تظلیل المحرم موضوعاً وحُكماً

الهوية الکتاب

تَظْلِيلُ المُحرِم

موضوعاً وحُكماً

تأليف: آية الله السيد علي الموسوي السبزواري.

الناشر: دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع/ كربلاء المقدسة.

الطبعة: الأُولى (1000 نسخة).

التاريخ: 1439 ه-.ق / 2018 م

© جميع الحقوق محفوظة للناشر

ص: 1

اشارة

تَظْلِيلُ المُحرِم

موضوعاً وحُكماً

تأليف: آية الله السيد علي الموسوي السبزواري.

الناشر: دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع/ كربلاء المقدسة.

الطبعة: الأُولى (1000 نسخة).

التاريخ: 1439 ه-.ق / 2018 م

© جميع الحقوق محفوظة للناشر

ص: 2

تَظْلِيلُ المُحرِم

موضوعاً وحُكماً

آية الله السيد

علي الموسوي السبزواري

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

اللهمَّ كُنْ لِولِّيكَ الحُجَّةِ ابنِ الحَسَ-ن صَلواتُكَ عَليه وعَلى آبائِه فِي هذهِ الساعَةِ وَفِي كُلِّ ساعة ولياً وحافِظاً وقائِداً وناصِراً ودَليلاً وعَيناً حتّى تسكنه أرضَكَ طَوعاً وَتُمتعَه فِيها طَويلاً بِرَحمتِكَ يا أرحَمَ الراحمين

ص: 5

ص: 6

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد؛ فهذه رسالة وجيزة في موضوع من الموضوعات التي وقع الخلاف فيه بين فقهاء العصر بعدما كانوا على إتّفاق, وهو موضوع (تظليلُ المُحرِم) الذي له إرتباط وثيق بالواقع العملي للمسلمين في فترة من فترات حياتهم العملية, والإختلاف وإنْ كان قديماً في هذا الموضوع ولكنهم في مقام الفتوى كانوا متَّفقين قولاً واحداً. فكان البحث عنه قليل الجدوى, إذ حتى من كان من الفقهاء يناقش في بعض الأدلة فهو لا يتعدّى الكتب الإستدلالية, أمّا في مقام الفتوى وطرح الحكم على المقلدين فهو لا يخرج عن الإطار الذي وضعه علماؤنا الأبرار (قدس الله أسرارهم) حيث كان الإحتياط منهجهم, وعدم إيقاع الناس في خلاف الواقع سبيلهم, فقد كانوا يهتَّمون بالمشهور بين الفقهاء ولا يتعدونه مهما بلغ بهم الأمر إلا نادراً.

ولكن لما كانت الإنسيابية من سمات هذا العصر والتمرد على القواعد المرعية من أهله حتى بلغ ذلك إلى من له منزلة في العلم, فأضحى التقوُّل على السلف من شواهد العلم والفضيلة ودليلاً على الأعلمية؛ كأنَّ الذي لم يخالف السلف الصالح في رأيٍ لم يكن له حظٌّ من العلم؛ فضلاً عن كونه أعلم.

ص: 7

وقد كانت دعواهم في ذلك أنَّه إجتهاد وبابه مفتوح ولا يحقُّ لأحد غلقه والصدّ عنه, فكأنَّها مقولة لم يتفطن إليها أحد من المتقدمين وقد منَّ الله عَزَّ وَجَلَّ بهذه الموهبة على الخلف؛ بالتحديد من قاربناهم ولذلك أسباب عديدة لا تخفى على الناقد البصير وأهمها الإبتعاد عن كلمات الأئمة الأطهار علیهم السلام وعدم التعمق في مقاصدهم ومراداتهم ومحاولة صرفها عن المعنى المقصود وتطبيقها على ما حققوه من القواعد والتحقيقات المدَّعاة, فابتعدوا عن مقصود صاحب الشرع وتشعبت الإحتمالات وازدادت الأقوال, فكان من آثار ذلك الإعراض عن القواعد التي رسمها أساطين الفقهاء في مجال الإستنباط الفقهي؛ الذي كان لهم مكانتهم في العلم والورع والتقوى, ولهم قدم راسخ في الفقاهة؛ بحيث تطمئن النفس إلى هذا التوافق المقصود بينهم وأنَّه الأقرب إلى الواقع الذي لم يدَّع أحد من العلماء العلم به. فليكن مخالفة المشهور أمراً جائزاً في حدِّ نفسه لأنَّ المتَّفقين لم يصل أحد منهم إلى درجة العصمة حتى تكون مخالفتهم مُحرِمة, فهم وغيرهم على حدٍّ سواء يصيب ويخطئ, مضافاً إلى أنَّ الأدلة التي هي مورد إجتهادهم ومسرح الأفكار عندهم نفسها هي التي وصلت إلى من بعدهم.

ولم يتميّز إجتهادهم بأمر خلاف ما عليه غيرهم إنْ لم نقل بأنَّ قانون التطور الساري في الخليقة يهدي إلى تميّز الأفكار اللاحقة بميزات كانت مفقودة في فكر الأولين, كما هو الشاهد المحسوس.

نعم؛ يحتمل إقتران الأدلة بقرائن عند السلف مِمّا يوجب كونهم أقرب إلى الواقع (ولكنه) بعيد عن الحقيقة والواقع كما هو المعروف, بل أمر مشكوك لا يعتمد

ص: 8

عليه في أنظار العلماء (قدس الله أسرارهم), هذه هي بعض الأمور التي جعلت بعض المتأخرين يقع في ورطة مخالفة المشهور, وقد تعدَّت عن طورها حتى وصل الأمر بالبعض إلى إستحداث آراء جديدة لم يكن لها في كتب القدماء عين ولا اثر متشبثين بكل أمر حتى الإستحسان والمصالح المرسلة التي كان الفقه الجعفري بمعزل عنها.

وليس كلامنا هذا إلا لأجل التخوف الكبير على الجيل الناشئ من الفقهاء الذين تربَّوا في أحضان هؤلاء مِمَّن تتراكم عليهم الظنون مِمّا يوجب الإبتعاد عن الأسس والقواعد المرعيَّة في الفقه الإمامي النزيه عن الأوهام والظنون غير المعتبرة, فينشأ فقه جديد غير ما عرفناه, فتصدق المقولة التي طالما كُنَّا نتفكر في توجيهها بأنَّ إمام العصر (أرواحنا له الفداء) يأتي بدين جديد.

والكلام في ذلك ذو شجون وله موضوع آخر, وكان القصد إثارة هِمم الفقهاء ليتفكروا في الأمر قبل فوات الأوان, ويأخذوا العبرة مِمّا كان عليه السلف الصالح في حفظهم لهذا الفقه عن تدخل الأوهام مع أنَّه لا تخلو العصور السابقة من أمثال هؤلاء, فقد كانوا لهم بالمرصاد واتَّبعوا معهم طرقاً معروفة حتى أوصلوا هذا العلم لنا عيناً صافية نقية فيجب علينا حفظه والله المستعان.

ومن الموضوعات التي وقع الخلاف فيها في هذه الأعصار؛ التظليل للمُحرِم, الذي عرفت بهِ الإمامية منذ عهد صدور الروايات, مِمّا سبَّب لهم الضيق من أعدائهم والإستهزاء بهم, فقد حدثت فيه أقوال وآراء جديدة.

ص: 9

وفي هذا البحث نذكر هذا الموضوع على ما هو المستفاد من النصوص التي وردت عن المعصومين علیهم السلام وما تدلُّ عليه القرائن المعتبرة, ونذكر الفروع المتعلقة به ليكون بحثاً مستوفياً.

ومن الله عَزَّ وَجَلَّ نستمد العون ونطلب التوفيق إنَّه سميع مجيب.

علي الموسوي السبزواري

النجف الأشرف

27 / محرم الحرام / 1422 ه-

ص: 10

البحث الأول حرمة التظليل للمُحرِم

ص: 11

ص: 12

إتَّفق الفقهاء (قدس الله أسرارهم) على حرمة التظليل للمُحرِم اختياراً في حال السير ولكن وقع الخلاف في نقاط ثلاث:

الأولى: إختصاص الحرمة بالتظليل في النهار عن الشمس فقط, أو المطر؛ كما ألحقه بها بعضهم؟. فلا يشمل التظليل في الليل والفجر وما بين الطلوعين.

الثانية: إختصاص الحرمة بالتظليل عمّا من شأنه أنْ يظلل عنه فيعمّ الشمس والمطر والبرد ونحو ذلك؟. فلا يشمل ما إذا لم يكن شيء أصلاً.

الثالثة: إطلاق الحكم بحيث يشمل جميع الأزمنة والأنواع؟, بل حتى لو لم يكن شيء من شأنه أن يظلل عنه, فهو حكم تعبدي خاص.

ولا فائدة مرجوَّة في نقل كلمات الفقهاء إذا لم تكن من الإجماع المعتبر, لأنَّهم بين من يكون كلامه مطلقاً, كإبن البراج في المراسم: (والتظليل على نفسه أو محمله)(1).

والشيخ المفيد قدس سره : (ولا يظلِّل على نفسه إلا أنْ يخاف الضرر العظيم فيفعل ذلك, فإنْ ظلَّل على نفسه مختاراً فعليه الفداء)(2).

والشيخ الطوسي قدس سره : (ولا يجوز للمُحرِم أنْ يظلل على نفسه إلا إذا خاف الضرر العظيم, ويجوز أنْ يمشي تحت الظلال)(3).

ص: 13


1- المراسم؛ ص120.
2- المقنعة؛ ص422.
3- النهاية؛ ص220.

والسيد ابن زهرة: (ويحرم على الرجل أنْ يستظل وهو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه كالقبة) (1).

والمحقق الحلي قدس سره : (وتظليل المُحرِم عليه سائراً)(2).

والمحدث البحراني قدس سره : (يحرم على المُحرِم حالة السير الإستظلال)(3).

وقال النراقي قدس سره : (التظليل للرجل راكباً)(4).

إلى غير ذلك من اقوالهم مِمّا ورد فيه لفظ التظليل مطلقاً من دون اختصاص له بالتظليل من الشمس إلا أنْ يقال بظهور الكلمة فيه, ولأجله أستغني عن ذكر الشمس, ولكن سيأتي الكلام في ذلك إنْ شاء الله تعالى.

ومنهم من يظهر منه التقييد بكون التظليل عن الشمس كالسيد في الإنتصار فقال: (ومِمّا ظن إنفراد الإمامية به, ولهم فيه موافق: القول بأنَّ المُحرِم لا يجوز أنْ يستظل في محمله من الشمس إلا عن ضرورة, وذهبوا إلى أنَّه يفدي ذلك إذا فعله بدم)(5). ولكن إستفادة التقييد من الكلام المزبور محل تأمل, إذ هو في مقام بيان موضوع الخلاف بين الفريقين, كما هو الغالب في كتب الفقه المقارن, فلا يمكن إستفادة الخصوصيات إلاّ إذا رجعنا إلى بقية الكلمات, اللهم إلاّ أنْ يستفاد من نفس لفظ (يستظل) كما ذكرنا.

ص: 14


1- الغنية؛ ص159.
2- الجواهر؛ ج6 ص643.
3- الحدائق الناظرة؛ ج15 ص 347.
4- المستند؛ ج12 ص25.
5- الإنتصار؛ ص245؛ مسألة 128.

وكيف كان؛ فإنَّه لا عبرة بتلك الكلمات ما لم تصل حد الإجماع المعتبر, وهو متحقق بالنسبة إلى أصل الحكم وهو (حرمة أصل التظليل), وأما الخصوصيات فلا بُدَّ من إستفادتها من النصوص الواردة في هذا الموضوع؛ كما ستعرف.

ومنهم من قد يظهر منه الإستحباب ورجحان ترك التظليل كالجنيد الإسكافي قال: (يستحب للمُحرِم أنْ لا يظلل على نفسه, لأنَّ السنة بذلك جرت فإنْ لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روي عن أهل البيت جوازه)(1).

وفهم صاحب الجواهر من هذه العبارة ملائمة الإستحباب فيها للوجوب؛ قال: (ويمكن أنْ يريد بالمستحب ما لا ينافي الواجب وإنْ كان يشهد له مضافاً إلى الأصل).

وقد يظهر الإستحباب أيضاً من الصدوق حيث قال: (ولا بأس أنْ يضرب على المُحرِم الظلال, ويصدق بمُدٍّ لكل يوم)(2).

نعم؛ يمكن أنْ يقال أنه قدس سره : ناظر إلى المضطر, وعليه سوف يبقى الوجوب على حاله.

وقد يُنقض برواية علي ابن جعفر: (سَأَلْتُ أَخِي علیه السلام : أُظَلِّلُ وَأَنَا مُحرِم فَقَالَ نَعَمْ وَعَلَيْكَ الْكَفَّارَةُ)(3), بدعوى أنَّه علیه السلام جوَّز له التظليل غاية الأمر أنَّه مع الكفارة.

ص: 15


1- مجموعة فتاوى إبن جنيد؛ ص128؛ مسألة 7.
2- المقنعة؛ ص234.
3- مسائل علي ابن جعفر ومستدركاتها؛ ص273.

ويرده: إنَّ الرواية قضية في واقعة شخصية لا نعرف معالمها وظروفها. ولا مجال للتمسك بفكرة ترك إستفصال الإمام علیه السلام منه فإنَّها تجري في حالة كون السؤال كلياً أو عن كلّي.

ص: 16

البحث الثاني توضيح المعنى اللغوي

ص: 17

ص: 18

إنَّ الخلاف المتقدم ذكره في هذا الموضوع إنَّما نشأ من ورود بعض الألفاظ في الروايات واستعماله في كلمات الفقهاء. وهي ترجع إلى مادة (الظاء واللام). كالظلِّ, والإستظلال, والتظليل, وسائر مشتقات هذه المادة.

وكلمة الإضحاء في قولهم علیهم السلام : (اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ)(1).

ولتوضيح الأمر لا بُدَّ من عرض الكلمات المزبورة على اللغة والفهم العرفي, ثم نرى هل هما المقصودان في النصوص أم يستفاد منها معنى أعمّ مِمّا ذكره أهل اللغة.

قال الطريحي: (الظلُّ هو الفيْ الحاجز بينك وبين الشمس, والظلُّ جمع ظُلَّة, كالقِلال (بالكسر) جمع قُلَّة, وهي الشيء الذي يستتر به من الحرِّ والبرد, ومنه ظُلَّة بني ساعدة, وأظلَّني الشيء غشيني, ومنه قوله تعالى: (2) أي دائم لا تنسخه الشمس, كظلِّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس)(3).

ويستفاد منه أنَّ الظلَّ تارة يستعمل ويراد به الفيء الحاجز عن أشعة الشمس, وأخرى يراد به ما يُستظلُّ ويُستتر به من الحر والبرد.

وقد تستعمل الكلمة في غير ذلك المعنى, كما في قولهم علیهم السلام : (السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يَأْوِي إِلَيْهِ كُلُّ مَظْلُومٍ مِنْ عِبَادِهِ)(4).

ص: 19


1- الكافي (ط. الإسلامية)؛ ج4 ص350.
2- سورة الواقعة؛ الآية 30.
3- مجمع البحرين؛ مادة: ظلل.
4- الأمالي (للطوسي)؛ ص634.

وفي الحديث: (قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ)(1), أي دنا منكم وصار ظلاله عليكم لقرب وصوله.

