مباحث في المنظومة الروائية الشيعية

هوية الکتاب

مباحثٌ في

المنظومة الرّوائيّة الشيعيّة

تأليف: آية الله السيد علي الموسوي السبزواري.

الناشر: دار الهلال.

الطبعة: الأُولى (1000 نسخة).

التاريخ: 1439 ه-.ق / 2017م

© جميع الحقوق محفوظة للناشر

ص: 1

اشارة

مباحث في المنظومة الروائية الشيعية

ص: 2

محفوظة جمیع الحقوق

الکتاب...مباحص فی المنظومة الروئیة الشیعیة

تألیف...آية اللّه السيد علي الموسوي السبزواري

الناشر...دار الهلال - النجف الأشرف

الطبعة...الأولى (1000) نسخة

تاريخ الطبع ...1439 ه. ق / 2017م

ص: 3

مباحث في المنظومة الروائية الشيعية

آية اللّه السيد علي الموسوي السبزواري

ص: 4

بِسمِ اللّهِ الرَحمنِ الرحیمِ

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه لا قَالَ:

«إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَماً وَلَا دِينَاراً ، وإِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ، فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَظَاً وَافِراً؛ فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هَذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ، فَإِنَّ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي كُل خَلَفٍ عُدُولاً يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ َوانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».

[ الكافي (ط - الإسلامية)؛ ج 1 ص 32]

ص: 5

ص: 6

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين.

وبعد:

هذه البحوث في المنظومة الروائية، قد أفدتها من السيد الوالد(قدس سره)؛ في محضر دروسه الفقهيّة والأصولية، ومن خلال طرح هذه الموضوعات عليه في مجالسه الخاصة.

وهي أيضاً من من نتائج مطالعاتي الكتب الفقهيّة لمشاهير علمائنا الماضين (رضوان اللّه عليهم أجمعين)، وبعض الكتب الرجالية. وقد عرضتها على سبيل الإيجاز، فالتفصيل موكول إلى أهل التحقيق من طلاب العلم، لعلَّ اللّه تعالى ينفع بها من كان مرتاداً لهذا الطريق، ويهدي بها من اتَّخذ التشكيك في هذه المنظومة سبيلاً، وهو سبحانه بالإجابة جدير ، وهو الموفق والهادي للصواب.

علي الموسوي السبزواري العاشر من ذي القعدة الحرام 1438 ه

ص: 7

ص: 8

المدخل

التحميد والتسبيح والتعظيم والتقديس للّه؛ الاسم الأقدم والنور الأعظم، العليّ العلّام ذي الجلال والإكرام، ومنشئ الأنام ومفني العوالم والدهور، وصاحب السرّ المستور والغيب المحظور، والاسم المخزون والعلم المكنون.

وصلواته وبركاته على مبلغ ،وحيه ومؤدي رسالته؛ الذي ابتعثه بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللّه بإذنه وسراجاً منيراً؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، فعليه وعلى آله من بارئه الصلوات الطيبات، والتحيات الزاكيات الناميات. وعليه وعليهم السلام، والرحمة والبركات في الماضين والغابرين؛ أبد الآبدين ودهر الداهرين، وهم أهله ومستحقه.

أمّا بعد:

فإنَّ المنظومة الروائية عند الإمامية الإثنا عشرية مؤلفة من:

1 - الروايات سنداً ومتناً.

2- مجموعة كتب الأحاديث والروايات، سواءً تلك التي ألفت في عصر الأئمة الطاهرين(علیهم السلام)أم تلك التي ألفت في عصر الغيبة.

ص: 9

3- التقويمات الرجالية التي صدرت في عصر الحضور، أو التي حصلت من العلماء بعده من الذين أحسوا بكثير من القرائن والشواهد والملابسات التي لها دخل في تلك التقويمات.

وقد امتازت هذه المنظومة من غيرها الموجود في سائر لمذاهب بمزايا متعددة، أفاضت عليها الدقة والوثاقة والتحقيق والعمق؛ مِمّا سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

ولا ريب أنَّ في هذه المنظومة جوانب متعددة من البحث والتحقيق، وقد أفرد العلماء لكل منها علماً خاصاً به؛ فقد أفردوا للجانب الروائي - سنداً ومضموناً - علم الدراية. وللكتب الروائية والتقويمات الرجالية علم الرجال. وللجانب الفقهي عِلم الفقه وللجانب العقائدي علم الكلام.

ونحن في هذه الدراسة نبحث في الجوانب الثلاثة الأولى تحت عنوان علم الرجال.

والمزايا التي يمكن استخلاصها من هذه البحوث هي:

1 - سعة المعرفة.

2 - النزاهة.

3- الدقة والعمق.

4 - التحقيق.

5 - اجتماع جميع الشروط المطلوبة في البحوث العلمية؛ فاكتملت المنظومة.

ومع توافر تلك الصفات المطلوبة في البحث العلمي، فإنَّ هذه المنظومة لم

ص: 10

تسلم من النقاش على مرِّ العصور، وهو أمرٌ متعارف عليه في العلوم والمعارف،إذا كان يرجع إلى بعض المفردات وبعض موارد التطبيق، وقد تصدّى العلماء للجواب عنها؛ كما يظهر للمتتبع في هذا العلم.

إلّا أنَّ الذي حدث في عصرنا الحاضر أن وقع العلم كله في مورد الإشكال والاستهانة بجهود العلماء الكبيرة؛ فإنَّه مرفوض لا ينسجم مع القواعد العلميّة.

فقد رفع بعض من لا خبرة له،ولا باع في التحقيق العلمي عقيرته؛ فانهال على هذا العلم بأنواع التشكيك والشبهات؛ ولعلَّ بعضها يرجع إلى فكرة الحداثة التي سيطرت على عقول بعض الناس، فصاروا يشككون في كلِّ تليد وطارف،من دون التفكر في أنَّ العلوم التي وصلت إلينا هي حصيلة جهود العلماء المحققين،وقد مرَّت بتجارب علميّة دقيقة ومراحل،وكانت في كلِّ مرحلة مورد تمحيص خبراء هذا العلم والفن وتدقيقهم. والإنسان وإن لم يسلم من الخطأ، ولكنه يستفيد من تجارب الماضين، ولا سيما تلك التي وقعت في مورد اختبار العلماء، الذين أحاطوا هذا العلم بالرعاية العلمية بجدٍّ وإخلاص ونزاهة عن معرفة كاملة؛ فإنَّ ذلك أمر يقبله العقل السليم، ويعرفه من له أدنى خبرة في العلم.

فإنَّ جعل مثل هذه العلوم بعد مرورها بتلك التجارب الصعبة والامتحانات الدقيقة في مهب الريح من قبل ثلَّة مِمَّن لا يعتقد بها؛ لمجرد التشكيك وإيقاع الشبهة في النفوس، وتلبيس التشكيك بعبارات خلابة تنبئ عن الحداثة؛ أو أنَّه من نوع التحقيق، وتنكر الثوابت العلمية بلحاظ أنَّ كلَّ شيء قابل للتغيير والنقاش فهم إذا كانوا على حظٍّ من العلم لا يمكنهم القول بذلك، لأنهم فشلوا في إقامة البراهين والدلائل على مزاعمهم، فلا القديم قد أخذوا به، ولا الجديد قد أثبتوه بدليل قويم.

ص: 11

ونحن لا ننكر - بحسب قواعد المنهج العلمي المتبعة في العلوم - أنَّه لابدَّ أنْ يقوم كلّ علم أو بحث علمي يراد قبوله والإعتقاد به على القواعد العلمية والأدلة الصحيحة المقبولة. ولا ننكر التقدم العلمي والرقي الفكري الذي كشف لنا عن كثير من الحقائق، وأزال جملة من الأوهام في العلوم والبحوث العلمية، وميَّز الصحيح من السقيم، لكن ذلك كلّه ليس على حساب إنكار أصل المعرفة والعلوم؛ كما هو واضح.

وهذا هو الذي إتَّبعه هؤلاء في مثل هذا العِلم؛فقد طعنوا هذه المنظومة الروائية بأنواع الطعون والتشكيكات التي لا ترجع إلى محصل؛ كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى. وبعضها مجرد أوهام وشبهات قديمة قد عفا عليها الزمن، وفندها أصحابنا المتقدمون بما لا مزيد عليه.

لقد تعدّى بعضهم وقال بمراجعة الكتب الأربعة،ولاسيما كتاب الكافي وتهذيبه؛ متجاهلاً القواعد العلميّة ومعرضاً عن جهود العلماء على مر العصور في تحقيقاتهم ومعاملتهم هذه الكتب ومتغافلاً عن الآثار السيئة التي تترتب على مثل هذا القول.

وقال آخر بما يرتبط بكتاب البحار:إنَّه يُرمى في البحار،معتدياً بذلك على سُنَّة المعصومين(علیه السلام) وراداً عليهم ؛ وهو يعلم - إذا كان قد قرأ الأخبار الواردة عنهم - بأنَّ الردّ عليهم ردّ على رسول اللّه(صلی اللّه علیه واله وسلّم)، والردّ عليه ردّ على اللّه تعالى.

و قا ثالث متهجِّماً على التقويمات الرجالية بأنها مراسيل لا يمكن الاعتماد عليها.

وقال رابع بلزوم الاجتهاد في علم الرجال، متناسياً أنَّ الاجتهاد الحدسي المصطلح عليه في الفقه وغيره لم يكن مقبولاً عند الجميع في هذا العلم، وأمّا

ص: 12

الاجتهاد الحسي فهو غير ممكن بعد مرور الدهور الطويلة، وخفاء القرائن والشواهد ،الحسيّة، وزوال الملابسات التي يمكن الاعتماد عليها. والاعتماد على ما استُحدِث منها بعد عصر تدوين الروايات لا يغني شيئاً ويأتي التفصيل.

وغير ذلك من الآراء الواهية التي تُنبئ عن فكرة الحداثة التي يتبعها أهل هذا العصر؛ التي فقد فيها كلّ القواعد العلمية والقيم الأخلاقية؛ وإن كان بعضهم يضفي عليها لباس الدين، وهي تكشف عن انعدام التحقيق العلمي الرصين الذي اتَّبعه علماء في بحوثهم وكتبهم، وبه امتازوا من غيرهم من علماء سائر المذاهب.

ونحن في هذا الكتاب نبحث في أسس علم الرجال وقواعده، ونذكر بعض الشبهات والقرائن والشواهد التي اعتمد عليها علماء هذا الفن في تحديد الوثاقة والتوثيق والتقويمات الرجالية وغير ذلك مما يرتبط بهذا الموضوع على سبيل الاختصار؛ فالتفصيل موكول إلى أهل التحقيق. والكتاب يتضمن أربعة عشر مبحثاً.

ص: 13

ص: 14

المبحث الأول الغاية من علم الرجال

المبحث الأول الغاية من علم الرجال

ص: 15

ص: 16

لا ريب في أنَّ هذا العلم مطلوب بنفسه ومطلوب لغيره؛ فقد اجتمع فيه جهتان من البحث:

الجهة الأولى:دراسة علم الرجال من أجل الاعتبار والاستفادة من أحوالهم وتجاربهم وعيشهم في تلك الظروف الصعبة التي مرَّت عليهم، وكيفية معاملة سلطات عصورهم التي لم تكن على صلح ووئام معهم؛ إنْ لم نقل أنَّهم كانوا على طرف التعدي والظلم عليهم كما هو واضح لكل من راجع هذه الحقبة من التاريخ.

ونستفيد من أحوالهم التي عاشوا فيها في كيفية معاشرتهم الأئمة الطاهرين المعصومين(علیهم السلام) عالما وزملاءهم من أصحاب الأئمة وسائر الناس.

ولا ريب أنَّ هذه الدراسة مطلوبة لذاتها،ولا يصح التغافل عن فوائدها،وثمراتها الطيبة في سلوك المتأخرين؛ فإنَّ الاستفادة من تجارب الماضين حسن عقلا وشرعاً، وقد دلت النصوص الشرعيّة على السير في الأرض والاستفادة من أخبار الأمم في تقويم السلوك،ولا سيما أن أصحاب الأئمة الطاهرين وشيعتهم المخلصين وعلماء هذه الطائفة كانوا على درجات عالية من الأخلاق

ص: 17

الكريمة وقمة الوفاء لأئمتهم والتسليم لتوجيهاتهم(علیهم السلام)،وقد بذلوا غاية جهدهم في سبيل حفظ دينهم ومذهبهم، فضربوا أروع الأمثلة في هذا الطريق. فإنَّ جميع ذلك حسن وجدير بالدراسة والاستفادة منه وتطبيق منهاجهم؛ ف إنَّه كان على مرأى من سادتهم ومسمع منهم، فلا يصح التغافل عنها وعن تطبيقها في حياتنا العلمية والعمليّة.

فإنَّ مثل هذه الدراسة لعِلم الرجال متَّفَقٌ عليها، ويندب إليها العقل والشرع بلا إشكال.

الجهة الثانية: دراسة علم الرجال وبحثه من أجل توثيق الروايات والكتب الروائية التي وصلت الينا وتقويم الرواة ولا ريب في لزوم مثل هذا البحث وجداناً؛ صوناً للأخبار من الدس والتزوير والتحريف، وحفظاً لتراث الأئمة الهداة(علیهم السلام)من الضياع. وغير ذلك من الغايات التي لا تخفى على الخبير . ولا يمكن إنكار ذلك، ولا أظن أنَّ أحداً يجادل في أصل لزومه، إلّا أنَّ الكلام في مقدار هذه الدراسة وكيفيتها، وفي طرق الوصول اليها . وبعبارة أخرى في المنهج الذي يمكن الاعتماد عليه في إثبات تلك الأمور التي ذكرناها.

ولا ريب في أنَّ مثل هذا العلم لا بدَّ أن يُبتنى على قواعد وأسس علمية لا يمكن تخطيها؛ وعليها تقوم هذه الدراسة.

ص: 18

المبحث الثاني في أسس علم الرجال

ص: 19

ص: 20

المبحث الثاني في أسس علم الرجال

لا ريب في أنَّ من يراجع كتب التراجم ومؤلفات الرجاليين؛ بل كتب التاريخ عموماً؛ يلحظ تنوع المقاصد من دراساتهم ومؤلفاتهم تلك، فإنَّه لم تذكر شخصيّة أو حادثة في كتبهم إلا وهم يبحثون عنها من جهات عديدة وزوايا مختلفة؛ طلباً منهم للوصول إلى الأقرب إلى الصواب فيها.

فإنَّه من تراكم تلك البحوث تتعين ملامح وخصوصيات ما يؤرخ له، وعلى هذه القاعدة العلمية لا بدَّ أن يعتمد كلّ باحث في بحثه الرجالي.

واستناداً إلى هذه القاعدة لا بد من مراعاة الأمور الآتية:

أولاً: أن يصنّف ما يجد من المعلومات ويبحث في ملابساتها وأسسها.

ثانياً: إرجاع تلك المعلومات إلى مصادرها التوثيقية لمعرفة الصحيح منها والخاطئ.

ثالثاً: تعرف أحوال المؤرخ والرجالي للوقوف على نقاط قوته أو جهات ضعفه؛ وسائر خصوصياته التي لها الدخل في مهنته ودراسته.

رابعاً: دراسة انتماءاتهم، وشخصياتهم، التي تؤثر في تقويماتهم الرجالية.

ص: 21

وفي ضوء تلك الأمور يمكن حلّ بعض رموز هذه الصنعة العلمية التي تحملها هؤلاء العلماء في سبيل تزويد الأجيال اللاحقة بما سبق من حوادث وشخصيات.

ولكي يتضح ما ذكرناه نأخذ كتاب النجاشي الذي يُعد أحد أهم كتب الرجاليين ومؤلفه الشيخ الأقدم والرجالي المشهور بالثقة والإتقان؛ نجده يتعرض لما ذكرناه بوضوح، فقد تنوّع عنده القصد والمراد في تراجمه للرواة والعلماء، فهو مثلاً يذكر:

1- توثيق الاسم والكنية واللقب.

2- توثيق بلد الراوي واستيطانه.

3- توثيق من روى عنه الراوي أو طبقته.

4- توثيق من روى عن المترجم له.

5- توثيق روايات الراوي.

6- توثيق كتب الراوي ومؤلفاته.

7- توثیق سند كتب الراوي ورواياته.

8- توثيق الجانب الكمّي والكيفي من رواياته.

9- توثيق حاله من حيث الوثاقة أو الضعف.

10- توثيق عقيدته.

وغير ذلك من الجوانب التي لها التأثير في حال الراوي، ومكانته العلميّة، ومعروفيته بين الشيعة وعلمائهم.

كلّ ذلك من أجل تثبيت الشخصيّة، وأحوالها المؤثرة في هذا المجال.

ص: 22

المبحث الثالث لحاظ دراية الرجالي ومعرفته بتلك الجهات

ص: 23

ص: 24

المبحث الثالث لحاظ دراية الرجالي ومعرفته بتلك الجهات

إنَّ الرجالي الذي يبحث عن أحوال الرواة؛ لابد أن يكون على معرفة بتلك الأحوال، ويذكرها عن دراية تامة، وهذا الأمر ممّا يقتضيه المنهج العلمي والجميع يعترفون بذلك؛ بل يتعهد كل رجالي أن يكون كذلك في بداية عمله ومؤلفه، والإشكال في ذلك هو :

إنَّ الموجود في كتب الرجال أنهم لم يلتزموا ذلك، فيذكرون الشواهد والجهات على نحوين:

الأول: الالتزام في بعضها بدقة وإتقان؛ مقروناً بالأسانيد والشواهد، ولاسيما الكتب المنسوبة لأصحابنا، والروايات المنقولة عنهم، ورواتها.

الثاني: ما يذكرونه كأنَّه أمر مسلّم عندهم، وينقلونه عن شيوخهم وأسلافهم، وهذا النحو هو الأكثر عندهم في الكتب الرجالية، ومع ذلك فإنّهم يعاملون هذا الصنف كأنَّه أمر مركوز متداول بينهم، ممّا يكشف عن أنَّ لهم سبيلا معيناً غير ما هو مألوف في باب الشهادات.

