الأنصاري في نفسه وأنه غير قابل لمعارضة ما ذكره النجاشي نظراً إلى معلومية كتابه عنده واطلاعه على مواقف ابن الغضائري الرجالية, ومع ذلك لم يعتد به في المقام؛ لعدم نقله عنه كعادته في غيره(8).

والملاحظ أن السيد الحكيم (قدس سره) لم يوافق الأعلام الثلاثة على حسن حاله, على خلاف المعهود منه في غالب الموارد, وكأن الوجه في ذلك هو: أن قول النجاشي (من شيوخ أصحابنا) لا يفيد إلا شيخوخته للحديث بإجازة أو غيرها.

ص: 273


1- رجال ابن الغضائري: 78/92.
2- المستمسك: 9/430.
3- خلاصة الأقوال: 110/40.
4- رجال ابن داود: 202/842.
5- تعليقة الوحيد: 224 (ط.ق).
6- خاتمة المستدرك: 4/420.
7- تنقيح المقال: 2/179 (ط: حجري).
8- رجال النجاشي: 11/7 و 37/74 و 53/117 و 66/154 وغيرها.

وهو (قدس سره) لا يرى كفايتها في وثاقة الراوي أو حُسنه, كما يُعطيه تقييده (قدس سره) لمشايخ الصدوق ب-(المعتبرين), وهم مَن أكثر الرواية عنهم مترضياً تارة ومترحماً أخرى(1).

22- علي بن أبي حمزة البطائني

علي بن أبي حمزة - واسم أبي حمزة (سالم)- البطائني, أبو الحسن, الكوفي, قائد أبي بصير يحيى بن أبي القاسم, روى عن الصادق والكاظم (علیهما السلام) ثم وقف, وكان أول من أظهر الوقف, وهو أحد عمد الواقفة(2).

وقد وقع الخلاف في وثاقته فذهب المشهور إلى ضعفه, وممن اختاره الشهيد الثاني في المسالك(3),

والأردبيلي في مجمع الفائدة(4),

والسيد العاملي في المدارك(5),

وصاحب الجواهر فيها(6),

والشيخ الأعظم في المكاسب(7),

استناداً إلى ما رواه الكشي فيه من ذموم كقول الإمام الكاظم (علیه السلام) له: يا علي أنت وأصحابك شبه الحمير(8),

وقول الإمام الرضا (علیه السلام) فيه بعد موته أنه دخل النار لإنكاره معرفة إمامٍ بعد الإمام الكاظم (علیه السلام) (9), وما نقله عن العياشي عن ابن

ص: 274


1- يُنظر مجلة دراسات علمية: 4/196.
2- رجال البرقي: ص25، ورجال الكشي: 405/459 و 445/837 و 493/946، ورجال النجاشي: 249/656، والفهرست: 283/419، وغيبة الطوسي: 63 و 67 و 352.
3- مسالك الأفهام: 15/498.
4- مجمع الفائدة: 5/226 و 337.
5- مدارك الأحكام: 4/158.
6- جواهر الكلام: 8/440.
7- المكاسب: 1/306.
8- رجال الكشي: 403/754 و 404/757.
9- رجال الكشي: 444/833 و 834.

فضال من قوله: (علي بن أبي حمزة كذاب متهم)(1).

وذهب آخرون إلى وثاقته كالوحيد في تعليقته(2)

والمحدث النوري في الخاتمة(3)

والمامقاني في التنقيح(4)

وقد وافقهم السيد الحكيم (قدس سره) على ذلك مستنداً إلى رواية جمع من الأجلاء وأصحاب الإجماع ومحيلاً إلى كتب الرجال للتعرف على القرائن الأخرى التي قيلت فيه، قال (قدس سره) : (علي بن أبي حمزة... وهو إن كان الثمالي فهو ثقة وإن كان البطائني فالظاهر اعتبار حديثه لرواية جمع كثير من الأعاظم عنه وفيهم جمع من أصحاب الإجماع وجماعة ممن نصوا على أنهم لا يروون إلا عن ثقة ولغير ذلك من القرائن المذكورة في كتب الرجال)(5).

والحجة عليه وجوه، هي:

الأول: ما قاله ابن الغضائري في ترجمة ابنه (الحسن): (وأبوه أوثق منه) ودعوى عدم الفائدة في ذلك للاتفاق على ضعف (الحسن) ابنه(6),

وتضعيف ابن الغضائري لأبيه(7)

مدفوعة: بأن مرجع قول ابن الغضائري إلى الشهادة بضعف كليهما واختصاص الأب بنوع وثوق بخبره(8).

الثاني: قول الشيخ في العدة: (وإن كان ما رواه ليس هناك ما يخالفه ولا يُعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرجاً في روايته موثوقاً في أمانته وإن كان مخطئاً في أصل اعتقاده, ولأجل ما قلناه عملت

ص: 275


1- رجال الكشي: 403/755.
2- تعليقة الوحيد: 243 (ط.ق).
3- خاتمة المستدرك: 4/464.
4- تنقيح المقال: 2/260/8111 (ط. حجرية).
5- المستمسك: 11/146.
6- رجال الكشي: 443/831 و 552/1042.
7- رجال ابن الغضائري: 83/107.
8- تنقيح المقال: 2/262.

الطائفة بأخبار... الواقفة مثل... علي بن أبي حمزة)(1), وهو ظاهر في عمل الطائفة بروايات البطائني؛ لكونه متحرجاً في روايته وموثوقاً في أمانته.

الثالث: أنه روى عن البطائني جملة من الأجلاء وفيهم من قيل فيه: إنه لا يروي إلا عن ثقة كمحمد بن أبي عمير(2)

والبزنطي(3)

وجماعة من أصحاب الإجماع, وهم -مضافاً إلى الرجلين- الحسن بن محبوب(4)

ويونس بن عبد الرحمن(5)

وعثمان بن عيسى(6)

-وهو من أصحاب الإجماع على قول- وجماعة من الأجلاء والثقات وهم -مضافاً إلى من تقدم- علي بن الحكم(7)

-وقد أكثر الرواية عنه- والوشاء(8)

وعلي بن أسباط وجعفر بن بشير(9)

وظريف بن ناصح(10)

وإبراهيم بن عبد الحميد(11)

وإسماعيل بن مهران(12)

وعبد الله بن جبلة(13)

والحسن بن رباط(14).

وهو (قدس سره) وإن تقدم عنه عدم بنائه على دلالة

ص: 276


1- العدة: 226-227.
2- الكافي: 3/255/ح20 و 4/253/ح3 وغيرها.
3- الكافي: 4/273/ح1 و 6/486/ح5 وغيرها.
4- الكافي: 2/334/ح22 و 3/308/ح34 وغيرها.
5- الكافي: 3/503/ح3 و 4/74/ح5 وغيرها.
6- الكافي: 2/528/ح20 و 3/236/ح6 وغيرها.
7- الكافي: 1/35/ح3 و187/ح9 و296/ح6 و543/ح6 و545/ح14 وغيرها.
8- الكافي: 1/340/ح16 و 2/105/ح9 وغيرها.
9- الكافي: 1/418/ح35 و 2/22/ح11 وغيرها.
10- الفقيه: 4/110/ح5214.
11- الكافي: 2/334/ح19.
12- الكافي: 2/531/ح25.
13- الكافي: 6/124/ح3.
14- الكافي: 7/126/ح2.

رواية الأجلاء على وثاقة من رووا عنه وأنها إنما تدل على وثوقهم بالخبر الذي رووه عنه ولو لقرائن خارجية اتفاقية وذلك غير كاف في حصول الوثوق لنا, نعم في حال انضمت إلى ذلك قرائن أخرى من قبيل أن فيهم جماعة من أصحاب الإجماع ومن قيل فيه: إنّه لا يروي إلا عن ثقة, ورواية أكثر من واحد منهم عنه, وإكثار بعضهم من الرواية عنه(1).

وما إلى ذلك ربما أوجب الوثوق بالراوي وأمانته في النقل وهو ما وجده (قدس سره) كافياً هنا حسب ما يُعطيه ظاهر عبارته المتقدمة.

الرابع: كون البطائني صاحب أصل وقد عرفت عنه (قدس سره) عدم اعتداده بذلك؛ لعدم تحديد معنى محصل للأصل يفيد اعتبار صاحبه(2).

الخامس: أن للصدوق طريقاً إلى البطائني في المشيخة, وقد ذكر في مقدمة كتابه أنه ينقل عن كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع(3),

والاعتماد على كتاب البطائني يُعطي اعتباره.

لكن لم يتضح موقف السيد الحكيم (قدس سره) من ذلك من خلال متابعة تضاعيف كلماته (قدس سره) , فلا يسعنا عده من القرائن التي اعتمدها في التوصل إلى اعتبار البطائني, خصوصاً وأنه لم يعلم أن الصدوق يبتدئ في نقل الأحاديث بذكر أسماء أصحاب الكتب الذين نقل الرواية عنهم.

