ظلامة الزهراء (عليها السلام)
الاسباب والدوافع
علي السيد محمد حسين الحكيم
ص: 1
علي السيد محمد حسين الحكيم
عکس
ص: 2
عکس
ص: 3
عکس
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
ونحن نمر بذكرى شهادة الزهراء (عليها السلام) قد يتبادر للذهن أن ما جرى على الزهراء (عليها السلام) من مصائب ومحن هل كان مخططاً له ومعد مسبقاً، أو أن بعض الظروف أحاطت بالقضية مما تسببت بما جرى، أو هناك أسباب ودوافع أخرى لا بد من تسليط الضوء عليها وقبل الخوض بما جرى من أحداث على سيدة النساء لا ينبغي أن نغفل ذكر جانب ثواب البكاء وإدرار الدمعة والتفجع لذكر مصائبهم (عليهم السلام)، ولابدّ من اخذ العبر من تاريخ أهل البيت (عليهم السلام)، وما يحاول البعض ذكره في محفل وآخر من ترك البكاء والنوح لمصائبهم (عليهم السلام) لعدم الفائدة فيه، أو كونه من مظاهر التخلف المنافي لما عليه اليوم العالم من دعوى الحضارة الزائفة فمما لا يمكن الإصغاء إليه؛ لأننا بهذا البكاء وهذه الدمعة وبتذكر ما جرى عليهم من مصائب نتّبع سيرتهم وتعاليمهم (عليهم السلام)، لأنه قد ورد الحث الشديد منهم على ذلك، فقد ورد عن الإمام السجاد (عليه السلام)
ص: 5
{أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة(1) ما أوذي فينا صرف الله، عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار}(2)
وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)
{من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر}(3)
وعنه (عليه السلام)
{من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم الله وجهه على النار}(4)فالإمام (عليه السلام) ذكر أثر تلك الدمعة وثوابها، وهي أن الله تعالى يغفر ذنوب الباكي ويحرم وجهه على النار، وعن الإمام الرضا (عليه السلام)
{من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكى العيون ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلب}(5)
ص: 6
فهذا التأكيد منهم (عليهم السلام) على الحث على البكاء وذكر المصائب وإقامة المآتم كان له الدور الكبير في أخذ العبر من تلك المصائب وحفظ الحق وشريعة سيد المرسلين وإبقاء راية أهل البيت (عليهم السلام) خفاقة برغم كل محاولات الظالمين طمسها وإخفائها، ومن بعد ذلك نسلط الضوء على أسباب ودوافع القوم في الهجوم على دار الزهراء (عليها السلام) والاعتداء عليها وخصبها حقها لتتضح بعض الحقائق الخافية والله المسدد والموفق.
وأرجو من الله وسيدتي فاطمة الزهراء (عليها السلام) العذر عن كل ما بدر مني من سهو أو خطأٍ غير مقصود بحقها كما أرجو من القارئ الكريم العذر عن كل سهو وخطأٍ غير مقصود لأن العصمة ليس من شأن البشر الخطاء، كما أرجو منها (عليها السلام) القبول والنفع يوم لا ينفع مال ولا بنون والحمد لله رب العالمين.
كما يسعدني أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى الأخ العزيز الفاضل الحاج وارد نجل المرحوم الحاج جواد خضر الجشعمي على تبنيه طباعة هذا الجهد المتواضع في خدمة سيدة النساء (عليها السلام) ورغبته في المساهمة بنشر ما يتعلق بسيدة النساء (عليها السلام) إحياءً لذكراهم (عليهم السلام) وفقه الله لآن يكون من خدمة أهل البيت (عليهم السلام) ومنّ على والده بالرحمة والمغفرة وجعل هذا العمل في ميزان حسناته إنه نعم المولى ونعم النصير.
علي السيد محمد حسين الحكيم
بجوار الحرم العلوي المطهر في النجف الأشرف
الثالث من جمادى الآخرة سنة 1439 ه-
ص: 7
عکس
ص: 8
وفي هذه المناسبة الأليمة وهي أول مصيبة حلّت على أهل البيت (عليهم السلام) وهي شهادة الزهراء (عليها السلام) لأبد أن نسلط الضوء على ما جرى على الزهراء (عليها السلام) من مصائب كانت السبب في سرعة اللحاق بأبيها، وإلا فالكلام في فضل الزهراء (عليها السلام)، ومقامها، ومنزلتها عند الله لا يمكن إدراكه، لا لمراكز بحوث، ولا باحثين، ولا منابر، فضلاً عن أن يحيط بمثل ذلك مثلي، وذلك لما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) في علو مقامها (عليها السلام) فقد ورد عن جابر عن الإمام الصادق (عليه السلام)
{قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء، زهراء؟ فقال: لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغُشيت أبصار الملائكة، وخرّت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي}(1)
ونور الله وعظمته لا يمكن لبشرٍ أن يدركه؛ لأن نورها (عليها السلام) حينما
ص: 9
أشرق أبهر الملائكة، لأنه من نور جلال الله وعظمته.
وعن يونس بن ضبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول:{لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام)، ما كان لها كفءٌ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه}(1)
طبعا في هذا الحديث لا يقصد النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لأنهم خارج هذا الحديث؛ لأنه يريد ذكر من يمكنه أن يتزوج فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي لا تتزوج أبيها، ولا أبنائها، فالمراد غيرهم من الرجال، ومن المعلوم في باب الزواج أن المرأة تتزوج الكفء لها ولولا وجود الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو نفس النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن أحدٌ من الرجال يصلح أن يكون قيماً وولياً على الزهراء (عليها السلام) وبذلك يكون مقامها مقارن لمقام للنبوة والإمامة في الفضل والرفعة.
وبما أنها بهذه العظمة وهذا المقام الرفيع عند الله عز وجل فإنه يوجب عظم الجريمة عليها أيضاً، وعظم ما وقع من الظلم عليها (عليها السلام) يكون من جهاتٍ عدةٍ.
الأولى: كونها بنت سيد الخلق أجمعين وقد أوصى أمّته بها مراراً وتكراراً، وزوجة سيد الوصيين، وسيدة نساء العالمين، وأم سيدي شباب أهل الجنة، ومن ذريتها أئمة الخلق أجمعين، فأبوها أشرف الآباء، وبعلها خير البعول، وأبنائها أعظم الأبناء، وهي أشرف النساء .
ص: 10
الثانية: أن البيت الذي كانت فيه (عليها السلام) عند الاعتداء والتعدي عليه من القوم هو من أعظم البيوت عند الله شأناً، فلذا يكون الاعتداء عليه أشد قبحاً من غيره وإن كان جميع الاعتداء قبيح بذاته.
وقد ورد في عظم بيت الزهراء (عليها السلام) أحاديث كثيرة ومما ورد في كتب عامة المسلمين ما أخرجه الثعلبي في تفسير قوله تعالى {في بيوتٍ أذن الله أن تُرفع ويذكر فيه اسمه يسبّح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله}(1) قال:
{أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الدينوري قال: حدّثنا أبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي الرازي قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني بالكوفة قال: حدّثنا المنذر بن محمد القابوسي قال: حدَّثني الحسين بن سعيد قال: حدّثني أبي عن أبان بن تغلب عن نفيع بن الحرث عن أنس بن مالكوعن بريدة قالا: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذه الآية {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} إلى قوله {والأبصار} فقام رجلٌ فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟ قال: ( بيوت الأنبياء ). قال: فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها لبيت عليّ وفاطمة؟ قال: ( نعم من أفاضلها}(2).
فإذا كان هذا البيت قد أذن الله في رفعته وكان محلاً لذكر الله فكيف يعتدى عليه وتنتهك حرمته.
