بدایع الاصول محاضرات آية الله العظمى الموسوى البهبهاني

هوية الکتاب

مدرس موسوی، علی، 1305 -

بدایع الاصول تقرير محاضرات الاستاد المحقق العلامه آية الله العظمى الحاج السيد على الموسوى البهبهاني قدس سره الشريف 1303 ه- - 1395 ه- مولف على الشفيعى - اهواز انتشارات خوزستان، 1423ق،

1381-

256 ص.

ISBN 964 - 6511-21-x

فهرستنویسی براساس اطلاعات فييا.

عربي

کتابنامه به صورت زیر نویس

1. اصول فقه شيعه. الف. شفیعی، علی، 1319 - .ب. عنوان.

4 ب 159/8/37 BP

297/312

كتابخانه ملی ایران

81م - 12714

اسم الكتاب :... بدایع الصول

المؤلف ...آية الله السيد على الشفيعي

الموضوع :...أصول الفقه

الناشر :...انتشارات خوزستان

تنضيد الحروف والاخراج الفني :...وحيد - أهواز : 5524158

الطبع : ... مطبعة الهادي - قم المقدسه

عدد النسخ : ...2000نسخة

تاريخ الطبع : ... 1423ه- . ق - 1381ه- . ش

عدد الصفحات :... 256 صفحة

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

تقرير محاضرات الأستاذ المحقق العلّامة آية اللّه العظمى

الحاج السيد علي الموسوي البهبهاني

قدس سره الشريف

1303 ه_ - 1395ه_ .

المؤلف

آية اللّه السيد علي الشفيعي

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بدايع الاصول

المقدمه

الحمدللّه الذي لا إله غيره و لا معبود سواه . والصلوة والسلام على سيدنا محمد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله و سلم رسوله و مصطفاه . و على ابن عمه علي علیه السلام خليفته و مرتضاه و على آله و عترته التابعين لسنته و هُداه .

أما بعد . فهذا الذي يقدّم ( أيها القارئ الكريم ) اليك و يعرض في هذه المجموعة عليك هو قسم كبير من دورة علم أصول الفقه تلقّيته من أبحاث سيدنا الأستاذ المحقق العلّامة الفقيه الأصولي الأديب المفسّر المتكلم الحكيم مثال الورع والتقوى والمُعرض عن زخارف الدنيا المرجع الكبير آية اللّه العظمى المرحوم المغفور له الحاج السيد علي الموسوي البهبهاني قدّس اللّه أسراره و أبقى اللّه آثاره . ألقاها في مجلس درسه الشريف في حوزته العلمية ببلدنا ( الأهواز) مركز محافظة ( خوزستان ) الايرانية الاسلامية . كتبتها وجمعتها ثم حرّرتها ودوّنتها و لكن لم تتهيأ الظروف لطبعها ونشرها (والأمور مرهونة بأوقاتها) والآن قد وفقني اللّه صلی الله علیه و آله و سلم لذلك تعميماً لفائدتها و تخليداً لذكرى هذا الأستاذ العظيم و أداءً لبعض ما علىَّ من حقوقه الكثيرة و عنايةً بما له قدس سره من المباني الرقيقة والنظرات الرائعة التي لم تنشر في الأرجاء العلمية والحوزات الدينية كما هو حقها و يليق بأهلها . فارجوا أن تقع هذه الصحائف مِن قِبل أهل العلم والفضيلة موقع البحث والتنقيب والنقد والتحقيق.

هذا و إنّي أرى من المناسب في هذه التقدمة ذكر عدة نكات :

1 - إنّني قد استفدت من درس أستاذنا المحقق قدس سره سنين عديدة في العلوم الأدبية - والسطوح العالية و قسماً من المعقول وذلك قبل هجرتي الى النجف الأشرف وكان بدء حضوري عليه في الدرس الخارج وكتابة أفاداته و تقريراته عقيب رجوعي و عودتي

ص: 4

الأولى من العراق الى ايران و لكن حيث كنت بين آونة وأخرى أعود الى تلك الحوزة المقدسة العلوية فكنت أحضر مجلس الأستاذ قدس سره مادمت في حوزة الأهواز العلميّة و منقطعاً عن الحضور عليه في أزمنة عودتي الى جوار أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين و لهذا و ذاك يرى المطالع في كتابنا هذا ان العديد من مباحث الأصول غير موجود ما يلى :

الأول . انه بعد مبحث الصحيح والأعم ( ص 99) ينتقل الكلام الى مبحث العموم والخصوص و بذلك يفقد بين المبحثين عدة من مباحث الألفاظ.

الثاني. بعد ذكر مسائل من العموم والخصوص تواجه مبحث حجية الظن (ص190 ) مع ان ما بينهما كثير من مباحث الألفاظ الى المطلق والمقيد والمجمل والمبين و كذا مبحث القطع و مسائله .

الثالث . آخر المسائل الأصولية في هذا الكتاب هو مبحث الظن في أصول الدين اذ كان هناك آخر حضوري المستمر على مائدة الأستاذ قدس سره العلمية حيث انقطعتُ عنها لأجل اشتغاله قدس سره بأمور أخرى من مشاغله العلمية والمرجعية أوجبت اختلال درسه الخارج ثم انتقاله قدس سره الى اصفهان باستدعاء أهالي ذلك المكان كل سنة حوالي ستة أشهر ثم لا أدري الى متى وصل بحثه الشريف في تدريسه وظنّي انّه قدس سره لم يصل الى آخر الأصول .

2 - كان ابتداء هذه الدورة من الأصول باستدعاء منّي واقتراحي على سماحة الأستاذ فوقع منه موقع القبول و بعد فراغه من مبحث القطع من رسائل الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره الذي كان يشتغل بتدريسه كالسطح العالي على تلامذته شرع بالتدريس الاجتهادي من مبحث الظن على أن يكون محور الدرس و مداره هو كتاب الرسائل نفسه . و بعد مدة دام الأمر كذلك فجع السيد الأستاذ بوفاة ولده الشاب الصالح التقي المرحوم السيد محمد تقي فانقطع الدرس والبحث لمدة أثناء مسائل الظن في أصول الدين . ثم لما عاد الأستاذ المحقق الى مشاغله و شؤنه العلمية صار نظره الشريف الى الشروع من أول مباحث الألفاظ على ترتيب كتاب قوانين الأصول للمحقق القمي قدس سره فاستفدنا و كتبنا درسه الى

ص: 5

بعض مباحث العموم والخصوص و بعد ذلك حرمنا من مداومة الاشتغال حسبما أشرنا اليه آنفاً . و لكني في مقام تدوين هذه المباحث جعلت المسائل المحررة والمقررة على ترتيب كتب الأصول فقدمت ذكر مباحث الألفاظ وأخّرت باب الظنون والامارات والأصول كما يشاهده المراجع الى محتويات الكتاب.

3 - إنّني في عهد اشتغالي و دراساتي كنت أكتب إفادات الأساتيذ العظام في حين الدرس والمحاضره ثم أجدّد النظر والمراجعة اليها في كتابتها وتبييضها ( ومنها هذه المجموعة ) و لذلك فإنّي واثق بأنه لم يشذ مني شيئ من أفاضات أساتيذي الكرام -والحمدللّه - إلّا ما لم أكتبه من أصله أو لم أوفق لحضوره.

4 - حينما شرعت بالتلقي والكتابة لدروس الأستاذ المحقق قدس سره كنت أقرء على سماحته - ليلاً - ما أكتبه من دروسه نهاراً و كان قدس سره يفرح و يبتهج بها مصرحاً باستيعابها لنكات الدرس و دقايقه لكن لم يطل العهد بذلك لأجل حوادث و سوانح عرضت فحالت بيننا و بين هذا الأمر . و لكن فيما وقع كفاية . والحمدللّه على التوفيق والهداية.

5 - بما ان هذه الدروس والمحاضرات قد ألقيت ثم كتبت قبل مدة تَقرُب من أربعين سنة قبل هذا ( عام 1384ه- . و ما بعده ) فكان من اللازم المراجعة اليها من جديد و اضافة بعض النكات والنقاط اليها ، لكنى اكتفيت بمراجعة اجمالية اعداداً لنشر الكتاب وطبعه فأضفت بعض التعليقات الطفيفه توضيحاً مع ذكر مواضع الآيات القرآنية والرواي--ات الشريفة و منابع الأقوال والكلمات لا بالنحو الكامل وذلك لعدم وجود بعض الكتب والمنابع عندي عاجلاً وعدم الحاجة الماسة الى ذلك في البعض الآخر كما انّي أغمضت عن التطويل عن ذكر ما عندي من وجهات النظر والمناقشات في مختلف البحوث ومسائل الكتاب. والحمدللّه الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه والسلام علينا و على عباد اللّه الصالحين .

المؤلف المقرر : السيد علي الشفيعي

12 شعبان المعظم 1422ه.

ص: 6

الفقه في اللغة والاصطلاح

ينبغي التبرك والتيمن بتقديم تعريف الفقه(1) على الأصول حتى يتزيّن الثاني بالأول فنقول :

قد عرف الفقه بعضهم بأنّه في اللغة الفهم و لا يخفى أن هذا لا يصح لو أرادوا بذلك انّهما مترادفان حيث أنه قد يستعمل في مورد لم يكن لاستعمال الفهم فيه مجال

أصلاً .

أما الفهم فيطلق بالنسبة الى دقايق الأمور فلايكون عبارة عن مطلق الادراك و أما الفقه فهو الحذاقة والبصيرة التامه على ما يظهر من موارد استعمالاته و منه قوله علیه السلام في الحديث ( لا يفقه العبد كل الفقه . الخ ) أي لا تحصل له البصيرة التامه إلّا بعد مراحل و هذا هو الوجه في تقسيم المتقدمين له الى الفقه الأكبر والفقه الأصغر يعنون بالأول أصول الدين و بالثاني فروعه اذ المطلوب في المسائل الاعتقادية إنّما هو بصيرة زايدة على البصيرة المطلوبة في ساير الفنون.

و أما الفقه في الاصطلاح فقد عُرّف بأنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية (2) فهنا مقدمة و مباحث.

المقدمه. ان أرباب الفنون أخذوا العلم في التعاريف إلّا المنطق حيث عرفوه بأنّه آلة قانونية مع أن الفنون عبارة عن نفس القواعد لا العلم بها والمبحوث عنه هي

ص: 7


1- راجع للتعرف على ذلك كتب اللغة و مجاميع الأصول كالمعالم والقوانين والفصول و غيرها
2- راجع للتعرف على ذلك كتب اللغة و مجاميع الأصول كالمعالم والقوانين والفصول و غيرها

المسائل لا العلم بها والعلم بقواعد التصريف والنحو والفقه والأصول و غيرها ليس نفس هذه الفنون بل نفس القواعد و مما يدلك عليهذا انّه لو صح ماذكروه لكان معنى قولك فلان يعلم النحو أي يعلم العلم فكل ما أخذ العلم في تعريفه غير منطبق على المحدود و قد تنبّه لذلك شارح الشمسيه حيث أفاد أن الفنون ليست إلّا مسائلها و هي حقيقة كل علم والعجب من السيد الشريف حيث ذكر في تعليقته عليه ان الأسامي الفنون اطلاقين أحدهما على المسائل كقولك علمت النحو أي مسائله والثاني على العلم بها.

أقول. ان وضع الأسامي للفنون انما هو باعتبار مسائلها فلابد و ان يكون التعريف ناظراً الى المسائل التي هي المبحوث عنها و لو لا غرض البحث لما كان لجعل أسامي الفنون مجال و هذا هو الوجه في جعل الكلمة والكلام موضوعاً للنحو فانّ النحو هو المسائل لا العلم بها والالزم ان يكون موضوعه العالمين به و لكن لما كان العلم سبباً للبحث عن المسائل كان اطلاق العلم على المسائل تجوزاً فانّه قد يكون عبارة عن مسائل ليس النظر العلمي اليها و لم يؤسَس لأن يدرَك لغاية و هذا بخلاف قواعد النحو حيث تأسست للاطلاع عليها حتى يحصل العلم بحال الفروع فهذا الذي ذكر مجاز من باب اطلاق العدل على زيد للمبالغه فانه لو قطع النظر عن العلم كانت المسائل كأنها ساقطة عن الفنيه . والمقام كذلك أيضاً . والحاصل ان هذا من متصدى التعاريف بين العلم والمعلوم نعم انه قد تنبه الشارح الرضي فانه لما قال ابن الحاجب ( الصرف علم بأصول ) قال الشارح في ذيله الحق أن التصريف خلط هي

الأصول لا العلم بها.

و اما المباحث فهی ثمان او تسع

الاوّل. قد ذكر للعلم معاني عديده منها اليقين والعرفان والادراك الجامع

ص: 8

بينهما والحال والملكه والحق انّها ليست معاني متعددة للفظ واحد والعجب انهم قد جعلوا هذه خصوصيات مستقله . بل ان للعلم معنى جامعاً والمذكورات مصاديقه أما الادراك فليس معنى له اذ الأصل فيه هو الوصول كما في الحديث من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله و في الدعاء يا مدرك الهاربين والصبي بلغ و أدرك أي وصل الى حد التكليف و أما اطلاقه على العلم فانّما هو باعتبار الوصول المعنوي في قبال الجاهل البعيد عن الحقايق فالادراك منطبق على العلم لا ان العلم هو الادراك. و أما اليقين والعرفان فهما قسمان من العلم اذ الانكشاف قسمان ثبوتي و تميزي فان الشيئ قد يكون مبهماً غير متميز عن غيره فلمّا ارتفع الابهام و حصلت المعرفة به صار متميزاً فالعرفان هنا راجع الى الانكشاف التميزي و أما في القضايا كقولك زيد عادل فما لم يثبت كان مبهماً متردداً بين ثبوتها له و عدمه اذا انكشف انكشف و ثبوتها له والجامع هو الانكشاف و هكذا الحال في الملكه والحال بل هو أعجب فيها فانّه لو كان العلم راسخاً كان ملكة وإلّا كان حالاً و لا معنى لتوهم أنّهما معنيان .

و أما الصورة الحاصلة . فهذا باطل برأسه فانّ العلم لغة هو الانكشاف في مقابل الجهل و لا يصح ان يقال علمت بمجرد تصور شيئ و إلّا لكان كل جاهل عالماً بمسائل الفقه لتصوره الحلال والحرام . نعم. قد توهم التفتازاني ان هذا المعنى للعلم اصطلاح المنطقيين و ان العلم هو الصورة الحاصلة من الشيئ فادرج فيه الظن والشك والوهم بل وحتى الجهل - و لكن لا يخفى أن تبديل المنطق المعنى من عام الى خاص أو بالعكس انّما هو باعتبار ان المفهوم هو باعتبار ان المفهوم عنده غير مطابق للمفهوم اللغوي وإلّا فلو كانا مطابقين لم يَجُزِ التبديل و من المعلوم ان موضوع البحث للمنطقي هو المعرّف والحجة و لذا ليس مجرد تصور المنطق هو الصورة الحاصله فان التصور نظري و ضروري و إلّا فلو كان التصور هو الخطور لكان خطور الملك والجنّ بديهياً والحال ان المعرفة هو الحقيقة بمعنى أن حقيقتها مخفية . و أما الحرارة والبرودة فحقيقتها واضحه . والحاصل

ص: 9

ان تفسير المعنى اللغوي للعلم بالصورة الحاصلة كما صنعه التفتازاني ليس إلّا باعتبار ذهابه الى ثبوت دلالة الألفاظ على المعاني بلافرق بين ارادة المتكلم و عدمها خلافاً للمحققين حيث جعلوها تابعة للارادة على ماسيجيئ تفصيله فهو قد زعم ان المراد بالعلم هو مطلق التصور فإذا قيل زيد فقد خطر في الذهن اراده المتكلم أو لم یرده.

والنتيجة انّ الخطور ليس معنى لغوياً للعلم و تفسير المنطق له بذلك لا ربط له بالمفهوم اللغوي فانّ بحثه انّما هو عن المعرف والحجة نعم ان المنشأ في وروده هو اطلاق التصور الذي يطلق على كل من الخطور والمعرفه و لذا كان موضوعه المعرف والحجة لتعلق غرضه باستكشاف الأمور النظريه من الضرورية تصوراً كان أو تصديقاً لا استكشاف خطور عن خطور . فقد تبين من ذلك كله ان المعنى الجامع للعلم هو الانكشاف و مادون ذلك فهو مصداق لهذا المعنى و فردٌ له .

الثانی. ذکروا للحکم معانی عدیدة و لكن كل ذلك مصاديق لمعنى واحد و لیست متباينة اذ المحكم في اللغة هو المتقن الغير المتزلزل والإحكام هو الاتقان تقول جدار محكم أي مصون عن الخلل والحكيم من أتقن أفعاله وأقواله والحاكم من يُنقن الحكم و يخرجه عن الترديد والحكمه تطلق على المطالب المتقنة الواقعيه فلا اختصاص لها بالفلسفة و حكَمَتُ أي اتقنت الأمر و هذا هو الوجه في اطلاق الحكم على العلم اذ الجاهل متزلزل في القضايا والمباحث ولا يستحكمها إلّا بعد صيرورته عالماً وهكذا الأحكام التكليفية في الفقه فانّ الأفعال بعد خروجها عن التردد بين الوجوب والحرمة وغيرهما واستقراره فى أحدها تتصف بصفة الحكم وهكذا باقي المعاني فاللازم هو التأمل التام حتى لا يختلط الأمر بين الانطباق على الموارد و بين كونها معاني مختلفه.

و أما الحكم الشرعي فالمراد منه على ما فسروه هو فالمراد منه على ما فسروه هو ما من شأنه أن يؤخذ من

ص: 10

الشارع والأخذ هنا البيان أي مأمن شأنه أن يبيّنه الشارع و هذا إما تأسيس منه أو تقرير أو ارشاد والتعريف المذكور أعم من الثلثة والمقصود هو ان الحكم الشرعي ما كان منسوباً بأحد الوجوه الى الشارع من حيث انه شارع و عليهذا فالأحكام العقلية الصرفه خارجة عن التعريف . و أما تفسير الأمور الثلثة المذكوره فالتقرير عبارة عما للشارع أن يتصرف فيه امضاء ورداً كما في اقراره البيع و رده الربا و أما الارشاد فهو في مورد ليس فيه للتقرير مجال كالتوحيد والرسالة والامامه لاستقلال العقل بلزوم ارسال الرسول لابلاغ الشريعة ويترتب عليه لزوم الوصي بعده .

الثالث. المقصود من الفرعية هو ما يتعلق بالعمل بلا واسطه فتخرج بها الأصلية التي هي ما لا يتعلق بالعمل بلاواسطه بأن لم يكن هناك تعلق أو كان لكن مع الواسطه . و هنا اشكالان .

الاشكال الأول . ان بعضاً من الفرعيات ما لا تعلق له بالعمل مثلاً انّ الماء مطهر من الخبث ( و أما مطهريته من الحدث فترجع الى الغسل والوضوء والتيمم ) مع ان ازالة الماء للخبث لا يتوقف على عمل انسان فإنّ الماء طاهر و مطهر و هكذا الحال في نجاسة الاعيان النجسة كالكلب و أخويه و كذلك باب ارث الأولاد مثلاً و كمية استحقاقهم منه.

والاشكال الثاني . ان العمل اما أعم من عمل الجوارح والقلب أو يخص الجوارح و على الثاني يلزم خروج بعض الفرعيات كالتكبر والحسد و نية العبادات . و على الأول . تدخل الأحكام الأصولية لتعلقها بالاعتقاد .

والجواب . أما عن الأول . فالذي يوقع في الاشكال هو تفسير التعلق هنا بالعروض فيستشكل بأن معروض بعض الفرعيات ليس هو العمل فانّ الكلب مثلاً معروض النجاسة لا العمل . و لكنا نقول انه ليس التعلق عبارة عن العروض بل هو

ص: 11

عبارة عن حصول العلقة بين شيئ و آخر فيكون العمل متعلقاً به و توضيح ذلك أن التعلق قد يكون بالعروض و قد يكون بالغاية والمراد به هنا الثاني فيكون المقصود هنا أن المنظور من الحكم هو العمل به فالغاية من كون الكلب نجساً ليست ه-ي الاعتقاد بذلك بل المقصود منه العمل أعنى الاجتناب . وكذا بالنسبة الى ساير الموارد والأمثله .

و أما الجواب . عن الاشكال الثاني . فبأنّ المراد بالعمل هو ما يطابق الاعتقاد كما هو الشايع فالعمل و ان كان عاماً بالنسبة الى عمل القلب والجوارح إلّا أن ما يطابقه هو خصوص الاعتقاد فيكون المراد بالعمل هنا ماكان غير اعتقاد سواء كان مورد القلب أو الجوارح غايته انّه ان كان عبارة عن ايجاد شيئ خارجاً فيكون من الفرعية و أما الأحكام الأصلية فالغرض الأصلي منها هو الاعتقاد و لو بنحو التعلق الغايي حتى مع الواسطة الكثيره . والحاصل . ان العمل هنا هو ما يقابل الاعتقاد فإن كان الغرض من الحكم الشرعي هو العمل لا الاعتقاد فيتعلق بالعمل بلاواسطة و إن كان تعلقه بالاعتقاد مع الواسطة حيث ان الاعتقاد بها لازم لئلا يؤل الأمر الى الرد على الشارع . و لكن الأحكام الأصلية بعكس ذلك حيث ان التعلق يكون بالاعتقاد ابتداءً و ان تعلق بالعمل ثانياً لتوقف العمل على الاعتقاد فهذا يكون مع الواسطة فاتضح ان التعريف المذكور جامع مانع والاعتراضات مردوده.

المبحث الرابع. قالوا ان التقييد بالأدلة إنما هو لاخراج بعض العلوم كالوحي والالهام حيث أنها ليست حاصلة من الدليل . أقول . الفقه بمعناه اللغوي يشمل علم الامام و غيره إلّا أنه لا يطلق عليهم الفقيه بالمعنى الاصطلاحي فهم فقهاء بل هم أظهر مصاديق ذلك إلّا أن ذلك حيث كان دون شأنهم الرفيع و مقامهم السامي لم يطلق عليهم و هم عالمون بجميع الصنايع و لكن اطلاق ) الصانع ( عليهم تجاسر بمقامهم

ص: 12

المنيع و لا يتوهم أن اطلاق الفقيه على الجامع لشرايط الفقه انما هو لأجل نيابته عن الامام علیه السلام فلابد و أن يطلق عليه أيضاً فان ذلك و إن كان حقاً صحيحاً إلّا أنه لو كان الوجه فيه ذلك فلِمَ لا يطلق على النبي مع نيابته عن الله علیه السلام؟

والحاصل ان عدم اطلاق الفقيه عليهم علیه السلام ليس من جهة أن علمهم الهامي فان اطلاق الفقه على العلم صحيح من غير فرق بين أن يكون الهامياً أو استدلالياً لكن حيث ان مقام الامام أرفع من ذلك كان اطلاق الفقيه عليه دون شأنه .

نعم . قد ورد تلقيب أبي الحسن مولانا الكاظم علیه السلام بالفقيه في سند الروايات(1) إلّا أن ذلك كان في جهة التقية و أرادة المعنى اللغوي منه.

المبحث الخامس. الاتيان بقيد التفصيليه مخرج لعلم المقلد . كما ذكروه حيث قالوا أنه أيضاً عالم و لكن من دليل اجمالي . هذا . و لكن لابد من بيان أمر - و هو ان المقلد هل له علم بالحكم الشر الشرعي الفرعي حتى يكون قيد التفصيلية مخرجاً له ؟ و قولهم فتوى المفتى دليل اجمالي نقول . لابد أولاً من بيان معنى الدليل.

فالدليل . على ماذكر في محله اما انّى أولمى فإن كان العلم من العلة بالمعلول فهو لم و عكسه انّ و عن أحد معلولي علة واحدة بالمعلول الآخر مركب - و حينئذٍ نقول هل فتوى المفتي علة للحكم الشرعي أو معلول له أو هو من القسم الثالث - ؟ نعم انّ الكتاب كلام اللّه سبحان الله تعالی و هو دليل على مراده و كذا السنة والاجماع أيضاً كذلك لرجوعه إلى السنة بناء على الظن أو الكشف والعقل أيضاً بناء على ما هو الحق من الحسن والقبح العقليين كذلك اذ هو علم من العلة بمعلول فيكون لمياً . و من المعلوم أن فتوى المفتي ليس كذلك أصلاً ولا يكون دليلاً و لذا لو سئل المقلّد ان فتوى هذا

ص: 13


1- يراجع في ذلك مصادر الحديث والرواية والدراية وتراجم الائمة المعصومين علیهم السلام.

المقلد حق أو فتوى من قلّدته سابقاً و أيّهما موافق للواقع لم يعلم ذلك بوضوح . و أما قولهم هذا ما أفتى به المفتي و كلما أفتى به فهو حكم اللّه في حقّي . فليس هذا قياساً بل هو ليس إلّا ترتيب قياس و صورته والمعلوم أن القياس يحتاج الى شرط آخر مفقود في المقام . و بعبارة أخرى اذا قيل هذا بول و كل بول يجب الاجتناب عنه ان البول موضوع و ليس دليلاً للحكم وهكذا في المقام فما أفتى به المفتي ليس إلّا موضوعاً للتقليد و أما دليل الحكم أي جواز التقليد فهو ليس إلّا الأدلة المجوزة للتقليد لا شيئ آخر.

والمتحصل ان فتوى المفتى ليس بدليل ذاتاً إلّا أنه حجة من قبل الشارع فهو موضوع للحكم والمراد من الحكم هو جواز العمل لا الحكم الواقعي فيرجع قوله (حكم الله في حقي) الى الحكم الظاهري الذي هو منشأ للتنجز والعذر فهو مأمور بالعمل و ليس بعالم و فتوى المفتى في حقه لا يكون دليلاً لجواز عمله حتى يقال بأنه عالم بل هو موضوع الحكم الظاهري كما تبين - والنتيجة الحاصلة من هذا المبحث انه لا احتياج الى قيد التفصيليه لاخراج علم المقلد اذ لا علم له حتى يتكلف في اخراجه .

ذكر في القوانين(1) أنه بناء على أن يكون الحكم الشرعي عبارة عن خطاب اللّه المتعلق بأفعال المكلفين يلزم اتحاد الدليل والمدلول . حيث قال في تقريره ( مع كون الكتاب من أدلة الأحكام و هو أيضاً خطاب الله فيلزم اتحاد الدليل والمدلول ) . أقول . بل و يلزم أيضاً اشكال آخر أفظع من الأول و هو لزوم أن يكون دين اللّه عبارة عن عدة ألفاظ و عبارات مثل لفظة أقيموا الصلوة و آتوا الزكوة وغير ذلك

ص: 14


1- القوانين المحكمه : ج 1 ص 5 ، الطبعة الحجرية القديمة .

و لو كان كذلك (بالفرض المحال) لزم أيضاً أن تكون الأحكام كلها ضرورية فان الخطاب اللفظي من المسموعات فيدخل في المحسوسات . و لو كانت ضرورية لم-ا احتاجت حتى الى النظر والاستدلال مع أن موردهما هي الجهات النظرية لا الضروريه . الى غير ذلك من التوالى الفاسدة المترتبة على ذلك.

ثم انه قدِّس سرُّه قال : واستراح الأشاعرة بجعل الحكم هو الكلام النفسي والدليل هو اللفظي و رد قدِّس سرُّه عليه بأنه مع أن الكلام النفسي فاسد في أصله ان الكتاب مثله حينئذٍ كاشف عن المدعى لا أنه مثبت للدعوى فلايكون دليلاً في الاصطلاح(1).

أقول . يلزم أولاً بيان ما سماه الأشاعرة كلاماً نفسياً مع الوجه في القول به ثم البحث في انه هل يمكن أن يستريحوا به عن الاشكال ؟ ثم بيان ما هو الحق في الجواب . فنقول :

ذكروا ان من جملة صفات الباري عزّ اسمه كونه متكلماً (2) والمتكلم في الأصل فاعل و يطلق الفاعل على من قام به المبدء فالمتكلم هو من قام به التكلم و عليه فيصدق ان يقال أنه سبحانه تعالی قام به التكلم مع ان التكلم فعل يحدث و يزول و يصدر و ينقضي و ذلك مستلزم للقول بأن اللّه محل للحوادث و هو غير معقول فلذا ذهبت الأشاعرة الى أن المراد بالكلام في المقام هو الكلام النفسي وقالوا انه مدلول للكلام اللفظي و هو أمر مغاير للعلم والارادة والكراهة والخبر والانشاء وقد قال شاعرهم : ان الكلام لفى الفؤاد و انما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً .

و بعبارة أخرى أنهم قد تصرفوا في صغرى القياس فذهبوا الى أن الكلام لفظي و نفسي والمناسب للصقع الربوبي هو الثاني و هو قديم فلا يلزم قيام الحادث

ص: 15


1- نفس المصدر.
2- يراجع الكتب الكلامية كشروح التجريد و غيرها .

بالقديم اذ ليس كلامه سبحانه و تعالی من مقولة اللفظ كما ان منهم من منع الكبرى و جوّز قيام الحادث بالقديم و زعم بعضهم ان الكلام اللفظي قديم أيضاً كما ربما يظهر من بعض الحنابلة حتى قالوا بقدم جلد القرآن و قال بعضهم : ان الكلام اللفظي في المقام حق و لكن ليس له قيام بالباري عزوجل بل انّما قيامه بالملك و لكن يستند اليه تعالى مجازاً فينسب اليه الكلام اللفظي لا على وجه القيام به.

والحاصل انّ الأشاعرة لم يقولوا إلّا بالكلام النفسي.

والجواب - أما أولاً . فانّ الكلام النفسي غير معقول فانّ الإخبار في الجمل الخبرية يكون قيامه بالعلم و هو المدلول الذهني له و أما الانشاء في الجمل الانشائية فقيامه بالارادة والكراهة و ليس في البين ما كان خارجاً عن الخبر والانشاء أي عن العلم والارادة والكراهة مع انهم صرحوا بأن الكلام النفسي مغاير لذلك كله . و على دعويهم هذه فإنا لا نعقل ذلك و لا نتصوره.

و ثانياً . فمع الغض عن صحته واستحالته لا يكون ذلك دافعاً للاشكال و لا يمكنهم الاستراحة به بل الاشكال باق حتى على الكلام النفسي سواءاً كان الكلام اللفظي كاشفاً عنه أو مثبتاً له . والوجه في عدم اندفاع الاشكال على رأيهم هو انه لما أنكروا الكلام اللفظي في حقه تعالى و تعظم و لم يتصوروه فكل ما هنا لك لا يكون نفسياً فالمدلول نفسي والدليل أيضاً نفسي اذ ليس مطلق الخطاب خطاباً للّه بل ما كان خطاب اللّه و هو عند الأشاعرة ما أحضر في النفس فرجع اشكال الاتحاد لكن هذا الاتحاد يكون نفسياً على مقتضى رأي الأشاعرة و لفظياً على صورة انكار الكلام النفسي.

والتحقيق . أما في أصل الاشكال . فنقول : انه مبنى على أن يكون الحكم الشرعي عبارة عن خطاب اللّه و من البديهي انه ليس كذلك و ليس الحكم الشرعي هو قوله سبحانه تعالی أقيموا الصلوة و آتوا الزكوة بل الحكم هو مضمون ذلك و تعريف الحكم

ص: 16

بخطاب اللّه انما هو في الأصل مأخوذ من أبي حامد الغزالي و هو كان من الأشاعرة و مراده من خطاب اللّه هو الكلام النفسي و هو خطاء في أصله كما عرفت . نعم قيل : انه استبصر في آخر عمره و رجع الى مذهب الحق . و على ماذكرنا فلا نرى وجهاً لتعرض المحقق القمي في القوانين لهذا الأمر الخالي عن الصحة والتعقل والتكلف في البحث عنه و ردّه .

و أمّا بالنسبة الى الكلام . فان قولهم الفاعل من قام به المبدء . ليس المقصود ماتخيلوه بل أن قيام الفاعل بالمبدء قد يكون على وجه الاتصاف و تارة يكون على وجه الصدور اذ مبادي الأفعال قسمان أوصاف و أفعال . والأول كالعلم والجهل والقدرة والحياة و هذه المبادي و أشباهها قائمة بالذات والثاني كالضرب والجرح والقتل و هذه مباديء صادرة عن الذات فالجرح فعل يصدر عن بالمجروح و من هذا القبيل التكلم فهو فعل يصدر عن الذات ولا يقوم بها حتى يرد من المباحث ماعرفت . فالقيام في الفاعل لا يصح بإطلاقه بل قد يكون صدورياً و كان الذات و يقوم الأولى ان يقال : ان الفاعل منشأ الفعل أو ما يعطى هذا المعنى ليشمل القسمين.

والاشكال في التكلم قد نشأ من أخذه قايماً بالمبدء و عليه فيلزم تعميمه بالنسبة الى الخلق والرزق والاحياء والامانة فيقال ان الخالق من قام به الخلق الخ و هذا مما لا يكون . فالحق ما ذكرناه من ان قيام الأفعال صدوري لا اتصافي .

و أما ما أجاب به المحقق القمي قدِّس سرُّه عن الكلام النفسي في المقام (مضافاً الى عدم معقوليته في أصله) من ان الكلام اللفظي حينئذٍ كاشف عن المدعي لا انه مثبت للدعوى فلايكون دليلاً في الاصطلاح .

فقد يقال : (الاثبات) و يراد به الايجاد و قد يطلق على ما يوجب العلم كما تقول شهادة الفلانى هل مثبتة لهذا الحق أولا - ؟ فلا يراد ان الشهادة توجد الحق بل انّما هی سبب لثبوته و هذا عين الكشف والحاصل ان الاثبات ليس معناه ايجاد ما لم يكن.

ص: 17

لا يقال ان مورد الكشف هو ماكان مغفولاً عنه و أما الاثبات فمورده غير ذلك. فانه يقال . اما أولاً - فان دعوى الملازمة بين القول بالكلام النفسي و بين ان يكون الكلام اللفظي كاشفاً عنه لا مثبتاً له غير مسموعة و ان قلت : ان الكلام النفسي ينكشف باللفظي مع ان الدليل ما يُثبت و لازمه وجود النتيجة في الذهن قبلاً ثم كون المقدمات واسطة في الاثبات . قلت : ان كلام الأشعري غير ملازم مع الغفلة حتى يناقش بالكشف دون الاثبات بل يقول ان الحكم المثبت هو الدليل على الكلام النفسي فكلامه غير ملازم مع الغفله . هذا أولاً . و أما ثانياً . فنحن نسلم ان الدليل المنشأ لثبوت النتيجة و لكن نقول انه لو عرض دليلٌ غفلة و حصل التوجه اليه لفتةً لم يخرج عن كونه دليلاً فدعوى الملازمة بين الدليل و بين أن لا يكون مورده إلّا الاثبات غير مقبولة بل أن اللازم في البين هو وجود استدلال يطلب النتيجة م--ن المقدمات واللازم في الاستدلال ان تكون النتيجة معلومة و أما في دلالة الدليل فلا

يجب تذكر النتيجة من قبل.

والذي يسهل الخطب فان التعريف كما قلنا سابقاً ليس تعريفاً أساسياً بل هو من الغزالى و على طبق مسلكه و مذهبه أو انه ذكره على نحو من التوسعه .

و أما ماذكره صاحب القوانين في حل الاشكال من الاجمال والتفصيل ف-ل-م نقف له على وجه فانّه لو كان الخطاب هو المجمل والمراد هو المفصل لزم ان تكون الأحكام هي الخطابات المجملة والتفصيلات هي الخطابات المفصله والمعلوم ان المجملات لا تستنتج من المفصلات بل انما تحصل منها فلا يكون استدلالاً ولا يرفع غائلة اتحاد الدليل والمدلول.

ص: 18

المبحث السابع . اشكال أخذ العلم في تعريف الفقه

ذكروا أن أدلة الفقه بين ظنّي الدلالة أو السند(1) والنتيجه تتبع أخس المقدمات فما ذكر من التعريف للفقه غير منطبق على زمان الانسداد . فلايكون التعريف المشار إليه جامعاً .

أقول : انه نسب الى السيد المرتضى القول بالانفتاح(2) و ذلك لا ينكره الفقهاء و لكن يقولون انه قدِّس سرُّه كان قريب العصر الى الائمة من أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين

و حينئذٍ فللتعريف وجه و أما في زماننا الذي بعد عن عصرهم علیهم السلام فلعله قد خفى علينا ما كان واضحاً عند المرتضى من القرائن .

والتحقيق . ان دعوى السيد ليس هو انفتاح باب العلم القطعي فانّه قد صرح في موضعين من الذريعة أن مرادنا بالعلم ما يقتضى الاطمينان و سكون النفس. و لا يخفى أن هذا لا يختص بزمان السيد قدِّس سرُّه و ذلك بشهادة الأجلّة من العلماء كالشهيدين والشيخ البهائي قدِّس سرُّه حيث ذهبوا الى أن الأخبار الواردة في الكتب الأربعة بل مطلق الروايات الموجودة بأيدينا مما في كتب الصدوق و غيره قد أخذ كل ذلك من الأصول الأربعمائة و هذا كالشمس في رايعة النهار فهي صحيحة الاسناد و ان كان بعض رواتها ضعيفاً فالسند في الأصول الأربعمائة إمّا القطع تحقيقاً أو سكون النفس فالكتب الأربعة مأخوذة من تلك الأصول و لم تقع بعد ذلك صدمة في الاسلام و في ذخائرنا العلميه بل انه قد أجاز العلماء يداً بيداً سلفهم الخلفهم وكانوا يقرؤنها على المشايخ و قد صرح الجواهر في بعض كلماته ان نص الروايات التي كانت فيها خصوصيات بحيث احتمل فيها الطرفان قد قرأت على المشايخ وصححوها و نقحوها.

ص: 19


1- معالم الأصول : صفحة 23
2- راجع فرائد الأصول للشيخ الأعظم الأنصاري مبحث حجية الظن و مابعده .

و عليهذا فإذا علم أن العلم هو العلم العادي و هذا علمٌ عرفاً و ان لم يكن تحقيقاً إلّا أنه ملحق بذلك في الاعتبار بحكم العرف والعقلاء و أنّه لا فرق بين زمان السيد و زماننا حيث انحصر المستند في هذه الأخبار و لم يقع فيها تصرف فالقول بالانفتاح بهذا المعنى في محله أي وصلت بمرحلة الاطمينان و سكون النفس فالمقدمات من حيث الطريقية قطعية بهذا المعنى . فلا اشكال في مرحلة السند.

و أما في مرحلة الدلالة . فالحال فيها بعين ماسبق لعدم الفرق في ذلك بين زماني الانفتاح والانسداد بالنسبة الى المداليل كأصالة الاطلاق والعموم والحقيقة و نحو ذلك حيث أنها كانت وهى لاتزال موجودة بأيدينا و مايقال من الابتناء على الظن النوعي فإطلاقه محل نظر فان مرجع أصالة الاطلاق والعموم والحقيقة الى الأخذ بالمقتضى و عدم الاعتناء بالمانع(1) و هكذا غيرها فلا ابتناء على الظن لا في الطريق ولا في الدلالة فاشكال أخذ العلم غير وارد من أصله و أساسه . والتعبير بالظن النوعي ليس إلا مجرد عبارة حيث قالوا ان معناه انه لو خلى وطبعه كان مفيداً للظن . و فيه انه لو خلى و طبعه يفيد العلم فانّه اذا زال المانع كالتقييد والمجاز والخاص فيبقى العام والاطلاق والحقيقة مفيدة للعلم .

و لو سلمنا ورود الاشكال على التعريف و لكن نقول : ان الفقه علم ليس إلّا و دعوی انسداد باب العلم لا توجب على فرض صحتها زوال معنى الفقه فانّه حین

ص: 20


1- هذا على المبنى الذي اختاره سيدنا الأستاذ المحقق وفاقاً لأساتيذه العظام و تبعاً للشيخ العلامة المدقق المرحوم الشيخ محمد هادي الطهراني النجفي ( من أكابر تلاميذ الشيخ الأعظم الأنصاري الكبير ( قدس الله أسرارهم حيث جعلا قاعدة المقتضى والمانع أصلاً و مبنى لهما في جل أبواب الأصول سواء مباحث الألفاظ والأصول العمليه . راجع كتبهم الأصولية كمحجة العلماء للشيخ الطهراني والقواعد الكلية والمقالات للأستاذ المحقق و غير ذلك و في هذا الابتناء نقود وبحوث ليس هيهنا محل ذكرها.

يرجع الأمر الى مانزل منزلة الفقه و هو العمل بالظنون فيطلق الفقيه على العامل بها تنزيلاً . و بعبارة أخرى إنّ التعريف لأصل الفقه و هو محفوظ باق على حاله و إن كنا نحن غير واصلين اليه في زمان الانسداد على حسب ما يذهب اليه قائله و عدم التوصل اليه حقيقة لا يوجب زوال معناه و ذهابه حتى يورد على تعريفه بما ذكرناه مع الجواب عنه.

و قد أجيب عن أصل الاشكال بوجوه.

أحدها . ان العلم أعم من الاعتقاد الجازم المانع من النقيض والراجح غير المانع منه والمراد منه في التعريف هو الثاني فيكون مجازياً من باب استعمال الخاص في العام .

و فيه . ان العلائق المرسلة على ماذكرنا في محله لا يكون شيئ منها مصححاً للتجوز و قد ابتدع أهل المعاني هذه العلائق و ليس إلا أ منهم مع انهم انفسهم قد اعترفوا بعدم اطرادها في جميع الموارد و قد تنبهوا الى أنها لو كانت منشأ لصحة الاستعمال للزم ان تكون مطردة فلذا ذكر بعضهم انه ليست هذه العلائق مما يلزم ان تكون دائرتها وسيعة شاملة مطردة بل اللازم هو صنف منها و ان لم نعلمه بعينه و أنت ترى ان هذا العلة أشنع فانّه أحالة الى المجهول والصحيح م--ا أوضحناه ان في بعض موارد العلائق المرسلة لا يكون في البين إلّا الحقيقة و بعضها من باب الاستعارة المقيده و بعضها من التجوز في الاسناد و سيأتي توضيح ذلك في مبحث الحقيقة والمجاز انشاء الله تعالى .

ثانيها . ما عن العلامة قدِّس سرُّه من أن ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم(1). و قد حمل بعضهم كلامه قدِّس سرُّه على الحكم الظاهري فالظنية هي الحكم الظاهري والقطعية

ص: 21


1- معالم الأصول : ص 24

هي الواقعي و لكن ذلك خلاف ظاهر عبارة العلامة نعم يمكن حمل كلامه على الحكم الواقعي و لكن ببيان لا يترتب عليه ايراد و ذلك ببيان مراتب الحكم التي أوضحناها تفصيلاً و بنينا عليها في كثير من المباحث و هي ان الحكم التكليفي له ثلث مراحل التحقق والتعلق والتنجز.

و بناء على ذلك فمن الممكن ان يكون الحكم الواقعي معلوماً في مرحلة مجهولاً في أخرى كما اذا ثبت حكم ثم شك في نسخه فالأصل عدم النسخ أو ثبت التكليف تردد أمره بين طرفين فيعلم اجمالاً بثبوته فيجب الاحتياط ان أمكن الجمع و إلّا فالتخيير و كذا في مورد الاستصحاب و حتى نقول : ان قوله ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم يقصد به ان الحكم في مرحلة التنجز ثابت معلوم و ليس ذلك حكماً آخر بل التنجز انما هو وظيفة المكلف بالنسبة الى الحكم الواقعي فهو في مرحلة التنجز معلوم و في مرحلة التحقق مجهول أو بالعكس فالتنجز قسمان واقعي و ظاهري و مورد الأول هو العلم بثبوت الحكم إلّا أنه لو شك في زواله فالوظيفة ه-و الاستصحاب والعمل بالتنجز فالعذر والتنجز انّما هما صفتان بالنسبة الى الحكم الواقعي والحاصل ان ظنية الطريق انّما هي في مرحلة التحقق أو التعلق و أما في مرحلة التنجز والعذر فالعلم حاصل ثابت.

ثالثها . ان الأحكام قسمان واقعية و ظاهريه فلو لم يحصل العلم القطعي بالحكم الواقعي و لكن لا شك أنّه يتعلق بالحكم الظاهري .

و فيه انه لا مجال للتفكيك بين الحكم بالواقعية والظاهريه . بيان ذلك . انّه لا ريب في وجود أحكام واقعية ثانوية كالجلوس في الصلوة بدلاً عن القيام والتيمم بدلاً عن الغسل والوضوء . و أما مجرد الأصول العقليه و كذا الامارات فهل هي أحكام واقعية ثانويه فتكون بدلاً عن الواقعية الأوليه أو أنّها أحكام ظاهريه ؟ أقول : ان من الواضح المعلوم ان قوام البدليه وملاكها ليس هو الشك و غيره من الظن أو الجهل بل

ص: 22

اعتبارها انّما هو بالعجز مع انّ في هذه الموارد المعبر عنها بالأحكام الظاهرية يكون الشك أو الظن مأخوذاً في الموضوع سواء في ذلك الأصول أو الامارات من البيّنة و خبر الواحد واليد بناء على كون الأخير امارة فلابد حينئذٍ من النظر في ان الأصول والامارات هل هي من أحكام الشك و نحوه أو أنّها من أحكام العلم اذ الموجود في مواردها علم و شك فمورد الاستصحاب هو العلم بالسابق والشك في اللاحق و مورد البرائة هو العلم بالعدم الأزلي والشك في حدوث التكليف والاحتياط هو العلم الاجمالي بالحكم والشك في ان المأمور به أو المنهى عنه هذا أو ذاك و هكذا في باقي الموارد .

أما الاحتياط والتخيير والاستصحاب فهي آثار العلم دون الشك أما البرائة فهي كما ذكرنا علم سابق و شك لاحق فمرجع الأصول الأربعة أنّما هو الى العلم والمعلوم ان أثر العلم ليس تكليفاً جديداً و أما الامارات . فمرجعها الى تنزيل الدليل غير العلمي منزلة العلمي والدليل العلمي أثره اعطاء العلم و أثر العلم هو التنجيز فالامارات التي تقوم مقام الدليل العلمي أثرها أيضاً أثره و لكن تنزيلاً فخبر الواحد مثلاً يكون أثره تنجز مؤداه و ثبوته و هكذا غيرها فالمرجع فيها أيضاً هو التنجيز . فالمتحصل ان مرجع الأصول والامارات هو العلم والتنجز والعذر فلا حكم في مقابل الحكم الواقعي فلا مجال للتفكيك بين الحكم الواقعي والظاهري و ما أجاب(1) صاحب المعالم عن الجواب الذي تقدم من العلامه . انما يتفرع على التفكيك المذكور و ليس كذلك . نعم . ماذكرنا سابقاً هو الحق في توجيه كلام العلامه من أن الأحكام الواقعية في مرحلة الثبوت والتنجز معلومة و إن كانت في مرحلة أخرى مظنونه .

ص: 23


1- معالم الأصول : ص 24 .

إنّ تنجز الحكم يتوقف على أمور أربعه : العلم والقدرة والالتفات و عدم الابتلاء بالأهم . فإذا اختل أحد هذه وانقلب يثبت العذر إلّا أن آثار العذر مختلفة في هذه الموارد فانّ أثر العذر في مورد الحكم التكليف الحاصل عن جهل أو غفلة لا يكون منشاءً لصحة العمل فلو فات عنه جهلاً أو غفلة لم يكن هنا مقتض للحكم بالصحة و هكذا في مورد العجز فإنّه عذر إلا أنه لا يوجب الحكم بصحة العمل المأتي به في حاله إلّا ماخرج و أما في المورد الرابع فلو ابتلى بالأهم صار معذوراً عن اتيان المهم لكن لو عصى الأهم وفعل المهم كان صحيحاً اذ المهم في مرحلة التعلق باق بحاله و لم يتغير والمزاحمة الواقعة بينه و بين الأهم أنّما هي في مرحلة التنجز لا التعلق واشتراط التنجز لا يكون منشأ لفساد العمل اذ الوجه في تقديم الأهم ليس منشأه إلّا وجود كمال فيه لا لوجود نقص في المهم و عليهذا فلا احتياج الى مسئلة الترتب مثل ما اذا كان مديوناً قادراً على الأداء وطالبه الدائن لكن عصى واشتغل بالصلوة في

سعة الوقت و غير ذلك من المصاديق . فلا حاجة الى تجشم تطبيقها على القواعد من أنه لو كان الأمر بشيئ مقتضياً للنهي عن ضده الخاص للزم أن يكون الأهم منهياً و إلّا أوجب سقوط الأمر بالمهم لا أقل فإذا سقط المهم لم يكن مجال للحكم بصحته لو به فتمسكوا بالترتب . اذ إنّا نقول لو كان المستند هو البقاء في مرحلة التعلق فلا مانع و إن لم يكن في هذه المرحلة بل في التنجز فنحن نوافق في النتيجة و هي الحكم بصحة اتيان المهم حين عصيان الأهم لكن لا من حيث أن المنجز هو الأهم و قد ارتفع تنجزه بعصيانه.

ص: 24

و قولهم انّ سقوط الأمر بالمهم أنّما هو بسبب الأمر بالأهم فإذا فإذا عصر الأهم كان المهم باقياً . يرد عليه أن العصيان لم يوجب سقوط الأمر بالمهم فالأمر به باق حتى في مورد العصيان فتنجز الأهم هو المانع من الأمر بالمهم فالمزاحمة انّما هي في مرحلة التنجز و أما في مرحلة التعلق فلا مزاحمة فهو أي المهم باق في تلك المرحلة فالحكم بصحته حتى عصيان الأهم مستند الى بقاء المهم في مرحلة التعلق ولا احتياج الى التنجز إلا أن يكون في البين خلل من ناحية أخرى وإلا فمن ناحية تقديم الأهم على المهم ليس إلا العذر عن المهم لا لنقص فيه .

و لكن هنا اشكال قد تعرض له بعضهم و هو انّ بقاء التكليف في مرحلة التعلق مع العذر اتيانه أمر غير متصوّر فانّه لو كان ثابتاً في هذه المرحلة فقد توجه الحكم اليه كذلك مع أنه لا يجوز الاتيان به عند اشتغال الذمة بتنجز الأهم و كيف يجوز انشاء الحكم والأمر به تعلقاً مع عدم القدرة عليه شرعاً فمع المنع والنهي كيف يبقى تعلق ؟

والجواب . انّ هذا يصح فيما لو كان الحكم الشرعي التكليفي من مقولة الانشاء والمنشئات و حينئذٍ فلا مجال للانشاء والخطاب والتعلق و لكن لانقول بذلك والطريق الى التوصل بأنّ الحكم هل هو من مقولة المنشئات أم لا ؟ يحصل من قبل آثار الحكم التكليفي فانّ ماكان من هذه المقولة لا أثر له إلّا اذا كان هنا انشاء كالبيع والنكاح والطلاق والعتق و أما ما كان أثره استحقاق الثواب والعقاب فلا يستند الى الانشاء بل الى الارادة النفسانية الموجودة في نفس الآمر الحاكم و من البديهي أنّه لو علم العبد بأنّ ارادة المولى في نفسه حتمية و لكنه لم ينشئ لمصلحة أو لالتفاته الى علم العبد بذلك ثم ترك العبد و لم يأت بمراد مولاه لما قبل ذلك عنه و لم يسمع منه عذر بل انه قد يكون في بعض الأوقات انّ الارادة الشأنية النفسيه كافية و لو لم تكن فعلية كما اذا كمن العدو للمولى والتفت العبد و لم يدافع عن مولاه بل ادعى ان المولى لم يأمره

ص: 25

بالدفاع لما كان هذا العذر منه مقبولاً عند العقلاء . والمتحصل انه قد عُلم بهذا البيان انّ الحكم التكليفي ليس من مقولة المنشئات بل ان الانشاء متأخر عن الحكم و لا مانع من الأمر النفسي الموجود في مرحلة التعلق فالتعلق باق و هو منشأ لصحة العمل و لا خلل في ناحية الامتثال نعم لو كان خلل كذلك لم يكن العمل صحيحاً مثل صوم المريض والمسافر .

و إن شئت تفصيل هذا فنقول : إنّ المفاهيم على ثلثة أقسام : قسم يتمخض في القضية الخبريه فلا يحصل المؤدى فيه إلّا بالإخبار و قسم لايحصل مؤداه إلّا بالانشاء كالعقود والايقاعات و قسم يحصل بكل من الأخبار والانشاء كما يقول الطبيب للمريض الدواء الفلاني نافع والطعام الفلاني ضار وقد يقول له اشرب ذالك الدواء و لا تأكل ذاك الطعام فمؤدى الأمرين واحد ولا يخفى أن الانشاء في القسم الأخير طريق

ولا موضوعية له .

و أما الأوامر والنواهي فهل هي من قبيل القسم الثاني أو من الثالث ؟ من البديهي ان الموضوعية والطريقية تستكشف من ترتب الآثار فالأوامر الصادرة من الطبيب انّما هو لبيان الضرر والنفع ليس إلّا فهو لا ولاية له على المريض حتى يجعل حكماً عليه اذ الحكم المولوي يتبع الولاية من الحاكم و هذا هو معنى العلو والاستعلاء في الأمر فإنّ الأمر قد يأمر بأمر بما أنّه له الولاية و قد يأمر لا بهذا العنوان كقوله صلی الله علیه و اله و سلم لبريره : ارجعي الى زوجك . و هي فهمت ذلك حيث قالت أتأمرني ؟ قال : لا بل أنا شافع فانشاء الطبيب طريق لا موضوع و أما العقود والايقاعات فلا تتحقق إلّا بالانشاء فلابد للمنشى من سلطنة وإلّا فلابد و ان ينتهي الى من له ذلك كالفضولي حيث أنه لابد من انتهاء ببعه الى الأصيل - و أما الطلب المولوي فلا يكون فرع البعث أو الزجر الخارجي فيثبت حتى بالخبر بل قد يتحقق بدون الطلب النفسي كما مرّ من المثال .

ص: 26

و لكن حيث تخيلوا أن الحكم التكليفي من مقولة المُنشاء أو الانشاء و قالوا في الانشاء بالموضوعية فقد وقعوا في الاشكال والحيرة بالنسبة الى بعض الفروع الفقهية ذلك و من ، اذا توسط الأرض المغصوبة فهنا خطابان أحدهما بلا تغصب والثاني بالخروج فذهب بعضهم الى أنه لا مجال للخطاب الأول مع أن استحقاق العقاب ثابت بقى فيها أم خرج و لذا قام بعضهم بدفع الاشكال و ذكر أن العقاب انّما هو بسبب النهي الحاصل قبل الدخول مع أنه يرد عليه أن النهي المفروض قد انقطع حين الدخول فإذا دخل لزم أن لا يبق عقاب والحاصل أنّه مع عدم تصور الخطاب والانشاء كيف تتحقق حرمة الغصب و ثبوت العقاب فلذا اضطر بعض منهم الى القول بنفي العقاب . والحق في الجواب أن الحكم موجود في كل من مرحلتي التعلق والتنجز من دون لزوم التعبير عنه بخطاب حيث عرفت أن الحكم يتحقق حتى بالطلب النفسي و لا يتفرع على البعث والزجر الخارجي . هكذا بالنسبة الى فرع آخر أعني الصوم في حق المريض والمسافر مثلاً . والمتحصل ان هذه الموارد يسهل حلّها بما ذكرناه في حال الحكم التكليفي.

المبحث الثامن: ذكروا أن حرف التعريف في الأحكام إن كان للاستغراق لزوم خروج جلّ الفقهاء لو لا كلهم عن التعريف فلا يكون منعكساً و إن كان للجنس دخل المتجزى فيه فلا يكون مانعاً.

والجواب . أنّ الأحكام عبارة عن القواعد الكلية واللازم معرفة الفقيه بها و هذا لا ينا في التوقف والتأمل في الجزئيات والمسائل فإذا كان عارفاً بها فلا مانع من أن يتوقف احياناً في تطبيق الكبريات على بعض الفروع الجزئية و هذا لا يستلزم عدم كونه فقيهاً بل و لا ينا في اطلاق اسم الفقيه عليه و كذا في اختلافهم في مرحلة التطبيق بعد اعمال أصل القاعدة فانّ الحكم الشرعي معذلك محفوظ . فالاشكال مرتفع من

أصله.

ص: 27

المبحث التاسع : حول الأصل و أصول الفقه .

الأصول هو جمع الأصل و اذا قلنا أصول الفقه فهنا معنيان لغوي واصطلاحي . أما الأصل فقد فسره أكثرهم بما يبتني عليه شيئ غيره إلّا أن الجامع له بحسب الاطراد في الموارد هو ما يقابل الفرع فيقال أصل النبات و أصل الشجر في مقابل الفروع و هي الأغصان والأوراق فهذا المعنى في خصوص النبات حقيقي و أما في غير ذلك فهو تنزيلي كما في القاعدة حيث يعبر عنها بالأصل فإنّها وضعت لاستخراج الحكم الجزئي عنها التي هي بمنزلة الفروع بالنسبة اليها وهكذا في مقابل ساير الموارد التي قد يكون الأصل فيها مطابقاً للقاعده وقد يكون مخالفاً لها كالاستصحاب فيعبر بقاعدة الاستصحاب أو أصل الاستصحاب فهنا أيضاً تكون الجهة المتقدمة ملحوظة وهي استخراج جزئيات منها و غير ذلك من القواعد الشرعيه أو غير الشرعية مستقرئة كانت أو عقلية و هكذا اطلاق الأصل على الدليل و على أساس الجدار فكل هذه الموارد تنزيلي لوضوح أنه لو ابتنى شيئ و لم توجد فيه الحيثية المذكورة لم يكن أصلاً في الحقيقه فانّه ليس عبارة عن مجرد وضع لبنةٍ على لبنةٍ أو غير ذلك.

والمراد بأصول الفقه قواعده و وجه اضافتها اليه ارتباطها به و هذا في مقابل قواعد الفقه التي هي عين الفقه و هكذا الحال في أصول الدين فالتعبير عن الأصول بالقاعده والدليل انّما هو للتنزيل منزلة أصل النبات كما ظهر . و من جملة الموارد الاستيصال أي القطع من أصله و أساسه . والغدوّ والآصال والأصيل هو طرف العصر في مقابل البدوّ وقد ذكر بعضهم في وجه التنزيل هو ان قطع الشيئ انّما يكون بقطع أصله والأخذ والشروع في القطع انّما هو من الطرف الأعلى الى أن يصل الى

منتهاه و أصله.

ص: 28

موضوع الاصول

إنّ أصول الفقه قد جعله أرباب الفنون مستقلاً بالبحث عنه فهو بهذا الاعتبار و إن كان علماً برأسه في قبال ساير العلوم إلّا ان ذلك ليس من جهة أنّه فن مستقل في حد نفسه في مقابل غيره من الفنون وذلك لعدم صلاحيته لأن يكون فناً واحداًذا استقلال بل هو عبارة عن عدة مسائل متشتته جمعها ارتباطها بالفقه وتحقيق ذلك يتوقف على بيان الضابطة والميزان في كل فن حتى يتّضح الحال في هذا المجال فنقول و على اللّه الاتكال في جميع الأقوال والأفعال:

لا كلام في اشتمال كل فن على عدة مسائل لا تصير تلك المسائل فناً واحداً إلّا بعد رجوعها الى عنوان واحد و إلّا لكان كل مسئلة علماً برأسه فجعل الفنون انّما هو باعتبار تصور الجامع بين المسائل المتفرقه حتى يمتاز كل فن عن غيره و تفترق عن مسائله . و قد ذكروا أن هذا الجامع عبارة عن رجوع المسائل الى موضوع واحد حيث قالوا ان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات و هذا أمر معقول لوضوح انه و إن كان البحث والسؤال عن أحوال زيد مثلاً و انه من أي بلد و من أبوه و أين مسكنه و ما هو حرفته جهات مختلفه إلّا أنّها ترتبط بشخص واحد و ترجع الى موضوع فارد.

ثم انهم قد تفطنوا الى جهة أخرى و هي ان الموضوع أما ابتدايي و أما أعم منه و من الثانوي و غيره فإن كان الملاك فى التمايز هو الأول لزم استقلال كل مسئلة صيرورتها علماً واحداً فانّ الموضوع في رفع الفاعل غير الموضوع في نصب المفعول

و إن كان الملاك هو الثاني لزم اختلاط الصرف والنحو والمعاني والبيان لرجوع جميعها

ص: 29

الى الكلمة والكلام فلذا قد ارتكبوا في الموضوع تخصيصاً فراراً عن المحذور فقالوا موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيه اذ هي قسمان ذاتيه و غريبه و عرفوا الأولى بما يعرض بلاواسطه أو بواسطة أمر مساوٍ والأول كعروض الاسمية

والفعلية والحرفيه للكلمه فإنّها تعرضها من دون واسطة والثاني كالتعجب اللاحق للانسان و فسروا الثانية بما يعرض بواسطة أمر أعم أو أخص والأول كعروض الحركة بالارادة للانسان باعتبار كونه حيواناً والثاني كعروض الرفع للكلمة باعتبار وقوعها فاعلاً مثلاً و لم يذكروا العارض بواسطة المباين لعدم وقوعه واسطة نعم ذكره صاحب القسطاس و هذا منه . و لكن لما لم يحصل التمايز بالموضوعات أيضاً لامكان انطباق موضوعات متعدده على أمر واحد كالكلمة فانّها موضوع في التصريف للصحة والاعلال و في النحو من حيث الاعراب والبناء و في البيان من حيث الفصاحة والبلاغة فلذا فقد جاؤا بتقييد في الموضوعات و قالوا تمايز العلوم بتمايز الموضوعات و تمایز الموضوعات بتمايز الحيثيات .

و قد اعترض على ذلك بعضهم منهم صاحب الفصول قدِّس سرُّه غفلة منه عن حقيقة الحال فانّه قال ماحاصله : انّ الحيثية ان أخذت تقييديه لم يكن لها ربط بالمقام لعدم امكان اجتماع حيثيتين في محل واحد كاعتبار الايمان في الرقبة بالنسبة الى العتق مورد للكفر بعد ذلك و إن أخذت تعليلية لم تكن منشاءً حتى للتمايز اذ لا مانع من اجتماع حيثيات متعدده في موضوع واحد كالكلمة فقد عرفت انّها من حيث الصحة والاعلال موضوع للصرف و من حيث الاعراب والبناء للنحو و من حيث الفصاحة للبيان و هكذا فاجتماع عدة حيثيات كذلك في محل واحد لا يستلزم تعدد المحل حتى يحصل التمايز .

والجواب عنه . أنّه ليس المراد بتمايز الموضوعات بالحيثيات ان لواحق هذه الحيثيات متمايزة بل المراد انّ المتحيّث بحيثية خاصة يكون موضوعاً فموضوع الصرف

ص: 30

هو الصحيح والمعتل و في النحو هو المعرب والمبني و هكذا فهذه هي الموضوعات المتمايزه وكل واحد منها عنوان مستقل و لو كان المعروض أمراً واحداً . و بعبارة أخرى انّ الكلمة و إن كانت معروضة لهذه العوارض و لكن لا يلزم ان يكون المعروض أيضاً متمايزاً بل التمايز انّما هو في العنوان الكلي فعنوان المعرب والمبنى موضوع للنحو و عنوان الفصيح والبليغ موضوع للمعاني و إن كانت هذه الموضوعات تعرض معروضاً واحداً . و بهذا المعنى يتم ماذكره القوم لا ان يكون المعروض متعدداً و توضيح ذلك ان قولك زيد يجوز تقليده لأنّه فقيه و يستحق الخمس لأنّه هاشمی فليس معناه ان زيداً هو الموضوع بل الموضوع هو الفقيه الهاشمی و انّما انطبق العنوانان عليه فهو موضوع تبعى ثانوي والحاصل أنّه لا مانع من

رجوع الموضوعات المتعدده الى معروض واحد .

هذا محصل كلام القوم . فلابد حينئذٍ من النظر فى ان مسائل الأصول هل ترجع الى موضوع ينطبق على المورد أو لا ؟ فقد ذهب بعضهم الى ان موضوعه الأدلة الأربعه بوصف أنّها أدلة(1) و بعضهم الى انّه هي بذواتها(2).

أما المذهب الأول . فيرد عليه . ان لازم ذلك خروج بعض الأدلة العقلية والأصول العملية كالاحتياط والتخيير والبرائة والاستصحاب لوضوح ان البحث منها انما هو عن تحقق الموضوع لا العوارض فقولنا البرائة أصل أي دليل و هكذا يلزم منه خروج عدة من مباحث الألفاظ كالأمر والنهي والعام والخ-اص ف-انه-ا متقدمة على الدليل اذ البحث عن حقيقة صيغة أفعل سابق على الدليل و ليس من عوارضه اذ الدليلية أمر يعرض الحكم الشرعي بعد صدوره في مقام البيان فيستفاد

ص: 31


1- و هذا هو المشهور بين الأصوليين على ما ادعي
2- و هو المختار لصاحب الفصول ، ص 4

منه الوجوب أو الندب أو القدر الجامع و هكذا النهي والعام والخاص و غير ذلك.

لا يقال . انّ البحث عن مباحث الألفاظ انّما هو من حيث وقوعها في كلام الشارع و هذا هو عنوان الدليليه.

فانّه يقال. كون المقصود بالبحث استفادة الحكم الشرعي شيئ و كون المقصود به وقوعها في كلام الشارع شيء آخر و كم فرق بينهما لوضوح ان وقوعه في كلامه لا يكون قيداً للبحث عنه أبداً فانّ البحث لا يكون إلّا عما وضع للفظ الأم--ر والنهي وصيغتهما لغة فإذا ثبت وضعه كذلك لأحد المعاني حصل المقصود سواء كان في كلام الشارع أو كلام غيره إلّا ان غرض الأصولي هو استفادة الحكم الشرعي من كلام الشارع لا ان وقوعها في كلامه الشريف قيد للبحث . والحاصل ان هذه المباحث لا ترجع الى عوارض الأدلة إلّا مبحث واحد و هو التعادل والترجيح اذ مرجعه الى تعارض الدليلين و قد جعلوه خاتمة لمسايل الأصول .

و أما المذهب الثاني . فمردودٌ أولاً بأن أدلة الفقه ليست إلا أربعاً فلا يتم كون موضوع الأصول هي بذواتها و ثانياً بأنه يلزم من ذلك دخول علم التفسير في أصول الفقه لوضوح رجوعه الى الكتاب و لكن قد سبق ان الغرض من البحث ليس ه-و وقوع المبحوث عنه في الكتاب أو السنة فلا يكون وقوعه فيها قيداً للبحث عنه قطعاً.

ثم . انه قد ذهب الشيخ الأنصاري قدِّس سرُّه الى ان البحث عن حجية خبر الواحد بحث عن السنة و أنّه هل تثبت به أو لا(1) - فهذا بحث عن عوارض الدليل واعترض عليه صاحب الكفايه في تعليقته على الفرائد بأن ثبوت السنة بخبر الواحد ليس من عوارض السنة بل بحث عن وجود السنة الذي هو مفاد كان التامه لا الناقصه فثبوت

ص: 32


1- فرائد الأصول للشيخ الأعظم الأنصاري له في أوائل بحثه عن حجية خبر الواحد .

السنة بخبر الواحد و عدمه عبارة عن وجودها به و عدمه . و لكنه قدِّس سرُّه عدل في الكفاية الى جواب آخر و هو ان ثبوت الحجية للخبر هو الثبوت التعبدي لا الواقعي فهو وصف في الخبر لا في السنه(1).

