دراسات علمیة - 4 : مجلة تعنى بالأبحاث التخصصية في الحوزة العلمية

هویة الکتاب

مجلة تعنى بالأبحاث التخصصية في الحوزة العلمية

نصف سنوية تصدر عن المدرسة العلمية (الآخوند الصغرى) في النجف الأشرف

العدد الرابع

رجب الأصب 1434 ﻫ

ص: 1

اشارة

رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1614 لسنة 2011

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ

التوبة: 122

ص: 3

الأسس المعتمدة للنشر

1- ترحب المجلة بإسهامات الباحثين الأفاضل في مختلف المجالات التي تهم طالب الأبحاث العليا في الحوزة العلمية, من الفقه والأُصول والرجال والحديث ونحوها.

2- يُشترط في المادة المُراد نشرها أُمور:

أ- أنْ تكون مستوفية لأُصول البحث العلمي على مختلف المستويات (الفنية والعلمية), من المنهجية والتوثيق ونحوهما.

ب- أن تكون الأبحاث مكتوبة بخط واضح أو (منضَّدة).

ت- أنْ توضع الهوامش في أسفل الصفحة.

ث- أنْ يتراوح حجم البحث بين (12) الى (60) صفحة من القطع الوزيري بخطٍ متوسط الحجم, وما زاد عن ذلك يمكن تقسيمه الى أكثر من حلقة شريطة أن تتسلَّمَ المجلةُ البحثَ كاملا.

ج- أنْ لا يكون البحث قد نُشر أو أُرسل للنشر في مكان آخر.

ح- أنْ يُذيَّلَ البحث بذكر المصادر التي اعتمدها الباحث.

3- يخضع البحث لمراجعة هيئة استشارية (علمية), ولا يُعاد إلى صاحبه سواء نُشر أم لم يُنشر.

4- للمجلة حق إعادة نشر البحوث التي نشرتها.

5- يخضع ترتيب البحوث المنشورة في المجلة لاعتبارات فنية لا علاقة لها بمكانة الكاتب أو أهمية الموضوع.

6- ما يُنشر في المجلة لا يعدو كونه مطارحات علمية صرفة, ولا يُعبر بالضرورة عن رأي المجلة.

ص: 4

مقدِّمة الطَّبعة الثَّانية

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قيل قديماً عن النجاح في الأهداف الطموحة لغير الأفراد: (إنَّه ثمرة تعاون الأيدي)، وهذا هو السر في تنامي الشُّعور بالثقة والأمل بمواصلة السعي في العمل الدؤوب في أعداد مجلة (دراسات علمية).

وقد بدا هذا التعاون من قبل الكتاب وهيأتي الإدارة والتحرير واللجنة العلمية . وكلهم من نسيج حاضرة الحوزة العلمية المباركة في النجف الأشرف - يتبلور في أعداد لفتت انتباه المختصين والمهتمين فأشاروا بالتقدير إلى الجهد النوعي المبذول فيها.

ويبدو أن ذلك الاهتمام قد انعكس في الأوساط العلمية في الرغبة في زيادة كمية النسخ المطبوعة من أ ن أعداد المجلة حتى تكرّر الطلب بعد نفاد النسخ فلم يسعنا إِلَّا أَنْ نعيد طباعتها ثانيةً مع تصحيح ما فاتنا في الطبعة الأولى من أخطاء طباعية.

وكلنا أمل في أن تقع موضع الرضا من عين القارئ اللبيب ونكون قد وافينا المتشوق لما تطلع إليه من مضمونها.

إدارة مجلة (دراسات علمية)

ص: 5

محتويات العدد

1 - كلمة العدد

إدارة المجلة ............................................................................................ 7

2 - زواج البكر الرشيدة بغير إذن الولي

السيد محمد رضا السيستاني ................................................................. 11

3 - قتل العمد بين الفقه الإسلامي وقانون العقوبات العراقي /2

الشيخ يحيى السعداوي ........................................................................... 41

4 - حدود مرجعية العرف

السيد محمد البكاء ............................................................................. 103

5 - رجال المستمسك /1

الشيخ علي الغزي ............................................................................ 151

6 - (شرائع الإسلام) للفقيه الأقدم علي بن بابويه (قدس سره) /2

(المستخرَج من المصادر الفقهية الأخرى)

الشيخ كريم مسير والشيخ شاكر المحمدي ......................................... 205

7 - قطعة من (كتاب الإجارة) للشيخ الأعظم (قدس سره)

السيد آصف اللعيبي ............................................................................ 299

ص: 6

كلمة العدد

بسم الله الرحمن الرحیم

اليوم وبعد نجاح الأعداد التجريبية الثلاثة من المجلة وهو ما لمسناه من عموم رأي العلماء والفضلاء في النجف الأشرف وخارجها, آخذين بنظر الاعتبار والتبجيل ملاحظاتهم وتصويباتهم, عازمين على متابعة ما رسمناه في مواصلة إخراج العمل إلى الصورة التي تمثل وجهاً مشرقاً لمدينة أمير المؤمنين (علیه السلام) باب مدينة علم النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فإنَّه قد تيسّر لنا فتح أبواب المجلة للعلماء والفضلاء والباحثين الكرام من خارج المدرسة العلمية (الآخوند الصغرى) ممن يرغب بنشر بحوثه الواقعة ضمن دائرة موضوعاتها التخصصية بعد أن كان النشر مختصاً ببحوث روادها في الأعداد السابقة . كما نرحب بالأفكار والأنظار ممن يرغب أن يرى في يوم من الأيام مثالاً لعمل متكامل في أهدافه ومضمونه وهيئته فيؤثرنا بفكرة نطور بها واقع عملنا, أو يرشدنا لجهة في المجلة غفلنا عنها في وجودها ترقية للبحث أو تأدية لحق العلم أو مراعاة لمنهج التحقيق وإثراء لفن النشر، ما دامت الغاية هي الخروج بعمل ناضج يعود ريع نجاحه على كل مشتغل بعلم أهل البيت (علیهم السلام) على المناهج والأصول الصحيحة التي نقحت طيلة العصور الماضية، ولا يزال العلماء والباحثون يوطدون أطنابها ويتقنون رسم فروعها بالمنهج العلمي الدقيق الرصين.

وليس مستغرباً لو قلنا بأننا لاحظنا في الأعداد السابقة رغبة من القراء في تتبع البحوث ذات الموضوعات الحديثة, أو تلك التي تلامس اهتمام المتلقي والمهتم برأي الشريعة في أحكام تلك الموضوعات.

ومن واقع الثقة برصيد مؤسستنا العلمية من العلم والتحقيق وجدية الباحثين وطول مدة تحصيلهم نتوقع منهم النجاح في المضي نحو رسم معالم واضحة لأمثال تلك الموضوعات.

ص: 7

ولذلك نجد أنفسنا معنية بدعوة الباحثين إلى معالجة ذلك النوع من البحوث ذي الموضوعات المتصفة بأنها تعكس جانباً من تحديات مشكلات العصر المتأخر ومفاهيمه المستحدثة للقواعد والأحكام الشرعية التي نعتقد أنها قادرة على ترويض مستجدات العصور وتحليل واقعها بالبحث العلمي, ليتضح غثها من سمينها وما يثري المجتمع الديني والإنساني عما لا يعود عليه إلاّ بالضرر والمخالفة لثوابت الدين أو قوانينه.

أضف إلى ذلك ما للبحث في تلك الموضوعات من تنبيه للمُطالِع والمهتم بالثقافة الدينية إلى واقعية التشريعات الإسلامية ومرونتها في السلوك العام للحياة, ومرجعٍ للمسلم بسببه يتفهم قيام نظام تشريعي متكامل لديه ليسهم في رفع مستوى وعيه بالمسؤولية تجاه المحافظة على الالتزام الديني عقيدة وعملاً، خصوصاً نحن نعيش عصر العولمة التي يراد بها إخضاع مختلف الثقافات وقهرها أو تجميدها بالتأثير في معتنقيها وتجهيلهم بها, ثم تنفيرهم منها، إلى الحدّ الذي يتمكنون من تلوين بعض أفكارهم وتسويقها فيأخذها من يأخذها ولا يعلم أنها تتنافى مع جانب من جوانب التزاماته الدينية.

وإلى جانب العناية بالموضوعات المستجدة أو الحديثة في البحث الفقهي، فإن أنظارنا تتطلع نحو الباحثين ليرفدونا بموضوعات لا غنى للبحث العلمي عنها من قبيل بعض موضوعات علم الأصول, والتي فيها شيء كثير من البحوث التطبيقية مما تظهر ثمرته في البحث الفقهي.

وكذلك علم الرجال والحديث فكثير من مسائلهما تحتاج إلى متابعة وتنقيح وتتبع, فإن أصول هذين العلمين مبثوثة في كلمات الأعلام إلا أنَّ الكتب والبحوث التي تعالج تلك الموضوعات على نحو التحقيق والإتقان قليلة، فحريّ بالباحثين تتبع مهمات مسائل هذين العلمين وتكريس البحوث فيها بحسب ما استفادوه من دروس الأعلام في تنقيح الأسانيد ومعرفة حال الرجال الذين يدور حولهم البحث غالباً، كما ننتظر ظهور دراسات جادة في جوامع حديثنا المعروفة, وشرح طرق مؤلفيها في الوصول إلى المصادر التي جمعوا كتبهم منها وحال أسانيدهم إليها، والإلماع

ص: 8

إلى بعض الأسرار والعلل التي تتضمنها ثنايا هذه الكتب والتي لا تظهر إلا بالبحث والتمحيص.

وفي الختام نرى أن مقتضى الإنصاف التقدم بالشكر التام لمقام الهيئة العلمية لما أولته من رعاية للبحوث العلمية المقدَّمة والنظر فيها وتقييم استيفائها للنصاب العلمي مع ما يقتضيه حرصهم العالي على إنضاج جهد الباحث من صرف أوقاتهم العزيزة في مراجعة البحوث وتقييمها, إيماناً منهم بضرورة تشجيع وتبنّي مجهود الباحثين وتطويره ليواكب الحركة العلمية العامة في الحوزة العلمية.. فلهم منَّا خالص الامتنان والدعاء بالموفقية وتسنّم مراقي العلم والعمل بما يرفع أقدارهم عند ربهم جزاء أنهم لم يبغوا بذلك غير وجهه تعالى.

كما لا ننسى أن نشكر الأفاضل المساهمين بجزء من وقتهم وطاقاتهم من أصحاب البحوث المنشورة في هذا العدد من أجل ديمومة ظهور أعداد المجلة بالمستوى الذي تعوّد عليه المتابعون والقرّاء الكرام من خلال بحوثهم التي يطرزون بها صفحات المجلة لتكون ظاهرة معروفة لمحبي المعرفة ورواد الفضيلة، ونأمل أن نرى في الأعداد المقبلة كتابات أهل الفضل وأساتذة البحث الذين تؤم طلبة العلم بحوثهم وتستفيد من نمير علومهم لتكون مشاركتهم في المجلة حسنة من حسناتهم, وأثراً آخراً يتركونه من آثار سعيهم العلمي، كما يكونون بذلك قدوة لطلبتهم في الاهتمام بجانب الكتابة والبحث كما هم قدوة لهم في صالح توجهاتهم وأفعالهم، وليحرص أهل الفضل من الطلبة للعكوف على تنمية الاهتمام بالعلم والأفكار ما داموا يرون أساتذتهم ينحون هذا النحو, ويؤمّون هذا الشطر الذي ما انفككنا في كل مناسبة أن ننبه على أهميته وعظيم عائدته.

إدارة المجلة / النجف الأشرف

غرة رجب الأصب 1434 ﻫ

ص: 9

ص: 10

زواج البكر الرشيدة بغير إذن الولي - السيد محمد رضا السيستاني

اشارة

يتناول البحث مسألة مهمة من المسائل الفقهية التي هي محل ابتلاء المؤمنين وموضع اهتمام أهل العلم والفضل, وهي (زواج البكر الرشيدة بغير إذن الولي).

وقد اختلفت فيها الروايات الواردة عن أهل البيت (علیهم السلام), واختلفت لذلك أنظار الفقهاء (رضی الله عنهم) في التعامل معها، فتعددت أقوالهم و رَبَت عمدتها على الخمسة.

والبحث الذي بين أيدينا معنيّ في الأساس بتسليط الضوء على دليل التفصيل الذي تبنّاه بعض مراجع العصر (دام ظله العالی) بين البكر المستقلة في شؤون حياتها عن أبويها وبين غير المستقلة، والذي لم يسبقه إليه أحد فيما نعلم، وقد أُعدّ هذا البحث قبل سنوات طوال, واتيح لنا الاطلاع عليه في الآونة الأخيرة فاستأذنا في نشره تعميماً للفائدة.

ص: 11

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمدِّ وآله الطيبين الطاهرين، اللهمّ عليكَ توكّلت وإليك أنبت وإليك المصير.

وبعد: فقد اختلف أصحابنا (رضی الله عنهم) في ولاية الأب والجد من طرف الأب على البكر البالغة الرشيدة في أمر زواجها على أقوال أهمّها ما يأتي:

الأول: استقلالهما، أي الأب والجد.

الثاني: استقلالها.

الثالث: التفصيل بين الدوام والمتعة، باستقلالها في الأول دون الثاني.

الرابع: التشريك، بمعنى اعتبار إذن الولي والبنت معاً.

الخامس: استقلال كل من الولي والبكر. وهذا القول تبنّاه المحقّق النراقي (قدس سره) (1)، واختاره أيضاً السيد الحكيم (قدس سره) (2) وأضاف أن للأب نقض نكاح البنت البكر, وإن كان النكاح صحيحاً في نفسه.

السادس: ما أبداه سيدي الأستاذ الوالد (دامت بركاته) من التفصيل، بين ما إذا كانت البكر مستقلة عن أبويها في شؤون حياتها، بحيث تتصدّى هي لأمورها فتكون لها الولاية في أمر زواجها أيضاً بلا حاجة إلى إذن الأب أو الجد، وبين أن لا تكون كذلك، فتكون الولاية لأبيها وجدّها ولا يعتبر إذنها.

ص: 13


1- مستند الشيعة: (16/121).
2- مستمسك العروة الوثقى: (14/447).

ولبيان ما هو الحق من هذه الأقوال ينبغي البحث في مقامين.

المقام الأوّل

هل يحقّ للأب أو الجد من طرف الأب أن يزوّج البكر البالغة الرشيدة من دون إذنها، بل ولو كانت كارهة, أم لا يحق لهما ذلك إلاّ برضاها؟

اختار جمع من الفقهاء منهم صاحب الحدائق

(قدس سره) (1) أنّ للأب- ويلحق به الجد- الحق في تزويج ابنته البكر من دون رضاها، واستندوا في ذلك إلى جملة من الروايات، وفيما يلي بعضها:

(1) صحيحة الحلبي, عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الجارية يزوجها أبوها بغير رضا منها، قال: (ليس لها مع أبيها أمر، إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة)(2).

(2) صحيحة محمد بن مسلم, عن أحدهما (علیه السلام), قال: (لا تُستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمر، وقال: يستأمرها كل أحد ما عدا الأب)(3).

(3) رواية عبيد بن زرارة - وفي سندها القاسم بن سليمان وهو لم يوثّق- عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديثٍ, قال: (لا تُستأمر الجارية في ذلك إذا كانت بين أبويها، فإذا كانت ثيّباً فهي أولى بنفسها)(4).

(4) موثقة فضل بن عبد الملك, عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (لا تُستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوّجها, هو أنظر لها، وأمّا الثيّب فإنّها تُستأذن وإن

ص: 14


1- الحدائق الناضرة: (23/211).
2- الكافي: (5/393).
3- الكافي: (5/393).
4- تهذيب الأحكام: (7/385).

كانت بين أبويها إذا أرادا أن يزوّجاها)(1).

(5) صحيحة عبد الله بن الصلت, عن أبي الحسن الرضا

(علیه السلام) - في حديث- وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ قال: (ليس لها مع أبيها أمر ما لم تكبر)(2).

وهذه الصحيحة موردها البكر، كما أنّ مورد موثقة فضل بن عبد الملك ورواية عبيد بن زرارة أيضاً ذلك، بقرينة المقابلة مع الثيّب في ذيلهما.

وأمّا صحيحتا الحلبي ومحمد بن مسلم فهما مطلقتان تشملان البكر والثيب، فيجب تقييدهما بالروايات المتضافرة الدالة على عدم ولاية الأب على الثيّب بوجه.

هذه عمدة الروايات(3)

التي يمكن الاستدلال بها لصاحب الحدائق ومن وافقه.

نعم, هناك رواية أخرى أوردها الحرّ العاملي نقلاً عن الشيخ بإسناده الصحيح عن الحلبي, عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال: (ليس لها مع أبيها أمر مالم تثيب)(4).

ولكن المُعلّق على الوسائل لم يعثر على هذه الرواية في التهذيب، كما لم أعثر عليها فيه، والظاهر أنها سهو من الحرّ العاملي (رحمة الله)، فإنّ المتن المذكور فيها بعينه هو المتن المذكور في رواية عبد الله بن الصلت المتقدمة، والمُلاحِظ للتهذيب يجد أن رواية ابن الصلت مذكورة فيه عقيب رواية الحلبي بالإسناد المذكور في الوسائل، فيطمأن بذلك أنّ الحرّ العاملي قد سها في المقام، فألحق هذا المتن بذلك السند، وأثبت الرواية على هذا النحو, والله العالم.

ص: 15


1- الكافي: (5/394).
2- الكافي: (5/394), وفي تهذيب الأحكام: (7/381): (ما لم تثيب) والظاهر أنه الصحيح.
3- وهناك روايتان أخريان في سندهما ضعفٌ هما رواية إبراهيم بن ميمون ورواية علي بن جعفر, انظر: تهذيب الأحكام: (7/380)، مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها: (112).
4- وسائل الشيعة: (14/203).

وكيف كان، ففي الروايات المتقدمة غنىً وكفاية لهذا القول، إلا أنه قد أورد على الاستدلال بها بوجهين:

(الوجه الأوّل): ما أفاده السيد الأستاذ

(قدس سره) (1) من أنّ هذه الروايات مُعارَضة بجملة من الروايات الدالّة على لزوم استشارة البكر وعدم استقلال الأب في أمرها وهي:

(1) معتبرة منصور بن حازم, عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (تُستأمر البكر وغيرها ولا تنكح إلا بأمرها)(2).

استدلّ بها السيد الأستاذ (قدس سره) أولاً، ولكنّه تنبّه لاحقاً للمناقشة في هذا الاستدلال فأفاد(3): إنها لا تصلح للاستدلال لكونها مطلقة فتقيّد بقوله (علیه السلام) في صحيحة محمد ابن مسلم: (يستأمرها كل أحد عدا الأب).

أقول: إن النسبة بين معتبرة منصور وصحيحة محمد بن مسلم عموم من وجه كما لا يخفى، فلا تصلح الأخيرة لأن تكون مقيّدة للأولى. نعم موثّقة فضل بن عبد الملك وصحيحة عبد الله بن الصلت تصلحان لذلك فلاحظ.

(2) معتبرة صفوان, قال: استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر (علیهما السلام) في تزويج ابنته لابن أخيه، فقال: (افعل ويكون ذلك برضاها، فإن لها في نفسها نصيباً), قال: واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر (علیهما السلام) في تزويج ابنته عليَّ بن جعفر, فقال: (افعل ويكون ذلك برضاها فإنّ لها في نفسها حظّاً)(4).

ووجه الاستدلال بها: أنّ قوله (علیه السلام) (إنّ لها في نفسها نصيباً) أو (حظّاً) يدلّ على عدم استقلالية الأب وكون بعض الأمر بيدها. وهذا لا يمكن فرضه إلا في البكر

ص: 16


1- مباني العروة الوثقى: (2/256).
2- تهذيب الأحكام: (7/380).
3- مباني العروة الوثقى: (2/266).
4- تهذيب الأحكام: (7/ 379).

الرشيدة البالغة، فإنّ الثيّب تمام أمرها بيدها، كما أنّ القاصرة ليس لها من الأمر شيء، فيتعيّن أن يكون مورد الصحيحة هي البكر الرشيدة البالغة, وحينئذٍ تكون معارضة لصحيحة الحلبي وما ضاهاها من الروايات الدالة على استقلالية الأب.

وعلى ذلك: فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه قواعد المعارضة - بعد تعذّر الجمع الدلالي بينها- وحيث أنّ معتبرة صفوان موافقة للكتاب ومخالفة لما هو المشهور بين العامّة. فهي مرجّحة على تلك الروايات مع كثرتها. ولو فرض عدم ترجّحها عليها فالجميع يسقط بالمعارضة, فتصل النوبة إلى الأصل ومقتضاه عدم نفوذ تصرف أحد بالنسبة إلى غيره.

ويمكن أن يلاحظ على هذا الاستدلال:

أولاًّ: بأنّ الجمع الدلالي بين الطائفتين ممكن، فلا يصل الأمر إلى إعمال المرجّحات، لأنّ دلالة صحيحة الحلبي على استقلالية الأب بالنصوصية، ودلالة معتبرة صفوان على التشريك بالظهور(1), فلابدّ من رفع اليد عن ظهور الثانية بصراحة الأولى.

ولكنّ هذه الملاحظة لا تتم على مبنى السيد الأستاذ (قدس سره) (2) فإنّه يشترط في الجمع الدلالي المقبول ان يفرض الدليلان المنفصلان متصلين ومجتمعين في كلام واحد، فإن

ص: 17


1- قد يقال: إن قوله (علیه السلام) في معتبرة صفوان (ويكون ذلك برضاها) نصّ في التشريك لا ظاهر فيه. أقول: الفارق بين النص والظاهر هو أنّ الظاهر يمكن صرفه عن معناه إلى معنى آخر بقرينة متصلة بخلاف النص. فلو دلّ دليل على أنه (لا بأس بأكل الجري وإن كان مكروهاً) لكان نصّاً في كراهته، ولكن لو كان الدليل بلفظ (لا أحب أن تأكله) لكان ظاهراً في هذا المعنى، لإمكان صرف ظهوره من الإباحة على كراهة إلى التحريم لو كان الإمام (علیه السلام) قد عقبه بقوله (فإنّ عليّاً قد حرّمه وعاقب على أكله). والمقام من هذا القبيل فإنّ قوله (علیه السلام) في صحيحة الحلبي: (إذا نكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة) نصّ في استقلال الأب، وأمّا قوله في معتبرة صفوان (ويكون ذلك برضاها فإن لها في نفسها نصيباً) فليس صريحاً في التشريك، بل ظاهر فيه, لإمكان صرفه عن المعنى المذكور لو تعقبه قوله (فيحسن بك أن لا تخالف هواها) مثلاً.
2- مستند العروة الوثقى كتاب الزكاة: (1/ 59).

كان في نظر العرف بمثابة القرينة و ذيها، فكان احدهما مانعاً عن انعقاد الظهور في الآخر وشارحاً للمراد منه كما في مثل قولنا (زكّ) و(لابأس بتركه) لم تكن ثمّة معارضة وكانت القرينية محفوظة في ظرف الانفصال أيضاً. وأمّا إذا عُدّا في نظر العرف متباينين وكان الصدر والذيل متهافتين فلا جرم تستقر المعارضة في البين لدى الانفصال ايضاً. ولا ريب أنّه لو جمع بين ما ورد في صحيحة الحلبي من قوله (علیه السلام): (إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة)، وقوله (علیه السلام) في معتبرة صفوان:(يكون ذلك برضاها فإن لها في نفسها نصيباً) لكان الكلام في نظر العرف متهافتاً ومتناقضاً.

وثانياً: بأنّ معتبرة صفوان رواية واحدة تدلّ على عدم استقلالية الأب، وفي مقابلها روايات كثيرة تدلّ على الاستقلالية، بحيث يقطع بصدور بعضها منهم (علیهم السلام) فلا بدّ من رفع اليد عن مظنون الصدور في مقابل مقطوعه، ولا تصل النوبة الى إعمال المرجحات كما بنى عليه (قدس سره) في الأصول(1).

ولكن يظهر منه (قدس سره) (2) الجواب عن هذه الملاحظة: بأنّ الروايات الدالّة على استقلاليّة الأب منها ما دلّت على ذلك بالصراحة كصحيحة الحلبي, ومنها ما دلّت عليه بالإطلاق، وهي ما تضمنت نفي الأمر عنها، وأنه ليس لها مع أبيها أمر. فإنه أعم من نفي استقلالها في الأمر ونفي مشاركتها فيه، فتقيّد بمعتبرة صفوان الدالّة على اشتراكهما في الأمر، فلا يبقى إلا ما دلّت على استقلالية الأب وليست هي من الكثرة بحدّ يقطع بصدور بعضها عن المعصوم (علیه السلام) .

ولكنّ ما أفاده (قدس سره) غير واضح؛ لأنّ ما دلّ على أنّه ليس لها مع أبيها أمر ظاهرٌ ظهوراً لا يقبل التأويل في أنّه لا يحقّ لها معارضة أبيها في أمر زواجها، فكيف يحمل على اشتراكهما في الأمر؟!.

ولعلّ الأولى أن يقال ان الروايات الدالة على استقلالية الأب لا تتجاوز السبع ولا قطع بصدور بعضها عن المعصوم (علیه السلام) فإنها لا تبلغ حد التضافر فضلاً عن التواتر

ص: 18


1- مصباح الأصول: (3/403).
2- مباني العروة الوثقى: (2/257).

فليتأمل.

هذا, ثمّ أنّ السيد الأستاذ (قدس سره) قد ذكر صحيحة زرارة بن أعين, قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: (لا ينقض النكاح إلاّ الأب)(1)،

وصحيحة محمد بن مسلم التي هي بمضمونها أيضاً(2) وقال(3):

إنّ المراد بالنقض فيهما ما يقابل الإبرام الشأني لا الإبرام الحقيقي, ثمّ استنتج من ذلك دلالتهما على اشتراك الأب والبنت في أمر زواجهما، ولم يوضّح كيفية ترتّب هذه النتيجة على ذلك الأساس، فإنّ الصحّة التأهلية الشأنية لا تختص بعقد البكر على تقدير مشاركتها مع أبيها في أمر زواجها، بل هذه الشأنية ثابتة لعقدها حتى مع استقلال الأب، شأنه شأن كل عقد فضولي.

وبالجملة: عقد البكر - سواء أكان على القول باستقلال الأب، أم مشاركته معها في الولاية- فضولي بالنسبة إلى الأب، ويحتاج في صحّته إلى إجازته، فإن كان هذا المقدار كافياً في صدق النقض على ردّه لم يفرق بين القولين، وإن لم يكن فكذلك, فالتفريق بينهما تحكّم.

(الوجه الثاني): ما أفاده سيدي الاستاذ الوالد (دامت بركاته) وحاصله:

إنّ بعض تلكم الروايات الدالّة على استقلالية الأب وإن دلّت على استقلاله مطلقاً كصحيحتي الحلبي، وعبد الله بن الصلت، إلاّ أن بعضها الآخر كصحيحة محمد بن مسلم، وموثّقه فضل بن عبد الملك، ورواية عبيد بن زرارة دلّت على ولايته بالاستقلال في خصوص البكر التي بين أبويها لا مطلقاً، فيجب تقييد صحيحتي الحلبي وابن الصلت بمفهوم الشرط في صحيحة محمد بن مسلم، ورواية عبيد بن زرارة, ومفهوم الوصف في موثقة فضل بن عبد الملك.

ص: 19


1- الكافي: (5/392).
2- تهذيب الأحكام: (7/379).
3- مباني العروة الوثقى: (2/265 ).

ونتيجة ذلك هي التفصيل بين البكر التي بين أبويها، فتثبت للأب الولاية في تزويجها وإن كانت كارهة, وبين البكر التي لا تكون كذلك، فلا ولاية للأب عليها على النحو المذكور.

وهل له الولاية عليها مشاركة معها أم أن البنت مستقلّة حينئذٍ؟

هذه الروايات ساكتة عن ذلك، فينبغي الرجوع إلى سائر روايات الباب، ليرى هل أنّ فيها ما يعيّن أحد الوجهين أم لا. وسيأتي التعرّض لذلك في المقام الثاني.

هذا ولا يخفى أنّ مبنى التفصيل المذكور هو كون قوله (بين أبويها) الوارد في جملة من نصوص المسألة - كموثقه الفضل بن عبد الملك ورواية عبيد بن زرارة وصحيحة محمد بن مسلم ورواية ابراهيم بن ميمون ومرسلة ابي سعيد وروايته الاخرى ورواية الحلبي(1)- كناية عن عدم استقلال البكر عن أبويها في شؤون حياتها في مقابل المالكة لأمرها، وهذا ما يحتاج الى التوضيح، فأقول: إنّ في المقصود بالتعبير المذكور عدّة احتمالات:

(أ) أن يكون المقصود الفتاة التي يكون أبواها على قيد الحياة في مقابل التي فقدت أبويها، فاللفظ المذكور نظير قوله في معتبرة أبي مريم: (الجارية البكر التي لها أب).

(ب) أن يكون المقصود الفتاة البكر في مقابل الثيّب والمزوجة.

(ت) أن يكون المقصود الفتاة التي تعيش تحت رعاية أبويها، ولا تستقل عنهما في شؤونها الحياتية في مقابل المستقلّة عنهما في ذلك.

ولعلّ الاحتمال الأول هو الذي فهمه جمهور الفقهاء والمحدّثين من التعبير المذكور، ولكنّ هذا الاحتمال ضعيف من عدّة وجوه:

ص: 20


1- الكافي (5/394)، تهذيب الأحكام (7/385)، الكافي (5/393)، تهذيب الأحكام (7/380، 254).

(الأول): إنّ كون الفتاة بين أبويها معنى أخصّ من كون أبويها على قيد الحياة؛ لأنّ كلمة (بين أبويها) تفيد معنى الرعاية والحضانة، ومن هنا ورد في معتبرة داود بن الحصين عن أبي عبد الله (علیه السلام) (ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية)(1)

أي تكون حضانته مشتركة بينهما.

فالفتاة التي تعيش مستقلّة عن أبويها ولا تشملها رعايتهما في شؤون معيشتها، لا يصدق عليها أنها بين أبويها، فلا يكون هذا تعبيراً مناسباً عن كون أبويها حيّين.

(الثاني): إنّ الأم لا دخل لها في أمر زواج البنت بلا إشكال، فأيّ وجه لاعتبار حياتها فيما رتبت من الأحكام في هذه الروايات؟!

(الثالث): إن هذا الاحتمال لا ينسجم مع بعض تلكم الروايات، منها: موثّقة الفضل بن عبد الملك (لا تُستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجّها) فإنّ الموثّقة بناءً على الاحتمال المذكور تتضمّن تكراراً غير مناسب. إذ كان يكفي أن يقول الإمام (علیه السلام): (لا تُستأمر الجارية إذا أراد أبوها أن يزوّجها).

وأمّا الاحتمال الثاني فهو الذي تناسبه روايتا عبيد بن زرارة وابراهيم بن ميمون, ففي الأولى (لا تُستأمر الجارية في ذلك إذا كانت بين أبويها. فإذا كانت ثيّباً فهي أولى بنفسها), وفي الثانية (إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلا برضاها) فإنّ مقتضى المقابلة في الروايتين كون المراد بالجارية التي بين أبويها هي البكر في مقابل الثيّب والمزوّجة.

ولكن ما يضعّف هذا الاحتمال- مضافاً إلى ضعف الروايتين سنداً- منافاته لموثقة الفضل، فإنّه قد ورد في ذيلها: (وأمّا الثيّب فإنّها تستأذن وإن كانت بين أبويها إذا أرادا أن يزوّجاها) كما لا تنسجم معه روايتا أبي سعيد ورواية الحلبي فإنّ فيها (الأبكار اللواتي بين الأبوين) أو (جارية بكر بين أبويها) أو (البكر إذا كانت بين أبويها).

ص: 21


1- الكافي: (6/45).

وأمّا الاحتمال الثالث - أي كون التعبير ب (بين أبويها) كناية عن عدم استقلالها عنهما في شؤون حياتها، وكونها في كنف رعايتهما- فهو مضافاً إلى تعينه بالنظر إلى بطلان الاحتمالين الأولين على ما سبق وعدم وجود احتمال آخر يناسب الروايات المذكورة مما تقتضيه المقابلة مع (المالكة لأمرها) بناءً على الوجه الصحيح في تفسيره كما سيأتي.

المقام الثاني

هل يحق للبكر البالغة الرشيدة أن تتزوّج من دون إذن أبيها وجدّها لأبيها، أوليس لها ذلك إلا بإذن أحدهما؟

المشهور بين الفقهاء - كما قيل- إنّ لها ذلك، أي أنّها مستقلّة في أمر زواجها كما هي كذلك في سائر شؤون حياتها، وقد استدلّ لذلك بعدّة روايات:

(1) خبر سعدان بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها(1).

وسعدان هذا لم يوثّق في كتب الرجال, ولكن روى عنه صفوان كتابه(2)

فهو موثق بناء على ما ذكره الشيخ في العدة(3) من أن صفوان ممن عُرفوا بأنﻫم لا يروون ولا يُرسلون إلا عن ثقة.

و لكن يبقى الاشكال في سند الرواية من جهة أخرى, وهي: أنه لا يخلو عن شائبة الارسال؛ لأنها مروية في موضعين من التهذيب: تارة - كما تقدّم- عن سعدان, عن أبي عبد الله (علیه السلام) مباشرة, وأخرى(4)

عن سعدان, عن رجل, عن أبي

ص: 22


1- تهذيب الاحكام: (7/380).
2- فهرست كتب الشيعة وأصولهم: (221).
3- العدة في اصول الفقه: (1/154).
4- تهذيب الاحكام: (7/254).

عبد الله (علیه السلام)، فلم يحرز كون الرواية مسندة ليعتمد عليها، وأما احتمال التعدد فهو ضعيف جداً كما لا يخفى.

(2) مُرسَلة أبي سعيد القماط عمن رواه, قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): (جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرّاً من أبويها فأفعل ذلك؟ قال: نعم, واتّق موضع الفرج. قال: قلت: فإن رضيت بذلك قال: وإن رضيت فإنه عار على الأبكار)(1).

(2) رواية الحلبي, قال: (سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها؟ قال: لا بأس ما لم يقتض ما هناك لتعف بذلك)(2).

والاستدلال بالروايتين الأخيرتين مبنيّ على التعدّي عن موردهما وهو المتعة(3) إلى الدائم، ولكن فيه- مضافاً إلى منع التعدي إذ لا جزم بعدم الخصوصية-أنّ هاتين الروايتين لا يمكن الاعتماد عليهما بوجه لضعف سندهما من جهة محمد بن سنان الراوي عن أبي سعيد(4)

فإنّه غير موثّق على الصحيح، مضافاً إلى إرسال

ص: 23


1- تهذيب الأحكام: (7/254).
2- تهذيب الأحكام: (7/254).
3- قد يقال: إنّ مرسلة أبي سعيد القماط لسانها أعمّ من الزواج المنقطع، وكون المراد منها ذلك إنّما هو حمل لها عليه، لا أنّه موردها. أقول: خصوصيات السؤال والجواب تدلّنا على أنّ موردها المتعة خاصّة، فإنّ قوله في السؤال: (تدعوني إلى نفسها سرّاً من أبويها) ظاهر في أنها كانت تدعوه إلى التمتّع بها لأنّها كانت تهدف إلى قضاء وطرها منه سرّاً من أهلها. ولا تتم هذه السريّة عادةً في الزواج الدائم, ولا أقل من احتمال انكشاف أمرها لو تقدّم إليها خاطب وامتنع الزوج من الطلاق. وهكذا قوله (علیه السلام) في الجواب: (وإن رضيت فإنّه عار على الأبكار) ظاهر في أن مورد السؤال هو المتعة. فإنّ ما هو عار على الأبكار إنما هو افتضاضهن في الزواج المنقطع، لا في الدائم، كما دلّت عليه صحيحة زياد ابن أبي الحلال: (لا بأس أن يتمتّع البكر ما لم يفض إليها كراهية العيب على أهلها). ( الكافي: 5/462) .
4- الظاهر أنّ المراد بابي سعيد هو خالد بن سعيد الذي وثّقه النجاشي بقرينة كون الراوي عنه محمد ابن سنان فإنه من رواة كتّابه، وأمّا صالح بن سعيد - غير الموثّق - فهو وإن كان يكنّى أيضاً بأبي سعيد كما ذكره النجاشي الا أنه لم ترد رواية محمد بن سنان عنه فلاحظ.

الأولى.

وقد ظنّ السيد الأستاذ (قدس سره) (1) أنّ سند الرواية الثانية التي ابتدأها الشيخ (قدس سره) بأبي سعيد غير سند الرواية الأولى، فأشكل فيه أولاًّ: بجهالة أبي سعيد. وثانياً: بجهالة الطريق إليه، ولكن ما أفاده (قدس سره) غير تام. ويبدو أنّه لاحظ الوسائل(2)

ولو رجع إلى التهذيب لبان له أنّ سند الثانية معلّق على ما قبلها.

وكيف كان فإنّ الروايتين ضعيفتا السند فلا عبرة بهما، مضافاً إلى معارضتهما(3) في موردهما- وهو المتعة- بصحيحة البزنطي عن الرضا (علیه السلام) قال: (البكر لا تتزوج

ص: 24


1- مباني العروة الوثقى: (2/264).
2- وسائل الشيعة: (14/459).
3- قد يقال: إنه لا تعارض بين الطائفتين لإمكان الجمع العرفي بعد أن كانت الطائفة الأولى مشروطة بعدم الدخول و الطائفة الثانية مطلقة من هذه الجهة . و الجواب عنه: انّ مرجع جواز النكاح من البكر بلا إذن أبويها بشرط عدم الدخول إلى أحد الأمور الأربعة الآتية: 1- أن يكون تحقق العلقة الزوجية مشروطاً بعدم تحقق الدخول على نحو الشرط المتأخر. ومعنى ذلك أنّه لو تم الدخول بعد العقد برضا الزوجة أو من دون رضاها كشف ذلك عن عدم تحقق العلقة الزوجية من الأول، وهذا مما يبعد الالتزام به جداً. 2- أن يكون تحقق العلقة الزوجية منوطاً باشتمال العقد على اشتراط عدم الدخول. ومعنى ذلك أنّه إذا اشترطت المرأة على الرجل عدم الدخول بها صحّ العقد وإلا لم يصح، ولا فرق في صحة العقد على الاشتراط بين تحقق الدخول بعد العقد برضا الزوجة وتنازلها عن شرطها، أو من دون رضاها، وبين عدم تحقق الدخول رعاية للشرط المذكور. 3- أن لا يكون تحقق العلقة الزوجية منوطاً بشيء، ولكن يحرم على الزوج الدخول بالمتمتع بها إذا كانت بكراً وإن رضيت بذلك. 4- الاحتمال السابق نفسه مع كون الدخول بها مكروهاً لا محرّماً. ورواية الحلبي توافق الاحتمال الأول كما أنّ مرسلة أبي سعيد القماط توافق الاحتمال الثالث. هذا مع غضّ النظر عمّا ورد في ذيل الأولى من قوله (لتعف بذلك) وما ورد في ذيل الثانية من قوله ( فإنّه عارٌ على الأبكار), وأمّا بالنظر إلى الذيلين المذكورين فالأنسب بالروايتين هو الاحتمال الرابع، فيستقر التعارض بينهما و بين صحيحة البزنطي و معتبرة أبي مريم، وأمّا الاحتمال الثاني فلا يناسبه شيء من روايات الباب, والله العالم.

متعة إلا بإذن أبيها)(1)،

ومعتبرة أبي مريم, عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها)(2).

(4) صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: (المرأة التي قد ملكت نفسها - غير السفيهة ولا المولّى عليها- إنّ تزويجها بغير ولي جائز)(3).

(5) رواية زرارة - ولا يخلو سندها عن مناقشة(4)-

عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: (إذا كانت المرأة مالكة أمرها، تبيع وتشتري، وتعتق وتشهد، وتعطي من مالها ما شاءت،

ص: 25


1- قرب الاسناد (362).
2- تهذيب الأحكام: (7/255).
3- الكافي: (5/391).
4- وجه المناقشة أمران: أحدهما عدم توثيق علي بن إسماعيل الميثمي- المذكور في السند- في كتب الرجال. ويمكن الجواب عنه بأنّه ممدوح مدحاً معتدّاً به، فقد قال النجاشي (ص251) إنّه كان من وجوه المتكلمين من أصحابنا، وهذا المقدار يكفي في الاعتماد على روايته فتأمّل. وقد يضاف إلى ذلك: أنّه من مشايخ ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى. وذلك من إمارات الوثاقة على ما حقّق في محلّه، ولكنه مخدوش بأنهما أقدم طبقة من أن يرويا عنه, بل الثابت روايته عن أولهما أي ابن أبي عمير في عدّة مواضع منها: التهذيب: 1/ ح 1380 و1391 و1509، نعم ظاهر سند رواية منصور بن حازم المروية في الوسائل: (15/ 102) رواية ابن أبي عمير عن علي بن إسماعيل الميثمي, ولكن الصحيح كما يعلم بمراجعة مصدرها (أمالي الطوسي: 423) كون الراوي عنه فيها هو الحسين بن سعيد الذي له عنه روايات أخرى. وأيضاً مقتضى سند الصدوق في المشيخة إلى علي بن إسماعيل الميثمي ثبوت رواية صفوان بن يحيى عنه، ولكنه غير تام أيضاً كما سيتضّح إن شاء الله تعالى. ثانيهما: ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) من أن الشيخ (قدس سره) ذكر هذه الراوية في التهذيب مبتدئاً باسم علي بن إسماعيل الميثمي ولم يذكر سنده إليه في المشيخة ولا في الفهرست. فالرواية مرسلة لا عبرة بها (مستند العروة الوثقى كتاب الاجارة: 60). وقد يجاب عن هذه المناقشة: بأنّ للصدوق طريقاً صحيحاً إليه في مشيخة الفقيه وهو: أبوه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن علي بن إسماعيل الميثمي،> < كما أنّ طريق الشيخ إلى مرويات الصدوق معتبر، فيكون للشيخ طريق معتبر إلى علي بن إسماعيل الميثمي أيضاً. ولكنّه مخدوش أمّا أوّلاً: فلأن طريق الصدوق في المشيخة إلى أيّ راوٍ إنّما هو طريق إلى مرويات ذلك الراوي في الفقيه، وليس إلى جميع كتبه ومصنفاته. فوجود طريق للشيخ إلى ما رواه عنه الصدوق في الفقيه لا يصحح روايته الأخرى المروية في التهذيب. وأما ثانياً: فلانّ الظاهر أن الطريق المذكور في المشيخة إنّما هو طريق إلى علي بن اسماعيل الدغشي لا الميثمي، أي أنّ لفظة (الميثمي) في المشيخة مصحفة (الدغشي) والوجه في ذلك أنّ صفوان بن يحيى أعلى طبقة من علي بن اسماعيل الميثمي، فلا يناسب روايته عنه، ولم نجد ذلك فيما بأيدينا من مصادر الحديث إلا في السند المذكور. هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنّه قد وردت رواية صفوان بن يحيى عن علي بن اسماعيل الدغشي في بعض الموارد، منها في التهذيب: 7/ ح 1341، الاستبصار: 3/ ح730، ومنها في علل الشرايع: 2/ باب97/ ص60. وبذلك يظنّ قويّاً بأنّ لفظة (الميثمي) في متن الفقيه في: 4/13، وفي المشيخة: 115 مصحفة عن (الدغشي) ولعلّ التصحيف وقع في مصدر الصدوق (قدس سره) لهذه الرواية. وجدير بالذكر أنّ رواية الفقيه المشار إليها قد أوردها في الوسائل: (16/122 ) عن عقاب الاعمال بسند آخر وفيه (علي بن إسماعيل) من دون التقييد ب (الميثمي) ولكن في النسخة المطبوعة من عقاب الأعمال: 221 يوجد القيد المذكور. ولا يبعد كونه إضافة من بعض النساخ بملاحظة الفقيه, فتأمل. هذا, ولكن يمكن أن يقال: إنّ ما ذكر من عدم معلومية سند الشيخ إلى علي بن إسماعيل الميثمي مبنيّ على أنّه أخذ الرواية المذكورة وغيرها ممّا ابتدأ أسانيدها باسمه في بابي النكاح والطلاق - وهي تزيد على عشرين رواية - من كتابي علي بن اسماعيل في هذين الموضوعين، وقد ذكرهما النجاشي في ترجمته وإن لم يذكرهما الشيخ . إلاّ أنّ هذا الاحتمال لا يخلو من بُعد, فإن الملاحظ أنّ الشيخ قد ذكر في المشيخة أسانيده إلى ما كان لديه من الكتب حين تأليف التهذيب، وما ابتدأ فيه بأسماء رواة لم يذكر طرقه إليهم في المشيخة إنّما أخذه من سائر المصادر التي كانت بيده - كما هو معلوم للممارس- والمظنون قويّاً أنّه أخذ روايات علي بن إسماعيل الميثمي من كتاب الحسين بن سعيد الذي روى عنه عن علي بن إسماعيل في: 7/ 332 و 424، وربّما أخذ بعضها من كتاب محمد بن أحمد بن يحيى الذي روى عنه عن علي بن إسماعيل في: 8/157 وطريقه إلى كلا الكتابين معتبر، و يحتمل بعيداً أنه أخذ بعضها من كتب محمد ابن علي بن محبوب أو سعد بن عبد الله أو محمد بن الحسن الصفار الذين أخذ بعض روايات علي ابن إسماعيل من كتبهم كما يظهر بتتبع التهذيب, و طرقه إلى كتب هؤلاء معتبرة أيضاً. ولذلك لا يبعد تمامية سند الشيخ إلى علي بن إسماعيل الميثمي فيما ابتدأ باسمه في التهذيب. هذا ولكن الملاحظ ان الشيخ (قدس سره) قد اغفل احياناً ذكر طريقه في المشيخة الى بعض المصادر التي اعتمد عليها في ابواب معينة من التهذيب - كنوادر الحج ليعقوب بن يزيد الذي روى عنه في باب الحج على ما تقتضيه الشواهد - وعلى هذا الأساس يحتمل أنّه اعتمد على كتاب علي بن اسماعيل في باب النكاح والطلاق وإن لم يذكر طريقه اليه في المشيخة، فلا سبيل الى اعتبار سند ما يرويه مبتدءاً باسمه في هذين البابين فليتأمل.

ص: 26

فإنّ أمرها جائز، تزوج إن شاءت بغير إذن وليّها، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليّها)(1).

(6) رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله, عن أبي عبد الله (علیه السلام), قال: (تزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها. فإن شاءت جعلت وليّاً)(2).

وفي سندها المعلى بن محمد وسيأتي الكلام فيه.

وفي الجواب عن هذه الروايات الثلاث موقفان:

الموقف الأول: ما يظهر من السيد الأستاذ (قدس سره) (3) وآخرين، وحاصله: أنّ الموضوع للحكم بجواز التزويج من دون إذن الوليّ في هذه الروايات هي (الجارية) و(المرأة) وهما أعمّ من البكر والثيّب، فيجب تخصيص الروايات الثلاث بصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام): (لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن)(4).

وهذا الكلام مبنيٌّ على أن يكون المقصود بقوله (ملكت نفسها) و (مالكة لأمرها) هو ما يتراءى منه في بادئ النظر، أي المرأة التي قد ملكت أمرها ونفسها شرعاً بأن لا يكون عليها وليّ في غير النكاح.

ص: 27


1- تهذيب الأحكام: (7/378).
2- الكافي: (5/392).
3- مباني العروة الوثقى: (2/259).
4- الكافي: (5/393).

وأمّا بناءً على ما سيأتي من سيدي الأستاذ الوالد(دامت بركاته) في تفسير هذه الكلمة فلا تكون النسبة بين الروايات المذكورة وصحيحة ابن أبي يعفور عموماً وخصوصاً مطلقاً كما سيتّضح إن شاء الله تعالى.

الموقف الثاني: ما بنى عليه سيدي الأستاذ الوالد (دامت بركاته) حيث جعل قوله (قد ملكت نفسها) أو (مالكة لأمرها) في مقابل ما ورد في جملة من النصوص كصحيحة محمد بن مسلم وموثقة فضل بن عبد الملك من التعبير ب-(الجارية التي بين أبويها) وأفاد أنّ المراد بالمالكة لأمرها هي التي ملكت نفسها عملاً وممارسةً لا شرعاً فقط، أي أنها التي تكون مستقلّة في أمور حياتها، وتتصدّى لها بنفسها فتبيع وتشتري وتعتق وهكذا..

وفي ضوء هذا المعنى الذي أبداه (دامت بركاته) تكون النسبة بين الروايات الثلاث المتقدمة، وصحيحة ابن أبي يعفور عموماً وخصوصاً من وجه, فتتعارضان في البكر التي قد ملكت نفسها، فإنّ مقتضى تلكم الروايات صحّة زواجها بدون إذن الأب, ومقتضى صحيحة ابن أبي يعفور عدم الصحّة، وحينئذٍ يمكن تقديم الروايات الثلاث على هذه الصحيحة في المجمع، نظراً إلى القاعدة الأصولية المعروفة: من انّه متى ما كان إلحاق مورد التعارض بين العامين من وجه بأحدهما موجباً لإلغاء العنوان المأخوذ في الثاني عن الموضوعية لزم أن يفعل العكس، ومقامنا من هذا القبيل فإنّه إذا حكم بلزوم الاستئذان من الأب في البكر التي قد ملكت نفسها، فلا محالة يسقط عنوان (مالكة لأمرها) عن الموضوعية بالمرة، إذ تكون العبرة إمّا بكون المرأة بكراً فلا يصح نكاحها إلا بإذن أبيها سواءا كانت مالكة لأمرها أم لا، أو بكونها ثيّباً فيكون أمرها بيدها سواء أكانت مالكة لنفسها أم لا.

إذاً يتعيّن تقديم صحيحة الفضلاء وما ضاهاها من الروايات على صحيحة ابن أبي يعفور في مورد الاجتماع، فتكون النتيجة استقلال البكر التي قد ملكت نفسها من دون ولاية الأب عليها.

هذا، ومع الغض عمّا ذكر وفرض عدم وجود مرجح دلالي في المقام، فالمرجحات الخارجية من موافقة الكتاب ومخالفة العامّة تقتضي ترجيح صحيحة

ص: 28

الفضلاء وما ماثلها، ومع الغض عن ذلك أيضاً فان المرجع بعد التساقط هو الاطلاقات المقتضية لصحة العقد و لو من دون إذن الأب .

إذاً هناك موقفان في الجواب عن صحيحة الفضلاء وما ضاهاها من الروايات الدالة على إن للمرأة إذا كانت مالكة لأمرها أن تتزوج من دون إذن أبيها، وترجيح أحد الموقفين على الآخر يتوقف على تعيين ما هو الصحيح في تفسير قوله (علیه السلام): (مالكة لأمرها) وقوله: (ملكت نفسها) فإنّ فيه احتمالات:

الأول: ما تقدّم من أنّ المراد به من لا وليّ عليها في سائر أمورها عدا النكاح، وهي البالغة الرشيدة، والوجه في استثناء النكاح منها أنه لولا ذلك لكان ثبوت الحكم فيها ضرورياً ولم تكن حاجة إلى بيانه.

الثاني: ما تقدّم أيضاً من أنّ المقصود به من تتصدّى عملياً لأمور حياتها مستقلّة عن أبويها.

الثالث: ما ذكره بعضهم من أنّ المراد به من لا أب لها.

الرابع: ما ذكره بعض آخر من أنّ المراد به الثيّب، ولعلّه بقرينة الروايات الدالّة على أنّ الثيّب أملك بنفسها، أو أن أمرها إليها كما في صحيح الحلبي(1) وصحيح ابن أبي نصر(2)

ومعتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله(3).

ولكن هذا الاحتمال الأخير ضعيف جداً و لاسيما في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: (المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولّى عليها إنّ تزويجها بغير ولي جائز)(4).

ص: 29


1- الكافي: (5/392).
2- الكافي: (5/394).
3- الكافي: (6/88).
4- الكافي: (5/391).

إذ بناء عليه تصبح هذه الصحيحة من قبيل القضايا الضروريّة بشرط المحمول كقولنا(الإنسان الكاتب كاتب) والوجه في ذلك أن التعبير عن (الثيّب) ب-(التي قد ملكت نفسها) إنّما هو بعناية عدم وجود وليّ عليها في أمر الزواج، فكأن الإمام (علیه السلام) قد قال: (المرأة التي لا وليّ عليها في أمر زواجها يصحّ زواجها بغير وليّ)!! وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فإنّه يفسد معنى الرواية.وأمّا ترجيح الاحتمال المذكور استناداً إلى ما ذكره بعض اللغويين من أنّ العرب تقول (مُلكّت أو أُملكت فلانة أمرها إذا طلّقت)(1)

فلا يمكن المساعدة عليه أيضاً لوجوه:

(أ) إنّه مبني على كون المراد بالمطلّقة في النص اللغوي المذكور المرأة الثيّب وهو غير مناسب، لأنّ النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه، فقد يجتمعان كما في المطلّقة بعد الدخول، وقد يفترقان كما في البكر إذا طلّقت قبل الدخول، وفي المتوفّى عنها زوجها بعد الدخول, فكيف يصح أن تفسّر المالكة لأمرها بالثيّب استناداً إلى النص المذكور؟!

(ب) إن إطلاق المالكة لأمرها على المطلّقة إنّما هو بعناية أنّها قد خرجت عن سلطان الزوج، واستعادت حريتها بالطلاق، وليس بعناية أنّها حرّة في أن تتزوج ممّن تشاء، فإنه قد تكون المطلّقة غير مدخول بها فتكون بكراً عرفاً وشرعاً، ولا يجوز لمثلها الزواج من غير إذن أبيها أو جدّها لأبيها.

ويوضّح هذا بجلاء رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله؛ فإنّ فيها (قلت: فإن عجل الدم عليها - المطلّقة- قبل أيام قرئها؟ قال: إذا كان قبل عشرة أيّام فهو أملك بها، وهو من الحيضة التي طهرت منها، وإن كان الدم بعد العشرة أيّام فهو من الحيضة الثالثة وهي أملك بنفسها)(2)

فإنّ المقابلة بين قوله:(فهو - أي الزوج- أملك

ص: 30


1- تاج العروس: (13/649) مادة (ملك).
2- الكافي: (6/88).

بها) وقوله:(وهي أملك بنفسها)كالنص في أن هذه الملكية ملكية نسبية إضافية لا مطلقة.

وفي ضوء ذلك فلا يمكن أن يفسّر بالمطلّقة ما ورد في نصوص الباب من التعبير ب-(التي ملكت نفسها) و(المالكة لأمرها).

(ت) إن ملكية المرأة أمرها قد تحدث بفعل الزوج، كما في موارد الطلاق وما يلحق به. وقد تحدث بفعل المرأة نفسها كما في مورد فسخها النكاح لعيب أو نحوه، وقد تحدث بعامل خارجي كما في مورد وفاة الزوج وصيرورة المرأة خلية.

والنص اللغوي المذكور ناظر إلى المورد الأول؛ لأنه ورد في تفسير قولهم (مُلكّت امرأة أمرها، أو أُملكت أمرها) فكيف يمكن التعدّي عنه إلى مطلق الموارد التي تملك المرأة نفسها، أو تصبح مالكة لأمرها - أي مطلق المرأة الثيّب الخلية عن الزوج- كما هو مقتضى إطلاق التعبيرين المذكورين الواردين في نصوص الباب؟!

وهكذا يتجلّى أن تفسير قوله (التي ملكت نفسها) في صحيحة الفضلاء بالثيّب كما تبناه بعضهم مّما لا يمكن المساعدة عليه أصلاً.

ويمكن أن يقال: أن أرجح الاحتمالات الأربعة المتقدمة هو الاحتمال الثاني لوجهين:

الوجه الأول: رواية زرارة المار ذكرها, فإنّ الظاهر منها أنّ قوله (علیه السلام): (تبيع وتشتري وتعتق.. الخ) بيان لقوله (مالكة لأمرها)،فيبطل الاحتمالان الثالث و الرابع كما يبطل الاحتمال الأول أيضاً ويتعيّن الاحتمال الثاني، نظراً إلى أنّ الإمام (علیه السلام) جعل التصدي الخارجي للبيع والشراء والعتق.. الخ موضّحاً للمراد ب (مالكة لأمرها) لا استحقاقها لذلك شرعاً. فلم يقل: (يجوز لها أن تبيع وتشتري...الخ) كما كان يقتضيه الاحتمال الأول.

ص: 31

الوجه الثاني: معتبرة أبي مريم, عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (الجارية البكر التي لها أب لا تتزوّج إلا بإذن أبيها، وقال: إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت)(1).

ووجه الاستشهاد بها هو: إن ظاهرها أن مرجع الضمير في قوله (إذا كانت) هي (الجارية البكر التي لها أب) لا خصوص (الجارية)، وحينئذٍ فلا يمكن أن يُراد بقوله (مالكة لأمرها) (الجارية التي لا أب لها) ولا (الجارية الثيّب) كما ذكر في الاحتمالين الثالث والرابع.

كما لا يصح أن يُراد بها (البالغة الرشيدة) كما هو مقتضى الاحتمال الأول، وذلك لاستلزامه حمل قوله (الجارية البكر التي لها أب) على خصوص الصغيرة أو السفيهة أو المجنونة، وهذا غير ممكن؛ لأنّه يستلزم إلغاء خصوصيّة البكر المأخوذة فيه نظراً إلى أنّ أمر الصغيرة والسفيهة والمجنونة إلى أبيها سواء أكانت بكراً أم ثيّباً، فيتعيّن إذاً أن يكون المقصود به ما ذكر في الاحتمال الثاني وهو المطلوب.

هذا, وقد يناقش في سند رواية أبي مريم هذه نظراً إلى وقوع (معلى بن محمد) في سندها، وهو ممن لم يوثق، بل قال النجاشي: إنّه مضطرب الحديث والمذهب، وقال ابن الغضائري: يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء.

ولكن لا يبعد الاعتماد على رواياته، فإنّ النجاشي وصف كتبه بأنّها قريبة, وقال ابن الغضائري: (يجوز أن يخرّج –أي حديثه- شاهداً) فتأمّل.

فتحصّل مما تقدّم: أنّ الأرجح من الأقوال المتقدمة هو ما اختاره سيدي الاستاذ الوالد (دامت بركاته) من التفصيل بين المستقلّة في شؤون حياتها عن أبويها وغيرها، فيجوز للمستقلة أن تتزوج من دون إذن أبيها، ولا يجوز لأبيها أن يزوجها من دون رضاها، وأمّا غير المستقلة فلا يجوز لها أن تتزوج من دون إذن أبيها، ويجوز لأبيها أن يزوجها من دون رضاها.

ص: 32


1- الكافي: (5/391).

ولكنّه (دامت بركاته) احتاط لزوماً بأن لا تتزوج المستقلة من دون إذن أبيها، وأن لا يزوّج الأب غير المستقلّة من دون رضاها.

ويمكن أن يوجّه الاحتياط في الموردين بالنظر إلى معتبرة صفوان التي ورد فيها أن لها في نفسها نصيباً، حيث يدلّ على اشتراك الأمر بينها وبين أبيها، فلا يجوز للأب أن يزوّجها من دون رضاها، كما أنه ليس لها أن تتزوج من دون إذنه.

ويلاحظ أن هذه المعتبرة تحكي قضيتين في واقعتين ولا إطلاق لهما، فيحتمل أن يكون موردهما غير المستقلة, كما يحتمل أن يكون موردهما المستقلة، ويحتمل أيضاً أن يكون مورد إحداهما المستقلة والأخرى غير المستقلة. فعلى التقدير الأول تعارض ما دلّ على استقلال الأب في غير المستقلّة, وعلى التقدير الثاني تعارض ما دلّ على ولاية المستقلة على نفسها, وعلى التقدير الثالث تعارض كلتا الطائفتين.

وحيث إنه لم يثبت مرجّح واضح للطائفتين على المعتبرة، وكان الاحتياط في الفروج أمراً مطلوباً شرعاً بشكل مؤكد يتّجه الاحتياط في المسألة على النحو المتقدّم.

ولكن يمكن أن يقال: أنّ معتبرة صفوان ليست نصاً في التشريك بل أقصى الأمر ظهورها فيه - كما سبق بيانه - وعلى ذلك يمكن أن تحمل على مورد كون البكر غير مستقلة في شؤونها ويبنى على استحباب استحصال الاب رضاها لو أراد أن يزوجها وذلك من جهة صحيحة محمد بن مسلم وغيرها مما هي نص في عدم اعتبار رضاها إذا كان ابوها هو الذي يزوجها.

وأمّا ما تقدّم عن السيد الأستاذ (قدس سره) في ضابط الجمع الدلالي المقبول من اشتراط امكان الجمع بين الروايتين في كلام واحد فهو غير تام.

والوجه فيه:

ان ما يعدّ من قبيل القرينة الشارحة لمراد المتكلم على نحوين:

1- ما ينصبه المتكلم للقرينية فيكون ناظراً الى كلامه الآخر

ومبيناً للمراد منه ولأجل ذلك لا يتنافران لو اجتمعا في كلام واحد.

ص: 33

2- ما يعتبره العرف قرينة على مراد المتكلم من كلامه الآخر من دون أن يكون ناظراً إليه ولذلك لا يشترط صحّة الجمع بينهما في كلام واحد. ولا يعتبر في النحو الاول وجود مزية دلالية للقرينة على ذي القرينة فتتقدم عليه وإن كانت اضعف ظهوراً بخلاف النحو الثاني فإنه منوط بوجود المزية الدلالية بأحد النحوين:

(الأول) أن يكون الدليل الأول ظاهراً في مدلوله مع إمكان صرفه عنه وحمله على معنى غير مُستبعَد عرفاً, ويكون الثاني نصاً في مدلوله بحيث لا يمكن تأويله .

(الثاني) أن يكون الدليل الأول ظاهراً على النحو المذكور في سابقه, ويكون الدليل الثاني ظاهراً في مدلوله ايضاً, ولكن بنحو غير قابل للتأويل إلا بوجه مُستبعَد عرفاً.

ففي هذين الموردين يجعل الدليل الثاني قرينة على التصرف في الدليل الأول ولا يبقى العرف متحيّراً في استكشاف مراد المُتكلم من الدليلين، بخلاف ما إذا كان كل من الدليلين نصاً في مدلوله او كان كلاهما ظاهراً بنحو قابل للتأويل.

والحاصل: أنّ صحة الجمع بين القرينة وذي القرينة في كلام واحد من خصائص القرينة المنصوبة من قبل المتكلم للقرينية ولا تجري في غيرها.

فظهر مما تقدم أن مقتضى الصناعة حمل معتبرة صفوان على ما لا ينافي الذي ُنصّ عليه في صحيحة محمد بن مسلم وغيرها من استقلال الاب في تزويج البكر غير المستقلة في شؤونها.

وعلى ذلك فإنّ احتياط سيدي الاستاذ الوالد (دامت بركاته) بأن لا تتزوج البكر المستقلة من دون اذن أبيها و أن لا يُزوّج الاب غير المستقلة من دون رضاها كان ينبغي أن يكون احتياطاً استحبابياً .

ص: 34

ولعلّه (دامت بركاته) احتاط وجوباً تجنّباً عن الفتوى بالتفصيل المذكور الذي لم يظهر قائل به من الفقهاء (رضی الله عنهم) فتأمل.

بقي هنا أمران:

الأمر الأول: إن جمعاً من الفقهاء منهم السيد الحكيم (قدس سره) (1) قد ذهب إلى صحّة نكاح البكر الرشيدة من دون إذن وليّها، ولكنه (قدس سره) أثبت للأب حق النقض استناداً إلى ما ورد في صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم(2)

من أنّه لا ينقض النكاح إلاّ الأب، بتقريب أن النقض لا يكون إلا بالنسبة إلى الأمر المبرم، فمفاد الصحيحتين صحّة نكاح البنت من دون إذن الأب، وإنّما يحقّ للأب نقض النكاح وإبطاله بعد أن كان صحيحاً، ويظهر الفرق بينه وبين القول باعتبار إذن الأب فيما إذا لم يبطل الأب نكاح بنته البكر لأيّ سبب كان، سواء لم يطّلع على وقوعه لغيبة أو غيرها، أم اطّلع لكن لم يردّه من دون أن يوافق عليه، فإنّه يصحّ على رأيه (قدس سره) دون الرأي الآخر.

وقد أجاب السيد الأستاذ (قدس سره) (3) عن هذا الاستدلال: بأنّ المراد بالأمر المبرم في المقام لا يمكن أن يكون العقد الصحيح أي المبرم حقيقة، بل المراد به المبرم شأناً، فلا يدلّ على صحّة عقد البنت من دون إذن أبيها, والوجه في ذلك:

أوّلاً: إنّ العقد الصحيح ليس قابلاً للنقض مطلقاً، إذ ليس لأحد الخيار في فسخ النكاح الصحيح جزماً وإجماعاً من المسلمين قاطبةً.

وثانياً: إنّه لو كان المراد به العقد الصحيح لكان مقتضى إطلاق الصحيحتين الشامل للولد والبنت البكر والثيّب هو أنّ للأب أن ينقض كل عقد صحيح صادر من ابنه أو بنته البكر أو الثيّب، وهو مقطوع البطلان. ولا موجب لحملهما على خصوص البكر، إذ لا قرينة تساعد عليه. وهذا بخلاف ما لو كان المراد به المبرم شأناً

ص: 35


1- مستمسك العروة الوثقى: (14/447).
2- الكافي: (5/392)، تهذيب الأحكام: (7/379).
3- مباني العروة الوثقى: (2/265).

فإنهما يختصان حينئذٍ بالبكر، ولا تعمّان الولد والثيب لكون عقدهما محكوماً بالصحّة والإبرام الفعليين.

ولكن في كلٍّ من الاستدلال وما أجيب به عنه نظر:

أمّا الاستدلال فيلاحظ عليه:

أولاً: لا ينبغي الشك في أنه لا يراد بالنقض في الصحيحتين ما يقابل المبرم الحقيقي؛ لأنّ هذه الجملة مسوقة للردّ على العامّة القائلين بثبوت الولاية لغير الأب والجد على البنت البكر الرشيدة من الأخوة والأعمام وغيرهم، ومعلوم أن العامة لا يرون صحّة نكاح البنت من دون إذن الولي، مع ثبوت حق النقض له، بل يرون عدم صحته رأساً إلا بإذنه.

هذا مضافاً إلى أن لازم ما ذكره (قدس سره) هو جواز إبطال الأب نكاح بنته البكر إذا اطّلع عليه ولو بعد مدة طويلة، مع إنجابها من زوجها عدّة أولاد ولا أظنّ أن يلتزم به فقيه.

فلا محيص إذاً من كون المراد بالمبرم في الروايتين هو المبرم شأناً، نظير ما ورد في رواية زياد بن مروان قال: قلت لأبي الحسن (علیه السلام) ما تقول في رجل تهيّأ للإحرام وفرغ من كلّ شيء: الصلاة وجميع الشروط إلا أنه لم يلبّ, له أن ينقض ذلك ويواقع النساء؟ فقال: نعم(1).

وثانياً: لو سلم أنّ المقصود هو المبرم الفعلي، إلا أنّه ليس مفاد قوله (لا ينقض النكاح إلاّ الأب) ثبوت حق النقض للأب في كل نكاح، ليستفاد منه صحّة نكاح البنت في مطلق الأحوال مع ثبوت حق النقض للأب. فإنّ الاستثناء من النفي لا يفيد إلاّ الإيجاب الجزئي، فلو قال قائل (لا أطالع إلاّ الكتب الفقهية) أو (لا أحضر إلاّ مجالس العلماء) لم يدلّ على مطالعته جميع الكتب الفقهية، أو حضور مجالس جميع العلماء. وعلى ذلك فغاية ما يستفاد من الصحيحتين صحّة نكاح البنت مع ثبوت

ص: 36


1- الكافي: (4/331).

حق النقض للأب في بعض الموارد على سبيل الموجبة الجزئية، وليس القدر المتيقن لها هي البكر الرشيدة؛ لأنها على قسمين: المستقلة في شؤون حياتها، وغير المستقلة. فيحتمل ثبوت الحكم المذكور في أحد القسمين دون الآخر، كأن يكون عقد غير المستقلة باطلاً من دون إذن أبيها ويصح عقد المستقلة من دون إذنه، ولكن مع ثبوت حق النقض له، كما يحتمل أن يكون عقد غير المستقلة صحيحاً مع ثبوت حق النقض للأب, بخلاف عقد المستقلة، حيث يكون صحيحاً بلا ثبوت حق النقض له.

وأيضاً البكر الرشيدة قد تتزوّج بمن هو كفؤها عرفاً، وقد تتزوج بغيره. فيحتمل صحّة نكاحها من الكفؤ من دون ثبوت حق النقض لأبيها، بخلاف نكاحها من غير الكفؤ فيصح مع ثبوت حق النقض له، كما يحتمل بطلان نكاحها من غير الكفؤ من دون إذنه أو إجازته، بخلاف نكاحها من الكفؤ فيصح إلا أن ينقضه.

وهكذا يتبيّن أنّه لا يمكن الحكم بصحّة عقدها مع ثبوت حق النقض لأبيها في أي مورد من الموارد.