وأما الذموم التي وردت في رجال الكشي فهي ظاهرة في كونها من جهة عقيدته, لا أنها من حيث كذبه وعدم أمانته في النقل كما نص عليه الشيخ في العدة في عبارته المتقدمة, وأما قول ابن فضال فهو لا يعارض رواية من عرفت عنه, وفيهم من هو أرفع شأناً منه, فإنه لا يستقيم منهم ذلك مع معرفتهم بكذبه,

ص: 277


1- يُنظر مجلة دراسات علمية: 4/190.
2- ن. م.
3- الفقه: 1/المقدمة/5.

بل ظاهر فعلهم أنهم رووا عنه لاعتقادهم بأمانته في النقل وإن فسدت عقيدته.

والمتحصل: بناء السيد الحكيم (قدس سره) على وثاقة البطائني وإن فسدت عقيدته لقيام القرائن على ذلك.

23- علي بن حديد

علي بن حديد بن حكيم, الساباطي, الأزدي, مولاهم, كوفي, ولكن كان منزله ومنشؤه بالمدائن, روى عن الإمام الكاظم (علیه السلام) (1), وقد ضعفه الشيخ في التهذيبين قائلاً: (وأما خبر زرارة فالطريق إليه علي بن حديد وهو مضعف جداً, ولا يعول على ما ينفرد به)(2),

وفي موضع آخر من الاستبصار قال: (فأول ما في هذا الخبر أنه مرسل وراويه ضعيف, وهو علي بن حديد)(3).

ونقل الكشي عن نصر بن الصباح أنه فطحي(4).

وقد وقع الخلاف في وثاقته فالمشهور عدمها أخذاً بتضعيف الشيخ, واختار هذا الرأي جمع من الأعلام كالمحقق(5)

والعلامة(6)

والشهيد الثاني(7)

والأردبيلي(8)

والمحقق السبزواري(9)

وصاحبي الحدائق(10)

والجواهر(11)

والشيخ

ص: 278


1- رجال النجاشي: 274/717، والفهرست: 267/382، ورجال الشيخ: 360/5228.
2- التهذيب: 7/100/ح41، والاستبصار: 2/95/ح9.
3- الاستبصار: 1/40/ح7.
4- رجال الكشي: 570/1078.
5- المعتبر: 1/49.
6- مختلف الشيعة: 3/134.
7- مسالك الافهام: 3/247.
8- مجمع الفائدة: 3/180.
9- ذخيرة المعاد: 1/ق1/125.
10- الحدائق الناضرة: 19/403.
11- جواهر الكلام: 6/126.

الأعظم(1) والمامقاني في تنقيح المقال(2).

وذهب المحدث النوري إلى اعتبار حديثه(3),

ووافقه عليه السيد الحكيم (قدس سره) حيث قال: (والسند صحيح لولا علي بن حديد وإن كان الأظهر اعتبار حديثه)(4),

واحتج له برواية جملة من الأجلاء والأعيان عنه كأحمد بن محمد ابن عيسى, وقد أكثر من الرواية عنه(5),

وهو المعروف بتشدده في أمر الرواية, فقد أخرج البرقي من قم لأخذه من كل أحد, ونهى عن الرواية عن سهل, وامتنع مدة من الرواية عن الحسن بن محبوب لاتهامه في روايته عن الثمالي, ثم رجع عن ذلك(6),

وأيضاً روى عنه محمد بن عبد الجبار(7)

وعلي بن مهزيار(8)

والحسين بن سعيد(9)

وسعد بن عبد الله(10)

مؤيداً بما رواه الكشي(11)

بطريقين ضعيفين ب-(علي بن محمد القمي) أن الإمام أرجع إلى العمل بقوله.

وأما تضعيف الشيخ له فقد يحمل على أنه من جهة عقيدته وكونه فطحياً كما يشهد به تقييده بعدم العمل بما ينفرد به, وهو القيد الذي ذكره مع غير

ص: 279


1- أحكام الخلل: 156.
2- تنقيح المقال: 2/275 (ط. حجري).
3- خاتمة المستدرك: 5/333.
4- المستمسك: 14/858.
5- الكافي: 1/20/ح14 و 2/67/ح1 و 3/41/ح2 و 4/57/ح4 و 5/171/ح11 وغيرها.
6- يُنظر مجلة دراسات علمية: 4/188.
7- الكافي: 2/612/ح6.
8- الكافي: 4/536/ح2.
9- التهذيب: 6/19/ح23.
10- التهذيب: 6/269/ح131.
11- رجال الكشي: 279/499 و 496/951. وهما ضعيفان بالقمي لجهالته بعدم ذكره في كتب الرجال.

الإمامية كالعامة والزيدية والغلاة(1).

24- علي بن السندي

لم يُذكر بهذا العنوان في كتب الرجال, نعم ورد في طريقهم إلى بعض أصحاب الكتب, كما في طريق الشيخ والنجاشي إلى الحسن بن راشد(2)

ومحمد ابن عمرو الزيات(3),

وطريق الشيخ إلى شعيب بن يعقوب العقرقوفي(4),

وطريق النجاشي إلى الحسين بن مختار(5).

وقد بنى جمع من الأعلام على جهالته كالشهيد الثاني(6) والمحقق الأردبيلي(7)

في موضع من مجمع الفائدة, والسيد العاملي(8)

والمحقق السبزواري(9)

والمحدث البحراني(10).

لكن يظهر من الوحيد في تعليقته(11)

والمحدث النوري في الخاتمة(12)

والمامقاني

ص: 280


1- يُنظر: التهذيب: 4/316/ح27 و 7/317/ح17 و 9/40/ح170 و 9/368/ح15، والاستبصار: 1/33/ح9 و 1/48/ح2 و 1/65-66/ح8 و 2/86/ح2.
2- الفهرست: 135/196، ورجال النجاشي: 38/76.
3- الفهرست: 388/594، ورجال النجاشي: 369/1001.
4- الفهرست: 235/351.
5- رجال النجاشي: 54/123.
6- مسالك الأفهام: 7/314.
7- مجمع الفائدة: 1/79.
8- مدارك الأحكام: 1/306.
9- ذخيرة المعاد: 1/ق1/9.
10- الحدائق: 2/200.
11- تعليقة الوحيد: 253.
12- خاتمة المستدرك: 4/90.

في التنقيح(1) البناء على وثاقته كما احتملها الأردبيلي في موضع آخر من مجمع الفائدة(2),

والخوانساري في مشارق الشموس(3).

وقد كان مستند القول بوثاقته وجوه ثلاثة:

الأول: أنه روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري في كتابه نوادر الحكمة(4)

ولم يستثنه القميّون من كتابه(5).

الثاني: أكثر محمد بن علي بن محبوب من الرواية عنه(6)

وهو شيخ القميين في زمانه الثقة العين الفقيه(7).

الثالث: أنّ الكشي نقل عن نصر بن صباح أن: (علي بن إسماعيل ثقة وهو علي بن السدي لُقب إسماعيل بالسدي)(8).

والظاهر تصحيف (السدي) وأنها (السندي) كما ورد في بعض النسخ -على ما قيل(9)-

وأنه لا يوجد راوٍ بعنوان (علي بن السدي) في كتب الرجال والحديث. ويشهد للتصحيف: أن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري روى عن علي بن السندي عن عمرو بن الزيات(10)

ص: 281


1- تنقيح المقال: 2/270 و291.
2- مجمع الفائدة: 13/267.
3- مشارق الشموس: 1/62.
4- التهذيب: 6/543/ح1 و 7/253/ح17 و 9/158/ح29 وغيرها.
5- رجال النجاشي: 348/939، والفهرست: 408/623.
6- الفقيه: 4/249/ح5593، والتهذيب: 1/107/ح11 و 2/51/ح10 و 3/150/ح7 وغيرها.
7- رجال النجاشي: 349/940.
8- رجال الكشي: 598/1119.
9- كما يظهر من تنقيح المقال: 2/270.
10- الكافي: 6/543/ح10، وثواب الأعمال: 165 وغيرها.

وأحمد بن النظر(1) وحماد بن عثمان(2)

كما روى عنهم أيضاً بواسطة علي بن إسماعيل(3).

والسيد الحكيم (قدس سره) استظهر صحة حديثه على إشكال قائلاً: (وسنده إلى علي بن السندي غير ثابت الصحة, أما علي فالظاهر صحة حديثه وإن كان لا يخلو من إشكال)(4)

وحكم بجهالته في موضع آخر: (لأن في طريقه إلى جميل علي بن السندي. وهو المجهول)(5).

ولعل الوجه في استشكاله (قدس سره) في الوجوه المتقدمة. هو ما يلي:

أما عدم استثنائه من كتاب نوادر الحكمة فلأنه (قدس سره) لا يرى دلالة الاستثناء على وثاقة من لم يُستثنَ؛ لأنّ غاية ما يُعطيه عدم استثناء ابن الوليد هو وثوقه برواياته في نوادر الحكمة ولو لقرائن خارجية أوجبت الوثوق عنده فيها, وهو غير كاف في حصول الوثوق لغيره(6),

وهكذا الحال مع إكثار محمد بن علي بن محبوب(7).