ص: 11
الثالثة: قرب عهد ما جرى على الزهراء (عليها السلام) من مصائب بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وهذا أدعى للألم، فإن ما حصل مثلاً من جريمة في أرض كربلاء مع الإمام الحسين (عليه السلام) الذي هو حفيد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وإن كان من أبشع صور الجريمة في تاريخ الإسلام من منع للماء عن الحسين (عليه السلام) وأهل بيته واصحابه حتى يموتون عطشاً وقتل للأطفال وترويع للنساء وسبيهم بعد استشهاد الرجال وقطع رؤوس وسحق جثث بالخيل وغير ذلك، إلا أن مصيبة الزهراء (عليها السلام) أعظم منها وإن كانت لا تخلو من بشاعة، وعظم مصيبة الزهراء (عليها السلام) على مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) هو لأن مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) قد حدثت سنة (60) للهجرة النبوية فهي بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بما يقارب خمسين سنة، فقد يقول القائل إنّ أكثر المشاركين بالجريمة لم يكونوا في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله)، فلم يسمعوا أحاديثه في أهل بيته، ولم يشاهدوا اهتمامه (صلى الله عليه وآله) بهم (عليهم السلام)، أو أن الأحاديث بحق الإمام الحسين (عليه السلام) قد أخفيت، أو نسيت، أو غير ذلك، والإمام الحسين (عليه السلام) سبط رسول الله وليس ولداً مباشراً، وكانت هناك محاولات أموية لإبعاد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) عن بنوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذه أسباب قد يبرر بها مشاركة البعض في الحرب ضد الإمام الحسين (عليه السلام).
بينما فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوحيدة، أو كان معها غيرها على رأي البعض لكنها أعزهم وأفضلهم مقاماً عند الله بإجماع المسلمين، ووقع الاعتداء عليها بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بأيامٍ قلائل على أبعد الأقوال أربعة أيام، وذلك يعني أن المشاركين في
ص: 12
الاعتداء كلّهم ممن شاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يعظم بيت فاطمة ومقامها، وسمع صوته مبيناً فضلها ومنزلتها عنده وعند الله عز وجل، ولا زالت أسماعهم مملوءة من أحاديث الرسول (صلى اللهعليه وآله) بحق الزهراء (عليها السلام) فروى العامة قبل الخاصة أحاديث تبين ذلك فروى النووي:
{قال: (عليه السلام): يا عائشة إن فاطمة بضعة منى يريبني ما يريبها}(1)
وروى أيضاً {أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال فاطمة بضعة منى من أذاها فقد آذاني، متفق عليه}(2)
وروى الصدوق حديثاً قد يبدو فيه توهين لمقام الزهراء وأمير المؤمنين (عليهما السلام) لكن الظاهر أن كل ما جرى من الوقائع في الحديث كان الغرض منه القاء الحجة على من أحضرهم النبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الحادثة ولذا لمّا ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) أن نفسه لم تحدث بذلك قال له النبي (صلى الله عليه وآله) صدقت وهذا معناه علم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بكذب الناقل وتصرف فاطمة الزهراء (عليها السلام) كان مقصوداً لإلقاء الحجة على الخصم وليس لشكها بنية وفعل امير المؤمنين (عليه السلام) فكل ما جرى يبدو منه لأجل القاء الحجة على الغير وليس واقع حالٍ ولبيان أنه لو كانت الزهراء قد تأذت من زوجها خير الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحاشاه ذلك لوبخه الله على ذلك فكيف لو كانت قد تأذت من غيره فقد قال:
ص: 13
{حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى عن عمرو ابن أبي المقدام وزياد بن عبد الله قالا: أتى رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: يرحمك الله هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟ قال فتغير لون أبى عبد الله (عليه السلام) من ذلك واستوى جالسا ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: أما علمتِ أن علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاً ما تقول؟ فقال: حقاً ما أقول ثلاث مرات فدخلها من الغيرة مالا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهاداً وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي فدخل حجرته فلم ير فاطمةفاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي فاستحى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله ثم جمع شيئا من كثيب المسجد واتكئ عليه، فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها من الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء فلما رآها النبي (صلى الله عليه وآله) أنها لا يهنئها النوم وليس لها قرار قال لها
ص: 14
قومي يا بنية فقامت فحمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي (عليه السلام) وهو نائم فوضع النبي (صلى الله عليه وآله) رجله على رجل علي فغمزه وقال قم يا أبا تراب فكم ساكن أزعجتَه ادع لي أبا بكر من داره وعمر من مجلسه وطلحة فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة منى وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني من آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتى كان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتى، قال: فقال علي بلى يا رسول الله، قال فما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال علي والذي بعثك بالحق نبياً ما كان منى مما بلغها شيء ولا حدّثت بها نفسي، فقال النبي صدقت وصدقت ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك وتبسمت حتى رئي ثغرها، فقال أحدهما لصاحبه انه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة قال: ثم أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيد علي فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن وحمل الحسين علي وحملت فاطمة أم كلثوم وأدخلهم النبي بيتهم ووضع عليهم قطيفة واستودعهم الله ثم خرج وصلى بقية الليل، فلما مرضت فاطمة مرضها الذي ماتت فيه أتياها عائدين واستأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهداً أن لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة ويتراضاها فبات ليلة في البقيع ما يظله شيء ثم إن عمر أتى علياً (عليه السلام) فقال له إن أبا بكر شيخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار فله صحبة وقد أتيناها غير هذه المرة مراراً نريد الإذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا
ص: 15
حتى ندخل عليها فنتراضى فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل، قال: نعم فدخل عليّ على فاطمة (عليها السلام) فقال يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد تردد مراراً كثيرة ورددتهما ولم تأذني لهما وقد سألاني أن استأذن لهما عليك؟ فقالت والله لا آذن لهما ولا أكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبى فاشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني فقال علي (عليه السلام) فإني ضمنت لهما ذلك قالت إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال لا أخالف عليك بشيء فأذن لمن أحببت،فخرج علي (عليه السلام) فأذن لهما فلما وقع بصرهما على فاطمة (عليها السلام) سلّما عليها فلم تردّ عليهما وحولت وجهها عنهما فتحولا واستقبلا وجهها حتى فعلت مراراً وقالت يا علي جاف الثوب وقالت لنسوة حولها حولن وجهي فلما حولن وجهها حولا إليها، فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عما كان منا إليك، قالت لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبدا حتى ألقى أبى وأشكوكما إليه وأشكو صنيعكما وفعالكما وما ارتكبتما مني قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا ولا تؤاخذينا بما كان منا، فالتفتت إلى علي (عليه السلام) وقالت: إني لا اكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله فان صدقاني رأيت رأيي قالا: اللهم ذلك لها وإنا لا نقول إلا حقاً ولا نشهد إلا صدقاً، فقالت: أنشدكما الله أتذكران أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) استخرجكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر علي؟ فقالا: اللهم نعم فقالت أنشدكما بالله
ص: 16
هل سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة منى وأنا منها من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قالا: اللهم نعم قالت الحمد لله ثم قالت اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد أذياني في حياتي وعند موتى والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربى فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكبتما منى فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني فقال عمر: عجبا للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب امرأة وقاما وخرجا ... الحديث.}(1)
وهذا يدل على سماعهم من النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة مقامها وحرمتها والعذاب على من آذاها وأغضبها
وفي وصيته للأنصار قبيل وفاته عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه ( عليهما السلام ) قال:
{لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معاشر الأنصار قد حان الفراق وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ونصرتم فأحسنتم النصرة وواسيتم في الأموال ووسعتم في المسكن وبذلتم لله مهج النفوس والله مجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى، وبقيت واحدة وهي تمام الأمر وخاتمة العمل،
ص: 17
العمل معها مقرون جميعا، إني أرى أن لاأفرق بينهما جميعا لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، من أتى بواحدة وترك الأخرى كان جاحدا للأولى ولا يقبل الله منه عملا من الأعمال. قالوا: يا رسول الله أين لنا نعرفها فلا نمسك عنها فنضل ونرتد عن الإسلام والنعمة من الله ورسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله قد بلغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤوفاً رحيماً شفيقاً مشفقاً فما هي يا رسول الله؟ قال لهم: كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن ففيه الحجة والنور والبرهان كلام الله جديد غض طري وشاهد وحاكم عادل ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه يقوم به غدا فيحاج به أقواما فتزل أقدامهم عن الصراط، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي فإن اللطيف الخبير قال: إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وإن الإسلام سقف تحته دعامة ولا يقوم السقف إلا بها فلو أن أحدكم أتى بذلك السقف ممدودا لا دعامة تحته فأوشك أن يخر عليه سقفه فيهوي في النار، أيها الناس الدعامة دعامة الإسلام وذلك قوله تعالى {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}(1) فالعمل الصالح طاعة الإمام ولي الأمر والتمسك بحبل الله أيها الناس أفهمتم؟
الله، الله في أهل بيتي مصابيح الظلم ومعادن العلم وينابيع الحكم ومستقر الملائكة، منهم وصيي وأميني ووارثي مني بمنزلة هارون من موسى ألا هل بلغت؟ والله يا معاشر الأنصار ألا فاسمعوا ألا إن باب
ص: 18
فاطمة بابي وبيتها بيتي فمن هتكه هتك حجاب الله، قال عيسى - يعني راوي الحديث -: فبكى أبو الحسن صلوات الله عليه طويلا وقطع عنه بقية الحديث وأكثر البكاء وقال: هتك حجاب الله هتك والله حجاب الله هتك والله حجاب الله يا أماه صلوات الله عليها}(1)
وكلهم شاهده (صلى الله عليه وآله) يقف على باب ذلك البيت الذي أذن الله برفعته اياماً عديدة مبيناً مقامه وحرمة من بداخله ومع ذلك تم الاعتداء على حرمته
{فعن الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقف عند طلوع كل فجر على باب علي وفاطمة (عليهما السلام)، فيقول: الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل، الذي بنعمته تتم الصالحات، سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه عندنا، نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من صباح النار، نعوذ بالله من مساء النار، الصلاة يا أهل البيت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )}(2)
ص: 19
ص: 20
وعليه يتبادر إلى الذهن سؤال وهو هل أن الجريمة بالهجوم على دار الزهراء (عليها السلام) كان مخططاً لها بهذه التفاصيل التي ذكرت في كتل التاريخ، حسب الظاهر أن تفاصيل نوع الجريمة لا يمكن القول بالتخطيط له والإعداد مسبقاً كما كان هناك تخطيط مسبق في واقعة كربلاء لبعض الجرائم التي حصلت فمثلاً هذا عبيد الله بن زياد يكتب إلى عمر بن سعد
{وكتب إلى عمر بن سعد كتاباً مع شمر ابن ذي الجوشن فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فان فعلوا فليبعث بهم إلى سلما وان أبوا فليقاتلهم فان فعل عمر فاسمع له وأطع، وان أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه وكان في الكتاب، إني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعذر له عندي ولا لتكون له شافعا انظر فان نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فأبعث بهم إلى سلما وان أبوا فأرجف عليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فأنهم لذلك مستحقون فان قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عاق ظلوم فان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع وان
ص: 21
أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا والسلام فأقبل شمر بكتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد، فلما قدم عليه وقرأه فنادى عمر بن سعد: يا خيل الله اركبي وابشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته الضجة فدنت من أخيها فقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام فقال لي انك تروح إلينا فلطمت وجهها ونادت بالويل، فقال الحسين (عليه السلام) ليس لك الويل يا أختاه اسكتي رحمك الله وجاءه رسول عمر بن سعد أنا قد أجلناك إلى غد فان استسلمتم سرحناكم إلى عبيد الله بن زياد أميرنا، وان أبيتم فلسنا تاركيكم وانصرف فجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء}(1)
وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى عمر بن سعد:
{أن حُل بين الحسين وأصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة، كما صُنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان. فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاجفي خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء أن يستقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، ونادى عبد الله بن الحصين الأزدي - وكان عداده في بجيلة - بأعلى صوته: يا حسين، ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوقون
ص: 22
منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا، فقال الحسين (عليه السلام): اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا.}(1)
بينما في حادثة الزهراء (عليها السلام) لا يعقل أنه يكون هناك مخططٌ مسبق وهو أن تُطرق الباب وتخرج الزهراء (عليها السلام) لفتحه ثم يأتي من يقوم بعصرها، فلابد أن يكون هناك مخططٌ آخر كان يبتني على أهداف لابد من تحقيقها ولا يقف أمام تحقيق هدفهم أي شيء وإن حصلت بسببه الجريمة وما جرى على الزهراء (عليها السلام).
نقول نعم كان هناك مخططٌ ومشروعٌ للقوم لا يقف أمام تحقيقه أي شيءٍ، وذلك لما أوضح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع ما تخطط له السماء من مشروع بقاء هذا الدين وهذه الدعوة الحقة، وهو اختيار السماء لمن يخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد رحيله من هذه الدنيا بعد إتمام مهمته المنوطة به، كما كان اختياره هو (صلى الله عليه وآله) للنبوة من قبل السماء، لأن منصب الإمامة منصب سماوي كمنصب النبوة لا يمكن أن يترك تعيين من يكون فيه لرغبة الناس واختياراتهم، وبيّن أن من اختارته السماء لذلك المنصب ومن يكون صالحاً له هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأبناؤه من بعده هم الأئمة دون غيرهم، وهو يعلن تنصيبه بذلك المنصب في هذا اليوم بحضور هذا الجمع بأمر السماء فقد ورد في واقعة الغدير:
{ وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله عز وجل بقوله:{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ص: 23
ربك}(1)،
وأمره أن يقيم علياً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحدٍ، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام(2)
أن لا ينزل تحتهن أحدٌ حتّى إذا أخذ القوم منازلهم(3)فَقُمَّ ما تحتهنَّ(4)
حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن. وكان يوماً هاجرا(5)
يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء(6).
وظللَ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بثوب على شجرة سمرة(7) من الشمس، فلما انصرف (صلى الله عليه وآله) من صلاته(8) قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع رافعا عقيرته(9) فقال: الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله،
ص: 24
وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد:: أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله(1)،
وإني أوشك أن أدعى فأجبت(2).
وإني مسؤول(3)،
وأنتم مسئولون(4)،
فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت(5)
فجزاك الله خيرا
ص: 25
قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله،وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد(1). ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فَرَطٌ(2)
على الحوض وأنتم واردون عليَّ الحوض(3)،
وإن عرضه ما بين صنعاء(4)
ص: 26
في الثَقَلَين(1)
فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل(2)
وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا(3)،
والآخر الأصغر عترتي(4).
ص: 28
وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. فسألت ذلك لهما ربي، فلا تَقْدِمُوهما فتهلكوا، ولا تَقْصِروا عنهما فتهلكوا. ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين. وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. وأدر الحق معه حيث دار. ألا فليبلغ الشاهد الغائب. ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً }(1)،الآية.