هذا فيما يتعلق بأصل الاستدلال.

وأمّا ما أجاب به السيد الأستاذ (قدس سره) عنه فيلاحظ على ما ذكره أولاً- من أنّ العقد الصحيح ليس قابلاً للنقض جزماً وبإجماع المسلمين- بأنّ دعوى الجزم غير مقبولة وعهدتها على مدّعيها، كما أنّ إجماع المسلمين ممّا لم أتحقّقه.

ويلاحظ على ما ذكره ثانياً: بأنّه ليس للروايتين إطلاق ليرد ما ذكره من الإشكال كما اتضح ممّا تقدّم آنفاً.

الأمر الثاني: إنه بناءً على صحّة تزويج الأب ابنته البكر الرشيدة من دون رضاها - إمّا مطلقاً أو في خصوص التي تكون بين أبويها - فإنّما يحكم بالصحّة فيما إذا راعى فيه مصلحة البنت، أي زوّجها على أساس أن مصلحتها تقتضي ذلك، وأمّا إذا لم يكن الزواج على وفق مصلحتها، فلا ينبغي الشك في فساده وعدم ولاية للأب عليها في ذلك. والوجه فيه:

ص: 37

أوّلاً: إنّ ولاية الأب على البنت إنّما هي لها لا عليها، ومن الواضح أنّ هذا يقتضي النظر في أمرها ومراعاة مصلحتها فيما يقوم به. هكذا أفاد السيد الأستاذ (قدس سره) في بعض كلماته(1) ولكنّه لا يخلو من تأمّل.

وثانياً: معتبرة عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل، ويريد جدّها أن يزوجها من رجلٍ آخر, فقال: الجد أولى بذلك ما لم يكن مضاراً(2).

فإنّ تقييد نفوذ تصرّف الجد بعدم كونه ضررياً على البنت، يكشف عن تقييد نفوذ تصرف الأب أيضاً بذلك لوحدة المناط، ولكنه لا يخلو عن تأمل أيضاً، مضافاً إلى أنّه أخصّ من المدعى فإنّ اعتبار عدم كون التصرّف ضرريّاً أخص من اعتبار كونه في مصلحة البنت كما لا يخفى.

وثالثاً: - وهو العمدة- قوله (علیه السلام) في موثقة فضل بن عبد الملك المتقدمة (لا تُستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوّجها، هو أنظر لها) فإنّ قوله (هو أنظر لها) كالصريح في لزوم رعاية مصلحتها في تزويجها, والله العالم بحقائق أحكامه.

ص: 38


1- مباني العروة الوثقى: (2/268).
2- الكافي: (5/395).

المصادر

1- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار للشيخ الطوسي (قدس سره), الناشر: دار الكتب الاسلامية – النجف الأشرف.

2- أمالي الطوسي (قدس سره), الناشر: دار الثقافة - قم.1- تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي, الناشر: دار الفكر - بيروت.

2- تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي (قدس سره), الناشر: دار الكتب الإسلامية - النجف الأشرف.

3- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة للشيخ يوسف البحراني (قدس سره), دار الكتب الإسلامية - النجف الأشرف.

4- العدة في أصول الفقه للشيخ الطوسي مطبعة ستارة –قم .

5- عقاب الاعمال للشيخ الصدوق (قدس سره), ناشر: دار الشريف الرضي - قم.

6- علل الشرائع للشيخ الصدوق (قدس سره), الناشر: مكتبة الطباطبائي - قم.

7- فهرست كتب الشيعة واصولهم للشيخ الطوسي (قدس سره), الناشر: ستارة - قم.

8- قرب الاسناد للحميري

(قدس سره), الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

9- الكافي للشيخ الكليني (قدس سره), الناشر: دار الكتب الاسلامية - طهران.

10- مباني العروة الوثقى تقرير السيد الخوئي (قدس سره) بقلم السيد محمد تقي الخوئي, منشورات مدرسة دار العلم – النجف الأشرف.

11- مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها، الناشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

12- مستمسك العروة الوثقى للسيد الحكيم (قدس سره), مطبعة الآداب النجف الأشرف.

ص: 39

13- مستند الشيعة في أحكام الشريعة للشيخ النراقي (قدس سره), الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

14- مصباح الأصول تقرير السيد الخوئي (قدس سره) بقلم السيد محمد سرور الحسيني البهسودي – النجف الأشرف .

15- من لا يحضره الفقيه, للشيخ الصدوق (قدس سره) ط: دار الكتب الاسلامية -النجف الأشرف.

16- رجال النجاشي (قدس سره), الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.

17- وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي (قدس سره), الناشر: المكتبة الاسلامية - طهران.

ص: 40

قتل العمد بين الفقه الإسلامي وقانون العقوبات العراقي (الحلقة الثانية) - الشيخ يحيى السعداوي

اشارة

دراسة مقارنة بين المذاهب الفقهية الإسلامية وقانون العقوبات العراقي الخاص.

يمكن أن تُعرّفنا بالتشريع الجنائي الإسلامي ومدى مواكبته مع المستحدثات ووقائع العصر, وتبيّن مدى ارتكاز قانون العقوبات العراقي عليه أو مفارقته بالكامل.

كما ويتضح من خلالها إنْ كان قانون العقوبات العراقي قد جعل التشريع الجنائي الإسلامي مصدراً اساسياً في تشريعاته, ليكون مطابقاً لما نص عليه الدستور العراقي الجديد في م/2 أم لا؟

ص: 41

ص: 42

المبحث الثالث: العقوبات الشرعية للقتل العمد عند المذاهب الفقهية الإسلامية

العقوبة الأولى: القصاص (القَوَد): ويقع الكلام هنا في أمرين:

الأول: تعريف القصاص عند المذاهب الفقهية، وحجته.

1- المذهب الإمامي الجعفري: والقصاص(1) عندهم هو فعال من قص أثره إذا تتبعه. والمراد به هنا استيفاء أثر الجناية من قتل، أو قطع، أو جرح، أو ضرب, بأن يفعل به مثل فعله من الضرب، أو الجرح، أو القتل، وهو من الأمور النظامية بين جميع الطوائف والأمم على اختلاف في الخصوصيات.

والقَوَد هو قتل القاتل قصاصاً(2), أي يقتص منه ولي الدم على ما فعله من القتل العمدي فيقتله.

والمشهور عندهم شهرة عظيمة، بل عليه الإجماع هو: أن القتل العمدي عليه القود دون الدية, ولذا قالوا: (الواجب في قتل العمد القصاص)(3).

فعقوبة القتل العمد عندهم هي القصاص دون الدية. هذا الرأي الأول المشهور عندهم. إن القصاص واجب تعيّني وليس واجباً تخييرياً بينه وبين الدية، ولذا يقول السيد السبزواري: (قتل العمد يوجب القصاص تعييناً)(4), ويشترطون في مطالبة القاتل بالدية رضاه. وعندئذ يسقط عنه القود وتثبت الدية.

ص: 43


1- الزبدة الفقهية في شرح الروضة البهية: 9/443.
2- مباني تكملة المنهاج: 2/123.
3- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية:3/536.
4- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/325.

والرأي الثاني عند بعض الإمامية، كالعماني والإسكافي حيث حكي عنهما في المسألة التخيير بين الاقتصاص والدية, واستدلا بصحيحة عبد الله بن سنان، وابن بكير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمداً؟ إلى أن قال: فقال: إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه, فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية, وأعتق نسمة, وصام شهرين متتابعين, وأطعم ستين مسكيناً توبة إلى الله عز وجل)(1).

وهاتان الصحيحتان وإن دلتا بظاهرهما على القول بالتخيير، إلا أن الصحيح ما ذهب إليه المشهور؛ وذلك لمعارضة الصحيحتين بصحيحة عبد الله بن سنان, قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: (من قتل مؤمناً متعمداً قيد منه، إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا بالدية، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية...)(2).

وهذه الصحيحة تقدم على الصحيحتين؛ لأنها تعارضهما, وبما أن السند للصحاح الثلاثة لا إشكال فيه فنرجع الى مرجحات باب التعارض, ومقتضاه أن نأخذ ب:

أولاً: ما وافق الكتاب, والصحيحة التي استدل بها المشهور موافقة لإطلاق الكتاب المجيد من ناحية أن ظاهره ثبوت الولاية على القصاص فقط. دون أن تكون له المطالبة بالدية.

ثانياً: ما خالف العامة.

والنتيجة: إن القصاص ثابت عندهم لاعتباره عقوبة على القتل العمد, وأما غير القصاص - وهو الدية- لا يفرض من قبل ولي الدم, وإنما يحتاج إلى رضا الجاني به؛ فلا يكون ولي الدم مخيراً بين القصاص والدية. هذا إذا كان ولي الدم متمكناً من

ص: 44


1- وسائل الشيعة: 15/579, ب 28 من أبواب الكفارات, ح 1.
2- وسائل الشيعة: 19/37-38, ب 19 من أبواب قصاص النفس, ح3.

الاقتصاص منه، أما إذا لم يتمكن ولي الدم من القصاص فالدية بحسب التفصيل الآتي.

ويمكن الاستدلال لمشهور الإمامية على أن القصاص واجب تعييني لا تخييري بما يلي:

أ- من الكتاب:

قوله تعالى: [وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ...](1),

وقوله تعالى: [فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ](2),

وقوله تعالى: [وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا](3).

وقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى](4).

ب – من السنة:

وقد تقدَّم ما استدَّل به المشهور من صحيحة عبد الله بن سنان, وهي وإن كانت معارَضة بصحيحتين إلا أن التعارض يوجب ترجيحها كما بيّنا.

واستدلَّ كذلك بقول الإمام علي (علیه السلام): (ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن)(5).

ص: 45


1- المائدة: 45.
2- البقرة: 194.
3- الشورى: 39-40.
4- البقرة: 178.
5- المعجم الموضوعي لنهج البلاغة: 452.

ج- الإجماع:قال السيد الخوئي (قدس سره): (بل ادعي عليه الإجماع أي أن القتل العمدي عليه القود دون الدية، فليس لولي المقتول مطالبة القاتل بالدية، إلا إذا رضي بذلك وعندئذ يسقط عنه القود)(1).

د – العقل:

قال السبزواري (قدس سره): (ويمكن الاستدلال بحكم العقل أيضا في تنظيمه النظام الأحسن، فإنه يحكم بقتله قطعاً لمادة الفساد في العباد، وإزالة البغي والطغيان عن البلاد، فتتم الأدلة الأربعة عليه في الشريعة المقدسة.

ويتولى القصاص من يرث المال من الرجال دون الزوج، ومن يتقرّب بالأم، وأما النساء فليس لهن عفو ولا قود)(2).

2- المذاهب الأخرى:

القصاص, وهو قتل الجاني بمثل فعله.

قال مالك: (الأمر عندنا أنه يقتل في العمد الرجال الأحرار بالرجل الحر الواحد، والنساء بالمرأة كذلك)(3), ثم إنه جعل القصاص تعييناً لا تخييراً، وأوجب رضا الجاني. فيتوافق مع رأي الإمامية في ذلك.

أما الشافعي(4)

وأحمد فالواجب عندهما أن في القتل العمد القصاص والدية، وللولي أن يختار بينهما، ولا يتوقف اختيار الدية على رضا الجاني خلافاً للإمامية.

ص: 46


1- مباني تكملة المنهاج: 2/123.
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/326.
3- تنوير الحوالك على موطأ مالك: 1 – 2 /193.
4- الأنوار لأعمال الأبرار في فقه الإمام الشافعي: 2/263.

وأما أبو حنيفة فعلى أن القصاص واجب تعييني لا تخييري، ويشترط رضا الجاني في الدية.

وعلى هذا فالمذاهب التي تتفق في كون القصاص واجباً تعيينياً لا تخييرياً هي: الجعفري الإمامي, والمالكي, والحنفي, ويخالف الشافعي وأحمد, ويوافقهما من الإمامية العماني والإسكافي على أن القصاص واجب تخييري بينه وبين الدية, ولا يحتاج إلى رضا الجاني، بل هو موكول إلى ولي الدم.

وقد تقدم استدلال الإمامية بالأدلة الأربعة, وأما مالك فإنه يستدل لما حدثه يحيى عن مالك, عن عمر بن حسين مولى عائشة بنت قدامة: (إن عبد الملك بن مروان أقاد ولي رجل قتله بعصا فقتله وليه بعصا)(1), وكذلك عن يحيى, عن مالك: (أنه بلغه أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أتي بسكران قد قتل رجلاً فكتب إليه معاوية أن اقتله به), ومالك وإن وافق الإمامية إلا أن دليله غير تام, ولا يمكن اعتباره حجّة علينا؛ لعدم كون ما ذكره من السنة؛ فإن عبد الملك بن مروان ومعاوية بن أبي سفيان ليسا ممن يحتج به عند عامة المسلمين، بالإضافة إلى أنها مخالفة بما استدل به الشافعي وأحمد حيث استدلا على كون القصاص تخييري بينه وبين الدية، بما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: من قتل متعمداً دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا أخذوا الدية(2).

فظاهر الرواية التخيير لأولياء المقتول بين القصاص والدية, وهذه الرواية تصلح للاستدلال؛ لكونها عن الرسول الأعظم فهو إستدلال بالسنة. وعلى هذا نقول: إن المذاهب الإسلامية اختلفت في عقوبة القصاص في كونه واجباً تعيينياً أو تخييرياً بينه وبين الدية, وكل مذهب يستدل بدليل يصلح للاستدلال به وفق مبانيه.

ولكن رغم ذلك يمكن مناقشة القائلين بالتخيير لكونه مخالفاً لظاهر الكتاب الدال على القصاص من دون تخيير.

ص: 47


1- تنوير الحوالك على موطأ مالك: 1-2/193.
2- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي: 2/180.

فيكون مالك وأبو حنيفة موافقين لظاهر الكتاب. فإذا قلنا بإسقاط ما تعارض من السنة فيسقط دليل الشافعي وأحمد مقابل سقوط دليل مالك وأبي حنيفة. وحينئذ إما أن نقول بترجيح رأيهما لموافقته ظاهر الكتاب، أو نقول إن من مرجحات باب التعارض موافقة ظاهر الكتاب.

وعليه نقول الأرجح هو أن القصاص واجب تعييني لا تخييري كما عليه الإمامية ومالك وأبي حنيفة. فلا بديل له في عرضه، وأن كان له بديل في طوله فهو رضائي لا تخييري.

القصاص من حق من؟

تقدم أن الإمامية ذكروا أن القصاص من حق من يرث المال مطلقاً، ماعدا الزوج والزوجة كما عليه الأكثر، بلا فرق بين الذكر والأنثى. والدليل عموم آية الأرحام: [وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ](1),

مع ضميمة إطلاق قوله تعالى: [فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً](2)

بناءً على إرادة الوارث من الولي في الآية.

فالزوج والزوجة إما أنهما خارجان عن الأرحام بالتخصص؛ لكونهما ليسا كذلك, وإما داخلان في الأرحام فيخرجان بالتخصيص.

ويجوز للولي الواحد المبادرة إلى الاقتصاص من الجاني من غير إذن الإمام؛ لقوله تعالى: [فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً](3),

لأنه حقه والأصل براءة الذمة من توقف استيفاء الحق على استئذان غير المستحق. وإن كان استئذانه أولى لخطره واحتياجه إلى النظر. وهذا ما عليه أكثر المتأخرين من فقهاء الإمامية.

وإن كان الورثة جماعة، توقف الاستيفاء على إذنهم أجمع، إما بالوكالة أو بالإذن الواحد، سواء أكانوا حاضرين أم لا؛ لتساويهم في السلطان, ولاشتراك الحق

ص: 48


1- الأنفال: 75.
2- الإسراء: 33.
3- الإسراء: 33.

فلا يستوفيه بعضهم, ولأن القصاص موضوع للتشفي وموافقة النفس، ولا يحصل بفعل البعض كما عليه المشهور.

وهناك من يخالف ويذهب إلى أن للحاضر من الأولياء الاستيفاء من غير ارتقاب حضور الغائب, ولااستئذانه. ويضمن المستوفي حصص الباقين من الدية.

وما عليه الأكثر أنه لو كان الولي صغيراً وله أب أو جد تراعى المصلحة في تعجيل القصاص؛ لأن مصالح الطفل منوطة بنظر الولي, وفي حكمه المجنون.

ويخالف البعض في ذلك ويقول بانتظار الصغير, ويجوز التوكيل في استيفائه؛ لأنه من الأفعال التي تدخلها النيابة، إذ لا تعلق لغرض الشارع فيه بشخص معين.

وأما مالك وأبو حنيفة فعندهما أيضاً أن القصاص حق كل وارث, ولكن على سبيل الكمال لا على سبيل الشراكة إذا كان واحداً, وأما إذا كانوا جماعة فهو حقهم أيضا على سبيل الكمال لا على سبيل الشراكة، أي لا ينتظر بلوغ الصغير، أو عودة الغائب كي يستوفي الحاضر والبالغ القصاص.

وأما الشافعي وأحمد فإن القصاص عندهما حق كل وارث أيضا, ولكن على سبيل الشراكة فيوافق رأيهما رأي الإمامية. وعلى ذلك فيجب انتظار الغائب أو الصبي؛ لاستيفاء القصاص, وهذا الخلاف راجع إلى وجهات النظر, فكل مذهب ينظر إلى جهة بحسب ما يراه صحيحاً طبق مبانيه.

كما أن أبا حنيفة ومالك يعتبران القصاص هو التشفي. فهو حقهم ابتداءً لا حق الميت، حيث أن القصاص لا يثبت ما دام المقتول حياً ويثبت بوفاته, وإذا مات لا يكون أهلاً لتملك الحقوق, فهو حينئذ حق للورثة, وعلى سبيل الكمال, لأن كل واحد منهم يملك الحق كأن ليس معه غيره؛ لأنه حق لا يتجزأ. والشراكة فيما لا يتجزأ محال. فيثبت لكل واحد منهم على سبيل الكمال كولاية النكاح.

وأما الشافعي وأحمد فالقصاص عندهما حق كل وارث على سبيل الشراكة, وحجتهم أن القصاص يجب بالجناية, وإنها وقعت على المقتول, فكأن ما يجب لها

ص: 49

حق له، إلا أنه بالموت عجز عن استيفاء حقه بنفسه، فيقوم الورثة مقامه بطريق الإرث ويكون القصاص مشتركاً بينهم.

وعلى هذا فالبالغ ينتظر الصغير حتى يبلغ؛ لأنه حق مشترك, وإذا لم يكن له ولي فالحاكم وليه.

أما إذا كان الولي صغيراً أو مجنوناً, فالشافعي وأحمد رأيهما انتظار بلوغ الصبي, وإفاقة المجنون، إلا إذا كانت ميؤساً منها, فيقوم وليه مقامه؛ والسبب في الانتظار لكون القصاص تشفياً.

وأما أبو حنيفة، فيرى أن الأب والجد للصغير والمجنون كونهما وليين له يستوفيان القصاص الواجب للصغير دون الوصي عليه؛ لأن ولايتهما ولاية نظر ومصلحة. وهذا ما يوافق رأي المذهب الإمامي الذي عليه الأكثر.

الثاني: شرائط القصاص أو موانعه عند المذاهب الإسلامية:

أمَّا عند الأمامية:

والشروط عندهم خمسة على النحو الآتي:

الشرط الأول: التساوي في الحرية أو الرق (فيقتل الحر بالحر، سواء أكان القاتل ناقص الأطراف، عادم الحواس، والمقتول صحيحاً أو بالعكس)؛ لعموم قوله تعالى: [الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ](1), سواء أتساويا في العلم والشرف والغنى والفقر والصحة والمرض، والقوة والضعف والكبر والصغر أم تفاوتا, وإن أشرف المريض على الهلاك، أو كان الطفل مولوداً في الحال. وكذلك (يقتل الحر بالحرة مع رد وليها عليه نصف الدية)؛ لأن ديته ضعف ديتها؛ وتدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (في الرجل يقتل المرأة متعمداً، فأراد أهل المرأة أن يقتلوه قال: ذاك

ص: 50


1- البقرة: 178.

لهم إذا أدوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل...)(1),

وغيرها من الصحاح في نفس الباب, ولا خلاف في ذلك.

وأما (إذا قتل الخنثى فيقتل مع رد ربع الدية) وهو التفاوت بين الديتين (وتقتل الخنثى بالأنثى مع رد الربع عليه) وهو التفاوت بين الديتين: (والحرة بالحرة ولا رد، والحرة تقتل بالحر ولا رد لأولياء الحر شيئاً) كما تدل عليه صحيحة الحلبي المتقدِّمة: (وان قتلت المرأة الرجل قتلت به ليس لهم إلا نفسها)(2),

والجاني لا يجني على أكثر من نفسه، وكذلك: (قتل المرأة بالخنثى ولا رد، وقتل الخنثى بالرجل ولا رد).

(ويقتل العبد بالحر، والحرة. وإن زادت قيمته عن الدية ولا يرد على مولاه الزائد لو فرض، كما لا يلزمه الإكمال لو نقص، ويقتل العبد بالعبد والأمة، سواء أكانا لمالك واحد أم مالكين، وسواء أتساوت قيمتهما أم اختلفت) أما قتله بالعبد؛ فظاهر الكتاب بقوله تعالى: [وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ](3), وأما قتله بالأمة؛ فظاهر قوله تعالى: [النَّفْسَ بِالنَّفْسِ](4), وهي مطلقة غير مقيدة.

(وتقتل الأمة بالحر والحرة، وبالعبد والأمة مطلقاً) سواء أكانا لمالك أم مالكين مع تفاوت القيمة وعدمه؛ لإطلاق قوله تعالى [النَّفْسَ بِالنَّفْسِ](5).

الشرط الثاني: التساوي في الدين: (فلا يقتل مسلم بكافر حربياً كان أم ذمياً أم معاهداً أم لا، ولكن يعزر القاتل بقتل الذمي والمعاهد)؛ لتحريم قتلهما, ويغرم دية الذمي. وعليه يجوز قتل الحربي بغير إذن الإمام وإن توقف جواز جهاده عليه؛ وذلك للفرق بين قتله وقتاله جهاداً باعتبار الجهاد من وظائف الإمام بخلاف قتل الحربي. فإنه ليس من وظائف الإمام. وهذا يتم في أهل الكتاب, لأن جهادهم يترتب عليه

ص: 51


1- وسائل الشيعة: 19/59, ب33 من أبواب قصاص النفس, ح3.
2- وسائل الشيعة: 19/59, ب33 من أبواب قصاص النفس, ح3.
3- البقرة: 178.
4- المائدة: 45.
5- المائدة: 45.

أحكام غير القتل تتوقف على الحاكم, أما غيرهم فليس في جهاده إلا القتل أو الإسلام, وهذا لا خلاف فيه؛ لقوله تعالى: [وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً](1),

وحيث إننا إذا سلمنا المسلم القاتل إلى ولي الكافر, وكان كافراً فهذا يعني جعل السبيل للكافر على المسلم, مضافاً إلى الأخبار المصرحة بذلك. ومنها خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام): (لا يقاد مسلم بذمي في القتل، ولا في الجراحات)(2).

ولكن لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمة، اقتص منه بعد رد فاضل ديته. وهذا ما عليه الإجماع. وهو قول المشهور؛ لصحيح إسماعيل بن الفضل, عن أبي عبد الله (علیه السلام): قال: (سألته عن دماء المجوس واليهود والنصارى. هل عليهم وعلى من قتلهم شيء إذا غشوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم والغش؟ قال: لا، إلا إن يكون متعوداً لقتلهم. قال: وسألته عن المسلم هل يُقتل بأهل الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: لا، إلا إن يكون معتاداً لذلك لا يدع قتلهم فيقتل وهو صاغر)(3).

وصحيح إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال: قلت له رجل قتل رجلاً من أهل الذمة قال: (لا يقتل به إلا أن يكون متعوداً للقتل)(4), وخبر أبي بصير, عن أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال: (إذا قتل المسلم النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه، وأدّوا فضل ما بين الديتين)(5), بحمله على المتعود, وأما فاضل الدية فلمعتبرة سماعة, عن الصادق (علیه السلام): (ولكن يعطي الذمي دية المسلم ثم يقتل به المسلم)(6).

ص: 52


1- النساء: 141.
2- وسائل الشيعة: 19/80, ب 47 من أبواب القصاص في النفس, ح5.
3- وسائل الشيعة: 19/79, ب 47 من أبواب القصاص في النفس, ح1.
4- وسائل الشيعة: 19/80- 81, ب 47 من أبواب القصاص في النفس, ح7.
5- وسائل الشيعة: 19/80, ب 47 من أبواب القصاص في النفس, ح4.
6- وسائل الشيعة: 19/79, ب 47 من أبواب القصاص في النفس, ح3.

والاعتياد يرجع به إلى العرف. والظاهر أنه في الثالثة؛ لأن الاعتياد شرط في القصاص، فلابد من تقدمه على استحقاقه: (ويقتل الذمي بالذمي؛ لظاهر قوله تعالى [النَّفْسَ بِالنَّفْسِ]), ولخبر السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) (إن أمير المؤمنين (علیه السلام) كان يقول: يقتص اليهودي والنصراني والمجوسي بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم بعضاً إذا قتلوا عمداً)(1).

وادعى السيد السبزواري ظهور الإجماع(2) عليه.

ويقتل الذمي بالذمية مع رد فاضل ديته؛ لقوله تعالى [النَّفْسَ بِالنَّفْسِ](3),

وظهور الإجماع, وقول علي (علیه السلام) في معتبرة السكوني المتقدمة: (ويقتل بعضهم بعضاً), ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام): (قال: في الرجل يقتل المرأة متعمداً فأراد أهل المرأة أن يقتلوه قال: ذاك لهم إذا أدوا إلى أهله نصف الدية، وأن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل)(4),

فهذا نظير قتل المسلم للمسلمة، فيجري في المقام الفحوى وهو الأولوية؛ لأن المسلم أشرف من الذمي, وحكم عليه بالقتل إذا قتل المرأة. فالذمي أولى من المسلم في القتل إذا قتل المرأة مع رد فاضل ديته, وهو الفارق بين دية الرجل ودية المرأة.

ويقتل الذمي بالمسلم ويدفع هو وماله إلى أولياء المقتول، ويتخيرون بين قتله واسترقاقه، بلا فرق بين كون المال عيناً أو ديناً منقولاً، أو لا، ولا بين كونه مساوياً لدية المسلم أو زائداً عليه أو مساوياً لأصل الدية أو زائداً عليه.

هذا ما عليه الإجماع، كما ادعاه السبزواري(5),

وما اتفق عليه الفقهاء ووردت به النصوص، ومنها معتبرة ضريس الكناسي, عن أبي جعفر (علیه السلام) في نصراني قتل

ص: 53


1- وسائل الشيعة: 19/81, ب 48 من أبواب القصاص في النفس, ح1.
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/257.
3- المائدة: 45.
4- وسائل الشيعة: 19/59, ب 33 من أبواب القصاص في النفس, ح3.
5- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/257.

مسلماً فلما أخذ أسلم قال: أقتله به قيل وإن لم يسلم؟ قال: (يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استرقوا) قيل: وان كان معه عين ]مال[؟ قال: (دفع إلى أولياء المقتول هو وماله)(1), هذا إذا لم يسلم, فإذا أسلم فالقتل لا غير, وأخذ ماله باقٍ على التقديرين.

ولو قتل الكافر مثله ثم أسلم القاتل, فالدية عليه لا غير، إن كان المقتول ذمياً, ولو كان المقتول الكافر غير ذمي فلا قتل على قاتله مطلقاً, سواء أكان مسلماً أم معاهداً أم ذمياً. ولا دية عليه أيضا, وولد الزنا إذا بلغ وعقل, وأظهر الإسلام مسلم يقتل به ولد الرشيدة؛ لتساويهما في الإسلام, ولكن لو قتله قبل البلوغ لم يقتل به, ويقتل الذمي بالمرتد فطرياً كان أم ملياً؛ لأنه محقون الدم بالنسبة للذمي, لبقاء علقة الإسلام. وكذا العكس؛ لتساويهما في الكفر, أما لو رجع الذمي إلى الإسلام فلا قود. وعليه دية الذمي, ولا يقتل المسلم بالمرتد وإن أساء بقتله؛ لأن أمره إلى الإمام (علیه السلام) بلا خلاف ولا إشكال، لعدم التساوي في الدين, واستغرب الفقهاء عدم الدية أيضاً وذلك؛ لأن المرتد مباح الدم. وقتله بإذن الإمام، فإذا قتله من دون إذن الإمام يوجب الإثم ولكن لا يوجب الدية.الشرط الثالث: انتفاء الأبوة: أي الأب الذي يقتل ولده لا يقتل به, وهكذا وإن علا، والابن وإن نزل؛ لقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): (يا علي لا يقتل والد بولده)(2),

وروايات إخرى في هذا الصدد، بالإضافة إلى إجماع(3) المسلمين على ذلك. والبنت كالابن إجماعاً(4)

أو بطريق أولى سواء أتساويا في الدين والحرية أم لا, ويعزر الوالد بقتل الولد, ويكفرّ وتجب الدية لغيره من الورثة. وأما باقي الأقارب فيقتل بعضهم ببعض كالولد بوالده, والأم بابنها, والأجداد من قبلها، أي من طرف الأم كالجد الذي هو أب الأم.

ص: 54


1- وسائل الشيعة: 19/81, ب 49 من أبواب القصاص في النفس, ح1.
2- وسائل الشيعة: 19/58, ب 32 من أبواب القصاص في النفس, ح11.
3- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/264.
4- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية:3/520.

وإن كانت لأب كأم الأب والجدات مطلقاً، أي لأم أو لأب والأخوة والأعمام والأخوال وغيرهم.

ولكن لا يقتل الولد المسلم بالأب الكافر, ولا الحر بالعبد؛ لعدم التكافؤ.

الشرط الرابع: كمال العقل: فلا يقتل المجنون بعاقل, ولا مجنون؛ لقول نبينا

الكريم (صلی الله علیه و آله و سلم): (انَّ القلم يرفع عن ثلاثة: ... المجنون حتى يفيق)(1).

حيث ذكر أمير المؤمنين (علیه السلام) هذا الحديث عندما أراد عمر أن يرجم المجنونة.

ومعتبرة السكوني عن الصادق (علیه السلام): (إن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) يسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً، فجعل (علیه السلام) الدية على قومه، وجعل عمده وخطأه سواء)(2),

هذا بالإضافة إلى الإجماع كما ادعاه السيد السبزواري(3), ولا يقتل العاقل بالمجنون، بل الدية, وإذا صال عليه المجنون فدمه هدر بلا خلاف؛ لصحيح أبي بصير سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً مجنوناً... (فلا شيء عليه...)(4), والصبي لا يقتل بصبي, ولا ببالغ, وعمده وخطأه واحد، وتكون الدية على عاقلته إجماعاً ونصوصاً عامة وخاصة؛ لقول الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله و سلم): (انَّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ)(5),

وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام): قال: (عمد الصبي وخطأه واحد)(6),

ويقتل البالغ بالصبي كما عليه المشهور، بل المذهب لعموم قوله تعالى [النَّفْسَ بِالنَّفْسِ](7),

ومرسلة بن فضّال عن بعض

ص: 55


1- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة (طبعة مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث): 1/45.
2- وسائل الشيعة: 19/307- 308, ب 11 من أبواب العاقلة, ح5.
3- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/270.
4- وسائل الشيعة: 19/51- 52, ب 28 من أبواب القصاص في النفس, ح1.
5- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة (طبعة مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث): 1/45.
6- تهذيب الأحكام: 10/223, وسائل الشيعة: 19/307, ب 11 من أبواب العاقلة, ح2.
7- المائدة: 45.

أصحابه, عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (كل من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمد فعليه القود)(1).

وفرّقوا بين قتل المجنون، حيث لا قود عليه، وإذا صال على القاتل فدمه هدر، وبين من قتل صبياً فعليه القود، وذلك لان المجنون خرج عن العمومات بدليل خارج، وإلا كانت الآية متناولة له بخلاف الصبي، مع أن الفارق بينهما متحقق, ولو قتل العاقل من يثبت عليه بقتله القصاص ثم جنّ اقتص منه ولو في حال الجنون لثبوت الحق في ذمته عاقلاً، فيستصحب كغيره من الحقوق للإجماع كما ادعاه السيد السبزواري(2),

ومعتبرة بريد بن معاوية العجلي قال: سئل أبو جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً عمداً فلم يقم عليه الحد ولم تصح الشهادة عليه حتى خولط وذهب عقله، ثم إن قوماً آخرين شهدوا عليه بعدما خولط أنه قتله فقال: (إن شهدوا عليه أنه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علة من فساد عقل قتل به, وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف، دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل, وإن لم يكن له مال أعطى الدية من بيت المال, ولا يبطل دم امرئ مسلم)(3).

الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم: أي غير مباح القتل شرعاً، فلا قود في القتل السائغ شرعاً، كقتل سابّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام) وقتل المرتد الفطري ولو بعد توبته، والمحارب والمهاجم القاصد للنفس أو العرض أو المال، وكذا من يقتل بحد أو قصاص كاللواط والزنا والكفر ونحو ذلك. والضابط في جميع ذلك هو كون القتل سائغاً للقاتل, وذلك لأن قاتله وان لم يستأذن الإمام فهو قتل من كان مباحاً دمه في الجملة. وان توقفت المباشرة على إذن الحاكم فيأثم القاتل بدون الإذن خاصة، ولا فرق بين أن يكون الشارع حكم عليه بالرجم أو السيف أو نحو ذلك؛ لأن المطلوب هو إزهاق الروح(4).

ص: 56


1- وسائل الشيعة: 19/56, ب 31 من أبواب القصاص في النفس, ح4.
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/272.
3- وسائل الشيعة: 19/53, ب 29 من أبواب القصاص في النفس, ح1.
4- ظ: الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية:3/522.

وأما الشروط المعتبرة عند المذاهب الأخرى:

الشرط الأول: التساوي في الإسلام والحرية: حيث يشترط مالك والشافعي وأحمد أن يكون المجني عليه مكافئاً للجاني, فإن لم يكن مكافئاً للجاني امتنع الحكم بالقصاص، ولذا سميت عندهم بموانع القصاص.

فإن تساويا في الإسلام والحرية فهما متكافئان, ولا عبرة بعد ذلك بما بينهما من فروق أخرى، فلا يشترط التساوي في كمال الذات، ولا سلامة الأعضاء، ولا الشرف والفضائل. وعلى ذلك فيقتل سليم الأطراف بمقطوعها، والصحيح بالمريض، والكبير بالصغير، والقوي بالضعيف، والعالم بالجاهل، والعاقل بالمجنون، والأمير بالمأمور، والذكر بالأنثى...الخ ولا خلاف بينهم في قتل الرجل بالرجل والأنثى بالأنثى لقوله تعالى: [الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى](1), كما يرون أن الرجل يقتل بالمرأة وبالعكس, وحجتهم قوله تعالى: [الْحُرُّ بِالْحُرٍِّ] وقول الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله و سلم): (المسلمون تتكافأ دماؤهم), وله (صلی الله علیه و آله و سلم) كتب إلى أهل اليمن. وقد ذكر فيها أن الرجل يقتل بالمرأة(2),

وبهذا يختلف المذهب الإمامي عنهم في مسألة قتل الرجل بالمرأة، حيث يقول فقهاؤه: إن أولياء المرأة إن شاؤوا قتلوا الرجل مع رد فاضل ديته. وأشكل عليهم: أن المرأة إذا لم تكافئ الرجل فكيف تقتل به.

والجواب هو رواية عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وهي عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام): (قال: أُتي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) برجل قد ضرب امرأة حاملاً بعمود الفسطاط، فقتلها، فخيّر رسول الله أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف درهم وغرة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها, أو يدفعوا إلى أولياء القاتل خمسة آلاف ويقتلوه)(3).

وظاهرها أن دية المرأة النصف، كما أن إرثها النصف, وهذا ما يتفق عليه المسلمون سواء منهم فقهاء الإمامية، أم فقهاء العامة، حيث استدلوا بما نسب

ص: 57


1- البقرة: 178.
2- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي: 2/120.
3- وسائل الشيعة: 19/60, ب 33 من أبواب القصاص في النفس, ح5.

لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أنه كتب في كتاب عمرو بن حزم دية المرأة على النصف من دية الرجل(1),

وعليه إجماع الصحابة. فإذا كانت دية المرأة في القتل نصف دية الرجل فعندئذ إذا قتل الرجل المرأة وأراد أهل المقتول قتله ردوا فاضل ديته لأهله. وعليه تكون دماء المسلمين متكافئة من جهة القصاص، حيث يقتل الرجل بالمرأة وأما الدية فإجماع المسلمين على أنها النصف. فإذا قتلنا الرجل بها أرجعنا النصف الأخر.

وأما الفقهاء الأربعة فيقولون بأن الذكر يقتل بالأنثى وبالعكس بدون رد فاضل ديته.

ولا يقتل المسلم بالكافر لعدم التكافؤ.

ولا يقتل الحر بالعبد.

وهذا من جهة شرط التكافؤ في المجني عليه لا في الجاني.

فإذا قتل العبد الحر قتل به، وكذلك الكافر إذا قتل مسلماً قتل به.

وعند الشافعي وأحمد ومالك أن الحر لا يقتل بالعبد؛ لما روى ابن عباس: (لا يقتل حر بعبد), والعبد يقتل بالحر بخلاف أبي حنيفة فإنه يساوي بين العبيد والأحرار, فيقتل الحر بالعبد وبالعكس؛ لان القصاص عنده واجب الحكم به على الجاني في الحالين, ويستثنى من ذلك أن السيد لا يقتل بعبده؛ لقول الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم): (لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده).

وأما التساوي في الإسلام، فيرى مالك والشافعي أن المسلم لا يقتل بالكافر أياً كان، إذا قتله المسلم، ولكن الكافر يقتل بالمسلم؛ لعدم التكافؤ.

ص: 58


1- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي: 2/182.

ويتفق هذان المذهبان مع الإمامية في هذا الحكم. ومستندهما ما نسب

للرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) (المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولا يقتل مؤمن بكافر).

سواء أكان ذمياً أم مستأمناً أم غيره. وأما أبو حنيفة فيرى أنّ المسلم لا يقاد بالمستأمن(1).

ويرى أيضاً أن المسلم يقتل بالذمي، وكذلك الذمي بالمسلم. ويحتج باطلاقات الآيات القرآنية كقوله تعالى: [النَّفْسَ بِالنَّفْسِ](2),

وقوله تعالى [وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً](3),

ويقول هذه الآيات مطلقة لا تخصيص فيها ولا تقييد, ومن قال بالتخصيص والتقييد. فهو قول بلا دليل عنده.

وأما مالك فإنه يرى قتل المسلم بالذمي في حالة أنه قتله غيلة, ومالك يقيسه على الحرابة؛ ويحتج بما روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): (من أنه أقاد مؤمناً بكافر وقال: أنا أحق من وفى بذمته)(4).

ورأي أبي حنيفة يتفق مع القوانين الوضعية الحديثة، حيث يرى أبو حنيفة أنه إذا قتل مسلم حربياً أسلم وبقى في دار الحرب، فلا قصاص على القاتل؛ لأنه وإن قتل مسلماً إلا أن المقتول من أهل دار الحرب، فيورث شبهة في عصمته ويعتبر مكثر سواد الكفار، ويستدل برواية عن الرسول أنه قال: (ومن كثر سواد قوم فهو منهم. وهو وإن لم يكن منهم ديناً فهو منهم داراً).

ولو كانا مسلمين تاجرين أو أسيرين في دار الحرب فقتل أحدهما صاحبه فلا قصاص أيضاً؛ للشبهة, أما مالك والشافعي وأحمد فإنهم يرون القصاص. سواءً

ص: 59


1- المغني: 11/306.
2- المائدة: 45.
3- الإسراء: 33.
4- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي: 2/123.

كان القتل في دار الحرب أم في دار الإسلام, وسواء أهاجر أم لم يهاجر. وإذا قتل الذمي مسلماً قتل به اتفاقاً لأنه في رأي أبي حنيفة قتل داخل تحت النصوص العامة. وعند الثلاثة يقتل به مع وجود التفاوت؛ لأنه تفاوت مع النقصان, ولا يمنع القصاص إلا تفاوت الزيادة, ولا يعتبر قتل الذمي للحربي جريمة اتفاقاً؛ لأن الحربي مباح الدم على الإطلاق.

ولا يقتل الذمي بالمستأمن عند أبي حنيفة؛ لأن عصمة المستأمن ليست مطلقة، بل هي مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام؛ ولأن في عصمته شبهة العدم.

ويقتل المستأمن بالمستأمن عند أبي حنيفة قياساً, ولا يقتل قياساً لقيام المبيح على قتله.

ويرى مالك والشافعي وأحمد أن الكفار يقتلون بعضهم ببعض دون تفريق. فالذمي يقتل بأي كتابي أو مجوسي أو مستأمن. ولو اختلفت دياناتهم, فتتفق المذاهب الثلاثة مع الإمامية في ذلك, وان اختلفت الأدلة.

فهذان الشرطان وهما: التساوي في الدين، والتساوي في الحرية, بيّنا أراء الفقهاء فيهما، وما هو محل الخلاف بينهم, وتبّين أن المذاهب - الإمامي والمالكي والشافعي وأحمد- كلها متفقة في أصل هذين الشرطين ومختلفة في بعض الخصوصيات.

وينفرد أبو حنيفة في عدم اشتراطهما، ولكنه يشترط أن يكون القتل في دار الإسلام فالعصمة عنده هكذا.

إلا أن الملاحظ أن رأي أبي حنيفة وإن اختلف مع المذاهب الأخرى، إلا إنه يتفق مع القوانين الحديثة التي لا تشترط في القصاص الإسلام ولا الحرية.

الشرط الثاني: أن يكون القتيل جزءاً من القاتل, وهذا الشرط يتوافق مع اشتراط الإمامية عدم كون القاتل أباً للمقتول, وحينئذ يخرج من القصاص لقول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم): (لا يقاد الوالد بولده).

ص: 60

ويتفق مع رأي الإمامية أبو حنيفة والشافعي وأحمد؛ فإنهم يرون أن لا قصاص على الوالد في قتل أبنه. وذلك لقول الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله و سلم): (لا يقاد والد بولده).

ويخالف مالك في ذلك استناداً إلى قاعدته في القتل العمد، حيث إنه يشترط في عدم القصاص على الوالد إذا ضربه للتأديب، وأما إذا ضربه للعدوان فإنه يقتل به.

وعلى هذا يقتل الولد بوالده، سواء أكان أباً أم أماً إذا قتله طبقاً للنصوص عندهم.

ويلحقون الأم بالأب, فإذا قتلت ولدها فلا يقتص منها، ويستدلون بأن النص جاء بلفظ الوالد الشامل لهما. وهذا خلاف ما ذهبت إليه الإمامية من اختصاص عدم القصاص, بالأب دون الأم، ولكنهم يحكمون بعدم القصاص للأب وإن علا.

وأما الأم والجدة وغيرهما، فلا تدخل في النص. وذلك لأن الوالد خرج بالتخصيص فيقتصر فيه على القدر المتيقن. وهو دخول الأب دون الأم والجدة وغيرهما, ويلحقون الجدة بالأم، كما أنهم يتفقون مع الإمامية بأن الوالد لا يقتل بالولد، سواء أكان مساوياً للولد في الدين والحرية أم مخالفاً. وذلك لأن التخصيص لشرف الأبوة. وهو موجود في كل هذه الأحوال. ويخالف مالك الفقهاء كما ذكرنا.

والزوجان يقتل كل واحد منهما بالآخر؛ لأنهما متكافئان.

الشرط الثالث: كيفية استيفاء القصاص.

الإمامية: لا يقتص إلا بالسيف، ولا يجوز المثلة به. هذا هو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع(1),

مضافاً إلى الروايات الواردة بهذا الخصوص.

ص: 61


1- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/335.

منها صحيحة الحلبي والكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام): (قالا: سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات, أيدفع إلى ولي المقتول فيقتله)؟ قال: (نعم، ولكن لا يترك يعبث به, ولكن يجيز عليه بالسيف)(1).

و معتبرة موسى بن بكر عن العبد الصالح (علیه السلام) (2).

وجوز بعض الفقهاء(3), بالأسهل كالاتصال بالأسلاك الكهربائية، أو بعض الإشعاعات الخاصة المشعة على المخ بحيث لا يحس الجاني بالقتل، ولكن مشروط برضا الولي.

ويتفق مع مشهور الإمامية أبو حنيفة, فالقصاص عنده لا يستوفي إلا بالسيف. مستدلاً بقول الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم): (لا قود إلا بالسيف), وأما مالك والشافعي وأحمد فعندهم أن القاتل بالسيف يقتص منه بالسيف لقوله تعالى: [فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ](4),

والسيف أسرع الآلات فيقتص منه به، وإلا كان فوق الحق الذي عليه.

وأما إذا كان القاتل بالحرق والغرق وغير ذلك، فيقتص منه كذلك بالمثل، لقوله تعالى: [وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ](5), ولقول الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم): (من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه)(6).ولكنهم يجوزون للولي أن يقتص بالسيف في هذه الأحوال؛ لأنه قد وجب له القتل والتعذيب. فإذا عدل إلى السيف فقد ترك بعض حقه وهو جائز له.

ص: 62


1- وسائل الشيعة: 19/95, ب 62 من أبواب القصاص في النفس, ح1.
2- وسائل الشيعة: 19/95, ب 62 من أبواب القصاص في النفس, ح3.
3- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 2/336.
4- البقرة: 194.
5- النحل: 126.
6- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي: 2/124.

أما الإمامية فالروايات حددت السيف، ولكن لم تشر إلى حصر القصاص بالسيف.

والإجماع حصره بالسيف، ورغم ذلك فقد جوز السيد عبد الأعلى السبزواري(1),

بما يكون أسهل بدعوى الأولوية القطعية من قتله بالسيف بعد إذن صاحب الحق به, وأن ما نسب إلى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم): (من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه) فسنده قاصر وغير معمول به عند الأصحاب.

ومع ذلك يبقى الكلام في عموم قوله تعالى: [فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ], وقوله تعالى: [وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ], فهاتان الآيتان الكريمتان يمكن المناقشة فيهما فنقول:

الأولى منهما واردة في القتال، لا في القتل، فتكون خارجة تخصصاً.

وأما الثانية فتدل على أن العقوبة بمثلها، حيث فسرها السيد عبد الله شبر في تفسيره(2),

[وَإِنْ عَاقَبْتُمْ] أي أردتم عقوبة جانٍ قصاصاً [فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ] من دون زيادة. فالآيات المباركة عامة.

والكتاب العزيز يخصص بالسنة القطعية المتواترة كما هو معلوم في الأصول, فيمكن تخصيصه بما روي في الصحاح عن أهل البيت (علیهم السلام) وأنه لا يمكن مخالفة الإجماع في حالة ثبوته, كما إن تفسير الآية: [بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ] يحتمل أن يكون المراد به أن القاتل يقتل، وقاطع اليد تقطع يده والذي يجرح شخصاً يجرح وهكذا.

فالمسألة خلافية لا بسبب الآيات القرآنية وعمومها، وإنما لما روي عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم): (لا قود إلا بالسيف) وهذا ما استدل به أبو حنيفة.

ص: 63


1- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/336.
2- تفسير القرآن الكريم, السيد عبد الله شبر: 279.

وأما ما استدل به مالك والشافعي وأحمد عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم): (من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه).

فيحصل التعارض بين الروايتين، فنجري أصول التعارض بينهما. فأولاً من ناحية السند، وثانياً من ناحية الدلالة.

فإذا ثبتت صحة السند كما هو عند غيرنا من المذاهب الأخرى، فيعرض على القرآن. فما وافقه يؤخذ به. ورواية الشافعي وأحمد ومالك موافقة لقوله تعالى [بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ] فالمفروض تقديمها.

وأما بالنسبة للإمامية فسند هاتين الروايتين قاصر عن الاستدلال به؛ لأنهما نبويتان. ولو سلمنا صحة سندهما فإنهما لا تقاومان ما عندنا من الصحاح المروية عن أهل البيت (علیهم السلام) ومن هنا أجمعوا على أن القصاص بالسيف. وهذا ما وافقه أبو حنيفة...

العقوبة الثانية: السجن المؤبد مع الجلد.

ورد في الفقه الإسلامي ذكر السجن المؤبد، ولكن في حالات خاصة وهي:

أولاً: ما عند الأمامية.

1- ممسك المجني عليه (أي الشخص الذي أمسك شخصاً لآخر فقتله).

2- الآمر بالقتل فهذا يحكم بالسجن المؤبد حتى الموت.

2- المكرَه على القتل يحكم بالسجن المؤبد على المشهور. إذا كان المكرِه بالغاً عاقلاً, أي يعتبر ظرفاً مخففاً.

ص: 64

هذا ما ذكرته كتب الفقه الإمامي، حيث يقول السيد الخوئي: (لو أمسكه وقتله آخر قتل القاتل، وحبس الممسك مؤبداً حتى يموت بعد ضرب جنبيه، ويجلد كل سنة خمسين جلدة)(1).

ويقول السيد السبزواري: (لو أمسكه شخص وقتله آخر... يقتل القاتل ويحبس الممسك أبداً حتى الموت)(2).

وهذا الحكم إجماعاً ونصوصاً. ومنها معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام): (قضى علي (علیه السلام) في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر, قال: يقتل القاتل ويحبس الآخر حتى يموت غماً كما حبسه حتى مات غماً)(3).

وأما الآمر، فيقول السيد الخوئي: (لا أكراه في القتل. فلو أكره على قتل شخص فالقود على المباشر إن كان بالغاً عاقلاً دون الآمر, نعم يحبس الآمر حتى يموت)(4).

ومستنده صحيح زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام): (في رجل أمر رجلاً بقتل رجل ]فقتله[ فقال: (يقتل به الذي قتله, ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت)(5),

مضافاً إلى الإجماع.

ومن هنا يظهر عدم الفرق بين السجن والحبس في الفقه الإمامي.

وأما المكرَه على القتل فيقول السيد الخوئي: (ولو أكرهه على القتل، فإن كان ما توعد به دون القتل فلا ريب في عدم جواز القتل ولو قتله - والحال هذه- كان عليه القود، وعلى المكرَه الحبس المؤبد)(6).

ص: 65


1- مباني تكملة المنهاج: 2/11.
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/225.
3- وسائل الشيعة: 19/35, ب 17 من أبواب القصاص في النفس, ح1.
4- مباني تكملة المنهاج: 2/227.
5- وسائل الشيعة: 19/32, ب 13 من أبواب القصاص في النفس, ح1.
6- مباني تكملة المنهاج: 2/13.

ثانياً: ما عند المذاهب الأخرى:

1- من أمسك شخصاً وقتله آخر ففي مذهب أحمد يحبس الممسك حتى الموت. مستدلاً بما روي عن ابن عمر عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: (إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك لأنه حبسه إلى الموت) ولأن علياً رضي الله عنه قضى بقتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت.

ولم تذهب بقية المذاهب إلى ذلك, وإنما ذهبوا إلى عقوبات أخرى، حيث يرى مالك القصاص على الممسك أيضاً، إذا أمسك القتيل لأجل القتل، وهو يعلم أن الطالب سيقتله.

ويرى أبو حنيفة والشافعي تعزير الممسك.

2- الآمر بالقتل: يرى مالك القصاص عليه إذا حضر القتل، والتعزيز إذا لم يحضر, وأبو حنيفة يرى أن لا قصاص عليه، ويرى الشافعي وأحمد أنَّ على الآمر التعزير.

3- المكره على القتل. يرى مالك والشافعي وأحمد أن القصاص واجب عليه.

ويرى أبو حنيفة القصاص عليه.

فلا توافق بين المذاهب الأربعة والإمامية في هذه الجرائم، إلا الإمام أحمد في مسألة الممسك.العقوبة الثالثة: الدية: وهي المال المفروض في الجناية على النفس أو الطرف أو الجرح أو نحو ذلك(1).

ص: 66


1- مباني تكملة المنهاج: 2/186.

1- الإمامية:

المشروع في القتل العمدي هو القصاص، وأما الدية فهي غير مشروعة فيه(1)

والقصاص واجب تعييناً(2)

ولا يوجب الدية لا تعييناً ولا تخييراً, وإنما تكون الدية عقوبة العمد في حالة التراضي. فهي عقوبة رضائية بالنسبة للقتل العمد عندما يعفو الولي بشرط الدية، فيكون الجاني بالخيار بين القبول وعدمه. ولا تثبت الدية إلا برضاه. فلو رضي بها سقط القود، وثبتت الدية. فهي رضائية بدلية، وأما إذا عفا الولي عن القصاص فليس له مطالبة الجاني بالدية، إلا أن يشترط ذلك بالعفو. فالدية تثبت بالعرض لا بالأصالة.

ويمكن فرضها في قتل لا يوجب القود. كقتل الوالد ولده، أو موت القاتل، أو كون القاتل عاقلاً والمقتول مجنوناً. ومع ذلك تبقى الدية عقوبة بدلية, واستدلوا بعدة روايات نذكر منها صحيحة عبد الله بن سنان والحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام): (من قتل مؤمناً متعمداً... فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية)(3).

مضافاً إلى الإجماع الذي نقله السيد الخوئي (4),

وأنه لا خلاف بين الأصحاب في ذلك.

2- المذاهب الأخرى:

يذهب مالك وأبو حنيفة إلى ما ذهب إليه الإمامية. وهو أن القصاص واجب تعييني لا تخييري. فالدية ليست واجباً تخييرياً، ويشترطان رضا الجاني فهي رضائية عندهما.

ص: 67


1- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 28/327.
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 29/325.
3- وسائل الشيعة: 19/144, ب 1 من أبواب ديات النفس, ح9.
4- مباني تكملة المنهاج: 2/187.

وأما الشافعي وأحمد فإنهما يذهبان إلى أن الدية واجب تخييري؛ لأن ولي الدم مخيّر بين القصاص والدية، ولا يحتاج إلى رضا الجاني. فالدية واجب تخييري وليس رضائياً, ووافقهما من الإمامية العماني والإسكافي.

واستدلوا بقول الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم): (وإن في النفس مائة من الإبل) وادعوا الإجماع على وجوب الدية في الجملة.

3- أصناف الدية:

يرى الإمامية أنّها مخيرة بين:

1- مائة بعير فحل من مسان الإبل.

2- مائتا بقرة.

3- ألف دينار ذهباً, وكل دينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي من الذهب المسكوك.

4- ألف شاة.

5- عشرة آلاف درهم.

6- مائتا حلّة, كل حلّة ثوبان.

يتخير الجاني في إعطاء أي صنف من هذه الأصناف الستة، وليس لولي المقتول إجباره على صنف خاص. وتستوفى الدية خلال سنة واحدة في القتل العمد. وهذا لا خلاف فيه عند الإمامية, بل ادعي عليه الإجماع مضافاً لما دلّت عليه الروايات (ومنها): صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت بن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرّها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ثم إنه فرض على أهل البقر مائتي بقرة، وفرض على أهل الشاة ألف شاة ثنية، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل اليمن الحلل مائتي حلّة. قال عبد الرحمن بن الحجاج: فسألت أبا عبد الله (علیه السلام) عما روى ابن أبي ليلى فقال: (كان

ص: 68

علي (علیه السلام) يقول الدية ألف دينار، وقيمة الدينار عشرة دراهم، وعشرة آلاف لأهل الأمصار، وعلى أهل البوادي مائة من الإبل، ولأهل السواد مائتا بقرة، أو ألف شاة)(1).

وأما الحلّة فإنها وردت في صحيحة ابن أبي عمير عن جميل بن دراج في الدية قال: (ويؤخذ من أصحاب الحلل الحلل...)(2).

وأما كون الحلّة ثوبان فهذا ما نص عليه الفقهاء وأهل اللغة، بل صرّح في الجواهر بأن الحكم مفروغ منه. فتفسير أهل اللغة واتفاقه مع الفقهاء يوجب الاطمئنان، بالإضافة إلى أن القول بالحلّة وأنها من أفراد الدية مجمع عليه ومتسالم مقطوع به بين فقهاء الإمامية.

وأما كونها تُستوفى خلال سنة في العمد فلصحيحة أبي ولاّد عن أبي عبد الله (علیه السلام) (قال: كان علي (علیه السلام) يقول تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين وتستأدى دية العمد في سنة)(3).

ويوافق الإمامية مذهب أحمد، حيث يرى أن الدية تجب في الأجناس الستة, الإبل والذهب والفضة والبقر والغنم والحلل, واستدّل بما روي من عمل عمر. فإنه قضى بالدية من هذه الأجناس جميعاً حين كانت الديات على العواقل, وروى عن عمر بن شعيب أنه قام خطيباً فقال: ألا إن الإبل قد غلت، فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة(4).

ص: 69


1- الكتب الأربعة (الكافي – من لا يحضره الفقيه – التهذيب - الاستبصار) / تنظيم برزكر بفروبي ط أولى 1424ﻫ 2003م مط تكي – قم / الفروع من الكافي ج7 باب الدية في قتل العمد والخطأ / ج1 ص1065.
2- وسائل الشيعة: 19/143, ب 1 من أبواب ديات النفس, ح4.
3- وسائل الشيعة: 19/151, ب 4 من أبواب ديات النفس, ح1.
4- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي: 2/177.

في حين يذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في رأيه الأول إلى أن الأجناس ثلاثة: الإبل والذهب والفضة؛ لقول رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): (في النفس المؤمنة مائة من الإبل وانه جعل دية كل ذي عهد على عهده ألف دينار)(1).

ثم عدل الشافعي عن رأيه وقال: إن الدية تجب في جنس واحد هو الإبل, وأساس قوله هذا، أن الإبل هي الأصل في الدية وما عداها أبدال عنها لكل أهل صنف.

هذه هي أراء المذاهب في الأصناف وأما مقاديرها فلا خلاف في مقدار الإبل والبقر والذهب والحلل بأنها مائة من الإبل، وألف دينار من الذهب ومئتا حلة.

وأما الخلاف وقع في مقدار الغنم والفضة:

فالإمامية ترى أنَّ مقدار الغنم ألف شاة, وبقية المذاهب تراه ألفي شاة. ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات عند الفريقين.

وأما منشأ الخلاف في الفضة وكون مقدارها عشرة آلاف كما ذهب الإمامية وأبو حنيفة؛ فلأنهم يرون أن قيمة الدينار هي عشرة دراهم, وأما مالك والشافعي وأحمد فإنهم يرون أن الفضة اثنا عشر ألف درهم؛ وذلك لأنهم يرون أن قيمة الدينار اثنا عشر درهماً.

وأمّا الوقت الذي تستوفى فيه دية العمد. فالإمامية يرونه سنة كما تقدم, وأما مالك والشافعي وأحمد فالدية عندهم حالة غير مؤجلة، إلا إذا رضي ولي الدم بالتأجيل, وحجتهم أن الدية بدل القصاص. وهو حالّ، فتكون مثله حالّة، ولأن في التأجيل تخفيفاً. والعامد لا يستحق التخفيف.

وأما أبو حنيفة فعنده تستوفى دية العمد بثلاث سنين، ويكفي العامد تغليظاً تثبيت الدية وجعلها في ماله.

ص: 70


1- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي: 2/176.

بقيت هنا أمور في الدية نذكرها كما يأتي:

1- المرأة ديتها نصف دية الرجل لإختلاف الجنس. وهذا لا خلاف فيه بين المذاهب الإسلامية الخمسة. وهو مجمع(1) عليه عندنا, بل عند فقهاء المسلمين لإجماع الصحابة وهو المروي عندهم.

2- الذمي ديته عند الإمامية ثمانمائة درهم إذا كان من أهل الكتاب, ويرى مالك والشافعي وأحمد أن ديته نصف دية المسلم.

ودية نسائهم نصف دياتهم باتفاق المذاهب.

وأما سائر الكفار فلا دية لهم كما لا قصاص فيه.

ويخالف أبو حنيفة في ذلك حيث يجعل الديات متساوية بين المسلمين وغيرهم حتى عباد الوثن.

3- العبد ديته عند الإمامية قيمته ما لم تتجاوز دية الحر، فلا يجبر الزائد. وديته عند المذاهب الأخرى أيضاً قيمته، ولكن حتى لو زادت على دية الحر.

4- دية ابن الزنا في مشهور الأمامية(2) أنه إذا كان محكوماً بالإسلام فدية المسلم.

العقوبة الرابعة: التعزير: وهو الجلد بما دون الحد وربما شمله. وهي عقوبة كل من فعل محرماً أو ترك واجباً(3).

1- عند الإمامية:

وهي عقوبة بديلة عن القصاص، وتكون عند امتناعه وعدم توفر شروطه، أو

ص: 71


1- مباني تكملة المنهاج: 2/205.
2- مباني تكملة المنهاج: 2/207.
3- شرح شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: 8/60 – 61.

سقوطه لسبب من الأسباب الموجبة لذلك خلا الموت، كعفو الولي عنه بدية أو بدونها.

وهي عندنا عقوبة الوالد الذي يقتل ولده، والسيد يقتل عبده، أو عبداً كما يدل عليه ما روي عن أبي جعفر (علیه السلام): في الرجل يقتل ابنه أو عبده قال: (لا يقتل به ولكن يضرب ضرباً شديداً)(1).

وأما إذا لم يكن عبده، فعليه التعزير أيضاً لما روي عن أبي عبد الله (علیه السلام): في رجل قتل مملوكاً متعمداً قال: (يغرم قيمته ويضرب ضرباً شديداً)(2).

2- المذاهب الأخرى:

أوجب مالك أن يعاقب القاتل تعزيراً في امتناع القصاص، أو سقوطه سواء أبقيت الدية أم سقطت هي أيضاً، ويرى أن تكون العقوبة الحبس لمدة سنة، والجلد مائة جلدة، وأما الشافعي وأحمد وأبو حنيفة فيرون عند سقوط القصاص أن التعزير حق لله تعالى وهو حق للجماعة بعد سقوط القصاص، وهو تأديب للقاتل يرجع نفعه للناس كافة، ولا يوجبون عقوبة معينة على القاتل إذا سقط القصاص، أو عفا الولي عنه، ولكن ليس عندهم ما يمنع من عقاب القاتل عقوبة تعزيرية بالقدر الذي تراه الهيئة التشريعية صالحاً لتأديبه وزجره. وهذا يتفق مع ما ذهبت إليه الإمامية.

العقوبة الخامسة: وهي الكفارة: وهي تكليف محض لا تعلُّق لها بالحقوق المالية, ويُكلَّف بها القاتل بعد سقوط القصاص, وأما عند ثبوت القصاص على القاتل فلا تجب عليه، ولا تستخرج من ماله بعد القصاص؛ لعدم وجوبها.

والكفارة من العقوبات المترتبة على القتل العمدي بعد سقوط القصاص بالعفو، أو امتناعه أو تخصيصه. وهذا لا خلاف فيه بين الإمامية، بل ادعي عليه الإجماع

ص: 72


1- وسائل الشيعة: 19/58, ب32 من أبواب القصاص في النفس, ح9.
2- وسائل الشيعة: 19/67, ب37 من أبواب القصاص في النفس, ح1.

بقسميه المنقول والمحصل(1).

فالإجماع هو الحجة على ثبوتها في القتل العمدي، وكونها بدلية عن القصاص عند العفو، أو أخذ الدية. فتكون تكليفاً في طول القصاص وفي عرض الدية والتعزير والحبس. فهي تجب مع وجوبهما وبدونهما.

ومضافاً إلى الإجماع فالنصوص تصرح بذلك، بل المتيقن(2)

من النصوص ذلك. نحو: ما روي عن أبي جعفر (علیه السلام): (الرجل يقتل الرجل متعمداً) قال: (عليه ثلاث كفارات يعتق رقبة، ويصوم شهرين متتابعين، ويطعم ستين مسكيناً)(3).

والواضح من بعض النصوص أن الكفارة إنما تجب بعد القتل على نحو الشرط المتأخر. فإذا قتل أو مات بسبب آخر فلا كفارة عليه, ولا فرق في وجوب الكفارة بقتل المسلم بين البالغ وغيره، والعاقل والمجنون، والذكر والأنثى، والحر والعبد، وإن كان العبد عبد القاتل. والمشهور وجوب الكفارة في قتل الجنين بعد ولوج الروح فيه.

وأما الكفار فلا كفارة في قتلهم. من دون فرق بين الذمي وغيره. ولو اشترك جماعة في قتل مؤمن فعلى كل واحد منهم الكفارة؛ لإطلاق الأدلة. ولا تجب الكفارة على الصبي، ولا المجنون إذا قتلا مسلماً، لأنها تكليف محض وقد رفع القلم عنهما, هذا ما عند الإمامية.

وأما المذاهب الأخرى فاختلفوا في وجوبها.

حيث يرى الشافعي أن الكفارة تجب وتغلظ على قاتل العمد؛ لما رواه وائلة بن الأسقع قال: أتينا النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بصاحب لنا قد أستوجب النار بالقتل فقال: (اعتقوا

ص: 73


1- مباني تكملة المنهاج: 2/ 435.
2- مباني تكملة المنهاج: 2/432 – 433.
3- وسائل الشيعة: 19/22, ب10 من أبواب القصاص في النفس, ح3.

عنه رقبة يعتق الله تعالى بكل عضو فيها عضواً منه من النار)(1).

ويرى أحمد رأياً مشابهاً للشافعي، ويتفق معه، ولكن مشهور مذهبه أن لا كفارة في القتل العمد، باعتبار أن النص الخاص بالقتل العمد خلو منها، وجزاء العمد هو القصاص، وأن الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) أوجب القود على سويد ولم يوجب الكفارة، وأن عمرو بن أمية قتل رجلين فوداهما ولم يوجب الكفارة.

ويرى أبو حنيفة أن لا كفارة في القتل العمد لأنها دائرة بين العبادة والعقوبة، فلابد من أن يكون سببها دائراً بين الحظر والإباحة، لتعلق العبادة بالمباح، والقتل بالمحظور. وقتل العمد كبيرة محضة فلا تناظر به كفارة؛ ولأن الكفارة من العقوبات المقدرة، فلا يجوز إثباتها بالقياس، بل لابد من النص عليها.

ويذهب مالك إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة، إلا أنه يقول بإنها مندوبة للذي لم يقتص منه سواء أكان ذلك لعدم القصاص أم لمانع شرعي أم لعفو.

وعلى هذا فيمكننا القول أن أحمد ومالكاً وأبا حنيفة لا يرون الكفارة في القتل العمد إذا اقتص منه. فالقصاص لا غير، ولا يجب على ورثته إخراجها من ماله وهذا يتفق مع الإمامية.

ويخالف الشافعي حيث يقول بالكفارة مع القصاص، ولكل منهم دليله في ذلك وكما يأتي:

فالإمامية: استدلوا بروايات صحيحة وصريحة مضافاً للإجماع. وقد تقدم بعض منها.

وأما المذاهب الأخرى: فقد استدلوا بأدلة يعارض بعضها بعضاً, وكلها عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم), والتعارض بين الدليلين نرجع فيه إلى أدلة الترجيح, فالأقوى سنداً يقدّم على غيره, وإذا غضضنا النظر عن السند ولجأنا إلى الجمع العرفي الدلالي بحمل

ص: 74


1- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي: 2/173.

الرواية التي استدل بها الشافعي وهي رواية وائلة بن الأسقع على الندب، أي أن الكفارة مستحبة مع القصاص لا واجبة. بدلالة الروايات الأخرى الدالة على عدم وجوبها.

فنكون أمام إلزام بالكفارة كما في رواية الشافعي, وترخيص بتركها كما في الروايات الأخرى التي استدل بها الثلاثة, وهذا ما ذهب إليه مالك، إلا أنه اشترط كون الندب مع عدم القصاص.

وإذا قلنا بهذا الرأي نكون قد وفقنا بين آراء جميع المذاهب, ويوافق أبو حنيفة رأي الإمامية حيث يرى عدم وجوب الكفارة إلا على المسلم البالغ. فلا تجب على الصبي ولا المجنون ولا غير المسلم؛ لأنها عبادة لا يخاطبون بها.

وأما الإمامية: فيرون أن الكفار يخاطبون ولكن لا يصح منهم؛ لفقد التقرب, وأما الشافعي وأحمد فإنها تجب عندهم على القاتل أياً كان بالغاً أم غير بالغ، عاقلاً أم مجنوناً، مسلماً أم غير مسلم، ولا يستثنى إلا الحربي.

وأما مالك فإنه يرى أنها تجب على الصبي والبالغ والعاقل والمجنون. إذا كان مسلماً ولا تجب على غير المسلم؛ لأنها عقوبة عبادية.

وتذهب الإمامية إلى كون خصال الكفارة ثلاثاً: عتق رقبة, وصيام شهرين متتابعين, وإطعام ستين مسكيناً, وأنها كفارة جمع.

وكذلك الشافعي وأحمد يذهبان إلى كون خصال الكفارة ثلاث خصال: عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً، ولكنهما يقولان بأنها كفارة مرتبة لا كفارة جمع, أي يجب عليه أولاً عتق رقبة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

ودليلهما قياساً على كفارة الظهار التي نصّ فيها على الإطعام بخلاف مالك وأبي حنيفة، حيث يذهبان إلى أن خصال الكفارة اثنتان وهما: العتق والصيام, وهي

ص: 75

كفارة مرتبة. العتق، فإن لم يستطع، فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع لا يجب عليه الإطعام.