ولا ريب أنَّ هذا ينافي تصريحهم في بداية أعمالهم الرجالية بالتزام ذكر الطرق إلى أرباب الكتب وإسناد الروايات فلابدَّ أنْ يكون لهذا التفاوت

ص: 25

العلمي نكتة علميّة؛ وليست هي إلّا ما ذكرناه من أنَّ لهم سبيلاً معيناً في ذلك. وسيأتي مزيد بيان لذلك.

ص: 26

المبحث الرابع في أساس عمل الرجالي

ص: 27

ص: 28

المبحث الرابع في أساس عمل الرجالي

لا ريب أنَّ الاساس الذي يعتمد عليه علم الرجال في نقل أحوال الرواة للأحاديث، والكتب الروائية إنما هو التوثيق والوثاقة في النقل.

وقد بذل علماء الرجال الجهد الكبير في هذا السبيل، ولا سيما بعد معاناة الشيعة من أعدائهم، ومقاساتهم الظلم والعدوان، فقد مروا بمراحل متعددة،وكانت الوسيلة في الوصول إلى تلك المنظومة تختلف من مرحلة إلى أخرى.

ففي مرحلة كانت الشيعة في غنىً عن التوسيط، لأنهم كانوا يأخذون الأحكام الشرعيّة، والمعارف الإلهية، من الأئمة الهداة (علیهم السلام)مشافهة ؛ قال المحقق القمي:«كانوا مشافهين لهم،ومخاطبين بخطابهم، وعارفين بمصطلحهم،واجدين للقرائن الحالية والمقالية،عالمين لبعض الأحكام بالضرورة والبداهة،آخذين ما لا يعلمون من كلماتهم ...... فكان نقلهم الأخبار إلى الآخرين في زمانهم،حملهم لها إليهم، فهو أيضاً لا يشبه الأخبار الموجودة عندنا؛ فإنَّه كان أسباب الاختلال والاشتباه قليلاً»(1).

ص: 29


1- قوانين الأصول (ط . الحجرية)، ص 472 .

والمهم في هذه المرحلة هو تعيين الثقة في روايته،وكانت أسئلتهم من الأئمة(علیهم السلام)تنصبُّ على ذلك، كما ورد في يونس بن عبد الرحمن، وما ورد في أنَّ العمري وابنه ثقتان،وغير ذلك، فلم نرَ في هذه المرحلة غير سرد أسماء بعض الرواة الثقات،واتَّصفت دراستهم في هذه المرحلة بالسذاجة.

وفي مرحلة أخرى اشتدَّ الظلم والضغط على الشيعة، ما استدعى أنْ تتّصف محاولات العلماء بالفنية والمهنية من السرد والتمييز والتصنيف؛ دفعاً لمحاولات الأعداء الدسّ والتزوير في أحاديث أهل البيت(علیهم السلام)، فكان اهتمام العلماء الكبير في هذه المرحلة للتشديد على عنصر الوثاقة في الراوي وتوثيق الروايات؛ حتى أصبح هذا العنصر هو الأساس في بناء هذه المرحلة وما بعدها.

ولا ريب أنَّ ذلك مما عليه بناء العقلاء في أخبارهم ومحاوراتهم، وهو من الثوابت الشرعية. وهكذا يظهر أنَّ الشيعة في جميع المراحل التي مرت عليهم إنَّما اعتمدوا على هذه القاعدة وهذا العنصر المقوّم للعمل بالمنظومة الروائية، إلّا أنَّ امتياز هذه المرحلة من غيرها إنَّما كان في شدة التثبت وأخذ الحيطة والتأكيد التام لهذا العنصر ؛ فقد كان أئمة أهل البيت(علیهم السلام)في عصر حضورهم يراقبون تراثهم،ويحذرون أصحابهم من فتن المعاندين، ويحثونهم على الرجوع إلى الثقات، ويبينون أهمية هذه المرحلة وخطورتها، ويرشدونهم إلى القواعد والأحكام التي لا بدَّ من الأخذ بها إذا وردت عليهم أخبارهم؛ والأخبار في ذلك مستفيضة.

ففي الخبر المروي عن مسلم بن أبي حية قال:

«كُنْتُ عِنْدَ أَبي عَبْدِ اللَّه(علیه السلام)فِي خِدْمَتِهِ، فَلَا أَرَدْتُ أَنْ أُفَارِقَهُ وَدَعْتُهُ وقُلْتُ: أُحِبُّ أَنْ تُزَوِّدَنِ. فَقَالَ: انْتِ أَبَانَ بْنَ تَغْلِبَ فَإِنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنِّي حَدِيثًا كَثِيرًا فَمَا

ص: 30

رَوَاهُ لَكَ فَارْوِهِ عَنِّي»(1).

وفي التوقيع الرفيع:

«لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَوَالِينَا فِي التَّشْكِيكِ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نُفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا وَنُحَمِّلُهُمْ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ»(2).

وفي رواية ابن المهتدي عن الإمام الرضا(علیه السلام)قال :

«سَأَلْتُ الرِّضَاء(علیه السلام)فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَلْقَاكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَعَمَّنْ آخُذُ مَعَالَم دِينِي؟ فَقَالَ: خُذْ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ»(3).

وروى الكليني(قدس سره)عن أبي الحسن(علیه السلام)في العمري:

«الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي،فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي،وَمَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ،فَاسْمَعْ لَهُ وأَطعْ فَإِنَّهُ الثَّقَةُ الْمَأْمُونُ»(4).

ومثله قول أبي محمد(علیه السلام):

«الْعَمْرِيُّ وَابْنُهُ ثِقَتَانِ، فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، وَمَا قَالَا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ، فَاسْمَعْ لَهُمَا وَأَطِعْهُمَا، فَإِنَّهُمَا الثَّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ»(5).

ونحو ذلك من الأخبار التي تدلُّ على ما ذكرناه؛ حتى صار من الأوليات المركوزة في نفوس الشيعة بما لا يقبل الشك، ومن أولويات العمل الرجالي.

ص: 31


1- وسائل الشيعة (آل البيت)؛ ج 27 ص 147.
2- وسائل الشيعة (آل البيت)؛ ج 27 ص 150 .
3- المصدر السابق ص 148 .
4- المصدر السابق ص 138.
5- المصدر السابق.

قال شیخ الطائفة(قدس سره)قال:«إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار؛ووثقت الثقات منهم وضعفت الضعاف، وفرَّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يُعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم،وقالوا:فلان متّهم في حديثه وفلان كذاب .. وغير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنفوا في ذلك الكتب»(1).

وقال الشيخ إبن قولويه(قدس سره):«وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره،لكن ما وقع لنا من جهة الثقات عن أصحابنا رحمهم اللّه»(2).

وغير ذلك من أقوال العلماء.

والمستفاد من جميع ما ذكروه: أنَّ عنصر الوثاقة من أُسس العمل بالروايات وأولويات العمل عند الرجاليين.

ويمكن القول:إنَّ العمل بأخبار غير الثقات من السفاهة التي تدلُّ عليه فطرة العلم والعلماء.

ومن جميع ذلك يظهر بطلان ما ادعي في المقام من المواعدة(3)،أو أنَّ ما انتهت إليه كتب الرجال لم يكن على أساس عقلي أو شرعي، وهما شبهتان مردودتان من جهات عديدة.

أما شبهة المواعدة؛ فإنَّها لا تستحق الذكر، إذ كيف تحصل المواعدة بين العصور المتمادية والأشخاص المتباعدين مع عدم إمكان تواصلهم في ظل الظلم

ص: 32


1- العدّة في أصول الفقه ؛ ج 1 ص 141.
2- کامل الزيارات؛ ص 4 .
3- التي يقصد بها أن يتواعد جمع على وضع الأحاديث.

والعنف والضغط السياسي على الطائفة.

هذا مع أنَّ المواعدة لا يمكن تصورها بين أهل الدين والورع والتقوى؛ فادّعاء المواعدة ليس إلا من الكذب المحض والبهتان؛ ولعلّ من أرسلها اعتمد على كتب العامة وشاهد فيها الطعن والتجريح في رواتنا نحن معاشر الإمامية؛ فإنَّه مع كون هذا الطعن والتجريح فاقدين لشروط البحث العلمي المعروفة عند العلماء فإنَّهما مطعونان أيضاً؛لأنَّ الإستهداف فيهما معلوم لكل من يراجع كتبهم في هذا العلم ومع ذلك فإنّه ليس كل رواتنا كذلك فإن كثيرا منهم ممدوحون في كتب العامة،وكلام الذهبي فيما يترتب على عدم قبول هؤلاء الثقات معروف عندهم فراجع.

وأما الشبهة الثانية؛ فإنَّه سوف يأتي الكلام فيها، وتعلم أنّها أوهن من بيت العنكبوت.

والحاصل:إنَّ الطائفة قديماً وحديثاً قد أجمعت على العمل بما يرويه ،الثقات، وتدلُّ عليه الأدلة الكثيرة، وقد ذكر الشيخ الطوسي(قدس سره)في مواضع متعددة:«إنَّ عمل الطائفة قائم على الأخذ بروايات من تثبت وثاقته وإنْ خالفهم مذهباً، وعلى هذا الأساس عمل الأصحاب بما رواه بعض الفطحيّة مثل عبد اللّه بن بكير، وبعض الواقفية مثل سماعة بن مهران ومن انحرف بعد الاستقامة؛ حيث يؤخذ بما رواه في حال استقامته كما أن بعض رواتنا من العامة؛ مثل الفضيل بن عياض، ويحيى بن سعيد القطان».

ص: 33

ص: 34

المبحث الخامس قواعد علم الرجال

ص: 35

ص: 36

المبحث الخامس قواعد علم الرجال

بعدما اتَّضح أنَّ عنصر الوثاقة والتوثيق من الأولويات عند الشيعة في نقل الروايات والعمل بها ومن أولويات علم الرجال؛ بل هو أساس تراث أئمة آل البيت(علیهم السلام)، وقد أسسوا لهذا العلم قواعد وضوابط خاصة به تميّزه من سائر العلوم الدينية كالفقه وغيره؛ ليكون أكثر مهنية وأقرب إلى الواقع العملي.

نذكر المهم من هذه القواعد:

الأولى: المحافظة على جميع أسماء من روى عن المعصومين(علیهم السلام)وكتبهم وتصانيفهم بأدقّ ما يُلحظ في هذا المجال، وقد عرفت آلية ذلك في المبحث الأول المتقدم؛ فراجع.

الثانية: تصنيف الرواة بحسب الطبقات، وهذا أيضاً من أهم موجبات الاستيثاق بهم.

الثالثة: تأليف الكتب المتخصصة بالمصنفين وتصنيفاتهم المسماة (الفهرست).

الرابعة: تأليف الكتب المتخصصة بالرواة وتحقيق أحوالهم ودراستها

ص: 37

بدقَّة.

الخامسة:استحداث آلية ( الإجازة) وغيرها؛ لتثبيت طرق تلقّي الرواية ونقلها .

السادسة:تأسيس الضوابط التي يجب الاعتماد عليها في قبول الروايات،والكتب وغيرها مما يتعلق بالمنظومة الروائية؛ كوثاقة الراوي، ومقدار تثبته وحفظه للروايات ولقائه بمن يروي عنه، وسند الرواية عنه، وغير ذلك مما هو مبين في هذا العلم.

كلّ ذلك من أجل التثبيت التام، وترسيخ عناصر هذا العلم، والمحافظة على أساسه الذي بني عليه.

ومن هنا يظهر الفرق الكبير بين المنظومة الروائية الشيعية وما يمارسه علماؤهم الذين عرف عنهم غاية النزاهة وقمَّة العدالة ؛ وقد تنزهوا عن التعصب والتطرف والتهمة، وبين غيرهم مِمَّن مارسوا هذه المهنة في بحوثهم الرجالية؛ كما يشاهده كلّ من يراجع كتبهم؛ فإنَّهم لم يتخلقوا بالأخلاق الفاضلة، ولم يتّصفوا بالنزاهة العلمية.

ص: 38

المبحث السادس في العقبات التي واجهت العلماء في هذه المهمة

ص: 39

ص: 40

المبحث السادس في العقبات التي واجهت العلماء في هذه المهمة

العقبات التي واجهت العلماء في هذه المهمة عديدة؛ نذكر المهم منها:

الأولى:مخالفة الشيعة أغلب المدارس والإتجاهات التي انتحلت دين الإسلام؛ مما أوجب التنافس الكبير بينهما، وقد إستدعى هذا الأمر الحرص عند التقويمات الرجالية، أو نسبة الرواية، أو الكتاب.

الثانية: عدم امتلاك الشيعة القدرات الظاهرية الكافية لكبح جماح رواة أحاديث أهل البيت(علیهم السلام)إذا أرادوا الكذب عليهم؛ مما خلق تخوفاً وهاجساً بإزاء هذا الأمر؛ إلا من عُرف وشهر بالوثاقة، ويشهد على ذلك ما يظهر من التوقف الحاصل من هذا الخوف في ترجمة الكثير من رواة الأحاديث، وما عليه مدرسة قم الشيعية الروائية من التشدد ولعلَّ من هذا القبيل ما استعمله الغضائری(قدس سره)في رجاله.

ومن أمثلة ذلك ما قاله النجاشي(قدس سره)عند ترجمة أحد الرواة(1):«رأيت هذا الشيخ، وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا

ص: 41


1- وهو أحمد بن محمد ابن عبيد اللّه؛ رقم الترجمة 207.

يضعّفونه، فلم أروِ عنه شيئاً، وتجنبته، وكان من أهل العلم والأدب القويّ، وطيب الشعر ، وحسن الخط رحمه اللّه وسامحه»(1).

الثالثة: الدافع الديني الكبير الذي يُعَدُّ الداعي المعنوي عند أعلام هذه الطائفة وعلمائهم؛ إذ عدّوا الحفاظ على أخبار أهل البيت(علیهم السلام)من جميع جوانبها المادية والمعنوية عملاً دينياً، بل من الضرورات الدينية لديهم، فوجب عليهم أنْ يبذلوا غاية جهدهم في هذا السبيل ويحتاطوا أشدَّ الاحتياط.

الرابعة:في مرحلة متأخرة بدأ علم الفقه الافتراق عن علم الرجال، إذ بدأ التخصص العلمي لكلِّ منهما، ولا شكَّ أنَّ هذا الافتراق وإنْ استلزم التخصص والتطور في كلا العلمين؛ وهو أمر إيجابي، لكنه استلزم أيضاً الابتعاد من المنقول الروائي.

والمميزات التي اختص بها؛ ولا سيما بعد دخول علم الأصول وقواعده على نحو هائل في الفقه، كما حصل في الأزمنة المتأخرة، فاستلزم ذلك ترك العمل الروائي، مما شكّل هاجساً كبيراً عند العلماء، فلو لم ينهض رجال مخلصون لهذه المهمة الجليلة لانزوى العمل الروائي، إلّا أن يقال: إنَّ المتأخرين لم يتركوا ذلك، وإنَّما اعتمدوا على جهود المتقدمين في هذا العلم،بعد معرفتهم صحَّة ما كتبوا فيه،وما سطروا في مؤلفاتهم الرجاليّة، فاستغنوا عن جهد آخر، وعدّوه من صب الماء على الماء، فلم يزيدوا شيئاً عما بيَّنه المتقدمون؛ وهذا ما سنراه في البحوث الآتية.

وهناك عقبات أخرى مذكورة في الكتب المؤلفة في هذا السبيل.

ومن جميع ذلك يظهر شدة ما لاقاه هؤلاء الأعلام(رضي اللّه تعالى عنهم)

ص: 42


1- رجال النجاشي؛ ص 86.

في سبيل تدوين هذه المنظومة الروائية، وعظيم ما بذلوه من الجهد والتضحيات الجليلة، ولم يكن الهدف عندهم إلا حفظ تراث أهل البيت(علیهم السلام)، وإيصاله إلى الأجيال اللاحقة.

ومن عظيم الأثر المترتب على هذا المجهود الكبير أنَّهم أزالوا الخطر العظيم الذي كان يحيط بأخبار آل البيت (علیهم السلام)، ويرشد إلى ذلك قول الإمام الصادق(علیه السلام):

«لَوْ لَا زُرَارَةُ ونُظَرَاؤُهُ لَظَنَنْتُ أَنَّ أَحَادِيثَ أَي سَتَذْهَبُ»(1).

والنتيجة التي يمكن تحصيلها مما تقدم بيانه؛ ولا سيما من تلك القرائن الكثيرة، والظروف العامة، وما نتج منها من الظلم والحصار والتخوف العظيم،ودوافع أخرى؛ وبانضمام الدافع الديني القویّ عند أعلامنا المتقدمين تجاه أخبار الأئمة الهداة(علیهم السلام)؛ نشأت الأبعاد المدرسية لهذا العلم؛ الذي كان أساسه؛ بل قوامه عنصر الوثاقة والتوثيق بكل دقة ومهنية، حتى حصل لنا الاطمينان التام بأنَّ ما بذلوه من الجهود العلمية والعمليّة في سبيل تهيئة حجية الأخبار والتقويمات الرجالية قائمة على قواعد علميّة رصينة وبعيد كل البعد من الأهواء، وخال من الإهمال، فلا يتصور فيهم التقصير في جانب من جوانب هذا الموضوع المهم، أو غفلت عنه الأجيال قبلهم، من دون أن يحصل لهم الالتفات إليه مع ما نراه من التحقيق الدقيق منهم لما خلّفه الأعلام المتقدمون وقد جعلوا كلّ ما ذكروه تحت النظر والتمحيص والنقد العلمي.

