ظلامة الزهراء (عليها السلام)

هوية الکتاب

ظلامة الزهراء (عليها السلام)

الاسباب والدوافع

علي السيد محمد حسين الحكيم

ص: 1

اشارة

علي السيد محمد حسين الحكيم

عکس

ص: 2

عکس

ص: 3

عکس

ص: 4

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

ونحن نمر بذكرى شهادة الزهراء (عليها السلام) قد يتبادر للذهن أن ما جرى على الزهراء (عليها السلام) من مصائب ومحن هل كان مخططاً له ومعد مسبقاً، أو أن بعض الظروف أحاطت بالقضية مما تسببت بما جرى، أو هناك أسباب ودوافع أخرى لا بد من تسليط الضوء عليها وقبل الخوض بما جرى من أحداث على سيدة النساء لا ينبغي أن نغفل ذكر جانب ثواب البكاء وإدرار الدمعة والتفجع لذكر مصائبهم (عليهم السلام)، ولابدّ من اخذ العبر من تاريخ أهل البيت (عليهم السلام)، وما يحاول البعض ذكره في محفل وآخر من ترك البكاء والنوح لمصائبهم (عليهم السلام) لعدم الفائدة فيه، أو كونه من مظاهر التخلف المنافي لما عليه اليوم العالم من دعوى الحضارة الزائفة فمما لا يمكن الإصغاء إليه؛ لأننا بهذا البكاء وهذه الدمعة وبتذكر ما جرى عليهم من مصائب نتّبع سيرتهم وتعاليمهم (عليهم السلام)، لأنه قد ورد الحث الشديد منهم على ذلك، فقد ورد عن الإمام السجاد (عليه السلام)

ص: 5

{أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة(1) ما أوذي فينا صرف الله، عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار}(2)

وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)

{من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر}(3)

وعنه (عليه السلام)

{من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم الله وجهه على النار}(4)فالإمام (عليه السلام) ذكر أثر تلك الدمعة وثوابها، وهي أن الله تعالى يغفر ذنوب الباكي ويحرم وجهه على النار، وعن الإمام الرضا (عليه السلام)

{من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكى العيون ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلب}(5)

ص: 6


1- - المضاضة وجع المصيبة
2- - كامل الزيارات باب 32 ح1 ص207
3- - كامل الزيارات باب 32 ح9 ص207
4- - كامل الزيارات باب 32 ح 12 ص207
5- - عيون أخبار الرضا ج1 باب 28 ح 48 ص264

فهذا التأكيد منهم (عليهم السلام) على الحث على البكاء وذكر المصائب وإقامة المآتم كان له الدور الكبير في أخذ العبر من تلك المصائب وحفظ الحق وشريعة سيد المرسلين وإبقاء راية أهل البيت (عليهم السلام) خفاقة برغم كل محاولات الظالمين طمسها وإخفائها، ومن بعد ذلك نسلط الضوء على أسباب ودوافع القوم في الهجوم على دار الزهراء (عليها السلام) والاعتداء عليها وخصبها حقها لتتضح بعض الحقائق الخافية والله المسدد والموفق.

وأرجو من الله وسيدتي فاطمة الزهراء (عليها السلام) العذر عن كل ما بدر مني من سهو أو خطأٍ غير مقصود بحقها كما أرجو من القارئ الكريم العذر عن كل سهو وخطأٍ غير مقصود لأن العصمة ليس من شأن البشر الخطاء، كما أرجو منها (عليها السلام) القبول والنفع يوم لا ينفع مال ولا بنون والحمد لله رب العالمين.

كما يسعدني أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى الأخ العزيز الفاضل الحاج وارد نجل المرحوم الحاج جواد خضر الجشعمي على تبنيه طباعة هذا الجهد المتواضع في خدمة سيدة النساء (عليها السلام) ورغبته في المساهمة بنشر ما يتعلق بسيدة النساء (عليها السلام) إحياءً لذكراهم (عليهم السلام) وفقه الله لآن يكون من خدمة أهل البيت (عليهم السلام) ومنّ على والده بالرحمة والمغفرة وجعل هذا العمل في ميزان حسناته إنه نعم المولى ونعم النصير.

علي السيد محمد حسين الحكيم

بجوار الحرم العلوي المطهر في النجف الأشرف

الثالث من جمادى الآخرة سنة 1439 ه-

ص: 7

عکس

ص: 8

الأمر الأول: بيان مقام فاطمة الزهراء (عليها السلام) وبيان عظم مصيبتها

وفي هذه المناسبة الأليمة وهي أول مصيبة حلّت على أهل البيت (عليهم السلام) وهي شهادة الزهراء (عليها السلام) لأبد أن نسلط الضوء على ما جرى على الزهراء (عليها السلام) من مصائب كانت السبب في سرعة اللحاق بأبيها، وإلا فالكلام في فضل الزهراء (عليها السلام)، ومقامها، ومنزلتها عند الله لا يمكن إدراكه، لا لمراكز بحوث، ولا باحثين، ولا منابر، فضلاً عن أن يحيط بمثل ذلك مثلي، وذلك لما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) في علو مقامها (عليها السلام) فقد ورد عن جابر عن الإمام الصادق (عليه السلام)

{قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء، زهراء؟ فقال: لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغُشيت أبصار الملائكة، وخرّت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي}(1)

ونور الله وعظمته لا يمكن لبشرٍ أن يدركه؛ لأن نورها (عليها السلام) حينما

ص: 9


1- - الإمامة والتبصرة لابن بابويه القمي ح 144ص133 ورواه الصدوق في العلل باب 143ح1 ص179

أشرق أبهر الملائكة، لأنه من نور جلال الله وعظمته.

وعن يونس بن ضبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول:{لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام)، ما كان لها كفءٌ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه}(1)

طبعا في هذا الحديث لا يقصد النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لأنهم خارج هذا الحديث؛ لأنه يريد ذكر من يمكنه أن يتزوج فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي لا تتزوج أبيها، ولا أبنائها، فالمراد غيرهم من الرجال، ومن المعلوم في باب الزواج أن المرأة تتزوج الكفء لها ولولا وجود الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو نفس النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن أحدٌ من الرجال يصلح أن يكون قيماً وولياً على الزهراء (عليها السلام) وبذلك يكون مقامها مقارن لمقام للنبوة والإمامة في الفضل والرفعة.

وبما أنها بهذه العظمة وهذا المقام الرفيع عند الله عز وجل فإنه يوجب عظم الجريمة عليها أيضاً، وعظم ما وقع من الظلم عليها (عليها السلام) يكون من جهاتٍ عدةٍ.

الأولى: كونها بنت سيد الخلق أجمعين وقد أوصى أمّته بها مراراً وتكراراً، وزوجة سيد الوصيين، وسيدة نساء العالمين، وأم سيدي شباب أهل الجنة، ومن ذريتها أئمة الخلق أجمعين، فأبوها أشرف الآباء، وبعلها خير البعول، وأبنائها أعظم الأبناء، وهي أشرف النساء .