وعالم الظلال أو الأظلّة: وهو عالم المجردات؛ لبعدها عن الأوهام شبّه بالذر والظلال, لأنَّها وإنْ كانت شيئاً ولكنها ليست من قبيل الأشياء المادية المحسوسة.

واستظل بفيئه: أي التجأ إليه؛ وهو كناية.

وقال الجوهري: (الظلُّ معروف والجمع ظلال, والظلال أيضاً ما أظلَّك من سحاب ونحوه, وأظلَّ يومنا إذا كان ذا ظلٍّ, أظلّتني الشجرة وغيرها)(2).

وقال الزمخشري: (أظلّني الغمامُ, والشّجر، وظلّلني من الشّمس، وتظلّلتُ أنا واستظللتُ، وظِلٌ ظليل، وأيكة ظليلة، ويومٌ مُظلّ دائم الظّلّ، وقد أظلّ يومُنا، وقعدنا تحت ظُلّة, وظُلَل، واتخذنا مِظلّة ومَظَالّ)(3).

وقال الفيوني: (ظلّ الشيء, وظلّل أمتد ظلّه, فهو مظل ومظلّل, أي ذو ظلٍّ يستظلُّ به)(4). وغير ذلك من أقوالهم المذكورة في هذه المادة من كتب اللغة.

ويستفاد منها أنَّ الظلَّ تارة يطلق ويراد منه ما يُستظلُّ به من سقف وشجر وغمام وغيرها. وأخرى يراد منه ما يُستظلُّ عنه والغالب أنَّهم يذكرون الشمس, وذكر الجوهري السحاب, والفيومي أطلق القول, فيكون ذكرها من باب أظهر الأفراد وأكثرها تماساً بالأشخاص وشدة إحتياجهم إلى التظليل منها.

ص: 20


1- تهذيب الأحكام؛ ج4 ص402.
2- الصحاح؛ ج5 ص1755.
3- أساس البلاغة؛ ص403.
4- المصباح المنير؛ ص527.

ومن ذلك يعرف معاني بقية المشتقات كالتظليل, والإستظلال فإنَّها تدلُّ على إتّخاذ الظلّ لكلِّ ما يدفع به الأذى من جهة الفوق ويكون أشده وأكثره شيوعاً التستر عن الشمس, ومن هنا يظهر صحة ما ذكره إبن فارس بل موافقته للتحقيق حيث قال: (إنَّ هذا الأصل يدلُّ على ستر شيء لشيء وهو الذي يسمى الظل, وكلمات الباب عائدة إليه)(1) وهو الموافق للمستفاد من النصوص الواردة في المقام فإنَّها اشتملت على الفاظ هذه المادة (الظاء واللام) وهو الأكثر, ولفظ الستر, والتغطية.

فإنَّه وإنْ قلنا باختصاص الظل والتضليل والإستظلال بالتسّتر عن الشمس إلا أنَّه لا بُدَّ من رفع اليد عن ذلك لظاهر الروايات الأخرى.

وكذا إنْ قلنا أنَّها تدلُّ على الأعمّ وذكر الشمس إنَّما هو لكونها أكثر الأفراد إبتلاءً, فلا يفيد مثل هذا الإنصراف كما هو المعلوم.

هذا ما يتعلق بهذه المادة (الظاء واللام).

وأما الإضحاء فهو من الضحى (مقصور) يذكّر ويؤنّث, يأتي بمعنى الظهور, واعتزال الظلّ والكنّ, قال الطريحي: (يقال: ضَحَيْتُ للشمس وضَحِيتُ إذا برزت لها وظهرت, ومنه: أَضِحْ لمن احرمت له.

وقال في الصحاح: يرويه المحدثون أضح لمن أحرمت, أَضِحْ (بفتح الألف وكسر الضاد) وإنَّما هو بالعكس, وضَحْوَةُ النهار بعد طلوع الشمس, ثم بعده الضحاء؛ ممدود مذكر, وهو عند ارتفاع النهار, وفي دعاء الإستسقاء: حتى

ص: 21


1- مقاييس اللغة؛ ج3 ص461.

ضاحت بلادنا وأغبرت أرضنا أي برزت للشمس وظهرت بعد النبات فيها من ضحيت للشمس برزت)(1).

وقال إبن الأثير: (وضحا ظلُّه أي مات, يقال: ضحا الظلُّ, إذا صار شمساً, فإذا صار ظلُّ الإنسان شمساً فقد بطل صاحبه, ومنه حديث الاستسقاء (حَتَّى ضَاحَتْ بِلَادُنَا وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا)(2), أي برزت للشمس وظهرت لعدم النبات فيها. وهي (فاعلت) من ضحى, مثل (رامت) من (رمى), وأصلها (ضاحت) ومنه حديث إبن عمر: رأى مُحرِماً قد إستظلَّ, فقال: أَضِحْ لمن احرمت له. أي: إظهر واعتزل الكنّ والظلّ, يقال: ضَحَيْتُ للشمس, وضَحِيتُ أَضْحَى فيهما إذا برزت لها وظهرت)(3).

ويقرب من ذلك عبارات أرباب المعاجم اللغوية والمستفاد منها أنَّ (الإضحاء) تأتي بمعنى الظهور والبروز واعتزال الكنّ, فإنْ نسبت إلى الشمس التي ذكرنا أنَّها أظهر الأفراد وأكثرها ابتلاءً كان المراد البروز للشمس واعتزال الظلّ, فلا تدلُّ على الإختصاص, وهذا هو المستفاد من قولهم علیهم السلام : (اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ)(4) الذي يدل على معنى دقيق اكثر مِمّا يذكره ارباب اللغة؛ كما سيأتي.

ص: 22


1- مجمع البحرين؛ ج1 ص270.
2- المصدر السابق.
3- النهاية لابن أثير؛ ج3 ص77؛ مادة (ضحا).
4- الكافي (ط. الإسلامية)؛ ج4 ص350.

وإنْ أبيت إلاّ أخذ ظواهر كلمات أهل اللغة, فإنَّها لا يمكن الإعتماد عليها في تعيين المراد شرعاً, مضافاً إلى أنَّه لا وجه للإعتماد على قول اللغوي لعدم حجيته إلاّ إذا أوجب الإطمئنان بالمراد من قوله, كما هو الثابت في علم الأصول.

ولعله لأجل ما ذكرناه لم ينقل فقهاؤنا الأبرار (قدس الله اسرارهم) أقوال اللغويين في المقام؛ إمّا لعدم الشكّ في المعنى اللغوي والعرفي حتى يحتاج إلى نقل أقوالهم, أو لأجل أنَّ الكلام في المراد من الأخبار, فإنَّ تعين ذلك فلا حاجة إلى المعنى اللغوي وإلا كان هو المتعين.

فلا ينقضي العجب مِمَّن نقل عبارات اللغويين في المقام لبيان المعنى اللغوي للمفردات التي وردت في الأخبار وكلمات الفقهاء, مع أنَّ اللازم هو الرجوع إلى الروايات وإستخراج المقصود منها لا العكس.

ونحن إنَّما ذكرنا بعض كلمات اللغويين لأجل إيضاح الفرق بين ما يستفاد منها وبين ما هو ظاهر في الروايات تحقيقاً للمطلب.

ص: 23

ص: 24

البحث الثالث النصوص والأخبار الواردة في المقام

اشارة

ص: 25

ص: 26

في ذكر النصوص والأخبار الواردة في المقام؛ التي يقرب تعدادها من ثلاثين خبراً, ويمكن تصنيفها إلى طوائف.

الطائفة الأولى: ما يدلُّ على مطلق التظليل وهي متعددة.

1- صحيحة عَبْدِ اللَّهِ ابن الْمُغِيرَةِ قَالَ: (قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ علیه السلام : أُظَلِّلُ وَأَنَا مُحرِم؟ قَالَ علیه السلام : لَا, قُلْتُ: أَفَأُظَلِّلُ وَأُكَفِّرُ؟ قَالَ: لَا, قُلْتُ: فَإِنْ مَرِضْتُ؟ قَالَ ظَلِّلْ وَكَفِّرْ, ثُمَّ قَالَ علیه السلام : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ: مَا مِنْ حَاجٍّ يَضْحَى مُلَبِّياً حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ إِلَّا غَابَتْ ذُنُوبُهُ مَعَهَا)(1). وهذه الصحيحة من محكمات أخبار المقام تكون مرجعاً لسائر الأخبار عند الشكِّ في دلالتها, كما هو الحكم في إرجاع المتشابهات إلى المحكمات, وهي تدلُّ على أمور:

· الأول: حرمة التظليل لظاهر النهي.

· الثاني: عدم جوازه إختياراً ولو مع نيَّة التكفير, فإنَّ الحرمة لا ترتفع لمجرد الإلتزام بالكفارة؛ ما لم تكن ضرورة في البين.

· الثالث: دلالتها على جواز التظليل مع الإضطرار, كالمرض.

· الرابع: إنَّ ثبوت الكفارة في المقام يدلُّ على الحرمة, وإنْ لم يكن كذلك في غيره لأنَّه أعم, كما هو المعروف.

· الخامس: دلالتها على أنَّ الإضحاء للشمس إنَّما هو لأجل نيل الثواب الجزيل والأجر الكثير, فيكون الإضحاء لأجل البروز والظهور لا

ص: 27


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج12 ص516.

لخصوص الشمس, وهذا هو المراد في ظاهر الشرع, فلو كانت الكلمة تدلُّ لغة على الإضحاء للشمس فقط, لا بُدَّ من رفع اليد عنها لأجل هذه الصحيحة وأمثالها مِمّا ستعرف, مضافاً إلى ما عرفت أنَّ دلالتها اللغوية أيضاً محل تأمل, كما تقدم.

· السادس: إنَّ هذه الصحيحة قد إشتملت على الكلمتين المداولتين في سائر الروايات وكلمات الفقهاء, وهما لفظ التظليل, والإضحاء.

وهذا من أسباب جعل هذه الصحيحة من المحكمات.

· السابع: إطلاقها يشمل الليل والنهار إلا أنْ يستفاد الإختصاص بالأخير من اللفظين المذكورين مِمّا نصَّ عليه بعض أهل اللغة.

ويمكن الجواب عنه بأنَّ الكلام ليس في المعنى اللغوي؛ لأنَّه إذا إستفدنا من مجموعة الأخبار والقرائن الخاصة خلافه يجب التعبد به.

وقد عرفت آنفاً أنَّ المستفاد من اللغة أيضاً الأعمّ, فراجع البحث السابق, ويأتي المزيد من البيان إنْ شاء الله تعالى.

وأمّا ذكر الشمس فقد ذكرنا أنَّ الظاهر منه بيان الأثر المترتب على الإضحاء للشمس حتى تغيب؛ وهو غفران الذنوب, فهي ليست في مقام بيان تلك الجهة فافهم.

فهذه الصحيحة واضحة الدلالة على المطلوب وهو الإطلاق والتعميم لجميع المحتملات من حيث الزمن والأسباب, وما يستظل عنه, والمواد التي يستظل بها.

ص: 28

2- صحيحة سَعْدِ ابن سَعْدٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَى نَفْسِهِ, فَقَالَ علیه السلام : أَمِنْ عِلَّةٍ؟ فَقُلْتُ: يُؤْذِيهِ حَرُّ الشَّمْسِ وَهُوَ مُحرِم. فَقَالَ علیه السلام : هِيَ عِلَّةٌ, يُظَلِّلُ وَيَفْدِي)(1).

وهو يدلُّ على الإطلاق, فإنَّ سؤال الإمام علیه السلام عن العلَّة, وتطبيق الكبرى عليها لدليل واضح على كون التظليل عاماً؛ إذ لو كان مختصاً بالشمس لما كان إلى هذا التطبيق حاجة؛ كما هو واضح.

3- موثق إِسْحَاقَ ابن عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُحرِم, قَالَ علیه السلام : لَا إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ, وَالَّذِي لَا يُطِيقُ الشَّمْسَ)(2).

فإنَّ ذكر حر الشمس في عداد المرض والعلة يدلُّ على كون التظليل أعمّ, فهو ظاهر في أنَّ التظليل ونظراءه من المشتقات يراد بها مطلق التستر, فلا بُدَّ من صرف النظر عن الدلالة اللغوية.

ويشمل قوله علیه السلام : (أَوْ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ) جميع موارد العذر والعلل غير المرض وحرّ الشمس؛ كالريح, والعواصف, والبرد, والمطر, ونحوها مِمّا يحتمل وقوعها في الليل أو النهار.

فلو كنّا نحن وهذه الطائفة من الأخبار لقلنا بأنَّ التظليل يشمل جميع المحتملات من حيث الزمان -النهار والليل- ونوع الظلال, وأنواع العذر المسوغ له, فيحمل غيرها على ضرب من التأويل الموافق لهذا الإطلاق؛ كما ستعرف.

ص: 29


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج13 ص155 ح4.
2- المصدر السابق؛ ج12 ص517 ح7.

الطائفة الثانية: ما يدل على الأمر بالإضحاء, وهي متعددة:

1- منها معتبرة عُثْمَانَ ابن عِيسَى الْكِلَابِيِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ علیه السلام : (إِنَّ عَلِيَّ ابن شِهَابٍ يَشْكُو رَأْسَهُ وَالْبَرْدُ شَدِيدٌ وَيُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ, فَقَالَ علیه السلام : إِنْ كَانَ كَمَا زَعَمَ فَلْيُظَلِّلْ, وَأَمَّا أَنْتَ فَاضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ)(1).

وهو ظاهر في عدم الإختصاص بالنهار سواء من سؤال السائل, أو من جواب الإمام علیه السلام , بل يدلُّ الحديث على عدم كون الظلال والإيضاح مختَّصاً

بالشمس, فيكون المراد منها معنىً آخر غير المعنى اللغوي, كما يزعمه البعض.

2- ومنها معتبرة عَبْدِ اللَّهِ ابن الْمُغِيرَةِ (قَال: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَنِ الظِّلَالِ لِلْمُحرِم, فَقَالَ علیه السلام : اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ, قُلْتُ: إِنِّي مَحْرُورٌ, وَإِنَّ الْحَرَّ يَشْتَدُّ عَلَيَّ فَقَالَ علیه السلام : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ بِذُنُوبِ الْمُحرِمينَ)(2).

وهي وإنْ ذكر فيها الحرّ والشمس لكن لا لأجل الخصوصية فيهما, بل لأجل درك ما ورد في ذيل الحديث من الغفران والثواب الجزيل, بل أنَّ اختلاف التعبير وإعراض الإمام علیه السلام عن ذكر الظلال إلى قوله (اضْحَ) يستفاد أنَّ الإمر أوسع من التظليل؛ ليشمل الظهور والبروز لمن أحرم له.

مع أنَّه لو إحتملنا الإختصاص فيه لا بُدَّ من رفع اليد عنه لأجل سائر الروايات ومنها موثقة عثمان المتقدمة التي ذكر فيها البرد, فيكون ذكرهما من باب المثال لمطلق العذر والعلة؛ كما عرفت.

ص: 30


1- المصدر السابق؛ ص519 ح13.
2- المصدر السابق؛ ص518 ح11.