وفي ضوء ذلك يظهر أنَّ الإيراد على تلك التوثيقات الرجالية بأنها مرسلة فلا تكون حجة ؛ كما ادعاه بعض؛ ليس إلا الإبتعاد عن الحق والإعراض عن

ص: 43


1- الفصول المهمة في أصول الأئمة(تكملة الوسائل) ؛ ج 1 ص 588 .

الحقائق، التي عليها الطائفة الحقة، ولا سيما تلك التي تدور في الأوساط العلمية.

وقد ذكرنا سابقاً أن النجاشي، الذي يعدّ من أعلام الطائفة في هذا الفن،والخبير في هذا العلم؛قد التزم غاية الالتزام بالضوابط التي ذكرناها سابقاً، التي تُلحظ في هذا العلم وفي جملة الرواة. وقد خرج عن التزامه وتعهده في بعض الموارد،لكن ذلك ليس من باب الإهمال أو الغفلة منه،أو خروج عن الأصل الذي بُني عليه علم الرجال والعمل بالروايات الخاصة بطريقة معينة خلاف معاملته كتب أولئك الرواة ورواياتهم، فإنَّه أهمل الإسناد في الأول، والتزم ذكره في الثاني، وهذا ظاهر من كتابه؛ فراجع.

كلُّ ذلك بعد أن امتلك طرقاً إلى أرباب الكتب والروايات، كما يصرح به في مواضع من كتابه، وإنْ كان يذكر بعضها؛ مما يدل على اهتمامه الكبير بتحصيل الطرق إلى الروايات والتزامه ذكر بعض؛ مما يكشف عن أنَّه لا إرسال ولا إهمال في البين؛ وإلّا فإنَّه كيف يفسر عمله في ما يتصل بالكتب والروايات إذ يلتزم جانب الإسناد، وأما ما يتصل بأحوال الراوي وشؤونه فإنَّه يأخذ جانب الحكاية بلا إسناد إلا نادراً؛ حيث يذكر المصدر.

وهو أحد مشايخ هذه الطائفة، ويتّصف منهجه بالرصانة والوثاقة،وشخصيته العلمية معروفة، فلا يتوقع أن يصدر منه ما يخالف منهجه الرصين، فلا يذكر الإسناد في مورد أحوال الرواة حتى يورد الإشكال عليه، وعلى نظيره الشيخ الطوسي بالإرسال ، ويخفى ذلك قروناً ولم يستشعر به أحد، مع العلم بأنَّ عدم الإعتداد بالرواية المرسلة معروف بين الطائفة ومتداول في مختلف بحوثهم منذ زمن بعيد.

فلا يحتمل أن يكون قد غفل عنها العلمان يا وغيرهما من العلماء، ولا

ص: 44

سيما إذا كان الأمر يرتبط بمقام الحجيّة، وتمييز الحجة عن اللاحجة.

فلا اختلاف بين الروايات وكتب الأخبار والتقويمات الرجالية؛ فإنَّ جميعها تعتمد على القواعد المعروفة المتبعة في علم الرجال، بل المنظومة الروائية بأكملها، وإن كان الاهتمام بذكر الطرق في الروايات والكتب الروائية أكبر من ذكرها في التقويمات الرجالية؛ كما سيأتي من الفرق بينهما من جانب آخر.

ولكن لا يصح أن يؤخذ هذا الفرق ويحكم على الأخيرة بالإرسال مطلقاً، على رغم أنَّ كلَّها داخلة في المنظومة الروائية عند.

ص: 45

ص: 46

المبحث السابع الملاك في تعيين الوثاقة بالصدور

ص: 47

ص: 48

المبحث السابع الملاك في تعيين الوثاقة بالصدور

بعدما عرفت أنَّ الأساس في المنظومة الروائية مطلقاً عند الشيعة هو الوثاقة والتوثيق، ولا ريب أنَّ الوصول إلى هذا الأصل الأصيل لا يتحقق إلا بالتماس الطرق الخاصة التي تناسب هذا العلم، وقد اختلف العلماء في نوعيتها وأعدادها.

والذي ينبغي أن يقال: إنَّ الأمور التي ترتبط بموضوع بحثنا على أقسام:

القسم الأول: أن تكون من الحقائق المتأصلة في الوجود؛ أي الموجودات الخارجيّة من قبيل:كونه إنساناً ذكراً أو أنثى،وكونه من قبيلة كذا إلى غير ذلك من الأمور التي لا تتحقق إلا في الخارج.وهذا القسم خفيف المؤونة في إمكان إثباتها من حيث نفسها أو زمان وجودها،لأنها داخلة تحت إحساس الإنسان،فيكثر من يحس به فعلاً.

القسم الثاني: أن تكون من الأمور القارَّة في عمود الزمان، نظير العلم والجمال والصحة ونحو ذلك ممّا يبقى موجوداً مستمراً في عمود الزمان، ما لم يطرأ عليه ما يوجب زواله.

القسم الثالث: ما لا تكون قارّة في عمود الزمان، بل تكون متدرجة في

ص: 49

الوجود، فيوجد فرد إثر انعدام فرد آخر، نظير الكلام والأفعال. وفي هذا القسم تضيق دائرة ،الإثبات، لأنَّه لا يحسّ به الّا القليل، وتختلف ندرته بحسب حالات الفرد المتكلم ككونه في مكان عام أو في مكان خاص، أو كونه من لا يجتمع بالناس ولا يسمح باللقاءات، وغير ذلك.

وكلّ هذه الأقسام الثلاثة في مقام الإثبات تحتاج إلى شواهد وبراهين، إلا أنَّ القسم الأول أسهل إثباتاً من القسمين الآخرين، والثاني أسهل من الأخير لاختلافها في سعة الإحساس وكثرته وضيقه وقلَّته.

ولا ريب أنَّ الوثاقة من القسم الثاني؛ فهي من الأوصاف التي يكتسبها الفرد بالمداومة على ممارسة الصدق، حتى تثبت في نفسه وتستقر ويشتهر بها، وهي التي يعبّر عنها الفقهاء بالمَلَكَة.والطريق إلى اكتشافها إما أن يكون بمعاشرة الشخص ومعرفة صدقه، وإما أن يكون بشهادة آخرين معروفين على كونه متّصفاً بالوثاقة والصدق، وإما بالشهرة عند أبناء جلدته وعشيرته.

كلُّ ذلك ما لا إشكال فيه من أحد إلا أنَّه يختص بأفراد معدودين معاصرين للشخص فإذا أرادت الأجيال اللاحقة معرفة وثاقة السلف لا بدَّ أن يكون اكتشافها بطرق أخرى، وهي: إما التواتر والإستفاضة، وإما بنقل عدول. وهذا أيضاً يتحقق في بعض الأفراد وليس كلُّ الرواة كذلك.

وأما سائر الرواة الذين هم الأكثر فإنَّ إثبات وثاقتهم لا يكون إلا بأحد طريقين:

أحدهما : الشهادة الحسيّة.

والآخر:الاجتهاد الحدسي.

والأول منتف وجداناً.

ص: 50

والثاني لا يجدي نفعاً في مثل الصدق والوثاقة ونحوهما، إذ لا اعتداد بالاجتهاد الحدسي في مثل هذه الأمور، وعلى ذلك لا يمكن إثبات وثاقة أغلب رواة الأخبار، ولكن المتتبع لكلمات أعلام هذه الطائفة وعلمائها يستفيد أنَّ إثبات وثاقتهم يكون بطريق آخر يوجب الاطمينان لأحوالهم، وهو مركب من الاجتهاد الحدسي والشهادة الحسيّة، فقد جمع بينهما، فليس هو من الاجتهاد الحدسي المحض، ولا من الشهادة الحسية كذلك. فإنَّ وثاقتهم تثبت من الملابسات والقرائن والشواهد التي تكتنف أحوالهم وسائر جوانب حياتهم، وعلى هذا الأساس ثبتت الوثاقة في التقويمات الرجالية وكتب الأخبار ؛ بعد أن لم يكن متوقعاً أن يكون لنا ديواناً عاماً بأسماء الرواة وأسماء من وثقهم واحداً واحداً على التفصيل؛ كما هو الحال في عصرنا الحاضر بعد تقدم وسائل التواصل وخزن المعلومات صوتاً وصورة وسائر الخصوصيات المرتبطة بالفرد. ولاسيما أنَّ الذي نريد الوصول اليه، قد اقترن بأبشع صور الظلم والطغيان من السلطات الحاكمة، وقد ابتلى بالتشرد والكتمان.

فلابدَّ من الرجوع في مثل ذلك إلى العقلاء وما يؤسسونه من طرق تضمن لهم الصحة وتحقق الهدف المنشود في معاملتهم هذه الحالات؛ بشرط أن تتَّصف طريقتهم بالأمانة العلميّة، وتتضمن شروط البحث العلمي؛ كما هو معروف في البحوث المعاصرة، وهذا ما سنبينه في المبحث الآتي.

ص: 51

ص: 52

المبحث الثامن الدليل على أصالة الوثاقة في المنظومة الروائية الشيعية

ص: 53

ص: 54

المبحث الثامن الدليل على أصالة الوثاقة في المنظومة الروائية الشيعية

قد عرفت عرفت أنَّ المنظومة الروائية عند الشيعة - من الأخبار سنداً ومضموناً، وكتب الروايات وأحوال الرواة والوسائط - إنما تستند إلى أصل الوثاقة والتوثيق. وقد ثبت أنّ الطريق إلى إثباتها لا يكون عن حس محض، فإنَّه يصعب إقامة الشهادة الحسيَّة في أغلبها وجداناً، ولا تدخل في الاجتهاد الحدسي المحض إذ لا اعتداد به في مثل موضوع بحثنا باتفاق الجميع، ولكنها تثبت بالشواهد والقرائن والملابسات الكثيرة التي توجب الاطمينان حتى لا يدع شكاً في المقام؛ إلا أننا ذكرنا أنَّ الرجوع إليها مشروط بأن يكون على وفق الطرق العلميّة المعروفة وشروط البحث العلمي؛ فلا يصح الإستناد إلى الاحتمالات والتصورات والأوهام والأحلام ونحو ذلك؛ كما هو واضح.

وينبغي الإشارة إلى أمر مهم له ارتباط وثيق بموضوع البحث، وهو أنَّه لا يمكن فصل هذه المنظومة الكبرى وتأسيسها عن وضع الشيعة العام والأحوال السياسيّة التي مرّت عليهم في تاريخ جهادهم الطويل في سبيل البقاء والعيش في هذه الحياة، فقد اضطهدتهم السلطات الحاكمة بأشد أنواع الظلم، وأبشع

ص: 55

صور الطغيان، وقد حرموا من أدنى حقوق الإنسان، كما هو مذكور في كتب التاريخ. ولقد أشار الإمام الصادق (علیه السلام)في وصيته إلى مفضل إلى الوضع الذي كانوا عليه:

«الْخَلْقُ حَيَارَى عَمِهُونَ(1)سُكَارَى فِي طُغْيَانِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وبِشَيَاطِينِهِمْ وطَوَاغِيتِهِمْ يَقْتَدُونَ بُصَرَاءُ عُمْيٌ لَا يُبْصِرُونَ نُطَقَاءُ بُكُمْ(2)لَا يَعْقِلُونَ سُمَعَاءُ(3)صُمٌ(4)لَا يَسْمَعُونَ رَضُوا بِالدُّونِ (5)وَحَسِبُوا أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَادُوا(6)عَنْ مَدْرَجَةِ(7)الْأَكْیَاسِ(8)ورَتَعُوا فِي مَرْعَى الْأَرْجَاسِ(9)الْأَنْجَاسِ كَأَنَّهُمْ مِنْ مُفَاجَأَةِ الْمَوْتِ آمِنُونَ وعَنِ الْمُجَازَاةِ مُزَحْزَحُونَ يَا وَيْلَهُمْ مَا أَشْفَاهُمْ وأَطْوَا عَنَاءَهُمْ وأَشَدَّ بَلَاءَهُمْ - يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً ولا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللّهُ قَالَ الْمُفَضَّلُ فَبَكَيْتُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ فَقَالَ لَا تَبْكِ تَخَلَّصْتَ إِذْ قَبِلْتَ وَنَجَوْتَ إِذْ عَرَفْت»(10).

فإِنَّ الأمة بعد ارتحال زعيمها إلى الرفيق الأعلى انقلبت على أعقابها،

ص: 56


1- عَمِهون، جمع عَمِه - بفتح فكسر - و هو المتردد في الضلال و المتحير في أمره أو طريقه.
2- بكم، جمع أبكم و هو الأخرس.
3- سمعاء، جمع سميع بمعنى السامع والمسمع وهو للمبالغة.
4- الصم،جمع أصم وهو الذي انسدَّت أذنه وثقل سمعه أو ذهب عنه بتاتاً.
5- الدون، أريد به هنا معنى الخسيس الحقير السافل.
6- حادوا:مالوا.
7- مدرجة جمع مدارج : ما يساعد على التوصل إلى ما هو أفضل أو أعلى منه .
8- الأكياس:جمع كيس بتشديد الياء: أي الفطن الحسن الفهم والأدب.
9- الأرجاس لعله جمع رجس - بالكسر - القذر و المأثم أو كل ما استقذر من العمل و العمل المؤدي إلى العذاب.
10- توحيد المفضل ؛ ص 93-94 .

وتكالبوا على الدنيا وزبرجها، وأجمعوا على صرف الحقِّ عن أهله،وأهملوا تعاليم القرآن وابتعدوا عن نبيهم.

وقد صوّر الإمام الباقر(علیه السلام)تلك المرحلة بقوله:

«بَاتٌ آلُ مُحَمَّدٍ(علیهم السلام)بِأَطْوَلِ لَيْلَةٍ، حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا سَمَاءَ تُظِلُّهُمْ وَلَا أَرْضَ تُقِلُّهُمْ»(1).

ما يكشف عن شدة المعاناة مما جرى عليهم(علیهم السلام)،وغير ذلك من الأخبار والروايات الواردة في هذا الأمر ، وقد نقلها المؤرخون في كتبهم التاريخية.

وعلى ذلك لا يصح من أحدٍ أن يبحث عن المنظومة الروائية عند هذه الطائفة مع الإغماض عن الأوضاع التي مرُّوا بها؛ فإنَّه كيف يمكنه البحث وهو ينسى ما آل إليه أمر وصى رسول اللّه(علیه السلام)من اعتزاله مدة من الزمن في بيته ،و القوم يخالفونه في كلِّ ما يقوله(علیه السلام)، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)في حديث له مع رجل:

«أَ تَدْرِي لَمَ أُمِرْتُمْ بِالْأَخْذِ بِخِلَافِ مَا تَقُولُ الْعَامَّةُ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ: إِنَّ عَلِيَّاً(علیه السلام)لَمْ يَكُنْ بَدِينُ اللَّهَ بدِين إِلَّا خَالَفَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّهُ إِلَى غَيْرِهِ إِرَادَةً لإِبْطَالِ أَمْرِهِ، وَكَانُوا يَسْأَلُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ(علیه السلام)عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي لَا يَعْلَمُونَهُ، فَإِذَا أَفَتَاهُمْ جَعَلُوا لَهُ ضِدّاً مِنْ عِنْدِهِمْ لِيَلْبِسُوا عَلَى النَّاسِ»(2).

وهل يمكن نسيان حال الإمام المجتبى(علیه السلام)ومعاناته من بني أمية، ولا سيما معاوية والاستهانة به وبأبيه وبجده المصطفى(علیهم السلام)و نصب العداء لهم ؟!.

وهل يمكن التغاضي عن واقعة الطف الأليمة وقتل سيد الشهداء وأهل

ص: 57


1- الكافي (ط. الإسلامية)؛ ج 1 ص 445 .
2- وسائل الشيعة (آل البيت)؛ ج 27 ص 116.

بيته وأنصاره بأبشع صورة ؟!.

وهل يمكن التغافل عما فعلته بنو أمية بشيعة على(علیه السلام)واضطهادهم وتشريدهم وقتلهم في كل سنين حكومتهم البغيضة؟.

وهل يمكن نسيان ما فعله سلاطين الجور بأئمة الشيعة وشيعتهم من الاضطهاد والظلم؟!.

وبعد انتهاء حكومة بني أمية وانتقال الحكم إلى بني العباس لم تكن الحال بأحسن ما كانت عليه في عهد بني أمية؛ فقد أعلن بنو العباس العداوة والبغضاء لآل البيت(علیهم السلام)، وشيعتهم، واتخذوا العصبية والعداء شعاراً لهم،وكان ذلك ظاهراً منهم لا يمكن إخفاؤه وإن حاول بعض المؤرخين التستر عليه والتغاضي عنه .

واختلف بنوا العباس عن سلفهم بني أميّة أنَّهم تستروا بالدين وجعلوا أنفسهم خلفاء شرعيين لانتسابهم إلى رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، وعدّوا أفعالهم من صميم الشرع الحنيف، وما كان صنع هارون العباسي بموسى بن جعفر(علیه السلام)وخطابه للرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)والاستئذان منه في حبس ولده إلا لبيان هذه الحقيقة.

واضطهدوا الشيعة بأنواع الظلم، فلم يتمكنوا من الاتصال بأئمتهم واكتساب العلوم منهم رغم انتشار المذهب الجعفري واتساع رقعة التشيع وهذا واضح من سيرة كلا الفريقين، وهو المسطور في كتب الأحاديث والتاريخ. والمتحصل من ذلك أنه لا يصح لمن يريد البحث عن هذه المنظومة الروائية التغاضي عن هذا الأمر المهم وقياس الماضي على الحاضر، فيكتب عنها بما يشاهده في هذا العصر ويحس به ويطبقه على الماضي، فإنَّه من الغباء العلمي المحض. فلابدَّ من ملاحظة معاناة رواة الأخبار في نقلهم لها، وما لاقاه علماء

ص: 58

الرجال من الظالمين،واهتمامهم لطمس معالم هذا المذهب الرصين، وتقادم الزمن عليها أوجب إخفاء كثير من الشواهد والقرائن،مع أنَّ العلماء تعاهدوا - كما تقدم بيانه - أن يستوثقوا من كلّ ما يذكرونه في كتبهم، فإنَّ ذلك أكبر شاهد على الوثوق بما قالوه وما سطروه في كتبهم الروائيّة والرجاليّة.