ص: 10


1- - الكافي للكليني ج1 باب مولد فاطمة الزهراء (عليها السلام) ح10ص461

الثانية: أن البيت الذي كانت فيه (عليها السلام) عند الاعتداء والتعدي عليه من القوم هو من أعظم البيوت عند الله شأناً، فلذا يكون الاعتداء عليه أشد قبحاً من غيره وإن كان جميع الاعتداء قبيح بذاته.

وقد ورد في عظم بيت الزهراء (عليها السلام) أحاديث كثيرة ومما ورد في كتب عامة المسلمين ما أخرجه الثعلبي في تفسير قوله تعالى {في بيوتٍ أذن الله أن تُرفع ويذكر فيه اسمه يسبّح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله}(1) قال:

{أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الدينوري قال: حدّثنا أبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي الرازي قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني بالكوفة قال: حدّثنا المنذر بن محمد القابوسي قال: حدَّثني الحسين بن سعيد قال: حدّثني أبي عن أبان بن تغلب عن نفيع بن الحرث عن أنس بن مالكوعن بريدة قالا: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذه الآية {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} إلى قوله {والأبصار} فقام رجلٌ فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟ قال: ( بيوت الأنبياء ). قال: فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها لبيت عليّ وفاطمة؟ قال: ( نعم من أفاضلها}(2).

فإذا كان هذا البيت قد أذن الله في رفعته وكان محلاً لذكر الله فكيف يعتدى عليه وتنتهك حرمته.

ص: 11


1- - آية 36 سورة النور
2- - الكشف والبيان عن تفسير القران للثعلبي جزء 7 ص107وفي شواهد التنزيل للحسكاني ج1 ح 568 ص534

الثالثة: قرب عهد ما جرى على الزهراء (عليها السلام) من مصائب بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وهذا أدعى للألم، فإن ما حصل مثلاً من جريمة في أرض كربلاء مع الإمام الحسين (عليه السلام) الذي هو حفيد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وإن كان من أبشع صور الجريمة في تاريخ الإسلام من منع للماء عن الحسين (عليه السلام) وأهل بيته واصحابه حتى يموتون عطشاً وقتل للأطفال وترويع للنساء وسبيهم بعد استشهاد الرجال وقطع رؤوس وسحق جثث بالخيل وغير ذلك، إلا أن مصيبة الزهراء (عليها السلام) أعظم منها وإن كانت لا تخلو من بشاعة، وعظم مصيبة الزهراء (عليها السلام) على مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) هو لأن مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) قد حدثت سنة (60) للهجرة النبوية فهي بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بما يقارب خمسين سنة، فقد يقول القائل إنّ أكثر المشاركين بالجريمة لم يكونوا في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله)، فلم يسمعوا أحاديثه في أهل بيته، ولم يشاهدوا اهتمامه (صلى الله عليه وآله) بهم (عليهم السلام)، أو أن الأحاديث بحق الإمام الحسين (عليه السلام) قد أخفيت، أو نسيت، أو غير ذلك، والإمام الحسين (عليه السلام) سبط رسول الله وليس ولداً مباشراً، وكانت هناك محاولات أموية لإبعاد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) عن بنوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذه أسباب قد يبرر بها مشاركة البعض في الحرب ضد الإمام الحسين (عليه السلام).

بينما فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوحيدة، أو كان معها غيرها على رأي البعض لكنها أعزهم وأفضلهم مقاماً عند الله بإجماع المسلمين، ووقع الاعتداء عليها بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بأيامٍ قلائل على أبعد الأقوال أربعة أيام، وذلك يعني أن المشاركين في

ص: 12

الاعتداء كلّهم ممن شاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يعظم بيت فاطمة ومقامها، وسمع صوته مبيناً فضلها ومنزلتها عنده وعند الله عز وجل، ولا زالت أسماعهم مملوءة من أحاديث الرسول (صلى اللهعليه وآله) بحق الزهراء (عليها السلام) فروى العامة قبل الخاصة أحاديث تبين ذلك فروى النووي:

{قال: (عليه السلام): يا عائشة إن فاطمة بضعة منى يريبني ما يريبها}(1)

وروى أيضاً {أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال فاطمة بضعة منى من أذاها فقد آذاني، متفق عليه}(2)

وروى الصدوق حديثاً قد يبدو فيه توهين لمقام الزهراء وأمير المؤمنين (عليهما السلام) لكن الظاهر أن كل ما جرى من الوقائع في الحديث كان الغرض منه القاء الحجة على من أحضرهم النبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الحادثة ولذا لمّا ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) أن نفسه لم تحدث بذلك قال له النبي (صلى الله عليه وآله) صدقت وهذا معناه علم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بكذب الناقل وتصرف فاطمة الزهراء (عليها السلام) كان مقصوداً لإلقاء الحجة على الخصم وليس لشكها بنية وفعل امير المؤمنين (عليه السلام) فكل ما جرى يبدو منه لأجل القاء الحجة على الغير وليس واقع حالٍ ولبيان أنه لو كانت الزهراء قد تأذت من زوجها خير الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحاشاه ذلك لوبخه الله على ذلك فكيف لو كانت قد تأذت من غيره فقد قال:

ص: 13


1- - المجموع للنووي جزء 20 ص234
2- - المجموع للنووي جزء 20 ص235

{حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى عن عمرو ابن أبي المقدام وزياد بن عبد الله قالا: أتى رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: يرحمك الله هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟ قال فتغير لون أبى عبد الله (عليه السلام) من ذلك واستوى جالسا ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: أما علمتِ أن علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاً ما تقول؟ فقال: حقاً ما أقول ثلاث مرات فدخلها من الغيرة مالا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهاداً وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي فدخل حجرته فلم ير فاطمةفاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي فاستحى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله ثم جمع شيئا من كثيب المسجد واتكئ عليه، فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها من الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء فلما رآها النبي (صلى الله عليه وآله) أنها لا يهنئها النوم وليس لها قرار قال لها

ص: 14

قومي يا بنية فقامت فحمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي (عليه السلام) وهو نائم فوضع النبي (صلى الله عليه وآله) رجله على رجل علي فغمزه وقال قم يا أبا تراب فكم ساكن أزعجتَه ادع لي أبا بكر من داره وعمر من مجلسه وطلحة فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة منى وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني من آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتى كان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتى، قال: فقال علي بلى يا رسول الله، قال فما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال علي والذي بعثك بالحق نبياً ما كان منى مما بلغها شيء ولا حدّثت بها نفسي، فقال النبي صدقت وصدقت ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك وتبسمت حتى رئي ثغرها، فقال أحدهما لصاحبه انه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة قال: ثم أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيد علي فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن وحمل الحسين علي وحملت فاطمة أم كلثوم وأدخلهم النبي بيتهم ووضع عليهم قطيفة واستودعهم الله ثم خرج وصلى بقية الليل، فلما مرضت فاطمة مرضها الذي ماتت فيه أتياها عائدين واستأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهداً أن لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة ويتراضاها فبات ليلة في البقيع ما يظله شيء ثم إن عمر أتى علياً (عليه السلام) فقال له إن أبا بكر شيخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار فله صحبة وقد أتيناها غير هذه المرة مراراً نريد الإذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا

ص: 15

حتى ندخل عليها فنتراضى فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل، قال: نعم فدخل عليّ على فاطمة (عليها السلام) فقال يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد تردد مراراً كثيرة ورددتهما ولم تأذني لهما وقد سألاني أن استأذن لهما عليك؟ فقالت والله لا آذن لهما ولا أكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبى فاشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني فقال علي (عليه السلام) فإني ضمنت لهما ذلك قالت إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال لا أخالف عليك بشيء فأذن لمن أحببت،فخرج علي (عليه السلام) فأذن لهما فلما وقع بصرهما على فاطمة (عليها السلام) سلّما عليها فلم تردّ عليهما وحولت وجهها عنهما فتحولا واستقبلا وجهها حتى فعلت مراراً وقالت يا علي جاف الثوب وقالت لنسوة حولها حولن وجهي فلما حولن وجهها حولا إليها، فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عما كان منا إليك، قالت لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبدا حتى ألقى أبى وأشكوكما إليه وأشكو صنيعكما وفعالكما وما ارتكبتما مني قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا ولا تؤاخذينا بما كان منا، فالتفتت إلى علي (عليه السلام) وقالت: إني لا اكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله فان صدقاني رأيت رأيي قالا: اللهم ذلك لها وإنا لا نقول إلا حقاً ولا نشهد إلا صدقاً، فقالت: أنشدكما الله أتذكران أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) استخرجكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر علي؟ فقالا: اللهم نعم فقالت أنشدكما بالله

ص: 16

هل سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة منى وأنا منها من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قالا: اللهم نعم قالت الحمد لله ثم قالت اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد أذياني في حياتي وعند موتى والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربى فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكبتما منى فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني فقال عمر: عجبا للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب امرأة وقاما وخرجا ... الحديث.}(1)

وهذا يدل على سماعهم من النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة مقامها وحرمتها والعذاب على من آذاها وأغضبها

وفي وصيته للأنصار قبيل وفاته عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه ( عليهما السلام ) قال:

{لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معاشر الأنصار قد حان الفراق وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ونصرتم فأحسنتم النصرة وواسيتم في الأموال ووسعتم في المسكن وبذلتم لله مهج النفوس والله مجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى، وبقيت واحدة وهي تمام الأمر وخاتمة العمل،

ص: 17


1- - علل الشرائع ج1 باب 149 العلة التي من أجلها دفنت فاطمة (عليها السلام) في الليل ح2 ص185

العمل معها مقرون جميعا، إني أرى أن لاأفرق بينهما جميعا لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، من أتى بواحدة وترك الأخرى كان جاحدا للأولى ولا يقبل الله منه عملا من الأعمال. قالوا: يا رسول الله أين لنا نعرفها فلا نمسك عنها فنضل ونرتد عن الإسلام والنعمة من الله ورسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله قد بلغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤوفاً رحيماً شفيقاً مشفقاً فما هي يا رسول الله؟ قال لهم: كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن ففيه الحجة والنور والبرهان كلام الله جديد غض طري وشاهد وحاكم عادل ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه يقوم به غدا فيحاج به أقواما فتزل أقدامهم عن الصراط، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي فإن اللطيف الخبير قال: إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وإن الإسلام سقف تحته دعامة ولا يقوم السقف إلا بها فلو أن أحدكم أتى بذلك السقف ممدودا لا دعامة تحته فأوشك أن يخر عليه سقفه فيهوي في النار، أيها الناس الدعامة دعامة الإسلام وذلك قوله تعالى {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}(1) فالعمل الصالح طاعة الإمام ولي الأمر والتمسك بحبل الله أيها الناس أفهمتم؟

الله، الله في أهل بيتي مصابيح الظلم ومعادن العلم وينابيع الحكم ومستقر الملائكة، منهم وصيي وأميني ووارثي مني بمنزلة هارون من موسى ألا هل بلغت؟ والله يا معاشر الأنصار ألا فاسمعوا ألا إن باب

ص: 18


1- - آية 10 من سورة فاطر

فاطمة بابي وبيتها بيتي فمن هتكه هتك حجاب الله، قال عيسى - يعني راوي الحديث -: فبكى أبو الحسن صلوات الله عليه طويلا وقطع عنه بقية الحديث وأكثر البكاء وقال: هتك حجاب الله هتك والله حجاب الله هتك والله حجاب الله يا أماه صلوات الله عليها}(1)

وكلهم شاهده (صلى الله عليه وآله) يقف على باب ذلك البيت الذي أذن الله برفعته اياماً عديدة مبيناً مقامه وحرمة من بداخله ومع ذلك تم الاعتداء على حرمته

{فعن الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقف عند طلوع كل فجر على باب علي وفاطمة (عليهما السلام)، فيقول: الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل، الذي بنعمته تتم الصالحات، سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه عندنا، نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من صباح النار، نعوذ بالله من مساء النار، الصلاة يا أهل البيت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )}(2)

ص: 19


1- - غاية المرام وحجة الخصام للسيد البحراني ج2 ص349
2- - أمالي الصدوق المجلس التاسع والعشرون ح14 ص208

ص: 20

الأمر الثاني: كيف تم الاعتداء على الزهراء (عليها السلام) مع هذا المقام

وعليه يتبادر إلى الذهن سؤال وهو هل أن الجريمة بالهجوم على دار الزهراء (عليها السلام) كان مخططاً لها بهذه التفاصيل التي ذكرت في كتل التاريخ، حسب الظاهر أن تفاصيل نوع الجريمة لا يمكن القول بالتخطيط له والإعداد مسبقاً كما كان هناك تخطيط مسبق في واقعة كربلاء لبعض الجرائم التي حصلت فمثلاً هذا عبيد الله بن زياد يكتب إلى عمر بن سعد

{وكتب إلى عمر بن سعد كتاباً مع شمر ابن ذي الجوشن فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فان فعلوا فليبعث بهم إلى سلما وان أبوا فليقاتلهم فان فعل عمر فاسمع له وأطع، وان أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه وكان في الكتاب، إني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعذر له عندي ولا لتكون له شافعا انظر فان نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فأبعث بهم إلى سلما وان أبوا فأرجف عليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فأنهم لذلك مستحقون فان قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عاق ظلوم فان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع وان