3- ومنها صحيح حَفْصِ ابن الْبَخْتَرِيِّ وَهِشَامِ ابن الْحَكَمِ جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: (يُكْرَهُ لِلْمُحرِم أَنْ يَجُوزَ ثَوْبُهُ أَنْفَهُ مِنْ أَسْفَلَ, وَقَالَ علیه السلام : اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ)(1).

والظاهر من الجملة المباركة بقرينة الأخبار الأخرى هو الظهور لمن أحرم له وعدم الإحتجاب عنه عَزَّ وَجَلَّ, ولا ريب أنَّ البروز له مراتب متفاوتة, والمراد منها مرتبة خاصة, وهو الظهور للسماء وعدم الإحتجاب عمَّن أحرم له من جهة الرأس؛ من دون اختصاص أنْ يكون الإضحاء للشمس.

فإنَّه لو قلنا بالظهور في الأخير لكن لا دليل على كونه من العلَّة التامة المنحصرة ويمكن أنْ يكون من بعض الحكم الموجب لمزيد الثواب ومحو الذنوب كما دلَّت عليه معتبرة عبد الله ابن المغيرة التي تقدم ذكرها فلا يقيد المطلقات, بل لا يمكن بنفسه موجباً لتشريع الحكم.

فلو كنّا نحن وهذه الجملة المباركة لاستفدنا منها, ذلك فإنَّ مناسبة الحكم والموضوع تقضي أنْ يكون المراد هو عدم الإحتجاب عنه والبروز لمن أحرم له, ولا ريب في عدم إرادة البروز من جميع الجهات فيختص أنْ يكون للسماء ومن فوق الرأس.

وتدلُّ عليه روايات القبة والمحمل والكنيسة, وسائر الأعذار الموجبة لجواز التظليل وعدم الإضحاء, فإنَّها بمنزلة القرينة القطعية لبيان المراد من هذه الكلمة (الإضحاء), فلا نحتاج إلى التجشم ومتعبة النفس للإستدلال بما ورد

ص: 31


1- المصدر السابق؛ ص512 ح2.

في عيد الفطر (إِنَّمَا جُعِلَ يَوْمُ الْفِطْرِ الْعِيدَ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مُجْتَمَعاً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَيَبْرُزُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُمَجِّدُونَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ)(1).

أو ما ورد أنَّه لا يصلي في السقائف ولا في البيوت, فإنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : (كَانَ يَخْرُجُ فِيهَا حَتَّى يَبْرُزَ لِأُفُقِ السَّمَاءِ)(2). فإنَّه إنْ كان المراد من الإستشهاد بها لأجل البيان المراد من قولهم (اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) فإنَّه موهون جداً؛ كما هو واضح. وإنْ كان لأجل أنْ يكون البروز والإضحاء للسماء, فقد عرفت أنَّه لا حاجة إلى ذلك لاحتفاف الجملة الشريفة في المقام بالقرائن الكثيرة التي تغنينا من الرجوع إلى تلك, مع أنَّ الإستشهاد بها للمقام إخراج الكلام عن المعنى المقصود والدقيق الذي يدلُّ عليه الكلام, ومن جميع ذلك يعرف أنَّه لا فرق فيما ذكرناه بين كون اللام في (لمن) للتعليل, أو للتعدية, فإنَّ المعنى وهو البروز له عَزَّ وَجَلَّ وعدم الإحتجاب عنه تعالى لا فرق فيه ذلك.

وكيف كان؛ فإنَّ هذه الطائفة تدلُّ على أنَّ المراد هو الظهور له تعالى, وعدم الاحتجاب عنه عَزَّ وَجَلَّ, فلا بُدَّ من صرف النظر عن المعنى اللغوي لكلمة الإضحاء بمعنى البروز للشمس, ويدلُّ على ما ذكرنا القرائن المتعددة وهي:

1- إنَّ السؤال في موثق عثمان ابن عيسى عن كيفية الإحرام لمن به علة والبرد شديد لم يرد فيه لفظ الشمس, بل الظاهر منه غيابها لاشتداد البرد فإنَّ من المعروف أنَّ تلك البلاد يكون البرد قارصاً عند غياب الشمس.

ص: 32


1- المصدر السابق؛ ج7 ص481 ح4.
2- بحار الأنوار (ط. بيروت)؛ ج87 ص374.

واحتمال كون الإحرام في يوم مشمس لكنه شديد البرد, بعيد عن الواقع, كما أنَّ مجرد احتماله غير ضائر بالدلالة إذا كان المناط على الظهور, وإلا فلا يبقى مورد للإستدلال به مع وجود احتمال ولو كان بعيداً.

2- إنَّ قوله علیه السلام : (إِنْ كَانَ كَمَا زَعَمَ فَلْيُظَلِّلْ)(1) يدلُّ على مطلق التظليل بلا إختصاص له بأنْ يكون عن الشمس لا سيما بملاحظة مورد السؤال.

3- إنَّ هذه الجملة المباركة (اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ)(2) تدلُّ على معنى دقيق وهو ملاحظة حالة الإحرام التي هي من الحالات الإنقطاعية إلى الله عَزَّ وَجَلَّ, وقد لاحظ الشارع المقدس هذه الحالة وسنَّ لها تشريعات خاصة التي منها البروز له عَزَّ وَجَلَّ وعدم الإحتجاب عنه بحيث تشريعات خاصة التي منها البروز له عَزَّ وَجَلَّ وعدم الإحتجاب عنه بحيث يكون منصرفاً عن جميع العلائق المادية ويصحر نفسه عنها ولا يتستر عن شيء ولا يظلل على الرأس لتتفق شاهد الحال مع المقال عند التلبية, فحينئذٍ لا يختص الإضحاء بأمر أو شيء يكون من شأنه أنْ يظلل عنه, ويعم الليل والنهار والشمس وغيرها ولا يمكن أنْ يكون في المقام للشمس فقط إذ الإضحاء عنها لا ينسجم مع قوله علیه السلام : (لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) وإنْ كان التظليل والإضحاء عنها آكد؛ لما فيه التحمل الشديد الذي فيه الأجر الجزيل, كما هو صريح النصّ المتقدم, وتطبيقاً للمقولة المعروفة (أفضل الإعمال أحمزها) إنْ لم يستلزم الحرج والضرر, كما هو معلوم.

ص: 33


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج12 ص519 ح13.
2- المصدر السابق؛ ص512 ح2.

4- ومِمّا يؤكد ما ذكرناه اختلاف التعبير في الصدر عن الذيل حيث قال في الصدر (فليظلل) للذي به العلة, وأمر السائل بالإضحاء أي عدم الاحتجاب والبروز له عَزَّ وَجَلَّ.

ومن جميع ذلك يظهر أنَّه لا يختلف المعنى في كون (اللام) للتعدية فيكون الظهور له عَزَّ وَجَلَّ والبروز للسماء أو يكون للتعليل أي: أبرز لأجل من أحرمت له, فإنَّه على كلا المعنيين (للام) فإنَّ الإضحاء في المقام يراد به الظهور والبروز.

والإستدلال بنصوص خارجة عن المقام للدلالة على الأول تبعيد للمسافة, كما أنَّ الإستدلال بالمدلول اللغوي لإثبات الأخير موهون, لما عرفت من أنَّ النزاع ليس في المدلول اللغوي للكلمة, ولتضمن نصوص الإضحاء من القرائن ما يدلُّ على المعنى المراد.

مع أنَّ التقييد بكون الإضحاء للشمس فقط يوجب قصر دائرة التظليل على خصوص النهار المشمس فقط, وهو كما ترى منافٍ لكثير من الروايات والكلمات كما ستعرف. ولعمري أنَّ إبداء الإحتمالات البعيدة لإلقاء الشبهة وصرف ظاهر الكلام إلى غير المقصود ليس هو إلا إجتهاد مقابل النص. إذ ما الفرق بين أنْ نقول إنَّ اللام للتعدية أو التعليل بعدما كان في الإحرام خصوصية من ترك التظليل والإحتجاب عن الله العلي القدير برفع كل حجاب معنوي ومادي, كان لأجل تعدية الإضحاء لمن أحرم له أو كان لأجل من أحرم له ولا يضر ذلك بأصل الدلالة.

ص: 34

أمّا كون العلة في حرمة التظليل فوات الإضحاء وهو البروز للشمس, كما في كتاب المنتهى وكلمات اللغويين, أو لمكان الستر؛ فسيأتي الكلام عنه مفصلاً, وإنَّه ليس هذا ولا ذاك بل أنَّ التظليل مُحرَّم لنفسه وإنْ لم يفت معه الضحى للشمس والبروز لها, ولذا حرم حيث لا تكون شمس ولا شيء يستر عنه, مع أنَّك عرفت أنَّ النزاع المزبور نشأ من الإختلاف في تعيين المراد من هذه الكلمة (أضح) فإنَّه إنْ كان المناط هو المعنى اللغوي وهو البروز للشمس كان الثاني هو المتعين, وإنْ كان المناط غيره؛ وهو الظهور للسماء وعدم الإحتجاب عمَّن أحرم له, وهذا هو المعنى المراد من نصوص الإضحاء لما ذكرناه آنفاً.

ولا نحتاج بعد ذلك إلى الرجوع إلى الأصل, كما ذهب إليه الفاضل النراقي قدس سره حيث قال: (ولأنَّ الإضحاء المأمور به بل التظليل أيضاً محتمل لإرادة الإبراز للسماء وللإبراز للشمس. وقاعدة إستصحاب الشغل اليقيني تقتضي وجوب الإجتناب عن الأمرين)(1).

فإنَّه بعد تعيين المراد من الإضحاء والتظليل أي البروز وعدم الإحتجاب عمَّن أحرم له بالمعنى المناسب للإحرام لا نحتاج إلى الأصل وقاعدة الشغل مع أنَّ الأصل يقتضي البراءة عن غير الشمس بعد الشكِّ في الشمول.

ص: 35


1- المستند؛ ج12 ص23.

الطائفة الثالثة: ما يدل على التستر عن الشمس فقط.

1- منها صحيحة عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن الْحَجَّاجِ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ الْمُحرِم وَكَانَ إِذَا أَصَابَتْهُ الشَّمْسُ شَقَ عَلَيْهِ وَصُدِّعَ فَيَسْتَتِرُ مِنْهَا, فَقَالَ علیه السلام : هُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ تُصِيبَهُ الشَّمْسُ فَلْيَسْتَظِلَّ مِنْهَا)(1).

وهي وإنْ كانت في الإستظلال من الشمس, ولكن إستفادة التقييد منها مشكل فإنَّ التخصيص في الجواب إنَّما جاء لأجل كون السؤال عنه فقط ولم يكن له من الإطلاق والشمول حتى نستدلَّ به في غير مورده.

2- ومنها موثقة إِسمَاعِيلَ ابن عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام هَلْ يَسْتَتِرُ الْمُحرِم مِنَ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ علیه السلام : لَا, إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخاً كَبِيراً أَوْ قَالَ: ذَا عِلَّةٍ )(2).

وهي كسابقتها في إختصاصها بمورد السؤال فلا تقتضي حرمة عدم التستر عن غير الشمس. نعم؛ يمكن جعلها من القرائن الدالَّة على أنَّ المراد من التظليل وأمثاله هو التستر والإحتجاب مطلقاً دون الإختصاص بالتظليل عن الشمس.

والقول بأنَّه وارد في السؤال دون كلام الإمام علیه السلام فلا يكون دليلاً على التصرف في غير المورد؛ مردودٌ بأنَّه كالمذكور في معتبرة اسماعيل, وللتقرير في

ص: 36


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج12 ص517 ح6.
2- المصدر السابق؛ ص518 ح9.

المعتبرة الأخرى مع أنَّه قد ورد في معتبرة الْمُعَلَّى ابن خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: (لَا يَسْتَتِرُ الْمُحرِم مِنَ الشَّمْسِ بِثَوْبٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتُرَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ)(1) وغير ذلك مِمّا ورد فيه لفظ التستر, فإنَّه بمنزلة القرينة المتصلة في تعيين المراد من التظليل وإضرابه ولا يضرٌّ حينئذٍ ذكر الشمس في الروايات الأخيرة وغيرها لأنَّه من باب المثال لكونها أعمّ الأفراد والأكثر إبتلاءً بها.

ويمكن الإستشهاد عليه بما ذكره إبن فارس في هذه المادة (الظاء واللام): (إنَّ هذا الأصل يدلُّ على ستر شى ءٍ لشى ء، وهو الذى يُسمَّى الظلّ. وكلمات البابِ عائدةٌ إليه)(2), وهو وجيه جداً بعد ملاحظة ما ذكرناه. وغير خفي أنَّ إرجاع المعاني المتعددة إلى معنى واحد يدلُّ عليه الأصل للمواد المتعددة من الجهد المحمود عليه إذا كان المستخرج حاذقاً في اللغة خبيراً بدلالات الكلمات, عالماً بأسرارها وخصوصياتها, ويترتب عليه فوائد جمَّة وثمرات مهمة, وقد إشتهر الراغب الإصفهاني وإبن فارس بذلك, كما نهج السيد الوالد قدس سره هذا النهج في تفسيره القيِّم (مواهب الرحمن) ومن أهمِّ الآثار تحديد الإشتراك اللفظي وقصر دائرته بحدودٍ معينة, كما أنَّه ينفي الترادف وغير ذلك, وقد وفقت الدراسات اللغوية الحديثة لكشف كثير من ذلك, وهو بحث نفيس يحتاج إلى التفصيل علَّنا نُوفَّق إليه في موضعٍ آخر.

ص: 37


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج 12 ص 524.
2- مقاييس اللغة؛ ج 3 ص 461.

الطائفة الرابعة: ما يدلُّ على جواز التظليل لأجل الأعذار المختلفة, وهي متعددة:

أولاً: ما دلَّ على التظليل عن الشمس وحرِّها, كصحيحة عبد الرحمن الذي تقدم ذكره, وذكرنا ما يتعلق به؛ فراجع.

ثانياً: ما دلَّ على التستّر من البرد, كما تقدم في صحيح عثمان ابن عيسى, وذكرنا أنَّ إطلاقه يشمل النهار والليل.

ثالثاً: ما دلَّ على الإستظلال من المطر كما في مكاتبة الحميري عن صاحب الأمر علیه السلام : (أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْمُحرِم يَسْتَظِلُّ مِنَ الْمَطَرِ بِنَطْعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَذَراً عَلَى ثِيَابِهِ وَ مَا فِي مَحْمِلِهِ أَنْ يَبْتَلَّ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ الْجَوَابُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمَحْمِلِ فِي طَرِيقِهِ فَعَلَيْهِ دَم)(1), ويستفاد منها أمران:

أحدهما: إستعمال الإستظلال عن المطر دون الشمس, وهذه قرينة أخرى تدلُّ على أنَّ المراد من التظليل والإستظلال هو مطلق التستر؛ خلاف ما ورد في كلمات بعض أهل اللغة.

الثاني: كون العذر الواقع وهو المطر مِمّا لا يختص بزمان معين, فقد يقع في الليل, كما ربما يقع في النهار فيشمل الحديث حرمة الإستظلال في الليل بدون عذر.

والإشكال على الأول بأنَّ الإستعمال أعمُّ من الحقيقة (مردود) بأنَّه ليس الكلام في المعنى الحقيقي أو المجازي, بل في المعنى المراد وظهور الكلام؛ سواء كان حقيقة أو مجازاً, كما هو واضح.

ص: 38


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج 12 ص 525.