ويدلُّ على جميع ما ذكرناه كلام علَمين من أعلامنا، هما المحدث الحرّ العاملي، والشيخ الرجالي الخبير النجاشي ما ونذكرهما أنموذجاً من كلمات الأعلام التي ترتبط بموضوع بحثنا.

قال الشيخ الحر العاملي:«والقرائن المعتبرة أقسام:بعضها يدلّ على ثبوت الخبر عنهم(علیهم السلام)،وبعضها على صحة مضمونه؛ وإن احتمل كونه موضوعاً، وبعضها على ترجيحه على معارضه ....». ثم فصَّل الكلام في ذكر القرائن؛ فراجع(1).

ومن تلك القرائن ما ذكره:«إنا قد علمنا علماً قطعياً بالتواتر والأخبار المحفوفة بالقرائن:إنَّه قد كان دأب قدمائنا وأئمتنا(علیهم السلام)في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمة(علیهم السلام)،وغيرها.

وكانت همَّة علمائنا مصروفة في تلك المدة الطويلة في تأليف ما يُحتاج إليه من أحكام الدين لتعمل بها الشيعة.

وقد بذلوا أعمارهم في تصحيحها وضبطها وعرضها على أهل العصمة(علیهم السلام).

ص: 59


1- وسائل الشيعة؛ ج 30 ص 243؛ الفائدة الثامنة.

واستمر ذلك إلى زمان الأئمة الثلاثة؛أصحاب الكتب الأربعة، وبقيت تلك المؤلفات بعدهم أيضاً مدة.

وأنَّهم نقلوا كتبهم من تلك الكتب المعلومة المجمع على ثبوتها.وكثير من تلك الكتب وصلت إلينا. وقد اعترف بهذا جمع من الأصوليين أيضاً»(1). وهو صريح في أنَّ هذه الكتب كانت موجودة في عصر الأئمة الثلاثة وبعدهم، ثم انقرضت بفعل عدوان الظالمين الذي استمر حتى عهود متأخرة، ويشهد لذلك بعض القرائن (2)ما ننقله عن الشيخ البهائي له من أنَّ الاعتماد على الروايات إنَّما من جهة اقترانها بما يوجب الوثوق والركون إليه وذلك بأمور:

منها:وجوده في كثير من الأصول الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة سلام اللّه عليهم، وكانت متداولة لديهم في تلك الأعصار ، مشتهرة فيما بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار.

ومنها:تكرره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.

ومنها:وجوده في أصل ،معروف والانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم؛ كزرارة، ومحمد بن مسلم، والفضيل بن يسار، أو على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، أو على العمل برواياتهم كعمار الساباطي ونظرائه،ممَّن عَدّهم شیخ الطائفة في كتاب العدّة ، كما نقله عنه المحقق في بحث التراوح من المعتبر.

ومنها: إندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمة (علیهم السلام)

ص: 60


1- المصدر السابق ص 252 ؛ الفائدة التاسعة، الوجه الأول.
2- هذا هو الشاهد الأول.

فأثنوا على مؤلفها؛ ككتاب عبيد اللّه الحلبي الذي عرض على الصادق(علیه السلام)، وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الإمام العسكري(علیه السلام).

ومنها: أخذهم عن أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها، والاعتماد عليها، سواءً كان مؤلفها من الفرقة الناجية ككتاب الصلاة الحريز بن عبد اللّه السجستاني، وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيار، أو من غير؛ ككتاب حفص بن غياث القاضي والحسين بن عبيد اللّه السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري(1).

والمستفاد من مجموع كلامه - الذي ذكرناه والذي لم نذكره - أنَّ تلك الأصول والكتب الأربعة وأمثالها من الكتب المعتمدة المنقولة عن تلك القرائن واضحة عند المتتبع الماهر، وقد شهد بذلك جماعة كثيرون يطول الكلام بنقل عباراتهم.

نعم؛ لا ريب في اختلاط الأصول بغيرها، وصعوبة التمييز بينها، ثم اندراس تلك الأصول واختفاء تلك القرائن،ومن أجل ذلك إدَّعى بعض المتأخرين أنَّ ذلك هو السبب في وضع المتأخرين الإصطلاح الجديد، وهو مردود كما هو مذكور في محله.

ومنها:ما ذكره الشيخ صاحب المعالم في كتابيه (المعالم) و(المنتقى) في مواضع عديدة منهما؛ بأنَّ أحاديث كتبنا المعتمدة محفوفة بالقرائن، وأنَّ المتقدمين إلى زمن العلامة كانوا يعملون بالقرائن.

ومنها: ما نقله عن الشيخ المفيد في الإرشاد:«كان الصادق(علیه السلام)

ص: 61


1- مشرق الشمسين وإكسير السعادتين؛ ص 26-29.

... من بين أخوته ... أنبههم ذكراً، وأعظمهم قدراً، وأجلّهم في العامة والخاصة، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان، ولم يُنقل عن أحدٍ من أهل بيته العلماء ما نُقل عنه، ولا لقي أحد أحد منهم منهم من من أهل الآثار ونَقَلَة الأخبار فإنَّ أصحاب الحديث نقلوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات، وكانوا أربعة آلاف رجل»(1).

ومنها:ما قاله المحقق في المعتبر، بعد ذكر أسماء جملة من رواة الأحاديث عن الإمام الصادق(علیه السلام)والإمام الجواد(علیه السلام):«إجتزأت بإيراد كلام من اشتهر علمه وفضله، وعرف تقدمه في نقد الأخبار وصحة الاختيار وجودة الاعتبار، واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم، وعرف به اهتمامهم، وعليه اعتمادهم،فمِمَّن اخترت نقله الحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، والحسين بن سعيد، والفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمن، ومن المتأخرين أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه، ومحمد بن يعقوب الكليني رحمهم اللّه جميعاً»(2).

أقول: ولقد أجاد في بيان القرائن والشواهد والملابسات في اختيار الكتب والرواة وأحوالهم.

ومنها:ما ذكره صاحب المعالم في بحث الإجازة: «إنَّ أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنَّما يظهر حيث لا يكون متعلقها معلوماً بالتواتر ونحوه، ككتب أخبارنا الأربعة؛ فإنَّها متواترة ،إجمالاً، والعلم بصحة مضامينها تفصيلاً يستفاد

ص: 62


1- الإرشاد؛ ج 2 ص 179.
2- المعتبر ؛ ج 1 الفصل الرابع ص 23.

من قرائن الأصول، ولا مدخل للإجازة فيه غالباً »(1).

أقول:إنَّ هذا الملاك كان موجوداً في كتب المتقدمين إلى زمان مؤلفي الكتب الأربعة،بل كانت القرائن أوضح وأوثق، كما يُستفاد من مجموع كلمات أعلامنا (قدس اللّه أسرارهم).

ومنها:ما قاله شيخ الطائفة :«إذا كان أحد الراويين مسنداً، والآخر اللّه مرسلاً ، نظر في حال المرسل، فإن كان من يعلم أنَّه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك ميزت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنَّهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمَّن يوثق به،وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم»(2).

وغير ذلك من الشواهد التي وردت في كلمات الأعلام، وإنما لم أذكر آراءهم الشخصية حتى لا يستشكل أحد بأنها اجتهادات ولا عبرة بها ما لم يقم دليل عليها.

وقد اتَّفقت كلماتهم على أنَّ الاعتماد إنَّما كان على القرائن والشواهد في هذه المنظومة عند الشيعة، وقد احتوت عباراتهم على كثير من تلك القرائن؛ فراجع.

نعم؛ قد تكون بعض تلك القرائن غير مقبولة عند المتأخرين،ولكنها مقبولة في عصرهم بعدما عرفت من الظروف والملابسات التي كانوا يعيشونها .

الشاهد الثاني: وهو المحقق الخبير الشيخ النجاشي ؛ فقد ورد في كتابه

ص: 63


1- المعالم؛ ص 213 .
2- وسائل؛ ج 30 ص 231 - 232؛ الفائدة السابعة.

القيَّم (الرجال) كثيراً من تلك القرائن نذكر بعضها:

1- أن يكون له كتاب ورواه جماعة (ص93).

2- تعريف الكتاب بأنه:«حسن كثير الفوائد».

3- ما إذا ورد توثيقه على لسان الأصحاب.

4 - ما إذا قتل مع الإمام المعصوم(علیه السلام).

5-ما إذا كان وكيلاً عن الإمام(علیه السلام)أو نائباً عنه في أمر،أو خصيصاً بالأئمة(علیهم السلام). (ص 93).

6 - ما إذا لزم الإمام(علیه السلام)، أو كان حضيَّاً عنده، وله صحبة معه.

7- ما إذا كان كاتباً للإمام(علیه السلام)وقد حفظ كثيراً.

8- كونه لا بأس به.

9 - كونه وجهاً من وجوه أصحابنا.

10- قولهم:من أصحابنا.

11 - كونه تلميذاً لبعض أصحابنا الثقة.

12- تعظيم الأصحاب له.

13 - توثيق الأصحاب له بقولهم:ثقة،أو ثقة ثقة.

14 - ما ورد عن الإمام(علیه السلام)فيه مما يدل على مدحه أو توصيفه بوصف يدلُّ على علوِّ قدره، مثل كلمة: الميزان ونحوها.

15 - كونه كبير المنزلة.

ص: 64

16 - كونه كثير الرواية عن الإمام(علیه السلام). ( ص 40 - 42).

17 - كونه صحيح الحديث.

18 - كونه خيّراً.

19 - ثناء الإمام عليه، كما ورد في إبراهيم بن أبي البلاد.

20 - كونه يعتمد عليه.

21 - كونه فقيهاً من فقهائنا.

22-كونه شيخ المتكلمين من أصحابنا.

23 - له جلالة في الدين والدنيا.

24 - عين من عيون هذه الطائفة. (ص 40 ) .

25 - كونه ثبتا .(ص 40 ) .

26 - كونه مشهوراً. (ص 40 ) .

27 -كونه ربيب الإمام(علیه السلام)أو من أبنائه (ص52)،أو كونه مولىً لأحد الأئمة(علیهم السلام) . ( ص 58).

28 - كون كتابه يقول عليه، أو نقله غير واحد (ص58).

29 - الترحّم عليه . ( ص 69 ) .

30 -مسكون إلى روايته . (ص 85).

31 -لا يطعن عليه . (ص-86) .

32-بصير بالحديث والرواية. (ص 86 ) .

ص: 65

33 -متقن لما يرويه. (ص 86).

34- كونه سالماً خيراً. (ص93).

35 -كونه رجلاً جليلاً في الحديث ومشهوراً في الحفظ. (ص94).

36 - كونه مشخصاً بهذا الأمر. (ص 107)، أو من خيار الشيعة.(ص6 ).

37- له محلٌّ عند الأئمة(علیه السلام). ( ص 112)

38- له أصل.

39 -له كتاب.

40 - له صحبة، أو من أصحاب الإمام الصادق(علیه السلام)ونحو ذلك.

(ص6).

إلى غير ذلك من الشواهد والدلائل والقرائن التي وردت في كتابه؛ فإنَّها تدل على ما ذكرناه وقد كان العلماء يعتمدون عليها في التوثيق، وربَّما لا تكون كذلك في العصور المتأخرة؛ بسبب فقد القرائن الحالية، والملابسات التي كانت مقترنه بها آنذاك، كما هو معلوم لأهل الخبرة.

ص: 66

المبحث التاسع دفع بعض ما أوردوه في المقام

ص: 67

ص: 68

المبحث التاسع دفع بعض ما أوردوه في المقام

وممِّا أوردوه في المقام:

الأول: أنَّ جميع ذلك؛ ولاسيما التقويمات الرجالية؛ إنّما هو من باب المواعدة، وليست هي من البراهين العلمية.

والجواب عنه يظهر ما سبق بيانه، فقد ذكرنا أنَّ دعوى المواعدة باطلة من وجوه عديدة تقدم بيانها؛ فراجع.

الثاني: أنها لا تخرج عن إطار الاجتهاد الحدسي، الذي لا عبرة به في موضوع بحثنا باتفاق الجميع.

ويرد عليه : إن الاجتهاد له إطلاقان:

أحدهما: الاجتهاد بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء والأصوليين؛ وهو استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية باستعمال الرأي والنظر في الإستدلال على إثبات الأحكام، وتطبيق القواعد على الفروع، وردّ الصغريات إلى الكبريات وهذا المعنى هو المعروف في العصور المتأخرة، حتى إذا أطلق لفظ الاجتهاد انساق هذا المعنى إلى الذهن.

ص: 69

والآخر:بذل الوسع والطاقة في سبيل استحصال القرائن من مجموع الدلالات والأحوال.

ولا ريب أنَّ الأول هو المرفوض في البحوث الرجالية، لأنه من مهمات العقل والنظر، وموضوع بحثنا يعتمد على المحسوس من الوثاقة ونحوها، ولا دخل للعقل والنظر فيها.

وأمّا الثاني؛فهو مما لا بدَّ منه،لأنه أخيراً يرجع إلى الحس؛مقترناً بالجهد واللحاظات العرفية واستخراج المطلوب من القرائن والشواهد والملابسات.

وهذا المعنى هو الذي كان سائداً في عصر الأئمة(علیهم السلام)حتى مرحلة متأخرة في عصر الغيبة الكبرى، ثم اتسعت دائرته حتى استقرت على الإصطلاح الجديد.

وحينئذٍ إِنْ أردنا تطبيق المعنى القديم على المصطلح عليه في العصور المتأخرة كان من قياس الماضي على الحاضر ؛ وهو باطل من جهات كما هو معلوم.

الثالث: التقويمات الرجالية كلّها من المراسيل ، فلا يمكن الاعتماد عليها؛ إلّا النادر منها، وإنَّما استند المدَّعي لهذه الشبهة بأنَّ علماء الرجال - ولا سيما الشيخ والنجاشي-لم يذكروا الأسانيد والطرق لما يذكرونه من التقويمات؛ خلاف الروايات والأخبار، فإنَّهم تعمدوا ذكر أسانيدها وطرقهم إليها، فقد عاملوا الروايات وكتب الأخبار بكل دقَّة ومنهجيّة، فتراهم يذكرون الطرق إليهما، وتعيين الثقات والضعفاء،وامتلكوا الطرق إلى أرباب الكتب والروايات،في حين لم يكن لهم هذا الاهتمام في التقويمات الرجالية، فعلى سبيل المثال نرى أنَّ النجاشي اللّه فيما يتَّصل بالكتب والروايات يأخذ جانب الإسناد، وأما بالنسبة إلى أحوال وشؤون الراوي فيأخذ جانب الحكاية بالإسناد إلّا نادراً. مع معروفيّة منهجه بالرصانة والتوثيق فيما يورده في كتابه.

ص: 70

وقد توسع بعض المعاصرين في إيراد هذه الشبهة، واتخذها آخر ذريعة لدعواه بلزوم الاجتهاد في علم الرجال.

ويرد على أصل هذه الشبهة بما يأتي:

أولاً: أنَّ النجاشي وغيره (رحمهم اللّه تعالى)لم يخرج عن الأصل الذي أسَّسه علماء الرجال في هذه المنظومة الروائية، وهو الوثاقة والتوثيق في جميع مفرداتها، وإنَّ هذا المنهج إتّصف عندهم بالرصانة والدَّقة والتحقيق كما تقدم بيانه، وهو منهج الجميع لا خصوص الشيخ النجاشي(قدس سره)،فمن يراجع كتبهم يجد ذلك واضحاً في كلماتهم.

ثانياً:أنَّ ما اعتمد عليه في إثارة هذه الشبهة، وهو أنَّ الشيخ والنجاشي(قدس سرهما)وغيرهما قد فرَّقوا بين الرواية والتقويمات الرجالية غير صحيح لأنَّ الجميع قد اعتمدوا على الطرق المعروفة عندهم في تثبيت الوثاقة، ولم يتغافلوا عنها في التقويمات أيضاً، ولم يكن عندهم سبيل آخر فيها حتى تلحق بالمراسيل؛ كما سبق بیانه.

وثالثاً: أنَّ عدم الإعتداد بالمراسيل كان معروفاً عند الجميع، ومتداولاً في مختلف بحوثهم، ولا يصح أن يدعى في حقهم أنهم اعتمدوا على المراسيل، أو قد تغافلوا عنه، أو تغافل عنه العلماء من بعدهم في القرون المتأخرة. إنَّ مثل هذا لا يكون إلا على نحو الإحتمال الذي لا يعتد به في عالم الحجج بلا إشكال.

رابعاً: أنَّ التقويمات الرجالية هي من أفراد المنظومة الروائية-كما تقدم ذكره - وإن جميعها تحتاج إلى جهات الإثبات، وإن اختلفت أفراد هذه المنظومة في طرق الإثبات؛ كما بيناه سابقاً.

خامساً: أنَّ طرق الإثبات لم تكن وليدة أفكار هؤلاء العلماء، بل هي طرق

ص: 71

عقلائيّة يعتمد عليها العقلاء في جميع شؤونهم، ولا سيما تلك التي لها دخل في تعيين الحجة، وعليها اعتمدوا في أمورهم الاجتماعية؛ كما هو واضح.

سادساً: أنَّ التمييز بين الراوي والتقويمات يُبتنى على أساس عقلائي؛ كما هو واضح، ذلك لأنَّ وثاقة الراوي ليست من الأمور غير القارة؛ تحدث وتزول، بل لا بدَّ من استقرارها في النفس حتى يُعرَف بها، والّا فلا اعتداد بها، وهي التي يعبّر عنها في لغة الفقهاء بالملكة.