أقول . أما الشيخ فيرد عليه ان ماذكره خلط منه لمحل البحث في المقام فان مورده هنا هو انه هل للخبر وصف الحجية أم لا - لا ان السنة تثبت بالخبر أم لا - ؟ والفرق بينهما واضح فانّه تارة يقال هل هذا الدواء نافع للمريض و يقول آخر أنّه ليس البحث عن الدواء بل عن ان المريض هل يحصل له البرء بهذا الدواء أم لا ؟ والارتباط و إن كان واضحاً بين الأمرين الى حدٍ إلّا انّ ذلك غير ذاك على أنه لابد من التحفظ على محل البحث و إلّا فبعد ثبوت الحجية للخبر لم يكن ريب في ثبوت السنة به و لكن البحث راجع الى الخبر لا الى السنه.

و أما كلام المحقق الخراساني في التعليقة ففيه انه ليس المراد في المقام هو الوجود الخارجي بل المراد هو الثبوت الذهني بمعنى الانكشاف والعلم بمعنى انّه هل تنكشف السنة و يحصل العلم بها بالخبر الواحد أم لا ؟ و من المعلوم انّ الانكشاف انّما هو من العوارض .

و أما كلامه في الكفايه ففي غير محله . فانّ الثبوت التعبدي اذا كان من حالات الخبر فلابد وان يكون الثبوت الواقعي أيضاً كذلك اذ الثبوت التعبدي انّما هو باعتبار تنزيل الدليل الغير العلمي منزلة العلمي و اذا لم يكن الثبوت الواقعي من أحواله بل كان من أحوال السنة فالتعبدي أيضاً هكذا . فلا وجه للتفصيل.

ص: 33


1- كفاية الأصول : ص 8 و 9 .

بحث حول کلام بعض المتاخرین فی موضوع العلم

ذهب صاحب الكفاية الى أن تمايز العلوم بتمايز الأغراض و هذا القول ينشأ من القول بأن الموضوع في كل علم هو عين موضوع مسائل ذلك العلم فانّه قال في الكفايه ( موضوع كل علم و هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيه أي بلاواسطة العروض هو نفس موضوعات مسائله عيناً و ما يتحد معها خارجاً و إن كان يغايرها مفهوماً تغاير الكلي و مصاديقه والطبيعي و أفراده ... )(1).

و لا يخفى أن هذا الكلام مردود بأمور . منها أنّه عدول عما ذهب اليه القوم من تفسير العوارض الذاتيه بما يعرض بلاواسطة أو بواسطة أمر مساوٍ . و منها . عدم حصول التمايز لو أخذ الموضوع هو العنوان الجامع . توضيحه ان اللازم من دعوى الاتحاد بين موضوع العلم و موضوع المسائل هو نفي الواسطة في البين فموضوع النحو الذي هو عبارة عن المعرب والمبنى متحد مع موضوع الفاعل والمفعول و غيرهما من المسائل و هكذا ليس موضوع الأصول هو الأدلة الفقهيه ب-ل ك-ل-ي ج-امع بين موضوعات الاستصحاب والبرائة والاشتغال والأمر والنهي والعام والخاص و هكذا فالجامع هو الموضوع و إن لم يكن له اسم خاص و عنوان مخصوص كما و ان-ه ق-د اعترف بذلك وصرح به في الكفاية (2) فالجامع موجود لامحالة و هو بين الأمر والنهي عبارة عن الصيغة و بينهما وبين العام هو اللفظ المستعمل وهكذا فإذا كان العنوان

ص: 34


1- كفاية الأصول : ص 7.
2- نفس المصدر : ص 8 .

الجامع هو الموضوع فالأمر واضح و لا ترديد في تصور الموضوع و لكن لازم ذلك هو زوال الامتياز بين الفنون و عدم امكان حصول التمايز فإنّ هذا الجامع الكلي يسهل تصوّره في عدة من العلوم كالصرف والنحو والمعاني وغير ذلك ونظيره جنس الأجناس الجامع بين أقسام الأنواع حتى الجوهر فبهذا ينتفي التمايز بسبب الموضوعات .

و كأنه قدِّس سرُّه. تفطن بأن الموضوع بهذا المعنى لا يكون موجباً للتمييز فلذا ذهب الى أن التمايز انّما هو بالأغراض لا بالموضوعات ولا بغيرها . و لكنه لكنه يرد عليه أولاً - بأن الغرض يستلزم تداخل بعض العلوم في بعض المسائل بل في جميعها احياناً كما وقد التفت هو قدِّس سرُّه الى ذلك واستبعده الى حد المنع العادي و قال انّه على فرض تسليم وقوعه و لكن لا يصح تدوين علمين بل في واحد الفرضين يبحث فيه تارة عن كلا المهمين و أخرى لأحدهما و هذا اقرار منه بوقوع كلامه موقع النقض و مورد الاشکال. و ثانياً - ان هذا القول ناشٍ من الخلط بين الغرض و بين الفايده مع انّ بينهما عموماً من وجه فانّ الغرض ماكان مورداً لنظر ذي الغرض ترتب أو لم يترتب و أما الفايده فهى الأثر المترتب سواء كان مورداً لنظر الفاعل أو لم يكن و مواد الاجتماع والافتراق معلومة و من الواضح ان فنيّة الفن ليس باعتبار تدوينه بل هذا أمر سابق على التدوين مع ان الغرض لا يتعلق إلّا بعد التدوين والقول بدوران فنية الفن مدار التدوين مخالفة للوجدان لعدم متابعتها له كما عرفت و إلّا لزم التعدد فيما اذا اختلف الغرض من التدوين . و بعبارة أخرى . انه لو كان التدوين مما له دخل في فنية الفن لزم اختلاف الفن الواحد باختلاف كيفية التدوين.

ص: 35

أورد بعضهم بأنّ البحث في كل مسئلة انّما هو بواسطة الأمر الأخص فانّ الفاعلية والمفعولية و غيرهما أمور لاحقه فهذه عوارض بواسطة أمر أخص والعارض بهذه الواسطة غريب فمسائل الفنون خارجة عما ذكر من الميزان و هو كون الموضوع في كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيه.

و قد أجاب عن ذلک بعضهم بان هذه اللواحق وسایط فی الثبوت لا فی العروض لتكون عوارض غريبه اذ ما به يحصل الاشكال هو كون الواسطة بأمر أخص في العروض.

و هذا الجواب منظور فيه فان فيه خلطاً بين الواسطة في العروض والواسطة في الثبوت . بيانه . انّ المراد بالوساطة في العروض هو وقوع الواسطة ابتداء موضوعاً لمحمول و محمولاً لموضوع آخر و مثاله انّ الموضوع الأوّلي في استحقاق الزكوة هو الفقير و أما زيد الفقير فهو عنوان انطبق عليه ذلك الموضوع فزيد موضوع ثانوي تبعی و انّما انطبق عنوان الاستحقاق عليه باعتبار صدق عنوان الفقر عليه فليس كل واحد من زيد والفقير معروضين لاستحقاق الزكوة بل أحدهما معروض والآخر تابع له و لذا لو زال عنوان الفقر زال الثاني أيضاً و أما الوساطة في الثبوت فمعناه كون شيء واسطة في حدوث شيء آخر فهذا أعم من الواسطة في العروض باعتبار فانّ الفاعلية مثلاً منشأ لرفع الكلمة فالموضوع هو عنوان الفاعل بخلاف مثل الوضوء فانّه منشأ للطهارة و أما الطهارة فليس عنواناً عارضاً للمتوضّي و إلّا لزم انتفاء التطهر بمجرد الفراغ عن الوضوء بل هو عارض للشخص . و كذا ليست علقة الازدواج معروضة للايجاب والقبول والالزم زوالها بعد الفراغ عن الانشاء والمثال الأول

ذلك بعضهم بأنّ هذه اللواحق وسايط في الثبوت لا في

ص: 36

للواسطة في العروض الآخران للواسطة في الثبوت والحاصل ان الواسطة في العروض هو ما وقعت موضوعاً لمحمول ثم تقع بعد ذلك موضوعاً لمحمول آخر و ليس في البين عروضان بل باعتبار انّ عارض العارض عارض و أما الواسطة في الثبوت فهي ما كان لها التبعية في الوجود و اذا اتّضح لك ذلك علمت ان القول بكون الفاعل والمفعول والحال ونحوها وسايط في الثبوت في غير محله اذ لازم ذلك انه حينئذٍ لا تبق واسطة في العروض أصلاً و هو كما ترى . فانّ الرفع عارض لعنوان الفاعل و هو عارض للكلمة و لو تبدل هذا العنوان الى عنوان آخر كالمفعولية تبدل الرفع الى النصب والحالات المختلفة متفرعة على وجود التراكيب المختلفه.

و أما مانقل عن بعض من انّ الموضوع ما يبحث فيه عن العوارض الذاتيه أو عوارض العوارض فهو واضح الفساد و يظهر فساده و ضعفه مما تقدم فراجع.

فالتحقيق في دفع الاشكال ما أفاده بعض المحققين و هو ابتكار منه في المقام(1).

فعليك بمراجعته والتأمل فيه

ص: 37


1- الظاهر أنّ المراد به هو العلامة المحقق المدقق الشيخ محمد هادي الطهراني النجفي المتوفى 1321 ه- . صاحب المباني والآراء الخاصة به فراجع كتابه الدقيق العميق المسمى محجة العلماء فإنّا قد أغمضنا عن ايراد ما فيه وتفصيله روماً للاختصار والبعض الجهات الأخرى المقرر

فقد ظهر مما تقدم الى حد الآن انه لايلزم التكلف في جعل أصول الفقه فنا مستقلاً خاصاً واستقلاله في البحث عنه لا يلازم كونه فناً برأسه بل انّما هو عبارة عن عدة مسائل مرتبطه بالفقه لم يبحث عنها في مكان آخر أصلاً كالبرائة والاستصحاب والاشتغال والتخيير أو انّها لم يستوف حقها في باقي العلوم كمسايل الأمر والنهي و نحو ذلك حيث انّهم قد تعرضوا لها في الصرف والنحو والمعاني والبيان إلّا أنها قد أعطى حقها من البحث في أصول الفقه.

ص: 38

الوضع هو تخصيص شيئ بشيئ أو تخصصه به بحيث اذا أطلق أو أحس الشيئ الأول فهم منه الثاني والمراد منه في المقام هو كون اللفظ مرأتاً لمعنى جعلاً و وضعاً لا ذاتاً لوضوح ان لفظ زيد ليس له في حد ذاته مرأتيةٌ بالنسبة الى الشخص المسمى بزيد الا انه لما جعل في قباله حصل منه نوع تخصص .

و قد انقسم الوضع عند القدماء الى قسمين الوضع العام مع الموضوع له كذلك والوضع الخاص مع الموضوع له كذلك والأول مثل لفظ ( انسان . حيوان . ضرب . أكل . و نحو ذلك ( حيث أنّ الموضوع له فيها عام ذو مصاديق والثاني مثل زيد و عمرو والأعلام الشخصيه.

و قد نسب الى العضدى احداث قسم ثالث (و لعله أول من قال بذلك ) و هو الوضع العام والموضوع له الخاص . و قال في وجهه بما محصله : إنّا نرى ألفاظاً تستعمل في الخاص مع عدم كون ذلك الخاص محدوداً بحدٍ كإسم الاشارة حيث وضع للاشارة الى مفرد مذكر ( مثلاً ) و للمفرد المذكر مصاديق الى ما لا نهاية فلو قلنا انّ هذا من القسم الثاني لزم ادّعاء تصور الأمر الغير المتناهي و لو قلنا انه من القسم الأول لزم كون الألفاظ مجازات بلا حقايق لعدم استعمالها حتى في الموضوع له العام أبداً بل في فرد معين . و لكن الأفراد غير المتناهية و إن لم يكن تصورها تفصيلاً إلّا أنّه يمكن ادراج المفرد المذكر تحت عنوان عام فيقال مثلاً بوضع ( هذا ) لكل فرد فرد من أفراد المفرد المذكر فحينئذٍ يمكن تصورها باعتبار معنى عام و تقول في الوضع الواحد وضعتُ هذا لهذا فالوضع عام لكونه عاماً بالنسبة الى كل فرد من دون اختصاص بفرد معين و أما الموضوع له فهو خاص فإنّ المعنى العام لا يكون هو الموضوع له بل

ص: 39

الموضوع له هو كل فرد فرد .

والعجب من بعض المتأخرين حيث ذكروا انّ عموم الوضع انّما هو باعتبار انّ الوضع آلة لملاحظة العام فالمفرد المذكر هو الملحوظ . و يرد عليه . انّ هذا لا يكون منشأ لعموم الوضع فإنّ الوضع هو التخصيص والتخصص و لا ارتباط للعموم والخصوص به بل ان عموم الوضع انّما هو باعتبار أنّه لا ارتباط له بفرد معين و لم يقع هذا الاختصاص بفرد معين فالوضع عام والموضوع له عام فلابد وان يكون في فرده عاماً أيضاً .

والتحقيق . امّا دعوى لزوم مجازات بلا حقيقة أو دعوى الوضع للأفراد الغير المتناهية فيرد عليه ان ذلك انّما هو فيما لو قلنا بالاستعمال في الخاص و لكنا لانقول بذلك بل نقول بأن المستعمل فيه عام أيضاً إلّا انّ الخصوصية من ناحية الاستعمال و فرق بين كون المستعمل فيه خاصاً و بين كونه عاماً مع وجود خصوصية من ناحية الاستعمال . و توضيح ذلك :

ان معنى الاستعمال في العام هو لحاظ العام على وصف العموم و هذا الوصف مأخوذ في الموضوع له و يكون التعيين من ناحية الاستعمال .

فقولنا ضرب مفهوم عام و لكن اذا دخل عليه حرف العهد وقيل الضرب فيراد منه ضرب زيد لعمرو مثلاً فحرف العهد أوجب تعيين الضرب في ضرب مخصوص . فالضرب قد استعمل في معناه العام إلّا أنّه لما اقترن بحرف العهد انطبق على المعهود الذكرى فالتطبيق على الخاص أنما هو من ناحية الاستعمال فلم يستعمل اللفظ إلّا في معناه العام و هكذا الحال في أسماء الاشارة والموصولات والضماير.

فقد علم أنّه يمكن أن يكون كل من الموضوع له والمستعمل فيه عاماً و لكن كان هناك خصوصية من ناحية الاستعمال باعتبار انطباقه على الفرد المعين إذ الاستعمال لا يكون في فرد معين بل كان بالنسبة الى ذلك المفهوم العام إلّا أنّه انطبق

ص: 40

على فرد معين باعتبار الاقتران بحرف التعريف أو الاشارة أو الموصول والضمير .

و بعبارة أخرى . انّه فرق بين ما اذا أريد المعنى الخاص ابتداءً مع كون الاستعمال في ذلك المعنى و بين ما اذا أخذ مفهوم عام إلّا انّه بسبب الاقتران بأحد المذكورات انطبق ذلك المفهوم العام على فرد معين . فلا احتياج الى قسم ثالث بل لا محل له ولا مجال ولا يتأتى محذور المجازات بلا حقايق فإنّ الاستعمال انّما هو في المفهوم العام و هو الموضوع له و قد حصل الانطباق على الفرد المعين من ناحية الاستعمال .

و أسماء الأجناس قد وضعت للجنس و لكن لا بقيد انّه عام بل لا بشرط و يمكن تقيّده بفرد معين كما أنه يمكن أن يكون بشرط لا بأن لا يكون النظر الى فرد معين كاسم الجنس المعرّف بلام الجنس والحاصل انه لا منافاة بين كون كل من الوضع والموضوع له والمستعمل فيه عاماً و بين كون الخصوصية من جهة الاستعمال بتعيينه في فرد معين بواسطة المعنى الحرفي وقد صرّحوا بأنّ أسماء الاشارة والضماير والموصولات أسماء مبهمة تضمنت معاني حرفيه و هذا المعنى الحرفي هو السبب لتعين المستعمل فيه في فرد معين - و بالأخرة فانّ اللفظ قد استعمل في معناه العام من دون تنافٍ بين ذلك و بين عموم الموضوع له اذ العموم بقيد أنّه عموم ليس جزءاً للموضوع له فانّه معنى اسمي فلا مانع من أن يكون التعين من قبل المعنى الحرفي أو ضميمة أخرى.

اكمال . الأعلام قسمان شخصية و جنسيه و قد خفى الفرق بينهما على بعضهم حتى إنّ الشارح الرضي قال بأن التعريف للعلم الجنسي لفظي أي ليس معرفة واقعاً كتقسيم المؤنث الى معنوي و لفظي فكما ان حكم التأنيث أُعطى للدار والشمس والأرض مثلاً من دون أن يكون حقيقة تأنيث فكذا التعريف في العلم الجنسي . و لكن بعض النحاة قد تنبه للتحقيق و حاصله ان علم الجنس من قبيل اسم الجنس المعرف بلام الجنس والفرق بين اسم الجنس و بين اسم الجنس المعرف انّ الثاني

ص: 41

يعرّف الجنس في مورده من حيث أنّها جنس و أما الأول و هو اسم الجنس فهو ما فيه الصلاحية لكل فرد من الأفراد.

و لذا لا يكون المنظور في ( الرجل خير المرئة ) فرداً معيناً و لا يصح ارادة ذلك انّما التفضيل بين الجنس من حيث هو جنس على الجنس الآخر كذلك . و علم الجنس عبارة عن جنس يتعين من حيث انّه جنس و لذا فلا تعدد فيه اذ التعدد انما هو باعتبار الأفراد فإذا لم يكن فيه تعدد كان معرفةً فحاله في التعريف حال العلم الشخصي.

و حاصل الكلام . انّ كون المستعمل فيه عاماً كما في أسماء الأجناس لا ينافي تعينه من ناحية الاستعمال في فرد معين وذلك باعتبار ان اسم الجنس وضع للجنس لا بشرط . و يظهر وجه ذلك من موارد استعماله و لم يتوهم أحد التجوز في هذه الموارد . فإنّ اليوم في اليوم (أكملت لكم دينكم)(1) قد استعمل في معناه العام و لكن التعين جاء من قبل حرف التعريف و هو معنى حرفي و لا يجامع العموم فالتنافي انّما يكون لو كان الوضع في اسم الجنس بشرط العموم . و هذا الكلام جار بعينه في الاشارة والموصول والضمير . فلا مجال لتوهم الخلاف

ص: 42


1- سورة المائدة : آية 3

المعنى الإسمي والمعنى الحرفيّ

إنّ الوصف المأخوذ في موضوع القضية اللفظية على ثلثة أقسام . فانّه قد يكون عنواناً يدور الحكم مداره و قد يكون لتعريف الحكم فقط و قد يكون للتنبيه على عموم الحكم و أقوى هذه الأقسام و أكملها هو الأول اذ في هذا القسم يكون مفهوم الوصف المأخوذ موضوعاً في الحكم موضوعاً للقضية النفس الأمرية بعينه و ليس كذلك القسمان الآخران أما الأول منهما فإنّ الوصف فيه و إن كان معرفاً للحكم إلّا أنّه ساكت عن خصوصيات الموضوع و أما الأخير فانّه و إن كان ينبه على عموم الحكم إلا أنّه لا يعيّن الملاك في التعميم فأكمل القضايا هي القضية المنطبقة على النفس الأمرية انطباقاً يشمل جميع الخصوصيات(1).

و بهذا البيان تعرف انّ الحق الصراح في تعريف الاسم ليس إلّا ماورد في الكلام العلوي الشريف على ما في حديث أبي الأسود الدئلي انّ الاسم ما أنبأ عن المسمى فإنّ المسمى هو العنوان و أما الواسطة في الانباء فهي علقة التسمية كما سيوافيك تفصيله في ذيل البحث عن الحقيقة والمجاز و هذا التعريف للاسم على اختصاره أجمع و أكمل من ساير ماذكره النحاة في تعريفه و ذلك لعدم سلامتها عن عدة ايرادات سيّما ما اشتهر بينهم من أنّه مادلّ على معنى مستقل غير مقترن بأحد الأزمنة . و هكذا في الفعل والحرف حيث قالوا ان الفعل مادلّ على معنى مستقل

ص: 43


1- راجع للعثور على التفصيل كتاب ( كشف الاستار ) في شرح حديث أبي الأسود الدئلي بقلم الأستاذ المحقق البهبهاني قدِّس سرُّه.

مقترن بأحدها والحرف مادل على معنى في غيره . وكل هذه التعاريف مخدوشة و نذكر بعض مافيها مع مراعاة الاختصار والتحرز عن الاكثار . فنقول:

الأول . الاسم . و يرد على التعريف المذكور له أمور :

منها . سكوت التعريف عن بيان ملاك الاسمية أعنى به القضية النفس الأمريه فإنّ الدلالة المشار اليها أمر جامع عندهم لكل من الاسم والفعل والحرف مشتركة بين الثلثة و أما الاستقلال فمخصوص بالأولين على ما سيجيء تفصيله بعد ذلك.

و منها . جعل فصل الاسم هو عدم الاقتران بالزمان و جعل فصل الفعل اقترانه به و هذا فاسد لورود النقض على كل منهما فلا الاقتران يكون ملاكاً للفعلية و لا عدمه للاسميه و اليك بعض الموارد :

1 - هيئة الفاعل . كالضارب فانّه وضع للذات المتلبس بالمبدء في الحال مع انّه لا يخرج بذلك عن الاسميه

2 - أسماء الزمان والمكان .

3 - الأفعال المنسلخة عن الزمان على ما الزمان على ما اعترفوا بها والاعتذار بأنها موضوعة بالوضع الأولي للمقترن بالزمان و انّما انسلخت عنه بالوضع الثانوي غير مسموع فانّه لو سلم ذلك و لكن هي بعدٌ باقيةٌ على الفعليه و انّما الانسلاخ عن الاقتران بالزمان فقط والحال انّ الاقتران عندهم فصل للفعل مثاله ( يحيى . يزيد . يعمر ) حيث كانت أفعالاً فصارت أسماء بالعلمية فالاقتران بالزمان في الوضع الأول غير نافع حتى يدعى انسلاخه عنها في الوضع الثاني فإنّ الفصل لابد وان يكون موجوداً بالوضع الثاني و لفظ ( شمّر) كان فعلاً ثم صار علماً لفرس و هكذا الجملة الاسميه مثل ( زيد منطلق ) فإذا صارت هذه أعلاماً كانت أسماءً و إن كان الاعراب السابق باقياً فيها . فالاعتذار المذكور غريب و عكس ذلك فى أسماء الأفعال حيث قالوا انّها أسماء مع اقترانها بالزمان إلّا انّهم يدّعون عدم اقترانها به في الوضع الأول بل اقترنت

ص: 44

به في الثاني و أنت ترى أن لازم ذلك ان تصير هذه الأسماء أفعالاً كما قالوا في ( شمرٌ ) انّها فعل ثم صارت علماً فانسلخت عن الزمان .

إن قلت . ان ماذكر في ( شمر) و أمثاله انما هو باعتبار خروجها عن المعنى الفعلي حدوثاً و زماناً وصيرورتها اعلاماً.

قلت. لو سلمنا ذلك و لكن نقول فرق بين خروجها عن الجنس والفصل بالكليّة و بين خروجها عن الفصل فقط فهو مستقل إلّا انّه ليس له معنى حدثي . فالانسان مثلاً فصله الناطق و لو صار انسان حجراً لم يبق على انسانيته أصلاً و كذا لو مسخ قردةً إلّا ان يقال بتغير الصوره مع انّ حقيقة الانسانية باقية .

والحاصل أنّه لا فرق بين الانسلاخ عن الزمان ابتداءً و بين اقترانه به ثم انسلاخه عنه والعجب في عدولهم عن هذا التعريف الجامع الكامل ( الاسم ما أنباء عن المسمى ) و لم يعلم لهذا العدول وجه سوى عدم التأمل في أطراف هذه الرواية المأثورة الشريفة .

أما الفعل . فقد ورد تعريفه في الروايه بأنّه ما أنبأ عن حركة المسمى ) تحقيق ذلك أنّ الفعل مشتمل على مادة دالة على المعنى الاسمي الاستقلالي و هو الحدث و على هيئة دالة على نسبة.

والنسبة اللفظية و إن كانت قسمين تامة و ناقصه فقولك زيد قايم تام و زيدٌ القايم ناقص إلّا أن هذا التمامية والنقص ليس في القضية النفس الأمرية بأن يكون نسبة القيام الى زيد نوعين تامة و ناقصه . بل ان منشأ التمام والنقص في القضية اللفظية هو لحاظ المتكلم وليس المنشأ لهما ما في الخارج من النسبة . بل انه لو لم يكن في اعتقاد المخاطب علم بالقضيه قلت زيد قايم على وجه التمام و أما لو علمت انّه عالم بذلك فلا تكون بعده في مقام الأخبار بل تقيدها على وجه التوصيف و تجعلها مقدمة لحكم آخر فتقول زيد القائم جائني و زارني . فالدخيل هو لحاظ المتكلم و إلّا فحقيقة

ص: 45

الخبر والوصف واحدة و انّما تختلف باعتبار اعتقاد المتكلم بحال المخاطب و لذلك قال أهل المعاني انّ الأوصاف قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها أوصاف معناه ان مقام الخبريه قبل مقام الوصفيه . هذا هو الحال في النسبة الخبرية.

و أما النسبة فهي بحسب التتبع والاستقراء على ثلثة أقسام. حدوثية - حملية- اضافيه . أما الثالث فهى ماكانت بواسطة احدى الحروف الجاره و تختلف باختلاف مفاد هذه الحروف فزيد في الدار الدار ظرف لزيد لا انّها متحدة معه أو حادثة عنه. أو تقول المال لزيد فيفيد اللام اختصاصه به فالاضافيه قد تكون ظرفية أو اختصاصية أو ابتدائيه نحو سر من البصره أو بيانية أو غير ذلك.

و أما النسبة الحملية و يعبر عنها بالاتحاديه فهي ماكان أحد الطرفين فيها قائماً مقام الآخر فتقول زيد قائم . و بعد ذلك تقول رأيت زيداً أو تقول رأيت القائم . كل ، فالنسبة اتحاديه و أما الحدوثيه. فهي ما كان أحد الطرفين فيها حادثاً عن الطرف الآخر كما فى ( ضَرَبَ ) و يضرب فانّهما يفيدان حدوث الضرب من ضارب ولابد في هذا القسم ان يكون أحد الطرفين قابلاً لحدوثه من الآخر و لذا كان المبدء في الأفعال من الاحداث فلا يكون الحجر مبدءً لفعل و لو ورد مثله كان تنزيلياً لا حقيقياً نحو بال و حاضت و نحو ذلك

اذا تبين ذلك فنقول . ان النسبة في الفعل انّما هي من قسم الحدوثية منها فتقع الحركة بالنسبة الى المسمى باعتبار هذه النسبة الحدوثيه فإذا قلت ضرب زيد فهذا حركة من زيد و لكنّها ليست حسية بل نسبتها اليه باعتبار ظهورها و حدوثها منه و لذا كان مثل سكن و عدم و سكت أفعالاً باعتبار ظهورها و حدوثها عنه و نتيجة ذلك ان هذا التعريف أي (الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى) جامع لجميع موارد الأفعال من دون احتياج الى الزمان لوجود هذه الحركة في كل مورد و لكن لما لم تكن هذه موجودة في مثل ( شمرٌ) صار اسماً و عليهذا فلا تعريف أجمع و أكمل من هذا الذي

ص: 46

ورد في الرواية و لم يقتبس أحد من النحاة من هذا النور الباهر سوى شارح الصمديه حيث انّه في مبحث حصر الكلمات في الاسم والفعل والحرف قال ماحاصله ( أنّه قيل : المعاني ثلثه و لذا كانت الكلمات ثلثة . ذات وحدث عن ذات و واسطة بينهما ).

و هذا كله مضافاً الى انّ الزمان الذي ادعوا اقترانه بالفعل معنى اسمي حسب تصريحهم و ليس من قبيل النِسَب فكيف يجامع الفعل و لذا قد تنبه عصام الدين لذلك فانّه بعد بیان ان نسبة الفعل لها ثلث مداليل الحدث والنسبة الى فاعل ، والزمان . قال بأمر رابع و هو النسبة الى الزمان و لو لا ذلك كان الزمان الخاص في النسبة غلطاً يرد عليه . انه لا مانع من النسبة الى الزمان و أما الاقتران بالزمان فهو ممنوع فانّ دلالة الفعل عليه ليس بالتضمن بل بالالتزام .

و قد نقل السيد المحدث الجزايري في حاشيته على شرح الجامي ان كلمات القدماء من النحاة في هذا المجال مختلفة مضطربه . و انّ بعضها يوافق ما عليه المتأخرون و بعضها يخالفه . فيظهر من ذلك ان من القدماء من تفطن لذلك.

ثم انه . قد عرفت انّ الاستقلال عندهم جامع بين الفعل والاسم فهو كالجنس و أما الفصل في الأول فهو الاقتران بالزمان و في الثاني عدمه . والمراد بالاستقلال هو انّ المعنى لو لوحظ من دون أن يكون مرأتاً لغيره كان مستقلاً و أما لو كان مرأتاً لغيره فهو غير مستقل و قد مثل لذلك بالنظر في المرآة فتارة يكون النظر ملحوظاً بالاصالة من دون توطئة لرؤية الصورة فيها وقد يكون آلة لرؤية الصورة . و هكذا المعنى في محل البحث فقد يلاحظ استقلالاً بحيث يصلح أن يحكم عليه و به و قد يلاحظ مرأتاً . و قد تنبه ابن الحاجب من الماضين و صاحب الكفاية من المتأخرين(1) بأنّه لو كان الاستقلال هنا كذلك لزم دوران الاستقلال مدار لحاظ اللاحظ فيترتب

ص: 47


1- كفاية الأصول ، ص 11 ، طبعة مؤسسة آل البيت علیهم السلام

عليه انّ المعنى المستقل الذي يدل عليه الاسم يلزم ان يكون موجوداً من قبل و لازم ذلك دلالة لفظ الابتداء على الابتداء الملحوظ أصالة بحيث يكون جزء المستعمل فيه و من البديهي أنّه لا يكون جزءاً كذلك . بل لابد وان يكون كل من الاستقلاليه والآلية في مرحلة الاستعمال فلذا ذكر صاحب الكفايه ان المعنى الاسمي والحرفي في ( من ) و في ( الابتداء ) واحد والفرق ليس من قبل الموضوع له بل في جهة الاستعمال ثم أورد هو على ذلك بأن لازمه صحة استعمال كل منهما مكان الآخر و أجاب عنه. بأنّ الوجه في عدم الصحة هو اشتراط الواضع باستعمال لفظ الابتداء في اللحاظ الاستقلالي و لفظ ( مِن ) في الآلي منه(1).

و يرد عليه . هل هذا الشرط من قبيل الشروط في ضمن العقد حتى يلزم الوفاء به و هل للواضع حق لأصل هذا الاشتراط . و ما المانع من مخالفة الواضع ؟ فهذا غفلة عن حقيقة الحال و عن ما أفاده مولينا علیه السلام في تعريف الفعل . و قد اضطربوا في مسئلة المعنى الحرفي والسبب فيه هو ما قالوا انّ الحروف ما أوجد معنى في غيره فلفظ من لا يوجد الربط ابتداءً بل اذا كان داخلاً على البصرة مثلاً في قولك سرت من البصره مع انّه لو كان المبدئية للسير واقعاً و صحيحاً كان ذلك ثابتاً في قولك سِرتُ سواء قلت من البصره أو لم تقل و ان لم يصح فقولك من البصره لا يوجب انقلاب الواقع عما هو عليه.

و حيث انجر الكلام الى هذا المقام فلنشرع بالبحث في تحقيق المعنى الحرفي و بیان ما هو الحق عندنا .

الحرف . انّهم قد ذكروا في تعريف الحرف انّه مادلّ على معنى في غيره . و لكن لما التفتوا الى ان هذه الدلالة لو كانت على معنى كائن في الغير واقعاً لزم كون جميع

ص: 48


1- كفاية الأصول : ص 11 و 12

المقولات التسع معاني حرفية لعدم وجود مستقل لها . فلذا قاموا بالتفصى عن ذلک و قالوا ان المراد بقولنا في غيره هو اللحاظ في غيره بأن يكون مرأتاً للغير . و لا يخفى انّ هذه المحاذير والتكلفات ليست إلّا من جهة العدول عن التعريف الوارد في الحديث . نعم . ان شارح الرضي ممن أدرك هذه الحقيقة العاليه لالتفاته الى ما أفاضه أمير المؤمنين علیه السلام في بيان الحرف والعجب من السيد الشريف الجرجاني حيث قام بردّ ماذكره الشارح المذكور . و لابد لنا من بسط كلام في المقام حتى يتضح بذلك كنه المقصد والمرام فنقول و على اللّه التوكل و به الاعتصام .

انّ القضية على ثلثة أقسام النفس الأمريه . والمعقوله . واللفظيه . وكل منها مشتملة على ثلثة أجزاء مسند و مسند اليه و اسناد . أما القضية النفس الأمريه فكل من أجزائها الثلثه من قبل نفس الأمر أي زيد في الخارج و قيام في الخارج وارتباط الثاني بالأول . فهذا ثابت في الواقع سواء تعقله أحد أو لم يتعقله . و أما القضية المعقوله فالمراد بها تصور هذه الأجزاء الثلثة في الذهن سواء كانت واقعة أو لم تكن حصل التلفظ بها أو لم يحصل . و أما القضية اللفظيه فهي التلفظ بزید قائم و لابد ان يكون اسنادها أيضاً لفظياً كطرفيها الآخرين فاللازم ان يكون الاسناد والربط والتأليف والتركيب واقعاً في اللفظ و هذا الاسناد أما يكون بالتركيب الحملي مثل زيد قائم . أو بتوسط حروف مثل زيد في الدار أو عمر و كالأسد و نحو ذلك مثل علىٌّ على السطح والمال لزيد . اذا عرفت هذه المقدمه :

فاعلم ان المراد بقولنا ( الحروف أدوات للايجاد ) هو ايجادها الربط في القضية اللفظيه فلا تتم هذه القضية إلّا بالحروف التى توجد الربط فيها فهى توجدها فيها بحسب اختلاف الموارد فما به الامتياز بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي هو انّ الأول حاك و منبئ والثاني آلة للايجاد .

ثم ان الاستقلال الذي صرح به في المعنى الاسمي معناه انّه لا يكون آلة لوجود

ص: 49

الغير و ذلك بخلاف الحرف فانّه غير مستقل فيحتاج الى محل حتى يوجد الربط فيما هنالك فلابد أولاً من لحاظ طرفي الربط حتى يكون الحرف موجوداً للربط بينهما مثل ( زيد و دار ) فيحصل الربط بينهما بأداة الظرفيّة . و أما الاستقلال في الاسم فهو عبارة عن الحكاية عن المفهوم فلا يحتاح الى محل ابتداءً فالتعريف الصحيح للحرف هو ما في الرواية الشريفه من أنّه ما أوجد معنى في غيره.

و مما يرد على تعريف القوم للحرف بأنّه مادلّ على معنى في غيره ( مضافاً الى ماذكر) هو انّهم ذكروا ان المراد بدلالته على معنى في غيره هو انّ المعنى الحرفي لم يلحظ أصالة بل توطئة . لكن يرد عليه . أوّلاً - انّ المقصود الأصلي في القضية هو الإخبار بثبوت القيام لزيد أو سلبه عنه و هذا واضح فهذا الثبوت مثلاً الذي هو وجه الارتباط يكون محل النظر استقلالاً فصار المعنى الحرفي ملحوظاً بالاصالة إذ المراد سرت من البصره ليس هو مجرد السير بل النظر الأصلى انّما هو الى المبدء والمنتهى و عليه فلايكون الملحوظ في غيره توطئة . و ثانياً - سلمنا ذلك لكن نقول انه ما المراد بتوطئة حال الغير ؟ و هل انّ الحال فى البصرة والكوفه أمر سوى المبدء والمنتهى فما هو المراد بتوطئة حالها ؟

تفصيل المبحث بعبارة أخرى

إنّ كلاً من القضايا الثلث المذكوره متوقف على اسناد و مسند مسند اليه والاسناد في كل منها انّما هو من سنخ تلك القضية وكيفية التركيب ثلثة أقسام الاسناد الاتحادي والحدوثى والاضافى . أما الأول فهو ما يحصل بين لفظين عند حصول الهيئة التركيبة والثاني هو حدوث أحد الطرفين عن الآخر فهذا لا يحصل بإقتران اللفظين كيف ماكان و بضم كلمة الى أخرى بل يحتاج الى الهيئة الاشتقاقية

ص: 50

الفعليه لا بهيئة الاتحاد و لا بهيئة الاضافه . و أما الثالث و هو الاضافي فهو كل ما كان غير اتحادي و لا حدوثي و هو إما بصورة الاختصاص كالمال لزيد أو الاستعلاء كزيد على السطح أو الابتداء مثل سرت من البصره أو غير ذلك فهذا القسم يحتاج في تحققه الى حرف أو ما بمنزلته وإلّا لم يتحقق فالحروف هي المتكفلة لهذا القسم الأخير فيقال الحرف ما أوجد معنى في غيره . أما الفعل الذي هو ما أنبأ عن حركة المسمى فهو مشتمل على جزئين مبدء و هيئة . والأول مايدل على الحدث و هذا المبدء لابد ان يكون مما يقبل الاسناد الحدوثي مثل علم و ضرب و أكل فلا يصح ذلك في الاعيان فلا يقال ( حَجَر ) نعم قد يستعمل الفعل في بعض الأعيان و ذلك تنزيلاً مثل ( بال ) فانّ البول وان كان عيناً خارجياً إلّا أنّه حيث كان له مبدء الاشتقاق لتنزيلة منزلة الحدث بلحاظ تجدده وانصرامه . وكذلك ( حاضت المرئه ) بناء على تفسير الحيض بالدم لا بالحدث . أو ( استحجر الطين ) فهذا الاسناد الحدوثي الحاصل بسبب الفعل له طرفان مبدء و ذات. سواء كانت الذات معينةً نحو (اسكن) أو مبهمة مثل (ضَرَب ) غائباً لا انّ الغيبة قيد فيه لكنه يدل على ذات نسبت اليها الغيبه حيث انّها ليست مخاطبة بخطاب ولا تكلم . لا الغايب في مقابل الحاضر . و قد عبروا عن الذات بالمسمى لقبولها التسمية و عن الطرف الآخر بالحركة فيقال انّ الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى اذ الاسناد الحدوثى بعد انضمامه بالمبدء يعنون بالحركة والمسمى هو طرف الحركة فالفعل مشتمل على حدث و اسناد وهذا هو مقوّم الفعل اقترن بالزمان أو لم يقترن و لذا كانت الأفعال المنسلخة عن الزمان أفعالاً حقيقة والحاصل ان عنوان الحركة هو طرف الحدث و اذا قلت عَلِمَ زيد . فحيث يبيّن اتصافه بالعلم فهذا هو عنوان الحركة و كذا نحو سَكَنَ . و أما هيئة الفعل . فالحروف المرتبة بهذا الترتيب الخاص كعلم و ضرب وغيرهما دالة على الحدث سواء كانت بهذه الهيئة المذكوره أو بهيئة المضارع أو الأمر والجامع و هو الضرب والعلم مشترك موجود بين الجميع

ص: 51

فالحدث مستند الى الحروف المترتبه بأي هيئة كانت و انّما الماضي والمضارع والأمر نِسَبٌ مختلفه و هيئة فَعَلَ دالة على الاسناد التحققي و هيئة يفعل على الاتصافي و هكذا فالمتحصل ان المبدء دال على الحدث والهيئة دالة على الاسناد إلّا أنّ هذا الاسناد مختلف والاختلاف بين الماضي والمضارع ليس بالزمان و لذا كان ( لم يضرب ) ماضياً و ( إن ضرب ) مستقبلاً . توضيح ذلك انّ النسبة تحتاج الى طرفين و قد يقدّم مبدء على الاسناد و تارة تقدم الذات على الاسناد فإن كان المبدء هو المتقدم فقد تحقق المبدء في الذات لا العكس . و هذا في الماضي حيث أن مبدئه متقدم و علامة الماضويه متأخرة و هذا بخلاف المضارع فإنّ حروف ( أتينَ ) التي هي للمضارعه متقدمة على المضارع ( و هكذا الحال في اللسان الفارسي مثلاً ميزند أي يضرب ) سواء كان التحقق ماضياً أو حالاً أو استقبالاً . و هكذا الاتصاف و لذا لم يخلُ المضارع مِن الاتصاف لتقوم المضارع به كما انّ التحقق مقوّم للماضي و لذا كانت بلاغة الكلام تختلف باختلاف الخصوصيات كما في العقود والايقاعات فإنّ ايجابها لابد وان يكون بلفظ الماضي مع انّ المضارع الذي يشتمل على الحال والاستقبال أقرب الى الانشاء المعتبر في العقود والايقاعات والسرّ في ذلك انّ العاقد في مقام العقد ناظر الى التحقق لا الاتصاف و ذلك بخلاف مقام الحمد والثناء مثلاً فالمضارع هنا أي ( أحمد و انثی) مقدم على الماضي ( حَمِدت ) حيث انّ النظر هنا الى الاتصاف بالحمد للّه تعالى.

و أما الوجه في و كان الله سميعاً بصيراً فهو ناظر الى الأزل والأبد لا الماضي وحده ولا في ما بعد الحال كذلك . ولا يخفى انّ الاحاطة بهذه الخصوصيات دقيقة جداً اذ بهذه وصلت مدارج الفصاحة والبلاغة الى مرحلة عجز عن ادراكها العرب مع ما هم عليه من النبوغ في ذلك و لم يقدروا على انشاء مثل ما في القرآن إذ الفصاحة والبلاغه تقبلان الادراك الى حدّ ما و أما الاحاطة التامه بهما فغير متيسّر والملاحة مما

يدرك ولا يوصف.

ص: 52

أحكام الدلالة وأقسامها

و من المباحث التي يتعرض لها بعد البحث عن الوضع هو تعريف الدلالة بيان أقسامها والدلالة هي كون الشيئ بحيث يحصل من العلم به العلم بشيئ آخر قد قسمت عندهم بالوضعية والطبعية والعقلية وكل واحد الى اللفظية و غير اللفظيه فالدلالة الوضعية اللفظيه كما فى الألفاظ الموضوعة الدالة على المفاهين الموضوعة لها والوضعية الغير اللفظية موردها ماكانت دلالته على شيئ وضعاً و لكن بدون اللفظ مثل رفع الاعلام للدلالة على ثبوت العيد كما انّ في الألفاظ الموضوعه لا يفهم من اللفظ شيئ مع قطع النظر عن الوضع كلفظة ديز المهملة . و أما الطبعية اللفظية كدلالة ( اح اح )على وجع الصدر فهذا لفظ يدل طبعاً على هذا المطلب و غير اللفظيه كدلالة سرعة النبض على الحمّى والعقلية اللفظية كدلالة ديز على وجود لافظ و غير اللفظية كدلالة الدخان على النار و دلالة التغير على حدوث العالم . هذا .

و قد استشكل بعضهم انّ هذا التقسيم هل هو باعتبار سبب الدلالة أو باعتبار المدرك أو باعتبار غير ذلك ؟ فإن كان بالأول فالتقسيم يصح في قسمين دون الآخر حيث ان سبب الدلالة اللفظية هو الوضع و سبب الطبعيه هو الطبع و أما العقل فلا يكون سبباً لوضوح ان دلالة التغير على الحدوث غير مستند الى العقل بل انّما العقل يدرك ذلك فالتقسيم اذاً لا يشمل العقليه . و اما لو كان بالاعتبار الثاني أي المدرك فيرد على التقسيم انّ الوضع لا يكون مدركاً . فالتقسيم على كلا الأمرين غير صحيح لا ثالث فلا مقسم للأقسام فلهذا قد جعل بعض المحققين التقسيم ثنائياً ثم قسم

ص: 53

أحدهما الى قسمين فهذا في الحقيقه جمع بين تصحيح التقسيم و وجود الأقسام . و بيان ذلك . ان الدلالة أما ذاتية أو مجعولة فإنّ الشيئ أما يدل على شيئ ذاتاً أو بالجعل والدلالة الوضعية بالجعل و أما الطبعية والعقلية فبالذات فإنّ كل علة سبب بالذات المعلوله وكذا كل معلول مسبب عن علته فالدلالة فيهما بالذات.

ثم ان الدلالة الذاتيه تنقسم الى ذاتية نظريه وذاتية ضروريه والأول كدلالة التغير على الحدوث بناء على كونه نظرياً و كذا سرعة النبض على الحمى فإنّها ليست بديهيه بل انه أمر يعرفها الطبيب . ثم ان النظرية قد عبر عنها بالعقلية لتصرف العقل النظريات و أما الطبعيه فهي في خصوص البديهيه و لا اشكال في هذا البيان والتقسيم إلّا أن الأمثلة لابد وان تعكس اذ لفظ ديز على وجود اللافظ لا يدل نظرياً و كذا يلزم ان يكون سرعة النبض عقلية.

و انّما المهم في المقام . هو أنّ الدلالة الطبعية والعقلية لاتحتاجان الى قيد زائد فإنّهما ذاتيتان كما عرفت . و أما الدلالة الوضعية فقد أفاد المحققون من عظماء الفن كالشيخ الرئيس والمحقق الطوسي والشيخ عبدالقاهر الجرجاني انّ الدلالة الوضعية تابعة لأرادة المتكلم و لكن التفتازاني و من شايعه أنكروا ذلك فإنّ اللفظ الموضوع يوجب حضور المعنى في الذهن أراده المتكلم أو لم يرده حتى ان اللفظ لو صدر من غیر انسان و لافظ كان المعنى معذلك معلوماً كالببغاء .

و لكن الحق . ان هؤلاء لم يفهموا معنى الدلالة و لم يصلوا الى كنه ما أفاده المحققون الأعلام فلابد من تحقيق الدلالة التي عرفت بكون الشيئ بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر و ان ذلك هل ينطبق على التصور أو لا ؟

أما التفتازاني فكأنّه تخيل انّ العلم في مفروض البحث هو ماعرف في المنطق بأنّه الصورة الحاصلة من الشيئ عند العقل و جعل هذا أعم من الظن والشك والوهم بل و حتى الجهل و لذا قد أخذ الظن والشك والوهم في مبحث التصورات جزءاً

ص: 54

للتصور حيث قال ( العلم إن كان اذعاناً للنسبة فتصديق و إلّا فتصور )(1).

أقول : انّ التصور الذي هو بمعنى الخطور هل هو جزء من العلم لغة وو اصطلاحاً ؟ فلابد أن ننظر في انّ العلم في اللغة هل يمكن تقسيمه بالتصديق و بالتصور بمعنى الخطور؟ فنقول:

العلم مقابل الجهل فلو تصورت شيئاً لم يصح ان تقول علمتُ . فإنّ العلم في اللغة إمّا اليقين أو العرفان أما الثاني فعبارة عن معروفية شيئ عند العارف به.

فالتصور في اللغة ليس بمعنى خطور العلم بل هو جهل بل حال آخر يجامع كلاً منهما فلو كان التصور بمعنى الخطور جزءً من العلم فلابد أن يقال بأنّ هذا اصطلاح من المنطقيين اذ نقلوا العلم من معناه اللغوي الى معنى جامع عبروا عنه بالصورة الحاصلة و هذا الاصطلاح يوجب أن يكون موضوع البحث أعم من المعنى اللغوي أو أخص و إلّا فلو كان منطبقاً على المفهوم اللغوي لم يبق مجال للنقل و أما موضوع البحث عندهم فهل هو المعرف والحجة أو صورة الظن والشك والوهم ؟

أما التصور فمنشأه ما يرجع الى الجنس والفصل والخاصة و أم-ا التصديق فمنشأه القياس والعلة والمعلول و من جهة أخرى انهم قد قسموا التصور الى النظري والضروري و مثلوا للأول بالجن والملك و للثاني بالحرارة والبروده . و هذا مما لا يمكن قبوله . اذا الخطور لا يجامع النظرية فالمراد بتصور الجن والملك حيثما يطلق هو المعرفة بهما التي هي أمر نظري و أما الحرارة والبرودة فهما وجدانيان لابديهيان .

و أما تقسيمهم التصديق الى النظري والضروري . فالدلالة ليست باعتبار التصور بل باعتبار العلة والمعلول و واضح انّ دلالة اح اح على وجع الصدر في الطبعية اللفظيه و كذا سرعة النبض في غير اللفظيه منها ليست باعتبار الخطور.

ص: 55


1- تهذيب المنطق للتفتازانى

فتحصل انّ المراد بقولهم الدلالة كون الشيئ بحيث يلزم من العلم به العلم بشيئ آخر هو كونه بحيث يلزم من التصديق به التصديق بشيء آخر فإنّ الدلالة مقابل العرفان لا عينه و أما كون الشيئ بحيث يلزم من العلم به الخ فهو عبارة عن التصديق حيث ينتقل من أحدهما الى الآخر . فالدلالة المصطلحة عليها عبارة عن والتصديق فرع وجود العلية والمعلوليه . و هذا غير محتاج اليه في الطبعية والعقليه فانّ العلية فيهما ثابتة . و أما في الوضعيه فلفظ زيد ليس علة لوجود زيد و لا معلولاً عنه و لكن لما حصلت من المتكلم ارادة التكلم فتحصل العلية والمعلولية بين الكلام والارادة بمعنى أنّه لما كان المتكلم العارف المريد في مقام الأفادة و قال زيد قائم فهذا اللفظ منبعث عن الارادة لوضوح أنّه لو لم يكن مفاهيم الألفاظ مرادة لم يحصل التكلم فهذه الألفاظ منبعثة عن الارادة لوضوح أنّه لو لم يكن مفاهيم الألفاظ مرادة لم يحصل التكلم فهذه الألفاظ معاليل والارادة علتها فهذا من الدلالة الإنية لدلالة المعلول على علته - ثم لو عرضت ملازمة بين الارادة والتكلم فهو دال على الخارج أيضاً دلالة ثانويه فلو كان المتكلم معصوماً حائزاً لمقام العصمة فالدلالة حينئذٍ على الخارج ثابتة نظرية أو ضروريه بدون فرق بينهما و أما لو كان صادقاً غير معصوم و كان ما في الخارج بديهياً فالدلالة أيضاً على الخارج ثابتة و اما إن لم يكن ما في الخارج بديهيهاً فلايكون حجة على غير من حصل له الدلالة و لو كان المتكلم كامل العدالة فهو دال على نظر المستدل و لا يدل على ثبوت ما في الخارج . و من هنا ظهر أنّ الردود والنقود بين العلماء و أرباب الفنون الموجودة في المحاورات والكتب العلميه لا يراد بها التكذيب والتوهين

والنتيجة الحاصلة الى حد الآن ان ماذهب اليه المحققون من ان الدلالة الوضعية تابعة للارادة أمر متين لا غبار عليه و لكن التفتازاني فهو قد اشتبه عليه مرادهم و مقصدهم من أول الأمر حيث عرف الدلالة بما ذكرناه و نقلناه عنه من أخذه العلم

ص: 56

بمعنى التصور والخطور و هذا لا يصح فإن كان هذا الكلام منه فهو غفلة منه و إن كان من غيره فكذلك . نعم يحتمل أن يكون ذلك من قبيل التعبير اللفظي والأخذ بالأعم.

و بما ذكرناه علم أمور:

منها . ان ماحاول بعضهم من المحاكمة بين الأعلام و بين التفتازاني . حيث قاموا بتقسيم الدلالة الى تصورية و لفظيه و قالوا بأنّ النزاع لفظي حيث عبر التفتازاني بالتصوريه والاعلام بالتصديقيه . فهذا أيضاً مما لا مجال له . إذ الدلالة لیست قسمين فإنّ مجرد التصور والخطور ليس بدلالة لا في اللغة و لا في الاصطلاح فإنّ الدليل لغة ما يكشف عن المدلول لا اخطار المدلول والالزم حصول القدم والحدوث في النظر بمجرد تصور التغير و لزم دلالة كل شيئ على الضدين اذ كل ماتصورت ضداً فقد حصل في نظرك الضد الآخر فلا يمكن تصحيح كلام التفتازاني بذلك.

و منها . ان كلاً من أقسام الدلالة ( الثلثة ( متفاوتة بمعنى ان الوضع في الدلالة الوضعيه انّما هو من جملة مقدمات الدلالة و أما في الآخرين فالدلالة ذاتية لوجود العلية والمعلولية فيها التي هما منشأ الدلالة والمعلوم انّ الوضع ليس منشأ لذلك بل منشأ التصور بالمعنى الذي مرّ سابقاً بأنّه لو صدر اللفظ الموضوع من متكلم عارف بالوضع قائم في مقام التفهيم فتحصل العلية فالوضع لايكون هو وحده بل هو صدور اللفظ من المتكلم العارف حتى انّه لو لم يكن عارفاً و صدر منه كلام فلا يكون لكلامه دلالة والكلام مع شرايطه معلول لما في الضمير فهذه الدلالة تابعة للارادة بمعنى أنّه ما لم تكن ارادة لم تحصل علية و معلولية بين الكلام و بين مدلوله . و هذه الدلالة الدالة عما في الضمير مدلول اوّلي للكلام و أما مدلوله الثانوي فهو ما ذكرنا من أنّ المتكلم اما يكون معصوماً فكلامه دال على ما في الخارج نظرياً و ضرورياً و اما ان يكون صادق القول فيدل كلامه على ما في الخارج البديهي خاصة

ص: 57

فما في الضمير لو كان ملازماً للخارج فيدل عليه و إلا فلا إلا في المتكلم المعصوم .

و منها . انّ النزاع بين النظام و غيره في ملاك صدق الكلام و كذبه و أنّه هل مطابقته للواقع أو الاعتقاد نزاع في غير محله بل الملاك في الصدق والكذب تابع لما هو الأصل في نظر المتكلم . و لا بأس بتوضيح ذلك موجزاً فنقول : ذهب بعضهم الى أن صدق الكلام باعتبار مطابقته للخارج و بعضهم على مطابقته لم-ا في الضمير و بعضهم على كليهما معاً و رابع على أحدهما لا على التعيين . و لكن كل هذه الوجوه والأقوال باطله . بل الحق أن صدقه تابع لما هو الأصيل في نظر المتكلم . فلو كان الأصيل في النظر بالنسبة الى ما في الخارج فملاك صدقه و كذبه راجع الى ما في الخارج وإن كان بالنسبة الى الضمير فهو الملاك فلا هو ما في الخارج مطلقاً ولا ما في الضمير كذلك و لا الوجهان الثالث والرابع . و نظير ذلك الكنايات فزيد كثير الرماد ليس صدقه منوط بوجود الرماد على بابه بل صدقه متوقف على كونه سخياً مضيافاً فهذا المعنى الكنائي هنا أيضاً تابع للأصيل في النظر و من أحسن الأمثلة بل أحسن الحديث كتاب اللّه سبحانه تعالی حيث يقول: (إذا جائك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه ) ثم قال اللّه سبحانه تعالی : (واللّه يشهد إنّك لرسوله واللّه يشهد انّ المنافقين لكاذبون)(1). فتدبره و من هذه البيانات ظهر أن ماذهب اليه بعضهم في مبحث الحقيقة والمجاز من كون الاستعارة حقيقة كالسكاكي حيث قال بالفرد الأدعايى و ما رد عليه التفتازاني بأنّ الفرد الادعايي ليس تحقيقياً ففيه مجاز و كذا قولهم بالتجوز في موارد العلائق المرسلة واختلافهم في الاستعاره . فهذه كلها بمعزل عن الحقيقه على مايأتي تفاصيلها في مسئلة الحقيقة والمجاز أما في مورد العلائق المرسلة فلعدم الاطراد كما اعترفوا به فلا تکون هی مصححة للاستعمال بل هو في بعضها حقيقي و في بعضها استعارة مقيده و

ص: 58


1- سورة المنافقون : آية .1 .

في بعضها مجاز في الاسناد . أما مسئلة الاستعارة فاتضح مما ذكرناه ان الاسم دائماً ينبئ عن عنوان المسمى ابتداءً فانّ علقة التسمية واسطه وكل ما كان المبدء واسطة لثبوت الحكم فالموضوع الابتدائي هو العنوان المأخوذ من الوصف فالفقر علة لاستحقاق الزكوة و موضوع الفقير هو عنوان الزكوة فمحل الانطباق تابع لعنوان الموضوع لا أنه موضوع ثانوي فإذا تبدّل بالغنى زال الحكم . ففي مسئلة إنباءٌ الاسم عن المسمى لو لم تكن علقة التسميه لا يكون إنباء فدائماً يكون الإنباء ابتداء ع--ن عنوان المسمى و أما ذات المسمى فاعتبارها من جهة الانطباق عليها و لكن محل الانطباق قسمان تحقيقي و تنزيلي والأول هو ذات المسمى التي يكون التسمية بينها و بين اللفظ حقيقة فمحل الانطباق تحقيقي و أما لو شبّه أحد زيداً بالأسد باعتبار أظهر الخواص و قال زيد أسد فمحل الانطباق تنزيلي حيث نزل زيداً منزلة الأسد فالمجاز في الاسناد أي في الانطباق لعدم تجاوز العنوان عن محل الى محل آخر حتى يكون من المجاز في الكلمة بل كما عرفت إنّ المحل الأصلي هو عنوان المسمى و أما المعنون بعنوان المسمى قد يكون تحقيقاً أو تنزيلاً أما الأول فليس فيه تجوز و أما الثاني فلو كان فيه

كان في الاسناد كما في زيد عدل فالملكة الحاصله العدل تحقيقاً و زيدٌ و زيد هو تنزيلاً .

والحاصل أنّه لا نرى نحن للمجاز فى الكلمة اعتباراً من أساسه.

و منها . عدم مجال و محل للنزاع في أنّ وضع الألفاظ هل هو للموجود في الذهن أو لما في الخارج أو للمفاهيم مع قطع النظر عن الوجود الذهني والخارجي

ص: 59

إنّ الوضع ثابت في طرفي التركيب و لكن سابقاً عليها و عليه فلا معنى للحوق وضع آخر للمركبات و لذا قد أرجع بعضهم النزاع في أنّ الهيئة التركيبة هل لها وضع أو لا و إلّا فبعد ثبوت الوضع الافرادي في الطرفين لا يبقى مجال لتوهم وضع آخر . و كيف ما كان فقد قيل بوضع في الهيئة التركيبة و قال بعضهم بالدلالة العقلية فيها و آخرون ذهبوا الى المناسبة الذاتيه وقد قلنا مراراً انّ كلما يطلق الحكم الشرعي فليس معناه أن العقل يحكم بشيئ اذ ليس له حكومة و ولاية و انّما الوجه في ذلك هو الحكم الثابت الذاتي للشيئ يدركه العقل والمراد بالدلالة العقليه أنّ العقل مستقل في الادراك فيرجع النزاع في أن الهيئة التركيبيه هل دلالتها بالوضع أو بالمناسبة الذاتيه. و قد عبر جماعة من المحققين في علم العربيه عن المناسبة الذاتيه بالدلالة العقليه. فالنزاع ثنائي لا ثلاثي واستدلوا عليه بأنّ العالم بوضع المفردات لو الغيت عنده الهيئة التركيبه فمع ذلك يفهم الاسناد لا محاله . فيفهم الخبر في زيد عالم والوصف من زيد العالم والاضافة من غلام زيد . و هذا ضروري . والظاهر أنّ الأمر كذلك اذ دلالة الهيئات التركييبه على مفاهيمها ذاتية لا وضعيه.

و أما. ثمرة النزاع . فهي أن المركبات هل تنصف بالحقيقة والمجاز بحيث يستعمل مركب حقيقة أو مجازاً ؟ أو أنه لا يصح ذلك . الحق هو الثاني . اذ المجاز و إن کان هو الاستعمال في غير ما وضع له إلّا أنه لابد من قابلية اللفظ للوضع حتى يتم ذلك والتركيب انّما مورده الاستعمال لا الوضع مورده الاستعمال لا الوضع و معذلك فقد توهم بعض امكان تطرقهما فيها ومثلوا للمركب المجازي بقولهم أراك تقدم رجلاً و تؤخر أخرى حيث استعمل تقدم الرجل و تأخرها مجازاً في الترديد والحيره مع انّ هذا المعنى لا يفهم من

ص: 60

المفردات بل من الجمله . و يرد عليه . انّ هذا اشتباه لهذه الجملة بالكنايه . وكم فرق بينها و بين المجاز حيث أن فيها قد استعمل اللفظ في معناه و أريد لازمه . فالوضع في المركبات ليس بجملتها فلا حقيقة فيها و لا مجاز و ما عن الفصول و غيره في تصحيح ذلك ففي غير محله .

ص: 61

و من جملة ما وقع بينهم موقع البحث هو أنّ بعض القضايا غير منطبق على موازين الأدلة كقولنا ضرب فعل ماض و من حرف جر و زيد اسم . أما النحاة فقد تعرضوا لهذه المسئله و ذكروا أنّ عنوان المسند اليه انّما يخص الاسم مع انّهم يقولون ضرب ماض و من حرف أو قولهم جسق مهمل و أمثال ذلك . و قد أجابوا عن ذلك اجمالاً بأنّ هذه الكلمات في تلك القضايا اسم ففي قولك مِن حرف . كان لفظة من لِ_ ( من ) الحرفيه و هكذا في ضرب ماض . ضرب اسم ل_ ( ضَرَبَ ) الفعليه و في المثال الأخير جسق اسم لذلك المهمل و يشهد لذلك أنّه لو كان مِن في المثال الأول حرفاً لاحتاج الى متعلق و مدخول . مع انّ في المثال لا احتياج اليها و كذا ( ضرب فعل ) ليس لضرب فاعل ولا طرف و هكذا ما ذكره السيوطي من ان ( ليت يقولها المحزون ) ليت مبتدء و مجرد عن الحرفيه واختص بالاسميه و لو كان حرفاً لاحتاج الى اسم و خبر .

و أما الأصوليون . فقالوا انّ الشأن في ( زيد اسم ) هو تسمية الشخص للنوع و كذا في ضرب ماض بمعنى أنّ نوع ضرب عبارة عن الماضي أي هذه الحروف المترتبة الخاصة المتهيئة بهذه الهيئة من أي صادر صدرت و لها وجودات متكرره . ضرب . ضرب. ضرب . فالمادة المتهيئة بالهيئة المخصوصه نوع و اذا قلت ضرب ماض . فضرب هذا فرد صار اسماً لنوعه و هذه الاسمية ليست بوضع بل لازمه المناسبة الذاتيه فاختلف الدال والمدلول . فلا اشكال في هذه القضايا . هذا .

ص: 62

أقول . كل من كلامي النحاة والأصوليين لا يمكن تصديقه . أما كلام النحاة . فيرد عليه . ان هذه لو صارت أسامي و لكن لاخفاء في أن مسمياتها أفعال و في الحروف حروفٌ . فهذا المحمول هل هو محمول الاسم أو محمول المسمى فإنّ المحمولات في القضايا بعضها محمولات لنفس اللفظ سواء كان هنا مسمى أو لم يكن مثل زيد ثلاثي . جعفر رباعي . و لكن في زيد قائم فليس القائم محمو لا لللفظ بل لمسمى زيد . ولا شك أن في ضرب ماض و من حرف . انّ المحمول هو محمول المسمى والمسمى في الأول فعل و في الثاني حرف و هما لا يقعان مسنداً اليه فليس هذا إلا كراً على مافرّوا منه.

و أما كلام أهل الأصول. فيرد عليه . ان النوع والشخص ليسا أمرين متباينين بل هما أمر واحد مع اضافة خصوصيات في أحدهما فلا أن يكون النوع المشخص اسماً للنوع الغير المشخص.

والتحقيق . هو ما أشار اليه ابن المالك صاحب الألفية ان الاسناد اللفظي ليس من خصايص الاسم بل انّ ما يخصه هو الاسناد المعنوي ففي ( من حرف ) يكون كلمة ( حرف ) محمولاً للفظ مِن و قد عرفت انّ المحمول تارة يكون محمول اللفظ و قد يكون محمول المسمى كزيد قائم لوضوح انّ اللفظ ليس بقائم و لا قاعد و أما في ( زيد ثلاثي ) فالثلاثي محمول لنفس لفظ زيد فهنا انّما ذكر الموضوع بلاواسطة و أما القائم في المثال فهو لارائة الموضوع أي شخص زيد و ذلك بتوسط اللفظ . ففي القضايا التي يحصل الاحتياج فيها الى لفظ يكون مرآتاً لارائة الموضوع يكون الاسناد معنوياً لا لفظياً.

فالمسند اليه ان كان موضوعاً لنفس اللفظ والمحمول أيضاً كذلك فهذا الاسناد لفظي فيجري في الاسم المهمل والمستعمل و في الفعل والحرف و أما اذا كان المحمول محمولاً لللفظ بتوسط لفظ المحمول و كان مرأتاً للموضوع فهذا لاسناد معنوي يختص

ص: 63

بالاسم و يكون من علاماته ولا يجري في الفعل والحرف ولا في الاسم المهمل.

والعجب من ابن هشام حيث لم يفهم مراد ابن مالك و لذا طعن على أبي حيان و نسبه الى التقليد لوهم ابن مالك مع انّ كلام ابن مالك و أبي حيان منبعث عن في المقام و لكنه لم يصل الى مرادهما فقال ( أي ابن هشام ) : ان ضرب في ( ضرب ماض ) ليس فعلاً لعدم وجود فاعل له . مع انّك عرفت ما فيه بأنّ فعلية الفعل ليست بتوسط الاستعمال بل يكفى بالوضع فضرب فعل استعمل فيه أو لم يستعمل . إذ انّ اللفظ له لحاظان فتارة يُلقى في مقام التعداد من غير استعمال فتقول . فرس . زيد . كتاب . أسد . فالألفاظ هنا لم تقع واسطة لمعنى وتارة يُلقى بعد الوضع في مقام الاستعمال فاللفظ أما اسم أو فعل أو حرف استعمل أم لا ؟ و عدم وجود الفاعل والمدخول والمتعلق فرع عدم الاستعمال فقط . فإن قلت . انّ اللفظ الصادر شخص من نوع و قولك ( اسمٌ ) صفةٌ للنوع . قلت . نعم و لكن المحمول هنا مع قطع النظر عن الشخص فقولك زيد اسم أي اللفظ المتهيئ بهذه الهيئة اسم . فلاحظ.

استعمال اللفظ فى أكثر من معنى

إنّ الحق في هذه المسئلة يتبين من مطاوي كلماتنا السالفه و هو أنّه لا يجوز. ذلك بل لا مجال له فانّ عنوان المسمى الذي يقع مرآتاً لذات المسمى يكون عمومه بدلياً بالبداهة لا شمولياً مع انّ لازم ارادة معنيين من اللفظ الواحد يستلزم كون عمومه شمولياً و هو لا يجامع العموم البدلي المفروض و ذلك لأنّ محل البحث في هذه المسئله على حسب تصريحهم بذلك هو أن يكون كل من المعنيين أو المعاني مستقلاً في الحكم و مناطاً للنفي والاثبات كذلك بأن يكون كل منهما كذلك في عرض الآخر و

ص: 64

منافاة ذلك للعموم البدلي واضح . وكأنّ ذلك كان مرتكزاً في نظر صاحبي المعالم والقوانين قدس سرهما لكنهما لم يحققاه تماماً و لهذا وقعاً موقع الاعتراض والايراد ممن أتى بعدهما أما صاحب المعالم فلذهابه الى أخذ الموضوع له مقيداً بقيد الوحده و لازم استعمال اللفظ في أكثر من معنى اسقاط القيد المذكور و الغائه و هذا ينتج استعمال اللفظ في جزء معناه و لهذا أجاز ذلك بعنوان المجاز دون الحقيقه(1). و فيه . ان قید الوحدة ليست جزء ماوضع له والوحده أنّما هي في عنوان المسمى الذي هه واسطة و لو زالت هذه الواسطه لم يكن الاستعمال بصحيح أصلاً و هذا العنوان يكون بالنسبة الى كل من المعنيين بدلياً واستعمال اللفظ في أكثر من معنى متوقف على كون العموم شمولياً . فلذا لايجوز هذا النحو من الاستعمال فهو قدّس اللّه سره قد التفت الى وحدة في البين إلّا أنّه تخيل انّها في طرف الموضوع له و لذا قال انّه بعد حذفها لا مناص من القول بالتجوز لاستعمال الكل في الجزء .