وأما الاعتماد على ما نقله الكشي عن نصر بن الصباح بعد معالجة تصحيف العبارة فيه فالظاهر من العلامة في الخلاصة أن نسخته من الكشي كانت (علي بن السري) بالراء لا بالدال, فيكون قول نصر بن الصباح إنما هو في (علي بن السري الكرخي) الذي هو من أصحاب الصادق (علیه السلام) ولذا ذكر

ص: 282


1- الخصال: 1/13/ح45.
2- التوحيد: 458/ باب67/ح21، والخصال: 1/9/ح32.
3- الفقيه: 4/172/ح5396، والتوحيد: 392/باب61/ح4، وثواب الأعمال: 85 و90 وغيرها.
4- المستمسك: 11/151.
5- المستمسك: 14/252.
6- يُنظر مجلة دراسات علمية: 4/200.
7- يُنظر مجلة دراسات علمية: 4/191.

العلامة كلام نصر بن الصباح فيه في الخلاصة معترضاً عليه بأنه لا يعتمد على قول نصر بن الصباح لضعفه (بالغلو), وظاهر الشهيد الثاني في حاشيته على الخلاصة قبول ذلك(1),

ونص كلام العلامة: (علي بن السري الكرخي روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) .. وقال الكشي في موضع آخر قال نصر بن الصباح: علي بن إسماعيل ثقة وهو علي بن السري, فلقب إسماعيل بالسري, ونصر بن الصباح ضعيف عندي لا اعتبار بقوله)(2).

25- علي بن محمد بن قتيبة

علي بن محمد بن قتيبة, النيشابوري (النيسابوري), أبو الحسن, يُعرف ب-(القتيبي) قال النجاشي : (عليه اعتمد أبو عمر الكشي في كتاب الرجال, أبو الحسن صاحب الفضل بن شاذان وراوية كتبه)(3)

وقال الشيخ في رجاله: (فاضل)(4)

وهو ممن لم ينص عليه بتوثيق, واختلف فيه الأعلام فذهب جمع من الأعلام إلى عدم اعتبار حديثه. كالأردبيلي في مجمع الفائدة(5)

وصاحب المدارك فيها(6)

والمحقق الخوانساري في مشارق الشموس(7)؛

لعدم النص على توثيقه, وعدم كفاية ما ذُكر في ترجمته في إفادة وثاقته أو حُسنه.

وذهب آخرون إلى اعتبار حديثه لقرائن كالمحدث النوري في الخاتمة(8)

ص: 283


1- حاشية الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال: 159/219.
2- خلاصة الأقوال: 181/28.
3- رجال النجاشي: 259/678.
4- رجال الشيخ: 429/6159.
5- مجمع الفائدة: 5/72.
6- مدارك الأحكام: 6/84.
7- مشارق الشموس: 2/396.
8- خاتمة المستدرك: 4/457.

والمامقاني في التنقيح(1)

وصاحبي الحدائق(2)

والجواهر(3).

وظاهر السيد الحكيم متابعتهم في ذلك, قال (قدس سره) : (والتوقف في اعتبار السند من جهة عبد الواحد بن محمد بن عبدوس أو علي بن محمد بن قتيبة... في غير محله. إذ... الثاني من مشايخ الكشي وعليه اعتمد في رجاله كما في النجاشي والخلاصة. والخلاصة في ترجمة يونس بن عبد الرحمن: (روى الكشي حديثاً صحيحاً عن علي بن محمد القتيبي...) إلى أن قال: (وفي حديث صحيح عن علي بن محمد القتيبي), وقد ذكره في الخلاصة في قسم الموثقين, وهو ظاهر ما في المختلف أيضاً حيث قال: (في طريق هذه الرواية عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري, ولا يحضرني الآن حاله فإن كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها) )(4).

وما يحتج به على اعتباره وجوه، هي:

الأول: قول الشيخ في رجاله: (فاضل), فإنه يدل على حسن حاله, وهذا الوجه ذكره غير السيد الحكيم (قدس سره) , ولعل الوجه في عدم ذكره (قدس سره) له هو أنه لم يتابع حال القتيبي في كتب الرجال التي ذكرت ذلك كالخاتمة(5)

والتنقيح(6),

وإنما اعتمد في نقل ما تقدم من القرائن على ما ذكره صاحبا الحدائق(7)

والجواهر(8)؛

إذ جاء في كلامهما نفس هذه القرائن وتراتبها, ولم يذكرا من ضمنها مقولة الشيخ: (فاضل).

ص: 284


1- تنقيح المقال: 2/308 (ط: حجري).
2- الحدائق الناضرة: 6/48.
3- جواهر الكلام: 16/270.
4- المستمسك: 8/345، ويُنظر: 5/13.
5- خاتمة المستدرك: 4/457.
6- تنقيح المقال: 2/308 (ط: حجري).
7- الحدائق الناضرة: 6/48.
8- جواهر الكلام: 16/270.

الثاني: أنّ القتيبي شيخ الكشي, وعليه اعتمد كما نص على ذلك النجاشي, ونقله عنه العلامة في الخلاصة, ويدل عليه أن الكشي روى عنه كثيراً في رجاله بما ظاهره اعتماده على مروياته, مما يُعطي أنه من المشايخ المعتبرين عنده الذين أخذ عنهم الحديث, وهو كافٍ عنده (قدس سره) في إفادة اعتبار الراوي كما تقدم بيانه في القسم الأول(1).

الثالث: ما يستخرج من كلام العلامة (قدس سره) من بنائه على وثاقته, وذلك لقرائن وهي:

أ: أنّ العلامة حكم بصحة طريقين رواهما الكشي عن القتيبي, والحكم بصحة الطريق يكشف عن وثاقة جميع الرواة الواردين فيه -لأن ذلك هو معنى الصحيح في اصطلاح العلامة ومن تأخر عنه(2)-

ومنهم القتيبي وهو ما جاء في كلام العلامة في ترجمة يونس بن عبد الرحمن, قائلاً: (روى الكشي حديثاً صحيحاً عن علي بن محمد القتيبي, قال: حدثني الفضل بن شاذان, قال: حدثني عبد العزيز بن المهتدي... وفي حديث صحيح عن علي بن محمد القتيبي عن الفضل بن شاذان)(3).

ب: أنّ العلامة (قدس سره) جعل الخلاصة على قسمين الأول منهما يذكر فيه الرواة الذين يعتمد على روايتهم أو ترجح عنده قبول قولهم. والثاني فيمن ترك روايته أو توقف فيه قائلاً: (ورتبته على قسمين... الأول: فيمن أعتمد على روايته أو ترجح عندي قبول قوله. والثاني: فيمن تركت روايته أو توقفت فيه)(4).

وقد عد القتيبي في القسم الأول من الخلاصة, مما يعني أنه ممن يعتمد على

ص: 285


1- مجلة دراسات علمية: 4/196.
2- يُنظر: الوافي: 1/22.
3- خلاصة الأقوال: 296/1103.
4- خلاصة الأقوال: المقدمة: 44.

روايته أو ترجح عنده قبول قوله, ومنه يظهر أن وصفه (قدس سره) لمن ذُكِرَ في الخلاصة في القسم الأول ب-(الموثقين) ليس المراد من نُصَّ على توثيقه, وإنما من كان معتمداً عليه عند العلامة أو ترجح عنده قبول روايته.

ج: أن العلامة (قدس سره) ذكر في كتابه (مختلف الشيعة) رواية عن ابن عبدوس عن القتيبي عن حمدان عن الهروي. ولم يتوقف فيها إلا من جهة ابن عبدوس؛ لأنه لم يحضره حاله آنذاك وحكم بصحة الحديث ولزوم العمل به في حال كان ابن عبدوس ثقة. وهذا الموقف منه (قدس سره) ظاهر في اعتبار القتيبي عنده؛ إذ لم يتوقف في سند الحديث من جهته, ونص كلامه (قدس سره) : (واستدل بما رواه أبو جعفر بن بابويه (ره) عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري عن علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان عن عبد السلام بن صالح الهروي, قال: قلت للرضا (علیه السلام) :... أقول في طريق هذه الرواية عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري ولم يحضرني الآن حاله, فإن كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها)(1).

هذا، واعتماد السيد الحكيم (قدس سره) على موقف العلامة (قدس سره) بقرائنه الثلاث يندرج ضمن موقفه من حجية قول متأخري الرجال في الجرح والتعديل, الذي تقدم بيانه في القسم الأول(2).

والمتحصل: أن القتيبي وإن لم ينص عليه بتوثيق إلا أن السيد الحكيم (قدس سره) بنى على وثاقته؛ لقيام القرائن الكافية على ذلك عنده (قدس سره) .