ويدلُّ على ذلك الوجدان، وبعض الأخبار التي يذكرها الفقهاء في بحث عدالة إمام الجماعة والشاهد وغيرهما.

وبمثل ذلك يتشخّص الراوي، كسائر مشخصاته التي يعرف بها، مثل إسمه وكنيته وروايته وكتبه وسائر مشخصاته التي لها دخل في كونه راوياً، فإنَّه إنَّما تثبت له بلحاظ أنّها ثابتة ومستقرة، فلا نحتاج في إثباتها إلى شهادة عدلين فقط، بل يكون إثباتها بما هو أوسع من ذلك. وهذا هو المتعارف في معظم التقويمات أيضاً، وقد استعمل النجاشي وغيره كلا الطريقين في التقويمات، فهو :

تارة:يصرح بهذه العمومية بمثل قوله : شيوخنا أو أصحابنا.

وأخرى: يأخذ بالجانب الضيق فيها، ويذكرها مسنداً عن مشايخه.

فقد استعمل كلا الطريقين الضيق،والأوسع-ولم يكن على كلِّ حالٍ مرسلاً-ولم يستعمل المراسيل ، كيف وهو يصرح بعمومية المصدر ؟!.

وكلا الطريقين تما يعتمد عليهما العقلاء في الأشياء المحيطة بهم، فلم يخرج عن هذه الطريقة العقلائية، فلا تكون التقويمات من المراسيل البتّه.

الرابع:الإيراد على أنَّ التقويمات الرجالية وطرق الأحاديث وغيرهما؛ بل

ص: 72

المنظومة الروائية إنَّما تحتاج إلى الاجتهاد في إثباتها،ومن دونه لا يمكن الاعتماد عليها إلا نادراً.

والجواب عن هذا الإيراد يظهر ما سيأتي بيانه أنَّ علم الرجال أحد العلوم التمهيدية.

ص: 73

ص: 74

المبحث العاشر نظريات الفقهاء في العمل بالروايات

ص: 75

ص: 76

المبحث العاشر نظريات الفقهاء في العمل بالروايات

لا ريب في أنَّ علم الفقه من العلوم التي لكلِّ منها نصيب في عمليّة الاجتهاد، واستنباط الأحكام الشرعية، ومن المعلوم أنَّ المجتهد لا يمكنه الوصول إلى الحكم الشرعي واستنباطه من الأدلة إلّا أن يكون ملاً بهذه العلوم وإن كانت تتفاوت من حيث شدَّة الارتباط بالفقه،وقوة الحاجة إليها؛ كما هو معلوم عند أهل المعرفة.

وأما علم الرجال فإنَّه يختلف عن غيره من العلوم التمهيدية؛ لاختلاف نظريات الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم)في الاعتماد على الأسانيد والطرق والكتب الروائيّة. والمعروف فيها مسالك ثلاثة:

المسلك الأول: الاكتفاء في تحصيل الوثوق بالصدور الذي له طرق عديدة:

أ - سند الرواية ووثاقة الراوي.

ب-الشهرة الروائية.

ج- عمل الأصحاب.

ص: 77

د -متن الرواية وما فيه من الرصانة والدقة والبلاغة.

ه - اقتران الخبر بقرائن توجب الوثوق بصدورها.

و- الجبر بأن يكون مضمون خبر ضعيف قد ورد في روايات أخرى معتدٌّ بها.

ز-كون مضمون الخبر موافقاً للمرتكزات العقلائية الصحيحة التي يكفي عدم الردع في إمضائها.

ح - كلّ ما يوجب الاطمينان بصدور الخبر من المعصوم(علیه السلام).

ط - كون الراوي من فقهاء الأصحاب.

ي- موافقته للقواعد المرعيّة المعتبرة عند الفقهاء.

ك- موافقته لسهولة الشريعة المقدَّسة وسماحتها من غير معارض في غير النفوس والأعراض و الأموال؛ فإنَّ ذلك من الأصول التي لا خلاف فيها.

ل-كون مضمونه من الكليات التي يتفرع منها فروع كثيرة، ولا سيما إذا كان المروي عنه مولانا الباقر أو الرضا(علیهما السلام)كما لا يخفى على من له أنس بالأخبار.

وقد اعتمد على هذا المسلك جمهور العلماء قديماً وحديثاً، وهم المعروفون بالفقاهة والدقة والتحقيق، ومن يراجع مؤلفاتهم يجد أنها قد اتصفت بالتحقيق والمنهجية العلمية، ولم يتعرضوا إلى أسانيد الروايات إلا قليلا، لأنهم قد اعتمدوا على وثاقة الصدور، وصرفوا همهم إلى توضيح مراد الأئمة(علیه السلام)، وبذلوا جهدهم في الوصول إلى مقصودهم؛ فإن الموسوعات الفقهية الكبرى المتداولة،

ص: 78

ككتاب جواهر الكلام، وكشف الغطاء، وكتب الشيخ الأنصاري،ومصباح الفقاهة،ومهذب الأحكام، وغيرها؛ قد اتخذت هذا المسلك في بحوثها الفقهيّة،وجميع مؤلفيها قد عُرفوا بالدقة،والفهم الثاقب، واتّصفوا بالعدالة، والأمانة العلمية.

وبناءً على ما ذكرناه يكون المدار على الخبر الموثوق به نوعاً، لا على خبر الثقة فقط، كما هو المتعارف عند العقلاء في جميع شؤونهم.

المسلك الثاني:ما اتخذه جمع من الفقهاء واعتمد عليه السيد الأستاذ الخوئى(رحمة اللّه)، وهو الاعتماد على سند الرواية وطريقها، وإن توثيق الروايات وتضعيفها إنَّما يتحققان من ناحية الرواة فقط، وقد اختلف أصحاب هذا المسلك في طريق إثبات الوثاقة، فإنَّ بعضهم لحظ العدالة في الراوي، الا أنَّ غيرهم الحظ مجرد الوثاقة كافياً في الاعتماد عليه، وقد ناقش جمع من العلماء جميع ما ذكرناه بلحاظ أنَّه ليس من المسلّمات، وقد استدلوا على ذلك:

أولاً: بأنها لا تورث الاطمئنان.

ثانيا:عدم اعتماد العقلاء عليها.

ثالثاً: عدم الدليل على الإعتداد بها.

فتنحصر الوثاقة بالصدور إما من ناحية وثاقة الراوي، وإما ما نصَّ على لحاظه كالشهرة الروائية ونحوها.

والحق أن يُقال: إنَّه لا ريب في أنَّ جميع ما استدل به لتصحيح الأخبار والروايات من الوجوه المذكورة في علمي الدراية والرجال لا يورث القطع،فإنَّه لم يدعِه أحد، بل إنها تورث الظن، فإن قام الدليل على الاعتداد به فهو، وإلا فلا اعتبار به.

ص: 79

ولكن يمكن النقاش فيه بأنَّ جعل الموضوع من الأمور التعبدية المحضة أمر بعيد جداً، لأنَّ الشرع الحنيف لم يأتِ بطريقة جديدة معينة مخالفة لما يتبعه العقلاء في نقل أخبارهم وحكاياتهم وتواريخهم،ولم يرد من المشرع النهي عن طريقتهم،إلا ما ورد في آية النبأ من النهى عن الاعتماد على خبر الفاسق.

وقد عرفت انتفاءها، فإذا اعتمد العقلاء على ما يوصلهم إلى الوثاقة بالصدور، فإنَّه يجوز الاعتماد على طريقتهم ما لم يردع عنه الشارع، فيكون النزاع صغروياً يرجع إلى تعيين الطريقة التي يعتمد عليها العقلاء في الوصول إلى هذا الغرض. ومن أجل ذلك نرى أنَّهم يختلفون في بعض الصغريات والمصاديق.

ومن ذلك كله يظهر أنَّ بسط الكلام في أحوال الرواة، وكيفية نقل الروايات وإسنادها إلى الكتب ومؤلفيها؛كله من التطويل الذي لا طائل تحته إلا أن يراد من ذلك توثيق الرواية.

ومن أجل ما ذكرناه يعلم الوجه في طريقة جملة من المحققين من الفقهاء في معاملة الروايات؛ إذ كان عملهم - كما عرفت - هو إحراز الوثوق بالصدور فقط حتى عهد قريب حتى ظهر من اتخذ سبيل الطعن في الروايات وطريقة العلماء، عاداً ذلك أنَّه من الأمور التحقيقية التي لا بدَّ من العمل بها في كتب الأخبار، غفلة منه عن أنَّها قد اقترنت بأمور متعددة معروفة عند العقلاء والعلماء، مما يدل على وثاقة صدور ما فيها إلا ما خرج بالدليل؛ وليس المقام موضع ذكرها.

ويا ليتهم بذلوا جهدهم في تفحص تلك الكتب واستخراج القرائن التي تشهد على الوثوق بالصدور الكثيرة والمتعددة الجوانب، ولا يطعنوا في الروايات، ويرمونها بالضعف والدس لمجرد وجود راو لم يعرف وثاقته، فإنّه

ص: 80

من التعدي، وهو مخالف لما ورد عن الأئمة الهداة(علیهم السلام)فقد نهوا عنه، وخلاف سيرة الفقهاء المتقدمين البارعين الذين قل نظيرهم في العلم والتحقيق.

ومن أجل ذلك رمى بعض الفقهاء هذه الطريقة والبحث عن الأسانيد بأنَّها سبيل العاجز، ولكن ذلك لا يمنع من الاعتماد على توثيق الرواية، لأنها مصدر الحكم الشرعي، وعدم إحرازه يوجب التقوّل على اللّه تعالى ورسوله والأئمة المعصومين(علیهم السلام)، وهو من أشد الذنوب، ومن كبائرها.

ولبيان أهمية ما ذكرناه قال السيد الوالد(قدس سره)في رسالته المخطوطة: وكيف كان؛ فإنَّ هذا المسلك مضافاً إلى كونه مخالفاً لما عليه المشهور وجملة من العلماء المحققين، كما تقدمت الإشارة إليه.

ولا يخلو من التخبط والخروج عن الطريقة العلمية، والمنهجية المتبعة في مثل هذه البحوث؛كما هو مفصل في محله.

فلو لاحظنا طريقة السيد الخوئي(قدس سره)في الفقه، وقد عدَّه بعض تلامذته رائد هذا المسلك في العصر الحاضر؛ نرى أنَّه يقول في الأصول شيئاً ويخالفه في الفقه، ويرتضي بأمر في الفقه ويعرض عنه في الأصول، ويعتمد حيناً على توثيق الراوي، ويعدل عنه في وقت آخر كما فعل في أسانيد كامل الزيارات.

وقد ناقش سند راوية، وعدَّها ضعيفة استناداً إلى قواعد نصبها مِمّا هو المغروس في ذهنه، والمأنوس في عصره، ولكنه رجع عنه في موضع آخر.

وأساس ما اختاره يرجع إلى التشكيك فيما ذهب إليه المشهور، معرضاً عما أقاموه من القرائن والشواهد، متوسلاً بأمور في تضعيف الروايات، لم يقبلها علماء الرجال، ويناقشها الأعلام.

وهو(قدس سره)وإن كان يذهب إلى عدم لحاظ الاجتهاد في علم الرجال، ولكنه

ص: 81

وقع فيه من حيث لا يشعر ، ولعلَّ ذلك يرجع إلى قياس الماضي على الحاضر المشهود عنده، واستخراج موجبات الوثاقة والتوثيق بالفكر والنظر، ولا ريب في بطلان ذلك؛كما عرفت.

وحينئذٍ من يدعي الاجتهاد في علم الرجال؛ إن كان يريد الاجتهاد الحدسي،واستخراج موجبات الوثاقة بالفكر والنظر،فهو باطل بلا ريب.وإن كان يريد بالاجتهاد المعنى الذي قدمناه سابقاً،أي الاعتماد على الشواهد والقرائن والملابسات التي كانت متوافرة في عصر الأئمة(علیهم السلام)، وعصر جمع الأخبار وتدوينها، والتي اعتمد عليها قدماء الأصحاب في المنظومة الروائية، ولا إشكال في أنَّ تلك القرائن قد انقرض كثير منها، أو تغيرت، أو استبدلت بمفاهيم أخرى، ولا يمكن تحصيلها في العصور المتأخرة.

اللّهم إلا أن يراد بالاجتهاد:بذل الجهد في تحصيل تلك القرائن والشواهد من الأوضاع الاجتماعية التي كانت دائرة في عصرهم،وهو وإن كان مقبولاً بلا إشكال من أحد،لكنه من لزوم ما لا يلزم إذ أنَّ السلف الصالح قد بذلوا غاية جهدهم في هذا الأمر،وارتضاه جمهور العلماء الذين أتوا من بعدهم.

مع إنَّه إذا كان الاجتهاد واجباً في علم الرجال، فلِمَ لا يكون واجباً في سائر العلوم التمهيدية التي لها الأثر الكبير في تعيين مرام المعصومين(علیهم السلام)ومفاهيم الروايات وقد أهملها طلاب العلوم الدينية.

المسلك الثالث:الذي اختاره بعض أعلام هذه الطائفة، وهو تصحيح الأسانيد بالمتون، لا تصحيح المتون بالأسانيد؛ الذي اتَّبعه علماء الظاهر.

وهذا المسلك هو الذي اتَّبعه الأفذاذ من العلماء الذين بحثوا في الأخبار عن دراية، وتعمقوا في النصوص الواردة عن المعصومين(علیهم السلام):

ص: 82

حتى عرفوا لحن كلامهم،ودرسوا متون الأخبار بجد وإخلاص حتى وصلوا إلى مرامهم ودرسوها من خلال أقوالهم فإنهم ذريَّة الرسول(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،الذي هو أفصح من نطق بالضاد، وعلماء أمته، وقد امتازت أقوالهم بالبلاغة والفصاحة.

واختار هذا المسلك كثير من العلماء، منهم: المحدث الكاشاني، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والسيد الوالد (قدس اللّه أسرارهم).

وقد جمع هذا المسلك بين الظاهر والباطن، فقد عرفوا أصحاب هذه النظرية لحن الخطاب من كلمات الأئمة المعصومين(علیهم السلام)حتى صاروا يميزون كلامهم من كلام غيرهم ولشدَّة التصاقهم بأقوال الأئمة الهداة(علیهم السلام)،أحسُّوا بنور خطاباتهم(فإنّ على كلِّ حقٍّ حقيقة، وعلى كلِّ صوابٍ نور).قال السيد الوالده في رسالته المخطوطة:«ثمَّ إِنَّ الطريق المألوف عند الفقهاء وعلماء الرجال تصحيح متون الأخبار بالأسانيد،وجعلوا لذلك قواعد وضوابط،ولكن عن جمع من العلماء المتتبعين تصحيح السند بالمتن،وهو يتوقف على تتبع كثير في الروايات الصادرة عنهم (علیهم السلام)، وقد سمى ذلك بعض مشايخنا (قدس اللّه اسرارهم) ب-( علم المواهبة)، وأشار المحدث الكاشاني في بعض مقدمات الصافي، فقال : وليس لهذا الأمر الخطير ، والإتيان بمثل هذا التفسير، إلا ناقد بصير ينظر بنور اللّه، ويؤيد بروح القدس بإذن اللّه، ليشاهد صدق الحديث وصحته من إشراق نوره، ويعرف كذبه وضعفه من لحن القول وزوره، فيصحح الأخبار بالمتون دون الأسانيد، ويأخذ العلم من اللّه لا من الأسانيد، حتى يتأتى له تمييز الصافي من الكدر ، وتخريج الشافي من المضرّ...».

ومثل هذا العلم يتوقف على كمال الإيمان والتقوى والانقطاع إلى اللّه جلِّ جلاله، حتى يشمله قول نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه وآله):

ص: 83

«اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ»(1).

ويدخل تحت قوله عز وجل:

(ويَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمشُونَ بِهِ﴾(2).

وليس المراد بالنور الأنوار الظاهرة الجسمانية، كما أنه ليس المراد بالمشي المشي بالرجلين،بل المشي في العلوم والمعارف الإلهية.

وفي جملة من الأخبار: «إنَّ على كلِّ حقٍّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نور) وفي الزيارة المعروفة: «كَلَامُكُمْ نُورٌ»، ولكنه قد شاع العكس بين العلماء، أي تصحيح المتن بالسند؛ لسهولته وعدم توقفه على المجاهدات والرياضات الشرعيّة، وكان بعض مشايخنا في المشهد المقدس الرضوي يحثّ الطلبة على هذا القسم ....».

أقول: إنَّ هذه الطريقة التي ذكرها السيد الوالدين تختص بالأفذاذ من العلماء - كما أشار إليه في كلامه - ولا يحقُ لأحدٍ من العلماء؛ فضلاً عن مدَّعي العلم الإقتراب منها إلا بعد علمه بنفسه بأنه قد توافرت فيه الشروط المطلوبة.

وإنَّما ذكرتها لبيان أنَّ الإستيثاق لا يختص بالطرق التقليدية المعروفة، وإنَّ هناك طريقاً آخر هو أقوى إدراكاً منها، وإنَّما علينا اتباع الطريق المألوف بين العلماء، فإنَّه لا يمكن أن يدعي هذا الأمر كلّ أحد؛ ولو بلغ مرتبة من العلم، ولاسيما أنَّ الاهتمام بالروايات قد ضعف عند أهل العلم. مع أن معرفة علوم

ص: 84


1- الكافي (ط . الإسلامية)؛ ج 1 ص 218 .
2- سورة الحديد الآية 28 .