والدليل عندهما عدم النص على الإطعام في روايات الكفارة للقتل العمد. والقياس لا يصح في الكفارة لأنها عبادة. والعبادات تحتاج إلى نص فهي توقيفية.

إلى هنا انتهت العقوبات للقتل العمد وهناك عقوبات تبعية وهي: الحرمان من الإرث. فالقاتل يحرم من الإرث إذا قتل من يورثه، و يحرم من الوصية.

فالأب القاتل لأبنه وأن عفي عن القصاص فإنه يعاقب - بالإضافة إلى التعزير والكفارة والدية- الحرمان من إرث المقتول ووصيته، إلا إذا كان قد أوصى له.

ص: 76

الفصل الثاني: القتل العمد في قانون العقوبات العراقي

اشارة

ذكره قانون العقوبات من المادة (405) إلى المادة (409)

وقد تم شرحه بعدّة شروحات. ولأجل المقارنة بين ما جاء فيه عن القتل العمد، وبين المذاهب الفقهية لابد من استعراضه في مباحث تشابه المباحث التي تم بحثها في الفصل الأول في رؤية المذاهب الفقهية. ولذلك ستكون مباحث الفصل الثاني على النحو الآتي:

المبحث الأول: تقسيمات القتل العمد في القانون، وتعريفه وتوضيحه.

المبحث الثاني: أركان القتل العمد وشرح نصوصه.

المبحث الثالث: تطبيقاته وعقوباته.

ص: 77

المبحث الأول: تقسيمات وتعريف القتل العمد

أولا: تقسيمات القتل في قانون العقوبات العراقي

يظهر من مراجعة تبويب ونصوص قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته أن المشرع العراقي نص على ثلاثة أقسام للقتل أشار إليها من المادة 405 وحتى المادة 411.

القسم الأول: القتل العمد حيث نصّ عليه في المواد من 405 إلى 409.

القسم الثاني: الضرب المفضي إلى الموت ونصّ عليه بالمادة 410.

القسم الثالث: القتل الخطأ ونصّ عليه بالمادة 411.

هذه أقسام القتل التي نصّ عليها المشرّع العراقي حيث قسمها إلى ثلاثة أقسام.

ثانياً: تعريف القتل العمد في قانون العقوبات العراقي:

تقدّم أن قانون العقوبات العراقي لم يذكر تعريفاً للقتل العمد، واكتفى بذكر أركانه في نص المادة 405.

وذكر بعض الشراح(1) أن هذا لا يثير أية صعوبة، وادعى الإجماع (على أن القتل العمد هو كل إزهاق لروح إنسان عمداً).

أقول: إن النص 405 هو بمثابة تعريف للقتل العمد كما سوف يتضح إن شاء الله.

ص: 78


1- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته: 2/18.

ومع ذلك سوف نعتبر التعريف المجمع عليه هو العمدة في مناقشة التعريف ومقارنته بتعريف المذاهب الفقهية الإسلامية..

فالقتل العمد (هو كل إزهاق لروح إنسان تعمداً).

توضيح التعريف:

قوله (كل إزهاق لروح) كما علمنا سابقاً أن إزهاق الروح يعني في اللغة إخراجها، فيحمل عليه ويكون كل إخراج روح مشمول بالتعريف ويصدق عليه.

والإخراج يحتاج إلى فعل أو وسيلة من الفاعل، وإلا فالقانون لا يعاقب على النيات أو المقاصد الشريرة، بل لابد من فعل أو وسيلة من الوسائل تكون سبباً لإخراج الروح.

والوسائل منها ما يكون قاتلاً بطبيعته كالسلاح الناري، والحرق، والإلقاء من مرتفع، والخنق والسم، والتيار الكهربائي، وغيرها.

ومنها: ما لا يكون قاتلاً بطبيعته ولكنه يؤدي إلى القتل استثناءً وفي ظروف خاصة.

وهذه الوسائل كلها مشمولة بقوله (كل إزهاق لروح)؛ لأن التعريف أطلق ولم يقيد، ولم يبيّن الوسيلة المستعملة في استخراج الروح. فجميع الوسائل مشمولة بالتعريف ونص المادة 405 من ق. ع. ع.

بل أكثر من ذلك فهي تشمل حتى الوسيلة المعنوية، باعتبار الوسائل النفسية من وسائل القتل كمن يختلق نبأً مؤلماً بغتة على شيخ مريض بقصد قتله، أو مثل وضع طفل صغير في حالة ذعر للقضاء عليه. فهذه الأمور وإن كان يصعب جعلها من القتل العمد إلا أنه يمكن ذلك إذا تحققت علاقة السببية بينها وبين الوفاة، وتوفر القصد للقتل.

ص: 79

ولا يشترط المشرّع العراقي إن يكون إخراج الروح بفعل، بل يمكن حصوله بالامتناع والترك ويشمله التعريف، بل نص المشرع على ذلك في المادة (34) بقوله: (تكون الجريمة عمدية إذا توفر القصد الجرمي لدى فاعلها وتعد الجريمة عمدية كذلك).

1- إذا فرض القانون أو الاتفاق واجباً على شخص، وأمتنع عن أدائه قاصداً إحداث الجريمة التي نشأت مباشرة عن هذا الامتناع(1).

وهل الجريمة المستحيلة مشمولة؟ لا يعدها المشرع العراقي شروعاً.

ويعتبر هذا هو الركن الأول. وهو وقوع فعل مادي باتخاذ الوسائل المؤدية إليه.

2- قوله (إنسان) فيعتبر ركناً ثانياً في جريمة القتل العمد في القانون العراقي؛ لأنه محل الجريمة.

أي لا يتحقق القتل العمد إلا بوقوعه على إنسان، والمقصود به الإنسان الحي أي على قيد الحياة. وتبدأ الحياة في القانون العراقي بعد تمام الولادة، وتنتهي بموته. وهذا ما ذكره القانون المدني منه في م/34.

ومن هنا نقول: إن القتل لا يحصل للميت ولا للجنين قبل تمام الولادة. وإن كانت هذه الأفعال تعد جريمة، لكنها ليست جريمة القتل العمد، بل جرائم أخرى كالإجهاض مثلاً.

ويخرج بقوله (إنسان) قتل الحيوان حيث اعتبره المشرع العراقي جريمة عالجها في المادتين 482و483 من ق.ع.ع.

ويخرج أيضاً ما قبل الولادة فيسمى إجهاضاً أشار إليه المشرع العراقي في م/ 417(2) من ق.ع.ع.

ص: 80


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 14.
2- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 149.

وقانون العقوبات العراقي يكتفي بذكر الإنسان من دون أي قيد. فهو لا يفرق بين طفل وكهل وشيخ، ولا بين ذكر أو أنثى، ولا مواطن أو أجنبي، ولا بين متمدن وغيره، ولا بين عالم أو جاهل، أو غني أو فقير، إذ الناس كلهم سواسية أمام القانون. ويحميهم بدرجة واحدة وأن اختلفت منزلتهم الذاتية أو نفعهم للهيئة الاجتماعية، سواء أكان مسلماً أم يهودياً أم نصرانياً أم ملحداً أم مؤمناً أم مرتداً أم غير ذلك.

3- قوله (تعمداً) المقصود بالعمد هو الركن الثالث في جريمة القتل العمد. وهو القصد الجنائي الجرمي الذي عرّفه في م / 33 حيث قال: (القصد الجرمي هو توجيه نية الفاعل إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفاً إلى نتيجة الجريمة التي وقعت، أو أي نتيجة جرمية أخرى)(1).

ويقصد به نية القتل وهي المائز بين القتل العمد وغيره، وإثبات هذه النية الداخلية من اختصاص قاضي الموضوع، يستنبطها من ظروف كل قضية ودلائلها الخارجية، إما من طبيعة الفعل ذاته، أو من السلاح المستعمل، أو خطورة الإصابة وموقعها من جسم المجني عليه، أو من تكرار الطعن.

فالقصد الجنائي لدى الفاعل وهو تعمد إزهاق الروح. والقتل جريمة عمدية يلزم لقيامها توافر القصد الجنائي ابتدءاً، أي انصراف إرادة الجاني إلى تحقيق وقائع الجريمة مع العلم بأركانها، كما يتطلبها القانون, ويمكن تسميته بالقصد الجنائي العام.

فيكون قصد إزهاق الروح للمجني عليه قصداً خاصاً.

وبدون القصد الخاص يختلط العمد بشبه العمد أو الضرب المفضي إلى الموت أو الشروع فيه.

وسواء أكان محدوداً كإزهاق روح شخص معين بذاته، أم غير محدود. كمن يضع قنبلة في طريق ما.

ص: 81


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 149.

ولا عبرة بالباعث للجريمة ما دامت الإرادة متوفرة. وهذا العنصر الأول من عناصر القصد الجرمي وهو توجيه الفاعل إرادته.

ويترتب على هذا العنصر إخراج المكرَه الذي فعل الجريمة من دون إرادته الحرة المختارة، مكرَهاً بقوة قاهرة أو تحت تأثير التنويم المغناطيسي.

ومن ذلك قتل الأم رضيعها وهي نائمة.

أو شخص سقط من شاهق على آخر فقتله، أو من يصوب بندقيته على آخر تحت تأثير التهديد. فهذه الأفعال لا تسمى جريمة قتل عمد. لفقد الركن الثالث وهو القصد الجرمي.

والعنصر الثاني للقصد الجنائي: إرادة النتيجة (الوفاة).

حيث إن إرادة الفعل وحدها لا تكفي لقيام القصد الجرمي، إذ لابد من انصراف نية الفاعل إلى تحقيق النتيجة الجرمية، أي أن تنصرف إرادته إلى وفاة المجني عليه. وهذا يتطلب إن يكون الجاني عالماً بأن محل الجريمة هو إنسان حي.

وعليه فالعلم بحياة المجني عليه شرط أساسي لتحقيق القصد الجرمي. ومع فقد هذا الشرط لا يعد الجاني قاتلاً عمداً.

فالطبيب الذي يبدأ بعملية التشريح معتقداً بأن الشخص الذي بين يديه قد فارق الحياة. وإذا به يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتحدث الوفاة نتيجة للتشريح، لا يعد قاتلاً عمداً، لعدم علمه بحياة المجني عليه. وربما تكون هذه الجريمة قتلاً خطأ.

ولكي يتحقق العمد قانوناً، يحتاج إلى إرادة الفعل وإرادة النتيجة. ولا يريد النتيجة ما لم يكن عالماً بالحياة.

وكذلك من يرى شبحاً يعتقد أنه حيوان، فيضربه فيموت وإذا به إنسان. فلا يعد قاتلاً عمداً، لعدم إرادة النتيجة. وعليه فالذي يصوب نحو إنسان فيصيب أحد المارة

ص: 82

ويرديه قتيلاً، يسأل عن جريمة قتل عمد؛ لأنه أراد الفعل وإرادة النتيجة وأخطأ الشخص المراد.

وبهذا يتضح المقصود من القتل العمد قانوناً، ويتبين إن هناك اختلافاً بينه وبين المقصود من القتل العمد في الفقه الإسلامي.

حيث أن تعريف شراح القانون العراقي يعرفون القتل العمد بأنه حقيقة مستقلة، سواء أوجب القصاص أم لا.

وهذا ما نبهت عليه عند مناقشتي لتعريف الفقه الإسلامي الذي يعرف القتل العمد بأنه موجب للقصاص.

ص: 83

المبحث الثاني: أركان القتل العمد وشرح مواده القانونية

أولاً: أركان القتل العمد في قانون العقوبات العراقي.

تظهر أركان جريمة القتل العمد من نص م/405 عقوبات التي نصت على أنَّ: (من قتل نفساً عمداً يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت)(1).

حيث يتبيّن من هذا النص، كما تمّ توضيح تعريفه المجمع عليه والشامل لبعض فقرات هذه المادة وهي (من قتل) حيث تقابل في تعريف الشراح (كل إزهاقٍ لروح) فكل ما ذكرته عن عبارة (كل إزهاق لروح) يأتي هنا؛ لأن معنى (قتل): إزهاق الروح يعني إخراجها, فالتعريف عبّر بقوله (كل إزهاق لروح) والنص عبّر بقوله (من قتل) فلا فرق بين التعبيرين إلا بالإجمال والتفصيل بين اللفظ وتعريفه, ولأجل ذلك قلت: إن تعريف القتل العمد هو م/405 بعد تجريدها عن العقوبات, وذكرت في توضيح (إزهاق للروح) أنه يظهر الركن الأول للقتل العمد. وهو وقوع فعل مادي بإتخاذ الوسائل المؤدية إليه. فهذا هو الركن المادي للقتل العمد.

وتم توضيح ما يتعلق بهذا الركن في توضيح فقرات التعريف فلا نعيد ذلك.

ونضيف: إن هذا النص لم يبيّن نوع هذا الفعل، ولم يحدد صفاته. فهو فعل غير محدد لا بطبيعته ولا بوسيلته(2),

وعليه فيشمل كل وسيلة مادية، أو معنوية قاتلة بطبيعتها. أو لا، وقع القتل بفعل واحد، أو بعدة أفعال سواء أوقع الفعل مباشرة من الجاني أم من دون مباشرة, وسواء حصلت الوفاة فوراً أم بعد حين, هذا ما يتعلق بالركن الأول.

ص: 84


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 114.
2- قانون العقوبات القسم الخاص: 92.

الركن الثاني: محل الجريمة. وأشار إليه النص بقوله (إنسان) وقد بيّنا المقصود به هناك وقلنا: إنه الركن الثاني وهو محل الجريمة إنسان على قيد الحياة، ويصدق عليه من بعد تمام الولادة حتى موته, وقد تقدّم ما يخص هذا الركن فلا نعيد.

الركن الثالث: الركن المعنوي - القصد الجرمي- انصراف نية الجاني إلى إحداث الوفاة. وأشار إليه النص بقوله (تعمداً) وقد تقدَّم ما يخص هذه اللفظة، فلا نعيد. فهو يتكون من عناصر ذكرناها هناك ومُلخصها:

1- إرادة الفعل المادي، أي الفاعل يريد الفعل الذي ارتكب به الجريمة.

2- إرادة النتيجة الجرمية (الوفاة) أي يريد وفاة المجني عليه وإزهاق روحه.

وبعد ذكر الأركان المحققة للقتل العمد نحاول تطبيقها على ما ذكرنا من جرائم في تطبيقات أركان الفقه الإسلامي, وذلك بعد شرح النصوص الواردة في القتل العمد.

ثانياً: شرح فقرات النصوص القانونية في القتل العمد:

تقدَّم في التعريف شرح المادة 405 لأنها تشتمل على تعريف القتل العمد، ولكن الفارق كما قلنا هو إجمال وتفصيل، حيث ذكرت المادة 405 تعبير (من قتل) والتعريف ذكر تعريف القتل بقوله (كل إزهاق لروح) ومن هنا يكون المشرّع العراقي ذكر تعريف القتل العمد. ومع ذلك يقول بعض الشراح(1): إن المشرع العراقي لم يذكر تعريف القتل العمد ويقصد التعريف التفصيلي.

فالمادة 405 تم شرحها إلى قوله (يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت) وفي جميع المواد التي سوف نشرحها نترك شرح العقوبات المذكورة في المواد إلى موضوع العقوبات، حيث نقوم بذكر كل عقوبة وشرحها بشكل عام. وبهذا نكون قد وصلنا إلى شرح م/406 التي تتكون من عدة حالات وفقرات. ونحن سوف نذكر نص كل فقرة مع شرحها وعلى النحو الآتي:

ص: 85


1- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته: 3/18.

م/ 406:

1- يعاقب بالإعدام من قتل نفساً في إحدى الحالات التالية:

أ- إذا كان القتل مع سبق الإصرار أو الترصد.

ولأجل توضيح هذه الحالة نتطرق إلى توضيح سبق الإصرار، ثم توضيح الترصد.

أما سبق الإصرار فقد عرفته م/33 فقرة 3 (1),

حيث جاء فيها انَّ: (سبق الإصرار هو التفكير المصمم عليه في ارتكاب الجريمة قبل تنفيذها، بعيداً عن ثورة الغضب أو الهياج النفسي).

ونلاحظ أن سبق الإصرار يتكون من عنصرين:

1- التصميم السابق وهو العنصر الزمني.

2- هدوء البال وهو العنصر النفسي.

وعليه لا يتحقق سبق الإصرار إلا بمضي مدة من الزمن كافية بين عقد النية على ارتكاب الجريمة، وبين تنفيذها، حيث يزن فيها الفاعل خطورة الفعل الذي سيقدم عليه، ويقدر نتائجه، ويصمم على تنفيذه بالرغم مما سيترتب عليه من خرق للنصوص القانونية. وكل ذلك يجري بنزو وتأمل تحيطه الطمأنينة وهدوء البال.

وهذا يدل دلالة واضحة على النفسية الشريرة لدى الجاني، فتكون أشد خطراً من نفسية الجاني الذي ينزلق إلى الجريمة تحت تأثير ثورة غضب آني تضعف من سلطانه على ذاته.

ص: 86


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 م وتعديلاته: 14.

والذي يحدد ويقرر وجود سبق الإصرار من عدم وجوده. هو قاضي الموضوع لدخول ذلك في سلطة محكمة الموضوع.

ويتوفر سبق الإصرار سواء أكان الجاني عيّن شخص المجني عليه أم لم يعين، كما نصت عليه م/33 فقرة (4), ففيها: (يتحقق سبق الإصرار سواء أكان قصد الفاعل من الجريمة موجهاً إلى شخص معين أو إلى شخص غير معين وجده أو صادفه، وسواء أكان ذلك القصد معلقاً على حدوث أمر، أو موقوفاً على شرط)(1).

حيث تظهر الصورة الأولى في قضايا الأخذ بالثأر، إذ يقرر الجاني بينه وبين نفسه أن يقتل كل من يصادفه من العشيرة الفلانية، وأما الصورة الثانية: وهي تحقق سبق الإصرار ولو كان قصد القتل معلقاً على حدوث أمر أو متوقفاً على شرط. وذلك كأن يعزم المدين على قتل أي موظف يحضر إلى محله، ليضع الحجز على أمواله. وبالفعل يحدث الأمر ويأتي الموظف ليحجز، فيطلق عليه المدين النار ويرديه قتيلاً. هنا يسأل هذا المدين عن جريمة قتل مصحوبة بسبق الإصرار.

ويقول بعض الشراح(2): (بالرغم من أن القانون لم ينص صراحة على عدم تأثير الغلط في الشخصية على توافر سبق الإصرار، إلا أن الأمر واضح من روح القانون. فسواء أصاب الجاني غريمه أو أخطأه، وأصاب شخصاًً آخر. فإن القصد متوفر والظرف المشدد أيضاً متوفر إذا كان هناك تصميم سابق مصحوب بهدوء البال على القتل بالرغم من الحيدة في الهدف. وهذا ما يقتضيه المنطق. فطالما لا يؤثر الخطأ في الشخصية، ولا الخطأ في التصويب على قيام القصد الجرمي، لذا فإنهما لا يؤثران أيضاً على قيام الظرف المشدد).

وسبق الإصرار هو ظرف مشدد من الظروف الشخصية التي تتعلق بشخص الجاني، لذا فهو لا يسري على كل من اشترك في الجريمة، أو ساهم بها، لكنه يسري على من تحقق لديه أو علم به.

ص: 87


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 14
2- قانون العقوبات القسم الخاص: 122.

وأما الترصد: فلم يعرفه المشرع العراقي، ولكن عرفه بعض الشراح(1),

بقوله (هو انتظار الجاني في مكان المجني عليه بغية الإجهاز عليه، ويتم الترصد بمباغتة المجني عليه، ومفاجأته بالاعتداء، بحيث لا يتيسر له الدفاع عن نفسه، لذلك يعتبر ظرفاً مشدداً لما يتضمنه من جبن وخبث، وعدم إفساح المجال أمام الضحية للدفاع عن نفسها. ولكونه يسهل عملية الاعتداء وعملية هرب الجاني لعدوه على أثر ثورة نفسية انتابته عقب مشاجرة حصلت بينهما، فيقتله قبل إن تهدأ ثورة الغضب في نفسه. فهنا يسأل الجاني عن جريمة قتل عمد مقترن بظرف الترصد فقط دون سبق الإصرار والترصد في اللغة(2),

والترصدُ: الترقبُ).فمن المفهوم اللغوي وتطبيقات القضاء، ومما ذهب إليه الفقه يقول بعض(3)

الشراح: (نستنتج أن لتحقق الترصد لابد من توفر شرطين هما):

الأول: أن ينتظر القاتل المجني عليه في مكان ما، فترة من الزمن متخفياً أو غير متخف. فمع عدم الانتظار لا يتحقق الترصد.

الثاني: أن يكون الترصد لغرض القتل حصراً. فإذا كان لغرض آخر وتطور الموضوع إلى شجار انتهى بالقتل فلا يمكن اعتبار هذا القتل قد حصل بالترصد.

ويتحقق الترصد حتى لو يقصد شخصاً محدداً أو موقوفاً على شرط، كمن يترصد لقتل أول قادم للقبض عليه، سواء أوقعت النتيجة على الغريم المراد قتله بالترصد، أم على شخص آخر نتيجة خطأ في التصويب أو في الشخصية.

والترصد ظرف عيني(4),

متعلق بالركن المادي للجريمة ولذا يسري على جميع

ص: 88


1- قانون العقوبات القسم الخاص: 122.
2- الصحاح: 386.
3- قانون العقوبات القسم الخاص: 122.
4- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته: 3/36.

المساهمين في الجريمة، علموا أو لم يعلموا. بخلاف سبق الإصرار الذي يعتبر ظرفاً شخصياً.

وبهذا يتضح المقصود من سبق الإصرار والترصد اللذين هما سببان للظرف المشدد. والعبارة عبرت بالعطف ب (أو) وحينئذ يكون كل واحد منهما مستقلاً في كونه ظرفاً مشدداً يستحق الجاني عليه الإعدام.

هذه الفقرة (أ) من المادة (406).

أما الفقرة (ب) من المادة 406:

(إذا حصل القتل باستعمال مادة سامَّة أو مفرقعة أو منفجرة)(1),

المشرع في هذه الفقرة يقصد بالمادة السامة التي تتسبب بالموت عاجلاً أو آجلاً. وقد تكون مواد سامَّة بطبيعتها، سواء أكانت حيوانية أم عضوية أم معدنية. وعليه فإنَّ من أجبر شخصاً على شرب دواء كثير فسبَّب تسممه لا يعد عمله قتلاً بالسم. والسبب هو كون المواد السامة لها قابلية إماتة الخلايا وشل الأعصاب بخلاف غيرها.

وعليه فإن تحديد أن المادة سامة أو لا؟ أمر علمي يحدده أهل الفن طبقاً لسلطة محكمة الموضوع في التقدير. وحتى المواد التي لا تكون سامة بطبيعتها فيمكن في ظروف معينة أن تؤدي إلى الوفاة.

ولأجل أن يكون داسُّ السم قاتلاً عمداً لابد من توفر أركان القتل العمد.

الركن الأول: هو دسّ المادة السامة. فهذا هو الفعل الذي يزهق الروح.

الركن الثاني: وقوعها على إنسان حي وهو محل الجريمة.

الركن الثالث: القصد الجنائي وهو متوفر؛ لاستخدام وسيلة قاتلة بطبيعتها.

ص: 89


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969.

وإذا توفرت هذه الشروط احتاجت إلى علاقة السببية بين دس السم والوفاة, وبهذا نكون أمام قتل عمد يوجب الإعدام بحسب النص القانوني.

وكذلك ألحق النص المادة المفرقعة والمنفجرة. وتسترشد المحكمة بأهل الخبرة من الكيمائيين والأطباء العدليين لتعيين طبيعة المادة المستعملة، ليقرروا هل هي مادة متفجرة أو مفرقعة وهي من سلطة محكمة الموضوع.

فمثالها استدراج الجاني للمجني عليه بواسطة عمل من أعمال التخريب، كوضعه قنبلة أو أية مادة مفرقعة أو متفجرة في سيارته أو في درج مكتبة، أو في أية سيارة أو طائرة أو درج مكتب أو في حفر خندق مثلاً ليقع فيه المجني عليه.

أما الفقرة ج من م / 406:

فقد تناولت القتل العمد لدافع دنيء أو مقابل أجر، أو إذا استعمل الجاني طرقاً وحشيّة في ارتكاب الفعل، حيث نصت (ج– إذا كان القتل لدافع دنيء أو مقابل أجر، أو إذا استعمل الجاني طرقاً وحشية في ارتكاب الفعل)(1).

وشرح هذه الفقرة يعتمد على الباعث الذي قد يكون شريفاً ونبيلاً، وقد يكون شريراً منطوياً على الغدر والخبث والدناءة، حيث يرتكب المجرم جريمته ضد المجني عليه بدناءة أما طمعاً في ماله أو للثأر منه، أو أنه يرتكبها مقابل أجر تافه يتقاضاه ممن يحرضه على ذلك فيقدم على إزهاق روح بريئة. كذلك اشترطت هذه الفقرة في التشديد وقوع القتل باستعمال طرق وحشية، فيدل على قسوة طباع الجاني وعدم مبالاته بحياة الأفراد. والقسوة تدل على شراسة في المجرم وعدم اكتراثه بأرواح الناس مما يجعل وجوده خطراً على المجتمع.

ولذلك حكم المشرع بالإعدام عند توفر أركان هذه الجريمة.

ص: 90


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 114.

أما الفقرة (د) من م/406: (إذا كان المقتول من أصول القاتل)(1).

وكلمة الأصول تعني أصل الشيء وهو منشأه وما يبتني عليه غيره. فهو يشمل الأب وأصوله من الجهتين وان علوا، كأبيه وأمه، وأصول كل منهما. كما يشمل الأم وأصولها كأبيها وأمها، وأصل كل منهما.

فالنص يعني أن يكون المقتول من أصول القاتل. فإما أن يكون أباً أو جداً له، أو أمَّاً أو جدَّة له. ولا يسري هذا الحكم ولا يتوافر ظرف التشديد إذا كان القاتل ابناً بالتبني أوابناً غير شرعي لأحد هؤلاء. وكذا الأمر إذا قتل الجاني زوج أمه أو زوجة أبيه؛ لأن هؤلاء ليسوا من أصوله.

فإذا تعدد الفاعلون وكان القتيل أصلاً لأحدهم، طبقت القواعد العامة في الاشتراك والتعدد.

أما إذا تعدد الفاعلون الأصليون، فلا يتعدى أثر هذا الظرف المشدد إلى الباقين. وإن كان ثمَّة فاعل أصلي هو القاتل لأصله وشريك. فإنَّ الظرف المشدد لا يسري على الشريك إلا إذا كان عالماً به وقت اشتراكه، أي إذا كان علم الشريك أنه يشترك مع شخص يريد قتل أبيه أو أمه أو جده أو جدته أو نحو ذلك.

فإن كان الشريك هو ابن المجني عليه، والفاعل الأصلي شخصاً أجنبياً عنه، فلا يعاقب الشريك إلا على اشتراك في قتل عمد, لأن الشريك يستمد إجراميته من الفاعل الأصلي. وجريمة قتل الأصول ذات صفة خاصة. والمشرع العراقي يعتبرها ظرفاً مشدداً شأنها شأن باقي الظروف المشددة وعقوبتها الإعدام(2).

أما الفقرة (ﻫ ) من م / 406:

فإنَّها تنص (ﻫ - إذا وقع القتل على موظف أو مكلف خدمة عامة أثناء تأدية

ص: 91


1- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته: 3/45.
2- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته: 3/45.

وظيفته أو خدمته أو بسبب ذلك)(1), تعتبر هذه الفقرة القتل الواقع على موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء تأديته وظيفته أو خدمته أو بسبب ذلك، ظرفاً مشدداً للقتل العمد.

والقصد من ذلك حماية الموظف العمومي، أو المكلف بخدمة عامة، وتمكينه من القيام بواجباته الرسمية على الوجه الأكمل؛ لأن الموظف هو الممثل الحقيقي للدولة، وهو المكلف بإدارة أمورها للنفع العام.

ولا يشترط إن يكون الموظف قد قتل أثناء تأدية وظيفته، بل يكفي لتطبيق النص أيضاً إذا كان القتل بسبب الوظيفة. ولا يشترط وجوب تحقيق توافر الظرفين معاً.س: من هو الموظف؟ ومن هو المكلَّف بخدمة عامة؟

ج: تعرَّض المشرّع العراقي إلى تعريف الموظف في مجال تطبيق أغلب التشريعات التي تتعلق بالوظيفة العامة، إلا أنه لا يوجد تعريف عام يعتبر أصلاً للرجوع إليه في تعريف الموظف, ولكن الفقه عرف الموظف بأنه (كل شخص عهدت إليه وظيفة داخلة في الملاك الدائم للمرفق العام)(2).

أمّا المكلف بخدمة عامة فقد تعرضت له م /19 فقرة (2) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته.

فقرة (2) حيث نصت (2- المكلف بخدمة عامة كل موظف أو مستخدم، أو عامل أنيطت به مهمة عامة في خدمة الحكومة ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية والمصالح التابعة لها، أو الموضوعة تحت رقابتها. ويشمل ذلك رئيس الوزراء ونوابه والوزراء، وأعضاء المجالس النيابية والإدارية والبلدية، كما يشمل المحكمين والخبراء والوكلاء الدائميين (السنديكيين) والمصنفين والحراس والقضائيين وأعضاء مجالس إدارة، ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت التي

ص: 92


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 114.
2- قانون العقوبات القسم الخاص: 19.

تساهم الحكومة، أو إحدى دوائرها الرسمية أو شبه الرسمية في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت, وعلى العموم كل من يقوم بخدمة عامة بأجر أو بغير أجر(1).

وهنا يطرح سؤال وهو أن المحامي أثناء تأديته وظيفته هل يعتبر بمنزلة الموظف العام أم لا؟

ج: قانون المحاماة ينص على عقاب من يعتدي على محام أثناء تأدية أعمال مهنته، أو بسب تأديتها بنفس العقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف عام أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها.

ولمعرفة ما إذا كان الموظف يؤدي وظيفته أم لا؟

يجب الرجوع إلى القوانين والأنظمة والتعليمات التي تحدد مركز هذا الموظف، وتحدد واجباته واختصاصات وظيفته. وعليه إذا ادعى موظف إن له اختصاصاً ليس له في الحقيقة، وأراد مزاولته، فقتل، فلا يسري هنا الظرف المشدد, وتطبق القواعد العامة المقررة للاشتراك في القانون إذا قتل أحد موظفاً عمومياً أو مكلفاً بخدمة عامة. وهو عالم بصفته أثناء تأديته لأعمال وظيفته أو بسببها، واشترك معه شخص أو أشخاص في ارتكاب هذه الجريمة مع علمهم جميعاً بهذه الصفة(2).

أما إذا وقع القتل على الموظف العام، أو المكلف بالخدمة العامة من قبل فاعلين أصليين، وكان أحدهم يعلم بهذه الصفة، أو ارتكب الجريمة فاعل أصلي يعلم بهذه الصفة، وشريك لا يعلم بها، أو العكس بالعكس.

ذهب الشراح إلى إن ظرف التشديد لا يسري إلا على من كان عالماً بهذه الصفة ولا يسري على الباقين الذين يجهلونها. فإذا كان الفاعل الأصلي يعلم، فالشريك إما أن يكون عالماً بشخصية الموظف أو بسبب الجريمة، أو يكون جاهلاً بهما. فإن كان عالماً فعقابه عقاب الفاعل الأصلي. وإن كان غير عالم فلا يسري عليه ظرف

ص: 93


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 9.
2- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته: 3/47.

التشديد. وإذا كان الشريك وحده هو الذي يعلم بصفة الموظف، أو يسر في نفسه سبب الحادثة الناشئة عن أداء الوظيفة فظرف التشديد يسري عليه وحده, ولا يسري هذا الظرف المشدد في حالتي الخطأ في الشخصية أو الخطأ في التصويت, وعقوبة هذا الظرف الإعدام(1).

أما الفقرة (و) من م / 406:

تنص (إذا قصد الجاني قتل شخصين، أو أكثر فتم ذلك بفعل واحد)(2).

والفقرة ( ز ) من م/406:

تنص (إذا اقترن القتل عمداً بجريمة أو أكثر من جرائم القتل عمداً أو الشروع فيه)(3).

والفقرة (ح) م /406:

تنص (إذا ارتكبت القتل تمهيداً لارتكابه جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو تسهيلاً لارتكابها أو تنفيذاً لها أو تمكينها لمرتكبها أو شريكه على الفرار أو التخلص من العقاب)(4).

هذه الفقرات الثلاث بحثت عن صورتي التعدد للجرائم. وتعدد الجرائم على قسمين:

الأول: إن يكون صورياً معنوياً، أو ذهنياً، وهذا ما عنته فقرة (و).

ص: 94


1- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته: 3/48.
2- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 114.
3- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 114.
4- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 114.

الثاني: التعدد الحقيقي أي التعدد المادي أو الفعلي. وهو ما عنته الفقرة (ز) أو عبارة (أو تنفيذاً لها.. الخ) الواردة في الفقرة (ح).

أما الفقرة (ط):

تنص (إذا كان الجاني محكوماً عليه بالسجن المؤبد عن جريمة قتل عمدي، وارتكب جريمة قتل عمدي، أو شرع فيه خلال مدة تنفيذ العقوبة)(1).

والعلّة في التشديد في هذا الظرف ترجع إلى أن الشخص المحكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، إنما يعتبر من المجرمين الخطرين الذين ارتكبوا جرماً خطيراً، وحكم عليه بأقصى عقوبة بعد الإعدام. فإذا أقدم بعد ذلك على ارتكاب جريمة قتل عمدي أو شرع في ارتكابها. فإنما هو يثبت أنه شخص لا أمل ولا رجاء في إصلاحه، وأن بقاءه يعتبر خطراً على المجتمع. فلابد إذن من استئصاله من المجتمع بتنفيذ عقوبة الإعدام علنية لكون هذه العقوبة رادعاً لأمثاله من المجرمين الخطرين ولتجعل حداً لإجرامهم.

وإنما يطبق عليه ذلك الظرف المشدد إذا ثبت حكمه المؤبد على نحو البتات، أي اكتسب الدرجة النهائية، وأن القتل العمدي قد وقع بعد الحكم النهائي. فإذا لم يكن الحكم قد أصبح نهائياً وارتكب القتل، أو الشروع فيه، فلا ينطبق هذا الظرف المشدد. إذ من الجائز أن يقدم المتهم طعناً في الحكم، ويقبل طعنه ويبرأ. وحتى لو فرضنا إن المحاكمة عن القتل أو الشروع فيه لم تبدأ إلا بعد أن رفض الطعن وأصبح الحكم نهائياً، فلا يطبق هذا الظرف كذلك. إذ العبرة في قيامه بوقت ارتكاب الجريمة(2).

أما الفقرة (2) من م/406:

فتنص على (2- وتكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد في الأحوال التالية:

ص: 95


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 114.
2- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته: 3/50.

أ- إذا قصد الجاني قتل شخص واحد فأدّى فعله إلى قتل شخصين أو أكثر.

ب- إذا مثل الجاني بجثة المجني عليه بعد موته.

ج - إذا كان الجاني محكوماً عليه بالسجن المؤبد في غير الحالة المذكورة في الفقرة (1- ط) من هذه المادة، وارتكب جريمة قتل عمدي خلال مدة تنفيذ العقوبة).

الفقرتان (أ و ب) تعنيان التعدد الصوري أو الحقيقي للجرائم. وهذا ما أشرنا إليه عند شرحنا للفقرتين (ز و ح).

أما الفقرة (ج) فهي لا تختلف في شرحها عن الفقرة ط (1).

ولكن أقول إن الفقرة (ب) تتكلم عن المثلة بالجثة. والمثلة إنما تصدق إذا كان الفعل بعد الموت، وأما ما قبل الموت فيصدق عليه تعذيب لا تمثيل؛ لأن التمثيل بالجثة يصدق بعد الموت كأن يسمل عيونه أو يقطع أذنه أو غير ذلك.أما المواد / 407 و 408 و 409 فأنها تذكر جرائم القتل العمد المقترنة بعذر قانوني مخفف.

أما م / 407:

(تعاقب بالسجن مدّة لا تزيد على عشر سنين، أو بالحبس مدّة لا تقل عن سنة الأم التي تقتل طفلها حديث الولادة اتقاءً للعار إذا كانت قد حملت به سفاحاً)(2).

الطفل الحديث العهد بالولادة هو الصغير بعد الولادة لمدة معقولة لا تتجاوز مدة النفاس. واشترط إن تكون قد حملت به سفاحاً، فلأجل إن تخفي خطيئتها قامت بقتل المولود. فالمشرع جعل هذا العذر وهو اتقاء العار ظرفاً مخففاً. وهذا مبني على

ص: 96


1- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته: 3/50.
2- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 115.

شرفية حياة الأم على المولود فهي لكي تحافظ على نفسها وبقائها ارتكبت هذا القتل. فالمشرع اعتبر هذا عذراً قانونياً مخففاً.

ويمكن أن يكون لتطبيق هذا النص الأركان التالية:

1- حصول القتل.

2- وقوعه من الأم على الطفل حديث العهد بالولادة.

3- توافر شرط غسل العار إذا كانت قد حملت به سفاحاً.

فمع اختلال أي من هذه الأركان لا يجوز تطبيق النص.

والمادة 408:

نصت (1- يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات من حرض شخصاً، أو ساعده بأية وسيلة على الانتحار. إذا تم الانتحار بناء على ذلك. وتكون العقوبة الحبس إذا لم يتم الانتحار، ولكن شرع فيه.

2- إذا كان المنتحر لم يتم الثامنة عشرة من عمره، أو كان ناقص الإدراك أو الإرادة. عد ذلك ظرفاً مشدداً.

ويعاقب الجاني بعقوبة القتل عمداً أو الشروع فيه بحسب الأحوال, إذا كان المنتحر فاقد الإدراك أو الإرادة.

3- لا عقاب على من شرع في الانتحار)(1).

الانتحار هو أن يقتل الشخص نفسه. فيجب لتحقق القتل إذاً وقوع الانتحار. وسبب الانتحار هو التحريض أو المساعدة. ومع عدم هذين الأمرين - وهما الانتحار والمعاونة والتحريض- لا عقاب.

ص: 97


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 115.

والمشرع عاقب على ذلك؛ لأنه ليس هناك فرق كبير بين من يقتل الشخص تلبية لطلبه، وبين من يحرضه ويساعده على الانتحار. والانتحار كالقتل. فهما في جوهرهما اعتداء على الحياة وإهدار لحياة الإنسان الحي.

فإذا كان التحريض سبباً للانتحار، وتم الانتحار. فعقاب المحرض جريمة تامة (إذا تم الانتحار بناء على ذلك).

أما إذا لم ينجح، أي لم يتم الانتحار، فيعاقب الشريك بعقاب الشروع (إذا لم يتم الانتحار، ولكن شرع فيه).

ولتحقق العقاب يجب إن يكون الانتحار الذي وقع نتيجة للتحريض والمساعدة.

وأما إذا كان المنتحر هو الذي قام بالانتحار، أو شرع فيه دون مساعدة أو تحريض فلا عقاب عليه.

المادة/ 409:

وهو أيضاً ظرف مخفف:

(يعاقب بالحبس مدَّة لا تزيد على ثلاثة سنوات من فاجأ زوجته، أو إحدى محارمه في حالة تلبسها بالزنا، أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال، أو قتل أحدهما، أو اعتدى عليهما أو على أحدهما اعتداءً أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة)(1).

لاحظ المشرع العراقي القتل في سبيل الشرف غسلاً للعار، واعتبره ظرفاً مخففاً. وشرف المرء لا شك أعز شيء في حياته وهو بمستوى دينه. فتصبح الأرواح والأموال رخيصة أمامه، وحتى في الدول المتقدمة في الحضارة كسويسرا وانكلترا وفرنسا قد أخذت بهذه الناحية وأولتها عظيم اهتمامها في تشريعاتها.

ص: 98


1- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته: 145.

وأما الزوجة فالظاهر هي الزوجة الدائمة دون الزوجة بالعقد المؤقت، ولكن هل يشمل هذا النص الزوجة التي عقد عليها شرعاً ولم يعقد عليها قانوناً، أو هل يشمل الزوجة عرفاً(1)

التي لم تعقد شرعاً ولا قانوناً، أو عقدت قانوناً ولم تعقد شرعاً؟

بالتأكيد يشمل الزوجة التي عقدت قانوناً ولم تعقد شرعاً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا كان القانون لا يقر بالزوجية العرفية والشرعية، فالنص لا يشملهما. والذي يبدو لي في هذه الحالة هو ثبوت الزوجية سواء أكانت عقدت قانوناً أم لا, لأن المشرّع العراقي لا يعتبر العقد الشرعي غير قانوني، وإنما يحتاج إلى مصادقة لتثبيت الحقوق. ومن هنا فالنص يشمل هذه الاحتمالات. فالمراد بالزوجية المطلقة أي صدق الزوجية عليهما. فمن زف أمام الناس ولم يعقد لا شرعاً ولا قانوناً فهو زوج بحكم العرف. فلأجل إثباته قانوناً يحتاج إلى بينة؛ لإعطائه حجة زواج.

وحينئذ تصدق على المطلقة رجعياً التي ما زالت في العدة، وأما قوله محارمه فالمحارم منها ما يكون أصلاً وذاتاً، ومنها ما يكون عرضاً، فالمحارم النسبية أصلية، وأما السببية كالرضاع والزواج فهما عرضيان. فهل النص يشملهما أم لا؟

فمن جمع أخت زوجته التي هي محرّم عليه جمعها مع زوجته. هل يشمله النص أم لا؟

النص لم يشر إلى ذلك إما اعتماداً على العرف في ذلك, وإما اعتماداً على الشريعة. وكان الأولى به أن يقيد المحارم بالنسبية، لتخرج أم الزوجة وأختها وزوجة الأب وزوجة الابن والأم المرضعة وابنتها وهكذا.

وأما إطلاق النص فإنه يشمل كل المحارم السببية والنسبية.

والتلبس بالزنا معروف وهو دخول الميل في المكحلة أي في حالة الجماع. وهذه حالة دقيقة يصعب إثباتها، ولذلك توسع المشرّع العراقي في ذلك وقال (أو وجودها

ص: 99


1- وهي التي زفت إلى رجل من دون العقد الشرعي جهلاً بالحكم.

في فراش واحد مع شريكها) أي النص يشمل من رأى حالة الجماع, أو لم ير ذلك، وإنما وجدهما في فراش واحد سواء أكان قد جامعها أم لا؟

ثم فصل فعل الجاني سواء أكان قتلاً فهو ظرف مخفف، أو جعل فيهما أو في أحدهما عاهة مستديمة فهو ظرف مخفف.

ويمكن بعد هذا أن نذكر أن المشرّع العراقي وإن أعطى حق الدفاع عن الشرف والعرض غاية الدفاع. وهي كون دفاعه أدى إلى إزهاق الروح لإنسان حي، إلا أنه قيده بشرائط قانونية معينة حتى لا يتجاوز في استعماله هذا الحق حدود الإنسانية والخلق الكريم. فاشترط لتطبيق هذا النص توافر ثلاثة شروط:الأول: أن يكون هناك قتل.

الثاني: أن يكون القاتل زوجاً أو محرماً والمقتول زوجته أو إحدى محارمه.

الثالث: أن يقع القتل في الحال عند المفاجأة بالزنا، وعند التلبس به، أو حال وجود الزوجة، أو إحدى المحارم في فراش واحد مع عشيقها أو شريكها.

ولم يحدد المشرع العراقي الوسيلة التي تؤدي إلى القتل. فيشمل من استعمل سلاحاً نارياً أو سكيناً أو الضرب بالعصا أو المسحاة، أو بالخنق أو غير ذلك من وسائل القتل.

فلا ظرف مشدد لأي وسيلة من هذه الوسائل.

وسواء أدى ذلك إلى الوفاة أم إلى عاهة مستديمة، فهو ظرف مخفف، وهذا آخر نص في القتل العمد.

ص: 100

المصادر والمراجع

1- القرآن الكريم.

2- الأنوار لأعمال الأبرار في فقه الإمام الشافعي, العلامة يوسف الأردبيلي.

3- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي, عبد القادر عودة, ط أولى, مطبعة الكاتب العربي – بيروت.

4- تفسير شبر, السيد عبد الله شبر, دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان, ط ثالثة 1377ﻫ/ 1977م.

5- تنوير الحوالك على موطأ مالك, جلال الدين السيوطي.

6- الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة, ملا صدر الدين محمد الشيرازي, ط رابعة 1410ﻫ - 1990م, مط دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان.

7- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية, زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني, ط أولى, مطبعة ثامن الحجج.

8- الزبدة الفقهية في شرح الروضة البهية, السيد محمد حسن ترحيني العاملي, ط4 مط دار الهادي بيروت لبنان.

9- شرح شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام, السيد عبد الزهراء الحسيني, ط أولى.

10- شرح قانون العقوبات الجديد, حميد السعدي, مط المعارف 1976م – 1967م.

11- شرح قانون العقوبات العراقي وتعديلاته, د. عباس الحسني, مطبعة العاني, بغداد.

12- الصحاح, الجوهري, نديم مرعشلي وأسامة مرعشلي, ط أولى.

ص: 101

13- قانون العقوبات القسم الخاص, أ.د. واثبة داود السعدي, بغداد 1988م – 1989م.

14- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 م وتعديلاته, القاضي نبيل عبد الرحمن حياوي, ط ثانية 2006م مط المكتبة القانونية بغداد.

15- القسم الخاص في قانون العقوبات, د. رمسيس بهنام, ط أولى 1988م, مط دار المعارف في مصر.

16- الكتب الأربعة (الكافي – من لا يحضره الفقيه – التهذيب - الاستبصار) تنظيم برزكر بفروبي ط أولى 1424ﻫ 2003م مط تكي – قم .

17- المبادئ العامة في قانون العقوبات الجديد, أ.د. علي حسين خلف و أ.م.د. سلطان عبد القادر الشاوي, مط المكتبة القانونية بغداد.

18- مباني تكملة المنهاج, زعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي, مط الآداب, النجف الاشرف.

19- مسالك الأفهام في تنقيح شرائع الإسلام, زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني, ط أولى 1419ﻫ, مطبعة باسدار إسلام قم.

20- المعجم الموضوعي لنهج البلاغة, اويس كريم محمد, ط أولى.

21- المغني, ابن قدامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن احمد المقدسي, ط 1425ﻫ - 2004م, مطبعة دار الحديث القاهرة.

22- المنجد في اللغة, لويس اليسوعي, ط تاسعة 1937 مط الكاثوليكية بيروت.

23- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام, السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري, مط الآداب, النجف الاشرف سنة 1986م – 1406ﻫ.

24- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة, الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي, الطبعة الخامسة (الاسلامية), دار احياء التراث العربي.

ص: 102

حدود مرجعية العرف - السيد محمد البكاء

اشارة

لاشك ان من أبرز البحوث التي تدور حولها سجالات كثيرة في المحافل الدينية والقانونيّة هو موضوع العرف، بل لا تكاد مسألة أو موضوع فقهي أو أصولي إلاّ والكلام حول ثنايا العرف أو الاستدلال به له الحظ الأوفر منها ..

وهذه الدراسة تتضمن مبحثين: الأول موجز عن حقيقة العرف والارتكاز العرفي ومبنى حجيّته، والثاني تفصيليّ في تحديد المجالات العامة للتدخّل العرفي، حيث ان للعرف تدخّلاً في كلٍّ من: مجال التشريع، والاعتبار العرفي، والفهم العرفي، ومجال النظر العرفي وسعة حدوده .

ص: 103

ص: 104

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين

والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد:

يمثّل النص عنصراً أساسياً مقوماً لعملية الاستنباط الفقهي والقانوني، وحيث كانت النصوص متناهية والوقائع لا متناهية كان لابد وأن تخرج هذه النصوص عن خصوصيتها في مواردها لتمثّل عنصراً مشتركاً في استنباط أحكام متعددة. والعرف هو أحد عوامل التعميم في النص لغير المورد الذي ورد فيه النص، والذي يعتمد على الظهور العرفي بشكل أساس دون أن يكون هذا التعميم معتمداً على وسائل التعميم المتعارفة عند الفقهاء والأصوليين كالعموم والإطلاق اللفظي أو المقامي، بل هو عامل آخر يسهم إسهاماً حقيقياً في الدراسات والبحوث الفقهيّة التي يكون الفقيه فيها بصدد إحراز الملاكات واستنباط الأحكام، كما أنه يغيّر من موقف الفقيه إزاء التعاطي مع النصوص، بل قد يكون تغيّر الأعراف والسيرة موجباً للّبس, فيقع كثير من الناظرين في الأخبار والآثار في الخطأ والاشتباه.

يضاف الى ذلك أن جملة من المفاهيم كانت تتغير باستمرار تحت وطأة الزمان والمكان. الأمر الذي جعلها سبباً لاختلاف الفقهاء والأصوليين والقانونيين.

ولاشك أن من أبرز البحوث التي تدور حولها سجالات كثيرة في المحافل الفقهيّة والقانونيّة هو موضوع العرف، بل لا تكاد مسألة أو موضوع فقهي أو أصولي إلاّ والكلام حول ثنايا العرف أو الاستدلال به له الحظ الأوفر منها ..

ولعل هذا البحث المتواضع وإن لم يأت بالجديد، ولكنه قد يسهم - وباختصار- في تسليط الضوء على أهم المسائل المتعلقة بالعرف وحدود مرجعيته.

ص: 105

كما أنه معقود لبيان آراء علمائنا الذين يرون حجية العرف في الجملة، لا بالجملة كما هو رأي أكثر العامة والجماعة الذين جعلوه أصلاً أصيلاً.

ثم إن البحث يشتمل على مبحثين:

الأول تمهيديّ، ويتضمن مطلبين:

الأول في معنى الارتكاز العرفي لغة واصطلاحاً.

والثاني بحث كبروي موجز عن مبنى حجيّة العرف.

وأما المبحث الثاني، فهو حول المجالات العامة للتدخّل العرفي، وهي على الإجمال أربعة: التشريع العرفي، والاعتبار العرفي، والفهم العرفي، والنظر العرفي من حيث سعة حدود مرجعيّته ..

وما توفيقي الاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

ص: 106

المبحث الأول (تمهيدي): في حقيقة العرف عند الأصوليين

اشارة

ذكرت للعرف تعاريف مختلفة، ولعل أفضلها - كما قيل- ما ذكره الأستاذ خلاف: (العرف ما تعارفه الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك)(1).

وإن شئت قلت: العرف: هو كل ما اعتاده الناس وساروا عليه باعتباره قانوناً غيرَ مدوّن من فعل شاع بينهم أو قول تعارفوا عليه .

والعرف - على الإجمال - هو ما تعارف عليه الناس وجروا عليه وفق طباعهم, أو عاداتهم أو إدراكهم للأشياء من غير أن يختصّ به شخص أو أشخاص معدودون، بل يكون ذلك ظاهرة نوعيّة واجتماعية باختلاف مستوياتها وعلى نحو العموم .

ويكون العرف بهذا المعنى ذا أصول ضاربة في نفوس تلك الفئة, وفي أثر الغرائز والعادات والتلقيات التي تربّوا عليها. ومن ثمّ قد يعبّر عن العرف في كلمات المتأخرين بالارتكاز العرفي.وعلى ضوء ما تقدم ينبغي التمهيد ببيان المقصود من الارتكاز لغةً واصطلاحاً:

المطلب الأول: في بيان المقصود من الارتكاز عند الأصوليين

ليس للبحث عن الارتكاز موطن خاص عند الأعلام، لأن الأصوليين لم يبحثوا في ذلك, وإنما اعتبروه من الأدلة - إجمالا - في كتبهم الفقهية والأصولية، ومن جملة

ص: 107


1- علم الأصول, عبد الوهاب خلاف: 99.

ذلك البحث عنه في دليلية السيرة على حجية الخبر الواحد وموضوع الاستصحاب.. فأقول:

1- (الارتكاز لغة): وهو من الركز: وهو الصوت الخفي. قال الله تعالى: [أو تسمع لهم ركزا]. والركاز: دفين أهل الجاهلية، كأنه ركز في الأرض ركزا. وفى الحديث: (في الركاز الخمس). تقول منه: أركز الرجل، إذا وجده. و يقال: ركزت الرمح، أي: غرزته في الأرض، وركز شيئا في شيء: أقره وأثبته فيه، ولذلك يقال للمعدن: ركاز

لأنه ثابت ومستقر في باطن الأرض، ويقال للثابت في العقول: مركوز فيها، والارتكازي: الأمر المركوز في العقول(1).

والارتكاز إجمالاً: هو ارتكاز مفهوم خاص في ذهن طائفة من الناس أو أغلبهم أو كلهم. فالمفهوم المرتكز في الأذهان قد يكون مفهوما نظرياً صرفاً، مثل ارتكاز أن الاثنين أكثر من الواحد، وقد يكون مفهوماً نظرياً يبتني عليه العمل، مثل ارتكاز حجية قول الثقة وإخباره عند عقلاء العالم، فإنهم يبنون حياتهم المعيشية وأعمالهم على هذا الأصل المرتكز في أذهانهم. ومثل ارتكاز حرمة الكعبة والقرآن عند المسلمين قاطبة، فإنهم يعملون طبقا لهذا الارتكاز، ويلومون أشد اللوم من يهتك حرمتهما ولم يحفظها. ومثلهما حرمة الأئمة K عند الإمامية.

2 - (منشأ الارتكاز): ويمكن أن يكون منشأ الارتكاز أحد الأمرين التاليين:

أولهما: الفطرة والغريزة، فهناك أمور فطرية وغريزية مركوزة في أذهان جميع أفراد الإنسان، قال الشيخ الطوسي (قدس سره): (الطريق إلى معرفة الأشياء أربعة لا خامس لها: أولها، أن يعلم الشيء ضرورة، لكونه مركوزا في العقول، كالعلم بأن الاثنين أكثر من واحد)(2). وجعل في مكان آخر: (قبح التكليف بما لا يطاق مما هو مركوز في

ص: 108


1- يلاحظ: الصحاح (3/880). لسان العرب (5/3). العين (5/3). تاج العروس (8/71-73). مجمع البحرين (4/21-22).
2- الاقتصاد: 9.

الأذهان أيضَا)(1). وقال الشهيد بالنسبة إلى النية: (إنها مركوز في جبلة العقلاء، حتى أن الإنسان لا يكاد يفعل فعلا خالياً عن القصد والداعي)(2). وقيل: (إن العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتى الحيوانات)(3).

ثانيهما: القوة التشريعية: فربما يحصل الارتكاز على أثر القوة التشريعية، ومهما كانت هذه القوة أكثر نفوذا في القلوب كان الارتكاز أكثر عمقاً ودواماً، وأما لو كانت قوة قهرية غير نافذة في القلوب فلا تتحقق الأرضية المناسبة للارتكاز، بل ربما يسير الناس وفق القوة القهرية, لكن من دون حصول ارتكاز أصلا.

وقد أشار المحقق النائيني (قدس سره) الى الأمرين معاً قائلاً: (إن مبدأ الطريقة العقلائية لا يخلو: إما أن يكون لقهر قاهر وجبر سلطان جائر قهر جميع عقلاء عصره على تلك الطريقة واتخذها العقلاء في الزمان المتأخر طريقة لهم واستمرت إلى أن صارت من مرتكزاتهم، وإما أن يكون مبدؤها أمر نبي من الأنبياء بها في عصر حتى استمرت، وإما أن تكون ناشئة من فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما أودعها الله تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة حفظا للنظام. ولا يخفى بعد الوجه الأول، بل استحالته عادة، وكذا الوجه الثاني، فالمتعين هو الوجه الثالث)(4). ومقصوده من نفي أن يكون النبي سبباً للارتكاز إنما هو بالنسبة للمرتكزات العقلائية - التي هي محل الكلام عنده - لا المرتكزات الشرعية فإنها لا بد من أن تنتهي إلى تشريع الأنبياء كما هو واضح.

وقال بعض الأعلام (قدس سره) بالنسبة إلى منشأ ارتكاز المتشرعة: (وتكوين الارتكاز في نفوس الرأي العام لا يحتاج من وجهة نفسية إلى أكثر من إمرار فتوى ما في جيلين أو ثلاثة على الحرمة مثلاً، ليصبح ارتكازاً في نفوس العاملين عليها)(5).

ص: 109


1- المصدر السابق: 61.
2- روض الجنان: 259.
3- فرائد الأصول (2/582).
4- فوائد الأصول (3/192-193).
5- الأصول العامة للفقه المقارن: 201.

وقال في موضع آخر: (والظاهر أنهم يريدون به بالإضافة إلى توفر السيرة على الفعل أو الترك بالنسبة إلى شيء ما، شعور معمق بنوع الحكم الذي يصدر عن فعله أو تركه المتشرعون لا يعلم مصدره على التحقيق)(1).

ويلاحظ أن بعض الارتكازات قد تمثّل مادة تشريعيّة مستقلة، وأخرى قد تكون عاملاً مساعداً على فهم النص. وذلك كما في مناسبات الحكم والموضوع الارتكازية التي يتداولها الفقهاء والأصوليون. فإنها من القرائن ذات الشعور المعمق بنوع الحكم المتوافق والمتناسب مع الموضوع.

ومما ذكرنا يمكن تقسيم الارتكاز - بحسب من يتحقق فيهم - إلى أربعة أقسام:

1 - ارتكاز العقلاء: وذلك إذا كان من تحقق فيهم الارتكاز هم العقلاء بما هم عقلاء، مع غض النظر عن دينهم كارتكاز قبول خبر الثقة عندهم .

2 - ارتكاز العرف -لا بما هم عقلاء أو مسلمون-: وذلك كما في نشوء الارتكاز عن عوامل أخرى توجب تكوّن العادات والتقاليد الجارية عندهم، سواء أكانت تلك العوامل قانوناً سابقاً أم مشاعر أم عواطف انسانيّة أم غير ذلك.

3 - ارتكاز المسلمين: ويتحقق ذلك فيما إذا كان المرتكز عند المسلمين بما هم مسلمون مع غض النظر عن مذاهبهم الخاصة بهم، كارتكاز لزوم استقبال القبلة عند الصلاة عندهم، فهذا الارتكاز موجود مع غض النظر عن الأدلة القائمة على ذلك، وكارتكاز حرمة هتك القرآن والكعبة .

4 - ارتكاز المتشرعة - ومنه مناسبات الحكم والموضوع الارتكازية -: ويقصد به ما هو المرتكز عند خصوص الملتزمين بالمذهب والمتشرعين، كارتكاز مطلوبية استقبال القبلة حال النوم، ومذمومية حلق اللحية عندهم.

ص: 110


1- المصدر السابق: 200.

المطلب الثاني: في حجية العرف: سيرة العقلاء، سيرة المتشرعة، ارتكاز المتشرعة

لا خلاف بين الأعلام في حجية العرف في الجملة, سواء أكان متمثلاً بسيرة العقلاء أم بسيرة المتشرعة ..

أما (بناء العقلاء) فحجيته إنما تتم إذا تمّ كشفه عن مشاركة المعصوم لهم في هذا الصدور فيما تمكن فيه المشاركة، أو إقراره لهم على ذلك فيما لم تمكن فيه. وسرّ احتياجنا إلى الكشف عن مشاركة المعصوم، أو إقراره ولو من طريق عدم الردع فيما يمكنه الردع عنه مع اطلاعه عليه، أن هذا البناء ليس من الحجج القطعية في مقام كشفه عن الواقع، لجواز تخطئة الشارع لهم في هذا السلوك.

والفرق بينه وبين حكم العقل: أن العقل إذا حكم في مورد فإن حكمه فيه ناشىء عن اطلاع على المصلحة أو المفسدة الواقعية، وهذا بخلاف بناء العقلاء فإنه لا يشترط فيه ذلك, لكونهم يصدرون عنه صدوراً تلقائياً غير معلل، فهو لا يكشف عن واقع متعلقه من حيث الصلاح والفساد، ولعل قسماً كبيراً من الظواهر الإجتماعية منشؤها هذا النوع من البناء. ومع عدم كشفه عن الواقع فهو لا يصلح للاحتجاج به على المولى لكونه غير ملزم له، ومع إقراره أو عدم ردعه, أو صدوره هو عنه يقطع الإنسان بصحة الاحتجاج به عليه.

وأما (حجية سيرة المتشرعة): فهي إنما تكون بعد إثبات امتدادها تأريخيا إلى زمن المعصوم, وإثبات مشاركته لهم في السلوك فيما يمكن صدوره منه أو إقرارها من قبله، ولو من قبيل عدم ردعه عنها مع إمكان الردع والاطلاع عليها فيما لم يمكن صدورها منه. ومع عدم إثبات ذلك لا مجال للتمسك بها بحال، وما أكثر السير المنقطعة من وجهة تأريخية لكونها حادثة، أو لا يمكن إثبات امتدادها لذلك الزمن، والمقياس في حجيتها كشفها عن فعل المعصوم أو إقراره كشفاً قطعياً ليصح الاحتجاج بها. وبهذا ندرك قيمة ما يحتج به أحيانا من ادعاء قيام السيرة القطعية على فعل شيء

ص: 111

أو تركه, مع عدم إمكان إثبات امتدادها تأريخياً إلى زمن المعصوم، وقد يكون منشؤها فتوى سائدة يمر عليها جيل أو جيلان، تتخذ طابع السيرة لدى الناس, بل وكثير من الأعراف والعادات التي تشيع في بلد ما، أو بيئة معينة حسابها نفس هذا الحساب، وإن أصبح لها في نفوس العوام طابع الشعار المقدس .

وعلى أي حال فما كشف عن السنة منها قولاً أو فعلاً أو إقراراً، كان حجة، وإلا فلا دليل على حجيته قطعاً، لوضوح أن كل حجة لا تنتهي إلى القطع فهي ليست بحجة، وأن الشك في حجية شيء ما كاف للقطع بعدمها .

والفرق بين سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة: أن السيرة المتشرعية لا احتمال للردع فيها من قبل الشارع, لأنها إذا كانت صادرة عن منشأ شرعي فيها فهو منتف، وهذا بخلاف السيرة العقلائيّة لأن المنشأ فيها ليس شرعياً فاحتمال الردع فيها يبقى وارداً.

وأما (حجية الارتكاز): فحكمها حكم السيرة من حيث الحجية، فإذا كان الارتكاز متصلاً بزمان أحد المعصومين وكان بمرأى ومسمع منه ولم ينه عنه مع تمكنه منه يكون حجة، وإلاّ فالارتكاز الحاصل بعد زمان المعصومين لا يكون حجة إلا إذا أحرز رضاه بذلك بطريق ما، وهو بعيد عادة. وشأن الارتكاز شأن سائر الأدلة اللبية - كالإجماع والسيرة- من حيث إنها لا تدل إلاّ على القدر المتيقن، وليس فيها إطلاق.

نعم الفارق بين الارتكاز وبين سيرة العقلاء والمتشرعة: أن سيرة العقلاء أو المتشرعة بحكم كونها فعلاً أو تركاً لا لسان لها، فهي مجملة من حيث تعيين نوع الحكم، وإن دلت على جوازه بالمعنى العام عند الفعل, أو عدم وجوبه عند الترك، لكن ارتكاز المتشرعة بمقتضى مناسبات الحكم والموضوع يعين نوعه من وجوب أو حرمة أو غيرهما.

ص: 112

المبحث الثاني: المجالات العامة للتدخّل العرفي

إن الانطباعات التي لها نحو عموم سواء أكانت نظريّة أم عمليّة مما تتعلق بمختلف مجالات الحياة كلها تندرج تحت عنوان العرف بالمعنى العام، ولكن المقصود هنا بالعرف هو قيمة النظر العرفي في ما يتعلق بالتشريع والتقنين في أحد مجالات أربعة:

(المجال الأول) التشريع العرفي: والمراد به القوانين التي يبني عليها العرف ويأخذ بها وإليه يستند الأخذ بسيرة العقلاء .

(المجال الثاني) الاعتبار العرفي: والمراد به الانطباع العرفي في شؤون الأمور الاعتبارية وملابساتها من قبيل تلقي العوارض المأخوذة في موضوع الحكم كحيثيات تعليليّة، كما بحث عنه في تحديد موضوع الاستصحاب .

(المجال الثالث) الفهم العرفي: والمراد به التلقي العرفي لأحد أمور ثلاثة:

(أ) التلقي للمفهوم الأفرادي للنص وهو ما يعبّر عنه بالمفهوم العرفي أو الحقيقة العرفيّة في مقابل الحقيقة اللغوية أو الشرعيّة .

(ب) التلقي لفهم النص بحسب مناسبات الحكم والموضوع وهو ما يعبّر عنه بالفهم العرفي.

(ج) التلقي من حيث تعامل الشارع الاجتماعي فيما يتكون في بيئة شرعيّة محاطة بتوجهات الشارع وإرشاداته، وهو ما يعبّر عنه بسيرة المتشرعة.

(المجال الرابع) النظر العرفي: والمراد به تشخيص العرف لمصاديق المفهوم العام وانطباعه في ما يدخل فيه ويخرج عنه .

ص: 113

أما (المجال الأول): وهو التشريع العرفي المعبّر عنه ببناء العرف والعقلاء أو سيرة العقلاء فقد مرّ الكلام حوله في ضمن حجيّة سيرة العقلاء.

وأما (المجال الثاني) الاعتبار العرفي: فالمراد به تحكيم نظر العرف في شؤون الأمور الاعتبارية وملابساتها من قبيل تلقي العوارض المأخوذة في موضوع الحكم كحيثيات تعليليّة.

فقد ذكر الأعلام من محققي الأصول في باب الاستصحاب أن تحديد موضوع الحكم يختلف باختلاف المعيار فيه، فقد يكون المعيار فيه أحد أمور: (العقل، لسان الدليل، العرف).

الأول: (العقل)، ومقتضاه رجوع جميع القيود المأخوذة أو الواردة في الخطاب إلى الموضوع بحيث ينتفي بانتفائها، لأنه ليس في القضية الشرعية سوى المحمول والموضوع، فترجع القيود إلى الموضوع. أو كما ذكر عن المحقق الإصفهاني (قدس سره) من أن جميع القيود والجهات بنظر العقل جهات تقييدية لا تعليلية، فيتعين أن تكون قيوداً للموضوع .

وفيه، أولاً: إن من القيود ما يكون سبباً لعروض العرض على معروضه من دون أن يكون مقوماً للمعروض(الموضوع)، كالعلل الغائية، فعدمها يوجب تخلف عدم العروض من دون مساس بنفس المعروض، وقس على ذلك العوارض والمعروضات الخارجية من الأجسام ونحوها.

وثانياً: إن هذا لو سلِّم فإنما يسلَّم في الاحكام العقلية المبتنية على التحسين والتقبيح, لا في الأحكام الشرعية الصرفة غير المبتنية على الأحكام العقلية أصلاً. مع أنه غير مسلّم في الأحكام العقلية أيضاً. إذن: فما أفيد من رجوع جميع القيود إلى الموضوع غير مسلم .

ومهما يكن فمقصودهم من النظر العقلي هو ما ذكر في مقابل الأمرين الآتيين.

ص: 114

الثاني: (لسان الدليل)، بأن يكون الميزان ما يفهمه العرف من الدليل وان الموضوع هو هذا، فيفرق بين ما إذا أخذ الوصف بنحو الشرط، نحو: (الماء إذا تغير ينجس). وما إذا أخذ بنحو النعت، نحو: (الماء المتغير ينجس). فيكون الموضوع في الأول هو ذات الماء، وفي الثاني هو الماء المتلبس بالتغير.

الثالث: (العرف)، والمراد به ما يفهمه العرف بحسب مرتكزاته من قياسات الأحكام والموضوعات في قبال ما يفهمه بحسب متفاهم الألفاظ, وفي مقام المحاورة الذي هو مفاد تحكيم الدليل، فقد يفهم العرف بحسب لفظ الدليل كون الموضوع للحكم هو الأمر الكذائي، ولكن بحسب مرتكزاته من مناسبة الحكم وموضوعه، يرى عدم تبدل الموضوع عند زوال بعض صفاته المقومة بحسب الدليل، وأن الحكم ثابت للأعم، فهو يرى بحسب الدليل أن الحنطة هي موضوع الحلية، ولكنه بحسب مرتكزاته يرى ان عروض الحلية لا يختص بالحنطة بل يعمها ويعم الدقيق، كما يرى بحسب مرتكزاته ان موضوع النجاسة هو ذات الماء وان التغير يؤثر فيه بنحو العلية.

والحاصل: إن للعرف نظرين: أحدهما: بما هو من أهل المحاورة وفي مقام التفاهم. والآخر: بحسب ما يرتكز لديه من مناسبات الأحكام وموضوعاتها. وأنه قد يختلفان في تعيين الموضوع وقد يتفقان، وأن المراد من تحكيم الدليل هو تحكيم العرف بنظره الأول، ومن تحكيم العرف تحكيمه بالنظر الثاني.