ص: 29
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي.}(1)
وحيث إن القوم أرادوا تغيير إرادة السماء إلى ما يريدون من كون اختيار الخلفية تابع لمخطط متفق عليه مسبقاً ممن يطمع في السلطة والكرسي والتسلط على رقاب الناس وهذا ما آل إليه حال المسلمين بعد ذلك بوصول الخلافة ليزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وأمثالهم
بينما كانت السماء تريد لمنصب الإمامة أن يكون كمنصب النبوة يكون اختياره من الله عز وجل لأنه هو الذي به تتم الحجة وتستمر الشرائع والسماء هي أعرف بمن تختاره أن يصلح لهذه المهمة الرسالية من السماء لأنه مبلغ عنها فهي أعرف بمن يكون اصلح بالتبليغ وتعرف كل دواخله وماضيه ومستقبله ولذا لما ارتحل النبي الأكرم إلى جوار ربه أسرع القوم لتنفيذ مخططهم خوفاً من تأخرهم به وضياع فرصتهم في تغيير المشروع الرسالي وأخذ الخلافة من صاحبها الشرعي فاجتمع القوم في سقيفة بني ساعدة ليخططوا لهذا الانحراف من دون وجود بني هاشم ومنهم أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه كان لازال منشغلاً بتجهيز النبي (صلى الله عليه وآله) و لأنهم كانوا يخططون لمشروعهم ومن المعلوم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس من ضمن ذلك المشروع بل هو معدود في جبهة المعارضة القوية؛ لأنه هو صاحب المشروع السماوي فكيف يقرّهم على هذا الانحراف والتلاعب وكيف يتنازل عن حق جعله الله له لمجرد رغبة جمع ممن له مصالح دنيوية وسلطوية، ولِما في
ص: 30
المشروع البشري من فشلٍ في المحافظة على دعوة الحق كما حصل لاحقاً بسبب انحراف قياداته بشكل كبير وبُعدهم عن تعاليم الرسول وما جاء به، وحيث كان بحسابهم أنه هو من سيشكل جبهة المعارضة لمشروعهم، والمعارضة لا يكتب لها القوة والدوام إلا بمقومات ثلاثة رئيسية لابد من القضاء عليها قبل أن تتمكن ويكون لها قوة يمكنها بذلك زعزعة المشروع المنحرف وهي:
أولاً: القائد القوي المؤمن بقضيته
ثانياً: الأنصار المؤمنون بمشروعه المستعدون للتضحية معه
ثالثاً: المال الذي يمكن تمويل المشروع به من دون اللجوء للسلطة
وهذا ما خطط له القوم هو القضاء على هذه المقومات الثلاثة بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) بكل الوسائل والسبل حتى لو كلف الأمر القتل والاعتداء وغير ذلك وهذا ما سنبينه بهذا البيان السريع لكي لا يتمكن بعد فراغه من دفن النبي (صلى الله عليه وآله) من قيادة المعارضة للمشروع الذي تبنوه
ص: 31
ص: 32
وهو يتضمن أموراً
أولاً: إضعاف القائد القوي المؤمن بقضيته
أما إضعاف القائد وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان المشروع هو الإتيان به بالقوة أمام الناس ليبايعهم على مشروعهم وذلك يكون بطريقة مهينة لكي لا يبقى لباقي الرعية مجال للامتناع من البيعة بعد أن يجبر عَليّة القوم بهذه الطريقة المهينة ولذا قرروا أن يضرموا على باب ذلك البيت الطاهر ناراً ويهجموا عليه ويخرجون أمير المؤمنين (عليه السلام) مكبلاً مقيداً بحمائل سيفه ويؤتى به للمسجد ليبايع وإن أبى يُقتل وبذلك تخمد كل الأصوات المعارضة التي هي أقل قوة من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقوة الإمام (عليه السلام) تكمن في كونه صهر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأبن عمه وأبو ولده والمحامي الأول عنه والناصر له والمقرب لديه ومع ذلك يجبر على المبايعة بهذه الطريقة فكيف يكون موقف الآخرين المعارضين ممن لم يكن لديهم مصادر القوة،
وهنا يبدأ دور الزهراء (عليها السلام) بحفظ حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وإفشال هذا المخطط ولو بمقدار عدم قتل الإمام (عليه السلام) بعد أن كان هو (عليه السلام) موصى من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعدم المقاومة لمصلحة حفظ
ص: 33
الإسلام، كما أنيط نفس الدور بابنتها الحوراء زينب (عليها السلام) بحفظ حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام) بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) بعد واقعة كربلاء.
فقد ورد في تخطيط القوم لكل ما ذكرناه في كتاب سُليم بن قيس
{فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحدٌ إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة. فقال أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذا، وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب. فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي (عليه السلام)، فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر - وهما جالسان في المسجد والناسحولهما - فقالوا: لم يؤذن لنا. فقال عمر: اذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة (عليها السلام): أُحرج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناهما (عليهم السلام).
ثم نادى عمر حتى أسمعَ علياً وفاطمة (عليهما السلام): والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار،
ص: 34
فقالت فاطمة (عليها السلام): يا عمر، ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر، أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف.
ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجاءَ به جنبها فصرخت: يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت: يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر.
فوثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه ووجاءَ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أوصاه به، فقال: والذي كرَّم محمداً بالنبوة - يا بن صهاك - لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلمت إنك لا تدخل بيتي.
فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي (عليه السلام) إليه بسيفه، لما قد عُرف من بأسه وشدته.
فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار.
فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته، ثم اُنطلق بعليٍّ (عليه السلام) يُعتّل عتلا حتى انتُهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن
ص: 35
الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح}(1)
وفي البحار في ذكر الهجوم على الدار بلسان الزهراء (عليها السلام) أيضاً:
{ فجمعوا الحطب الجزل على بابنا وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا، فأخذ عمر السوطمن يد قنفذ - مولى أبي بكر - فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله فردَّه عليَّ وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم }(2)
إذن كان المخطط هو الهجوم على الدار وإخراج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للبيعة وكان القرار أن ينفّذ ذلك الهجوم ولا يمنع من تنفيذه أي مانع ولو كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) موجودةً، ولمّا كانت (عليها السلام) تخشى عليه من القتل الذي كان يظهر منهم الإصرار عليه لو امتنع من البيعة، ويعرف ذلك الإصرار منهم من عدة مواقف منها: لما أُدخل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المسجد كما ورد
{ولما انتُهى بعليٍّ (عليه السلام) إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال (عليه السلام) له: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا:
ص: 36
نقتلك ذلاً وصِغاراً فقال (عليه السلام): إذا تقتلون عبدَ الله وأخا رسوله. فقال أبو بكر: أما عبدُ الله فنعم، وأما أخو رسول الله فما نقر بهذا قال: أتجحدون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بيني وبينه؟ قال: نعم. فأعاد ذلك عليهم ثلاث مرات}(1)
ومنها ما ورد أيضاً
{ قام عمر فقال لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك؟ أو تأمر به فنضرب عنقه - والحسن والحسين قائمان - فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما (عليه السلام) إلى صدره فقال: لا تبكيا، فوالله ما يقدران على قتل أبيكما}(2)
إذن الهجوم على الدار كان مخطط له بكل الوسائل المتاحة ووقوف الزهراء (عليها السلام) خلف الباب كان من أجل محاولة منعهم من إكمال مخططهم بإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه لو أرغم على البيعة ولم يبايع سوف يقتل، وكان وقوفها خلف الباب لاعتقادها أن القوم قد يهابونها لقربها من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقد لا يتجرؤون على الهجوم على الدار لو علموا بوجودها خلفالباب احتراماً لما يعلمونه من مقامها عند أبيها، ولحرمة بيتها ولكن ذلك كله لم يقف حاجزاً أم تحقيق غرضهم لأن حب الدنيا اعمى أبصارهم فطُبع على قلوبهم.
ص: 37
ثانياً: إضعاف الأنصار المؤمنون بمشروعه المستعدون للتضحية معه
وأما الأنصار: وهم الذين وقفوا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في إنكار مبايعة أبي بكر وأن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد أوصاهم قريباً بمبايعة الإمام أمير المؤمنين خليفة من بعدهم وهم غير مستعدين لمخالفة عهد النبي (صلى اللهعليه وآله) فقد نالهم نفس المصير الذي نال قائدهم فقد أرغموا على البيعة كما أرغم أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد ورد في إكراه الزبير
{وقيل للزبير: بايع، فأبى، فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس معهم، فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتى كسروه ثم لبّبوه(1)
فقال الزبير - وعمر على صدره -: يا بن صهاك، أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني ثم بايع} .