الأئمة(علیهم السلام)، والاهتمام بمعارفهم هو الأصل والأساس في كل معرفة علمية، ولكن لا نرى ذلك في الحوزات العلميّة، حتى لا يكاد أحد من الطلاب يحفظ حديثاً، أو تكون له القدرة العلمية الكافية في فهم كلمات الأئمة(علیهم السلام)أو يفسّرها على الوجه المطلوب،فقد تركوا اللب وأخذوا بالقشور واستغلوا الفراغ العلمي ليملؤوه بأوهام أسموها علوماً، وصبوا جل اهتمامهم عليها؛ وقد كان علماء المتقدمون على دراية تامة بهذا الأمر، وأبدوا تخوفهم من ضياع الفقه وخروجه عن وظيفته المقررة شرعاً، وهي الوصول إلى معارف الأئمة(علیهم السلام)ومراداتهم، ولكن المتأخرين دسُّوا في هذا العلم علوماً أخرى، وكان من أشدَّها قوة عليه العلوم العقلية؛ فمسخ الفقه وشوه صورته.

ومن شاء الاستزادة فليراجع تاريخ فقه ،وسيرة الفقهاء في هذا الموضوع المهم.

والحاصل: انَّ المسلك المشهور في معاملة المنظومة الروائية هو تحصيل الوثاقة بالصدور، والتماس التوثيق من مصادره المعروفة عندهم، وهذا المقدار يكفي في التعذير والتنجيز، ولكن الأهم هو تحصيل مرادات المعصومين(علیهم السلام)والوصول إلى مقصودهم ونيل معارفهم العالية وتمييز الصحيح من غيره.

وقد يقال: إنَّ متابعة المشهور في المقام وغيره يعيق التقدم العلمي، وتبقى الأمة مقلدة، وهو مع كونه مخالفاً لما عليه من انفتاح باب الاجتهاد عندهم، وبه امتازوا من غيرهم مِمَّن أغلق باب الاجتهاد على نفسه، فإنَّ ذلك يكون مانعاً من استعمال الفكر والرأي الذي ورد الأمر به في الكتاب والسنة، وحثّ على الرجوع إلى العقل والفكر في استنباط الأحكام ومعرفة محاسن الأمور وتمييزها من مساوئها إلا ما دل على المنع في موارد خاصة.

ص: 85

ويمكن الجواب عن جميع ذلك ب-:

أولاً : أنه لم يقل أحد بأن مجرد متابعة المشهور مما يوجب غلق باب الاجتهاد، فتصبح الأمة مقلدة، بل هذا مخالف للسيرة والوجدان، بل إن جميع الحضارات، ومطلق الثقافات عند الشعوب والأم الشعوب والأمم تُبتنى على أسس ثلاثة، هي:

1 - التقليد.

2 - المحاكاة.

3-الإبداع.

ولم يمنع أحدها عن الآخر بالوجدان.

ثانياً: أنَّ قبول رأي الآخر إذا كان عن دليل معتد به لا يكون تقليداً، ولا هو من المتابعة العمياء المذمومة.

ففي موضوع بحثنا نقول: إنَّ العلماء عندما أثبتوا المنظومة الروائية بالأدلة والطرق المعروفة التي تقدم بيانها ، فإنَّ من يأتي من بعدهم إذا رجع إلى تلك الأدلة والبراهين وعلم صحة الإستناد إليها، واتخذها منهجاً لهم في العصور المتأخرة لا يُعدُّ ذلك منه تقليداً، ولا يمكن عدهم مقلّدة مع كونهم علماء يعرفون معنى التقليد ويعلمون أنَّه لا يجوز للمجتهد التقليد؛ فلا يصح توصيفهم بالمقلّدة.

ثالثاً : أنَّ متابعة بعض العلماء لبعض أمر عادي جرت عليه سيرتهم، ولم يقم أساس علم الفقه إلا على ذلك، ولم يوصفوا بأنهم مقلدة؛ كما هو معلوم.

وقد تكرر منا في بحوثنا الأصولية والفقهية القول: إِنَّ أغلب مسائل الفقه، إن لم نقل جلّها تُبتنى على أدلة ظنية، والقطعية منها قليلة. ولا ريب أنَّه كلَّما يكون الظن أقرب إلى الواقع والاطمئنان يكون أولى بالقبول من غيره.

ص: 86

ولا شك أنَّ الظنون المتراكمة الحاصلة من جمع كبير من العلماء أو الأفذاذ الفطاحل منهم، وهي المسماة بالمشهور تكون أولى بالقبول من غيرها، لكونها أقرب إلى مرادات المعصومين(علیهم السلام)، إن لم نقل أنها توجب الاطمئنان.

وليس من الأمانة العلمية التخطي عنها إلى ظن شخصي يخالف ذلك، وإن كان ذلك ما يصح الاعتماد عليه عند الفقيه، ويكون معذوراً إذا كان مستنداً إلى دليل شرعي معتد به، ولكنه مع ذلك لا يخرج عن كونه ظنَّاً شخصياً.

وعلى أية حال؛ فإنَّ متابعة الآراء الشخصيّة ومخالفة المشهور تسلب المتانة في الفقه. وتجاهل آراء العلماء، لا يعد تحقيقاً علمياً، وإنَّ الآراء الشخصية لا تعبّر عن فقه؛ الذي كان متشخصاً قروناً أمام فقه غيرهم.

ولا يمكن لأيّ باحث أن يعرف الفقه الجعفري من خلال الآراء الشخصيّة، ولا يخفى الآثار السيئة المترتبة على ذلك، ولعل هذا مراد من قال بأن مخالفة المشهور تستلزم فقهاً جديداً.

ص: 87

ص: 88

المبحث الحادي عشر موارد الحاجة إلى السند في الأخبار

ص: 89

ص: 90

المبحث الحادي عشر موارد الحاجة إلى السند في الأخبار

قد عرفت النظريات والمسالك المعروفة في معاملة الروايات،والمهم منها المسلكان المتقدمان، فحينئذ لابد أن يعلم مقدار الحاجة إليهما فيما يرتبط بأمور الدين ومعارفه، لأنَّ الدين: مجموعة من المعارف التي تتعلق بجميع شؤون حياة الفرد والمجتمع الدنيوية والأخروية، ولا ريب أنَّ مصادر تلك المعارف مختلفة من حيث الثبوت والإثبات وتختلف حقولها في طريقة إثباتها وهي متعددة:

الأول: المعارف التي تتعلق بالعقيدة، كالمبدأ والمعاد وأصول الدين. وإنَّ إثباتها - على سبيل الإجمال - إنَّما يكون بالأدلة القطعية؛ إما العقلية، وإما النقلية؛ من الكتاب الكريم أو السنة الشريفة المتواترة أو المتضافرة المستفيضة.

وأمّا أخبار الآحاد فلا بد من عرضها على الكتاب والسنة، فإن وافقتهما فلا إشكال في القبول.

وأما إذا خالفتهما فيجب الطرح، كما بينا التفصيل في بحث التعارض في الأصول، وقد ذكرنا أنَّ المتيقن من أخبار العرض هذا النوع من المعارف، أي تلك التي تتعلق بأمور العقيدة؛ ولكن الظاهر من أخبار العرض أنَّه هو الأساس في قبول جميع أحاديث المعصومين صلوات اللّه عليهم أجميعين؛ فراجع.

ص: 91

هذا إذا كان مضمون الخبر مخالفاً للكتاب والسنة، وأما إذا لم يكن كذلك ولم يعلم مخالفته فإن أمكن تأويله بما يوافق ما ورد فيهما فهو المتعين، وأمّا إذا لم يمكن ذلك، فإن كان الحديث صحيح السند فلا بد من التسليم ورد علمه إلى أهله.

وأمّا إذا كان ضعيف السند فلا ضير في ردةِّ، وإن كان التسليم أولى من الرّد، لفرض عدم العلم بمخالفته.

الثاني: المعارف المتعلقة بأحوال الأنبياء، والأئمة المعصومين(علیهم السلام)وتاريخ الرسل والأمم، وطريق معاملة النصوص التي تتضمن تلك، هي عرضها ابتداءً على كتاب اللّه تعالى والسنة الشريفة القطعية، فإن وافقتهما فلا إشكال في القبول، وأما إذا خالفتهما فلا ريب في ردّها.

وامّا إذا لم يرد في الكتاب والسنة ما يخالف تلك النصوص، فإن كان سندها معتبراً فلا إشكال في القبول أيضاً إن لم يعارضها نصٌّ آخر معتدٌّ به، وإلاّ فلا بدَّ من الرجوع إلى الدلائل التاريخية والبراهين المعتدّ بها؛ لترجيح أحدهما على الآخر، إذا لم يمكن الجمع بينهما بوجه مقبول.

وهذا القسم يحتاج إلى التفحص التام والدقة المتناهية في الاختيار لأنَّ المعلومات التاريخيّة قد دخلت فيها الموضوعات والتحريف، وابتليت بالإسرائيليات، إذ أنَّ التاريخ قد كتب تحت سلطة الظالمين ورقابة المنحرفين، وزحمة القصاصين، ووعاظ السلاطين.

فلابدَّ من التحقيق التام لتجريد تاريخ الإسلام،ولا سيما ما يتعلق بتاريخ الشيعة،وتهذيبه من تلك الموضوعات، والأباطيل.

الثالث: المعارف المتعلقة بالأخلاق ومكارمها؛ لا إشكال في أنَّه لا يلاحظ

ص: 92

الإسناد في أخبار هذه الطائفة، فإنَّ كل حديث يتضمّن خلقاً كريماً يؤخذ به، لأنَّ الإسلام يحثُّ على التخلق بالأخلاق الكريمة، والفضائل والسجايا الحسنة.

نعم؛إذا تضمنت قصة أو حكاية أو اقترنت بأمور غير مقبولة لا بدَّ حينئذٍ من ملاحظة الأسانيد، لئلا يستلزم العمل بها مخالفة الأمور المسلّمة.

الرابع: المعارف التي تتعلق بالأدعية والأذكار والأحراز؛ لا ريب أنَّ الأدعية الواردة عن الأئمة الهداة المعصومين (علیهم السلام)قد امتازت بأسلوب خاص وتضمنت المضامين العالية واتصفت بفصاحة وبلاغة متناهية لا توجد في غيرها من الأدعية المنسوبة إلى غيرهم؛ حتى المعصومين منهم كالأنبياء، فإنَّ من يقرأها، وكان له أدنى معرفة، يحسّ بها؛ فإنَّ متونها تدل على صحة صدورها.

ومن أجل ذلك، انعقدت سيرة العلماء؛ على الاعتماد عليها إذا كانت قد وقعت موقع القبول لديهم، وداوموا على قراءتها .

وعلى ذلك؛ فإن كان الدعاء له أصل قرآني فلا إشكال في القبول،وكذا إذا كان له سند معتد به.

وأما إذا لم يكن كذلك، فإنْ تلقاه العلماء بالقبول قولاً وعملاً فلا إشكال في الاعتماد عليه أيضاً من دون حاجة إلى ملاحظة السند، وأغلب الأدعية من هذا القبيل، لا سيما الطوال منها .

الخامس: الآداب والسنن؛ إنْ كانت تشتمل على حكم شرعي كالإستحباب أو الكراهة فلا بد أن يكون الخبر المشتمل عليهما جامعاً لشرائط الحجيّة من حيث السند والدلالة.

وأمّا إذا كانت الأخبار الواردة فيها تشتمل على الجزاء على العمل من الثواب أو العقاب فإنَّ المعروف بين العلماء التسامح فيها من غير حاجة إلى

ص: 93

ملاحظة أسانيدها، لما ورد من الأخبار المتضافرة في هذا المجال، وهي أخبار من بلغ. وقد عبّر الفقهاء عن ذلك بقاعدة التسامح في أدلة السنن وإن وقع الخلاف بين الفقهاء في إمكان إثبات الاستحباب أو الكراهة من أخبار من بلغ؛أو أنَّه لا يمكن أن يستفاد منها ذلك سوى ثبوت الجزاء الوارد في الخبر المنسوب إلى النبى(صلی اللّه علیه وآله). وقد ذكرنا ما يتعلق بذلك في بحوث الأصول والفقه؛فراجع.

وقد ذكرنا في محله أنَّه يمكن القول بالتفصيل بين ما إذا أفتى جمع من الفقهاء المعروفين بالفقاهة والتحقيق بالإستحباب أو الكراهة في مورد تلك الأخبار؛ فإنَّه يمكن الاعتماد على قولهم، وإلا فلا يمكن إفادة حكم شرعي من أخبار من بلغ. ومن ذلك يظهر الوجه في اختلاف الفقهاء في موارد الآداب والسنن، ففي مورد يثبتون الإستحباب أو الكراهة،وفي مورد آخر لا يثبتون ذلك؛ فراجع كلماتهم في الفقه.

السادس:الأحكام الإلزامية من الوجوب أو الحرمة؛ ولا إشكال في لزوم ملاحظة الأخبار الواردة فيها من حيث السند والدلالة، لأنَّ الحكم الشرعي الإلهي لا يمكن إثباته الا بدليل معتد به.

وفي هذا القسم نحتاج إلى المسلكين المتقدمين في معاملة الأخبار والروايات. ومن جميع ذلك يظهر أن دائرة الرجوع إلى السند تختص بالأحكام الشرعية، وأما غيرها فإنَّ لها طرقاً أخرى غير السند أيضاً؛ كما تقدم بيانه.

وقد تبيّن ممّا ذكرنا أنَّ المعتدّ به هو الخبر الموثوق بصدوره مطلقاً، وهو يشمل جميع ما تقدم ذكره، سواء كان مفادها الأحكام الفرعية أو غيرها من المعارف، أو الأخلاقيات أو القصص والحكايات والتكوينيات ونحوها بالتفصيل الذي تقدم ذكره، فإنَّ الدليل بالنسبة إلى الجميع واحد.

ص: 94

المبحث الثاني عشر مراتب الوثوق والاطمئنان بالصدور

ص: 95

ص: 96

المبحث الثاني عشر مراتب الوثوق والاطمئنان بالصدور

لا ريب في أنَّ للوثوق والاطمئنان-كما العلم - مراتب متفاوتة، فإنَّ أعلى مرتبة الوثوق هي العدالة في الراوي، والظاهر أن اشتراطها في الراوي كما ذهب إليه بعض العلماء إنَّما هو على نحو الطريقية لإحراز صدقه في المقال، لا أن تكون له موضوعيّة خاصة كما في إمام الجماعة والقاضي والمفتي ونحوهم. قال السيد الوالد : «المناط كلّه صدقه في المقال،عادلاً كان في سائر أموره أو لا، إمامياً كان أو لا، ويشهد له مضافاً إلى وضوحه قوله(علیه السلام):

«حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي حَلَالٍ وحَرَام تَأْخُذُهُ عَنْ صَادِقٍ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فيها »(1).

وعليه يكفي في الاعتداد به حصول أول مرتبة من الوثوق والاطمئنان لعدم الدليل على اشتراط أزيد منه ، بل هو مقتضى سهولة الشريعة والإطلاقات والعمومات المرغبة إلى أخذ الأخبار. ويدلّ على ذلك قول الإمام الصادق(علیهم السلام) في وصيته لشيعته:

ص: 97


1- تهذيب الأصول؛ ج 2 ص 116.

«أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْحَافِظُ اللَّهُ هُمْ أَمْرَهُمْ؛ عَلَيْكُمْ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ(صلى اللّه عليه وآله)وسُنَّتِهِ، وآثَارِ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ(صلى اللّه عليه وآله)مِنْ بَعْدِهِ وَسُنَّتِهِمْ؛فَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَ بِذَلِكَ فَقَدِ اهْتَدَى»(1).

وقوله(علیه السلام):

«تَزَاوَرُوا فَإِنَّ فِي زِيَارَتِكُمْ إِحْيَاءً لِقُلُوبِكُمْ وذِكْراً لِأَحَادِيثَنَا»(2).

وقول الإمام الرضا(علیه السلام):

«إِنَّمَا أُمِرُوا بِالْحَجِ لِعِلَّةِ الْوِفَادَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ... ونَقْلِ أَخْبَارِ الْأَئِمَّةِ(علیهم السلام)إِلَى كُلِّ صُفْعِ ونَاحِيَةٍ»(3).

إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في كفاية أول مرتبة الوثوق والاطمئنان من أي وجه حصل، فإنَّ لسان هذه الأخبار لسان التوسعة والتسهيل في بثّ الأخبار بكل وجه أمكن .

ومِمّا ذكرنا يظهر أنَّه لا وجه لتقسيم الخبر إلى الأقسام الأربعة المعروفة: الصحيح، والموثق، والحسن، والضعيف، فإنَّه يكفى في العمل بالخبر بأن يكون معتبراً، وسواء انطبق عليه أحد العناوين الثلاثة المتقدمة أم لا، والخبر غير المعتدّ به لا يعمل به؛ سواء كان ضعيفاً أم لا ، وإذا أعرض الأصحاب عن العمل به كان شاذَّاً.

وما هو المعتد به في الوثوق إنَّما هو الوثوق من جهة الصدق فقط، لا

ص: 98


1- الكافي ( ط . الإسلامية)؛ ج 8 ص 8.
2- الكافي (ط. الإسلامية)؛ ج 2 ص 186.
3- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج 11 ص 13 .

الوثوق من كل جهة، فلو كان الراوي غير موثوق به في نقل القصص - مثلاً - وموثوقاً به في نقل الأحكام الفرعيّة يقبل قوله فيما كان موثوقاً به فيه فقط.

ثم إنَّ وثوق الراوي يكون على نحوين:

الأول: أن يكون موثوقاً به في مقاله.

الثاني: أنَّه فضلاً عن ذلك كونه لا ينقل إلا عن الثقة.

والنحو الثاني كثير في رواة أحاديثنا، ولا يختص بخصوص الثمانية عشر الذين أدعي الإجماع على قبول مراسيلهم، كما يظهر للمتتبع في أحوال الرواة وسيرة الفقهاء.

والمراد بالإجماع المزبور : اتفاق جمع من أهل الخبرة، لا الإجماع المصطلح عليه في علم الأصول والفقه، حتى يستشكل عليه بأنه غير معتد به لعدم توفر الشرط فيه، وهو كشفه عن رأي المعصوم فراجع.