ص: 21

أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا والسلام فأقبل شمر بكتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد، فلما قدم عليه وقرأه فنادى عمر بن سعد: يا خيل الله اركبي وابشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته الضجة فدنت من أخيها فقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام فقال لي انك تروح إلينا فلطمت وجهها ونادت بالويل، فقال الحسين (عليه السلام) ليس لك الويل يا أختاه اسكتي رحمك الله وجاءه رسول عمر بن سعد أنا قد أجلناك إلى غد فان استسلمتم سرحناكم إلى عبيد الله بن زياد أميرنا، وان أبيتم فلسنا تاركيكم وانصرف فجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء}(1)

وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى عمر بن سعد:

{أن حُل بين الحسين وأصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة، كما صُنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان. فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاجفي خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء أن يستقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، ونادى عبد الله بن الحصين الأزدي - وكان عداده في بجيلة - بأعلى صوته: يا حسين، ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوقون

ص: 22


1- - روضة الواعظين الفتال النيسابوري ص183

منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا، فقال الحسين (عليه السلام): اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا.}(1)

بينما في حادثة الزهراء (عليها السلام) لا يعقل أنه يكون هناك مخططٌ مسبق وهو أن تُطرق الباب وتخرج الزهراء (عليها السلام) لفتحه ثم يأتي من يقوم بعصرها، فلابد أن يكون هناك مخططٌ آخر كان يبتني على أهداف لابد من تحقيقها ولا يقف أمام تحقيق هدفهم أي شيء وإن حصلت بسببه الجريمة وما جرى على الزهراء (عليها السلام).

نقول نعم كان هناك مخططٌ ومشروعٌ للقوم لا يقف أمام تحقيقه أي شيءٍ، وذلك لما أوضح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع ما تخطط له السماء من مشروع بقاء هذا الدين وهذه الدعوة الحقة، وهو اختيار السماء لمن يخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد رحيله من هذه الدنيا بعد إتمام مهمته المنوطة به، كما كان اختياره هو (صلى الله عليه وآله) للنبوة من قبل السماء، لأن منصب الإمامة منصب سماوي كمنصب النبوة لا يمكن أن يترك تعيين من يكون فيه لرغبة الناس واختياراتهم، وبيّن أن من اختارته السماء لذلك المنصب ومن يكون صالحاً له هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأبناؤه من بعده هم الأئمة دون غيرهم، وهو يعلن تنصيبه بذلك المنصب في هذا اليوم بحضور هذا الجمع بأمر السماء فقد ورد في واقعة الغدير:

{ وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله عز وجل بقوله:{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من

ص: 23


1- - الإرشاد للشيخ المفيد ج2 ص86

ربك}(1)،

وأمره أن يقيم علياً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحدٍ، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام(2)

أن لا ينزل تحتهن أحدٌ حتّى إذا أخذ القوم منازلهم(3)فَقُمَّ ما تحتهنَّ(4)

حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن. وكان يوماً هاجرا(5)

يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء(6).

وظللَ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بثوب على شجرة سمرة(7) من الشمس، فلما انصرف (صلى الله عليه وآله) من صلاته(8) قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع رافعا عقيرته(9) فقال: الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله،

ص: 24


1- - آية 67 سورة المائدة
2- - أي نخلات كبيرة
3- - أي جلس كل منهم في مجلسه
4- - أي أزيلت عنه التراب والقمامة وجعل كالمحراب
5- - أي شديد الحرارة من الهجير وهو حرارة الظهيرة
6- - شدة حرارة التراب والشمس
7- - كبيرة عالية
8- - أي أكمل صلاته وجلس على أقتاب الأبل التي جعلت له كالمنبر
9- - أي صوته ليسمع البعيد والقريب

وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد:: أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله(1)،

وإني أوشك أن أدعى فأجبت(2).

وإني مسؤول(3)،

وأنتم مسئولون(4)،

فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت(5)

فجزاك الله خيرا

ص: 25


1- - الظاهر مراده (صلى الله عليه وآله) نصف عمره من التبليغ للأحكام وإلا فعيسى (عليه السلام) لم يمت بل رفعه الله تعالى أو يكون مراده (صلى الله عليه وآله) عمر النبي الذي كان فيه موجوداً على الأرض قبل أن يرفع وليس عمره لحين الوفاة
2- - هنا يذكرهم (صلى الله عليه وآله) بدنو أجله، وأنه (صلى الله عليه وآله) إنما جمعهم لأجل ذلك، وقال (صلى الله عليه وآله) أدعى فأجبت، ولم يقل فأجيب، إشارة منه (صلى الله عليه وآله) إلى أنه سوف يدعى وهو من الآن مستجيب لهذا الأمر، وليس أنه حينما يدعى سوف يستجيب، وهذا دليل على شدة التسليم منه (صلى الله عليه وآله) لأمر الله تعالى لأن الدعوة من الله تعالى له (صلى الله عليه وآله) للالتحاق بالرفيق الأعلى في المستقبل والاستجابة منه (صلى الله عليه وآله) لهذا النداء الآن أي قبل وصول الدعوة من الله تعالى أي أنه (صلى الله عليه وآله) ملبي دعوة ربه بقبض روحه من قبل أ ن يأتي أمر الله تعالى بالموت وهذا منه (صلى الله عليه وآله) قمة التسليم لله تعالى.
3- - أي مسؤول أمام الله تعالى عن الأمر الذي بعثت من أجله وهو التبليغ بما أمره الله تعالى تبليغه من أحكام الدين الإسلامي وعن العمر الذي منحنيه تعالى هل وفيت فيه بما أراد مني أم لا، وقد شهدوا له بالتبليغ وأداء ما جاء من أجله
4- - أي مسئولون أمام الله تعالى عن إجابة الدعوة التي أرسلت بها إليكم وإطاعتي بما أمرتكم به وترككم لما نهيتكم عنه و أيضاً مسئولون عن أعماركم كيف قضيتموها في طاعة الله أو معصيته
5- - أي أنك قد بلغت ما أمرت به ونصحت للناس بما استطعت من النصح من التحذير من الوعيد بعذاب الله تعالى للكافر والوعد بالجنة للمؤمن، وجهدت أي تعبت من الجُهد في أداء ما كلفت به من الرسالة الربانية بسبب ما عاناه (صلى الله عليه وآله) من معارضة قومه لدعوته أشد المعارضة فلذا قد أجهد (صلى الله عليه وآله) في إيصال دعوة الحق لعقولهم بعد أن كانوا متمسكين بالجاهلية العمياء كما وصف تعالى حالهم {إنا وجدنا أباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} أو أنك بذلت أقصى ما تتمكن من الجهد في تبليغ الدعوة التي كلفت بها من الله تعالى

قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله،وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد(1). ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فَرَطٌ(2)

على الحوض وأنتم واردون عليَّ الحوض(3)،

وإن عرضه ما بين صنعاء(4)