26- عمر بن علي بن عمر

عمر بن علي بن عمر بن يزيد, له كتاب, ذكره النجاشي والشيخ من غير

ص: 286


1- مختلف الشيعة: 3/447-448.
2- مجلة دراسات علمية: 4/167.

مدح أو ذم(1),

ولذا انتهى في الجواهر إلى جهالته(2),

وقال فيه المامقاني: (لم يرد فيه مدح يلحقه بالحسان)(3).

لكن الوحيد في تعليقته استظهر ارتضاءه(4)؛

لرواية محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري عنه(5),

وعدم استثنائه من رجال كتاب نوادر الحكمة(6),

وظاهر السيد الحكيم (قدس سره) ذلك أيضاً, حيث قال: (وليس في سنده من يتوقف فيه عدا عمر بن علي بن عمر, وفي رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه مع عدم استثناء القميين روايته من كتاب نوادر الحكمة نوع شهادة على وثاقته)(7).

غير أن هذا التطبيق منه (قدس سره) هو بظاهره خلاف ما تقدم عنه من عدم بنائه على دلالة استثناء القميين على وثاقة من لم يستثنوه من كتاب نوادر الحكمة؛ لاحتمال وثوقهم بروايته لقرائن اتفاقية وجدوها كافية في حصول الوثوق, وهو غير كافٍ في حصول الوثوق لغيرهم(8).

27- عنبسة بن مصعب

عنبسة بن مصعب, الشيباني, ويقال: العجلي, كوفي, ناووسي(9),

روى عن الصادق (علیه السلام) , ووقف عليه, وفي رجال الكشي ما يدل على إظهار عناية

ص: 287


1- رجال النجاشي: 286/861، والفهرست: 330/515.
2- جواهر الكلام: 8/78.
3- تنقيح المقال: 2/346 (ط: حجري).
4- تعليقة الوحيد: 269 (ط. ق).
5- التهذيب: 2/120/ح223، و 2/209/ح27 وغيرها.
6- رجال النجاشي: 348/393، والفهرست: 408/623.
7- المستمسك: 5/309-310.
8- يُنظر مجلة دراسات علمية: 4/200.
9- قد مرّ معنى الناووسية في (أبان بن عثمان).

الإمام الصادق (علیه السلام) به وسروره بلقائه, إلا أن الرواية من طريق عنبسة نفسه(1).

وقد وقع الخلاف فيه فذهب جملة من المتأخرين كالعلامة في المختلف(2)

والمحقق السبزواري(3)

في الذخيرة إلى جهالته؛ لعدم النص على وثاقته. بينما ذهب الوحيد في تعليقته(4)

والمامقاني في التنقيح إلى وثاقته(5)

استناداً إلى القرائن, وكذا اختار السيد الحكيم (قدس سره) وثاقته قائلاً: (... وكون الراوي عنه -أي عنبسة- البزنطي وما رواه الكليني (قدس سره) في الصحيح عن ابن أبي عمير عن جميل عن أحدهما: (لا يجبر الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد, قلت لجميل: فالمرأة؟ قال: قد رووا أصحابنا -وهو عنبسة بن مصعب وسورة بن كلب- عن أحدهما: أنه إذا كساها...) كافٍ في إثبات وثاقته ودخول خبره في موضوع الحجية, وكأنه لذلك عده في الجواهر من قسم الموثق(6))(7).

فهو (قدس سره) قد اعتمد على قرينتين هما:

الأولى: رواية البزنطي عنه في المورد وهو من أصحاب الإجماع وممن قيل فيه: إنه لا يروي إلا عن ثقة, وهذا المقدار عنده (قدس سره) يساعد على اعتبار الرواية لا على وثاقة الراوي, ولكنه قد يصلح مع سائر القرائن لإثبات الوثاقة, والظاهر أن ذلك هو مقصوده في المقام؛ لأنه جعله من مناشئ حكمه بوثاقة عنبسة, ولم يقتصر على اعتبار الرواية.

ص: 288


1- رجال البرقي: 40، ورجال الكشي: 365/676، ورجال الشيخ: 340/5069.
2- مختلف الشيعة: 2/370.
3- ذخيرة المعاد: 1/ق2/361.
4- تعليقة الوحيد: 271.
5- تنقيح المقال: 2/353 (ط: حجري).
6- جواهر الكلام: 17/355.
7- المستمسك: 10/370.

هذا، ويمكن أن يضاف إلى ذلك: أنه قد روى عن عنبسة جماعة من الأجلاء وفيهم من أصحاب الإجماع كابن أبي عمير(1)

وصفوان(2)

-وهما ممن قيل فيه أنه لا يروي إلا عن ثقة- وأبان بن عثمان(3)

وابن مسكان(4)

وابن بكير(5)

والأعيان كجعفر بن بشير(6)

وعاصم بن حميد(7)

وعلي بن رئاب(8)

وأبي المغرا(9),

والثقات كمحمد بن مسعود الطائي(10)

ومنصور بن يونس(11).

إلا أن السيد الحكيم (قدس سره) لم يستند إلى ذلك مع اعتماده على مثله في غيره -كما تقدّم- ولعل الوجه فيه هو: أنه (قدس سره) اعتمد في معرفة حال الرجل على ملاحظة تعليقة الوحيد التي ذكرت القرينتين اللتين ذكرهما (قدس سره) ولم تتعرض لرواية الأجلاء عنه.

الثانية: ما رواه الكليني عن جميل من عدّ عنبسة من أصحابنا, والظاهر أن الاستدلال بالحديث ليس من جهة كونه (من أصحابنا) وحسب ليقال: إنه لا يدل على الوثاقة, بل ولا على مدح معتد به. كما يظهر من السيد الحكيم (قدس سره) في عبد الله بن حماد الأنصاري -وقد تقدم- بل لأن ظاهره أن جميل اعتمد على

ص: 289


1- الفقيه: 3/420/4463.
2- الكافي: 6/143/ح9.
3- الكافي: 3/54/ح6، والتهذيب: 1/43/ح59.
4- الكافي: 3/338/ح9 و 4/469/ح3.
5- الكافي: 7/235/ح8، والفقيه: 4/45/ح5055.
6- الكافي: 2/646/ح2.
7- الكافي: 4/485/ح2.
8- الكافي: 5/430/ح4.
9- الكافي: 6/579/ح5.
10- الكافي: 3/167/ح3.
11- الكافي: 8/215/ح261.

ما رواه عنبسة في مقام بيان حكم نفقة الزوجة.

والمتحصل: أن السيد الحكيم (قدس سره) بنى على وثاقة عنبسة لقيام القرائن الكافية عنده (قدس سره) على إثبات وثاقته.

28- القاسم بن عروة

القاسم بن عروة, أبو محمد, بغدادي, مولى أبي أيوب الخوزي, وزير المنصور, روى عن الصادق (علیه السلام) (1)، وعدّه الشيخ المفيد (قدس سره) في ثقاتٍ رووا عنهم (علیهم السلام) قائلاً: (روي عنهم... من طريق الثقات فروى الحسين بن سعيد (ره) في كتاب النكاح عن القاسم بن عروة عن أبي العباس المعروف بالبقباق)(2).

لكن ذهب جمع من الأعلام كالأردبيلي في المجمع(3)

وصاحب المدارك فيها(4)

والمحقق السبزواري في الذخيرة(5)

إلى جهالته لعدم النص على توثيقه في كتب الرجال, ولعلهم لم يُلاحظوا توثيق المفيد له.

وذهب آخرون إلى وثاقته كالوحيد في تعليقته(6)

والمامقاني في التنقيح(7)

لرواية جملة من الأجلاء عنه كابن أبي عمير(8)

والبزنطي(9)

-وهما ممن قيل فيه:

ص: 290


1- رجال الكشي: 372/695، ورجال النجاشي: 314/860، والفهرست: 372/589، ورجال الشيخ: 273/3948.
2- المسائل الصاغانية: 72-73.
3- مجمع الفائدة: 2/21 و 7/223 و 14/450.
4- مدارك الأحكام: 3/51 و 352.
5- ذخيرة المعاد: 1/ق2/186.
6- تعليقة الوحيد: 283.
7- تنقيح المقال: 2/21/9586.
8- الكافي: 2/232/ح6 و 7/390/ح3، والفقيه: 4/132/ح5285 وغيرها.
9- التهذيب: 2/27/ح29.

إنّه لا يروي إلا عن ثقة- وعلي بن مهزيار(1)

والحسين بن سعيد(2)

وابن فضال(3)

والعباس بن معروف(4)

وهارون بن مسلم(5).

وقد صحح حديثه في باب مواقيت الصلاة جملة من الأعلام كالشيخ البهائي(6)

والمحقق البحراني(7)

والشيخ الأعظم قائلاً: (مع أن القاسم بن عروة - هذا- أنه مولى أبي أيوب كما يظهر من الرجال, وقد روى عنه ابن أبي عمير والبزنطي في بعض الروايات. وهذا من أمارات وثاقته)(8).