ص: 99

ص: 100

المبحث الثالث عشر في الجرح والتعديل

ص: 101

ص: 102

المبحث الثالث عشر في الجرح والتعديل

لا ريب في أن الجرح والتعديل من مقومات علم الرجال، وأنَّ بكلِّ واحد منهما يعرف حال الراوي؛ من حيث العمل بروايته وعدمه، وهذا ما لا يمكنُ لأحدٍ إنكاره، وإنَّما البحث في حدود كل منهما، وشروط قبولهما وتحقيق المناط في الاعتماد عليهما، ووجوه الكلام في هذا الموضوع هي:

أولها: لا إشكال في أنَّه تلحظ في المتصدي لهما أن يكون:

1 - حسن العقيدة، مستقيم الطريقة.

2- عالماً بأحوال الرواة، ملماً بالحوادث المحيطة بهم، والشواهد والقرائن والملابسات.

3- فقيهاً جامعاً للشروط، متتبعاً في الفقه.

4 - معتدل الفهم.

5 - مأنوساً بمذاق الأئمة الهداة(علیهم السلام)، وبكيفية معاشرتهم العامة.

6-قد جعل نصب عينيه أنَّ نشر الأحكام ومعارف الأئمة(علیهم السلام)وعلومهم ممّا اهتمَّله المعصومون(علیهم السلام)؛ولو كان ذلك بوساطة غير

ص: 103

شيعتهم.

ثانيها: إنَّ موضوع التعديل هو إثبات وثوق الراوي من جهة صدقه في المقال، لا من كل جهة؛ كما تقدم بيانه.

وقد عرفت أنَّ الوثوق والصدق من الأمور المشككة التي لها مراتب متفاوتة، فأول مراتبها ظهور حال الراوي، الذي يكون في مقام الاستناد إليه،مع التفاته - ولو ارتكازاً - بأنَّ قوله يصلح أن يكون منشأ للأثر، مع عدم أمارة على كذبه، فإنَّ بذلك يثبت أول مرتبة الصدق والوثوق، فيشمله إطلاق ما دّل على الإعتداد بخبر الصادق والموثق، فضلا عن السيرة العقلائية على الإعتداد به، إذ لم نرَ منهم التأمل في القبول بعد تحقق مثل هذا الظهور لهم.

ومقتضى الإطلاقات ترتيب آثار العدالة على من اتصف بأول مرتبتها، لا الإتّصاف بما زاد عليها؛ كما هو واضح، وهذا هو مقتضى سهولة الشريعة أيضاً.

وبذلك يظهر أنَّ دائرة التوثيق أوسع من دائرة الجرح والتضعيف؛ كما يأتي مزيد بيان.

وقد يقال: بناءً على ذلك تقبل رواية مجهول الحال، ويرجع البحث إلى أنَّ ظهور الكذب مانع من القبول، لا أن يكون الصدق والوثوق شرطين له. وهو فضلاً عن كونه غير صحيح لا تشمله الإطلاقات لأنَّه من التمسك بالعام في الموضوع المشتبه، وخلاف المتيقن من السيرة العقلائية.

ويرد عليه:بأنَّ مجهول الحال تارة يطلق ويراد به:من لم تُعرف عقيدته،وإن كان موثوقاً به،فلا ريب في قبول خبره،لما دلّ على قبول خبر الموثوق به،وإن كان فاسد العقيدة،فضلاً عما إذا لم تعلم عقيدته.

وأخرى يطلق ويراد به:الجهل بوثاقته وصدقه في مقاله؛من جهة شيوع

ص: 104

القدح به، فالظاهر سقوط ما مرَّ من ظهور حال الراوي بالنسبة إليه فلا وجه للقبول.

وأما إذا أريد به:عدم معرفة حال الراوي لعدم ورود اسمه في الرواة فهذا يمكن أن يدخل تحت أصل آخر سنذكره، وإن لم يشمله ظهور حال الذي تقدم ذكره.

ويمكننا القول بأنه يكفي ترتيب الأثر على خبر من أمكن تحقيق أول مرتبة الوثوق به وهذا مما تقتضيه الإطلاقات والسيرة وسهولة الشريعة؛ كما عرفت آنفاً.

ومن ذلك يظهر أنَّ بعض مراتب الضعف لا تنافي بعض مراتب الوثوق والصدق، فلا وجه لطرح كلَّ ضعيف؛ وهذا ما يأتي بيانه.

ثالثها:يتبين ممّا سبق ذكره أنَّ دائرة التوثيق والتعديل أوسع من دائرة الجرح والتضعيف، إلّا أنَّ الذي يشاهده المتتبع في كتب الرجال أنَّ الاهتمام للتضعيف أكثر من اهتمامهم للتوثيق، بل ربَّما يظهر من بعضهم الحرص على ذلك، كما هو في تضعيفات إبن الغضائري الذي قالوا فيه: إنَّه لم يسلم أحد من

قدحه، ولا ثقة من جرحه.

وحينئذ لا بدَّ أنْ تعلم أنَّ الذي يقوم بهذه المهمة لا بد من توافر الصفات فيه، ومن دونها لا يمكن قبول تضعيفاته، فتسقط جملة من التضعيفات؛ وهي كثيرة:

منها من يعتمد على الظواهر، ويجمد عليها في تقييماته من دون مراقبة ما وراءها.

ومنها: تضعيفات الزاهد المتقشف؛ لاعتقاده أنَّ كلَّ من لم يكن مثله

ص: 105

يكون ضعيفاً.

ومنها:تضعيف كثير الشك بالنسبة إلى الآخرين ،وقليل الثقة بهم،فإنَّهيرى الناس على الخلاف دائماً.

ومنها:من يكون اهتمامه بالتضعيف أكثر من التوثيق، ومن أجل ذلك ذكر بعض العلماء في شروط القادح فضلاً عما ذكرناه؛ أن يكون مستقيماً في أحواله وطريقته، تاركاً لطرفي الإفراط والتفريط، وسطياً في تقويماته فيختص الإعتداد به بما إذا توافرت الشروط المتقدمة فيه.

وربما يعتذر لهم بأصالة عدم الحجيّة وبعض الروايات التي تدل على التشديد في هذا الموضوع،وكثرة الكذابة من عهد الرسول الكريم(صلی اللّه علیه وآله)و الأئمة السلام(علیهم السلام)، ولكن المتتبع لأخبار المعصومين(علیهم السلام)وأحوال أصحابهم، وعلماء هذه الطائفة (رحمهم اللّه تعالى)؛ لا يجد هذا الاهتمام بتضعيف نقلة الحديث ورواته، بل مقتضى جملة من الأخبار المتواترة، الحثّ على نقل الأحاديث، ونشر علوم أهل البيت(علیهم السلام). منها قولهم(علیهم السلام):

«إِعْرِفُوا مَنَازِلَ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا»(1).

ومنها: إطلاق قولهم(علیهم السلام):

«رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا.فَقُلْتُ(2)لَهُ : وكَيْفَ يُحْيِي أَمْرَكُمْ؟ قَالَ: يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا ويُعَلِّمُهَا النَّاسَ، فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا»(3).

ص: 106


1- الكافي (ط. الإسلامية)؛ ج 1 ص 50.
2- عَبْد السَّلَامِ بْن صَالِحٍ الْهَرَوِي حين سأل الإمام الرضا(علیه السلام).
3- عيون أخبار الرضا(علیه السلام)، ج 1 ص307.

ومنها: إطلاق الحَلَّالِ قال :

«قُلْتُ لِأَي الْحَسَنِ الرَّضَا(علیه السلام): الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُعْطِينِي الْكِتَابَ وَلَا يَقُولُ ارْوِهِ عَنِّي ، يَجُوزُ لِي أَنْ أَرْوِيَهُ عَنْهُ؟قَالَ فَقَالَ:إِذَا عَلِمْتَ أَنَ الْكِتَابَ لَهُ فَارْوِهِ عَنْهُ»(1).

ومنها:قول الإمام الصادق(علیه السلام):

«إِذَا حَدَّثْتُمْ بِحَدِيثٍ فَأَسْنِدُوهُ إِلَى الَّذِي حَدَّثَكُمْ فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَكُمْ وَإِنْ كَانَ كَذِباً فَعَلَيْهِ»(2).

ومنها:قول أبي جعفر(علیه السلام)في صحيح الحَذَّاءِ:

«واللَّهِ إِنَّ أَحَبَّ أَصْحَابِ إِلَيَّ أَوْرَعُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ وَأَكْتَمُهُمْ حَدِيثِنَا. وَإِنَّ أَسْوَأَهُمْ عِنْدِي حَالاً وأَمْقَتَهُمْ؛ لَلَّذِي إِذَا سَمِعَ الْحَدِيثَ يُنْسَبُ إِلَيْنَا وَيُرْوَى عَنَّا فَلَمْ يَقْبَلْهُ اشْمَأَنَّ مِنْهُ وجَحَدَهُ وكَفَرَ مَنْ دَانَ بِهِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الْحَدِيثَ مِنْ عِنْدِنَا خَرَجَ، وَإِلَيْنَا أُسْنِدَ؛ فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَارِجَاً عَنْ وَلَا يَتِنَا»(3).

ومنها : قول نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه وآله)في المستفيض نقله من الفريقين:

«نَضَّرَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهِ غَيْرُ فَقِيهِ ورُبَّ حَامِل فِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»(4).

وغير ذلك من الأخبار الكثيرة المستفيضة، بل المتواترة ،التي تدلُّ على أنَّ

ص: 107


1- الكافي(ط.الإسلامية)؛ج 1 ص 52 .
2- المصدر السابق.
3- الكافي (ط. الإسلامية)؛ ج 2 ص 223.
4- المصدر السابق؛ ج 1 ص 403 .

التماس تضعيف الأخبار مخالف لسيرة المعصومين(علیهم السلام)وأصحابهم.

ومقتضى ذلك كله أن يكون الاهتمام بالتوثيق والعناية به أكثر بمراتب من التضعيف، أو يكون الحكم به مختصاً بتلك الموارد التي لا يمكن الوصول إلى الوثوق فيها من طريق معتبر و معتد به.

والمستفاد من هذه الأخبار المتواترة إجمالاً؛ الاعتداد بكلِّ خبر أسند إلى المعصوم(علیه السلام)ما ثبت كذبه، بل يمكن تأسيس أصالة الوثاقة في رواة أحاديث الأئمة(علیهم السلام)إلا ما خرج بالدليل، فلا يبقى مجال للتمسك بأصالة عدم الحجية حينئذ، فلا بدَّ من التماس ما يقتضي الخلاف؛ ولعله لما ذكرناه وثّق جملة من الأعلام كابن عقدة، والشيخ المفيد، وابن شهر آشوب، والطبرسي، أربعة آلاف، فلا ينبغي أن يؤخذ بتضعيف كل أحد، وترك كلمات هؤلاء الأعلام.

ويمكن لنا أن نستدل على ما ذكرناه أيضاً بأنَّ شيوع الكذابة في الرواة من عصر النبي(صلی اللّه علیه وآله)كان من أهم أسباب إهتمام الرواة بشأن الأحاديث ونقلها والتفحص في أحوال من يروي عنه، فلو ظهر لهم أنَّ أحداً منهم يكذب في الرواية لشهروه بالكذب في الحديث أكثر ممّا يستحقه.

وقد كان أئمتنا(علیهم السلام)مواظبين أشدَّ المواظبة في الإعتناء برواياتهم،ويراقبون أصحابهم، ويهتمون لهذا الجانب، ويتبرؤون مِمَّن يكذب عليهم، كما اهتموا الاهتمام نفسه للجانب الآخر؛ وهو نشر الأحكام، وتبليغ الشريعة، وإيصاء أصحابهم بنشر الروايات وكتابتها.

فلو كان مجرد شيوع الكذابة مانعاً لما وصل إلينا هذا الكم الهائل من الأخبار .

فلعلَّ الأعداء كانوا يريدون من إلقاء هذه الشبهة رفع الثقة عن أحاديث

ص: 108

أهل البيت (سلام اللّه عليهم أجمعين)،أو الإحجام عن نقل الروايات وإضفاء صفة الوهن على أحاديثنا، وهذا من أهم سبل الضالين المنافقين في إسقاط ثقافة قوم.فتصدى لهم الأئمة الهداة(علیهم السلام) بأسلوب حكيم ورصين، فقد أسسوا قواعد مهمة في هذا المجال.

وقد نقلنا بعض الروايات فيما سبق ما تدلُّ على الاهتمام البليغ لنقل الأخبار ونشرها بين الناس.

وقد بيّنوا أموراً يميز بها الكاذب الذي لا يجوز الاعتماد على رواياته ونقله للأحاديث من غيره.

ثم إنَّ التضعيف والجرح لابد أن يرجعا إلى جهة الصدق فقط، إذ لا موضوعية للعدالة في الراوي - كما تقدم بيانه - وإنما هو طريق لإحراز الصدق فقط.

وأمّا الجرح والتضعيف من سائر الجهات، فإن رجعا إلى التكذيب بالملازمة العرفيّة أو الشرعيّة أو العقلية فإنَّه يقبل به وإلا فلا أثر له.

وبناءً على ذلك تنشد أبواب كثير من التضعيفات والجرح كما لا يخفى.

رابعها:قد ذكرنا أنَّ المناط هو إحراز الوثوق بالصدور، ولو كان من قرائن غير السند، وحينئذ يقبل خبر من عرف بالكذب، فكيف بمجهول الحال إذا كانت القرائن على صحة الصدور متوافرة .

ومن ذلك يظهر أنَّ بعض مراتب الضعف لا تنافي بعض مراتب الوثوق والصدق، فلا وجه لطرح كل ضعيف، ولا سيما بالنسبة إلى جملة كثيرة من التضعيفات؛ كما هو معلوم للخبير المتتبع.

ص: 109

قال السيد الوالد :«يمكن أن تكون جملة من التضعيفات من دسائس المعاندين، كما يصرحون في كتبهم القديمة والحديثة من أنَّ أحاديث الشيعة ضعيفة، والتوجه إلى هذه الجهة يحتاج إلى فحص كامل في كتبهم، ومع توثيقنا لرجالنا لا ينفعهم كالعكس.

ويا ليت العلماء بذلوا جهدهم في تطبيق أخبارنا مع أخبارهم النبوية، والأخذ بالمتَّفق عليه بيننا وبينهم، وهو كثير جداً مع اختلاف في العبارة».

ثم إنَّ جملة كثيرة من عبارات التضعيف لا ينبغي صدورها من العلماء، وقد كان المرجو منهم عدم التعرض لها إلّا بعد الفحص والتثبت الأكيد.

ويمكن لنا القول بأنَّ الطعون والتضعيفات الواردة بالنسبة إلى الرواة تحتمل وجوهاً:

الأول: أن يكون من الإمام(علیه السلام)لبيان الواقع، فيسقط الشخص عن الإعتداد به رأساً.

الثاني: أن يصدر لحفظ الراوي؛ كما صدر بالنسبة إلى زرارة.

الثالث: أن يكون من جهة الشيعة لبعض الأغراض الفاسدة.

الرابع: أن يكون من دسائس المعاندين للمذهب لأغراض شتى؛ كما هو معروف لدى أهل الخبرة.

فلا بدَّ من التأمل وتمييز الحقِّ من غيره، وقد وقع كثير من أعلام الرجال في الاشتباه وإذا زدنا على تلك أنَّ بعض التضعيف صادر من لا خبرة له؛ فإنَّه ليس من شأن كلِّ أحد، بل لا بدَّ من الرجوع إلى المختصين وأهل الخبرة، ومن له إحاطة بأخبار المعصومين(علیهم السلام)إحاطة تحقيقية، والإلمام بعصر صدورها،

ص: 110

وتوافر الشروط فيه.

وقد بلغ الأمر ببعض العجز عن التماس أي منشأ من مناشئ الوثوق والاطمينان ومثل هذا التضعيف نادر كما هو واضح للمتتبع.

ويتبين من جميع ذلك أنَّه يمكننا تأسيس الأصل في رواة أحاديث الأئمة

المعصومين(علیهم السلام)، ولاسيما أصحاب الإمامين الباقرين الصادقين(علیهما السلام)، وهو الوثاقة؛ إلّا ما خرج بالدليل.

وحينئذٍ لابد من التماس ما يقتضي الخلاف وإثبات الضعف.

ولعلّ ما صدر عن بعض من دعوى أصالة الصدق في أصحاب المعصومين مطلقاً - نبياً كان أو إماماً - يرجع إلى ما ذكرناه .

أو لأنَّها من الأصول العقلائية الجريان السيرة على استفادة آراء الشخص وأقواله وآثاره من أتباعه.

وعن السيد الوالد دعوى أصالة الصدق في أصحاب الإمامين الصادقين الباقرين(علیهما السلام)إلا ما خرج بالدليل، ونقل في تهذيب الأصول عن بعض المتتبعين دعوى أصالة الصدق في رواة الأحكام مطلقاً إلا ما خرج بدليل،لأصالة الصحة في الأفعال.

وحينئذ فإنَّ مقتضى إطلاق الأدلة اللفظية والسيرة ترتيب الأثر على خبر من أمكن تحقيق أول مرتبة الوثوق به، نظير العدالة، فإنَّ مقتضى الإطلاقات ترتيب آثار العدالة على من اتَّصف بأول مراتبها لا أزيد من ذلك كما هو مفصل في الفقه.

وممّا يزيد في وضوح ما ذكرناه، تقسيم طبقات الحديث على ثلاثة :

ص: 111

الأولى :طبقة التحمل والضبط، حفظاً أو كتابة في الأصول الأربعمئة وغيرها.

الثانية: طبقة الجمع في مثل الجوامع الأربعة المعروفة.

الثالثة: طبقة البيان والشرح والتفصيل والتحقيق، وهي مستمرة إلى يوم ظهور الحق.