ص: 26


1- - أي اللهم اشهد عليهم بما أقروا، ويكون بذلك قد أقرهم على ما شهدوا عليه، لكي يكون أدعى للحجة عليهم، وتمهيداً لما سيذكره لهم من ولاية الإمام علي (عليه السلام)، وأنه جزء من الإيمان الذي أقرهم عليه أولاً؛ لأنه سيذكرهم بأنهم سوف يبعثون يوم القيامة كما أقروا بذلك وسوف يكون (صلى الله عليه وآله) هو الشاهد عليهم حين ورودهم والعارف بحالهم بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) عند ورودهم للحوض يوم القيامة.
2- - بالتحريك أي (الفَرَط) الساقي وهو الذي يهيئ الحبل، والدلاء، ومكان السقي، ويقوم هو بالسقي، وهو من فعل بمعنى فاعل مثل تبع بمعنى تابع، وهو بيان منه (صلى الله عليه وآله) إلى أنه هو الذي يباشر السقي على الحوض بنفسه الكريمة (صلى الله عليه وآله)، وهو الذي سوف يحاسب المقصر عن الواجب الذي بلغ به في هذا اليوم، ويمنعه (صلى الله عليه وآله) من الشرب من حوضه لتقصيره.
3- - أي لابد لكم من الوقوف على الحوض يوم القيامة، وحيث أنه هو الساقي (صلى الله عليه وآله)، فأراد أن يبين لهم كيف يكون الحال بعد وفاته، من الحفاظ على الثقلين الذين أوصى بهما، وهذا البيان معناه أنه (صلى الله عليه وآله) يحاسب كل من يفرط في حق الثقلين، وذلك الحساب يكون على الحوض، حين الحاجة للارتواء، وذلك في يوم القيامة، والمراد بالحوض هو حوض الكوثر.
4- - صنعاء: موضعان أحدهما باليمن , ويقال انه أول بلد بني بعد الطوفان وهي العظمى، وأخرى قرية بالغوطة من دمشق، ونذكر أولا اليمانية ثم نذكر الدمشقية، فأما اليمانية فقال أبو القاسم الزجاجي: كان اسم صنعاء في القديم أزال، قال ذلك الكلبي والشرقي وعبد المنعم، فلما وافتها الحبشة قالوا نعم نعم فسمي الجبل نعم أي انظر، فلما رأوا مدينتها وجدوها مبنية بالحجارة حصينة فقالوا هذه صنعة ومعناه حصينة فسميت صنعاء بذلك، وبين صنعاء وعدن ثمانية وستون ميلا، وصنعاء قصبة اليمن وأحسن بلادها، تشبه بدمشق لكثرة فواكهها وتدفق مياهها فيما قيل، وقيل: سميت (بصنعاء) نسبة (لصنعاء بن أزال بن يقطن بن عابر بن شالخ) لأنه هو الذي بناها، وطول صنعاء ثلاث وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها أربع عشرة درجة وثلاثون دقيقة، وهي في الإقليم الأول، وقيل: كانت تسمى أزال، قال ابن الكلبي: إنما سميت صنعاء لأن وهرز لما دخلها قال: صنعة صنعةٌ برية، وأن الحبشة أحكمت صنعتها، قال: وإنما سميت باسم الذي بناها وهو صنعاء بن أزال بن عبير بن عابر بن شالخ فكانت تعرف بأزال وتارة بصنعاء، وقال عمارة بن أبي الحسن: ليس بجميع اليمن أكبر ولا أكثر مرافق وأهلا من صنعاء، وهو بلد في خط الاستواء، وهي من الاعتدال من الهواء بحيث لا يتحول الإنسان من مكان طول عمره صيفا ولا شتاء، وتتقارب بها ساعات الشتاء والصيف، وبها بناء عظيم قد خرب، وهو تل عظيم عال وقد عرف بغمدان، وقال معمر: وطئت أرضين كثيرة شاما وخراسان وعراقا فما رأيت مدينة أطيب من صنعاء، وقال محمد بن أحمد الهمداني الفقيه: صنعاء طيبة الهواء كثيرة الماء يقال إن أهلها يشتون مرتين ويصيفون مرتين، وإذا صارت الشمس إلى أول الحمل صار الحر عندهم مفرطا، فإذا صارت إلى أول السرطان وزالت عن سمت رؤوسهم أربعة وعشرين شتوا ثم تعود الشمس إليهم إذا صارت إلى أول الميزان فيصيفون ثانية ويشتد الحر عليهم، فإذا زالت إلى الجنوب وصارت إلى الجدي شتوا ثانية غير أن شتاءهم قريب من صيفهم. وصنعاء أيضا: قرية على باب دمشق دون المزه مقابل مسجد خاتون خربت، وهي اليوم مزرعة وبساتين، قال أبو الفضل: صنعاء قرية على باب دمشق خربت الآن، وقد نسب إليها جماعة من المحدثين وصنعاء هذه قرية من قرى الشام ليست صنعاء اليمن

وبصرى(1)فيه

أقداح عدد النجوم من فضةفانظروا كيف تَخْلِفُونِي(2)

ص: 27


1- - وبصرى: في موضعين أيضاً، بالضم، والقصر: إحداهما بالشام من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حوران، مشهورة عند العرب قديما وحديثا وبصرى أيضا: من قرى بغداد قرب عكبراء، وهذا التقدير منه (صلى الله عليه وآله) كناية عن كبر الحوض لا تقدير حقيقي بحسب الظاهر وقد قدره بعضهم بحجم الأردن نظراً لكون المراد من صنعاء التي في اليمن وبصرى التي في الشام والله العالم.
2- - بالتخفيف وفتح التاء من أخلف يخلف خلفاً . الخلف، بالتحريك، خلف الإنسان الذي يخلفه من بعده، يأتي بمعنى البدل، فيكون خلفا منه، أي: بدلا، أي كيف سيكون حالهم وهم خلفي فيكم، أي كيف يكون تمسككم بهم من خلفي أي بعد وفاتي، لا من تخلَّف بالتشديد يتخلف تخلفاً لأن معناه تتركوني وليس مراده (صلى الله عليه وآله) كيف تتركوني بل مراده كيف سيكون خلَفي فيكم من بعدني.

في الثَقَلَين(1)

فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل(2)

وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا(3)،

والآخر الأصغر عترتي(4).