و أما صاحب القوانين. فهو قدِّس سرُّه قد التفت الى أن الوحدة ليست قيداً للموضوع له و لذا ذهب الى أنّ الموضوع له وضع له اللفظ في حال الوحده فالواضع وضع اللفظ للمعنى في حال وحدة المعنى وانفراده و هذا الحال ينافي استعمال اللفظ في أكثر معنى أي في غير حال الانفراد إلّا برخصة من الواضع فيجوز حينئذٍ و لكن الرخصة مفقوده فالمرجع هو عدم الجواز(2) و قد أورد عليه صاحب الفصول(3) بأن حال الانفراد مما لا يفيد فايدة في حد نفسه نعم لو كان قيداً في جانب المعنى فالاستعمال غير جايز و ليس ممنوعاً عند عدم اشتراط الوحدة ضرورة ان الأسماء تصدق عند تفسير الحال

ص: 65


1- معالم الأصول : ص 33، طبعة عبدالرحيم الحجرية .
2- القوانين المحكمه : ج 1 ، ص 67 ، طبعة عبد الرحيم الحجرية
3- الفصول الغرويه : ص 55 ، الطبعة الحجرية

فی مسمياتها حيث لم يعتبر بقائها في التسميه فزيد زيد في صغره و في كبره و أما لو كان الانفراد قيداً في الوضع فهو معنى بشرط الوحده و قد أنكره .

والحاصل ان عنوان المسمى ينطبق على كل واحد من المعاني لا مجموعها و هذا العنوان لازم حتى يكون محل الانطباق معلوماً من قبله لا ان اللفظ قد استعمل في محل الانطباق بل هو وجود المسمى و هو لا ينفك عن الوحده الوحده اذ معنونه دائماً واحد بعنوان التعيين بدلاً لا شمولاً .

و من هنا يتبين انّ ما في الرواية الشريفه ( انّ الاسم ما أنبأ عن المسمى) من جملة أسراره و نكاته هو استحالة هذا النحو من الاستعمال.

و مما نسب الى السكاكي في المقام من أنّه لو أريد أحد المعنيين أو المعاني لا على التعيين كان الاستعمال حقيقة فإذا قلت جئني بعين . أي عين واحدة لا معيناً و أورد عليه التفتازاني بأن هذا ناشِ من وضع هذا اللفظ لكل واحد من المعاني فيتعلق بأحدها بتبع هذا الوضع فردّ على السكاكي بأنّ الوضع تعلق بكل منها على سبيل البدل و هذا ینافی الاستعمال فی اکثر من معنی.

و لكن قد ظهر بما بينّاه أن السكاكي كان ملتفتاً للأمر اذ عنوان المسمى لما كان على سبيل الحقيقة منطبقاً على المحل فقد أريد المعنى المنطبق عليه فهو حقيقة فيه فهو منظور كذلك بعمومه البدلي .

اذا دار أمر اللفظ بين أمرين فلا حجية لأحدهما على الآخر و لا دليل على ترجيح بعض من دون الرجوع الى الموارد بل الحال كذلك غالباً حتى بعد حتى بعد الرجوع اليها . مثال ذلك . اذا دار الأمر بين الاشتراك اللفظي والمعنوي فالترجيح للثاني في

ص: 66

الأغلب حتى قال بعضهم بعدم وجود الاشتراك بتاتاً و هذا كما ترى ليس سوى ادعاء فمن جملة موارده كلمة الادراك فتوهم بعض باشتراكه لفظياً بين الاتيان بالفعل ( كما في من أدرك ركعة من الوقت الخ ) و بين الكون تقول أدركت عصر فلان أي كنت في عصره و بين العلم مثل أدركت المطلب أي علمته و بين البلوغ والوصول و غير ذلك . و لكن هذا من الاشتراك المعنوي لوجود الجامع بين موارده و هو عبارة عن الوصول واللحوق كما مر سابقاً و هذا يعبّر عنه في المطالب المعقولة بالعلم و أما في المحسوسات فالحسي لو كان مأتياً به كان الادراك بمعنى الاتيان و إلّا فبمعنى الكون و بمعنى الأخذ فى مثل يا مدرك الهاربين اذ المراد بدرك الهارب أي الوصول اليه و أخذه . والحاصل انّ الموارد هى التى تعطى الخصوصيات و إلّا فأصل المعنى هو الجامع و لو كان الاشتراك لفظياً لزم استعمال العلم في مورد الفعل مثلاً فتقول من أدرك ركعة أي من علم ركعة اذ استعمال اللفظ في أحد المعاني المشتركة ( اذا صلح المورد ) أمر اختياري لا ممنوع .

و مِن الأمثله . صيغة أفعل لاستعماله فى الوجوب والندب والاباحة والتعجيز والسخريه والتهكم و غير ذلك على ما يأتي تفصيله موضوعاً و حكماً .

و منها . العلم ( على ماسبق سابقاً ) فقد ذكر له صاحب الفصول خمسة معان التصديق والعرفان والادراك الجامع بين التصور والتصديق والحال والملكة والمسائل .

و يرد عليه ما أوردناه فيما مضى أنّ هذه ليست معاني عديده حتى يتوهم اشتراكه بينها بل انّ المعنى الجامع للعلم هو الانكشاف و هو امّا ثبوتي أو تميزي فانكشاف زيد تميزه عن عمر و بکر و خالد و اذا علمت أنّه قاعد أو قائم كان الانكشاف ثبوتياً لانكشاف ثبوت القيام له فالجهل امّا من حيث ثبوت النسبة و امّا بالموضوع من حيث عدم التميز و أما الادراك فلو أريد به الخطور الذهني تبعاً لتوهم

ص: 67

التفتازاني لذلك فالمعلوم ان العلم لغة لم يوضع له و أما العرفان فهو مرحلة من العلم و أما الحال والملكة فهما وصفان لمفهوم واحد من حيث رسوخ العلم و عدمه و أما المسائل فهي ليست علماً مطلقاً و اطلاقه عليها حقيقة غلط إلّا باعتبار انّها عبارة عن انكشاف الجزئيات فلذا كانت معدة للعلم فإطلاق العلم عليها مبالغة كاطلاق عدل على زيد.

و منها العين . و هذا أيضاً من المشترك المعنوي والجامع هو التعين فعين البلد هو شريفه و شاخصه تقول الأعيان والأشراف فكأنّ تعين البلد بهم . و و أعضاء البدن تعينها بالباصره فيقال لها عين الى آخر معانيها .

والمتحصل . إنّا لاننفى الاشتراك اللفظي لكنّه اشتبه الأمر في كثير من الموارد لكونها من الاشتراك المعنوي و لكن اشتبه باللفظي(1).

ص: 68


1- لا يخفى أنّ هذا المبحث و ان انعقد بعنوان تعارض الأحوال لكن المقدار المحرر منه في المقام أنسب بأن يندرج في بحث المشترك لعدم تعرض فيه المسئلة أحوال اللفظ الخمسة ( الاشتراك والمجاز والتخصيص والنقل والاضمار ( و حکم تعارضها و ترجیح بعضها على البعض الآخر حسب ما اصطلح عليه في كتب الأصول و من المظنون ان الأستاذ المحقق له قد بحث هذا المقدار قاصداً الورود فى باقى أحوال اللفظ و تعارضها لكنه لم نوفق نحن للحضور في باقي جلسات درس هذا المبحث و لا يحضرنى الآن ) مع بعد الزمان ( ما هو السبب في بقاء هذه المسئلة ناقصة والكمال لله تعالى وحده . المقرر

اللفظ ان استعمل فيما وضع له فحقيقة و إلّا فمجاز والمصحح للاستعمال المجازي وجود العلاقة بين المعنيين الحقيقي والمجازي و قد قسموا ما به يصح هذا الاستعمال الى الاستعارة والمجاز المرسل فإن وجدت الشباهة التامه في أظهر الخواص فهو الأول و إن لم يكن كذلك بل كانت العلاقة بالجزء والكل أو عكسه أو السبب والمسبب أو الحال والمحل أو العموم والخصوص أو عكسه أو غير ذلك فهو الثاني و تسمى هذه بالعلائق المرسله . ثم انهم قد اعترفوا بثبوت الاطراد في الاستعاره سواء في ذلك الأحكام والموارد و ليست كذلك العلائق المرسله فإنّها لا اطراد فيها فيصح أن يقال عتق رقبه و فك رقبه و ملك رقبه و تحریر رقبه دون مجيئ رقبه و إطعام رق-به و ذهاب رقبه مع أنّها الجزء الأعظم فلذا توجه عليهم الاشكال بأن لازم كون هذه العلائق مصححة للاستعمال ثبوت الاطراد بالنسبة اليها أيضاً كما فى الاستعاره .

و قد تفضى عنه بعضهم بأن الشباهة علة تامة للتجوز بخلاف العلائق فانّها مقتضيات له و امکان اقتران المقتضى بالمانع و عدم ترتب الأثر على المقتضى حينئذٍ أمر معلوم و إن لم يُعلم المانع بعينه و ذهب صاحب القوانين قدّس اللّه سره الى أنّ الاقتضاء انّما هو في صنف من الأصناف أو نوع من الأنواع و ان لم يكن معلوماً بعينه و بعض المتأخرين الى أنّها مصححة للاستعمال فيها اذا استحسنه أهل اللسان دون ما كان مستهجناً عندهم(1).

و هذه الأجوبة كلها مردودة . أما الأول فلأنّه تخرص بالغيب لامكان ان

ص: 69


1- القوانين المحكمة : ج 1 و ساير الكتب الأصولية مبحث مقدمة مباحث الألفاظ

يكون الوجه في صحة الاستعمال مع عدم الاطراد أمراً آخر غير ماذكر فلا موجب لاستنادها الى علاقة الجزء والكل أو غيرها حتى يتطرق امكان المانع و يوجه الاحالة الى أمر مجهول و سيوافيك تحقيق الحق فيها عن قريب و هكذا الحال بعينه بالنسبة الى الجواب الثاني على أنّ فيه ترجيحاً بلامرجح و أما الثالث فأوضح فساداً اذ توقف صحة الاستعمال على عدم الاستهجان يفضي الى الدور كما هو ظاهر بأدنى تأمل . على أنّه لا يفيد ضابطة في المقام تكون و مع الرجوع الى مرجعا يتمسك بها . أهل اللسان و تحصیل موارد استهجانهم واستحسانهم لا احتياج الى وضع العلائق والبحث عنها و تضييع العمر بذلك . هذا.

والذي يتحصل بعد اعطاء النظر حقه انّ العلائق المرسلة لا تكون منشاءً لصحة الاستعمال بل المنشأ أمر آخر و تحقيق ذلك يتوقف على بيان مقدمة . فنقول:

إنّ الاتحاد بين المعنيين الحقيقي والمجازي له ثلث مراتب مختلفة في الشدة والضعف . احديها التشبيه نحو زيد كالأسد والثانية الحمل تقول زيد أسد أو الأسد زيد والثالثة الاستعمال نحو جائني أسد فكل هذه المراتب تكشف عن وجود اتحاد بين المعنيين إلّا أن الاستعمال أقوى من الحمل و هو أقوى من التشبيه اذ المغايرة غير ملحوظة في مورد الاستعمال بوجه بل يعامل معها معاملة المعدوم و لكنها في الحمل موجودة و أما التشبيه فلحاظ المغايرة فيها أوكد منها في الحمل . و من هذا التقسيم تعرف أنه لو كانت العلائق المرسلة مصححة للاستعمال والاتحاد لزم ان تكون منشاءً للاتحاد فى الحمل الذي هو اضعف من الاستعمال بطريق أولى اذ من الواضح لزوم كون منشأ الصحة في الاستعمال الذي هو أقوى مراتب الاتحاد موجوداً في المرتبة التي دونها في القوة أعني الحمل مع انّه لا يصح قولك زيد رقبة و هذا أدلّ دليل على أنّها ليس لها أي أثر في الحمل فكيف في الاستعمال .

فإن قلت . هذا هدم لما بناه القوم و معذلك فإنّا نرى بقاء صحة الاستعمال فما

ص: 70

هو المستند له؟

قلت . ان الاستعمال في هذه الموارد لا يخلوا عن أحد وجوه ثلثه . فإنّ بعضها حقايق من دون أي تجوز و بعضها من الاستعارة المقيده والبعض الآخر تجوز في الاسناد . أما الأول فكقوله سبحانه تعالی: ( يجعلون أصابعهم في آذانهم)(1) فما انّه لا يمكن جعل جميع الاصبع في الأذن سوى الأنملة ذهبوا الى ان ذلك مجاز بعلاقة استعمال الكل في الجزء و لكنك خبير بأنّ في تعلق شيئ بشيئ على وجه الحقيقة لا يلزم سوى أدنى تلبس و الا لزم ان يكون قولك رفست فلاناً برجلي و ضربته بيدي و لطمت وجهه مجازاً مع ان هذه حقايق و لم يجعلوها من باب استعمال الكل في الجزء و أما الثاني فكقول الشاعر : أسد على و في الحروب نعامة فإنّ الشباهة بالأسد في الشجاعة حيث اختصت هنا بمورد خاص فلابد من ذكره مع قيده و هكذا الحال في عين القوم و لسان القوم و سيف اللّه و يد اللّه و أسد الله فانّ الملاك فيها و في أمثالها واحد و هو اختصاص الشباهة بمورد خاص والاستعارة المقيده لاتخص علاقة الجزء والكل والدليل عليه صحة قولك عين اللّه وسيف اللّه ونحو ذلك مما مرّ وكذا لا تكون صحة الاستعمال دائراً مدار الجزء و إلّا لم يصح قوله صلی الله علیه و آله و سلم : علي منّي بمنزلة هارون من موسی (2) أو على هارون محمد صلی الله علیه و آله و سلم بل يدور مدار أمر قد ينطبق على الجزء والكل احياناً وقد ينطبق على غير ذلك و أما الثالث فمنه عتق الرقبه و فك رقبه و ملك رقبه تحرير رقبه والاستعمال في هذا القسم لا يكون مطرداً و ان كان الجزء رئيسياً ينتفي بانتفائه الكل فإنّ هذه الصفة غير مختصة بالجزء بل تترتب على فرى الأوداج و أخذ الدم و نحوهما أيضاً مع ان الاستعمال فيها غير صح ان الاستعمال فيها غير صحيح . و اذا بلغ الكلام الى هنا

ص: 71


1- سورة البقرة : آية 19
2- حديث المنزلة . المتواترة فى كتب الفريقين فراجعها

فينبغي تحقيق معنى الاستعمال لتتضح حقيقة الحال . فنقول : ان مفروض الكلام من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس فيكون أطرافه بمنزلة أطرافه فانّ التصرف الحسي على أفراد من الملك يتحقق بالقاء حبل على غارب المملوك والأخذ بطرف الحبل و هذا بالنسبة الى المالك يسمى ملك اليمين و بالنسبة الى المملوك يسمى ملك الرقبه فانّ للمالك سلطنة على المملوك و أحاطة فقد شبّه التصرف والملك المعنوي بالحسي و هذا مخصوص بمسئلة الملك و ما يرتبط به من الفك والتحرير والعتق دون مثل الذهاب والاياب والتعلم والتعليم و غير ذلك فلا يطرد فيها.

فإن قلت . فالرقبة بناء على ماذكر لم تستعمل إلا في معناه الحقيقي و انّما الملك الذي يسند الى الشخص قد أسند هنا الى الرقبة فما الوجه في اسناد الايمان اليها في قوله سبحانه تعالی : (رقبة مؤمنه) لوضوح انه صفة لا ارتباط لها بالملكية ؟

قلت . لما كان اسناد العتق الى الرقبة نازلاً منزلة الشخص فلنزول الايمان أيضاً منزلته مجال فهذا تجوز في الاسناد يعني اسناد الشيئ الى غير من هو له بعد تنزيله منزلته.

فإن قلت . لو كان المقام من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس لزم صحة استعمال ما يرادف الرقبة من جيد و عنق و نحوهما مكانها مع ان ذلك لا يصح.

قلت . إنبا لا نسلم وقوع الترادف في اللغة بل كل ما يُعدّ من المترادفات انّما هی ألفاظ متقاربة المعنى يفترق كل منها عن غيرها في خصوصية(1) فاختصاص الرقبة بالملك انّما هو بملاحظة خصوصيات في الرقبه لا توجد في ما يقاربها من الألفاظ منها امتيازها عن غيرها بمصاحبتها معنى الاحاطة والسلطة والتفوق على صاحبها وهذا

ص: 72


1- راجع للتعرف على ذلك مبحث الترادف في هذا الكتاب ، ص 91

أمر يطرد في الشرعيات أيضاً كما تقول لي حق على رقبة فلان و كذا عتق الرقبه و تحريرها و فكها . و أما الجيد فهو مأخوذ من الجيد في مقابل الردئ حيث أنه محل للتزيين و تقليد القلادة عليه و أما قوله سبحانه تعالی: ( في جيدها حبلٌ من مسد)(1) فتعريض كما لا يخفى . و أما العنق فيمتاز بارتباطه بمورد المسد والضرب فيستعمل فيها .

والحاصل ان كل مورد توهم فيه التجوز باعتبار علاقة الجزء والكل أو غيرها من العلائق المرسله فخطاء و ذهول فلنذكر جملة منها و بيان ما هو الحق ليتّضح الأمر.

فمنها . علاقة الحال والمحل كما في أسئل القرية أي أهلها . فذهب بعضهم الى انّه مجاز في الحذف و بعضهم الى انّه مجاز في الكلمه . ولا يكون شيئ منهما في محله . أما الأول فلأنّ حذف الأهل و اسناد السؤال الى القرية لابد له من مصحح و إلّا لم الحذف والاسناد ثم لا دليل على تعيين المصحح في مجاز الحذف فإنّ معنى هذا المجاز هو صحة النسبة باعتبار المحذوف و لو كان الأمر كذلك لم يكن محل للاسناد الى القرية بل لابد من الاضافة الى القرية و تقدير المضاف فاللازم تحقيق ان المصحح هل هو التجوز في الكلمة أو شيء آخر ؟ سیمّا و انّه لو كان أصل الحال والمحل علاقة لزم ان يكون مطرداً و من البديهي عدم صحة قولك أسئل البساط أو أسئل الحصير.

فنقول : انه اذا اشتهر أمر في بلد بحيث ذاع و شاع فيه و صار من الواضحات صح اسناده الى نفس البلد باعتبار انّه من متعلقاته بحيث يرتفع معه تعين الأشخاص و معلوميته لدى فرد أو جماعة معينين فلا احتياج الى السؤال عنه واستطلاعه من العالمين به والمطلعين عليه بل يقال : (واسئل القرية التي كنا فيها)(2). و مما يرشد الى ما أوضحناه أنّه لو كان الحال والمحل علاقة للزم ان يكون الركوب أيضاً من جملة العلايق و يزاد عليها علاقة الركوب لقوله سبحانه تعالی بعد ذلك (والعير التي

ص: 73


1- سورة أبي لهب : آية 5.
2- سورة يوسف : آية 82 .

أقبلنا ) مع انه واضح البطلان بل لم يتفوه بهذه العلاقة أحد .

و منها . علاقة السبب والمسبب . وقد مثلوا لها بأمثلة . منها البيع حيث اختلف في أنّه هل هو حقيقة في السبب و مجاز في المسبب أو بالعكس فقد يطلق تارة على السبب كتعريف الشهيد له بأنّه الايجاب والقبول الدالان على نقل الملك(1) و أخرى على المسبب كالتعريف الآخر له بأنّه مبادله مال بمال(2) و عليهذا فالفسخ ليس راجعاً الى أصل الانشاء بل يكون ناقضاً للأثر المترتب عليه اذ لو كان نقضاً للانشاء لرجع الى بطلان البيع من أول الأمر مع انه نقض للآثار من حين الفسخ. و من الأمثلة الطهارة فإنّها تطلق تارة على نفس الوضوء والغسل والتيمم كما عرفها الشهيد قدِّس سرُّه(3) بأنّها استعمال طهور مشروط بالنية و أخرى على الأثر الحاصل من الأفعال الثلثة فالحدث لا ينقض الأفعال من أول الأمر بل يزيل الأثر المترتب عليها.

والتحقيق . ان السبب والمسبب قد يكونان متباينين و قد يتحدان وجوداً و يختلفان بالاعتبار والأول كالخالق والمخلوق والنجار والسرير والبناء والبناء . فهنا لا يمكن اطلاق أحدهما على الآخر بداهة ان قول القائل فرضاً رأيت السرير قاصداً به النجار أو العكس غلط فاضح و أما الثاني فكالتأديب بالنسبة الى الضرب والاتحاد هنا أمر منتزع و من المعلوم ان وجود المنتزع خارجاً عين وجود منشائه و لكن نقول من باب المقدمة انّ الانتزاع قسمان انتزاع من حدوث وانتزاع من وجود . توضيحه ان الأمر المنتزع قد يدور مدار منشأ الانتزاع حدوثاً و بقاءً كالفوقية والتحتية المنتزعتين من تقابل الجهتين فيدور المنتزع مدار التقابل فلو زال التقابل زالت الجهتان و قد لا يدور

ص: 74


1- اللمعة الدمشقية : ص 109.
2- راجع المتاجر للشيخ الأعظم الأنصاري قدِّس سرُّ.
3- اللمعة الدمشقية ، ص 2

بقاء الأمر المنتزع مدار منشائه كحدوث علقة الازدواج الذي يستند الى صدور (انکحت و قبلت) فلايستند بقاء الأثر الى بقاء الانشاء لزوال الانشاء و هكذا حال ساير العقود والايقاعات و كانتزاع الطهارة عن الأفعال الثلثه وانتزاع الح--دث ع--ن سببه . و بناء على ماذكرنا من عينيّة الأمر المنتزع لمنشأ الانتزاع صح اطلاق الطهارة على الأفعال المذكورة لعدم وجود مغايرة في الخارج بين الأمرين و كذا البيع والنكاح و غيرهما فجميع الموارد التي ينتزع فيها المسبب عن السبب لا يكون من الاستعمال في غير ما وضع له حتى يستند الى علاقة السببية والمسببية فالطهارة أطلقت على معناها الحقيقي سبباً كان أم مسبباً فإنّها عين الوضوء والغسل والتيمم لاتحاد الأمرين في الخارج كما في زيد قايم و عليه فلا مجال لتوهم المجاز أصلاً كما انه لم يكن اطلاق أحدهما على الآخر في الصورة الأولى أصلاً حتى يكون على وجه الحقيقة أو المجاز .

ثم انّه قد تبين مما حققنا ان ما اشتهر بينهم و تسلموا عليه قديماً وحديثاً من ادراج مفعول في جملة المفاعيل يسمى مفعولاً لأجله باطل لا أساس له . بيان ذلك ان في قولك ضربت زيداً تأديباً لا يلحظ التركيب من حيث الع-لية بين التأديب والضرب بل النظر أنما هو الى جهة الاتحاد بينها اذ الشروط الثلثة التي هي اجتماعها لنصب الكلمة في المقام أعني كونها مصدراً واتحاد فاعل المصدر مع فاعل الفعل والاتحاد بينهما في الوقت انّما تنظر الى الاتحاد بين السبب والمسبب لا الى الاختلاف بالعلية والمعلوليه و إلّا لكان لازم ذلك صحة التركيب في كل مورد صحّ فيه ورود لام التعليل . و بعبارة أخرى . انّهم قد قسموا التميز الى ما يرفع الابهام عن النسبة و ما يرفعه عن الذات فإنّ المميّز (بالفتح) قد يكون مبهماً في قطع النظر عن النسبة كالعدد فإذا أتى بالتميز و قيل : منوان عسلاً و تمراً فقد ارتفع الابهام و قد يطرء الابهام من جهة النسبة كما في طاب زيد فزيد مع قطع النظر عن الطبيب معلوم لا جهل به و انّما عرضه الابهام من جهة الطبيب و هل أنّه من جهة

ص: 75

العلم أو الأب أو النفس فإذا قلت طاب زيد نفساً زال الابهام العارض من قبل المسند اليه . هذا.

و لكن لا يخفى عدم اختصاص الابهام في النسبة بالمسند اليه بل هنا قسم آخر و هو عروضه من طرف المسند كما في ضربته تأديباً فالضرب مبهم لا مكان أنّه صدر امّا عن ظلم أو تأديب أو قصاص أو غير ذلك فإذا جئت بالمصدر أي التأديب تعين فيه وارتفع الابهام. فظهر ان اقسام الابهام ثلثه و ان محل البحث عن الابهام في المسند هو مبحث التميز لا المفاعيل فلا وجه لزيادة مفعول عليها .

نعم . قد تفطن الزجاج من بينهم الى ذلك حيث ذكر انّ النظر في المفعول لأجله انّما هو الى جهة الاتحاد بين الفعل والمصدر و لكنه لم يكمل التحقيق في المقام فإنّ معنى ( المفعول لأجله ) هو انّ النظر في التركيب الى كون الضرب معلولاً عن التأديب و بذلك يرجع الاشكال المتقدم و هو استلزام ماذكروه ان تكون الهيئة التركيبية مفاد لام التعليل و هذا واضح البطلان سیمّا و انّه لو كان كذلك لما كان الأمر منوطاً باجتماع الشرايط الثلثة المتقدمه اذ اجتماعها انّما هو باعتبار تحقق اجتماع المصدر مع الفعل .

تنبيه . ان الحقّ في أكثر موارد الاختلاف في أمثال هذه المسائل إنّما هو مع الكوفيين و مذاهبهم أصوب غالباً من البصريين فانّ الأولين يؤل أمرهم الى أبي الأسود الدئلي و هو الذي أخذ النحو و تعلّمه من مولينا عليّ أمير المؤمنين عليه و آله الصلوة والسلام ثم زاد عليه و نشره بأمره المطاع و أما البصريون فيستندون كثيراً الى انظارهم واستنباطاتهم فلذا وقع في أغلبها الخطاء والخُلف.

و منها علاقة العموم والخصوص و هي قسمان استعمال العام في الخاص و عكسه أما الأول فقد مثلوا لها بأمثلة منها الاستثناء حيث انّ العلماء في قولك اكرم العلماء إلّا البصريين عام و اذا جاء الاستثناء فلو بقى العام على عمومه لزم التناقض بين صدر الكلام و ذيله و بناء على ذلك فقد استعمل العلماء من أول الأمر في غير

ص: 76

البصريين فالمستعمل عام والمراد به هو الخاص والقرينة قيام الاستثناء .

والصحيح . أنّ هذه الأمثلة والموارد ليست من باب استعمال العام في الخاص ليكون مجازاً و يحتاج الى علاقة فانّ ما ألزمهم الى القول بالتجوز فيها هو توهم التناقض المذكور و لكن من المعلوم عدم تطرقه في المقام بوجه اذ التناقض انّما يتصور فيما اذا استقرّ الأمر في العموم واستعمل العام فيه و هذا غير متحقق من أول الأمر فإنّ للمتكلم مادام متكلماً أن يلحق بكلامه ماشاء من اللواحق و هذا كلام أشهر من أن يخفى و أظهر من أن ينسى فلو قال أحد لفلان علىّ ألف درهم . لم يحكم عليه بالاقرار فوراً و بمجرد صدور هذا الكلام منه إلّا اذا تم كلامه و سكت و لم يقيد فيحكم عليه بذلك و اما لو قال عقيب كلامه من غير فصل( إلّا ثلثمائة) فلا يحكم عليه إلّا بسبعمائة فقط و هذا واضح اذ لو كان كلامه مستقراً في الاقرار ابتداءً لزم منه الانكار بعد الاقرار فيها اذا أعقبه بقوله إلّا ثلثمائة و لزم أيضاً أن يكون القائل بكلمة لا إله إلّا الله كافراً ثم يصير مؤمناً - والحاصل انّه لا يستقر الكلام في أيّ معنى إلّا بعد فراغ المتكلم عنه و سكوته عليه و إلّا فبمجرد اطلاق العام واستعماله في العموم لا يحكم بذلك مع قابليته لأن يخصص واحتمال وروده عليه فإذا سكت و لم يخصص فهو محكوم بالعموم و ان أتى بالخاص فلا . فظهر أنّه لا مجال لتوهم تناقض أو تجوز و إن شئت تفصيل البحث فنقول :

اذا قيل اكرم العلماء إلّا زيداً لا يكون الاستثناء تخصيصاً في عموم الموضوع لعدم خروج زيد بذلك من أفراد العلماء بل انّما التخصيص في عموم الحكم و أنّه لا يجب اكرام زيد العالم . و عموم الحكم يستفاد من هيئة التركيب و لفظ العلماء قبل ضم لزوم الاكرام لا نظر له الى حكم فوضعه الافرادي راجع الى عموم الموضوع و هذا العموم يتبعه عموم الحكم بمعنى انّه اذا صدر الأمر بالاكرام و كان لفظ العلماء مفيداً للعموم فلزوم الاكرام يشمل الجميع فلا يستند عموم الحكم كما عرفت الى اللفظ

ص: 77

بل الى الهيئة التركيبية و هي التي تفيد العموم لكن لا على الاطلاق حتى يتوهم التناقض بل عموماً اقتضائياً أي يفيده لو لا عروض قيد له والتقييد ليس تناقضاً كما لا يخفى و هذا معنى قولهم للمتكلم مادام متكلما ان يلحق بكلامه ماشاء و يرشد الى ماذكرنا من كون مفاد الهيئة هو العموم الاقتضايي انّه لا فرق بين قوله اكرم زيداً و قوله اكرم العلماء فإنّ مفادهما واحد لوحدة النسبة إلّا انه في الأول خاص لخصوصية مورده و في الثاني عام لعموميته وعليهذا فعمومية العموم انّما تكون باعتبار المورد فلاينافيه مجيئ الخصوص عقبيه بل هو مستلزم لتخصيص المورد بهذا المقدار فالنتيجة الى حد الآن انّ العام لا يستعمل في العموم ابتداءً حتى يكون الخاص مستلزماً للتجوز فيه لنحتاج الى قرينة بل التخصيص انّما هو في عموم الحكم و هو غير مستند الى الهيئة خصوصاً بناءً على ماذهب اليه ( ابن مالك ) و غيره من انّ دلالة الهيئة التركيبية عقلية لا وضعيه مستدلين عليه بأنّ الألفاظ المعهودة معانيها من قبل أهل اللغة اذا ركّبت بعضها مع بعض كزيد قايم أفاد الحمل بمجرد التركيب والعرف يفهم ذلك و يعرفه . هذا أولاً.

و أما ثانياً - فإنّه لو صح ماذكره القوم لزم أن يكون مطرداً مع ان عدم الاطراد أمر واضح و هم معترفون به اذ لو أطرد استعمال العام في الخاص أوجب ذلك امكان استفادة الخاص من كل عام مثل ان تقول جائني هذا الحيوان و تقصد به زيداً. مع انه كما ترى .

و أما القسم الثاني . و هو استعمال الخاص في العام . مثل لفظ زيد حيث انّه قد يستعمل في معناه الأصلي و أخرى في المسمى بزيد على وجه العموم و بهذا الاعتبار يقبل التثنية والجمع اذ مع فرض استعماله في الخصوص لم يقبل التعدد و ان اكتفى بعضهم بالاتفاق في اللفظ لكنه بعيد فإنّ أداة التثنية والجمع وضعت لتعدد مدخولها إن كان المدخول مما يقبل التعدد و هذا الشرط يتحقق فيما اذا كان المعنى خاصاً نحو قول

ص: 78

الشاعر : ( على زيدنا يوم النق رأس زيدكم ) حيث أريد في كل من الموردين زيد خاص والحاصل ان لفظ زيد يستعمل تارة في ذات المسمى و هو الشخص المعين و أخرى في عنوان المسمى والاستعمال الأول حقيقي مستند الى وضع اللفظ والثاني مجازي غير مستند كذلك.

أقول : هذا القسم أيضاً مما لا أصل له و لا أساس والوجه في ذلك :

أولاً . اعترافهم مع قضاء البداهة بعدم اطراد استعمال الخاص في العام و هذا دليل على عدم صحة الاستعمال والألزم ان تصح ارادة الجسم النامي أو الجسم المطلق من استعمال لفظ الانسان ثم يحمل الانسان على الحجر فيقال هذا الحجر انسان و يلزم صحة ان تقول هذا الحمار انسان أو تقول ركبت على انسان أي على حمار فالمصحح للاستعمال لابد وان يكون أمراً آخر.

ثانياً . الإستعمال في المقام نوعان على ما هو المدعى أحدهما في المسمى والثاني في ذات وضع لها اللفظ مع حفظ علقة التسميه بين لفظ زيد و معناه . فلابد هنا من تحقيق في المقام حتى يتضح الحق . فنقول :

الوصف الذي يؤخذ في موضوع القضية اللفظيه على ثلثة أقسام اذ قد يكون تارة معرفاً للموضوع فقط من دون ان يكون له مدخلية في الحكم أصلاً كما في قولك قلّد هذا الجالس فالتقليد لا يرتبط بالجلوس كما هو واضح و قد يكون للتنبيه على عموم الحكم بمعنى ترتيب الحكم على هذا الوصف لدفع توهم سقوط الحكم كما تقول تجب الصلوة على المريض فإنّه مثلاً لما كان الصوم ساقطاً عنه فلتوهم سقوط الصلوة عنه أيضاً مجال فيؤتى بالوصف و يقال تجب الصلوة على المريض أي كما تجب على الصحيح و قد يكون الوصف عنواناً يدور مداره الحكم كقولك قلد المجتهد العادل الأعلم فيكون الحكم تابعاً لهذه الأوصاف الثلثه فبإجتماعها يثبت الحكم ففي هذا القسم يكون موضوع الحكم ابتداء هذا العنوان الكلي ومعروض الوصف موضوع

ص: 79

ثانوي للحكم كما قوله سبحانه تعالی: (إنّما الصدقات للفقراء)(1) الخ فزيد الفقير يستحق الزكوة لا من باب انّه زيد بل من باب انطباق عنوان الفقر عليه فلو زال الفقر زال استحقاق الزكوة فكلما وجد الوصف وجد الحكم وكلما ارتفع ارتفع . و محل هذا العنوان هو كل مورد يكون فيه مبدء الوصف علة لثبوت الحكم بحيث يدور مداره حدوثاً و بقاءً فالوصف هنا موضوع للحكم كما في الآية الشريفه.

اذا تبين ذلك فلابد من تحقيق انّ الاستعمال هل هو نوعان أحدهما في الذات والآخر في المسمى أو ليس في البين استعمال واحد و على الثاني فهل هو حقيقي أو مجازي ؟ فنقول :

قد عرفت انّه اذا كان مبدء الوصف علة للحكم فالوصف عنوان للحكم و من المعلوم كما مرّ اعتبار بقاء علقة التسميه بين اللفظ و معناه و أما تطبيق ذلك على المقام فيظهر مما قال مولينا علي أمير المؤمنين علیه السلام في حديث أبي الأسود الدئلي في تعريف الاسم ( الإسم ما أنبأ عن المسمى ) و من البديهي انّ علقة التسميه بين اللفظ العلة للإنباء اذ لفظ زيد قبل وضعه لرجل معين ما كان له ارتباط به کلفظ زيد بالنسبة الى الرجل و انّما حصل الارتباط بسبب علقة التسمية فإذا كانت علة فيكون الموضوع الابتدايي هو الوصف أي عنوان المسمى وإلّا لم يكن اللفظ منبأ عن مفهوم فمسمى زيد ينبئ و يحكي عن المسمى به أي عن عنوان المسمى المنطبق على هذا الشخص فالاستعمال يكون دائماً في عنوان المسمى إلّا ان هذا العنوان يلاحظ تارة آلياً و أخرى استقلالياً كما في المرأة فإنّها تارة تكون ملحوظة بالأصالة من دون توطئة لارائة الصوره و أخرى يكون النظر فيها آلة لرؤية الصوره . فلا يحصل في المقام إنباء ما لم ينتزع الوصف عن المبدء فالمسمى بزيد قد يكون واسطة لارائة

ص: 80


1- سورة التوبة : آية 60

شخص معين فالاستعمال آلى و هذا هو الغالب في الاستعمالات و قد يكون بعمومه من دون لحاظ آلى لارائة مصداق خاص كما في أرادة التثنية والجمع في اللفظ فهذا استقلالي لكنه قليل بالنسبة الى الصورة الأولى . و هذا كله قد مرّ فى أوائل الكتاب . كما و انه قد سبق أن نظير ذلك الدلالة التصديقية فإن تكلم العارف بكلام كاشف بدواً عما في ضميره فهو معلول لما في النفس و يدل عليه الكلام دلالة المعلول على علته ثم دلالة هذا الكلام على ما في الخارج يحتاج الى ثبوت ملازمه بين ما في الضمير و ما في الخارج فإن كان معصوماً ثبت ما في الخارج في كل من النظري والضروري لعدم تطرق السهو والنسيان و إلّا فلا و إن كان كلامه نظرياً ناشئاً من الحدس لامکان عروض الخطاء في النظريات والعداله مانعة عن صدور الكذب لا عن صدور الخطاء و اما في غير النظريات فالتصديق انما هو باعتبار التقوى والعدالة . والحاصل انّ الكلام قد ينظر الى ما في الخارج حقيقة فما في النفس واسطة له كما هو الغالب في المحاورات و قد يكون الأصيل اظهار ما في الضمير لا اثبات الخارج به كدلالة الشهادة والفتوى على ابراز ما في نفس الشاهد والمفتى - و من هنا ذكرنا سابقاً ان صدق الكلام و كذبه ينوط مناط الأصيل في النظر فإن كانت الاصالة الى ما في الخارج كان الصدق والكذب تابعين لمطابقة الكلام مع ما في الخارج و عدمها و إن كانت ناظرة الى ما في الضمير فكذلك وهكذا في الكنايات كزيد كثير الرماد فهو مستعمل في مفهومه لكن قد يكون المقصود الأصيل اطعامه الضيوف المستلزم لكثرة الرماد و قد يكون المقصود بيان و ساخت مسکنه و قذارته مثلاً فلا تعدد بل أحد المعنين تابع للآخر ملازم له فهذا خارج عن مسئلة المجاز و كذا آية المنافقين . فقد تحصل أمور :

1 - عدم كون العلائق المرسلة مصححة للتجوز بدليل عدم الاطراد و غيره من النقوض السابقة.

ص: 81

2 - عدم أساس للقول بالتجوز في الكلمة و ما يوهم ذلك اما حقيقة أو مجاز في الاسناد او استعارة مقيده.

3 - الإنباء عن المسمى إنّما هو في عنوان المسمى ابتداء و أما ذات المسمى فالانباء عنه إنّما هو باعتبار انطباق العنوان المذكور عليها لكن محل الانطباق إمّا تحقيقي أو تنزيلي والأول هو ذات المسمى التي وقعت التسمية بينها و بين اللفظ حقيقة والتجوز في الانطباق الحقيقي إنّما هو في الاسناد لا في الكلمة لعدم تجاوز الكلمة عن محلها الأصلي والمراد بالتجوز في الاسناد هو حلول الكلمة محلها الأصلي وإنّما التطبيق باعتبار التنزيل فالمقصود من المحل التنزيلي هو استعمال اللفظ في عنوان المسمى أولاً ثم انطباق العنوان على المحل الحقيقي مع القرينة أو بدونها . نعم . لو استعمل الأسد في زيد أسد تارة في ذات المسمى بالأسد و أخرى في الرجل الشجاع كان ذلك مجازاً في الكلمة لوقوعها مرّة في محلها الحقيقي و أخرى في غيره و لكن قد عرفت من مطاوي أبحاثنا ان الأمر ليس كذلك بل ليس المعقول إلّا ما حققناه.

4 - إنّ انطباق عنوان المسمى على ذات المسمى بدلي لا شمولي كما عرفت في ماسبق .

تکلمة

ذكر أهل البيان أن (انبت الربيع البقل) حقيقة على حد قول الطبيعي القائل بأن الربيع هو المنبت و مجاز عند الموحد و هذا مجاز في الاسناد كما في نهاره صائم و ليله قائم و فيها يكون باعتبار التعلّق بمحل . أقول : هذا لا يتم فإنّ النسبة إما اتصافي والأول ليست لها مراتب اذ نسبة علم زيد الى غير زيد ليس صحيحاً فإنّ اتصاف شخص بالعلم و تلبسه به انّما هو باعتبار الاتصاف والقيام وذلك لا يكون

ص: 82

بأكثر من محل واحد فلا يصح أن يقال بدل ) عِلمُ زيد يوم الجمعه) علم يوم الجمعه . أو تقول بدل علم زيد : علم ابنه و أما النسبة السببيه فلها مراتب باعتبار السبب فإذا قتلت أحداً في الجهاد صح ان تقول قطعت رأسه و ان تقول قطع سيفي رأسه وكذا في قوله سبحانه تعالی: (يا هامان ابن لي صرحاً)(1).

ففي المثال ( انبت الربيع البقل ) إنّ اللّه جعل الربيع سبب الإنبات لا مطلقاً إلّا أنّ هذه السببية مما يصحح إسناد السببية الى الربيع فلايكون مجازاً بل حقيقة حتى على مبنى الموحد لكنها ليست سببية ذاتيه .

قد عرفت من بياناتنا انّ الحق هو الاعتراف بالتجوز في الاسناد و انكار التجوز في الكلمه . و لكن الاسناد قد يكون الى ما هو له و أخرى الى غير ما هو له.فلابد من وجود علامات في البين و قد انحصرت هذه العلائم في أغلب كلماتهم بأربع .

التنصيص . التبادر . الاطراد. عدم صحة السلب و ان ما يقابل هذه فهي علائم المجاز.

و ينبغي تمهيد مقدمة . و هي انّ الأصوليين عنونوا هذا المبحث بتنصيص أهل اللسان دون تنصيص الواضع وذلك لوجود الاختلاف بينهم في انّه هل للألفاظ وضع لا ؟ فبعضهم ذهب في دلالة الألفاظ الى المناسبة الذاتية بينها و بين المعاني . و أما القائلون بالوضع فأوردوا على المناسبة الذاتيه أنّها لو كانت صحيحة لزم الانتقال في

ص: 83


1- سورة غافر : آية 40

اللفظ الى معناه بمجرد سماعه حتى و لو لم يطلع على ذلك أهل اللسان مع انّ من الواضح عدم حصول هذا الانتقال لغير العارف باللغة . فلا مناص من ان تكون دلالة الألفاظ بوضع من الواضع فكما في وضع الاعلام كذلك بحيث لو لم يصرح الوالد بأن اسم ولده زيد لما أمكن فهم هذا والعلم باسمه فكذلك في اللغات الأصلية فما أنّها ليست بينها و بين معانيها مناسبة ذاتيه لما ذكر فلابد وان يكون ذلك مستنداً الى الوضع لعدم وجود أمر ثالث في البين . ثم هؤلاء بعد ذهابهم الى لزوم الوضع قد اختلفوا أنّه من الواضع هل هو اللّه سبحانه تعالی أو غير ذلك . فحيث انّه لم يتعين الواضع و لم يعلم به حتى يعلم بتنصيصه و تصريحه و على فرض العلم به فليس في البين من تنصيصه خبر و أثر فلهذا كله لم يمكننا إلّا أن نقول تنصيص أهل اللسان دون الواضع و حينئذٍ فلو نص أهل اللسان باستعمال ( إفعل ) مثلاً في الوجوب أو في الندب أو في الاباحة أو القدر الجامع و نصوا أيضاً بأنها حقيقة في الأول فقط أو في الجامع أو في غير ذلك و ان فى سوى هذا مجاز فهل تنصيص أهل اللسان حجة أو ليست كذلك ؟

الظاهر هو الثاني اذ لو كان حجة لما كان وجه للاختلاف بين أهل اللسان أنفسهم فضلاً عن غيرهم حيث قال بعض بالوجوب و آخرون بالندب و ثالث بالاباحة و ما الى ذلك و انّ في أي منها حقيقة و في غيرها مجاز ؟ واستدلال كل منهم على ماذهب اليه يعطى بالبداهة انّ هذه الجهات نظرية والنظريات لا تكون على غير ناظرها حجة و هذا هو الوجه في عدم حجية التنصيص . إن قلت : إنّه ليس المراد بتنصيص واحد أو اثنين بل انّ المبحوث عنه هو تنصيصهم بالاتفاق و بعبارة أخرى. انّ التنصيص المتفق عليه هو الحجة دون المختلف فيه و هذا هو جهة المقام . قلت : هذا احالة الى المجهول اذ انّى لنا باثبات موارد اجماعهم في المقام و لو فرض فما هو الوجه في حجية هذا النحو من الاجماع ؟ لوضوح انّ حجيته انّما هي باعتبار قول المعصوم على اختلاف المباني و في الأحكام الفرعية دون الموضوعات العرفية واللغوية التي

ص: 84

ليست هي من وظيفته السلام علیک والمتحصل ان العلامة الأولى لم يعلم له وجه الحجية .

2-التبادر

والمراد به سبق المعنى الى الذهن فكل معنى سبق الى الذهن من سماعه كان هو الحقيقي الموضوع له اللفظ و ما لم يسبق كان مجازاً غير موضوع له فالسبق والتبادر علامة الحقيقه و عدمه علامة المجاز .

أقول . إنّ التبادر على ثلثة أقسام . حاقي و اطلاقي وانصرافي . أما الأول فهو سبق المعنى من حاق اللفظ و وضعه من دون دخل أمر آخر فيه . والثاني . هو سبق المعنى الى الذهن عند اطلاق اللفظ من دون قيد و قرينه فالتبادر مستند هنا الى الاطلاق لا الى حاق اللفظ كإطلاق لفظ الماء الذي يسبق منه الى الذهن جسم مايع سيال بارد بالطبع و لكنه قد ينجمد عرضاً و يصير ثلجاً إلا انه معذلك ماء و لم يقع فيه استحالة . والثالث . هو انصراف الذهن الى معنى مخصوص عند سماع اللفظ بواسطة القرائن كاللحم فإنّه وضع في مقابل العظم و لكن اذا قلت لعبدك اشتر اللحم فينصرف ذهنه بحسب القرائن الى لحم الغنم فيشتريه و إن كان فيه بعض العظم.

القسم الأول فهو علامة الحقيقة . دون القسم الثاني فإنّ استناد السبق انّما هو الى الاطلاق و إلّا فالثلج ماء أيضاً و كذا الذهب فإنّه جسم جامد و ذائبه ذهب ایضا و لكن الذهن ينصرف عند اطلاقه الى خصوص الجامد . و أما الثالث فحاله أسوء من الثاني لانصراف الذهن الى المعنى بواسطة القرائن والضمائم . فحينئذٍ لابد من النظر في أن أي قسم من هذه الأقسام يكون عندهم علامة الحقيقة . فإن أرادوا القدر الجامع من بين الأقسام و انّ تبادر الجامع هو علامة الحقيقه فهذا أعم والأعم لا يدل على الأخص لوضوح عدم دلالة في الحيوانية على الانسانيه.

ص: 85

و إن أرادوا المعنى الأول و هو المستند الى حاق اللفظ ففيه انه مفض الى الدور لتوقفه على المعرفة بالحقايق المستندة الى الوضع و الى حاق اللفظ فكون معنى منوطاً بحاق هو عين المعرفة بوضع اللفظ فلو كان معرفة المعنى الحقيق متوقفاً على التبادر الحاقي كان ذلك دوراً .

والتخلص عن الدور بأن المعتبر في معرفة الحقيقه هو التبادر عند أهل اللسان في حق الجاهل بالوضع لا التبادر عند العالم به غير مفيد اذ نقول هذا التبادر عند اللسان هل هو التبادر العام ؟ فيعود الاشكال المتقدم أو الحاقّي فيرجع معناه الى العلم بأن أهل اللسان يتبادر الحقيقة الى أذهانهم و هذا فرع التنصيص فرجع الى التنصيص الذي عرفت حاله سابقاً للزوم تصريحه حينئذ بحصول هذا التبادر عنده .

و ما أجيب به أيضاً بالاجمال والتفصيل فيرد عليه أيضاً بأنّ المجمل لا يحصّل العلم بالمفصل و لو قلت : انّ المراد هو ان بعد الرجوع الى الاجمال ينتقل الى التفصيل قلنا هذا أيضاً يرجع الى الدور . والحاصل ان التبادر أيضاً لا يمكن الركون اليه في

تشخيص الحقيقة.

و لا بأس ببيان فايدة في المقام تكميلاً لمحل الكلام . و هي . ان تشخيص كل من التبادر الحاقي والاطلاقي أصعب من تشخيص الانصرافي فإنّه يحصل العلم به من موارد الاستعمالات دونهما فإنّهما لا يستندان الى أمر زائد و لذا فينبغي الدقة والتأمل بين الأقسام . مثلاً . انّ البيع له آثار اطلاقاً و له آثار ذاتاً فاللزوم فيه من آثاره عند الاطلاق فإذا أطلقه من غير قيد لزم و لكنه يرجع بالشرط الى الجواز و هذا لا ينافي ذات العقد بل ينا فى اطلاقه و أما حصول الملكية فهو من آثار ذات العقد فإنّه مقتضاها . و الحاقّ في محل الكلام كذلك فمخالفة الاطلاق ليست مجازاً بخلاف مخالفة الحاقّ فإنّه موجب للتجوز . مثلاً . انّ العموم الحكمي و كذا الاطلاق لا يستندان الى عموم اللفظ المفرد . اذ البديهي ان الجمع المحلّى باللام مفيد للعموم بالنسبة الى أفراده

ص: 86

و كذا الرقبه فإنّها مطلق مع قطع النظر عن القيد فيشمل المؤمنة والكافرة على سبيل البدل . و لا فرق بين وجود حكم في الكلام و عدمه و لكن بعد تعلق الحكم يتحلّى العموم الموضوعي بالعموم الحكمي و كذا في الرقبة و لكن قد يلتبس الأمر في أنّ العموم الحكمي هل يستند الى وضع اللفظ أو الى الهيئة التركيبيه ؟ فلذا ذهب جمع الى التجوز في مورد العام المخصص . و لكن يرد عليه ان عموم الحكم غير مستند الى اللفظ المفرد فالتخصيص لا يوجب تجوزاً . نعم يصح استناده الى الهيئة التركيبيه و هذه الهيئة التي سببها إمّا الاسناد الوقوعي و إمّا النسبة الحمليه فهل يكون وضعها على نحو تكون تلك النسبة فيها على وجه العموم أو انّ عموم الحكم انّما هو باعتبار

المورد ؟ والحق ان سريانها على وجه الاقتضاء .

و لكن الالتباس يزول بالتأمل اذ كما تجري أصالة الحقيقه عند الشك في مراد المتكلم من حيث نصب القرينة واختفائها فكذلك في المقام يجري اصالة العموم والاطلاق بالنسبة الى عموم الحكم و اطلاقه . فكل من التبادر الحاقي والاطلاقي يوجب حمل اللفظ على معناه المتبادر والاختلاف بينهما في الثمرة من حيث التجوز فإنّ في مورد الحاقي يلزم قيام القرينة على عدم العلاقه و لكن الاطلاقي لا يحتاج الى قرينة لعدم ارادة خلاف المعنى الموضوع له بل انّما أريد خلاف اللفظ فلذا لا فرق بين التخصيص الكثير أو القليل و انّما قلنا هذا لدفع توهم بعض و مصيرهم الى أن تخصيص أغلب الأفراد موجب للمجاز .

و أما الانصرافي و هو فيما اذا شك في أنّه هل أريد المعنى المتبادر أو غيره فينصرف الى المتبادر ما لم تقم قرينة على الخلاف فعدم التبادر و إن كان غير دال على التجوز كما انّ التبادر ليس علامة الحقيقه إلّا أنّ الأثر الذي هو بمعنى الأخذ بالمتبادر موجود ثابت فالأمر في الانصرافي واضح و أما في الاطلاقي فترتفع الشبهة بالرجوع الى موارد الاستعمالات والعجب من صاحب المعالم حيث قال بوجود اللفظ الموضوع

ص: 87

للعام و مثل له بالنكرة في سياق النفي .

فالأول جعل علامة للمجاز والثاني للحقيقه . والتحقيق . انّ السلب على ثلثة أقسام . فتارة يصح السلب باعتبار عدم كون المعنى حقيقة هو الموضوع له اللفظ فتقول في الرجل الشجاع انّه ليس بأسد و هذا حقيقة الجهة التي ذكرت و أخرى يكون صحة السلب باعتبار ضعف في المصداق بالنسبة الى جهة خاصه كما تقول للبليد انّه ليس بانسان اذ الانسان لابد وان يكون له ادراك و لو عادياً وهذا سلب ادعائي باعتبار ضعف ادراك البليد وثالثة تكون صحة السلب باعتبار كمال في المعنى فوق طبيعته النوعيه كما في الآية الشريفه حكاية عن نساء مصر (ما هذا بشراً إنّ هذا إلّا ملك كريم)(1).

اذا عرفت ذلك فنقول . هل انّ صحة السلب علامة للمجاز مطلقاً و أعم مِن الأقسام الثلثة ؟ أو هو سلب مخصوص فإنّ كان الأول ففيه انّ العام لا يدل على الخاص كما سبق في التبادر و اما إن كان المراد به هو السلب الحقيقي باعتبار الوضع فيرد عليه ان قولك : ( الرجل الشجاع ليس بأسد ) متوقف على معرفة المعنى الموضوع له من غيره حتى يصح لك السلب والاثبات وهذا يستلزم الدور كما هو واضح فإنّ المدعى هو توقف المعنى المجازي على صحة السلب والحال ان صحة السلب كما عرفت متوقف على معرفة المعنى المجازي حتى يصح سلبه عنه . فإن قلت : انّ المراد هو السلب عند أهل اللسان . قلت . فرجع الاشكال المتقدم في التبادر . لتوقف ذلك على الاستظهار من أهل اللسان و انّه سلب ادعايي أو تحقيقي فعاد الأمر

ص: 88


1- سورة يوسف : آية .31

الى التنصيص الذي عرفت عدم اعتباره . و ان أرجعته الى الاجمال والتفصيل بأن نعلم اجمالاً أنّ الصحة السلب موجودة و لكن لاندري من أي قسم من الأقسام الثلثه فهذا أيضاً كما ترى اذ المفصل لا يحصل من المجمل . فالمتحصل انّ صحة السلب ليس علامة التجوز ان كان مطلقاً و امّا إن كان مع القيد فهو مستلزم للدور .

و أما عدم صحة السلب . فهو أيضاً يتوقف على معرفة المعنى الموضوع له من غيره حتى يصح اثبات الاسناد و عدم صحة السلب و هذا أيضاً مرجعه الى ماسبق من الاشكال ولا يفيد هذه العلامه مادمت متردداً في انّ الاثبات مستند الى الوضع أو

الى العلاقه.

و قد جعلوه علامة الحقيقه و عدمه علامة المجاز .

و يرد عليه . أولاً . إنّا قد ذكرنا سابقاً ان عدم الاطراد هو دليل البطلان لا التجوز فانّ المجاز لو كان انّما هو فرع العلاقة و وجود العلاقة دليل على اطراد الاستعمال كالشباهة التامه فى أظهر الخواص حيث انها كلما وجدت كان الاطراد حاصلاً .

و دعوى انّ الشباهة التامه هي علة تامة للاطراد دون العلائق المرسلة التي ليست إلّا مقتضيات فقد ظهر الجواب عن هذه الدعوى مما تقدم سابقاً من انّه كما يكون الوضع علة تامة للصحة فكذلك لابد وان تكون العلائق أيضاً كذلك فلابد و ان تكون هى أيضاً مطردة و معذلك لا يبقى مجال للمقتضي والاقتران بالمانع و توضيح ذلك . انّ الاستعمال المجازي مرجعه الى وجود اتحاد بين المعنيين حتى يصح الاتيان بغير ما وضع له باعتبار الموضوع له . فلو ثبت الاتحاد المذكور فلابد وان يثبت

ص: 89

الاطلاق والحمل بطريق أولى بالبيان الذي تقدم في أول مبحث الحقيقة والمجاز .

و أما الاطراد . فليس دليل الحقيقة و لا دليل المجاز . بل الدليل هو ك--ون الشيئ جامعاً لأمر ما واستناد هذا الأمر الى ذلك الجامع سواء كان حقيقة أم مجازاً فكما انّ استعمال الأسد مطرد في الحيوان المفترس فكذلك يصح و يطرد فيها وجدت فيه الشباهة في أظهر الخواص سواءً كان هو الرجل الشجاع أو الحيوان كذلك فالاطراد أيضاً ثابت في طرف المجاز كما يثبت في طرف الحقيقه . فالاطراد دليل الجامعيّة واستناد الشيئ الى ذلك المعنى الجامع فيشمل مصاديقه سواء كان بالنسبة الى ذلك الجامع على وجه الحقيقة أو المجاز . والحاصل . انّ الاطراد ليس مشخّصاً للحقيقة عن المجاز بل هو يفيد الجامع أي اللفظ و باعتبار الجامع يشمل الحيوان المفترس و غيره - و أما كون الجامع هو ما وضع له أولاً - فلابد و ان يحصل العلم به

من جهة غير هذه الجهه .

اذا كان كل من لفظين معناهما واحداً فهما مترادفان و إلّا فمتبانيان سواء اتصلا أم انفصلا والأول كالصفة والموصوف و اما إن اتحد اللفظ و تكثر المعنى فهو مشترك ثم ان كل واحد من الألفاظ امّا ان يبقى استعماله فيا وضع له و إمّا ان يكون مهجوراً عنه بل يستعمل في غيره استعمالاً غالباً فهو منقول .

والتحقيق ان هجر الاستعمال لا يوجب نقل اللفظ عن ما وضع له الى غيره لوضوح ان الهجر ليس سبباً لبطلان الوضع كما ان غلبة الاستعمال ليست سبباً للوضع ( المعبر عنه بالوضع التعيني في كلماتهم ) فإنّ التعيّن غير الوضع اذ معنى التعين هو ان الاستعمال الثاني يكون معهوداً في الذهن بواسطة الشيوع و إلّا فلا معنى للقول بأنّ

ص: 90

التعين وضعٌ نعم له أثر الوضع و تبدل الواقع منوط برفعه والوضع لا يرتفع بسب الهجر و لذا كان الثاني خلاف المتبادر و إن كان الأول محتاجاً الى القرينه.

ثم ان المنقول منقسم الى الشرعي والحقيقي والعرف العام والعرف الخاص . و لكن لا يخفى انّ الوضع الجديد لا يوجب بطلان الوضع الأول نعم يكون مهجوراً و كثرة الاستعمال في الثاني لا يوجب وضعاً و لو فرض وضع جديد فإنّما يكون من المشترك و من باب وحدة اللفظ وتعدد المعنى .

ص: 91

أما البحث عنه في مرحلة الامكان فهو أمر لاينكر و أما الوقوع

الخارجی فغير معلوم و ذلك بحسب التتبع في موارد الاستعمالات فان ما ادعى كونه مترادفاً ألفاظ متقاربة المعاني يفترق كل منها عن الآخر بخصوصية في مورده فهنا ألفاظ مختلفه باعتبارات متعدد كالرقبة والجيد والعنق . فإنّ اللفظ الأول مورده مورده العتق والثاني مورده الزينة والثالث مورده المد والضرب و هكذا البشر والانسان فالأول باعتبار البشره والظاهر الذي هو من قوام معاشهم والثاني باعتبار انسه و تعلقه بأفراد نوعه وكذلك الادراك والعلم والفقه والفهم . الى غير ذلك.

فإن قلت . إنّ هذه الدقايق الواقعة في بعض الألفاظ مما لم يلتفت اليها أهل اللسان و لو كانت من وضع الواضع لزم التوجه اليها والاتيان بها في المحاورات والمكالمات مع ان العرف يرى الترادف في أمثال ذلك و لو اختلفت هذه الألفاظ لزم النظر اليها حين الاستعمال مع عدم تفطنهم الى هذه الخصوصيات . و هذا دليل وقوع الترادف.

قلت . لا يلزم الالتفات الى هذه الخصوصيات في مورد الاستعمال بالتفصيل والاحاطة بتمام جهات المستعمل فيه بل العلم الاجمالي كافٍ في المقام كما ان أهل الفصاحة كانوا متوجهين الى بلاغة القرآن و فصاحته مع أنّه لم يكن ذلك توجهاً تفصيلياً فلم يقدروا على الاتيان بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيراً والحاصل انّ اللغات الأصلية التي هذه الخصوصيات محفوظة فيها مما لا يمكن القول بعدم تفطن الواضع لها لها . و ذلك ذلك لعدم ثبوت الوضع أوّلاً و ان دلالة الألفاظ على معانيها هل هي بالمناسبة الذاتيه أو بالوضع و قد عرفت فيما سبق انّ منكري المناسبة الذاتيه تمسكوا

ص: 92

بالضرورة والالزم حصول المعنى من اللفظ بمجرد استعماله من غير احتياج الى أمر آخر . و لكنك لا يذهب عليك انّ القائل بالمناسبة الذاتيه لا يريد ذلك بل معناها عنده انّ هذه المعاني والخصوصيات من خواص اللفظ و لوازمه الذاتيه و إن لم يحصل العلم بها إلّا بالتجربة والممارسه . كما في الأدوية مثلاً حيث لها خواص و منافع و لكن الالتفات اليها متوقفة على التجربة والتدريب فالخاصية لم توجد بسبب التجربة والذي يحصل بها هى التفطن والالتفات الى ذلك فالقائل بالمناسبة الذاتيه لا يقول بأنّه يلزم بمجرد سماع الألفاظ الانتقال الى معانيها بل يدعي انّها لها ارتباط بالمعاني و لكنها تحتاج الى أفادة علم بها من قبل العارف المطلع عليها . فلايدعى الضرورة حتى يناقش بالضروره .

و على كل حال . فإن قلنا بالوضع فلم يعلم ان الواضع هو الله سبحانه تعالی أو من الهم منه أو غير ذلك والحاصل ان الخصوصيات المشار اليها لم يلزم أن يكون واضعها واضعاً متعارفاً ساذجاً حتى يقال بأنّه قد جعل ألفاظاً و أسماءً من دون ارتباط له بالخصوصيات والدقايق . فنحن حتى فيما اذا قلنا بالوضع فنقول بأنّه لا منافاة في ان يكون الواضع من له التوجه التام بالخصوصيات و ان لم يلتفت اليها أهل اللسان و أرباب المحاورات سيمّا مع اختلاف مراتب أهل اللسان فانّ بعض الكلمات قد يلحق بكلام الله سبحانه تعالی بسبب كمال حذاقة المتكلم كما في مورد الأنبياء والائمة سيمّا سيد الفصحاء و امام البلغاء أمير المؤمنين سلام الله عليه و آله الطاهرين . و تارة يكون المتكلم في أدنى مدارج السفاهة والحماقة فيصدر منه كلام مثله كما في مورد أبي مسيلمة الكذاب التي حفظ التاريخ والأثر كلماته القبيحة المضحكه . و بين المرحلتين متوسطات.

ص: 93

ان عمدة ما استدل به على ثبوت الاشتراك اللفظي هو وجود أضداد مع انه لا جامع بينها فلابد امّا أن يكون أحد الضدين حقيقياً والآخر مجازياً اذ فرض اللفظين سيان يوجب القول بالاشتراك مع انّ فرض الجامع غير متصوّر بين الضدين.

أقول . يلزم ان يكون بين كل متقابلين ضدين كانا أو نقيضين قدر جامع و إلّا لم يبق معنى للتقابل فإنّ العلم والجهل متقابلان و هما حالتان بالنسبة الى الذهن والجود والبخل حالتان تعرضان النفس والحيض والطهر و غير ذلك فالتقابل فرع اجتماع المتقابلين في جهة واحده و إنّما التمايز بينهما في خصوصيات فما لم يجتمعا لم يتقابلا . غاية الأمر أنّه قد يكون الجامع المتقابلين اسم كاللون و قد لا يكون له اسم كما في النحو حيث يقال انه علم بأحوال أواخر الكلم اعراباً و بناءً . مثلاً ان الجامع بين الخبر والانشاء هو الكلام اذ هو ان كان اذعاناً للنسبة فتصديق و إلّا فتصور . أو تقول الكلام إما يحتمل الصدق أو الكذب.

فلابد في الاضداد من جامع فإذا استعمل كان تعين أحدهما بسبب القرينة و من هنا ظهر انّه لا مجال لانكار الاشتراك و أما اثباته فهو أيضاً في غاية الاشكال فإنّه قد لا يمكن تصور جامع مثل (ما الموصوله و ما النافيه و ما الاستفهامية و ما المصدريه).

و أما المولى فقد عدّه الفخر الرازي من المشترك و هو خطاء محض و جهل صرف أو تجاهل منه فإنّ المولى ( مَفعَل ) فهو اسم مكان أي محل الولاء فهذا كما يشمل السيّد الذي هو محل للولاء فكذا يشمل العبد فانّه أيضاً محل لولاء المولى فالولاية له طرفان الوالي والمولى عليه وهما يكونان محلاً لولاء الغير فلذا يستعمل في الدعاء (عبدك و مولاك ) في حق كل من السيد والعبد فلايكون مشتركاً لفظياً وكذا في حق ساير معانيه فلذا يطلق على المعتق بالكسر والمعتق بالفتح و على الناصر والمنصور و على كل من الحليفين.

ص: 94

اللفظان ان اتحدا معنى فمترادفان و ان اختلفا فمتباينان انفصل أحدهما عن الآخر أو اتّصلا وكل من المترادفات والمتباينات ان اتحدت معنى فهي متحدات و إلّا فمشتركات فالاشتراك يجمع مع الترادف والتباين . ثم ان انتقل اللفظ الى معنى آخر فاللفظ منقول والأول منقول منه والثاني منقول اليه وقد يكون من باب العرف العام أو الخاص.

و قد سبق منا انّ النقل لا أصل له فإن هجر الاستعمال في المعنى الأول لا يكون سبباً لبطلان الوضع واشتهاره في المعنى الثاني ليس وضعاً جديداً فالتعين بحسب كثرة الاستعمال و إلّا فهو ليس وضعاً إلّا مسامحة ثم ان هنا مبحثاً و هو ثبوت الحقيقة الشرعية و عدمه . بمعنى انه هل اشتهار الاستعمال في المعاني الشرعية قد بلغ الى التعين في زمان الشارع أو لم يبلغ ؟

أما صاحب المعالم فقد قرر النزاع فقال لا شبهة في ان الشارع استعمل ألفاظاً في غير المعاني اللغوية و هذا الاستعمال مردّد بين المجازي و بين الوضع الجديد فإن كان الثاني فهو الحقيقة الشرعية و إلّا فلا والثمرة بينهما واضحه . و قال غيره غير ذلك. والحق تبعاً لبعض المحققين . ان استعمال الشارع الألفاظ المخصوصة في غير المفاهيم اللغوية محل تأمل بل منع فإنّ الشارع لم يوجد تغييراً في مفهوم المعنى اللغوي بل إنّما أوجد مصاديق لذلك المفهوم فالمفهوم اللغوي باق و لكن الشارع قد جعل مصاديق لها لم يعرفها العرب قبل ذلك و هذا كالتعظيم الذي له أفراد و مصاديق ثم يقول رئيس الجيش انّ التعظيم عندنا هو الضرب بالرجل على الأرض أو رفع البندقية أو رفع الكف بحذاء الأذن و هكذا و كذلك الحال في المقام فالشارع قد اخترع في عرفه مصاديق لذلك المفهوم اللغوي المعروف عند أهل اللسان مع ابقائه المفهوم

ص: 95

بحاله كما في الصلوة والزكوة والحج والصيام و غير ذلك.