وفي إكراه سلمان الفارسي قال:
{ثم أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها كالسلعة(2)،
ثم أخذوا يدي وفتلوها فبايعت مكرها. ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمة مكرها غير علي (عليه السلام) وأربعتنا، ولم يكن منا أحد أشدُّ قولاً من الزبير، فإنه لما بايع قال: يا بن صهاك، أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوي بهم وتصول.
ص: 38
فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك؟ فقال: ومن صهاك وما يمنعني من ذكرها؟ وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك؟ أوليس كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب، فزنى بها جدك نفيل، فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لجدك - بعد ما زنى بها - فولدته، وإنه لعبد لجدي ولد زنا فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه}.(1)
وبعضهم تعرض للقتل بعد ذلك بحجة كونه مرتداً كما جرى للشهيد مالك بن نويرة وقومه فقد ورد في ذلك:
(قال البراء بن عازب بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في أصحابه إذا اتاه وفد من بنى تميم مالك بن نويرة فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علمني الايمان فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له واني رسول الله وتصلي الخمس وتصوم رمضان وتؤدي الزكاة وتحج البيت وتوالي وصي هذا من بعدي وأشار إلى علي ( (عليه السلام) ) بيده ولا تسفك دما ولا تسرق ولا تخون ولا تأكل مال اليتيم ولا تشرب الخمر وتوفى بشرائعي وتحلل حلالي وتحرم حرامي وتعطي الحق من نفسك للضعيف والقوى والكبير والصغير حتى عد عليه شرائع الاسلام فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعد علي فاني رجل نساء فأعاد عليه فعقدها بيده وقام وهو يجر ازاره وهو يقول تعلمت الايمان ورب الكعبة فلما بعُد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من أحب ان ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل فقال أبو بكر وعمر إلى من تشير يا رسول الله ؟
ص: 39
فاطرق إلى الأرض فجدا في السير فلحقاه فقالا لك البشارة من الله ورسوله بالجنة فقال أحسن الله تعالى بشارتكما ان كنتما ممن يشهد بما شهدت به فقد علمتما ما علمني النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وان لم تكونا كذلك فلا أحسن الله بشارتكما فقال أبو بكر لا تقل فانا أبو عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) قال قلت ذلك فما حاجتكما قالا انك من أصحاب الجنة فاستغفر لنا فقال لا غفر الله لكما تتركان رسول الله صاحب الشفاعة وتسألاني استغفر لكما فرجعا والكآبة لائحة في وجهيهما فلما رآهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) تبسم وقال أفي الحق مغضبة فلما توفى رسول الله ورجع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بنو نويرة فخرج لينظر من قام مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب بالناس فنظر إليه وقال أخو تيم قالوا نعم قال فما فعل وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي امرني بموالاته قالوا يا اعرابي الامر يحدث بعده الامر قال بالله ما حدث شيء وانكم قد خنتم الله ورسوله ثم تقدم إلى أبى بكر وقال من أرقاك هذ المنبر ووصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس فقال أبو بكر اخرجوا الاعرابي البوال على عقبيه من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقام إليه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد فلم يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه فركب راحلته وأنشأ يقول:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا *** فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر
إذا مات بكر قام عمرو مقامه *** فتلك وبيت الله قاصمة الظهر
يدب ويغشاه العشار كأنما *** يجاهد جما أو يقوم على قبر
فلو قام فينا من قريش عصابة *** أقمنا ولكن القيام على جمر
ص: 40
قال: فلما استتم الامر لأبي بكر وجه خالد بن الوليد وقال له قد علمت ما قاله مالك على رؤوس الاشهاد ولست آمن ان يفتق علينا فتقا لا يلتئم فاقتله .
فحين أتاه خالد ركب جواده وكان فارساً يعد بألف فخاف خالد منه فآمنه وأعطاه المواثيق ثم غدر به بعد أن القى سلاحه فقتله وأعرس بامرأته في ليلته وجعل رأسه في قدر فيها لحم جزور لوليمة عرسه وبات ينزو عليها نزو الحمار)(1)
ثم أرسل النساء سبايا إلى أبي بكر وقد ورد في بعض ذلك ما ذكر في نكاح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من خولة الحنفية
(فذكرنا خولة الحنيفة ونكاح أمير المؤمنين (عليه السلام) لها فقال: أخبرني عبد الله بن الخير الحسيني، قال: بلغني أن الباقر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: كان جالسا ذات يوم إذ جاءه رجلان، فقالا: يا أبا جعفر! ألست القائل أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يرض بإمامة من تقدمه؟ فقال: بلى. فقالا له: هذه خولة الحنيفة نكحها من سبيهم ولم يخالفهم على أمرهم مذ حياتهم؟!
فقال الباقر (عليه السلام): من فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله؟ - وكان محجوبا قد كف بصره - فحضر وسلم على الباقر (عليه السلام) فرد عليه وأجلسه إلى جانبه، فقال له: يا جابر! عندي رجلان ذكرا أن أمير المؤمنين رضي بإمامة من تقدم عليه، فاسألهما ما الحجة في ذلك؟ فسألهما فذكرا له حديث خولة، فبكى جابر حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال:
ص: 41
والله - يا مولاي - لقد خشيت أن أخرج من الدنيا ولا أسأل عن هذه المسألة، والله إني كنت جالسا إلى جنب أبي بكر - وقد سبى بني حنيفة مع مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد - وبينهم جارية مراهقة – فلما دخلت المسجد قالت: أيها الناس! ما فعل محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: قبض. قالت: هل له بنيّة نقصدها؟ قالوا: نعم هذه تربته وبنيته. فنادت وقالت: السلام عليك يا رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - أشهد أنك تسمع صوتي وتقدر على رد جوابي، وإننا سبينا من بعدك، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمدا رسول الله. ثم جلست فوثب إليها رجلان من المهاجرين أحدهما طلحة والآخر الزبير وطرحا عليها ثوبيهما، فقالت: ما بالكم - يا معاشر الاعراب - تغيبون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم؟ فقيل لها: لأنكم قلتم لا نصلي ولا نصوم ولا نزكي؟ فقال لها الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما: إنا لغالون في ثمنك، فقالت: أقسمت بالله وبمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه لا يملكني ويأخذ رقبتي إلا من يخبرني بما رأت أمي وهي حاملة بي؟ وأي شيء قالت لي عند ولادتي؟ وما العلامة التي بيني وبينها؟ وإلا بقرت بطني بيدي فيذهب ثمني ويطالب بدمي، فقالوا لها: اذكري رؤياك حتى نعبرها لك. فقالت: الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا مني؟ . . فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسوا، فدخل أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: ما هذا الرجف في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! فقالوا: يا أمير المؤمنين امرأة حنفية حرمت ثمنها على المسلمين وقالت: من أخبرني بالرؤيا التي رأت أمي وهي حاملة بي يملكني.