قال المحقق الإصفهاني (قدس سره): (إن نظر العقل والعرف - بكلا وجهيه - طريق إلى الواقع. فتارة: يكون البرهان العقلي طريقاً إلى ثبوت الحكم لموضوع خاص واقعاً. وأخرى: يكون مفاد الدليل بحسب المتفاهم العرفي طريقاً إلى ثبوته واقعاً. وثالثة: تكون المناسبة المرتكزة في ذهن العرف مثلاً طريقاً إلى ثبوته له واقعاً، إلا أن هذه المناسبة الارتكازية ليست بحد تكون قرينة عقلية ولا عرفية تمنع عن انعقاد الظهورية أو تقتضي صرف الظهور ورفع اليد عنه، بل بحد لو خلي العرف وطبعه لحكم بأن الحكم المتيقن أصله ثابت لمثل هذا الموضوع، فالشخص - بما هو عاقل برهاني- يقطع بثبوت الحكم لموضوع خاص واقعاً، وبما هو من أهل فهم الكلام يقطع بثبوت الحكم

ص: 115

لموضوع آخر متخصص بخصوصية أخرى، وبما ارتكز من المناسبات في ذهنه وبطبعه يقطع بثبوت الحكم لموضوع ثالث مثلاً)(1).

واشترط الأعلام في هذا التقسيم بأن لا يكون الفهم العرفي المذكور من القوة بحيث يكون من القرائن المتصلة أو المنفصلة الموجبة لانقلاب ظهور اللفظ من معناه وانعقاده في المفهوم العرفي، أو المانعة عن حجيته في ما هو ظاهر فيه، والاّ رجع الى الامر الثاني - أعني: لسان الدليل-.

وفي مقابل ذلك فإن جملة من المحققين لم يرتضوا هذا التقسيم, وأنكروا المقابلة بحيث يكون للعرف نظران أحدهما بحسب لسان الدليل والآخر بحسب مرتكزاته، بل عدّوهما نظراً واحداً .

ولذا فقد أشكلوا على المقابلة المذكورة: بأن نظر العرف في تعيين موضوع الحكم إن بلغ حدّاً يقطع بأنه المراد للشارع، فهو يوجب التصرف في حجية لسان الدليل، لأن الظاهر إنما يكون حجة فيما إذا لم يحصل القطع بخلافه، أو كان بمنزلة القرينة الحالية، فهو يوجب التصرف في ظهور الدليل وبالتالي فهو راجع الى لسان الدليل. وإن لم يبلغ حد القطع, بل كان ظنياً، فلا دليل على اعتبار هذا الظن لا شرعاً ولا عقلائياً، إذ لا دليل على اعتبار العقلاء للنظر العرفي في المصداق المبتني على الظن في تعين الموضوع .

والذي يقرب صورته المحقق العراقي: (بأنه. . إن أريد من الرجوع إلى العرف الرجوع إليه في مقام تعين مفهوم اللفظ، فهذا يرجع إلى تحكيم الدليل وليس قسما آخر. وان أريد منه الرجوع إليه في مقام التطبيق وصدق المفهوم على مصاديقه، فلا عبرة بالعرف في هذا المقام كي يحتمل انه المحكم والمرجع في تعين الموضوع)(2).

ص: 116


1- نهاية الدراية في شرح الكفاية (3 /277- 278).
2- نهاية الأفكار ( 4/10).

ومثله ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) - ناهجاً به ما ذكره شيخه المحقق النائيني (قدس سره) كما في أجود التقريرات(1) - على المقابلة بين الأنظار والذي قرره بما محصله:

إن المراد من نظر العرف إن كان ما يفهمه من الدليل الشرعي بمعونة القرائن، فهو المراد من لسان الدليل, وإن كان المراد ما يتسامح به في تطبيق الكلي على مطابقه الخارجي، فلا ريب في عدم الاعتماد عليه.

ويبدو ظاهراً من منكري المقابلة ان نظر العرف الثاني إن لم يرجع الى تحكيم لسان الدليل فأقصى ما يدل عليه هو الظن وهو لا يغني من الحق شيئاً.

وأما شيخنا الأستاذ (دامت إفاضاته) فقد أشكل على هذه المقابلة بوجه آخر، بما حاصله(2): إن هذه المناسبات الارتكازية ليست في مقابل ظهور الألفاظ في معانيها بالنظر العرفي الواقعي، بل إن هذه المناسبات الارتكازية في أذهان العرف والعقلاء في المرتبة السابقة قد تغير مجرى الظهور, لأن المتبادر من اللفظ عند الإطلاق قد يكون معنى بقطع النظر عن المناسبات المذكورة, ولكن بالرجوع الى تلك المناسبات المرتكزة في الأذهان وملاحظة الحال والمقام يزول هذا التبادر البدوي ويستقر ظهوره في معنى على طبق هذه المرتكزات.

وعليه، يقال: ما هو السر في اعتبار الفهم العرفي المذكور في قبال لسان الدليل الظاهر في خلافه ؟!

ولذا توقف وتأمل المحقق الشيخ حسين الحلي (قدس سره) كثيراً فيما أفاده المحقق الإصفهاني (قدس سره) من التقسيم والمقابلة المذكورة: قائلاً (ولننظر الى حالنا أو حال ذلك العاقل الذي حصل له القطع بأن موضوع الحكم الشرعي هو الخاص ..الخ، فقد تثلّث موضوع ذلك الحكم الشرعي عنده، وهو قاطع بكل من الثلاثة، فهل بقي على هذا الحال من التناقض، أو أن ما أحاط بذلك العاقل من عقل برهاني وفهم لساني

ص: 117


1- أجود التقريرات (2/449).
2- المباحث الأصولية (12/404).

وذوق طبعي استحساني قد غلب بعضها على بعض، أو انه لا تناقض بين هذه الأقطاع، وليست لي القدرة على الجواب عن هذه الأسئلة)(1).ومهما يكن فالظاهر أن النزاع بينهم ثبوتي, وأنه هل يثبت للعرف هذان النظران أو لا يثبت له الاّ نظر واحد ؟

يبقى التنبيه على أمر: وهو أن ما طرح من النظر العرفي في هذا المجال إنما يتحقق في موضوعات الأحكام دون متعلقاتها كما أوضح بعض الأعلام (قدس سره) (2): ان المسامحة(3) المعتبرة عند العرف هي المسامحة في موضوعات الأحكام دون المسامحة في متعلقات الأحكام .

بيان ذلك: ان المراد بالمسامحة العرفية والنظر العرفي هو ما يراه العرف بحسب مرتكزاته, وبحسب ربطه بين الحكم وموضوعه موضوعاً للحكم، فهو يرى ان الموضوع في مثل: (أطعم العالم) ذات العالم، وجهة العلم جهة تعليلية، إذ لا ربط للإطعام بجهة العلم، بل يرتبط بالذات نفسها، فإذا زال العلم لا يزول الموضوع بنظر العرف، وانما يرى أنه قد زالت بعض حالاته. أما في مثل: (قلّد العالم) فإنه يرى ان الموضوع العالم بما هو عالم، لارتباط التقليد وأخذ الأحكام بجهة علمه لا بذاته خاصة. فمع زوال العلم يزول الموضوع عرفاً. ومن الواضح أن هذا الاختلاف في النظر انما يتأتى في موضوعات الأحكام، إذ ارتباط الحكم بها بلحاظ متعلقه وارتباط المتعلق بها ارتباط تكويني، فيمكن ان يختلف نظر العرف في تشخيصه بحسب اختلاف الموارد وان اتحد لسان الدليل كما عرفت في المثالين.

أما بالنسبة إلى متعلقات الأحكام، فلا يتأتى فيها المسامحة العرفية، إذ ارتباط الحكم بمتعلقه جعلي يرتبط بالمولى الجاعل نفسه وان كان المولى عرفياً، فإذا أثبت

ص: 118


1- أصول الفقه: المحقق الشيخ حسين الحلي (قدس سره) (11/93-94).
2- منتقى الأصول ( 5/281-282).
3- لا يخفى ان مراده (قدس سره) بالمسامحة في ذلك ما يقابل النظر الدقيق العقلي وليس ما يقابل النظر الدقيق العرفي كما هو واضح بملاحظة سياقه .

الحكم لمركب ذي أجزاء عشرة لا يرى العرف وجوب التسعة وان متعلق الحكم هو الجامع بين العشرة والتسعة، بل نظر العرف هاهنا يتبع ما قرره المولى داعياً إلى أي مقدار كان من الاجزاء. فإذا أوجب المولى المركب ذا الأجزاء العشرة، كان المركب ذو الأجزاء التسعة مبايناً لمتعلق الحكم عرفاً لا متحداً معه، وإن كان الجزء المفقود ضئيلاً جداً.

وبعبارة أخرى: ان ما يؤخذ قيداً للموضوع قد يعدّ عرفاً من مقوماته بحيث ينتفي معروض الحكم بانتفائه. وقد يعدّ من حالاته وعوارضه فلا ينتفي عرفاً بانتفائه. وهذا يختلف بحسب اختلاف ارتباط الحكم بالقيد. فالأول نظير وجوب تقليد العالم، فان جهة العلم من مقومات وجوب التقليد عرفاً، لأن التقليد إنما هو لجهة علمه. والثاني نظير وجوب الصلاة خلف العالم, أو أطعم العالم، فإن العلم لا يعدّ عرفاً من مقومات الموضوع، بل يعد من حالاته، لأن جهة العلم عرفاً من الجهات التعليلية للحكم بوجوب الصلاة خلفه او إطعامه، ولكنها تعدّ من الجهات التقييدية بالنسبة إلى الحكم بوجوب تقليده. ولكن هذا إنما يأتي في موضوعات الأحكام لاختلاف نسبة الحكم وكيفية ارتباطه بالقيد .

وأما بالنسبة إلى متعلق الحكم، فكل قيد فيه يكون مقوماً بنظر العرف، إذ متعلق الحكم ما أخذ الحكم داعياً إليه ومحركاً نحوه، فإذا كان المدعو إليه هو الفعل الخاص كانت الخصوصية مقومة عرفا، فمع انتفائها ينتفي الفعل, لأنه بنظر العرف هو الفعل بخصوصياته لا ذات الفعل. وعليه فالقيد إن كان قيداً للمتعلق فهو قيد مقوم احترازي دائماً، فمع تخلفه وانتفائه ولو يسيراً لا يحصل الامتثال الاّ مجازاً وادعاءً.

وأما (المجال الثالث) الفهم العرفي، فتفصيل الكلام فيه يقع بأموره الثلاثة:

(أ) التلقي للمفهوم الأفرادي للنص وهو ما يعبّر عنه بالمفهوم .

وفي هذا المورد لا إشكال عند الفقهاء والأصوليين في أن المرجع في مفاهيم الألفاظ ومداليلها إنما هو العرف العام، لأن الخطابات الشرعية في القرآن الكريم والسنة

ص: 119

الشريفة لمّا كانت موجهة الى العرف فهي محمولة على ما هو المتفاهم العرفي من الألفاظ المستخدمة فيها, وسواء أوافقت عرف اللغة أم خالفته، ولا عبرة باللغة إذا كان العرف العام على خلافها، فان الألفاظ تنصرف إلى مفاهيمها العرفية بحسب ما ارتكز في أذهان أهل المحاورات، فعند تعارض العرف واللغة في مفهوم اللفظ يحمل على المفهوم العرفي، سواء أكان أعم من المفهوم اللغوي أو أخص منه، بل ولو كان مبايناً معه لو اتفق ذلك، فمثلاً مفهوم الموت الذي هو موضوع لأحكام كثيرة من الغسل والكفن والدفن والأرث وغيرها لا يتحقق عرفاً الاّ مع توقف القلب والرئتين عن العمل توقفاً نهائياً، ولكن المناط في الموت عند الأطباء هو تلف خلايا الدماغ وإن استمر القلب والرئتان في العمل عن طريق تركيب أجهزة الإنعاش الصناعية، وكذلك الجنون الذي هو أحد أسباب الحجر وأحد العيوب التي يسمح لأجلها أن يفسخ الزوج عقد النكاح وله العديد من الأحكام الأخرى يشمل بحسب الفهم والتعريف الطبي قائمة طويلة من ضروب الاختلال الفكري والنفسي والعصبي مع أنه لا يصدق الجنون عرفاً على جملة منها(1).

وهكذا موارد كثيرة أخرى، كمفهوم الحنطة والزبيب والعنب والحطب وغير ذلك من الموضوعات الخارجية, فلابد من الرجوع إلى العرف في تشخيصها.

فالعبرة في الجميع بالصدق العرفي للعنوان المأخوذ موضوعاً أو متعلقاً في لسان الدليل لا صدقه بحسب المقاييس العلميّة ومصطلحاتها.

(ب) التلقي لفهم النص بحسب: مناسبات الحكم والموضوع الارتكازية .

من المصطلحات الأكثر تداولاً بين الفقهاء والأصوليين هو قرينيّة مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية - وهي القرينة اللبيّة التي ببركتها يمكن للفقيه من خلالها تعدية الحكم لغير مورد النص الذي ورد فيه بمقتضى الارتكاز، سواء أكان هذا الإرتكاز عقلائياً أم شرعياً أم متشرعيّاً.

ص: 120


1- يلاحظ وسائل الإنجاب الصناعية: 132-133.

والعبرة في هذا الارتكاز الشرعي (المتشرعي) ما يفهمه الفقهاء ؛ لأن ملاك الاستظهار من الخطابات الشرعية هو فهم الفقهاءِ بحسب ذوقهم العرفي، نظراً إلى قدرتهم على تحليل فهم أهل العرف وتوجيه ملاك فهمهم وتشخيص سرّ ارتكاز المعنى المعيّن من الموضوع المأخوذ في الخطاب في أذهانهم. فلذا لا اعتبار بفهم أيّ فرد سوقي أو عاديّ من عوام الناس في الاستظهار من الخطابات وفهم موضوعات الأحكام الشرعية. فإنّ الفقيه هو الذي يفهم بذوقه العرفي الأحكام الشرعية للأنس بها, ووقوفه على شدّة مناسبة ارتباطها بموضوعاتها وهو لا يتيّسر لغيره، وهذا واضح.

مضافاً الى ذلك فإن المناسبة أوالتوافقية أو قل السنخيّّة بين الحكم والموضوع تحتّم على الفقيه توخي الحذر وتوجيه النظر وفق نوعية الارتكاز سلباً وإيجاباً، لأن بعضاً من مناسبات الحكم والموضوع ربما تشتبه بظواهر فكرية غير مقبولة لدى الإماميّة من وجوه الاجتهاد بالرأي من القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها، مما يحتاج الى اعمال دقّة من الفقيه في الفصل بين ما يكون مناسبة حكم وموضوع مساعدة على الاستظهار من النص، وبين ما يكون ضرباً من الاستنباط العقلي غير الموثوق به في تناول مبادئ الحكم الشرعي.

ثم إنهم اختلفوا في قرينيّة مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية من حيث قوتها وصلاحيتها, لأن تكون بمثابة القرينة المتصلة أو المنفصلة فتكون مقيّدة للسان الدليل وعدمه، ولعل الخلاف يرجع إلى أن نظر العرف وفق ارتكازاته ما لم يصل الى درجة من القوة هل يصلح لأن يكون قرينة متصلة أو منفصلة, أو لا يكون هذا النظر ذا قيمة لأنه نظر مسامحي لا عبرة به؟

بخلاف النظر العرفي الذي يصلح لأن يكون بمثابة القرينة المتصلة أو المنفصلة, فهو نظر عرفي واقعي يعيّن مدلول اللفظ من حاقه وظهوره فيه، وهو حجة ما لم تقم قرينة على خلافه.

وظاهر الخلاف يبتني على نفس الخلاف في أصل ثبوت النظرين للعرف - كما مرّ في مورد النظر العرفي في تحديد موضوع الاستصحاب - أحدهما بما هو من أهل

ص: 121

المحاورة وفي مقام التفاهم، والآخر بحسب ما يرتكز لديه من مناسبات الحكم والموضوع، وكذلك يبتني على أصل اشتراط ألاّ يكون الفهم العرفي المذكور من القوة بحيث يكون من القرائن المتصلة أو المنفصلة الموجبة لانقلاب ظهور اللفظ من معناه, وانعقاده في المفهوم العرفي، أو المانعة عن حجيته في ما هو ظاهر فيه .

- (إلغاء الخصوصيّة وتنقيح المناط):

هنالك نوع آخر من وسائل التعميم عند الفقهاء والأصوليين ينتمي الى مناسبات الحكم والموضوع, يعبّر عنه بإلغاء الخصوصيّة, لا يخرج عن إطار الفهم العرفي يمكن للفقيه أن يستعين به وبشكل مستقل لتعدية الحكم لمورد آخر دون الاعتماد على أدوات العموم المعروفة في الأصول, كأدوات العموم أو الإطلاق اللفظي أو المقامي، بل هو عامل يساعد الفقيه وبمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية على إلغاء الخصوصية عن مورد النص.

وقد يشتبه بينه وبين تنقيح المناط بيانه. أما تنقيح المناط فهو بمعنى استخراج علّة الشيء، فالتنقيح معناه تهذيب الشيء أو تشذيبه أو تقشيره أو استخراجه(1). والمناط: اسم مكان الإناطة، والإناطة: التعليق. قال: ناط الشيء ينوطه نوطاً وإناطة: علق. والمناط: العلَّة. فيكون المعنى لغة تهذيب العلة أو استخراجها.

ومن ثمّ عرّف تنقيح المناط عند الأصوليين: (بأن يضيف الشارع الحكم إلى سببه فتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة, فيجب حذفها عن الاعتبار ليتسع الحكم) بعد تهذيب العلة وتصفيتها بإلغاء ما لا يصلح للتعليل واعتبار الصالح له.

ومثلوا له بقصة الأعرابي الذي قال للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم): (هلكت يا رسول الله ! فقال له: ما صنعت؟ قال: وقعت على أهلي في نهار رمضان، قال: أعتق رقبة) حيث استفادوا عدم الخصوصية في كونه أعرابياً، فألحقوا به جميع المكلفين، ولا في كون المرأة التي وقع عليها أهلاً له فألحقوا به الزنا، ولا خصوصية لخصوص شهر رمضان الذي وقع

ص: 122


1- لاحظ: تاج العروس (4/239). الصحاح (1/413).

فيه على أهله فألحقوا به جميع أشهر الصيام، إلى ما هنالك من الخصوصيات التي يعلم بعدم مدخليتها. وهذه التعميمات وأمثالها مما تقتضيها مناسبة الحكم والموضوع، وهناك تعميمات مظنونة وقعت موقع الخلاف، كالقول بأن النكاح لا خصوصية له، فلا بد ان يعمم إلى كل مفطر، وهي مبنية على حجية القياس المظنون)(1).

ثم إن المعتبر من تنقيح المناط هو القطعي منه, وتحصيله مشكل, بل هو غير ممكن في الشرعيات، وغاية ما يحصل منه الظن، إذ ربما يكون الذي يفهمه الفقيه بسبب ما رسخ في ذهنه يكون مبنياً على قاعدة ليست بحجة عنده، إذ الخطأ غير مأمون على الظنون، و كل مجتهد مكلف بما أدى إليه ظنه بعد ما استفرغ وسعه .

وأما في مورد إلغاء الخصوصية فإن التعدي والخروج عن مورد النص إلى الموارد الأخرى بحاجة إلى الاستظهار من نفس اللفظ, من خلال ما تمليه مناسبة الحكم والموضوع, فيحكم به في كل موضوع وجدت فيه تلك المناسبة.

وحصر المحقق البهبهاني (قدس سره) الدليل الذي يتعدّى به عن النص بالإجماع والعقل، قائلاً: (والدليل الذي يخرج بسببه عن النص بأن يتعدّى عنه، أو يحمل على خلاف ظاهره، لا بملاحظة نص هو الإجماع غالباً بسيطاً أو مركباً، فلا بد من ملاحظة دليل الإجماع و تحققه. وربما يخرج عن النص بحكم العقل، مثلاً: إذا ورد في امرأة اشتبه دم حيضها بالعذرة إن خرجت القطنة مطوقة فهو عذرة... إلخ نجزم أن هذه حالة جميع النساء، لأن خلقتهن واحدة، لا خصوصية لامرأة فيه، و ربما يخرج بقاعدة تنقيح المناط، وهو مثل القياس، إلا أن العلة المستنبطة فيه يقينية، بناءً على القاعدة المسلمة عند الشيعة من كون الحسن والقبح عقليين، وعدم جواز تخلف المعلول عن العلة التامة، و التنقيح لا يحصل إلا بدليل يقيني شرعي، فينحصر دليله في الإجماع والعقل، ومن هذا لا يذكر فقهاؤنا في كتبهم الاستدلالية اسم (تنقيح المناط غالباً لأن الحجة في الحقيقة هي تنقيح المناط بعنوان اليقين، وهو منحصر فيما ذكر. وإنما قلنا:

ص: 123


1- يلاحظ: الأصول العامة للفقه المقارن: 315 بتصرف .

بعنوان اليقين، لان الظني: إن كان بغير النص فهو بعينه القياس الحرام، وإن كان النص فهو القياس المنصوص العلة)(1).

ويشبه إلغاء الخصوصيّة مفهوم الموافقة، إلا أن الفرق بينهما أن مفهوم الموافقة - بالمعنى المصطلح- هو ظهور الكلام في نفسه في ذكر الخصوصيّة على سبيل أدنى ما يستوجب الحكم، فلا يحتاج الوقوف عليه على تعمّل إضافي من الواقف على الكلام، وهذا بخلاف إلغاء الخصوصيّة على أساس مناسبات الحكم والموضوع .

وبالجملة: إن إلغاء الخصوصية له عوامل أخرى كثيرة يمكن للفقيه من خلالها بمقتضى مناسبات الحكم والموضوع الارتكازية ان يعمّم الحكم لغير مورد النص.

كما أن إلغاء الخصوصية في مناسبات متعددة قد يكون من جهة السائل أو الواقعة، أو من جهة موضوع الحكم وقيوده وغير ذلك. قال المحدّث صاحب الحدائق: (فإن مدار الاستدلال في جلّ الأحكام الشرعية على ذلك، إذ لو لوحظ خصوصية السائل أو الواقعة لم يثبت حكم كلي في مسألة شرعية الاّ نادراً)(2).

هذا، ومما يساعد على إلغاء الخصوصية أحياناً: إمكان حمل النص على النظر الى مورد الغالب، أو مورد التمثيل، وملاحظة النصوص الواردة في موارد متعددة فالنظر في هذه الموارد يساعد على إلغاء الخصوصية، وكذلك النظر الى موارد الجمع العرفي بين النصوص المتعارضة يساعد بمجموعه على تكوين فهم متكامل للموقف الشرعي وإلغاء الخصوصية في بعض تلك النصوص.

فتحصّل من جميع ما تقدم: أن إلغاء الخصوصية هو أحد الأدوات العرفية التي يمكن بها للفقيه توسعة وتعميم الموارد بمقتضى مناسبات الحكم والموضوع الارتكازية.

ص: 124


1- الفوائد الحائرية: 147.
2- الحدائق الناضرة (1 /56).

بيد أنه ليس لذلك ضابط معين، بل يختلف رصده من فقيه الى آخر بحسب اختلاف الارتكازات لديهم الناشئة من التفاوت في الطبيعة الذهنيّة, أو منهج التفكير أو من حيث اختلاف تراكم الرصيد الفكري، أومن حيث فهم كبريات ملاكات الأحكام أو مذاق الشارع أو ما يسمى عند البعض الأخر بمقاصد الشريعة، وقد يكون الاختلاف ناشئاً عن فهم لقراءتين مختلفتين للنص الديني ومن رؤيتين مختلفتين للدين والشريعة أو غيرهما .. ويشهد لذلك الاختلاف ما نرى من بعضهم الالتزام بالتعميم اعتماداً على صغرى تنقيح المناط، بينما ينكر عليه آخر ذلك، ولذا اشتهر لدى الفقهاء بأن (دعوى تنقيح المناط عهدتها على مدعيها)، مع تسليمهم الأخذ بكبرويته.

(ج) التلقي العرفي من حيث تعامل الشارع الاجتماعي فيما يتكون في بيئة شرعيّة محاطة بتوجهات الشارع وإرشاداته، وهو ما يعبّر عنه بسيرة المتشرعة. وقد مرّ الكلام حولها في ضمن البحث عن حجية سيرة المتشرعة .

(المجال الرابع) النظر العرفي - حدود مرجعيّته - وتمييزه عن النظر المسامحي العرفي، والنظر الدقيق العقلي.

إن النظر ينقسم الى قسمين: نظر عرفي، ونظر عقلي. وقد وقع الخلاف في أن العبرة في تشخيص المصاديق هل هو بالنظر العرفي أو العقلي ..

وينبغي الإلتفات - تحريراً لمحل الكلام- قبل الخوض في الخلاف المذكور الى أن المقصود بالنظر العرفي المختلف في الاعتماد عليه إنما هو النظر العرفي الدقّي دون المسامحي.

ولبيان ذلك نقول: إن النظر على ثلاثة أقسام: النظر الدقيق العقلي, والنظر الدقيق العرفي, والنظر المسامحي العرفي. ولابد من التمييز بين هذه الأنظار الثلاثة, ويمكن ذلك بملاحظة المثال التالي:

ص: 125

إذا وضع شخص كمية من الحناء على يده فتلونت بلونها, ثم غسل يده ولكن بقيت أجزاء صغيرة جداً من مادة الحناء في بعض شقوق الكف, لم يمكن نفي بقاء الحناء فيها إلاّ وفق النظر المسامحي العرفي, فإن العرف يتسامح في الأجزاء الصغيرة جداً, ويعتبر وجودها وعدمها سواء, ولكن مقتضى النظر الدقيق العرفي هو بقاء قليل من الحنّاء في الموضع، فلو كان مانعاً عن وصول الماء الى البشرة لم يصح الوضوء إلاّ بعد إزالته.

وهكذا لا يؤخذ بالمسامحات العرفية في سائر مواردها كالماء الذي يقلّ عن مقدار الكر ولو بقدر غرفة واحدة, فإنه وإن صدق عليه الكر بالنظر المسامحي العرفي إلاّ أنه لا عبرة به ولا يترتّب عليه حكم الكر من حيث كونه معتصماً مثلاً.

وإذا فرض في المثال المذكور أنه قام الشخص بغسل يده جيداً حتى أزال الأجزاء الصغيرة جداً من الحنّاء من بين شقوق الكف أمكن عندئذٍ نفي بقاء الحنّاء في يده, ويكون ذلك بالنظر الدقيق العرفي, لا بالنظر الدقيق العقلي لفرض بقاء لون الحنّاء في البشرة, واللون من الأعراض, والثابت في محله استحالة انتقال العرض من محله الى محل آخر. أي أن وجود اللون في الكف دليل عقلي على بقاء جزيئات من الحنّاء على البشرة, وهي التي تعطي لها هذا اللون,ولكن هذا بالنظر الدقيق العقلي, وأما العرف فلا يرى - حتى بالنظر الدقيق - بقاء شيء من الحنّاء في الموضع, بل يرى بقاء لونها فقط.

وهكذا يتضح الفرق بين النظر الدقيق العرفي والنظر المسامحي العرفي من جانب, وبينه وبين النظر الدقيق العقلي من جانب آخر، ومن المعلوم أن ما به العبرة في تشخيص موضوعات الأحكام الشرعية وما يتعلق بها من جوانب أخرى إنما هو النظر الدقيق العرفي، وأما المسامحات العرفية فلا عبرة بها كما تقدّم، وكذلك ما تقتضيه الدّقة العقلية والعلمية ويكون بعيداً عن الأذهان العرفية فإنه لا يؤخذ به في هذا الباب(1).

ص: 126


1- يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحج (1/475).

هذا، ولكن يبدو أن مصطلح (النظر المسامحي العرفي) قد أفرط في استعماله من البعض بما يعمّ النظر الدقيق العرفي، مما أوجب لبساً وخطأً في التطبيق بين الأعلام، بل وربما طعن البعض منهم بمن تمسك بالنظر العرفي لتسامحه، ولكنه في مقام الاستدلال استشهد بالمسامحة الادعائية غير المعتبرة عند العرف نفسه.

وكل هذا غير سديد .. فإن الوقوف على اصطلاح المسامحة المتداول بينهم، والتركيز على هذا الأمر ورفع الالتباس فيه يسهم اسهاماً حقيقياً في كشف ملابسات النزاع عند الفقهاء والاصوليين كما سيظهر قريباً.

فإن النظر المسامحي العرفي غير معتبر حتى عند العرف نفسه؛ لأنه أدعائي مجازي وليس بحقيقي - كما مرّ في مثال الحناء - بخلاف تسامح النظر الدقيق العرفي فهو معتبر عند العرف نفسه؛ لأنه حقيقي وهو مما تقتضيه طبيعة النظر العرفي في مقابل لسان الدليل ونظر العقل كما مرّ في مجال الاعتبار العرفي.

فالمراد بتسامح النظر الدقيق العرفي: ليس بمعنى ان العرف يعمّم الموضوع من باب الحقيقة الادعائية والمجازية، بل المراد من المسامحة بنظر العرف هو ان الموضوع إذا كان بحسب لسان الدليل أو نظر العقل خاصاً، فتعميمه بنظر العرف هو تسامحه فيما كان موضوعاً بحسب نظر العقل ولسان الدليل، وانه يتسامح عمّا هو الموضوع فيهما، لأنه يرى بحسب ارتكازه ان الموضوع أعم. فالمراد بتسامح العرف هو تسامحه في مقابل نظر العقل ولسان الدليل لا مطلقاً بحيث يشمل الحقيقة الادعائية والمجازية، لوضوح ان العرف لا يرى ثبوت الموضوع إدعاءً ومجازاً؛ لأنه من قبيل اطلاقهم الأسد على الرجل الشجاع.

وبعبارة أخرى: ان التسامح العرفي المقصود هو تعميم الموضوع بحسب ارتكازات نظر العرف، في مقابل نظر العقل ولسان الدليل اللذين لا يسمحان بالتعميم لخصوصيته.

إذا تبيّن هذا، فنقول: ان الكلام في مرجعية النظر العرفي في باب التطبيق يقع في موردين:

ص: 127

الأول: في الأمور الاعتبارية.

الثاني: في الأمور التكوينيّة.

أما المورد الأول: فالظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في إمكان التعويل على النظر العرفي في تحقق مصداق المفهوم الاعتباري إذا لم ينبّه الشارع على مخالفة نظره مع نظر العرف. والوجه فيه أن النظر العرفي في الأمور الاعتبارية كالبيع ونحوه إنما هو ضرب من التقنيين العرفي، وعليه فإذا رتّب الشارع أحكاماً على المفهوم من غير بيان خلافه في التقنيين حول موارد تحققه مع العرف دلّ ذلك على إقرار القانون العرفي. ومن ثمّ ذكر جميع الأصوليين المتأخرين جواز التمسك بالإطلاق المقامي ل-(أحلّ الله البيع) بناءً على القول بالوضع للصحيح.

وقد نبّه على هذا المعنى - وهو ظهور الدليل في التعويل على النظر العرفي في الأمور الاعتبارية - غير واحد من الأصوليين.

فقد ذهب السيد الحكيم (قدس سره) الى أن عدم صحة الاعتماد على العرف في مرحلة التطبيق انما يكون في الأمور الواقعية التي يحتمل خطأ العرف في تشخيصها، كما في تطبيق الكرّ على الماء الخارجي، بخلاف الأمور الاعتبارية التي لامانع من الرجوع فيها الى العرف بمقتضى الإطلاقات المقامية كما في تطبيق مفهوم البيع على مصاديقه الخارجية، فقال (قدس سره):

(إلا أن مقتضى الإطلاق المقامي للكلام الوارد في مقام البيان الذي لا طريق إلى معرفة موضوعه إلا نظر العرف هو إمضاء نظرهم كما هو الحال في أمثال المقام(1) ونظائره .

وما اشتهر من أن نظر العرف إنما يتبع في تنقيح المفهوم لا في تنقيح المصداق يختص بما له واقع محفوظ في نفسه يخطؤه العرف تارة ويصيبه أخرى, لا ما إذا لم يكن له واقع محفوظ ويختلف اعتباره باختلاف الأنظار، وما ذكرنا يطرد في جميع

ص: 128


1- المقصود مقام البيع .

الاعتباريات التي تؤخذ موضوعاً للأحكام الشرعية في لسان الشارع, فإن مقتضى الإطلاق فيها إمضاء الأسباب العرفية فلاحظ)(1).

وكلامه (قدس سره) صريح في أن الميزان في تشخيص الخطأ والتسامح هو وجود الواقعية للأشياء. أما الأمور الاعتبارية التي لا واقع لها خارج دائرة الاعتبار فهي موكولة بمقتضى الإطلاقات المقامية الى العرف تشخيصاً وتطبيقاً.

والمعروف عندهم ان معيار الأمور الواقعية في تشخيص الخطأ هو خصوص العقل النظري الذي يدرك الواقعيات، فلابد وان يكون الحكم العقلي مطابقاً للواقع ولا يمكنه الحكم خلاف الواقع والخارج ؛ وذلك لأن العقل النظري انعكاس لنفس ما في الواقع والخارج.

وكذلك ما ذكره بعض المحققين (قدس سره) في تقريراته، والذي قد حصر حجية العرف في باب التطبيق إذا كان نظره إنشائياً لا إخبارياً.

فقال (قدس سره): (إن نظر العرف المسامحي إنما يكون حجة في موردين: الأول - في باب المفاهيم وتحديد الدلالات. الثاني - في باب التطبيق إذا كان نظره إنشائياً لا إخبارياً كما إذا قلنا بان أسامي المعاملات وضعت بإزاء المسببات لا الأسباب، فان العرف لو شخص صحة معاملة المعاطاة مثلا كانت بيعاً، وأما في المقام فحيث إن النّظر العرفي إخباري في مجال التطبيق فمع خطئه دقة وعقلاً لا حجية لنظره)(2).

ويقصد من قوله (في المقام) هو حجية الأصل المثبت مع الواسطة. وقد مثّل لخطأ العرف في باب الإخبار في موضع آخر، فقال: (كما إذا تصور العرف نتيجة نظرته المسامحية أن زيداً مصداق للعالم باللَّه لمجرد كونه معتقداً بوجوده تعالى. ولا إشكال

ص: 129


1- نهج الفقاهة: 28 .
2- بحوث في علم الأصول (6/193).

أنه لا عبرة بمثل هذه العناية العرفية بعد فرض أنه من باب الخطأ في التطبيق والإخبار بحيث لو التفت إليه العرف لتنبه إلى خطئه)(1).

والظاهر من كلامه (قدس سره): أن الإنشاء هو بمعنى إيجاد ما لا يكون موجوداً, فهو لا صدق ولا كذب فيه, لعدم الواقعية له بالمعنى المعتبر في الصدق والكذب حتى يلاحظا بالنسبة إليه. فالمعيار في حصر مرجعية العرف في باب التطبيق هو نسبة الصدق والكذب وهما لا يلحظان بالنسبة للإنشاء، بل هما يختصّان بباب الإخبار.

وهذا التفصيل الذي اختاره (قدس سره) يرجع الى نفس اختيارالسيد الحكيم (قدس سره) الذي جعل واقعية الأشياء ميزاناً للخطأ والصواب دون الأمور الاعتبارية، فلاحظ.

وأما المورد الثاني فهو محل الكلام بين الأعلام، وقد اختلفوا في سعة دائرة مرجعية العرف من حيث شمولها لحالة تطبيق المصاديق وعدمها على قولين:

- (القول الأول): مرجعية العرف في تعيين المفاهيم،لا في تطبيقاته. وهو قول المشهور من محققي الأصول منهم المحقق الخراساني والمحقق النائيني والمحقق السيد الخوئي (قدّس الله أسرارهم)، وهو مختار شيخنا الأستاذ الشيخ الفياض (دامت إفاضاته).

- (القول الثاني): مرجعية العرف مطلقاً تشخيصاً وتطبيقاً. وهو اختيار السيد الخميني تبعاً لأستاذه الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس سرهما)، وهو مختار سيدنا الأستاذ السيد محمد سعيد الحكيم (دامت إفاداته) .

أما مستند (القول الأول)، فحاصله: إن العرف إنما يكون مرجعا في تعيين المفاهيم؛ لأن الألفاظ تنصرف إلى مفاهيمها العرفية بحسب ما ارتكز في أذهان أهل المحاورات، ولا يرجع إلى العرف في تشخيص المصاديق بعد تشخيص المفهوم، لأن العرف قد يتسامح في استعمال الألفاظ وإطلاقها على مالا يكون مصداقا لمعانيها

ص: 130


1- المصدر السابق (5/486).

الواقعية. نعم، قد يرى العرف توسّعاً في نفس المفهوم، فيكون الانطباق حينئذٍ من باب انطباق المفهوم الواسع، لا من باب المسامحة في التطبيق.

وقد تكرر هذا المعنى ببيانات مختلفة في كلمات الأعلام:

فقد ذكر المحقق الخراساني (قدس سره) في بحث المشتق - إن الصفات الجارية عليه تعالى يكون المبدأ فيها مغايراً له تعالى مفهوماً، وقائماً به عيناً، لكنه بنحو من القيام، لا بأن يكون هناك اثنينية، وكان ما بحذائه غير الذات، بل بنحو الاتحاد والعينية، وكان ما بحذائه عين الذات -: (وعدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس من الأمور الخفية لا يضر بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة، إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة، ولو بتأمل وتعمّل من العقل. والعرف إنما يكون مرجعاً في تعيين المفاهيم، لا في تطبيقها على مصاديقها)(1).

وفي مورد جواز اجتماع الأمر والنهي أفاد قائلاً: (إنه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع، إلا طريق العقل، فلا معنى لهذا التفصيل إلا ما أشرنا إليه من النظر المسامحي غير المبتني على التدقيق والتحقيق، وأنت خبير بعدم العبرة به، بعد الاطلاع على خلافه بالنظر الدقيق)(2).

وأفاد المحقق النائيني في وجه ذلك، بما حاصله: (لا عبرة بالمسامحات العرفية في شيء من الموارد، ولا يرجع إلى العرف في تشخيص المصاديق بعد تشخيص المفهوم، فقد يتسامح العرف في استعمال الألفاظ وإطلاقها على مالا يكون مصداقاً لمعانيها الواقعية، فإنه كثيراً ما يطلق لفظ "الكر" و "الفرسخ" و "الحقة" وغير ذلك من ألفاظ المقادير والأوزان على ما ينقص عن المقدار والوزن أو يزيد عنه بقليل. فالتعويل على العرف إنما يكون في باب المفاهيم، ولا أثر لنظر العرف في باب المصاديق، بل نظره إنما يكون متبعاً في مفهوم "الكر" و "الفرسخ" و "الحقة" ونحو ذلك، وأما تطبيق المفهوم على المصداق: فليس بيد العرف، بل هو يدور مدار الواقع، فان كان الشيء

ص: 131


1- كفاية الأصول: 57.
2- المصدر السابق: 167.

مصداقاً للمفهوم ينطبق عليه قهرا، وإن لم يكن مصداقاً له فلا يمكن أن ينطبق عليه، ولو فرض أن العرف يتسامح أو يخطئ في التطبيق، فلا يجوز التعويل على العرف في تطبيق المفهوم على المصداق مع العلم بخطئه أو مسامحته أو مع الشك فيه، بل لابد من العلم بكون الشيء مصداقا للمفهوم في مقام ترتيب الآثار)(1).

وتابع السيد الخوئي أستاذه المحقق النائيني (قدس سرهما) في ذلك، فأفاد في معرض ردّه على صاحب العروة - الذي يرى عدم قدح الفصل اليسير من عروض الجنون آناً مّا في صدق كون المكلف في تمام الحول عاقلاً، فإنّه يطلق عليه لدى العرف أنّه عاقل في تمام الحول، فتشمله الإطلاقات- قائلاً:

(ولكنّه كما ترى في غاية الإشكال، لعدم ابتناء التحديدات الشرعيّة على المساهلات والمسامحات العرفيّة حسب ما هو مذكور في موارد كثيرة من الفقه، مثل: عدّة الوفاة والمسافة الشرعيّة والكرّ وأيّام الاعتكاف وأقلّ الحيض، ونحو ذلك ممّا لا يتسامح فيه بعد وضوح المفهوم، بل يراعَى كمال التدقيق في مقام التطبيق، لعدم الدليل على حجّيّة نظر العرف في هذه المرحلة. ومن ثمّ يحكم ببطلان العقد بل الحرمة الأبديّة مع العلم فيما لو تزوّجت قبل انقضاء العدّة ولو بساعة، وبانفعال ما نقص عن الكرّ ولو بغرفة، وبعدم التقصير فيما دون المسافة ولو بخطوة، وهكذا. مع ضرورة صدق تلك العناوين بالنظر العرفي، توسّعاً وتسامحاً منهم في مقام التطبيق، غير أنّه لم ينهض أيّ دليل على اتّباعه بعد اتّضاح حدود المفهوم من حيث السعة والضيق.

نعم، قد يرى العرف توسّعاً في نفس المفهوم، فيكون الانطباق حينئذٍ من باب انطباق المفهوم الواسع، لا من باب المسامحة في التطبيق، وهذا كما في مفهوم الحنطة والشعير، فإنّ العرف يرى سعة المفهوم وشموله للمشتمل على الخليط من ترابٍ ونحوه غير المنفكّ عنه في الخارج غالباً، ولا يخصّه بالخالص الذي هو فردٌ نادرٌ جدّاً.

ص: 132


1- فوائد الأصول ( 4/574).

ومن ثمّ كان المناط في النصاب بلوغ الخليط وإن كان الخالص بعد التصفية ناقصاً عنه، كما أنّه لو باع منّاً من الحنطة تحقّق التسليم بدفع المخلوط بالمقدار المتعارف )(1).

وأفاد شيخنا الأستاذ الفياض (دامت إفاضاته) في سياق ذلك: (انه لا شبهة في أن المتبع في تعيين معاني الألفاظ وظهوراتها فيها ولو بملاحظة القرائن الحالية والمقامية والمناسبات الارتكازية هو النظر العرفي الواقعي دون المسامحي، فإنه ملغى في باب الألفاظ.

نعم التسامح انما يتصور من العرف في مقام التطبيق في باب المقادير والأوزان، كالكر والفرسخ والميل وحدّ الترخص والذراع والشبر وما شاكل ذلك، لأن العرف يطلق الكر على ماء يكون أقل منه بمثقال أو أكثر، مع انه لا يترتب عليه أحكام الكر)(2).

والحاصل: إن كلام المشهور صريح في عدم مرجعية العرف في باب تطبيق المصاديق.

وقد يتوهّم أن المشهور قد خالف مبناه في باب الاستصحاب وغيره حيث حكّم نظر العرف في تشخيص موضوع الاستصحاب ..

حيث تصدّى المحقق النائيني (قدس سره) لدفعه: (وما قرع سمعك: من اتباع نظر العرف في باب الاستصحاب وأخذ الموضوع منه، فليس المراد منه اتباع نظره المسامحي، بل المراد منه أن الاتحاد المعتبر بين القضية المشكوكة والقضية المتيقنة إنما يرجع فيه إلى العرف بحسب ما هو المرتكز في ذهنه من مناسبة الحكم والموضوع)(3).

وبعبارة أوضح: إن التعويل على العرف في بقاء الموضوع في باب الاستصحاب ليس من التعويل عليه في مسامحاته وخطئه في التطبيق، بل الوظيفة في أمثال المقام هو

ص: 133


1- المستند في شرح العروة الوثقى (23/ 18 – 19).
2- المباحث الأصولية (12/405) بتصرف.
3- فوائد الأصول (4/495 ).

التعويل على العرف ؛ لأنه يرى توسعاً في مفهوم الاتحاد المعتبر بين القضية المشكوكة والقضية المتيقنة، فيكون نظره هو المتبع .

والحاصل من هذا القول: إن المشهور في المفاهيم العرفية يلجؤن الى توسعة المفهوم بمناسبات الحكم والموضوع الارتكازية، وبالتالي يحكمون النظر العرفي تحت غطاء حجية مرجعية العرف في تشخيص المفاهيم من دون ارتكاب توسعة في دليل الحجية كما هو مبنى القول الآخر، وهذه هي النكتة الفارقة بينهم وبين مبنى غيرهم.

ويمكن تلخيص مستند أدلة القول الأول من مجموع كلامهم (قدّس الله أسرارهم) بما يلي:

1 - إنه لا يمكن التعويل على العرف في تطبيق المصاديق لتسامحه وخطئه، لأنهم يعدون الناقص كاملاً، ولا مسوّغ للأخذ بهذه المسامحة، فان الرجوع إلى العرف إنما هو لتعيين مفهوم اللفظ عند الشك فيه, أو في ضيقه وسعته مع العلم بأصله في الجملة، لأن موضوع الحجية هو الظهور العرفي، فالمرجع الوحيد في تعيين الظاهر هو العرف، سواء أكان الظهور من جهة الوضع أم من جهة القرينة المقالية والحالية أو المناسبات الارتكازية، ولا يجوز الرجوع إلى العرف والأخذ بمسامحاتهم بعد تعيين المفهوم وتشخيص الظهور اللفظي. والظاهر أن مستندهم في مرجعية العرف هو خصوص السيرة العقلائية (حجية الظهور) وهي دليل لبُي يقتصر فيه على مورد التفاهمات العرفية،وأما تطبيق المفهوم على المصداق فليس بيد العرف، فلا بد من مداراة الواقع ومراعاة كمال التدقيق فيه.

2- إنه لو تمّ التعويل على المسامحة العرفيّة لزم من ذلك قبول المسامحة في الأوزان والمقادير وهو مما لايمكن المساعدة عليه.

وقد يلاحظ على هذا القول، أولاً:

إن العناوين المأخوذة في مواضيع الأحكام ليست على نمط واحد, بل هي مختلفة. فمنها الواقعي ومنها الاعتباري، ونظر العرف إنما لا يتبع في تنقيح المصداق - كما هو المدعى - إنما يختص بما له واقع محفوظ في نفسه يخطؤه العرف تارة ويصيبه أخرى، كالتحديدات الشرعيّة مثل المقادير والأوزان

ص: 134

(كالكر والفرسخ والحقًة) وهي مما لا خلاف فيها بمراعاة النظر الدّقي لأن لها واقعاً محفوظاً في نفسه يمكن من خلاله كشف خطأ العرف ومسامحته. ولهذا فإن ما ساقه المشهور من الشواهد لخطأ العرف في تطبيق المصاديق هي أمثلة لمواضيع ومعانٍ واقعية، بل هي بخصوص المقادير والأوزان.

أما إذا لم تكن العناوين لها واقع محفوظ يصح الاتكال عليه في معرفة خطأ العرف، كالاعتباريات التي تختلف باختلاف الأنظار فليس الأمر كذلك، لعدم وجود الضابط والميزان في معرفة الخطأ والمسامحة، فلابد من تحكيم النظر العرفي الدقّي فيها دون المسامحي.

ويمكن الجواب عنه: بأن الوظيفة في أمثال الاعتباريات, بل حتى التكوينيات - غير المقادير والأوزان - هو التعويل على العرف في تحديد مفهومها بحسب ما هو المرتكز في ذهنه من مناسبات الحكم والموضوع، لأنه المنساق من الإطلاق في المحاورات العرفية ومنها الخطابات الشرعية، فحينئذ يرى العرف توسّعاً في نفس المفهوم، فيكون الانطباق حينئذٍ من باب انطباق المفهوم الواسع،لأن نظره هو المتبع، كما هو الملاحظ في تطبيقات المشهور في موضوع الاستصحاب وغيره كمفهوم الحنطة والشعير والدم.

وإن شئت قلت: إن الاعتبارات العقلائية لها حدود معلومة, فإذا تسامح العرف في تطبيقها لم يؤخذ بها.

وقد يلاحظ عليه ثانياً: إن صحة الاستشهاد بالمسامحة العرفية في خصوص المقادير والأوزان من قبيل المسامحة الادعائية، وهي لا تنفع في المقام ؛ لأنها ليست حقيقية، بل هي مسامحات مجازية حتى عند العرف نفسه ؛ لأن الالفاظ في المقادير والأوزان موضوعة للحدّ المخصوص التام بشرط عدم الزيادة والنقصان، ولذا يصح ان يقال: إن هذا المقدار حقة تنقص مائة حبة، أو حقة ومائة حبة فيما لو زادت، وإطلاق الحقة عليها عند العرف من باب التسامح، أو من باب الخطأ في التطبيق ولا حجة للإطلاق العرفي في أمثال ذلك، فإنه يرجع اليه في تشخيص المفاهيم لا في إطلاقها التسامحي، بل إطلاقها التسامحي دليل المجازية إما في الإسناد، أو في الكلمة، ولعله: أي الأول، وهو

ص: 135

المجاز في الإسناد يرجع إليه كثير من موارد الإطلاقات عند العرف التي يقال في مقام الجواب عنها: إنها من الخطأ في التطبيق.

والحاصل: إنه في مورد التسامح المدعى لا يصدق الاّ التسامح المجازي دون الحقيقي منه.

(القول الثاني): وهو عكس القول الأول حيث يرى سعة مرجعية العرف وأنها لاتقف عند حدود تشخيص المفاهيم بل تتعداه الى تطبيقاته. ومستندهم بذلك كما يظهر من صريح كلماتهم أن الأحكام المتعلقة بالعناوين تتعلق بها بلحاظ مصاديقها العرفية, لأن الشارع إنما يتكلم بلسان العرف وهو حين التكلم كأحد أفراد العرف يحمل كلامه على ما هو مصداق عند أهل العرف، لأنه بعد فرض كون القضية عملية وتوقف العمل بها على تطبيق العناوين المأخوذة فيها، وفرض عدم تعرضه لذلك، فالظاهر منه بمقتضى الإطلاقات المقامية إيكال تطبيقها للعرف المخاطبين بها بحسب ما يتيسر لهم, ويصلون إليه بالوجه المتعارف لهم.

ولنذكر بعض كلمات القائلين به:

قال السيد الخميني (قدس سره): (ثم إن المراد بالعرف في مقابل العقل ليس هو العرف المسامح، حتى يكون المراد بالعقل العرف غير المسامح الدقيق، ضرورة أن الألفاظ كما أنها وضعت للمعاني النفس الأمرية تكون مستعملة فيها أيضا عند إلقاء الأحكام، فالكر والميل والفرسخ والدم والكلب وسائر الألفاظ المتداولة في إلقاء الأحكام الشرعية لا تكون مستعملة إلا في المعاني الواقعية الحقيقية، فالكر بحسب الوزن ألف ومائتا رطل عراقي من غير زيادة ونقيصة، لا الأعم منه وما يسامح العرف، وكذا الدم ليس إلا المادة السيالة في العروق التي تكون بها الحياة الحيوانية، لا الأعم منها وما يطلق عليه اسم الدم مسامحة، وليس التسامح العرفي في شيء من الموارد ميزاناً لا في تعيين المفاهيم، ولا في تشخيص المصاديق. بل المراد من الأخذ من العرف هو العرف مع دقته في تشخيص المفاهيم والمصاديق، وأن تشخيصه هو الميزان، مقابل تشخيص العقل الدقيق البرهاني.

ص: 136

مثلاً: لا شبهة في أن الدم عبارة عن المائع المعهود - الجاري في القلب والعروق، والمسفوح منه - موضوع للحكم بالنجاسة، وليس ما يتسامح فيه العرف ويطلق عليه الدم تسامحا موضوعاً لها، لكن العرف مع كمال دقته في تشخيص مصاديقه يحكم بأن اللون الباقي بعد غسل الثوب ليس بدم، بل هو لون الدم، لكن البرهان العقلي قام على امتناع انتقال العرض، فيحكم العقل لأجل ذلك بأن اللون هو الأجزاء الصغار من جوهر الدم. والكلب ليس عند العرف إلا الجثة الخارجية، والحياة من حالاتها، وميتة الكلب كلب عندهم حقيقة، وعند العقل البرهاني لما كانت شيئية الشيء بصورته، وصورة الكلب نفسه الحيوانية الخاصة به، فإذا فارقت جثته سلب منها اسم الكلب، وتكون الجثة جمادا واقعة تحت نوع آخر غير النوع الكلبي، بل يسلب عنها اسم جثة الكلب وبدنه أيضا، ويكون إطلاق بدن الكلب على الجثة المفارقة لها الروح مسامحة لدى العقل، كما هو المقرر في محله من العلوم العالية، مع أنها كلب لدى العرف حقيقة.

وبالجملة: ليس المراد من كون تشخيص المفاهيم ومصاديقها موكولاً إلى العرف هو التسامح العرفي، فالتسامح العرفي في مقابل الدقة العقلية البرهانية،لا في مقابل دقة العرف. نعم: قد يكون بين المتكلم والمخاطب في عرف التخاطب وتعارف التكلم بعض المسامحات التي تكون مغفولاً عنها لديهم حال التكلم، ويحتاج التوجه إليها إلى زيادة نظر ودقة، ومع الدقة والنظرة الثانية يتوجه المتكلم والمخاطب إلى التسامح، ففي مثل ذلك يكون المعنى المتفاهم ابتداءً موضوعاً للحكم، فإذا قال المولى: " إذا قمت إلى الصلاة فول وجهك شطر المسجد الحرام " لا يفهم المخاطب من هذا الكلام إلا استقبال المسجد بالنحو المتعارف، وإن كانت الدقة العرفية أيضا تقتضي كونه أضيق مما هو المتفاهم عرفاً، فالمناط في أمثاله هو التفاهم العرفي، لا الدقة العقلية إن قلنا: بأن الميزان هو العرف.

ثم إنه لا إشكال: في أن الميزان في تشخيص جميع المفاهيم ومصاديقها وكيفية صدقها عليها هو العرف، لأن الشارع كواحد من العرف في المخاطبات والمحاورات، وليس له اصطلاح خاص، ولا طريقة خاصة في إلقاء الكلام إلى المخاطب، فكما يفهم أهل المحاورات من قول بعضهم: " اجتنب عن الدم " أو " اغسل ثوبك من

ص: 137

البول " يفهم من قول الشارع أيضا، وليس مخاطبة الشارع مع الناس إلا كمخاطبة بعضهم بعضاً، فإذا قال: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) لا يكون المراد منه إلا الغسل بالنحو المتعارف، لا الغسل من الأعلى فالأعلى بنحو الدقة العقلية، فكما أن العرف محكم في تشخيص المفاهيم محكم في صدقها على المصاديق وتشخيص مصاديقها، فما ليس بمصداق عرفاً ليس بمصداق للموضوع المحكوم بالحكم الشرعي.فما أفاده المحقق الخراساني: من أن تشخيص المصاديق ليس موكولاً إلى العرف, وتبعه غيره ليس على ما ينبغي، فالحق ما ذكرنا تبعاً لشيخنا العلامة(1) أعلى الله مقامه)(2).

وقريب منه ما أفاده سيدنا الأستاذ السيد محمد سعيد الحكيم (دامت افاداته) في المقام بما ملخصه:

(الأول: أن الشك في العنوان المأخوذ في القضايا الشرعية التي تقع، مورداً لعمل المكلف. تارة: يتعلق بمفهومه، كالشك في مفهوم الحج، والصلاة، والصعيد، والغناء. وأخرى: بتطبيقه مع وضوح مفهومه كالشك في تحقق البيع، والإقالة، والطلاق ببعض الألفاظ الخاصة. وفي كليهما إن أمكن الرجوع للشارع، لتعرضه للجهة المشكوك فيها فهو، وإلا كان مقتضى الإطلاقات المقامية الإيكال للعرف فيهما، لأنه بعد فرض كون القضية عملية وتوقف العمل بها على تطبيق العناوين المأخوذة فيها، وفرض عدم تعرضه لذلك، فالظاهر منه إيكال تطبيقها للعرف المخاطبين بها بحسب ما يتيسر لهم, ويصلون إليه بالوجه المتعارف لهم. وإرادة خلاف ذلك تحتاج إلى عناية وتنبيه ولا مجال للبناء عليها بدونه.

نعم، لابد من كون التطبيق حقيقياً بنظر العرف، ولا مجال للاكتفاء بتطبيقاتهم التسامحية المبنية على نحو من المجاز وإعمال العناية، لخروجها عن ظاهر الإطلاق، حيث لا يعوّلون عليها في خطاباتهم وأحكامهم وامتثالاتهم. ومن هنا أفتى الفقهاء

ص: 138


1- وهو الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس سره) .
2- الاستصحاب, السيد الخميني (قدس سره) (218 – 220).

بعدم التسامح في موارد التحديد، كالأوزان أو المسافات ونحوها. كما لا مجال للبناء على أن المعيار هي التطبيقات العقلية المبنية على البحث والتدقيق المغفول عنه عند العرف بحسب طبعهم المتعارف لهم، لخروجه عن مقتضى الإطلاق المقامي المشار إليه، لأن الغفلة المذكورة لا تمنع من التطبيق الحقيقي على خلاف التطبيق الدقي، بخلاف التسامح، فإن التطبيق معه مجازي.

ومن ثم لا إشكال ظاهراً في جواز امتثال التكليف بصاع الحنطة - مثلا - بما يكون منها مخلوطا بقليل من التراب أو التبن بالوجه المتعارف، وإن كان دون الصاع دقة، وكذا الحال في سائر موارد الاستهلاك. ولو فرض عدم تيسر تشخيص المفهوم أو المصداق للعرف لخفاء الحال عليهم في مورد لزم التوقف عن العمل بالدليل فيه, والرجوع لمقتضى الأصول والقواعد الأخر)(1).

وما ذكر في هذا القول لا يخلو من إشكال كما نبه عليه سيدنا الأستاذ (دامت افاداته): (فإنه كيف يمكن الجمع بين عدم التصرف في المفهوم وبين كون الاطلاق على ما ينقص بمقدار قيراط واحد في المثال إطلاقاً حقيقياً, بل هو مسامحي قطعاً ولا عبرة به. وأما ما يلاحظ من اغتفار خلط غرام واحد من التراب في كيلو غرام من الحنطة فليس من جهة الأخذ بالمسامحة العرفية في مرحلة التطبيق بل من جهة ان العرف يرى توسعا في المفهوم نفسه, فيكون الانطباق حينئذ من قبيل انطباق المفهوم الواسع على مصاديقه الحقيقية من دون مسامحة)(2).

وقد يرد - أيضاً- على ما ذكروا، أولاً: ان ما ذكر في مستندهم من حجية النظر العرفي في تطبيق المفهوم على المصداق بمقتضى الإطلاقات المقامية..

ففيه: إن عدم تقييده بمصداق مخصوص كاشف عن إمضاء جميع أفراد المؤثر واقعاً، لا أنه كاشف عن إرادة المؤثر بنظر العرف كما هو المدعى، ومع هذا الاحتمال لا يتم الاستدلال.

ص: 139


1- المحكم في أصول الفقه (5/ 104 – 105).
2- بحوث في شرح مناسك الحج (10/515).

وثانياً، قد يقال: إن مقتضى الإطلاق المقامي لا ينفع أكثر من إرجاع تحديد المفهوم الى العرف، لأن الشارع قاصد للعرف في خطاباته ومحاوراته وبه يحصل تمام غرضه، وأما بيان المصداق فلم يكن العرف داخلا في غرضه ولامعنى لتحكيم العرف فيه, لعدم إحاطة العرف بالخصوصيات الدقيقة في المصاديق، فقد يكون هناك مصداق لا يراه العرف مصداقاً لخفاء بعض الخصوصيات، وبالتالي فلا بد من مراعاة الدقة العقلية في التطبيق، فلا عبرة بعدم رؤيتهم بعد حكمهم بالمفهوم وحدوده.

وعلى فرض كون القضية عملية وتوقف العمل بها على تطبيق العناوين المأخوذة فيها, فإنه يمكن في مقام العمل الاقتصار على القدر المتيقن في حجية العرف في تشخيص المفاهيم واللجوء الى ارتكاب التوسعة في المفهوم بمقتضى مناسبات الحكم والموضوع، لأنها مسوقة بلحاظ الأنظار العرفية - كما هو مبنى المشهور - من دون الحاجة الى الإطلاق المقامي وارتكاب التوسعة في حجية العرف بما يشمل حال التطبيق.

وأما ما ذكره السيد الخميني (قدس سره): من أن بقاء الأثر كاللون والريح وغيرهما يكشف عن بقاء العين لا محالة، لأن البرهان العقلي قام على امتناع انتقال العرض من معروضه، فيحكم العقل لأجل ذلك بأن اللون هو الأجزاء الصغار من جوهر الدم.

فقد أجيب عنه كما عن السيد الخوئي (قدس سره) (أولا): (بأن الأحكام الشرعية لا تبتني على التدقيقات الفلسفية, وإنما تدور مدار صدق العناوين المأخوذة في موضوعاتها عرفاً. وبما أن الأثر المتخلف من العين من قبيل الأعراض لدى العرف, والنجاسة مترتبة على عنوان الدم والعذرة ونحوهما ولا يصدق شيء من هذه العناوين على الأوصاف والأعراض, فلا يمكن الحكم بنجاسة الآثار المتخلفة في المحل.

و(ثانيا): (بأن كبرى استحالة انتقال العرض وإن كانت مسلمة إلا أنها غير منطبقة على المقام، لأن عروض الرائحة أو اللون أو غيرهما من آثار النجس على الثوب مثلاً, كما يحتمل أن يكون مستنداً إلى انتقال أجزاء ذلك النجس إلى الثوب لاستحالة انتقال العرض من دون معروضه، كذلك يحتمل أن يكون مستنداً إلى

ص: 140

المجاورة، لأنها ربما تسبب استعداد الشيء للتأثر بآثار مجاورة, وهذا لا بمعنى انتقال أعراض ذلك النجس إليه, حتى يدفع باستحالته, بل بمعنى تأهل الشيء لأن يعرض عليه مثل ذلك العرض من الابتداء كما عرض على النجس، وهذا كما إذا جعلنا مقداراً قليلا من الميتة في حبّ من الماء فإن الماء يكتسب بذلك رائحة الجيفة إذا مضى عليه زمان، ولا يحتمل أن يكون ذلك مستنداً إلى انتقال أجزاء الجيفة إلى الماء، حيث أن الجيفة لقلتها لا يمكن أن تنتشر في تلك الكمية من الماء, فليس ذلك إلا من جهة تأهل الماء بالمجاورة لعروض الرائحة عليه من الابتداء، ويمكن مشاهدة ما ادعيناه بالعيان فيما إذا ألقينا كمية قليلة من اللبن على أكثر منها من الحليب لأنها تقلبه لبناً لا محالة من دون أن يكون ذلك مستنداً إلى انتشار الأجزاء اللبنية في الحليب, فلا وجه له سوى التأهل بالمجاورة)(1).

وقد يجاب عنه كما عن المحقق الشيخ حسين الحلي (قدس سره): (إن موضوع النجاسة وإن لم يتبدل إلاّ أنه جرت السيرة على الطهارة بمقدار هذا التبدّل والتغيّر، فيكون ذلك بمنزلة الدليل الدال على حصول الطهارة بسبب شرعي، فلاحظ وتأمل)(2).

وثالثاً: إن نسبة القول للمشهور بالتزامه بتشخيص الموضوع بنظر العقل الدقيق البرهاني فقد ظهر أنها غير صحيحة، أولاً: لأن الأمثلة المذكورة ليست برهانية, أولم يقم البرهان عليها، فلاحظ.

وثانياً: ان المشهور ينفي ذلك- كما مرّ آنفاً - عن السيد الخوئي (قدس سره) . نعم هم أوجبوا في تعيينه مراعاة الواقع مع كمال الدّقة في التطبيق في قبال التسامح العرفي، والفرق بينهما واضح.

ص: 141


1- كتاب الطهارة, السيد الخوئي (قدس سره) (3/7).
2- أصول الفقه, المحقق الشيخ حسين الحلي (قدس سره) (11/99).

(توجيه .. وتعقيب)

أقول: لاشك في ما للسلوك العرفي من صلة وثيقة بالعقل، وقد دفعت هذه الصلة الفقهاء ورجال القانون الى الاعتقاد بوجود انسجام تام بين العرف والعقل بحيث لا يصدر عن العرف سلوك يخالف العقل ولذلك أطلق الأصوليون على العرف السيرة العقلائية لمماثلتها لدور العقل من حيث كونه يستهدف السلوك العقلائي العام بالبحث والتنقيب.

ومن جانب آخر فإن تأثر الفكر الأصولي بالمفاهيم الفلسفية واختلاط مصطلحاته بالمصطلحات الفلسفية - كما هو الملاحظ في الكتب الأصولية بصفة عامة- قد أدى الى اكتساب بعض المفردات والمركبات اللغوية مدلولاً جديداً، وهذا مما يؤدي الى اختلاط المعاني عند استنطاق النصوص والروايات..

فكان من أهم نتائج التأثير وقوع الخلط بين القوانين التكوينية والاعتبارية، واختلاط الأحكام العقلائية بالعقلية البرهانية، والعرفية بالعقلية.

ومنها المقام المبحوث عنه حيث يظهر أن سبب الاختلاف والتدافع بين القولين ليس اختلافا جوهريا, بل هو اختلاف ناشئ من ضبابية وتساهل في توظيف الاصطلاح ؛ وذلك لأن الجميع متفقون - كما هو ظاهر كلماتهم - على لزوم مراعاة الدّقة العرفية وعدم الإفراط أو التفريط في إحراز المصاديق, إلاّ أن طريقة بيانهم تختلف باختلاف المناسبات, وكذلك بحسب اختلاف رؤيتهم لمصطلح العقل, أو المسامحة العرفية المقصودين في محل النزاع. فالطرفان كما أنهما يتبرءان من المسامحة العرفية الساذجة، كذلك يتبرءان من التدقيقات الفلسفية البرهانية.

فالمشهور عندما يواجهون فكرة المسامحة المطلقة في التطبيق يردّونها بضرورة الالتزام بالدقة في تحصيل المصاديق، وكان نظرهم متوجهاً لنوع خاص من المسامحة وهي المسامحة في خصوص المحدّدات الشرعية كالمقادير والأوزان، وهي مما لا شبهة فيها من مراعاة كمال التدقيق في مرحلة التطبيق،لأنها موضوعة للمفاهيم بشرط عدم الزيادة والنقصان.

ص: 142

وفي مقابل ذلك فإن القائلين بحجية العرف مطلقاً- أيضاً- يتبرؤن من المسامحة العرفية الساذجة ويؤكدون على أن النظر العرفي المعتبر هو النظر غير المبتني على المسامحة.

كما أنهم عندما يواجهون فكرة الدّقة البرهانية في التطبيق يردّونها بكفاية الاعتماد على العرف في تشخيص المصاديق.

وكل هذا يكشف عن مدى تساهل الأعلام في إطلاق المسامحة العرفية أو إطلاق الدّقة البرهانية، وعدم تحديد محور النزاع منهما، بل وعدم تبديلهما بكلمة أخرى تمنع من تداخل هذين المفهومين .

والحاصل: إن كلا القولين ناظر الى ضرورة إحراز المصاديق إحرازاً دقيّاً متعارفاً بعيداً عن المسامحة العرفية الساذجة والبراهين العقلية الفائقة.

وعلى ضوء ما تقدّم - من التقريب بين القولين - يمكن القول: إن قول المشهور فيه غنى وكفاية لشموليته من حيث الحجيّة, وهي مرجعية العرف في تعيين وتشخيص المفاهيم التي هي القدر المتيقن من الحجية، وكذلك من حيث مقام العمل فهم يردّون المفاهيم العرفية الواردة بلسان الشارع الى التوسعة المفهوميّة ببركة مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية، من دون الحاجة الى التشبث بتوسعة دليل الحجيّة تمسكاً بالإطلاق المقامي كما هو مبنى القول الآخر.

ص: 143

نتائج البحث

1- العرف عبارة عن كل ما اعتاده الناس وساروا عليه كقانون غير مدوّن من فعل شاع بينهم أو قول تعارفوا عليه. والعرف - على الإجمال - هو ما تعارف عليه الناس وجروا عليه وفق طباعهم أو عاداتهم أو إدراكهم للأشياء من غير أن يختصّ به شخص أو أشخاص معدودون، بل يكون ذلك ظاهرة نوعيّة واجتماعية باختلاف مستوياتها وعلى نحو العموم.

ويكون العرف بهذا المعنى ذا أصول ضاربة في نفوس تلك الفئة وفي أثر الغرائز والعادات والتلقيات التي تربّوا عليها. ومن ثمّ قد يعبّر عن العرف في كلمات المتأخرين بالارتكاز العرفي.

2- يمكن أن يكون منشأ الارتكاز أحد الأمرين التاليين:

أولهما: الفطرة والغريزة، فهناك أمور فطرية وغريزية مركوزة.

ثانيهما: القوة التشريعية: فربما يحصل الارتكاز على أثر القوة التشريعية، كارتكاز المتشرعة التي منها مناسبات الحكم والموضوع التي يتداولها الفقهاء والأصوليون, فإنها من القرائن ذات الشعور المعمق بنوع الحكم المتوافق والمتناسب مع الموضوع. وهي القرينة اللبيّة التي ببركتها يمكن للفقيه من خلالها تعدية الحكم لغير مورد النص الذي ورد فيه بمقتضى الارتكاز، ويقصد به ما هو المرتكز عند خصوص الملتزمين بالمذهب والمتشرعين، كارتكاز مطلوبية استقبال القبلة حال النوم، ومذمومية حلق اللحية عندهم.