و لا يخفى انّ هذا الكلام غير ما هو منسوب الى الباقلاني فانّه يقول ببقاء المفهوم اللغوي و إنّما الشارع وضع شرايط و حدود لتلك المفهوم فلم يتصرف في اللغة لا وضعاً و لا مصداقاً ولكنا نقول انه جعل مصاديق لمفهوم اللغة والحاصل ان جعل المصداق أمر و تغيير وضع اللفظ الى معنى آخر أمر آخر.

و على ماذكرنا فثمرة النزاع موجودة أيضاً و هي انّه لو ورد هذا المصداق في كلام الشارع و لم نعلم أنّه هل أراد عين ذلك المفهوم اللغوي أو أراد هذا المصداق الجديد الذي جعله لذلك المفهوم فإن كانت قرينة على أحد الطرفين فهو المراد و إلّا فلو شك كان الشك في المأمور به وتقريره ان هذا اللفظ بمفهومه اللغوي ثابت عموماً و لاندري هل هو منطبق على المصداق المعهود من الشارع أو لا ؟ ففي بعض الموارد كانت القرينة موجودة كقوله تعالى (وصل عليهم ان صلوتك سكن لهم)(1) و اما في مثل صلوة الميت فإن جعلناها دعاء كانت باقية على مفهومها اللغوي وإلّا فعلى المصداق الشرعي المعنون بعنوان الصلوة فاللازم حينئذ الرجوع الى الموارد و إلّا فالتوقف .

الصحیح والاعم

هل هذا النزاع متوقف على الحقيقة الشرعية أو ليس كذلك ؟ امّا على القول بعدم الحقيقة الشرعية و عدم وضع جديد فلا مجال للقول بالصحيح أو الأعم الشرعيين لعدم وجود وضع من قبل الشارع فلذا اذا كنا غير قائلين بالحقيقة الشرعية فلابد من الأخذ بالصحيح والأعم العرفيين فالنزاع يتطرق في كل من

ص: 96


1- سورة التوبه : آية 103

المبنيين أعني الحقيقة الشرعية والعرفيه .

انه على القول بالصحة الشرعية فهل الصحة تشمل الصحيح الجامع للاجزاء والشرايط أيضاً أو الجامع للاجزاء فقط أي الصحة هل هي بالنسبة الى الأجزاء أو الى الشرايط والأجزاء . فإنّ الصحيح قد يؤخذ في قبال الفاسد فإذا جمع الأجزاء كان صحيحاً و إلّا فاسداً و قد يؤخذ في مقابل الباطل فإذا استكمل الشرايط فصحيح و إلّا فباطل . أما على القول بأنّ الصحة ما كان بالنسبة الى الأجزاء والشرايط فلابد من النظر في ان مدخلية الشرايط بالنسبة الى أي مرحلة ؟ حيث ان من الشرايط ما هي وجوديه كنصب السلم و بعضها شرايط للامتثال كشرايط العبادات لتوقف الصحة والإجزاء عليها و إنّما الأمر بعد وجود الموضوع فما لم يكن موضوع لم يكن أمر اذ لا يعقل دخل جهات معتبرة في مرحلة الامتثال في موضوع الأمر فلايمكن أخذ الشرايط في مرحلة الامتثال قيداً و لو في موضوع الأمر للزوم تحقق موضوع الأمر قبل الأمر فإذا لحق الأمر كان للبحث عن الصحة والامتثال مجال فيستحيل تقيد الموضوع بصحة الشرايط و أما فى مورد الصحة في الاجزاء فهل الصحة تتوقف على تحقق الاجزاء كاملاً أو هو أعم من الناقص والكامل ؟

فنقول . إنّ الصحة والفساد أمران متقابلان والمتقابلان فرع وجود الجامع بينهما فلو كانت الصلوة متقيدة بالصحة فغير المقيدة منها ليست بصلوة أصلاً لا ان يكون فاسداً والمعلوم أن الأثر أثر الصحيح لا الفاسد واللازم وجود جامع بين الصحيح والفاسد حتى يقبل وصف الصحة والفساد و لو فرضنا ان المقوّم هو الصحة بالنسبة الى الاجزاء فالناقص لا يتصف بذلك

والحاصل أنّه لو فرض الجامع فهو المطلوب و إلا فوضع الاسم للمركب المخصوص غير مفيد فإنّه لو انتفى التركيب لزم ان لا يكون فاسدٌ في البين.

والمتحصل ان الصحة والبطلان والصحة والفساد فرع وجود الجامع و إلّا لم يكن

ص: 97

تقابل و ورود أحد المتقابلين فرع قبول المحل لمتقابل آخر فالعلم يثبت لمن من حقه الجهل . فالصلوة ان فرض لها جامع و فرض وضع الجامع للصحيح مع قيد استكمال الاجزاء فلا مجال معذلك لفرض الفاسد.

و دعوى التبادر بالنسبة الى الصحيح . غير مسموعة . اذ التبادر انّما حيث لم يكن دليل قاطع على خلافه . على أنّه سبق منا ان مجرد التبادر ليس دليلاً . و ثانياً فلو أغمضنا النظر وجعلناه منشاءً و حجة لكن الدليل هنا موجود على خلافه فلم يبق مجال لهذا المستمسك بل وكذا لساير ما تمسكوا به التي منها صحة السلب عن الفاسدة . و ذلك لا مكان كون النفي لنفي الكمال و مجرد صحة السلب مطلقاً ليس دليل المجاز كما ان التبادر ليس علامة الحقيقة مطلقاً . وظهر بهذا انّه لا مجال لهذا النزاع و عليه فلا محل للتعدي الى المعاملات بالبيان السابق اذ الأمر دائر بين الوجود والعدم فانّه لم يقع معاملة ( فيما كان مقومها الصيغه) لا أنّه وقعت فاسدة اذ محل هذا الكلام إنّما هو فيا اذا كان جامع بين الصحة والفساد . كما عرفت.

ص: 98

مبحث الاوامر

تعریف الامر

إنّ البحث في مادة الأمر ليس من جهة ان الأمر وضع لأي شيئ - كما تخيله بعضهم - بل من جهة التعريف له في علم الأصول . لئلا يخلوا هذا العلم من تعريف للأمر الذي هو من مهمات مباحثه.

فاعلم أنّه قد يكون الأمر في مقابل الخلق كقوله تعالى : (الا له الخلق والأمر)(1) و حينئذ يكون المقصود هو مطلق تشريع الشرع الأعم من الايجاب والتحريم أو الندب أو الكراهة أو الاباحة فلا اختصاص له بالأمر المقابل للنهي و منه أمير الجيش و أمير البلد و أمير المؤمنين علیه السلام حيث ان هؤلاء أوامر متنوعة مختلفة من الأحكام التكليفية الخمسة بحسب حالهم و امارتهم.

فالأمر قد يشمل الخلق و مطلق الشرع و قد يكون سؤالاً من قبل العالى فيكون أمراً و قد يصدر من المساوى فيكون التماساً و من الداني فيكون دعاءً و سؤالا فليس المقصود من هذه ما يقابل النهي فإنّ السؤال أعم من طلب الفعل و طلب الترك كما انّ الأمر المقابل للسؤال أيضاً اعم .

و قد يكون الأمر مقابلاً للنهي و هذا هو المبحوث عنه في المقام أعني طلب الفعل من العالي على سبيل الاستعلاء و هذا الأمر المبحوث عنه في علم الأصول

ص: 99


1- سورة الأعراف : آية 54

عبارة عن الحكم التكليفي الأعم من الوجوب والندب فباعتبار منقسم الى قسمين و باعتبارٍ آخر على ثلاثة أقسام و باعتبار ثالث على خمسة أقسام - كما تقدم - فالبحث الأصولي إنّما هو في مورد الأمر والنهي التكليفيين المولويّين الواقعين

مقدمة للفقه.

فتعريف الأمر بطلب الفعل هو المبحوث عنه في علم الأصول .

و بتعبير آخر - ظاهر طلب الفعل والترك انهما من سنخ واحد والتقابل بينهما إنّما هو باعتبار تقابل متعلقيها و أنّه فعل أو ترك مع انّ الأمر والنهي بالضرورة متعلقان بالطلب . فالأمر والنهي في حد أنفسهما متقابلان و ذلك للتقابل الواقع بين البعث والأمر و بين الردع والزجر - و انّما الاختلاف في الاقتضاء فامتثال الأمر انبعاث والنهى انزجار - فهما متقابلان ذاتاً و متحدان متعلقاً و مختلفان اقتضاءً.

فالتعريف الموجود لكل من الأمر والنهي فاسد و تصحيحه :

ان نجعل هذا التعريف تعريفاً للازم الأمر والنهي لا لأصلهما حيث انّ المطلوبية للفعل لازم البعث كما ان لازم الزجر والنهي مطلوبية ترك الفعل وحينئذٍ فالتعريفان صحيحان بهذا اللحاظ و باعتبار اللازم.

و لمزيد التوضيح نقول :

إنّ تعريف الأمر بطلب الفعل . والنهي بطلب الترك إنّما هو تعريف باللازم و لو كان تعريفاً حقيقياً للزم منه اختلاف متعلق الأمر والنهي و لزوم التقابل بين المتعلقَين دون أصل الأمر والنهى بل يكونان حينئذٍ من سنخ واحد مع ان من البديهي كون الأمر بعثاً والنهي زجراً . هما متقابلان بل لا مجال لِأن نعتبر الأمر والنهي متقابلين باعتبار المعنى والتركيب فانّ البعث والزجر يمكن تعلق كل منهما بالفعل أو بالترك. فالتقابل بين نفس الأمر والنهي انّما هو مع قطع النظر عن المتعلق ، بل من البديهي انّ المتعلق في ( اضرب ) و ( لا تضرب ) متحدٌ مع ان المقتضى في البعث والزجر في

ص: 100

مرحلة الامتثال مختلف إذ مقتضى البعث هو الانبعاث ومقتضى الزجر هو الانزجار والأول فعل والثاني ترك فإذا جعلنا تعريف الأمر بطلب الفعل والنهي بطلب الترك تعريفاً باللازم لم يكن في البين اشكال إذ لازم الأمر طلب الفعل مع انّ النهي متعلق بمفهوم يكون هذا المفهوم متعلقاً للأمر أيضاً و إذا كان التعريف تعريفاً باللازم فإنّه من ناحية الزجر عبارة عن ترك الامتثال و من ناحية البعث هو الانبعاث والامتثال أي الفعل فإذا كان الطلب في الفعل والترك لم يكن متعلقاً بأمر مولوي بل المولوية في مرحلة الامتثال إذ الأمر يتعلق بالاطاعة أو أنّه ارشادي يحكم العقل بوجوب الطاعة فإذا قلنا بالمولوية فالفعل في الطاعة و في الأمر بها تعريف باللازم .

هذا و لكن مع ان طلب الفعل في مرحلة الاطاعة والامتثال معذلك قد يوجد الأمر ولا يتحقق الامتثال و هكذا النهي فقد يوجد ولا يوجد الانزجار فطلب الفعل ليس على سبيل الاطلاق بمعنى انّ الغرض من الأمر هو طلب الفعل إلَّا أنّه لا يلزم منه امتثال هذا الأمر في الخارج بل يجوز أن يقترن بالمانع فلا يتحقق الامتثال مع انّ الأمر باق بحاله .

و توهم ان في حال المرض والسفر يكون الأمر بالصوم ساقطاً رأساً - لا وجه له - إذ لو كان كذلك لما كان قضاء الصوم واجباً فإنّ القضاء فرع الفوت والفوت فرع التعلق فالبحث عن ان القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول ليس معناه بتكليف جديد بل معناه هل انّ الفوت في الحال الأول كاف في الحكم بالقضاء أو يلزم بأمرٍ جديد به و ذلك لامكان فوت شيئ مع عدم وجوب قضاء له كما انّه قد يكون النهي باقياً مع انه يكون تركه جايزاً و لا يطالب به - كما في حال الضروره - فان أكل الميتة حرام والنهي عنه باقٍ بحاله لكن وجوب حفظ النفس أهمّ من حرمة أكل الميتة.

ثم انّ بعد هذا المبحث أبحاثاً أخرى تتعرض لبعضها اجمالاً :

ص: 101

1 - هل للأمر صيغة تخصّه بحيث متى ترد في غيره كان مجازاً . ؟

هذا التعبير كان موجوداً في عبارة متقدمي الأصوليين و قد ارتكب بعض المتأخرين فيه تغييراً بدعوى ان هذا العنوان لا معنى له إذ لفظة ( كل ) و ( اجمع ) موجودتان فلا مجال لهذا البحث .

و لكن هذا اشتباه منهم فان القدماء لم يقولوا ( هل للأمر لفظ يدل على كونه أمراً بحيث متى يرد لغيره كان مجازاً ) بل قالوا : هل للأمر صيغة تخصه ... ) والفرق واضح اذ الصيغة هيئة . فالمقصود أنّه هل هنا صيغة مخصوصة للأمر وضعاً ؟

والأكثر على العدم .

و قد تمسك بعضهم بأن الاسم هو ( صيغة الأمر ) فهذا وضع للأمر.

و أجيب بأن هذا مجرد اصطلاح لعلماء الصرف والنحو وكون هذا إسماً ليس المقصود خصوص الطلب المستعمل من العالي.

على أنه لو قلنا بأن الصيغة هذه إسم للأمر وضعاً فحينئذ لنا أن نسئل انّه حقيقة في الوجوب أو الندب أو الجامع ؟

بل الحقيقة فرع الوضع . و وضع الصيغة للوجوب والندب لا معنى له إذا الأحكام التكليفية ليست من مقولة المنشئات بل أنّها من الصفات النفسانية والحال ان صيغة افعل وضعت لانشاء الطلب.

توضیح ذلك . ان المفاهيم قسمان . قسم هو من قبيل المفاهيم المنشئة بحيث ما لم يكن انشاء لم يتحقق المنشاء في الخارج وذلك كالعقود والايقاعات.

والقسم الآخر هي المفاهيم الغير المنشئة و في هذا القسم تترتب الآثار سواء

ص: 102

كان هناك انشاء أم لم يكن و ذلك كالارادة النفسية التي تثبت آثارها من العلم والظن والشك سواء يقبل الانشاء أم لا . و غير خفي ان صيغة الأمر من مقولة الانشاء يقيناً بمعنى أنّها توجد النسبة والغرض من الطلب أيضاً هو الطلب الانشائي بل هو سابق عليه فهو سابق على الارادة الفعلية أيضاً فقد يكون الارادة الانشائية قائمة مقام الارادة الفعلية - كما لو اطلع العبد على وجود عدو في كمين المولى فيجب عليه دفعه حفظ المولى و إلّا استحق العقاب و لا يقبل عذره بعدم صدور أمر من المولى.

و لو كان الانشاء لازماً في الحكم التكليفي لم يكن الحكم مترتباً ما لم يترتب الانشاء مع ان الأثر يترتب كما في مثال العبد و مولاه . فالانشاء ليس إلّا لإعلام الارادة النفسيه .

فلو قلنا ان الصيغة حقيقة في الوجوب فالوجوب الذي هو من أقسام الحكم التكليفي ليس تحققه دائراً مدار الانشاء حتى يكون الوجوب من مقولة الانشاء .

لكن لا مجال للقول بأنها حقيقة في الوجوب والتعبير الذي استعمله المتقدمون من انّه هل للأمر صيغة تخصه كان أصح وأصلح فان الصيغة الخاصة بالأمر يمكن أن يكون بالوضع كما يمكن أن يكون وضعه لللازم و هذا اللازم ليس منفكاً الوجوب و أما ان الأمر حقيقة في الوجوب فلا صلاحية فيه لافادة هذا المعنى . و هذا ما قلناه ان عبارة القدماء أحسن من عبارة المتأخرين .

ثم إنّ الأمر يستعمل في عدة معانٍ و لو أننا قلنا بوضعه لأحد هذه المعاني كان من اللازم أن يكون بينه و بين المعنى المجازي علاقة بإحدى العلائق المرسله . و حينئذٍ فأي مناسبة بين هذه المفاهيم و بين الوجوب والندب ؟ و لهذا اعترف بعضهم بأن العلاقة بين معنى الأمر و بين هذه المعاني مما لم يحم حوله أحد . فالصيغة للبعث والبعث له أغراض و دواع فقد يكون في مقام التكليف كالوجوب والندب . أو فی مقام السؤال كما سبق توضيحه.

ص: 103

2 - افادة الأمر للوجوب أو الندب أو غيرهما

لا يخفى ان ماورد في المعالم(1) من ان صيغة افعل وما في معناها حقيقة في الوجوب فقط ... و ان قوماً قالوا بكونها حقيقة في الندب و قيل في الطلب و هو القدر المشترك بين الوجوب والندب إلى آخر ذكره قدِّس سرُّه مأخوذ من المتقدمين .

و عبارة الغُنية في المقام واضحة لائحة . حيث قال : إنّ الأمر الذي هو طلب الفعل و جامع بين الوجوب والندب يحمل اطلاقاً على الوجوب و على الندب ما لم تكن قرينة على الوجوب أو التوقف.

و قد ذكر في الدلالة على الوجوب وجوه . أحدها أنّه أحوط . و لا يخفى أنّه لو كان الاحتياط مقتضياً للحمل على الوجوب لم يكن احتياج إلى لفظ فانّ الاحتياط أمر عقلي خارج عن نطاق اللفظ.

و أما السيد في الغنية فلا يقول بعدم ارتباط هذا بالمبحث بل يقول : ان جعل من أصله خلاف الاحتياط.

و أما الندب . فقيل في وجهه أنّه بعدما ثبت الرجحان في الأمر نشك في ان هذا الرجحان مشدد و مؤكد ؟ والأصل العدم و مرجعه إلى الندب.

و أما الوقف . فوجهه انّ الوجوب والندب أمران متقابلان و لا رجحان لأحدهما على الآخر فيتوقف . فالقائل بالوقف ليس مقصوده أنّه لا يدري.

بل يدري لكن يرى أنّه في التقابل لا يوجد مرجح فلذا سكتوا عن اختيار أحد القولين الأولين .

والجواب عن التوقف . ان طلب الفعل جنس والمنع عن الترك فصل مميّز و

ص: 104


1- معالم الأصول : ص 39 .

لا يعقل ان يكون الفصل عرضاً لموضوع ثم يجعل عرضاً لموضوع آخر .

والحاصل ان الطلب يقع على الفعل والمنع عن الترك و كذا الاذن في الترك لا ربط لها بطلب الفعل فلا يقال : ان طلب الفعل هو المنع عن الترك بل طلب الفعل مع المنع عن الترك و لازم ذلك هو الطلب الشديد أعني الوجوب.

فالقائل بالوقف لا يقول بطلبين متقابلین شدید و ضعیف بل إذا قيل : الطلب يحمل على المنع عن الترك كان المطلب تماماً و كاملاً إلّا ان يكون المتبادر هو الاطلاق فيحمل على الوجوب و إن لم يثبت فالتوقف .

والحاصل . انّ القول بالوقف لا وجه له لرجوعه إلى أمر باطل أو محال فإنّه اذا قيل الوجوب هو طلب الفعل مع المنع من الترك . كان المنع من الترك فصلاً . و إذا قيل الندب هو طلب الفعل الاذن في الترك . كان الاذن في الترك فصلاً والحال ان

مع الواجب أو المندوب كفعل الصلوة مثلاً فإذا كان المنع من الترك فصلاً فلا يمكن أن يكون الفصل عرضاً قائماً بالضد والجنس عرضاً قائماً بالضد اذ الفعل والترك ضدّان .

فالمنع من الترك والاذن في الترك من لوازم المرتبة الشديدة و عند الشك تحتاج إلى الدليل و إلّا فالمرتبة الضعيفة متحققة و لذا لو لم تكن هناك قرينة على الوجوب (على القول بالوضع للوجوب ) فلابد ان يحمل الأمر على الندب . فأين التوقف ؟

3 - مبحث الطلب والاراده هل ان الطلب عين الارادة أو هو لازمها أو منفك عنها ؟

قد نسب إلى الأصحاب أن الطلب عين الارادة فالطلب التشريعي المراد للمولى لا ينفك عن ارادته.

والمنسوب إلى الأشاعرة ان الطلب يغاير الارادة و ان الطلب التشريعي منفك

ص: 105

عن ارادة المولى فيجوز وجود الطلب مع عدم حصول مراده في الخارج - كما قد تحصل الارادة ولا يحصل طلب خارجاً - فتأمل .

واستدلوا أنّه لو كان طلب الفعل عين ارادة الباري تعالى شأنه لزم عدم تخلف الارادة عن مراده مع أنا نرى عصيان العاصين لارادات المولىو تخلفهم عنها .

و هذا سهو منهم و غلط و خلط :

إذ فرق بين الارادة التكوينية والتشريعية ففي الأول لا قائل بتخلف المراد عن الارادة فليس هذا من محل النزاع . و أما الارادة التشريعية فليس كذلك إذ يك--ون البناء فيها على امهال العباد وامتحانهم .

مثال الأول . قوله تعالى : (يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم)(1).

و أما الثاني فانّ اللّه سبحانه تعالی قد شرع الشرع و جعل تحقق ارادته بارادة المكلفين و قد أبلغهم و أعلمهم و أتم الحجة عليهم و أمهلهم.

فلايقاس الارادة التشريعية بالتكوينية .

و من هنا يظهر الجواب عن مقالة أهل الجبر من ان العباد ليسوا مختارين و انهم - و إن أرادوا فعلاً - لكن لا أثر يترتب على ارادتهم لأنها لو كانت موافقة لارادته فالمؤثر هو ارادة الباري لا العبد . و لو أراد شيئاً و كانت ارادة الله على خلاف ارادة العبد فلا يعقل وقوع ارادته على خلاف ارادته لأن الله تعالى قوي والعبد ضعيف. فكيف تقع ارادة العبد الضعيف المخالفة لارادة المولى القوي العزيز .

أقول : هذا أيضاً خلط بين الارادة التكوينية والتشريعية . و ذلك لأن الله تعالى في مورد الارادة التشريعية - اراد صدور العمل من العبد اختياراً - و لو قلت - بأن العبد ملجاء - لزم منه تخلف المراد عن الارادة و معنى هذا ان الله تعالى قد أوجد

ص: 106


1- سورة الأنبياء : آية 69

وسائل الطاعة والمعصية و قد أقدر العبد على الاتيان والترك - و نظيره في افعال العباد ان أحداً يعطى ولده مبلغاً مع علمه بأنه غير قابل له لكن لو لم يعطه لعيّره الناس و تكلموا عليه أنّه بخيل و انه لا يصل رحمه و ولده . فهو يعطيه مع قدرته على المنع لكن يدفع إليه المال حتى يكون الولد باختيار و ارادة فلو أطاع الولد كان مأجوراً و إلّا عوقب عليه . فذكر هذا الكلام لا وجه له .

الحق انه لا دليل على المرة ولا على التكرار بمعنى انه ليس في الأمر تقييد بأي واحد منهما.

هذا و لصاحب المعالم هنا كلام وقع موقع التعقيب من جانب المحشين . حاصله : انه ليس الأمر إلّا لطلب المهية و هي تحصل بالمرة فيحصل الامتثال بالمرّه . لكنه فرق بين مانقول و بين القول بالمرة إذ هذا القائل لا يجوز عنده التكرار . و لكن طلب المهية لا ينا في المرة و لا المرّات(1).

و أما المحشّون على المعالم فقالوا بأن امتثال المرة مسقط للأمر والمرة الأخرى ليس عنواناً للأمر فسقوط الأمر إنّما هو بسبب الاتيان بالمرة و لو كان من باب طلب الماهية فقد حصلت المهية و لم يبق معه مجال للامتثال بمرة أخرى .

هذا و لم نر من أيّد كلام المعالم. لكن يتصور طريق إلى تصحيحه و هو يتفرع على بيان مراحل الحكم و ان الحكم التكليفي هل له مرحلة واحدة أو له مراحل ؟ فإنّ بعض الوجودات ليس لوجودها الخارجي مراتب و بعضها لها مراتب كالحصرم والعنب والتمر .

ص: 107


1- معالم الأصول : ص 49 إلى 51 .

والحكم التكليفي المتعلق بأفعال المكلفين من القسم الثاني و لها مراتب عبارة عن مرتبة التحقق ومرتبة التعلق ومرتبة التنجّز .

فالمكلف الذي هو في مرحلة التعلق إذا أتى بالمكلف به بدون وجود التعبد به في كلام الشارع سواء بالمرة أو التكرار لا يكون هذا الاتيان منه سبباً لرفع اشتغال ذمته.

نعم تكرار المأمور بواسطة أمر المولى في مرحلة التحقق فلا مانع منه .

مثاله : الصبي المميز . ليس له حكم في مرحلة التعلق لكن الاتيان به منه فانّه يأتي بالمأمور به التحقق فلا مانع منه بل إنّما هو ارفاق به فعمل الصبي صحیح شر و إن كانت ذمته غير مشغولة به بل انّه لا ذمّة له .

فكلام صاحب المعالم في الامتثال بالمرة إنّما يوجب سقوط الأمر التعلقي لا التحققي.

فهذا ما يمكن ان يكون وجهاً لتصحيح كلامه قدِّس سرُّه و توجیهه و تأییده .

ص: 108

العموم والخصوص

(1)

اذا جمعت في القضايا الخبرية أو الانشائية ثلثة أجزاء : الموضوع والمحمول والنسبة التامة بينهما فالموضوع فيها إمّا عام أو خاص فإن كان عاماً فالمحمول يكون بتبعه عاماً أيضاً و ان خاصاً فخاص و أما العموم الحكمي فهو يتولد من العموم الموضوعي و يثبت تبعاً له و حينئذٍ فإذا جاء التخصيص فهل هو في العموم المتولد أو في عموم الموضوع ؟ من البديهي ان في قولك اكرم العلماء الا زيداً . ان زيداً غير خارج عن ذات الموضوع فالتخصيص ليس في عموم الموضوع بل هو بالنسبة الى المتولد .

إن قلت . انّ الموضوع بوصف أنّه موضوع يكون خارجاً عنه الخاص فيخصص لا ذات الموضوع فالتخصيص راجع الى الموضوع إلّا أنّ الرجوع قسمان وج عن الذات وخروج عن الموضوع بوصف انّه موضوع - قلت - نعم و لکن مرجع ذلك إنّما هو الى الخروج عن الحكم.

ص: 109


1- قبل الورود في هذا المبحث راجع مقدمة الكتاب ( ص 5 )

فالخروج والتخصيص متعلق بعموم الحكم و لا شبهة و عليهذا فالبحث في باب العموم والخصوص إنما هو في عموم الحكم و هذا يظهر بوضوح من العناوين والأبواب مثل كمّية التخصيص و تخصيص الأكثر و إنّ العام المخصص مجاز أو حقيقة و حجة في الباقي أم لا ؟ و مما يرشد الى ذلك قول صاحب المعالم حيث أنّه قد احتفظ على عبارة المتقدمين و قال : ( الحقّ ان للعموم في لغة العرب صيغة تخصه)(1) و لم يقل

هل للعموم لفظ يخصه و هذا علامة ان مرجع البحث هو العموم الحكمي اذ المراد بالصيغة هي الهيئة التركيبية فإنّ في اكرم العلماء . معلومٌ انّ وضعه للعموم فإنّ العلماء جمع

محلّى باللام فالعموم الحكمي متولد من التركيب و إلّا فلا عموم . و على ذلك فمحل النزاع هو ان صيغة اكرم العلماء التركيبية هل وضعها للعام بحيث متى ترد لغيره كان مجازاً ؟ و قد نبّه أكثر القدماء بأنّه ليس للعموم صيغة تخصه و هذا بديهي فإنّه لا احتياج الى وضع الهيئة التركيبية للعموم بعد تولد العموم من عموم الموضوع فانّ هيئة ( اكرم العلماء ) و ( اكرم زيداً ) واحدة إلّا ان زيداً خاص فالحكم أيضاً وقع على الخاص و هكذا الحال في اكرم العلماء إلّا أن له أفراداً فالحكم أيضاً يسرى تبعاً الى افراد الموضوع فالعموم الحكمي متولد من الوضع والحمل و هنا نكتة يجب ذكرها و ان هذا التوليد هل هو على وجه العلّية التامة للعموم ؟ - بحيث لا يقبل الخلاف؟ -

أو أنه مقتض لذلك فيؤثر أثره ما لم يمنع عنه مانع . الصحيح هو مانع . الصحيح هو الثاني فهو مقتض للسريان فالكلام الشايع المعروف عند أهل اللسان الواقع في أهل اللسان الواقع في محاوراتهم من انه للمتكلم أن يلحق من اللواحق مادام متكلماً صحيح متين . كما في مورد الاقرار مثلاً فإذا قال له علىٌ ألف لابد من أن ينتظر الى أن يختم كلامه لصحة ان يقول في عقبيه إلّا مائة مثلاً . فعموم الحكم ليس إلّا على وجه الاقتضاء . و من هنا تبيّن انه لا مجال بل

ص: 110


1- معالم الأصول : ص 104 .

و لا وقع لبعض الابحاث الواردة في المقام مثل الاشكال الذي أورده بعض علماء العربية والأصول من وجود المناقضة بين ان يقول اكرم العلماء و أن يقول بعده إلّا زيداً . ثم تصدوا في رفعه و دفعه . فقال بعضهم ان في قوله له عندي عشرة إلّا خمسة من ان خمسة لها اسمان أحدهما خمسة والآخر عشرة إلّا خمسة و هذا من عجيب الاضحوكة و بعضهم على أن العام قد استعمل في أول الأمر في ماعدى الخاص والمستثنى والقرينة عليه هو وجود الاستثناء والخاص بعد ذلك. و بعضهم (عصام الدين من محققي العربيه ) قال : أنّه قد خرج الخاص أولاً ثم حمل الحكم على المستثنى.

أقول . دعوى استعمال الموضوع في ما عدى الخاص أو اخراج الخاص قبل الحكم بعموم المستثنى . ليس معناها إلّا الاخراج عن ذات الموضوع وسلب الموضوع عن العموم صحيح . و هذا لا معنى له والتخصيص لا يتوقف على استعمال الموضوع ابتداء في غير المعنى الحقيقى فالخروج عن موضوعيّة الموضوع عين الخروج عن الحكم و هو كما ترى . والتخصيص غير مناقض لصدر الكلام و هذه الوساوس ليس إلّا من جهة التصرف في الموضوع و لكن الجواب الصحيح هو انّ الحكم مراعي الى تمام الكلام . فعليهذا فقد استعمل اللفظ في معناه الحقيقي و له الصلاحية للتخصيص و لاستقراره على ظاهره.

و ظهر أيضاً انه لا مجال لترديد القوم في أنّه هل يوجد اللفظ الموضوع للعام أو لا ؟ اذ اللفظ موجود و لكن العموم المقصود ليس هو الموضوع والقول بالاشتراك و غيره لا معنى له بل ان عموم الحكم لا يحتاج الى وضع لفظ.

ثم ان هنا بحثاً آخر و هو انّ عموم الحكم كما عرفت متولد من عموم الموضوع و لكن ذلك قد لا يكون كذلك كالنكرة الواقعة في سياق النفي فإنّه مفيد للعموم مع ان مفاد النكرة واحد اثباتاً و نفياً إلّا أن عموم الحكم باعتبار السلب عن فرد بعينه لا يصدق إلّا بسلب جميع الافراد و هذا واضح في ( مارأيت رجلاً - و رأيت رجلاً )

ص: 111

فان في الثاني يحصل الصدق برؤية رجل واحد فسواء في الخبرية والانشائية و لهذا كان هذا الفرق ثابتاً في الأمر والنهي ففى الأول يحصل بفرد واحد أو مرة كذلك و أما في الثاني فلا يصدق إلا بترك جميع الأفراد والمرّات .

و هكذا في مثل بعت الدار إلّا نصفها فإنّ الدار فرد ذو أجزاء و لكن فرق بين ذي الاجزاء و ذي الافراد فإنّ زيداً له أجزاء أيضاً وكذلك الدار إلّا أنّه ليس في البين إلّا فرد واحد و معذلك فعموم الحكم متولد من سراية الحكم في الافراد فتعلق الحكم بكل ذي أجزاء إلّا أنّه قد يسري الى الأجزاء و قد لا يسري . والثاني كما في زيد فلا يقال بعته إلّا يده أو اشتريته إلّا رأسه والأول كالدار فتقول بعتها إلّا نصفها فيسري الحكم في الاجزاء فهذه الاجزاء ذو افراد بالنسبة الى الحكم فاجزاء في جانب الموضوع و افراد في جانب الحكم فقد انفكّ العموم الحكمي عن الموضوعي في بعض الموارد فقد تكون ذات الموضوع عاماً دون الحكم و هذا أيضاً من جملة الشواهد الشاهدة على ان محل البحث هو تخصيص الحكم لا الموضوع .

ثم . ان عموم الحكم قد يفترق عن عموم الموضوع فالثاني ليس عاماً بخلاف الأول كالنكرة في سياق النفى و كتعلق الحكم بكل ذي اجزاء مع السراية الى الاجزاء كالبيع بالنسبة الى الدار والعتق بالنسبة الى الرقبة و قد اتضح بهذا ان ماذهبوا اليه بأنّ عموم الحكم يثبت بمقدمات الحكمة فيما اذا لم يكن اللفظ مفيداً للعموم وضعاً كالمفرد المعرف باللام مثل أحل اللّه البيع . لا حاجة اليه . فإنّ العرض قد يكون عرض الوجود فما لم يكن وجود في الخارج لم يتصور ارتباط العرض به كالقيام والقعود . و قد يكون عرض الماهية مثل الأربعة زوج فالزوجية مرتبطة بالأربعة سواء كانت هنا أربعة أو لم تكن و معنى ارتباط العروض بالماهية لاينا في القضية الفرعية و هي ( ثبوت شيئ لشيئ فرع ثبوت المثبت له ) فإنّ الثبوت الأصلي فرع ثبوت المثبت له و أما الثبوت الربطي فليس كذلك والنسبة بين مفهومين أو موجودين أما اتصال أو انفصال

ص: 112

والاتصال فرع وجود الموجودين و كذا الانفصال إلّا أن يقال بأنّ الانفصال أمر عدمي و إلّا فلو كان وجودياً فلم يكن فرضه إلّا بعد فرض موجودين كما و انه لابد و ان يكون نوع ربط بين الانسان والحجر حتى يصح أن تقول ان النسبة بينهما التباين و هذا التحقق في النسبة بين كليين إنّما هو قبل وجودهما في الخارج لوضوح ع-دم امكان التماثل بين جزئين موجودين ولا يتصور صدق أحدهما على الآخر . والحاصل ان الموجود الخارجي لا يتصور التباين والتساوي بينه و بين الموجود الآخر. و بالتالي فلو كان العرض عرض الماهية فهو يسري في جميع الافراد فإنّ المهية من حيث هي ! لا تعدد فيه بل التعدد من حيث سريانها في الافراد و ما كان عارضاً لها يسري الافراد تبعاً لها و سريان المهية في الافراد ليس على سبيل العموم فإنّ العام ناظر الى الافراد و أما اسم الجنس فلا نظر له في نفسه لذلك مع ان له السراية في الفرد فإذا عرض الحكم لاسم الجنس و للطبيعة و فرض أيضاً كونه عارضاً للمهية فلا مجال بعد ذلك لعموم الافراد إلّا باعتبار المهية و سريانها في الافراد فمحمول الطبيعة أيضاً يسري في الافراد و حلية البيع في ( أحل اللّه البيع ) من هذا القبيل بمعنى أن البيع قبل ايجاده خارجاً إمّا حلال أو حرام ولا يلزم البحث عن ان هذا المفرد المعرف الذي لا عموم له هل الحكم فيه متعلق بعينه أو لا بعينه أو بجميع الافراد كل ذلك لا يكون . اما اللابعينه فلانّه ترجيح بلامرجح و لا ثمرة له أيضاً و لا فايدة بل الفايدة تتحقق فيما اذا حملناه على الكلي و إلّا كان منافياً صريحاً للكلام فلابد من حمله على جميع الافراد (إلّا ما خرج بالدليل الخاص ) . فإن قلت : انّ المعرف باللام قائم مقام الجمع المحلى باللام قلت : نعم هذا صحيح فيما لو كان الحكم متعلقاً بالموضوع و أما لو تعلق بالطبيعة قبل وجودها في الخارج فلا احتياج الى هذه المقدمات فالطبيعة سارية و عليه فالسريان موجود هنا فإن قولنا الأربعة زوج ( لا بمعنى كل أربعة بل هذه الأربعه) ان الزوجية عرض لماهية الأربعة فوجودها الخارجي لايوجب الزوجية

ص: 113

بل هي ذاتاً زوج كما ان الثلثة فرد ذاتاً . وقد سبق ان هذا لاينافي القضية الفرعيه.

و من هنا يظهر ان ما زعمه التفتازاني في ان عروض العرض قبل الوجود الخارجي غير معقول . هذا زعم فاسد ناشٍ عن عدم التوجه . ثم انه قال بأن مرجع عرض المهية ليس إلا الى عرض الوجود كالاحراق بالنسبة الى النار في الخارج .

أو الى عرض الوجود الذهنى كالكلية بالنسبة الى الانسان أو الى كليهما كالأربعة فانها عرض للأربعة لوجودها الخارجي والذهني .

أقول . كأنّ صدور هذه الكلام منه كان لأجل عدم حصول منافاة بين القضية الفرعية وبين تقسيم العرض . و لكنه لا يخفى عليك ان هذا مما لا حاجة اليه ولا معنى للوجود الذهني مضافاً الى الخلط بين الثبوت الربطي والثبوت الأصيل ( في قولهم ثبوت شيئ لشيئ الخ ) .

فلنرجع الى ما كنّا فيه . و هو ان عموم الحكم قد يكون موجوداً دون عموم الموضوع كالنكرة في سياق النفي وفيما كان الحكم تعلق بكل ذي اجزاء و في بالطبيعة . و قد يكون عموم الحكم متولداً من عموم الموضوع كما في اكرم العلماء . كما انه قد يكون كل منهما مفترقاً عن الآخر وهذا مما قد غفلوا عنه و مثاله تزوج الابكار و جالس العلماء فهنا جمع محلّي باللام و مفاده في المثال باق على حاله إلّا أنّه لا يكون شمولي كما في اكرم العلماء بل بدليّ فالموضوع له عموم شمولي وارتباط الحكم بهذا الموضوع منصرف اطلاقاً الى الشمولي اذ عموم الموضوع شمولي إلّا أنّ القرينة الخارجية يردّ هذا العموم الشمولي الى البدلي فهذا العموم البدلي ليس تصرفاً في اللفظ بأن ينسلخ الجمع عن كونه جمعاً فمادام خالياً عن القرينة ينصرف الى الشمولي و لكن الحكم المتعلق به بدلي فيصرفه الى نفسه و لذا قالوا في قوله سبحانه تعالی: إنّما الصدقات للفقراء والمساكين الخ )(1) انه لا يجب البسط فانّ عموم الحكم بدلي مع ان

ص: 114


1- سورة التوبه : آية 60 .

الصدقات جمع جمع مستعمل في الجمعية . والمتحصل الى هنا ان العمومين قد يجتمعان كما في اكرم العلماء و قد ينفك الحكم عن الموضوع في العموم وقد يكون بالعكس.

و اذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لابد عليهذا أن يكون المقصود بالعموم والخصوص في كلمات الأعلام والسنة الأصوليين هو في الحكم دون الموضوع .

هل للعموم صيغة تخصه ؟

ليس للعموم صيغة تخصه اذ عرفت ان العموم مقتضى التركيب والتركيب له معنى جامع و هو اما بالنسبة الوقوعية أو القياميّة و هذه النسبة موجودة في ك--ل تركيب و لا فرق بين الهيئات التركيبية في مفادها بسبب اختلاف مواردها إلّا أن هذه النسبة في بعضها عامة و في بعضها خاصه فالهيئة التركيبية في اكرم زيداً و في اكرم العلماء واحدة و لا اشتراك بينهما .

و هنا بحثٌ آخر و هو ان الجمع المحلّى باللام هل يفيد العموم وضعاً حيث لا عهد ؟ أقول من المعلوم ان حرف التعريف الداخل على الاسم ليس يوجب وضعاً آخر و لا يحصل بسبب دخول الحرف وضع ثانوي حتى يكون من قبيل (زيد منطلق) مثلاً علماً . بل العلماء باق على مفاده الأصلي ذهناً أو ذكراً و حرف التعريف ليس له إلّا اشارة الى مدخوله فإن كان المشار اليه معنى معهوداً فيرجع اليه و إلّا فلا يحمل على بعض دون بعض لاستلزامه الترجيح بلامرجح و حينئذ لابد و ان يشار به الى كل أفراد الجمع فلذا كان له الانصراف عرفاً من دون وضع جديد والحاصل ان الجمع المنكر والمعرف لا يتفاوت الوضع فيهما إلّا باعتبار مفاد اللام و من هنا يعلم أن المفرد الذي يفيد العموم إنّما هو لأجل القرينه.

والحاصل ان أكثرهم قالوا بأنّ الجمع المحلى باللام يفيد عموم الموضوع و يتولد

ص: 115

منه عموم العموم والخصوص عموم الحكم و ذلك كله حيث لا عهد . و لكن الخلاف ليس في ذلك فحسب بل يجري بينهم في الجمع المضاف كما في قوله سبحانه تعالی: خذ من أموالهم صدقه )(1). و هذا أيضاً في حكم الجمع المحلّى في أفادته العموم بل قد يجري هذا العموم في بعض المفردات أيضاً إلّا أنه في المفرد المعرف باللام موضوع البحث و محل الكلام بأنه هل يفيد العموم موضوعاً حتى يثبت بتبعه عموم الحكم أو ليس كذلك ؟ و قد تمسك بعضهم في أفادته العموم بقوله عزوجل: أحلّ اللّه البيع ) و باستعمالات أهل اللسان حيث وصفوا المفرد المعرف باللام بالجمع المحلى باللام كما في الحديث ( أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر ) فلو لم يفد العموم لم يتصف بما اتصف . وقد أورد على ذلك صاحب المعالم بما حاصله(2) أنّا لاننكر استعمال المفرد المعرف باللام احياناً في العموم إلّا أنه ليس ظاهراً فيه نعم يأتي كذلك القرينة فالاستشهاد بقوله علیه السلام:أهلك الناس الخ لا يصح.

أقول . إنّ مقالة صاحب المعالم أيضاً غير تامة لظهورها في أنه قد يستعمل للعموم وقد لا يستعمل . مع ان المستعمل فيه في كل من المفرد المعرف والجمع المحلى واحد سواء استفيد العموم من الجمع المحلى أو لا - ففي أحل اللّه البيع لم يستعمل البيع في البيوع إلّا أن العموم قد يستفاد من قبل الحكم باعتبار ع-روضه على الطبيعة السارية في الافراد و أما أهلك الناس الخ . فيدل على أن الجمع فيه قد سقط العموم اذ ليس المقصود ان كل فرد فرد من الدراهم والدنانير مهلكٌ بل المراد ان هذا الجنس مهلك للناس و عليهذا فاللفظان ( البيض والصفر ) من قبيل تزوج الابكار باعتبار عروض الحكم على الطبيعة فهذان الجمعان في حكم المفرد الراجع الى البدلي.

ص: 116


1- سورة التوبه : آية 103
2- معالم الأصول : ص 109 .

مقدار التخصيص

اختلفوا في مقدار التخصيص . فهل يجوز الى أن يبقى من العموم واحد . أو الى أن يبقى مدلول الجمع أو بحيث يبقى كثرة قريبة من العموم كما ذهب اليه أكثر الأصوليين وجوه. واستدل الأكثر باستهجان قول القائل أكلت جميع ما في البستان من الرمان والحال أنّه لم يأكل إلّا واحدة أو اثنتين فإذا كانت فيها خمسمائة . يقول أكلت جميع الرمان في البستان إلّا أربعمائة و تسعين ( مثلاً ) فهذا مستهجن و هو دليل عدم الجواز.

أقول. الاستهجان في المقام صحيح لا ننكره إلّا أنه ليس من أجل التخصيص الى ذلك الحد بل لوجود نقض غرض الكلام فإنّ لفظة (كل . و جميع ) مثلاً و غيرهما ألفاظ تدل على العموم و واردة مورد رفع توهم التخصيص فقولك اكرم العلماء كلهم. كلمة الكل تأكيد لرفع توهم التخصيص في الجملة والتأكيد في عرف النحاة و إن كان تابعاً لوجود شيئ حتى يكون هذا مؤكداً له إلا أن بحسب المعنى لم يكن فرق بين اكرم جميع العلماء و اكرم العلماء جميعهم ولا تفاوت بينهما في المفاد إلّا في بعض الخصوصيات فقول القائل أكلت جميع ما في البستان إنّما هو في مقام رفع توهم التخصيص و عليه فلا مجال لكون التخصيص الى تلك الدرجة المذكوره .

إن قلت . إنّ لفظ العلماء كما يفيد عموم الموضوع فكذا عموم الحكم . قلت : ليس الأمر كذلك بالبداهة فإنّ هذا اللفظ قبل التركيب ليس له مجال لافادته عموم الحكم و بعد التركيب ليس له وضع آخر والوضع في الهيئة التركيبية ليس إلّا مفيداً للنسبة سواء كان محل النسبة عاماً أو خاصاً فلا ربط لهما بمفاد النسبة فإن كان أحد طرفي النسبة عاماً كان المحمول كذلك أيضاً و إلّا فلا و هذا إنّما هو بمقتضى وضع

ص: 117

الحمل لا الوضع فلا مجال للتجوز . و عليهذا فإن زعمت أن تولد عموم الحكم من عموم الموضوع علة بنحو العلية التامه بأن يكون كلما عم الموضوع عم الحكم و بعده لا يجوز التخصيص . فهذا بديهي . فإنّ للمتكلم أن يلحق بكلامه ماشاء م-ن اللواحق مادام متكلماً و هذا الكلام المعروف ليس أمراً تعبدياً بل حصل العلم به من موارد الاستعمالات و لو كان في البدء متجهاً الى نحو خاص إلا أن استقراره في تلك الجهة موقوف على ذيله و نهايته . فعموم الحكم ليس معلولاً لعموم الموضوع بالعلّية التامه بل هو مقتض له بمعنى انه ما لم تكن قرينة كان العموم بحاله و إن كانت فلا منافاة فالتخصيص غير مناف للعموم الاقتضايي فإنّ الموضوع العام يقتضي عموم الحكم لو خلّى و طبعه و ما لم تنصب قرينة على الخلاف فإذا قامت القرينة كما في تزوج الابكار فيخرج الحكم عن عمومه لوضوح عدم امكان تزوج كل باكرة في العالم فالقرينة موجودة من أول الأمر على كون العموم بدلياً لا شمولياً .

والذي تحصل من هذا المبحث انه لما لم يكن جواز التخصيص مقتضى الوضع و لا الهيئة التركيبية فلا مجال لتحديد التخصيص و بيان مقداره و لا منع في ذلك إلّا أن يكون في الكلام نقص من جهة أخرى كالاستهجان المذكور مثلاً بسبب نقض الغرض من الكلام و غيره .

ص: 118

التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيه

اذا ورد عام و خاص واشتبه ان الفرد الفلاني هل هو مصداق للعام فيدخل في حكمه أو للخاص حتى يشمله حكمه ؟ فالأكثرون على عدم الحكم بانداجه تحت العام وذهب بعض الى التوقف و لا قائل صريحاً باندراجه تحت الخاص . كما اذا قيل اكرم البصريين إلّا الجلساء منهم ثم شك في فرد انه من مصاديق العام والمستثنى منه أو الخاص المستثنى .

والحق في المقام التفصيل . بيان ذلك . إنّ هذا الكلام امّا يجري في القضية اللفظية أو في النفس الأمريه . توضيحه . إنّه لا شبهة في وجود الحكم الواقعي والحكم الظاهري والثاني في طول الأول اذ الأول ينظر الى ثبوت المحمول لافراده الواقعية و الثاني فينظر الى الترديد في الحكم الواقعي مع الجهل به فيكون الحكم الظاهري وظيفة فهو متأخر موضوعاً عن الحكم الواقعي والقضية الواحده يستحيل ان تكون ناظرة الى بيان الحكمين فإذا قلت اكرم العلماء . فلا يمكن أن يكون نظر هذه القضية الى كل من المصداق الواقعي والمصداق المشتبه فإن ( العلماء ) وضع لمعنى ينطبق واقعاً علی زید و عمرو و بكر وكل متصف بالعلم واقعاً فالاكرام يتعلق حكمه بالافراد الواقعية فهذه القضية لا يمكن والحال هذه أن تنظر الى الحكم الظاهري و إلّا لزم تقدم مدلول القضية الواحده و تأخره ويكون من قبيل استعمال المشترك في أكثر من معنى بل الأمر في مانحن فيه اشنع من هناك فان في استعمال المشترك يكون المعنيان أو المعاني كل منها في عرض الآخر و اما هنا فأحدهما في طول الآخر .

ص: 119

والمتحصل ان عموم الحكم لا يعقل كونه ناظراً الى الأفراد المشتبه فلا مناص من هذه الجهة سوى التوقف اذ لا يعلم ان هذا المصداق المشتبه هل هو من الافراد الواقعية أو من الافراد التي هي في طول الافراد الواقعيه . و من هنا يظهر ان التفصيل الذي ذهب اليه صاحب الكفاية(1) بين المخصص المتصل والمنفصل والحكم بالدخول تحت العام في الأول دون الثاني أو التفصيل بين المخصّص اللفظي أو اللبي . كل ذلك لا وجه له . و قد استشهد قدِّس سرُّه به من أنه لو قال المولى اكرم جيراني مع وجود المخصص اللبي بأن لا يكون الجار عدواً له فإذا اشتبه جار بين كونه عدواً أو صديقاً و ترك العبد اكرامه ان للمولى مؤاخذة العبد على عدم اكرامه مع عدم علمه بأنه عدوّ له. أقول . هذا أمر صحيح و لكن ليس الوجه فيه كون المخصص لبياً فإنّ ذلك يجري بعينه في المخصص اللفظي كما اذا قال اكرم جيراني و لا تكرم أعدائي منهم بل الوجه فيه ان هذا من باب الاقتضاء والمنع فإنّه اذا ورد وصف فيالموضوع فهو اما مناط و ملاك للحكم أو معرف صرف من غير دخل في الملاك أو منبّه على عموم الحكم فيها اذا توهم كون صفة مزيلاً للحكم كما تقول تجب الصلوة على المريض في مورد توهم عدم وجوبها عليه.

فإذا قال المولى اكرم جيراني فمن المعلوم ان الحكم بالاكرام إنّما هو باعتبار الجوار فالمقتضى للحكم هو المجاورة والعداوة مانع عنه والمولى لم يقل اكرم جيراني اذا كانوا أصدقائي فلو استثنى و قال اكرم جيراني إلّا أن يكونوا أعدائي فهذا مما يدعوا الى الحكم بأن الجوار مقتض والعداوة منشأ للمنع .

و بعبارة أخرى . انه اذا قال اكرم جيراني و لا تكرم أعدائي فالفرد الفلاني إمّا معلوم الصداقة أو معلوم العداوة أو مشكوكهما فإذا صرح بعدم اكرام العدو و منع عنه فيعلم انّه قد جعل الصداقة مقتضياً مطلقاً للاكرام فقد تحصل من ذلك كله ان في

ص: 120


1- كفاية الأصول - ص 222 - طبعة مؤسسة آل البيت علیهم السلام.

القضية اللفظية قد أحرز المقتضي و هو الصداقة فإذا شك في المانع و هو العداوة يكون المرجع الحكم بعموم المقتضى و ادخال المصداق تحت حكم العام فصح مؤاخذة المولى عبده على عدم اكرام المصداق المشتبه.

فهذا الذي استشهد به صاحب الكفاية مرجعه الى قاعدة المقتضى والمانع التي جعلناها مبنى أبحاثنا في الأصول . فإن قلت : ان العداوة مانع . قلت هذا لا يوجب عدم عموم الاقتضاء بل المقتضي موجود في الجيران أجمع و إنّما العداوة مانع عن فعلية المقتضي بالنسبة الى وجوده .

و بالاخره فكلما كان وصف مناطاً للحكم ظاهراً ( مثل صل خلف العادل ) فهو ما يتناسب مع الحكم و اما لو كان معرفاً للحكم فلا تناسب له معه كما في ( اكرم الجالس) اذ البديهي أن الجلوس عرفاً لا دخل له في الحكم و لا ربط له به ولا نعلم

ان سبب اكرامه هل هو الرَحِميّة أو الفقر أو الدين أو العلم فلابد من التوقف هنا .

و تلخص مما ذكرنا أنّ الحق في المسئلة هو عدم الاندراج تحت العام و لا تحت الخاص . و لكن قد يصح ذلك كما فيها اذا أحرز المقتضى و شك في المانع أو فيما اذا علم القدر المتيقن كالتحيض اذ هو موجود عموماً الى الخمسين و أما الى الستين في خصوص القرشية والنبطية فإذا اشتبه مصداق بين أن تكون منهما أو من غيرهما فذهبوا الى أصالة أصالة عدم عدم القرشية والنبطية وقد استشكل بعضهم في هذا الأصل فإنّ النسبة الى قريش و غيره على حد سواء والترجيح بلامرجح فلا يمكن المصير الى أصالة عدم القرشيه . أقول : إن كان الحكم في القرشية والنبطية و في غيرهما عَرضياً بأن يكون لهاتين حكم و لهذه حكم . فالاشكال واضح و لكن كل منها مشتركة تحت الحكم الى الخمسين والزايد عليه مشكوك و عدم القرشية لا مدخل له فإذا شك في وجود الزايد على الخمسين و عدمه فالأصل عدمه . فلا ضير في جريانه و هذا و إن كان أصلاً موضوعياً إلّا أنّه حيث كان باعتبار الحكم الشرعي بمعنى أن القرشية لها حكم زايد فلا مانع في الجريان والمتحصل ان عدم الدخول هنا تحت حكم القرشية

ص: 121

إنّما هو من باب القدر المتيقن والزايد محكوم بالعدم .

اذا تبين ماذكرنا من أول المبحث الى هنا ظهر لك التفصيل الذي أشرنا اليه في صدر المبحث و هو انه اذا كان الشك لضيق الدائره و لم ندر ان المصداق من أفراد العام أو الخاص فلا وجه للقول باندراجه في تحت أي واحد منهما . و اذا أحرزنا المقتضى للحكم من الخارج واستكشفنا بأن الخاص قد استثنى في العام لوجود المانع لا لفقد المقتضى وذلك في القضية النفس الأمرية و فهمنا من القرائن أن العام مقتض للعموم حتى فيما وجد فيه المانع فإذا كان مصداق مشتبه و قد أحرز المقتضى و شك في المانع فنختار اندراج هذا المصداق تحت العام مثلاً اذا قال اكرم العلماء ولا تكرم الفساق فالعلم مقتض والفسق مانع ( لا أن يكون العدالة شرطاً فلابد من احراز الشرط ) فإذا اشتبه أحد في المصاديق فنحكم ببركة احراز المقتضى فيه بدخوله تحت حكم العام فيؤخذ بالمقتضى ولا يعتنى بالمانع . فكما ان الاستثناء جايز في القضية اللفظية و في الخروج الموضوعي فكذا يجوز ذلك في المقرون بالمانع فإذا كانت الشبهة المصداقية من هذا القبيل فلا وجه لدخوله تحت العام إلّا باعتبار رجوعه إلى قاعدة الاقتضاء والمنع . فإن قلت : إنّ هذا ينافي ماذكرتم سابقاً من أن العام مقتض لجميع أفراده فالمقتضى في كل منها محرز و انّ العموم في اكرم العلماء يقتضى شمول زيد و قوله ( إلّا زيداً ) إنّما هو لوجود المانع . قلت : فرق بين الاقتضاء في القضية اللفظية و في القضية النفس الأمرية ففي الأول يرجع ذلك الى أنّك لو شككت في وجود مانع او استثناء فتحكم بثبوت المقتضى حقيقة من دون تجوز و اما في القضية النفس الأمرية فالتخصيص ثابت و لا شك فيه إلّا أنه لا نعلم بأنّه يرجع الى المانع أو الى الخروج الموضوعي و عليهذا فلابد من التوقف لكن اذا أحرز ان العام له اقتضاء في نفس الأمر والاستثناء إنما هو لوجود المانع فيحكم بعموم الاقتضاء(1).

ص: 122


1- قبل الورود في المقصد الثاني من هذا الكتاب راجع مقدمة المؤلف . الصفحة 5

ص: 123

ص: 124

المقصد الثاني فى الظن

قد عرفت أن الشيخ قدس اللّه أسراره قسم المكلف الى قاطع و ظان و شاك(1) و قد مرّ هناك أن الأولى أن يعبّر بالعلم دون القطع والكلام هنا إنّما هو في الظن فنقول من باب المقدمة أن الحجية ذاتية للقطع كما سبق في محله فلا تناله يد الجعل لا اثباتاً و لا نفياً و الا لزم الدور والتسلسل والتناقض.

و أما الشك فجعل الحجية له غير معقول ضرورة تساوي نسبته الى طرفيه و جعل الحجية بالنسبة الى طرفيه تناقض و الى طرف واحد ترجیح بلامرجح.

و أما الظن فهو باعتبار أنّه رجحان أحد الطرفين فليس حاله حال القطع من كون الحجية ذاتية له و لا مثل الشك في امتناع جعلها له و معذلك فقد قسم الشيخ أمر الظن الى قسمين أحدهما امكان التعبد به و عدمه و قد نسب الى بعض امتناعه (2) و سيجيئ الكلام فيه و ثانيها انّه بعد فرض الامكان فهل هو واقع شرعاً أم لا ؟ و لابدّ أولاً من بيان معنى الحجة و شرح حقيقتها ثم النظر في المقصود . فنقول:

إنّ الحجة عبارة عن الواسطة في الاثبات والمراد هو الثبوت الذهني لا الخارجي الذي بمعنى الايجاد اذ لو كان المقصود هو الايجاد الخارجي للزم اختصاصه باللمى و لما صح التعميم بينه و بين الانّى فإنّ العلة هي الواسطة فى الايجاد لا المعلول

ص: 125


1- فرائد الأصول : مبحث القطع ، ج : 1 ص 1 .
2- فرائد الأصول : مبحث الظن ، ج 1 ، ص 106

فالمراد بالواسطة في الاثبات الواسطة في أفادة العلم بثبوت النتيجة من المعلول بالعلة أو العكس فكل منها واسطة فيه و قد نبّه الشيخ على ذلك بقوله(1) ان اطلاق الحجة على القطع مسامحة أو توسع في التعبير و ليس بحسب الميزان بداهة عدم وقوع القطع واسطة في الاثبات بالنسبة الى مقطوعه و الا لزم التكرر في القطع فالواسطة في الاثبات أي في ثبوت النتيجة عند الذهن مع ان القطع عين الثبوت ولا تعقل وساطته في اثبات مقطوعه فلذا قد أفاد بأن ليس اطلاق الحجة على القطع الطريقي كإطلاقها على ساير الموارد أي الامارات المعتبرة شرعاً فإنّ الحجة عبارة عن الوسط الذي به يحتج على ثبوت الأكبر للأصغر ويصير واسطة للقطع بثبوته له . الخ . و لا يخفى ان التعليل الواقع في كلامه الشريف أعني قوله ( لأنه بنفسه طريق الى الواقع (2)) أيضاً مسامحة و كان بالجدير أن يقول لأن القطع هو الوصول بنفسه لوضوح ان الطريق موصل والوصول هنا هو العلم بالنتيجة فالقطع وصول لا موصل - لكن هذا يتم فيما لو كان القطع واسطة في الاثبات بالنسبة الى مقطوعه اذ من المعلوم انه لا واسطة بين القطع و مقطوعه و اما لو كان واسطة في اثبات تنجز حكم آخر فلا مانع من اطلاق

الحجة عليه حينئذٍ فالقطع علة لتنجز الحكم لا لنفس الحكم فإنّ الحكم سابق عليه فلا علية في القطع بالنسبة الى الحكم فيكون المعنى أنه قبل القطع لم يكن تنجز و إنّما القطع أوجده فالقطع بالنسبة الى التنجز دليل لمى و هذا بخلاف الأدلة حيث أن فيها يصل العلم بالعلة من المعلول فإنّ العلة في ايجاد قوله سبحانه أقيموا الصلوة أو قوله حرم الربوا هی وجوبها و حرمته فالأدلة الشرعية معاليل عن ارادة المولى فالاستدلال بالأدلة إنّما هو من المعلول بالعلّة و لكن القطع بالعكس حيث انه علم

ص: 126


1- فرائد الأصول : مبحث القطع ، ج 1، ص 30.
2- فرائد الأصول : ج 1 ص 29

بالمعلول من العلة فيحصل العلم بالتنجز بسبب القطع فالعلم بالتنجز هو العلة لا المعلول فما لم تكن علة فلا تنجز كما انه يثبت التنجز بسبب ساير أسبابه كالالتفات والقدرة و غيرهما من الأسباب والشرايط و ينتفي بانتفاء أحدها.

فقد تحصل مما ذكر أن نفي الحجية عن القطع لايتم على اطلاقه لما عرفت من اختصاص نفيها عنه بما اذا فرض كونه واسطة في اثبات مقطوعه والعجب من الشيخ قدس الله أسراره أنّه نفى الحجية عن القطع بالمعنى المذكور و لكن أثبتها للظن حيث قال في مبحث القطع ان اطلاق الحجة عليه ليس كإطلاق الحجة على الامارات المعتبرة شرعاً الخ(1) يعني من حيث أن هذه الامارات كالبينة والفتوى وسايط للاثبات فإنّه يتوجه عليه حينئذٍ أنه هل الظن في طول العلم أم لا - ؟ والمقطوع به هو الأول و عليهذا فلو كانت له حجية لما كانت إلّا التنجز فإنّه بالنسبة الى مظنونه لا يقع واسطة في الاثبات كما كان الحال كذلك في القطع فمعنى اعتبار الظن هو ايجابه لتنجز الواقع إلّا أنّ التنجز في العلم واقعي و في الظن ظاهري والحاصل أن نفي الحجية عن القطع بالاطلاق توسع في التعبير و إلّا فلا مضايقة له في ذلك بالنسبة الى تنجز حكم آخر و لا وجه للتفكيك بين الظن والقطع بأن يكون اطلاق الحجة على الظن أمراً متعارفاً فيقع واسطة في اثبات الظن بالنسبة الى التنجز فيوجبه عقلاً كالقطع حيث كان يوجبه ذاتاً بخلاف ما لو كان واسطة في اثبات مظنونه فهذا غير صحيح کما عرفت فإنّه لابد من أن يكون بين الشيئين ملازمة فيكون أحدهما علة والآخر معلولاً و أما الظن بالنسبة الى ذات المظنون فليس علة ولا معلولاً و هكذا العلم و أما بالنسبة الى التنجز فتوجد العليّة والمعلولية ذاتاً أو جعلاً كما تلى عليك .

و اذ قد اتضح علّية العلم للتنجز وصحة وقوعه واسطة لاثباته فاعلم أنّ

ص: 127


1- فرائد الأصول : ج 1 ص 29

التنجز متفرع على مرحلة التعلق فما لم يكن تعلق لم يكن تنجز و هذه المرحلة هي التي فيها للعذر أو التنجز مجال فيمكن أن يكون التعلق موجوداً و لكن يكون المكلف معذوراً و أثر ذلك يظهر فيها اذا كان الحكم بالقضاء فيثبت بعد ارتفاع العذر كما في قوله سبحانه تعالی :(و من كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر )(1) و منه قوله تعالى : (وإن كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة)(2) فقد تعلق الحكم في أمثال هذه الموارد لكن لا بنحو يدور الأمر بين الاطاعة والعصيان والمانع عن تحقق العصيان هو العذر الموجود و لكن لما كان الحكم منجزاً فالأمر دائر بين الحالتين - والتعلق أيضاً فرع التحقق أعنى مرحلة تقنين القانون و تشريع الشرع فهذا قبل التعلق و لذا ورد

أن شريعة محمد صلی الله علیه و آله و سلم مستمرة الى يوم القيامة حيث أنّها تشمل الغايب والحاضر والموجود والمعدوم الى قيام القيامة فإنّه و إن كان تشريع الشرع بلحاظ المكلف و إلّا كان لغواً إلّا أن وجوده غير لازم عند مرحلة التحقق نعم لابد من وجوده في عالم التعلق كما هو واضح - فقد تبين مما ذكرنا أن للحكم مراتب ثلث . تحقق و تعلق و تنجز .

و لكن صاحب الكفاية قدس اللّه روحه قسم مراتب الحكم الى أربعة و جعل كل واحدة منها مقدمة لرفع اشكال اجتماع الضدين الوارد في مبحث امكان التعبد بالظن و محصل كلامه(3) : ان لكل من حكمي الواقعي والظاهري مراتب أربع الشأنية والانشاء والفعلية والتنجز و ذهب الى انه لو اجتمعت المراتب الأربع في الحكم الواقعي وصار منجزاً كان الحكم الظاهري باقياً في مرحلتيه الأوليين الشأنية والانشاء و اذا كان الحكم الظاهري واجداً لمراتبه كلها كان الحكم الواقعي باقياً في

ص: 128


1- سورة البقرة : آية 184
2- سورة البقرة : آية 280
3- كفاية الأصول : ص 277 الی 279

مرحلتيه المذكورتين فالحكمان الواقعي والظاهري يجتمعان في المرتبتين الشأنية والانشاء و يفترقان فى الفعلية والتنجز . هذا .

أقول . هذا الكلام ليس تاماً في حد نفسه و على فرض تمامية التقسيم فلا تحصل النتيجة المطلوبة به توضيح ذلك ان الشأنية إنّما هي مقدمة للحكم لا أنها من مراتب وجوده فهي قبل وجوده كصلاحية الرجل القاعد للقيام فلا يلزم أن يكون القيام موجوداً خارجاً . و أما الانشاء فهو مؤخر عن الحكم لا انه مرتبة من مراتبه حتى تكون الفعلية بعده.

تفصيل المبحث : ان المفاهيم قسمان منشئة و غير منشئة . أما الأولى فلا يترتب عليها أثر إلّا بعد الانشاء خارجاً كالعقود والايقاعات من البيع أو النكاح أو الطلاق فما لم يكن انشاء فلا بيع و لا نكاح ولا عتق و لا طلاق و لو مع وجود الارادة الجدّيه و هذا بخلاف الحكم التكليفي حيث أنّه تكفى فيه ارادة المولى بداهة أنّه لو اطلع العبد على ارادة سيده لكنه لم ينشئه لداع من الدواعي لوجب على العبد الامتثال و يستحق الثواب على فعله والعقاب على تركه فإذا تمت للمولى ارادته النفسية و علم بها العبد وجب عليه الخروج عن عهدتها و لو لم يبرزها المولى في الخارج ولا يسمع دعويه عدم صدور حكم من موليه خارجاً فلا يترتب استحقاق الثواب والعقاب على الانشاء فإنّ الأوامر الواردة في الكتاب والسنة تتفرع على الحكم بمعنى أنه نستدل على وجوب الصلوة بقوله أقيموا الصلوة مثلاً فلو لا الوجوب لم يصدر هذا الحكم من المولى و هذا يجري أيضاً في الموارد العرفية فإذا تكلم شخص فتستدل بكلامه وجود مضمونه في ضميره و هذا من باب الاستدلال من المعلول على العلة فالحكم علة والكلام معلول - فالنتيجة ان مرحلة الانشاء متأخرة عن وجود الحكم لا أنّها مقدمة من مقدماته.