رابعاً: ما اشتمل على الأمرين -الشمس والمطر- كصحيحة إِبْرَاهِيمَ

ابن أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ: (قُلْتُ لِلرِّضَا علیه السلام : الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَى مَحْمِلِهِ وَيَفْدِي إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ وَالْمَطَرُ يُضِرَّانِ بِهِ؟ قَالَ علیه السلام : نَعَمْ. قُلْتُ: كَمِ الْفِدَاءُ؟ قَالَ شَاةٌ)(1), ومثلها معتبرة محمد ابن اسماعيل(2), وخبر علي ابن احمد(3).

وظهورها في التعميم مِمّا لا يُنكر ولو بقرينة المطر الذي لا يختص بزمان معين, ولا يضرّ ذكر الشمس بعد كونه من باب المثال لمطلق العلة والأذى.

خامساً: ما يدلُّ على مطلق العلة. كما في حديث مُحَمَّدِ ابن مَنْصُورٍ عَنْ أبي الحسن علیه السلام قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنِ الظِّلَالِ لِلْمُحرِم, فَقَالَ علیه السلام : لَا يُظَلِّلُ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ أَوْ مَرَضٍ)(4).

وموثقة إِسْحَاقَ ابن عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُحرِم؟ قَالَ علیه السلام : لَا, إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ وَالَّذِي لَا يُطِيقُ الشَّمْسَ)(5).

ولا يخفى إطلاقها وشمولها لمطلق الأزمنة, ولو بقرينة عموم العلَّة والمرض لا سيما بعد عطف حر الشمس في الموثقة الدالُّ على المغايرة بينهما, وتقدم ما يتعلق به في معتبرة سعد الأشعري(6).

ص: 39


1- المصدر السابق؛ ج 13 ص 155.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق ؛ ج 12 ص 517.
5- المصدر السابق؛ ص 517.
6- تقدم ذكرها؛ ص27.

وبالجملة؛ فإنَّ مجموعة هذه الأخبار تدلُّ على جواز التستر من علَّة, والتظليل مع العلة بلا إختصاص بزمان معين أو بالشمس.

نعم؛ يمكن دعوى إختصاصها بالتستر عن شيء مِمّا شأنه أنْ يؤذيه أو يضره كالشمس وحرها والبرد والمطر والريح ونحو ذلك, فلا يشمل ما إذا لم يكن شيء كذلك.

ويرد عليه: ما ذكرناه في وجه الإستدلال بنصوص الإضحاء, فتحمل هذه الطائفة على مطلق المثال لما يصيبه المُحرِمون في حال الإحرام غالباً. مع أنَّ هذه الطائفة إنَّما تبين حكم العلل التي يمكن أنْ تكون موجبة لاستعمال المُحرِم الظلال والستر, ولا نظر لها إلى هذه الجهة؛ وهي كون الظلال عن شيء مِمّا شأنه أنْ يظلل عنه, بل هي بعيدة عن سياقها. ولو تنزلنا عن ذلك لا يمكن تقييد تلك المطلقات بهذه الطائفة لإباء لسانها عن التقييد, كما هو واضح.

وأمّا الإستدلال بكلمات اللغويين لإثبات كون التظليل عن الشمس واختصاصه بالنهار فقد عرفت بطلانه من وجوه متعددة:

1- إنَّ الكلام في دلالة الأخبار والمقصود منها دون المعنى اللغوي.

2- إنَّه إنْ كان النزاع في لفظَي الظلال والإضحاء ولكن لا خلاف في لفظ الستر والتستر في أنَّهما لا يختصان بالشمس ولا بالنهار بلا إشكال.

وقد عرفت أنَّهما قرينة على أنَّ المراد من الظلِّ والإضحاء مطلق الحجاب والبروز والظهور, وإحتمال جعل لفظي الظلِّ والإضحاء قرينة على

ص: 40

التصرف في لفظي التستر والستر, فيختصان بالشمس باطل جزماً, إذ لم ينقل من أحد كون التستر مختصاً بالشمس.

3- إنَّ نصوص الإضحاء قرينة واضحة على التصرف في التظليل ومشتقاته كما عرفت.

4- إنَّ نصوص العذر والعلة تدلُّ بالدلالة الإلتزامية المقبولة عند العرف على أنَّ الحكم لو كان مختصاً بالنهار وكان في الليل جائزاً لكان ذكره أولى من ذكر العلل الكثيرة؛ لا سيما أنَّ السير في الليل أمر عادي, خصوصاً في تلك الأسفار, مع أنَّه لم يشر إليه في خبر من الأخبار فيستفاد من ذلك التعميم.

أمّا المناقشات التي ذكرها بعضهم في دلالة تلك الروايات, فهي بعيدة عن الواقع, بل هي أشبه إلى الإستحسان أو الوهم التي ورد النهي عن إقحامهما في روايات المعصومين علیهم السلام الذين هم من دوحة من أفصح من نطق بالضاد, وأوتي جوامع الكلم؛ نذكر المهم منها:

الأولى: إنَّ إستعمال الإستظلال في مكاتبة الحميري بمعنى مطلق التستر, لا يصح دليلاً على سعة المعنى الأصلي, إذ الإستعمال أعم من الحقيقة.

والجواب عنها ظهر مِمّا سبق؛ فإنَّ الكلام في المعنى المراد لا كيفية الإستعمال في إنَّه على الحقيقة أو المجاز إذ المدار على الظاهر المطلوب ولو كان مجازاً. مضافاً إلى أنَّ الإعتراف بأنَّ استعمال الإستظلال في مطلق التستر في المكاتبة يصلح أنْ يكون دليلاً على تعين المراد من هذه الكلمة ونظيراتها؛ كما عرفت سابقاً.

ص: 41

الثانية: إنَّ قوله علیه السلام : (الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَى مَحْمِلِه)(1) في صحيحة إبراهيم ابن أبي محمد يراد به الفعل المتَّخذ من الإسم؛ أي الظلال.

كما أنَّ الظلال في صحيحتي محمد ابن إسماعيل مستعمل بمعنى ما أُستظلَّ به. فيكون مفاد السؤال فيها جميعاً هو الإستفسار عن حكم إستخدام المظلة في التوقّي عن المطر مضافاً إلى التستر من الشمس, وعليه فلا دلالة فيها كون الظلِّ والظلال والتظليل مستعملاً في ما هو أوسع من معناها الأصلي.

وهذه المناقشة وإنْ لم يعلم المقصود منها ولكن يمكن الجواب عنها: بأنَّه إنْ كان المراد أنَّه صرف اللفظ عمّا يدلُّ فهو يحتاج إلى قرينة, وهي مفقودة.

وفيه: إنَّه قد عرفت وجودها في مجموع الأخبار.

وإنْ كان المراد حكم ما يظلل به فهو وإنْ كان السؤال عن موضوع خارجي لكنه لم يخرج عن تطبيق العنوان الخاص في المقام, فحينئذٍ إنْ قلنا أنَّ مادة (الظاء واللام) تختص بالتستر من الشمس لغة, فلا فرق في جميع مشتقاتها من الظلِّ والظلال والتظليل والإستظلال والمظلة ونحوها, وأمّا إذا قلنا بأنَّ المراد منها في أخبار المقام مطلق التستر فلا فرق بين صغريات ما يُستظلُّ به أو ما يُستظلُّ عنه, وزمانهما, فلا حاجة إلى ما ذكره, بل هو من التطويل بلا طائل تحته.

والمستفاد من النصوص المتقدمة كصحاح إبراهيم ومحمد ابن إسماعيل المعنى المراد من تلك الألفاظ كما عرفت, ومن المعلوم أنَّ الظلال المسؤول عن حكمه

ص: 42


1- المصدر السابق؛ ج 13 ص 155.

هو الذي يدفع به العلة التي تجوزه بلا فرق في كيفية وضعه, فلا تصير تلك سبباً في رفع اليد عن الظاهر المراد وتخصيص الحكم بالشمس والمطر فقط.

الثالثة: إنَّ صحيح سعد الأشعري لا علاقة له بمحلِّ البحث للفرق بين حرِّ الشمس وأشعتها, وإنَّ الأول وإنْ كان من مطلق العلَّة التي ترخص في التظليل أي: التستر من الشمس؛ لكن لا يستفاد منه كون التظليل أعمّ من التستر من الشمس وغيرها.

والجواب عنها: إنَّ ذلك بعيد عن الفهم العرفي, فإنَّ حر الشمس في مورد السؤال هو الحادث من مواجهة الشمس وأشعتها, وإلا كان التعبير بحرِّ الهواء أو حرارته, ويشهد له ورد في صحيح عَلِيِّ ابن مَهْزِيَارَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي علیه السلام أَنَ عَمَّتِي مَعِي وَهِيَ زَمِيلَتِي وَيَشْتَدُّ عَلَيْهَا الْحَرُّ إِذَا أَحْرَمَتْ فَتَرَى لِي أَنْ أُظَلِّلَ عَلَيَّ وَعَلَيْهَا؟ فَكَتَبَ علیه السلام : (ظَلِّلْ عَلَيْهَا وَحْدَهَا)(1).

مع أنَّ إستعمال التظليل في التستر من مطلق العلة, كما يعترف به المستشكل يكفي في كون المراد منه مطلق التستر كما ذكرنا مكرراً, ولا حاجة إلى القول بخروج مورد السؤال عن مورد النزاع.

الرابعة: إنَّ الروايات الواردة في هذا الموضوع تشتمل على عنوانين وهما: (التظليل), و (الظلال). والأول يأتي تارة بمعنى إلقاء الظل وإحداثه وأخرى فعلاً متَّخذاً من الظلال إتّخاذ ما يُستظلُّ به.

ص: 43


1- المصدر السابق؛ ج 12 ص 526.

وكذا الظلال يستعمل تارة جمعاً للظل, وأخرى إسماً لما يُستظلُّ به, فإنْ كان المراد منهما هو نصب الظلال يكون مقتضى إطلاق النهي عنه عدم إستخدامه ولو لم يكن أثر فعلي في التستر عن الشمس, فلا يجوز حينئذٍ للمُحرِم ركوب ما يكون له السقف كالسيارة ونحوها ولو في الليل أو النهار إذا كانت السماء غائمة تحجب الشمس وأشعتها وهذا المعنى وإنْ كان يوافق بعض الإطلاقات, كصحيح سعد: (الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَى نَفْسِهِ)(1), وصحيح جميل: (لَا بَأْسَ بِالظِّلَالِ لِلنِّسَاءِ)(2), وموثق إسحاق ابن عمار: (الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَيْهِ)(3) وغير ذلك, ولكنها مقيدة بما ورد في نصوص أخرى تدلُّ على التقييد, كصحيح إبراهيم: (الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَى مَحْمِلِهِ وَيَفْدِي إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ وَالْمَطَرُ يُضِرَّانِ بِهِ)(4), وصحيح ابن راشد: (إِنَّهُ يَشْتَدُّ عَلَيَ كَشْفُ الظِّلَالِ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنِّي مَحْرُورٌ يَشْتَدُّ عَلَيَّ حَرُّ الشَّمْسِ)(5), وصحيح محمد ابن إسماعيل: (سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الظِّلَالِ لِلْمُحرِم مِنْ أَذَى مَطَرٍ أَوْ شَمْسٍ)(6), فلا يستفاد من نصوص النهي عن التظليل والظلال أزيد من حرمة التستر من الشمس دون غيرها.

ص: 44


1- المصدر السابق ؛ ج 13 ص 155.
2- المصدر السابق ؛ ج 12 ص 518.
3- المصدر السابق؛ ص 517.
4- المصدر السابق ؛ ج 13 ص 155.
5- المصدر السابق؛ ص 156.
6- المصدر السابق؛ ص 155.

والجواب عنها:

أولاُ: إنَّ ما ذكره المستشكل ينصبُّ في إطار المعنى اللغوي, وقد ذكرنا مكرراً أنَّ المقصود من تلك الكلمات الواردة في النصوص غيره, بل هو بمعنى التستر والحجاب.

ثانياً: إنَّ المنصرف من تلك النصوص التي ذكر فيها بعض أفراد الأذى كالمطر والشمس إنَّما هو من باب المثال التي يبتلى بها المُحرِمون أثناء إحرامهم, لا لأجل كون التظليل مأخوذاً في مفهومه ذلك, كما تدلُّ عليه صحيحة عبد الله ابن المغيرة التي هي من محكمات أخبار المقام(1)؛ فقد إستوعبت جميع محتملات التظليل من دون عذر, والتظليل كذلك مع نية التكفير والتظليل مع التكفير, مع عدم تقيدها بأمر خاص وهي بمنزلة الشرح والتفسير لسائر الأخبار.

والشكُّ في ذلك يكفي في الرجوع إلى المطلقات التي لم يرد فيها المطر والشمس, بل ذكر فيها مطلق الأذى والعلة. وتقدم ما يتعلق به أيضاً.

ثالثاً: إنَّ الروايات التي ورد فيها جواز التظليل وترخصه لأجل العذر والأذى إنَّما سيقت لبيان العذر الموجب لحليَّة التظليل, ولم تكن في مقام بيان إعتبار كون التظليل عمّا من شأنه أنْ يستظلّ عنه حتى يختص بالشمس والمطر.

رابعاً: كفاية الإطلاقات الواردة في مقام البيان التي تنهى عن الظلال والتظليل مطلقاً.

ص: 45


1- راجع الطائفة الأولى.

خامساً: إنَّه كما ورد جواز التظليل عن الشمس والمطر كذلك ورد جوازه لأجل المرض والعلة كما في رواية مُحَمَّدِ ابن مَنْصُورٍ عَنْ أبي الحسن علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الظِّلَالِ لِلْمُحرِم, فَقَالَ علیه السلام : (لَا يُظَلِّلُ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ أَوْ مَرَضٍ)(1). وما ورد في البرد فلا وجه للإقتصار على الشمس والمطر.

سادساً: إنَّه لا فرق في مشتقات هذه المادة بين أنْ يكون المراد من الظلال الفعل أو إيجاد الظلَّة من حيث أصل المقصود الذي يراد إثباته على كلا الإحتمالين.

ومن جميع ذلك يظهر زيف ما أُستشكل به على هذه الطائفة التي لها ظهور عرفي في المقصود وهو حرمة التظليل مطلقاً.

الطائفة الخامسة: وهي النصوص التي تدل على النهي عن ركوب المُحرِم المحمل, والقبة والكنيسة ونحوها وهي كثيرة.

منها: معتبرة الْحَلَبِيِّ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْمُحرِم يَرْكَبُ فِي الْقُبَّةِ؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضاً. قُلْتُ: فَالنِّسَاءُ, قَالَ علیه السلام : نَعَمْ)(2).

ولا ريب أنَّ المراد من قوله (مَا يُعْجِبُنِي) الحرمة بقرينة الإستثناء وسائر الروايات وقد يقال بعدم دلالتها على الحرمة لأنَّ (مَا يُعْجِبُنِي) يظهر منه الكراهة.

ويرده: إنَّ هذا اللفظ يدلُّ على الأعمّ, فكما يدلُّ على الكراهة فإنَّه يدلُّ على الحرمة أيضاً واستعمل في الأخبار في كلا الموردين.

ص: 46


1- المصدر السابق؛ ج 12 ص 517.
2- المصدر السابق؛ ص 516.