ومنه ارتكاز المسلمين: ويتحقق ذلك فيما إذا كان المرتكز عند المسلمين بما هم مسلمون مع غض النظر عن مذاهبهم الخاصة بهم، كارتكاز لزوم استقبال القبلة عند الصلاة عندهم.

3- لا خلاف بين الأعلام في حجية العرف في الجملة سواء أكان متمثلاً بسيرة العقلاء أم بسيرة المتشرعة.

ص: 144

وأما حجية الارتكاز: فحكمها حكم السيرة من حيث الحجية، فإذا كان الارتكاز متصلا بزمان أحد المعصومين وكان بمرأى ومسمع منه ولم ينه عنه مع تمكنه منه يكون حجة، وإلاّ فالارتكاز الحاصل بعد زمان المعصومين لا يكون حجة إلا إذا أحرز رضاه بذلك بطريق ما، وهو بعيد عادة. وشأن الارتكاز شأن سائر الأدلة اللبية - كالإجماع والسيرة - من حيث إنها لا تدل إلا على القدر المتيقن، وليس فيها إطلاق.

4- يمكن تقسيم المجالات العامة للتدخّل العرفي الى أربعة:

(المجال الأول) التشريع العرفي: والمراد به القوانين التي يبني عليها العرف ويأخذ بها وإليه يستند الأخذ بسيرة العقلاء.

(المجال الثاني) الاعتبار العرفي: والمراد به الانطباع العرفي في شؤون الأمور الاعتباريّة وملابساتها من قبيل تلقي العوارض المأخوذة في موضوع الحكم كحيثيات تعليليّة، كما بحث عنه في تحديد موضوع الاستصحاب.

(المجال الثالث) الفهم العرفي: والمراد به التلقي العرفي لأحد أمور ثلاثة:

(أ) التلقي للمفهوم الأفرادي للنص وهو ما يعبّر عنه بالمفهوم العرفي أو الحقيقة العرفيّة في مقابل الحقيقة اللغوية أو الشرعيّة.

(ب) التلقي لفهم النص بحسب مناسبات الحكم والموضوع وهو ما يعبّر عنه بالفهم العرفي.

(ج) التلقي من حيث تعامل الشارع الاجتماعي فيما يتكون في بيئة شرعيّة محاطة بتوجهات الشارع وإرشاداته، وهو ما يعبّر عنه بسيرة المتشرعة.

(المجال الرابع) النظر العرفي: والمراد به تشخيص العرف لمصاديق المفهوم العام وانطباعه في ما يدخل فيه ويخرج عنه.

ص: 145

5- من المصطلحات الأكثر تداولاً بين الفقهاء والأصوليين هو قرينيّة مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية وهي القرينة اللبيّة التي ببركتها يمكن للفقيه من خلالها تعدية الحكم لغير مورد النص الذي ورد فيه بمقتضى الارتكاز، سواء أكان هذا الإرتكاز عقلائياً أم شرعياً أم متشرعيّاً.

والعبرة في هذا الارتكاز الشرعي (المتشرعي) ما يفهمه الفقهاء؛ لأن ملاك الاستظهار من الخطابات الشرعية فهم الفقهاءِ حسب ذوقهم العرفي، نظراً إلى قدرتهم على تحليل فهم أهل العرف, وتوجيه ملاك فهمهم وتشخيص سرّ ارتكاز المعنى المعيّن من الموضوع المأخوذ في الخطاب في أذهانهم. فلذا لا اعتبار بفهم أيّ فرد سوقي أو عاديّ من عوام الناس في الاستظهار من الخطابات وفهم موضوعات الأحكام الشرعية. فإنّ الفقيه هو الذي يفهم بذوقه العرفي الأحكام الشرعية للأنس بها ووقوفه على شدّة مناسبة ارتباطها بموضوعاتها وهو لا يتيّسر لغيره، وهذا واضح.

6- هنالك نوع آخر من وسائل التعميم عند الفقهاء والأصوليين ينتمي الى مناسبات الحكم والموضوع يعبّر عنه بإلغاء الخصوصيّة لا يخرج عن إطار الفهم العرفي يمكن للفقيه أن يستعين به وبشكل مستقل لتعدية الحكم لمورد آخر دون الاعتماد على أدوات العموم المعروفة في الأصول كأدوات العموم أو الإطلاق اللفظي أو المقامي، بل هو عامل يساعد الفقيه وبمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية على إلغاء الخصوصية عن مورد النص.

7- إن الكلام في مرجعية النظر العرفي في باب التطبيق يقع في موردين:

الأول: في الأمور الاعتبارية.

الثاني: في الأمور التكوينيّة.

أما المورد الأول: فالظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في إمكان التعويل على النظر العرفي في تحقق مصداق المفهوم, إذا لم ينبّه الشارع على مخالفة نظره مع نظر العرف. والوجه فيه: أن النظر العرفي في الأمور الاعتبارية كالبيع ونحوه إنما هو ضرب من التقنين العرفي، وعليه فإذا رتّب الشارع أحكاماً على المفهوم من غير بيان خلافه

ص: 146

في التقنين حول موارد تحققه مع العرف دلّ ذلك على إقرار القانون العرفي. ومن ثمّ ذكر جميع الأصوليين المتأخرين جواز التمسك بالإطلاق المقامي ل[أحلّ الله البيع] بناءً على القول بالوضع للصحيح.

وقد نبّه على هذا المعنى - وهو ظهور الدليل في التعويل على النظر العرفي في الأمور الاعتبارية - غير واحد من الأصوليين.

8- اختلف العلماء الأعلام في سعة دائرة مرجعية العرف من حيث شمولها لحالة تطبيق المصاديق وعدمها على قولين:

(القول الأول): مرجعية العرف في تعيين المفاهيم،لا في تطبيقاته. وهو قول المشهور من محققي الأصول منهم المحقق الخراساني والمحقق النائيني والمحقق السيد الخوئي (قدّس الله أسرارهم)، وهو مختار شيخنا الأستاذ الشيخ الفياض (دامت إفاضاته). ومستندهم: إن العرف إنما يكون مرجعا في تعيين المفاهيم ؛ لأن الألفاظ تنصرف إلى مفاهيمها العرفية بحسب ما ارتكز في أذهان أهل المحاورات، ولا يرجع إلى العرف في تشخيص المصاديق بعد تشخيص المفهوم، لأن العرف قد يتسامح في استعمال الألفاظ وإطلاقها على مالا يكون مصداقا لمعانيها الواقعية. نعم، قد يرى العرف توسّعاً في نفس المفهوم، فيكون الانطباق حينئذٍ من باب انطباق المفهوم الواسع، لا من باب المسامحة في التطبيق .

(القول الثاني): مرجعية العرف مطلقاً تشخيصاً وتطبيقاً. وهو اختيار السيد الخميني تبعاً لأستاذه الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس سرهما)، وهو مختار سيدنا الأستاذ السيد محمد سعيد الحكيم (دامت إفاداته). وهو عكس القول الأول حيث يرى سعة مرجعية العرف وأنها لاتقف عند حدود تشخيص المفاهيم بل تتعداه الى تطبيقاته. ومستندهم بذلك كما يظهر من صريح كلماتهم أن الأحكام المتعلقة بالعناوين تتعلق بها بلحاظ مصاديقها العرفية, لأن الشارع إنما يتكلم بلسان العرف وهو حين التكلم كأحد أفراد العرف يحمل كلامه على ما هو مصداق عند أهل العرف، لأنه بعد فرض كون القضية عملية وتوقف العمل بها على تطبيق العناوين المأخوذة فيها،

ص: 147

وفرض عدم تعرضه لذلك، فالظاهر منه بمقتضى الإطلاقات المقامية إيكال تطبيقها للعرف المخاطبين بها بحسب ما يتيسر لهم ويصلون إليه بالوجه المتعارف لهم.

9- الظاهر أن سبب الاختلاف والتدافع بين القولين ليس اختلافاً جوهرياً, بل هو اختلاف ناشىء من ضبابية وتساهل في توظيف الاصطلاح ؛ وذلك لأن الجميع متفقون - كما هو ظاهر كلماتهم - على لزوم مراعاة الدّقة العرفية وعدم الإفراط أو التفريط في إحراز المصاديق, إلا أن طريقة بيانهم تختلف باختلاف المناسبات وكذلك بحسب اختلاف رؤيتهم لمصطلح العقل أو المسامحة العرفية المقصودين في محل النزاع. فالطرفان كما أنهما يتبرءان من المسامحة العرفية الساذجة، كذلك يتبرءان من التدقيقات الفلسفية البرهانية.

وكل هذا يكشف عن مدى تساهل الأعلام في إطلاق المسامحة العرفية أو إطلاق الدّقة البرهانية، وعدم تحديد محور النزاع منهما، بل وعدم تبديلهما بكلمة أخرى تمنع من تداخل هذين المفهومين.

والحاصل: ان كلا القولين ناظر الى ضرورة إحراز المصاديق إحرازاً دقيّاً متعارفاً بعيداً عن المسامحة العرفية الساذجة والبراهين العقلية الفائقة.

10- يمكن القول: إن قول المشهور فيه غنى وكفاية عن القول الآخر لشموليته من حيث الحجيّة وهي مرجعية العرف في تعيين وتشخيص المفاهيم والتي هي القدر المتيقن من الحجية، وكذلك من حيث مقام العمل فهم يردّون المفاهيم العرفية الواردة بلسان الشارع الى التوسعة المفهوميّة ببركة مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية، من دون الحاجة الى التشبث بتوسعة دليل الحجيّة تمسكاً بالإطلاق المقامي كما هو مبنى القول الآخر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 148

مصادر البحث

1. الاستصحاب: السيد الخميني. الناشر مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) .

2. الاصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم (قدس سره) . الناشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) للطباعة والنشر .

3. أصول الفقه: المحقق الشيخ حسين الحلي (قدس سره) .

4. الاقتصاد: الشيح الطوسي (قدس سره) . منشورات مكتبة جامع جهلستون - طهران.

5. بحوث في شرح مناسك الحج: السيد محمد رضا السيستاني.

6. بحوث في علم الأصول: تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) للسيد محمود الشاهرودي. الناشر مؤسسة دائرة المعارف.

7. تاج العروس: الزبيدي. الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

8. التنقيح في شرح العروة الوثقى: تقرير بحث السيد الخوئي (قدس سره) للشيخ الغروي (قدس سره) . الناشر مؤسسة احياء آثار الامام الخوئي (قدس سره) .

9. الحدائق الناضرة: المحدّث يوسف البحراني. الناشر مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة .

10. روض الجنان: الشهيد الثاني (قدس سره) .(ط.ق) الناشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) للطباعة والنشر.

11. الصحاح: الجوهري. الناشر دار العلم للملايين.

12. العين: الخليل. الناشر مؤسسة دار الهجرة.

13. فرائد الاصول: الشيخ الانصاري (قدس سره) . الناشر مجمع الفكر الاسلامي .

14. فوائد الأصول: إفادات الميرزا النائيني (قدس سره) للشيخ الكاظمي الخراساني (قدس سره) .

ص: 149

15. الفوائد الحائرية: المحقق محمد باقر الوحيد البهبهاني (قدس سره) . الناشر مجمع الفكر الاسلامي.

16. كفاية الأصول: الآخوند الخراساني (قدس سره) . الناشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) للطباعة والنشر.

17. لسان العرب: إبن منظور. الناشر نشر أدب الحوزة .

18. المباحث الأصولية: الشيخ محمد اسحاق الفياض. الناشر مكتب سماحة الشيخ محمد اسحاق الفياض.

19. مجمع البحرين: الطريحي. الناشر مرتضوي.

20. المحكم في أصول الفقه: السيد محمد سعيد الحكيم. نشر مؤسسة المنار.

21. المستند في شرح العروة الوثقى: تقرير بحث السيد الخوئي (قدس سره) للشيخ البروجردي

(قدس سره) . الناشر مؤسسة احياء آثار الامام الخوئي (قدس سره) .

22. منتقى الاصول: تقريرات السيد عبد الصاحب الحكيم (قدس سره) للسيدالروحاني (قدس سره) . مطبعة الهادي.

23. نهاية الأفكار: المحقق العراقي (قدس سره) تقرير الشيخ محمد تقي البروجردي (قدس سره) . الناشر مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

24. نهاية الدراية: المحقق محمد حسين الاصفهاني (قدس سره) . الناشر انتشارات سيد الشهداء قم المشرفة.

25. نهج الفقاهة: السيد محسن الحكيم (قدس سره) . الناشر انتشارات 22 بهمن – قم .

26. وسائل الانجاب الصناعية: السيد محمد رضا السيستاني. نشر دار المؤرخ العربي.

ص: 150

رجال المستمسك - الشيخ علي الغزي

اشارة

من المعلوم توقف الاستنباط الفقهي على البحث الرجالي, ومن طرق رصد البحث الرجالي ملاحظته في المجال التطبيقي الفقهي لعلمائنا (رضی الله عنهم).

وهذه الصفحات محاولة لرصد البحث الرجالي في (مستمسك العروة الوثقى) للسيد الحكيم (قدس سره) .

ص: 151

ص: 152

رجال المستمسك - القسم الأول

اشارة

ص: 153

ص: 154

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

لا تخفى مكانة السيد الحكيم (قدس سره) العملية البالغة والعلمية الرفيعة، التي من تجلياتها كتابه (مستمسك العروة الوثقى) وقد تعودت القراءة فيه، وكانت تصادفني بين الفينة والأخرى مواقفه الرجالية، إما من كبرى أو من راوٍ. وكنت أسجل ذلك (تارة) على هامش الصفحة، (وأخرى) في آخر صفحات الكتاب، وثالثة في الدفاتر، ثم خطرت لي فكرة وهي: أن أقرأ المستمسك من أوله الى آخره، وأسجل ما يصادفني فيه من المواقف الرجالية، ثم أجمعها في صفحات. والدافع من ورائها إعظام هذا العلم العيلم؛ فإنّ من أبرز صور إعظام العالم إبراز مكنونات علمه. والاسهام في تحريك عجلة علم الرجال في وسطنا الحوزوي.

هذا, وقد يجد المُلاحظ لهذه الصفحات قلةَ المبحث الرجالي قياساً بحجم كتاب المستمسك، لكن ذلك لا يعني عدم اهتمام مصنفه (قدس سره) بعلم الرجال بشهادة أمرين:

أ- ما ستجده في متابعاته الرجالية في مواطن اقتضت الحاجة إليها. سواء أكان ذلك من كبرى أم من راوٍ. قد يخرج معه عن ابتناء كتابه (قدس سره) على الاختصار، كما صرح به في حديثه عن العبرتائي. وقد تناوله في موضعين قال في ذيل ثانيهما: (هذا وقد خرجنا عن وضع الكتاب هنا...)(1).

ب- تأليفه (قدس سره) لرسالة في هذا الشأن، جعلها في مقدمة وأبواب وخاتمة، وبَيَّنَ في المقدمة تعريف علم الرجال وموضوعه وفائدته ومباحثه, من تشخيص ما يستفاد من

ص: 155


1- المستمسك: 5/367 ولاحظ: 1/221.

بعض ألفاظ الجرح والتعديل ك-(ثقة ونقة ووجه) وتعين وثاقة الرواية بالاجتهاد، وتمييز المشتركات، وفصله عن علم الدراية بعد أن ذكر تعريفها. مبيناً توقف الاجتهاد الفقهي عليهما، ومناقشاً لما قيل من عدم الحاجة لعلم الرجال نظراً لقطعية الكتب الأربعة.

ثم ذكر أول من ألف في الدراية؛ والوجه في عدم الأخذ بالأحاديث النبوية العامة، ثم أوضح طبقات أصحابنا المحدثين. وأنها ثلاثة، بل أربعة، مع بيان أوصافها وموضوعاتها وأحوال مؤلفيها وبعض مصطلحاتها، والطبقات هي:

الأولى: طبقة أصحاب الأئمة الذين هم أصحاب الأصول من أمير المؤمنين (علیه السلام) الى الإمام العسكري (علیه السلام) .

الثانية: مصنفو الكتب وناقلو أخبار الأصول كالحسين بن سعيد، ومحمد بن أحمد ابن يحيى، والبرقي وغيرهم.

الثالثة: المحمّدون الثلاثة الذين ألّفوا الكتب الأربعة: الكافي، والفقيه، والتهذيب، والاستبصار.

الرابع: المحمّدون الثلاثة من المتأخرين الذين نقدوا الأخبار المدونة في الكتب الاربعة، ونقلوها. وهم صاحب الوافي وصاحب البحار وصاحب الوسائل.

نعم. لا زالت هذه الرسالة مخطوطة في مكتبة الإمام الحكيم العامة برقم (2269) ولعل الله يُيسر العمل عليها.

ومنه يتضح انَّ ذلك لم يكن من جهة عدم الاهتمام بالمبحث الرجالي، بل الوجه فيه أمور وهي:

1- ان السيد الحكيم (قدس سره) صرح في أكثر من موضع بابتناء المستمسك على الاختصار. ومن ذلك قوله (قدس سره): (وكنت في أثناء ذلك ادون ما ألقيه إليهم. كشرح

ص: 156

للكتاب المذكور بشكل موجز)(1) ومن هنا نجده في كثير من الموارد اكتفى بمناقشة السند بقوله (ضعيف سنداً) أو (لضعف سنده)(2).

2- بعد بنائه (قدس سره) على حجية الخبر الموثوق به - كما سيأتي بيانه- وأن الوثوق يحصل بالشهرة أو الإجماع أو عمل الأساطين، أو وجود الأجلاء أو أصحاب الإجماع في السند، أو روايته في الكتب الأربعة. أوجب ذلك عدم الوقوف عند جملة من الأسانيد بعد تحقق الوثوق بها وحجيتها من أجل ذلك، هذا مضافاً الى عدم وقوفه (قدس سره) عند الروايات الضعيفة فيما لو كان الى جانبها المعتبر الذي يؤدى به المطلوب.

3- إن الملاحظ من طريقته (قدس سره) انه يَستغني عن المناقشة السندية بوجود ما يمكن أن يرفع الإشكال من حيث الدلالة، أو وجود ما يقتضي سقوطها كالإعراض. وهذا منهج سار عليه الشيخ الطوسي في التهذيب، حيث صرح في مقدمته قائلاً: (ومهما تمكنت من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن في إسنادها فإني لا أتعداه)(3).

4- إن الوضع الطبيعي في الأبحاث الفقهية الاستدلالية - كما نشاهد ذلك في الجواهر والحدائق والمستند- أن يكون التعرض للأبحاث الرجالية على مقدار الحاجة، كتعرضهم للبحث الأصولي إذ هو علم قائم برأسه، ويبحث في محله. نعم في الآونة الأخيرة أخذت تذكر بعض الأبحاث الرجالية الموسعة في ثنايا الأبحاث الفقهية.

ص: 157


1- المستمسك: 1/5 ولاحظ: 1/261 و481 و5/347 و367.
2- المستمسك: 1/234- 278- 288- 307- 332- 373- 431- 510، 2/43- 163- 273- 360، 3/312- 359- 443، 4/93- 96- 116- 157، 5/115- 59- 243- 244- 252- 296- 331- 271- 419- 433- 442- 554- 580، 6/226- 257- 258- 304- 367- 440، 8/12- 36- 188- 371, وغيرها.
3- تهذيب الأحكام: 1/المقدمة/2.

وقد جعلت هذا المجموع من مطاوي كلمات السيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك على تمهيد وثلاثة أبواب:

- تناول التمهيد، بناء حجية قول الرجالي على حجية خبر الثقة في الأحكام، وحجية قول الرجالي الموثوق به لا مطلق الثقة، وتحديد الوثوق الحجة. وموقفه من قول متأخري الرجال ومصادره الرجالية.

- الباب الأول: قواعد الجرح والتعديل.

- الباب الثاني: فوائد رجالية ودرائية.

- الباب الثالث: من تعرض لهم من الرجال.

وسميته ب-(رجال المستمسك).

لكن بعد اتساع صفحاته بالقياس الى المقدار الممكن عرضه في المجلة لكل مبحث، استقر الرأي على طباعته في قسمين من عددين منها: على أن يكون القسم الأول شاملاً: ل-(التمهيد والباب الأول) وهوما سنعرضه في هذا العدد. والقسم الثاني شاملاً: ل-(الباب الثاني والثالث) على أن يأتي في عدد لاحق إن شاء الله تعالى.

علي سعدون الغزي

ص: 158

تمهيد

اشارة

- بناء حجية قول الرجالي على حجية خبر الثقة في الأحكام.

- حجية قول الرجالي الموثوق به لا مطلق قول الثقة.

- تحديد الوثوق الحجة عند السيد الحكيم (قدس سره) .

- موقفه (قدس سره) من توثيق وتضعيف متأخري الرجال.

- مصادر السيد الحكيم (قدس سره) الرجالية.

ص: 159

بناء حجية قول الرجالي على حجية خبر الثقة في الأحكام

من المعلوم أن من طرق الجرح والتعديل هو الاعتماد على قول متقدمي الرجال، كالشيخ والنجاشي وأضرابهما. وقد وقع الكلام في بيان منشأ حجية قول الرجالي. وذُكِرَتْ في ذلك أقوال عدة منها:

- إنه من باب حجية مطلق الظن بعد انسداد باب العلم في معرفة أحوال الرواة.

- إنه من باب مطلق النبأ والرواية، أي الإخبار عن أحوالهم من غير اشتراط العدد والعدالة.

- إنه من باب الشهادة، أي الإخبار عن أحوالهم المشروط بالعدد والعدالة.

- إنه من باب حجية قول أهل الخبرة(1).

وقد وجه السيد الحكيم (قدس سره) منشأ حجية قول الرجالي على أساس حجية خبر الثقة في الأحكام الكلية قائلاً - في شرح المسألة العشرين من الاجتهاد والتقليد في حديثه عما يثبت به اجتهاد المجتهد-: (وربما يقال بثبوته - أي الاجتهاد- بخبر الثقة لعموم ما دل على حجيته في الأحكام الكلية. إذ المراد منه ما يؤدي الى الحكم الكلي، سواء أكان ذلك بمدلوله المطابقي أم الالتزامي، والمقام من الثاني. فإن مدلول الخبر المطابقي وجود الاجتهاد. وهو من هذه الجهة يكون إخباراً عن الموضوع. لكن مدلوله الالتزامي هو ثبوت الحكم الواقعي الكلي الذي يؤدي إليه نظر المجتهد... وعلى هذا المبنى يكفي توثيق رجال السند بخبر الثقة... ولو قلنا بحجية خبر الثقة في الموضوعات - كما عليه بناء العقلاء- فالحكم أظهر. لكنه محل تأمل لإمكان دعوى تحقق الردع)(2).

ص: 160


1- لاحظ تفاصيل أكثر عن هذه الأقوال وغيرها في تعليقه الوحيد على منهج المقال: 1/78, وتوضيح المقال, ملا علي كني, المقدمة: 55 و75, وتكملة الرجال, الشيخ عبد النبي الكاظمي: 1/96, والفوائد الرجالية, الكجوري: 54 و62, وغيرها.
2- المستمسك: 1/38- 39, ولاحظ: حقائق الأصول: 2/207.

والظاهر أن حاصل مرامه (قدس سره):

أن إخبار الرجالي بوثاقة الراوي أو عدمها. لو لوحظ بالنظر الى المخبر به في نفسه - أعني الوثاقة وعدمها- فهو من قبيل إخبار الثقة عن الموضوع. وهو ليس بحجة، لإمكان دعوى تحقق الردع عنه، إلا أنه يمكن البناء على حجيته بالنظر الى دوره في إثبات الحكم الكلي من جهة حجية خبر الثقة في الأحكام الكلية. إذ المراد منه ما يؤدي الى الحكم الكلي سواء أكان بمدلوله المطابقي أم الالتزامي. والإخبار عن الوثاقة وإن كان بحسب المدلول المطابقي هو إخبار عن وجود الموضوع. وهو وثاقة الراوي، إلا أنه بحسب المدلول الالتزامي هو إخبار عن حكم كلي. وهو كافٍ في حجيته، وأعني بالمدلول الالتزامي هو ثبوت الحكم الكلي الذي يخبر عنه الراوي.

وقد وافق (قدس سره) في هذا التخريج أستاذه المحقق العراقي (قدس سره) حيث قال في المقالات: (ومما استدل به لحجية خبر الواحد بناء سير المتشرعة، وإطباقهم على العمل بأخبار الآحاد. حتى في مقام نقل فتوى المجتهد الى مقلديه، بل وفي كل مورد كان له دخل في استنباط حكم كلي شرعي. كما هو الديدن في أخذ معاني مواد اللغات من اللغوي، وهيئاتها من الصرفي والنحوي، وحالات رجال السند من علماء الرجال...)(1).

فإن ظاهر الترقي في عبارته هو إرجاع حجية قول الرجالي الى حجية خبر الثقة في الأحكام الكلية. كما دل قوله (قدس سره): (في كل مورد كان له دخل في استنباط حكم كلي شرعي) على التعدي للمدلول الالتزامي.

ثم إنه (قدس سره) رتب على هذا المبنى. وهو أن اعتبار قول الرجالي من صغريات حجية خبر الثقة في الأحكام الكلية أنه من باب الرواية، فلا يعتبر فيه التعدد ولا العدالة، وليس من باب الشهادة كي يلزم كون الرجالي إمامياً متعدداً، كما حُكي ذلك عن جماعة كصاحب المعالم، لأن إرجاعهم قول الرجالي إلى الشهادة من جهة النظر الى

ص: 161


1- مقالات الأصول: 2/109/ المقالة الحادية عشرة/ حجة خبر الواحد من السيرة. ولاحظ: نهاية الأفكار 3/138/ تقريب الاستدلال على حجية خبر الواحد بالسيرة.

مضمونه المطابقي. وهو الإخبار عن موضوع خارجي، ولكن اتضح أنه بالالتفات الى مدلوله الالتزامي أنه إخبار عن الحكم الكلي، فيندرج بهذا الاعتبار في الرواية. وبالتالي لا يشترط في العمل على طبق قول الرجالي التعدد والعدالة. قال في الحقائق: (أما دعوى كونه من باب الشهادة فليس إلا من جهة كون موضوع الشهادة هو الإخبار عن الموضوع وإخبار الرجاليين عن مثل عدالة الراوي ووثاقته، وكون أبي بصير الذي يروي عنه ابن مسكان ليث المرادي، والذي يروي عنه شعيب بن يعقوب يحيى بن القاسم، ونحو ذلك من قبيل الإخبار عن الموضوع. وقد عرفت هناك سقوط هذه الدعوى من جهة أنه وإن سلم كون موضوع الخبر هو الموضوع لا الحكم، إلا أن المدلول الالتزامي لما كان هو الحكم الكلي وكان من قبيل الرواية من هذه الجهة فلاحظ ذلك المقام)(1).

حجية قول الرجالي الموثوق به لا مطلق قول الثقة

بعد الفراغ من حجية خبر الواحد اختلف في حدوده على قولين أساسين:

أحدهما: حجية خبر الثقة مطلقاً، أي وإن لم يُفد الوثوق بصدوره.

ثانيهما: حجية الخبر الموثوق به وإن لم يكن معتبراً سنداً، بل إن كان معتبراً سنداً ولم يحصل الوثوق به لم يكن حجة(2).

والسيد الحكيم (قدس سره) وان كان قد صرح في غير موضوع(3) بحجية الخبر الموثق إلا أن الظاهر أن مراده به الخبر الموثوق به بشهادة أمور.

ص: 162


1- حقائق الأصول: 2/207.
2- لاحظ تفاصيل أكثر في: مستدرك الوسائل: 1/201, خاتمة المستدرك: 5/259, الرسائل: 1/592، درر الفوائد: 2/392، مقالات الأصول: 2/103، نهاية الأفكار: 3/135، نهاية الدراية: 2/399، فوائد الأصول: 3/161 و189- 191، أجود التقريرات: 2/115، التنقيح: الاجتهاد والتقليد: 26 و96.
3- المستمسك: 2/22- 24- 80، 3/44، 4/17- 94- 210- 214، 5/309- 352- 355، وغيرها.

1- تصريحه بذلك. قال (قدس سره) في المستمسك: (فإن مجموع ذلك مما يستوجب الوثوق المدخل له تحت دليل الحجية)(1) و(ولا سيما مع اعتبار الوثوق في الحجية)(2) و(يكفي في الحجية الوثوق بالصدور)(3).

وقد أوضح ذلك في أصوله قائلاً: (كما أن الظاهر مما دل على حجية خبر الثقة من تلك النصوص اعتبار كون الثقة في خصوص ذلك الخبر. ولا يعتبر كونه ثقة في نفسه. وكأن الوجه في ذلك مناسبة الحكم لموضوعه، وإلا فإطلاق الثقة يقتضي كونه ثقة مطلقاً. فقرينة المناسبة المذكورة. ولا سيما بملاحظة الارتكاز العقلائي أوجبت كون الظهور ما ذكرناه. ولأجل ذلك استقر بناء الأصحاب على العمل بالأخبار الضعيفة، مع اقترانها بما يوجب الوثوق بصدورها. ولو كان مثل عمل المشهور أو الأساطين بها، كما لا يبعد أن يكون المراد من الوثوق، الوثوق النوعي جرياً على مقتضى الارتكاز العقلائي...)(4).

2- توقفه (قدس سره) في بعض الصحاح - وهي أعلى مرتبة في الموثق- لوجود ما يخدش بالوثوق بها عنده (قدس سره) كالشهرة والإجماع على خلافها. قال (قدس سره) (يكفي في وهن الصحيح إعراض القدماء عن ظاهره، لأنه يوجب ارتفاع الوثوق المعتبر في الحجية)(5) و (مثل صحيح أبان بن عثمان... ونحوها صحاح عمر بن يزيد، وعلي ابن يقطين، وإسماعيل بن الفضل وغيرهم... ولكن مع ذلك كله فالنفس لا تطمئن بعدم الوجوب للشهرة العظيمة على الوجوب، بل الإجماع ممن يُعتد بفتواهم من القدماء عليه...)(6).

ص: 163


1- المستمسك: 1/56 و42.
2- المستمسك: 4/430.
3- المستمسك: 9/571.
4- حقائق الأصول: 2/133/ فصل في الأخبار التي دلت على اعتبار أخبار الآحاد.
5- المستمسك: 1/439.
6- المستمسك: 6/153-154، ولاحظ: 10/59- 60.

3- عمله بالأخبار الضعيفة كالمراسيل لوجود ما يوجب الوثوق بها عنده (قدس سره) قال (قدس سره): (إن المراسيل حجة إذا كانت مجبورة بعمل المشهور)(1).

وعليه فلا ينبغي الشك في أنه (قدس سره) قائل بحجية الخبر الموثوق به لا مطلق خبر الثقة. وعليه فحيث أن حجية قول الرجالي عنده كانت من باب حجية الخبر في الأحكام الكلية، فيكون الحجة من قول الرجالي عنده (قدس سره) هو خصوص ما أدى الى الوثوق بوثاقة الراوي.

ومن ثَّم اعتمد (قدس سره) على تجميع القرائن في التوصل الى اعتبار الراوي، أو تمييزه مُصرحاً في بعض الموارد بأن ذلك مما يوجب الوثوق بالراوي. ومن تلك الموارد:

1- ما قاله (قدس سره) في بيان حال علي بن محمد بن قتيبة: (من مشايخ الكشي وعليه اعتمد كما في النجاشي، والخلاصة، وفي الثاني - في ترجمة يونس بن عبد الرحمن- روى الكشي حديثاً صحيحاً عن علي بن محمد القتيبي... إلى أن قال (وفي حديث صحيح عن علي بن محمد القتيبي) وقد ذكره في الخلاصة في قسم الموثقين فالرواية معتبرة...)(2) والملاحظ منه أنه جعل من القرائن الثلاثة التي جمعها للقتيبي (وهي: اعتماد الكشي, وتصحيح العلامة لسند هو فيه, وتوثيق العلامة) أموراً توجب اعتباره. وبالتالي اعتبار الرواية التي هو في سندها.

2- ما قاله (قدس سره) في بيان حال محمد بن أحمد العلوي: (والتوقف فيه، لأن في سنده محمد بن أحمد العلوي غير ظاهر. لتصحيح العلامة حديثه فيما عن (المختلف، والمنتهى) وعدم استثناء القميين حديثه من كتاب (نوادر الحكمة) ووصف الصدوق له - فيما عن (إكمال الدين)- بالدين والصدق، ورواية جملة من الأجلاء عنه. وكفى بهذا المقدار دليلاً له على الوثاقة)(3) وهنا اعتمد على قرائن أربع لتحصيل الوثوق بوثاقته.

ص: 164


1- المستمسك: 5/398.
2- المستمسك: 5/13.
3- المستمسك: 5/224.

3- ما قاله في بيان حال سعدان بن مسلم: (وأما الطعن في رواية سعدان بالضعف فلا مجال له بعد اعتماد المشهور عليها. وكون الراوي معتبر الرواية في نفسه وإن لم ينص عليه بتوثيق، فإن ملاحظة أحواله المسطورة في كتب الرجال تستوجب الوثوق به واعتبار حديثه)(1) وهو أجلى من سابقيه في الاعتماد على القرائن بما هي مفيدة للوثوق باعتبار الراوي.

وهكذا نجده اعتمد على القرائن في التوصل لمعرفة حال الراوي. في غير هؤلاء كأحمد بن هلال العبرتائي(2) والحسين بن أبي العلاء(3) وعبد الرحيم القصير(4) وعلي بن أبي حمزة البطائني(5) وعلي بن حديد(6) وعمر بن يزيد(7) وعنبسة بن مصعب(8).

وتفرع على هذا المبنى أنه لا يرى حجية قول الرجالي إذا قامت قرائن توجب عدم الوثوق به. نظير ما تقدم منه (قدس سره) في رد بعض الأخبار الصحيحة، لعدم حصول الوثوق بها. ومن هنا نجده ينتهي إلى أن الأمر في سهل بن زياد(9) سهلٌ مع أنه نُص

ص: 165


1- المستمسك: 14/447.
2- المستمسك: 1/220- 222، 5/265- 267 و10/18.
3- المستمسك: 2/13.
4- المستمسك: 1/592.
5- المستمسك: 11/146 و297 و299.
6- المستمسك: 14/585.
7- المستمسك: 5/301.
8- المستمسك: 10/370.
9- المستمسك: 1/245, ولاحظ: رجال النجاشي: 185/490, الفهرست: 142/339, والاستبصار: 3/260.

على تضعيفه. وهكذا الحال مع محمد بن سنان(1) وأحمد بن هلال العبرتائي(2) حيث انتهى الى قبول أَخبارهم مع النص على ضعفهم. وكذا الحسن بن الحسين اللؤلؤي(3) فهو انتهى الى ضعفه مع توثيق النجاشي له.

تحديد الوثوق الحجة عند السيد الحكيم (قدس سره)

هذا ويظهر من مطاوي كلماته (قدس سره) أنه يعتبر في الوثوق الحجة أمرين:

1- أن يكون الوثوق نوعياً لا شخصياً. اذ هو الذي استقر عليه بناء العقلاء. قال (قدس سره) في الحقائق: ("قوله يوجب الوثوق والاطمئنان" ينبغي أن يكون المراد بهما النوعيين لا الشخصيين إذ هو الذي استقر عليه بناء العقلاء)(4) و (كما لا يبعد ان يكون المراد من الوثوق الوثوق النوعي جرياً على مقتضى الارتكاز العقلائي)(5).

2- لا بد من تحقق الوثوق بنظر العامل بالخبر، أو من يريد ان يستند الى الراوي. ولا يكفي مجرد حصول الوثوق لغيره. قال (قدس سره): (ولذلك نجد اكثر الروايات الضعيفة غير مقبولة عند الأصحاب. وفي سندها الثقات والأجلاء، لعدم حصول الوثوق لهم من مجرد ذلك. لاحتمال كون وثوق رجال السند حاصلاً من مقدمات بعيدة يكثر فيها الخطأ)(6).

ص: 166


1- المستمسك: 1/156, ولاحظ: رجال الكشي رقم: 729 و962 و977 و1090, رجال النجاشي: 328/888, الفهرست: 206/591.
2- المستمسك: 1/220-222 و5/365 ولاحظ رجال الكشي: رقم: 1020 الفهرست: 83/107 الاستبصار: 3/28و351 رجال النجاشي: 83/199.
3- المستمسك: 4/462, رجال النجاشي: 40/83, ورجال الشيخ 424/6110.
4- الحقائق: 2/95 ولاحظ المستمسك: 1/539.
5- حقائق الأصول: 2/133.
6- المستمسك: 1/425- 426 ولاحظ: نهاية الدراية: 2/400.
موقفة (قدس سره) من توثيق وتضعيف متأخري الرجال

يُقسم أرباب الجرح والتعديل الى طبقتين أساسيتين في مناشئ معرفة أحوال الراوة. وهما: طبقة المتقدمين، وطبقة المتأخرين.

والأولى: كأبي غالب الزراري، والكشي، والبرقي، والصدوق، وابن الغضائري، والمفيد، والنجاشي، والشيخ - رحمهم الله- ولا شك في قبول قول هذه الطبقة في الجرح والتعديل. على اختلافٍ في كيفية تخريج حجية قولهم وقد تقدمت الإشارة إليه.

والثانية - طبقة المتأخرين- الذين اعتمدوا على كتب الطبقة السابقة في الجرح والتعديل، وربما اعتمد بعضهم على أمور أخرى حدسية، وهم:

1- الشيخ محمد بن علي بن شهر آشوب المتوفى 558ﻫ. وله (معالم العلماء) وهو فهرست كتب جعله تتمةً لفهرست الشيخ. مضافاً لما سُجِل عنه من مواقف رجالية في كتابه (مناقب آل أبي طالب).

2- الشيخ علي بن عبيد الله بن بابويه الرازي المعروف ب-(منتجب الدين) المتوفى بعد سنة 600ﻫ. وله كتاب (الفهرست) وهو أيضاً جعله تتمة لفهرست الشيخ.

3- السيد علي بن موسى بن جعفر المعروف ب-(ابن طاووس) المتوفى 664ﻫ. وهو لم يؤلف كتاباً في الرجال، إلا أن له مواقف رجالية في ثنايا كتبه المتعددة كفلاح السائل.

4- الشيخ حسن بن يوسف بن علي بن المُطهر الحلي. المعروف ب-(العلامة) المتوفى 726ﻫ وله كتاب (خلاصة الأقوال). مضافاً الى ما حفظ عنه من مواقف رجالية في مطاوي كتبه الفقهية.

1- الشيخ تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي المعروف ب-(ابن داود) قيل توفي 740ﻫ وله كتاب الرجال المعروف ب-(رجال ابن داود).

ص: 167

وقد اختلف علماء الرجال في حجية قول المتأخرين، وهل أنه على حد قول المتقدمين أم لا؟ فذهب جماعة الى حجيته بالنظر الى اشتراك مناط الحجية بين قول المتقدمين والمتأخرين. وهو أصالة الحس في الأخبار. بينما لم يرَ حجيته بعض آخر.

ومحط النظر في هذا الاختلاف في حجية قول المتأخرين، فيما يشهدون به حول قدماء الأصحاب والرواة دون معاصريهم، ومن قرب من عهدهم، إذ لا شك في حجية قولهم في مثله.

وقد ذهب السيد الخوئي (قدس سره) الى عدم حجية قول المتأخرين قائلاً: (ومما تثبت به الوثاقة أو الحسن: أن ينص على ذلك أحد الأعلام المتأخرين بشرط أن يكون من أخبر عن وثاقته معاصراً للمُخبر، أو قريب العصر منه. كما يتفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين، وابن شهراشوب، وأما في غير ذلك، كما في توثيقات ابن طاووس، والعلامة، وابن داود، ومن تأخر عنهم كالمجلسي لمن كان بعيداً عن عصرهم، فلا عبرة بها. فإنها مبنية على الحدس والاجتهاد جزماً. فإن السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ. فأصبح عامة الناس إلا قليلاً منهم مقلدين يعملون بفتوى الشيخ، ويستدلون بها، كما يُستدل بالرواية على ما صرح به الحلي في السرائر وغيره في غيره)(1).

وقد يُلاحظ من طريقة السيد الحكيم (قدس سره) أنه لم يستند في مورد الى قول المتأخرين في الجرح والتعديل، أو تمييز الاشتراك إلا منضماً الى قول متقدمي الرجال، أو قرائن أخرى في التوصل الى معرفة حال الراوي. ومن ذلك: ما تقدم منه (قدس سره) في محمد بن علي بن قتيبة، ومحمد بن أحمد العلوي(2). وكذا ما قاله في عبد السلام بن صالح الهروي: (والثالث - الهروي- في الخلاصة أنه ثقة صحيح الحديث ونحوه عن النجاشي والحسن بن داود وغيرهم ممن تأخر)(3).

ص: 168


1- معجم رجال الحديث: 1/ المقدمة/ نص أحد الأعلام المتأخرين/ 42.
2- تقدم في ص 164.
3- المستمسك: 8/345.

ولكنَّ الظاهر أنه لا يمكن تفسير ذلك منه (قدس سره) على أساس التفصيل بين قول متقدمي الرجال ومتأخريهم في الحجية. فإن التفصيل المذكور إنما حدث بعده (قدس سره) حيث نشهده في كلمات السيد الخوئي (قدس سره) ولم يُعرف فيما قبله - حسبما أطلعنا عليه- ويؤيد ذلك أنه قد يضم قول المتأخرين إلى قول القدماء كالنجاشي، كقوله (قدس سره) في الحسين بن أبي العلاء: (وليس في الأول من يتوقف في روايته إلا الحسين لعدم توثيق الشيخ والنجاشي صريحاً إياه، ولكن حكى ابن داود عن شيخه بن طاووس في البشرى تزكيته. وهو ظاهر عبارة النجاشي حيث قال في ترجمته. (وأخواه علي وعبد الحميد روى الجميع عن أبي عبد الله وكان الحسين أوجههم...) وقد نصوا على توثيق عبد الحميد أخيه، فدل الكلام المذكور على أنه أوثق منه. وحمل الأوجه على غير هذا المعنى خلاف الظاهر)(1) فنراه جعل ما حكاه ابن داود عن ابن طاووس في عرض ظاهر عبارة النجاشي. وكذا ما ذكره في كون سعيد بن عبد الله الأعرج هو سعيد بن عبد الرحمن الأعرج قائلاً: (كما ذكره النجاشي والعلامة وابن داود وغيره)(2).

نعم. في خصوص العلامة (قدس سره) قد عُرِف في فترة متقدمة التوقف في أقواله نظراً لوقوع الخطأ والاشتباه في كلماته. قال صاحب استقصاء الاعتبار: (تصحيح العلامة محل نظر وتأمل في إفادته التوثيق المعتبر، لكثرة ما وقع له من الأوهام في توثيق الرجال، لا لأن تصحيح الأخبار اجتهادي لا يفيد غير المقلد له...)(3) وقال الشهيد الثاني (قدس سره): (وكثيراً ما يتفق لهم التعديل بما لا يصلح تعديلاً. كما يعرفه من يطالع كتبهم. سيما (خلاصة الأقوال) التي هي الخلاصة في علم الرجال)(4) وقال

الوحيد (قدس سره): (إن كثيراً ممن صحح العلامة حديثه لا يعد حديثه صحيحاً، وإن أكثر تصحيحه، بل ربما يصحح بوجه تصحيح على وجه يحصل القطع بأنه ليس مراده ما

ص: 169


1- المستمسك: 2/13.
2- المستمسك: 1/361.
3- استقصاء الاعتبار: 3/39.
4- الرعاية: 180/الباب الثاني/ القسم الأول/ المسألة السادسة.

هو المصطلح عليه عندهم، ولذا ربما يصرح بفساد مذهبه مع حكمه بتصحيح حديثه)(1).

هذا بل قد يُؤشر من استخدامه (قدس سره) مفردة (المتأخرين) في حق من تأخر عن الطبقة الثانية من أعلام الجرح والتعديل. كالوحيد والمامقاني - رحمهما الله- مع ملاحظة ما مرَ من عرضه لكلمات أعلام الطبقة الثانية الى جنب أقوال أعلام الطبقة الأولى. قد يُؤشر ذلك إلى أن السيد الحكيم (قدس سره) لم يكن يقسم أصحاب الأصول الرجالية الى طبقتين. الأولى: كتب الشيخ والنجاشي وأضرابهما، والثانية: ككتب العلامة وأضرابه، بل يراهم في طبقة واحدة، وأن من جاء بعدهم هم (طبقة المتأخرين)(2).

مصادر السيد الحكيم (قدس سره) الرجالية

اعتمد (قدس سره) على عدة مصادر في الرجال، ومن مختلف الطبقات. ومن ذلك:

أولاً: مصادره من طبقة المتقدمين:

· رجال الكشي... وقد نقل عنه في موارد عدة بصيغتين:

أ- صيغة النقل المباشر. قال (قدس سره): (وإن حكاه الكشي (رحمة الله) وتلقاه من بعده بالقبول)(3) و(قال الكشي)(4) و (رواه الكشي)(5) فإن ظاهر عباراته هذه النقل عن نفس المصدر مباشرة.

ص: 170


1- الرسائل الفقهية: 189 تحقيق مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني.
2- لاحظ: المستمسك: 5/245, 9/95، 11/304.
3- المستمسك: 1/426.
4- المستمسك: 2/14.
5- المستمسك: 7/59.

ب- صيغة النقل غير المباشرة، كما هو صريح بعض عباراته الآتية، وظاهر بعضها الآخر: (حكى ابن داود عن الكشي)(1) و (كما عن الكشي)(2) و (ما عن الكشي)(3) و (المروية عن رجال الكشي)(4).· الشيخ الصدوق (توفي 381ﻫ ) حكى عنه في موضعين بصيغة النقل غير المباشر قائلاً: (فان المحكي عن الصدوق في فهرسته تبعاً لشيخه محمد بن الحسن بن الوليد)(5) و(ووصف الصدوق له - كما عن إكمال الدين- بالدين والصدق)(6).

· ابن الغضائري (توفي 411ﻫ ) نقل عنه في موضعين بالصيغتين:

أ- صيغة النقل المباشر حيث قال: (وهذه الدعوى وان غلطهما فيها ابن الغضائري وغيره)(7) إلا أنه ليس من البعيد أنه (قدس سره) نقل ذلك من الكتب الرجالية المتأخرة التي كانت تنقل عبائر ابن الغضائري كالخلاصة. إذ لا يوجد كتاب ابن الغضائري في متناول يد المتأخرين.

ب- صيغة النقل غير المباشرة: (وعن ابن الغضائري: أنه لم يتوقف في روايته عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب، لأنه قد سمع كتابهما جل أصحاب الحديث واعتمدوه فيهما)(8).

· رجال النجاشي (توفي 450ﻫ ) نقل عنه (قدس سره) بصيغتين أيضاً:

ص: 171


1- المستمسك: 1/186.
2- المستمسك: 1/220، 5/265.
3- المستمسك: 1/398.
4- المستمسك:9/284.
5- المستمسك: 1/427.
6- المستمسك: 5/224.
7- المستمسك: 1/427.
8- المستمسك: 1/221 و 5/365- 367.

أ- صيغة النقل المباشر عن كتابه كما هو ظاهر عبائره القائلة: (نص النجاشي)(1) (ذكره النجاشي)(2) (قاله النجاشي)(3) (ظاهر عبارة النجاشي)(4) (وثقه النجاشي)(5) (كما في النجاشي)(6).

ب- صيغة النقل غير المباشر كقوله (قدس سره): (المحكي عن النجاشي)(7) و (عن النجاشي)(8).

· الشيخ الطوسي (توفي 460ﻫ ) وقد نقل (قدس سره) عن عدة من كتبه كالعُدة، والرجال، والفهرست وبالصيغتين أيضاً:

أ- صيغة النقل المباشرة عن كتبه، كما في قوله (قال الشيخ في عدته في مبحث الخبر المرسل سوت الطائفة بين ما يرويه...)(9) (نص الشيخ في الفهرست)(10) (كما يظهر من الفهرست)(11) (فان الفهرست اقتصر على ذكر... ورجال الشيخ على ذكر...)(12) (كما يظهر من ملاحظة الفهرست)(13).

ص: 172


1- المستمسك: 1/361.
2- المستمسك: 1/361.
3- المستمسك: 1/428 و2/14.
4- المستمسك: 2/13.
5- المستمسك: 4/462.
6- المستمسك: 5/13 و8/345.
7- المستمسك: 1/186.
8- المستمسك: 2/383 و3/442 و5/245 و365 و8/345 و14/559.
9- المستمسك: 1/425.
10- المستمسك: 4/210.
11- المستمسك: 1/231.
12- المستمسك: 1/361.
13- المستمسك: 5/20.

ب- صيغة النقل غير المباشر: (كما عن الشيخ في العُدة)(1) (كما عن الفهرست)(2) (كما في محكي الفهرست)(3).

هذا. ولم نعثر على نقل له (قدس سره) عن رجال البرقي أو أبي غالب الزراري.

ثانياً: مصادره من طبقة المتأخرين:

· الشيخ منتجب الدين (توفي بعد سنة 600ﻫ ) حكى عنه بصيغة النقل غير المباشر قائلاً: (حكي عن منتجب الدين أنه فاضل عالم فقيه)(4).

· السيد علي بن طاووس (توفي 664ﻫ ) حكى عنه بصيغة النقل غير المباشر: (عن علي بن طاووس في كتابه (ربيع الشيعة) أنه من سفراء الصاحب (عجل الله تعالی فرجه الشریف)(5).

· العلامة (توفي 726ﻫ ) نقل (قدس سره) آراءه الرجالية عن الخلاصة وغيرها من كتبه الفقهية كالمختلف، والمنتهى, بصيغتين:

أ- صيغة النقل المباشر عنه أو عن كتبه كقوله (قدس سره): (صريح الخلاصة)(6) كما في الخلاصة)(7) (الذي ضعفه العلامة)(8) (صحح العلامة طريقه في جملة موارد)(9) (إن الذي صرح به في المختلف في مبحث مفطرية الغبار وثاقة سليمان)(10).

ص: 173


1- المستمسك: 1/186.
2- المستمسك: 1/220 و5/365 و14/559.
3- المستمسك: 5/463.
4- المستمسك: 1/428.
5- المستمسك: 11/92.
6- المستمسك: 1/186.
7- المستمسك: 5/13 و8/345.
8- المستمسك: 1/586.
9- المستمسك: 6/352.
10- المستمسك: 6/135.

ب- صيغة النقل غير المباشر: (عن الخلاصة)(1) (لتصحيح العلامة حديثه فيما عن المختلف والمنتهى)(2).

· ابن داود (توفي 740ﻫ ) نقل عنه بصيغة النقل المباشر مكرراً، كما هو ظاهر قوله (قدس سره): (ذكره النجاشي والعلامة وابن داود وغيرهم)(3) (حكى ابن داود عن الكشي)(4) (حكى ابن داود عن شيخه ابن طاووس)(5).

ثالثاً: من تأخر عن طبقة المتأخرين:

· الشيخ محمد باقر المجلسي (توفي 1111ﻫ ) نقل عن وجيزته بصيغة النقل المباشر في موضع قائلاً: (مع أنه عدّهُ في الوجيزة في الممدوحين)(6).

· الشيخ محمد علي الأردبيلي (توفي 1101 ﻫ ) نقل عنه بصيغة النقل المباشر قائلاً: (قال الأردبيلي في رسالة تصحيح الإسناد...)(7).

· الوحيد البهبهاني (توفي 1206ﻫ ) نقل (قدس سره) عن تعليقته على منهج المقال للأسترابادي بصيغتي النقل المباشر وغير المباشر ومن الأول: (قال الوحيد هو من أعاظم الثقاة)(8) و(وفي حاشية الوحيد في الرجال: ربما أجمع على العمل بروايته في المقام)(9) ومن الثاني: (كما عن تعليقة الوحيد)(10).

ص: 174


1- المستمسك: 1/220، 5/265.
2- المستمسك: 5/224.
3- المستمسك: 1/361.
4- المستمسك 1/186.
5- المستمسك: 2/13.
6- المستمسك: 2/398.
7- المستمسك: 5/463.
8- المستمسك: 2/14.
9- المستمسك: 2/398.
10- المستمسك: 6/352.

· صدر الدين العاملي (توفي 1263ﻫ ) حكى عنه بصيغة النقل غير المباشر في موضع عن تعليقته على منتهى المقال قائلاً: (وإن كان المحكي عن السيد صدر الدين العاملي في تعليقته على منتهى المقال)(1).

· مستدرك الوسائل للمحدث النوري (توفي 1320ﻫ ) نقل عنه بصيغة النقل المباشر بحسب ظاهر عبارته القائلة: (وقد تعرض في مستدرك الوسائل لذكر القرائن الدالة على وثاقته)(2).

· الشيخ عبد الله المامقاني في كتابه تنقيح المقال (توفي 1351ﻫ ) من معاصري السيد الحكيم (قدس سره) نقل عن كتابه تنقيح المقال قائلاً: (ذكر المامقاني في كتابه تنقيح المقال)(3).

والظاهر ان حكايته عن هذه المصادر الرجالية في الموارد التي تقدمت الإشارة إليها، كانت مأخوذة عن بعض الجوامع الرجالية المتأخرة، كتعليقة الوحيد، وتنقيح المقال. وخاصة الثاني، لامتيازه بنقل عبائر وآراء الرجاليين المتقدمين عليه، بل من المحتمل أن جملة مما ذكره (قدس سره) مما ظاهره النقل المباشر عن نفس المصدر، هو قد نقله عنهما للوثوق بهما.

ص: 175


1- المستمسك: 1/428.
2- المستمسك: 11/92.
3- المستمسك: 1/428 كما أُحيل على تنقيح المقال في: 1/387/ ﻫ (1) و 8/186/ ﻫ(8) (طبع تنقيح المقال على الحجر بثلاثة أجزاء وكانت سنة طباعة الجزء الأول 1349ﻫ - وهي نفس سنة الفراغ من الجزء الثاني من المستمسك- والثاني: 1350ﻫ والثالث: 1352ﻫ أي بعد وفاة مؤلفه بسنة).

الباب الأول: قواعد الجرح والتعديل

اشارة

- أصحاب الإجماع

- رواية من لا يروي إلا عن ثقة

- رواية الأجلاء

- رواية بني فضّال

- كون الراوي صاحب أصل

- مشايخ الصدوق (رحمهم الله)

- عدم استثناء ابن الوليد للراوي من روايات كتاب (نوادر الحكمة)

ص: 176

أصحاب الإجماع

نقل الكشي (رحمة الله) إجماع الطائفة على تصديق وتصحيح ما يصح عن ثمانية عشر راوٍ من أصحاب الأئمة (علیهم السلام) والانقياد لهم في الفقه وهم:

ستة من أصحاب الامام الباقر والصادق (علیهما السلام) وهم: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبُريد، وأبو بصير، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم(1).

وستة من أصحاب الصادق (علیه السلام) وهم: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بُكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان(2).

وستة من أصحاب الكاظم والرضا (علیهما السلام) وهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان ابن يحيى، ومحمد بن أبي عُمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد ابن محمد بن أبي نصر(3).

وهناك ثلاثة أقوال في تحديد دلالة ما نقله الكشي من إجماع الطائفة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم:

أولها: إن الإجماع المذكور يدل على وثاقة الراوي الواقع بعد أصحاب الإجماع مباشرة. ولازمه أن يكون الإجماع من الطرق العامة لإثبات وثاقة الرواة الواقعين بعد أصحاب الإجماع فيمن تثبت روايتهم عنهم، ويكون على حد ما ذكره الشيخ (قدس سره) في العُدة(4) في حق الثلاثة (ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي) من عدم روايتهم إلا عن الثقة.

ص: 177


1- رجال الكشي: 312/431 (ط. وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي. طهران. تحقيق المبيدي وموسويان).
2- رجال الكشي: 441/705.
3- رجال الكشي: 599/1050.
4- العُدة: 231.

ثانيها: إن الإجماع المذكور يدل على وثاقة المذكورين فيه وحسب. ولازمه أن يكون الإجماع من الطرق الخاصة التي قامت على صدق المذكورين فيه.

ثالثها: إن الإجماع المذكور يدل على تصحيح المتن الروائي المنقول عنهم، بقطع النظر عن الرواة الواقعين بعدهم في السند الى الإمام المعصوم (علیه السلام) فما دام الحديث صحيح السند إلى أحد أصحاب الإجماع كان الحديث صحيحاً بقطع النظر عمّن بعدهم، حتى لو كان ضعيفاً. فهو غير ناظر إلى التعريف بحال الرواة، بل إلى المروي. ولازمه أن يكون الإجماع من الوسائط الدرائية في معرفة صحة المتن والوثوق به. ولا يدخل في طرق التوثيق العامة ولا الخاصة. على أن البناء على صحة المتن بذلك حيث إنه يبتني على القرائن الخاصة، فلا مجال للتعويل عليه ما لم يوجب الوثوق لدى الفقيه نفسه بتجميع القرائن.

واختار السيد الحكيم (قدس سره) الرأي الثالث. وقد عرض حجة الرأي الأول المشهور. وناقشه فقال في عرضه: (والمعروف بينهم أن المراد به الإجماع على قبول الرواية إذا كان أحدهم في سندها. وإن رواها بواسطة مجهول، كما تدل على ذلك عبارة العُدة المتقدمة. فإن المراد من (وغيرهم من الثقات) ما يشمل أصحاب الإجماع قطعاً. ولأجلها يضعف احتمال أن المراد من الإجماع المتقدم صحة رواياتهم فقط...)(1).

ومحصل تقريبه (قدس سره) للرأي المذكور: الظاهر أن ما ذكره الكشي في كلامه المذكور هو عين ما أفاده الشيخ في العُدة حيث إنه نقل تسوية الطائفة بين مراسيل ومسانيد المشايخ الثلاثة، وعطف عليهم غيرهم من الثقات قائلاً: (وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به...)(2) فالظاهر أن المراد من (غيرهم من الثقات) ما يشمل أصحاب الإجماع. فيدل بذلك على وثاقة من يقع بعد هؤلاء من الرجال.

ص: 178


1- المستمسك: 1/426 و1/226 و3/196.
2- العدة: 231.

ثم استشكل عليه قائلاً: إن (وجه الإشكال: أن الإجماع المذكور وإن حكاه الكشي (رحمة الله) وتلقاه من بعده بالقبول، لكن ثبوته وحجيته بهذا المقدار محل تأمل. كيف وجماعة من الأكابر توقفوا عن العمل بمراسيل ابن أبي عُمير؟! وأما غيره من أصحاب الإجماع فلم يُعرف القول بالاعتماد على مراسيله، حتى استشكل بعضهم في وجه الفرق بينه وبين غيره في ذلك. وما ذكره الشيخ في عبارته المتقدمة غير ظاهر عندهم. وأيضاً فإن الظاهر أن الوجه في الإجماع المذكور ما عُلِمَ من حال الجماعة من مزيد التثبت والإتقان والضبط بنحو لا ينقلون إلا عن الثقات. ولو في خصوص الخبر الذي ينقلونه – فيجيء فيه الكلام السابق من أن الوثوق الحاصل من جهة القرائن الاتفاقية غير كافٍ في حصول الوثوق لنا على نحو يدخل الخبر في موضوع الحُجية الكلي.

وبالجملة. لو كان الإجماع المدعى ظاهراً في ذلك. فكفايته في وجوب العمل بالخبر الذي يرويه أصحاب الإجماع، مع عدم ثبوت وثاقة المروي عنه، أو ثبوت ضعفه لا يخلو من إشكال. فلاحظ وتأمل)(1).

ومحصل إشكاله (قدس سره):

أولاً: إنه لو سلم ظهور كلام الكشي في ذلك، فلا يزيد على الإجماع المنقول. وهو ليس بحجة. ما لم يوجب الوثوق بمقتضاه. ولا وثوق بتحقق الإجماع فعلاً من قبل الأصحاب على ذلك كما يؤشر عليه.أ: إن جماعة من الأكابر توقفوا عن العمل بمراسيل ابن أبي عمير.

ب: إنه لم يُعرف القول بالاعتماد على غير مراسيل ابن أبي عمير من المذكورين، حتى استشكل بعضهم في وجه الفرق بينه وبين غيره في ذلك. ومثل هذا الإشكال يجري في شأن ما ذكره الشيخ في العدة أيضاً.

ص: 179


1- المستمسك: 1/426.

ثانياً: إن الظاهر أن مفاد كلام الكشي إنما هو بناء الأصحاب على صحة روايات هؤلاء والوثوق بها، لا وثاقة مشايخهم. وكذلك الحال فيما ذكره الشيخ في العُدة. إذ الظاهر أن الوجه فيه ما عُلِمَ عن حالهم من مزيد التثبت والإتقان والضبط بنحو لا ينقلون إلا عن الثقات - ولو في خصوص الخبر الذي ينقلونه- وبذلك يتعين الرأي الثالث المتقدم، وبناءً عليه لا يمكن الاعتماد على رواية هؤلاء عن شخص في الكشف عن وثاقته، لان الوثوق الحاصل لهم من جهة القرائن الاتفاقية غير كافٍ في حصول الوثوق لنا على نحو يدخل الخبر في موضوع الحجية الكلية.

نعم. يصلح ذلك قرينة مساعدة على الوثوق بالخبر إذا انضمت إليه قرائن أخرى، كعمل المشهور. كما جرى عليه (قدس سره) في موارد. منها:

قوله (قدس سره): (وضعفها بجهالة بكر منجبر بعمل المشهور... مضافاً الى رواية صفوان عنه الذي هو من أصحاب الإجماع، وممن لا يروي إلا عن ثقة، كما عن الشيخ في العُدة)(1) وقوله: (وإرساله لا يقدح بعد انجباره بالعمل، وكون المرسل له من أصحاب الإجماع، ولا يرسل ولا يروي إلا عن ثقة كما عن الشيخ)(2). وقوله (قدس سره): (ودعوى ضعف خبر بُريد بالحارث بن محمد المجهول. مندفعة: بانجبارها باعتماد المشهور، ولا سيما كون الراوي عنه الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع)(3).

رواية من لا يروي إلا عن ثقة
اشارة

يمكن تصنيف من تعرض لهم (قدس سره) من الرواة الذين قيل في حقهم: إنهم لا يروون إلا عن ثقة الى مجموعتين:

ص: 180


1- المستمسك: 1/186.
2- المستمسك: 3/343
3- المستمسك: 8/348, ولاحظ: 3/51، 5/186- 377- 567، 6/402، 7/544، 8/249، 9/439، 10/370.

أ: المشايخ الثلاثة: ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي.

ب: غير المشايخ الثلاثة.

أ: المشايخ الثلاثة

وهم: محمد بن أبي عمير، وهو محمد بن زياد بن عيسى الأزدي, أبو أحمد بغدادي الأصل والمقام أدرك الإمام الكاظم (علیه السلام) وسمع منه, وروى عن الرضا (علیه السلام) جليل القدر, عظيم المنزلة, وأوثق الناس عند الخاصة والعامة, توفي سنة 217ﻫ(1).

وصفوان بن يحيى أبو محمد البجلي, كوفي ثقة عين، وكيل الرضا والجواد (علیهما السلام) وكانت له منزلة عند الأئمة وفي الزُهد والعبادة توفي سنة 210ﻫ(2).

وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي, أبو جعفر لقي الامام الرضا والجواد (علیهما السلام) وكان عظيم المنزلة عندهما توفي سنة 221ﻫ(3).

وقد ذكر الشيخ (رحمة الله) في كتابه العُدة في حق هؤلاء الثلاثة: أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة موثوق به قائلاً: (وإذا كان أحد الراويين مُسنداً والآخر مرسلاً. نُظِر في حال المُرسِل، فإن كان ممن يُعلم أنه لا يُرسل إلا عن ثقة موثوق به. فلا ترجيح لخبر غيره على خبره. ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر. وغيره من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون الا عمن يوثق به. وبين ما أسنده غيرهم. ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم...)(4).

واختلف في دلالة العبارة المذكورة على رأيين:

ص: 181


1- رجال النجاشي: 312/887, الفهرست: 218/617.
2- رجال النجاشي: 197/524, الفهرست: 145/456.
3- رجال النجاشي: 75/180, الفهرست: 61/63.
4- العُدة في أصول الفقه: 230-231/ الباب الثاني: الكلام في الأخبار/ فصل في ذكر القرائن التي تدل على صحة اخبار الآحاد ... وحكم المراسيل (آخر الفصل).

الأول: أنها تدل على أن من يروي عنه أحد هؤلاء المشايخ الثلاثة فهو ثقة في نفسه(1).

الثاني: أنها إنما تدل على أن من يروي عنه أحد المشايخ الثلاثة فهو ثقة في خصوص الخبر الذي رووه عنه. ولو من جهة توفر القرائن الاتفاقية عندهم على صدقه فيه، لا أنه ثقة في نفسه، بحيث يؤخذ بما يرويه لو وقع في أسانيد أخرى لم يكن الراوي فيها عنه أحدُهم.

وقد اختار السيد الحكيم (قدس سره) الرأي الثاني كما أوضحه وأستدل عليه في كلامه عن زيد النرسي بعد ان ذكر عدم ثبوت وثاقته فقال: إن (رواية محمد بن أبي عمير عنه لا توجب ذلك. وإن قيل إنه لا يروي إلا عن ثقة. إذ لا يبعد كون المراد منه الوثاقة في خصوص الخبر الذي رواه - ولو من جهة القرائن الخارجية- لا كون الراوي ثقة في نفسه وإلا لأشكل الأمر في كثير من الموارد التي روى فيها محمد بن أبي عمير عن المضعفين. مضافاً الى بنائهم على عدم كفاية روايته في توثيق المروي عنه كما يظهر من ملاحظة الموارد التي لا تحصى ومنها المقام. فإنهم لم ينصّوا على وثاقة زيد بمجرد رواية محمد بن أبي عمير عنه. وأيضاً فإن الظاهر أن عدم الرواية إلا عن ثقة، ليس مختصاً بمحمد والبزنطي وصفوان الذين قيل فيهم ذلك بالخصوص. فقد قال الشيخ في عدته في مبحث الخبر المرسل: (سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن أبي نصر البزنطي وغيرهم من الثقات اللذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به، وبين أسانيد غيرهم. ولذلك عملوا بمراسيلهم...) بل الظاهر إن كثيراً من رواة الحديث كذلك لاختصاص الحجية عندهم بخبر الثقة، وليس نقلهم للروايات من قبيل نقل القضايا التأريخية. وإنما كان للعمل والفتوى. فما لم يحصل لهم الوثوق بالرواية لا ينقولنها، بل يطعنون على من ينقلها. فلاحظ ما حكي عن أحمد بن محمد بن عيسى من إخراج البرقي من قم. لأنه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل. فلو كان هذا المقدار

ص: 182


1- تعليقه الوحيد: 1/146/ الفائدة 3.

كافياً في البناء على وثاقة الراوي، لم يبقَ لنا راوٍ إلا وهو ثقة الا نادراً. نعم الرواية عن شخص تدل على الوثوق بروايته، لكن ذلك قد لا يوجب الوثوق لغيره)(1).

وقد استشهد (قدس سره) في كلامه هذا على صحة الرأي الثاني دون الأول بشواهد. وهي:

1- كثرة الموارد التي روى فيها المشايخ الثلاثة عن الضعفاء. فإنه قرينة على عدم التزامهم بالرواية إلا عن الثقة.

2- إنهم لم يحكموا بوثاقة الراوي لمجرد رواية أحد المشايخ الثلاثة عنه، مع كثرة روايتهم عمن يحتاج الى توثيق. ومن ذلك ما كان مورد كلامه من حال زيد النرسي حيث لم يحكموا بوثاقته لمجرد رواية ابن أبي عمير عنه.

3- ما يبتني على مقدمتين.

المقدمة الأولى: إن عدم الرواية عن غير الموثوق به ليس مختصاً بالمشايخ الثلاثة، بل لا يبعد أن يكون ذلك حال عامة الأصحاب. لأمرين:

أ: عطف الشيخ نفسه غيرَهم عليهم في عبارته المتقدمة قائلاً: (وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به).

ب: إن نقل الأصحاب للأخبار لم يكن من قبيل نقل القضايا التأريخية، وإنما هو من أجل العمل والفتيا. وعليه فحيث إن الحجة عندهم خصوص الخبر الموثوق به فمقتضاه أنه متى لم يحصل لهم الوثوق بالرواية لا ينقلونها. والظاهر أن ما جرت عليه سيرة الأصحاب لم يكن حجية خصوص خبر الثقة، وإلا لم يبق لدينا راوٍ إلا وكان محكوماً بالوثاقة إلا نادراً. بل حجية الخبر الموثوق به ولو بحسب ما قام لديهم من القرائن الخاصة في خصوص الرواية.

ص: 183


1- المستمسك: 1/424- 425.

المقدمة الثانية: إنه في ضوء ما تقدم فإن من القريب جداً أن يكون ما ذُكِرَ من عدم رواية هؤلاء الثلاثة إلا عن ثقة مندرجاً فيما جرت عليه سيرة عامة الأصحاب من عدم رواية مالا يثقون به من الأخبار. ولا سيما بعدما صرح من نسبة ذلك الى غيرهم. ومن البعيد جداً أن يكون المراد أنهم امتازوا من بين الأصحاب بالالتزام بعدم نقل الرواية عمن لم تثبت وثاقته، وإن وثِق بصدقه في خصوص المورد.