وقد استند إلى ذلك السيد الحكيم (قدس سره) فقال: (ليس فيه من يُخدش فيه إلا القاسم بن عروة وقد صُحِّحَ حديثه في المواقيت المعدود من أدلة الاشتراك)(9).

والظاهر منه (قدس سره) أنه يلتزم بوثاقة القاسم بن عروة نظراً إلى اعتماده على كفاية رواية مثل هؤلاء عن الراوي في اعتباره, وقد تقدم نظيره غير مرة مضافاً إلى توثيق المفيد (قدس سره) , وإن كان الظاهر أنه لم يكن منظوراً له (قدس سره) لإحالته على تصحيحهم له في كتبهم الفقهية ولم يتعرضوا فيها إلى توثيق المفيد له.

29- ليث بن البختري

ليث بن البختري, المرادي, أبو بصير, كوفي, ذكره النجاشي والشيخ من

ص: 291


1- الكافي: 2/273/ح20.
2- الكافي: 2/536/ح6 و 3/276/ح5 وغيرها.
3- الكافي: 7/132/ح3.
4- التهذيب: 1/78/ح51 و 2/19/ح2 و 7/259/ح46 وغيرها.
5- التهذيب: 4/2/ح1.
6- الحبل المتين: 135.
7- الحدائق الناضرة: 6/101.
8- كتاب الصلاة: 1/47.
9- المستمسك: 5/245.

غير مدح أو ذم(1),

ووثقه ابن الغضائري قائلاً: (كان أبو عبد الله (علیه السلام) يتضجر به ويتبرم وأصحابه مختلفون في شأنه, وعندي أن الطعن إنما وقع على دينه لا على حديثه وهو عندي ثقة)(2).

وكأن إهمال التعرض لحاله في كلام النجاشي والشيخ كان منشأ لاحتمال الشبهة في وثاقته, مضافاً إلى بعض ما ورد فيه من الأخبار الذامة مما ذكره الكشي من قبيل شكه في الإمام الصادق (علیه السلام) أو علمه(3),

ولعله من هنا قال الشهيد الثاني (قدس سره) : (ليث بن البختري وهو المشهور بالثقة على ما فيه)(4)

وذهب بعض الأعلام كالمحقق السبزواري(5)

والأردبيلي(6)

والمحدث النوري في الخاتمة(7)

إلى وثاقته, وكأن الوجه فيه أمران هما:

الأول: ما عرفت من نص ابن الغضائري على وثاقته.

الثاني: ما ورد فيه من الروايات المعتبرة والصريحة في مدحه من قبيل ما رواه الكشي عن سليمان بن خالد الأقطع, قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: (ما أحد أحيا ذكرنا وأحاديث أبي (علیه السلام) إلا زرارة وأبا بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبُريد بن معاوية العجلي, ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا, هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي (علیه السلام) على حلال الله وحرامه, وهم السابقون في الدنيا إلينا والسابقون إلينا في الآخرة)(8).

ص: 292


1- رجال النجاشي: 321/676، والفهرست: 382/587، ورجال الشيخ: 144/1568.
2- رجال ابن الغضائري: 111/165.
3- رجال الكشي: 148/235 171/292.
4- مسالك الافهام: 8/50.
5- ذخيرة المعاد: 1/ق1/3.
6- مجمع الفائدة: 5/221.
7- خاتمة المستدرك: 1/66 و 4/408.
8- رجال الكشي: 136/219.

وما رواه عن جميل بن دراج قال: (سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: بشر المخبتين بالجنة بُريد بن معاوية العجلي وأبا بصير ليث بن البختري ومحمد بن مسلم وزرارة, أربعة نجباء, أمناء الله على حلاله وحرامه, لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست)(1).

ولا يضر بعد ذلك عدم تصريح النجاشي والشيخ بتوثيقه؛ لعدم دلالته على عدم الوثاقة كما وقع في غير موضع مما ثبتت فيه وثاقة الراوي بالأمارات.

ولا يعارض ذلك الأخبار الذامة فإنها إما ضعيفة بالإرسال أو بضعف رواتها أو أنها لا تدل على ضعف الرجل في روايته وإنما تعطي نقصاناً في عقيدته(2),

ولذا أصبحت وثاقة ليث بن البختري محل وفاق عند المتأخرين, قال السيد الخوئي (قدس سره) : (ليث البختري الثقة بالاتفاق)(3),

وهو مختار السيد الحكيم (قدس سره) , حيث قال: (إن المحقق أن أبا بصير ثقة سواء أكان ليثاً أم يحيى)(4).

30- المثنى بن عبد السلام

المثنى (مثنى) بن عبد السلام, الحناط, العبدي, مولاهم, كوفي, روى عن الصادق (علیه السلام) (5) قال الكشي: (قال أبو النضر محمد بن مسعود, قال علي بن الحسن سلام والمثنى بن عبد الوليد والمثنى بن عبد السلام, كلهم حناطون كوفيون لا بأس بهم)(6).

ص: 293


1- رجال الكشي: 170/286.
2- يُنظر: سماء المقال: 1/359، ومعجم رجال الحديث: 14/140.
3- كتاب الحج: 2/58.
4- المستمسك: 5/566.
5- رجال النجاشي: 415/1107، والفهرست: 469/751، ورجال الشيخ: 305/4497.
6- رجال الكشي: 338/623.

وقد ذهب جملة من الأعلام إلى اعتبار حديثه كالعلامة في الخلاصة(1)

والوحيد في تعليقته(2)

والمحدث النوري في الخاتمة(3)

والمامقاني في التنقيح(4),

وحجته أمران:

الأول: قول ابن فضال فيه (لا بأس به) فإنه مدح يقتضي حسن حاله؛ إذ نفي البأس عن الراوي يقتضي عدم البأس به من حيث كونه راوياً, وأن ما يرويه قابل للاعتماد عليه(5).

الثاني: رواية جملة من الأجلاء عنه وفيهم من أصحاب الإجماع كالبزنطي(6)

-وهو ممن قيل فيه: إنه لا يروي إلا عن ثقة- وعبد الله بن المغيرة(7)

وابن فضال(8)

ومن الثقات منصور بن حازم(9)

وداود بن حصين(10).

ومنهم من ذهب إلى عدم الاعتماد عليه كصاحب المدارك قائلاً:(مثنى بن عبد السلام غير موثق, بل ولا ممدوح مدحاً معتداً به)(11),

وهو ظاهر السيد الحكيم (قدس سره) مع اعتماده على مثل القرائن المذكورة في غير المثنى بن عبد السلام حيث قال: (ورواه الصدوق بإسناده عن العباس بن عامر عن المثنى مثله والمثنى

ص: 294


1- خلاصة الأقوال: 275/1004.
2- تعليقة الوحيد: 290.
3- خاتمة المستدرك: 5/110.
4- تنقيح المقال: 2/52/10144 (ط. حجري).
5- نفس المصدر السابق.
6- الكافي: 4/233/ح3 و 4/464/ح6.
7- التهذيب: 1/255/ح28.
8- الكافي: 4/360/ح2.
9- الكافي: 4/233/ح6.
10- التهذيب: 5/419/ح100.
11- مدارك الأحكام: 2/282.

غير صحيح حتى لو كان ابن عبد السلام كما هو الظاهر بقرينة رواية العباس بن عامر عنه)(1).

ولعله استند في ذلك إلى ما قاله صاحب المدارك لما بنى عليه في مخطوطته من إمكان اعتماد المجتهد على تصحيح الغير إذا علم أن منشأ الاعتبار عنده هو إعمال قواعد الرجال وتمييز الصحيح من السقيم لا عن حدس كصاحبي المدارك والمعالم وغيرهما من مهرة الفن؛ لحصول الوثوق من قولهم, قال (قدس سره) : (وأما المجتهد الذي يستنبط فيمكن له أن يعتمد على تصحيحهم لها بعد وثوقه بهم إذا قطع أن منشأ الاعتبار عندهم إعمال القواعد الرجالية وتمييز الصحيح من السقيم لا عن حدس واجتهاد...)(2) و (ذلك يتوقف على الاطمئنان الخاص المصحح للعمل بالخبر, كما يصح الاعتماد على تصحيح صاحبي المدارك والمعالم وغيرهما من مهرة الفن)(3).

31- محمد بن أحمد العلوي

محمد بن أحمد, العلوي, الهاشمي(4),

أبو جعفر(5),

ذكره الشيخ فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) من غير مدح أو ذم(6),

ومن هنا ذهب جمع من الأعلام إلى عدم وثاقته, كالأردبيلي في مجمع الفائدة(7)

وصاحب المدارك فيها(8)

والسبزواري في

ص: 295


1- المستمسك: 14/560.
2- مخطوطة له في علمي الرجال والدراية: 1.
3- مخطوطة له في علمي الرجال والدراية: 2.
4- التهذيب: 2/249/ح3.
5- كمال الدين: 2/381/ح5.
6- رجال الشيخ: 445/6333.
7- مجمع الفائدة: 5/30 و 4/70.
8- مدارك الأحكام: 3/139 و 8/59.