و أما الفعليّة - التي فسرها رحمه الله بالبعث والزجر - فنقول - هل ان الفعلية

ص: 129

تجامع التنجز أو تفارقه - ؟ و حيث أنه قدِّس سرُّه يقدّمها على التنجز فيتوجه عليه ان البعث والزجر لا يصح إلّا مع التنجز فها متأخران عنه والحاصل انه لم نجد معنى معقولاً بين الفعلية والتنجّز . فهذه المراحل الأربع للحكم غير تامة و إنّما ذهب الى هذا التقسيم والترتيب دفعاً لإشكال اجتماع الضدين أو المثلين بين الحكمين و قد أفاد في وجه الدفع مانقلناه عنه من اجتماعهما في مرحلتين وافتراقهما في مرحلتين أخريين و لكن البناء فاسد كالمبنى فإنّه اذا فرض ان الحكم الظاهري كان ثابتاً فليس الواقعي حينئذ بفعلي و هكذا العكس لزم منه التصويب الباطل والدور أما الأول فلانّه اذا لم يحصل العلم بالحكم الواقعي فالمفروض أنّه لابد من أن تجري احدى الأصول الأربعة من البرائة أو الاشتغال أو التخيير أو الاستصحاب و يبق الحكم الواقعي عند الشك فيه أو الجهل به في مرحلة الشأنية كما هو مفروض كلامه فلو كان كذلك يلزم اشتراك المكلفين في الأحكام الواقعية مع انه يشترك فيها العالم والجاهل و أما

الثاني فلان من المعلوم توقف العلم بالحكم على وجوده و ثبوته فلو توقف وجوده و ثبوته على العلم به (كما هو لازم كلامه)كان دوراً .

فالتحقيق - انّ الأحكام الظاهرية ليست إلّا التنجز أو العذر لا جعل الحكم في مقابل الحكم الواقعي فإنّ الحكم الواقعي موضوعه أفعال المكلفين التي لها في نظر الشارع حكم من الأحكام الخمسة فإذا علم المكلف به كانت النتيجة هي التنجز و اذا جهل فيثبت العذر فتختلف وظيفته باختلاف الموارد من الاحتياط أو التخيير أو البرائة أو الاستصحاب فالأولان مؤداهما التنجز والثالث العذر والرابع إمّا تنجز المستصحب أو العذر من الحكم اللاحق الذي جرى الاستصحاب على خلافه و عليهذا فلا احتياج الى ترتيب مراتب أخرى للأحكام وإنّما نشاء هذا التقسيم والداعي الى ذلك الترتيب من الاغترار بالتعبير عن الأحكام الظاهرية بالوجوب أو الحرمة مثلاً لكن هذه التعابير و إن كانت جارية دائرة إلّا أن المقصود منها ليس هو الوجوب أو

ص: 130

الحرمة بالنسبة الى الحكم التكليفى بل المقصود تنجز الحكم الواقعي أو العذر عنه فإذا ثبت التنجز فالاشتغال اليقيني يستدعى البرائة اليقينية فالتعبير متحد بين الحكمين إلّا أن المفاد يختلف فمؤدي الوجوب والحرمة في الحكم الظاهري هو التنجز والعذر و لكن الحكم بالنسبة الى الأفعال مولوي ففي الحقيقة هنا قضيتان مختلفتان موضوعاً و محمولاً و قد اختلط الأمر بينهما - احديهما الحكم الواقعي و موضوعه أفعال المكلفين و محموله الأحكام التكليفية والثانية الحكم الظاهري و موضوعه الحكم التكليفي و محموله التنجز أو العذر فالأحكام الظاهرية موضوعها عين محمول الأحكام الواقعية و أما الموضوع في الأحكام الواقعية فهو أفعال المكلفين كما عرفت و لكنها قد اشتركا في التعبير و مجرد هذا الاشتراك لا يكون منشاءً لاجتماع الضدين أو المثلين - و أيضاً - ان الصبي بما أنّه ليس بمكلف فلو علم بالحكم الواقعي أو جهله فليس لهذا التنجز والعذر أثر في حقه و هذا أيضاً مما يُبين عدم تمامية ماذهب اليه صاحب الكفاية قدِّس سرُّه من عدم التفكيك بين الفعلية والتنجز - هذا ملخص الكلام في مرحلة الامكان و حاصله انّ الظن برزخ بين القطع والشك فحكمه أيضاً برزخ بين حكميها فهو قابل للحجية و لكن ليست بذاتية له كالأول و لا ممتنعة كالثانى و هذه المسئله و إن كانت واضحة إلّا أنه معذلك قد نسب الى ابن قبه و بعض من امتناع الحجية بالنسبة الى الخبر الواحد(1) ولكن لا اختصاص لذلك بخبر الواحد و إن كانت مبحوثاً عنها فيه بل تشمل مطلق الامارات غير العلمية و ملخص مانسب اليه أمران.

الأول - لزوم جواز التعبد بخبر الواحد في الإخبار عن اللّه على تقدير حجيته والتالي باطل فالمقدم مثله - ولا يخفى أن هذا الدليل على فرض تماميته لا يدل على الامتناع الذاتي بل يدل على عدم الجواز مع ان محل النزاع في المرحلة الأولى هو أن

ص: 131


1- فرائد الأصول : ج 1 ، ص 105 .

الظن باعتبار أن له رجحاناً هل يجوز بحسب نظر العقل و مرحلة الذات ( مع قطع النظر عن المحاذير ) ان تقبل الحجية أم لا ؟ هذا أولاً - و أما ثانياً - فإن هذا إنّما يتطرق فيما لو كانت الاعتقاديات كالفروع و لكن بما أنّها من الأصول فيختلف حكمها عن حكم الفروع فهي خارجة عن محل البحث اذ لا مجال لتطرق الظن في الاعتقاديات .

الثاني - استلزام ثبوت الحجية لخبر الواحد تحليل الحرام و تحريم الحلال و من البديهي عدم جواز أي واحد من الأمرين وكل ما يستلزم غير الجايز غ-ي-ر جايز - و فيه أولاً أن مرجع هذه الملازمة أيضاً الى عدم الجواز و عدم الوقوع و لا تدل على الامتناع الذاتي الذي هو محل الكلام من امكان التعبد به أو امتناعه - و ثانياً - أنّه ما هو المقصود من تحليل الحرام و تحريم الحلال - ؟ - فإن كان المقصود لزوم اجتماع حكمين متضادين و مرجعه الى اجتماع الضدين فيرد عليه ان حجية الظن ليس مرجعها الى جعل حكم بل انه بعد فرض كون الظن حجة من قبل الشارع یرجع الأمر الى تنجز الحكم الواقعي عند المصادفة أو العذر عنه عند المخالفة فتنجيز الحرام الواقعي أو المعذورية عنه المعبر في المقام عن الأول باجتماع المثلين و عن الثاني باجتماع الضدين لا يرجع الى محذور فإنّهما ليسا إلّا مجرد تعبير و لا حقيقة لهما حيث انه لم يُجعل حكم ( في فرض حجية الظن ) على خلاف الحكم الواقعي أو في قباله بل ان مرجع حجية الظن هو الأخذ بمؤدى خبر الواحد مثلاً فإن طابق الحكم الواقعي فهو عبارة عن تنجز ذلك الحكم و إن لم يصادفه فهو العذر عنه و ليس في البين اجتماع ضدين أو مثلين - مع ان ذلك يلزمه النقض بمورد الأصول العملية حيث ان هذا الأمر يجري فيها أيضاً فما هو الجواب هناك يأتي هيهنا فإنّه لابد من أن يجري في الشبهة الحكمية الاشتغال أو البرائة (على الخلاف بين الاخباري والأصولي) فيلزم أيضاً محذور الاجتماع على كل من القولين فيمكن لزوم تحليل الحرام على البرائة و عكسه

ص: 132

على الاشتغال فهذا الكلام ليس بتمام والاعراض عنه أولى فإنّ مسئلة امكان التعبد بالظن كاد أن يلحق بالبديهيات فلابد من الرجوع الى البحث عن المرحلة الثانية أعني الوقوع و عدمه .

و قد أفاد الشيخ قدِّس سرُّه أنّه لابد قبل الورود في البحث من تأسيس أصل يكون مرجعاً في المقام(1) و انه هل هو الوقوع إلّا ما خرج أو عدم الوقوع إلّا ما خرج فإنّ بعض الظنون منهي عنها كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة و بعضها معتبرة كالبينة و فتوى المفتي و نحوهما (بناء على أفادتها الظن النوعي فتكون حجة ) فمركز البحث الظنون المشكوك اعتبارها.

و قد ذكر قدِّس سرُّه أن الأصل الأولي هو الحرمة(2) واستدل عليه بالأدلة الأربعة - أما الكتاب فلقوله تعالى (اللّه أذن لكم أم على الله تفترون)(3) حيث دلّ على أن ماليس بإذن من اللّه من اسناد الحكم الى الشارع فهو افتراء عليه سبحانه.

فيه . انّ ماتدل عليه الآية الشريفه إنّما هو عدم جواز الافتاء بغير علم و لا تدل على أن الأصل هو اعتبار الظن أو عدمه فإن قيل باعتباره من دون علم فهو افتراء و إن قيل بعدم اعتباره من دون علم فهو أيضاً افتراء فتدل الآية على أن الأمر المجهول لايجوز الاقتحام فيه والحكم به مادام مجهولاً فلا دلالة لها على عدم اعتبار الظن و هذا كالظن في أفعال الصلوة مثلاً اذا ظن بأنه سجد سجدتين مع بقاء المحل فهذا الظن الفعلي مردد بين اعتباره و عدمه فعلى فرض الاعتبار يلزم أن يكون أتى بسجدتين فعليه المضيّ و لكن المحل لم يتجاوز بعدُ و على الثاني فلابد من الاتيان بسجدة أخرى و ربما أتى بسجدتين فتكون هذه سجدة ثالثة فلذا احتاط بعضهم بأنّه

ص: 133


1- فرائد الأصول : ج 1، ص 123 .
2- نفس المصدر : ج 1 ص 123
3- سورة يونس : آية 59 .

اما يعمل بظنه و يتم الصلوة و يعيدها أو يأتي بسجدة أخرى و يتمها ثم يعيدها أيضاً والحاصل ان الآية الكريمة لا ترتبط بالمقام .

و أما السنه - فقوله علیه السلام و رجل قضى بالحق و هو لا يعلم(1) - والجواب عنها هو الجواب عن الآية بعينه من أنه لا يجوز الحكومة لمن لا علم له بها و اما دلالته على عدم اعتبار الظن فخارجة عن محل الكلام .

و أما الاجماع - فما ادعاه الفريد البهبهاني من أن الركون الى شيئ لم يقم عليه دليل شرعي قبحه من البديهيات(2). و هذا حسن لرجوعه الى البداهة التي هي أقوى من الاجماع.

و أما العقل - فلأن العقلاء يقبحون الالتزام بما لا علم به - أقول - اما ما أفاده من قبح الالتزام بغير العلم من دون أذن و أنّه قبيح عقلاً و شرعاً فمسلّم و كذا صحة المنع عنه و لكنه ليس في الأدلة ما يتمسك به للحكم بعدم اعتبار الظن حيث ان هذا الحكم من دون علم أيضاً ينافي الآية الكريمة والرواية الشريفه و هكذا الحكم بالاعتبار أيضاً فلابد من أن لا يترتب أثر الاعتبار و لا أثر عدم الاعتبار فلايجوز كل حكم مع عدم العلم بل لا مناص عن الرجوع الى الاحتياط كما في مسئلة الظن في الاتيان بسجدتين المتقدمة و ليس في تقبيح العقلاء أزيد من ذلك أي الالتزام بشيئ من دون ثبوت و هذا أمر لا ننكره إلّا أن هذا الظن الحاصل هل هو من القسم المعتبر أو غيره فأمر آخر ولا يصح التكلف في الحكم باعتباره أو عدمه.

ص: 134


1- وسائل الشيعه : ج 18 - ب 4 - ح 6 .
2- فرائد الأصول : ج 1 ص 126 نقلاً عن الرسائل الأصولية ، ص 12

بحث (عن ساير الأصول المؤسسة في المقام)

و قد ذكر للأصل في المقام وجوه أُخر - منها - ان الأصل عدم حجية الظن و عدم وقوع التعبد به و عدم ایجاب العمل به(1).

و هذا الأصل مرجعه الى أن الظن لما لم يكن تاماً في حد نفسه و ليست الحجية ذاتية له كالقطع ولا ممتنعة عنه كالشك بل له صلاحية لها فلابد و ان تكون حجيته يجعل جاعل فإذا شك في ذلك فالأصل عدم الحجية و عدم وجوب العمل و عدم جواز التعبد به - و قد ناقش الشيخ فيه بأن الأصل و إن كان ذلك إلّا أنه لا احتياج الى اجرائه لعدم ترتب شيئ عليه فإنّه يكفى في حرمة العمل به عدم العلم بوقوع التعبد به كما مر فمجرد عدم العلم كاف في الحكم بعدم اعتبار الظن و هذا ببركة الأدلة الأربعة المتقدمة فلا حاجة الى تأسيس الأصل في المقام بتقرير انّا نشك في أن الظن هل طرئته الحجية والأصل عدمه فإنّ هذا الأصل و هو عدم طرو الحجية وحدوثها إنّما يحتاج اليه اذا ترددنا في ثبوت الحادث فننفيه بأصالة عدمه و أما اذا ترتب الأثر المقصود على عدم العلم بالحادث فلا داعي الى اجراء هذا الأصل و هذا نظير قاعدة الاشتغال الحاكمة على جريان أصالة عدم الفراغ اذ يكفي عدم العلم بالفراغ فتحكم قاعدة الاشتغال بوجوب اليقين بالفراغ.

هذا و لكن المناقشة في غير محلها بل الاحتياج الى اجراء أصالة عدم الحجية باق على حاله فإنّ عدم العلم غير كاف في اتخاذ أي واحد من الطرفين كما هو واضح

ص: 135


1- فرائد الأصول : ج 1 ص 127

و أما الآية والرواية فقد سبق الجواب عنهما بأنهما انّما تدلان على عدم جواز الحكم بشيئ من دون العلم به والأخذ بكل واحد من الطرفين أمر غير معلوم كما في مسئلة الظن بالسجدتين فلا حجية لأي واحد منهما فلا مناص عن الرجوع الى أصالة عدم الحادث فمع قطع النظر عن الأصل لا يكفى عدم العلم فالبناء على عدم الاعتبار ليس إلّا ببركة جريان الأصل فإنّ الظن فاقد للحجية ذاتاً فيشك في طرو الاعتبار عليه فيرجع الى أصالة العدم و أما تنظيره قدِّس سرُّه بقاعدة الاشتغال فهي أيضاً غير تام فإنّه اذا اشتغلت الذمة بالتكليف فما لم يحصل الفراغ اليقيني لم تبرء الذمة فعدم برائتها إنما هو باعتبار أن في مورد الشك بالبرائة حيث انّها كانت مشغولة فلابد م-ن بالاشتغال الى أن يحصل العلم بالفراغ وإلّا فالشك في أصل الاشتغال و عدمه مرجعه الى أصل البرائة عن التكليف و لكن بعد ثبوت الاشتغال تجري أدلة الاستصحاب من قوله علیهم السلام لا تنقض اليقين بالشك و من كان على يقين فليمض على يقينه و ليس لك ان تنقض اليقين بالشك و نحوها فيستصحب الأشتغال و هذا معنى جريان الأصل و يحتمل أن يكون أمره بالتأمل اشارة الى ذلك(1).

و منها - ان الأصل أباحة العمل بالظن لأنها الأصل في الأشياء . حكاه بعض عن السيد المحقق الكاظمي(2) قدِّس سرُّه أقول - انّ الشك في المقام إنّما هو في الحكم الوضعي أعني الحجية و عدمها فلا مجال و لا ربط له بالاباحة هنا لوضوح ان الشك ليس في الحكم التكليفى من الحرمة والاباحة حتى يكون لما ذكر وجه و لو كان شك فيه فإنّما هو مسبب عن الحجية و عدمها ولا يجرى الأصل في المسبب مادام يجري في السبب.

و قد أورد عليه الشيخ قدس الله سره بوجهين :

الأول - انه على تقدير صحة النسبة لا يعقل اباحة التعبد بالظن فإنّه عليهذا

ص: 136


1- فرائد الأصول : ج 1 ص 128 .
2- نفس المصدر : ج 1 ص 128

يكون التعبد واجباً لا جايزاً مباحاً اذ لا معنى لجواز التعبد و تركه لا الى بدل حيث ان الاباحة مورده الترخيص فإن كان التعبد ثابتاً فيجب و إلّا فيحرم فلا معنى للاباحة إلّا أن يكون المورد من قبيل الواجب التخييري حتى يترك هذا و يؤخذ ببدله غاية الأمر يكون مخيراً بين التعبد بالظن والتعبد بالأصل أعني أصالة عدم الاعتبار فلا وجه للاباحة - هذا.

و لكنه مخدوش بأن لازم التخيير هو ان يكون الأمران عرضيين و في نسبة واحدة مع أن الظن له جهة رجحان و ليس ذلك للأصل فلهذا تقدم الامارات على الأصول عند التعارض فإنّ الامارات لها حظ من الكشف دون الأصول إلّا في بعضها ناقصاً كالاستصحاب و هذا لا يصح عرضيته للامارات اما أصالة البرائة والعدم فليس فيها كشف بأي وجه والحاصل انه لوجوزنا التعبد بالظن من باب الاباحة مع التعبد بالأصل الذي ليس فيه كشف فلا يبقى مجال للتخيير.

الوجه الثاني - انّ أصالة الاباحة إنّما هي فيما لا يستقل العقل بقبحه و قد عرفت استقلاله بقبح التعبد بالظن من دون علم بوروده من الشارع.

و منها - ان الأمر دائر بين وجوب التعبد بالظن و حرمته فهنا تكليف إما الوجوب و إما الحرمة فهو مخيّر بين الأمرين(1).

و فيه ان لفظي الوجوب والحرمة و ان شاع استعمالها في مورد الأحكام التكليفية إلّا انهما قد استعملا في الوضعيات أيضاً والمراد بهما هنا هو الأحكام الوضعية أي حجية الظن و عدمها لا أن هيهنا حكماً تكليفياً و ه-و الوجوب أو الحرمة حيث انه لا تكليف فى البين حتى يتردد أمره بين الوجوب والحرمة بل ليس إلّا جهة وضعية و هي كون الظن طريقاً و عدمه والشك إنّما هو في ذلك و من البديهي

ص: 137


1- فرائد الأصول : ج 1 ص 129 .

كما مر مراراً أن الطريقية ليست ذاتية للظن بل الشك إنّما هو في أن الطريقية هل جعلت للظن و عرضته أم لا والأصل العدم .

و منها - ان الأمر في المقام يدور بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالأحكام الشرعية المعلومة اجمالاً و بين وجوب خصوص الاعتقاد القطعي فيرجع الى الشك المكلف به و يتردد بين التعيين والتخيير فالحكم هو تعيين خصوص الاعتقاد

القطعي تحصيلاً لليقين بالبرائة خلافاً لمن لم يوجب ذلك في مثل المقام .

و يردّ هذا - أولاً أن مرحلة الامتثال يرجع حكمها الى العقل لا الشرع بمعنى ان الأحكام المولوية التي هي الأحكام الأولية من الوجوب الفعلي والحرمة الفعلية كلها راجعة الى المولى فإذا ثبتت من ناحيته فالحاكم بتحصيل البرائة والخروج عن عهدتها هو العقل و لو كان للشارع أمر فهو ارشاد الى حكم العقل ضرورة انه لو كان الامتثال أيضاً راجعاً الى المولى لزم التسلسل في الأمر و في الاطاعة فالحكم عقلي و لا مجال للترديد والتأمل فيه بل ليس إلّا قطعياً فإما أن يحكم بتحصيل الاعتقاد القطعي رأساً و إما ان لا يحكم كذلك قطعاً فما لم يحرز الموضوع عند العقل لم يكن له حكم فالترديد في المقام لو كان حكماً شرعياً فلا مجال لأن يأمر الشارع بالاعتقاد القطعي أو الظني لكن تحصيل الاعتقاد لا يرجع إلّا الى العقل والعقل ليس في موضوع حكمه تردد - و ثانياً - انّك قد عرفت مما قدمنا ان هذا الكلام خارج عن محل البحث فإن الشك في تحصيل الاعتقاد و عدمه مسبب عن حجية الظن و عدمها فليس الترديد ابتدائياً بل هو مسبب عن الحكم الوضعي فإن كان حجة فيكفي تحصيل البرائة الظنية و إلّا فلا فهذا هو السبب في ذلك فإن جرى الأصل في السبب لم تصل النوبة الى جريانه في المسبب و قد ذكرنا أن الأصل عدم حجية الظن فلا وجه للترديد بين تحصيل الاعتقاد القطعي أو الظني في دوران الأمر بين التعيين والتخيير حتى يقدم التعيين أو لا .

ص: 138

والمتحصل ان الصحيح التام من هذه الوجوه هو ماذكرنا من أن الأصل في المقام هو عدم حجية الظن و لا مجال للخدشة فيه و هذا مما يكتفي به و معه لا حاجة في الرجوع الى الوجوه الأخر فإنّ مرجعها بأجمعها الى كون مصبّ الترديد هو الحكم التكليف من أباحة العمل بالظن أو الترديد بين الوجوب والحرمة أو الدوران بين التعيين والتخيير و قد عرفت ان مرجع البحث إنّما هو الى الترديد في الحكم الوضعي الترديد في جعل الحجية والطريقية للظن و عدمه.

اذا عرفت ذلك و ان الأصل عدم الحجية فلنشرع في بيان الظنون الخارجة عن هذا الأصل - منها :

و لاشبهة في اعتبارها في الجملة و إن كانت على اطلاقها محلاً للكلام و انّها هل تعتبر في حق المخاطب المقصود به الافهام أو مطلقاً حتى الغائبين عن زمان صدور الخطاب فالأصحاب إنّما يجرون أصالة الحقيقة بالنسبة الى الألفاظ الصادرة اليهم بلاشبهة و أما الغائبون فإن تم الاطلاق فهم أيضاً كالمخاطبين في ذلك و إلّا فلابد من أن يكونوا تابعين لفهم الأصحاب هذا.

و لكن - قد أنكر بعض المحققين أن تكون أصالة الحقيقة من جملة الظنون الخارجة عن الأصل حتى يكون اعتبارها من جهة أفادتها الظن بل انّها أصل مستقل برأسه والأصل لا يستند الى ظن و لا الى شك بل يستند الى العلم خاصة فتحقيق المقام يتوقف على بيان أمرين .

الأمر الأول . هل انّ الأصل مستند الى الجهل والشك ك-ا ع-ليه شيخنا الأنصاري حيث جعل مجرى الأصول الأربعة هو الشك أو انه يستند في مورد الشك

ص: 139

الى العلم - ؟ - فنقول - انه لاريب ان في مورد جريان الأصول يوجد علم و شك - إما في مورد الاحتياط فعلم بالتكليف و شك في المكلف به مع امكان الجمع و هو إما أصل شرعي أو عقلي أما على الأول فلابد من الرجوع الى الأدلة الشرعيه حتى يتّضح أن الشارع هل اعتبره من جهة العلم أو الشك و أما على الثاني فالمرجع فيه هو العقل و من الواضح ان الاحتياط و هكذا التخيير أصلان عقليان و لا شبهة في أن العلم بالتكليف هو الذي يجعل الذمة مشغولة حتى يجب الاحتياط أو يحسن ( بناء على كلا شقّيه ( فإن مورده التردد مع امكان الجمع ومعنى أصالة الاحتياط هو لزومه واللزوم في مورد العلم بالتكليف والشك في المكلف به لا يستند الى الشك بالبديهة و إلّا فلو كان الشك في التكليف والمكلف به معاً كما اذا شك في انّه هل فاتت منه صلوة أم لا و على فرض الفوت هل كانت صبحاً أو ظهراً فالاحتياط حسن و ليس بواجب لعدم العلم باشتغال الذمة حتى يستلزم البرائة اليقينية فالاحتياط برائة يقينية و أما التخيير فبرائة احتمالية لعدم امكان اليقينية منها كما في الظهر والجمعة بناء على عدم امكان الجمع فلا مناص حينئذٍ عن الرجوع الى التخيير و فيما لا يمكن الجمع بين الطرفين عقلاً أو شرعاً تكفى الموافقة الاحتمالية فلزوم كل من البرائتين القطعية أو الاحتمالية مستند الى العلم و إلّا فالشك في حد نفسه ليس مما يجعل الذمة مشغولة هذا حال الاحتياط والتخيير.

و أما الاستصحاب فالتعبد به إما أن يكون بحسب العقل أو الشرع فإن كان الأول فقد جعله الشيخ أمارة و حجيته من باب أفادة الظن فيكون مثبته حجة دون ما اذا كان أصلاً شرعياً فلا يكون امارة بل أصل و لا حجية لمثبته.

و هذا الكلام ليس بتمام فإنّه على القول بكون الاستصحاب من باب العقل و بناء العقلاء فلابد وان يكون اعتباره من باب الكشف وكونه امارة مع ان الاعتبار العقلي لا يستلزم ان يكون المعتبر ( بالفتح ) امارة فإنّ البرائة مثلاً قد تكون عقلية من

ص: 140

باب قبح العقاب بلابیان و قد تكون شرعية من باب أخبار الرفع والحجب والسعة والاطلاق مع أنها أصل في كلتا الصورتين فقبح العقاب بلابيان عند العقلاء ليس من باب الكشف عن الاباحة الواقعية بل من باب أنه ليس في المقام حكم و على فرض وجوده فيما أنه ليس بمبين فالمكلف معذور عنه و مرجع الأمرين الى العذر و هكذا الاحتياط الذي هو أصل عقلي فالتنجيز ثابت بسبب العلم و ليس امارة والاتيان بالأطراف لابد منه في مرحلة الامتثال لا أنه حكم غير الحكم الأول والحاصل انّه لا ملازمة بين الاعتبار العقلي و بين كون المعتبر العقلي امارة و عليه فلابد و ان ينظر في أن العقلاء من أي وجه يحكمون بالاستصحاب ؟

فاعلم أن حكمهم به في المقام مستند الى اليقين السابق و لا يرفعون اليد عنه ما لم يظهر لهم خلافه و لا يقاومه الشك و إلّا فليس من جهة أن له حظاً الكشف و إن كان فيه كشف ناقص إلّا أنه ليس تاماً حتى يكون النظر ابتداءً اليه و هكذا الحال فيما اذا كان التعبد به بحسب الشرع فالمستند أيضاً هو اليقين السابق في قولهم علیهم السلام لا تنقض اليقين بالشك و نحوه والمحصّل أن اليقين السابق قد أثبت التنجز و لا يعارضه الشك بمقتضى حكم العقل والشرع فما ذهب اليه الشيخ من جعله امارة ولا بناء على كونه من باب العقل واصلاً على فرض حجيته من باب الشرع لم يظهر لنا من ذلك وجه.

فإن قلت أنّه لا حكم للعقل إلّا في مورد الكشف - قلت - ليس الأمر كذلك على اطلاقه فإنّ البرائة العقلية لا يكون كذلك كما بيّنا وكذا الاحتياط فإنّه من ناحية العلم بالتكليف و عدم امكان الجمع مع أنه أصل عقلي و ليس له كشف من جميع الجهات.

و أما البرائة - فالمعروف انّها تستند الى عدم العلم - و لكن يتوجه عليهم أنّه ما السبب في ترجيح العدم على الوجود عند الشك في المسئلة مع ان نسبته متساوية

ص: 141

الى طرفيه فلابد من وجود خصوصية في المقام توجب ترجيح العدم فنقول :اذا حصل العلم بوجود شيئ و شك في زواله و بقائه فيقال انّ الأصل وجوده و بقائه و اذا عُلم بالعدم و شك في الحدوث فيقال الأصل عدم الحدوث فأصالة العلم ليست لها خصوصية يكون هو الأصل مع قطع النظر عن العلم بل هذان الأصلان انّما يستندان الى الحالة السابقة المحرزة قبل عروض الشك و هو العلم السابق فالأول هو الاستصحاب والثاني أصالة العدم و اطلاق الروايات يشمل كلا الأصلين أعني العلم بالوجود والشك في الزوال و عكسه كقوله علیه السلام: من كان على يقين فليمض علی يقينه . و قوله لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت و قوله اياك أن تنقض الخ و ليس لأخبار الاستصحاب اختصاص به و على فرض التسليم فليس موردياً و إلّا فلا يصح التعدي عنها الى ساير موارد الاستصحاب بل اللازم الاقتصار على مورد شخص الحكم المفروض فيها - و أما البرائة الشرعية فالأخبار مبينة للبرائة العقليه.

فالذي قد تحصل الى حد الآن أن مرجع جميع الأصول إنّما هو الى العلم فإنّ الشك في حد ذاته متساوي الطرفين و لا ترجيح في البين فترجيح أحدهما في موارد الأصول إنما يكون باعتبار مجامعة الشك مع العلم دائماً إما العلم بالعدم و إما بالوجود و إمّا بالتكليف أو بالمكلف به فالأصول الأربعة تجامع كلاً من العلم والشك إلّا أن الكلام هو في استنادها الى العلم أو الى الشك أما الاحتياط والتخيير فواضح و كذا الاستصحاب فالشك لا يقاوم العلم و أما البرائة فهو استصحاب العدم فإنّه لا يمكن ترجيح أحد الجانبين في مورد الشك سواء كانا وجوديين أو أحدهما وجودياً والآخر عدمياً فالمستند ليس إلّا العلم و لكن العلم بالمعنى الأعم من الموجود فعلاً أو الموجود اقتضاء والأول هو العلم بالوجود والشك في الزوال والثاني العلم بالعدم مع الشك في الوجود والحدوث .

الأمر الثاني - إنّ الاستصحاب و إن كان فيه خلاف من حيث جهته إلّا أن

ص: 142

الحق أنّه من جهة احراز المقتضي والألزم أن يكون من باب إسراء الحكم من موضوع الى موضوع آخر و هو أقبح من القياس كما اذا علم بوقوع عقد اجارة و شك في أنّ مدتها هل كانت سنة أو سنتين فبعد انقضاء السنة الأولى المقطوع بها و إن كانت الحالة السابقة ثابتة بالنسبة الى اليوم الأول من السنة الثانية لكنه لا اعتبار بذلك لعدم وجود المقتضى للسنة الثانية فلو أردنا اجرائه بالنسبة الى السنة الثانية كان ذلك اسراء الحكم من موضوع الى موضوع آخر فإن المحقق المعلوم هو السنة الأولى و أما بالنسبة الى الثانية فأصل وقوع الاجارة مشكوك فيه فلا مجال للاستصحاب بل ان مقتضى الاستصحاب هو عكس ذلك فإن العلم بوقوع الاجارة قبل انقضاء السنة الأولى لم يكن بالنسبة الى الثانية و بعد انقضاء الأولى نشك في أن الثانية داخلة أم لا فالشك في أصل الحدوث فيرجع الى استصحاب العدم و لا أثر لاستحاب الحالة السابقه - و بعبارة أخرى - ان مورد الاستصحاب هو الشك في الزوال والبقاء بعد العلم بالوجود فتستصحب الحالة السابقة أو عكس ذلك و هذا مفقود في المقام بل الشك هنا إنما هو في الحدوث و عدم الحدوث بالنسبة الى السنة الثانيه.

والحاصل . انه لا ينبغي اجراء الاستصحاب مع عدم احراز المقتضى و إن نسب الى بعض عدم اعتباره و لكن ذلك في الحقيقة هو الإسراء والشك في الحدوث فيرجع الى عكس مقتضى الاستصحاب - إلّا أن الكلام في جهة أخرى و هي أنّه هل احراز المقتضى كافٍ في المقام أو أنّه لابد من مجامعته للحالة السابقة ؟ لا شبهة في اعتبار الاستصحاب عند مجامعتها و أما لو ثبت المقتضي مفارقاً عن الحالة السابقة فهل يكفي ذلك في ترتيب آثار المقتضى ( بالفتح ) و يسمى ذلك بالاستصحاب أم لا يكفي كما أنّه لا اعتبار عندنا بوجود الحالة السابقة مفارقاً عن احراز المقتضي - فقد

ص: 143

عبروا عن المبحث بقاعدة المقتضى والمانع و قد بنى عليه بعض المحققين(1) و انه يكفي مجرد احراز المقتضى سواء اجتمعت معه الحالة السابقة أم لم تجتمع اذ لا أثر فيه بل العمدة في ترتب الأثر هو احراز المقتضي و اليك بعض الأمثلة في المقام -.

منها - مسئلة أصالة اللزوم في العقود فإذا فرض وقوع عقد البيع و شك في انّه هل كان فيه غبن أم لا أو هل اشترط فيه خيار أم لا أو هل كان فيه عيب أم لا فلا وجود لحالة سابقة إلّا أن المقتضى للزوم البيع موجود حيث أنّه من العقود اللازمة حد ذاتي له (كما انه قد ينعكس الأمر و يكون الجواز ذاتياً واللزوم بالعارض كالهبة غير المعوضة فما دامت العين باقية فهي جايزة فإذا تصرف فيها أو تلفت لزمت واللزوم او أن يشترط عوض في ضمن عقد الهبه ) و من الأمثلة أصالة الحقيقة و أصالة العموم و أصالة الاطلاق التي ينتهي البحث اليها - ففي أمثال هذه الموارد هل يكفي احراز المقتضى أو لا يكفي إلّا مع الاقتران بالحالة السابقة فاللازم تحقيق حقيقة المقتضى و انّه هل هنا دليل على اعتباره عند افتراقه عن الحالة السابقة أم لا - ؟

و قد أورد - العلامة النائيني قدّس اللّه سرّه على قاعدة المتقضى والمانع بوجوه.

الأول - انّه لم يعلم المراد من المقتضى والمانع و انّه ما المقصود من انّه اذا أحرز المقتضى فيترتب الآثار ما لم يعلم بوجود المانع - الثاني - انّه على فرض وضوح حقیقته و فهم المراد منه لكن لا سبيل الى احرازه - والثالث - انه ما الدليل على اعتبار هذه القاعدة - ؟

ثم - انه قد جعل الأمر في ايراده الأول مردداً بين ثلث معان و انّه لابد و ان يكون المراد أحد هذه الأمور - الأول - المقتضى والمانع التكوينيان كالنار المقتضية للحرارة والرطوبة المانعة عنها - فإن كان المراد هو هذا فيرد عليه انّه خارج عن محل

ص: 144


1- المراد به هو العلامة المحقق الطهراني قدِّس سرُّه و تلامذة مكتبه الأصولي .

البحث لأنّا لا نبحث عن الأمور التكوينية - الثاني - المصالح والمفاسد المقتضية لجعل الأحكام كالعلم المقتضى للاكرام والفسق المانع عنه . فإن كان المراد ذلك فهذا ممنوع لأنه لا سبيل لنا الى تشخيص ملاكات الأحكام الشرعية و ادراك المصالح والمفاسد حتى نشك فيها أو لا نشك إلا لمن نزل عليه الوحي - والثالث - أن يراد بالمقتضى السببية المطلقة و بالمانع ما يعرض و يرفع المسبب كالوضوء حيث ان له السببية المطلقة للطهارة والحدث الذي سبب مطلق في نقض الطهارة ويرفعها أو كتطهير الشيئ الذي له السببية المطلقة لحصول الطهارة مع ملاقاته لنجاسة أخرى توجب رفع الطهارة وكأسباب الحدث التي لها السببية في ظهوره و عروضه إلا أن يعرضه الوضوء مثلاً - و كالبيع الذي هو السبب على الاطلاق لحصول الملكية إلّا أن تعرضه الاقالة و مثل النكاح الذي هو سبب مطلق للمحرمية و الحلية الوطي ما لم يعرضه طلاق - فإن أريد هذا المعنى ففيه أنّه أيضاً مما لا يمكن تشخيصه و احرازه فإن الأمر دائر بين أن يقال ان الوضوء سبب للطهارة اطلاقاً والحدث رافع لها و بين أن يقال ان الوضوء الذي لم يتعقبه الحدث موجب و سبب للطهارة والعقد الذي لم يتعقبه طلاق موجب لحلية الوطي فلا يُعلم ان السبب للطهارة هو الوضوء الذي لم يتعقبه حدث أو أن الوضوء سبب للطهارة والحدث مانع فإن الشق الأول قد تضيقت دائرته من أول الأمر والذي يُعيّن أحد الاحتمالين غير معلوم إلا لمن نزل عليه الوحي . هذا ما ذكره رحمه الله في المقام ايراداً على قاعدة الاقتضاء .

والجواب عنه - ان من البديهي انّ العدم لا يؤثر ولايتأثر و مايوهم خلاف ذلك كقولهم عدم المعلول يستند الى عدم علته فالمقصود انّ بينها الملازمة فما دامت العلة معدومة فالمعلول كذلك وإلّا فلا يُوجَد عدم المعلول بعدم العلة بأن يكون عدم العلة علة لعدم وجود المعلول وهكذا الحال في قولك الوضوء الذي لم يتعقبه الحدث سبب للطهارة فإن عدم الحدث ليس مؤثراً في الطهارة بل المؤثر هو الوضوء.

ص: 145

و تعقب الحدث رافع له لا ان يكون عدم التعقب جزءً من المقتضى و كم فرق بينها و اما دعوى عدم احراز السببية المطلقة فلازمها عدم كون مجرد الوضوء منشاءً للطهارة بل الوضوء المقيد بعدم تعقب الحدث له و معنى ذلك دخل عدم التعقب في الطهارة و هذا غلط واضح لعدم امكان مدخلية العدم في الوجود .

لا يقال ان العدم المضاف له حظ من الوجود .

لأنّا نقول - انّ العدم نقيض الوجود مضافاً كان أو مطلقاً فلا نصيب له من الوجود أصلاً كما ان الوجود ليس له حظ من العدم و لم نتصور وجهاً لكون الاعدام الاضافية محظوظة بحظٍ من الوجود فلذا قد أرجع بعضهم هذا الكلام الى أن المقصود منه ان العدم المضاف يرجع إلى أمر وجودي و لكن هذه مسئلة أخرى غير مرتبطة بالمقام . هذا أولاً .

أما ثانياً - فإن كان المقصود من سببية الوضوء الذي لم يتعقبه حدث للطهارة أنّه ان تعقبه حدث فيكفّ عن بطلان الوضوء من رأسه أو من حين الحدث - أما الأول فباطل بالضرورة فتعين ان الطهارة ثابتة باقية الى أن يرفعها الحدث فتبين ان تعيين أحد الاحتمالين وترجيحه لايحتاج الى نزول وحي .

فإن قلت - ان المقصود هو الكشف عن انتهاء أمد الطهارة بمجيئ الحدث فإذا عرض فيستكشف به عن أن الطهارة لم يكن لها حد أزيد من ذلك لا أنّها ارتفعت من حين حدوث الحدث.

قلت - من المعلوم ان الطهارة عن الحدث ليست محدودة بحد ولا ممدودة بمدة كما ان الحدث أيضاً كذلك على أن بعض الأشياء لا يقبل حداً أصلاً كعقد البيع فلا يكون محدوداً بأن يبيع العين من المشتري على أن يكون ملكاً له لمدة خمسة سنين مثلاً ثم تنقضي مالكيته بالنسبة اليه بل هلي مطلقة دائمة و أما البيع الخياري فهو شيئ آخر فإنّه بيع مشروط بالخيار على نحو خاص كما هو واضح - كما و ان بعض الأشياء

ص: 146

يلزمه الحد كعقد الاجارة فلو لم تكن محدودة بمدة لما كانت اجارة و بعضها صالح لقبول الحد و عدم قبوله كالنكاح فإنه اذا عرض الطلاق للنكاح الدائم فلا يمكن أن يقال كان النكاح محدوداً الى هذا الحد والطلاق كشف عنه حيث ان ذلك مناقض و منافٍ لفرض دوام النكاح و لو صح ذلك انقلب انقطاعاً .

والحاصل - ان احراز المقتضي أمر يمكن تصوره و لا مجال للترديد فيه و اما ماذكره في طي كلماته من أن السببية مما لا تناله يد الجعل ففيه ان الوضوء سبب مطلق للطهارة شرعاً و كذا الغسل والتيمم و هكذا أسباب الحدث - فلا مورد للتأمل فيها من حيث انّها أسباب مطلقة شرعية - نعم يمكن ذلك في أسباب الخبث - هذا مضافاً الى أن السببية المطلقة موجودة في العرقيات قابلة للاحراز و قد تصرف الشارع فيها امضاءً أو نفياً كالبيع والربا و غيرهما من المعاملات التي لها السببية المطلقة فلا حاجة الى جعل سببية بل يمكن أن تكون موجودة في نظر العرف فيقرره الشارع فلا محلّ الدعوى عدم امکان احرازها .

فالتحقيق - ان المراد بالقاعدة هو معنى غير ماتصوره المستشكل رحمه الله - نعم أحدها يكون من مصاديق المقتضى بالمعنى الذي عندنا فالمقصود من المقتضى هو كون المشكوك ثابتاً في حد نفسه مع قطع النظر عن المانع والمزيل سواء كان المشكوك عدماً أو وجوداً يعني أن الوجوديات (التي لها السببية المطلقة ) ثابتة ما لم يثبت المزيل والأثر باق ما لم يمنع عنه مانع و هكذا العدميات فإنّها و إن كان ليس له-ا اقتضاء الوجود و لكن لما كان العدم ثابتاً و مستمراً مالم توجد علة الوجود فتستصحب الاعدام الأزلية في الأشياء الى أن يرفع العدم بعروض علة الوجود فالمراد بالمقتضى الأعم من معناه المصطلح و من مقتضى الوجود والمقصود من المعنى الذي يكون في كلام المستشكل وقلنا أنّه من مصاديق المقتضى بالمعنى الذي عندنا هو السببية المطلقة والنتيجة - ان احراز المقتضى كتصويره أمر ممكن ولا اشكال فيه ولا حاجة الى

ص: 147

نزول وحي في ذلك والترديد في غير محله .

و قد - يتوهم امكان احراز الحالة السابقة بالنسبة الى العدم الأزلي كما اذا شك في أن البيع الواقع هل انعقد لازماً أو جايزاً - فحيث انّه لم يكن قبل العقد لزوم فيستصحب عدم اللزوم الى أن يثبت اللزوم أو الجواز - و لكنه توهم فاسد جداً فإنّ العدم السابق على العقد إنّما هو مستند الى انتفاء الموضوع فكان من السالبة بانتفاء موضوعه و ليس في المقام كذلك فالشك بالنسبة الى ما بعد العقد كالشك في نسبة المحمول الى موضوعه فلا ارتباط له بمجعول ذلك الموضوع المنتفي و هذا واضح فاستصحاب العدم الأزلي في هذه الموارد التي أجراها بعضهم يستند في الحقيقة الى قاعدة الاقتضاء والمنع يعني ان عدم الشيئ في حد ذاته و لو خلیّ و طبعه ثابت ما لم يثبت نقيضه الدال على الحدوث فلا مجال لاستصحاب العدم السابق على العقد.

والعجب من المستشكل المذكور قدس اللّه روحه روحه أنّه مع وضوح هذا المعنى من المقتضي و مع امكان احرازه تشبث في كلام الشيخ الأنصاري بالتأويل فذكر ان مراد الشيخ من الحكم باعتبار الحالة السابقة مع احراز المقتضى هو مقتضى الاستصحاب لا مقتضى المستصحب .

فإنه يرد عليه - ان مقتضى الاستصحاب عبارة عن شرايطه و لا خلاف في اعتبار الشرايط حتى يكون مراد الشيخ مقتضى الاستصحاب و لاينكر أحد اعتبار الشرايط و لزومها حتى من لا يقول باعتبار احراز مقتضى المستصحب فلا وقع لهذا التأويل فعليهذا يمثلون في المقام بالسببية المطلقة فيحكم بالبقاء في مرحلة الظاهر عند الشك مع احراز المقتضى.

و أما الجواب عن ايراده الثالث و هو المطالبة بدليل اعتبار القاعدة - فنقول - ان الاعتبار ثابت من حكم العقل و بناء العقلاء في عدة موارد فلا مانع عن الحكم بأنّه أصل عقلايي والشارع قد قرّره - منها أصالة الحقيقة و أصالة العموم و أصالة

ص: 148

الاطلاق - فهذه الأصول الثلثة قد جرى بناء العقلاء في محاوراتهم و أقاريرهم على اتباعها فهي متبعة شرعاً و عرفاً - والتأمل في حال المخاطب و غير المخاطب في المقام والفرق بينهما و عدمه لاينا في أصل المقصود - و لكن هل يقتضى ثبوت الاعتبار بحكم العقل و بناء العقلاء اعتبار القاعدة المبحوث عنها في كل مورد أم لا - ؟ - فلابد أولاً من بيان تطبيق القاعدة على أصالة الحقيقة والعموم والاطلاق ثم سرايتها الى ساير الموارد .

فنقول - لاخفاء في وضع الألفاظ لمعانيها الحقيقية إلّا أن لها الصلاحية لأن يراد منها المعاني المجازية و لكن بما أن وجهتها الأولية هي المعاني الحقيقية فلايصار الى المجازية إلّا بقرينة صارفة عن الحقيقية و هذا هو معنى المقتضي والمانع فإنّ اللفظ الملق في مقام الافادة والاستفادة ينصرف في حد نفسه الى المعنى الحقيقي فالقرينة الصارفة مانعة عن هذا المعنى و ليست في المقام حالة سابقة عند الشك في المعنى الحقيقي والمجازي و لكن المقتضى محرز و هو أن الوجهة الأولية لللفظ عبارة عن انصرافه الى المعنى الحقيقي فما دام الشك باقياً في القرينة الصارفة فحيث انه أطلق اللفظ في حال الشعور والارادة فقد أطلقه الى تلك الوجهة الأولية و هي المعنى الحقيقي.

و هكذا الحال في أصالة العموم و أصالة الاطلاق - أما الأول فهو قسمان موضوعي و حكمي - أما الأول فهو ما استفيد بحسب وضع اللفظ كالجمع المحلّى باللام والثاني فكقولك اكرم العلماء فكلما وجد هذا المحمول و ذلك الموضوع فهو الحكمي و هو الذي يقبل التخصيص فإذا قلت اكرم العلماء إلّا زيداً فمن الواضح انه لا يُخرج الاستثناء زيداً من أفراد العلماء بل يخرجه من المعروضين للاكرام فالعموم الحكمي هو القابل للتخصيص و هو الذي لم يوضع لها لفظ بخلاف العموم الوضعي فالحكمي تابع للوضعي والمفيد له إنّما هو الهيئة التركيبية فكل من الموضوع والمحمول عام و إلّا فلا استناد الى اللفظ وما يقال بعدم وضع ما يفيد العموم من الألفاظ فإنّما

هو

ص: 149

في العموم الحكمي لا الوضعي - والمقصود ان الوجهة الأولية في اكرم العلماء هو اقتضائه لأفادة العموم الى أن يقوم التخصيص .

و أما أصالة الاطلاق فهو أيضاً كذلك فإن قولك ( اعتق رقبة ) وجهته الأولية هی الاطلاق ما لم يكن قيد فهذه أصول ثلثة ثبت اعتبارها بحكم العقل والعرف و عند، التأمل يظهر ان اتكائها في هذه الأصول الى قاعدة الاقتضاء والمنع.

إن قلت - ان هذه موارد خاصة و لاتدل على السريان الى باقي الموارد - قلت - هذا مسلم لو كان الحكم ثبت التعبد به بحسب الشرع و أما العقلاء و أهل العرف فلا جعل لهما اذ لا ولاية لهما على أحد حتى يلزم اطاعتها على الآخرين بل ان العرفيات جهات ذاتية معروفة عند العرف يتوجهون اليها بحسب فطرتهم ( و نعني بالعرفيات هنا هذا المعنى ) و أما الجعل فهو خاص بمن له الولاية اما غيره فليس له حق تغییر و تبديل و من المعلوم ان الذاتيات والفطريات لا تقبل التخصيص نعم إنما تقبله بجعل من الشارع بأن يتصرف الشارع في المقتضيات اثباتاً و نفياً كما في البيع والربوا فالخصوصيات المجعولة من قبل الشارع إنّما هي باعتبار عدم كون المقتضيات عللاً تامة وإلا فلا تقبل التصرف أصلاً و من أي أحد كقبح الظلم و حسن العدل . فالنتيجة الحاصلة لنا من هذه الأصول إنّما هي ببركة قاعدة الاقتضاء والمنع المعتبرة عند العقلاء و لا تخص الموارد الخاصة المذكورة بل إنّما هي مصاديق لها بل ان الفقهاء قدس اللّه أسرارهم قد تمسكوا بالقاعدة في موارد كثيرة و يظهر ذلك للمتتبع في الفقه - منها - أصالة اللزوم فقد أفاد الشيخ الأنصاري قدِّس سرُّه في أول باب الخيارات بأن عند الشك في اللزوم والجواز في عقد البيع يرجع الى اللزوم(1) و هو قدِّس سرُّه لما لم ير القاعدة معتبرة فلذا قد أرجع الأمر الى الحالة السابقة بتقريب انّه اذ أوقع البيع (لازماً

ص: 150


1- كتاب المكاسب : ج 5 ص 13

أو جايزاً ) فقد حصل التمليك والتملك فإذا عرض الشك في ادعاء أحد للفسخ فهذا يحتاج الى أن يكون العقد جايزاً فنشك في أن قسمة الفاسخ مؤثر أم لا فتستصحب الحالة السابقة و هي حصول تملك المشتري للمبيع و تملك البايع للثمن .

و هذا مخدوش بأن الأمر لو كان كما ذكره من استصحاب الحالة السابقة فلابد و ان يجري ذلك في مطلق العقود لازمة كانت أو جايزه - مثلاً اذا وقعت هبة و شككنا في كونها من ذي رحم و أنكر الواهب أن تكون كذلك فبعد حصول التمليك هل ترجع الموهوبة برجوع الواهب أم لا ؟ فأين هنا من حالة سابقة حتى تستصحب ان اصالة الجواز في هذه المسئلة تكون عندهم بالتبع فما لم يُثبت المتهب كونه ذا رحم للواهب يجوز للواهب الرجوع مع انه لو بنينا على استصحاب الحالة السابقة فاللازم بقاء التمسك بحاله كما في البيع مع أنّه يجوز للواهب الرجوع ما لم يثبت المتهب كونه ذا رحم - فقد فقد عُلم أن أصالة اللزوم لاتستند الى الحالة السابقة بل و لا ربط لها بها و لكنها ترجع الى قاعدة الاقتضاء والمنع فإنّ البيع لو خلى و طبعه لازم في حد ذاته والهبة بالعكس فبعد احراز المقتضى اذا شك في وجود المانع و انه هل اقترن مع البيع أحد الموانع كغبنٍ أو عيب أو دعوى اشتراط خيار فتجري أصالة اللزوم فالقاعدة أنه بعد احراز المقتضى يتمسك به الى أن يثبت المانع سواء كان الشك في الدفع أو الرفع أو القطع فكلها موانع إلّا أنه اذا عرض بعد ثبوت المقتضى فهو الرفع و اذا اقترن به فهو الدفع و اذا حصل في حال الاستمرار فهو القطع فالقاعدة أي احراز المقتضى سواء انفك عن الحالة السابقة أو قارنها معتبرة بلحاظ أنه نرى في مواردها ان العقلاء و أهل العرف يرتبون الآثار مع احراز المقتضى و لو لم تكن معتبرة عند عن الحالة السابقه( كما انه لا اعتبار بوجود الحالة السابقة منفكاً عن احراز المقتضى ) للزم التوقف في هذه الموارد كما في الاشتراك حيث أنّه يتوقف عند استعمال اللفظ المشترك مع عدم القرينة لتساوي نسبة اللفظ الى جميع المعاني - مع انّه نرى أن في المقام ليس توقف فالاعتبار ثابت والترديد والتأمل غير مسموع

ص: 151

إنّ بين قاعدة المقتضى والمانع و بين الاستصحاب المعروف عموماً من وج--ه فيجتمعان في مورد و يفترق كل منهما عن الآخر في مورد - أما مورد الاجتماع فهو مثل ما لو علم بوضوء و شك في حدوث الحدث فالمقتضى محرز و هو سببية الوضوء للطهارة على الاطلاق و عدم محدوديتها بحد و مدة والحالة السابقة أيضاً موجودة بلا كلام.

و أما صورة وجود الحالة السابقة مع عدم احراز المقتضي أو عدم وجوده كما في عقد الاجارة الذي مثلنا به فيما تقدم و أنّه مشكوك في امتداده سنة أو سنتين فالحالة السابقة و هي السنة الأولى موجودة لكن الشك إنّما هو بالنسبة الى الثانية فلا احراز للمقتضى فإنّ العقد لو كان ممتداً سنةً واحدة فلا اقتضاء لبقائه بأزيد منها نعم إنما يعتبر لو امتد من أول الأمر بسنتين و شك في الاقاله.

و أمّا صورة وجود المقتضى المحرز مع عدم حالة سابقه - فمنها - أصالة اللزوم في البيع - فإذا وقع عقد البيع واختلف المتبايعان فيدعى أحدهما غبناً أو اشتراط خيار فهذا الشك إنّما هو في أن العقد حين وقوعه هل كان فيه غبن أو عيب أو اشتراط خيار حتى تكون هذه موجبة لجواز العقد أم لا - فلا حالة سابقة هنا فالحالة السابقه قد انفكت عن المقتضى و لكن المقتضى محرز من أن البيع لو خلى و طبعه مفيد لللزوم واللزوم ينتزع عن ذات عقد البيع بخلاف الجواز بالعيب أو الغبن مثلاً فإنّه منتزع عن سببه - فلا حاجة الى اثبات لزوم البيع بالآيات الشريفه فإنّها محل مناقشة و كذا المؤمنون عند شروطهم بل اللزوم إنّما يستند الى نفس العقد فإنّ العقد يشتمل

ص: 152

على بدليتين بدلية الثمن للمثمن و عكسه فإنّه مبادلة مال بمال (و ذلك في قبال ما لو كان للبدلية طرف واحد كبدل الحيلوله ) فإذا أتلف مال الغير فلابد له من رد مثله أو قيمته فقد صرحوا بأنه لو أخذ البدل أو القيمة ثم وجد التألف فللمالك حق مطالبة العين و له حق استرجاع البدل أو القيمة و ردّ العين التالفة الموجودة بعداً فالبدلية من طرف واحد و لو كانت من طرفين للزم أن تصير العين ملكاً له فلا مورد لارجاعها .

فللبيع بدليتان و من المعلوم أن احديهما في اختيار المشتري والأخرى في يد البايع فلا يمكن للبايع ايجاد كلتا البدليتين ففي الحقيقة يكون كل منهما ايجاباً فلذا يقولون ( البيعان بالخيار ) و إنّما التعبير بالقبول باعتبار أن القصد الذاتي قد تعلق ببدلية المبيع و أما بالنسبة الى الثمن فهو تبعي.

فهاتان البدليتان و إن كانتا أمرين تحليلاً و في الذهن كما في الجنس والفصل الّا انّهما خارجاً أمر واحد و هكذا الحال في عقد البيع مع أفادته اللزوم في حدّ ذاته فهما خارجاً أمر واحد و عقد فارد و ليس من قبيل الهبة المعوضة من أنّها هبة في قبال هبة و لذا قالوا بأن فيها لو لم يف المشروط عليه بالشرط فللآخر الخيار لا أن تكون الهبة باطلة فإنّها ذاتاً تمليك بالمتهب و ليس العوض جزءً الحقيقتها بل إنما هي اشتراط هبة في قبال هبةٍ بخلاف البيع فإنّه عقد واحد مركب من عمل البايع و عمل المشتري و لما لم يكن لكل واحد منها اختيار في عمل الآخر فلذا كان البيع متوقفاً على اجتماعهما و ايجادهما له و هكذا الأمر في مورد حل هذا العقد فلا مانع من اجتماعهما و ايقاع الاقالة و لكن استقلال أحدهما في حلّه مرجعه إلى سلطنته على عمل الآخر و هذا لايكون فلذا يعتبر في الفسخ أما بجعل الشارع له بسلطنة شرعية و أما بتواطيهما أو اشتراطهما .والحاصل ان اللزوم يستند الى ذات العقد والجواز الى أمر خارج فالمقتضى له ثابت والمانع هو الغبن أو العيب أو اشتراطه لخيار فما دام الشك فيها مع احراز

ص: 153

المقتضي يرجع الى ترتيب آثار المقتضى حتى يقوم دليل على الخلاف .

و منها النكاح - فإذا شك في أن تكون المرئة المعروضة للنكاح محرماً لزوجه بسبب أحد وجوه المحرمية فقد ذهبوا الى أصالة عدمها فلا مانع من الازدواج ما لم يقم دليل على المحرمية فليس في المقام وجود حالة سابقة فالأصل عدم المحرميّة لا عدم الأجنبيه .

و منها - في الحيض - فإذا شك أن امرئة قرشية ينقطع عنها الدم في الستين أو غير قرشية فالأصل عدم القرشية اذ ليس في انتسابها الى قريش ح-الة سابقة اذ لا يعلم انتسابها من أول الأمر الى هذه الطايفة أو طايفة أخرى و لكن الأمر فيه و في سابقه خال عن الاشكال على حسب قاعدة الاقتضاء والمنع أما في مورد النكاح فلأنّ الأجنبية أمر عدمي لرجوعها الى عدم الانتساب والعدمي لا يحتاج الى الاثبات نشك في أمر وجودي و هو الانتساب و هو أمر زايد دخيل في الحرمة والحلية فيكفي عدم الانتساب فبما أن العدم لا ربط لها بالحالة السابقة فلا يدري أنّها حين وجودها هل انتسبت أم لم تنتسب و على الأول فالمانع عن الازدواج موجود دون الثاني و أما الأجنبية - فليست شرطاً لرجوعها الى العدم و هو لايؤثر و لايتأثر - و أما فى الحيض فيها أن تأثر الطبيعة في أكثر من خمسين سنة أمر زايد مسبب عن الانتساب الى القريش فبالنسبة الى الخمسين لا كلام و ما لم يعلم بالأمر الزايد يرجع الى العدم .

والمتحصل - أنّه تكون في الفقه موارد كثيرة لايتمّ حكمها إلّا بقاعدة الاقتضاء والمنع ولا تتم بالتمسك بأصل آخر.

فلا يبقى ريب في اعتبار القاعدة ببناء العقلاء و حكم العقل فلذا كان المقتضى الحالة السابقة في أصالة الحقيقة و أصالة الاطلاق و أصالة العموم التي لا ترديد في اعتبارها اجمالاً - والوجه في السريان الى ساير الموارد هو ان حكم العقل

ص: 154

ليس ايجاده شيئاً بل ادراكه و مورد حكمه الذاتيات غير المجعولة فيدركها و يحكم فالعقل و هكذا العرف (لا بمعنى اجتماع أهل العرف بل بمعنى كون الأمر معروفاً بحسب الفطرة و معمولاً به بحكم الطبيعة) يحكمان بالعمل بالقاعدة و من مواردهما الأصول الثلثة المذكورة فعند التحقيق والتأمل في ساير الموارد نرى أنّه ليس في البين إلّا تلك القاعدة و لا تخصيص في حكم العقل فإنّه في الحكم التعبدي لا الذاتي - و المقدار كاف في المطلوب.

و أما الشرع - فهو أيضاً مقرّر للقاعدة والألزم أن لا يكتفى في الخطابات إلّا بالقرينة على أنّه يمكن تقرير القاعدة ببركة روايات الاستصحاب فإن عدم نقض اليقين بالشك إنّما يحتاج الى اجتماع الأمرين معاً قطعاً فموردهما واحد فلابد من اعتبار اجتماعهما و من البديهي أن بمجرد صرف وجود الحالة السابقة والحالة اللاحقه لا يحصل اجتماع اليقين والشك إلّا مع وجود المقتضي و احرازه - كما في المثال المتقدم بالنسبة الى حال الاجارة فهي بالنسبة الى السنة الأولى معلومة و الى الثانية مشكوكة فلم يجتمع اليقين والشك نعم اذا تيقن بالعدم و شك في الحدوث فقد اجتمع الأمران - لكن اذا أحرز المقتضى فاجتماعهما بمكان من التصوّر حيث أن المقتضى قد أُحرز و قد اتحد المقتضى ( بالفتح ) أيضاً معه كما في مورد اليقين بالوضوء والشك في حدوث الحدث فالشك في بقاء الطهاره .

و بناء على ماذكرناه فمنشاء اجتماع اليقين والشك في محل واحد هو اتحاد المقتضى والمقتضى و حينئذٍ فاخبار الاستصحاب تشمل المقام وجدت الحالة السابقة أم لا و ورودها في الوضوء إنّما هو من باب المورد و لا اختصاص لها به و إلّا لزم الاقتصار على موردها و لم يصح التعدي عنها مع أنها عام و سار في كل مورد اجتمع اليقين والشك الذي يسمى بالاستصحاب.

فبناء على ما شرحناه و حققناه لحد الآن أن المعتبر هو احراز المقتضي واتحاده

ص: 155

مع المقتضى سواء قارن الحالة السابقة أو فارقها و دليل الاعتبار هو العرف والعقل و بناء العقلاء و تقرير الشرع و موارد كثيره في الفقه بل لا أصل في المقام سوى هذه القاعدة المعبر عنها بالمقتضى والمانع والأصول الأربعة مندرجة بأجمعها تحتها و ساير الأصول المختصة بموارد خاصة ترجع بالآخرة الى هذه القاعده.

أما الاحتياط والتخيير - المسببان عن العلم باشتغال الذمة و هو يقتضى لاستفراغ الذمة الى أن يثبت المزيل والتخيير مرتبة ضعيفة من الاحتياط أعني الموافقة الاحتماليه.

و أما الاستصحاب - فقد عرفت حاله بالتفصيل و انّه باعتبار احراز المقتضي.

و أما البرائه - فمرجعها الى استصحاب العدم الأزلي و عرفت أن نسبة الشك الى طرفيه متساوية فلا مجال لترجيح أحد الطرفين على الآخ--ر اذ لا يعقل ترجيح العدم على الوجود أو العكس من ناحية الشك فالموجب للرجحان هو العلم فإن كان علم بالعدم و شك في الوجود فالأصل العدم و إن كان بالعكس فمع احراز المقتضى يكون الأصل هو الوجود أى الاستصحاب.

و ببيان أوضح - إنّ أخبار الاستصحاب تشمل البرائة أيضاً فإنّ لاجتماع اليقين والشك صورتين العلم بالوجود والشك في الزوال والعلم بالعدم مع الشك فى الحدوث - فقد رجعت الأصول الأربعة الى القاعدة و كذا أصالة اللزوم في البيع و أصالة عدم المحرمية و أصالة عدم القرشيه.

و ببيان آخر - إنّ الترددان كان بين أمرين وجوديين فكلّ واحد منها لا يوافق الأصل و أما إن كان بين العدم والوجود فالعدم لا يحتاج الى الاثبات بل المحتاج له هو الوجود و إلّا فالعدم سابق فمادام الحكم مردداً بين مانعية أمر وجودي و عدمها أو كان ثابتاً فى حال العدم كمسئلة المحرمية و عدمها فإما إن يكون هنا نسب

ص: 156

أو لا فالعدم لا يؤثر في حلية الوطي حتى نحتاج الى اثباته و أما المحرمية فهي التي تمنع عن حلية الوطي فإذا تردد الأمر بين وجود نسب و عدمه فالمقتضى ثابت والشك إنّما هو في المانع - و هكذا الحال في أصالة الطهارة فترجع الى هذه القاعده.

و بالأخرة فقاعدة الاقتضاء والمنع و إن كان التعبير عنها مختلفاً باختلاف الموارد كأصالة الصحة والطهارة والاشتغال والبرائة والتخيير والاستصحاب واللزوم و نحو ذلك إلا ان حقيقتها أمر واحد.

و هو أن هذه الأصول كما عرفت ترجع الى العلم لا الى الشك حتى تكون خارجه عن اصاله عدم التعبد بالظن فليست بامارات بل أصول برأسها و قاعدة الاقتضاء والمنع التي عرفت تحقيقه هي من الأصول و تنطبق على تلك الأصول الثلثة و غيرها فالقاعدة ليست أصلاً لفظياً بل أصل عملي فلازم ذلك ان تكون أصالة الحقيقة والاطلاق والعموم أصولاً عملية مع انّهم قد جعلوها من الأصول اللفظية الاجتهاديه كما انّ بعض مصاديق القاعدة أصول عملية بل و بعضها أصول عملية ساذجة ليست فيها جهة كشف أصلاً كالبرائة و بعضها توجد فيها جهة كشف کالاستصحاب المعروف - فكيف يكون ذلك ؟

الوجه في ذلك ان أصالة الحقيقة و كذا العموم والاطلاق أصول واقعة في مورد الدليل فهي متممة للدليل لا نفسه فإنّ الكلام الملقى لغرض الافادة والاستفادة كاشف عما في ضمير المتكلم و موجب للعلم بالعلة من المعلول و عكسه لكن هذه الدلالة ناقصة لتردد المدلول بين المعنى الحقيقى والمجازي فلو تساوى الطرفان فهذا اجمال في الدليل كالاشتراك و لكن قد سبق انّ الوجهة الأولية للفظ هو انصرافه الى المعنى

ص: 157

الحقيقي و ليس المعنى المجازي في عرضه بل هو محتاج الى القرينة فلذا يرجح الحقيقة فالاقتضاء في أحد الطرفين موجود و ليس كذلك في المشترك - فلذا هذا الأصل عبارة عن الأخذ بالمقتضى و عدم الاعتناء باحتمال المانع إلّا انّه أصل متمم للدليل لا نفس الدليل فلذلك يكون أثر الدليلية موجوداً فيه و هذا باعتبار مورده أي الدليل و إلّا فهو أصل كساير الأصول و هكذا العموم والاطلاق و أصالة البرائة كذلك أيضاً فإنّها بما أنّ متعلقها العدم فلا رجحان فيها لأنّه لا يؤثر ولا يتأثر و أما في م-ورد السببية المطلقة كالعلم بالوضوء والشك في حدوث الحدث فالبقاء له الرجحان فإذا ثبت و لم يحصل العلم بوجود المزيل فالعمل على ترتيب آثار البقاء.

ص: 158

مورد اعتبار اصالة الحقیقه

هل اعتبار أصالة الحقيقة يختص بالمخاطب المقصود افهامه بالكلام أو هو مطلق فيشمل غير المقصود بالخطاب وكذا المعدومين والغائبين ؟

فنقول - إنّه قد لا يكون المقصود بالكلام افهام الحاضر المخاطب بخصوصه كما في الخطابات التصنيفية مثل ماذكر الشيخ الأنصاري في أول مبحث القطع بقوله ( اعلم ان المكلف اذا التفت الى حكم - الخ) فمن الواضح انه لم يقصد بقوله ( اعلم ) خصوص من حضر بحثه الشريف أو المراجع الى كتابه فقط لعدم لحاظ هذه الأمور والحيثيات حين تصنيفه فلاينبغي الريب في اعتبار هذه الخطابات و إلّا لسقطت عن الاعتبار بالكلية بل المقصود هو جميع الافراد بلافرق بينهم و أوضح من ذلك ؛ القرآن العظيم فإنّه من قسم الخطاب التصنيفي حيث أنه قد جاء به أمين الوحي من اللوح المحفوظ و لم يكن هناك أحد حتى يقصد بالخطاب و ماتلاه النبي صلی الله علیه و آله و سلم و قرئه عليهم فانّه قرائة كلام اللّه سبحانه لا ان يكون خطاب شفاهي و توهم انّ القرآن خطاب شفاهي فلا يستوي فيه الحاضر والغايب فاسد.