هذا ومن الفارق بين الرأيين المتقدمين:

1- على الأول تكون رواية أحد الثلاثة عن شخص في مورد إمارةً على وثاقته. فينتفع بها حتى في غير مورد رواية هؤلاء عنه. وأما على الثاني فلا ينتفع بذلك إلا في الوثوق بالرواية التي رواها أحدهم عنه دون غيرها.

2- إنه في مورد روايتهم عن الشخص فإنه على الرأي الأول يجوز الاعتماد على الخبر، إذ يندرج بذلك في الخبر الصحيح أو الموثق، وإما على الرأي الثاني من شهادتهم بصدور الرواية بحسب القرائن القائمة عندهم. فلا يكفي ذلك في اعتبار الرواية لنا، لأن حصول الوثوق لهم في الخبر لا يوجب الوثوق لنا بعد احتمال قيامه على اساس القرائن الخاصة بالرواية بعينها.

هذا ولكن ليس مقتضى هذا الراي الثاني عدم قيمة رواية هؤلاء عن الشخص مطلقاً، بل ينتفع به بأحد نحوين. وهما:

النحو الأول: إن روايتهم عن الرجل تصلح قرينة مساعدة على حصول الوثوق بما رووه، متى انضمت إليه قرائن أخرى. وعلى هذا الأساس نجده (قدس سره) يجعل في تضاعيف كلماته وجود أحد المشايخ الثلاثة في السند مما يدعم اعتباره منضماً إلى قرائن أخرى. ومن ذلك:

قوله (قدس سره): (إن عمل الأصحاب وكون الراوي عن إسماعيل ابن أبي عمير الذي قيل: إنه لا يروي إلا عن ثقة، وكون الخبر مروياً في الكتب الثلاثة. وفي بعض أسانيده

ص: 184

أحمد بن محمد بن عيس المعروف بكثرة التثبت وجميع أسانيده مشتملة على الأعيان والأجلاء كافٍ في إدخال الخبر تحت القسم المعتبر)(1).

وقوله (قدس سره): (وعمر بن جميع وإن كان ضعيفاً بترياً, إلا أن رواية ابن أبي عمير عنه الذي هو من أصحاب الإجماع, وممن لا يروي إلا عن ثقة, كافية في حصول الوثوق الذي هو شرط الحجية)(2).

وقوله (قدس سره): (وجهالة إسحاق لا تقدح في حجية الخبر بعد كون الراوي عنه صفوان الذي هو من أصحاب الإجماع وممن لا يروي الا عن ثقة...)(3).النحو الثاني: إن روايتهم عن الراوي قد تساعد على الوثوق بوثاقته إذا انضمت إليه قرائن أخرى، كما جرى عليه (قدس سره) في غير موضع ومنها:

قوله (قدس سره): (لعدم توثيق عبد الرحمن، ولا سعدان بن مسلم الراوي عنه... من جهة إمكان استفادة وثوق الرجلين من القرائن، كاعتماد جماعة من أصحاب الإجماع - ومنهم صفوان ومحمد بن أبي عمير-)(4).

وقوله (قدس سره): (وأشكل عليه في المدارك: بأنها ضعيفة السند، لأن الراوي لها واقفي ناووسي... فالعمدة عدم ثبوت وثاقته... ولعل هذا المقدار بضميمة اعتماد الجماعة على الرواية، وكون الراوي عنه البزنطي. وما رواه الكليني... كافٍ في إثبات وثاقته، ودخول خبره في موضوع الحجية)(5).

وكأن الوجه في ذلك أن رواية أحد المشايخ وإن لم تستبطن حسب الرأي الثاني الذي أختاره (قدس سره) أكثر من الشهادة بوثوقهم بما رووه عن الرجل. إلا أن وثوقهم به قد

ص: 185


1- المستمسك: 5/156.
2- المستمسك: 6/402.
3- المستمسك: 9/439.
4- المستمسك: 1/592.
5- المستمسك: 10/370.

يؤشر الى كون الرجل ثقة في نفسه، لا سيما إذا تكررت روايتهم عنه وكثرت. مما يمكن أن يكون قرينةً مساعدة على استفادة وثاقة الرواية. ومن ثَّمَ لاحظنا في الموردين المتقدمين أنه لم يجعل رواية أحد المشايخ الثلاثة دليلاً مستقلاً على وثاقة الراوي، وإنما جعله قرينة من مجموع قرائن أعطى مجموعها الوثوق باعتبار الراوي.

ب: غير المشايخ الثلاثة
اشارة

وهم الحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

الحسن بن محبوب

الحسن بن محبوب السراد أبو علي الكوفي ثقة جليل القدر. روى عن الإمام الرضا (علیه السلام) من أصحاب الإجماع الذين ذكرهم الكشي في أصحاب الإمام الكاظم والرضا (علیهما السلام) توفي سنة 224ﻫ. عن خمس وسبعين سنة(1).

وقد ذكره (قدس سره) في موارد عدة من كتابه منها: قوله (قدس سره): (وصفوان... مضافاً إلى اختصاصه مع ابن أبي عمير والحسن بن محبوب بالنص عليهم بأنهم لا يروون إلا عن ثقة...)(2) وقوله (قدس سره):

(نعم. في السند الحسن بن محبوب. الذي هو من أصحاب الإجماع وممن قيل إنه لا يروي إلا عن ثقة)(3). وقوله (قدس سره): (ولا سيما كون الراوي عنه الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع، ومن الذين قيل في حقهم: إنهم لا يروون إلا عن ثقة)(4).

وكلامه (قدس سره) يُعطي صفتين للحسن بن محبوب:

ص: 186


1- الفهرست: 96/161, ورجال الكشي: 599/1050 و623/1094.
2- المستمسك: 5/377.
3- المستمسك: 6/599.
4- المستمسك: 8/348.

أ: كونه من أصحاب الإجماع. وقد استفاد منه بنفس ما تقدم في أصحاب الإجماع.

ب: إنه ممن لا يروي إلا عن ثقة.

والأول مسلم لشهادة الكشي (رحمة الله) بذلك(1) لكن لم يتضح مأخذ الثاني خصوصاً وانه (قدس سره) يُشير إلى أنهم نصوا على أنه لا يروي إلا عن ثقة.

إن قلت: هو أستفاده من كونه من أصحاب الإجماع. حيث تقدم أنهم مشمولون بقول الشيخ في العُدة بعد ذكر المشايخ الثلاثة: (وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به)(2).

قلتُ: لا يُساعد عليه العطف الظاهر في المغايرة، كما أنه تقدم منه (قدس سره) إنكار ظهور عبارة الشيخ في ذلك.

نعم. لعله (قدس سره) اعتمد على ما حكاه في تنقيح المقال. إذ قال في ترجمة الحسن بن محبوب: (بل جمع من الفقهاء - منهم الشهيد الثاني (رحمة الله) والسبزواري- عدوه كابن أبي عمير في أنه لا يرسل إلا عن ثقة) فيكون ناظراً فيما ذكره الى استظهار هؤلاء الفقهاء المتأخرين، وليس إلى شهادة اعتمدها من قِبَل أصحاب الرجال.

إلا أن هذا القول مبني على الحدس بأن ابن محبوب أولى من يمكن أن يُعد من الرجال في مرتبة ابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي الذين ذكر الشيخ فيهم أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة موثوق به. نظراً لكونه مثلهم من أصحاب الإجماع ومن الأركان الأربعة في عصره وكان من أهم طرق الأصحاب إلى كثير من أصول أصحاب الصادق (علیه السلام) (3).

ص: 187


1- رجال الكشي: 599/1050.
2- العُدة: 231.
3- تنقيح المقال: 20/360 (ط. مؤسسة آل البيت).
احمد بن محمد بن عيسى الاشعري

شيخ القميين ووجههم وفقيههم. وكان الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي الرضا(1) (علیه السلام) وقد عُرِف بعدم روايته عن جماعة من الرواة - وفيهم الأجلاء- لمحذور قدره فيهم، وربما رجع فروى عنهم إذا انكشف له انتفاء المحذور، كالحسن بن محبوب، لاتهامه في روايته عن أبي حمزة الثمالي(2). والحسن بن خرزاذ الذي قيل إنه غلا في آخر عمره(3). واحمد بن محمد بن خالد البرقي. وقد أخرجه من قم لأخذه من كل أحد على طريقة الأخباريين(4). وسهل بن زياد الأدمي لإتهامه بالغلو والكذب(5) ومحمد بن علي الصيرفي أبي سمينة لاشتهاره بالغلو والكذب(6).

وهذه المواقف منه (رحمة الله) تكشف عن نحو دقة له في امر الرواية والحديث.

ومن هنا ذهب بعض متأخري الرجال إلى أن رواية أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن راوٍ تُنبئ عن حسن حاله(7). بينما لم يرتضِ ذلك آخرون نظراً الى روايته عن بعض الضعفاء كمحمد بن سنان، وإسماعيل بن سهل، وبكر بن صالح، والحسن بن عباس بن حريش(8).

وإلى هذا الرأي الثاني ذهب السيد الحكيم (قدس سره) فلم يرَ أن رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن رجل دليل على وثاقته، كما لم يرَ ذلك في المشايخ الثلاثة وأصحاب

ص: 188


1- رجال النجاشي: 81/198, الفهرست: 68/13.
2- رجال الكشي: 561/989.
3- رجال النجاشي: 44/87, رجال الكشي: 561/989.
4- رجال ابن الغضائري: 39/10.
5- رجال النجاشي: 185/490.
6- رجال النجاشي: 332/894.
7- لاحظ: منهج المقال: 1/209/ في حديثه عن عمر بن عبد العزيز، في ثنايا ترجمة أبان بن تغلب وتعليقة الوحيد: 1/265 ترجمة إبراهيم بن إسحاق الأحمري النهاوندي.
8- معجم رجال الحديث: 1/66.

الإجماع، ولكنه يرى أنه يصلح قرينةً مساعدة على الوثوق بالرواية، أو بالراوي إذا أنضمت إليه قرائن أخرى. ومما يدل على الاعتماد على روايته في الوثوق بالرواية قوله (قدس سره): (وضعف النص لجهالة إسماعيل وفيه: أن عمل الأصحاب وكون الراوي عن إسماعيل ابن أبي عمير... وكون الخبر مروياً في الكتب الثلاثة، وفي بعض أسانيده أحمد بن محمد بن عيسى المعروف بكثرة التثبت وجميع أسانيده مشتملة على الأعيان والأجلاء كافٍ في إدخال الخبر تحت قسم المعتبر)(1).

وقوله (قدس سره): (لكنّ في تمامية حجيته بمجرد رواية ابن أبي عمير عنه تأملاً. اللهم إلا أن يكون ذلك بملاحظة طريق الصدوق (رحمة الله) إليه المشتمل على جماعة من الأعاظم وفيهم ابن الوليد. ورواية الشيخ (رحمة الله) لهذا الحديث بتوسط أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد يوجب الوثوق بالصدق فيدخل الخبر بذلك في موضوع الحجية...)(2).

وقوله (قدس سره): (لضعف عباد. لكن رواه في الكافي هكذا: (عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب. عن عباد بن صهيب) وأحمد بن محمد بن عيسى أخرج البرقي من قم لأنه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل. وابن محبوب هو الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع، وممن لا يروي إلا عن ثقة. ولا يبعد أن يكون ذلك كافياً في جبر ضعف السند)(3).

ومما يدل على أنه (قدس سره) قد يجعل رواية أحمد قرينة مساعدة على تحصيل وثاقة الراوي إذا انضمت إليها قرائن أخرى. قوله (قدس سره): (كما لا يقدح أيضاً فيه ضعف سنده لإهمال عثمان وعدم التنصيص على وثاقة أبي بكر. اذ في رواية الأساطين لها... نوع اعتماد عليها. ولا سيما أحمد الذي اخرج البرقي من قم لأنه أكثر الرواية عن

ص: 189


1- المستمسك: 5/156.
2- المستمسك: 5/567. ولاحظ: 5/245 و246 و422.
3- المستمسك: 14/21 و455.

الضعفاء واعتمد المراسيل. فكيف يعتمد على من لا ينبغي الاعتماد عليه؟! ولذا قيل: إن في روايته عن شخص نوع شهادة بوثاقته...)(1).

وقوله (قدس سره) في موضع آخر: (وفي السند علي بن أحمد بن أشيم. إلا أن يقال: رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه تدل على وثاقته)(2). ولعل تعبيره ب-(إلا أن يقال) في هذا الموضع من دون بت من جهة عدم انضمام قرائن أخرى كافية في نظره (قدس سره) توجب الوثوق بوثاقة الرجل.هذا وقد مر في الكلام عن المشايخ الثلاثة أن الوجه في اعتبار رواية الرجل عن شخص قرينة ناقصة على وثاقته، رغم أن مجرد الرواية لا تقتضي عنده (قدس سره) ابتداءً إلا وثوق الراوي بصدق المروي عنه في شخص الرواية: ان الوثوق بصدق الراوي لا سيما فيما تكرر قد يؤشر على وثقاته فلاحظ.

رواية الأجلاء

والمراد بهم الرواة المعروفون بالوثاقة والفقه، وجلالة القدر. مضافاً إلى معروفية بعضهم بالتحرز في أمر الرواية(3). كأصحاب الإجماع، والمشايخ الثلاثة، وثعلبة بن ميمون(4)، وعبد الله بن يحيى الكاهلي(5)، ومحمد بن اسماعيل بن بزيع(6)، واحمد

ص: 190


1- المستمسك: 2/79.
2- المستمسك: 9/153 و14/455.
3- هذا الإيضاح للمراد من الأجلاء مستفاد من ملاحظة تراجم رجال عُدوا في كلمات السيد الحكيم من جملتهم.
4- المستمسك: 2/14, رجال الكشي: رقم/ 776, رجال النجاشي: 117/302.
5- المستمسك: 12/358 و14/335, رجال الكشي: رقم: 841 و749, الفهرست: 168/441, رجال النجاشي: 221/580.
6- المستمسك: 5/421 و8/575, رجال الكشي: 450 و1065, الفهرست: 215/605 و236/706, رجال النجاشي: 330/893.

ابن محمد بن عيسى(1)، وموسى بن الحسن الأشعري(2)، وعلي بن إبراهيم بن هاشم(3)، ومحمد بن الحسن بن الوليد(4).

وقد اختار بعض أن رواية الأجلاء عن شخص من إمارات الوثاقة سيما إن كانوا - كلاً أو بعضاً- ممن يطعن بالرواية عن المجاهيل وأمثالها، بل إذا كانت رواية جماعة من الأصحاب تشير إلى الوثاقة فرواية أجلائهم بطريق أولى(5).

بينما لم يرتضِ ذلك آخرون ولو من جهة أن مجرد الرواية عن شخص لا تدل على وثاقته. مضافاً الى وقوع رواية الأجلاء عن الضعفاء(6).

والذي يظهر من تضاعيف كلمات السيد الحكيم (قدس سره) أنه لم يجعل رواية الأجلاء دليلاً مستقلاً على الوثاقة. كما أنه لم يرفضها أصلاً. وإنما جعلها قرينةً وجزء دليل يكشف عن وثاقة الراوي في حال انضمت إليه قرائن أخرى. كما أنه قد يوجب الوثوق بالرواية خاصةً في حال وجود قرائن أخرى تساعد على الوثوق بها.

والوجه في عدم جعلها دليلاً مستقلاً هو أن مجرد روايتهم عن شخص لا توجب الوثوق به، أو بخبره، لإحتمال وثوق هؤلاء الأجلاء به وبروايته بسبب مقدمات بعيدة يكثر فيها الخطأ قال (قدس سره): (ولذلك نجد أكثر الروايات الضعيفة غير مقبولة عند الأصحاب وفي سندها الثقات والأجلاء. لعدم حصول الوثوق لهم من مجرد ذلك. لإحتمال كون وثوق رجال السند حاصلاً من مقدمات بعيدة يكثر فيها الخطأ...)(7).

ص: 191


1- المستمسك: 1/55 و5/156, الفهرست: 68/75, رجال النجاشي: 81/198.
2- المستمسك: 5/366, رجال النجاشي: 406 و1078.
3- المستمسك: 1/55, الفهرست: 152 و380, ورجال النجاشي: 260 و860.
4- المستمسك: 5/267, رجال النجاشي: 383 و1042, الفهرست: 237 و709.
5- تعليقه الوحيد: 1/145- 146.
6- لاحظ: معجم رجال الحديث: 1/69/ المقدمة: في آخر حديثه عمن لا يروي إلا عن ثقة، والتنقيح في شرح العروة الوثقى: 4/129/ مطهرّية الشمس.
7- المستمسك: 1/426.

وأما الوجه في جعلها قرينةً وجزءَ دليل في الكشف عن اعتبار الراوي والرواية بعد الانضمام الى قرائن أخرى. فلأنّ المجموع يوجب الوثوق الذي هو موضوع الحجية.

قال (قدس سره): (لكنها ضعيفة السند لعدم توثيق عبد الرحمن، ولا سعدان بن مسلم الراوي عنه... وإن أمكنت مناقشتهم... من جهة إمكان استفادة وثوق الرجلين المذكورين من القرائن، كاعتماد جماعة في أصحاب الإجماع - ومنهم صفوان، ومحمد بن أبي عمير-وكثرة رواية الأجلاء عليهما جميعاً)(1).

وقال (قدس سره) أيضاً: (مع أنه ليس في السند من يتأمل فيه سوى طلحة، وأما هو فقد نص الشيخ في الفهرست على أن كتابه مُعتمد. ولعل هذا المقدار - بضميمة رواية صفوان عنه في غير المقام وإن في السند في المقام الحسن بن محبوب- كافٍ في كونه من الموثق)(2).

وثالثة: (ودعوى ضعف خبر بُريد بالحارث بن محمد المجهول. مندفعة: بانجبارها باعتماد المشهور. ولا سيما كون الراوي عنه الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع. ومن الذين قيل في حقهم: إنهم لا يروون إلا عن ثقة، وكون الراوي عن الحسن أحمدَ بن محمد, الظاهر في ابن عيسى الأشعري)(3).

ورابعة: (مضافاً إلى أنه غير ظاهر الحجية. لعدم ثبوت وثاقة يزيد الكناسي. نعم، في السند أحمد بن محمد بن عيسى، والحسن بن محبوب وأبو أيوب الخزاز، وقد يُشعر ذلك بالوثاقة)(4).

ومن هنا لم يكتف (قدس سره) برواية الأجلاء لو عورضت بما هو أقوى منها عنده مما يوجب سلب الوثوق. قال (قدس سره): (نعم، في السند الحسن بن محبوب، الذي هو من

ص: 192


1- المستمسك: 1/592 و5/246 و14/447.
2- المستمسك: 4/210.
3- المستمسك: 8/348. وانظر: 14/21.
4- المستمسك: 14/455.

أصحاب الإجماع وممن قيل بأنه لا يروي إلا عن ثقة، لكن في كفاية ذلك في الجبر مع إعراض الأصحاب تأمل، أو منع. ولا سيما بملاحظة عموم الابتلاء بالموضوع...)(1).

رواية بني فضّال

بنو فضّال وهم الحسن بن علي بن فضّال، وبنوه أحمد، ومحمد، وعلي(2) وقد كانوا من الفطحية وهم فرقة تقول بإمامة عبد الله الافطح ابن الامام الصادق (علیه السلام) وكان لبني فضّال المعروفين بالوثاقة والعبادة والفقه أحاديثٌ كثيرة. ولكثرة أحاديثهم من جهة، وفساد عقيدتهم من جهة أخرى، وجّه بعض الشيعة سؤالاً إلى الإمام العسكري (علیه السلام) عن الموقف الذي ينبغي اتخاذه تجاه تلك الأحاديث. وقد نُقلت إلينا إجابة الإمام العسكري (علیه السلام) بما رواه الشيخ في الغيبة: (وقال أبو الحسن بن تمام: حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه قال: سُئِل الشيخ - يعني ابا القاسم رضي الله عنه- عن كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذُمَّ وخرجت فيه اللعنة. فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما. وقد سُئِل عن كتب بني فضّال. فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات الله عليه: (خذوا بما رووا وذروا ما رأوا)(3).

وقد وقع الكلام في دلالة كلامه (علیه السلام) بعد غض النظر عن سند الحديث. على أقوال ثلاثة. نظير ما تقدم في فهم دلالة الإجماع الذي نقله الكشي (رحمة الله) في حق ثمانية عشر راوٍ من أصحاب الأئمة (علیهم السلام) .

والذي يظهر من كلمات السيد الحكيم (قدس سره) أنه يرى دلالة قول الامام (علیه السلام) في حقهم على وثاقتهم بالخصوص، ولا يدل على وثاقة من يروون عنه. قال (قدس سره): (إن

ص: 193


1- المستمسك: 6/599.
2- رجال الكشي: رقم/ 639- 993- 1014- 1050, رجال النجاشي: 80/194 و34/72 و 257/676 والفهرست: 67/72، 97/164، 156/391.
3- الغيبة: 389/355/ بعض توقيعات الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في حديثه عن الحسين بن روح.

الظاهر من قوله (علیه السلام): (خذوا ما رووا) صحة رواياتهم، لا صحة روايات من يروون عنه)(1) كما أنه لا يرى دلالة النص على صحة الروايات التي يروونها. بحيث يُوجب الوثوق بها وان لم تسلم سنداً. ومن هنا عقب على دعوى اعتبار رواية مرسلة من جهة وجودهم ب-(التأمل) قائلاً: (والإرسال غير قادح في الحجية بعد الانجبار بالعمل فتأمل. ولا سيما وكون الرواية من روايات بني فضّال الذين قال العسكري في كتبهم: (خذوا بما رووا وذروا ما رأوا) فتأمل)(2).

نعم. جعل الخبر الموثوق من جهتهم من أرقى مراتب الخبر الموثق بالنظر إلى أمر الإمام (علیه السلام) بالأخذ برواياتهم. قال (قدس سره): (إذ يكفي في الحُجية كونها من الموثق. ولاسيما وكونها من روايات بني فضّال التي أمرنا بالخصوص بالأخذ بها)(3) وقال أيضاً: (إن الموثق من الخبر الحجة، ولا سيما إذا كان في السند بنو فضّال)(4).

كون الراوي صاحب أصل

ذكر أرباب الجرح والتعديل في تراجم جملة من الرواة أن (له أصل)(5) و (له كتاب يُعد في الأصول)(6) و (نوادره أصل)(7) ويظهر من سياق غير واحد من تعابيرهم كالتعبيرين الأخيرين من أن (الأصل) أخص من التأليف، فلا يطلق على كل مؤَلفٍ أنه (أصل). إلا أنه وقع الخلاف في المعنى المقصود من الأصل في مقابل الكتاب بمعناه الأعم. فذُكرت في معناه تفاسير عدة:

منها: ما كان مجرد كلام معصوم (علیه السلام) والكتاب ما فيه كلام مصنفه.

ص: 194


1- المستمسك: 1/221.
2- المستمسك: 5/470-471.
3- المستمسك: 8/284.
4- المستمسك: 8/307.
5- الفهرست: رقم/12-13-20-21-22-23-32 وغيرها.
6- الفهرست: رقم/204: الحسين بن أبي العلاء، و249/حريز بن عبد الله السجستاني.
7- رجال النجاشي: 425/1143 والفهرست: 70/80.

ومنها: انه مجمع أخبار وآثار، والكتاب ما كان مبوباً ومفصلاً.

ومنها: ما استقربه الوحيد في تعليقته: من أنَّ الأصل هو الكتاب الذي جَمَعَ فيه مُصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم (علیه السلام) أو عن الراوي عنه. والكتاب والمُصَنَف لو كان فيه حديث معتمد معتبر لكان مأخوذاً من الأصل غالباً، لأنه قد توجد في الكتب المصنفة مشافهة عن المعصوم (علیه السلام) من دون أن تؤخذ من الأصل(1).

منها: ما استقربه صاحب تكملة الرجال: من أنّ الأصل هو الذي أُخذ من المعصوم (علیه السلام) مشافهة ودوِّن من غير واسطة راوٍ(2). وغير ذلك من التفاسير.

هذا. ووقع الكلام في دلالة اعتبار كتاب الراوي أصلاً على وثاقته وحسن حاله. فقيل بدلالته على اعتباره نظراً إلى أن التعبير عن الكتاب بالأصل يدل على كونه معتمداً عليه. يبنى على ما ورد فيه، والاعتماد على كتاب الرجل يقتضي وثاقته. ويُساعد على ذلك قرائن تدل على مزيد اهتمامهم بالأصول حتى ذكروا من رواها كقولهم في حق جماعة: (روى الأصول أو أكثر الأصول أو جميع الأصول أو روى عن فلان أصولاً أو كثير الحديث والأصول)(3) وتصنيفهم لفهارس خاصة بها(4). وجعلهم ورود الخبر في أصلٍ من قرائن اعتباره(5).وفي قبال ذلك قيل بعدم دلالته على اعتبار صاحب الأصل نظراً الى عدم وضوح معنى الأصل - كما عرفت- كي يتعرف من خلاله على مدى اعتبار صاحبه.

ص: 195


1- تعليقه الوحيد على منهج المقال: 1/121.
2- تكملة الرجال: 1/121, ولاحظ ايضاً منتهى المقال: 1/68, طرائق المقال: 2/260, الفوائد الرجالية (الكجوري): 99, وغيرها.
3- رجال الشيخ: 408/5940- 5941- 5942- 5943 و409/5945- 5949 و420/6073 و430/6179 و441/6301- 6302- 6304- 6306 و449/6386, والفهرست: رقم:88.
4- لاحظ مقدمة فهرست الشيخ ورقم: 141.
5- الوافي: 1/22, والرواشح السماوية: 98, الراشحة 29 (حجري).

وقد اختار السيد الحكيم (قدس سره) الرأي الثاني قائلاً: (ومثل ذلك دعوى ثبوت وثاقة النرسي بِعَدّ كتابه من الأصول كما في الفهرست وغيره. اذ فيه عدم وضوح كون المراد بالأصل الكتاب الذي يجوز الاعتماد عليه والعمل بما فيه. لاحتمال كون المراد معنى آخر. فلاحظ كلماتهم في الفرق بين الكتاب والأصل. فقد ذكروا فيه وجوهاً واحتمالات ليس على واحدٍ منها شاهد واضح)(1).

مشايخ الصدوق (قدس سره)

قال (قدس سره): (طريق الفقيه الى الفضل. عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، وعلي بن محمد بن قتيبة. والأول. من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث كما في المدارك...)(2).

وظاهره كفاية مشيخة الصدوق في الاعتبار.

ولعل المراد ب-(المعتبرين) مشايخه الذين أكثر الرواية عنهم، مترضياً عليهم تارة، ومترحماً أخرى(3). كما يناسب ذلك المورد، أعني عبد الواحد بن محمد بن عبدوس فقد أكثر الصدوق (رحمة الله) من الرواية عنه مترضياً عليه تارة ومترحماً أخرى(4).

عدم استثناء ابن الوليد للراوي من كتاب نوادر الحكمة

محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، أبو جعفر شيخ القميين. وفقيههم ومتقدمهم ووجههم ثقة عين جليل القدر. عارف بالرجال بصير بالفقه توفي 343ﻫ(5).

ص: 196


1- المستمسك: 1/427.
2- المستمسك: 5/13و 8/345.
3- الرواشح السماوية: 105/ الراشحة 33.
4- لاحظ على سبيل المثال: التوحيد: 74- 133- 237- 263- 404.
5- رجال النجاشي: 383/1042, الفهرست: 237/709, رجال الشيخ: 439/6273.

وأما نوادر الحكمة، فهو كتاب لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القُمي، وكان ثقة في نفسه جليل القدر كثير الرواية، إلا أنه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمن أخذ. وكتابه (نوادر الحكمة) كتاب كبير حسن يعرفه القميون ب-(دبة شبيب) وشبيب رجل فامي - أي يبيع كل شيء- كانت له دبة لها بيوت يُعطي منها ما يُطلب منه لما تحويه من أنواع متعددة. وشبهوا كتاب نوادر الحكمة ب-(دبة شبيب) لما يحويه - ظاهراً- من أصناف النوادر الروائية في مختلف الأبواب تصل الى اثنين وعشرين باباً في الفقه والرجال والتاريخ والأدب وغيرها(1).

وقد استثنى ابن الوليد - وهو ممن روى كتاب نوادر الحكمة- من روايات هذا الكتاب ثلاثة أصناف, هي:

1: مجموعة من الرواة. وهم: محمد بن موسى الهمداني، ومحمد بن يحيى المعاذي، وأبو عبد الله الرازي الجاموراني، وأبو عبد الله السياري، ويوسف بن السخت، ووهب بن منبه، وأبو علي النيشابوري، وأبو يحيى الواسطي، ومحمد بن علي أبو سمينة، وسهل بن زياد، وأحمد بن هلال، ومحمد بن علي الهمداني، وعبد الله بن محمد الشامي، وعبد الله بن أحمد الرازي، وأحمد بن الحسين بن سعيد، وأحمد بن بشير الرقي، ومحمد بن هارون، وحموية بن معروف، ومحمد بن عبد الله بن مهران، ويوسف بن الحارث، وجعفر بن محمد بن مالك.

2: راوٍ في حالة مُعينة, وهو ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي، ومحمد بن عيسى بن عبُيد بإسناد منقطع. ومن هذا الصنف بعض من ذكرناه في الصنف الأول على ما في الفهرست. وهم جعفر بن محمد الكوفي، وجعفر بن محمد بن مالك، ويوسف بن السخت، وعبد الله بن محمد الدمشقي.

ص: 197


1- رجال النجاشي: 348/939, الفهرست: 221/622, رجال الشيخ: 438/6262, وإيضاح الاشتباه: 277/616.

3: الأسانيد المرسلة: وهي ما رواه عن رجل أو عن بعض أصحابنا أو حديث أو عن كتاب ولم أروه. ومنه ما عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع - كما في النجاشي-.

وفي خصوص محمد بن عيسى بن عُبيد استثناه ابن الوليد ثانيةً مما يتفرد به من الأخبار من كتب يونس بن عبد الرحمن وحديثه، فلا يعتمد عليه ولا يُفتى به(1).

وقد وافق ابن الوليد على ما استثناه تلميذه ابن بابويه (الصدوق) وابو العباس ابن نوح.

نعم لم يوافقه الثاني في محمد بن عيسى بن عُبيد، فإنه لا يُدرى (ما رابه فيه، لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة)(2).

وقد ذكر الشيخ في مقام حكاية ذلك عنه ما يُشير الى وجه استثنائه وهو: (إلا ما كان فيه من غلو أو تخليط)(3).

ثم إنه ربما يُنسب استثناء ابن الوليد إلى القميين، كما في كلمات جماعة منهم السيد الحكيم (قدس سره) وكأنه بالنظر الى مكانة ابن الوليد والصدوق فيهم.

هذا. وقد ذهب بعض الأعلام إلى أن عدم استثناء الراوي من الكتاب المذكور إمارة الاعتماد عليه، بل ربما يكون إمارة لوثاقته. نظراً لتشدد القميين في أمر الرواية(4).

ص: 198


1- رجال النجاشي: 333/896 (محمد بن عيسى بن عبيد), والفهرست: 266/813 ترجمة (يونس ابن عبد الرحمن).
2- رجال النجاشي: 333/896 و 348/939.
3- الفهرست: 221/622.
4- لاحظ: تعليقه الوحيد: 1/157 و384 ترجمة ابراهيم بن هاشم 2/363 ترجمة (إسماعيل بن مرار).

بينما لم يرتضِ ذلك آخرون بالنظر الى وقوع آخرين في أسانيد الكتاب ممن ضعفوا، كما لعل عدم استثنائهم من جهة الوثوق برواياتهم التي جاءت في الكتاب لخلوها عن الغلو والتخليط الباعث على الاستثناء. وربما أُحتمل اعتماد الحاكم بالصحة على أصالة العدالة في شأن غير من وقع عليهم الاستثناء(1).

والذي يظهر من السيد الحكيم (قدس سره) إزاء استثناء القميين. أمران:

الأول: إن من وقع عليه الاستثناء محكوم بالضعف أخذاً بتضعيفات علماء الرجال. قال (قدس سره): (وضعف سندها بمحمد بن يحيى المعاذي الذي ضعفه العلامة، واستثناه القميون من كتاب (نوادر الحكمة))(2). نعم يستثنى من ذلك محمد بن عيسى بن عُبيد نظراً لمعارضة التضعيف المذكور بتوثيق آخرين. وفي ذلك يقول: (ونوقش فيه بضعف السند لأن فيه محمد بن عيسى عن يونس. وقد استثناه القميون من كتاب نوادر الحكمة... ويمكن دفعه بأن استثناء القميين قد أنكره جماعة من القدماء والمتأخرين، كما يظهر من ملاحظة كتب الرجال)(3) يقصد (قدس سره) أنكروا استثناء ابن عبيد. لا أنهم أنكروا أصل الاستثناء بقرينة الإحالة على ما في كتب الرجال. وقد عرفت عن النجاشي عدم ارتضاء ابن نوح باستثناء ابن عبيد خاصة.

هذا. ولم يحتمل (قدس سره) في شأن من استثني من روايات الكتاب أن يكون تضعيفاً لرواياتهم فحسب على حد ما رجحه في شأن قبول روايات من لم يُستثن - على ما سيأتي- وكأنه لظهور العبارة في تضعيفهم واتهامهم في ما وقع من رواياتهم من غلو وتخليط. ويساعد على ذلك أن الشيخ ذكر في محمد بن عيسى بن عبيد أنه ضعيف إستناداً لاستثناء ابن بابويه له من كتاب نوادر الحكمة(4).

ص: 199


1- لاحظ: معجم الحديث: 1/70/ الوقوع في سند محكوم بالصحة.
2- المستمسك: 1/586.
3- المستمسك: 6/414.
4- الفهرست: 216/611.

الثاني: بالنسبة الى من لم يُستثن بنى السيد الحكيم (قدس سره) على الرأي الثاني المتقدم حسب ما يظهر من مجموع كلماته بمعنى أنه لم يرَ في الاستثناء دلالة على توثيق عام لأعيان سائر الرواة الذين وقعوا في الكتاب، ولكنه إنما يدل على وثوق القميين برواياتهم في الكتاب. ويتفرع على ذلك أمران:

أ: إنّ دلالة الاستثناء المتحدث عنها إنما هي مختصة بكتاب (نوادر الحكمة) ولا تشمل غيره. فلو كان هناك راوٍ لم يستثنه القميون من كتاب نوادر الحكمة كإسماعيل بن مرار روى في غير كتاب نوادر الحكمة

رواية لا تكون من جهته معتبرة بُحكم عدم الاستثناء المذكور، لأنه مختص بما له من الروايات في كتاب نوادر الحكمة، ولا يشمل روايته الأخرى في غيره. قال (قدس سره): (استثناء القميين إنما كان بالإضافة إلى نوادر الحكمة. فلا يدل على صحة كل حديث رواه إسماعيل عن يونس، وإن لم يكن الحديث مروياً في كتاب نوادر الحكمة. فتأمل)(1).

ب: إنّ وثوق القميين بروايات من لم يستثنوا من الكتاب لا يكفي حجة لغيرهم، لأنه يعتمد على القرائن الاتفاقية التي اطلعوا عليها، مما يعني أنه لو اطلع عليها غيرهم ربما لم تؤدِ الى الوثوق.

نعم. لا يمنع ذلك من الانتفاع بهذا الوثوق على أحد وجهين على غرار ما تقرر في رواية أصحاب الإجماع والمشايخ الثلاثة، والأجلاء من أن مفاد جميع ذلك لا يتعدى الحكم بصحة روايات هؤلاء وهما:

الوجه الأول: أن يساهم ذلك في الوثوق بشخص الروايات الواردة في كتاب نوادر الحكمة في غير موارد الاستثناء إذا انضمت إليه قرائن أخرى كما قال في رواية لإسماعيل بن مرار: (برواية الشيخ له عن كتاب نوادر الحكمة. ولم يستَثنٍ القميون

ص: 200


1- المستمسك: 3/197.

من رواياته مثله - إسماعيل بن مرار- فدل ذلك على اعتمادهم عليه وكفى به مصححاً)(1).

الوجه الثاني: أن يساهم ذلك في الوثوق بوثاقة الراوي. ولو في غير مورد وقوعه في الكتاب كما ذكر ذلك (قدس سره) في محمد بن احمد العلوي وعمر بن علي بن عمر, قال (قدس سره): (والتوقف فيه لأن في سنده محمد بن احمد العلوي غير ظاهر, لتصحيح العلامة حديثه فيما عن (المختلف) و(المنتهى) وعدم استثناء القميين حديثه من كتاب نوادر الحكمة. ووصف الصدوق له - فيما عن إكمال الدين- بالدين والصدق ورواية جملة من الأجلاء عنه. وكفى بهذا المقدار دليلاً على الوثاقة)(2).

وقوله (قدس سره) في حق الثاني: (وليس في سنده من يتوقف منه عدا عمر بن علي بن عمر. وفي رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه مع عدم استثناء القميين روايته من كتاب نوادر الحكمة نوع شهادة على وثاقته)(3).والملاحظ في محمد بن أحمد العلوي توثيقه، والاعتماد عليه في غير مورد روايته في كتاب نوادر الحكمة إذ هو وقع في ما رواه الشيخ عن (محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن أحمد العلوي عن العمكري البوفكي عن علي بن جعفر عن أخيه (علیه السلام) )(4). وكأن هذا هو الوجه بالتأمل في عبارته المتقدمة. بعد أن نفى استفادة توثيق إسماعيل بن مرار من عدم استثنائه فيكون المقصود احتمال البناء على وثاقته ولو بضميمة قرائن أخرى. لا سيما مع كثرة روايات إسماعيل عن يونس.

وقد يحتمل أن يكون وجه أمره بالتأمل هو أنْ يُستشف من استثناء روايات رجال بأعيانهم، وقبول مطلق روايات غيرهم دون تفصيل أن يكون ذلك مُنبئاً عن توثيق هؤلاء. والاحتمال الأول أقرب.

ص: 201


1- المستمسك: 8/80.
2- المستمسك: 5/224.
3- المستمسك: 5/310.
4- تهذيب الأحكام: 3/231/ ح105.

مصادر البحث

1- أجود التقريرات: لآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) . ط: العرفان.

2- الاستبصار: لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (قدس سره) . ط: دار الكتب الإسلامية.

3- إستقصاء الاعتبار: المحقق الشيخ محمد (قدس سره) . ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

4- إيضاح الاشتباه: للعلامة الحلي (قدس سره) ط: مؤسسة النشر الإسلامية.

5- تعليقه الوحيد البهبهاني (قدس سره) على منهج المقال. ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

6- تكملة الرجال: العلامة عبد النبي الكاظمي (قدس سره) ط: مهر.

7- التنقيح في شرح العروة الوثقى: الخوئي (قدس سره) ط: مؤسسة إحياء تراث الإمام الخوئي.

8- تنقيح المقال: الشيح عبد الله المامقاني (قدس سره) ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

9- تهذيب الأحكام: لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (رحمة الله) ط: مكتبة الصدوق.

10- التوحيد: للشيخ الصدوق (رحمة الله) ط: مؤسسة النشر الإسلامي.

11- توضيح المقال: الملا علي كني (قدس سره) ط: مؤسسة دار الحديث العلمية.

12- حقائق الأصول: السيد محسن الحكيم (قدس سره) ط: الغدير.

13- خاتمة المستدرك: للمحدث النوري (رحمة الله) .

14- رجال الشيخ: الشيخ الطوسي (قدس سره) ط: مؤسسة النشر الإسلامية.

15- رجال النجاشي: أبو العباس النجاشي (رحمة الله) ط: مؤسسة النشر الإسلامية.

16- رجال الكشي: الشيخ الطوسي (قدس سره) ط: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.

17- الرسائل الفقهية: للوحيد البهبهاني (قدس سره) ط: مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني.

ص: 202

18- الرعاية في علم الدراية: الشهيد الثاني (قدس سره) ط: بهمن – قم.

19- الرواشح السماوية: للمحقق الداماد (قدس سره) حجري.

20- طرائف المقال: السيد البروجردي (قدس سره) ط: بهمن. قم.

21- العُدة في الأصول: الشيخ الطوسي (قدس سره) ط: مؤسسة بوستان كتاب.

22- الغيبة: الشيخ الطوسي (قدس سره) ط: مؤسسة المعارف الإسلامية.

23- الفهرست: الشيخ الطوسي (قدس سره) ط: مؤسسة نشر الفقاهة.

24- فوائد الأصول: الكاظمي (قدس سره) ط: مؤسسة النشر الإسلامي.

25- الفوائد الرجالية: الكجوري (قدس سره) ط: مؤسسة الأستانة الرضوية.

26- مستدرك الوسائل: للمحدث النوري (رحمة الله) . ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

27- معجم رجال الحديث: السيد الخوئي (قدس سره) ط: الخامسة.

28- مقالات الأصول: المحقق العراقي (قدس سره) ط: مجمع الفكر الإسلامي.

29- منتهى المقال: أبو علي الحائري (قدس سره) ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

30- منهج المقال: للأسترابادي (قدس سره) ط: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

31- عناية الأفكار: للمحقق العراقي (قدس سره) . ط: مؤسسة النشر الإسلامي.

32- نهاية الدراية: للمحقق الإصفهاني (قدس سره) . ط: أمير. قم.

ص: 203

ص: 204

الشرائع للفقیه الأقدم علی بن بابویة القمی قدس سره (المستخرج من المصادر الأخرى) - الشيخ كريم مسير و الشيخ شاكر المحمدي

اشارة

قطعة من رسالة

الشرائع

للفقیه الأقدم الشیخ علی بن الحسین بن موسی بن بابویة القمی

رضوان الله علیه المتوفی سنة 329 ﻫ.

القسم الثانی

(المقاطع المُستَخرَجَة من المصادر الأخرى)

الشيخ كريم مسير

الشيخ شاكر المحمدي

ص: 205

ص: 206

المقدمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد, فإن ما بين يدي القارئ الكريم هو العمل الثاني على رسالة شرائع الإسلام للفقيه الأقدم علي بن بابويه (رضوان الله تعالی علیه), وقد سبقه العمل الأول الذي قمنا فيه بتحقيق النسخة المخطوطة الوحيدة لهذه الرسالة، ولما كانت تلك النسخة ناقصة وغير مكتملة - إذ لم تكن تشتمل إلا على أول كتاب الطهارة حتى صلاة الجمعة- بينما كان أصل الرسالة يشتمل على جميع الأبواب الفقهية، فاستصوبنا إتمام الرسالة باستخراج بقية الأبواب الفقهية عن طريق جمع فتاوى الشيخ ابن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) من المصادر والكتب التي أدرك مؤلفوها نسخة الرسالة تامة بجميع أبوابها, ونقلوا عنها في مصنفاتهم في جميع الأبواب الفقهية التي تعرضوا لها, على أن النسخة التي قمنا بتحقيقها لم تسلم هي أيضاً من نقص ألمّ بها في وسطها يبلغ عدَّة ورقات من بداية تكبيرة الإحرام إلى صلاة المرأة.

منهج العمل

يمكن تقسيم عملنا الثاني هذا (استخراج فتاوى الشيخ ابن بابويه (رضوان الله تعالی علیه)) إلى مجموعتين:

المجموعة الأولى: وفيها الفتاوى المناسبة للمقدار المفقود من مخطوطتنا التي تمَّ العمل عليها سابقاً سواءً أكان الذي فُقد من وسطها - من بداية تكبيرة الإحرام إلى صلاة المرأة- أم ما استدركناه على المخطوطة في باب صلاة الجمعة, حيث تنتهي إليه نسختنا.

ص: 207

المجموعة الثانية: تُعدُّ تكملةً لما سقط من مخطوطتنا من الأبواب الفقهية تتبعناها في كتب علمائنا السابقين ممن توفروا على نسخ كاملة من الرسالة ولم تصلنا, ففرقوها على الأبواب الفقهية وفيها أيضاً بعض الروايات المنقولة عن رسالة ابن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) إلى تمام باب الديات وباب النوادر(1).

الفائدة المترتبة على هذا العمل

كان الهدف من تتبع فتاوى ابن بابويه وسائر المنقول عنه في كتب علمائنا (رضی الله عنهم)

- مضافاً لما ذُكر من وجود مميزات خاصة في فقه الرسالة من كونها أقدم النصوص الفقهية, وكونها مرجعاً للأصحاب عند عدم النص- هو محاولة لتجميع رسالة الشرائع من جديد كاملة بأقرب صورة للنص الأصلي الذي كانت عليه في الموارد المفقودة من مخطوطتنا.

ولتجميع هيئة الرسالة ثمرات، منها:

1. ترجيح متون الروايات التي اختلفت المصادر المعتبرة في نقلها بالزيادة والنقصان للمتن الواحد. فهذا شيخنا الأنصاري (قدس سره) رجّح في موضع من كتبه رواية بنقل كتاب التهذيب على المضمون الذي وردت به بنقل كتاب الكافي مستعيناً بما في رسالة ابن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) حيث قال: ويؤيد وجود لفظ (الخمر) في الرواية تعبير والد الصدوق بمضمونها في رسالته إلى ولده، والتي هي كالروايات المنقولة بالمعنى(2).

وقال الآخوند الخراساني (قدس سره): واغسله بالتراب أول مرَّة، ثم بالماء مرَّتين، وخلو التهذيبين وموضع آخر من الخلاف من ذكر لفظ مرتين لا يقدح في الاحتجاج بإثباته بعد كمال الوضوح بثبوته من ذكره في فتاوى القدماء لاسيما مثل الصدوقين الغالب إفتاؤهما بمتون الأخبار(3).

وهذا المحقق التستري (قدس سره) قد رجَّح رواية التهذيب التي بلفظ (طواف الوداع)

ص: 208


1- في نسبة الفتاوى إلى الأبواب الفقهية راعينا كتاب المقنع للصدوق فمثلاً باب النوادر لم يتضح لنا وجود هكذا باب في الرسالة ولكننا ذكرناه فيها تبعاً للمقنع ويؤيده وجوده في الفقه الرضوي.
2- كتاب الطهارة (5/169) للشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) .
3- اللمعات النيرة: 238.

على رواية الكافي بلفظ (طواف النساء) بسبب وجود اللفظ الأول في رسالة ابن بابويه(1).

وهكذا يمكن أن يقال في مسألة اشتباه (دم القرحة بدم الحيض) بترجيح نقل التهذيب على نقل الكافي - بقرينة ما ورد في كلام الصدوقين في الرسالة وفي الفقيه والمقنع(2)- في أن خروج الحيض من الجانب الأيمن أو الأيسر.

وأيضاً في مسألة شهادة العبد المسلم على الحر المسلم, يمكن ترجيح الرواية التي بلفظ (تجوز) على الرواية التي بلفظ (لا تجوز) بقرينة فتوى ابن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) في الرسالة.

2. إن عمل المصنفين للجوامع الفقهية أدى إلى تقطيع نصوص الرسالة وتوزيعها على الأبواب الفقهية بحسب الحاجة إلى النقل منها، وهذا التقطيع أدى إلى ضياع بعض القرائن التي كانت موجودة في حال اتصال عبائر الرسالة، بالإضافة إلى فقد السياق الذي يمثل في بعض الاحيان قرينة مهمة لا يمكن اكتشافها مع تقطيع النص(3)،

وبهذا العمل - أي إعادة تجميع هيئة الرسالة إلى أصلها الأول- يمكن تجاوز هذه المشكلة خصوصاً مع ملاحظة أن الرسالة هي روايات مجردة الأسانيد, بل يمكن بهذه الطريقة ترجيح أحد النقلين فيما إذا اختلف العلماء في النقل عن الرسالة(4)

أو استظهار أمر آخر جديد لم يذكروه.

ص: 209


1- مستدرك الأخبار الدخيلة: (2/8)
2- ينظر الحاشية على مدارك الأحكام للوحيد (1/359)، وكتاب الطهارة (3/140) للشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) .
3- ومن هذا القبيل ما ذكره المحقق التستري في قاموس الرجال (12/405), قائلاً: مع أن في كل كتاب قرائن مقامية في عقد الباب وغيره تفوت لو غُيّر فالوافي وإن جمع الكتب الأربعة بدون إسقاط إلا أنه ليس بمغن عنها لما قلناه، وهذا كتاب الكشي الذي رتبه القهبائي كم فات من فوائده بتقطيع عناوينه، ولولا أصله ما كنت أفهم الأصل في (عبد الله بن محمد الأسدي أبي بصير).
4- من هذا القبيل ما نسبه الشهيد إلى ابني بابويه والمفيد - في تأخير زكاة الفطرة- أنه إذا تعمد المكلف التأخير إلى ما بعد الزوال تسقط ويأثم ولكن بالرجوع إلى الرسالة تجد خلافه - وهناك موارد عديدة مماثله نبهنا عليها في مواردها-.

هذا مضافاً إلى فوائد علمية عرضية وأخرى فنية. فإنَّ من عادة المهتمّين بالتراث إذا وجدوا نصاً أو أثراً قيِّماً حاولوا جاهدين إعادته إلى هيئته الأولى، هذا فيما يخص الفوائد المترتبة على تجميع الرسالة بصورة أقرب إلى واقعها.

المنهج المتبع لتجميع الرسالة

لمَّا كان انتزاع المصنفين الماضين (رضی الله عنهم) لآراء ابن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) وفتاويه من رسالته لا يقوم على المحافظة على صورة عباراته في الرسالة - لأنهم كثيراً ما ينقلون المضمون- وكانوا هم وسيلتنا لتجميع مادة الرسالة كان ذلك عقبة أمام محاولة رص هذه الفتاوى في سلك منهج الرسالة بأسلوبها الذي وجدت فيه فالتمسنا العون من كتب أخرى يُعلم بناؤها على أسلوب الرسالة ككتب ولده الصدوق (رضوان الله تعالی علیه) في المقنع والهداية والفقيه لأنها أُلفت على منوال الرسالة, وعبائرها تشبه إلى حدٍ كبير عبائر الرسالة, بل صرَّح غير واحد أنها من الرسالة حقيقة من دون أن يشير إلى مؤلفها أو يميل إليها.

كما أن وجود الفقه الرضوي بين أيدينا يساعد - من هذه الجهة أيضاً- لما ذكرناه في الدراسة التي صدَّرنا بها عملنا الأول على المخطوطة من كون رسالة شرائع الإسلام هي عبارة عن تعليقة على متن سابق ومعروف وهو الفقه الرضوي، والذي يقتضي لأجله المحافظة على عبائر الرسالة وبالنسق الذي جرى ووجد به كتاب الفقه الرضوي عدا مواضع الخلاف التي يرتئيها مؤلف الرسالة في الفتوى، والذي يفترض فيه أن لا يمس صورة وأسلوب الكتاب كثيراً، كما يحصل في العصر القريب عند تعليق الفقهاء على متن الرسالة العملية لمن سبقهم من الفقهاء فيحافظون على صياغة أسلوب المسألة وهيئتها عدا مواضع الخلاف في نظر الفقيه.

وتظهر استفادتنا من خصوص كتب الصدوق (رضوان الله تعالی علیه) في المواضع التي يصرّح فيها الناقلون لفتوى ابن بابويه باسم ابنه الصدوق معطوفاً عليه ومتفقاً معه في الفتوى في بعض كتبه, كما جاء في كتاب المختلف للعلامة (قدس سره) بعبارة: (قال الصدوق في المقنع وأبوه في الرسالة)، أو بعبارة: (قاله ابنا بابويه في الفقيه والرسالة).

ولذا غالباً ما نشير لذلك بقولنا: (انظر المقنع أو الفقه الرضوي) إشارة إلى ذلك،

ص: 210

فصار جمع فتاوى ابن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) من كتب الفقهاء. وملاحظة كتب الصدوق (رضوان الله تعالی علیه) والفقه الرضوي هو معيننا في إنجاز العمل بأقرب صورة لأصل الرسالة.

وأخيراً نرجو أن نكون قد وفّقنا في عملنا هذا, ويكون قد وقع موقع القبول في نظر أهل العلم والباحثين, وأملنا أننا جمعنا فتاوى الفقيه علي بن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) بأقرب صورة لسياق رسالته والتي يمكن أن تترتب عليها الثمار التي ذكرناها آنفاً.

سائلين المولى جلَّ شأنه القبول, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

النجف الأشرف

10 ربیع الآخر 1435 ﻫ.

ص: 211

ص: 212

قطعة من رسالة الشرائع - القسم الثانی

اشارة

للفقیه الأقدم الشیخ علی بن الحسین بن موسی بن بابویة القمی

رضوان الله علیه المتوفی سنة 329 ﻫ.

القسم الثانی

(المقاطع المُستَخرَجَة من المصادر الأخرى)

ص: 213

ص: 214

باب الصلاة

اشارة

باب الصلاة(1)

* واجهر ب-(بسم الله الرحمن الرحيم) في جميع الصلوات (2).

* يحرم وضع اليمين على الشمال في حال القراءة وتبطل به الصلاة(3).

* ولا يجوز لأحد أن يصلّي وعليه قباء مشدود إلا أن يكون في الحرب فلا يتمكن من أن يحلّه فيجوز ذلك للاضطرار(4).

* التكبير في الصلاة الفرض – الخمس صلوات – أربع وتسعون تكبيرة(5).

* فاذا ختمت السورة فكبّر واحدة، ثم اركع فإذا ركعت فقل: (سبحان ربّي العظيم وبحمده) ثلاث مرات.

ويجزيك أن تقول: (سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله), وارفع يديك عند

ص: 215


1- فُقدت عدَّة أوراق من وسط المخطوطة –من بداية تكبيرة الإحرام إلى صلاة المرأة- وفتاوى هذا الباب تناسب ذلك المقدار المفقود, انظر: رسالة شرائع الإسلام التي نشرناها في العدد السابق من هذه المجلة (ص: 385, ﻫ:3), و(ص: 446, ﻫ: 2).
2- المختلف (2/ 156 ) عن علي بن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) .
3- المعتبر (2/255) عن ابني بابويه, ونقل مفاده التنقيح الرائع (1/215) عنهما.
4- التهذيب (2/ 232): ( ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم أعرف به خبراً مسنداً). والجدير بالذكر أن الشيخ الصدوق قال في الفقيه (1/265): (سمعت مشايخنا (رضوان الله تعالی علیهم) يقولون: لا تجوز الصلاة في الطاقية, ولا يجوز للمعتم أن يصلي إلا وهو متحنك). ومن المحتمل أن والده من ضمن المشايخ الذين سمع منهم ذلك, ولعله هو الأساس فيما ذكره الشيخ البهائي في الحبل المتين (ط.ق: 188) من أن الأحاديث خالية عما يدل على ذلك - أي: كراهة الصلاة في العمامة من دون التحنك- ولعل حكمهم في كتب الفروع بذلك مأخوذ من فتاوى الشيخ الجليل عضد الإسلام أبي الحسن علي بن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) فإن الأصحاب كانوا يتمسكون بما يجدونه في كلامه عند إعواز النصوص وينزّلون ما يفتي به منزلة ما يرويه ..).
5- المختلف (2/180): (اختلف الشيخان في التكبيرات في الصلوات الخمس فالمفيد (قدس سره) جعلها أربعاً وتسعين تكبيرة .., وأبو جعفر الطوسي (قدس سره) جعلها خمساً وتسعين تكبيرة .., وبالأول أفتى علي بن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) ).

الانتصاب من الركوع(1).

فاذا سجدت فكبر, وقل: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ثلاث مرات.

ويجزيك ثلاث تسبيحات, تقول: (سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله)(2), ثم ارفع رأسك من السجود واقبض يديك إليك قبضاً, فإذا تمكنت من الجلوس فارفع يديك بالتكبير(3).

ثم اسجد الثانية وقل فيه ما قلت في الأُولى, فإذا أخذت بالقيام فقل: (بحول الله وقوته أقوم وأقعد وأركع وأسجد)(4).

* ولا تنفخ في موضع سجودك, فإذا أردت النفخ فليكن قبل دخولك في الصلاة(5).

* اسجد على الأرض أو على ما أنبتت الأرض, ولا تسجد على الحصر المدنية لأن سيورها من جلد(6), ولا تسجد على شعر ولا صوف ولا جلد ولا إبريسم ولا زجاج ولا حديد ولا صفر ولا شبه ولا رصاص ولا نحاس ولا ريش ولا رماد، وإن

ص: 216


1- الدروس (1/ 179): ( استحباب رفع اليدين عند الانتصاب من الركوع, واختاره الصدوقان), وقال في الذكرى (3/ 380): (رفع اليدين عند رفع الرأس من الركوع, ولم أقف على قائل باستحبابه الا ابني بابويه وصاحب الفاخر).
2- المختلف (2/ 165): (وكذا أوجب ابن البراج التسبيح فيهما – يقصد الركوع والسجود- وهو الظاهر من كلام ابني بابويه). وفي(167): (التسبيحة التامة هي: (سبحان ربّي العظيم وبحمده) مرّة واحدة, وفي السجود (سبحان ربّي الأعلى وبحمده), أو ثلاث تسبيحات نواقص, وهي: (سبحان الله), وهو الظاهر من كلام ابني بابويه), ونقل مفاده عنهما في المهذب البارع (1/382) والذكرى (3/369).
3- الذكرى (3/405): ( وذكر علي بن بابويه أنه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه إليه قبضاً, فإذا تمكن من الجلوس رفعهما بالتكبير).
4- الذكرى (3/ 401): ( بحول الله وقوته أقوم وأقعد وأركع وأسجد, قاله في المعتبر. والذي ذكره علي بن بابويه وولده .. إن هذا القول يقوله عند الأخذ بالقيام).
5- الفقيه (1/ 272) عن الرسالة.
6- (اسجد على الأرض.. من جلد) التهذيب (2/235) عن الرسالة.

كانت الأرض حارّة تخاف على جبهتك الإحتراق, أو كانت ليلة مظلمة خفت عقرباً, أو شوكة تؤذيك فلا بأس أن تسجد على كمّك إذا كان من قطن أو كتان، وإن كان بجبهتك دمّل فاحفر حفرة, فإذا سجدت جعلت الدمّل فيها، وإن كانت بجبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن من جبهتك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على قرنك الأيسر من جبهتك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك لقول الله عز وجل: [إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّدا] إلى قوله: [ويزيدهم خشوعا](1), ولا بأس بالقيام ووضع الكفين والركبتين والإبهامين على غير الأرض، وترغم بأنفك، ويجزيك في وضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم، ويكون سجودك كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه، تكون شبه المعلّق لا يكون شيء من جسدك على شيء منه(2).

باب قضاء الصلاة

* إن فاتتك فريضة فصلّها إذا ذكرت، فإن ذكرتها وأنت في فريضة أخرى فصلِّ التي أنت في وقتها، ثمَّ صلِّ الصلاة الفائتة(3).

ص: 217


1- الإسراء: 107.
2- (اسجد على الأرض.. على شيء منه) الفقيه (1/269) عن الرسالة, وقال في الذكرى (3/390): (قال علي بن بابويه يحفر حفيرة ذو الدمل, وإن كان بجبهته علّة تمنعه من السجود سجد على قرنه الأيمن من جبهته, فإن عجز فعلى قرنه الأيسر من جبهته, فإن عجز فعلى ظهر كفه فإن عجز فعلى ذقنه).
3- المختلف (3/5) عن علي بن بابويه, وقال العلامة: (وهذا قول منه بالمواسعة), وانظر كنز الفوائد (1/145).
باب صلاة المسافر

* وإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم تصلّ حتى خرجت فعليك التقصير(1).

وإن دخل عليك وقت الصلاة وأنت في السفر، و لم تصلِّ حتى تدخل أهلك فعليك التمام(2) إلا أن يكون قد فاتك الوقت فتصلّي ما فاتك مثل ما فاتك، من صلاة الحضر في السفر، وصلاة السفر في الحضر(3).

* وإن نسيت فصلّيت في السفر أربع ركعات فأعد الصلاة(4).* إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه(5).

ص: 218


1- (وإن خرجت من منزلك .. التقصير) يدل عليه ما في المختلف (3/119): (إذا دخل وقت الصلاة على الحاضر فلم يصلّها لعذر حتى سافر, وكان الوقت باقياً صلّاها على التقصير وهو اختيار الشيخ علي بن بابويه في رسالته), ونقل مفاده في المهذّب البارع (1/494), والذكرى(4/294), عن علي بن بابويه.
2- التنقيح الرائع (1/292): (ولو دخل وقت الصلاة فسافر والوقت باقٍ قصّر على الأشهر، وكذا لو دخل من سفره أتم مع بقاء الوقت، والمصنف اعتبر حال الأداء في دخوله وخروجه، وبه قال المفيد وعلي بن بابويه), ومفاده في الذكرى(4/296) عن الرسالة.
3- (إلا أن يكون قد فاتك .. في الحضر), يدل عليه ما في السرائر (1/ 335): ( فأما إذا لم يصلِّ لا في منزله ولا لمّا خرج إلى السفر وفاته أداء الصلاة فالواجب عليه قضاؤها بحسب حاله عند دخول أول وقتها.. وهذا مذهب الشيخ أبي جعفر الطوسي وابن بابويه في رسالته), ونحوه ما في كشف الرموز (1/330) عن ظاهر كلام علي بن بابويه, وما في المتن هو التعبير المذكور في الفقه الرضوي (162).
4- المختلف (3/114): ( قال في المبسوط: لو سها المسافر فصلّى أربعاً بطلت صلاته، لأن من أصحابنا من يقول: إن كل سهو يلحق في صلاة المسافر يوجب الإعادة. ومن لم يقل بذلك يقول هذا زاد في صلاته فعليه الإعادة على كل حال، وبه قال الشيخ علي بن بابويه), وقال في الذكرى (4/327) والدروس (1/213): (يعيد مطلقا وهو قول علي بن بابويه), ومقصوده ب-(مطلقا) سواء أذكر مع بقاء الوقت أم بعده.
5- المختلف (3/110-111) عن علي بن بابويه, ونحوه الدروس (1/210) والبيان (264) وأشار إليه في التنقيح الرائع (1/290-291), والذكرى (4/319) ذكر الاكتفاء بالخروج من المنزل عن الرسالة.

* وإن دخلت بلداً ونويت الإقامة به عشرة أيام فأتمّ الصلاة، وإنْ نويت أقل من عشرة أيام فعليك القصر, وإنْ لم تدرِ ما مقامك بها، تقول: أخرج اليوم أو غداً، فعليك أنْ تقصّر ما بينك وبين شهر ثم تتم بعد ذلك(1).

* فإن كان سفرك بريداً واحداً وأردت أن ترجع من يومك قصّرت؛ لأن ذهابك ومجيئك بريدان.

وإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ، ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار فإن شئت أتممت وإن شئت قصّرت(2)(3).

الاستقبال في النافلة

* إذا أردت أن تصلي نافلة وأنت راكب فصلّها واستقبل برأس دابتك حيث توجهت بك، مستقبل القبلة ومستدبرها ويميناً ويساراً، فإن صليت فريضة على ظهر دابتك فاستقبل القبلة(4) وكبّر تكبيرة الافتتاح، ثم امضِ حيث توجهت بك دابتك واقرأ.

فإذا أردت الركوع والسجود فاركع واسجد على شيء معك مما يجوز عليه السجود.

ولا تصلّها إلا على اضطرار شديد.

ص: 219


1- المختلف (3/111): ( ذهب أكثر علمائنا كالشيخين وابني بابويه .. إلى أن المسافر إذا نوى إقامة عشرة أيام في بلد الغربة أتمّ، وإن لم ينوِ قصر إلى شهر), وانظر الفقه الرضوي (161) والفقيه (1/437) والمقنع (126).
2- المختلف (3/102): ( وقال سلار: وإن كانت المسافة أربعة فراسخ وكان راجعاً من يومه قصّر واجباً، وإن كان من غده فهو مخير بين التقصير والاتمام، وهو قول ابني بابويه).
3- المهذب البارع (1/490): (من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع في يومه تخيّر في التقصير والإتمام .. وهو اختيار الصدوقين), ومفاده في الذكرى (4/292) عن ابني بابويه, وانظر الفقه الرضوي (161) والفقيه (1/449) ذيل الحديث (1302).
4- المختلف (3/140): ( وقال ابن إدريس: الصحيح وجوب افتتاح الصلاة مستقبلاً القبلة وهو قول جماعة إلا من شذّ, وهكذا قال علي بن بابويه في الرسالة).

وتفعل فيها إذا صلّيت ماشياً مثل ذلك إلا أنك إذا أردت السجود سجدت على الأرض.

* إذا تعرّض لك سبع وخفت فوت الصلاة فاستقبل القبلة وصلِّ صلاتك بالإيماء, وإن خشيت السبع وتعرَّض لك فدر معه كيف دار وصلِّ بالإيماء(1).

* لابأس أن لا يقعد في النافلة(2).

* اعلم – يا بني- أن أفضل النوافل ركعتا الفجر, وبعدها ركعة الوتر, وبعدها ركعتا الزوال, وبعدها نوافل المغرب, وبعدها تمام صلاة الليل, وبعدها تمام نوافل النهار(3).

باب أحكام صلاة الجماعة

* اعلم – يا بني – أن أولى الناس بالتقدّم في جماعة أقرأهم للقرآن, فإذا كانوا في القراءة سواء فأفقههم، فإن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم(4) هجرة، وإن كانوا في الهجرة سواء فأسنهم، وإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجهاً, وصاحب المسجد أولى بمسجده، وليكن مَن يلي الإمام منكم أولو الأحلام والتقى.

فإن نسي الإمام أو تعايا فقوّموه ]وأفضل الصفوف أولها, وأفضل أولها مَن دنى إلى الإمام[(5).

ص: 220


1- (إذا أردت أن تصلّي نافلة .. وصلِّ بالإيماء) الفقيه (1/ 279) عن الرسالة.
2- الذكرى (3/40) عن علي بن بابويه.
3- الفقيه (1/496) عن الرسالة.
4- (فأقربهم هجرة) في المقنع (112), وكذا في الينابيع الفقهية (3/59) عن المقنع، ولكن في البحار (5/120) عن المقنع كما أثبتناه وهو الصحيح الموافق للفقيه.
5- (اعلم يا بني .. إلى الإمام) الفقيه (1/377) عن الرسالة, وما بين المعقوفين ليس في المقنع.

وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): (أتموا صفوفكم فإني أراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي ولا تخالفوا فيخالف الله بين قلوبكم)(1).

وإن ذكرت أنك على غير وضوء، أو خرجت منك ريح أو غيرها مما ينقض الوضوء(2) فسلّم في أي حال كنت في الصلاة، وقدّم رجلاً يصلي بالناس بقية صلاتهم، وتوضأ وأعد صلاتك(3).

وسبّح في الأخيرتين إماماً كنت أو غير إمام(4)، تقول: (سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله اكبر) ثلاثاً(5)، ثم تكبّر وتركع(6).

* لا تُصلِّ خلف أحد إلا خلف رجلين, أحدهما من تثق بدينه وورعه, وآخر تتقي سيفه وسطوته وشناعته على الدين, وصلِّ خلفه على سبيل التقية والمداراة, وأذّن لنفسك وأقم واقرأ لها غير مؤتم به، فإن فرغت من قراءة السورة قبله فأبق منها

ص: 221


1- ورد نحوه في الفقيه (1/385) الحديث رقم (1139).
2- قال في المعتبر (2/250): (يقطع الصلاة ما يبطل الطهارة ولو سهواً، وبه قال الخمسة وأتباعهم).
3- (وإن ذكرت أنك على غير وضوء .. وأعد صلاتك) الفقيه (1/402) عن الرسالة مع تأخير صدر العبارة.
4- نقل المختلف (2/148) والمهذب البارع (1/374) والذكرى (3/317): (أفضلية التسبيح للإمام والمأموم) عن ظاهر ابني بابويه.
5- (وسبّح في الأخيرتين .. ثلاثاً) المختلف (2/146) عن علي بن بابويه, ولكن من دون (الله اكبر), وقال بعده: (فيكون الواجب عنده تسع تسبيحات), ولكن في البحار (85/120) والينابيع الفقهية (3/59) عن المقنع عن الرسالة كما في المتن، وقال في المستدرك (4/210): (الصدوق في المقنع: سبّح في الأخراوين إماماً كنت أو غير إمام، تقول: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر (ثلاث مرات وفي الثالثة الله اكبر) ثم تكبر وتركع), وما نقله موجود في الهداية (135) وليس في المقنع.
6- (اعلم يا بني ان اولى الناس .. تكبّر وتركع) المقنع (112-113) عن الرسالة مع اختلاف عما في الفقيه نبّهت على المهم منه، وما بعده مقاطع يحتمل أنها من الرسالة.

آية ومجّد الله عز وجل، فإذا ركع الإمام فاقرأ الآية واركع بها.

فإن لم تلحق القراءة وخشيت أن يركع فقل ما حذفه الإمام من الأذان والإقامة واركع.

وإن كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة فاقطعها وصلِّ الفريضة, وإن كنت في الفريضة فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلم في الركعتين ثم صلِّ مع الإمام(1) إلا أن يكون الإمام ممن يتقى, فلا تقطع صلاتك, ولا تجعلها نافلة, ولكن اخط الى الصف وصلِّ معه, فإذا قام الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهّد من قيام وسلّم من قيام(2)(3).