ص: 42
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما ادعت باطلا، أخبروها تملكوها. فقالوا: يا أبا الحسن! ما منا من يعلم، أما علمت أن ابن عمك رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قبض وأخبار السماء قد انقطعت من بعده.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أُخبرها بغير اعتراض منكم؟ قالوا: نعم. فقال (عليه السلام): يا حنفيّة! أُخبرك وأملكك؟ فقالت: من أنت أيها المجترئ دون أصحابه؟
فقال: أنا علي بن أبي طالب. فقالت: لعلك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علما للناس؟ فقال: أنا ذلك الرجل. قالت: من أجلك نهبنا، ومن نحوك أتينا، لان رجالنا قالوا لا نسلم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلا لمن نصبه محمد (صلى الله عليه وآله) فينا وفيكم علما، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن أجركم غير ضائع، وإن الله يوفي كل نفس ما عملت من خير، ثم قال: يا حنفية! ألم تحمل بك أمك في زمان قحط قد منعت السماء قطرها، والأرضون نباتها، وغارت العيون والأنهار حتى أن البهائم كانت ترد المرعى فلا تجد شيئا، وكانت أمك تقول لك انك حمل مشوم في زمان غير مبارك، فلما كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأن قد وضعت بك، وأنها تقول: إنك حمل مشوم في زمان غير مبارك، وكأنك تقولين: يا أمي لا تتطيرن بي فإني حمل مبارك أنشأ منشأ مباركا صالحا، ويملكني سيد، وارزق منه ولداً يكون للحنفية عزاً، فقالت: صدقت. فقال (عليه السلام): إنه كذلك وبه أخبرني ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ص: 43
فقالت: ما العلامة التي بيني وبين أمي؟. فقال لها: لما وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من نحاس وأودعته عتبة الباب، فلما كان بعد حولين عرضته عليك فأقررت به، فلما كان بعد ست سنين عرضته عليك فأقررت به، ثم جمعت بينك وبين اللوح وقالت لك: يا بنية إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم، وناهب لأموالكم، وساب لذراريكم، وسبيت فيمن سبي، فخذي اللوح معك واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلا من عبرك بالرؤيا وبما في هذا اللوح. فقالت: صدقت . . . يا أمير المؤمنين، ثم قالت: فأين هذا اللوح؟ فقال: هو في عقيصتك، فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فملكها والله يا أبا جعفر بما ظهر من حجته وثبت من بينته، فلعن الله من اتضح له الحق ثم جحد حقه وفضله، وجعل بينه وبين الحق سترا).(1)
ص: 44
ثالثاً: مصادرة المال الذي يمكن تمويل المشروع به من دون اللجوء للسلطة
وأما المال فقد غصبوا فدكاً التي كانت ملكاً للزهراء (عليها السلام) في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وهذا معناه غصب مال مملوك للزهراء (عليها السلام) في حياة أبيها فهو ليس من الميراث كما زعم أبي بكر أن الأنبياء لا تورث، مضافاً إلى أنهم منعوها من ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً وتمت مصادرة كل مصادر التمويل التي كان يمكن للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنيتقوى بها هو ومن يقف إلى جانبه في صف المعارضة لو منع عنهم العطاء وتمت محاصرتهم ومقاطعتهم، لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم تكن له أموال خاصة به غير واردات أرض فدك، وقد طالبت الزهراء (عليها السلام) بكلا الأمرين، فدك، والميراث، لكنها أولا طالبت بميراثها من النبي (صلى الله عليه وآله) ولما يئست من القوم بدفع الميراث لها بما اختلقوه من حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث - وهذه أول مخالفة لكتاب الله ممن قال حسبنا كتاب الله حينما قال النبي (صلى الله عليه وآله) إيتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تظلوا بعدي أبداً - طالبت بأرض فدك التي كانت مملوكة لها بحياة النبي (صلى الله عليه وآله) وهي ليس من الميراث.
أما مطالبتها بالميراث فقد صرحت به في خطبتها الكبرى التي خطبتها في جمع من المهاجرين والأنصار في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث قالت فيها في جملة ما قالت:
ص: 45
{ونصبر منكم على مثل حز المُدى(1)،
ووخز السنان في الحشا، وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون }(2) أفلا تعلمون؟ ! بلى، تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته(3)، أيها المسلمون أأغلب على إرثي؟ يا بن أبي قحافة(4)، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ !
لقد جئت شيئا فريا. أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: { وورث سليمان داود }(5)؟!
وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا ( عليه السلام ) إذ قال: { رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب }(6)
وقال: { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله }(7)
وقال: { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين }(8)،
وقال: { إن ترك خيرا الوصية للوالدينوالأقربين بالمعروف حقا على المتقين }(9) وزعمتم أن لا حظوة لي، ولا أرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصّكم الله بآية أخرج منها
ص: 46
أبي (صلى الله عليه وآله)؟ ! أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ !، أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ !، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ ! فدونكها مخطومة مرحولة(1)،
تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون، ولا ينفعكم إذ تندمون، و { لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون} (2)
{ من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم }(3). ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا معاشر الفتية، وأعضاد الملة، وأنصار الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي(4)
والسِنَةُ عن ظلامتي(5)، أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي يقول: المرء يحفظ في ولده.
ص: 47
سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(1)، ولكم طاقة بما أُحاوِل(2)، وقُوَةٌعلى ما أطلب وأُزَاوِل(3) أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله، فَخَطْبٌ جليل استَوسَعَ وَهَنُه(4)، واستَنهَرَ فَتْقُه(5)، وانْفَتَقَ رَتقُه(6)، واظلَمَتْ الأرض لِغَيبَتِه(7)، وكُسِفَتْ النُجومُ لِمُصيبَتِه(8).
وأَكْدَتْ الآمال(9)،
ص: 48
وَخَشَعَت الجبال(1)، وأُضِيعَ الحَريم(2)، وأُزيلَت الحُرمَةُ عند مماته(3)، فتلك والله النازلة الكبرى(4)، والمُصيبةُ العُظمى، لا مِثلُها نازلة، ولا بائِقةٌعاجلة(5)، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم ومَصْبَحِكُم(6)، هِتافَاً وصُراخاً(7)، وتِلاوَةً وأَلحانا(8)
ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله(9)، حُكمٌ فصل وقضاء حتم(10) { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
ص: 49
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين }(1).
إِيهاً بَني قَيلَة(2) ! أأُهضَمُ تُراثَ أبي وأنتم بمرأى مني ومَسْمَع(3). وَمُنتَدى ومَجْمَع(4) ؟، تلبسكم الدعوة(5)، وتَشمُلُكُمُ الخبرة(6)
وأنتم ذا العَدَدِ والعُدَّة(7)، والأداةِ والقوة(8)، وعندكم السلاح والجِنَّة(9) }.(10)
ص: 50
وأما فدك فطالبت بها أيضاً في مسجد رسول الله كما ورد في كتاب سليم بن قيس في احتجاج الزهراء (عليها السلام) لإعادة فدك قال:
{ثم إن فاطمة عليها السلام بلغها أن أبا بكر قبض فدك. فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، تريد أن تأخذ مني أرضا جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتصدق بها علي من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب؟ أما كان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المرء يحفظ في ولده بعده؟ وقد علمت أنه لم يترك لولده شيئا غيرها. فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها دعا بدواة ليكتب به لها. فدخل عمر فقال: يا خليفة رسول الله، لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي. فقالت فاطمة عليها السلام: نعم، أقيم البينة. قال: من؟ قالت: علي وأم أيمن. فقال عمر: لا تقبل شهادة امرأة عجمية لا تفصح، وأما علي فيحوز النار إلى قرصه. فرجعت فاطمة عليها السلام وقد جرعها من الغيظ ما لا يوصف، فمرضت}(1)
وورد أيضاً
{ عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة عليها السلام بنت رسول الله منها، فجاءت فاطمة الزهراء عليها السلام إلى أبي بكر ثم قالت لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى؟
ص: 51
فقال: هاتي على ذلك بشهود.
فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى احتج عليك بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (أم أيمن امرأة من أهل الجنة) فقال: بلى. قالت: فأشهد: أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) {وآت ذا القربى حقه} فجعل فدكا لها طعمة بأمر الله، فجاء علي (عليه السلام) فشهد: بمثل ذلك فكتب لها كتابا ودفعه إليها،
فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة (عليها السلام) ادعت في فدك، وشهدت لها أم أيمن وعلي (عليه السلام)، فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزقه فخرجت فاطمة عليها السلام تبكي،
فلما كان بعد ذلك جاء علي (عليه السلام) إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال أبو بكر: هذا فيئ للمسلمين، فإن أقامت شهودا أنرسول الله جعله لها وإلا فلا حق لها فيه،
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين. قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك أسأل البينة، قال: فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يديها؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده، ولم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهودا، كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟ فسكت أبو بكر
ص: 52
فقال عمر: يا علي دعنا من كلامك. فإنا لا نقوى على حجتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلا فهو فيء للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قول الله عز وجل: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم، قال: فلو أن شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفاحشة ما كنت صانعا بها؟ قال كنت أقيم عليها الحد، كما أقيمه على نساء المسلمين، قال: إذن كنت عند الله من الكافرين، قال: ولم قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة، وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله، أن جعل لها فدكا قد قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها، وأخذت منها فدكا، وزعمت أنه فيء للمسلمين، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البينة على المدعي: واليمين على المدعى عليه فرددت قول: رسول الله (صلى الله عليه وآله): البينة على من أدعى، واليمين على من ادعي عليه، قال: فدمدم الناس وأنكروا، ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: صدق والله علي بن أبي طالب (عليه السلام) ورجع إلى منزله.}(1)
وكذلك ما عن علي بن أسباط
{قال: لما ورد أبو الحسن موسى (عليه السلام) على المهدي وجده يردّ المظالم فقال له: ما بال مظلمتنا لا ترد يا أمير المؤمنين؟ فقال له:
ص: 53
وما هي يا أبا الحسن؟ فقال: إن الله تعالى لما فتح على نبيه (صلى الله عليه وآله) فدك وما والاها - ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب - أنزل الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله): {وآت ذا القربى حقه}، فلم يدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هم، فراجع في ذلك جبرئيل (عليه السلام)، فسأل الله تعالى عن ذلك، فأوحى إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة صلوات الله عليها، فدعاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: يا فاطمة إن الله سبحانه أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها، فيها حياة رسول الله (صلى الله عليهوآله)، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته، فسألته أن يردها عليها، فقال لها: إيتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) وأم أيمن، فشهدوا لها، فكتب لها بترك التعرض لها، فخرجت - والكتاب معها - فلقيها عمر بن الخطاب فقال لها. ما هذا معك يا بنت محمد؟ فقالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. قال: أرينيه، فأبت، فانتزعه من يدها، ونظر فيه، وتفل فيه، ومحاه، وخرّقه، وقال: هذا الآن أباك لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وتركها، ومضى. فقال المهدي: حدها لي، فحدها، فقال: هذا كثير، وأنظر فيه}(1)
ص: 54
ثم إنها (عليها السلام) لم تترك مهمة التبليغ والإرشاد لخطورة المشروع الذي يريدونه من حرف الرسالة عن منهجها السماوي إلى اختيار بشري كما جاء ذلكعلى لسانها (عليها السلام) في خطبتها الكبرى حيث قالت موبّخةً الأنصار وما سينال الأمة من ذلك الانحراف.
{ إيها بني قَيلة(1) ! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع(2)، ومنتدى ومجمع(3)؟،
تلبسكم الدعوة(4)،
وتشملكم الخبرة(5)،
وأنتم
ص: 55
ذا العدد والعدة(1)، والأداة والقوة(2)،
وعندكم السلاح والجنة(3)، توافيكم الدعوة فلا تجيبون(4)
وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون(5)،
وأنتم موصوفون بالكفاح(6)، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت(7)،
والخيرة التي اختيرت(8)، قاتلتم العرب(9)،وتحملتم الكد والتعب(10)،
وناطحتم الأمم(11)،
وكافحتم البهم(12)،
فلا نبرح أو تبرحون(13)، نأمركم فتأتمرون(14)،حتى إذا دارت بنا رحى
ص: 56
الإسلام(1)، ودر حلب الأيام(2)،
وخضعت ثغرة الشرك(3)،
وسكنت فورة الإفك(4)
وخمدت نيران الكفر(5)،
وهدأت دعوة الهرج(6)،
واستوسق نظام الدين(7)، فأنى حِرتم بعد البيان(8)، وأسررتم بعد الإعلان(9)، ونكصتم بعد الإقدام(10)، وأشركتم بعدالإيمان(11)
{ ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم
ص: 57
مؤمنين }(1)،ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض(2)، وأبعدتم من هو أحق بالبسط، والقبض(3)، وخلوتم بالدعة(4)،
ونجوتم من الضيق بالسعة(5)، فمججتم ما وعيتم(6)،
ودسعتم الذي تسوغتم(7)
{ فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد }(8)، ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم(9)،
والغدرة التي استشعرتها قلوبكم(10)، ولكنها فيضة النفس(11)،
ص: 58
ونفثة الغيظ(1)،
وخور القنا(2),
وبثة الصدر(3)،وتقدمة الحجة(4)،
فدونكموها فاحتقبوها(5)، دبرة الظهر(6)،
نقبة الخف(7)،
باقية العار(8)،
موسومة بغضب الله وشنار الأبد(9)
موصولة ب} نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة }(10)
ص: 59
فبعين الله ما تفعلون(1) { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }(2).
وأنا ابنة { نذير لكم بين يدي عذاب شديد }(3)
فاعملوا { إنا عاملون *وانتظروا إنا منتظرون }(4).
وقالت أيضاً:{معاشر الناس ! المسرعة إلى قيل الباطل(5)،
المغضية على الفعل القبيح الخاسر(6)، { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها }(7)
كلا بل ران على قلوبكم(8) ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم(9)،
وساء ما به أشرتم(10),
ص: 60
وشر ما منه اغتصبتم(1)،
لتجدن والله محمله ثقيلا(2)
وغبه وبيلا(3)،
إذا كشف لكم الغطاء(4) وبان ما وراءه الضراء(5)، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون(6)، { وخسر هنالك المبطلون }(7).
وأشارت لذلك أيضا في خطبتها الصغرى مع نساء الأنصار لما عدنها في مرضها حيث قالت:{ويحهم أنى زعزعوها(8)،عن رواسي الرسالة(9)،وقواعد النبوة
ص: 61
والدلالة(1)، ومهبط الروح الأمين(2),
والطبين بأمور الدنيا والدين(3)، { ألا ذلك هو الخسران المبين }(4).
وما الذي نقموا من أبي الحسن(5)
نقموا منه والله نكير سيفه(6)، وقلة مبالاته بحتفه(7)،
وشدة وطأته(8)،
ونكال وقعته(9)،وتنمره في ذات الله(10).
ص: 62
وتالله لو مالوا عنالمحجة اللائحة(1)،وزالوا عن قبول الحجة الواضحة(2)، لردهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيرا سجحا(3)، لا يكلم خشاشه(4)،
ولا يكل سائره(5)،
ولا يمل راكبه(6)
ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويا(7)،
تطفح ضفتاه(8)،
ولا يترنق جانباه(9),
ولأصدرهم بطانا(10),
ونصح لهم سرا
ص: 63
وإعلانا(1), ولم يكن يتحلى من الغنى بطائل(2)،ولا يحظى من الدنيا بنائل(3)،
غير ري الناهل(4)،
وشبعة الكافل(5)،
ولبان لهم الزاهد من الراغب(6)، والصادق من الكاذب
{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}(7)، {والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين}(8).
ص: 64
ألا هلم فاستمع وما عشت أراك الدهر عجبا(1)
{وإن تعجب فعجب قولهم}(2), ليت شعري إلى أي سناد استندوا(3)، وعلى أي عماد اعتمدوا(4)، وبأية عروة تمسكوا(5)، وعلى أيه ذرية أقدموا واحتنكوا(6){لبئس المولى ولبئس العشير}(7) و{بئس للظالمين بدلا}(8) استبدلوا
ص: 65
والله الذنابا بالقوادم(1)،
والعجز بالكاهل(2)،
فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا(3) {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}(4)، ويحهم {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون}(5).أما لعمري لقد لقحت(6),
فنظرة ريثما تنتج(7)،
ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً(8), وذعافاً مبيداً(9)
ص: 66
هنالك {يخسر المبطلون}(1)، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون(2)، ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا(3) واطمئنوا للفتنة جأشا(4)
وأبشروا بسيف صارم(5)، وسطوة معتد غاشم(6)، وبهرج شامل(7)،
واستبدادٍ من الظالمين(8)، يدع فيئكم زهيدا(9)، وجمعكم حصيدا(10)، فيا حسرة لكم(11)، وأنى بكم(12)، { فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون}(13).