و أما الخطابات الشفاهيه - فيا ان الملاك هو احراز المقتضي والشك في المانع فيترتب آثار المقتضى ولا يعتنى باحتمال المانع فهذه الخطابات لا فرق فيها بالنسبة الى المقصود بالخطاب وغيره وليس فى البين شيئ إلّا احتمال وجود قرينة توجب الفرق بين الموجودين والمعدومين - و لكن هذا هو احتمال المانع و لا اعتناء به مع وجود العلم بالمقتضى و على ذلك قد جرت سيرة العقلاء فإذا أقرّ أحدٌ في مجلس واستمع آخرون فلهم أن يشهدوا بما سمعوه.

ص: 159

و هي من جملة الموارد التي تُوهم عدم اعتبارها فقد اختلف في حجيتها و عدمها فذهب بعض الى انّ الكتاب لا ظاهر له و هذا يرجع الى الصغرى و بعض اعترف بالظواهر و مع ذلك ذهب الى عدم اعتبارها أو تأمل فيها بسبب وجود أخبار في المقام : فلا بأس أولاً بتصوير لفظ الكتاب ثم الاشارة الى خصوصيات البحث فنقول.

إنّ للفظة ( كتب ) معاني عديده - أحدها الكتابة بالمعنى المعروف - وثانيها الجمع - ثالثها التقدير كقوله سبحانه:( كتب اللّه لأغلبنّ أنا و رسلي )(1) رابعها الوجوب كقوله : (كتب عليكم الصيام)(2) و نحو ذلك و لكن يمكن أن يفرض في المقام معنى جامع مطرد في جميع الموارد فتكون المعاني العديدة غير مختلقة حقيقة بل من مصاديق ذلك الجامع و هذا المفهوم الجامع المطرد هو ( الإتقان والإحكام ) فهذا في مورد الوجوب عبارة عن اتقان فعل و في مورد الجمع هو المنع عن التفرق و في مورد الكتابة والخط اتقان المكتوب بسبب نقشه على القرطاس فيصون عن الضياع والتلف و يقال كتيبة القوم لكونها في غاية الانتظام والترتيب.

و أما لفظ ( الكتاب ) فلابد و ان يُنظر في أنّه من أي مصداق والواضح البديهي ان المقصود منه ليس ما بين الدفتين أعني النقش فإنّ الكتاب سابق على النقش و إنّما النقش حاكِ فقوله سبحانه : (ذلك الكتاب لا ريب فيه )(3) ليس اشارة الى المكتوب

ص: 160


1- سورة المجادلة : آية 21
2- سورة البقرة : آية 183 .
3- سورة البقرة : آية 2

فيما بین الدفتین لوضوح انّه عند نزول القرآن لم تكن في البين دفة أو دفّتان . فالكتاب هو الكلام المؤلف السابق على النقش والتعبير مما بين الدفتين بالكتاب إنّما هو مصداق و من المعلوم ان كتاب اللّه كتابُ حتى قبل وجود العالم انتقش أو لا قُرء أم لا .

و بالجملة فلا كلام في ان الكتاب من جملة المصادر إلّا ان أكثر أهل العربية ذهبوا الى انّها بمعنى المفعول فهذا كتابنا أي مكتوبنا كما انّه قد اللفظ والخلق بمعنى الملفوظ والمخلوق والنطق بمعنى المنطوق والصنع بمعنى المصنوع.

و لا يخفى انّ هذا لايتم على اطلاقه بل فيما لم يكن وجود المفعول خارجاً مع وجود الحدث أمرين اذ من المعلوم أنّه قبل اللفظ لا ملفوظَ حتى يقع اللفظ عليه و كذا الخلق والصنع مثلاً فوجود المفعول في الخارج متحد مع وجود المصدر فهذا خلق اللّه أي ايجاد اللّه فلم يكن قبله شيئ حتى يقع الايجاد عليه .

و أما اذا كان للمفعول خارجاً وجود مستقل والفعل وقع عليه فلا علاقة حتى يستعمل الحدث فيه كالضرب والمضروب والحب والمحبوب والطلب والمطلوب فالمفعول في أمثال هذه الموارد مقدم وجوده على وجود الفعل فلا اتحاد اللهم إلّا ان

تكون هناك جهة خاصة خارجية كزيد عدل .

و كيف ماكان - فلنرجع الى المقصود . فنقول - ان للكتاب محكماً و مجملاً و متشابهاً - والمجمل هو ما لاسبيل الى الكشف عنه إلّا بالسؤال عن المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين . كفواتح السور التي هي رموز و حروف مقطعة و من المعلوم عدم امكان الرجوع الى لغةٍ بالنسبة اليها و أما المتشابه فهو ماكان ذات احتمالات كالألفاظ المشتركة التي لا يمكن تعيين المراد بها بسبب الظن والحدس والسرّ في اشتمال الكتاب على المجمل والمتشابه مع ان الغرض منه هو الارشاد والهداية و لا هداية في المجمل والمتشابه بل قد تكون منشاءً للاضلال وهذا ينافي حكمة الباري سبحانه - هو ماورد عن مولينا أميرالمؤمنين سلام اللّه عليه و آله من ان اللّه تعالى قسّم كتابه على

ص: 161

المحكم والمجمل والمتشابه لتميز الحق عن الباطل و تشخيص القشر من اللباب فان كل عاقل اذا راجع القرآن و رأى هذه الأقسام فيه يعلم انّ اللّه لا يصدر اللغو عنه فلابد من أن يكون هنا مترجم رباني مقرون بالكتاب لئلا ينافي حكمته و من المعلوم ان أوّل مترجم للقرآن والمبين له هو خاتم أنبيائه صلى اللّه عليه و على أوصيائه ثم من يحذو حذوه و يكون خليفته بعده ثم من اقتبست علومهم من علومهم فإذا احتاج الناس الى شيئ من القرآن و راجعوا الخلفاء ورأوا ان هناك من لا يفهم حتى معنى الأبّ ( بالتشديد ) و شاهدوا مَن أحاط بكل سرّ في القرآن الكريم فلابد من أن يعرف المحق عن المبطل والصادق عن الكاذب كما ورد فى قضايا عديده من مراجعة علماء اليهود والنصارى الى الشيخين واضطرارهما الى ارجاعهم الى أمير المؤمنين و وصيّ رسول رب العالمين و من جملة الموارد ماسئل بعضهم أبابكر من أنّه أي شيئ لا يعلمه اللّه فجهله أبوبكر و عمر فالتجاؤا الى مولى الكونين فأجاب بأنّ اللّه لا يعلم لنفسه شريكاً و منه قوله سبحانه :( بما لا يعلم في السموات والأرض ).

والحاصل فوجود المجمل والمتشابه عين الكمال وهذا هو أحد وجوه الهداية والحفظ عن الضلال والاضلال.

ثم انه - قد نسب الشيخ قدِّس سرُّه الى جماعة من الاخباريين المنع عن العمل بظواهر الكتاب من دون مايرد التفسير و كشف المراد عن الحجج المعصومين و ان أقوى ما يتمسك لهم وجهان .

أحدهما - الأخبار المتواترة المدعى ظهورها في المنع عن ذلك(1) كالنبويات الثلث في أحدها من قال في القرآن بغير علم و في أخريبها من فسر القرآن برأيه الخ

ص: 162


1- تجد عمدة هذه الروايات في موسوعة وسائل الشيعه ( الطبعة الاسلاميه ( المجلد 18 - ب 13 و ب 6 من أبواب صفات القاضي)

والرواية المروية عن أبيعبد الله علیه السلام والنبوي العامي والرواية المروية عن مولینا الرضا علیه السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم عن اللّه سبحانه في الحديث القدسي والرواية المروية في تفسير العياشي(1) عن أبيعبد اللّه و مقالة صاحب مجمع البيان(2) و كمرسلة شعيب ( شبيب ) بن أنس و رواية زيد الشحام الى غير ذلك مما ادعى في الوسايل في كتاب القضاء تجاوزها عن حد التواتر(3) و حاصل هذا الوجه يرجع الى ان منع الشارع عن ذلك يكشف عن ان مقصود المتكلم ليس تفهيم مطالبه بنفس هذا الكلام فليس من قبيل المحاورات العرفيه .

و أجاب(4). عن هذه الأخبار انّها لا تدل على المنع عن العمل بالظواهر الواضحة المعنى بعد الفحص عن نسخها و تخصيصها و ارادة خلاف ظاهرها في الاخبار و من المعلوم ان هذا لا يسمى تفسيراً بالرأي أو القول والحكم بغير علم بل هو إعمال النظر من تلقاء نفسه.

و تنقيح هذا الجواب هو ان الرجوع الى الظواهر ليس تفسيراً فإنّ التفسير كشف القناع أو كشف المغطى و قد قال بعضهم ان( فسر ) مقلوب ( سفر ) و منه أسفر الصبح والرجوع الى الظواهر ليس من كشف القناع أو المغطى و عليهذا فلابد و ان لا يصدق التفسير إلّا في مورد التأويل ويختص به و على فرض تسليم ان يكون ذلك تفسيراً لكن ليس تفسيراً بالرأي فإنّ الرجوع الى الظواهر ليس من الرجوع الى الرأي بل المراد بالتفسير بالرأي هو متابعة ظنونهم و شهوات أنفسهم و عدم المراجعة الى أهل البيت سلام اللّه عليهم أجمعين حيث ان بنائهم كان على العمل بالظن والقياس

ص: 163


1- تفسير العياشي : ج 1 ص 18 ح 6 .
2- مجمع البيان 1 / 13
3- وسائل الشيعه : ج 18 - ب 13 من أبواب صفات القاضي ، ذيل الحديث 80.
4- فرائد الأصول : ج 1 ص 142.

والاستحسانات

و لا يخفى ان كلاً من الايرادين في معرض المناقشة - أما الأول - فلأنه و - - إن كانت أصالة الحقيقة والعموم والاطلاق من الظواهر في حد أنفسها إلّا أنّه قد يكون بعض التراكيب موجباً للغموض والخفاء كما في تركيب المتون والمختصرات فإنّها و إن كانت للافادة والاستفادة إلّا ان من أراد بيان شيء بصورة الاجمال والاختصار فلا يكون بيانه حينئذ كالمفصل المشروح واضحاً مبيناً بل يعرضه بسبب الاختصار قناع و غطاء فلذا ترى أنه قد تتحير الافهام احياناً في فهم المراد منها بحيث تجول يميناً و شمالاً فكشف القناع والمغطى لا ينحصر بالتأويل فيشمل قوله علیه السلام من فسر القرآن برأيه الخ للمقام فإنّ التفسير هو الكشف - و أما الثاني - فلأن القياس والاستحسان إنّما هو في مورد جعل الحكم و أما في مورد التفسير فلايعملون بهذه القواعد المقبولة لديهم بل إنّما يرجعون الى ظواهر الألفاظ والقواعد العربية بل و لا محل للقياس في مورد التفسير - أما أما توجيه هذه الأخبار المذكورة اليهم والطعن والاعتراض عليهم فإنّه من جهة ان العامة لم يراجعوا مصادر الوحي و أوصياء النبي صلى اللّه عليهم أجمعين في مورد تفسير كتاب الله المجيد والفرقان الحميد بل اقتنعوا بزعمهم بالقواعد الأدبية والاشتقاقات والتركيبات مع ان القرآن بمكان عظيم من الغموض والخفاء و قد عيّن اللّه له تراجمة عليهم من اللّه السلام والثناء والثناء فالعامة من تلك الجهة في الخطاء

فالعامّة والضلال فإن أصابوا لم يؤجروا و ان أخطؤا سقطوا أبعد مابين السماء والأرض ( كما في الحديث الشريف)(1) - فقد أطبق عليهم الخطاء و على سمعهم و بصرهم الغشاء لكن العمل بالقياس ليس تفسيراً بل هو جعل الحكم كما عرفت و يؤيد ماذكرنا كله مكالمة الامام مع أبي حنيفة و قتاده فراجع.

ص: 164


1- تفسير العياشي - المجلد الأول - المقدمة .

ثم انه قال الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه: هذا كله مع معارضة الاخبار المذكورة بأكثر منها مما يدلّ على جواز التمسك بظاهر القرآن مثل خبر الثقلين المشهور بين الفريقين و غيرها مما دلّ على الأمر بالتمسك بالقرآن والعمل بما فيه..(1).

و لكن ماذكره غير تام .

أما خبر الثقلين فقد استنصر به قدِّس سرُّه على مقالته من حيث أنه جعل مورد التمسك كلا العترة والكتاب فلابد وان يكون كل منهما معرضاً للتمسك استقلالاً اذ لو كان المقصود ضم الكتاب الى العترة لم يكن كل منهما في معرض تمسك الأمّة بل كان المستَمسك به حينئذٍ في الحقيقة هو العترة . و هذا مما لا يمكن الذهاب اليه بل الخبر الشريف صريح في خلاف ما أراده قدِّس سرُّه حيث انه صلی الله علیه و آله و سلم قال فيه : إنّهما لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض . أما وجه عدم افتراق العترة الطاهره من الكتاب فواضح حيث انهم علیهم السلام عالمون بالكتاب و عاملون به و لا يعرضهم سهو و لا نسیان و لا خلاف. فهم عاملون بالكتاب كله والالزم افتراقهم عنه في مورد عدم العمل ) والعياذ بالله ) كما انّهم عالمون به كله والالزم مفارقتهم عنه في مورد عدم العلم (حاشاهم عن

ذلك ).

و أما وجه عدم افتراق الكتاب عن العترة الطاهرة فهو انّ العلم بالكتاب منحصر فيهم و مخصوص بهم فلا يفرض مفارقة أحدهما عن الآخر ولهذا قال الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم لن يفترقا ... فافهم واغتنم . والحاصل ان هذه الرواية الشريفه لا تعارض الروايات السابقه.

ص: 165


1- فرائد الأصول - المجلد الأول - ص 145

إنّ هذه الرواية الساطعة تستفاد منها فوائد جمه و عوائد ثمينه أوردنا شطراً منها في كتابنا مصباح الهداية في اثبات الولايه(1).

منها . انّها دالة على امامة الامام و عصمته و من جهة قوله صلی الله علیه و آله و سلم : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً . و لو لا ذلك لم يكن لقوله صلی الله علیه و آله و سلم: ( لن تضلوا )معنی.

و منها انّ جميع الأمّة يلزمهم التمسك بالعترة - كما في الروايه - فالعترة هم المتمسک بهم و لو كانت الامامة لها سبيل بالنسبة الى غير العترة لزم ان يكون هذا الغير أيضاً متمسك به والحال ان جميع الأمة متمسكون وليس فيهم من يتمسك به سوى العترة الطاهره.

و منها - انه يستفاد من تلك الفقرة أيضاً استغناء العترة عن الأمّة كلهم واحتياجهم بأجمعهم الى العترة فإنّ مورد التمسك هو العترة والكتاب و لاتمسك للعترة في شيء الى أحد والالزم ان يكونوا متمسكين لا متمسك بهم.

و منها . ما ذكرناه أعني عدم الافتراق بين العترة والكتاب بالتقرير المذكور آنفاً بأنهم عاملون به و عالمون به و إلّا لصدق الافتراق فيما لو فرض عدم العلم أو عدم العمل فهم علیه السلام دائماً مع الكتاب و هو معهم كذلك و إلّا كذلك و إلّا لم يصح التعبير بالافتراق بل لزم ان يقول : لن يفارقوه أو لن يفارقهم . الى غير ذلك من الفوائد القيمة الراقيه .

ص: 166


1- و قد طبع هذا الكتاب القيمٌ عدة مرّات و ترجم الى الفارسية مرتين احداهما بقلم والد هذا الحقير المؤلف المقرر ، العلامة المرحوم السيد محمد رضا الشفيعي الله سماها ) شاهراه هدایت ( والثانية بقلم العالم الجليل والكاتب القدير الشيخ علي الدواني حفظه الله سماها (فروغ هدایت و قد طبع كلاهما

فلنرجع الى المقصود و نقول :

أما حديث المسح على بعض الرأس . فهو أيضاً لا يعارض الأخبار السابقة الواردة في كلام الشيخ قدِّس سرُّه فان في قوله تعالى : ( وامسحوا برؤسكم )(1)قد أتى بحرف الجر مع انّ الفعل متعدٍ وقد وقع الخلاف بين أهل العربية في ورود حرف الباء للتبعيض فانکره سیبویه و جماعة فهل ان قوله علیه السلام : لمكان الباء . يفيد انّ الباء ورد لعدة معان لكن أريد منه معنى التبعيض في المقام ؟ لو كان كذلك كان اللازم نصب القرينه.

و قد أفاد بعض المحققين ان وضع الباء ليس للتبعيض و لهذا قال علیه السلام : لمكان الباء و لم يقل : للباء فيكون المعنى أنّه قد أتى بحرف الجر - في الآية الشريفه - في مكان ليس بلازم و هذا يدل على انّ في المقام نوع ارتباط فإنّ الباء للالصاق و اذا تعلق الفعل بما بعده ظهر منه الاستيعاب ، كأن يقال : امسحوا رؤسكم فيكون المسح على تمام الرأس لكن اذا ورد الباء الذي هو للالصاق والربط فيكفي فيه أدنى ملابسة و ربط و هو المسح ببعض الرأس و لهذا قال سبحانه : (امسحوا برؤسكم ) و حينئذٍ يتم المعنى في الآية الشريفه حتى لو لم نقل بأن الباء للتبعيض . والحال كذلك في الفارسية أيضاً فإذا قال القائل ( سرت را مسح کن ) يظهر منه لزوم مسح تمام الرأس و اذا قال ( بر سرت مسح كن) يظهر منه كفاية المسح على بعض الرأس.

فهذا هو الذي يتحصل من الآية الشريفه ولا يدل ذلك على حجية الظواهر كما يزعمه الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه و تمسك بأن الامام علیه السلام أرجع زرارة الى ظاهر الآيه .

بل يمكن ان يقال بأنّ الرواية تدل على العكس من ذلك فإنّ هذا المطلب المنطوى في الآية الشريفه كان عليه غطاء و قناع و قد كشفه الامام علیه السلام لزراره و به تتم الحجة على العامة فإنّه مع انّ الميزان في كشف المراد من الآية هو قواعد العربية إلّا

ص: 167


1- سورة المائدة : آية 6 .

أنّه لم يفهم ذلك منها من دون مراجعة الامام علیه السلام فدلالة هذا الحديث الشريف على كفاية الرجوع الى ظواهر القرآن من دون المسئلة عن الامام غير معلوم فان تعريفه علیه السلام

لهذا المطلب كاشف عن برهان لم يكن زرارة يعلمه قبل بيان الامام علیه السلام.

و قول الشيخ تي ( فعرفه علیه السلام العليلا مورد استفادة استفادة الحكم من ظاهر الكتاب ) مخدوش بأن مورد استفادة الحكم انما ظهر بعد بيان الامام علیه السلام و لم يكن معلوماً لزرارة قبل ذلك.

تنبیه

ورد في الرواية انه قال زراره للامام علیه السلام: من أين علمتَ ان المسح ببعض الرأس(1) و هذا النحو الخطاب لعلّه بعيد عن أدب زراره مع الامام مع ماكان هو عليه من كمال المعرفة و علوّ المقام و رفيع المنزله . و لهذا فقد حمله بعضهم على ان زرارة حيث كان يناظر أهل السنة والجماعة في ذلك و أمثاله فأراد فهم هذا المطلب من الامام علیه السلام فقد شبّه نفسه بهم و نزل نفسه منزلتهم كأنّه أحدهم فلذا عبّر بتعبير من لم يبعد صدور هذا النحو من الخطاب عنه .

لا بأس بالتعرض لجهة أخرى من آية الوضوء تكميلاً للفايدة و لوجود المناسبة بينها و بين ما بحثنا عنه فنقول وبالله التوفيق :

إنّ العامّة كما هو المعلوم منهم و لديهم انهم يغسلون أيديهم في الوضوء من الأسفل الى الأعلى بعكس ما يفعله الشيعة و يتمسكون في ذلك بقوله تعالى: إغسلوا

ص: 168


1- فرائد الأصول : ج 1 ص 145 سطر 7 .

وجوهكم وأيديكم الى المرافق)(1) و انّ الى وضع لانتهاء الغايه . والجواب منّا إِنَّا في غنى من هذا الوجه بعد ورود النص في المقام من أئمتنا الأطهار علیهم السلام.

لكن الجواب الالزامي هو ان يقال لهم: إنّ الآية الشريفة لاتدل على مطلوبكم. و بیان ذلك يحتاج الى مقدمة و هي :

انّهم قد تمسكوا باتفاق أهل العربية في معنى ( الى ) و مفاده فلابد أولاً من النظر في أن اتفاق أهل اللسان في مورد هل هو حجة أو لا ؟ و ثانياً . هل ان هذا الاتفاق موافق للقاعدة أم لا ؟ فنقول :

إنّ اتفاق أهل اللسان قد يكون مستنداً الى الإخبار عن حس . فهذا حجة لا محاله بعد بلوغه الى حد التواتر ليصح الوثوق به . و اما ما لا يستند الى الحسّ فليس كذلك والاتفاق فيه لا يفيد شيئاً .

مثال ذلك . قولهم : الفاعل مرفوع . فلو كان هذا نظرياً و لم يكن محسوساً . بديهياً كيف يكون قولهم فيه حجة سواء اختلفوا فيه أم اتفقوا عليه فإنّ الاستنباط اذا كان نظرياً احتاج الى الدليل - نعم لو قال به المعصوم و أخبر به كان حجة قطعاً و لكن ذلك خارج عن محل الكلام و أما بالنسبة الى غير المعصوم فلو كانت القواعد الاستنباطية حجة يلزم ان لا يكون فيها اختلاف مع ان أهل اللسان كم اختلفوا في كثير من الموارد كما في مفاد صيغة افعل و أنّه هو الوجوب أو الندب أو الاباحة أو القدر المشترك والاشتراك اللفظي أو المعنوي و هكذا فهذه المستنبطات ليست حجة للغير بل كل واحد يرى النفسه ما استنبطه و فهمه سواء وافق الآخرين أو خالفهم.

فمن ذلك قولهم : ان من للابتداء و الى للانتهاء . حيث ان بحسب موارد

ص: 169


1- سورة المائدة : آية 6 .

الاستعمال نرى ان المستعمل لها فيه حالات ثلاث . احداها ما يكون النظر والقصد فيه الى التحديد و قد لا يكون التحديد مراداً وقد يكون المراد بالعكس .

أما الصورة الأولى كما في تعريف الدار لاشترائها أو بيعها فإذا قلت ان حدها من ذلك الى ذلك الموضع كنت في مقام تحديد الدار من حيث تعريف أطرافها وجهاتها و حدودها.

و أما الصورة الثانيه فكما تقول للخادم : اكنس الدار من أولها الى آخرها فلا نظر حينئذٍ الى التحديد و لا يسئل الخادم عن ذلك و لا فرق عندك في كنس الدار من أولها الى آخرها أو بالعكس .

والصورة الثالثة كما اذا تقول : اغسل الحائط من أدناه الى أعلاه - حيث انّ المراد غالباً غسله من فوق الى تحت و إن كان المستعمل فيه بالعكس.

ثم ان بين هذه الصور جامعاً و قدراً مشتركاً - دون الاشتراك اللفظي - فيجتمع التحديد مع الابتداء والانتهاء من دون لزوم تجوّز و هذا شايع في الاستعمالات و هذا القدر الجامع هو ان( من) لعدم المسبوقيه و ( الى ) لعدم التجاوز .

والحاصل ان المراد قد يتعلق بالتحديد الصرف و قد يتعلق بالتحديد مع قبول البدو والختم و قد يتعلق به مع عكس الصورة الثانيه كل ذلك بشهادة المورد والمقام و هذا هو المعنى الجامع و إن كان منصرف اطلاقه قد يكون الابتداء أو الانتهاء أو لا هذا و لا ذاك.

و حينئذٍ ننظر لنرى هل ان قوله تعالى : الى المرافق هو التحديد الابتدائي والانتهائى أو غير ذلك ؟

المثال الواضح . اذا قال الطبيب اغسلوا رجلي المريض الى الركبة فالقرائن تشهد بأن المراد هو التحديد الصرف و طبع العمل أيضاً يقتضى ذلك فلا فرق في غسلهما بين الشروع من الركبة الى القدم أو بالعكس . ففي المقام لو لم تكن سنة

من

ص: 170

النبي صلی الله علیه و آله و سلم كنّا قلنا بجواز غسل اليدين من الأعلى أو من الأسفل و لكن لما ثبت منه صلی الله علیه و آله و سلم ابتدائه بالأعلى إلى الأسفل سنةً منه فنحن نقتفى أثره و نتبع سنته صلی الله علیه و آله و سلم والمورد مما تنطبق عليه الآية الشريفة بتمامها و ليس خارجاً منها(1).

فلنرجع الى المبحوث عنه و هو النظر في ماتمسك به الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه.

أما قول الصادق علیه السلام في مقام نهي الدوانقي عن قبول خبر النّمام بأنّه فاسق و قال الله تعالى : ( إن جائكم فاسق فتبينوا)(2). فالانصاف ان تمسك الشيخ قدِّس سرُّه حق متين فإنّه أمر ظاهر جداً و من المعلوم لزوم التبين في مورد إخبار الفاسق(3).

أما قوله علیه السلام لابنه اسماعيل : إنّ اللّه يقول : يؤمن باللّه و يؤمن للمؤمنين. فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم(4).

و قوله علیه السلام لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء الخ(5) و قوله علیه السلام في تحليل العبد للمطلقة ثلاثاً انه زوج الخ(6) و في عدم تحليلها بالعقد المنقطع انه تعالى

ص: 171


1- أقول : وهنا وجوه أخرى صالحة لتأييد ما عليه الامامية أعلى الله كلمتهم . منها . ان الكفين والزندين أقرب الى الأوساخ والقذارات لكثرة تداولها في موارد حاجات الانسان فالابتداء يغسلها ثم الى المرفقين يوجب انتقال الماء المغسول به الأوساخ الى أعلى اليدين دون العكس الذي تلتزم به الاماميه و منها . ان طبيعة الماء ( و لاسيما في الوسائل الحديثه ) هو جريانه من الأعلى الى الأسفل كما في غير الانسان أيضاً من الجدران والأشجار وما الى ذلك ففى الأمور العادية الطبيعيه نرى ذلك بوضوح بين العقلاء من ابتداء الغسل و اجراء الماء من الأعلى حتى أن بعض المعاصرين مال واحتاط بلزوم اجراء الماء في الاغسال أيضاً من طرف الأعلى و منها غير ذلك مما يجده المتتبع . المقرر
2- الحجرات : آية 6 .
3- وسائل الشيعة 619/8 ب 164 ح 1 .
4- وسائل الشيعه 230/13 ب 6 ح 1 .
5- وسائل الشيعه 370/15 ب 12 ح 1 .
6- نفس المصدر 957/2 ب 18 ح 1 .

قال : (فإن طلقها فلا جناح عليهما)(1).

فيمكن ان يقال بالنسبة الى هذه الموارد : ان الامام علیه السلام قد قرّر هذه الظهورات في هذه الآيات فلا تدل هذه الاخبار على ردّ الاخباريين القائلين بأن ليس للقرآن ظهور أو ليس ظهوره حجة من دون مراجعة المعصوم اذ الامام علیه السلام أرجع الأمر الى هذه الظواهر و هذا الارجاع منه تقرير منه لظاهر الكتاب فهذا أدلّ على معتقد الاخباري الذي يرى لزوم مراجعة المعصوم في ظواهر الكتاب و انّها ليست کظواهر ساير المحاورات فإنّه قد يكون المراد ما يخالف ظواهر الآيات فيوضحه الامام أو يقرّر ظواهره فيقول مثلاً : أنّه أريد من الفاسق في الآية الكريمه مطلق الفاسق و لو أنّها نزلت في شأن فاسق خاص و هو الوليد فأوضح الامام علیه السلام ان المورد ليس مخصصاً فصار بيانه علیه السلام بالاخرة محلاً للحاجة فلايكون هذا رداً على مذهب الاخباري فان هذا الايضاح والبيان نوع من كشف القناع والمغطّى .

والحاصل . أنّه لا يتم معارضة هذه الاخبار مع الروايات السابقة ف-ان الاخباريين يرون لزوم الرجوع الى المعصوم و لو في الظواهر و هنا قد تمسك الامام بظاهر الكتاب و وجه تمسكه به ان هذا من جملة الظواهر و ليس فيه تأويل . و أما استظهار السائل هذا الأمر مع قطع النظر عن مراجعة المعصوم فلا تعطيه هذه الروايات .

و أما قوله تعالى : (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب)(2) و انه نسخ بقوله ( تعالى : ولا تنكحوا المشركات)(3) فقد استدل الشيخ الأعظم بهذا على انّ الامام قد قرّر التمسك بالظاهر بقوله تعالى والمحصنات الخ و هذا قد علم جوابه ممّا تقدم فانه اذا

ص: 172


1- نفس المصدر 369/15 ب 9 ح 4 .
2- سورة المائده : آية 5 .
3- سورة البقره : آية 221 .

قرّر الامام عموماً أو اطلاقاً أو حقيقةً أو عكس هذه بسبب وجود قرينة صارفة فلا مناص عن اتباعه بعد مراجعة المعصوم سواء كان تقريراً للظاهر أو الصرف عنه والمقام هنا من القسم الأول حيث انّه علیه السلام قرر التمسك بظاهر الآية و لكن قال علیه السلام انّه نسخ بآية أخرى لا أنّه أرجع إلى الظاهر و أوكله اليه.

و أمّا مسئلة المسح على المراره . و هي قوله علیه السلام في رواية عبد الأعلى في حكم من عثر فوقع ظفره فجعل على اصبعه مرارةً : ان هذا و شبهه يعرف من كتاب اللّه : ماجعل عليكم في الدين من حرج ثم قال علیه السلام: امسح عليه(1) . قال الشيخ قدِّس سرُّه فأحال معرفة حكم المسح على اصبعه المغطّى بالمراره الى الكتاب مومياً الى ان هذا لا يحتاج الى السؤال لوجوده في ظاهر القرآن(2).

و لا يخفى انه قدِّس سرُّه قد تفطن بدواً الى عدم دلالة هذه الرواية على المسح على ظاهر المراره بل إنّما تدل على نفي الحرج و هو سقوط المسح على البشره و لا يدل حديث لا حرج على لزوم المسح على ظاهر المراره و ذلك لدوران الأمر بين سقوط المسح رأساً و بين بقائه مع سقوط قيد المباشرة للماسح على الممسوح ثم أجاب قدِّس سرُّه ان سقوط المباشرة أخف من سقوط أصل المسح فيسقط القيد دون أصل المسح. أقول : إن كان المقصود انّ سقوط قيد المباشرة و بقاء أصل المسح يستفاد من كتاب الله تعالى فلايخفى ان الآية تدل على حفظ أصل المسح و أما محل بقائه بعد سقوط المباشرة و أنّه أين يقع المسح بعد تعذرها فهذا لا يستفاد من الآية بل يحتاج الى دليل آخر والرواية لا نظر لها الى استفادة هذا من الكتاب العزيز فالمسح على المراره غير مستفادة من الآية بل من حكم جديد و هو قوله علیه السلام (امسح على المراره)

ص: 173


1- وسائل الشيعه ج 1 ص 327 ب 39 ح 5
2- فرائد الأصول طبعة منشورات الشيخ الأعظم ج 1 ص 147

و يشعر بل يدل على ان هذا حكم مستقل نفس لفظ الرواية فإن فيها ( ثم قال علیه السلام امسح عليه ) فلاحظ.

فقال الشيخ قدِّس سرُّه : و من ذلك ما ورد من ان المصلي أربعاً في السفر ان قرئت عليه آية القصر وجب عليه الاعادة وإلّا فلا (1)و في بعض الروايات : ان قرئت عليه و فسرت له(2) والظاهر و لو بحكم أصالة الاطلاق في باقي الروايات انّ المراد من تفسيرها له بيان ان المراد من قوله تعالى (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة)(3) بيان للترخيص في أصل تشريع القصر و كونه مبنياً على التخفيف ف--لا ينا فى تعيين القصر على المسافر و عدم صحة الاتمام منه ومثل هذه المخالفة للظاهر يحتاج الى التفسير بلاشبهة .

و قد ذکر زراره و محمد بن مسلم للامام انّ اللّه تعالى يقول : فليس عليكم جناح و لم يقل افعلوا فأجاب علیه السلام بأنه من قبيل قوله تعالى : ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)(4).

و هذا أيضاً يدل على تقرير الامام لهما في التعرض لاستفادة الأحكام من الكتاب والدخل والتصرف في ظواهره(5).

و محصل ما أفاده الشيخ قدِّس سرُّه انّ هذا أيضاً مما ورد على خلاف الروايات السابقة فإذا كانت قرائة آية عليه كافية في وجوب الاعادة فصراً كان معناه ه-و الأخذ بالظاهر اذ لو لم يكن هذا الظاهر معتبراً لما أوجب الزامه بأعادة الصلوة قصراً

ص: 174


1- مستدرك الوسائل 539/6 ب 12 من أبواب صلوة المسافر - ح 1 .
2- وسائل الشيعه 561/5 ب 17 من أبواب صلوة المسافر - ح 4
3- سورة النساء : آية 101
4- سورة البقرة : آية 158
5- نقلنا العبارة من فرائد الأصول ج 1 ص 147 و 148 .

فإنّ الحكم حينئذ يكون مجملاً .

و قوله قدِّس سرُّه: والظاهر و لو بحكم أصالة الاطلاق الخ. يعني أن المراد من تفسيرها له وقرائتها عليه بيان ان المراد بقوله لا جناح عليكم ( حيث ان ظاهره يفيد الرخصة و هو ينا في العزيمه ) المقصود بيان عدم المنافاة بين الآية و بين العزيمه و ان الآية في مقام أصل التشريع كما في آية الحج والعمره (لا جناح عليه أن يطوف بهما ) فتدل على أن الامام علیه السلام قد قرّر لزراره و محمد بن مسلم انّه قال اللّه تعالى لا جناح عليه أن يطوف بهما و لم يقل طوفوا بهما - كما انّه ال لم يقل لهما اسكتوا و لا تبحثوا بل أجاب انّ قوله تعالى لا جناح ... لو كان مقيداً للرخصة فما هو جوابكم عن آية الحج والعمره مع أنّها للوجوب . فحاصل كلام الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه ان طريقة الامة علیهم السلام كان مع السايرين السايرين أيضاً كذلك أيضاً كذلك بحيث انه اذا تمسك أحدهم بالظاهر لم ينكروا علیهم السلام عليهم بل يجيب - في المقام - ان هناك قرينة على الوجوب .

أقول : لابد من الرجوع الى الآية الكريمه والاستفادة منها . فنقول:

انّه سبحانه تعالی قال : لا جناح عليكم ... و هذه الكلمة للتخفيف و أما في آية الحج فيكون الطواف واجباً . من استعمال نفس هذه الكلمة فيها . والوجه في ذلك : انّ السعي كان في الجاهلية حول الأصنام المنصوبة بعضها على الصفا و بعضها على المروه فإذا جاء الاسلام و حارب و خالف الشرك و أهله و بارز و أنكر عقايدهم و أعمالهم لذا كان المسلمون يحسبون انّ الطواف والسعي أيضاً ممنوع من قبل الاسلام بزعم أن هذين النسكين مناف للتوحيد والاسلام فقال اللّه سبحانه : لا جناح عليكم الطواف ثم السعي بين الصفاء والمروه لأنهما من شعائر اللّه فالعملان معدودان من العبادة للّه

ص: 175

فلا جناح و لا بأس بهما دفعاً لتوهم المنافاة و هذا لاينا في الوجوب والالزام(1).

و هكذا الحال في مسئلة السفر و انّ البناء على التخفيف و لقد كان يتوهم بعضهم انّ القصر منافٍ لفرض التكليف فقال اللّه تعالى : لا جناح عليكم ان تقصروا من الصلوة ليعلموا ان القصر والتخفيف غير منافيين لغرض التكليف . فهذا أيضاً وارد في مورد توهم الخلاف.

إنّما الكلام - في انّه اذا كان التكليف هو قصر الصلوة فقد انقلب أصل التكليف بالتمام الى التكليف بالقصر فلِمَ يصح الصلوة منه تماماً اذا كان جاهلاً بالقصر مع انّ زيادة الركن مبطل مطلقاً و معذلك فقال علیه السلام : تمت صلوته(2) و فسّره بعضهم بالجاهل القاصر .

و قد قيل في الاجابة على هذا السؤال وجوه أحسنها ان يقال : انّ الاتمام الذي هو الوضع الأوّلي للصلوة في محل الكلام مازال موضوعه بل هو باق بحاله و انّ القصر ليس وضعاً آخر بل القصر والتمام هما موضوع واحد و أمر فارد فهما كيفيتان لصلوة واحده لا في الموضوع فليسا موضوعين حتى يكون قد أتى

ص: 176


1- و لعل هنا وجهاً آخر في آية الحج و هو ان تشريع السعي بين الصفا والمروه إنّما هو في ضمن عمل الحج والعمره و بعد وقوع الطواف و حينئذ يرتفع المانع من اتيان السعي و أما قبل الطواف بالبيت فلا شرعية للسعي فإذا وقع قبله وجب أعادته و هكذا ليس السعي عبادة مستقله كما يزعمه اليوم أيضاً بعض العوام فيسعون بالصفا والمروه رأساً لا في ضمن عمل الحج أو العمره و عليهذا فلا جناح لا ينا فى أصل وجوبه بل إنّما تشير الآية الى أن السعي بنفسه أو قبل الطواف فيه بأس و جناح
2- وسائل الشيعه ب 33 من المجلد الخامس ص 541 الحديث الأول و فيه قال علیه السلام : تمت صلوته ولا يعيد . هذا ولا يخفى انّه لو كان المراد هذه الرواية التي أشرنا إليها فهي لا تدل على مطلب الأستاذ المحقق قدِّس سرُّه و ذلك لورودها في مقام آخر و إن كان أصل ما ذكره قدِّس سرُّه مسلّماً فراجع أصل الرواية في مصدره المذكور . المقرر

بأحدهما مكان الآخر .

والحاصل انّ الوضع في القصر والاتمام هو صلوة واحده لكن بكيفيتين احداهما للحضر والأُخرى للسفر نعم الكيفية الأولى ( التمام ) هي الأصل والثانية مبنيةٌ على التخفيف . و بناء عليهذا فيطرح السؤال عن انه ما هو المنشاء لصحة التمام في المقام ؟ فنقول : أنّه قد ورد في الروايات انّ اللّه تبارك و تعالى تصدق على المسافر بإسقاط ركعتين من صلوته والتصدّق من الكبير العظيم هدية منه الى الصغير الضعيف و بالطبع ان قبول الهدية أحسن من ردها لكن في المقام يجب و يلزم قبول هذه الهديه فإنّ ذلك من جانب الله العليّ الكبير ولأجل ذلك قد وردت في الأحاديث الشريفة انّ الهدايا والجوايز التي كان الائمة علیهم السلام يعطونها للفقراء فكان بعضهم احياناً يردّونها لم يقبل الائمة الهداة ردّها منهم بل يجيبون بما حاصله : انّ ما أعطيناه لا يُرد علينا . و هذا منهم لأجل انّهم أولياء النعم و عمل الوليّ ممضى و غير مردود عليه . نعم اذا كان هذا الرد

عن جهل من الهُدى اليه أو خطاء منه فلا يُعد هذا رداً منهم و إلّا لزم كفر الرّاد .

والحاصل ان تحقق الرد يحتاج الى العلم به فيكون الرد موجباً للاثم و أما في مقام البحث فلا يتحقق ردّ الهدية فيكون التمام على وفق القاعدة الأولية فيكون مبرء للذمه.

و ملخص المقال ان الجهة المقصودة في الآيه و إن كانت بظاهرها تدلّ على التخيير ( كما انّ العامة المعرضين عن أحاديث أهل البيت علیهم السلام يقولون بالتخيير الى الآن ) و قد فهم زراره و محمد بن مسلم أيضاً هكذا فأجابها الامام علیه السلام انّ الحكم في المورد كالحكم في آية الحج و انّ هذه الجمله ( لا جناح ... لا يستلزم التخيير بل يجتمع مع الوجوب أيضاً اذا كان المقام مقام توهم الجواز والاباحه . لكن هل الآية في المقام تدل على وجوب القصر أم لا ؟ الآية ساكتة عن ذلك إلا مع مراجعة المعصوم علیه السلام و ارشاده و هدايته الى الوجوب وذلك مما يدل على ماذكرناه من عدم مخالفة هذه الرواية مع الروايات السالفة في كلام الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه.

ص: 177

تتمة مهمّة

قد ذكرنا انّ الجاهل القاصر اذا أتم في موضع القصر تمت صلوته و صحت كما هو المذكور في الروايات والمفتى به عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم أجمعين . فكيف الأمر في ذلك

مع أنّه لم يأت المأمور به على وجهه و لا أقل من زيادة الأركان . المبطلة للصلوة سهواً و عمداً ؟

و قد أوردنا ما أفاده بعض المحققين من أن القصر والتمام ليسا موضوعين و نوعين بل هما موضوع واحد بكيفيتين والأول كفريضة الصبح والظهر المقصوره . والثاني كالظهر التامة والمقصوره و لا يخفى ان لفظي القصر والتمام شاهدان على أنّه ليس في البين حقيقتان و نوعان من الصلوة و لذلك قد أفتى الأصحاب بأنّه اذا نوى التمام في موضع القصر أو بالعكس أو ينوي أحدهما لكن يتم الصلوة سهواً على النحو الآخر فلو تذكر في الاثناء كانت صلوته صحيحة بلاحاجة الى العدول مع انّ في مسئلة الصبح والظهر . أو الظهر والعصر لابد من نية العدول اذا تذكر في الاثناء عدم الاتيان بالسابقة فعدم الاحتياج الى العدول كاشف عن أن المقدار الزائد ليس من حقيقة أصل الصلوة و عليه فالاتمام المأتي به في موضع اذ انّه قد أتى بحقيقة المأمور به إلّا أنّه لم يأت بها بالحيثية المقصودة فلا يلزم من ذلك نقص الصلوة كالنقص الوارد على الصلوة غير المستقبل بها القبلة أو الصلوة مع الحدث.

فحال القصر في مقابل التمام ليس كحال الصلوة المستدبر بها عن القبلة في قبال المستقبل بها اليها أو حال الصلوة لا عن طهارة في مقابل الصلوة مع الطهاره . فليس في المقام ردّ لصدقة المولى - نعم الاتيان بالتمام مع العلم والعمد مبغوض فيبطل هذه الصلوة دون صورة الجهل .

ص: 178

و لا منافاة بين هذا هذا و بين أن يأمر بالاعادة مع بقاء الوقت و عدم القضاء خارج الوقت اذ بقاء الوقت هو قادر على الاعادة و قبول ما تصدق الله به عليه والمتحصل ان هذا أحسن الوجوه في دفع الاشكالات والأجوبة على السؤالات .

هذا ما يرجع الى مسئلة القصر والتمام والحمد للّه في البدء والختام و في كل مقام و مع كل كلام .

الثاني ( من وجهى المنع ) عند الاخباريين حول المنع عن العمل بظواهر الكتاب من دون مايرد التفسير و كشف المراد عن الحجج المعصومين . الذي جعله الشيخ قدِّس سرُّه مع ماقبله أقوى ما يتمسك لهم ما قبله أقوى ما يتمسك لهم هو : إنّا نعلم بطرق التقييد والتخصص والتجوز في أكثر ظواهر الكتاب و ذلك مما يسقطها عن الظهور(1).

و فيه . ما أفاده الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه من النقض بظواهر السنة التي حالها حال ظواهر الكتاب هذا أولاً . وثانياً ان وجود هذه الأمور لا يوجب سقوط الظواهر بل يوجب الفحص عما يوجب مخالفة الظواهر .

إنّ هذا الوجه الثاني ليس بوجيه ولا يعباء به والعمدة هو الوجه الأوّل وقد عرفت مايرد على مانوقش فيه . مع ان الأخبار التي ادعى الشيخ قدِّس سرُّه معارضتها للروايات السابقة لم تنهض على ما ادعاه فليس فيها قوة المعارضة مع الاخبار التي استدل الاخباري على مسلكه.

فالحق الحقيق بالتصديق هو موافقة أصحابنا الاخباريين في هذا المقام من ان ظواهر الكتاب موجودة ثابتة لكنها ليست بحجة من دون مراجعة المعصوم والمسائلة عنه علیه السلام. اللهم إلّا أن يتجاوز عن الظاهر و يصل الى النص.

ص: 179


1- فرائد الأصول ج 1 ص 149

تحقيق مقالة السيد الصدر قدس سره

قال الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه:

ثم انّك قد عرفت انّ العمدة في منع الاخباريين من العمل بظواهر الكتاب هي الأخبار المانعة عن تفسير القرآن إلّا أنّه يظهر من كلام السيد الصدر - شارح الوافيه - آخر كلامه : انّ المنع عن العمل بظواهر الكتاب هو مقتضى الأصل والعمل بظواهر الاخبار خرج بالدليل حيث قال - بعد اثبات ان في القرآن محکمات و ظواهر و انّه مما لا يصح انکاره و انكاره و ينبغي النزاع في جواز العمل بالظواهر و انّ الحق مع الاخباريين - ما

خلاصته : انّ التوضيح يظهر بعد مقدمتين :

الأولى ان بقاء التكليف مما لا شك فيه و لزوم العمل بمقتضاه موقوف على الإفهام و هو يكون في الأكثر بالقول ودلالته في الأكثر تكون ظنية اذ مدار الإفهام علی القاء الحقايق مجردة عن القرينة وعلى ما يفهمون و ان كان احتمال التجوز و خفاء

القرينة باقياً.

الثانيه . انّ المتشابه كما يكون في أصل اللغة كذلك يكون بحسب الاصطلاح مثل ان يقول أحد : أنا أستعمل العمومات وكثيراً ما أريد الخصوص من غير قرينة و ربّما أخاطب أحداً و أريدُ غيره . و نحو ذلك فحينئذٍ لا يجوز لنا القطع بمراده و لا يحصل لنا الظن به والقرآن من هذا القبيل لأنّه نزل على اصطلاح خاص . لا أقول على وضع جديد بل أعم من ان يكون ذلك أو يكون فيه مجازات لا يعرفها العرب و مع ذلك قد وجدت فيه كلمات لا يعلم المراد منها كالمقطعات . الى أن قال: اذا تمهدت المقدمتان فنقول : مقتضى الأولى العمل بالظواهر و مقتضى الثانية عدم العمل لأن ماصار متشابهاً لا يحصل الظن بالمراد منه و مابق ظهوره مندرج في الأصل المذكور

ص: 180

فتطالب بدليل جواز العمل لأنّ الأصل الثابت عند الخاصة هو عدم جواز العمل بالظن إلا ما أخرجه الدليل .

لا يقال : انّ الظاهر من المحكم و وجوب العمل بالمحكم اجماعي.

لانّا نمنع الصغرى اذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنص و أما شموله للظاهر فلا(1).

أقول :

قد ذكرنا سابقاً في البحث عن ان أصالة الحقيقة هل هو أمر خارج عن الظن أو انّه أصل برأسه ان مرجع هذه الأصول إنّما هو الى العلم لا الى الجهل و لا الى الشك بل انّ تمام الأصول سوى الاستصحاب من باب العمل بالعلم لكن اقتضاء أي ما لم يثبت العلم بالخلاف فكلها معمول بها كذلك فالأصول مطلقاً بابها غير باب الظن فليست داخلة فيه حتى تخرج عنه بمخرج فأصالة الحقيقة مرجعها الى قاعدة المقتضى والمانع بل و هكذا الاستصحاب حتى بناء على قول الشيخ قدِّس سرُّه فيه . نعم أنّه قد ضم ملاحظة الحالة السابقة الى المقتضى والمانع.والخلاصة انّ القول بأصالة عدم الظن أمر صحيح لكن جعل أصالة الحقيقة من باب الظن فهو غير مقبول و بناء العقلاء على اعتبار الرجوع الى أصالة الحقيقة و لا مجال لتوهم انّ العقلاء - و منهم المولى - قد وضعوا قانوناً في ذلك مثل حمل اللفظ الصادر على المعنى الحقيقي بل بنائهم على اعتبار الحقيقة وقد سمّوه أصلاً فهم قد نظر و الى ذات الحقيقة لا انّهم وضعوا و جعلوا من عندهم أمراً اذ المعلوم انّ العقلاء ليس لهم الولاية في أمثال هذه الأمور .

والمتحصل ان هذا - أي جعل أصالة الحقيقة من الظنون - في مقام الرد على السيد الصدر قدِّس سرُّه لا مجال له .

ص: 181


1- فرائد الأصول ج 1 ص 150 - الى - 152 .

الاجماع

و من جملة الظنون الخارجة عن الأصل في الجملة الاجماع المنقول بخبر الواحد عند كثير ممن يقول باعتبار الخبر بالخصوص نظراً الى أنّه من أفراده فيشمله أدلته و إلّا فالقائل بحجية الخبر من جهة الانسداد يرى كل ظن حجة من دون نظر الى كون الاجماع من أفراد الخبر .

و قد استقوى الشيخ عدم الملازمة بين حجية الخبر و حجية الاجماع المنقول به و أوضح ما استقواه بأمرين :

أحدهما - انّ المراد بحجية خبر الواحد هل تصويب المخبر ( بالكسر ) و لو كان اخباره عن نظر أو المراد نفي احتمال تعمد كذبه ؟ فإن كان الأول فله النفع في المقام و إن كان الثاني فيختص اعتبار الخبر بما كان عن حس اذ في مورد عدم كون الخبر عن حسِ ينتفي تعمد الكذب لكن لا ينفع في تصويب خبر المخبر لكونه من باب النظر والاستنباط فمع عدم تعمد كذبه يكون الخطاء محتملاً و مقتضى آية النباء هو اختصاصه بما كان عن حس و إلّا فلو كان كل خبر عادل منشاءً لتصويب المخبر لكان جميع الفتاوى حجة سیمّا فتاوى العلامة والمحقق وغيرهما ممن كان في أعلى درجة العدالة و من البديهي ان الاخبار لا عن حس لا اعتبار به فلا فرق بين ان يكون المخبر عادلاً أم لا و لو كان هناك اعتبار فإنّما هو في أقامة الدليل.

و ثانيهما - أنّه لا حجية للاجماع في حد نفسه عند الخاصة بل الأصل له العامة كما أنّه الأصل لهم حيث قالوا هو اتفاق جميع الأمة و لو في عصر واحد ثم انّه لما لم يتيسر لهم ذلك حدوّه في اتفاق أهل المدينة ليتوصلوا به الى ما لهم من الأغراض فلما لم يحصل لهم الاتفاق المذكور ضيقوه باتفاق أهل الحل والعقد . و أما الامامية فقد

ص: 182

وافقهم في مجرد اصطلاح فقالوا انّه حجة باعتبار اشتماله على قول المعصوم علیهم السلام فلو اتفق جماعة قليلة من الفقهاء على رأي و وافق رأيهم قول الامام فهذا حجة و من الواضح ان هذا صرف فرض لا واقع له في الاجماعات المنقولة في كلمات الأصحاب فانّى يحصل في زمان الغيبة اجماع يقطع بكون الامام معهم فلذا اعتبروا وجود مجهول النسب فيه ليحتمل انّه الامام و لكن هذا أيضاً كما ترى .

و أما الشيخ قدِّس سرُّه فقد تشبث في المسئلة بقاعدة اللطف(1) ليكون مرجعه الى تضمن الاجماع لقول الامام و فسروا اللطف بالتقريب الى الطاعة والتبعيد عن المعصية بل بنوا عليها أيضاً وجوب بعث النبي و نصب الوصي لكن لا يخفى أنّها لا ارتباط لها بوجوب بعث الأنبياء و نصب الأوصياء أولاً اذ تشريع الشرع أمر أوضح من ان يتمسك فيه بقاعدة اللطف حيث انه سبحانه تعالی بعد خلقه الخلق و اعطائهم قبول التكاليف و ان له سبحانه محبوبات و مبغوضات فلابد من تشريع شرع لهم بمقتضى حكمته لتمييز ما أراده مما كرهه و إلّا كان ايجادهم بمكان من اللغو تعالى اللّه عن ذلك فلا مناص عن بعث نبي لهم و اذا دنى أجله و شرعه باق الى الأبد فاللازم نصب خليفة يقوم مقامه و يتصدَّى أمر الدين و أهله و إلّا كان لغواً آخر والحاصل انّ مرجع هذه الأمور ليس الى قاعدة اللطف.

أما في المقام - فنقول انّه لابد من ميزان للقاعدة و بيان حدها في مفروض البحث مع أنّه لا يحصل ذلك فإنّه اذا أخطاء جماعة في الرأي و لم يصل نظرهم الى الحق افترى أنّه لا يقتضى اللطف أن يبعدهم الامام عن الخطاء و يقربهم الى الحق ؟ والحال ان ملاك ذلك موجود حاصل ؟ مع انّ الشيخ لا يقول ذلك بل يخصّها بما اذا اتفقوا على الخطاء .

ص: 183


1- راجع للتعرّف على هذا المسلك كتاب عدة الأصول للشيخ الطوسي قدِّس سرُّه.

فالقاعدة لاتختص بما ذكره الشيخ قدِّس سرُّه من المورد بل يلزم أن يكون عاماً في الموارد كما ذكرنا فان قيل ان الخطاء الحاصل للبعض كما ذكرت معذر بمقتضى حديث التخطئة قلنا فهو معذر حتى فيا اذا أخطأ الجميع - فالمتحصل أنّه لا اعتماد على القاعدة في المقام لما ذكرنا من الايراد و لساير الايرادات الواردة عليها و لعله لهذا و هذه قد هدم السيد المرتضى قدّس اللّه سره أساس التمسك بها في مسئلة الاجماع و نفاه هنا صريحاً و إن كان مانسب اليه نفسه و هو القول بالاجماع التضمني أو الدخولي أيضاً في غير محله لما أنفنا من ان هذا بالنسبة الى زمان حضور الامام علیه السلام بمكان من الامكان دون حين غيبته.

و لما رأى بعضهم فساد هذه المذاهب التجائوا في المسئلة بالكشف(1) بتقريب ان الرعية اذا أجمعت على أمر يكشف عن موافقة سلطانهم و قائدهم افقة سلطانهم وقائدهم لهم في ذلك و انّ التلاميذ اذا خرجوا عن مجلس درسهم واتفقوا على ماجرى في مجلسهم يكشف ذلك عن انّ استاذهم أيضاً وافقهم فيه.

و هذا أيضاً لا يتم على اطلاقه لاختصاص ذلك بما اذا لم يكن اتفاقهم عن نظر و حدس و استنباط بل كان عن حس و إلا فلا فايدة فيه كما عرفت.

فملخص المقال في هذا المجال انّ أدلة حجية الخبر لا تشمل مورد الحدس والنظر و لما لم يكن الاجماع حجة بنفسه فلا عبرة بنقل الاجماع و منه يظهر انّ الاجماع المنقول بالمتواتر أيضاً لا اعتبار به فإنّ التواتر إنّما يثبت الاجماع و لما لم يكن

في نفسه حجة فما الفايدة فيه - ولايحتاج المقام الى كثير بسط في الكلام .

ص: 184


1- راجع الرسائل للشيخ الأعظم قدِّس سرُّه و كشف القناع في وجوه حجية الاجماع للمحقق الفقيه الشيخ أسد اللّه الكاظمي الدزفولي قدِّس سرُّه.

الشهرة

فقد توهم اعتبارها في الفتوى بالخصوص سواء حصلت من فتوى جلّ الفقهاء المعروفين و لم يعلم مخالف أو عُلم .

منشاء توهم الاعتبار أمران أحدهما مفهوم الموافقة والثاني دلالة المقبولة والمرفوعه و قد أسقط الشيخ قدِّس سرُّه كلاً من الدليلين عن الاعتبار والتحقيق ان ما أفاده في المقام حق متين أما الأول فالبديهي ان مسئلة النظر والاستنباط غير مسئلة الاخبار عن الحس كما عرفت فيها قبل واعتبار خبر العادل بناء على اعتباره واستفادته من آية النباء يخص الخبر الحسي دون غيره والعدالة إنّما تمنع عن الكذب لا عن الخطاء والسهو كما هو واضح .

لا يقال ان خبر العادل يدل على أنّ خبر عدلين حجة بطريق أولى و هكذا العادل والاعدل.

لانّا نقول نعم و لكنهما اذا كانا من سنخ واحد و أما الاخبار عن الحس غير مسانخ لمسئلة النظر والحدس فلا يجرى مفهوم الموافقه . و أما الثاني . فمورد البحث هو السؤال عن الخبرين المتعارضين كما لا يخفى.

فلا اعتبار بالشهرة فهي باقية تحت العموم المتقدم ولا مخرج لها عنه بل ان الظنون التي ادعى الشيخ اعتبارها و خروجها عن الأصل مثل أصالة الحقيقة والاطلاق والعموم و نحوها قد عرفت منا ان مرجعها و ركونها انّما هو الى المقتضي و عدم الاعتداد باحتمال المانع و هكذا الأدلة الأربعة فإنّ مرجعها الى العلم الاقتضايي أو الفعلى بالبيانات السابقة فإنّ اللفظ الملق يقتضى الحمل على المعنى الحقيقي وانّما الشك في القرينة الصارفة و ان هذا الشك هل يقوى على المنع عن المقتضى عن المقتضى أم لا ؟

ص: 185

و إن كان ذلك أصلاً لفظياً و دليلاً اجتهادياً لا عمليّاً إلّا إنّا قد ذكرنا انّ هذا الأصل لما كان في مورد الدليل فهو متمم للدليل لا نفسه فإنّ الكلام الملقى معلول عما في الضمير و كونه معلولاً لحصول دلالة المعلول على العلة و لكن اذا كان ما في الضمير مردداً بين المعنى الحقيقي والمجازي فإن كان المعنيان في عرض واحد كالمشترك فهذا الى السقوط و لا أصل بل يكون مجملاً و اذا كانت الوجهة الاولية لللفظ الى

يرجع المعنى الحقيقي وصلحت وجهته الثانويه للمجازيه بمعونة القرينة الصارفه فالمقتضي محرز و يشك في وجود المانع فيلغى احتمال وجوده فالدليل اللفظي يتم بأصالة الحقيقة مثلاً فهذه الأصالة شأنها شأن الاستصحاب إلّا أنّها في مورد الدليل و متممة له و هكذا الحال في العموم والاطلاق .

و أما الأصول الأربعة فمرجعها الى العلم الاقتضايي أو الفعلي بالبيانات السابقة و عليهذا لم يبق مورد خارج عن الأصل سوى خصوص مورد الشك في الأخيرتين من الرباعية لورود النص فيه فلذا لو انقلب الظن الى الشك فينقلب حكمه أيضاً فهو

معتبر مادام ظناً.

والحاصل أنّه لا مورد لاعتبار الظن و من البديهي انّ الشهرة الفتوائية هي الشهرة في الاستنباط واشتهار الاستنباط مع ماكان عليه من عدم الحجية في نفسه غير كافٍ نعم يحصل الظن ان هذه الشهرة و هذا الاستنباط لابد وان يكون عن مدرك فيمكن ان تكون تأييداً لدليل لا ان يركن اليها سبمّا اذا علمنا بمستندها و رأينا أن مدركه غير تام في نظرنا فأيّ وقع للشهرة حينئذٍ بل و هكذا الحال في بعض الاجماعات أيضاً حيث نرى بعد التأمل في أطرافها انّها لا أصل لها و لنذكر شاهداً واحداً من كتاب الارث و هو مسئلة ابن العم الأبويني مع العم الأبي.

بيان ذلك : ان ابن العم مؤخر درجة ومرتبة عن العم كما ان ابن الأخ مؤخر عن الأخ بلانزاع بين ان يكون ابن الأخ من أبويه أو من أبيه أو من أمه كل ذلك

ص: 186

مؤخر عن الأخ . و أما في ابن العم الأبويني فقد ذهبوا الى تقدمه على العم الأبى بل انعقد الاجماع عليه و لعله باق على انعقاده الى اليوم بل فرعوا على المسئلة فروعاً وصوراً كابن العمة من أبوين و غيره .

و قد تمسكوا للتقدم المذكور بالنص و هو رواية حسن بن عماره حيث قال له أحدهما علیه السلام ان ابن عم لأب و أمٍ و عمٌ لأب أيّهما أقرب فقال ابن عماره : قد بلغنا عن أبي الحسن ان الأعيان من بني أمٍ أولى من بني العلّات فاستوى عليه السلام جالساً و قال جئت بها من عين صافيه ان أبا طالب أخو عبداللّه لأبيه و أمه. انتهى (1) - و لابد و ان يعطف عم على ابن عم حتى يكون بالضم فيكون معطوفاً على المضاف لا على العم الأول و هو المضاف اليه حتى يقرء بالكسر .

أقول - والحقّ خلاف ما ذكروا وفاقاً لبعض المحققين حيث لم ير أصلاً لأساس الاجماع المذكور في المسئله - أما أولاً - فلأنه لا شاهد على عطف العم الثاني على ابن عم حتى يقرء بالضم بل يحتمل عطفه على المضاف اليه و هو العم الأول فيقرء بالكسر و يؤيده قوله سبحانه : ( و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض )(2) و كذا الأقرب يمنع الأبعد و هذا أصل مسلّم لا يخرج عنه إلّا بدليل غير عليل - فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال .

و ثانياً - سلمنا ذلك - لكنه قال علیه السلام أيّهما أقرب و لم يقل أيهما يرث حتى يتم مدّعاهم مع انهم تسالموا على أن العم أقرب من ابن العم لكنهم خرجوا عن ذلك هنا لوجود النص و قد عرفت ما في مسلكهم فلم يخرج ذلك بهذا النص و إلّا لما

ص: 187


1- وسائل الشيعه ج 17 ص 508 ب 5 من كتاب الفرائض والمواريث و تهذيب الشيخ ج 9 ص 326 ح 11 - وفيه : ان عبد الله أبا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أخو أبي طالب لأبيه و أمه .
2- سورة الأحزاب : آية 6 .

طابق سؤاله علیه السلام الجواب الحسن : قد بلغنا عن أبي الحسن ان أعيان بني أم أولى من بني العلات . فانّ الاخوة من أب وأم متحد في الدرجة مع الاخوة من الأب فلا ربط للرواية بابن العم الأبوينى مع العم الأبي .

سيمّا وقد قال له الامام جئت بها من عين صافيه فمعلوم ان جوابه كان مطابقاً لسؤاله علیه السلام عنه .

و أما قوله ان أبا طالب الخ فقد زعموا ان مراده علیه السلام ان كون أبي طالب أخاً لعبد الله لأبيه و أمه كناية عن ان عليا علیه السلام ابن عم لرسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم من أب و أم و أما العباس فهو عم النبي لأب والحق في الخلافة لأب والحق في الخلافة مع علي لا العباس - و مع علي لا العباس - و أنت خبير بأن و إن كان صحيحاً . لكن كان في زمن الصادقين علیهما السلام النزاع في أمر الخلافة فقال بعض بأن العباس خليفة و وصي دون علي بن أبيطالب علیه السلام و بعضهم على العكس في ذلك والكلام الواقع بين علي والعباس إنّما كان لافهام أبي بكر - و كان بنو العباس أرادوا جعل أنفسهم في عرض الأئمّة علیهم السلام بدعوى أننا أولاد العباس و أنتم أولاد أبي طالب فنحن و أنتم بنو الأعمام و لا فضل لكم علينا فالائمة علیهم السلام أرادوا الزام المخالفين استناداً الى عدة وجوه - أحدها - ماذكرناه من أنّا بنو العم الأبويني ( باعتبار أبي طالب ) و أنتم بنو العم الأبي ( باعتبار العباس ) والأول مقدم على الثاني - والحاصل ان الرواية غير منطبق على ابن العم والعم أصلاً - عند التأمل.

خبر واحد

و هو أيضاً من جملة الظنون التي توهموا خروجها عن حرمة أصالة العمل بالظن فقد اعتبره المشهور بل أفاد الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه قربها الى حد الاجماع'.

(1) فرائد الأصول : ج 1 ص 237 .

ص: 188

ثم قال : ان اثبات الحكم الشرعي بالاخبار يتوقف على ثلاث مقدمات. صدور الكلام عن المعصوم علیه السلام وكون الصدور لأجل بيان حكم الله لا على وجه آخر من تقيّة و غيرها . و ثبوت دلالته على الحكم المدعى . انتهى بمعناه(1).

ثم قال بعد كلام له : أما المقدمة الأولى فهي التي عُقد لها مسئلة حجية أخبار الآحاد فمرجع هذه المسئلة الى ان السنّة أعنى قول الحجة أو فعله أو تقريره هل تثبت بخبر الواحد أم لا يثبت إلّا بما يفيد القطع من التواتر والقرينه . انتهى بألفاظه (2).

و لكن هذا الكلام ليس بتمام . لا لما أورد عليها بعضهم من ان ثبوت السنة بخبر الواحد إنّما هو مفاد كان التامة الذي هو أفادة الوجود لا مفاد كان الناقصة الذي هو افادة الحال مع ان الموضوع ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية و هذا ليس بحثاً عن العوارض بل بحث عن وجود شيئ ..(3).

فإنّ هذا الايراد في غير محله و هو غير وارد على الشيخ قدِّس سرُّه فإنّ المراد بثبوت السنة لو كان هو الوجود الخارجي لكان الايراد على الشيخ في محله فإنّ هذا مفاد كان التامة لا الناقصه . و لكن الصواب انّ المراد بالثبوت هو العلم يعني هل تُعلم السنة بخبر الواحد و تنكشف به أم لا ؟ والعلم من الحالات فهو مفاد كان الناقصة فلو كانت السنة ثابتة فالخبر حاكِ لها و لو لم تكن كذلك فالحكاية غير تامة و هذا الثبوت غير الثبوت الذي هو في مقابل العلم .

فالوجه . في عدم تمامية ماذكره الشيخ قدِّس سرُّه هو انّ محل البحث في المقام إنّما هو حجية الخبر بأنه هل للخبر هذه الحجية والحكاية أم لا ؟ لا ماذكره قدِّس سرُّه من انّه هل تثبت السنة بالخبر أم لا ؟ والفرق واضح - فإنّه تارة يقال : هل هذا الدواء نافع

ص: 189


1- فرائد الأصول : ج 1 / 237 .
2- نفس المصدر ج 1 / 238 .
3- كفاية الأصول ص 8.

للمريض أم لا . فيقول آخر انّه ليس البحث عن الدواء بل عن ان هذا المريض هل يشفي و يبرء بهذا الدواء أم لا ؟ وكم فرق بينهما و إن كان بينها التلازم لكن لابد و ان يتحفظ على محل البحث و هو حجية خبر الواحد ( عقلاً أو شرعاً ) أو عدمها وهذا يلازم ثبوت السنة به بعد ثبوت حجيته لكن البحث ابتداءً ليس عن السنة بل عن الخبر.