* لصلاة الرجل في جماعة على صلاة الرجل وحده خمس وعشرون درجة في الجنة(4).

* واعلم أن المقصّر لا يجوز له أن يصلّي خلف المتم، ولا يصلّي المتم خلف المقصّر(5).

* وتسلّم على يمينك واحدة، وعلى يسارك واحدة، إلا أن لا يكون على يسارك أحد فلا تسلم على يسارك، إلا أن تكون بجنب الحائط فتسلم على يسارك(6).

ص: 222


1- (وإن كنت في صلاة نافلة .. صلِّ مع الامام) المختلف (3/86) عن علي بن بابويه مع اختلاف غير مضر.
2- المختلف (3/87): (وقال علي بن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) فإذا صلّيت أربع ركعات وقام الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهّد من قيام وسلّم من قيام).
3- (لا تصلِّ خلف أحد .. وسلّم من قيام) الفقيه (1/380) عن الرسالة.
4- الخصال (521) عن الرسالة.
5- المختلف (3/62) والذكرى (4/407): (وقال علي بن بابويه: لا يجوز إمامة المتم للمقصّر ولا بالعكس), وانظر الفقه الرضوي (163).
6- الذكرى (3/434): (وجعل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافياً في التسليمتين للمأموم فلا بأس باتباعهما لأنهما جليلان لا يقولان إلا عن ثبت), ونحوه الروضة البهية (1/637) وانظر المقنع (96).
باب صلاة الجمعة

باب صلاة الجمعة(1)

وإن(2)

استطعت أن تصلّي يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات، وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين(3)

وبعد المكتوبة ست ركعات فافعل.

وإن قدّمت نوافلك كلّها في يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرّتها إلى بعد المكتوبة فهي ست عشرة ركعة(4)، وتأخيرها أفضل من تقديمها(5)

فإذا زالت الشمس في يوم الجمعة فلا تصلِّ إلا المكتوبة، واقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة، وسبّح اسم ربّك الأعلى, وفي صلاة الغداة والظهر والعصر سورة الجمعة والمنافقين(6).فإن نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر وقرأت غيرهما ثمَّ ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ نصف السورة فإذا قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلها ركعتين نافلة وسلّم فيهما.

وأعد صلاتك بسورة الجمعة والمنافقين(7)

ولا بأس بأن تصلي العشاء والغداة والعصر بغير سورة الجمعة والمنافقين إلا أن الفضل في أن تصليها بالجمعة والمنافقين.

ومن أراد أن يقرأ في صلاته سورة فقرأ غيرها فليرجع إليها إلا أن تكون السورة (قل هو الله احد) فلا يرجع منها إلى غيرها, إلا يوم الجمعة في صلاة الظهر فإنه

ص: 223


1- هذا استدراك على المخطوطة فقد حصلت على شواهد تثبت أن بقية المقاطع هي لعلي بن بابويه.
2- في الفقيه (إن).
3- إلى هنا – كما سبق في القسم الأول من الرسالة – انتهت نسخه الأصل المعتمدة في التحقيق.
4- كشف اللثام (4/300): (وعند الصدوقين في الرسالة والمقنع: إن النوافل فيه إذا قدمت على الزوال أو أخرت عن المكتوبة فهي ست عشرة ركعة).
5- (وإن استطعت أن تصلي .. أفضل من تقديمها) نقله المختلف (2 /247) عن علي بن بابويه, ومضمونه في الذكرى (2/363) عن ابني بابويه، وقال في منتهى المطلب (5/468), وكشف الرموز (1/179) عن علي بن بابويه وابنه: (الأولى تأخير النوافل إلى الزوال).
6- منتهى المطلب (5/476): (في الثانية من الغداة المنافقين واختاره علي بن بابويه).
7- كشف الرموز (1/154): (وهل يجب قراءة السورتين، أي الجمعة والمنافقين في الجمعة؟ قال المرتضى في المصباح وأبو الصلاح وابنا بابويه: نعم، وتجب الإعادة للصلاة مع الإخلال بهما).

يرجع إلى سورة الجمعة والمنافقين, وما روي من الرخص في قراءة غير الجمعة والمنافقين في صلاة الظهر يوم الجمعة فهي للمريض والمستعجل والمسافر(1).

من آداب يوم الجمعة

قلّم أظفارك وخذ من شاربك وابدأ بخنصرك من يدك اليمنى, وقل حين تريد تقليمها أو جز شاربك: (بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله) فإنّه من فعل ذلك كتب الله له بكل قلامة وجزازة عتق نسمة، ولم يمرض إلا مرضه الذي يموت فيه(2) .

باب صلاة العيدين

* تقرأ في الأولى الغاشية وفي الثانية الأعلى (3).

* يكبّر في الأولى سبع تكبيرات مع تكبيرة الافتتاح والركوع، ويقنت خمس مرّات فإذا نهض الى الثانية كبّر وقرأ(4)، ثم كبّر أربع تكبيرات يركع بالرابعة ويقنت ثلاث مرات(5)(6).

* تُصلّى مع الشرائط ركعتين، ومع اختلالها أربعاً(7).

ص: 224


1- (وإن استطعت أن تصلي يوم الجمعة .. والمسافر) الفقيه (1/267- 268) عن الرسالة، وانظر: الفقه الرضوی (127-130)
2- (قلّم أظافرك .. يموت فيه) ثواب العمال (24) عن الوصية - الرسالة-.
3- المختلف (2/254), وكشف الرموز (1/185), والذكرى (4/191) عن الرسالة، ولكن في منتهى المطلب (6/12) قال: (يقرأ في الاولى مع الحمد الشمس، وفي الثانية معها الغاشية وبه قال علي بن بابويه)، وورد نحوه فی الفقه الرضوی (131) إلا أنه فی الثانیة خیر بین (الشمس) و (الأعلی).
4- كشف الرموز (1/182): (إلا علي بن بابويه فإنه ذهب إلى تقديم التكبيرات على القراءة).
5- البيان (202): (التكبير والقنوت في الثانية ثلاثة) عن ابني بابويه.
6- (يكبّر في الأولى .. ثلاث مرّات) المختلف (2/256)عن ابني بابويه، وورد خلافه فی الفقه الرضوی (131)
7- المختلف (2/266) والدروس (1/194) عن علي بن بابويه, ونقل مفاده في البيان (201) عن علي ابن بابويه, ولكن بتسليمة واحدة، ولم أعثر علی مورد مشابه له فی الفقه الرضوی فلاحظ (131-132).

* إذا صلّيت بغير خطبة صلّيت أربع ركعات بتسليمة(1).

* من السنَّة التكبير ليلة الفطر, ويوم الفطر في دبر ست صلوات(2).

باب صلاة الكسوف

* إذا انكسفت الشمس والقمر أو زلزلت الأرض أو هبت الريح - ريح صفراء أو سوداء، أو حمراء- أو ظلمة، فصلِّ عشر ركعات، وأربع سجدات(3).

* وإذا انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به, فعليك أن تصليها إذا علمت به. وإن تركتها متعمداً حتى تصبح فاغتسل وصلّها، وإن لم يحترق القرص كله فاقضها(4), ولا تغتسل(5).

* فإذا فرغت من صلاتك، ولم تكن انجلت، فأعد الصلاة، وإن شئت قعدت ومجّدت الله الى أن تنجلي(6).

* ولا تصلّها في وقت فريضة حتى تصلّي الفريضة(7) .

ص: 225


1- المختلف (2/267) عن علي بن بابويه، وقال في الدروس (1/192): (ثم ابن بابويه -يعني عليا- يجعلها بتسليمة وابن الجنيد بتسليمتين)، ولم أعثر علی مورد مشابه له فی الفقه الرضوی.
2- السرائر(1/318): (وقال بعض أصحابنا وهو ابن بابويه في رسالته في دبر الست صلوات المذكورات), ويقصد المغرب والعشاء والفجر وصلاة العيد والظهر والعصر من يوم العيد, وانظر المقنع (150)، وورد نحوه فی الفقه الرضوی (209).
3- المختلف (2/278): (وفي الخلاف: صلاة الكسوف واجبة عند الزلازل، والرياح العظيمة، والظلمة العارضة، والحمرة الشديدة، وغير ذلك من الآيات التي تظهر في السماء .. وابنا بابويه (ره) ذهبا إلى ما قاله الشيخ في الخلاف), ونقل مفاده في المهذب البارع (1/424) عن الصدوقين, وانظر: المقنع (141)، والخلاف (1/678 وما بعدها)، والفقه الرضوی (134)
4- البيان(208): (وابنا بابويه أوجبا القضاء مطلقاً) يعني سواء احترق القرص كله أم بعضه.
5- (وإذا انكسفت الشمس .. ولا تغتسل) المختلف (2/281), والذكرى (4/207), عن علي بن بابويه، وأنظر الفقه الرضوی (135).
6- المختلف (2/285): (قال الشيخان وابنا بابويه .. باستحباب الإعادة), وانظر المقنع (143)، والفقه الرضوی (135)
7- المختلف (2/287): (قال ابنا بابويه: ولا يصلّيها في وقت فريضة حتى يصلّي الفريضة), وانظر المقنع (143)، وورد مثله فی الفقه الرضوی (135)

* وإذا كنت في صلاة الكسوف ودخل عليك وقت الفريضة، فاقطعها وصلّ الفريضة، ثم ابن على ما صلّيت من صلاة الكسوف(1).

* إذا احترق القرص كلّه فصلّها في جماعة، وإن احترق بعضه فصلّها فرادى(2)(3).

باب صلاة جعفر (علیه السلام)

* إن شئت حسبتها من نوافل الليل، وإن شئت حسبتها من نوافل النهار، تحسب لك في نوافلك، وتحسب لك في صلاة جعفر(4).

* يقرأ في الأولى العاديات، وفي الثانية الزلزلة، وفي الثالثة النصر، وفي الرابعة التوحيد، وإن شئت صلّها كلّها بالتوحيد(5).

* فإذا رفعت رأسك من السجود الثاني قلتها عشراً وأنت جالس قبل أن تقوم(6).

ص: 226


1- المختلف (2/288): (والشيخ في النهاية أطلق فقال: إذا بدأ بصلاة الكسوف وقد دخل عليه وقت فريضة قطعها وصلّى الفريضة ثم رجع فتمم صلاته .. وقال ابنا بابويه وابن البرّاج مثل قول الشيخ في النهاية), وانظر المقنع (145).
2- (إذا احترق .. فرادى) في المختلف (2/290), والذكرى (4/217) عن ابني بابويه, ومفاده في المهذب البارع (1/427) عن الفقيهين, وانظر المقنع (143).
3- البيان (211): (وابنا بابويه يصلّي مع احتراق القرص فرادى)، الدروس (1/195): (والصدوقان نفيا الجماعة في غير الموعب).
4- (إن شئت حسبتها .. صلاة جعفر) في المختلف (2/346) عن علي بن بابويه.
5- المختلف (2/348) عن علي بن بابويه.
6- المختلف (2/350): (المشهور أنه يستحب العشر بعد السجدة الثانية قبل القيام الى الركعة الثانية، وكذا في الثالثة قبل القيام في الرابعة، ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى وابنا بابويه ..), وانظر المقنع (140).
باب صلاة الليل

* فإن قمت من الليل ولم يكن عليك وقت بقدر ما تصلّي صلاة الليل على ما تريد فصلّها وأدرجها إدراجا.

وإن خشيت مطلع الفجر فصلّ ركعتين وأوتر في الثالثة فإن طلع الفجر فصلّ ركعتي الفجر وقد مضى الوتر بما فيه.

وإن كنت صلّيت الوتر وركعتي الفجر- ولم يكن طلع الفجر- فأضف إليها ست ركعات وأعد ركعتي الفجر, وقد مضى الوتر بما فيه(1).

* ثم افتتح بالصلاة وتوجّه بعد التكبير, إنَّ(2) من السنَّة التوجه في ست صلوات، وهي أول ركعة من صلاة الليل, والمفردة من الوتر, وأول ركعة من(3) ركعتي الزوال، وأول ركعة من ركعتي الإحرام، وأول ركعة من نوافل المغرب, وأول ركعة من الفريضة(4), واقرأ في الأولى الحمد و(قل هو الله أحد), وفي الثانية الحمد و (قل يا أيها الكافرون)(5).

باب صلاة الخوف

* يقوم الإمام قائماً, ويجيء طائفة من أصحابه يقومون خلفه, وطائفة بإزاء العدو، فيصلّي بهم الإمام ركعة.

ثم يقوم ويقومون معه فيثبت قائما ويصلّون هم الركعة الثانية ثم يسلّم بعضهم

ص: 227


1- (فإن قمت من الليل .. مضى الوتر بما فيه) نقل نحوه في السرائر(1/308), ومفاده في المختلف (2/327) والدروس (1/141) والذكرى(2/375) جميعاً عن علي بن بابويه, وانظر الفقه الرضوي (139).
2- (إنَّ) لا توجد في الفقيه, وتوجد في الخصال.
3- (ركعة من) لا توجد في الفقيه, وتوجد في الخصال.
4- (إن من السنة .. من الفريضة) الفقيه (1/484) والخصال (333), ومفاده في التهذيب (2/94) والمختلف (2/185), جميعاً عن الرسالة.
5- المختلف (2/330): (وقال علي بن بابويه: يقرأ في الأولى الحمد و(قل هو الله أحد) وفي الثانية الحمد و(قل يا أيها الكافرون) ولم يتعرض للتكرار), وانظر الفقه الرضوي (138).

على بعض, ثم ينصرفون فيقومون مكان أصحابهم بإزاء العدو, ويجيء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلّي بهم الركعة الثانية, ثمَّ يجلس الإمام فيقومون ويصلون ركعة أخرى, ثمَّ يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمة(1).

* وإن كانت المغرب فصلِّ بالأولى ركعة, وبالثانية ركعتين(2).

باب صلاة الاستخارة

* إذا أردت - يا بني - أمراً فصلِّ ركعتين واستخر الله مائة مرّة ومرّة، فما عزم لك فافعل، وقل في دعائك: (لا إله الا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم(3)، ربِّ بحق محمد وآله صلِّ على محمد وآله(4), وخر لي في(5) كذا وكذا للدنيا والآخرة خيرة(6) في عافية(7).

باب الصلاة على الميت

باب الصلاة على الميت(8)

* فإذا صلّيت على الميت فقف عند رأسه(9)، وکبر و قل: (أشهدأن لا إله إلا الله

ص: 228


1- (يقوم الإمام .. بتسليمة) مستفاد من المقنع (130), ويدل عليه قول العلامة في المختلف (3/35): (وابن أبي عقيل وصف صلاة الخوف: بأن يصلي الإمام بالأولى ركعة ويتم من خلفه, ثم تأتي الأخرى فيصلي بهم الثانية ويتمون ركعة أخرى ويسلّم بهم, ولم يفصّل الى سفر أو حضر, والظاهر أنه يريد الجميع, وكذا المفيد وابنا بابويه).
2- المختلف (3/39) عن علي بن بابويه.
3- (لا اله الا الله العلي العظيم، لا اله إلا الله الحليم الكريم) في فتح الأبواب لابن طاووس.
4- (وآل محمد) في المقنع وفتح الأبواب عن الرسالة.
5- (في أمري) في المقنع.
6- (خيرة منك) في فتح الأبواب.
7- (إذا أردت .. في عافية) الفقيه (1/563), والمقنع (151)، وفتح الأبواب (231), جميعاً عن الرسالة, وذكر ابن طاووس طريقه إلى الرسالة.
8- قال علي بن بابويه: (ثمَّ صلِّ عليه وسأبيّن الصلاة على الجنازة في باب الصلاة إن شاء الله), رسالة شرائع الإسلام (434) المطبوعة ضمن مجلة دراسات علمية العدد التجريبي (2/3).
9- البيان (78): (وقال علي بن بابويه يقف عند رأس الرجل).

وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة).

وكبر الثانية وقل: (اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم)، إنك حميد مجيد).

وكبر الثالثة وقل: (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات).

وكبر الرابعة، وقل: اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك، وأنت خير منزول به ، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً، وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له اللهم اجعله عندك في أعلا عليين، واخلف على أهله في الغابرين، وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين). وكبر الخامسة، ولا تبرح [من مكانك] حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال).(1)

وإذا كان الميت امرأة فقف عند صدرها (2)، وارفع يديك في كل تكبيرة (3).

* ولا تصلِّ على الجنازة بنعل حذو, ولا تجعل ميتين على جنازة, إذا صلّى رجلان على جنازة قام أحدهما خلف الإمام ولم يقم بجنبه.

إذا اجتمع جنازة رجل وامرأة وغلام ومملوك فقدم المرأة إلى القبلة، واجعل المملوك بعدها، واجعل الغلام بعد المملوك, والرجل بعد الغلام مما يلي الإمام،

ص: 229


1- (وكبر وقل.. أيدي الرجال قال في الذكرى (433/1): (والأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك ويقصد الدعاء - في كيفية الصلاة كابني بابويه والجعفي..)، ينظر: الحدائق الناضرة (303/10)، مفتاح الكرامة (170/4) ، المقنع (64) ، الهداية (112)، الفقه الرضوي (177).
2- المختلف (266/2): ( في الخلاف: أنه يقف عند رأس الرجل وعند صدر المرأة، وبه قال علي بن بابويه، ولكن نقل التنقيع الرائع (248/1): (قال علي بن بابويه عند الصدر رجلاً كان الميت أوامرأة).
3- التنقيح الرائع (248/1) (اتفق الكل على استحباب الرفع في التكبير الأول واختلف في الباقي فقال علي بن بابويه بالرفع في الكل).

ويقف الإمام خلف الرجل(1)، ويصلّي عليهم جميعاً صلاة واحدة(2).

* اعلم – يا بني – إن أولى الناس بالصلاة على الميت من يقدّمه ولي الميت، وإن كان في القوم رجل من بني هاشم فهو أحق بالصلاة على الميت إذا قدَّمه ولي الميت, فإن تقدَّم من غير أن يقدّمه ولي الميت فهو غاصب(3).

* من لم يدرك الصلاة على الميت صلّى على القبر(4).

* فاذا نزلت إلى القبر فاخلع خفيك ونعليك، ولا بأس بالخف إن كان تقية(5).

باب صلاة الحاجة

* إذا كانت لك - يا بني - إلى الله عز وجل حاجة, فصم ثلاثة أيام الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة فابرز إلى الله تعالى قبل الزوال وأنت على غسل وصلِّ ركعتين تقرأ في كل ركعة منهما الحمد وخمس عشرة مرَّة قل هو الله أحد، فإذا ركعت قرأتها عشراً, فإذا رفعت رأسك من الركوع قرأتها عشراً، فإذا سجدت قرأتها عشراً، فإذا رفعت رأسك من السجود قرأتها عشراً، فإذا سجدت أخرى قرأتها عشراً، فإذا رفعت رأسك في السجدة الثانية قرأتها عشراً، ثمَّ نهضت إلى الثانية بغير تكبير وصلّيتها مثل ما وصفت لك، واقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة.

فإذا تفضل الله عليك بقضاء حاجتك فصلِّ ركعتي الشكر تقرأ في الأولى

ص: 230


1- (فقدم المرأة الى القبلة .. خلف الرجل) المختلف (2/307) عن علي بن بابويه.
2- (لا تصلِّ على الجنائز بنعل .. صلاة واحدة) الفقيه (1/ 170) عن الرسالة.
3- (اعلم – يا بني – إن أولى .. فهو غاصب) الفقيه (1/165) عن الرسالة.
4- المختلف (2/305) عن علي بن بابويه.
5- المختلف (2/ 310): (وقال علي بن بابويه: واخلع خفيك ونعليك ولا بأس بالخف إن كان تقية).

الحمد وقل هو الله احد، وفي الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون، وتقول في الركعة الأولى في ركوعك (الحمد لله شكراً)، وفي سجودك (شكراً لله وحمداً)، وتقول في الركعة الثانية في الركوع والسجود (الحمد لله الذي قضى حاجتي وأعطاني مسألتي)(1).

* يا بني وإذا فزعت من سلطان وغيره فقل: (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم وأمتنعُ بحول الله وقوته من حولهم وقوتهم، وأمتنعُ برب الفلق من شرّ ما خلق وأقول ما شاء الله لا قوة الا بالله)(2).

* وإذا حَزَبَك(3) أمر فقل سبع مرّات: (بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

فإن كفيت وإلا قلتها سبعين مرَّة.

وإذا ابتليت ببلوى أو خفت شيئاً أو أصابك غمٌ أو كرب فاستعن ببعض إخوانك وادع بهذا الدعاء ويؤمن الأخ عليه، فإنه روي عن النبي (صلی الله علیه و آله) أنه دعا به وأمّن علي (علیه السلام) على دعائه وقال: ما دعا بهذا الدعاء أحدٌ قط ثلاث مرّات الا أعطي ما سأل إلا أن يسأل إثماً أو قطيعة رحم، وهو:

(يا حيّ يا قيّوم، يا حيّاً لا يموت يا حيّ لا إله إلا أنت أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنّان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام)(4).

* وإذا كنت مجهوداً فاسجد ثم اجعل خدّك الأيمن على الأرض، ثمّ خدّك الأيسر على الأرض, وقل في كل واحدة منهما:

ص: 231


1- (إذا كانت لك – يا بني – إلى الله .. وأعطاني مسألتي) أورده في الفقيه (1/561) عن الرسالة, ونقلها في الذكرى (4/273) عن الرسالة مع الاختصار.
2- (يا بني وإذا فزعت .. إلا بالله) أورده في مجموعة الجباعي (222) عن الرسالة, وانظر الفقه الرضوي (393).
3- حَزَبَك (نهاية ابن الأثير: 1/377): أي نزل بك مهم أو أصابك غم.
4- (وإذا حزبك أمر .. والإكرام) أورده في مجموعة الجباعي (222) عن الرسالة, وانظر الفقه الرضوي (393).

(يا مذلّ كلّ جبّار، يا معزّ كلّ ذليل, قد وحقّك بلغ مجهودي, فصلّ على محمد وآل محمّد وفرّج عنّي)(1).

باب الصوم

باب رؤية الهلال

* وروي أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين، وإذا رؤي(2) فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال(3) (4).

* إذا رأيت هلال شهر رمضان، فلا تُشر إليه ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى الله عز وجل وخاطب الهلال وتقول: (ربّي وربّك الله ربّ العالمين، اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والمسارعة إلى ما تحب وترضى، اللّهم بارك لنا في شهرنا هذا، وارزقنا عونه وخيره واصرف عنّا ضرّه وشرّه وبلاءه وفتنته)(5).

باب الصوم الحرام

* وأما الصوم الحرام فصيام يوم الشك, أمرنا أن نصومه، ونهينا عنه،

ص: 232


1- (وإذا كنت مجهوداً .. وفرج عني) أورده في مجموعة الجباعي (223) عن الرسالة, وانظر الفقه الرضوي (393).
2- (رأى) في المختلف: (3/360) (ط. مركز الأبحاث والدراسات).
3- المختلف: (3/496): (قال الصدوق أبو جعفر بن بابويه في المقنع: واعلم أن الهلال .. لثلاث ليال .. ورواه أبوه علي في رسالته). أقول: الظاهر أنه لم يفتِ به؛ لأن الفتوى به تنسب لولده الصدوق في المقنع (184)، والفقيه (2/125) في مقابل المشهور, ولم يذكر أحد أن والده - علياً بن بابويه- قد أفتى به إلا المحقق القمي في غنائم الأيام (5/333) حيث نسبه إلى ظاهر الصدوقين.
4- الكافي (1/78), وفي الفقيه(2/125) ما عدا الذيل.
5- (إذا رأيت هلال .. وبلاءه وفتنته) في الفقيه (2/100) عن رسالة والده.

أمرنا أن نصومه من شعبان ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه(1) في اليوم الذي يشك فيه الناس(2)، فإن لم يكن صام من شعبان شيئاً، ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان(3).

* وصوم الوصال حرام(4).

باب ما يفطر الصائم وما لا يفطره

* اتقِّ - يا بني - في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل, والشرب، والجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله ورسوله (صلی الله علیه و آله) وعلى الأئمة (علیهم السلام) (5).

* لا ينقض الرعاف، ولا القلس، والقيء إلا أن يتقيأ متعمداً(6).

* ولا بأس بالكحل ما لم يكن مُمسَّكاً، وقد روي فيه رخصة، لأنه يخرج على عكدة لسانه(7)(8).

ص: 233


1- (يوم الشك .. الرجل بصيامه) نقله في كشف الرموز (1/278) عن ابني بابويه.
2- المختلف (3/380): (إذا نوى صوم يوم الشك من شهر رمضان من غير أمارة من رؤية أو خبر مَن ظاهره العدالة .. وقال في المبسوط: وإن صام بنية الفرض روى أصحابنا أنه لا يجزئه واختاره السيد المرتضى وابنا بابويه)، وانظر المهذب البارع (2/21). والظاهر أنه استفاده من قول علي بن بابويه: (ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس).
3- (يوم الشك .. من شعبان) في المختلف (3/504) عن علي بن بابويه. وانظر المقنع (181).
4- المختلف (3/507): (فإن أكثر كتب علمائنا خالية عنه، بل نصّوا على تحريم صوم الوصال ولم يذكروا ما هو، كأبي الصلاح .. وعلي بن بابويه).
5- نقله في الهداية (188) عن الرسالة، ونقل بعضه في المختلف (3/397 و400)، وإيضاح الفوائد (1/225), وكشف الرموز (1/280 و284), عن علي بن بابويه.
6- السرائر (1/388) عن الرسالة.
7- السرائر (1/388 - 389) عن الرسالة.
8- الجدير بالذكر أنّ الموردين قد انفرد بنقلهما ابن إدريس في السرائر، وقد شكك العلامة في المختلف في بعض ما نقله ابن إدريس عن رسالة ابن بابويه، ومن تلك الموارد: أ: المختلف (8/513): (وفي نقل ابن إدريس عن ابن بابويه نظر). ب: المختلف (4/105): (ونقل ابن إدريس عن علي بن بابويه: وإن أكلت جرادة ..) ثمَّ نقل العلامة خلافه. ج: المختلف (8/16): (ونقله - ابن إدريس- عن شيخنا في مبسوطه، وعن علي بن بابويه في رسالته .. وفي هذا النقل نظر).

* لا يجوز للصائم أن يتسعط(1).

* لا يجوز للصائم أن يحتقن(2).

* وإن أصابتك جنابة في الليل وتعمّدت النوم إلى أن تصبح, فعليك قضاء ذلك اليوم والكفارة(3).

باب تقصير المسافر في الصوم

* إذا خرجت في سفر وعليك بقية يوم فافطر(4).

* لو كان الصيد للتجارة فإنه يقصّر صومه ويتم صلاته(5).

صوم النافلة

* إذا أردت سفراً وأردت أن تقدّم من صوم السنة شيئاً فصم ثلاثة أيام للشهر

ص: 234


1- كشف الرموز (1/280) عن الرسالة.
2- المختلف (3/412), ونقل مفاده إيضاح الفوائد (1/225), عن علي بن بابويه.
3- قال في المختلف (3/406): (المشهور إن تعمّد البقاء على الجنابة من غير عذر في ليل شهر رمضان إلى الصباح موجب للقضاء والكفارة، ذهب إليه الشيخان وعلي بن بابويه..), ونقل مفاده المهذّب البارع (2/35) عن علي بن بابويه, وانظر الفقه الرضوي (207) .
4- المختلف (3/468) عن علي بن بابويه، ونقل مفاده في السرائر (1/392) وكشف الرموز (1/310) عن الرسالة، والتذكرة (6/157), ومنتهى المطلب(9/288)، وكنز الفوائد (1/231), عن علي بن بابويه.
5- المختلف (3/96): (قال الشيخ في النهاية: لو كان الصيد للتجارة وجب عليه التقصير في الصوم والتمام في الصلاة وهو اختيار المفيد وعلي بن بابويه), ومفاده في كشف الرموز(1/221), والمهذب البارع (1/483), عن علي بن بابويه.

الذي تريد الخروج فيه(1).

* فلا تصومن في السفر شيئاً من فرض ولا سنّة، ولا تطوع إلا صوم كفارة صيد المحرم(2)، وصوم كفارة الإحلال من الإحرام إن كان به أذى من رأسه(3)، وصوم ثلاثة أيام لطلب الحاجة عند قبر النبي (صلی الله علیه و آله) وهو يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام، أو في مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله) أو في مسجد الكوفة أو مسجد المدائن(4) (5).

* لو أن رجلاً صام يوماً من شهر رمضان تطوعاً وهو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان, ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه(6).

باب من یضعف عن الصیام

* وإذا لم يتهيأ للشيخ(7) أو الشاب أو المرأة الحامل(8) والمرضع أن يصوم من

ص: 235


1- الفقيه (2/85) عن رسالة والده.
2- السرائر (1/415), وكذا المختلف (3/570): (قال ابن بابويه في رسالته يجوز صوم جزاء الصيد في السفر).
3- المختلف (3/570): (واستثنى علي بن بابويه في رسالته وابنه محمد في مقنعه الصوم في كفارة صيد المحرم، وصوم كفارة الإحلال من الإحرام - وهو إشارة إلى بدل الهدي - قال إن كان به أذى من رأسه وصوم الاعتكاف).
4- المختلف (3/465): (وقال ابنا بابويه لا يصوم في السفر تطوعاً ولا فرضاً (واستثنيا) من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي (صلی الله علیه و آله) وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة), وانظر المختلف (3/332) (ط. مركز الدراسات).
5- المختلف (3/585): (استحب ابنا بابويه صوم الاعتكاف نفلاً في السفر)، وانظر المقنع (199)، والفقه الرضوي (213).
6- المختلف (3/376) عن علي بن بابويه.
7- قال في المختلف (3/545): (مسألة: لو قدر الشيخ الكبير والشيخة على الصوم بمشقة عظيمة سقط وجوب الصوم أداء وقضاء، ووجبت الكفارة إجماعاً .. وابنا بابويه والسيد المرتضى .. مدّ واحد). والظاهر أنه استفاده من قوله: (إذا لم يتهيأ للشيخ ..), وانظر المقنع (194)؛ فانه يؤيد ما ذكرته.
8- التنقيح الرائع (1/396): (علي بن بابويه فإن ظاهر كلامه سقوطه عن الحامل).

العطش أو الجوع أو تخاف المرأة أن يضر بولدها(1)، فعليهم جميعاً الإفطار، وتصدق عن كلّ يوم بمدّ من الطعام، وليس عليه القضاء(2).

باب قضاء شهر رمضان

* من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً, فإن شاء عتق رقبة, أو يصوم شهرين متتابعين, أو يطعم ستين مسكينا(3).

* وإن أردت قضاء شهر رمضان، فأنت بالخيار، إن شئت قضيت متتابعاً، وإن شئت قضيت متفرقاً(4).

* وإذا قضيت شهر رمضان أو النذر كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس، فإذا أفطرت بعد الزوال فعليك الكفارة(5) مثل ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان(6)، وقد روي أن عليه إذا أفطر بعد الزوال إطعام عشرة مساكين - لكل مسكين مدّ من الطعام - فإن لم يقدر صام يوماً بدل يوم، و(صام)(7) ثلاثة أيام

ص: 236


1- الدروس (1/291): (وظاهر علي بن بابويه وجوب الفدية وسقوط القضاء عن حامل تخاف على ولدها).
2- (وإذا لم يتهيأ .. عليه القضاء) المختلف (3/548) عن الرسالة، ونقل مفاده عن الرسالة المهذب البارع (2/89).
3- المختلف (3/438): (المشهور أن كفارة إفطار يوم من شهر رمضان عتق رقبة, أو صيام شهرين متتابعين, أو إطعام ستين مسكيناً مخيّراً في ذلك, ذهب إليه الشيخان .. وابنا بابويه), ومفاده في المهذب البارع (2/36), وكشف الرموز(1/286) عنهما.
4- المختلف (3/551): (قال علي بن بابويه: أنت بالخيار إن شئت قضيت متتابعاً وإن شئت قضيت متفرقاً), وما في المتن مستفاد من المقنع (200), والفقه الرضوي (211).
5- (وإذا قضيت شهر .. الكفارة) كنز الفوائد (1/227) عن علي بن بابويه.
6- (وإذا قضيت شهر .. رمضان) السرائر (1/410), والمختلف (3/560), عن الرسالة.
7- (صيام) في المختلف (3/555: ط. جماعة المدرسين), وما في المتن عن المختلف (3/418: ط. مركز الأبحاث), والمقنع (200).

كفارة لما فعل(1).

* وإذا مرض الرجل، وفاته صوم شهر رمضان (كله)(2)، ولم يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل، فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل عليه.

ويتصدق عن الأول لكل يوم بمُد من الطعام وليس عليه القضاء(3) إلا أن يكون قد(4) صحّ فيما بين الرمضانين(5)، فإن كان كذلك ولم يصم(6)، فعليه أن يتصدق عن الأول لكل يوم بمُدّ من طعام، ويصوم الثاني.

فإذا صام الثاني قضى الأول بعده، فإن فاته شهرا رمضان(7) - حتى يدخل الثالث- من مرض، فعليه أن يصوم الذي دخل، ويتصدق عن الأول لكل يوم بمُد من طعام، ويقضي الثاني(8).

* من مات وعليه صوم شهر رمضان، فعلى وليه أن يقضي عنه، فإن كان للميت وليّان، فعلى أكبرهما من الرجال فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء(9).

ص: 237


1- (عليه مثل ما على من أفطر .. لما فعل) المختلف (3/555) عن علي بن بابويه في الرسالة وولده في المقنع، وما في المتن مقطع واحد فصّل بينهما العلامة في المختلف، ويدل عليه وحدة الموضوع وما في المقنع (200)، والفقه الرضوي (213).
2- (كله) لا توجد في ط. جماعة المدرسين من المختلف (3/287), وتوجد في (ط. مركز الأبحاث منه: 3/287).
3- حكى عن الرسالة سقوط القضاء في المورد كل من: المختلف (3/517)، والمهذب البارع (2/68)، والتنقيح الرائع (1/380).
4- (قد) ليس في (ط. جماعة المدرسين) من المختلف, وتوجد في (ط. مركز الأبحاث).
5- (بين شهري رمضان) عن السرائر.
6- (ولم يصح) في السرائر عن الرسالة, وما في المتن عن المختلف بطبعتيه.
7- (شهر رمضان) في المختلف (ط. جماعة المدرسين).
8- (وإذا مرض الرجل .. ويقضي الثاني) نقله في السرائر عن الرسالة (1/395), وكذا المختلف (3/502) باختلاف أشرنا إليه.
9- (من مات .. من النساء) المختلف (3/532) عن علي بن بابويه, ونقل مفاده في كشف الرموز (1/303) عن ابني بابويه.

* لو مات المريض وقد فاته الشهر أو بعضه لمرض، فإن برأ بعد فواته وتمكن من القضاء ولم يقضه وجب على وليه القضاء عنه(1).

باب الوقت الذي يحل فيه الإفطار

* يحل لك الإفطار إذا بدت ثلاثة أنجم، وهي تطلع مع غروب الشمس(2).

باب الوقت الذي يؤخذ الصبي به بالصوم

* اعلم أن الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين - على قدر ما يطيقه- فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر.

وإذا صام ثلاثة أيام ولاءاً أخذ بصوم الشهر كله(3) (4).

ص: 238


1- المختلف (3/527) عن ابني بابويه, وانظر: المقنع (201), والفقيه(2/153), والفقه الرضوي (211).
2- الفقيه (2/129)، والمختلف (3/502), عن الرسالة، وقال المحقق الشيخ حسن في منتقى الجمان (2/510): وذكر الشيخ في التهذيب بعد إيراده لهذا الحديث ما هذا لفظه: (قال محمد بن الحسن: ما تضمّنه هذا الخبر من ظهور ثلاثة أنجم لا معتبر به، والمراعى ما قدمناه من سقوط القرص وعلامته زوال الحمرة من ناحية المشرق، وهذا ما كان يعتبره أصحاب أبي الخطاب (لعنهم الله) وأشار بقوله (وهذا) إلى اعتبار رؤية النجوم، ونسبة ذلك إلى أصحاب أبي الخطاب وهمٌ ظاهر؛ لاستفاضة أحاديث أهل البيت (علیهم السلام) بأرجحية التأخير إلى هذه الغاية، وإن كان أصل الوقت يتحقق بسقوط القرص، والمنسوب إلى أصحاب أبي الخطاب في عدّة أخبار بعضها من واضح الصحيح أنهم كانوا يؤخرون المغرب إلى أن تشتبك النجوم، وبين الاشتباك وظهور ثلاثة أنجم فرق بعيد، وقد استوفينا القول في هذا بما لا مزيد عليه في كتاب الصلاة حيث سرى الوهم من الشيخ في ذلك إلى بعض من تأخر عنه كالشهيد).
3- (يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين .. الشهر كله) المختلف (3/486) عن ابني بابويه، والإضافة من المقنع (195) لحاجة السياق إلى ذلك.
4- ورد مثله في الفقه الرضوي (211) إلا في الذيل, وهو: (وإذا صام ثلاثة أيام ولاءً فلا يأخذه بصيام الشهر كله) فإذا ثبت هذا الذيل يكون من موارد المخالفة مع الرسالة.
باب من يجب عليه إتمام الصلاة والصيام في السفر

* والذي يلزمه التمام في الصلاة والصوم في السفر(...)(1) والمكاري والكري والاشتقان(2) (3) (بالشين المعجمة، والتاء المنقطة، من فوقها بنقطتين والقاف والنون، هكذا سماعنا على من لقيناه، وسمعنا عليه من الرواة ولم يبينوا لنا ما معناه(4)).

* لا يجوز الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلی الله علیه و آله)، ومسجد الكوفة، ومسجد المدائن، والعلّة في ذلك أنه لا يعتكف إلا في مسجد جمع فيه إمام عدل(5)، وقد جمع النبي (صلی الله علیه و آله) بمكة، وجمع أمير المؤمنين (علیه السلام) في هذه المساجد، وقد روي في مسجد البصرة(6).

ص: 239


1- قول العلامة (وأضاف الشيخ علي بن بابويه) يدل على عدم انحصار الموارد بالأنواع الثلاثة؛ لذا تركنا نقاط للدلالة على وجود موارد أُخر.
2- السرائر (1/326): (وقال ابن بابويه في رسالته والمكاري والكري) وفسّرها ابن إدريس بكونهما بمعنى واحد، وقد اعترض عليه غير واحد منهم صاحب الجواهر (14/269), وورود كلا العنوانين معاً في الروايات يؤيد صاحب الجواهر.
3- المختلف (3/105): (أضاف الشيخ علي بن بابويه الاشتقان والكري), وقال العلامة بعده وأما الكري فهو المكاري. أقول: لأنه بنى على الترادف بين الكري والمكاري نقل عن الرسالة باختصار فقال: (الاشتقان والكري) ولم ينقل كما نقل ابن إدريس (المكاري والكري والاشتقان).
4- السرائر (1/337): (وقال ابن بابويه أيضاً في رسالته: ولا يجوز التقصير للاشتقان بالشين المعجمة، والتاء المنقطة من فوق نقطتين، والقاف، والنون، هكذا سماعنا على من لقيناه وسمعنا عليه من الرواة ولم يبينوا لنا ما معناه). وقوله: (بالشين المعجمة .. ما معناه) يحتمل أن يكون من كلام ابن ادريس؛ إذ أن من دأبه ضبط الكلمات, كما يحتمل أن يكون من كلام علي بن بابويه؛ إذ أن الصدوق قال في المقنع (197) والأمالي (743) والخصال (252) والفقيه (1/439): (الأشتقان وهو البريد) فمن البعيد جداً عدم اطلاع ابن ادريس ولا الرواة الذين حدَّثوه على معنى الأشتقان وكتب الصدوق بين أيديهم.
5- (والعلّة .. عدل) المختلف (3/580), وكنز الفوائد (1/246), عن علي بن بابويه.
6- (لا يجوز الاعتكاف .. مسجد البصرة) المختلف (3/576) عن علي بن بابويه، وانظر السرائر (1/421) و كشف الرموز (1/317)، وإيضاح الفوائد (1/255).
باب الفطرة

* صدقة الفطرة صاع من حنطة، أو صاع من شعير, أو صاع من تمر, أو صاع من زبيب(1).

* وأفضل ذلك التمر(2).

* ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحداً إلى نفسين(3).

* إن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة, وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده(4).

* لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره، وهي زكاة إلى أن تصلي العيد، فإن أخرجتها بعد الصلاة فهي صدقة، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان(5).

ص: 240


1- المختلف (3/281) عن الرسالة, ومفاده في البيان(334) عن علي بن بابويه.
2- المختلف (3/285): (قال ابن بابويه والشيخان وابن أبي عقيل إن أفضل ما يخرج التمر), وانظر المقنع (211).
3- المختلف(3/180: ط. مركز الابحاث): (قال ابنا بابويه: لا يجوز أن تعطي ما يلزم الواحد لاثنين), ونقل مفاده في البيان(334) عنهما, ولكن في المختلف (3/310: ط. جماعة المدرسين) نقل ذلك عن (ابن بابويه).
4- المختلف (3/295), ونقل مفاده في البيان (333) عن ظاهر ابني بابويه.
5- الفقيه (2/182) عن الرسالة، ونقل في المختلف مقاطع منه, انظر: (3/295 و298 و299 و303)، وكذا كنز الفوائد (1/195)، وقال الشهيد في البيان (333): (وقال ابنا بابويه والمفيد تسقط ويأثم إن تعمّد), أي: إذا تعمد تأخيرها بعد الزوال، ولكن الموجود في المقنعة (249) هكذا: (ومن أخرّها إلى بعد الصلاة فقد فاته الوقت وخرجت عن كونها زكاة الفرض إلى الصدقة والتطوع), وهذا موافق لما في الرسالة فلاحظ.

باب الزكاة

باب زكاة الابل

* فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها خمس شياه, فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض(1) أو ابن لبون ذكر(2), وإن لم يكن عنده- ابن لبون - وكان عنده ابنة مخاض أعطى المصدّق ابن مخاض وأعطى معها شاة, وإذا وجبت عليه ابنة مخاض ولم يكن عنده, وكان عنده ابنة لبون دفعها واسترجع من المصدق شاة(3).

فإذا بلغت خمساً وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة – وسميَّت حقة لأنها استحقَّت أن يركب ظهرها- إلى أن تبلغ ستين, فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإن زادت واحدة ففيها ثني(4) (5).

باب زكاة الغنم

ليس على الغنم شيء حتى تبلغ أربعين, فإذا بلغت أربعين وزادت واحدة ففيها شاة(6).

ثمَّ مائة وإحدى وعشرون فشاتان, ثمَّ مائتان وواحدة فثلاث, ثمَّ ثلاث مائة وواحدة فأربع, ثمَّ أربعمائة ففي كلِّ مائةٍ شاة(7).

ص: 241


1- (فإذا بلغت خمساً .. مخاض) نقله في المعتبر (2/498) عن الخمسة وأتباعهم.
2- (إذا بلغت خمساً .. ذكر) نقله في المختلف (3/168) عن المشهور وابني بابويه وغيرهم.
3- المختلف (3/175), والبيان للشهيد (288): (وجعل الشيخ علي بن بابويه التفاوت بين بنت مخاض وبنت اللبون شاة يأخذها المتصدق أو يدفعها) عن علي بن بابويه, وانظر الفقه الرضوي (198).
4- نقله في المختلف (3/174) عن الرسالة, وانظر البيان للشهيد (287), والدروس (1/234).
5- (فإذا زادت واحدة ففيها ثني) نقله في الدروس (1/ 234), والبيان (287).
6- نقله في المختلف (3/181) عن ابني بابويه, والبيان للشهيد (292) ووصفه بالقول النادر.
7- نقله في الدروس (1/234) عن ابني بابويه, ولكن ما نُقل في المختلف (3/179) وكشف الرموز (1/240) والمهذب البارع (1/511) يختلف عمّا ذكره الشهيد في خصوص النصاب الرابع - ثمَّ ثلاثمائة وواحدة فأربع- وما بعده فلاحظ.
باب زكاة البقر

* في ثلاثين تبيع(1) حولي(2).

باب زكاة الذهب

* ليس على الذهب شيء حتى يبلغ أربعين مثقالاً وفيه مثقال(3).

باب زكاة السبائك

* وليس في السبائك شيء إلا أن يفرّ بها من الزكاة, فإن فررت بها فعليك زكاتها(4).

باب زكاة مال اليتيم

* وليس في مال اليتيم زكاة, إلا أن يُتّجر به, فإن اتجر به ففيه زكاة, والربح لليتيم(5).

ص: 242


1- التبيع (النهاية: 1/ 179): ولد البقر أول سنة.
2- نقله في المختلف (3/178) وقال بعده: (ولم يذكر التبيعة), وكذا في ملاذ الأخيار (6/ 56), وفي المختلف (3/ 52) طبعة مركز الأبحاث: قال (ولم يذكرا التبيعة), ومقصوده ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه.
3- نقله في السرائر (1/441) عن الرسالة, والتذكرة (5/119), ومنتهى المطلب (8/158), والمختلف (3/ 57) طبعة مركز الأبحاث, بينما في المختلف (3/ 183) طبعة جماعة المدرسين سقطت منه كلمة (أربعين), وانظر أيضاً كشف الرموز (1/244), والبيان للشهيد (301).
4- نقله في المختلف (3/157) عن علي بن بابويه, ونقل مفاده عنه في كشف الرموز (1/245), والملاحَظ أن الصدوق في المقنع (163) والفقيه (2/ 15) أفتى بنفس ما أفتى به والده في الرسالة, ولكنه مع ذلك نقل في الفقيه (2/33: ح: 1624) صحيحة عمر بن يزيد الدالّة على عدم وجوب الزكاة في مفروض المسألة, ولعل هذا اشتباه من الصدوق (رضوان الله تعالی علیه) .
5- نقله في المختلف (3/152) عن علي بن بابويه, وفي كشف الرموز (1/233) عن ظاهر ابني بابويه.
باب تقديم الزكاة وتأخيرها

* ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها(1) لأنها مقرونة بالصلاة, ولا يجوز تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها إلا أن يكون قضاء وكذلك الزكاة, وإن أحببت أن تقدّم من زكاة مالك شيئا تفرّج بها عن مؤمن فاجعلها دينا عليه, فإذا حلّت عليك الزكاة فاحسبها له زكاة فتحسب لك من زكاة مالك, ويكتب لك أجر القرض(2).

باب من يُعطى من الزكاة ومن لا يُعطى

* ولا تعطِ من أهل الولاية: الأبوين, والولد, ولا الزوج(3) والزوجة(4).

* وإياك أن تُعطي زكاتك لغير أهل الولاية(5).

باب العتق من الزكاة

* لابأس أن تشتري مملوكا مؤمنا من زكاة مالك فتعتقه, فإن استفاد المعتق مالاً ومات, فماله لأهل الزكاة لأنه اشتري بمالهم(6).

ص: 243


1- كشف الرموز (1/250): (وذهب ابنا بابويه إلى عدم جواز تأخير دفع الزكاة).
2- المختلف (3/238): (ومنع ابنا بابويه من تقديم الزكاة - كل المنع- إلا على وجه القرض), وانظر: كشف الرموز (1/ 252), وكنز الفوائد (1/ 185), وايضاح الفوائد (1/ 200), والمقنع (164), والفقه الرضوي(197).
3- لم يذكر في الفقه الرضوي (198): (الزوج), فتكون هذه إحدى موارد المخالفة تضاف إلى عشرات الموارد التي ذكرناها في الدراسة عن الرسالة.
4- نقله في المختلف (3/249) عن الرسالة.
5- نقله في المختلف (3/208) عن علي بن بابويه, وانظر: منتهى المطلب (8/364), وكشف الرموز (1/257), وكنز الفوائد (1/ 184).
6- المختلف (3/252): (إذا مات المملوك المشترى من الزكاة وخلّف مالاً ولا وارث له قال ابنا بابويه: يكون ميراثه لأرباب الزكاة), وانظر: المهذب البارع (1/537), وايضاح الفوائد (1/207), والتنقيح الرائع (1/326), وكنز الفوائد (1/192), وانظر: المقنع (166).
باب زكاة المال إذا كان في تجارة

* إذا كان مالك في تجارة وطلب منك المتاع برأس مالك, ولم تبعه تبتغي بذلك الفضل, فعليك زكاته إذا حال عليه الحول, فإن لم يطلب منك المتاع برأس مالك فليس عليك زكاته(1).

باب الزكاة في القرض

* ولا زكاة على المقرض مطلقاً, أما المستقرض فإن ترك المال بعينه حولاً وجبت الزكاة عليه وإلا فلا(2).

* إن بعت شيئاً وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر فإن ذلك يلزمه دونك(3).

باب أقل ما يُعطى الفقير هو ما يجب في النصاب الأول

* ولا يجزئ في الزكاة أن يعطى أقلّ من نصف دينار(4).

باب الحج

اشارة

* وليس لأهل مكة وحاضريها إلا القران والإفراد، وليس لهم التمتع إلى الحج لأن الله عز وجل يقول: [فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي] ثم قال: [ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام] (5).

ص: 244


1- قال في المختلف (3/192): (ومنهم من قال: فيه الزكاة إذا طلب برأس المال وبالربح .. وقال ابنا بابويه (رضی الله عنهما) عليه الزكاة), ونقل مفاده إيضاح الفوائد (1/184), والدروس (1/238), والبيان (283), وانظر: المقنع (168), والفقه الرضوي (198).
2- نقله في المختلف (3/163) عن الرسالة.
3- نقله في المختلف (3/164), وكنز الفوائد (1/169), عن علي بن بابويه.
4- الفقيه (2/10) عن الرسالة, والمعتبر (2/590), وتحرير الأحكام (1/416), والتذكرة (5/339), ومنتهى المطلب (8/407), والمختلف (3/226-227), جميعاً عن ابني بابويه, وغيرهم كثير.
5- البقرة: 196.

وحدّ حاضري المسجد الحرام أهل مكة وحواليها على ثمانية وأربعين ميلاً(1) (2)، ومن كان خارجاً عن هذا الحدّ فلا يحج إلا متمتعاً بالعمرة إلى الحج، ولا يقبل الله غيره(3).

* وقّت رسول الله (صلی الله علیه و آله) لأهل العراق العقيق, وأوّله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق، وأوّله أفضل, وإذا كان الرجل عليلاً أو اتقى, فلا بأس بأن يؤخر الإحرام إلى ذات عرق(4).

* ثم تلبي سراً بالتلبيات الأربع - وهي المفترضات(5)- تقول: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك لبّيك(6).

ص: 245


1- المختلف (4/25): (التمتع فرض من ليس من أهل مكة وحاضريها، وهو ممن لا يكون بمكة أو يكون بينه وبينها ثمانية وأربعون ميلاً، وكذا قال ابنا بابويه).
2- كشف الرموز (1/337): (صرّح بذلك الفقيه محمد بن علي بن بابويه في من لا يحضره الفقيه, قال: وحدّ حاضري المسجد الحرام - أهل مكة وحواليها - على ثمانية وأربعين ميلاً, وكذا أبوه علي بن بابويه في رسالته).
3- المختلف (4/29): (وقال ابنا بابويه: لا يجوز لهم التمتع) ويقصد حاضري المسجد الحرام, ونقل مفاده المهذب البارع (2/151) عن الصدوقين، وما في المتن من المقنع (215), وورد نحوه في الهداية (215)، والفقه الرضوي (215).
4- ما في المتن مستفاد من الفقيه (2/304)، وانظر المقنع (217)، والهداية (218)، والفقه الرضوي (216)، وفي المختلف (4/40): (المشهور أن الإحرام من ذات عرق مختاراً سائغ لكن الأفضل المسلخ وأدون منه غمرة، وكلام الشيخ علي بن بابويه (رضوان الله تعالی علیه) يشعر بأنه لا يجوز التأخير إلى ذات عرق إلا للعليل أو لتقية). وقال في الدروس (1/340): (وظاهر علي بن بابويه والشيخ في النهاية أن التأخير إلى ذات عرق للتقية أو المرض).
5- المختلف (4/54): (قال ابنا بابويه ثم يلبي سراً بالتلبية الأربعة المفروضة)، وقال في المهذب البارع: (2/166) (إنها خمس وهو قول الصدوقين والقديمين والمفيد)، والملاحظ أن التلبيات في الفقه الرضوي: (216) أربع فتكون هذه من موارد المخالفة بين الرسالة والفقه الرضوي.
6- المختلف (4/54): (قال المفيد: لبيك اللّهم لبيك .. لا شريك لك لبيّك. وكذا قال علي بن بابويه في رسالته), انظر الهداية (220)، والفقه الرضوي (216).
باب دخول مكة

* فإذا نظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية, وحدّها عقبة المدنيين أو بحذائها, ومن أخذ على طريق المدينة قطع التلبية إذا نظر إلى عريش مكة، وهو عقبة ذي طوى(1).

باب محرمات الإحرام

* اتقِ في إحرامك الكذب واليمين الكاذبة والصادقة وهو الجدال، والجدال قول الرجل (لا والله وبلى والله).

فإن جادلت مرّة أو مرّتين وأنت صادق فلا شيء عليك، فإن جادلت ثلاثاً وأنت صادق فعليك دم شاة، فإن جادلت مرّة كاذباً فعليك دم شاة، وإن جادلت مرتين كاذباً فعليك دم بقرة، وإن جادلت كاذباً ثلاثاً فعليك بدنة.

والفسوق الكذب فاستغفر الله منه، والرفث الجماع، فإذا جامعت وأنت محرم في الفرج فعليك بدنة والحج من قابل، ويجب أن يفرق بينك وبين أهلك حتى تقضيا المناسك، ثم تجتمعان، فإن أخذتما على طريق غير الذي كنتما أخذتما عليه عام أول لم يفرق بينكما.

وتلزم المرأة بدنة إذا جامعها الرجل فإن أكرهها لزمته بدنتان ولم يلزم المرأة شيء.

فإن كان جماعك دون الفرج فعليك بدنة وليس عليك الحج من قابل(2).

* وإن جامعت وأنت محرم قبل أن تقف بالمشعر فعليك بدنة والحج من قابل(3).

ص: 246


1- (وحدّها عقبة .. ذي طوى) نقله في المختلف (4/60) عن علي بن بابويه وولده في المقنع, وما قبله من المقنع (254)، وانظر الهداية (223).
2- (اتق في إحرامك .. من قابل) الفقيه (2/330) عن رسالة والده، ونقل مقاطع في المختلف (4/84 و149 و150).
3- المختلف (4/146): (من جامع امرأة في الفرج عامداً قبل الوقوف بالمشعر فسد حجه، وكان عليه بدنة والحج من قابل. وبه قال شيخنا علي بن بابويه وابنه في المقنع ورواه في كتاب من لا يحضره الفقيه). وما في المتن رواية الفقيه: (2/330) (حديث: 2588) عن الصادق بناءً على أن الرسالة هي روايات بصياغة فقهية, ولأن العلامة قال ورواه في الفقيه، وانظر المقنع (244).

* وإن كان الصيد أسداً ذبحت كبشاً(1).

* فإن صاد بقرة أو حمار وحش فعليه بقرة، فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر صام تسعة أيام(2).

* وفي الثعلب والأرنب دم شاة(3).

* فإن صاد ظبياً فعليه شاة، فإن لم يجد أطعم عشرة مساكين - لكل مسكين مدّ- وإن لم يستطع صام ثلاثة أيام(4).

* وإن رميت ظبياً فأدميته أو كسرت يده أو رجله أو كسرت قرنه(5)، ثم رأيته بعد ذلك صحيحاً تصدقت بشيء(6).

ص: 247


1- المختلف (4/88), ونقل مفاده المهذب البارع (2/235)، وكذا كنز الفوائد (1/305), جميعاً عن علي بن بابويه.
2- المختلف (4/96) عن علي بن بابويه, و(97) نقل عنه حكم كفارة صيد حمار الوحش.
3- المختلف (4/100): (الثعلب والأرنب وأوجب علي بن بابويه فيهما شاة شاة)، وكذا كنز الفوائد (1/308) عن علي بن بابويه، وانظر المقنع (247)، والفقه الرضوي (228).
4- المختلف (4/99): (وقال المفيد فإن صاد ظبياً .. ثلاثة أيام وكذا قال السيد المرتضى والصدوق في المقنع .. وشيخنا علي بن بابويه, وكرر هنا قدر الإطعام وهو مدّ لكل مسكين).
5- المختلف (4/141): (وقال شيخنا علي بن بابويه والمفيد وسلار يتصدق بشيء لو كسر قرنه)، وكذا المهذب البارع (2/250) عن علي بن بابويه، ولكن في غاية المرام (1/482) قال: (وأوجب علي بن بابويه في القرنين الصدقة بشيء, وكذا في العينين)، ولم أعثر على من نسب حكم العينين لعلي بن بابويه غيره.
6- المختلف (4/138): (إذا رمى الصيد فأدماه أو كسر يده أو رجله ثم رآه بعد ذلك صحيحاً كان عليه ربع الفداء .. وقال علي بن بابويه: يتصدق بشيء). والظاهر أن عبارة علي بن بابويه (إن رميت ظبياً) كما في المتن، انظر الفقه الرضوي (227)، والمقنع (247).

* وإن قتل المحرم نعامة فعليه جزور(1)، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مدّ من طعام(2).

* فإن أكلت بيضها - يعني النعامة - فعليك دم شاة، وكذلك إن وطئتها, ]فإن وطئتها[(3)، وكان فيها فرخ يتحرك فعليك أن ترسل فحولة من الإبل على الإناث بقدر عدد البيض، فما نتج منها فهو هدي لبيت الله تعالى(4).

* وإن كان الصيد يعقوباً أو حجلة أو بلبلة أو عصفوراً أو شيئاً من الطير فعليك دم شاة، واليعقوب الذكر من القبج والحجلة الانثى(5).

* وفي بيض القطاة إذا أصابه قيمته، فإن وطئتها وفيها فراخ تتحرك فعليك أن ترسل الذكر من المعز على عددها من الإناث على قدر عدد البيض فما نتج فهو هدي لبيت الله(6).

ص: 248


1- السرائر (1/558), ومنتهى المطلب (ط. ق: 2/826): (وذهب علي بن بابويه إلى أن في الطائر جميعه دم شاة، ما عدا النعامة فإن فيها جزوراً).
2- المختلف (8/232): (المشهور في كفارة قتل النعامة إذا لم يجد البدنة إطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع، وقال ابن أبي عقيل: لكل مسكين مدّ من طعام وكذا قال علي بن بابويه), ولا يخفى أن العلامة بصدد بيان بدلية كفارة قتل النعامة وهي الإطعام, وليس بصدد بيان ما هي كفارة الصيد فلاحظ, وانظر أيضاً المختلف (4/92)، والمقنع (248)، وفي الفقه الرضوي (227) قال: (فإن كان الصيد نعامة فعليك بدنة)، فيكون هذا أيضاً من موارد المخالفة مع الرسالة.
3- ما بين المعقوفين سقط من طبعة جماعة المدرسين من المختلف (4/111)، ولكنه موجود في الطبعة نفسها (8/232), وكذلك في طبعته الأخرى موجودٌ في الموردين.
4- المختلف (8/232)، و(4/111-112) عن علي بن بابويه, ونقل مفاده نزهة الناظر (60) عن الصدوقين.
5- المختلف (4/103) عن علي بن بابويه، وقال في السرائر (1/558): (ذهب علي بن بابويه في رسالته إلى أن في الطائر جميعه دم شاة ما عدا النعامة فإن فيها جزوراً), ونقل حكم الطير في الدروس (1/357) عن علي بن بابويه.
6- المختلف (4/115) عن علي بن بابويه، ونقل السرائر (1/558) مفاده عن الرسالة.

* من نفّر حمام الحرم فعليه دم شاة، فإن لم ترجع فعليه لكل طير شاة(1).

* وإن قتلت جرادة تصدقت بتمرة، والتمرة خير من جرادة فإن كان الجراد كثيراً ذبحت شاة.

وإن أكلت منه فعليك دم شاة(2).

* ومن أصاب يربوعاً أو قنفذاً أو ضبّاً أو ما أشبهه كان عليه جدي(3).

* وإن قتلت زنبوراً تصدقت بكف من طعام(4).

* وكل شيء أتيته في الحرم بجهالة، وأنت محل أو محرم أو أتيته في الحل وأنت محرم، فليس عليك شيء، إلا الصيد فإن عليك فداءه، فإن تعمّدته كان عليك فداؤه وإثمه(5).

باب بيان محل موضع النحر أو الذبح

* وكل ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن تنحر أو تذبح ما يلزمك من الجزاء بمكة عند الحزورة قبالة الكعبة موضع النحر(6) وإن شئت أخرته إلى أيام التشريق فتنحره بمنى إذا وجب عليك في متعة.

ص: 249


1- التهذيب (5/351): (ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته, ولم أجد به حديثاً مسنداً).
2- المختلف (4/105) عن الرسالة، واعترض العلامة على نقل ابن إدريس في السرائر عن الرسالة في المورد, حيث قال ابن ادريس (السرائر: 1/588): (وإنْ أكلت جرادةً فعليك دمُ شاةٍ).
3- المختلف (4/101) عن علي بن بابويه.
4- المختلف (4/107): (وقال ابن حمزة: لو قتل زنبوراً تصدق بكف من طعام، وهو قول علي بن بابويه), وانظر: الفقه الرضوي (228).
5- المختلف (4/122-123) عن علي بن بابويه, ومفاده عن المهذب البارع (2/247) عن علي بن بابويه أيضاً.
6- (موضع النحر) ليست في المختلف (4/180).

وما أتيته فيما يجب عليك فيه الجزاء في حج فلا تنحره إلا بمنى(1).

وإن كان عليك دم واجب وقلدته أو أحللته أو أشعرته فلا تنحره إلا يوم النحر بمنى(2).

باب الطواف

* وإن لم تدرِ ستة طفت أم سبعة فأتمها بواحد(3).

* فإن سهوت وطفت طواف الفريضة ثمانية أشواط، فزد عليها ستة أشواط، وصلِّ عند مقام إبراهيم (علیه السلام) ركعتي الطواف, ثمَّ اسعَ بين الصفا والمروة, ثمَّ تأتي المقام فصلّ خلفه ركعتي الطواف(4).

واعلم أن الفريضة هي الطواف الثاني(5)، والركعتين الأوليتين لطواف الفريضة, والركعتين الأخيرتين والطواف الأول تطوع(6).

* لا يجوز أن يصلي ركعتي طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة.

ص: 250


1- (وكل ما أتيته من الصيد .. إلا بمنى) المختلف (4/179- 180) عن علي بن بابويه.
2- (وكل ما أتيته من الصيد .. يوم النحر بمنى) المختلف (4/286) عن علي بن بابويه.
3- المختلف (4/187): (وقال المفيد (رضوان الله تعالی علیه) من طاف بالبيت فلم يدر ستاً طاف أو سبعاً فليطف طوافاً آخر يستيقن أنه طاف سبعاً، وبالثاني -أي قول المفيد- قال الشيخ علي بن بابويه وأبو الصلاح وهو قول ابن الجنيد), وقال في الدروس (1/395): (فلو شك في النقيصة بطل مطلقاً، وقال علي بن بابويه وجماعة بنى على الأقل)، وانظر الفقه الرضوي (221).
4- المختلف (4/190): (لو زاد على السبع شوطاً ناسياً قال الشيخ: أضاف إليها ستة أشواط أخر، وصلى معها أربع ركعات، يصلي اثنين منها عند الفراغ من الطواف لطواف الفريضة ويمضي إلى الصفا ويسعى فإذا فرغ عاد فصلى ركعتين أخراوين، وبه قال علي بن بابويه..)، وانظر الفقه الرضوي (220).
5- الدروس (1/407): (أنه يكمل أسبوعين والثاني منهما هو الفريضة عند ابن الجنيد وعلي بن بابويه).
6- (واعلم أن .. تطوع) المختلف (4/191) عن علي بن بابويه.

ولا بأس أن تصلّي ركعتي طواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام(1)(2).

* وإذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة، وجاوزت النصف فلتُعلِّم على الموضع الذي بلغت, فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علَّمته, وإنْ هي قطعت طوافها في أقل من النصف، فعليها أن تستأنف الطواف من أوله(3).

* ومتى لم يطف الرجل طواف النساء، لم يحل له النساء، حتى يطوف، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تجامع حتى تطوف طواف النساء(4)، إلا أن يكونا (قد)(5) طافا طواف الوداع فهو طواف النساء(6).

باب وقت الإحرام للحج

* وإذا كان يوم التروية فاغتسل والبس ثياب إحرامك، وائت المسجد حافياً، وعليك السكينة والوقار.

وصلّ عند المقام الظهرَ والعصرَ، واعقد إحرامك للحج في دبر العصر وإن

ص: 251


1- (لا يجوز أن يصلي .. المسجد الحرام) المختلف (4/201) عن علي بن بابويه.
2- نقل في الدروس (1/396) حكم ركعتي طواف النساء عن ابني بابويه.
3- المختلف (4/208) (قال الشيخان: إذا حاضت المرأة في أثناء الطواف قطعته، وانصرفت، فإن كان ما طافت أكثر من النصف بنت عليه إذا طهرت، وإن كان أقل استأنفت، وهو المشهور, واختاره علي بن بابويه, ولابنه قولان: هذا أحدهما, ذكره في المقنع)، وانظر المقنع (264)، وانظر أيضاً المختلف (4/338).
4- نقل مفاده كنز الفوائد (1/292) عن علي بن بابويه.
5- (قد) ليس في المختلف (4/202)، ولكنها موجودة في (301).
6- (ومتى لم يطف .. طواف النساء) نقله في المختلف (4/202 و301) عن الرسالة باختلاف أشرنا إليه، ونقل مفاده في الدروس (1/404) عن علي بن بابويه.

شئت في دبر الظهر بالحج مفرداً(1).

باب التلبية

* فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية(2).

* من دخل مكة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية إنْ شاء في الحرم وإنْ شاء في الكعبة(3).

* فإذا خرجت إلى الأبطح فارفع صوتك بالتلبية(4).

باب المحصور والمصدود

* وإذا قرن الرجل الحج والعمرة وأحصر، بعث هدياً مع هديه ولا يحل حتى يبلغ الهدي محلّه(5).

فإذا بلغ الهدي محلّه قصّر من شعر رأسه وحلّ له كلّ شيء إلا النساء(6).

* وإذا صدّ رجل عن الحج، وقد أحرم فعليه الحج من قابل، ولا بأس بمواقعة النساء، لأنه مصدود وليس كالمحصور(7).

ص: 252


1- (وإذا كان يوم .. مفرداً) المختلف (4/223) عن علي بن بابويه.
2- الدروس (1/348): (وأوجب علي بن بابويه والشيخ قطعها عند الزوال لكل حاج), وانظر المقنع (269)، والهداية (236).
3- كشف الرموز (1/352): (وقال ابنا بابويه: هو مخير يقطع أي موضع أراد، كعبة كان أو حرماً), وبيّن أن ذلك جمعاً بين رواية محمد بن عذافر ورواية عمر بن يزيد.
4- المختلف (4/227) عن علي بن بابويه.
5- (وإذا قرن الرجل .. الهدي محله) السرائر (1/639) عن الرسالة, والمختلف (2/347) عن علي ابن بابويه، ومفاده في التحرير (2/81)، والدروس (1/477), عن ابني بابويه.
6- (فإذا بلغ الهدي .. إلا النساء) المختلف (4/343) عن ابني بابويه ويدل عليه أيضاً ما نقله في (4/350): (ولا بأس بمواقعة النساء لأنه مصدود وليس كالمحصور).
7- المختلف (4/350) عن علي بن بابويه.

* ولو أنَّ رجلاً حبسه سلطان جائر بمكة وهو متمتع بالعمرة إلى الحج، فلم يطلق عنه إلى يوم النحر, فإنَّ عليه أنْ يلحق الناس بجمع(1)، ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق رأسه ولا شيء عليه.

وإنْ خلى عنه يوم النحر - بعد الزوال - فهو مصدود عن الحج، وإنْ كان دخل مكة متمتعاً بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعاً ويسعى أسبوعاً ويحلق رأسه ويذبح شاة(2)، وإن كان دخل مكة مفرداً بالحج فليس عليه الذبح ولا شيء عليه، بل يطوف بالبيت ويصلي عند مقام إبراهيم (علیه السلام) ويسعى بين الصفا والمروة ويجعلها عمرة ويلحق بأهله(3).

باب الإفاضة من المشعر وعرفات

* وإياك أنْ تفيض منها قبل طلوع الشمس، ولا من عرفات قبل غروبها فيلزمك دم شاة(4).

* وإذا أتيت المزدلفة وهي جمع - إنما سميت مزدلفة جمعاً لأنه يجمع فيها بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين- فصلِّ بها المغرب والعشاء الآخر بأذان واحد وإقامتين(5).