ومنها: صحيحة مُحَمَّدِ ابن مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا علیهما السلام قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحرِم يَرْكَبُ الْقُبَّةَ؟ فَقَالَ علیه السلام : لَا, قُلْتُ: فَالْمَرْأَةُ الْمُحرِمةُ. قَالَ علیه السلام : نَعَمْ)(1).

ومنها: صحيح هِشَامِ ابن سَالِمٍ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْمُحرِم يَرْكَبُ فِي الْكَنِيسَةِ؟ فَقَالَ علیه السلام : لَا, وَهُوَ لِلنِّسَاءِ جَائِزٌ)(2).

وإطلاق هذه الأخبار هو المنع عن التستر من السماء, والنهي عن الإحتجاب وإنْ لم يكن مانع في البين من حرٍّ أو برد أو الشمس أو المطر أو الريح وغيرها.

كما أنَّ من ترك الإستفصال يستفاد التعميم لجميع الأزمنة؛ النهار والليل, وما بين الطلوعين, ويدلُّ على ذلك جواز ركوب المُحرِمة مطلقاً ولو لم يكن مانع فإنَّ الموضوع في الحكمين واحد.

وربما يناقش في دلالتها بأحد وجهين:

الأول: إنَّه لا بُدَّ من حملها على النهي الخاص من جهة حصول التستر به عن شيء, إذ لا داعي للركوب بلا غرض وداع, وحينئذٍ لا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق.

الثاني: إنَّ القرينة إحتفت بالروايات في عصر صدورها تقتضي حملها على النهي الخاص, وهو التستر عن الشمس فقط, لأنَّ الخلاف الذي كان بين المسلمين منذ العهود الأولى في الإسلام إنَّما هو أمر التظليل عن الشمس فقط, فلا تشمل غيرها.

ص: 47


1- المصدر السابق؛ ص 515.
2- المصدر السابق؛ ص 516.

وبعبارة أخرى: إنَّ محل النزاع بين فقهاء المسلمين كان خصوص إستظلال المُحرِم بشيء على رأسه, وما ذكر في الأخبار من القبة والكنيسة والعمارية من باب المثال لما يُستظلُّ به من الرأس مقابل التظليل الجانبي.

فيكون الجوّ الفقهي عن ركوب المُحرِم تلك يقتضي حمله على خصوص الإستظلال المُحرم حال الركوب عن الشمس وتستره عنها, فلا يشمل غيرها إذ لم يكن له ذكر في الأحاديث والكلمات, بل لم يكن مطروحاً أصلاً إلا المطر, الذي ورد في بعض النصوص المنقولة عن الإمام الرضا ومن بعده من الأئمة علیهم السلام , ولم يكن له ذكر في روايات الصادقين علیهما السلام , وإستشهد على ذلك بأنَّ الذين وجهوا السؤال إلى الإمام الصادق علیه السلام كانوا هم من فقهاء الأصحاب, أمثال محمد ابن مسلم, والحلبي, وهشام ابن سالم, الذين لهم الإطّلاع التام بالخلاف الذي كان جارياً بين الفقهاء بشأن الإستظلال حال ركوب المُحرِم, والإتّفاق الذي كان حاصلاً على جوازه حال النزول.

فالجوُّ الفقهي بمنزلة القرينة الحالية الحافة بالروايات -سؤالاً وجواباً- تقتضي ظهورها في المنع عن ركوب القبة ونحوها في خصوص ما إذا كان غرض الإستظلال أي الكون في الظل والتستر من الشمس وأشعتها, فلا ينعقد ظهور للكلام في إطلاق المنع وإنْ لم يكن للإستظلال أثر.

ويظهر الجواب عنهما بإيضاح أمور:

الأول: إنَّ مذهب أهل البيت علیهم السلام معروف في هذا الموضوع حتى صار مورد إستهزاء المستهزئ من الفريق المقابل, كما يشير إليه صحيح الْبَزَنْطِيِّ عَنِ ألإمام

ص: 48

الرِّضَا علیه السلام قَالَ: (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْشٍ فَرْقٌ مَا بَيْنَ ظِلَالِ الْمُحرِم وَالْخِبَاءِ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام : إِنَّ السُّنَّةَ لَا تُقَاسُ )(1), والخباء اسم لما يخبأ به ويستتر فيه, كالخيمة, والبيت, والدار ونحوها وهو لا يختص بوقت معين, ولا فرق بين الظلالين الحادث للمُحرِم حين الركوب, والحادث حين النزول من حيث الزمان وما يستظلُّ عنه مِمّا أثار الشك عند أبي حنيفة وحمله على السؤال فكان الجواب قاطعاً, إذ هو قياس ومذهب أهل البيت فيه معروف قائم على بطلانه.

ويظهر من الرواية أنَّ أبا حنيفة لم يكن نظره إلى ما يُستظلُّ عنه كالشمس وغيرها وإنَّما كان قصده إلتماس الفرق بين الظلالين المتشابهين في نظره من دون إختصاص بزمان أو نوع معين من الظلال, ولا يمكن أنْ يكون أبو حنيفة أعرف بحكم أهل البيت علیهم السلام من مواليهم الذين كانوا يسألون أئمتهم عن مفردات العذر وموارد الإضطرار وتعميمه للنساء, ولم يقع السؤال عن حكم التظليل في الليل أو النهار, كما أنَّه لم يقع في كلمات المعصومين علیهم السلام إشارة إلى إختصاصه بالنهار, وإرشاد الناس إلى جواز التظليل في الليل.

والتعذر بأنَّ الألفاظ التي أُستعملت في هذا الموضوع مِمّا يختص بالشمس والتستر عنها فلا تشمل غيرها, وقد إكتفى كلا الجانبين -السائل والمسؤول عنه- على هذا المقدار؛ خلاف الأسلوب المحاوري والطرق المتعارفة في تفهيم المراد, وذكرنا فيما تقدم ما يدلُّ على الإطلاق, مع دلالة بعض النصوص عليه بوضوح كما عرفت؛ فراجع.

ص: 49


1- المصدر السابق؛ ص 523.

الثاني: إنَّ القرينة الحالية المدَّعاة كيف يمكن إستنباطها من الجوّ الفقهي المزعوم وقد مرت عليه قرون متطاولة؟ ومتى صارت كلمات القوم المخالفين قرينة على التصرف في كلمات المعصومين علیهم السلام وصرفها عن ظواهرها؟!.

مع أنَّه لو كان الأمر كذلك لكان مورد السؤال أولى بالإعتناء به وموجباً للتصرف في كلام الإمام علیه السلام وهو من القرينة اللفظية, ولم يقل به أحد من العلماء, فكيف تكون القرينة الحالية التي هي أدنى درجة من القرينة اللفظية موجبة للتصرف في الكلمات, كما هو واضح.

فلا يصحُّ أنْ يكون الجو الفقهي -المزعوم- أنْ يكون سبباً في صرف الإطلاق في النصوص المتقدمة إلى خصوص التستر عن الشمس محتجباً بأنَّ التستر عن غيرها لا فائدة فيه ولذا لم يقع مورد السؤال.

ولكنه باطل لأنًّ الفائدة لم تتحدد فيما ذكر, ولم يمكن لأيِّ فقيه أنْ يقدر الفائدة المترتبة على الأشياء, مع أنّ ركوب المحامل والقبب, والسيارة في هذه الأعصار للتجمل والتباهي؛ كما هو شأن الأمراء والأغنياء والمترفين دائر في جميع العصور.

ويدلُّ على ذلك احتجاج أبي يوسف القاضي مع الإمام موسى ابن جعفر علیه السلام عند هارون الرشيد(1) فإنَّه إن لم يدل على شيء إلا إبطال ما كان الخلفاء والأمراء يصنعونه في اسفارهم للحجّ لكفى, وكان دليلاً على ما ذكرناه, إذ لم يكن غرض هارون من تلك المحاجَّة سوى إفحام الإمام علیه السلام بزعمه ليلحقه بالركب الذي هم فيه ويجعله وسيلة لمشروعية أفعالهم.

ص: 50


1- المصدر السابق؛ ص 523.

وعلى فرض التسليم والقول بأنَّ الظلال والإستظلال والتظليل قد أُريد منها التستر من الشمس فقط. ولكنه غير كافٍ في الإختصاص مع وجود القرائن الكثيرة التي تدلُّ على الإطلاق والتعميم, كما عرفت.

الثالث: إنَّ الإطلاقات التي وردت في مقام البيان الشاملة لمطلق العذر والعلة وعموم الأزمنة, كموثق عمار, وصحيح الأشعري, وصحيح إسماعيل, ومعتبرة سعيد الأعرج وغيرها مِمّا ورد عن الصادق علیه السلام فيها الكفاية لشمول مثل المطر والريح فلا يبقى مجال للتشكيك بأنَّهما لم يردا إلا في كلمات الإمام الرضا علیه السلام .

مع أنَّه لا ثمرة في ذلك إذ كلماتهم علیهم السلام بمنزلة الكلام الواحد ولم ينقل من أحد التشكيك في ذلك.

كما أنَّ المخالفين لم تقتصر مخالفتهم عن التستر من الشمس, أترى أنَّهم كانوا يحرمون التظليل عن غير الشمس ويحللونه عنها؟!.

وإنَّما ذكرت الشمس في كلماتهم لأنَّها العذر العام, لا سيما في تلك الديار التي يبتلى بها المُحرِمون كثيراً كما هو معلوم.

والحاصل: إنَّ التمسك بهذه الطائفة من الأخبار لا يقتصر عن غيرها, لما فيها من القرائن المقبولة التي تدل على العموم والإطلاق, فيحرم إتّخاذ القبة والمحمل والكنيسة ونحو ذلك مِمّا يكون ستراً وحجاباً على رأس المُحرِم في الليل والنهار من دون إختصاص بالشمس والمطر والبرد والريح وغيرها.

ص: 51

ويدلُّ على ذلك صحيح زُرَارَةَ قَالَ: (سَأَلْتَ أبا عبد الله علیه السلام عَنِ الْمُحرِم أَيَتَغَطَّى؟ قَالَ علیه السلام : أَمَّا مِنَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ فَلَا )(1).

والمراد من التغطية: إتّخاذ الغطاء الذي يستتر به كما فهمه الأصحاب (قدس الله أسرارهم) وهو يشمل جميع ما ذكرناه, ولا يأتي فيه الإشكال الذي توهمه في الصحاح المتقدمة التي تلحق بهذه الصحيحة المطر والريح والمرض؛ فيعمُّ الجميع, بل تشمل ما لا يكون شيء مِمّا شأنه أنْ يستتر عنه وقد عرفت تعميمها لجميع الأوقات أيضاً.

ثم إنَّه يمكن لنا التمسك بالنصوص التي تدلُّ على جواز التظليل للمرأة لتعميم الحكم بعدم الجواز بالنسبة إلى الرجل أيضاً, إذ لا ريب في شمولها لمطلق التظليل حتى لو لم يكن شيء من شأنه أنْ يتظلل عنه فإنَّ الموضوع فيهما واحد.

ولا يقال: ربمَّا يحتمل أنْ تكون في المرأة خصوصية توجب جواز التظليل لها كذلك, وهي مفقودة في الرجل فلا يمكن إستفادة التعميم له.

فإنَّه يقال: إنَّه بعد إحراز كون الموضوع فيهما واحداً لا يعتني بالخصوصيات المحتملة فإنَّه لا ربط لها بما هو المبحوث عنه وإلا كان التظليل بالنسبة إليها واجباً, ولم يقل به أحد من الفقهاء, يضاف إلى ذلك أنَّ اطلاق هذه النصوص يدل على نفي الخصوصية, كما في صحيح مُحَمَّدِ ابن مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا علیهما السلام قَالَ: (سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحرِم يَرْكَبُ الْقُبَّةَ؟ فَقَالَ علیه السلام : لَا, قُلْتُ: فَالْمَرْأَةُ الْمُحرِمةُ؟ قَاَلَ علیه السلام : نَعَمْ)(2). ولا ريب في ظهوره في تعميم الحكم لكلا الطرفين.

ص: 52


1- المصدر السابق؛ ج 12 ص 519.
2- المصدر السابق.

ومثله صحيح هِشَامِ ابن سَالِمٍ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْمُحرِم يَرْكَبُ فِي الْكَنِيسَةِ؟ فَقَالَ علیه السلام : لَا, وَهُوَ لِلنِّسَاءِ جَائِزٌ )(1).

وفي صحيح جَمِيلِ ابن دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: (لَا بَأْسَ بِالظِّلَالِ لِلنِّسَاءِ, وَقَدْ رُخِّصَ فِيهِ لِلرِّجَالِ)(2). ولا بُدَّ من حمل ذيله على الضرورة بقرينة لفظ الرخصة, وهو يشمل كلُّ ظلٍّ لكلِّ عذر.

وإطلاق معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام : سألته عن المرأة؛ يضرب عليها الظلال وهي مُحرمة؟ قال علیه السلام : (نعم). فإنَّ الظلال المضروب عليها مطلق من حيث الزمان والنوع والجهة التي يضرب لأجلها؛ بل لو لم يكن شيء.

إلى غير ذلك من الأخبار التي تدلُّ دلالة واضحة على الاطلاق والعموم وتنفي كل خصوصية محتملة.

وحصيلة ما ذكرناه على طوله هي الحرمة مطلقاً, والنهي عن التظليل للمُحرِم بلا قيد ولا خصوصية خاصة مِمّا ذكر فيما سبق إلا مع الإضطرار وهو الموافق للتحقيق, وإنَّ الإمعان في النصوص الواردة في هذا الموضوع مِمّا يشرف الفقيه إلى الإطمئنان بالمقصود منها وأنَّه مذهب أهل البيت علیهم السلام .

ص: 53


1- المصدر السابق؛ ص 516.
2- المصدر السابق؛ ص 518.

ويمكن تلخيص المطلب بما يلي:

1- إنَّ المراد من التظليل ونظائره هو كلُّ ما يدفع به الأذى من جهة الفوق سواء كان المدفوعُ الشمسَ وحرارتها, والبردَ, والمطرَ, والريحَ, والعجاجَ ونحوها, بل عدم إختصاصه بذلك؛ وهو (أي التظليل) حرام لو لم يكن شيئاً مِمّا من شأنه أنْ يظلّل عنه.

2- عدم إختصاص التظليل بوقت معين, بل يشمل الليل والنهار وما بين الطلوعين سواء كان الجو صحواً أم لا, وهذا الحكم من لوازم الأمر السابق.

3- حرمة التظليل بكلِّ ما يصدق الظلال والستر, سواء كان بالمحمل أو القبة, أو الكنيسة, أو السقف المتحرك, أو المظلة, أو الغطاء وغيرها.

4- جواز التظليل حال الإضطرار, ولذوي الأعذار, كالشمس وأشعتها, وحرارتها, والبرد, والمطر, والريح, والمرض, والعذر ونحو ذلك.

5- إختصاص حرمة التظليل بحال السير والمشي؛ فلا حرمة حال النزول.