ص: 28


1- - والثقل، بالتحريك: متاع المسافر وحشمة. كما في الصحاح. والثقلان: الثقل، فقال: والثقل، محركة: متاع المسافر وحشمه والجمع أثقال . والثقلان: نفيس مصون له قدر ووزن: ثقل عند العرب ومنه قيل لبيض النعام: ثقل ؛ لأن آخذه يفرح به، وهو قوت، وكذلك الحديث: {إني تارك فيكم الثَقَلين، كتاب الله وعترتي} جعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما وتفخيما لهما . وقال ثعلب: سماهما ثقلين؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل . والثقلان: الإنس والجن لأنهما فضلا بالتمييز الذي فيهما على سائر الحيوان. قال: الأنس والجن بكسر الثاء وسكون القاف بينما الكتاب والعترة بفتح الثاء والقاف، ومراده (صلى الله عليه وآله) الكتاب والعترة كما ذكر لا الأنس والجن
2- - شبهه بالحبل الممدود من أجل الإنقاذ فيكون له طرفان، طرف بيد المُنْقِذ بالكسر، وطرف بيد المُنْقَذ بالفتح، فطرف المنقِذ بالكسر من القرآن بيد الله عز وجل، لأنه كلامه ومن يتمسك به ويعمل ينجو بلا إشكال، والطرف الآخر للمنقَذ بالفتح بأيديكم، فإن تمسكتم به أي التزمتم بما فيه من التعاليم وعملتم بأحكامه لن تغرقوا في الضلال، لأن الله عز وجل لا ينقذ أحداً إلى الضلال، وأشار عز أسمه إلى ذلك في كتابه الكريم بقوله تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم * الله ولي الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ومن ترك كلام الله تعالى ولم يتمسك به لا ينجو من الغرق في الضلال.
3- - وذلك لقوله تعالى {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى}
4- - المقصود بالعترة هم أهل البيت (عليه السلام)، فعن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق ج2 ص60 قال حدثنا احمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا على بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن على، عن أبيه على بن الحسين، عن أبيه الحسين بن على (عليه السلام)، قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي من العترة؟ فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حوضه . وعن الآمالي للشيخ الصدوق ص312 حدثنا أبي ( رحمه الله )، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ): من آل محمد؟ قال: ذريته . فقلت: من أهل بيته؟ قال: الأئمة الأوصياء . فقلت: من عترته؟ قال: أصحاب العباء . فقلت: من أمته؟ قال: المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند الله عز وجل، المتمسكون بالثقلين اللذين أمروا بالتمسك بهما: كتاب الله، وعترته أهل بيته، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهما الخليفتان على الأمة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله)

وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. فسألت ذلك لهما ربي، فلا تَقْدِمُوهما فتهلكوا، ولا تَقْصِروا عنهما فتهلكوا. ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين. وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. وأدر الحق معه حيث دار. ألا فليبلغ الشاهد الغائب. ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً }(1)،الآية.

ص: 29


1- - آية 3 سورة المائدة

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي.}(1)

وحيث إن القوم أرادوا تغيير إرادة السماء إلى ما يريدون من كون اختيار الخلفية تابع لمخطط متفق عليه مسبقاً ممن يطمع في السلطة والكرسي والتسلط على رقاب الناس وهذا ما آل إليه حال المسلمين بعد ذلك بوصول الخلافة ليزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وأمثالهم

بينما كانت السماء تريد لمنصب الإمامة أن يكون كمنصب النبوة يكون اختياره من الله عز وجل لأنه هو الذي به تتم الحجة وتستمر الشرائع والسماء هي أعرف بمن تختاره أن يصلح لهذه المهمة الرسالية من السماء لأنه مبلغ عنها فهي أعرف بمن يكون اصلح بالتبليغ وتعرف كل دواخله وماضيه ومستقبله ولذا لما ارتحل النبي الأكرم إلى جوار ربه أسرع القوم لتنفيذ مخططهم خوفاً من تأخرهم به وضياع فرصتهم في تغيير المشروع الرسالي وأخذ الخلافة من صاحبها الشرعي فاجتمع القوم في سقيفة بني ساعدة ليخططوا لهذا الانحراف من دون وجود بني هاشم ومنهم أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه كان لازال منشغلاً بتجهيز النبي (صلى الله عليه وآله) و لأنهم كانوا يخططون لمشروعهم ومن المعلوم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس من ضمن ذلك المشروع بل هو معدود في جبهة المعارضة القوية؛ لأنه هو صاحب المشروع السماوي فكيف يقرّهم على هذا الانحراف والتلاعب وكيف يتنازل عن حق جعله الله له لمجرد رغبة جمع ممن له مصالح دنيوية وسلطوية، ولِما في

ص: 30


1- - الغدير للشيخ الأميني ج1 ص10

المشروع البشري من فشلٍ في المحافظة على دعوة الحق كما حصل لاحقاً بسبب انحراف قياداته بشكل كبير وبُعدهم عن تعاليم الرسول وما جاء به، وحيث كان بحسابهم أنه هو من سيشكل جبهة المعارضة لمشروعهم، والمعارضة لا يكتب لها القوة والدوام إلا بمقومات ثلاثة رئيسية لابد من القضاء عليها قبل أن تتمكن ويكون لها قوة يمكنها بذلك زعزعة المشروع المنحرف وهي:

أولاً: القائد القوي المؤمن بقضيته

ثانياً: الأنصار المؤمنون بمشروعه المستعدون للتضحية معه

ثالثاً: المال الذي يمكن تمويل المشروع به من دون اللجوء للسلطة

وهذا ما خطط له القوم هو القضاء على هذه المقومات الثلاثة بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) بكل الوسائل والسبل حتى لو كلف الأمر القتل والاعتداء وغير ذلك وهذا ما سنبينه بهذا البيان السريع لكي لا يتمكن بعد فراغه من دفن النبي (صلى الله عليه وآله) من قيادة المعارضة للمشروع الذي تبنوه

ص: 31

ص: 32

الأمر الثالث: تهديم مشروع المعارضة المتصور

وهو يتضمن أموراً

أولاً: إضعاف القائد القوي المؤمن بقضيته

أما إضعاف القائد وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان المشروع هو الإتيان به بالقوة أمام الناس ليبايعهم على مشروعهم وذلك يكون بطريقة مهينة لكي لا يبقى لباقي الرعية مجال للامتناع من البيعة بعد أن يجبر عَليّة القوم بهذه الطريقة المهينة ولذا قرروا أن يضرموا على باب ذلك البيت الطاهر ناراً ويهجموا عليه ويخرجون أمير المؤمنين (عليه السلام) مكبلاً مقيداً بحمائل سيفه ويؤتى به للمسجد ليبايع وإن أبى يُقتل وبذلك تخمد كل الأصوات المعارضة التي هي أقل قوة من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقوة الإمام (عليه السلام) تكمن في كونه صهر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأبن عمه وأبو ولده والمحامي الأول عنه والناصر له والمقرب لديه ومع ذلك يجبر على المبايعة بهذه الطريقة فكيف يكون موقف الآخرين المعارضين ممن لم يكن لديهم مصادر القوة،

وهنا يبدأ دور الزهراء (عليها السلام) بحفظ حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وإفشال هذا المخطط ولو بمقدار عدم قتل الإمام (عليه السلام) بعد أن كان هو (عليه السلام) موصى من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعدم المقاومة لمصلحة حفظ

ص: 33

الإسلام، كما أنيط نفس الدور بابنتها الحوراء زينب (عليها السلام) بحفظ حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام) بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) بعد واقعة كربلاء.

فقد ورد في تخطيط القوم لكل ما ذكرناه في كتاب سُليم بن قيس

{فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحدٌ إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة. فقال أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذا، وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب. فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي (عليه السلام)، فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر - وهما جالسان في المسجد والناسحولهما - فقالوا: لم يؤذن لنا. فقال عمر: اذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة (عليها السلام): أُحرج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناهما (عليهم السلام).