ص: 253


1- قوله (يلحق الناس بجمع) يناسب أن إطلاق سراحه ليلة النحر - كما في الفقه الرضوي (229)- وليس يوم النحر؛ ولذا رواية الفضل بن يونس خالية من لفظة الناس, فإنه قال: (تلحق بجمع).
2- قال في الدروس (1/427): (وأوجب علي بن بابويه وابنه على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان العمرةَ ودم شاة ولم يذكرا أيضا طواف النساء) .
3- (ولو أن رجلاً حبسه .. ويلحق بأهله) المختلف (4/356) عن علي بن بابويه، ونقل صدره وذيله كنز الفوائد (1/298) عن علي بن بابويه.
4- المختلف (4/247) و(8/232) عن علي بن بابويه, ونقل حكم الإفاضة من عرفات (4/245) عن ابني بابويه، ولكنه في (4/243) نسب إلى ابني بابويه أنه (لو خرج من المشعر قبل طلوع الفجر عامداً مختاراً لم يبطل حجه ووجب عليه شاة) فلاحظ, وانظر الدروس (1/419 و423)، والفقيه (2/546).
5- (إنما سميت مزدلفة جمعاً لأنه يجمع فيها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين), علل الشرائع (2/122) عن الرسالة، وما قبله وما بعده زيادة – منا- اقتضاها السياق, ويدل عليه ما في المقنع (284)، والفقه الرضوي (223).
باب التحلل في الحج ومواضعه

* واعلم أنَّك إذا رميت جمرة العقبة حلَّ لك كلّ شيء إلا النساء والطيب(1).

فإذا طفت طواف الحج حلّ لك كلّ شيء إلا النساء.

فإذا طفت طواف النساء حلّ لك كل شيء إلا الصيد؛ فإنَّه حرام على المحل في الحرم(2).

* وإنْ تمتع رجل بالعمرة إلى الحج، فدخل مكة فطاف وسعى ولبس ثيابه, وأحل ونسي أن يقصر حتى خرج إلى عرفات، فلا بأس به يبني على العمرة وطوافها وعليه دم(3).

مستحبات الزيارة والطواف

* وتغتسل لزيارة البيت، وإن زرت نهاراً فدخل عليك الليل في طريقك أو في طوافك أو في سعيك فلا بأس به ما لم ينقض الوضوء، وإنْ نقض الوضوء أعدت الغسل.

وكذلك إذا خرجت من منى ليلاً وقد اغتسلت، وأصبحت في طريقك أو في طوافك وسعيك فلا شيء عليك فيما لا ينقض الوضوء، فإن نقضت الوضوء أعدت الغسل وطفت بالبيت طواف الزيارة - وهو طواف الحج سبعة أشواط-, وصلّيت عند المقام ركعتين، وسعيت بين الصفا والمروة كما فعلت عند المتعة سبعة أشواط, ثمَّ تطوف بالبيت أسبوعاً وهو طواف النساء(4).

ص: 254


1- الدروس (1/455): (وقال علي بن بابويه وابنه: يتحلل بالرمي إلا من الطيب والنساء).
2- (واعلم أنك إذا رميت .. في الحرم), المختلف (4/298) عن علي بن بابويه.
3- المختلف (4/64): (لو أخل بالتقصير ناسياً وأدخل إحرام الحج على العمرة سهواً لم يكن عليه إعادة الإحرام، وتمت عمرته إجماعاً، وصح إحرامه وهل يجب عليه دم؟ قال الشيخ وعلي بن بابويه: نعم), وانظر كنز الفوائد (1/286)، والمقنع (261).
4- (وتغسل لزيارة البيت .. طواف النساء) الفقه الرضوي (226)، ويدل عليه قول العلامة في المختلف (4/304): (يستحب لمن أراد الزيارة والطواف أن يغتسل، ويكفيه غسل النهار ليومه وغسل الليل لليلته ما لم ينم أو ينقض الوضوء، فإن نقض الوضوء بحدث أو نوم أعاد الغسل استحباباً ذهب إليه الشيخ وعلي بن بابويه).

وقت فوات المتعة

* في الحائض إذا طهرت يوم التروية قبل زوال الشمس فقد أدركت متعتها, وإن طهرت - بعد الزوال- يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة(1).

باب الهدي

* إذا وجدت الثمن ولم تجد الهدي، فخلّف الثمن عند رجل من أهل مكة ليشتري لك في ذي الحجة ويذبحه عنك, فإن مضت ذو الحجة ولم يشترِ, أخّرهُ إلى قابل ذي الحجة لأن أيام الذبح قد مضت(2).

* يا بني - اعلم- أنه لا يجوز في الأضاحي من البدن إلا الثني - وهو الذي تمَّ له خمس سنين- ودخل في السادسة.

ويجزي من المعز والبقر الثني - وهو الذي تم له سنة- ودخل في الثانية.

ويجزي الضأن الجذع لسنة.

وتجزي البقرة عن خمسة نفر إذا كانوا من أهل بيت(3).

وروي أن البقرة لا تجزي إلا عن واحد(4).

ص: 255


1- المختلف (4/218) عن علي بن بابويه، ونقل مفاده في الدروس (1/335 و406) عن علي بن بابويه.
2- (وإذا وجدت الثمن .. قد مضت) الفقيه (2/513) عن الرسالة.
3- المهذب البارع (2/195): (وقال الفقيه تجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت), وكذا الدروس (1/438).
4- الفقيه (2/550), والتهذيب (5/307).

وإذا عزت الأضاحي (بمنى)(1) أجزأت شاة عن سبعين(2) (3).

* وإذا وجد الهدي ولم يجد الثمن صام ثلاثة أيام في الحج, يوماً قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله تلك عشرة كاملة لجزاء الهدي, فإنْ فاته صوم هذه الثلاثة أيام تسحّر ليلة الحصبة - وهي ليلة النفر- وأصبح صائماً وصام يومين من بعد(4).

باب رمي الجمار

* ومطلق لك رمي الجمار من أول النهار إلى الزوال، وقد روي من أول النهار إلى آخره(5) (6).

* تقف في وسط الوادي مستقبل القبلة يكون بينك وبين الجمرة عشر خطوات أو خمس عشرة خطوة، (ويدعو والحصى في يده اليسرى ويرميها من قبل وجهها لا

ص: 256


1- ما بين القوسين من المختلف وليس في المقنع.
2- (وتجزي البقرة .. عن سبعين), المختلف (4/279)، وكشف اللثام (6/124), عن علي بن بابويه.
3- (يا بني اعلم .. عن سبعين) المقنع: (274) عن الرسالة وما بعده مقاطع لم تتضح أنها للصدوق أم لأبيه.
4- المختلف (4/273): (قال الشيخ في النهاية: فإن فاته صوم الثلاثة أيام قبل العيد فليصم يوم الحصبة - وهو يوم النفر- ويومان بعده, وكذا قال علي بن بابويه)، ونقل مفاده الدروس (1/440) عن الصدوقين، وانظر الفقيه (2/508).
5- المختلف (4/310) عن علي بن بابويه, وفي (312) حكى عن ظاهر ابني بابويه المنع من الرمي بعد الزوال، ولكن في الدروس (1/431) نقله هكذا: (وقال علي بن بابويه يجوز من أول النهار إلى الزوال، وروي رخصة .. إلى آخره).
6- الفقيه (2/553) وفيه (وقد رويت رخصة .. إلى آخره).

من أعلاها)(1)، وتقول وأنت مستقبل القبلة(2).

* والجمرة اسم للأرض(3).

* ولتكن الحصاة منقطة كُحلية(4).

* فإن جهلت ورميت إلى الأولى بسبع حصيات وإلى الثانية بست وإلى الثالثة بثلاث فارم على الثانية واحدة وأعد الثالثة، ومتى لم يجزِ النصف فأعد الرمي من أوله.

ومتى جزت النصف فابن على ما رميت، وإذا رميت إلى الجمرة الأولى دون النصف فعليك أن تعيد الرمي إليها وإلى ما بعدها من أوّله(5).

* وضع الحصى في يد المنوب العاجز، ثم يأخذها النائب من يده إن أمكن حمله إليها فإنه مستحب، ومُرْهُ أن يرمي من كفه إلى كفك وارمِ أنت من كفك إلى الجمرة(6).

ص: 257


1- ما بين القوسين من الدروس (1/432) عن علي بن بابويه بعد أن اتفق مع المختلف بما قبل القوس، وأشار الى ما بعده, بقوله: (وهو موافق للمشهور إلا في موقف الدعاء).
2- المختلف (4/268), والدروس (1/432), عن علي بن بابويه.
3- الدروس (1/428) عن علي بن بابويه.
4- المختلف (4/267): (المشهور استحباب المنقطة الكحلية، قاله الشيخان وابنا بابويه), وانظر المقنع (272).
5- (فإن جهلت ورميت .. من أوله), المختلف (4/313) عن علي بن بابويه، وانظر الرسائل العشر لابن فهد (269)، والدروس (1/430).
6- الدروس (1/433): (وضع الحصى في يد المنوب العاجز، ثم يأخذها النائب من بعده إن أمكن حمله إليها فإنه مستحب، نص عليه علي بن بابويه، قال: (ومره أن يرمي من كفه الى كفك وارم أنت من كفك إلى الجمرة).

باب النكاح

* واعلم - يا بني -:

إن النساء خلقن شتى *** فمنهن الغنيمة والغرام

ومنهن الهلال إذا تجلى *** لصاحبه ومنهن الظلام

فمن يظفر بصالحهن يسعد *** ومن يغبن فليس له انتقام(1)

* وإن تزوجت يهودية أو نصرانية فامنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

واعلم إنَّ عليك في دينك في تزويجك إياها غضاضة(2).

* ولا يجوز أن يتزوج من أهل الكتاب ولا من الإماء إلا أثنتين, ولك أن تتزوج من الحرائر المسلمات أربعاً(3).

ص: 258


1- (واعلم يا بني .. انتقام) أورده الجباعي في مجموعته في الورقة الأخيرة.
2- المختلف (7/73) عن علي بن بابويه، ونقل مفاده إيضاح الفوائد (3/22) عن ابني بابويه, والمهذب البارع (3/295) عن الصدوقين.
3- المختلف (7/82) عن الرسالة، والجدير بالذكر أن ولده فخر المحققين في الإيضاح (3/99) نسب إلى علي بن بابويه - في المجوسية- جواز نكاحها بملك اليمين لا بالعقد, وتابعه على ذلك في التنقيح الرائع لمختصر الشرائع (3/99). وفي هذه النسبة تأمل؛ لأن العلامة بعد نقل قول علي بن بابويه, قال: (وكذا ابنه في المقنع وزاد قوله وتزويج المجوسية حرام ولكن إذا كان للرجل أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها..) وهذا كلام الصدوق في المقنع (308) ولو كان لعلي بن بابويه رأي في المسألة لبينه العلامة الحلي، ولعلّ الوهم نشأ من إرجاع الضمير إلى علي بن بابويه في عبارة المختلف, ويؤكد أن علي بن بابويه ليس لديه قول في المسألة أنه لم ينقل أحد - ممن اعتاد نقل أقواله- ذلك عنه فانظر السرائر (2/541)، والمهذب البارع (3/297)، والمقتصر من شرح المختصر (239)، وغاية المرام في شرح شرائع الأحكام (3/69) للصيمري, وقال الشهيد في غاية المراد(3/78): (وعلي بن بابويه ظاهره كراهية التزويج بالفريقين وكذا ابنه الصدوق وزاد التصريح بتحريم المجوسية وجوّز وطأها ملكاً ويعزل).

* وإن تزوج الرجل امرأة فوجدها قرناء(1), أو عفلاء(2), أو برصاء(3), أو مجنونة, أو كان بها زمانة ظاهرة، كان له أن يردّها إلى أهلها بغير طلاق(4).

* وإنْ تزوّجها خصي قد دلّس نفسه لها وهي لا تعلم فرّق بينهما، ويوجع ظهره كما دلّس(5) نفسه, وعليه نصف الصداق, ولا عدّة عليها منه(6).

* وإنْ جامعتها وهي حائض في أول الحيض فعليك أن تتصدق بدينار, وإنْ كان في وسطه فنصف دينار، وإنْ كان في آخره فربع دينار(7).

* وإن ادعت المرأة على زوجها أنّه عنّين، وأنكر الرجل أن يكون كذلك فإن الحكم فيه أن يقعد في ماء بارد فإن استرخى ذكره فهو عنّين، وإن تشنّج فليس بعنّين(8).

* وإذا كانت المرأة ثيباً وأدعت أنه لا يجامعها - عنيناً كان أو غير عنين - ويقول الرجل إنه قد جامعها فعليه اليمين، وعليها البيّنة لأنها مدعية(9).

ص: 259


1- القرناء من النساء (تهذيب اللغة: 9/88): (التي في فرجها مانع يمنع من سلوك الذكر فيه, أما بغدّة غليظة أو لحمة مرتفقة أو عظم).
2- العفل (تهذيب اللغة: 2/243): (شيء مدور يخرج بالفرج والعفل لا يكون إلا في الأبكار ولا يصيب المرأة إلا بعدما تلد).
3- البرص (لسان العرب:7/5): (داء معروف .. وهو بياض يقع في الجسد).
4- كشف الرموز (2/176): (وابن بابويه في الرسالة لم يذكر الجذام والرتق، وزاد الزمانة, وابنه في المقنع لم يذكر الرتق والإفضاء), وذلك بعد أن عدّ العيوب التي ترد بسببها المرأة, وانظر المقنع (311)، والفقه الرضوي (237).
5- (كما لو دلس) في المختلف (ط. جماعة المدرسين), وما في المتن من المختلف(7/210: ط. مركزالدراسات).
6- المختلف (7/199) عن علي بن بابويه, وانظر نزهة الناظر(103).
7- المعتبر (1/229): (وفي وجوب الكفارة على الزوج بوطء الحائض روايتان أحوطهما: الوجوب، وهو مذهب الشيخ .. وابنا بابويه)، وانظر المقنع (322), والهداية (264)، والفقيه (1/96)، والفقه الرضوي (236).
8- المختلف (7/199): (قال الصدوق في المقنع وأبوه في الرسالة: يقعد الرجل في ماء بارد فإن استرخى ذكره فهو عنين، وإن تشنج فليس بعنين), وكذا السرائر (2/615) عن الرسالة، وأشار إليه في إيضاح الفوائد (3/180)، وانظر المقنع (322)، والفقه الرضوي (237).
9- المختلف (7/202): (إذا اختلفا في الإصابة وادعاها وأنكرت - وكانت ثيباً- قال الشيخ في النهاية .. وقال علي بن بابويه: عليه اليمين وعليها البيّنة، لأنّها مدعية)، وانظر الفقه الرضوي (237).

* فإنْ تزوّجها عنّين وهي لا تعلم, تصبر حتى يعالج نفسه سنة، فإنْ صلح فهي امرأته على النكاح الأول، وإنْ لم يصلح فرّق بينهما, ولها نصف الصداق, ولا عدّة عليها(1).

* وأما النشوز فهو ارتفاع أحد الزوجين عن طاعة صاحبه فيما يجب له(2).

وقد يكون النشوز من قبل المرأة؛ لقوله تعالى: [واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع](3)(4).

* الهجران أن(5) يحوّل إليها ظهره(6).

* وأما الشقاق فقد يكون من المرأة والرجل جميعاً وهو ما قال الله عز وجل: [وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها](7) فيختار الرجل رجلاً وتختار المرأة رجلاً فيجتمعان على فرقة أو صلح(8).

* وإذا تزوجت رجلاً وأصابه بعد ذلك جنون فبلغ به مبلغاً لا يعرف (به)(9) أوقات الصلاة فرّق بينهما.

ص: 260


1- المختلف (7/197): (المشهور أن العنّين يجب عليه نصف المهر مع فسخ المرأة النكاح. وقد نصّ عليه الصدوق في المقنع وأبوه، والشيخ في النهاية وغيرها، وليس هنا فسخ من قبل الزوجة يستعقب شيئاً من المهر سوى هذا، والأصل فيه إشرافه على محارمها وخلوته بها سنة)، وانظر الفقه الرضوي (237).
2- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع (3/256): (وأما النشوز فهو ارتفاع أحد الزوجين عن طاعة صاحبه فيما يجب له, هذه عبارة علي بن بابويه في رسالته, فإنها صريحة في كون النشوز يكون من كل واحد من الزوجين).
3- النساء: 128.
4- السرائر (2/728)، والمختلف (7/403), عن الرسالة.
5- (أن) ليس في المختلف (ط. جماعة المدرسين).
6- المختلف (7/404: ط. جماعة المدرسين) و(7/395: ط. مركز الأبحاث), عن الرسالة، وإيضاح الفوائد(3/256)، وكنز الفوائد (2/524) أنه اختيار علي بن بابويه.
7- النساء: 35.
8- المختلف (7/404): (وقال الصدوق في المقنع وأبوه في الرسالة: يختار الرجل رجلاً والمرأة رجلاً)، وانظر المقنع (351)، والفقه الرضوي (245).
9- ليس في المختلف (ط. مركز الأبحاث).

وإنْ عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة فقد بليت(1).

باب الطلاق

* ولا يقع الطلاق بإجبار ولا إكراه ولا على شك فيه(2), فمنه طلاق السنة وطلاق العدة(3) - إلى أن قال - ومنه التخيير.

وأما التخيير(4) فأصل ذلك أن الله عز وجل أنف لنبيه (صلی الله علیه و آله) لمقالة(5) قالها بعض نسائه: أيرى محمد أنه لو طلقنا لا نجد أكفاءنا من قريش، يتزوجوننا, فأمر الله عز وجل نبيه (صلی الله علیه و آله) أن يعتزل نساءه تسعة وعشرين يوماً(6).

فاعتزلهن النبي (صلی الله علیه و آله) في مشربة أم ابراهيم.

ثم نزلت هذه الآية: [يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً](7).

فاخترن الله ورسوله، فلم يقع الطلاق(8), ولو اخترن أنفسهن لبُنّ(9).

ص: 261


1- المختلف (7/191) عن علي بن بابويه، ونقل مفاده عن الرسالة في كشف الرموز (2/177), ونسب في المهذب البارع (3/366) إلى ظاهر علي بن بابويه أنه (لا فرق في الجنون المتجدد بين الطارئ على العقد أو الوطء).
2- كذا في المختلف (ط. مركز الدراسات), والطبعة الحجرية، وفي المختلف (ط. جماعة المدرسين): (سكر فيه), والصحيح ما أثبتناه.
3- قال المحقق في نكت النهاية (2/435): (طلاق العدّة والسنة شيء ذكره علي بن بابويه).
4- في الفقيه: (اعلم يا بني أن أصل التخيير هو أن ..).
5- في الفقيه: (في مقالة قالتها).
6- في الفقيه وعوالي اللئالي ورسائل المرتضى (ليلةً).
7- الأحزاب: 28- 29.
8- (ولا يقع الطلاق .. فلم يقع الطلاق) المختلف (7/339: ط. مركز الأبحاث) عن علي بن بابويه، وكذا كنز الفوائد (2/570) عن علي بن بابويه. والظاهر أن العلامة في المختلف لم ينقل مقطع (ولو اخترن انفسهن لبن) فما في المختلف (ط. مركز الأبحاث) ووافقه كنز الفوائد هو الصحيح، ويؤيده ما نقله بعده مباشرة عن المقنع فقد نسب هذا المقطع للصدوق.
9- (ولا يقع الطلاق بإجبار .. أنفسهن لبن) المختلف (7/340: ط. جماعة المدرسين) عن علي بن بابويه، والفقيه (3/5)، ورسائل المرتضى (1/242)، وعوالي اللئالي (1/307) جميعاً عن الرسالة باختلاف أشرنا إلى بعضه.

* واعلم يا بني: أنَّ خمساً يطلّقن على كل حال، ولا يحتاج الرجل أن ينتظر طهرهن: الحامل، والغائب عنها زوجها(1)،

والتي لم يدخل بها، والتي لم تبلغ الحيض، والتي قد يئست من الحيض(2) (3).

* فإن راجعها - يعني الحبلى- قبل أنْ تضع ما في بطنها أو يمضي لها ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها وتطهر, ثمَّ يطلقها(4).

* والغلام إذا طلّق للسنّة فطلاقه جائز(5).

* وأما المعتوه فإذا أراد الطلاق طلّق عنه وليّه(6).

* الأخرس إذا أراد أن يطلّق امرأته ألقى على رأسها قناعاً يُري أنها قد حرمت عليه.

وإذا أراد مراجعتها كشف القناع عنها يُري أنَّه قد حلّت له(7).

ص: 262


1- المهذب البارع (3/444) نقل جواز طلاق الغائب عنها زوجها في أي وقت شاء الرجل عن علي ابن بابويه.
2- المختلف (7/479): (إن الصبية التي لا تبلغ تسع سنين والآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض - وهي التي بلغت خمسين سنة، وفي القرشية والنبطية ستين- لا عدّة عليهما من الطلاق بعد الدخول وهو اختيار الشيخ علي بن بابويه وابنه الصدوق في المقنع)، والمهذب البارع (3/464) أنه مذهب الصدوقين، وإيضاح الفوائد (3/337)، وكنز الفوائد (2/591), أنه مذهب ابني بابويه.
3- (واعلم يا بني .. من الحيض) المختلف (7/357), كنز الفوائد (2/566-567), عن علي بن بابويه، وانظر الفقه الرضوي (244)، والمقنع (345).
4- المختلف (7/362) عن علي بن بابويه، وكذا إيضاح الفوائد (3/316)، والتنقيح الرائع (3/322), عن ابني بابويه، ولكن ما نقل في المهذب البارع (3/468) عن الصدوقين يختلف عن بقية المصادر فلينظر.
5- المختلف (7/366) عن علي بن بابويه، وفي إيضاح الفوائد (3/291)، والمهذّب البارع (3/443)، وكنز الفوائد (2/555) جميعاً عن الرسالة أنه (إذا بلغ عشر سنين), والعلامة لم يذكر تحديد العمر عن علي بن بابويه.
6- المختلف (7/366) عن علي بن بابويه، والتنقيح الرائع (3/292) نقل مفاده عن علي بن بابويه ولكن مع الغبطة.
7- الفقيه (3/515) عن الرسالة، وانظر المختلف (7/347)، وإيضاح الفوائد (3/309)، والمهذّب البارع (3/459)، وكنز الفوائد (2/571).

* ومتى طلّق المظاهر امرأته سقطت عنه الكفارة، فإذا راجعها لزمته, فإن تركها حتى يحل أجلها وتزوجها رجل آخر وطلقها أو مات عنها ثم تزوّجها ودخل بها لم تلزمه الكفارة(1).

* والكفارة تحرير رقبة، فمَن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أنْ يتماسا.

فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مدّ من الطعام, فإنْ لم يجد تصدق بما يطيق(2).

* وأما اللعان: فهو أنْ يرمي الرجل امرأته بالفجور وينكر ولدها(3).

* ویتلفظ الزوج باللعان قائماً والزوجظ القاعدة(4)

* وأما المباراة: فهي أنْ تقول المرأة لزوجها: طلّقني ولك ما عليك, فيقول لها: إنّك إنْ رجعت في شيء - مما وهبته لي-

فأنا أملك ببضعك، فيطلّقها على هذا، وله أنْ يأخذ منها دون الصداق الذي أعطاها، وليس له أن يأخذ الكل(5).

* يقول الرجل لزوجته خلعتك على كذا وكذا فأنت طالق(6).

ص: 263


1- المختلف (7/427): (إلا أنه قال - يعني المفيد- فإن طلقها سقطت عنه الكفارة، فإن راجعها وجبت عليه، فإن نكحت زوجاً غيره وطلقها الزوج فقضت العدّة، وعادت إلى زوجها الأول بنكاح مستقل حلّت له، ولم تلزمه الكفارة على ما كان منه في الظهار, وكذا قال الصدوق وأبوه) وانظر الفقيه (3/530) ذيل الحديث 4832.
2- (والكفارة تحرير .. بما يطيق) المختلف (7/434) عن الرسالة, ونقل بعض مقاطعه إيضاح الفوائد (3/418)، والمهذب البارع (3/543)، وكنز الفوائد (3/275), وغيرهم.
3- المختلف (3/469): (المشهور أن سبب اللعان اثنان: قذف الزوجة بالزنا مع ادعاء المشاهدة ونفي الولد .. وهو مذهب الشيخين وعلي بن بابويه), انظر الفقه الرضوي (248)، والمقنع (355).
4- المختلف (7/462): اختلف علماؤنا فی المرأة حال تلفظ الرجل بالشهادات واللعن هل تکون قائمة أو قاعدة؟ قال الشیخ فی المبسوط بالثانی، و هو الظاهر من کلام الصدوق وأبیه رحمهما الله)، و مثله فی ایضاح الفوائد (450/3).
5- المختلف (7/400): (قال الشيخ علي بن بابويه في رسالته في المباراة: وله أن يأخذ منها دون الصداق الذي أعطاها، وليس له أن يأخذ الكل), ونقل مفاده عن ابني بابويه في تلخيص الخلاف (3/14) للصيمري، وانظر المقنع (349)، والفقه الرضوي (344).
6- قال الشيخ في التهذيب (8/97)، والاستبصار (3/316): (الذي أعتمده في هذا الباب وأفتي به أن المختلعة لابد فيها من أن تتبع بالطلاق وهو مذهب جعفر بن سماعة .. ومذهب علي بن الحسين من المتأخرين)، والظاهر ان مراده بعلي بن الحسين هو علي بن بابويه لأن العلامة في التحرير(4/81) والشهيد في غاية المراد في شرح نكت الارشاد (3/252) بعد أن نقلا كلام الشيخ جعلا علي بن بابويه بدلا من (علي بن الحسين), وأما علي بن الحسين (الشريف المرتضى) فإنّ قوله في الناصريات (351) لا يوافق المنقول في التهذيبين، وكذا في المسائل الناصرية - انظر المختلف (7/396)-.

باب المكاسب والتجارات

* اتق الله - يا بني - وأجمل في الطلب واخفض في المكتسب واعلم إنّ الرزق رزقان: فرزق تطلبه ورزق يطلبك, فأمّا الذي تطلبه فاطلبه من حلال، فإنك أكلته حلالاً إنْ طلبته من وجهه، وإلا أكلته حراماً.

وهو رزقك لابد لك من أكله(1).

* استعمل - يا بني- في تجارتك مكارم الأخلاق والأفعال للدين والدنيا.

فلو أن رجلاً أعطته امرأته مالاً، وقالت: اصنع به ما شئت فأراد الرجل أنْ يشتري جارية يطأها لما جاز له، لأنها أرادت مسرته فليس له أن يعمل ما ساءها(2).

* فإنْ خرج في السلعة عيب وعلم المُشتري فالخيار إليه إنْ شاء ردّ وإنْ شاء أخذه ورد عليه بالقيمة أرش العيب, والقيمة أن تقوّم السلعة صحيحة, وتقوّم معيبة فيعطى المشتري ما بين القيمتين(3).

ص: 264


1- (إتق الله - يا بني- .. أكله) المقنع (361) عن وصية والده - والتي هي الرسالة-.
2- (استعمل - يا بني - في تجارتك .. ما ساءها) المقنع (363) عن وصية والده, وما بعدها مقاطع من المحتمل أنها منها, لكنني لم أعثر على شواهد تؤيد ذلك.
3- المختلف (5/169): (قال المفيد: لو ظهر العيب تخيّر المشتري بين رده على البائع وارتجاع الثمن، وبين أرش المعيب يقوّم صحيحاً ويقوّم معيباً، ويرجع على البائع بقدر ما بين القيمتين، وكذا قال علي بن بابويه)، وقال في الدروس (3/287): (وكيفية معرفة الأرش أن يقوّم صحيحاً ومعيباً ويؤخذ من الثمن مثل نسبة نقص المعيب عن الصحيح لا تفاوت ما بين المعيب والصحيح كما قاله علي بن بابويه والمفيد), وانظر الفقه الرضوي (253).

* وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام للمشتري(1).

* وإذا كان لك على رجل حق(2) فوجدته بمكة أو في الحرم فلا تطالبه، ولا تسلّم عليه فتفزعه، إلا أن يكون أعطيته حقك في الحرم فلا بأس أنْ تطالبه به في الحرم(3).

* وإذا مررت ببساتين فلا بأس أن تأكل من ثمارها، ولا تحمل معك منها شيئاً(4).

* لا بأس للرجل أنْ يأكل أو يأخذ من مال ولده بغير إذنه, وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلا بإذنه(5).

* وإذا أرادت الأم أن تأخذ من مال ولدها, فليس لها إلا أن تقوّمه على نفسها لترده عليه(6).

ص: 265


1- كشف الرموز (1/457): (خيار الحيوان، وهو ثلاثة أيام للمشتري خاصة .. فذهب الشيخان وابنا بابويه وسلار إلى أن هذا الخيار للمشتري خاصة), ولكن في المختلف (5/64): نسبه للشيخين وسلار والصدوق وغيرهم, ولم يذكر علي بن بابويه, وكذا ولده في الإيضاح (1/483), فما نسبه في كشف الرموز لابني بابويه محل تأمل.
2- في بعض نسخ السرائر (دين) بدل (حق).
3- (وإذا كان لك .. الحرم) السرائر (2/32) عن الرسالة، وكذا المختلف (5/370) عن علي بن بابويه مع اختلاف يسير، ونقل مفاده في إيضاح الفوائد (2/2)، وقال في الدروس (3/311): (قال علي بن بابويه لو ظفر به في الحرم لم تجز مطالبته إلا أن يكون قد أدانه في الحرم).
4- المختلف (5/25): (قال الشيخ في النهاية: إذا مرّ الإنسان بالثمرة جاز له أن يأكل منها قدر كفايته, ولا يحمل منها شيئاً على حال, وكذا قال علي بن بابويه وابنه في المقنع)، ونقل مفاده عن علي ابن بابويه كنز الفوائد (1/381), وكذا غاية المراد (2/53)، وانظر المقنع (371)، والفقه الرضوي (255).
5- (لا بأس للرجل .. إلا بإذنه) المختلف (5/32) عن الرسالة.
6- المختلف (5/34): (قال الشيخ في النهاية: والوالدة لا يجوز لها أن تأخذ من مال ولدها شيئاً إلا على سبيل القرض على نفسها، وتبعه ابن البرّاج وهو قول علي بن بابويه)، وانظر المقنع (371)، والفقه الرضوي (255).

باب الربا

* ليس بين المسلم والذمي ربا(1).

* واعلم إنّه لا ربا إلا فيما يكال أو يوزن، فلو أن رجلاً باع بعيراً ببعيرين أو بقرة ببقرتين أو ثوباً بثوبين أو أشباه ذلك مما لم يكن فيه كيل ولا وزن لم يكن بذلك بأس(2).

باب الدين

* اعلم -يا بني- إنَّه من استدان ديناً ونوى قضاءه فهو في أمان الله حتى يقضيه، وإنْ لم ينو قضاءه فهو سارق، واتق الله يا بني وأدّ إلى من له عليك، وارفق بمن لك عليه حتى تأخذه منه في عفاف(3).

* وإنْ كان لك على رجل مال فإنْ كان قد أنفق بالمعروف وجب إنظاره لقوله تعالى: [فنظرة إلى ميسرة](4).

وإن كان قد أنفقه في المعاصي فطالبه بحقك فليس هو من أهل هذه الآية(5).

ص: 266


1- المختلف (5/81): (وهل يثبت بين المسلم وأهل الذمة؟ قولان: قال المفيد والسيد المرتضى وابنا بابويه لا يثبت) يقصد الربا، وكذا كشف الرموز (1/496)، وغاية المراد (2/125)، وانظر المقنع (374)، والفقه الرضوي (258).
2- المختلف (5/83): (الربا يجري في المكيل والموزون مع اتفاق الجنسين بالإجماع, وهل يثبت في المعدود؟ قال في الخلاف لا يثبت .. وهو مذهب ابني بابويه)، ونحوه ما في غاية المراد (2/119) عن ابني بابويه, وقال في السرائر (2/255): (إذا اختلف الجنس فلا بأس ببيع الواحد بالإثنين من المكيل والموزون على العموم والإطلاق من سائر المكيلات والموزونات، ولم يستثنوا من ذلك إلا الدنانير والدراهم في بيع النسيئة فحسب, مثل شيخنا ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه .. وعلي بن بابويه)، وانظر المختلف (5/87)، والمقنع (374)، والفقه الرضوي (258).
3- المقنع (375) عن الوصية - وهي الرسالة- وبعده مقاطع لم يظهر كونه منها.
4- البقرة: 280.
5- (فإن كان قد أنفق بالمعروف .. هذه الآية) المختلف (5/397), وما قبله اقتضاه السياق، وانظر المقنع (376)، وقال في الدروس (3/314): (قال الصدوقان: لو أنفقه في المعصية طولب وإن كان معسراً).

* وإذا مات الرجل وعليه دين - ولم يكن له إلا قدر ما يكفَّن به - كفِّن به, فإنْ تفضل عليه رجل بكفن كفِّن به، ويقضى بما ترك دينه, فإن تبرع عليه آخر بكفن آخر جعل الذي تبرع عليه لورثته يصلحون به حالهم(1)؛ لأنَّ هذا ليس بتركة الميت إنما هو شيء صار إليهم بعده(2).

* وإذا كان لك دين على قوم فقل: (اللّهم لحظة من لحظاتك الكرام تيسّر على غرمائي بها القضاء، وتيسّر لي بها منهم الإقتضاء، إنَّك على كلّ شيء قدير).

وإذا وقع عليك دين فقل: (اللّهم اغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمّن سواك)، وروي أكثر من الاستغفار ورطّب لسانك بقراءة (إنَّا أنزلناه في ليلة القدر)(3).

باب اللقطة

* اللقطة لقطتان: لقطة الحرم، ولقطة غيره.

فأمَّا لقطة الحرم فإنّها تعرَّف سنة، فإنْ جاء صاحبها وإلا تصدّق بها، ولقطة غير الحرم تعرّفها سنة، فإنْ جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك، وإنْ كان دون الدرهم فهي لك(4).

* أفضل ما تستعمله في اللقطة إذا وجدتها في الحرم أو غير الحرم أن تتركها ولا

ص: 267


1- قال في تحرير الأحكام (2/531): (ولو دفع آخر كفناً ثانياً قال ابن بابويه في الرسالة يكون للورثة دون الديّان).
2- السرائر (2/48): (وإذا لم يخلف الميت إلا مقدار ما يكفّن به، سقط الدين وكفّن بما خلّف حسب ما قدمناه، فإن تبرع إنسان بتكفينه، كان ما خلّف للديّان دون الورثة، فإن تبرّع عليه آخر بكفن آخر كان للورثة دون الديّان؛ لأن الديّان لا يستحقون إلا ما خلّفه الميت وهذا ما خلفه .. وهذه المسألة ذكرها شيخنا ابن بابويه في رسالته وأطلق القول فيها), وانظر الفقه الرضوي (269).
3- (وإذا كان لك دين .. ليلة القدر) نقله مجموعة الجباعي (223) عن الرسالة، وانظر الفقه الرضوي (399).
4- (اللقطة لقطتان .. فهي لك) المختلف (6/82-83)، ونقل بعض مقاطعه: (84 و86)، وكذا كشف الرموز (2/413) نقل بعضه.

تمسّها(1).

* وإنْ وجدت في الحرم ديناراً مطلَّساً(2)، فهو لك لا تعرّفه(3).

* وإنْ وجدت إداوة(4) أو نعلاً أو سوطاً فلا تأخذه, وإنْ وجدت مسلَّة أو مخيطاً أو سيراً فخذه وانتفع به(5).

* وإنْ وجدت في جوف بقرة أو بعير أو شاة أو غير ذلك صرّة فعرّفها(6) صاحبها الذي أشتريتها منه، فإن عرفها وإلا فهي كسبيل مالك(7).

* وإنْ وجدت شاة في الفلاة فخذها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب(8).

باب القضاء والأحكام

* اعلم يا بني إنَّ الحكم في الدعاوى كلّها أن البيّنة على المدعي واليمين على المدعى عليه، فإنْ نكل عن اليمين لزمه الحق(9).

ص: 268


1- المختلف (6/85) عن علي بن بابويه، وقال في كشف الرموز (2/410): (وقال علي بن بابويه في رسالته: والأفضل له ترك لقطة الحرم), وقريب منه ما في المهذّب البارع (4/8) عن علي بن بابويه.
2- كذا في جميع المصادر، ولكن في كنز الفوائد (ديناراً فطلبته) والظاهر أنه تصحيف. والمراد ب-(مطلَّساً): أي الممسوح الذي لا نقش فيه. (انظر: معجم مقاييس اللغة: 322).
3- المختلف (1/82)، وكنز الفوائد (1/632) - باختلاف أشرنا إليه-, عن علي بن بابويه، والدروس (3/87) عن الصدوقين.
4- إداوة (فقه اللغة للنيسابوري: 234): وعاء يوضع فيه الماء.
5- (وإن وجدت إداوة .. وانتفع به) المختلف (6/90)، ونقل في الدروس (3/86): (تحريم الإداوة والنعلين والسوطين), عن علي بن بابويه.
6- (فتعرّفها) في المختلف (6/6: ط. مركز الأبحاث والدراسات).
7- (وإن وجدت في جوف .. مالك) المختلف (6/95) عن علي بن بابويه.
8- المهذب البارع (4/298- 299) عن الرسالة، ونقل مفاده في (302)، والظاهر أن المورد مما انفرد ابن فهد الحلي بنقله عن الرسالة, كما نبّه عليه في مفتاح الكرامة (17/653).
9- نقل في المختلف (8/380)، وإيضاح الفوائد (4/331)، والمهذب البارع (4/475), وغاية المراد (4/35), وغيرهم: (حكم نكول المدعى عليه عن اليمين وإلزامه الحق), عن علي بن بابويه.

فإنْ ردّ المدعى عليه اليمين عن المدعي -إذا لم يكن للمدعي شاهدان- فلم يحلف فلا حقّ له إلا في الحدود، فلا يمين فيها، وفي الدم فإنَّ البيّنة على المدعى عليه واليمين على المدعي لئلا يبطل دم امرئ مسلم(1).

* ولو أن رجلاً ادعى على رجل(2) عقاراً أو حيواناً أو غيره وأقام شاهدين(3)، وأقام الذي في يده شاهدين واستوى الشهود في العدالة(4) لكان الحكم(5) أن يخرج الشيء من يدي مالكه إلى المدعي(6) لأن البيّنة عليه.

فإنْ لم يكن الشيء(7) في يدي أحد, وادعى فيه الخصمان جميعاً فكلّ من أقام البينة فهو أحق به.

فإن أقام كلّ واحد البيّنة, فإن أحق المدعيين من عدّل شاهداه, فإن استوى الشهود في العدالة, فأكثرهما شهوداً يحلف بالله ويدفع إليه الشيء(8) (9).

* وإن كانوا ثلاثة نفر فواقعوا جارية على الإنفراد بعد أن اشتراها الأول وواقعها، والثاني اشتراها وواقعها، والثالث اشتراها وواقعها، كل ذلك في طهر واحد، فأتت بولد فإن الحق أن يلحق الولد بالذي عنده الجارية ليصير إلى قول رسول (صلی الله علیه و آله): الولد للفراش وللعاهر الحجر(10).

ص: 269


1- (اعلم يا بني .. مسلم) الفقيه (3/66) عن الرسالة.
2- (إذا ادعى رجل على رجل) في المقنع, والمختلف, عن الرسالة.
3- (بذلك شاهدين) المختلف عن الرسالة.
4- (واستوى الشهود في العدالة) ليس في المختلف.
5- (فالحكم فيه) المقنع، (فإن الحكم فيه) المختلف (ط. مركز الدراسات)، (كان الحكم فيه) المختلف (ط. جماعة المدرسين).
6- قال في المهذب البارع (4/494): (وتقديم بينة الخارج مذهب الصدوقين).
7- (الملك) المختلف.
8- (ويدفع المال إليه) المختلف.
9- (ولو أن رجلاً ادعى .. إليه الشيء) الفقيه (3/66)، والمقنع (399-400)، والمختلف (8/369), جميعاً عن الرسالة باختلافٍ أشرنا إليه.
10- (وإن كانوا ثلاثة .. وللعاهر الحجر) المقنع (401), بعد أن نقله عقّبه بقوله: (قال والدي رحمه الله في رسالته إليّ هذا مالا يخرج في النظر وليس فيه إلا التسليم), وقول رسول الله (صلی الله علیه و آله) ورد في الكافي (5/491).

* إذا شهد أربعة عدول على رجل بالزنا فرجم، أو شهد رجلان على رجل بقتل رجل أو بسرقة رجل فرجم الذي شهدوا عليه بالزنا، وقطع الذي شهدوا عليه بالسرقة، ثمَّ رجعا عن شهادتهما ثمَّ قالا: غلطنا في هذا الذي شهدنا عليه, فأتيا برجل آخر فقالا: هذا الذي قتل أو هذا الذي سرق أُلزما دية المقتول الذي قتل.

ودية اليد التي قطعت بشهادتهما، ولم تقبل شهادتهما بعد ذلك.

وردّ بما ألزم من شهدا عليه، وعقوبتهما في الآخرة النار استحقاها من قبل أن تزول أقدامهما(1).

* وإذا تحاكم خصمان فادعى كلّ واحد على صاحبه دعوى.

فالذي يدعي بالدعوى أولاً أحق من صاحبه أنْ يسمع منه.

فإذا ادعيا جميعاً فالدعوى للذي على يمين خصمه(2).

* واعلم إنّه يجب عليك أنْ تساوي بين الخصمين حتى في النظر إليهما، حتى لا يكون نظرك إلى أحدهما أكثر من نظرك إلى الثاني(3).

* وتقبل شهادة النساء في النكاح(4), والدين، وفي كل ما لا يتهيأ للرجال(5) أن ينظروا إليه.

ص: 270


1- (إذا شهد أربعة .. تزول أقدامهما) المقنع (403) عن الرسالة.
2- المختلف (8/394): (المشهور عند علمائنا أنه إذا حضر خصمان عند الحاكم وتداعيا مع كل منهما على صاحبه تقدّم دعوى من يكون على يمين صاحبه, قاله الشيخ في النهاية، والمفيد في المقنعة، والشيخ علي بن بابويه في رسالته), وانظر الفقه الرضوي (260)، والمقنعة (725)، والنهاية (339).
3- المختلف (8/403: ط. جماعة المدرسين): (ذهب الصدوق وأبوه إلى أنه يجب على الحاكم التسوية بين الخصمين حتى بالنظر إليهما, لا يكون نظره إلى أحدهما أكثر من نظره إلى الآخر), ونقل مفاده في الدروس (2/112) عن الصدوقين، وانظر الفقه الرضوي (260)، والمقنع (397). وما وقع في المختلف (ط. جماعة المدرسين) من الخطأ صححته من طبعته الأخرى: (8/421).
4- المهذب البارع (4/551) نقل عن الصدوقين قبول شهادة النساء في النكاح.
5- (الرجل) عن المختلف (ط. جماعة المدرسين), وما في المتن من المختلف (8/474: ط. مركز الأبحاث).

ولا تقبل في الطلاق(1)، ولا في رؤية الهلال(2).

وتقبل في الحدود إذا شهد امرأتان وثلاثة رجال(3)، ولا تقبل شهادتهن إذا كنّ أربع نسوة ورجلان(4).

* لا تجوز شهادة الأجير لصاحبه(5).

* واعلم أنه لا يجوز شهادة الولد على الوالد(6).

* لا بأس بشهادة العبد - إذا كان عدلاً- لغير سيّده(7).

* ولا تجوز شهادة المفتري حتى يتوب من فريته، وتوبته أن يقف في الموضع الذي قال فيه ما قال فيكذّب نفسه(8).

* ولو أنّهما حضرا فشهد أحدهما على شهادة الآخر وأنكر صاحبه أن يكون أشهده على شهادته، فإنّه يقبل قول أعدلهما, فإن استويا في العدالة بطلت

ص: 271


1- المختلف (8/463) نقل عن ابني بابويه المنع من قبول شهادتهن في الطلاق.
2- (وتقبل شهادة .. الهلال) المختلف (8/455) عن علي بن بابويه.
3- (وتقبل في الحدود .. رجال) المختلف (8/468 و470) عن الرسالة، ونقل المهذّب البارع (4/546) مفاده عن ظاهر الصدوقين.
4- (وتقبل في الحدود .. ورجلان) المختلف (8/471) عن علي بن بابويه.
5- المختلف (8/484): (قال الشيخ في النهاية: لا تقبل شهادة الأجير وبه قال ابنا بابويه), ونقل مفاده كشف الرموز (2/520)، والمهذّب البارع (4/524)، والدروس (2/131), جميعاً عن الصدوقين.
6- المختلف (8/493): (قال الشيخان لا تقبل شهادة الابن على الأب وبه قال ابنا بابويه)، وكذا إيضاح الفوائد (4/427)، وكشف الرموز (2/518)، والمهذب البارع (4/519), وغيرهم كثير.
7- المختلف (8/498), وإيضاح الفوائد (4/430), عن علي بابويه،، ونقل مفاده كشف الرموز (2/522)، والمهذب البارع (4/527), عن ظاهر الصدوقين.
8- المختلف (8/479): (وقال علي بن بابويه توبته أن يقف في الموضع الذي قال فيه ما قال فيكذّب نفسه) ونحوه ما في إيضاح الفوائد (4/423)، والمهذب البارع (4/516) عن علي بن بابويه أيضاً، وانظر المقنع (397).

الشهادة(1)، وتقبل شهادة الثاني ويطرح إنكار الأصل(2).

* وإذا أتى الرجل بكتاب فيه خطه وعلامته، ولم يذكر الشهادة, فلا يشهد, فإن الخط يتشابه, إلا أنْ يكون صاحبه ثقة ومعه شاهد آخر, فليشهد له حينئذ(3).

باب الشفعة

* اعلم أنّه لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم(4).

ولا شفعة في سفينة, ولا طريق, ولا حمّام, ولا رحى, ولا نهر, ولا ثوب, ولا في شيء مقسوم. وتثبت فيما عدا ذلك(5) من حيوان ورقيق وعقار(6).

* وإنْ كان الشركاء أكثر من أثنين فلا شفعة لواحد منهم(7).

ص: 272


1- (ولو أنهما حضرا .. بطلت الشهادة) المختلف (8/511) عن الرسالة.
2- (وتقبل شهادة الثاني ويطرح إنكار الأصل) تحرير الأحكام (5/283)، ونحوه ما في السرائر (2/137)، وكشف الرموز (2/532), جميعاً عن الرسالة، وكنز الفوائد (3/562) عن علي بن بابويه.
3- (وإذا أتى الرجل .. له حينئذ) المختلف (8/517) عن علي بابويه، ومفاده في المهذب البارع (4/564) عن الصدوقين.
4- المختلف (5/332): (وفي المبسوط: إذا باع شِقْصاً من مشاع لا يجوز قسمته شرعاً.. فلا شفعة فيه، وبه قال علي بن بابويه), وقال في كشف الرموز (2/393): (لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما, فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة, وعليها فتوى الثلاثة وأتباعهم وفتوى علي بن بابويه).
5- (لا شفعة .. عدا ذلك) التنقيح الرائع (4/83) عن ابني بابويه.
6- (لا شفعة .. وعقار) كشف الرموز (2/390) عن ابني بابويه، وانظر المختلف (5/332)، وكنز الفوائد (1/681)، والمهذب البارع (4/264)، والدروس (3/355)، وانظر المقنع (405).
7- المختلف (5/332): (اختلف علماؤنا في الشفعة هل تثبت مع زيادة الشركاء على اثنين؟ فمنع منه الشيخان وعلي بن بابويه)، ومفاده في الإيضاح (2/201)، وفي كشف الرموز (2/393) أنه فتوى علي بن بابويه في الرسالة، وابنه في المقنع، وانظر كنز الفوائد (1/685).

* حق الشفعة لا يسقط إلا بالإسقاط(1).

لو شهد الشفيع على البيع أو بارك للمشتري أو للبائع, أو أذن في البيع لم يكن له بعد ذلك المطالبة بالشفعة(2).

باب الأيمان والنذور والكفارات

* من نذر أن يتصدق بمال كثير، ولم يسمّ مبلغه, فإن(3) الكثير ثمانون(4).

* من نذر شيئاً ولم يسمّه، كان بالخيار إنْ شاء تصدّق بشيء وإنْ قل, وإنْ شاء صام يوماً، وإنْ شاء صلّى ركعتين أو فعل قربة من القربات(5).

* كفارة خلف النذر صيام شهرين متتابعين, وروي كفارة(6) يمين(7).

* الإطعام في سائر الكفارات لكل مسكين مدّ(8), والكسوة لكل رجلٍ ثوب(9).

ص: 273


1- المختلف (5/341): (أنها على التراخي، ولا تسقط إلا بالإسقاط وبه قال ابن الجنيد وعلي بن بابويه)، وكذا إيضاح الفوائد (2/209)، وكنز الفوائد (1/690), عن علي بن بابويه.
2- كشف الرموز (2/397): (فالحضور مع السكوت يدلّ على الرضا بذلك, فيكون مسقطاً, ولأن المباركة قلّما تقع إلا عن التراضي, وهو اختيار الشيخين وابني بابويه وأتباعهم).
3- في المختلف (8/209: ط. مركز الابحاث والدراسات): (قال) بدلاً من (فإن).
4- المختلف (8/186) عن الصدوق وأبيه, وأشار إليه في غاية المراد (3/481), وانظر المقنع (411)، والهداية (284), والفقه الرضوي (274).
5- المختلف (8/197) عن ابني بابويه, وانظر المقنع (411), والهداية (283), والفقه الرضوي (274).
6- (وروي كفارة يمين) إيضاح الفوائد (4/79), والمهذب البارع (3/556), عن الرسالة.
7- (كفارة خلف .. يمين) المختلف (8/212), وايضاح الفوائد (4/78), عن الرسالة, وفي غاية المراد (3/458) عن ظاهر علي بن بابويه.
8- المختلف (8/223): (ونصّ على التعميم في الخلاف, فقال: يجب أن يدفع إلى كل مسكين مدّين في سائر الكفارات، وقال الصدوق وأبوه لكل مسكين مدّ), وفي كنز الفوائد (3/275), وتلخيص الخلاف (3/63): (إجزاء المدّ هو مذهب ابني بابويه).
9- المختلف (8/225): (وقال في المبسوط: اذا اختار أن يكفّر بكسوة فعليه أن يكسو عشرة مساكين, وأقل الكسوة ثوب واحد، وقد روى أصحابنا ثوبين, وقال الصدوق: لكل رجل ثوبان, وروي ثوب, وقال أبوه لكل رجل ثوب), ومثله في غاية المراد (3/482), وكنز الفوائد (3/279), عن علي بن بابويه.

باب الصيد والذبائح

* وإذا أردت أنْ ترسل كلباً على صيد فسمّ الله فإن أدركته حياً, فاذبحه أنت, وإن أدركته وقد قتله كلبك فكل منه, وإنْ أكل بعضه فإنّ الله تعالى يقول: [فكلوا مما أمسكن عليكم](1) (2).

* وإن رميته وأصابه سهمك ووقع في الماء فمات فكله إذا كان رأسه خارجاً من الماء.

وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله(3).

* إذا صيدت سمكة فشق جوفها ووجد فيها سمكة قد كانت ابتلعتها, فإن كانت ذات فلوس أُكلت، وإن لم يكن لها فلوس لم تؤكل(4).

* ولا يؤكل الجري ولا المارماهي(5) ولا الزمّار ولا الطافي(6).

* وإذا كان اللحم مع الطحال في سفود أكل اللحم إذا كان فوق الطحال.

وإذا كان أسفل من الطحال لم يؤكل، ويؤكل جواذبه؛ لأن الطحال في حجاب ولا ينزل إلا أن يثقب فإن ثقب وسال منه لم يؤكل ما تحته من

ص: 274


1- المائدة: 4.
2- المختلف (8/352): (قول ابن أبي عقيل وابني بابويه أنه يؤكل صيده, أكل منه أم لم يأكل ليس مشهوراً..) ونقل مفاده الدروس: (2/393) عن الصدوقين، وانظر المقنع: (413)، والفقه الرضوي: (296).
3- (وإن رميته .. فلا تأكله) المختلف (8/353) عن علي بن بابويه.
4- (إذا صيدت سمكة .. لم تؤكل) المختلف (8/285), ونقل مفاده إيضاح الفوائد (4/144)، والمهذّب البارع (4/191)، وغاية المرام (4/50), جميعاً عن علي بن بابويه.
5- الجري (لسان العرب: 4/133): نوع من السمك يشبه الحيّة,ويسمى بالفارسيه مارماهي, ويقال الجري لغة في الجريث من السمك .
6- المختلف: (8/282) عن الرسالة.

الجواذب(1).

* وإن جعلت سمكة - يجوز أكلها- مع جري أو غيره - مما لا يجوز أكله- في سفود أكلت التي لها فلس إذا كانت في السفود فوق الجري، وفوق الذي لا يأكل فإن كانت السمكة أسفل من الجري لم تؤكل(2).

* وإذا وجدت لحماً ولم تعلم أنّه ذكي أو ميتة, فألقِ منه قطعة على النار فإن أنقبض فهو ذكي، وأن استرخى على النار فهو ميتة(3).

* لا يجوز أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى تنهض(4).

باب الزنا واللواط

* واتق - يا بني - الزنا واللواط وهو أشد من الزنا, فأمّا الزنا فإنّه يقصّر ]العمر[(5) ويقطع الرزق ويخلّد صاحبه بالنار, ويقلع الحياء من وجهه في الدنيا.

وأما اللواط فهو ما بين الفخذين, فأما الدبر فهو الكفر بالله العظيم.

ومن لاط بغلام ]فعقوبته أن يحرق[(6) بالنار أو يهدم عليه حائط أو يضرب ضربة بالسيف(7) فإذا أوقب ]...[(8) هو كما وصفناه ولا يحل له ابنته ولا أخته أبداً.

ص: 275


1- (وإذا كان اللحم .. الجواذب) المختلف (8/317) عن علي بن بابويه، ونقل مفاده في الدروس (3/9) عن ابني بابويه.
2- (وإن جعلت سمكة .. لم تؤكل) المختلف (8/318) عن علي بن بابويه.
3- قال الشهيد في غاية المراد (3/543): (أقول: إذا وجد لحم وجهلت ذكاته فهل إلى تمييزه طريق؟ قال الأصحاب كابني بابويه و.. يختبر بالإلقاء على النار, فإن انقبض فهو ذكي وإن انبسط فهو ميت), وانظر المقنع (423)، والفقه الرضوي (296).
4- المختلف (8/353) عن علي بن بابويه.
5- في مجموعة الجباعي تلف, وما بين المعقوفين مستفاد من المقنع (427).
6- في الأصل تلف وما بين المعقوفين مستفاد من المختلف.
7- (وأما اللواط .. ضربة بالسيف) المختلف (9/176) عن الرسالة.
8- في الأصل تلف, ونقل العلامة في المختلف عن الرسالة (فإذا أوقب فهو الكفر بالله العظيم) ولعلّه هو المناسب لموضع التلف, بقرينة ما بعده, أعني قوله (هو كما وصفناه) ومقصوده (فأما الدبر فهو الكفر بالله العظيم).

ويصلب ]على[(1) شفير جهنم حتى يفرغ الله من حساب الخلائق, ثم يلقيه في النار ]فيعذبه[(2) بطبقة طبقة منها حتى يرده الى أسفلها ولا يخرج منها.

وإذا قبّل الرجل غلاماً بشهوة لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض, وملائكة الرحمة وملائكة العذاب وأعد له جهنم وساءت مصيراً.

وفي حديث آخر: من قبّل غلاماً بشهوة ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار(3).

واعلم - يا بني - إنّ حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج, لأن الله تعالى أهلك أمةً بحرمة الدبر ولم يهلك أحداً بحرمة الفرج(4).

* والحر - غيرالمحصن- إذا زنى بغير محصنة ضرب مائة جلدة, فإن عاد ضرب مائة جلدة, فإن عاد الثالثة قتل(5).

ص: 276


1- في الأصل تلف وما اثبتناه اقتضاه السياق.
2- في الأصل تلف وما اثبتناه مستفاد من الفقه الرضوي (278).
3- (اذا قبّل الرجل غلاما.. من النار) نقله في السرائر(3/461 ), ولم ينسبه إلى علي بن بابويه, ولكن قال بعده بأسطر: (وفي ألفاظ الأخبار عن الأئمة الأطهار (علیهم السلام) تقييد التحريم من ذلك ما يكون بالشهوة, أورد ذلك ابن بابويه في رسالته وقيّده في كلامه). والخبر الأخير أورده الكافي (5/548).
4- (واتق - يابني- الزنا واللواط .. بحرمة الفرج) نقله في مجموعة الجباعي (في الورقة الأخيرة) عن الرسالة. وفي تحرير الأحكام (5/329) عن ابن بابويه: (يصلب اللائط يوم القيامة على شفير جهنم, حتى يفرغ الله من حساب الخلق, ثمَّ يلقيه في النار فيعذبه بطبقة طبقة حتى ير إلى أسفلها ولا يخرج منها, وحرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج, لأن الله عز وجل أهلك أمَّةً لحرمة الدبر, ولم يُهلِك أحداً لحرمة الفرج).
5- المختلف (9/140): (وقال الصدوق في المقنع وأبوه في الرسالة: يقتل في الثالثة بعد إقامة الحد مرّتين), وكذا المهذب البارع (5/34) عن الرسالة, وفي غاية المراد (4/208) أنّه فتوى ابني بابويه, وانظر المقنع (439).

* وإن زنى عبد – بمحصنة أو غير محصنة – ضرب خمسين جلدة, فإنْ عاد ضرب خمسين إلى أن يزني ثمان مرات, ثم يقتل بالثامنة(1).

* اذا أقرّ الزاني المحصن كان أول من يرجمه الإمام, ثمَّ الناس.

وإذا قامت عليه البيّنة كان أول من يرجمه البيّنة, ثمَّ الإمام ثمَّ الناس(2).

* المرجوم إذا أقرّ على نفسه بالزنا من غير أن يشهد عليه الشهود فإذا فر من الحفيرة لم يرد إذا كان أصابه ألم الحجارة(3).

* من افتض بكرا بإصبعه عليه الحد(4).

ص: 277


1- المختلف (9/141): (يقتل المملوك في الثامنة, وبه قال السيد المرتضى, وهو أيضاً قول شيخنا المفيد, وعلى بن بابويه, وولده الصدوق في المقنع..), وكذا إيضاح الفوائد (4/488), والمهذب البارع (5/35), عن الصدوقين, ولكن نقل في كنز الفوائد (3/602) عن ابني بابويه (أنه يقتل في التاسعة), وهذا اشتباه منه قطعاً؛ لأنه نسب القول به الى الشيخ والمفيد والسيد المرتضى وابني بابويه .. وبالرجوع إلى كلماتهم تجد خلافه. نعم لبعضهم رأيان في المسألة كالشيخ - كما نقل العلامة في المختلف عنه ذلك-.
2- المختلف (9/167): (قال الشيخ في النهاية: إن كان الذي وجب عليه الرجم قد قامت عليه به البيّنة كان أول من يرجمه الشهود, ثمَّ الإمام, ثمَّ الناس .. وكذا قال شيخنا المفيد وعلى بن بابويه والصدوق ..). وانظر الفقيه (4/28) الحديث رقم (5009), والفقه الرضوي (309).
3- غاية المراد (4/201): (وقال في النهاية: إن فرّ المقر قبل إصابة الحجارة أعيد وإلا فلا, وهو ظاهر من كلام علي بن بابويه في الرسالة), وانظر المقنع (429).
4- المهذب البارع (5/7): (من افتض بكرا بإصبعه قال الشيخ .. وقال المفيد.. وقال الصدوقان عليه الحد). ولكنه في (ص: 50) عرض الأقوال في المسألة فقال: (الحدود فيه ثلاثة أقوال: (أ) الحد, قاله الصدوق في المقنع. (ب) ثمانون, قاله المفيد وتلميذه. (ج) قال الشيخ في النهاية ..). ولم يذكر لعلي بن بابويه رأياً في المسألة, وأحتمل قوياً أن الموجود في (ص: 7) كان هكذا: (قال الصدوق إن عليه الحد) ثمَّ ألصقت (ان) بالصدوق فصارت (الصدوقان).

باب شرب الخمر والغناء

* ولا تأكل على مائدة يشرب عليها خمر, ولا تجالس شراب الخمر, فإن اللعنة إذا نزلت عمّت مَن في المجلس.

واعلم – يا بني – أنَّ الغناء مما أوعد الله عليه النار, وهو قوله عز وجل [ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً اولئك لهم عذاب مهين] (1) .

وروي عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه لمّا سأله بعض أصحابه, فقال: جعلت فداك إنّ لي جيراناً ولهم جوارٍ يتغنين ويضربن بالعود, فربّما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعاً مني لهن, فقال له أبو عبد لله (علیه السلام): لا تفعل, فقال: والله ما هو بشي آتيه برجلي, إنّما هو شيء أسمعه بأذني, فقال أبو عبد الله (علیه السلام): بالله أنت ما سمعت الله جل جلاله يقول [إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً](2).

-وروي في تفسير هذه الآية أنّه يسأل السمع عمّا سمع, والبصر عمّا نظر, والقلب عمّا عقد عليه - فقال الرجل كأني لم أسمع هذه الآية في كتاب الله عز وجل من أعجمي ولا عربي, لا جرم أنّي قد تركتها وأنّي أستغفر الله, فقال له أبو عبد الله (علیه السلام): قم فاغتسل, وصلِّ ما بدا لك, فلقد كنت مقيماً على أمر عظيم, ما كان أسوء حالك لو متّ على ذلك, واستغفر الله وتسأله التوبة من كل ما يكره فإنّه لا يكره إلا القبيح, والقبيح دعه لأهله فإنّ لكلٍّ أهلاً(3)(4).

ص: 278


1- لقمان: 6.
2- الإسراء: 36.
3- (ولا تأكل على مائدة .. فإن لكل أهلاً) مجموعة الجباعي (221) عن الرسالة.
4- روى نحوه في الكافي (6/432) عن مسعدة بن زياد, ومرسلاً في الفقيه (1/80).

* ومن بقي في يده طنبور أربعين صباحاً فقد باء بغضب من الله عز وجل(1).

* اعلم(2) أنّ أصل الخمر من الكرم, إذا أصابته النار, أو غلى من غير أن تمسّه(3) النار فيصير أسفله أعلاه فهو خمر ولا يحل شربه إلا أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه, فإنْ نشَّ من غير أن تمسّه النار فدعه حتى يصير خلاً من ذاته من غير أن تلقي فيه ]شيئاً, فإذا صار خلاً من ذاته حلّ أكله فإن تغيّر بعد ذلك وصار خمراً فلا بأس أنْ تلقي فيه[(4) ملحاً أو غيره ]حتى يتحوّل خلاً[(5) .

وإن صُبّ في الخل خمر لم يجز أكله حتى يعزل من ذلك الخمر في إناء ويصبر حتى يصير خلا.

فإذا صار خلاً أكل ذلك الخل الذي صب فيه الخمر(6).

]وأدّي إليك يا بني ما أداه ونقله اليَّ صالح سلفي عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه قال:[(7) وإنّ الله تبارك وتعالى حرّم الخمر بعينها, وحرّم رسول الله (صلی الله علیه و آله) كل شراب مسكر, ولعن الخمر وغارسها وحارسها وحاملها والمحوّلة إليه, وبائعها ومشتريها, وآكل ثمنها وعاصرها وساقيها وشاربها(8) .

ولها خمسة أسامٍ: العصير وهو من الكرم, والنقيع وهو من الزبيب, والبتع وهو من العسل, والمرز وهو من الشعير, والنبيذ وهو من التمر.

ص: 279


1- (ومن بقي في يده .. من الله عز وجل) مجموعة الجباعي (221) عن الرسالة.
2- (اعلم يا بني) في المقنع.
3- (تصيبه) في المقنع, والأخرى مثلها.
4- ما بين المعقوفين ليس في المقنع ولعله سقط.
5- ما بين المعقوفين من المقنع وليس في الفقيه.
6- (اعلم - يا بني- إن أصل الخمر .. الذي صب فيه الخمر ) المقنع (453) عن وصية والده - الرسالة
7- ما بين المعقوفين في مجموعة الجباعي (222) عن الرسالة.
8- (وأدّي إليك يا بني .. وشاربها) مجموعة الجباعي (222) عن الرسالة مع تقديم وتأخير بعض الكلمات, وبعدها مباشرة مقطع: (واعلم يا بني إن شارب الخمر كعابد الوثن).

والخمر مفتاح كلّ شرّ, وشاربها كعابد وثن, ومن شربها حبست صلاته أربعين يوماً فإن تاب في الأربعين لم تقبل توبته, وإن مات فيها دخل النار(1).

* لا بأس بالصلاة في ثوب(2) قد(3) أصابه خمر, لأن الله تعالى حرّم شربها

ولم يحرم الصلاة في ثوب قد أصابته(4).

* فإن خاط خياط ثوبك وبلّ الخيط بريقه وهو شارب الخمر, فان كان يشربها غباً, فلا بأس به, وإن كان مدمناً بشربها كل يوم(5), فإن للفم وضراً, بالواو المفتوحة, والضاد المعجمة المفتوحة, والراء غير المعجمة وهو الدرن والدسم(6).

باب الملاهي

* واجتنب - يا بني - اللعب بالشطرنج والنرد والقمار, والنرد أشدّ من الشطرنج, فأمّا الشطرنج فإن اتخاذها كفر, واللعب بها شرك, وتعلّمها كبيرة موبقة.

والسلام على اللاهي بها معصية, ومقلّبها كمقلّب لحم الخنزير, والناظر إليها كالناظر الى فرج أمّه, واللاعب بالنرد قماراً كمثل الذي يأكل لحم الخنزير ومَثل الذي يلعب بها - من غير قمار - مثل الذي يضع يده في لحم الخنزير وفي دمه.

واتق - يا بني - اللعب بالخواتيم, والأربعة عشر, وكلّ قمار حتى لعب الصبيان بالجوز هو قمار.

ص: 280


1- (اعلم إن أصل الخمر .. دخل النار) الفقيه (4/57) عن الرسالة باختلاف عن المقنع ومجموعة الجباعي أشرنا اليه.
2- (لابأس بأن يصلي في ثوب) السرائر, ونزهة الناظر, عن الرسالة.
3- (قد) ليس في المختلف, وتوجد في نزهه الناظر وكذا الأخرى.
4- (ولا باس بالصلاة .. أصابته) المختلف (9/198), ونزهة الناظر( 18), باختلاف أشرنا إليه, ونقل في السرائر (3/481): (ولا بأس بأن يصلي في ثوب فيه خمر) عن الرسالة.
5- من المحتمل وقوع سقط فيما بعدها, وهو: (فلا تصلِّ في ذلك الثوب حتى يغسل), وقد ورد هكذا في الفقه الرضوي (281), وهو المناسب لمقتضى المقابلة بين عدم البأس في الحالة الأولى وحصوله في الثانية.
6- (فإن خاط خيّاط .. والدسم) السرائر (3/481) عن الرسالة, وهذا المقطع يصلح قرينة على أن علي بن بابويه لا يقول بطهارة الخمر.

وإياك - يا بني - والضرب بالصوالج(1) فإنّ الشيطان يركض معك والملائكة تنفر عنك.

ومن عثرت به دابته فمات دخل النار(2).

باب الوصايا

* وإن أوصى بجزء من ماله فهو واحد من عشرة(3).

* وإن أوصى بسهم من ماله، فهو واحد من ستة(4).

* إن أوصى بحج وكان صرورة حج من جميع ماله، وإن كان قد حج فمن الثلث، فإن لم يبلغ ثلث ماله ما يحج به عنه من بلده حُج عنه من حيث تهيأ(5).

* وإذا أوصى الرجل بمالٍ في سبيل الله، فإن شاء جعله لإمام المسلمين، وإن شاء جعله في حج، أو فرّقه(6) على قوم مؤمنين(7).

* فإن أوصى بالثلث فهو الغاية في الوصية، فإن أوصى بماله كلّه فهو أعلم وما فعله(8).

ص: 281


1- الصولجان (تهذيب اللغة: 1/298): عصا يعقف طرفها يضرب بها الكرة على الدواب.
2- (واجتنب - يا بني - اللعب .. دخل النار) مجموعة الجباعي (221) عن الرسالة.
3- المختلف (6/348): (لو أوصى بجزء من ماله للشيخ قولان .. والثاني قاله في كتاب الأخبار: أنه العشر, وبه قال علي بن بابويه وابنه), ومثله كشف الرموز (2/84) عن الرسالة, وكنز الفوائد (2/241), وانظر المقنع (478).
4- المختلف (6/350): (إذا أوصى بسهم من ماله للشيخ قولان .. وفي الخلاف والمبسوط: إنه السدس، وبه قال علي بن بابويه), وانظر المقنع (478).
5- (إن أوصى بحج .. تهيأ) المختلف (6/357) عن علي بن بابويه.
6- (قربه) عن المختلف (6/361: ط. جماعة المدرسين), وما في المتن هو الصحيح الموافق للمقنع (479), والمختلف (6/322: ط. مركز الأبحاث).
7- (إن شاء جعله لإمام المسلمين .. مؤمنين) المختلف (6/361) عن علي بن بابويه, وانظر المقنع (479).
8- (بما فعله) المختلف (6/350: ط. مركز الأبحاث).

ويلزم الوصي إنفاذ(1) وصيته على ما أوصى(2).

* إذا أوصى رجل إلى رجلين فليس لهما أن يتفرد كل واحد منهما بنصف التركة وعليهما