هذا . و قد أفاد الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه ان أصل وجوب العمل بالاخبار المدوّنة في الكتب المعروفة مما أجمع عليه في هذه الأعصار بل لا يبعد كونه ضروري المذهب . و إنّما الخلاف في مقامين . أحدهما كونها مقطوعة الصدور أو غير مقطوعه . الى أن قال: الثاني انّها مع عدم قطعية صدورها معتبرة بالخصوص أم لا ؟

و قال: ان المحكي عن السيّد والقاضي وابن زهره والطبرسي وابن ادريس قدِّس سرُّه.

المنع ( عن اعتبار الروايات بالخصوص ) و ربّما نسب الى المفيد قدِّس سرُّه حيث حكى عنه في المعارج انه قال : ان خبر الواحد القاطع للعذر هو الذي يقترن اليه دليل يفضي بالنظر الى العلم و ربّما يكون ذلك اجماعاً أو شاهداً من عقل(1). و رُبَّما ينسب الى الشيخ كما سيجيئ عند نقل كلامه وكذا الى المحقق بل الى ابن بابويه بل في الوافيه : انه لم يجد القول بالحجية صريحاً ممن تقدم على العلّامه ، و هو عجيب(2).

أقول : لو كان مقصود المحقق و صاحب الوافيه هو ان أخبار الأصول

ص: 190


1- قال الشيخ الأجل المفيد قدِّس سرُّه في كتابه التذكرة بأصول الفقه ( ص 44 - طبعة المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد - سنة 1413 ق ) ما هذا لفظه : فأما الخبر الواحد القاطع للعذر فهو الذي يقترن اليه دليل يفضى بالناظر فيه الى العلم بصحة مخبره و ربما كان الدليل حجة من عقل و ربما كان شاهداً من عرف و ربما كان اجماعاً بغير خلف فمتى خلا خبر الواحد من دلالة يقطع بها على صحة مخبره فانه كما قدمناه ليس بحجة و لا موجب علماً و لا عملاً على كل وجه . انتهى
2- فرائد الأصول : ج 1 ص 239 و 240 .

الأربعمائة المدوّنة في الكتب الأربعة لا اعتبار في حجيتها - كان للتعجب مجال . لكن المسلّم انّه ليس مرادهما ذلك بل انكم صرّحتم أنفسكم ان أخبار الكتب الأربعة معمول بها و لكن مقصودهما هو عدم اعتبار خبر الواحد العاري عن القرائن . و في وفي الأزمنة المتقدمة على زمان العلّامة أيضاً ما كانوا يعملون بهذا القسم م-ن الأخ-بار العارية عن قرائن الصحة بل كانوا يعملون بأخبار الكتب الأربعة فقط.

قال قدِّس سرُّه: و أما القائلون بالاعتبار فهم مختلفون من جهة ان المعتبر فيها هل كل ما في الكتب الأربعة كما يحكى عن بعض الاخباريين أيضاً و تبعهم بعض المعاصرين من الأصوليين بعد استنثاء ماكان مخالفاً للمشهور أو ان المعتبر بعضها ؟ ...

ص: 191

أدلة حجية خبر الواحد

1 - آية النباء

قال الشيخ قدِّس سرُّه: و أما المجوّزون فقد استدلوا على حجيته بالأدلة الأربعه . أما الكتاب فقد ذكروا منه آيات ادعوا دلالتها .

منها . قوله تعالى في سورة الحجرات : (يا أيُّها الذين آمنوا ان جائكم فاسق بنباء فتبيَّنوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين)(1). والمحكى في وجه الاستدلال بها وجهان(2).

أقول : إنّ التمسك بمفهوم الشرط لا يفيد ولا يعطى حجية الخبر فان مرجع الشرط الى بيان الموضوع و انّ الموضوع للتبين هو مجيئ الفاسق بالخبر ففي صورة عدمه يكون وجوب التبين سالبة بانتفاء الموضوع .

و أما التمسك بمفهوم الوصف فهو يتفرع على أمرين . أحدهما أن يكون الفاسق مقابلاً للعادل حتى تكون النتيجه : ان جائكم عادل بخبر فلا يجب التبين . والثاني اعتبار مفهوم الوصف في نفسه . وكلا الأمرين ممنوعان .

أما الأول . فلأنّ الفسق في الآية الشريفه عبارة أخرى عن الكفر فالمراد بالفاسق هو الكافر و لو كان الفاسق أعمّ من الكافر و من دونه لزم ان يكون خبر العادل و خبر مطلق المسلم كلاهما حجة . و أما في صورة كون الفسق عبارة ع--ن الكفر يلزم شمول الحجية لخبر المسلم فإذا كان الكافر مقابلاً للمسلم والفاسق مقابلاً

ص: 192


1- سورة الحجرات : آية 6 .
2- فرائد الأصول : ج 1 ص 254 .

للعادل فخبر المسلم الذي لا يكون فاسقاً وخبر العادل كلاهما معتبر والحال ان خبر المسلم لا يعتنى به بمجرد اسلام مخبره . و يلزم أيضاً ان يكون خبر من لم يكن عادلاً و لا فاسقاً معتبراً أيضاً مع وضوح ان الأمر ليس كذلك و لاتقولون به .

إن قلت : ان عموم الآية يشمل هذا كله إلّا ماخرج .

قلت . ان الكلام فيما يوجب عندكم الخروج . فإنّه غير ثابت.

والحاصل .انّ مفهوم الوصف الشامل للفاسق لو أخذ بمعنى الكافر فيلزم منه ما لا تقولون أنتم به و لو أخذ بمعنى الأعم من الكفر والفسق لزم ان تشمل كلا الموردين .

و أما . اعتبار مفهوم الوصف في نفسه . فالاعتبار فرع ذكر الوصف في المورد الذي يكون الحكم فيه معلقاً على الوصف باعتبار مدخلية الوصف في الحكم لكن مجرد ذكر الوصف لا ينحصر وجهه في ذلك.

إذ قد يكون الوصف معرفاً للموضوع فقط كما يقال : ( قلّد هذا الجالس ) أو ( إقبل شهادة هذا الجالس )

و قد يكون الوصف منبهاً على عموم الحكم وذلك فيا اذا كان وصف موهماً للخلاف كما تقول ( تجب الصلوة على المريض ) فليس معناه نفي الصلوة عن الصحيح بل معناه ان الصلوة واجبة حتى على المريض فضلاً عن الصحيح . و ذلك في مقابل الصوم الثابت وجوبه على الصحيح فقط.

و قد يكون الوصف سؤالاً عن مطلب فيه هذا الوصف فيؤتى بالجواب مطابقاً للسوال.

والحاصل ان مجرد ذكر الوصف ليس منشاء لاعطاء المفهوم إلّا فيا كان عنواناً للحكم فيكون الحكم دايراً مدار الوصف ليكون الوصف دخيلاً في الحكم فالعلّية واعتبار الوصف هنا ثابت .

ص: 193

و نقول ( مضافاً الى ذلك كله ) : انّ آية النباء دالة على انّ ما لا يفيد العلم لا اعتبار به والتبين ليس المراد به هو السؤال فقط فإنّ مادة التبين (بان يبين) بمعنى الفاصلة والبينونة لكنه يطلق على الأمر الواضح ( البيّن ) و ذلك بجهة انفكاكه عن احتمال الخلاف .

و يطلق ( بانَ ) في مورد قطع اليد أيضاً . ويقال : طلاق باين أي ما لارجعة فيه . والحاصل انّ ذلك يختلف باختلاف الخصوصيات.

فالمراد بقوله تعالى : فتبينوا أيّ حققوا المطلب وبيّنوه حتى لا يكون فيه احتمال الخلاف و بما ان أخبار الفاسق لا تبيّن فيه و ليس مفيداً للعلم و مجرد الفسق كاف في عدم الاعتناء به فالآية الشريفه دلالته على خلاف ما استدل به أقوى مما استدل به اذ حاصله ان كل ما لا يفيد ولا يثبت العلم يجب فيه التحقيق والتبين فاسقاً كان المخبر أم عادلاً . نعم ان مورد الآية الكريمه هو الوليد الفاسق وإلّا فوجوب التبين ثابت في كل ما لا علم فيه لئلا تصيبوا قوماً بجهاله .

فالآية ناظرة الى مورد خاص و هو الوليد الفاسق و ليس فيه عموم العلة والالزم أن يكون كلاماً مطرداً في جميع الموارد .

والحاصل ان آية النباء لا دلالة فيها على اعتبار خبر الواحد حتى يكون خبر العادل العاري عن القرينة حجة بل تدل على خلاف ذلك.

فإنّ التبين معناه الكشف و ثبوت المطلب فتدل الآية الشريفه على لزوم التبين في خبر الفاسق حتى يصل الى مرحلة التحقيق والثبوت و خبر العدل أيضاً كذلك فكل ما احتاج الى التبين يجب ذلك فيه و إن كان المورد هو خبر الوليد الفاسق .

ص: 194

2 - آية النفر

قال قدِّس سرُّه: و من جملة الآيات قوله تعالى : (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلّهم يحذرون)(1) دلّت على وجوب الحذر عند انذار المنذرين من دون افادة خبرهم العلم لتواتر أو قرينة فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد ...(2).

و محصل الاستدلال هو انّ كل من هاجر و تفقه في الدين ثم أنذر و حذبر وجب تصديقه و هذا معنى اعتباره و حجيته وإلّا كان هذا منافياً لوجوب الهجرة والتفقه .

أقول : هذا المقدار من دلالة الآية الشريفه واضح و مقبول إلّا أنّ مسئلة الرواية وقبولها غير مسئلة التفقه في الدين والقبول عنه و تصديقه فلا تدل الآية الشريفه على وجوب قبول الرواية المجردة عن القرائن .

كما انّه قد قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : رحم اللّه امرءً سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه و ليس بفقيه و رب حامل فقه الى من هو أفقه منه(3).

و هذه الرواية شأنها الاتعاظ بها كما انّ الآية ناطقة بأن عليه ان يتفقه في الدين و اما انّه لو كان هناك كلام و لم نعلم هل انه حجة أم لا ؟ يجب علينا قبوله فالآية غير ناظرة الى هذا .

بل ان أخبار من بلغ(4) في دلالتها أحسن من دلالة هذه الآية حيث ان مرجعها

ص: 195


1- سورة البرائة : آية 122
2- فرائد الأصول : ج 1 ص 277 .
3- الخصال أبواب الثلاثيات
4- وسائل الشيعه ج 1 ص 59 ( أبواب مقدمة العبادات ) الباب 18 - استحباب الاتيان بكل عمل مشروعُ روى له ثواب منهم علیهم السلام. الحديث 1 و 3 و 4 و 6 و 7 و 8 و 9

الى الأجر والثواب على العمل بما بلغه عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم و أما الاعتبار الشرعي فلا.

والحاصل : انّ آية النفر دالة على وجوب تحصيل العلم على العالم و هداية قومه و انذارهم . لا أكثر من ذلك.

ولا يخفى انّ الهداية والانذار ليس بمجرد القول والكلام بل مع انضمام الحجة والبرهان و لهذا فإن كان هناك إخبار و رواية يلزم ان تكون محفوفة بالقرائن العلميه .

3 - آية الذكر

قال الشيخ قدّس اللّه سره : و من جملة الآيات التي استدل بها بعض المعاصرين قوله تعالى : (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(1) بناء على انّ وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب و الا لغى وجوب السؤال و اذا وجب قبول الجواب وجب قبول كل ما يصح ان يُسئل عنه و يقع جواباً له لأن خصوصية المسبوقية بالسؤال لا دخل فيه قطعاً(2).

أقول : لا يخفى انّ الاستدلال بهذه الآية على حجية خبر الواحد بمكان من البعد يوجب التعجب . و ذلك لأنه :

أولاً - انّ المراد بأهل الذكر هم أهل البيت عليهم الصلوة والسلام على ماورد في الأحاديث والروايات الواردة .

و ثانياً - لو فسرنا الآية بالأعم من أهل البيت لكن نقول : ان قوله تعالى :

ص: 196


1- سورة النحل : آية 43 - سورة الأنبياء : آية .7
2- فرائد الأصول : ج 1 ص 288 و في تعليقات هذه الطبعة من الرسائل انّ المراد من بعض المعاصرين المستدل بهذه الآية الكريمه هو صاحب الفصول قدِّس سرُّه في الصفحة 276 من ذلک الكتاب .

بالبيّنات والزبر اما يكون متعلقاً بقوله : لا تعلمون . أو بقوله : فاسئلوا أهل الذكر .

و على كلا التقديرين فتدل الآية على ان مورد الأمر بالسؤال هو ما يكون جوابه موجباً للعلم فكأنّه قال : اذا لم تعلم ولم تعرف فاسئل حتى يحصل لك العلم والمعرفه . و إلّا فلو كان جواب المجيب خالياً عن البيئة والبرهان فالسؤال عنه لا موقع له و لا

مجال.

فالمقصود من الأمر بالسؤال ليس هو وجوب تصديق المسؤل عنه بمجرد جوابه وكلامه ولأجل ذلك ان أهل السنة والجماعه فسّروا أهل الذكر بأهل الكتاب و قد اعترض عليهم الامامية ( أيدهم الله بنصره) بأن الذي يأمرنا اللّه بالسؤال عنه يجب ان يكون ممن يلزم تصديقه و يحصل الحجة من قوله و من المعلوم ان الكتاب ليسوا كذلك و لا في كلامهم و جوابهم هذه المزيّة.

والحاصل ان عبدة الأوثان كانوا يتكلمون بكلمات فنزلت الآية الشريفه فإن قلنا ان أهل الذكر هم أهل الكتاب فهذا مناسب للآية الكريمه حيث ان أهل الكتاب ليسوا مسلمين و لا مشركين . و اما ان فسرنا أهل الذكر بأهل البيت علیهم السلام فربما يستشكل بأن الوثنيين لم يصدقوا النبي صلی الله علیه و آله و سلم فبالطريق الأولى لا يصدقون أهل بيته .

و لكن أقول : لو كان المقصود في السؤال عن المسؤل عنه لزم ان يكون المسؤل عنه معتمداً عند السائل . و لو كان المقصود هو السؤال مقروناً بالدليل والبرهان مثل ان يسأل السائل فيجيبه المسؤل عنه بالرجوع الى من هو محل للاعتماد عند السائل والمسؤل عنه كليهما . لكن قد يكون السائل عامياً جاهلاً لكنه ي--ورد و يعترض فالمسؤل عنه حينئذٍ يرجع السائل الى عالم بالأمر من دون تصدیق و توثيق فيكون المعنى ان الجواب ليس عندي و لكن عند ذلك العالِم .

والسؤال المأمور به في الآية من هذا القبيل بمعنى انه اذا لم يكن عندكم بينة و برهان فاسئلوا أهل الذكر والعلم حتى يرشدوكم الى الدليل والبرهان والمعلوم ان

ص: 197

أهل الذكر والعلم الذين قولهم مقرون بالدليل و رأيهم مصحوب بالبرهان واقعاً و حقيقة هم أهل البيت علیهم السلام فالاشكال المشار اليه مندفع.

هذا بعض المهم مما استدلوا به على حجية خبر الواحد و قد عرفت ان شيئاً منها لا يدل على المدّعى .

و لو فرضنا دلالة بعض هذه الوجوه على اعتبار خبر الواحد فهو يتم فيما اذا كنّا قائلين بانسداد باب العلم و أما اذا فرضناه مفتوحاً فلا.

و أما ماذهب اليه الشيخ في رسالة الظن ان مع وجود الانفتاح قد اعتبر الشارع الامارات الشرعية لأجل مصالح فيها(1) - فهذا بعيد منه قدِّس سرُّه فإنّ هذا الكلام فرع السببية والحال انّ الامارات متصفة بالطريقية فمع فتح باب العلم لا مجال للقول بالرجوع الى خبر الواحد و سایر موجبات الظن.

و قد تحصّل مما ذكرناه انه لا مجال لاثبات حجية أخبار الآحاد بدليل الانسداد و انّ الاجماع المدّعا في المقام خاص بأخبار الكتب الأربعة و سيرة الأعلام والأصحاب أيضاً على العمل بأخبار هذه الكتب و هكذا تصريحاتهم بهذا الأمر و انّ ما في هذه المجموعات هي الأصول الأربعمائة المتلقاة عن الأئمة الأطهار عليهم الصلوة والسلام مع تهذيبها وتنقيحها في طول هذه المدة المديدة فدعوى وجود قرائن قد خفيت علينا غير مسموعه اذ لم يحدث حادث يمنع و يخدش حجيتها فهي باقية الى زماننا هذا .

حتى ان القائلين بالانفتاح (الذين أورد الشيخ قدِّس سرُّه أسماء عدة منهم) أيضاً يرون الأخبار قطعي الصدور فإنّ أوّل مدع للانفتاح هو السيد المرتضى علم الهدى قدِّس سرُّه الذي كان زمانه قريباً من الصدر الأوّل و ان باقي الفقهاء لم ينكروا الانفتاح في ذلك

ص: 198


1- فرائد الأصول : ج 1 ص 114 مبحث المصلحة السلوكية

الزمان فلم يحرز حصول الانفتاح بعد هذا العصر و قد صرح السيد المرتضى في عدة مواضع من كتابه ( الذريعه ( انّ المراد بالعلم هو سكون النفس والاطمينان الذي العلم العادي لا التحقيقى.

و عليهذا فمع هذا الاهتمام الذي كان للأئمّة علیهم السلام في تهذيب الأحاديث حتى انّه قد تمهّدت و حصلت 400 أصلاً في زمن الصادقين علیهما السلام و قد طرحت و طردت الأخبار الضعاف منها و كان العمل على الأصول الأربعمائة و قد تداولوها يداً بيد و أصدروا الاجازة لقرائتها و روايتها و وجادتها كل ذلك يدل دلالة قاطعة على حفظ هذه الروايات و لم يحصل فيها دسّ أو غش أو غير ذلك . و لو كان عبر التاريخ شيئ يوجب محو الأخبار و دسها لوصل الينا و نقل لنا.

فإذا كان العلم بها مفتوحاً و لم يعرضها صدمة أو خلل فيما بعد . فإلى الحال أيضاً كذلك .

أنظر الى كلام القدماء من الأصحاب في ذلك العصر كالسيد المرتضى قدِّس سرُّه مثلاً أو غيره فإذا قرئته وتلوته في عصرك و زمانك هذا فلا تشك انّه هو ذلك الكلام بعينه مع أنّه لم يهتم بكلامه في حفظه و ضبطه كالاهتمام الذي بذلوه في حفظ الروايات وضبطها و في ألفاظها وحالاتها فالروايات وكلماتها و عباراتها في عصرنا هذا هی بعينها تلك الألفاظ والعبارات الثابتة في ذلك الزمان بعينها و لو كان هناك ترديد في شيئ من ارتباط الكلمات بعضها ببعض فلا ينافى ما ذكرناه .

و لهذا كله فلا مجال للتخلف عن الروايات من دون عذر بوجه من الوجوه فانفتاح باب العلم بالروايات - بالمعنى الذي أفاده السيد المرتضى قدِّس سرُّه باق و موجود بحاله و لم يحصل بسبب طول المدة ما يوجب انسداد باب العلم . فلا وقع لتوهم انّ في زمان العلامة حصل حادثة أو كارثة سلبت اعتبار الأحاديث وكلمات المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

ص: 199

والوجه في قبولهم للتقسيمات الأربعة المعروفة في الروايات ( الصحيح والموثق والحسن والضعيف) المنسوبة الى العلّامه عليه الرحمه هو ماذكره بنفسه في محك-ى کتابه خلاصة الأقوال من عدم الحاجة الى هذا التقسيم و ان رواياتنا في غنى عن ذلك لكن بما ان أهل السنة والجماعة كان لهم هذا التقسيم الرباعي و كانوا يطعنون علينا بالغفلة عنه فنحن أيضاً أوردنا هذا التقسيم لأجل التبري عن هذه الغفلة المفترى علينا ولكنا لا نعمل بذلك وذلك لأجل القرائن الموجودة الدالة على صدق الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت علیهم السلام.

فالانصاف أنّه لا ترديد في صحة الروايات . والحمد لله رب العالمين.

ص: 200

الظن في أصول الدين

العلم قد يحصل من النظر والاستدلال و قد يحصل من التقليد والقسم الثاني هو علم يحصل لا من جهة المدرك والدليل فلهذا يقبل الشك والزوال اذا أفاد جمع خلاف ذلك و أما القسم الأول فلا يزول إلا أن يخدش في دليله.

ثم انّ الأقوال المستفادة من تتبع كلمات العلماء في مسئلة اعتبار الظن في أصول الدین و عدمه ( حسب ماذكره الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه- في رسالة الظن(1) - ستة :

1 - اعتبار العلم في أصول الدين عن النظر والاستدلال و هو المعروف عن الأكثر وادعى عليه العلّامة في الباب الحاديعشر اجماع العلماء كافة و ربَّما يحكى دعوى الاجماع عن العضدي أيضاً لكن مدعاه أنّما هو في مورد المعرفة . على ان المعرفة أعم .

2 - اعتبار العلم و لو من التقليد و هو المصرح به في كلام بعض والمحكى عن آخرین.

3 - كفاية الظن مطلقاً و هو المحكى عن جماعة منهم المحقق الطوسي ، وكذا عن المحقق الأردبيلي و صاحب المدارك والوحيد والمجلسي والكاشاني .

4 - كفاية الظن المستفاد من النظر دون التقليد . حكى عن الشيخ البهائي في بعض تعليقاته نسبته الى بعض.

5 - كفاية الظن المستفاد من أخبار الآحاد و هو الظاهر مما حكاه العلّامه في

ص: 201


1- فرائد الأصول : ج 1 ص 553

النهاية عن الاخباريين .

6 - كفاية الجزم بل الظن من التقليد مع كون النظر واجباً مستقلاً لكنه معفو عنه كما يظهر من عدة الأصول للشيخ في مبحث أخبار الآحاد .

ثم قال الشيخ الأعظم قدِّس سرُّه ان محل الكلام في كلمات هؤلاء الأعلام غير منقح فالأولى ذكر الجهات التي يمكن التكلم فيها ثم ذكر ما يقتضيه النظر (1).

أقول : قال صاحب القوانين قدِّس سرُّه: العلم الذي يتعلق بالعمل بلاواسطة فهو الفروع و ما لا يتعلق كذلك فهو الأصول(2) و ان اشتبه الأمر على كثير منهم (كصاحب الفصول) فيما يتعلق بالعمل أي ما يعرض و يحمل على العمل بلاواسطة.

و لذلك قد استشكلوا بأنّ المراد من العمل هل هو عمل الجوارح أو الأعم من عمل القلب فإن كان مطلقاً فالتعريف ليس مانعاً من الأغيار فإنّ أصول هذه عمل قلبي و أما إن كان المراد من العمل عمل الجوارح فبعض الأعمال القلبية لا يكون خارجاً بل يبقى في التعريف كالحسد والكبر والعجب والرياء فالتعريف لا يكون جامعاً .

أقول : ان المقصود بالعمل هنا ما يطابق الاعتقاد فإن ما يتعلق بالعمل أي بالاعتقاد والمراد من المتعلق ليس هو المعروض بل ما كان من قبيل المغيّى بالغايه فالغرض من ايجاب المعرفة بأصول الدين هو حصول الاعتقاد بالنبوة والامامة والعدل و ساير الجهات الأصولية والمراد من الاعتقاد ليس هو نفس العلم فإنّ القرآن الكريم يقول : (و حجدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً ...)(3) فإنّهم كانوا على اليقين و معذلك كانوا منكرين فالمراد من الاعتقاد هو عقد القلب على عمل والتدين بذلك العمل.

ص: 202


1- فرائد الأصول : ج 1 ص 555 .
2- قوانين الأصول : ج 1 ص 5 الطبعة القديمة مع تغيير موجز في اللفظ المنقول غير مخلّ بالمعنى .
3- سورة النمل : آية 14

فنقول مستعيناً بالله تعالى :

البحث يقع في مقامين :

أحدهما . مايجب الاعتقاد به والتدين غير مشروط بحصول العلم كالمعارف فيكون تحصيل العلم من مقدمات الواجب المطلق.

والثاني . مايجب الاعتقاد والتدين اذا اتفق حصول العلم و ذلك كما في بعض المعارف سواءً كان واجباً مطلقاً أو مشروطاً كتفصيلات البرزخ .

و توضيح ذلك و تفصيله :

إنّ الاعتقاد المطلوب في الأصول والفروع ليس المقصود منه التصديق أي الاعتقاد الجازم المطابق للواقع فإنّ مع الاعتقاد التصديقي والتفصيلي يمكن الحجود أيضاً - كما في الآية السابقه - فهذا النحو من الاعتقاد ليس كافياً بل الاعتقاد المطلوب هو الالتزام والأخذ بترتيب آثاره لكن هذا الالتزام لو كان مع التصديق ك-ان ه-و الاسلام اذ هدا الالتزام المتحقق به الاسلام يجب أن يكون التصديق القلبي ورائه حتى يترتب عليه آثار الايمان لكن آثار الاسلام هو الالتزام الأول و هذه الآثار في الدنيا عبارة عن طهارة البدن . والارث . و حقن الدم والنكاح والانكاح وما الى ذلك.

فلو التزم بأمرٍ وطابق الواقع لكن ظهر منه نفاق و لم يتمكن من المعرفة والتصديق عن دليل ، يلزم ان يكون ناجياً في الآخره اذ لم يقصّر في التصديق لعدم حصول المعرفة أو لضعفها ففي صورة تطابق الالتزام مع الواقع و عدم التقصير فهو من المستضعفين بل حتى و لو كان في حالة الكفر . فهذا بطريق أولى .

والمحصل . انّ المقصود من الاعتقاد اللازم هو الالتزام أولاً والتصديق عن دليل و برهان ثانياً حتى و لو كان ذلك عن تقليد فهو كافٍ كمن ليس له قوة الاستدلال بل أن تكليفه بالاستدلال حينئذٍ غير صحيح. و أما بالنسبة الى من له قوة الاستدلال ففي صورة عدم التصديق عن دليل يكون مقصّراً نعم يكفي الدليل سواء كان اجمالياً

ص: 203

أو تفصيلياً .

و خلاصة الكلام . انّ الاعتقاد اللازم في باب أصول الدين هو الالتزام ولا يكفى مجرد التصديق فإنّ التصديق يجتمع مع الجحود و انّ الالتزام يجتمع مع الشك والترديد لكنه محققّ أما للاسلام و اما المحقّق للايمان فهو الالتزام المجامع مع

التصديق.

و أما المنافقون الذين ليس لهم التزام فهم خارجون عن الاسلام و إن كان آثار الاسلام يترتب في الظاهر عليهم وذلك من جهة انّ الله تعالى قدّم الظاهر فما داموا يراعون الظاهر و يعملون بالظواهر يترتب عليهم أحكام الاسلام في الدنيا.

ثم انّه ينبغي الكلام فيما لم يتعرض له الشيخ قدِّس سرُّه في الرسائل و لا ربط له بالمقام لكنه تعرض الحاجة اليه في أمثال الارث و هو أنّه هل الكفر والاسلام نقيضان أو ضدان ( هل لهما ثالث أم لا ؟ )

فنقول : من البديهي انّهما ضدان و ذلك لثبوت الواسطة في مثل الصبي قبل البلوغ حيث انّ فيه الاسلام أو الكفر تبعاً لكن ليس له ذلك حقيقة و ان ترتب عليه آثار الكفر أو الاسلام باعتبار تبعيته للأبوين أو أحدهما فلو كان الكفر والاسلام نقيضين يلزم ثبوت احداهما في هذا الصبي .

مضافاً الى انّ الكفر هو الادبار عن الله والاسلام هو التسليم و كلاهما أمران وجوديان ومتفرعان على التوجه والتنبه فلو لم يلتفت الى انّ العالم له الهُ أو ليس له فليس له تصديق و لا تكذيب فهو لا مسلم ولا كافر و عليهذا فلو كان له أبٌ مسلم فهل يرث منه أم لا ؟( فإنّ الاسلام التبعي كان منه قبل البلوغ )

ص: 204

إنّ الأصحاب جعلوا الكفر أحد موانع الارث (لا ان الاسلام شرط في الارث) اذ بناء على الاشتراط لا يرثه حتى يحرز الشرط . مع انّه يرثه .

لكن الفقهاء قدّس اللّه أسرارهم قد استنبطوا من الروايات ان من موجبات الارث هو النسب والسبب و معناه ان النسبة بين الكفر والاسلام هو نسبة التضاد الذي فيه الوجود الثالث فعليهذا فهو يرثه - في محل البحث - والأخبار أيضاً تدل على أن الكفر مانع.

والأمر كذلك عقلاً بحسب التأييد فإنّه اذا ثبت النسب أو السبب فهو و إن كان غافلاً و غير ملتفت إلّا ان ما يخرجه عن استحقاق الارث هو الكفر و هذا ليس كافراً.

والروايات واضحة بهذا الأمر و لذا يمكن أن يكون بعض الأخبار التي تخالف الأصل راجعة ( بالبيان المذكور ) الى موافقة الأصل .

و بعد وضوح تحقق الضدين بين الاسلام والكفر فلابد من مراجعة الفروع الفقهية المرتبطة بالمقام كمسائل ارث الأولاد و نحو ذلك ليكمل المبحث و تتضح و يتم المطلب والمطلوب.

هذا آخر ما استفدنا و حرّرنا من افادات سيدنا الأستاذ العلامة المحقق البهبهاني قدِّس سرُّه و أبحاثه الراقية في أصول الفقه في حوزته العلمية الدينية ببلدة ( أهواز).

و قد وقع الفراغ من أعادة النظر فيها و تدوينها و تنقيحها والاشارة بمصادرها و منابعها في الساعة الحادية عشرة من ليلة السبت ، ثالث شهر شعبان المعظم سنة 1422 هجرية قمرية ( يوم ميلاد الامام السبط الشهيد أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه و على أولاده وأصحابه ) و صلى اللّه على سيدنا محمد و آله الطاهرين المعصومين والحمد لله رب العالمين .

أقل طلبة العلم : السيد علي الشفيعي

1380/7/28ه- . ش

ص: 205

ص: 206

الملاحق

اشارة

تشتمل على عدّة مباحث فقهية وكلامية و فلسفية و منطقية

من تقريرات سماحة الأستاذ المحقق العلّامة

الحاج السيد علي الموسوي البهبهاني

تغمّده الله برحمته الواسعه

المقرر - السيد علي الشفيعي

ص: 207

ص: 208

(1) كتاب الصوم

هذا المبحث بدء به سيدنا الأستاذ المحقق البهبهاني قدِّس سرُّه في شهر رمضان سنة 1384 ه- . ق و ألقاه علينا في مجلس الدرس إلى أوائل البحث عن مفطرات الصوم فقررناه و كتبناه في حينه و لكنه قدِّس سرُّه لم يتمه و ذلك لكارثة وفاة ولده ) و قد أشرنا إلى ذلك في خاتمة المبحث ) .

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد للّه رب العالمين والصلوة والسلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين .

مقدمة في فضيلة الصوم

قد ورد في الحديث القدسي: الصوم لي و أنا أُجازي به (أو أُجازي عليه. خ د)(1) و هيهنا سؤالان :

الأول . إنّه ما الوجه في اختصاص الصوم بالله سبحانه تعالی مع ان جميع العبادات له تعالى شأنه من حيث التقرب بها إليه و حصول التقوى بها و لو لا تلك الجهة فلا تعود إليه عبادة أصلاً فإنّه سبحانه لا ينفعه طاعة من أطاعه ولا تضرّه معصية من عصاه(2).

ص: 209


1- وسائل الشيعه - ج 10 ص 397 - كتاب الصوم . الحديث 7 من الباب الأول من أبواب الصوم المندوب ( عن أبي عبد الله علیه السلام قال : انّ اللّه تعالى يقول : الصوم لي و أنا أجزي عليه .
2- نهج البلاغة . خطبة المتقين

الثاني . إنّه ما المراد من قوله سبحانه ( و أنا أُجازي به أو عليه ) إذ لو كان المقصود إنّه هو الذي يجازي على الأعمال فكل عبادة كذلك و لو كان في الصوم اختصاص فما هو ؟

أما السؤال الأول . فقد أجاب عنه الطريحي في مجمع البحرين فقال :و أحسن ماقيل فيه هو ان جميع العبادات التي يتقرّب بها إلى اللّه تعالى من صلوة و غيرها قد عبد المشركون بها ما كانوا يتخذون من دون اللّه أنداداً و لم يسمع ان طائفة من طوائف المشركين و أرباب النحل في الأزمنة المتقدمة عبدت إلهاً بالصوم و لا تقربت إليه به ولا عرف الصوم في العبادات إلّا من الشرايع فلذلك قال تعالى:« الصوم لي و من مخصوصاتي و أنا أجزي عليه بنفسي لا إكله إلى أحد غيري من ملك مقرب ولا غيره ... »(1).

هذا و قد ذكر المحدث البحراني في الحدائق وجوهاً ثلثة واعترض على كل واحد منها :

الأوّل . إنّ الصوم لما كان فيه من ترك الشهوات واللذات الراجعة إلى البطن والفرج( و هذه هي عمدة اللذات الجسمانيه) و ليس كذلك في ساير العبادات و لو كان في بعضها فلا يصل إلى مرتبة الصوم . كالاحرام مثلاً . فإنّه فيه ترك لذة المجامعة و ما يتعلق بها و لكن لا منع فيه عن الطعام والأكل . فالصوم أدق العبادات و أرقاها فلذا خصه الله تعالى لنفسه.

الثاني . إنّ الصوم أمر خفي لا صورة له و لا مظهر فلذا هو بعيد عن الرياء و أمثال ذلك .

الثالث . إنه لاشتماله على الجوع واجتناب الأكل والمأكولات موجب للصفاء

ص: 210


1- مجمع البحرين : مادة ( جزى ( ص 18 من الطبعة القديمة

في العقل والجلاء في القوى العاقله ...(1).

اقول : يلزم أولاً تحقيق الصوم و أنّه هل ينطبق معناه الاصطلاحي الشرعي على مفهومه اللغوي أم لا ؟ و هل له حقيقة شرعية أو انّه مجاز بالنسبة إلى الموضوع اللغوي و انّ الشارع قد استعمله في المعنى الشرعي مجازاً أو غير ذلك فاللازم أولاً تنقيح هذا المبحث .

قال صاحب المعالم : لا شبهة في انّ الشارع قد استعمل ألفاظاً في غير معانيها اللغوية كالصوم والصلوة والزكوة والحج فاستعملها في غير معنى مطلق الإمساك والدعاء والنماء والقصد و إنما الكلام في انّ هذه المفاهيم المخالفة للمعنى اللغوي منها هل وضعها الشارع أو أنّه استعملها مجازاً باعتبار العلاقة بين المعنيين و بناء على القول بعدم الوضع الابتدائي فهل وصلت إلى حد الحقيقة في زمان الشارع بسبب غلبة الاستعمال أم لا بل بقيت على حالة المجاز فيلزم حملها على معانيها اللغويه(2).

أقول : التصرف يتصور على ضربين .

أحدهما : سلب لفظ عن مفهومه الاولى واستعماله في مفهوم آخر . و للبحث عن الحقيقة والمجاز في هذا الفرض مجال . فيقال ان استعمال اللفظ في هذا المفهوم الثاني مجاز أم لا و على الأول فهل وصل إلى حد الحقيقة أم لم يصل ؟

وثانيهما : ان لايكون تصرف و تغيير في المفهوم اللغوي و انما يُجعل مصاديق له غير معروفة و لا متعارفة بمعنى أنّه لم يكن يعرفها أهل اللغة قبل ذلك . و هذا كما

ص: 211


1- الحدائق الناضرة : ج 13 ص 9 و 10 .
2- معالم الأصول : مبحث الحقيقة الشرعيه ( ص 26 ) من الطبعة القديمة الحجرية و قد نقلها الأستاذ المحقق قدِّس سرُّه بالمعنى و نحن قررناها كما نقلها . فراجع.

هو الحال في مورد اظهار التعظيم الذي عرف في اللغة والعرف بالقيام للمعظّم له والسلام عليه وعدم التقدم عليه في المشي ونحو ذلك . لكن رئيس الجند و قائد القوّات يفرض على الجند أن يكون تعظيمهم له برفع قلانسهم عن رؤسهم . أو الضرب بأرجلهم على الأرض و أمثال ذلك و رفع أسلحتهم و غيره فهذا التعظيم المجعول والمفروض من قبل أمير الجيش إنّما هو مصداق مجعول لمفهوم التعظيم في اللغة لم يكن معروفاً قبل هذا الجعل . و هذا الجعل . و هكذا حال الشارع الأقدس بعينه فإنّ العبادات الشرعيّة قسمان . قسم تكون عباديته ذاتية بالنسبة اليه سبحانه كالركوع والسجود والطواف و هذا خارج عن البحث و قسم ليس له عنوان العبادة بالذات و إنما الشارع جعلها عبادات كالسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات و أمثال ذلك .

والحاصل انّ الموضوعات الشرعية كالصلوة والصوم والحج والزكوة ليست من باب استعمال الشارع لها في غير معانيها اللغوية بل انّما هي مصاديق مجعولة من قبل الشارع للمفهوم اللغوي فإنّ الصلوة مثلاً عبارة عن العطف والتوجه لكنها من اللّه تعالى الرحمة والعناية و من العبد بالنسبة إلى الله سبحانه هي التذلل والمسكنة و بالنسبة إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلم هي طلب الرحمة من اللّه له و معهذا فانّ المفهوم في الجميع واحد و هو الاقبال والعطف.

فإذا كانت العبادات مصاديق مجعولة للمفهوم اللغوي فلا ارتكاب للتجوّز بل هو من باب استعمال الرجل في معناه المعهود ثم تطبيقه على زيد نعم لو كان التطبيق في غير محله كما في زيد عدل لكان التجوز في النسبة و أما في مورد جعل المصداق فلا مجاز في البين بوجه .

و إن شئت زيادة توضيح فانظر إلى الطهارة عن الخبث والحدث فانّ الخبث الذي يعرفه العرف هو المفهوم اللغوي له والذي يعرفه الشارع هو المصداق المجعول من قبله كبدن الكافر - فإنّ العرف يرى الكافر نظيفاً و لكن الشارع يرى ذلك قذراً

ص: 212

و نجساً وهكذا فى الاحداث.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ الصوم في اللغة ليس هو مطلق الإمساك و لهذا قال الخليل في كتاب العين(1) : أنّه ترك الطعام والكلام الجامع بين سدّ الفم عما يدخل فيه و يخرج منه.

و أما قولهم : صامت الشمس فهو باعتبار أنّه لما كانت الشمس متحركة على الدوام فهذا الركود الطفيف منها كف عن الحركة المعتاده فيعبر عنها بصوم الشمس و هكذا بالنسبة إلى كل شيئ سكنت حركته . فمجرد الإمساك ليس هو الصوم بمعناه اللغوي بل انّ الصوم يصدق فيما إذا حصل الاعتياد فيه بشيئ ثم يكف عنه .

فالصوم هو ماعرّفه الخليل في كتابه العين لكن الشارع رأى بعض الأمور موجباً لبطلان الصوم كالجماع والاستمناء و تعمد الإصباح جنباً و غيرها فهذه المفطرات أما جزء في حقيقة الصوم أو أنّ اعتبارها بنحو الشرطية . وتظهر الثمرة فيما إذا صام المكلف و هو لم يفهم من الصوم إلا ترك الطعام والشراب و لم يأت بأي مفطر من المفطرات فعلى القول بأن الصوم هو ترك الطعام والكلام و إنّما المفطرات موانع له ان تركها معتبر فيه فقد حصلت منه نية الصوم وترك الطعام (إذ لم يعتبر الشارع ترك الكلام) و لم يأت بمانع من الموانع فالصوم وقع صحيحاً. و هذا الوجه هو الظاهر. و أما على القول بأنّ الصوم هو مطلق الإمساك و قد جعله الشارع موضوعاً في الشرع فالصوم هنا غير صحيح حيث انّه لم ينو ترك المفطرات و إن لم يرتكبها فهو غير ناوِ للصوم و إنّما الأعمال بالنيات و لا عمل إلّا بنيةٍ(2).

ص: 213


1- العين : ج 2 ص 1020 - قال : الصوم ترك الأكل وترك الكلام . و عليهذا فالجملة التاليه ( الجامع بين سدّ الفم ... ) ليس من الخليل بل هو توضيح من الأستاذ الجليل .
2- وسائل الشيعه : ج 1 ص 46 و 47 - الى ص 53 - الباب 5 ح 1 و 2 و 3 و 4 و 6 و 9 و والباب 6 ح 15 .

فالمتحصل انّ الصوم كما أفاد الصاحب بن عباد في المحيط والخليل في العين عبارة عن ترك الطعام والكلام و باقي الأقسام إنّما هي أفراد للمعنى المذكور تنزيلاً والمفطرات المقررة في الشريعة بعضها موانع و بعضها شروط و لا دخل لها في النيه.

و أما السؤال الثاني : فيظهر الجواب عنه مما ذكرناه بأن يقال : انّ الأعمال على قسمين قسم يجازي اللّه عليها من دون واسطة بل بذاته المقدّسة وقسم يجازي عليها لا كذلك . والصوم لكونه عبادة شريفة عظيمة فهو من القسم الأوّل كما عرفت من كلام صاحب المجمع . و فيه . أيضاً انّ هذا بيان لكثرة الصواب فراجع و قد ورد في مطاوي الروايات الواردة في مواضيع متفرقة مايؤيد هذا المعنى.

الأمر الثاني

ذهب بعضهم إلى أن الصوم أمر عدمي يعتبر فيه قصد التقرب و لا منافات بين كونه عدمياً و كونه عبادة فيمكن الجمع بين الأمرين .

و لكنه ذهب بعض المحققين الى انّه لو كان الصوم أمراً عدمياً لكان عبارة عن النهي عن الأكل والشرب و غيرهما لا أن يكون أمراً بالصوم فحيث أنّه تعلق الأمر الشرعي به والعدم ليس بشيئ ولا يقبل شيئاً في حد ذاته فهو أمر وجودي . والمفسدة والمصلحة في الوجود لا في العدم - هذا أولاً

و ثانياً - انه لو كان عدمياً لزم انقلاب العدمي إلى الوجودي إذا أكل في أثنائه سهواً - لا يقال : ان ذلك معفو عنه - فإنّ في الروايات مايؤيد خلاف ذلك كما في قوله علیه السلام: رزق رزقه اللّه . أو رزق ساقه اللّه إليه . فالصوم باق بحاله و هذا يدل على أنّه ليس عدميّاً . بل هو أمر وجودي عبارة عن الحمية والاتقاء و ذلك لا ينافيه وجود خلاف فيه في الخارج كما هو الحال في العدالة فإنّها ملكة نفسانية و لاتزول

ص: 214

لصدور عمل من صاحبها سهواً(1) و كذا الصائم الذي له الحمية والاتقاء من الأكل والشرب لا يبطل صومه بارتكاب مفطر سهواً.

الأمر الثالث

هل ان النية في العبادات ( سواء الصوم أو غيره ) جزء من حقيقة العمل أو شرط له قال المحقق قد ر : إنّه بالشرط أشبه(2).

والوجه في الأشبهية واضح إذ لو كان جزءً لزم كونه عدمياً ( لو فرض الجزء في الاعدام ) ليستمر إلى آخر العمل . و لكن الأجزاء وجودية فلو كانت النية جزءً يلزم التعاقب فيه بمعنى ذهاب جزء و مجيئ جزء آخر مكانه كما هو الحال في تكبيرة الاحرام والحمد والسورة والركوع والسجود و هكذا - لا ان يبقى الجزء الواحد مستمراً فإذا لزم كون الاجزاء وجودية و لازم الجزء زواله و حدوث آخر مكانه و نرى أنّ النية يشترط استمرارها إلى آخر العمل فهذه المقدمات يثبت انّها أشبه

بالشرط و هكذا الحال في غير العبادات.

و مما يدل على نفي الجزئية أنّها لو كانت جزءً لزم ان تكون هذه النية منوية بأن تتعلق بها نية أخرى والمفروض انّ هذه النية أيضاً كذلك فيحتاج إلى نية ثالثة فيتسلسل و من البديهي ان النية ليست منوية فليست جزء للعمل بل خارجة عنه فكانت أشبه بالشرط.

ص: 215


1- و أما بناء على كون العدالة عبارة عن الاستقامة العملية في جادة الشرع و عدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً - كما هو الظاهر - فتزول العدالة بمجرد ارتكاب ما يوجب الانحراف و لكنها تعود بمجرد التوبة . والتفصيل في محله.
2- شرایع الاسلام - المجلد الأول - ص 187 مبحث نية الصوم.

و ذهب بعض المحققين إلى أنّها ليست بشرط و لا جزء بل منزلتها أعظم من منزلتهما فإنّها روح العمل و قوامه فنسبتها إلى العمل نسبة الروح إلى الجسد و لو كانت شرطاً للزم أن تكون خارجة عن العمل مع ان صلوتية الصلوة و عنوانها منوطة بها وكذا في باقي العبادات إذ من المعلوم ان لباس المصلي لو كان نجساً فالصلوة قد حصلت صورتها خارجاً و إنّما فقدان الصحة باعتبار فقدان الشرط و لكن في المقام لا يتحقق عنوان الصلوة أو غيرها إلا بها . هذا مضافاً إلى أن الشرط تابع للمشروط و إلّا فلا يتعلق به الوجوب أولاً بل باعتبار توقف صحة العمل عليه وإنّما النظر إلى المشروط نفسه والحال أن التعبد والنية أمر أصيل في العبادات لا فرع.

و معذلك يمكن تصحيح قول المحقق من أنها أشبه بالشرط بلحاظ الشباهة في الأثر فإنّها أمر مستمر في العمل من البدو إلى الختم كما هو الحال في الشرط .

و إذ قد تبيّن ذلك عرفت ان الاختلاف في كون النية ركناً أم لا ساقط من رأسه لابتنائه على أنّها جزء أو شرط فإذا بطل المبنى سقط البناء.

الأمر الرابع

الحقّ ان النية عبارة عن الداعي إلى العمل لا الأخطار بالبال والألزم استمرارها في جميع آنات العمل من أوله إلى آخره ، و هذا مما لا يمكن تحققه و لا معنى للاستمرار الحكمي . و أما على المختار فاستمرارها تحقيقي توضیح ذلك.

إنّ النية لغة احتياج إلى أمر آخر فإنّه عند الخروج من البيت إلى مقصد آخر لا يخطر في قلبك بأنّي أخرج من بيتي و أقصد بيت فلان من الشارع الفلاني بحيث لو لم تخطر هذا كنت مخلاً بالنية . بل يتعلق القصد إلى إيجاد عمل بمجرد حصول الداعي في النفس و لم يعتبر في

ص: 216

الشرع مفهوم آخر زايداً على ذلك بل الملحوظ هو الجهة الذاتية اللغوية فلا داعي إلى لزوم الاخطار بالبال بمعنى انّه لو تجرد عنه لم تكن فيه فايدة.

والاعتذار بأن المراد عدم قصد الخلاف - لا يجدي - لوضوح أنّه لو أخطر بالبال ثم ذهل عنه يلزم أن لا يكتفي به فالعبرة إنّما هو بالقصد والاخطار لو ك--ان مجامعاً لبقاء القصد فلا بأس و لكن العبرة بالقصد . و عليه فلا معنى للاستمرار الحكمي فإنه لو اعتبرنا الاخطار فلا مجال لاستمراره إذ حاله كحال ساير الأجزاء مثل تكبيرة الاحرام أو الركوع والسجود .

و أما لو كانت النية هي الداعي والاخطار استحضاراً لها فيلزم استمراره التحقيقي و بعبارة أخرى - لو كانت النية هي الاخطار كان هذا فعلاً من أفعال النفس فهو غير قابل للاستمرار سواء الحكمي أو غيره لوضوح أنّه إذا لم يكن مجال للاستمرار تحقيقاً فالحكمي منه كذلك و لو كان الحكمي ممكناً لزم أن يكون التحقيق كذلك أيضاً.

و أما بناء على كونها الداعي فمع انّه موافق لتعريف أهل اللغة له . لا يلزم ولا يرد اشكال أصلاً .

الأمر الخامس

هل يعتبر قصد الوجه و كذا التمييز وصفاً أو غاية ؟ - أو أنّه لا دليل على الاعتبار -

لا يخفى انّ القدر المتيقن الذي اعتبره العقل والشرع هو اخراج المنوى عن الإبهام أما إذا قصد الجامع فلا إبهام كالإتيان بركعتين حيث صلحتا للوجوب والندب والقضاء والاداء فإذا تشخصت الصلوة فلابد وان تكون إمّا واجبة أو مندوبة . و إمّا

ص: 217

أداءً أو قضاءً فانّ المبهم لا يقع على إبهامه خارجاً لعدم التشخص ما لم يكن وجود و عدم الوجود ما لم يكن تشخص و هكذا الحال في غير العبادات كما في نكاح إحدى البنتين أو طلاق إحدى الزوجتين . والمناقشة فيه بأن النكاح على احداهما لا على التعيين فالمبهم يقع خارجاً على ابهامه - غير مسموعة - للزوم الترجيح بلامرجح في صورة لا على التعيين فلذا كان طلاق إحداهما أو النكاح كذلك باطلاً بحكم العقل . والحكم بصحة النكاح أو الطلاق ثم الاستخراج بالقرعة كما عن بعض - أو التعيين باختياره كما عن بعض آخر . لا وجه له . أما القرعة فلأنّ موردها ما كان المقصود متعيناً ثم اشتبه و في المقام ليس تعين أصلاً(1) و هكذا التخيير فإنّه لا وقوع حتى يختار احديها فرجع الأمر إلى الترجيح من غير مرجّح .

والمتحصل . ان الخصوصيات المرتبطة بالوضوء والغسل أو الصلوة أو غيرها إنّما تعتبر فيما يتوقف تعيين العمل عليها - كما نبّه الشهيد الثاني على ذلك - و إلّا فلا تعتبر . ففي الوضوء لا يعتبر ان يقصد الإباحة ولا غيرها بل تكفي نية الوضوء و هذا كافٍ . لأن السببية للطهارة ليست بجعل سوى الشارع و هكذا الحال في الصوم فإنّ صوم يوم واحد يصلح في حد نفسه للأداء والقضاء والواجب والندب و عن نفسه أو عن غيره بل لعل هذه الخصوصيات تتنافى مع كمال العبودية كما أفاد ذلك بعض الأعاظم من أرباب البصيره .

و من ثمرات هذه المقدمة انّ في يوم الشك و أنّه من شعبان أو من رمضان تكفى

ص: 218


1- مورد القرعة لا ينحصر فيما لو كان في الواقع تعين واشتبه ذلك المتعين بل لعل هذا لا يتطرق - كما قيل - إلا في مورد الغنم الموطوء في قطيعة غنم - على ماورد به النص - بل ان القرعة في جلّ مواردها لو لا الكل يكون فيما لا تعين إلا بسبب القرعة - و ذلك لرفع التحيّر والترديد - و لعل من هذه الجهة صار بناء العقلاء على اجرائها في كافة موارد الترديد والحيره . والتفصيل في محله من مبحث القواعد الفقهية فراجع . المقرر .

نية الصوم من دون أيّة خصوصية كما و أنّه لو نوى صوم شعبان عملاً بالاستصحاب أجزئه و لو بان خلافه و أنّه كان رمضان فيقع منه و عليه النص والاتفاق . إلّا انّ الكلام في انّ اِجزائه وانحسابه من رمضان هل هو تعبد محض أو ذلك أمر منطبق على القواعد الأدليه ؟

يمكن المصير إلى الثاني بتقرير أنّه كان ناوياً لصوم هذا اليوم لكن لما لم يثبت انّه من رمضان استصحب شعبان فالاستصحاب أمر زايد على أصل نية الصوم و لما انكشف أنّه كان من رمضان كان استصحابه لغواً إذ كان حكماً ظاهرياً و زايداً فلم يتغير الواقع عما هو عليه لثبوت أصل نية الصوم ولا يجعله من شعبان حقيقة و قصده غير مؤثر فهو معذور في قصد الخلاف كما و أنّه لو نواه من دون أي قيد ثم بان أنّه من رمضان صحّ و أجزئه و هكذا الحال فيما لو نوى قضاء صوم فات منه سابقاً غافلاً انّ هذا اليوم من رمضان لوقع من رمضان و لغى قصده قضاء فائتةٍ

والحاصل أنّه لما كان أصل النية والقربة حاصلاً و ثابتاً فلا اشكال فإن صوم رمضان متعيّن وضعاً فيقع منه سواء قصده أم لا نعم لو أخلّ بأن قصد الخلاف أو قصد صوماً آخر عالماً فلا يقع من رمضان و لا مما قصده . كما لا يخفى .

تتمة

لا يضر انضمام الخوف من النار أو الطمع في الجنة أو غير ذلك

مع النية فلا يعتبر تجريدها عنهما أما المعصومون سلام اللّه عليهم أجمعين فمن المعلوم صدور العبادة عنهم

على أكمل وجه و أتم صورة لابداعي خوف من النار و لا طمع في الجنة كما نسب إلى أبي الأئمة علیهم السلام(1).

ص: 219


1- نهج البلاغة

إلّا أنّه يظهر من بعض ماورد عنهم من الأدعية ما لا يلاثم ذلك و انّ الخوف والطمع المذكورين كانا من أعظم ما في نصب أعينهم.

و يمكن التوفيق بأن الخوف من النار له عنوانان أحدهما من حيث الاحراق واللظى والأذى والآخر من جهة أنّ النار مظهر غضب الله وسخطه و هكذا الحال بالنسبة إلى الجنّة فما ورد عنهم من حيث الخوف والأمل فيحمل على الوجه الثاني فصدور العبادة عنهم بداعي الخوف من النار أو الطمع في الجنة هو من جهة الحذر عن غضب اللّه سبحانه تعالی أو جهة الشوق إلى قربه و رضاه و ذكر الجنة والنار بلحاظ وقوعها طريقاً إلى رضاه و سخطه و معذلك فلاينا فى أيضاً ما في بعض الألفاظ المأثورة عنهم علیهم السلام كقوله في دعاء كميل ( ورقّة جلدي و دقّة عظمي ) و أمثال ذلك بل يظهر رجوعها إلى ماذكرناه من الجمع بأدنى تأمل في أطراف البحث .

البحث عن مفطرات الصوم

1 - الأكل

مسئلة . لا فرق في مفطرية الأكل بين المعتاد و غيره و مانسب إلى المرتضى قدِّس سرُّه من أن أكل غير المعتاد لا يفطر . لعله لا يكون خلافاً في المسئلة فإنّ تحقق الأكل لا يفرق فيه بين المعتاد و غيره وإنّما الفرق بين المأكول و غيره . والمنسوب إلى السيد يظهر منه الفرق من الجهة الثانية لا الأولى . حيث أنّه مثل بأكل الحصى فإنّ الأكل فيه غير متحقق إذ عنوان الأكل إنّما يصدق فيا اذا كان متعلقه مأكولاً والمأكول ما تصرف فيه المعدة و من الواضح انّ الحصى ليس كذلك فتمثيله بالحصى لابداء الفرق بين المأكول وغير المأكول و انّ الأول يضر والثاني لا يضرّ لعدم صدق عنوان الأكل عليه لا لإبداء الفرق بين المعتاد و غيره.

ص: 220

إلى هنا وصل بحث الأستاذ العلّامة المحقق البهبهاني قدِّس سرُّه من كتاب الصوم في شهر رمضان المبارك من سنة 1384 الهجرية . و لم يستمر بل انقطع و حرمنا من استدامته و ذلك لأجل وقوع فاجعة مولمة للأستاذ و لنا أجمع و هو حادثة وفاة نجله الثالث أعنى الفقيد السعيد الفاضل التق المرحوم السيد محمدتقي أثر حادثة اصطدام السيارة الراكب هو على متنها التي أودت بحياته وحياة مصاحبين آخرين له في تلك السيارة فانشغل الأستاذ بمراسم العزاء والتعزية و وفود الوافدين عليه من أقطار محافظة خوزستان فبق المبحث مبتوراً . قدّس اللّه تعالى روح الولد والوالد . و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون .

ص: 221

(2) بطلان الوجود الذهنی

(1)

إنّ القول بالوجود الذهني ناشٍ عن صدق القضايا الحقيقية وصدق هذه القضايا مستلزم للقول بالوجود الذهني - تقرير ذلك :

إنّ القضية الفرعية أعنى( ثبوت شيئ لشيئ فرع ثبوت المثبت له ) من القضايا الضرورية و هي جارية في جميع القضايا الموجبة و تخصيصها ببعض القضايا دون البعض لا تصور له فصدق القضايا الحقيقية قبل وجود الموضوعات.

مثلاً . الحيوان ناطق . شريك الباري ممتنع . اجتماع الضدين محال . اجتماع الضدين مغاير لاجتماع النقيضين. الأربعة زوج و غير ذلك كل ذلك متوقف على القول بوجود لهذه الموضوعات في هذه القضايا غير الوجود الخارجي فإنّه إن لم نقل بهذا الوجود وراء الوجود الخارجي يلزم منه انخرام القاعدة الفرعية المذكوره مع انّها من جملة القضايا الضرورية التي يحكم بها العقل صريحاً فلا مناص لتصحيح هذه القضايا من الاعتقاد بوجود للاشیاء وراء الوجود الخارجي و ليس هذا إلّا الوجود الذهني .

والجواب . ان هناك محاذير قد التفت القوم اليها و هي لا يمكن الالتزام بها.

أحدها : انّه يلزم مما ذكر أن تكون الجواهر والاعراض كلها في الذهن من مقولة العرض و من خصوص مقولة الكيف . توضيحه : إنّ الوجود متحد هويةً مع

ص: 222


1- من أفادات الأستاذ المحقق البهبهاني قدِّس سرُّه أفادني بها حين البحث عن تقسيمات الوجود عند قرائتي عليه كتاب (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ) في بلدتنا الأهواز و قبل هجرتي إلى النجف الأشرف

المهية و ينفكان في مرحلة التصور( ان الوجود عارض المهيه - تصوراً واتحدا هويه)(1) و وجود كل منهما معروض للآخر و عليهذا فلو قلنا انّ العلم وجود ظلي ضعيف للمعلوم ( و بهذا الاعتبار تثبت المحمولات للموضوعات قبل وجود الموضوعات في الخارج) يلزم أن يكون حقيقة الانسان والحجر والشجر و هكذا متحدة مع العلم الذي هو الوجود الذهني لهذه المهيات والعلم ( القائم بالذهن ) حيث أنّه من مقولة الكيف ( على ما هو المعروف بين الحكماء و إن قال بعضهم بأنّه من مقولة الاضافه ) فعليهذا لو كان الانسان متحداً مع العلم القائم بالذهن يلزم أن يكون المعلوم أيضاً قائماً بالذهن فيكون جمع المعلومات من قبيل اعراض الكيف . و لهذا قال الحكيم السبزواري في شرح المنظومة بعد تقرير هذا الاشكال : و هذا هو الذي صيّر العقول حيارى والافهام صرعى(2) و من البديهي عدم معقولية انقلاب الجوهر بالعرض حيث انّ الجوهر والعرض متضادان والأول قائم بنفسه والعرض ليس كذلك.

الثانى : يلزم أن يكون ظرف الموضوع والمحمول ( في مثل شريك الباري ممتنع و اجتماع الضدين محال و نحو ذلك ) مختلفاً بمعنى أن يكون الموضوع موجوداً في الذهن والمحمول ثابتاً في الخارج فإنّ من البديهي ان وصف الامتناع لشريك الب-اري و استحالة اجتماع الضدين ليس موطنه الذهن بل هما ثابتان في الخارج و هذا محال و كذا عكسه ( وجود الموضوع في الخارج والمحمول في الذهن ) أفهل يعقل و يتصور أن يكون العنقاء غير موجود في الخارج و طيرانه موجوداً فيه ( في الخارج ) ؟

الثالث : يلزم في مثل ( الأربعة زوج ) أن يكون صدق القضية متوقفاً على

ص: 223


1- المنظومة للحكيم السبزواري قدِّس سرُّه ص 16 من النسخة المطبوعة في حياة صاحب المنظومه.
2- شرح المنظومة : ص 27 من الطبعة المشار إليها . و فيها هكذا : فهذا الاشكال جعل العقول حيارى والافهام صرعی فاختار كل مهرباً ... هذا و عليك بالتأمل فيما نقله الأستاذ المحقق عن المنظومة و فيما ذكره الحكيم السبزواري في الشرح .

وجود الموضوع في الذهن و مادام لم يتصور الأربعة في الذهن لا يثبت له صفة الزوجية و لا الفردية مع ان من البديهي ثبوت الزوجية لها في حد نفسها سواء تُصوّرت في الذهن أم لم تتصور فيه . هذا مضافاً إلى أن العلم عبارة عن ادراك الواقع على ما عليه لا الخلق والايجاد و صدق الادراك فرع ثبوت المُدركَ فِي الخارج (إن كان) و إلّا ففي كل موضوع يكون الادراك تابعاً له مع ان من البديهي انّ العقل إنّما هو يُدرك الزوجية للأربعة لا أنّه يوجد الزوجية لها و لو فرضنا انّ الزوجية لم تكن ثابتة للأربعة في حدّ نفسها بل كانت تابعة لايجاد الأربعة لزم من ذلك صدق (الأربعة فرد) أيضاً فإنّ الذهن كما يدرك و يتصور الزوجية للأربعة كذلك يتصور الفردية لها أيضاً فيلزم أن لا يكون الزوجية أمراً واقعياً ثابتاً للأربعة دون الأربعة فرد.

والحاصل . انّ الوجود الذهني بمعنى كون العلم من الكيفيات النفسانية القائمة بالذهن أمر مسلّم لكنا الاشكال في انه هل يكون المعلوم موجوداً في الذهن باعتبار انّ العلم وجود للمعلوم . أو لا يكون ؟

فالقائلون بالوجود الذهني يقولون بأن المعلومات كما يكون لها وجود في الخارج لها أيضاً وجود في الذهن ( و هذا القول منهم لأجل تصحيح القضايا الحقيقية) لكنهم يقولون انّ الوجود الذهني وجود ظلي ضعيف لا يترتب عليه أثر . و هذا المقال منهم باطل من عدة وجود أشرنا إلى ثلثة منها .

الرابع : يلزم أن يكون زيد بمجرد تصور علم الفقه عالماً به و كذا بتصور الجهل يلزم أن يكون زيد جاهلاً - و بتصور الغني يصير غنياً و بتصور الفقر فقيراً - بيان ذلك :

إنّ المعلوم اذا اتصف بالوجود الذهني كان متحداً مع العلم هوية فكما ان العلم قائم بالذهن فالمعلوم المتحد معه أيضاً قائم بالذهن فالفقر بتصوره يكون قائماً بالشخص فصار زيد فقيراً - مع ان من البديهي ان ذلك غير جايز ليقال ان بتصور

ص: 224

الفقر يكون زيد فقيراً و بتصور الغني يصير غنياً.

إن قلت:

فكيف تكون القضايا الحقيقية صادقة انّ القضية الفرعية من جملة القضايا الضروريه ؟

قلنا :

إنّ القضايا الحقيقية على ثلاثة أقسام :

1 - قضايا سالبة لكن في صورة الموجبه - مثل شريك الباري ممتنع - اجتماع الضدين محال فإنّ مرجع الامتناع والاستحالة إلى عدم قبول هذه للوجود .

2 - قضايا صورية أي انّها ليست قضية في الحقيقة و إن كانت في صورتها إذ لیس موضوع و محمول في البين مثل الانسان حيوان ناطق فإنّ الحيوان الناطق هو الانسان فى الحقيقة لا أنّه محمول ثابت للانسان.

3 - قضايا ثبوتها ربطي و ليس بأصيل و من البديهي انّ الثبوت الربطي لا يتفرع على وجود شيئ فإذا قلنا الانسان ليس بحجر فالنسبة هي احدى النسب الأربع ( التباين أو التساوي أو العموم المطلق أو من وجه ) و كذا الحال بالنسبة إلى زوجية الأربعة فإنّ النسبة لزوم ثابت لذات الأربعة لا الثبوت في الخارج والقضية الفرعية إنّما هي في خصوص الثبوت الخارجي.

فقد ظهر بهذا البيان ان صدق القضايا الحقيقية غير متوقف على الوجود الذهني و أساس الوجود الذهني غير ثابت إلّا على صدق القضايا الحقيقية قبل وجود موضوعاتها في الخارج . كما أنّه قد تبيّن انّ الوجود الذهني مضافاً إلى بطلانه من أصله مستلزم لمحاذير لا يمكن الالتزام بها - والحمدللّه رب العالمين.

ص: 225

(3) تحقيق حول قاعدة بسيط الحقيقة

(1)

إذا كان المراد من قاعدة بسيط الحقيقة كل الأشياء هو انّ بسيط الحقيقة سارٍ الأشياء و متحد مع جميع الأشياء فيرد عليه انّ هذا مستلزم لضعف بسيط الحقيقة و عدم وجوده إلّا بتبع الأنواع والأفراد . بيان ذلك : انّ بسيط الحقيقة إن كان متعيناً و متخصصاً و متميزاً لزم من ذلك عدم سريانه في جميع الأشياء لأنّ المتعين والمتخصص لا يقبل السريان وإنّما يقبله إذا لم يكن له التعين والتخصص كالجوهر الذي هو الجنس العالي و له السريان في جميع الأجناس والأنواع و ذلك لأجل انّ الجوهر لا يكون متعيناً في فرد أو نوع معين و هذا هو وجه ما قلناه من انّ السريان في جميع الأشياء كاشف عن الضعف أعنى مادام باقياً على إبهامه والفرض انّ ابهامه فوق إبهام ساير الأجناس و معذلك يكون سارياً في جميع الأجناس والأنواع فكان لازمة ماذكرنا و لذا فلو خرج عن مرتبة من مراتب الإبهام إمّا بقيد التجرّد أو بقيد الماديّة كان سريانه بالنسبة إلى سريان الجوهر أقلّ مما قبل ذلك فإنّ الجوهر المجرد سار في العقول والجوهر المادي سار في الأجسام فإذا أضيف إلى الجوهر المادّي قيد ( النامي ) مثلاً كان سريانه أقل فإذا أضيف ( الحسّاس ) و ( المتحرك بالاراده ) كان كذلك فيقل و يضعف إلى أن يصل إلى مرحلة الفرديه - والحاصل - انّ السريان هذا من ضعف الوجود لا من قوته واشتداده فلو كان بسيط الحقيقة مأخوذاً بهذا المعنى كان معناه إن

ص: 226


1- من أفادات الأستاذ المحقق قدِّس سرُّه افاضها علىّ في بعض مجالسه الخاصة بي في بلدة أهواز عند دراستي عليه مباحث المعقول و قبل هجرتي إلى العراق ) حوزة النجف الأشرف العلمية ) .

شيئاً لم يلبس بعد كسوة الوجود و إبهامه أشد من ساير الأشياء يكون هذا كل الأشياء ء . و هذا الكلام بالنسبة إلى الجنس العالي لا يأس به و أما بالنسبة إلى واجب الوجود فغير مناسب له بل محال لاستلزام ذلك عدم وجوب الوجود لأنه حينئذٍ

محتاج إلى الأشياء و مفتقر إليها تعالى الواجب عن هذه الصفة علواً كبيراً .