الذخيرة(1)

وصاحب الحدائق(2)

وغيرهم.

وذهب آخرون إلى توثيقه كالوحيد في تعليقته(3) وصاحب الجواهر فيها(4)

والمامقاني في التنقيح(5),

ومستندهم في ذلك أمور، هي:

الأول: روى عنه جملة من الأجلاء (منهم) محمد بن علي بن محبوب في غير موضع(6)

وأحمد بن إدريس(7)

وسعد بن عبد الله(8)

وعبد الله بن جعفر الحميري(9).

الثاني: روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى(10),

ولم يستثنه القميّون من رجال نوادر الحكمة(11).

الثالث: وصف الصدوق (قدس سره) إياه ب-(الصدق والدين) في (كمال الدين) قائلاً: (حدثنا شريف الدين الصدوق أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن زئارة بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام) قال حدثنا علي ابن محمد بن قتيبة)(12).

ص: 296


1- ذخيرة المعاد: 1/ق2/223.
2- الحدائق الناضرة: 6/410.
3- تعليقة الوحيد: 295.
4- جواهر الكلام: 7/421.
5- تنقيح المقال: 2/73/10330 (ط: حجري).
6- التهذيب: 1/192/ح28 و 2/367/ح55 و2373/ح105 و 6/236/ح13 و7/75/ ح37 و 8/19/ح35 و 10/226/ح24 وغيرها.
7- أمالي الصدوق: 412/ح11.
8- علل الشرايع: 1/245/ح5.
9- كمال الدين: 2/431/ح8.
10- التهذيب: 4/315/ح25 و 5/175/ح32 و 7/474/ح110 و 10/201/ح29 وغيرها.
11- رجال النجاشي: 348/939، والفهرست: 408/623.
12- كمال الدين: 1/239/باب اتصال الوحي من لدن آدم... /ح60.

ولعل الوجه في عدم التعويل على الشهادة بالصدق وحدها من جهة أن العبرة بالوثاقة مبنية على الصدق والضبط جميعاً.

الرابع: تصحيح العلامة (قدس سره) روايته في كتبه الفقهية(1).

وقد وافقه السيد الحكيم (قدس سره) على ذلك معتمداً على القرائن الأربع المذكورة في استفادة وثاقته قال (قدس سره) : (والتوقف فيه -لأن في سنده محمد بن أحمد العلوي-غير ظاهر لتصحيح العلامة حديثه فيما عن المختلف والمنتهى وعدم استثناء القميين حديثه من كتاب نوادر الحكمة, ووصف الصدوق -فيما عن كمال الدين- بالدين والصدق, ورواية جملة من الأجلاء عنه, وكفى بهذا المقدار دليلاً على الوثاقة)(2).

ومن هنا لم يسلّم (قدس سره) بجهالة العلوي في موضع آخر. فقال: (والطعن في سنده بأن فيه محمد بن أحمد العلوي المجهول غير ظاهر -لو سلّم- فإنه مروي في الكافي بطريق صحيح ليس فيه العلوي الموجود في طريق الشيخ)(3)،

وهنا أمران:

الأول: الظاهر أن من وصفه الصدوق (قدس سره) ب-(الصدق والدين) هو غير العلوي المبحوث عنه لأمرين:

أ: أنّ من وصفه الصدوق (قدس سره) ب-(الصدق والدين) كناه في نفس السند المذكور ب-(أبي علي) بينما كنى الصدوق نفسه العلوي المبحوث عنه ب-(أبي جعفر) في موضع آخر من (كمال الدين)(4).

ص: 297


1- منتهى المطلب: 1/408 (ط.ق) حكم بصحة روايتين له و 2/715، وتذكرة الفقهاء: 80/162.
2- المستمسك: 5/224.
3- المستمسك: 1/148.
4- كمال الدين: 2/381/ح5.

ب: أنّ الصدوق (قدس سره) روى عمن وصفه ب-(الصدق والدين) مباشرة بينما يروي عن العلوي المبحوث عنه بواسطتين, أما الحسن بن أحمد بن إدريس عن أبيه(1)

أو والده عن سعد بن عبد الله(2)

أو أحمد بن الحسن عن سعد(3)

أو أحمد بن موسى بن المتوكل عن الحميري(4).

ويؤيده أن الموصوف ب-(الصدق والدين) روى في السند المذكور عن القتيبي بينما لم يروِ العلوي المبحوث عن القتيبي في أي موضع.

نعم، في بقية القرائن كفاية في استفادة اعتبار العلوي المبحوث عنه على وفق مبانيه (قدس سره) .

الثاني: أنّ العلامة (قدس سره) وإن وصف رواية فيها العلوي بالصحة كما في التذكرة(5)

والمنتهى(6)

لكن الملاحظ أنه وصف نفس الرواية المذكورة في المصدرين ب-(الحسن) في (المختلف)(7),

كما وصف له رواية أخرى بذلك أيضاً في موضعين من المنتهى(8),

مما يُعطي أن العلامة (قدس سره) كان متردداً في الموقف من العلوي بين الوثاقة والحُسن.

لكن هذا المقدار لا يضر في المقام. لأن حسن الرواية يكشف عن أنه ممدوح مدحاً معتداً به عند العلامة (قدس سره) على ما يقتضيه معنى الحسن(9).

ص: 298


1- أمالي الصدوق: 412/مجلس64/ح11.
2- علل الشرايع: 1/245/ح5، كمال الدين: 2/648/ح4.
3- كمال الدين: 2/381/ح5.
4- كمال الدين: 2/231/ح8.
5- تذكرة الفقهاء: 8/168.
6- منتهى المطلب: 2/715.
7- مختلف الشيعة: 4/231.
8- منتهى المطلب: 2/620 و 2/563.
9- الرعاية: 81.

32- محمد بن سنان

محمد بن سنان, أبو جعفر, الزاهري, الخزاعي, كوفي, من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (علیهم السلام) , له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد على عددها(1).

وقد وقع الخلاف في وثاقته فذهب المشهور إلى ضعفه لتضعيف المفيد (قدس سره) له, قائلاً: (مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه)(2),

وابن الغضائري: (ضعيف، غال -يضع الحديث- لا يلتفت إليه)(3),

والشيخ في الفهرست: (طعن عليه وضُعِّف)(4)

وفي الرجال: (ضعيف)(5),

وفي التهذيبين: (مطعون عليه ضعيف جداً, وما يستبد بروايته ولا يشركه فيه غيره لا يعمل عليه)(6),

والنجاشي: (ضعيف جداً ولا يعول عليه, ولا يلتفت إلى ما تفرد به)(7),

ولم يستحل أيوب بن نوح(8)

والفضل بن شاذان(9)

الرواية عنه, ووصفه الأخير بأنه من (الكاذبين المشهورين)(10)

وأنه (غال)(11).

ص: 299


1- رجال النجاشي: 328/888، والفهرست: 406/620.
2- جوابات أهل الموصل: 20.
3- رجال ابن الغضائري: 92/130.
4- الفهرست: 406/620.
5- رجال الشيخ: 364/5394.
6- التهذيب: 7/361/ذيل حديث27، والاستبصار: 3/224/ذيل حديث11.
7- رجال النجاشي: 328/888.
8- رجال الكشي: 389/829.
9- رجال الكشي: 507/979 و 546/1033.
10- رجال الكشي: 507/979.
11- رجال الكشي: 322/584.

وممن ذهب إلى ضعفه المحقق في المعتبر(1)

والعلامة في الخلاصة(2)

والتذكرة(3)

والمنتهى(4)

وابن فهد في المهذب(5)

والكركي في الجامع(6)

والشهيد الثاني في المسالك(7)

والأردبيلي في المجمع(8)

والعاملي في المدارك(9)

والبهائي في الحبل المتين(10)

والسبزواري في الذخيرة(11)

والفاضل الهندي في كشف اللثام(12)

والبحراني في الحدائق(13)

وصاحب الجواهر فيها(14)

والشيخ الأعظم في كتاب الصلاة(15)

والنكاح(16)

وغيرهم.

ومن المتأخرين من ذهب إلى وثاقته كابن طاووس في فلاح السائل(17),

والعلامة في موضع من المختلف قائلاً: (أقول: قد بنينا على رجحان العمل

ص: 300


1- المعتبر: 1/273.
2- خلاصة الأقوال: 251/ 17.
3- تذكرة الفقهاء: 7/17.
4- منتهى المطلب: 1/5 و46.
5- المهذب البارع: 5/243.
6- جامع المقاصد: 3/340.
7- مسالك الافهام: 7/217.
8- مجمع الفائدة: 2/61.
9- مدارك الاحكام: 1/50.
10- الحبل المتين: 87.
11- ذخيرة المعاد: 1/ق1/89.
12- كشف اللثام: 4/16.
13- الحدائق الناضرة: 4/133 و 24/174.
14- جواهر الكلام: 4/339 و 11/7 و 29/282.
15- كتاب الصلاة: 2/100.
16- كتاب النكاح: 310.
17- فلاح السائل: 12.