فإذا كان الراوي مهتمّاً للحفظ والضبط،والمروي عنه مهتما للتبري ممَّن يكذب عليه،والسامع مهتماً للاستماع من الموثوق به؛ فلا بدَّ أنْ يحصل الوثوق عادة بما ورد في مثل الكتب الأربعة، ولا سيما إذا انضم إلى ذلك أنَّ غالب ما يسقط به الحديث عن الاعتداد به من الطعون والتضعيفات من جهة السند إنما صدرت في أواخر الغيبة الصغرى وأوائل الغيبة الكبرى؛ التي شاع فيها دسائس المعاندين والمغرضين، ومن المحتمل أنها كانت من دسائسهم لإيقاع الشبهات بين الناس.

وأمّا عصر حضور الأئمة(علیهم السلام)فالأمر كان على خلاف نواياهم، فانكشفت أحدوثتهم وكذبهم.

وأمّا بعد الغيبة فقد أظهر المعاندون المفسدون تفسيق الرواة والوقيعة فيهم، ودسّ في كتب الرجال حتى بلغ الأمر التشكيك في كلِّ نصٍّ يدلُّ على تضعيف رواة الأحاديث، لاحتمال كونه من دسائسهم.

وقد جرت عادة بعض علماء العامة قديماً وحديثاً على التصريح بأنَّ أخبار الشيعة ضعيفة، وهي عادة كل من كان له السلطة والغلبة في الظاهر على من كان مغلوباً كذلك.

وهذه من أهم القرائن الصحيحة التي تدل على أن التضعيف قد جاء

ص: 112

أكثره من جهتهم ومن دسائسهم.

يظهر من جميع ما تقدم أنَّ من أهم مناشئ ضعف الروايات:

الأول:الاعتماد على أصالة عدم الحجية.

الثاني: اضطهاد الظالمين للشيعة وأئمتهم(علیهم السلام)على مرِّ العصور، وطعن الأعداء في المذهب، واستعمالهم أدق الأساليب البغيضة في هذا السبيل، وكان من أهمها دسّ الروايات الضعيفة ونشر الأكاذيب بين الشيعة، ودخول الظالمين المجرمين بينهم واظهار أنفسهم بمظهر المؤمن المحب وهو يريد الطعن، ودسّ الأخبار، ومن راجع التاريخ يجد لذلك أمثلة كثيرة.

الثالث: اعتراف النبي(صلی اللّه علیه وآله )بذلك في قوله المعروف:

«قَدْ كَثُرَتِ عَلَيَّ الْكَذَابَةُ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(1).

ولكن شيئاً من ذلك لا يصلح أن يكون سبباً لتضعيف الأخبار،وجرح الرواة بهذه السعة التي قدمها أصحاب هذا المسلك.

أمّا الأول فلما عرفت من أنَّه لا يمكن الاعتماد عليه بعد الرجوع إلى الأخبار وتعيين الأساس الذي يعتمد عليه في معرفة الصحيح وتمييزه من السقيم كما تقدم بيانه.

وحينئذ يكون الرجوع إلى هذا الأصل كالرجوع إلى أصالة الإباحة بعد معرفة الأحكام إجمالاً، فإنَّ هذا العلم الإجمالي في كلا الموردين منجز يجب

الخروج عن عهدته بالرجوع إلى أسباب التوثيق.

ص: 113


1- الكافي (ط . الإسلامية)؛ ج 1 ص 62 .

وأمّا الثاني فلما تقدم بيانه من أنه بعد الرجوع إلى معرفة أحوال الرجال وتعيين الثقة منهم وتمييزه من غير الثقة،فلا وجه للرجوع إلى التضعيف،وقد وردت روایات متعددة في بيان القاعدة في كيفية العمل بالروايات.

ومنه يظهر الوجه في الأمر الثالث.

وقد بينا آنفاً أنَّ الرجوع إلى التضعيف مخالف لسيرة الأئمة الهداة(علیهم السلام)،و خواص أصحابهم ، وأنَّ جميعهم جميعهم لم يهتموا هذا النحو من الاهتمام للتضعيف والجرح والطعن في نقلة الأحاديث، بل إنَّ هناك أخبار كثيرة تدل بإطلاقها على عدم العناية به الا بعد العلم بالثبوت، وقد تقدم ذكر بعضها فيما سبق.

والحاصل مما ذكرناه أنَّ التماس تضعيف الأخبار مخالف لسيرة المعصومين(علیهم السلام)وأصحابهم، وإطلاق الروايات التي تحثّ على حفظ الأخبار ونشرها بين الناس والاهتمام لكتابتها؛ مع عدم نسيان أن أخبار أهل البيت(علیهم السلام)كانت تحت مراقبة الأئمة الهداة، وهم يرعون رواتها ويرشدونهم إلى موجبات الوثوق، وما يوجب الوهن والقصور، وبهذا اختلفت روايات أهل البيت(علیهم السلام)عن روايات غيرهم؛ كما هو معلوم لدى الخبير.

ولا يخفى أنَّ الاضطهاد المستمر الذي واجهه الشيعة كان من موجبات الحذر عندهم في أن لا يعتمدوا على كلِّ شخص، ولا يقبلوا كلّ رواية، ويحتاطون في نقل الروايات، وحفظ كتبهم من الدسِّ والتزوير.

وكذلك إنَّ علمهم بوجود الكذابة كان له الأثر الكبير في الاهتمام بالحديث نقلاً وضبطاً وناقلاً ومنقولاً عنه ومنقولاً إليه، واجتماعهم على إظهار كذب المفترين والكاذبين مهما أمكنهم إلى ذلك من سبيل، حتى يصح أن يقال: إنَّ الكذب في الاستناد كان ملازماً لظهور الكذب وفضيحة الكاذب.

ص: 114

المبحث الرابع عشر الخاتمة

ص: 115

ص: 116

المبحث الرابع عشر الخاتمة

النتائج التي يمكن استفادتها من البحوث المتقدمة هي :

الأولى: أنَّ علم الرجال عند يتّصف بالأمانة والدقة وتتوافر فيه جميع شروط التحقيق العلمي المعروفة في العصر الحاضر. وفيه من سعة الإحاطة ما يشمل المنظومة الروائية كلها.

الثانية: أنَّ المنظومة الروائية عند تعتمد على الوثاقة والتوثيق والدَّقة في تحصيلهما من مجموعة الدلائل والبراهين والقرائن الحاليّة والمقالية والملابسات التي أحاطت بها في عصر الصدور والتحمل والكتابة.

الثالثة: يشترط في دراسة المنظومة الروائية عند أن تكون ضمن دراسة تاريخ في جميع المراحل التي مرّوا بها، فإنَّهم كانوا في حال التقية وتحت ضغط ظلم الظالمين وأنواع العدوان، لأنَّ استحصال هذه المنظومة والحال هذه من الأمور الصعبة، ما لم يكن الباحث ملماً بالحوادث المحيطة بهم ودراسة الأوضاع التي

كانوا عليها.

الرابعة : أنَّ علماء قد اعتمدوا على ما حققه قدماء الأصحاب في علم الرجال، وأثبتوا صحة ما توصل إليه القدماء فيما يرتبط بهذه المنظومة، وقد

ص: 117

التزموا الحذر الشديد، والإحتياط الكامل من مكائد الأعداء، الذين سعوا حثيثاً لتقويض الأركان التي اعتمد عليها أصحابنا في سبيل تثبيت هذه المنظومة، فإنَّهم قد اجتهدوا في معرفة الصحيح وتمييزه من السقيم، وبيان الشواهد والقرائن التي اعتمدوا عليها وبينوا الطريقة الخاصة في إثبات الوثوق بصدور الرواية والراوي والتقويمات الرجالية وكتب الأخبار ؛ ما لم يدع مجالاً للشك.

ويا ليت العلماء المتأخرين قد بذلوا جهدهم في سبيل استخراج تلك الشواهد والقرائن والملابسات بدل ما بذلوه في سبيل تضعيف الأخبار وجرح الرواة.

الخامسة: أنَّ الايراد على هذه المنظومة الروائية بالضعف والإرسال وعدم العلم بالصدور من أجل إعادة النظر فيها وتحصيل الاجتهاد فيها مما لا ينبغي الإصغاء إليه ؛ بعدما عرفت من أنَّ هذه المنظومة قد أسست على قواعد رصينة ومنهج علمي صحيح معروف بين أهل التحقيق.

والإشكال عليها بذلك أساسه عدم الخبرة في هذا الموضوع والجهل بقواعد المنهج العلمي. مع أنه لا دليل لهم ما يصح الاعتماد عليه؛ كما تقدم بيانه.

السادسة: أنّ علم الرجال قد ميّز بين الرواة الموثوق بهم وغيرهم من الضعفاء بالطرق المعهودة على أساس القرائن والشواهد والملابسات التي كانت معروفة في عصرهم.

وأما الرواة الذين لم يُعلَم حالهم مِمَّن يعدّونهم من المجهولين، وعددهم ليس بالقليل، فإن أمكن إثبات ما يمكن رفع مجهوليتهم من دليل أو أصل فهو المتّبع، وإلّا فلا يمكن الاعتماد عليهم.

ومن أجل ذلك فقد اختلف العلماء في معاملة هذه المجموعة.

ص: 118

فمنهم :من عاملهم مثل معاملته الضعفاء؛ فإذا ورد في سند رواية مَن هو مجهول الحال طرح الرواية.

ومنهم:من عاملهم بالاعتماد على أصل أو إطلاق الأخبار واعتمد عليه، وعدّ الرواية حينئذ ممّا يصح الاعتماد عليها؛ هذا بناء على المسلك المعروف في أنَّ الاعتماد على الروايات إنَّما يكون عن طريق السند المعتد به؛ وأما بناء على المسلك الآخر؛ الذي يعتمد على الوثاقة بالصدور ؛ فلا يضرُّه وجود مجهول الحال في سند الرواية إذا كانت فيها ما يوجب الوثوق بالصدور ولو من غير ناحية السند؛ كما تقدم.

ومنهم :من أنكر وجود مجهول الحال في الرواة، وهو الذي اختاره السيد الوالد كما ذكره في تهذيب الأصول، ولا سيما في أصحاب الإمامين الهمامين الباقرين الصادقين(علیهما السلام)، بل عن بعض في جميع روايات الأحكام. كما تبين تفصيله مما ذكرناه.

والصحيح إنَّ مجهولية الراوي إنَّما تضر وتوجب سلب الاعتماد على الرواية إذا كان الراوي في مقام الكذب،والا فلا تضر جهالة الراوي بالخبر.

السادسة: أنَّ المعتبر في الوثوق، إنَّما هو الوثوق من جهة الصدق فقط، لا من كل جهة، فلو كان الراوي غير موثوق به في نقل القصص - مثلاً - ولكنه موثوق به في نقل الأحكام الفرعيّة، يقبل قوله فيما كان موثوقاً به فيه فقط.

السابعة: موجبات الوثوق بالصدور كثيرة جداً، ولاسيما في عصر حضور المعصومين(علیهم السلام)، وأوائل الغيبة الصغرى؛ وليست منحصرة في الوثوق بالرواة فقط.

وقد ذكرنا جملة منها فيما سبق، وذكر شيخنا المحدث الحر العاملي

ص: 119

بعضها في خاتمة الوسائل (الفائدة الثامنة)، وهناك موجبات أخرى يستخرجها الفقيه المتتبع.

الثامنة: عمدة ما نحتاج إلى توثيقه سنداً إنَّما هو الواجب والحرام مطلقاً؛ نفسياً كان أو غيرياً لبناء العلماء في غيرهما على المسامحة في السند،ودواعي الكذب فيهما قليلة جداً ولا سيما مع بناء المعصومين (علیهم السلام)، والثقات من الرواة، على تفضيح من يشمّ منه رائحة الكذب فيهما .

ولا إشكال في الاعتداد بالخبر الموثوق به مطلقاً، سواء كان مفاده الأحكام الفرعيّة، أو غيرها من المعارف، أو الأخلاقيات أو القصص والحكايات والتكوينيات، وغيرها؛ لشمول الدليل للجميع بلا مانع في البين.

التاسعة: أنَّ الطعون والتضعيفات إنَّما تؤثر فيهما إذا صدرت من أهل الخبرة، الذين تتوافر فيهم الشروط المطلوبة كما تقدم ذكرها، فليس كلّ قدح وجرح وتضعيف معتدٌّ به.

العاشرة: أنَّ غالب التضعيفات صادرة من الأعداء، ولا سيما بعد تثبيت المذاهب الأربعة في الفروع الفقهية، وتثبيت العقيدة الأشعرية، فلا اعتداد بكلِّ تضعيف.

الحادية عشرة: أنَّ الأصل في الرواة الاعتماد ؛ إلا ما خرج بالدليل، وحينئذٍ لا يبقى راوٍ مجهول الحال، الّا إذا أريد من المجهولية عدم توثيق الراوي من حيث شهرته بالكذب.

الثانية عشرة: أنَّ الاعتماد على أقوال مؤلفي الجوامع الأربعة في إثبات حجيتها إنَّما هو من الطرق التي يعتمد عليها العقلاء وما يوجب الاطمئنان، وإنْ أشكل عليها بعض من أشكل.

ص: 120

وعليه تكون الأخبار المروية في الكتب الأربعة معتدٌّ بها إلا ما خرج بالدليل، فلا يجوز ردّ الرواية لمجرد وجود طعن في أحد رواتها، فإنّه يختص فيما إذا لم يمكن تصحيحها بوجه من الوجوه.

هذا ما أردنا إثباته في هذه البحوث على سبيل الاختصار والتفصيل موكول إلى أهل التحقيق؛ وعليه يكون التوغل في الإسناد والتماس الطعن وردّ أخبار أهل البيت(علیهم السلام)،خلاف سيرة الأئمة المعصومين(علیهم السلام)وطريقة العلماء المحققين.

نعم ؛ هو سبيل العاجز عن التحقيق كما وصفهم بعض الأعلام، وهذا هو لسبيل الأمثل الذي يصحُ الاعتماد عليه في استفادة الأحكام الشرعية الإلهية من السنة الشريفة.

والحمد للّه أولا وآخراً

ص: 121

ص: 122

المصادر والمراجع

محتويات الكتاب

ص: 123

ص: 124

المصادر والمراجع

1 - القرآن المجيد؛ كلام اللّه عز وجلّ.

2- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد؛الشيخ المفيد الناشر: مؤتمر الشيخ المفيد ؛ قم المقدسة ؛ الطبعة الأولى؛ 1413ه.

3-تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة؛ الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي؛ مؤسسة آل البيت(علیهم السلام)؛ قم المقدسة؛ الطبعة الأولى؛ 1409ه.

4- توحيد المفضل ؛ المفضل بن عمر ؛ الناشر : داوري؛ قم المقدسة؛ الطبعة الثالثة.

5 - تهذيب الأصول ؛ السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري؛ مطبعة الهادي؛الناشر: مكتبة آية اللّه العظمة السيد علي السبزواري؛ الطبعة الثالثة؛ 1417ه، 1996م.

6 - رجال النجاشي؛ أحمد بن علي النجاشي؛ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة؛ الطبعة السادسة؛ 1406ه.

7 - العدَّة في أصول الفقه (للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي)؛ تحقيق محمد رضا الأنصاري القمِّي؛ الطبعة الأولى؛ 1417 ه.ق ؛ مطبعة ستاره؛ قم المقدسة.

8- عيون أخبار الرضا(علیه السلام)،محمد بن علي ابن بابویه؛ محقق / مصحح: مهدي

ص: 125

اللاجوردي؛ نشر جهان طهران؛ الطبعة الأولى؛ 1420ه.

9 - الفصول المهمة في أصول الأئمة (تكملة الوسائل)؛ الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي؛ محقق / مصحح: محمد بن محمد الحسين القائيني؛ مؤسسة الإمام الرضا(علیه السلام)للمعارف الإسلامية؛ قم المقدسة؛ الطبعة الأولى؛ 1418ه.

10 - قوانين الأصول (ط. الحجرية)؛ للمحقق الميرزا أبي القاسم ابن محمد حسن القمي.

11 - الكافي (ط.الإسلامية)؛ محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني؛ دار الكتب الإسلامية، طهران الطبعة الرابعة؛ 1407ه.

12 - کامل الزيارات؛ جعفر بن محمد ابن قولویه؛ دار المرتضوية ؛النجف الأشرف ؛ الطبعة الأولى؛ 1397ه.

13 - مشرق الشمسين وإكسير السعادتين مع تعليقات الخواجوئي؛ نشر

استان قدس مشهد؛ الطبعة الأولى؛ 1414ه.

14 - المعالم؛ جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي؛ مطبعة الآداب في النجف الأشرف ؛ الطبعة الأولى؛ 1391ه.

15 - المعتبر في شرح المختصر؛ المحقق نجم الدین جعفر بن حسن الحلي؛ نشر مؤسسة سيد الشهداء (علیه السلام)و قم المقدسة ؛ الطبعة الأولى؛ 1407ه.

ص: 126

محتويات الكتاب

المدخل...9

المبحث الأول: الغاية من علم الرجال ...17

المبحث الثاني : في أسس علم الرجال ...21

المبحث الثالث: لحاظ دراية الرجالي ومعرفته بتلك الجهات ...25

المبحث الرابع: في أساس عمل الرجالي ...29

المبحث الخامس: قواعد علم الرجال ...37

المبحث السادس: في العقبات التي واجهت العلماء في هذه المهمة ...41

المبحث السابع: الملاك في تعيين الوثاقة بالصدور ...49

المبحث الثامن: الدليل على أصالة الوثاقة في المنظومة الروائية الشيعية...55

المبحث التاسع: دفع بعض ما أوردوه في المقام 69

المبحث العاشر : نظريات الفقهاء في العمل بالروايات... 77

المبحث الحادي عشر : موارد الحاجة إلى السند في الأخبار...91

المبحث الثاني عشر مراتب الوثوق والاطمئنان بالصدور...97

المبحث الثالث عشر في الجرح والتعديل...103

المبحث الرابع عشر : الخاتمة ...117

المصادر والمراجع...125

ص: 127

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.