و أما إن كان المراد من بسيط الحقيقة كل الأشياء عدم سريانه فحينئذٍ لا معنى لاتحاده مع كل الأشياء كما هو المفروض في القاعدة بل تكون نسبته حينئذ إلى الأشياء نسبة المباينة بل فوق المباينة إذ أنّه تعالى منزّه عن السنخيّة مع الأشياء والاتحاد معها.

ص: 227

( 4 ) بطلان المسانخة بين العلة و معلولها

(1)

العلّة قسمان . اضطرارية كالنار بالنسبة إلى الحرارة والاحراق والسنخية بين العلة و معلولها و بين الأثر والمؤثر بهذا المعنى لازم بالضروره .

اختياريه ( بمعنى فاعل الفعل ) ففي هذا المقام ( بالنسبة إلى الباري سبحانه ) فمضافاً إلى عدم وجود الدليل على السنخية انّ الدليل قائم على عدمها و ذلك لعدم معقولية المسانخة بين الواجب والممكن و لذا نحن ننفى عن الواجب الجوهر والعرض والتركيب و سایر الخصوصيات الامكانية و معذلك نرى انّ الممكن حادث الواجب و انّ جميع الممكنات مخلوقة للخالق تعالى . وكل من يتوهم السنخية بين الواجب والممكن يلزمه إمّا القول بامكان تبدل الواجب بالممكن أو تبدّل الممكن

بالواجب والتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله.

ص: 228


1- بحث موجز جداً ألقاه على الأستاذ المحقق قدِّس سرُّه في بعض محاضراته الخاصة بي في الأهواز عند المذاكرة لبعض المباحث العقلية.

(5) بحث في تقسيمات الكلي

(1)

إنّ تقسيم الكلي إلى طبيعي و منطقي و عقلي ( كما هو المعروف ) لا وجه له و ذلك لأنهم جعلوا الكلي المنطقي عبارة عما يعرض الكلي الطبيعي الذي هو عبارة عن الاتصاف بعدم امتناع صدقه على كثيرين وجعلوا الكلي العقلي عبارة عن المركب من العارض والمعروض واعتبروا الكلي الطبيعي نفس المعروض.

ثم انّهم قسموا الكلي المنطقي إلى الذاتي والعرضي والأول منها إلى جنس و فصل و نوع والثاني إلى الخاصة والعرض العام و هذا التقسيم لا يلائم بأي وجه مع جعل الكلي المنطق عبارة عن العارض إذ أن العارض على الحيوان الذي هو عبارة عن عدم امتناع صدقه على كثيرين إنما هو عرض محض و لا يقبل التقسيم إلى الذاتي والعارض حتى يقسّم الذاتي إلى ثلثة أقسام والعارض إلى قسمين ليحصل منها الكليات الخمس .

و إنّما الذي يقبل التقسيم إلى الذاتي والعرض هو نفس المعروض فهو قد يكون ذاتياً كالحيوان والانسان والناطق و قد يكون عارضاً كالماشي والضاحك فالكلي المنطقي المنقسم إلى ذاتي و عارض هو نفس المعروض لا الصفة العارضة عليه.

و بهذا البيان ظهر أن الكلي المنطقي عين الكلي الطبيعي.

ص: 229


1- كلمة منطقية وجيزة ألقاها و أفادني بها سيدنا الأستاذ المحقق قدِّس سرُّه في زمن تلمذي عليه بعض مباحث المنطق.

و أما الكلي العقلي الذي هو عبارة عن المركب عن العارض والمعروض فهو أيضاً لا وجه له حيث ان العارض في هذا المقام عبارة عن نفس الكلية فالحيوان مثلاً مع صفة عدم امتناع صدقه على كثيرين عبارة عن كليته ولا يعقل أن يتصف ثانياً

بالكلية حتى يصدق عليه الكلي والالزم اتصاف نفس الكلية بكلية أخرى ويلزم التسلسل و هو باطل.

ص: 230

مصادر الکتاب و مراجعه متنا و هامشاً

1 - منظومة الألفيه .......ابن مالك الطائي الأندلسي النحوي

2 - الباب الحاد يعشر .....العلامة الحلّى

3 - التذكرة بأصول الفقه ......الشيخ المفيد

4 - التعليقة على شرح الشمسيه..المحقق الشريف الجرجاني

5 - التعليقة على فرايد الأصول... المحقق الكبير المولى محمد كاظم الخراساني

6 - تفسير العياشي.... أبوالحسن العياشي السمرقندي

7 - تهذيب المنطق ... سعد الدين التفتازاني

8- جواهر الكلام ... الشيخ محمد حسن النجفي

9 - الحاشية على شرح الجامي... السيد نعمة اللّه الجزائري

10 - الحدائق الناضرة ..الشيخ يوسف البحراني

11 - الخصال.. الشيخ الصدوق

12 - خلاصة الأقوال ... العلامة الحلي

13 - الذريعه ...السيد المرتضى علم الهدى

14 - الرسائل الأصوليه ...الوحيد البهبهاني

15 - شاهراه هدایت ... السيد محمدرضا الشفيعي

16 - شرایع الاسلام ...المحقق الحلّي

17 - شرح الرضي ....نجم الائمه

18 - شرح الشمسيه ....الشيخ قطب الدين الرازي

19 - شرح الصمدیه(الحقائق النّدبه).. العلامة السيد علي خان المدني

20 - شرح الوافيه...السيد الصدر

21 - عدة الأصول ....الشيخ أبو جعفر الطوسي

22 - العين ..... الخليل بن أحمد الفراهيدي

23 - غنية النزوع ....للسيد أبي المكارم ابن زهره الحسيني

ص: 231

24 - فرائد الأصول ( الرسائل ) ... الشيخ الأعظم المرتضى الأنصاري

25 - فروغ هدایت .... الشيخ علي الدواني

26 - الفصول الغرويه ...الشيخ محمد حسين الاصفهاني

27 - القسطاس المستقيم ... السيد صدرالدين العاملي الاصفهاني

28 - القواعد الكلية .... السيد علي البهبهاني

29 - قوانين الأصول ( القوانين المحكمه ) الميرزا أبو القاسم القمي

30 - كشف الأستار ....السيد على البهبهاني

31 - كشف الآيات ....محمد علي و محمد حسن ( العلمي )

32 - كشف القناع ..... الشيخ أسد الله الكاظمي

33 - كشف المراد.... . العلامة الحلي

34 - كفاية الأصول ... المولى محمد كاظم الخراساني

35 - اللمعة الدمشقية ....الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي

36 - مجمع البحرين.... الشيخ فخرالدين الطريحي

37 - مجمع البيان ...... الشيخ أمين الاسلام الطبرسي

38 - محجة العلماء ... الشيخ محمد هادي الطهراني

39 - المحيط .... الصاحب بن عباد

40 - مدارك الاحكام ...السيد محمد العاملي

41 - مستدرك الوسائل .... الميرزا حسين النوري الطبرسي

42 - مصباح الهدايه... السيد علي البهبهاني

43 - معالم الدين ... الشيخ حسن بن زین الدین

44 - معجم آيات القرآن ...الدكتور حسين نصّار

45 - مقالات حول مباحث الألفاظ .... السيد علي البهبهاني

46 - المكاسب .... الشيخ الأعظم الأنصاري

47 - المنظومة وشرحها ....الحكيم المولى هادي السبزواري

48 - نهاية الأصول ...العلامة الحلى

49 - نهج البلاغه ...السيد الرضي

50 - الوافية ....الفاضل التوني

51 - وسائل الشيعه ....محمد بن الحسن الحر العاملي

ص: 232

قبس من ترجمة آية الله العظمى البهبهاني الرامهرمزي قدس سره

اشارة

هو المرجع الكبير . والعلامة المحقق النحرير ، جامع منقبتى العلم والعمل ، الفقيه الأصولي المتكلم المفسر الأديب الباهر الماهر ، أستاذ الأساتيذ ، آية اللّه في الورى ، الحاج السيد علي

الموسوي البهبهاني ) والمشتهر عند الأعلام بالرامهرمزي ( قدس الله روحه و نوّر ضريحه .

1 - ولد في بلدة بهبهان (من بلاد الشمال الشرقي لمحافظة خوزستان الواقعة في الجنوب الغربي لجمهورية ايران الاسلامية ) والتي قام منها كبار من أفذاذ العلماء و أكابر الفقهاء ، و كانت ولادة سيدنا الأستاذ المترحم له حوالي سنة 1303 ه- . ق .

كان أبوه المرحوم السيد محمد البهبهاني من الصلحاء الأتقياء مشتغلاً بالكسب والفلاحة في بلدته وكان المترجم له يشتغل عنده في محل كسبه لكنه لشدة علاقته بالعلم والدراسة حصل على نسخة من كتاب جامع المقدمات يطالع فيه بدقة و عمق مخفياً ذلك عن أبيه ثم لما ظهر أمره اشتغل رسمياً عند أعلام بلدته منهم الفقيه المتبحر السيد محمد ( ناظم الشريعة ) من كبار تلامذة المحقق الخراساني صاحب الكفايه قدِّس سرُّه. فجاهد في العلم والعمل حتى عزم على الهجرة الى النجف الأشرف لمواصلة دروسه و بحوثه فورد تلك الحوزة المقدّسة متجزياً فى الاجتهاد وذلك فى سنة 1322 ه- (أي بعد سنةٍ من وف- وفاة المرحوم العلامة الكبير الشيخ محمد هادي الطهراني النجفي المتوفى في 1321 .. والآتي ذكره ) . والسيد الأستاذ له من العمر حينئذٍ تسعة عشر سنة أو عشرون فهو لم ير ذلك الشيخ المحقق كما صرح لي هو بنفسه.

2 - بق الأستاذ المحقق في النجف الأشرف ست سنين يحضر خلالها درس الأستاذ المحقق الخراساني و أستاذه الآخر الفقيه الأعظم السيد الطباطبايي اليزدي صاحب العروة الوثقى و أستاذه الثالث الفقيه الأصولي البارع السيد محسن الكوه كمري الذي هو أجلّ أو من أجلٌ تلاميذ الشيخ العلامة الطهراني قدِّس سرُّه الآنف ذكره صاحب التدقيقات العلمية والمباني الأصولية الخاصة به والمشتهر هو بها كما ان سيدنا المترجم له كان عمدة تتلمذه على الأستاذ الأخير و قد تأثر كثيراً بمباني العلامة الطهراني بواسطة ذلك السيد العلامه حتى انه ورثه في تلك التحقيقات و تلكم المباني ( التي اشتهر أصحابها بأصحاب المقتضى والمانع ( واشتهر سيدنا في الأوساط العلمية بها .

3 - ان العلمين الكبيرين المرحومين العلامة الناييني والسيد حسين الطباطبائي القمي قدِّس سرُّه

ص: 233

قد صادقا على اجتهاد السيد العلامة البهبهاني واستقلاله العلمي والاجتهادي . وقد رأى اجازتها و تأييدهما له والدي المرحوم العلامة السيد محمدرضا الشفيعي المتوفى 1384 ه- . عند السيد المترجم له على ما حكاه لي.

4 - رجع الاستاذ إلى بلاده في سنة 1328 ه- و تزوج هناك مشتغلاً بالتدريس والاف--ادة والتبليغ ثم عاد ثانياً الى النجف الأشرف واشتغل بنشر علومه و تدريس بحوثه و دام ذلك سنة

لكنه قدِّس سرُّه مرض ولم يساعده الظروف و لذا اختار العودة إلى وطنه بهبهان و بقى هناك علماً من الأعلام و مرجعاً للخواص والعوام الى سنة 1338 ه- حيث سافر للمرة الثالثة الى النجف الأشرف و ذلك بدعوة من أفاضل زملائه و تلامذه أستاذه السيد الكوهكمري فعاد الى بهبهان ليحمل عائلته فلما تهياء للسفر الى العراق مرضت زوجته الكريمة في الطريق في بلدة رامهرمز ( مدينة واقعة بين بهبهان والأهواز ( فمكث فيها عدة أشهر ثم ترجح عنده أن يستوطن هذه البلدة و لاسيمّا مع ما أصرّ عليه أهلها المؤمنون العارفون بمقام السيد العلمي والديني فأجاب دعوتهم و حط رحل الاقامة و بنى فيها مدرسة علمية و مسجداً و أخذ بنشر علوم أجداده الطاهرين إلى ما يقارب ربع قرن ( أي الى سنة 1362ه- ) ، و في هذه السنة سافر الى العتبات المقدسة للمرة الرابعة و لكن لزيارة الائمة الطاهرين عليهم صلوات الله فدعاه المرجع الديني الكبير هناك آية الله السيد حسين الطباطبائي القمي (المتوفى 1366 ه- )للتدريس والافادة في حوزة كربلاء المقدسة فأجاب دعوته و مكث فيها سنتين يدرس الفقه والأصول خارجاً و ذلك بمصاحبة جماعة من أعلام الدين و فقهاء الشرع المبين كالمرحوم آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي و آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني و آية الله العظمى أستاذنا العلامة السيد أبو القاسم الموسوي الخوبي قدِّس سرُّه و غيرهم من الأكابر. وفی هذه البلدة المقدسة أخذ السيد المترجم له بتصنيف بعض كتبه و نشرها ككتاب مصباح الهدایه. فلاح نجمه واشتهر أمره و عرفه الأوساط العلمية بالدقة والتحقيق والعمق والنبوغ والزهد الكثير والورع الشديد . واشتهر هناك بالسيد الرامهرمزي و بقيت هذه النسبة الى آخر عمره الشريف .

5 - ثم انه رحمه الله هاجر في سنة 1365 ه- من كربلاء الى النجف الأشرف و بقى فيها أكثر سنة و أخذ بالتدريس في تلك الحوزة المقدسة الى أن دعاه أهالي رامهرمز و طلب منه آية الله العظمى الاصفهاني اجابة تلكم الدعوات فأجاب وامتثل ذلك الطلب فرجع الى ايران و عاد الى رامهرمز و قد أرجع المرحوم السيد الاصفهاني احتياطاته في آرائه الفقهية الى سيدنا الاستاذ و أجاز أهالي تلك المنطقة بذلك فأخذ السيد يدرس العلم و يروج الدين في رامهرمز الى سنة 1370 ه-.

6 - و قد سافر رحمه الله الی قم المقدسة و قطن فيها لمدة ثمانية أشهر يدرّس القوانين و غيره

ص: 234

الدزفولي والسيد محمد كاظم آل طيب الجزايري الشوشتري والشيخ علي محمد ابن العلم الدزفولي و ولده السيد عبدالله ( مجتهدزاده ( البهبهاني و لكني لم أتحقق تاريخ هذه الهجرة الموقته.

7 - هاجر استاذنا المحقق في سنة 1370 ه-الى (الأهواز) و تشرفت في مصاحبة والدي رحمه الله (و كنت آنذاك طفلاً مدرسياً) الى محضره الشريف فحصل التعارف بينه و بين والدي و دام ذلك و قوی واشتد بينهما يوماً فيوماً الى أن توفى والدي سنة 1384ه-) و قد اشتغل الاستاذ بعد وروده الأهواز بتدريس الفقه و أصوله والحديث والأخلاق و ساير العلوم الدينية ثم أخذ بنشر كتبه و تصانيفه المنيفه و دُعى الى اقامة الجماعة فأقامها في الحسينية الشماسية ( الواقعة قريبة من داره ) صبحاً و ظهراً و ليلاً الى أن بنى له أحد التجار مسجداً يسمى باسمه الشريف فانتقلت جماعته إليه.

8 - و في الأهواز اشتهر صيته و على كعبه و رجع الناس اليه في التقليد أكثر من ذي قبل وانحدر إليه الناس من كافة بلاد خوزستان و غيرها و طبع رسائله العملية فارسية و عربية لعمل

المقلدين .

و كان رحمه الله يدرّس لطلبة العلوم كل ماطلب منه من درس و بحث كالمنطق من الحاشية والأصول من المعالم والقوانين والفقه من الشرايع و شرح اللمعة و غيرها من غيرها ( و ذلك سوى دروسه العالية ) من دون تكبر و ترفع و قد أخذت منه في تلك الآونة و قبل تشرفي الى النجف الأشرف منطق الحاشية و بعض أصول المعالم و قسماً من المباحث العامة من شرح التجريد و مقدمة كفاية الاصول الى أوائل مباحث الأوامر و كان لا يطالع الدروس ولا يراجع الكتب الدراسية قبل الشروع في التدريس و ذلك لقوة حافظته و اشرافه على الكتب و تسلطه على العبارات و تبحره في آراء المحققين و مبانيهم . و معذلك كانت دروسه ( و إن كان باسم الأدبيات والسطوح والمتوسطات) دروساً خارجاً استدلالياً فى الأغلب وذلك لأنه كل ما مرّ على نظر و تحقيق لا يرتضيه يقف و يفسره و يشرحه ثم يردّ عليه و يوضح ما عنده من آراء و أفكار و هذان أمران لعلهما خارقان للعادة و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

و كان تدريسه لأصحابه و حاضري بحثه العام من الرسائل والمكاسب للشيخ الأعظم الأنصاري قدِّس سرُّه.

9 - ان سماحة الاستاذ قد بنى في مدينة الأهواز مدرسة ضخمة وكبيرة باقية الى اليوم و عامرة بالدرس والبحث و اقامة الشعائر تدعى ( دار العلم لآية الله البهبهاني ) و كنتُ فيمن

) حضر يوم وضع حجر الأساس لهذه المدرسة و قد ألقى والدي المرحوم كلمة رائعة في محضر الاستاذ والعلماء والمؤمنين الحاضرين في تلك المناسبة . كما وانّ أيام دراستي على الاستاذ كنت ألقي في دار العلم خمس دروس يومياً فيها - ثم ضم الاستاذ اليها مكتبة كبيرة ( و ذلك باشتراء مكتبة

ص: 235

الاستاذ والعلماء والمؤمنين الحاضرين في تلك المناسبة . كما و انّ أيام دراستي على الاستاذ كنت ألقي في دار العلم خمس دروس يومياً فيها - ثم ضم الاستاذ اليها مكتبة كبيرة (و ذلك باشتراء مكتبة المرحوم الشيخ جواد تارا و هو أحد قدماء زملائه و تلامذة السيد الكوه كمري وقد فوّض الى أمر ملاحظة هذه الكتب و تسعيرها و تعيين أثمانها ) ثم اتّسعت هذه المكتبة شيئاً فشيئاً والى زمان الحال نفع الله بها العلماء . أما اليوم فقد حال بيني و بين التدريس في هذه المدرسة العامرة حوادث و سوانح فالمقتضى موجود و لكن الموانع غير مفقود وفق اللّه المشتغلين فيها لادامة العلم والعمل الصالح . انشاء اللّه .

و يشرف اليوم على أمور المدرسة و شؤنها العامة حفيد الاستاذ والمتولي الشرعي للمدرسة الرجل الصالح الفالح سلالة السادة الكرام السيد نورالدين ( مجتهدزاده ) أيده الله تعالى بنصره . كما و انه - قدس اللّه روحه - قد شارك وساهم أو دعى و أمر بتأسيس عدة مشاريع خيرية وحيوية في كافة بلاد خوزستان و غيرها من المحافظات من المساجد والمدارس والمستوصفات والمكتبات والمعاهد العلمية والدينية فضاعف الله قدره و أعظم أجره.

10 - ثم انّ أهالي بلدة اصفهان المؤمنين الصالحين من العلماء الأعلام و غيرهم قد طلبوا من الاستاذ أن يرحل الى اصفهان و يتزعم الحوزة العلمية هناك و قد قوبل هذا الاقتراح بامتناع أهالي الأهواز واستنكارهم شوقاً الى بقاء العلامة البهبهاني بينهم فانتهى الأمر الى تقسيم السنة فستة أشهر في اصفهان والستة الأخرى في الأهواز و كان ذلك في سنة 1386 ه- و قد استمر على رحلة الشتاء والصيف بين البلدين مرجعاً و اماماً و استاذاً وملاذاً الى أن وافاه الأجل في سنة 1395 ه- كما سيأتي وصفه.

قبس من ترجمة آية الله العظمى البهبهاني الرامهرمزي قدس سره

خصاله وصفاته

كان الاستاذ المحقق - رضوان الله تعالى عليه - ساكتاً وقوراً مهابا متفكراً لا يتكلم إلّا عن الضرورة و بمقدار الحاجة و أما في المسائل العلمية والمباحث الدينية والمعنوية فيأخذ بالتكلم

والتحقيق الى ما لا مزيد عليه و يعطى المبحث حقه.

و كان يحضر مجالس الرثاء والعزاء على أهل البيت علیهم السلام كل ما أمكنه و يجلس و يصغى بكل هدوء و وقار و عند رثاء سيد المظلومين أبي عبدالله الحسين علیه السلام يبكي كثيراً وعالياً حتى تبتلُ لحيته و منديله في يده.

و بالتالي . كان هذا الفقيه المحقق آية في الآداب والأخلاق متأدباً بأدب اللّه تعالى انساناً كاملاً و من أ من أحاسن الدهر و أكابر العصر . صبوراً محتسباً حتى انّه توفى عدة من أولاده و ذويه في

ص: 236

حياته كالسيد مهدي والسيد محمدتقي والعالم الفاضل السيد جعفر و كذا صهره و هكذا زوجته الأولى( والدة أولاده ) و زوجته الثانية فصبر واكتفى بالبكاء واستماع الرثاء على علي بن الحسين الأكبر علیهما السلام واكتفى بذكر هذه الكلمة عندما حضر قبر ولده : ( سید جعفر تو هم رفتی ).

زهده و ورعه

كان استاذنا المحقق رضی الله عنه ورعاً تقياً زاهداً في الدنيا معرضاً عن زخرفها و زبرجها غير معتنٍ بالتعينات الصورية والتكلفات الظاهرية مكتفياً من المأكل والملبس بأقلّ ما يمكن الاقتناع به. لا يزيله من هذه الوتيرة شيئ ولا يمنعه مانع .

لا يأذن في أن يغتاب بمحضره أحد . يوقر الكبير و يعطف على الصغير . متواضعاً الى أبعد حدٍ . يؤت كل ذي فضل فضله و يعطى كل ذي حق حقه . و قد حضر مجلسه يومٌ ولدٌ مع والده - و كنت حاضراً و شاهداً. فجلس الولد أعلى من أبيه فأقام السيد الأستاذ الولد عن محلّه و أجلسه دون مجلس أبيه.

يستفيد من محضره و نمير علمه كل أحد بحسب حاله واستعداده . وكان دأبه في الأعياد والجُمع التي ينهال الناس الى زيارته يأخذ كتاباً في الأخلاق كمجموعة ورام و آداب النفس و يقرء على الحاضرين الروايات والمطالب المهذبة للنفوس و يترجمها لهم و بذلك كان يسد الفراغ و يمنع عن البطالة وضياع الأوقات و يفيد الجمع بعلمه و عمله.

خطه وكتابته

ان استاذنا المحقق قدِّس سرُّه كان يكتب بالخطين العربي والفارسي و يجيدهما و يحسنهما كما هو ظاهر من مكتوباته سواء الاجازات والرسائل والمؤلفات وغيرها .

اجلال العلماء له

ان السيد العلامة البهبهاني كان مع ما له من الميزات والخصايص موضع عناية واهتمام من قبل الأكابر والأعلام يذكرونه بذكر الخير و يثنون عليه بكل ثناء في المجالس والانوية . نشير الى طرف من ذلك :

1 - الفقيه العظيم مرجع عصره السيد أبو الحسن الاصفهاني ( م 1365 ه- ) و قد مضى ذكر اعتماده علیه و ارجاع احتياطاته اليه.

2 - المرجع الورع التقي السيد حسين الطباطبائي القمي ( م 1366 ه_ ) و قد سبق ذكر دعوته للتدريس في حوزة كربلاء و في معية أكابر المراجع و أعاظم الأعلام .

3- آية الله العظمى الاستاذ العلامة الخويي قدِّس سرُّه (م 1413ه- ) و قد نقل لي بعض حاضري محضره

ص: 237

الشريف انه جرى ذكر السيد البهبهاني قدِّس سرُّه فقال الامام الخويي ان السيد البهبهاني نعم الانسان.

4 - العلامة المحقق الشهير السيد محمد هادي الحسيني الميلاني نزيل المشهد الرضوي (م 1395 ه_ ) فانه كان يثنى على البهبهاني كثيراً كلما ذكره أو ذكر عنده قد شاهدت بعيني انّه كلما يسافر الاستاذ الى زيارة مولينا الرضا علیه السلام يدعوه السيد الميلاني الى ضيافة الغذاء في حشد من المدعوين والحاضرين و في بعض الأسفار كنت أنا أيضاً ممن يُدعى الى طعام السيد الميلاني في خدمة السيد البهبهاني - رضوان الله عليهما - و أشاهد تكريمه له قولاً وعملاً .

5 - في عهد النهضة العامة ضد الشاه و حكومة الجايرة سافر السيد الاستاذ الى قم فرحب به الامام الخميني قدِّس سرُّه و كان يجلّه و يقوم له و قد نقل لي بعض الأصدقاء انه جرى ذكر السيد البهبهاني في محضر الامام الراحل قدِّس سرُّه فقال الامام الخميني : انّ السيد البهبهاني من المحققين(1) . و قد طبع و نشر في بعض الصحف والمجلات مكتوب الامام الراحل الى هذا المرجع الكبير و فيه من الاجلال والاكبار له ما لا يخفى على أهله .

هذا و قد نقل لي شخصياً سماحة آية الله المرجع المعاصر الشيخ محمد الفاضل اللنكراني دام اجلاله - فقال : اني لم أعاشر السيد البهبهاني و لكن رأيت أستاذي الامام الخميني يثنى على البهبهاني و يذكره بكل تجلیل و تبجيل و يحترمه و يعظّمه.

و لمثل هذا فليعمل العاملون .

الاجازات

لعل كثيراً من أرباب العلم والفضل استجازوا الاستاذ قدِّس سرُّه فأجازهم نشير الى بعضها مما يحضرنا أسمائهم.

1 - المرحوم الوالد العلامة الحجة السيد محمدرضا الشفيعي - المتوفى 1384 ه_- الذي كان يعتبر من أوثق اخوانه و أصدقائه و من أقدم تلاميذه في الأهواز و قد صدرت منه اجازتان له . احديهما بالفارسية و أخرى بالعربية . كلتاهما موجودتان عندي.

2 - الحقير مصنف هذا الكتاب والمقرر لأبحاثه - عفى عنه - وقد صدرت الاجازة له منه بالعربية في سنة 1376 ه- ( أي في السابعة عشر من عمر هذا الحقير ) موجودة عندي.

3- العلامة الحجة الاستاذ. السيد اسماعيل الحسيني المرعشي أحد أعلام الأهواز سابقاً وطهران حالياً .

ص: 238


1- و لهذه الجهة فقد عبّرنا و نعبّر غالباً عن هذا الاستاذ العظيم بالمحقق في كتبنا و مباحثنا العلمية

4 - الفقيه الأصولي الحجة. المرحوم الشيخ أحمد سبط الشيخ الأنصاري قدِّس سرُّه صاحب المصنفات العَديده.

5 - الشيخ العالم العامل الحجة. المرحوم الشيخ أبو الحسن الأنصاري قدِّس سرُّه من أعلام الأهواز و مراجعها.

6 - العالم الجامع المتبحر . السيد محمد علي الروضاتي الاصفهاني ( من آل صاحب الروضات ) .

7- العالم الجليل المؤلف المكثر المورّخ المعاصر - الشيخ علي الدواني - حفظه الله تعالى.

8 - حجة الاسلام السيد عباس الحسيني الكاشاني .

الاستاذ والقضايا الاسلاميه

كان سيدنا الاستاذ المحقق قدِّس سرُّه يصبح و يهتم بأمور الاسلام والمسلمين و يتدخل في شؤن السياسة الاسلامية بحسب ظروفه و مقدوراته و له في هذا المجال مواقف مشهودة و مشهورة - نشير عاجلاً إلى بعضها :

1 - أنّه قدِّس سرُّه قد أنكر على الصوفية عقائدهم و أعمالهم المضادة للشريعة المقدسة وصرّح بذلك في تأليفاته و کتبه مثل کتاب (فوائد هشتگانه) و (سی پرسش ) و غيرهما وكان رضي اللّه تعالى عنه يفنّد أعمالهم ومزاعمهم بكل قوة وصلابة و بكل متانة و رزانة .

2 - قد بارز الفرقة الضالة البهائية و أعلن لهم العداء في عامة المجالات والمواقف و بشتى الاشكال والوسائل حتى انّه أصدر - في اصفهان - منشوراً في الردّ عليهم و على مكائدهم الغاشمه . قد اغتاظ و غضب جلاوزة الشاه المشتهرة بالساواك من هذه الخطوة الجبّاره بحيث تجاسروا على السيد الاستاذ و أساؤا الأدب معه و حبسوه عندهم بضع ساعات مع ما كان عليه من الكبر الشيخوخة والمقام والعظمه.

3 - و أما قيامه رحمه الله ضد السلطة الحاكمة البهلوية . فمواقفه في هذا المجال معروفة و كانت نشاطاته في هذا المضمار موضع اهتمام وعناية السيد الامام الخميني الراحل قدِّس سرُّه، و قد حضرنا و شاهدنا شطراً من هذه الخطوات و أوردها الكتاب والمؤرخون في آثارهم و نشرها أرباب الصحف والمطبوعات في جرائدهم . و قد كان رحمه اللّه في الأهواز بل كافة خوزستان ركناً ركيناً للمبارزين والمناضلين ضد السلطة البهلوية وسنداً قوياً لدعم الثورة الاسلامية المظفرة و إن لم يدركها في حياته .

و قد لحق قدِّس سرُّه بالمراجع العظام وكبار العلماء واجتمع معهم في العاصمة ( طهران ( رداً على دولة الظلم واستنكاراً للقبض على الامام الخميني رحمه الله آنذاك و طلباً للافراج عنه .

و ان موقفه الجبّار في العزم على الحضور في المسجد الجامع - بأهواز - للنطق ضد حكومة الشاه لموقف مشهور و مشکور حيث احتشد مأت من الناس حول داره الى المسجد الجامع

ص: 239

والمسافة الواقعة بينهما انتظاراً لمقدمه الميمون واستماعاً لتوجيهاته و ارشاداته . لكنه منع الظالمون عن ذلك واقفلوا باب المسجد واستفادوا من جندهم و وزّعوهم في الأرجاء والمرافق و قد منعوا الاستاذ المحقق من الخروج عن داره و ذلك بكل تزوير و مكيدة فتفرق الناس بعد صبر شديد و يأس من الأمر .

راجع للوقوف على مواقف الاستاذ و مواضعه قدِّس سرُّه المصادر والمنباع المؤلفة في شؤن الثورة الاسلامية . المطبوعة بالعربية والفارسيه.

الأساتذة والتلامذة

انّ الأساتذة الذين درس عليهم سماحة العلامة البهبهاني و أخذ عنهم قد عرفت في صدر الترجمة اشارة الى أكابرهم و في هذا المجل نسردهم عليك سرداً.

أما في بلدة بهبهان و قبل هجرته إلى النجف الأشرف.

1 - العالم المفضال الشيخ الميرزا حسن البهبهاني ( ابن الشيخ المولى حسين ) المتوفى بعد 1320 ه_ راجع أعلام الشيعه ( نقباء البشر ) ص 349 للعلامة الطهراني .

2 - العالم الجليل الشيخ عبدالرسول البهبهاني رحمه الله

3- المحقق الفقيه الأصولي السيد محمد ناظم الشريعة ( البهبهاني ) المتوفى 1370 ه_ و هو من تلامیذ المحقق الخراساني صاحب الكفاية والفقيه الطباطبايي اليزدي المتوفى 1337 ه_ صاحب العروة الوثقى والعلامة الشيخ محمد هادي الطهراني (م 1321 ه- ) صاحب محجة العلماء و لهذا السيد الجليل اجازة عالية صادرة من صاحب الكفايه و أخرى من صاحب العروه تدلان على مقامالسيد المجاز العلمي.

و أما أساتذته في النجف الأشرف :

1 - المحقق الأعظم الشيخ المولى محمد كاظم الخراساني المتوفى 1329 ه_ صاحب كفاية الاصول و قد تلمذ عليه الاستاذ لمدة ست سنوات أي طيلة اقامته الأولى في النجف الأشرف .

2- الفقيه الأعظم الطباطبائي اليزدي صاحب العروة الوثقى و تعليقة المكاسب المشهوره .

3- العلامة المحقق المدقق السيد محسن الكوهكمري الكرگري ( لم يذكر سنة وفاته ) .

و أما التلامذة:

فانّ المستفيدين من محضره الشريف جمع كثير و جم غفير من أرباب العلم والفضيلة و أصحاب الفقاهة والمكانة في ايران والعراق لعل عددهم من حيث الكم تربو الى المآت و لكنّا نكتفى بذكر جملة منهم:

ص: 240

1 - آية الله العظمى المرحوم السيد علي العلامة الفاني الاصفهاني كان أحد المراجع في العصر الأخير صاحب منصّة التأليف والتدريس والتحقيق في النجف الأشرف ثم في اصفهان قدِّس سرُّه.

2 - آية اللّه العظمى الفقيه المتبحر الشيخ محمدرضا الاصفهاني الجرقوئي صاحب كتاب ازالة الريبة عن حكم صلوة الجمعة في زمن الغيبة و غيره كان يسكن كربلاء و يقيم الجماعة بها ثم نزل النجف الأشرف و توفي هناك سنة 1393ه-.

3- العلامة المحقق والمؤلف المكثر المتقن الشيخ محمد جواد تارا صاحب الآثار الممتّعة دائرة المعارف العلويه علم كلام جديد . و غيرهما.

4 - العالم الجليل آية الله السيد فرج الله المصطفوي البهبهاني صهر الاستاذ المحقق وابن أخيه أحد أعلام بهبهان والقاطن فيها والمتوفى بها رحمه الله.

5 - المرحوم آية الله الشيخ علي اللاري.

6 - العالم البارع والخطيب الجامع الورع التقي صاحب التأليفات العديدة المطبوعة والمخطوطه السيد محمدرضا الشفيعي - المتوفى 1384 ه_ - أحد مشاهير خوزستان و علماء الأهواز - له اتمام الحجة في الرد على الصوفيه . تنزيه العلماء . شاهراه هدايت ( ترجمة مصباح الهداية للاستاذ المحقق ) و غيرها - و قد عمر رحمه الله تعالى (57) سنة و خلف (57) أثراً في مختلف العلوم - حضر أبحاث السيد البهبهاني ما يقارب ( 12 ) سنة في الأهواز و هو والد هذا الحقير مؤلف هذا التقرير .

7 - سماحة أستاذنا الحجة المفضال السيد اسماعيل الحسيني المرعشي نزيل الأهواز سابقاً و طهران حالياً له عنوان الطاعة في حكم صلوة الجمعة والجماعة - و اجماعيات فقه الشيعه ( 1 و 2 ) و غيرهما .

8 - سماحة الحجة العالم البرّ التقي الشيخ يداللّه پورهادي أحد علماء الأهواز سابقاً والرّي حالياً و أحد مدرسي العلوم الاسلامية الحوزوية .

9 - العالم البارع الحجة المتخلق بمكارم الأخلاق و معالي الصفات المرحوم الشيخ ناصر الحمّادي الأهوازي مؤلف صفايا العقول و مرأت الواقع و غيرهما.

10 - العالم المبجّل والفاضل النحرير المرحوم السيد عبدالمطلب آل مهدي الجزايري الأهوازي.

11 - الشيخ العالم الخطيب المؤلف الشاعر الورع التقي الشيخ علي محمد ( ابن العلم ) الدزفولي نزيل الأهواز مؤلف ( الكشكول ) و غيره رحمة الله عليه.

12 - العالم المحقق الحجة والمؤلف المتقن السيد محمد الموسوي الجزايري الشوشتري النجفي ثم الأهوازي و قد انتقل الى طهران و هو مؤلف ( الشجرة المباركه ) و ( نابغة علم و حديث ) .

ص: 241

14 - الشيخ الفقيه المفضال آية اللّه الشيخ محمد تقي المجلسي الساكن في النجف ثم في ايران (خرم آباد).

15 - آية اللّه المرحوم السيد اسماعيل الهاشمي أحد أعلام اصفهان و عضو مجلس خبراء القيادة رحمه الله تعالى .

16 - آية الله الشيخ باقر ( الصديقين ) الاصفهاني.

17 - العالم الورع الحجة الخطيب السيد رضا الامامي السدهي الاصفهاني.

18 - العالم الحجة المتخلق المتأدب الورع الشيخ محمد باقر الناصري الدولت آبادي الاصفهاني.

19 - العالم الفاضل الخطيب التقي النقي الورع المرحوم الشيخ أبو القاسم ( المروج ) اليزدي.

20 - العالم الفاضل السيد عبدالله الموسوي ( مجتهدزاده ) أكبر أولاد الاستاذ المحقق و كبیر مساعدیه و معاضديه طيلة حياته.

21 - العالم الفاضل السيد جعفر الموسوي ( مجتهدزاده ) ثاني أولاد الاستاذ و وكيله في (رامهرمز).

22 - العالم المعاصر والمؤلف المحدث المؤرّخ الجليل الشيخ علي الدواني - سلمه الله - صاحب الآثار الخالدة والتأليفات النافعة الكثيرة متع الله المسلمين والعلماء بعلمه و فضله .

23 - المرحوم العالم الحجة السيد محمد حسين الموسوي ( الفقيه ) الدزفولي أحد ائمة الجماعة في الأهواز .

24 - العالم البارع الجامع الحجة المرحوم السيد أبو القاسم الهاشمي البهبهاني . أحد علماء الأهواز والمدرّسين بها.

25 - العالم البارع الحجة الشيخ محمد حسين الأحمدي الفقيه اليزدي دام عمره نزيل قم المشرفه والمدرّس بها . حكى هو لي أنه حضر دروس الاستاذ المحقق البهبهاني قدِّس سرُّه في اصفهان .

26 - مؤلف هذا التقرير - العبد الحقير - السيد علي ( ابن السيد محمدرضا ) الموسوي المشتهر بالشفيعي - عنى اللّه عنه - حضرتُ على الاستاذ المحقق في الأدبيات والسطوح ما يقرب من سنتين قبل تشرفي الى النجف الأشرف و حدود خمس سنوات في خارج الفقه والاصول بعد العودة الى ايران .

هذا غيض من فيض و قبس من تلامذة الاستاذ العلامة المحقق البهبهاني اكتفينا بهم انموذجاً لحاضري محضره والمستمدين من غير علمه . و لكل من هؤلاء و غيرهم ترجمة ضافية لعل الله أن يوفقنا لذكرها أو بعضها في مجال آخر.

ص: 242

الآثار العلميّة

1 - مصباح الهداية في اثبات الولايه . طبع مرّات عديدة في العراق و ایران و لبنان و ترجم إلى الفارسية مرتين و قد طبعتا في الأقطار الاسلاميه.

2 - مقالات حول مباحث الألفاظ . المجلد الأول . طبع في ايران ( طهران ) .

3 - القواعد الكليه ( مما يبتنى عليه كثير من معضلات مسائل الفقه والأصول ) طبع مرّة في طهران في مجلدين و أخرى في قم المقدسه بعنوان الفوائد العلية في القواعد الكليه.

4 - أساس النحو . كتاب تحقيقي و مبتكر في بابه. يعرب اسمه عن موضوعه. طبع في طهران مرتين.

5 - کشف الأستار . في شرح حديث أبي الأسود الدئلي عن أمير المؤمنين علیه السلام في تأسيس علم النحو . طبع في طهران.

6 - التوحيد الفائق في معرفة الخالق . كتاب موجز علمي و كلامي في اثبات وجود الله و توحيده على مبنى خاص و مشرب دقيق . طبع مرتين.

7- التعليقة على ( رسالة الكلمة الطيبه ) . للمرحوم آية اللّه الشيخ علي البهبهاني نزيل ( خرمشهر ) رسالة فتوائية لعمل المقلدين . طبعت منضمة الى الرسالة المذكوره .

8 - التعليقة على العروة الوثق. للفقيه الأعظم آية الله العظمى الطباطبائي اليزدي قدِّس سرُّه طبعت في (قم).

9 - التعليقة على وسيلة النجاة لسيد فقهاء عصره آية الله العظمى السيد أبي الحسن الموسوي الاصبهاني قدِّس سرُّه طبعت في طهران في هامش الوسيله.

و قد خرج من الطباعة والنشر عدّة كتب علمية و رسائل فتوائية لعمل المقلدين باللغة الفارسية من قلم أستاذنا المحقق المعظم له قدّس اللّه أسراره و نفعنا بعلومه.

الارتحال الى الملاء الأعلى

إنّ السيد الاستاذ المحقق ابتلى بضعف في بدنه الشريف قبل رحلته الأخيرة الى اصفهان ثم بعد عودته من سفره اشتد به الضعف شيئاً فشيئاً حتى أصبح مريضاً و نقل الى المستشفى و بق فيه هناك مدّة . قد زرته عائداً ومستودعاً له لأجل التشرف الى زيارة بيت اللّه الحرام و ذلك قبل سفري بيوم و قد استولى عليه الضعف والتشنّج أثر تزريق الدم به لكنه مع و وخامة حاله ابتدئنا بالسلام فسمعنا صوته و لم نتعقل مقصده إلّا بعد ذلك.

ثم انه ارتحل إلى عالم البقاء في غده أي يوم ( 18 - ذيقعدة الحرام - 1395 ه- ) فما انتشر نباء وفاته الا و بلدة الأهواز غاص بالواردين والوافدين ينثالون اليها من كل جانب من البلاد والمحافظات الأخرى الايرانية رافعين أعلام العزاء والرثاء هاتفين بالشعارات المحزنة معطلين

ص: 243

الأسواق و محلات التكسب والتجارة ، فكان يوماً مشهوداً مجموعاً له الناس لم ير مثله(1) و اقيم على روحه الطاهرة الفواتح والتأبينات في كل الأماكن والبلاد و رثاء الرائون بأشعارهم و قصايدهم باللغتين العربية والفارسيه.

و بعد تجهيزه و اقامة الصلوة عليه من قبل ولده الأكبر العالم الحجة السيد عبداللّه (مجتهد زاده) دفنوا جثمانه الطاهر في المقبرة الخاصة به التى أسّسها و أعدّها هو قدِّس سرُّه لنفسه في حياته و هي واقعة بجنب دار العلم في الأهواز و سرعان ماصارت البقعة مزاراً لكل وارد و شارد و ملجاءً لقضاء الحاجات وكشف الكربات و اجابة الدعوات . و بجنبه ولداه العالمان الفاضلان السيد جعفر الذي توفى قبل والده العلامة بسنة . والسيد عبداللّه . المشار إليه آنفاً الذي لحق بأبيه

و أخيه بعد سنين .

فرحمة اللّه عليه و عليهم رحمة واسعة و حشرهم اللّه مع أجدادهم الطاهرين و رزقنا اللّه شفاعة الاستاذ المحقق البهبهاني كما متّعنا بعلمه . إنّه قريبٌ مجيب . والحمد للّه رب

المؤلف(2).

المولف السيد على الشفيعي

ص: 244


1- شاهدت بلدة أهواز ثلاث مشاهد في ثلاث حوادث لم يكن لها الى الآن نظير و مثيل : 1 - يوم وفاة المرحوم الآية الحجة والمرجع العظيم في عصره و مؤسس الحوزة العلمية بأهواز - المرحوم الشيخ ميرزا جعفر الأنصاري الدزفولي المتوفى في 28 ذیقعدة الحرام 1370 ه- ( من أسباط الشيخ الأعظم الأنصاري الكبير ) قدِّس سرُّه. 2 - يوم وفاة السيد العالم الجليل والعلامة الحجة والد مؤلف هذا الكتاب . المرحوم السيد محمدرضا الشفيعي المتوفى 1384 ه- والمدفون في جوار المرقد المنسوب إلى علي بن مهزيار الأهوازي قدِّس سرُّه. 3 - يوم وفاة استاذنا المحقق آية الله البهبهاني قدِّس سرُّه كما اشير الى ذلك في متن الترجمة و كان هذا أعظم الثلثه.
2- و قد صنفت وكتبت عدة من المؤلفات فى ترجمة الاستاذ قدِّس سرُّه و نشرت في عديد من الصحف والمنشورات و فى مقدمة بعض تأليفات هذا العلّامة الكبير . و لكاتب هذه السطور رسالة في هذا المجال ( باللغة الفارسية ) اقتصرت فيها على نكات بديعة و حقايق ناصعة عما شاهدته بعيني من سماحته أو ما نقله لي واسطة واحدة من الثقات ( لا أكثر ) نرجوا من الله التوفيق لنشرها .

تأليفات مصنف الكتاب الحاضر باللغة العربيه منتشرة وغير منتشره

1 - الاحتكار . و ما يترتب عليه من الأحكام والآثار . طبع في ( 126 ) صفحة سنة 1419ه_ . ق.

2 - مشروعية ولاية الفقيه . نشر في مجلة التوحيد العربيه .

3- الأعلميّة في الحاكم الاسلامي و في مرجع التقليد . ألفّت بدعوة من مجلس خبراء القياده ( الدورة الثانية ) و طبعت في 192 صفحة سنة 1379 ه-.

4- دروس و بحوث في الفقه الجعفري . المجلد الأول . و يشتمل على أربع مسائل فقهية هامّة مشفوعة بالاستدلال واستيفاء جوانب البحث. طبع في سنة 1422ه- فى ( 176 ) صفحة .

5- تعليقات . على قسم من الكتب الدراسية الحوزوية . منها شرح ) اللمعة وكفاية الأصول و شرح المنظومة للسبزواري . كلها مخطوط.

6 - أساس الاجتهاد . ( ج 1 و 2 ) تقريرات دروس الأستاذ العلّامة آية الله العظمى الخوئي قدِّس سرُّه في مباحث الألفاظ و بعض مسائل البرائة والاشتغال . مخطوط .

7- أساس الفقاهه . تقریرات درس فقه الأستاذ العلامة الخوئي قدِّس سرُّه من كتاب الصلوة إلى آخر مسائل السجود . مخطوط .

8 - المكاسب والبيع . تقرير دروس الأستاذ البارع الفقيه آية الله السيد محمد جعفر الموسوي الجزائري ( المروج ) قدِّس سرُّه من مقدمة أبواب ألفاظ العقود إلى مبحث المثلي والقيمي . مخطوط.

ص: 245

9 - الاجتهاد والتقليد . تقرير دروس الأستاذ الفقيه ( المروج ) الجزائري شرحاً على قسم كبير من فروع العروة الوثقى . مخطوط .

10 - بدايع الاصول . تقرير دروس الاستاذ المحقق البهبهاني قدِّس سرُّه في حوزة الأهواز ( العلمية ) - و هو الكتاب الحاضر.

11 - أفادات الأعلام. تقرير عدة من مسائل الفقه والأصول والكلام والفلسفة والتفسير من أفادات الأساتذة العظام قدّس الله أسرارهم . مخطوط .

12 - الشرح الاستدلالى على تحرير الوسيله . خرج منه مباحث الاجتهاد والتقليد . صلوة المسافر . الخمس . الأمر بالمعروف . الجهاد . ولاية الفقيه. البيع والمكاسب. الحدود والتعزيرات . القصاص والديات ( 11 مجلداً ) كلها مخطوط.

13 - التعليقة الفتوائيه . على تحرير الوسيلة . مخطوطة و غير تامه.

14 - التعليقة الفتوائيه . على العروة الوثقى . مخطوطة و غير تامه.

كما و قد صدرت من قلم هذا المؤلف تأليفات كثيرةٌ باللغة الفارسية في مختلف المواضيع العلمية والاسلامية و قد طبع و نشر منها أكثر من (15) تأليفاً إلى حد الآن .

و نشرت منه ثمانية عشر مقاله تحقيقية ( باللغتين ) في المجلات والصحف الدينية والعلمية .

هذا والمسئول من اللّه القبول و حسن العاقبة.

ص: 246

الفهرس التفصيلى لمواضيع الكتاب

العناوين الصفحة

المقدمة ........................4

الفقه في اللغة والاصطلاح ..................7

مباحث ..................8

1 - معاني العلم العديدة و تحقيق الحق منها ......8

2 - معانى الحكم العديدة و تحقيق الحال فيها ......10

3 - المقصود بالفرعية في تعريف السابقين لعلم الأصول ....... 11

ورود اشكالين على تفسير ( الفرعيه ) .......11

الاشكال الأول .................11

الاشكال الثاني .................11

الجواب عن الاشكال الأول ...........11

الجواب عن الاشكال التالى ...........12

4 - تقييد العلم بحصوله من الأدله............ 12

5 - تقييد الأدلة بالتفصيليه ..........13

تعريف الدليل و تفسيره ...........13

6 - اشكال اتحاد الدليل والمدلول ............14

اشارة اجمالية إلى الكلام النفسي ..............15

بطلان الكلام النفسي ...................16

التحقيق في دفع أصل الاشكال في المقام ........16

تعريف الحكم بخطاب الله مأخوذ من الغزالي الأشعري ....17

تعريض بالمحقق القمي في جوابه عن الاشكال الوارد في المقام بالاجمال والتفصيل ..............17

7 - اشكال أخذ العلم في تعريف الفقه ............19

اشارة الى مسئلة انفتاح باب العلم ...........19

اجابة بعضهم عن أصل الاشكال بوجود .........21

الجواب الأول والايراد عليه ..................21

الجواب الثاني و هو للعلامه قدس سره و توجيهه .........21

بیان مراحل الحكم التكليفي ( التحقق والتعلق والتنجز )...22

الجواب الثالث ( تقسيم الحكم الى الواقعي والظاهري والمناقشة فيه )............. 22

تتميم . تنجز الحكم يتوقف على أمور أربعه ..........24

اشارة اجمالية الى عدم الحاجة الى مسئلة الترتب ......24

ص: 247

العناوين الصفحة

اشکال و جواب...........25

المفاهيم والمرادات ثلثة أقسام ...............26

حرف التعريف في ( الأحكام) هل هو للاستغراق أو للجنس؟..........27

الجواب عن السؤال ......... 27

8 - الأصل وأصول الفقه .......28

تحقيق في معنى الأصل ولفظه .............28

موضوع الأصول ................29

بيان الضابطة في تمايز كل علم عن باقي العلوم.....29

اعتراض صاحب الفصول لله والمناقشة فى اعتراضه...30

تحقيق في موضوع علم الأصول..........31

كلام بعض المتأخرين في موضوع العلم ........34

ملاحظات على الكلام المذكور ........34

اشکال و دفع ............36

فساد مانقل عن بعض من ان الموضوع ما يبحث فيه عن العوارض الذاتية أو عوارض العوارض ......37

نتيجة المقال .......38

الوضع ............39

أقسام الوضع. .......39

العجب من بعض المتأخرين ........40

تحقيق الحق في المقام .................40

اكمال . الاعلام قسمان شخصية و جنسيه ........41

المعنى الاسمي والمعنى الحرفي ............43

تعريف الاسم والفعل والحرف و ما يرد على هذه التعريفات ............ 44

الرد على صاحب الكفاية في قوله بوحدة المعنى في (من) و (الى)...........48

ان القضية على ثلاثة أقسام النفس الأمرية والمعقولة واللفظيه.............. 49

تفصيل المبحث بعبارة أخرى ...........50

بحث في فوارق الاسم والفعل والحرف......51

الاختلاف بين الماضي والمضارع ليس بالزمان ......52

ايجاب العقود والايقاعات لابد و إن يكون بلفظ الماضي................ 52

وجه عدم القدرة على انشاء مثل ما في القرآن الكريم ...52

ص: 248

العناوين الصفحة

اجکام اللالة و اقسامها............53

هل التقسيم في الدلالة ثلاثي أم ثنائي .........53

تبعية الدلالة للارادة و نقد مقالة التفتازاني.......54

الردود والنقود بين الأعلام لا يراد بها التكذيب والتوهين .....

....56

التفتازاني قد اشتبه عليه مراد المحققين.............56

مما ذكرناه علم أمور ...................57

1 - الجمع بين التفتازاني والمحققين بالنزاع اللفظي لا مجال له.......57

2 - كل من الأقسام الثلثة للدلالة متفاوت مع القسم الآخر......... 57

3 - إن النزاع بين النظام و غيره في ملاك الصدق والكذب نزاع في غير محله ..............58

المجاز فى الكلمة لا اعتبار له من أساسه .......59

4 - لا مجال للنزاع في ان وضع الألفاظ هل هو للموجود في الذهن أو لما في الخارج أو غير ذلك ........59

وجود الوضع للمركبات و عدمه ............60

ثمرة النزاع .................60

استعمال اللفظ فى فرده و نوعه و شخصه ........62

عدم امکان تصديق كلام النحاة والأصوليين......63

التحقيق ما أشار إليه ابن مالك فى الألفيه ........63

استعمال اللفظ في أكثر من معنى .............64

تعارض الأحوال ...............66

الحقيقة والمجاز ............69

انّ العلائق المرسلة لا تكون منشاءً لصحة الاستعمال ....70

الاتحاد بين المعنيين الحقيقي والمجازي له ثلاث مراتب...70

تحقيق معنى الاستعمال.............72

البحث عن علاقة الحال والمحل .......73

البحث عن علاقة السبب والمسبب .......74

الانتزاع قسمان انتزاع من حدوث وانتزاع من وجود....74

وجود المفعول لأجله في ضمن المفاعيل باطل لا أساس له ....75

محل البحث عن الابهام في المسند هو مبحث التميز لا المفاعيل........76

الحق في أكثر موارد الاختلاف ؛ مع الكوفيين لا البصريين ....... 76

علاقة العموم والخصوص .......76

ص: 249

العناوين الصفحة

عدم المجاز في المخصص المتصل بالعام .......77

التخصيص إنما هو في عموم الموضوع لا في عموم الحكم ......77

استعمال الخاص في العام ......78

الرد على استعمال الخاص في العام .......79

الوصف المأخوذ في موضوع القضية اللفظية على ثلاثة أقسام ........79

عدم كون العلائق المرسلة مصححة للتجوز........81

عدم أساس للقول بالتجوز في الكلمه ............82

الإنباء عن المسمى المسمى إنّما هو في عنوان المسى ابتداء.........82

انطباق عنوان المسمى على ذات المسمى بدلي لا شمولي.........82

تكملة - مسئلة بيانيه .........82

علائم الحقيقة والمجاز ..........83

1 - التنصيص ..................83

تنصيص أهل اللسان لا تنصيص الواضع .........83

حجية تنصيص أهل اللسان و عدمها . والظاهر هو الثانى ...84

2 - التبادر..................85

التبادر على ثلاثة أقسام حاقي و اطلاقي وانصرافي ......85

اشكال الدور و وجوه دفعه والمناقشة فيها........86

التبادر أيضاً لا يركن اليه في تشخيص الحقيقة .........86

فايدة - تشخيص التبادر الحاقي والاطلاقي أصعب من الانصرافي .............86

3 - صحة السلب و عدمها ........88

السلب على ثلاثة أقسام............88

هل ان صحة السلب علامة للمجاز مطلقاً أو هو سلب مخصوص...........88

صحة السلب ليس علامة المجازية و عدمها ليس علامة الحقيقه ...............89

4 - الاطراد ................89

عدم الاطراد دليل البطلان لا المجازيه ............89

الاطراد ليس دليل الحقيقة و لا المجاز بل إنما يفيد الجامع .......... 90

هجر استعمال لا يوجب نقل اللفظ عما وضع له الى غيره.........90

الوضع الجديد لا يوجب بطلان الوضع الأول ..........91

الترادف ........92

امكانه معلوم و وقوعه في الخارج غير معلوم ........92

ص: 250

العناوین الصفحة

تقسیم اللفظ.....................90

توجيه لكلام القائلين بالمناسبة الذاتيه ...........93

بعض الكلمات قد يلحق بكلام الله تعالى و بعضها قد يسقط الى أدنى مدارج السفاهة والحماقه ..........93

الاشتراك ...................94

لابد في الاضداد من قدر جامع .................94

لا مجال لانكار الاشتراك و أما اثباته مطلقاً ففي غاية الاشكال ........94

إنّ لفظ ( المولى ) لا يكون مشتركاً لفظياً .......94

الحقيقة الشرعيه.............95

اتباع رأي بعض المحققين انّ الشارع أوجد مصاديق للمفهوم اللغوي..............95

الفرق بين الرأي المختار و بين رأي الباقلاني .......96

الصحيح والأعم ......................96

هل الصحة تشمل الصحيح الجامع للاجزاء والشرايط أو الجامع للاجزاء فقط...............97

ان الصحة والفساد أمران متقابلان والتقابل فرع وجود الجامع................97

دعوى التبادر و ساير ما تمسكوا به بالنسبة الى الصحيح غير مسموعه ...........98

لا مجال لهذا النزاع و لا محل للتعدي الى المعاملات .....98

مبحث الأوامر......99

تعريف الأمر .................99

1 - هل للأمر صيغة تخصه بحيث متى تردّ في غيره كان مجازاً ...............102

2 - افادة الأمر للوجوب أو الندب أو غيرهما ......104

3 - مبحث الطلب والاراده - هل ان الطلب عين الارادة أو هو لازمها أو منفك عنها ... 105

4 - المرة والتكرار..................107

العموم والخصوص ...........109

اجزاء القضايا الخبرية أو الانشائية ثلاثة . الموضوع والمحمول والنسبه...........109

الخروج والتخصيص متعلّق بعموم الحكم .......110

تولد العموم الحكمى من العموم الموضوعى هل على وجه العلية التامة للعموم أو انه مقتض له ؟ .......110

ان عموم الحكم قد يفترق عن عموم الموضوع.....112

سريان المهية في الافراد ليس على سبيل العموم.....113

ابطال ما زعمه التفتازاني من عدم معقولية عروض العرض قبل الوجودا الخارجی................114

ص: 251

العناوين الصفحة

هل للعموم صيغة تخصه ؟ ..................115

الجمع المحلى باللام هل يفيد العموم وضعاً حيث لا عهد ؟.............115

الجمع المعرف والمنكر لا يتفاوت الوضع فيها إلا باعتبار مفاد اللام ..........115

الجمع المضاف ..............16

مقدار التخصيص ..........117

لا مجال لتحديد التخصيص و بيان مقداره إلّا .......118

التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ..........119

الحق في المقام التفصيل ...............119

قد يؤل الأمر الى التوقف ................121

الحكم بالتحيّض و عدمه في خصوص القرشية والنبطية ...121

المقصد الثانى فى الظن ....................123

نفي الحجية عن القطع لايتم على اطلاقه .........127

التنجز متفرّع على مرحلة التعلق و هي فرع التحقق ....128

الايراد على صاحب الكفاية في تقسيمه مراتب الحكم الى أربعة...............129

المفاهيم قسمان منشئة و غير منشئه ........129

الأحكام الظاهرية ليست إلّا التنجز والعذر.......130

تشريح مذهب ابن قبّه .............131

البحث عن وقوع التعبد بالظن و عدمه .........133

الاستدلال بالكتاب على عدم جواز التعبد بالظن والجواب عنه................133

الاستدلال بالسنة على عدم جواز التعبد بالظن والجواب عنه ...............134

الاستدلال بالاجماع و تأييده ..........134

الاستدلال بالعقل والنظر فيه............134

بحث عن سائر الأصول المؤسسة في المقام......135

مناقشة الشيخ الأعظم في اجراء الأصل والايراد على مناقشته ...........135

ما حكى عن المحقق الكاظمي و ايراد الشيخ عليه بوجهين...........136

استعمال لفظي الوجوب والحرمة في الوضعيات كالتكليفيات.....137

الصحيح التام من وجوه الأصل هو عدم حجية الظن .......139

الظنون الخارجة عن الأصل .........139

أصالة الحقيقة .............139

أصالة الحقيقة ليست من جملة الظنون الخارجة عن الأصل

..............139

ص: 252

العناوين الصفحة

بحث في تشريح قاعدة المقتضي والمانع .........140

جعل الاستصحاب امارة اذا أخذ من العقل واصلاً اذا أخذ من الشرع غير ظاهر الوجه.......141

مرجع جميع الأصول الى العلم ...............142

الحق انّ الاستصحاب حجة من باب احراز المقتضى....143 هل احراز المقتضى كافٍ أو لابد من مجامعته للحالة السابقه ؟................143

بعض الأمثلة في المقام . منها مسئلة أصالة اللزوم في العقود.........144

و منها أصالة الحقيقة و أصالة العموم و أصالة الاطلاق................144

ایراد العلامة النائيني على قاعدة المقتضى والمانع بوجوه ثلثه...........144

الجواب عن الوجوه المشار اليها .............145

قولهم ان العدم المضاف له حظ من الوجود غير صحيح...146

المناقشة في توجيه النائيني قدس السره لكلام الشيخ الأعظم

................148

اعتبار قاعدة المقتضى والمانع ثابت بدليل العقل و بناء العقلاء.............. 148

موارد بناء العقلاء .........148

الألفاظ موضوعة لمعانيها الحقيقيه .............149

أصالة الاطلاق والعموم تعتمد ان على قاعدة المقتضى والمانع.................150

أصالة اللزوم لا تستند الى الحالة السابقة بل الى قاعدة الاقتضاء والمنع ...........151

القاعدة معتبرة سواء انفكت عن الحالة السابقة أو قارنها ...151

تتميم نفعه عميم النسبة بين قاعدة المقتضى والمانع و بين الاستصحاب عموم من وجه .......152

الأصول الأربعة ترجع الى القاعدة و هكذا أصول أخر ...157

بقى شيئ .....................157

مورد اعتبار أصالة الحقيقة ..........159

ظواهر الكتاب .........160

تحقيق في الكتاب .............161

انّ للكتاب محكماً و مجملاً و متشابهاً ...........161

أول مترجم للكتاب هو خاتم الرسل و أوصيائه علیهم السلام.......162

مانسب الى الاخباريين من المنع عن العمل بظواهر الكتاب.........162

جواب الشيخ عن الروايات التي استدل بها الاخباريون......163

المناقشة في بعض أجوبة الشيخ الأعظم قدس السره......164

ص: 253

العناوين الصفحة

تنبيه استطرادي . فوائد جمة مستفادة من حديث الثقلين.............166

حديث المسح على بعض الرأس في رواية زرارة والمناقشة في جواب الشيخ الأعظم .......................167

تنبيه . هل كيفية سؤال زرارة ينافي أدبه مع الامام علیه السلام؟..................168

تتميم نفعه عميم - التعرض لجهة أخرى من آية الوضوء.............168

هل اتفاق أهل اللسان على أمر حجة أو لا ؟ ......169

البحث عن الآيات الشريفة المستدل بها على حجية الظواهر .........172

مسئلة المسح على المراره ......173

مسئلة القصر والاتمام ........174

تتمة مهمه .........178

الثاني من وجهي المنع عند الاخباريين عن العمل بظواهر الكتاب .......179

نتيجة المبحث ظواهر الكتاب ثابتة لكن ليست بحجة من دون مراجعة المعصوم ...............179

تحقیق مقالة السيد الصدر ...........180

الاجماع ................182

عدم الملازمة بين حجية الخبر و حجية الاجماع المنقول به في نظر الشيخ الأعظم .............182

تمسك الشيخ الطوسي بقاعدة اللطف ...........183

المناقشة فى التمسك المذكور.........183

رأي السيد المرتضى والمناقشة فيه ............184

القول بالكشف والايراد عليه ...........184

الشهرة ............185

منشاء توهم حجیة الشهرة الفتوائیه..... 185

عدم الاعتبار بالشهرة............185

لا يبقى مورد خارج عن الأصل سوى الشك في الأخيرتين من الرباعية .................186

مسئلة ابن العم الأبويني مع العم الأبي في الميراث......186

خبر الواحد ........188

اثبات الحكم الشرعي بالاخبار يتوقف على ثلاث مقدمات....189

عدم تمامية ما أفاده الشيخ الأعظم قدس سره.......189

وجوب العمل بالاخبار المدونة فى الكتب المعروفه ....190

أدلة حجية خبر الواحد - 1 - آية النباء......192

المناقشة فى التمسك بالآية الشريفه ........192

مجرد ذكر الوصف لا يعطى المفهوم إلا فيما كان عنواناً للحكم .............193

ص: 254

العناوين الصفحة

2 - آية النفر . نقل كلام الشيخ الأعظم والاشكال فيه............... 195

آية النفر تدل على وجوب قبول الروايه..........195

3 - آية الذكر - الخدشة في الاستدلال بها......196

المراد بالعلم هو السكون والاطمينان ......199

بقاء اعتبار الروايات وصحتها الى زماننا الحاضر......199

الظن في أصول الدين ..............201

الأقول في اعتبار الظن في أصول الدين ستة ......201

كلام صاحب القوانين ثقس سره...........202

الاعتقاد اللازم في أصول الدين هو الالتزام و لا يكفى مجرد التصديق .............204

تتمة مهمّة هل الاسلام والكفر نقيضان أو ضدّان ؟ .....204

خاتمة الكتاب .............205

الملاحق ..............207

(1) كتاب الصوم ..........209

الأمر الأول - في فضيلة الصوم .........209

کلام صاحب المعالم والبحث فيه .........211

تحقيق في معنى الصوم ...............211

الأمر الثاني - هل ان الصوم أمر عدمي ؟ ......214

الأمر الثالث - هل النية في العبادات جزء أو شرط ؟................215

الأمر الرابع - النية اخطار بالبال أو داع الى العمل ؟.....216

الأمر الخامس - هل يعتبر قصد الوجه والتمييز أم لا ؟ ...217

البحث عن مفطرات الصوم - قدس سره- الأكل....220

(2) بطلان الوجود الذهني ..........222

(3) تحقيق حول قاعدة بسيط الحقيقة.......226

(4) بطلان المسانخة بين العلة و معلولها........228

(5) بحث في تقسيمات الكلي ....229

مصادر الكتاب و مراجعه......231

قبس من ترجمة آية الله البهبهاني قدس سره......233

بعض تأليفات المصنف ( المقرر )..........245

الفهرس التفصيلي لمواضيع الكتاب..........247

شکر و تقدیر 256

ص: 255

(شکر و تقدیر)

في الختام أقدّم جزيل شكري و فائق تقديري إلى الأعزّاء المكرمين المساهمين في طبع الكتاب و نشره و أَخصُ منهم بالذكر :

1 - نتيجة الأعلام و سليل السادة الكرام ( السيد نورالدين مجتهدزاده ) حفيد أستاذنا العلامة المحقق قدِّس سرُّه والمتولى الشرعي لمدرسة جدّه العلمية الدينية المشتهرة ب- ( دارالعلم آية اللّه البهبهاني في مدينة الأهواز ) و ذلك لمساعدته و بذله مصارف طبع هذا الكتاب الشريف.

2 - الأخ العزيز الحفي ( علي طرفيان ( مسئول مؤسسة الوحيد . على تنضيده لحروف الكتاب و إخراجه الفنّي .

3 - الأخ الناشر المؤيد المسدد ( حسین حسین نژادیان ) مدیر (انتشارات خوزستان) في قيامه بطبع الكتاب و تحمل مشاكله و متاعبه.

4 - أصحاب مطبعة ( الهادي ) في قم المقدسة المحترمين على تأدية مسؤليّتهم في طبع هذا الأثر القيّم.

5 - ولدي البرّ الوفي العالم الفاضل ( السيد محسن شفيعي ) حيث كان ولايزال يساعدني في تنظيم تأليفاتي بل في عامّة أموري و شؤني جزاه الله خير مايجزي ولداً عن والده .

فلهؤلاء ( و غيرهم) منّي الشكر المتواصل على ما بذلوه من

مساعدات و تحملوه من مشاق في رفع النواقص وجودة الطبع و حسن الاخراج والسلام عليهم و على اخواني من أهل العلم و أرباب الفضيلة و رحمة الله و بركاته .

المؤلف

ص: 256

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.