برواية محمد بن سنان في كتاب الرجال)(1)

وهو ظاهر عبارة الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة: (وليس فيه إلا محمد بن سنان, وقد ذكر بعض المتأخرين قرائن الاعتماد على روايته, مثل رواية الأجلاء خصوصاً صفوان الذي لا يروي إلا عن ثقة)(2),

والوحيد في تعليقته(3)

والمحدث النوري في الخاتمة(4)

والمامقاني في التنقيح(5)

ووافقهم السيد الحكيم (قدس سره) , حيث قال: (إن الظاهر جواز العمل بأخبار محمد بن سنان؛ لثبوت وثاقته)(6)

و (ضعفه بمحمد بن سنان -لو تم- فيجبره بالشهرة)(7).

والحجة في البناء على وثاقته وجوه, هي:

أولاً: ما ورد بطريق معتبر من دعاء الإمام الجواد (علیه السلام) له ورضاه عنه, وذلك فيما رواه الكشي: (عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي قال دخلتُ على أبي جعفر الثاني (علیه السلام) في آخر عمره فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وزكريا بن آدم عني خيرا, فقد وفوا لي..)(8) و(حدثني محمد بن قولويه قال حدثني سعد عن أحمد بن هلال عن محمد بن إسماعيل بن بزيع.. قال أبو جعفر لمحمد بن سهل البحراني: تولَّ صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان فقد رضيتُ عنهما..)(9).

ص: 301


1- مختلف الشيعة: 7/8.
2- كتاب الطهارة: 1/83.
3- تعليقة الوحيد: 309.
4- خاتمة المستدرك: 4/66.
5- تنقيح المقال: 3/124/10820 (ط: حجري).
6- المستمسك: 7/397.
7- المستمسك: 1/156.
8- رجال الكشي: 503/964.
9- رجال الكشي: 503/966, ويُنظر: معجم رجال الحديث: 16/ 154.

ثانياً: عدّ الشيخ المفيد (قدس سره) لمحمد بن سنان من خاصة الإمام الرضا (علیه السلام) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه قائلاً: (فمن روى النص على الرضا علي بن موسى (علیه السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته... محمد بن سنان)(1).

ثالثاً: روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري(2),

ولم يستثنه القميّون من كتاب نوادر الحكمة(3).

رابعاً: روى عنه جملة من الأجلاء وفيهم أحمد بن محمد بن عيسى المتشدد في أمر الرواية بما يزيد على مائة رواية في الكافي وحده(4),

وأصحاب الإجماع كيونس بن عبد الرحمن(5)

وعبد الله بن المغيرة(6),

والأعيان والثقات كالحسين بن سعيد(7)

وابن أبي نجران(8)

وعلي بن النعمان(9)

ويعقوب بن يزيد(10)

ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب(11)

ومحمد بن عبد الجبار(12)

وغيرهم.

ص: 302


1- الإرشاد: 2/247-248.
2- الفقيه: 1/562/ح1549، والتهذيب: 1/317/ح91 وغيرها.
3- رجال النجاشي: 348/939، والفهرست: 408/623.
4- الكافي: 1/33/ح5 و 2/45/ح3 و 4/25/ح3 و 5/61/ح5 و 6/39/ح2 و7/262/ ح11 و 8/76/ح30 وغيرها.
5- الكافي: 2/260/ح1 و 7/198/ح1.
6- الكافي: 6/535/ح2.
7- الكافي: 1/446/ح20 و 3/11/ح2.
8- الكافي: 2/268/ح1 و 5/231/ح5.
9- الكافي: 2/4335/ح1.
10- الكافي: 4/11/ح3 و 6/240/ح11.
11- الكافي: 1/373/ح6 و 2/87/ح2.
12- الكافي: 4/579/ح2 و 5/384/ح1.

وأما ما ورد فيه من التضعيف فيلاحظ عليه: أن التضعيف اعتمد على اتهامه بالغلو.(ولا وثوق لنا برميهم بالغلو لأن ما هو الآن من الضروري عند الشيعة في مراتب الأئمة كان يومئذٍ غلواً, حتى أن مثل الصدوق جعل عدم نفي السهو عنهم غلواً. مع أن نفي السهو عنهم اليوم من ضروريات مذهبنا) وقد تقدّم عن السيد الحكيم (قدس سره) ارتضاؤه نظير هذه المناقشة في مخطوطته عن الوحيد(1).

وأما عدم استحلال أيوب بن الحر للرواية عنه فلأنه صرح في ذيلها بأن ابن سنان قال قبل موته إنّه لا سماع له لهذه الروايات, وإنما ينقلها بالوجادة مما يعني أن منشأ عدم الاستحلال عنده لم يكن عدم وثاقة ابن سنان وإنما لأنه لا سماع له مع أنه لا مشكلة عند جملة من الأعلام في الرواية عن وجادة(2).

وأما عدم استحلال الفضل بن شاذان فهو قيده في حال حياته, ولا معنى له لو كان منشؤه ضعف ابن سنان؛ إذ لا يفرق في ذلك كونه في الحياة أو بعد الممات, ولا يبعد أن يكون منشؤه الخوف والتقية من سريان تهمة الغلو إليه.

وأما عده له من الكاذبين المشهورين فهو لا ينسجم مع رواية من عرفت عنه, خصوصاً وفيهم أحمد بن محمد بن عيسى الذي أخرج البرقي وسهلاً من قم لروايتهم عن الضعفاء واعتمادهم المراسيل.

33- المعلى بن محمد البصري

المُعلى (مُعلى) بن محمد, أبو الحسن, بصري, ذكره الشيخ فيمن لم يروِ عنهم (علیهم السلام) (3) قال النجاشي: (مضطرب الحديث والمذهب وكتبه قريبة)(4) وابن

ص: 303


1- تقدم في (سهل بن زياد).
2- الرعاية: 301-303.
3- رجال الشيخ: 449/ 6383.
4- رجال النجاشي: 418/1117.

الغضائري: (يعرف حديثه ويُنكر ويروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهداً)(1).

وقد اختلف فيه فالمشهور على ضعفه إذ لا توثيق له, بل قول النجاشي وابن الغضائري يدل على ضعفه.

وذهب بعض الأعلام كالمحدث النوري في الخاتمة(2)

والمامقاني في التنقيح(3)

إلى اعتبار حديثه ووافقهم السيد الحكيم (قدس سره) حيث قال: (إن المعلى بن محمد معتبر الحديث)(4)

والوجه فيه أمران:

الأول: أنّ قول النجاشي: كتبه قريبة يدل على سلامة مضامينها وانسجامها مع ما روي عنهم (علیهم السلام) في الأحاديث المعتبرة.

الثاني: روى عنه جملة من الأعيان والثقات كالحسين بن محمد بن عامر (عمران) الأشعري, وقد أكثر من الرواية عنه(5),

وعلي بن إسماعيل(6)

وسعد ابن عبد الله(7)

وأحمد بن إدريس(8).

ولا دلالة لما وصفه به النجاشي وابن الغضائري على ضعفه, أما اضطراب حديثه وكونه يُعرف ويُنكر فلأن إنكار بعض أحاديثه يمكن أن يكون من جهة

ص: 304


1- رجال ابن الغضائري: 196/141.
2- خاتمة المستدرك: 5/322.
3- تنقيح المقال: 3/233/11202 (ط: حجري).
4- المستمسك: 5/164 ويُلاحظ: 11/181.
5- الكافي: 1/34/ح2 و 2/76/ح8 و 3/301/ح7 و 4/7/ح10 و 5/48/ح6 و 6/10/ ح12 و 7/24/ح2 و 8/100/ح70 وغيرها.
6- التهذيب: 2/11/ح24، والتوحيد: 459/ح27.
7- كمال الدين: 1/152/ح14 و 2/340/ح18.
8- الكافي: 2/93/ح25.

بعض من روى عنه, وأما اضطراب مذهبه أو الرواية عن الضعفاء فلا يقتضي ضعف الراوي وعدم وثاقته في نفسه.

34- يحيى بن أبي القاسم

يحيى بن أبي القاسم - واسم أبي القاسم (إسحاق), يُكنى ب-(أبي بصير), الأسدي, مولاهم, تابعي, كوفي, مكفوف, روى عن الباقر والصادق (علیهما السلام) , مات سنة (150ﻫ)(1).

وقد وقع الكلام في كل من وثاقته وإماميته.