وسيأتي مزيد بيان لهذا الفرع وهذا هو المشهور بين الفقهاء قدس الله أسرارهم, قال المحقق النراقي قدس سره : (كما يجب ترك التستر عن الشمس كذلك يجب ترك التظليل عن السماء أيضاً, فلا يجوز الجلوس في نحو المحمل والسقف في الليل, ولا في يوم الغيم, وكذا في يوم الصحو في أول النهار وآخره إذا جلس مواجهاً للشمس, لأنَّ المراد من التظليل أعمّ منهما, كما تفصح عنه طائفة من

ص: 54

الأخبار المتقدمة المتضمنة للإستظلال من المطر, ولأنَّ الإضحاء المأمور به, بل التظليل أيضاً محتمل لإرادة الإبراز للسماء وللإبراز للشمس)(1).

وفي الحدائق بعد نقل عبارة الشهيد الأول في الدروس حيث قال: (هل التحريم في الظلِّ لفوات الضحى, أو لمكان الستر. قال: وأنت خبير بأنَّ الظاهر من الأخبار المتقدمة هو المعنى الأول)(2).

وقال في الجواهر: (قلت: يمكن كون التظليل مُحرِماً لنفسه وإنْ لم يفت معه الضحى للشمس أي البروز بما أحرم به لها, كما إذا كانت في وجهه ولذا حرم حيث لا تكون شمس, وإنْ أبيت ذلك فليس إلا الإحتمال الأول -أي التحريم لأجل فوات الضحى الوارد في كلام الشهيد في الدروس- ضرورة أنَّ التستر لا أثر له في النصوص سوى بعض المطلقات في النهي عن الإستتار المحمولة على الستر الخصوص.

وأما الإضحاء: فقد عرفت تكرار الأمر في النصوص المزبورة على وجه يظهر منه كون العلة في الحرمة التظليل فوات الإضحاء المراد به, كما في المنتهى البروز للشمس. ثم نقل كلام ابن الأثير في النهاية)(3).

أقول: إنَّك عرفت مِمّا سبق أنَّ الإضحاء في اللغة وإنْ كان كما ذكره في المنتهى والنهاية الأثيرية, ولكن المقصود منه في الأخبار الظهور لمن أحرم له وعدم

ص: 55


1- مستند الشيعة؛ ج 12 ص 32.
2- الحدائق؛ ج 15 ص 485-487.
3- الجواهر؛ ج 6 ص 947.

الإحتجاب عنه, فيكون كلام صاحب الجواهر في إبتداء ما سبق حكايته (ويمكن كون التظليل مُحرِماً لنفسه, وإنْ لم يفت معه الضحى للشمس) متيناً جداً.

قال السيد الوالد قدس سره تعقيباً لنصوص الإضحاء: (والإضحاء يحتمل أنْ يراد به الإضحاء للسماء, أو الإضحاء للشمس, ولا يبعد الظهور في الأخير, ولكن لا دليل على كونه من العلة التامة المنحصرة, ويمكن أنْ يكون من بعض الحكم الموجب لمزيد الثواب ومحو الذنوب والعقاب فلا يقيد المطلقات, بل لا يكون بنفسه موجباً لتشريع الحكم)(1). وما ذكره قدس سره موافق لمجموع النصوص بعد ردِّ بعضها إلى بعض, فللإضحاء والتظليل في الإحرام حكم خاص به؛ كما عرفت.

ومن جميع ذلك يظهر وجه الخدشة في كلمات جمع من الفقهاء منهم المحدث البحراني, وصاحب الجواهر في أقوالهم التي تقدم نقل بعض منها.

ومنهم سيدنا الوالد قدس سره في آخر كلامه حيث قسَّم الحالات إلى ثلاث:

1- ما لا يتظلل فيه متعارف الناس.

2- وما يظللون فيه.

3- وما يشك فيه من أيهما.

ففي الثاني يحرم التظليل إنْ لم يكن حرج في البين قطعاً, وفي الأول لا يجب لقصور الأدلة عن إثباته بعد حملها على المتعارف, والمرجع في الأخير هو البراءة عن الحرمة بعد صحة التمسك بالأدلة(2).

ص: 56


1- مهذب الأحكام؛ ج 13 ص 203.
2- المصدر السابق؛ ص203.

فإنَّه لا قصور في الأدلة وظهورها في الإطلاق والتعميم فتشمل الأقسام الثلاثة المذكورة, فلا شكَّ حتى نرجع فيه إلى الأصل, فإنَّ الإطلاقات محكمة كما اعترف به أول كلامه.

ومنهم ما ذكره بعضهم من إختصاص التظليل بالتستر من الشمس وإلحاق التستر من المطر به إحتياطاً.

فإنَّه يرد عليه: من أنَّ الإختصاص بجميع أقسامه وصوره مخالف للإطلاقات وما هو المستفاد من مجموع الأخبار, وقد عرفت أنَّه خلاف التحقيق الحقيق بالقبول.

وأمّا الإحتياط في إلحاق المطر بالشمس فإنَّه أنْ كان موجباً لإلحاقه بها فهو أيضاً يوجب إلحاق البرد والحر بها لورودها في بعض الأخبار المتقدمة؛ كصحيح الكلابي(1), ومعتبرة زرارة(2).

يضاف إلى ذلك إنَّه إذا ألحق المطر بالشمس لأجل النصِّ الخاص فلا بُدَّ أنْ يكون المناط فيهما هو دفع الأذى؛ لوجوب التصرف في لفظ الظلِّ ونحوه؛ ليشملهما معاً لاختصاصه لدفع الشمس فقط كما هو رأيه, فإذا جاز التصرف في اللفظ لإلحاق المطر فلا يختصُّ حينئذٍ به بل يشمل كلُّ أذى, وهو لا يقول به, فيكون الإحتياط هو إلحاقها بالشمس والمطر.

ص: 57


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج 12 ص 519.
2- المصدر السابق.

فيكون المختار هو الأوفق للتحقيق المستفاد من النصوص الواردة في هذا الموضوع والحمد لله رب العالمين؛ والله العالم.

ص: 58

البحث الرابع الفروع المتعلقة بهذا الموضوع

اشارة

ص: 59

ص: 60

في الفروع المتعلقة بهذا الموضوع:

الفرع الأول

تختصُّ حرمة التظليل بحال السير وطيّ المنزل, بأنْ يجلس في السيارة أو الطائرة, أو السفينة, وغيرها تحت السقف, وأمّا بعد النزول في المنزل كمكّة, ومنى, وعرفات, والمشعر الحرام, ونحوها فلا يحرم ذلك.

ويستفاد ذلك من كلمات الفقهاء (قدس الله أسرارهم) وإنْ اختلفت.

ففي جملة منها: (وتظليل المُحرِم عليه سائراً)؛ كالمحقق في الشرائع(1), والمحدث البحراني في الحدائق(2) وغيرهما, وفي الغنية لسيد ابن الزهرة: (يحرم عليه أنْ يستظل وهو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه)(3).

وفي نجاة العباد: (التظليل للرجل إختياراً على رأسه سائراً)(4), وغير ذلك.

ومراد الجميع ما ذكرناه. وكيف كان؛ فإنَّه لا اشكال في الحكم المزبور, ويدلُّ عليه مضافاً إلى الإجماع المحقق -كما في المستند- النصوص المستفيضة ذكرنا جملة منها فيما سبق.

ص: 61


1- الجواهر ج 6 ص 643.
2- الحدائق ج 15 ص 47.
3- الجواهر ج 6 ص 646.
4- نجاة العباد (المحشى)؛ ص120.

وهذا الموضوع هو الذي أثار عجب القوم واستهزاءهم به كما نطقت به الأخبار الكثيرة, ولعلَّ الأصل في ذلك ما عن أبي حنيفة قال للرضا علیه السلام : (أَيْشٍ فَرْقٌ مَا بَيْنَ ظِلَالِ الْمُحرِم وَالْخِبَاءِ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام : إِنَّ السُّنَّةَ لَا تُقَاسُ )(1).

وفي خبر مُحَمَّدِ

ابن الْفُضَيْلِ قَالَ: (كُنَّا فِي دِهْلِيزِ يَحْيَى ابن خَالِدٍ بِمَكَّةَ, وَكَانَ هُنَاكَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى علیه السلام وَأَبُو يُوسُفَ, فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَتَرَبَّعَ بَيْنَ يَدَيْهِ, فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ الْمُحرِم يُظَلِّلُ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: فَيَسْتَظِلُّ بِالْجِدَارِ وَالْمَحْمِلِ وَيَدْخُلُ الْبَيْتَ وَالْخِبَاءَ؟ قَالَ علیه السلام : نَعَمْ, قَالَ: فَضَحِكَ أَبُو يُوسُفَ شِبْهَ الْمُسْتَهْزِئِ, فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ علیه السلام : يَا أَبَا يُوسُفَ إِنَّ الدِّينَ لَيْسَ يُقَاسُ كَقِيَاسِكَ وَقِيَاسِ أَصْحَابِكَ, إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِالطَّلَاقِ وَأَكَّدَ فِيهِ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِمَا إِلَّا عَدْلَيْنِ, وَأَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِالتَّزْوِيجِ وَأَهْمَلَهُ بِلَا شُهُودٍ, فَأَتَيْتُمْ بِشَاهِدَيْنِ فِيمَا أَبْطَلَ اللَّهُ, وَأَبْطَلْتُمْ شَاهِدَيْنِ فِيمَا أَكَّدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجَزْتُمْ طَلَاقَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ, حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم فَأَحْرَمَ وَلَمْ يُظَلِّلْ, وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَالْخِبَاءَ وَ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمِلِ وَالْجِدَارِ فَقُلْنَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم فَسَكَتَ)(2).

وبمضمونها روايات أخرى التي بها تقيد الإطلاقات الدالة على المنع.

ثم إنَّ في بعض عبارات الفقهاء ورد لفظ (سائراً) ولا ريب أنَّه أعم من الركوب والمشي, قال السيد الوالد قدس سره : (لا فرق في حرمة التظليل بين الراكب والماشي إلى الحج)(3).

ص: 62


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج 12 ص 523.
2- المصدر السابق؛ ص 521.
3- مهذب الاحكام ج 13 ص200.

وقال المحدث البحراني: (وأكثر الأخبار المتقدمة شاملة بإطلاقها للراكب والماشي والحكم فيها وقع معلقاً على المُحرِم مطلقاً, والحجّ كما يكون راكباً يكون ماشياً)(1). وهو متين جداً, والحجة على ذلك إطلاق الأدلة, فيشمل الراكب والراجل معاً, وعليه الإجماع.

ولكن ذهب جمع آخرون إلى إختصاص الحكم بالراكب فقط فلا يعمّ الماشي, ففي المسالك: (يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل, فلا يقدح به المشي في ظل المحمل ونحوه عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه وإنْ كان قد يطلق عليه التظليل لغة, وإنَّما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت الظل كما لو مرَّ تحت الحمل والمحمل جاز) (2).

ومال إليه سيد المدارك من إختصاص الحرمة بالراكب بعد ذكر كلام جده الشهيد الثاني قال: (إنَّما يحرم يعني -التظليل- حالة الركوب, فلو مشى تحت الظلِّ كما لو مشى تحت المحمل والحمل جاز)(3).

وقال النراقي قدس سره : (إعلم أنَّ حرمة التظليل مخصوصة بحال الركوب فيجوز له المشي في الظلال, وتحتها كظل المحمل, والحمل, والدابة, والثوب ونحوه ينصبه فوق رأسه وفاقاً لجماعة منهم الشيخ والشهيدان وغيرهم)(4).

ص: 63


1- الحدائق الناظرة ج 15 ص484.
2- الجواهر ج 6 ص 647.
3- مدارك الأحكام؛ ج 7 ص 364. ومسالك الأفهام؛ ج 2 ص 265.
4- المستند ج 12 ص 30.

واستدلوا على ذلك بصحيح ابْنِ بَزِيعٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الرِّضَا علیه السلام : (هَلْ يَجُوزُ لِلْمُحرِم أَنْ يَمْشِيَ تَحْتَ ظِلِّ الْمَحْمِلِ؟ فَكَتَبَ علیه السلام نَعَمْ)(1), وفي خبر الإحتجاج (فَيَجُوزُ أَنْ يَمْشِيَ تَحْتَ الظِّلَالِ)(2), ولكن دلالتهما على ما ذكروه محل تأمل, ولا بُدَّ من بيان الوجوه المتصورة ليتَّضح الأمر:

الأول: التظليل حال الركوب في الناقلات كالسيارة والطائرة والسفينة ونحوها, ولا إشكال في الحرمة من دون اضطرار, وهو المتَّفق عليه عند الأصحاب, والقدر المتيقن من الأدلة.

نعم؛ إستشكل الشيخ النائيني قدس سره في السفينة باعتبار أنَّها راحلته ومنزله, وكذلك القطار الحديدي في الأسفار البعيدة.

لكن إطلاق النصوص المتقدمة الدالة على المنع عن التستر من الشمس وجواز التظليل حال النزول في الخباء والوصول إلى المنزل يدفعه إلا مع الضرورة.

الثاني: التظليل حال المشي, بحيث يسير مع الظلال بشمسية ونحوها مِمّا يكون فوق رأسه وهو الذي يعبر عنه بالظلال السائر مع المُحرِم, والمشهور حرمته أيضاً. ويشملها قولهم (رحمهم الله): (تظليل المُحرِم عليه سائراً) فإنَّ السائر أعمّ من كونه راكباً أو ماشياً, وتقدم قول السيد الوالد قدس سره في عدم الفرق في حرمة التظليل بين الراكب والماشي إلى الحج, واستدلُّوا عليه بإطلاق الأدلة,

ص: 64


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج 12 ص 524.
2- المصدر السابق؛ ص 523.

وعدم منافاة ما ذكره غيرهم لها, كما قال المحدث البحراني: (والظاهر أنَّ ما ذكرناه -أي المشي في الظل- هو مراد شيخنا الشهيد الثاني فيما قدمنا نقله. لا العموم لما فوق الرأس, كما يشير إليه تمثيله)(1).

وقال في الجواهر: (وعلى كلِّ حالٍ؛ فصريح ثاني الشهيدين إختصاص حرمة التظليل بحال الركوب دون المشي, وفيه منع واضح, لإطلاق الأدلة التي لا ينافيها النهي عنه حال الركوب الذي هو أحد الأفراد)(2). فيحمل ما ورد في الروايات من مثل القبة ونحوها على المثال للسير إلى الحجّ لا الخصوصية.

ومِمّا ذكرنا يظهر الوجه في ما ذكره سيدنا الأستاذ قدس سره من التفصيل بين الإستظلال بظلِّ المحمل فيجوز وبين غيره فلا يجوز, فإنَّ الدليل في الموردين واحد ولم يظهر فرق بين ظلِّ المحمل وغيره في هذا الموضوع بعد كونه من باب المثال كما فهمه شيخنا الشهيد وغيره من الأصحاب.

الثالث: التظليل تحت الظلال المستقر, كالسقف الثابت, والأنفاق المستحدثة ونحوها, ولا إشكال في جوازها حال النزول, لما تقدم من الأخبار الدالة على جواز النزول تحت الخباء, وعليه الإجماع أيضاً. وكذا الظلال الثابتة حال السير, للأصل بعد قصور النصوص عن تناوله بل عن فخر المحققين: (دعوى القطع بأن المُحرَّم عليه سائراً إنَّما هو الإستظلال بما ينتقل معه كالمحمل, أمّا لو مرَّ

ص: 65


1- الحدائق الناظرة ج 15 ص 485.
2- الجواهر ج 6 ص 648.