ص: 67
ص: 68
وبقيت تلك المصيبة لوعة في قلب الزهراء (عليها السلام) حتى التحقت بأبيها (صلى الله عليه وآله) وأرادت أن تشعر الأمة بشدة ما جرى عليها من المصائب فأوصت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يدفنها ليلاً، وأن لا يحضر جنازتها من تسبب بظلمها، وأن يعفي موضع قبرها لتكمل بذلك ظلامتها، ولتبقى شاهداً عملياً مدى الدهر على عظم الجريمة التي ارتكبها القوم بحقها، ولما أتم أمير المؤمنين (عليه السلام) وصيتها بتجهيزها ودفنها ليلاً وعدم حضور جنازتها إلا لخواص أصحابه وبعد أن واراها في ملحودة قبرها توجّه لقبر أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن كلماته بعد دفنها يستشعر عظم المصاب الذي جرى على أهل البيت (عليهم السلام) في تلك الحقبة وعظم المصاب على الزهراء وامير المؤمنين (عليهما السلام) فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) قال:
{لما قبضت فاطمة (عليها السلام) دفنها أمير المؤمنين سراً وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلُّدي، إلّا أن لي
ص: 69
في التأسي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلى وفي كتاب الله { لي } أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد وهمٌّ لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمدٌ مقيح(1)،
وهم مُهيج سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو وستنبّئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال(2) واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين، سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.
واهاً واهاً والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين(3)
لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً ولأعولت إعوال الثكلى(4) على جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سراً وتهضم حقها وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلُق منك الذكر(5) وإلى الله يا رسول الله المشتكى
ص: 70
وفيك يا رسول الله أحسن العزاء(1) صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان.}(2)
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين والسلام على بضعته الطاهرة سيدة النساء ورحمة الله وبركاته.
ص: 71
عکس
تم بحمد الله تعالى وتوفيقه الانتهاء من كتابته بجوار الحرم العلوي المطهر في مناسبة شهادة الزهراء (عليها السلام ) على الرواية الثالثة في جمادى الأخرة من سنة 1439 ه- وتم الانتهاء من تعديله وتهيئته للطبع في شهر رجب الأصب من سنة 1444 ه- ومنه تعالى التسديد والتوفيق
ص: 72
1-القرآن الكريم / مصحف المدينة النبوية / مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
2-الكافي للشيخ الكليني تحقيق : تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري الطبعة : الخامسة سنة الطبع : 1363 ش المطبعة: حيدري الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران ردمك : ملاحظات: نهض بمشروعه الشيخ محمد الآخوندي.
3-المقنعة للشيخ المفيد تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي الطبعة : الثانية سنة الطبع : 1410 الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
4-الاحتجاج للشيخ الطبرسي تحقيق : تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان سنة الطبع : 1386 ه- - 1966 م الناشر : دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف.
5-كتاب سليم بن قيس لسليم بن قيس الهلالي الكوفي تحقيق : محمد باقر الأنصاري الزنجاني الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1422 - 1380 ش المطبعة : نگارش الناشر: دليل ما. ردمك : 964-7528-17-5. ملاحظات : ايران ، قم ، شارعمعلم ، زقاق 29 ، رقم 448 الهاتف : 7733413 ، 7744988 / www.dalilpub.com.
ص: 73
6-كشف الغمة في معرفة الأئمة لعلي بن أبي الفتح الأربلي الطبعة : الثانية سنة الطبع : 1405 - 1985 م الناشر : دار الأضواء - بيروت – لبنان.
7-بحار الأنوار للعلامة المجلسي الطبعة : الثانية المصححة سنة الطبع : 1403 - 1983 م الناشر : مؤسسة الوفاء - بيروت – لبنان : ملاحظات : دار إحياء التراث العربي.
8-الفضائل (لأبن شاذان) شاذان بن جبرئيل القمي سنة الطبع : 1381 - 1962 م المطبعة : الحيدرية - النجف الأشرف الناشر : منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها - النجف الأشرف.
9-الغدير للعلامة الأميني الطبعة : الرابعة سنة الطبع : 1397 - 1977 م الناشر : دار الكتاب العربي - بيروت – لبنان ملاحظات : عني بنشره الحاج حسن ايراني صاحب دار الكتاب العربي - بيروت – لبنان.
10-الإرشاد للشيخ المفيد تحقيق : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لتحقيق التراث الطبعة : الثانية سنة الطبع : 1414 - 1993 م الناشر : دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – لبنان ملاحظات : طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.
11-روضة الواعظين للفتال النيسابوري تحقيق : تقديم : السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان الناشر : منشورات الشريف الرضي – قم.
12-الآمالي للشيخ الصدوق تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة – قم الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1417ه- الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة. ردمك : 964-309-068-X.
ص: 74
13-غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من الخاص والعام للسيد هاشم البحراني تحقيق : السيد علي عاشور.
14-علل الشرائع للشيخ الصدوق تحقيق : تقديم : السيد محمد صادق بحر العلوم سنة الطبع : 1385 ه- - 1966 م الناشر : منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف.
15-المجموع للنووي الناشر : دار الفكر.
16-الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي تحقيق : الإمام أبي محمد بن عاشور ، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي. الطبعة : الأولى. سنة الطبع : 1422 ه- - 2002م المطبعة : بيروت - لبنان - دار إحياء التراث العربي. الناشر : دار إحياء التراث العربي.
17-شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني تحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1411 ه- - 1990 م الناشر : مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي- مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.
18-الإمامة والتبصرة لعلي بن بابويه القمي تحقيق : مدرسة الإمام المهدي (ع) - قم المقدسة الطبعة: الأولى سنة الطبع : 1404 ه- - 1363 ش الناشر : مدرسة الإمام المهدي (ع) - قم المقدسة. ملاحظات : أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق المتوفى سنة تناثر النجوم 329 ه ق.
-19كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه تحقيق : الشيخ جواد القيومي ،
ص: 75
لجنة التحقيق الطبعة : الأولى سنة الطبع : عيد الغدير 1417ه- المطبعة : مؤسسة النشر الإسلامي الناشر : مؤسسة نشر الفقاهة.
20-عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق تحقيق : تصحيح وتعليق وتقديم : الشيخ حسين الأعلمي سنة الطبع : 1404 - 1984 م المطبعة : مطابع مؤسسة الأعلمي - بيروت – لبنان الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت – لبنان.
ص: 76
المقدمة ...... 5
الأول: بيان مقام فاطمة الزهراء (عليها السلام) وبيان عظم مصيبتها ...... 9
الثاني: كيف تم الاعتداء على الزهراء (عليها السلام) مع هذا المقام ...... 21
الثالث: تهديم مشروع المعارضة المتصور وهو يتضمن أموراً ...... 33
أولاً: إضعاف القائد القوي المؤمن بقضيته ...... 33
ثانياً: إضعاف الأنصار المؤمنين بمشروعه المستعدين للتضحية معه ...... 38
ثالثاً: مصادرة المال الذي يمكن تمويل مشروع المعارضة به من دون اللجوء للسلطة ...... 45
الرابع: دور الزهراء (عليها السلام) في التبليغ بخطورة مشروع حرف الرسالة ...... 55
الخامس: ظلامة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاتها ...... 69
المصادر ...... 73
الفهرس ...... 77
ص: 77