أما وثاقته: فاختارها العلامة(2) والوحيد البهبهاني(3)

والمحقق السبزواري(4)

والمحقق البحراني(5)

والمامقاني(6)

وغيرهم، وذلك لتصريح النجاشي بها قائلاً: (ثقة وجه)(7)

وعدّه من أصحاب الإجماع(8)

ولما رواه الكشي في صحيح شعيب ابن يعقوب: (قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء. فمن نسأل؟ قال: عليك بالأسدي يعني أبا بصير)(9).

ولما رواه الكليني في صحيح محمد بن مسلم قال: (صلى بنا أبو بصير في طريق مكة)(10)

مما يدل على جلالته

ص: 305


1- الفهرست: 504/798، ورجال الشيخ: 149/1650 و321/4792.
2- خلاصة الأقوال: 416/1687.
3- تعليقة الوحيد: 358، وحاشيته على مجمع الفائدة: 138 و172.
4- ذخيرة المعاد: 1/ق1/3.
5- الحدائق الناضرة: 1/269 و 16/204 و 24/516.
6- تنقيح المقال: 3/308/12975 (ط: حجري).
7- رجال النجاشي: 441/1187.
8- رجال الكشي: 238/431.
9- رجال الكشي: 171/291.
10- الكافي: 3/323/ح8.

وفقهه وورعه.

وقد ذهب جمع إلى تضعيفه كالأردبيلي(1)

والشهيد الثاني(2)

والسيد العاملي(3)

لمعارضة ما تقدم لتوثيقه بقول ابن فضال أنه (كان مخلطاً)(4)

ولما روي فيه من الذموم, من قبيل عدم إذن الإمام الصادق (علیه السلام) له بالدخول(5)

واستيائه من استعانة الإمام الكاظم (علیه السلام) بغلامه البطائني دونه في بعض حوائجه فوجد في نفسه من ذلك شيئاً ثم استغفر وتاب(6),

وتكذيب الإمام الرضا (علیه السلام) روايته(7).

وقد رجح السيد الحكيم (قدس سره) البناء على وثاقته حيث قال: (إن المحقق: أن أبا بصير ثقة سواء كان ليثاً أم يحيى)(8)

وكأن الوجه فيه هو عدم نهوض ما تقدم في تضعيفه, أما قول ابن فضال إنّه مخلط فلا يدل على ضعفه؛ لأن التخليط معناه أن يروي الرجل ما يُعرف وما يُنكر, فلعل بعض روايات أبي بصير كانت منكرة عند ابن فضال, والروايات الذامة له ضعيفة بالإرسال أو برواتها, أو أنها أقصى ما تدل عليه هو أن هناك نقصاناً في عقيدته مما لا يضر في وثاقته في نقل الأخبار مضافاً إلى معارضته بالأخبار المعتبرة الدالة على مدحه وجلالته(9).

ص: 306


1- مجمع الفائدة: 5/337 و 13/374.
2- مسالك الأفهام: 8/50.
3- مدارك الأحكام: 7/73.
4- رجال الكشي: 173/296.
5- رجال الكشي: 173/297.
6- كشف الغمة: 2/249.
7- رجال الكشي: 476/902.
8- المستمسك: 5/566.
9- تنظر هذه المناقشة في تعليقة الوحيد: 358، وسما المقال: 1/339، وتنقيح المقال: 3/308 (ط: حجري)، ومعجم رجال الحديث: 20/83.

وأما إماميته: فقد وقع الخلاف فيها أيضاً، فقد ذكر العلامة (قدس سره) كونه واقفياً(1)

وتبعه على ذلك جمع من الأعلام كالأردبيلي(2)

والشهيد الثاني(3)

وصاحب المدارك(4)

والشيخ الأنصاري(5).

وناقش في ذلك جمع آخر ونفوا عنه الوقف وهو ظاهر كلمات السيد الحكيم, حيث وصف رواياته ب-(الصحيحة)(6),

وكأن الوجه فيه هو:

أنه لا مأخذ للقول بوقفه إلا كلام العلامة وبعض ما ورد عنه في كتب الواقفة, مما يُعطي بظاهره اعتقاده أن القائم من آل محمد هو الإمام الكاظم (علیه السلام) لقوله فيها: (سابعهم قائمهم)(7).

وكلاهما غير تام, أما قول العلامة (قدس سره) فالظاهر حصول الاشتباه له بين (يحيى ابن القاسم الأسدي أبو بصير) و (يحيى بن القاسم الحذاء) الذي نص الشيخ على كونه واقفياً, ويشهد لحصول الاشتباه له وصفه لأبي بصير ب-(الحذاء) في ترجمته في الخلاصة, وذكر اسمه من دون (أبي), ونقل كلام الشيخ في وقف الحذاء إلى جنب الروايات الواردة في أبي بصير في عنوان واحد.

مضافاً إلى أن أبا بصير توفي سنة (150ﻫ) أي قبل وفاة الإمام الكاظم (علیه السلام) بما يزيد على ربع قرن حيث توفي الإمام الكاظم (علیه السلام) سنة 184ﻫ على بعض الأقوال(8),

فكيف يتصور وقفه عليه وعدم قوله بإمامة الإمام الرضا (علیه السلام) .

ص: 307


1- خلاصة الأقوال: 416/1687.
2- مجمع الفائدة: 2/28 و458.
3- مسالك الأفهام: 8/50.
4- مدارك الأحكام: 8/187.
5- أحكام الخلل في الصلاة: 202.
6- المستمسك: 2/264 و311 و 4/381 و 6/101 و354 و436 وغيرها.
7- رجال الكشي: 474/901.
8- سيرة الأئمة الاثني عشر: 2/67.

وأما ما روي في كتب الواقفة فهو مرسل لا حجية فيه(1).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 308


1- تنظر هذه المناقشات في تعليقة الوحيد: 358، وسماء المقال: 1/339، وتنقيح المقال: 3/308 (ط: حجري)، ومعجم رجال الحديث: 20/83.

من مصادر البحث

1 - الإرشاد, الشيخ المفيد, ط. المؤتمر الألفي للشيخ المفيد. قم.

2 - الاستبصار, الشيخ الطوسي, دار الكتب الإسلامية. طهران.

3 - إعلام الورى, الشيخ الطبرسي, دار الكتب الإسلامية. طهران.

4 - أمالي الصدوق, الشيخ الصدوق, دار الكتب الإسلامية. طهران.

5 - أمل الآمل, الحر العاملي, دار إحياء التراث العربي. بيروت/ لبنان.

6 - تعليقة الوحيد على منهج المقال, الوحيد البهبهاني, ط. مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ، وط. حجرية.

7 - تفسير القمي, علي بن إبراهيم القمي, ط. مؤسسة دار الكتاب. قم.

8 - تقريب المعارف, أبو الصلاح الحلبي, ط. مؤسسة النشر الإسلامي.

9 - تنقيح المقال, الشيخ عبد الله المامقاني, ط. مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

10 - تهذيب الأحكام, الشيخ الطوسي, دار الكتب الإسلامية. طهران.

11 - جوابات أهل الموصل, الشيخ المفيد, ط. دار المفيد. بيروت.

12 - جواهر الكلام, الشيخ الجواهري, دار الكتب الإسلامية. طهران.

13 - حاشية مجمع الفائدة والبرهان, الوحيد البهبهاني, ط. مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني.

14 - حقائق الأصول, السيد محسن الحكيم, ط. مكتبة بصيرتي. قم.

15 - خاتمة المستدرك, المحدث النوري, مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) . قم.

16 - الخصال, الشيخ الصدوق, ط. مؤسسة النشر الإسلامي. قم.

17 - خلاصة الأقوال, العلامة الحلي, ط. دار الذخائر. قم.

18 - رجال ابن الغضائري, ابن الغضائري, مؤسسة إسماعيليان. قم.

19 - رجال ابن داود, ابن داود الحلي, مؤسسة النشر في جامعة طهران.

20 - رجال الشيخ, الشيخ الطوسي, مؤسسة النشر الإسلامي. قم.

ص: 309

21 - رجال الكشي, الشيخ محمد بن عمر الكشي, مؤسسة النشر في جامعة مشهد.

22 - رجال النجاشي, الشيخ أحمد بن علي النجاشي, مؤسسة النشر الإسلامي. قم.

23 - رسالة أبي غالب الزراري, ط. مكتب الإعلام الإسلامي. قم.

24 - الرعاية, الشهيد الثاني, ط. بهمن. قم.

25 - الرواشح السماوية, المحقق الداماد, ط: حجري.

26 - سيرة الأئمة الاثني عشر, الشيخ محمد حسن آل ياسين, ط. منشورات الاجتهاد.

27 - العدة, الشيخ الطوسي, بوستان كتاب. قم تحقيق محمد رضا الأنصاري.

28 - غرر الحكم, عبد الواحد بن محمد التميمي, ط. مكتب الإعلام الإسلامي. قم.

29 - الغيبة, الشيخ