تحت سقف أو ظلّ بيت أو سوق أو شبهه فلا بأس)(1). وقريبٌ منه عبارة السيد الوالد قدس سره في المهذب(2).

الرابع: المشي في ظلِّ المحمل والأشجار والبناء والجبال ونحو ذلك. وقد ذهب المشهور إلى جوازه واستدلوا عليه بصحيح إبن بزيع المتقدم, وخبر الإحتجاج, بناءٍ على أنَّ المراد منهما المشي في ظلِّه, كما هو المتبادر من المشي في ظلِّ المحمل لا الكون تحت ظلِّه, وبهما يخصص إطلاق جملة من الأخبار.

وبناءً على ذلك فلا يختص بالمشي بل يجوز للراكب أيضاً, كما هو ظاهر كلماتهم ولا بُدَّ من تقييده بما إذا لم يكن الساتر فوق الرأس كما ذهب إليه جمع من الفقهاء (قدس الله أسرارهم) كالعلامة في المنتهى والمحدث البحراني في الحدائق, وصاحب الجواهر وغيرهم فلا يجوز المشي تحت ثوب ينصبه المُحرِم على رأسه للتستر عن الشمس, مستدلِّين على ذلك بالإطلاقات الدالَّة على حرمة التظليل, وإنَّ المتبادر من صحيح إبن بزيع وخبر الإحتجاج ظلّ المحمل من أحد الجانبين والمشي في الظلّ لا الكون تحت المحمل ونحوه؛ كما عرفت. وأيَّده البحراني قدس سره في الحدائق بالإحتياط؛ خلافاً لمن عرفتهم في الوجه السابق, وتقدم ضعف دليلهم؛ من أنَّه لو كان المراد من صحيح إبن بزيع ما ذكروه فلا بُدَّ من الإقتصار على مورده لما كانت عليه السيرة في العصور القديمة من المشي تحت ظلال المحامل فلا يشمل غيرها.

ص: 66


1- المصدر السابق.
2- مهذب الاحكام ج 13 ص 200.

الفرع الثاني:

لا بأس بالتظليل بعد النزول عند التردد في حوائجه راكباً أو ماشياً, لما مر آنفاً من أنَّ المستفاد من مجموع الأدلة حرمة التظليل حال السير وطي المنزل لا بعد النزول فيه وعليه السيرة القطعية, وعليه يجوز للمُحرِم التردد في الأسواق والمحلات والمواقف المعدة في طريق مكة المكرمة للمسافر وناقلاتهم, كما يجوز التردد في شوارع مكة المكرمة وأسواقها ومحلاتها ماشياً وراكباً بعد النزول, وإنْ كان الأحوط الترك جموداً على إطلاق الأدلة المانعة, ورعايةً للإحتياط.

الفرع الثالث:

تختص حرمة التظليل بما إذا كان فوق الرأس, فلا بأس بالتظليل من الجوانب حال السير, قال الشهيد في الروضة: (والمعتبر فيه ما كان فوق رأسه, فلا يحرم الكون في ظلِّ المحمل عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه)(1).

وهو المشهور بين الأصحاب, والمنساق من الأدلة الدالة على حرمة التظليل, واستدلوا عليه بصحيح عَبْدِ اللَّهِ ابن سِنَانٍ قَالَ: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام يَقُولُ لِأَبِي وَشَكَا إِلَيْهِ حَرَّ الشَّمْسِ وَهُوَ مُحرِم, وَهُوَ يَتَأَذَّى بِهِ, فَقَالَ: تَرَى أَنْ أَسْتَتِرَ بِطَرَفِ ثَوْبِي؟ فَقَالَ علیه السلام : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُصِبْكَ رَأْسَكَ)(2).

ومكاتبة الْحِمْيَرِيِ: (أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ عجل الله تعالی فرجه الشریف يَسْأَلُهُ عَنِ الْمُحرِم يَرْفَعُ الظِّلَالَ هَلْ يَرْفَعُ خَشَبَ الْعَمَّارِيَّةِ أَوِ الْكَنِيسَةِ, وَ يَرْفَعُ الْجَنَاحَيْنِ أَمْ لَا؟ فَكَتَبَ

ص: 67


1- الروضة البهية ج 2 ص 245.
2- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج 12 ص 512.

إِلَيْهِ: لَا شَيْ ءَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ رَفْعَ الْخَشَبِ)(1), بل يمكن حمل الأخيرة على عدم صدق الإستظلال بالخشب الباقية فيخرج عن موضوع البحث حينئذٍ, ويقتضيه الأصل أيضاً.

وذهب جمع من الفقهاء إلى عدم جواز التظليل حال السير مطلقاً, لا من فوق الرأس ولا من الجانبين.

وعن الحدائق إستظهار كون العلَّة في التحريم عدم البروز للشمس لا الستر وفرع عليه حرمة التظليل وإنْ لم يكن فوق الرأس(2).

وقال النراقي: (بل الظاهر أنه يجب حينئذٍ البروز للشمس إذا تحولت إلى جهة أخرى لتحقيق الإضحاء المأمور به, وينتفي التستر عن الشمس المنهى عنه)(3).

وأورد على ما استدلَّ به المشهور بأنَّ الأول يدفعه عموم قوله علیه السلام في معتبرة الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: (لَا يَسْتَتِرُ الْمُحرِم مِنَ الشَّمْسِ بِثَوْبٍ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتُرَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ)(4).

وصحيح إِسْمَاعِيلَ ابن عَبْدِ الْخَالِق قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام هَلْ يَسْتَتِرُ الْمُحرِم مِنَ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ علیه السلام : لَا, إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخاً كَبِيراً, أَوْ قَالَ: ذَا عِلَّةٍ)(5).

ص: 68


1- المصدر السابق؛ ص 525.
2- الحدائق الناضرة ج 15 ص 485.
3- مستند الشيعة ج 12 ص 32.
4- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج 12 ص 524.
5- المصدر السابق؛ ص 518.

وأمّا صحيح ابن سنان فهو محمول على الضرورة التي منها الأذية ولا نزاع فيها. كما أنَّ الأصل محكوم بالمطلقات.

ولكن يمكن مناقشة ما ذكروه بأنَّك عرفت سابقاً من أنَّ الإضحاء المأمور به لا يختص بالبروز للشمس بل المراد به الظهور والبروز لمن أحرم له.

وإنَّ البروز للشمس لمجرد الرجحان للتعليل الوارد في بعض الاخبار من أنَّ: (مَا مِنْ حَاجٍ يَضْحَى مُلَبِّياً حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا غَابَتْ ذُنُوبُهُ مَعَهَا )(1).

مع أنَّ الأصل ينفي كون الوجوب للبروز للشمس فقط.

وعلى فرض الشمول فإنَّه يكفي إطلاق صحيح إبن بزيع قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الرِّضَا علیه السلام : (هَلْ يَجُوزُ لِلْمُحرِم أَنْ يَمْشِيَ تَحْتَ ظِلِّ الْمَحْمِلِ؟ فَكَتَبَ علیه السلام نَعَمْ)(2), في رفع اليد عن الإطلاقات فتحمل معتبرة المعلى وعبد الخالق على الكراهة.

ويشهد له معتبرة قاسم الصيقل قَالَ: (مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَشَدَّ تَشْدِيداً فِي الظِّلِّ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام ؛ كَانَ يَأْمُرُ بِقَلْعِ الْقُبَّةِ والْحَاجِبَيْنِ إِذَا أَحْرَمَ)(3), فإنَّ التشديد ظاهر في الزيادة على الواجب.

وأخبار التكفير التي تدلُّ على ثبوت الكفارة على المُحرِم إذا ظلَّل من فوق رأسه عند الضرورة وخبر سعيد الأعرج أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْمُحرِم يَسْتَتِرُ

ص: 69


1- المصدر السابق؛ ص387.
2- المصدر السابق؛ ص 524.
3- المصدر السابق؛ ص518-519.

مِنَ الشَّمْسِ بِعُودٍ وبِيَدِهِ؟. قَالَ: (لَا إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ )(1), الذي لا بُدَّ من حمله على الكراهة لجواز الإستتار باليد كما فعله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (2), مضافا إلى الإجماع الذي إدّعاه الشيخ في الخلاف والعلامة في المنتهى, بل قال الإخير: (عليه جميع أهل العلم).

فالحقُّ ما ذهب إليه المشهور بين الفقهاء (قدس الله أسرارهم)؛ منهم صاحب الجواهر واختاره السيد الوالد قدس سره : (ولو لم يكن الظل فوق الرأس بل كان من أحد الجانبين كما إذا مشى في ظلِّ جدار فلا بأس )(3).

نعم؛ لا ينبغي ترك الإحتياط للخروج عن خلاف جمع من الأعاظم (قدس الله أسرارهم)؛ كما عرفت.

الفرع الرابع

يستثنى من تحريم التظليل موارد:

الأول: لابأس بالتظليل بالنسبة إلى سائر الجسد وجميع البدن إلا فوق الرأس لظهور الأدلة في التظليل فوق الرأس وأصالة البراءة عن غيره.

ويستفاد ذلك أيضاً من تخصيص الفقهاء الحكم بأنْ يكون فوق الرأس, قال في المسالك: (يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه ), والظاهر أنَّه لا إشكال فيه.

ص: 70


1- المصدر السابق؛ ص 525.
2- المصدر السابق؛ ص 521.
3- مهذب الأحكام؛ ج13 ص 198.

الثاني : لا بأس بالتظليل للمرأة والصبيان للاجماع المحقق. والنصوص المتعددة ففي صحيح حريز عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: (لَا بَأْسَ بِالْقُبَّةِ عَلَى النِّسَاءِ والصِّبْيَانِ وهُمْ مُحرِمونَ )(1).

ويمكن الإستدلال بحديث رفع القلم أيضاً بالنسبة للصبيان.

وفي صحيح جميل عنه علیه السلام : (لا بأس بالظلال للنساء ).

وتقدم ما يدلُّ على ذلك أيضاً. ويؤيده الإعتبار؛ وهو ضعفهما عن مقارفة الحر والبرد؛ كذا ذكرهما صاحب الجواهر.

الثالث: لا بأس بالتظليل مع الإضطرار لمرض ونحوه كما تقدم. ويدلُّ عليه الإجماع, بقسميه كما في الجواهر ونصوص مستفيضة تقدم بعضها, منها موثقة إِسْحَاقَ ابن عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَيْهِ وهُوَ مُحرِم قَالَ: (لَا إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ والَّذِي لَا يُطِيقُ الشَّمْس )(2).

والظاهر أنَّه لا خلاف من أحد في أصل الحكم, بل يكفي فيه أدلَّة نفي العسر والحرج مضافاً إلى نصوص خاصة.

وإنَّما الكلام في أنَّ المناط في الجواز مطلق المشقَّة وإنْ كانت حاصلة من حر الشمس ونزول المطر ونحوهما كما اختاره جمع من العلماء (قدس الله أسرارهم) لنفي مطلق العسر.

ص: 71


1- وسائل الشيعة (ط. آل البيت)؛ ج 12 ص 519.
2- المصدر السابق؛ ص 517.

وصحاح الأشعري وإبن بزيع وإبراهيم ابن أبي محمود وعلي ابن محمد التي تقدم ذكرها في البحث السابق.

أو يشترط التضرر به لِعلَّة أو كبر أو ضعف أو شدَّة حر أو برد كما اختاره جمع؛ منهم الشيخان والحلي والشهيد والمحدث البحراني وغيرهم؛ لموثقة إسحق ابن عمار المتقدمة وغيره مِمّا يقيد به الجواز بعدم الإطاقة والإستطاعة, كما إنَّ بها تقيد المطلقات التي تدلُّ على الجواز بمجرد الأذية, كموثقة عثمان ابن عيسى(1), أو مطلق العذر(2).

والحقُّ أنْ يقال: إنَّ المرجع في الضرورة والإضطرار هو المتعارف بالنسبة إلى الشخص لتنزل الأدلة على ذلك, ومن المعلوم أنَّه ليس بعض مراتب الحر والبرد منهما إذ لو كان المناط هو مطلق الضرورة والإضطرار لسقط الحكم وثبت الجواز في جميع الأسفار التي تكون مبنية على المشقة والمراغمة؛ لا سيما الأسفار القديمة فلا بُدَّ أنْ تكون المشقة شديدة زائدة عمّا يقتضيه مطلق مقابلة الشمس أو البرد أو المطر أو غيرها لتصدق الأذية.

وبذلك يجمع بين الأدلة التي يدلُّ بعضها على الأذية والعلة وبعضها الآخر على عدم السقوط, كصحيحة عبد الله ابن المغيرة قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ علیه السلام عَنِ الظِّلَالِ لِلْمُحرِم فَقَالَ علیه السلام : (اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ قُلْتُ إِنِّي مَحْرُورٌ وإِنَ الْحَرَّ

ص: 72


1- المصدر السابق؛ ص 519.
2- المصدر السابق.

يَشْتَدُّ عَلَيَّ فَقَالَ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ بِذُنُوبِ الْمُحرِمين )(1). التي تحمل على ما إذا لم تبلغ المشقة والضرر مرتبة لم يمكن تحملها.

الرابع: لا بأس بوضع الذراع على الوجه والتستر ببعض الجسد, لنصوص خاصة, منها صحيح معاوية ابن عمار عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: (لَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ الْمُحرِم ذِرَاعَهُ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ ولَا بَأْسَ أَنْ يَسْتُرَ بَعْضَ جَسَدِهِ بِبَعْضٍ )(2).

وتقدم خبر المثنى: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ فَلَا يَسْتَظِلُّ عَلَيْهَا وتُؤْذِيهِ الشَّمْسُ فَيَسْتُرُ بَعْضَ جَسَدِهِ بِبَعْضٍ ورُبَّمَا يَسْتُرُ وَجْهَهُ بِيَدِه)(3).

ويقتضيه الأصل أيضاً, وإنْ كان مقتضى صحيح الأعرج المنع, حيث سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام عَنِ الْمُحرِم يَسْتَتِرُ مِنَ الشَّمْسِ بِعُودٍ وبِيَدِهِ قَالَ علیه السلام : (لَا إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ )(4). وأحسن الوجوه حمله على الكراهة.

الفرع الخامس

تجب الفدية في التظليل سائراً بشاة ولو لضرورة, وتفصيل ذلك في ضمن امور:

1- أمّا وجوب الفدية فلا إشكال فيه من أحد, وتدلُّ عليه النصوص المستفيضة كما سيأتي.

ص: 73


1- المصدر السابق؛ ص 518.
2- المصدر السابق؛ ص 524.
3- المصدر السابق؛ ص 521.
4- المصدر السابق؛ ص 525.

وأمّا كونها في التظليل سائراً فقد عرفت أنَّه لا يحرم التظليل على المُحرِم في غير حال السير؛ فراجع ما ذكرناه آنفاً.

2- أمّا كونها شاة؛ فهو المشهور بين الفقهاء والروايات فيه مختلفة, فمنها ما يدلُّ على مطلق الفداء كمعتبرة الأشعري عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَى نَفْسِهِ؟. فَقَالَ علیه السلام : (أَ مِنْ عِلَّةٍ فَقُلْتُ يُؤْذِيهِ حَرُّ الشَّمْسِ وهُوَ مُحرِم فَقَالَ هِيَ عِلَّةٌ يُظَلِّلُ ويَفْدِي)(1).

ومعتبرة الصفار عَنْ عَلِيِّ ابن مُحَمَّدٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ الْمُحرِم هَلْ يُظَلِّلُ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا آذَتْهُ الشَّمْسُ أَوِ الْمَطَرُ أَوْ كَانَ مَرِيضاً أَمْ لَا فَإِنْ ظَلَّلَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدَاءُ أَمْ لَا فَكَتَبَ: (يُظَلِّلُ عَلَى نَفْسِهِ ويُهَرِيقُ دَماً إِنْ شَاءَ اللَّهُ)(2).

ومنها ما يدلُّ على كونها شاة كصحيحة محمد ابن إِسْمَاعِيلَ ابن بَزِيعٍ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الظِّلَالِ لِلْمُحرِم مِنْ أَذَى مَطَرٍ أَوْ شَمْسٍ وأَنَا أَسْمَعُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَفْدِيَ شَاةً ويَذْبَحَهَا بِمِنًى(3), ومثلها صحيحته الأخرى.

وصحيحة إبراهيم ابن أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا علیه السلام الْمُحرِم يُظَلِّلُ عَلَى مَحْمِلِهِ ويَفْدِي إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ والْمَطَرُ يُضِرَّانِ بِهِ قَالَ (نَعَمْ قُلْتُ كَمِ الْفِدَاءُ قَالَ شَاةٌ )(4).

ص: 74


1- المصدر السابق؛ ج13 ص155.
2- المصدر السابق؛ ص 154.
3- المصدر السابق؛ ص 155.
4- المصدر السابق؛ ج12 ص520.

ومقتضى الصناعة حمل القسم الأول على الثاني ويحكم بوجوب الفداء بإهراق دم شاة فلا تعارض بينهما.

ومنها ما يدلُّ على التصدق بمدٍّ لكلِّ يوم كما في خبر أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ يُضْرَبُ عَلَيْهَا الظِّلَالُ وهِيَ مُحرِمةٌ؟ قَالَ علیه السلام : (نَعَم).

وهو مستند الشيخ الصدوق قدس سره في الحكم بالتصدق بمُدٍّ, ولكنه لا يصلح أنْ يكون معارضاً لما سبق من الروايات الصحيحة, ويمكن حمله على العجز عن الشاة أو على الندب مضافاً إلى الشاة, وأمّا حمله على التخيير بينه وبين الشاة فهو بعيد جداً وخلاف الأذهان المستقيمة.

ومنها ما يدلُّ على نحر بَدَنة, كصحيحة علي ابن جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَخِي علیه السلام : أُظَلِّلُ وأَنَا مُحرِم؟. فَقَالَ: (نَعَمْ وعَلَيْكَ الْكَفَّارَة )(1).

ولكن يمكن أنْ يكون ذلك إجتهاداً من علي ابن جعفر, وحملها بعض الأصحاب على الإستحباب لما تقدم من أخبار الشاة, ولكنه بعيد.

وأمّا النحر بمكّة فلأجل كون التظليل في إحرام العمرة, كما أنَّ الذبح في منى إذا كان في إحرام الحج كما يأتي إنْ شاء الله تعالى.

ومنها ما يدلُّ على أنَّ الفداء فيه صيام أو صدقة أو نسك كالكفارة في الحلق لأذى وهو مختار إبن أبي عقيل لخبر عمر ابن يزيد عن أبي عبد الله

ص: 75


1- المصدر السابق؛ ج13 ص97.

علیه السلام : (فَمَنْ عَرَضَ لَهُ أَذًى أَوْ وَجَعٌ فَتَعَاطَى مَا لَا يَنْبَغِي لِلْمُحرِم إِذَا كَانَ صَحِيحاً فَالصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ والصَّدَقَةُ عَلَى عَشَرَةِ مَسَاكِينَ يُشْبِعُهُمْ مِنَ الطَّعَامِ والنُّسُكُ شَاةٌ يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُ ويُطْعِمُ وإِنَّمَا عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ(1) ).

ولكن هذا الخبر لا يصلح أنْ يعارض النصوص الصحيحة المتقدمة, وعلى فرضه فإنَّه يدلُّ بالإطلاق, وتلك تدلُّ على خصوص التظليل فتقيده, فيحمل على ما عداه جمعاً.

فالعمل على ما ذهب إليه المشهور من كون الفداء وجوب الشاة, والأحوط إستحباباً ضمّ التصدق بمُدٍّ لكلِّ يوم كما عرفت.

3- وأمّا كون الفداء على التظليل مطلقاً ضرورة كانت أم لا, فللإجماع وإطلاق بعض الأدلة, وإنْ ذكر موارد الإضطرار لبيان مورد الإحتياج والغالب, مع أنَّه لو فرض الإختصاص يكون التعدي عنه إلى غيره بالأَولى, بل المستفاد من النصوص ملازمة التظليل مع الكفارة, كما يدل عليه صحيح إبن جعفر المتقدم فإنَّ إطلاقه يشمل الإختيار والإضطرار كما يشمل مطلق الأسباب.

ومن ذلك كله يعرف ضعف ما ذهب إليه أبو الصلاح الحلبي مع أنَّه على المختار لكلِّ يوم شاة, وعلى المضطر لجميع المدة شاة واحدة.

ص: 76


1- المصدر السابق ص166-167.

4- تعدد الكفارة بتعدد النسك كما في العمرة والحج, ويدلُّ عليه الأصل والإجماع, وظواهر النصوص المتقدة الدالة على عدم تكرر الفدية بتكرر التظليل في النسك الواحد.

ونصوص خاصة, كخبر إبن راشد قَالَ: قُلْتُ لَهُ علیه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُ يَشْتَدُّ عَلَيَّ كَشْفُ الظِّلَالِ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنِّي مَحْرُورٌ يَشْتَدُّ عَلَيَّ حَرُّ الشَّمْسِ فَقَالَ: (ظَلِّلْ وأَرِقْ دَماً فَقُلْتُ لَهُ دَماً أَوْ دَمَيْنِ قَالَ لِلْعُمْرَةِ قُلْتُ إِنَّا نُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ ونَدْخُلُ مَكَّةَ فَنُحِلُّ ونُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَالَ فَأَرِقْ دَمَيْنِ )(1).

وخبره الآخر قال: سَأَلْتُهُ عَنْ مُحرِم ظَلَّلَ فِي عُمْرَتِهِ قَالَ (يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ قَالَ وإِنْ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ وظَلَّلَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضاً دَمٌ لِعُمْرَتِهِ ودَمٌ لِحَجَّتِهِ)(2).

وبعد النص الخاص لا وجه للتداخل بعد تعدد السبب.

5- الأحوط تكرر الكفارة بتكرر التظليل في إحرام واحد, ويمكن تصويره بما إذا ظلَّل لصداع مثلاً فارتفع وحصل له مرض آخر يوجب التظليل, أو عاد عليه ذلك السبب بعد البرء. أو ظلَّل عامداً, فتاب ثم ظلَّل مرة أخرى ذلك في إحرام واحد.

ص: 77


1- المصدر السابق؛ ص156.
2- المصدر السابق؛ ص157.

وهو مقتضى القاعدة التي تدلُّ على التعدد وعدم التداخل, لأنَّ تعدد السبب يستلزم تعدد المسبب.

ولكن يمكن المناقشة فيه لوجوه:

أولاً: التسالم على عدم تكرر الكفارة في الإحرام الواحد.

ثانياً: إحتمال كون المناط في الكفارة وتعددها وحدة الإحرام وتعدده لا وحدة منشأ التظليل وتعدده, ويكفي هذا الإحتمال في عدم الجزم بالتعدد(1).

ثالثاً: دلالة بعض الأخبار عليه, منها خبر على ابن راشد الذي فصَّل فيه بين الإحرامين ولم يذكر فيه الإحرام الواحد, فهو ظاهر في وحدة الكفارة وعدم تكرارها فيه.

رابعاً: الأصل الدالّ على عدم وجوب التكرار بعد الشك فيه.

نعم؛ الأحوط إستحباباً التكفير في كلِّ ذلك؛ لما ذكرناه من دلالة القاعدة الأولية على التكرار التي تصلح له.

الفرع السادس

هل أنَّ الحرمة تختص بإحداث الظلِّ بعد الإحرام, أو أنَّها تعمّ حالة إبقاء الظلّ؟.

ويُمثل له بمن أحرم في الطائرة؛ فإنَّه بعد إحرامه لا يكون قد أحدث ظلاً, وإنَّما هو ثابت قبل الإحرام.

ص: 78


1- مهذب الأحكام؛ ج13 ص361.

والظاهر هو الثاني؛ لأنَّه قد ظلَّل, وإنْ بقي تحت الظلِّ فمثل هذا التظليل حرام وتجب فيه الكفارة.

هذا ما أردنا إثباته في هذا الموضوع نسأل الله عَزَّ وَجَلَّ أنْ يتقبله بلطفه العميم ووجهه الكريم إنَّه خير ناصر ومعين.

والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً.

ص: 79

2

ص: 80

المصادر والمراجع

ص: 81

ص: 82

1- القرآن المجيد؛ كلام الله عَزَّ وَجَلَّ.

2- أساس البلاغة؛ محمود إبن عمر الزمخشري؛ بيروت؛ دار صادر؛ 1979م؛ الطبعة الأولى.

3- الأمالي (للطوسي)؛ محمد ابن الحسن الطوسي؛ نشر دار الثقافة, قم المقدسة؛ 1414ه-, الطبعة الأولى.

4- الإنتصار في إنفرادات الإمامية؛ السيد علي ابن الحسين الشريف المرتضى؛ نشر جامعة المدرسين؛ قم المقدسة؛ الطبعة الأولى؛ 1415 ه-.

5- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار؛ محمد باقر ابن محمد تقي المجلسي، نشر دار إحياء التراث العربي, بيروت 1403ه-, الطبعة الثانية.

6- تهذيب الأحكام (تحقيق الخرسان)؛ محمد ابن الحسن الطوسي، نشر دار الكتب الإسلاميه, طهران؛ 1407ه-, الطبعة الرابعة.

7- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ الشيخ محمد حسن النجفي؛ مؤسسة دار المرتضى العالمية؛ دار المؤرخ العربي؛ بيروت؛ الطبعة الأولى؛ 1992 م– 1412 ه-.

8- الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة؛ الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني؛ (ط. النجف الأشرف).

ص: 83

9- الروضة البهية؛ الشهيد الثاني زين الدين إبن علي العاملي؛ الطبعة الأولى؛ 1410 ه-؛ قم المقدسة؛ نشر داوري؛ تحقيق جامعة النجف الأشرف الدينية.

10- الصحاح؛ إسماعيل إبن حماد الجوهري؛ المحقق أحمد عبد الغفور عطار؛ نشر دار العلم للملايين؛ بيروت؛ 1376؛ الطبعة الأولى.

11- غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع؛ السيد إبن زهرة حمزة إبن علي الحسيني الحلبي؛ نشر مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام ؛ قم المقدسة؛ 1417؛ الطبعة الأولى.

12- الكافي (ط-الإسلامية)؛ محمد ابن يعقوب ابن إسحاق الكليني؛ نشر دار الكتب الإسلامية طهران؛ 1407ه-؛ الطبعة الرابعة.

13- مجمع البحرين؛ فخر الدين ابن محمد الطريحي؛ محقق ومصحح أحمد حسينى اشكورى؛ نشر مرتضوي؛ تهران 1375ه-.ش؛ چاپ سوم.

14- مجموعة فتاوى إبن جنيد؛ محمد إبن احمد الكاتب البغدادي المعروف بإبن جنيد الاسكافي؛ نشر جماعة المدرسين قم؛ الطبعة الأولى 1416 ه-؛ المحقق علي پناه اجتهاردي.

15- مدارك الأحكام في شرح عبادات شرائع الاسلام؛ السيد محمد العاملي؛ نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام ؛ 1411 ه-؛ چاب اول؛ بيروت.

ص: 84

16- المراسم العلوية والأحكام النبوية؛ حمزة ابن عبد العزيز سلار الديلمي؛ منشورات الحرمين 1404 ه-؛ قم المقدسة؛ الطبعة الأولى؛ المحقق محمود بستاني.

17- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام؛ زين الدين ابن علي العاملي الشهيد الثاني؛ نشر مؤسسة المعارف الإسلامية؛ قم المقدسة؛ 1413 ه-؛ الطبعة الأولى.

18- مسائل علي ابن جعفر ومستدركاتها؛ نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام ؛ قم المقدسة؛ 1409 ه-؛ الطبعة الأولى.

19- مستند الشيعة في أحكام الشريعة؛ المولى أحمد ابن محمد مهدي النراقي؛ قم المقدسة؛ 1415 ه-؛ الطبعة الأولى؛ طبعة آل البيت علیهم السلام .

20- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي؛ أحمد ابن محمد المقري الفيومي؛ منشورات دار الرضي؛ قم المقدسة؛ الطبعة الأولى.

21- معجم مقاييس اللغة؛ أحمد إبن فارس؛ نشر المكتب الإعلامي الإسلامي؛ قم المقدسة؛ 1404 ه-؛ الطبعة الأولى؛ المحقق عبد السلام محمد هارون.

ص: 85

22- المقنعة؛ الشيخ المفيد محمد إبن محمد إبن النعمان العكبري البغدادي؛ الناشر كنگره

جهانی هزاره شيخ مفيد؛ قم المقدسة؛ 1413 ه-؛ الطبعة الأولى.

23- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام؛ آية الله العظمى السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري؛ نشر مؤسسة المنار؛ قم المقدسة؛ 1413 ه-؛ الطبعة الرابعة.

24- نجاة العباد (المحشى)؛ الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر؛ 1318 ه-.

25- النهاية في غريب الحديث والأثر؛ مبارك إبن محمد إبن الأثير؛ مؤسسة مطبوعاتى اسماعيليان؛ قم المقدسة؛ 1367 ه-.ش؛ الطبعة الرابعة؛ المحقق محمود محمد طناحي وطاهر أحمد زاوي.

26- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ محمد ابن حسن الحر العاملي، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام , قم المقدسة؛ 1409ه-, الطبعة الأولى.

ص: 86

الفهرست

ص: 87

ص: 88

المقدمة. 7

البحث الأول: حرمة التظليل للمُحرِم. 11

البحث الثاني: توضيح المعنى اللغوي. 17

البحث الثالث: النصوص والأخبار الواردة في المقام. 25

الطائفة الأولى: ما يدلُّ على مطلق التظليل. 27

الطائفة الثانية: ما يدلُّ على الأمر بالإضحاء. 30

الطائفة الثالثة: ما يدلُّ على التستر عن الشمس فقط. 36

الطائفة الرابعة: ما يدلُّ على جواز التظليل لأجل الأعذار المختلفة. 38

الطائفة الخامسة: النصوص التي تدلُّ على النهي عن ركوب المُحرِم المحمل والقبة والكنيسة ونحوها. 46

تلخيص المطلب. 54

البحث الرابع: الفروع المتعلقة بهذا الموضوع. 59

الفرع الأول. 61

الفرع الثاني. 67

الفرع الثالث. 67

الفرع الرابع. 70

الفرع الخامس. 73

الفرع السادس. 78

المصادر والمراجع. 81

الفهرست. 87

ص: 89

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.