ثم نادى عمر حتى أسمعَ علياً وفاطمة (عليهما السلام): والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار،

ص: 34

فقالت فاطمة (عليها السلام): يا عمر، ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر، أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف.

ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجاءَ به جنبها فصرخت: يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت: يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر.

فوثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه ووجاءَ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أوصاه به، فقال: والذي كرَّم محمداً بالنبوة - يا بن صهاك - لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلمت إنك لا تدخل بيتي.

فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي (عليه السلام) إليه بسيفه، لما قد عُرف من بأسه وشدته.

فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار.

فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته، ثم اُنطلق بعليٍّ (عليه السلام) يُعتّل عتلا حتى انتُهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن

ص: 35

الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح}(1)

وفي البحار في ذكر الهجوم على الدار بلسان الزهراء (عليها السلام) أيضاً:

{ فجمعوا الحطب الجزل على بابنا وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا، فأخذ عمر السوطمن يد قنفذ - مولى أبي بكر - فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله فردَّه عليَّ وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم }(2)

إذن كان المخطط هو الهجوم على الدار وإخراج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) للبيعة وكان القرار أن ينفّذ ذلك الهجوم ولا يمنع من تنفيذه أي مانع ولو كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) موجودةً، ولمّا كانت (عليها السلام) تخشى عليه من القتل الذي كان يظهر منهم الإصرار عليه لو امتنع من البيعة، ويعرف ذلك الإصرار منهم من عدة مواقف منها: لما أُدخل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المسجد كما ورد

{ولما انتُهى بعليٍّ (عليه السلام) إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال (عليه السلام) له: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا:

ص: 36


1- - كتاب سليم بن قيس ص 150
2- - بحار الأنوار ج 30 باب 20 ح 164ص348

نقتلك ذلاً وصِغاراً فقال (عليه السلام): إذا تقتلون عبدَ الله وأخا رسوله. فقال أبو بكر: أما عبدُ الله فنعم، وأما أخو رسول الله فما نقر بهذا قال: أتجحدون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بيني وبينه؟ قال: نعم. فأعاد ذلك عليهم ثلاث مرات}(1)

ومنها ما ورد أيضاً

{ قام عمر فقال لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك؟ أو تأمر به فنضرب عنقه - والحسن والحسين قائمان - فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما (عليه السلام) إلى صدره فقال: لا تبكيا، فوالله ما يقدران على قتل أبيكما}(2)

إذن الهجوم على الدار كان مخطط له بكل الوسائل المتاحة ووقوف الزهراء (عليها السلام) خلف الباب كان من أجل محاولة منعهم من إكمال مخططهم بإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه لو أرغم على البيعة ولم يبايع سوف يقتل، وكان وقوفها خلف الباب لاعتقادها أن القوم قد يهابونها لقربها من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقد لا يتجرؤون على الهجوم على الدار لو علموا بوجودها خلفالباب احتراماً لما يعلمونه من مقامها عند أبيها، ولحرمة بيتها ولكن ذلك كله لم يقف حاجزاً أم تحقيق غرضهم لأن حب الدنيا اعمى أبصارهم فطُبع على قلوبهم.

ص: 37


1- - كتاب سليم بن قيس ص153
2- - المصدر السابق ص 157

ثانياً: إضعاف الأنصار المؤمنون بمشروعه المستعدون للتضحية معه

وأما الأنصار: وهم الذين وقفوا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في إنكار مبايعة أبي بكر وأن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد أوصاهم قريباً بمبايعة الإمام أمير المؤمنين خليفة من بعدهم وهم غير مستعدين لمخالفة عهد النبي (صلى اللهعليه وآله) فقد نالهم نفس المصير الذي نال قائدهم فقد أرغموا على البيعة كما أرغم أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد ورد في إكراه الزبير

{وقيل للزبير: بايع، فأبى، فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس معهم، فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتى كسروه ثم لبّبوه(1)

فقال الزبير - وعمر على صدره -: يا بن صهاك، أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني ثم بايع} .

وفي إكراه سلمان الفارسي قال:

{ثم أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها كالسلعة(2)،

ثم أخذوا يدي وفتلوها فبايعت مكرها. ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمة مكرها غير علي (عليه السلام) وأربعتنا، ولم يكن منا أحد أشدُّ قولاً من الزبير، فإنه لما بايع قال: يا بن صهاك، أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوي بهم وتصول.

ص: 38


1- - أي أوثقوه بحمائل سيفه
2- - أي داسوا على رقبته حتى كادت تنقطع

فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك؟ فقال: ومن صهاك وما يمنعني من ذكرها؟ وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك؟ أوليس كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب، فزنى بها جدك نفيل، فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لجدك - بعد ما زنى بها - فولدته، وإنه لعبد لجدي ولد زنا فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه}.(1)

وبعضهم تعرض للقتل بعد ذلك بحجة كونه مرتداً كما جرى للشهيد مالك بن نويرة وقومه فقد ورد في ذلك:

(قال البراء بن عازب بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في أصحابه إذا اتاه وفد من بنى تميم مالك بن نويرة فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علمني الايمان فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له واني رسول الله وتصلي الخمس وتصوم رمضان وتؤدي الزكاة وتحج البيت وتوالي وصي هذا من بعدي وأشار إلى علي ( (عليه السلام) ) بيده ولا تسفك دما ولا تسرق ولا تخون ولا تأكل مال اليتيم ولا تشرب الخمر وتوفى بشرائعي وتحلل حلالي وتحرم حرامي وتعطي الحق من نفسك للضعيف والقوى والكبير والصغير حتى عد عليه شرائع الاسلام فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعد علي فاني رجل نساء فأعاد عليه فعقدها بيده وقام وهو يجر ازاره وهو يقول تعلمت الايمان ورب الكعبة فلما بعُد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من أحب ان ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل فقال أبو بكر وعمر إلى من تشير يا رسول الله ؟

ص: 39


1- - المصدر السابق ص 158

فاطرق إلى الأرض فجدا في السير فلحقاه فقالا لك البشارة من الله ورسوله بالجنة فقال أحسن الله تعالى بشارتكما ان كنتما ممن يشهد بما شهدت به فقد علمتما ما علمني النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وان لم تكونا كذلك فلا أحسن الله بشارتكما فقال أبو بكر لا تقل فانا أبو عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) قال قلت ذلك فما حاجتكما قالا انك من أصحاب الجنة فاستغفر لنا فقال لا غفر الله لكما تتركان رسول الله صاحب الشفاعة وتسألاني استغفر لكما فرجعا والكآبة لائحة في وجهيهما فلما رآهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) تبسم وقال أفي الحق مغضبة فلما توفى رسول الله ورجع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بنو نويرة فخرج لينظر من قام مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب بالناس فنظر إليه وقال أخو تيم قالوا نعم قال فما فعل وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي امرني بموالاته قالوا يا اعرابي الامر يحدث بعده الامر قال بالله ما حدث شيء وانكم قد خنتم الله ورسوله ثم تقدم إلى أبى بكر وقال من أرقاك هذ المنبر ووصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس فقال أبو بكر اخرجوا الاعرابي البوال على عقبيه من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقام إليه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد فلم يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه فركب راحلته وأنشأ يقول:

أطعنا رسول الله ما كان بيننا *** فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر

إذا مات بكر قام عمرو مقامه *** فتلك وبيت الله قاصمة الظهر

يدب ويغشاه العشار كأنما *** يجاهد جما أو يقوم على قبر

فلو قام فينا من قريش عصابة *** أقمنا ولكن القيام على جمر

ص: 40

قال: فلما استتم الامر لأبي بكر وجه خالد بن الوليد وقال له قد علمت ما قاله مالك على رؤوس الاشهاد ولست آمن ان يفتق علينا فتقا لا يلتئم فاقتله .

فحين أتاه خالد ركب جواده وكان فارساً يعد بألف فخاف خالد منه فآمنه وأعطاه المواثيق ثم غدر به بعد أن القى سلاحه فقتله وأعرس بامرأته في ليلته وجعل رأسه في قدر فيها لحم جزور لوليمة عرسه وبات ينزو عليها نزو الحمار)(1)

ثم أرسل النساء سبايا إلى أبي بكر وقد ورد في بعض ذلك ما ذكر في نكاح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من خولة الحنفية

(فذكرنا خولة الحنيفة ونكاح أمير المؤمنين (عليه السلام) لها فقال: أخبرني عبد الله بن الخير الحسيني، قال: بلغني أن الباقر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: كان جالسا ذات يوم إذ جاءه رجلان، فقالا: يا أبا جعفر! ألست القائل أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يرض بإمامة من تقدمه؟ فقال: بلى. فقالا له: هذه خولة الحنيفة نكحها من سبيهم ولم يخالفهم على أمرهم مذ حياتهم؟!

فقال الباقر (عليه السلام): من فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله؟ - وكان محجوبا قد كف بصره - فحضر وسلم على الباقر (عليه السلام) فرد عليه وأجلسه إلى جانبه، فقال له: يا جابر! عندي رجلان ذكرا أن أمير المؤمنين رضي بإمامة من تقدم عليه، فاسألهما ما الحجة في ذلك؟ فسألهما فذكرا له حديث خولة، فبكى جابر حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال:

ص: 41


1- - الفضائل لابن شاذان ص76

والله - يا مولاي - لقد خشيت أن أخرج من الدنيا ولا أسأل عن هذه المسألة، والله إني كنت جالسا إلى جنب أبي بكر - وقد سبى بني حنيفة مع مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد - وبينهم جارية مراهقة – فلما دخلت المسجد قالت: أيها الناس! ما فعل محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: قبض. قالت: هل له بنيّة نقصدها؟ قالوا: نعم هذه تربته وبنيته. فنادت وقالت: السلام عليك يا رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - أشهد أنك تسمع صوتي وتقدر على رد جوابي، وإننا سبينا من بعدك، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمدا رسول الله. ثم جلست فوثب إليها رجلان من المهاجرين أحدهما طلحة والآخر الزبير وطرحا عليها ثوبيهما، فقالت: ما بالكم - يا معاشر الاعراب - تغيبون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم؟ فقيل لها: لأنكم قلتم لا نصلي ولا نصوم ولا نزكي؟ فقال لها الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما: إنا لغالون في ثمنك، فقالت: أقسمت بالله وبمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه لا يملكني ويأخذ رقبتي إلا من يخبرني بما رأت أمي وهي حاملة بي؟ وأي شيء قالت لي عند ولادتي؟ وما العلامة التي بيني وبينها؟ وإلا بقرت بطني بيدي فيذهب ثمني ويطالب بدمي، فقالوا لها: اذكري رؤياك حتى نعبرها لك. فقالت: الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا مني؟ . . فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسوا، فدخل أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: ما هذا الرجف في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! فقالوا: يا أمير المؤمنين امرأة حنفية حرمت ثمنها على المسلمين وقالت: من أخبرني بالرؤيا التي رأت أمي وهي حاملة بي يملكني.

ص: 42

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما ادعت باطلا، أخبروها تملكوها. فقالوا: يا أبا الحسن! ما منا من يعلم، أما علمت أن ابن عمك رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قبض وأخبار السماء قد انقطعت من بعده.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أُخبرها بغير اعتراض منكم؟ قالوا: نعم. فقال (عليه السلام): يا حنفيّة! أُخبرك وأملكك؟ فقالت: من أنت أيها المجترئ دون أصحابه؟

فقال: أنا علي بن أبي طالب. فقالت: لعلك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علما للناس؟ فقال: أنا ذلك الرجل. قالت: من أجلك نهبنا، ومن نحوك أتينا، لان رجالنا قالوا لا نسلم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلا لمن نصبه محمد (صلى الله عليه وآله) فينا وفيكم علما، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن أجركم غير ضائع، وإن الله يوفي كل نفس ما عملت من خير، ثم قال: يا حنفية! ألم تحمل بك أمك في زمان قحط قد منعت السماء قطرها، والأرضون نباتها، وغارت العيون والأنهار حتى أن البهائم كانت ترد المرعى فلا تجد شيئا، وكانت أمك تقول لك انك حمل مشوم في زمان غير مبارك، فلما كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأن قد وضعت بك، وأنها تقول: إنك حمل مشوم في زمان غير مبارك، وكأنك تقولين: يا أمي لا تتطيرن بي فإني حمل مبارك أنشأ منشأ مباركا صالحا، ويملكني سيد، وارزق منه ولداً يكون للحنفية عزاً، فقالت: صدقت. فقال (عليه السلام): إنه كذلك وبه أخبرني ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 43

فقالت: ما العلامة التي بيني وبين أمي؟. فقال لها: لما وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من نحاس وأودعته عتبة الباب، فلما كان بعد حولين عرضته عليك فأقررت به، فلما كان بعد ست سنين عرضته عليك فأقررت به، ثم جمعت بينك وبين اللوح وقالت لك: يا بنية إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم، وناهب لأموالكم، وساب لذراريكم، وسبيت فيمن سبي، فخذي اللوح معك واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلا من عبرك بالرؤيا وبما في هذا اللوح. فقالت: صدقت . . . يا أمير المؤمنين، ثم قالت: فأين هذا اللوح؟ فقال: هو في عقيصتك، فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فملكها والله يا أبا جعفر بما ظهر من حجته وثبت من بينته، فلعن الله من اتضح له الحق ثم جحد حقه وفضله، وجعل بينه وبين الحق سترا).(1)

ص: 44


1- - بحار الأنوار ج 29 باب13 ح46 ص457

ثالثاً: مصادرة المال الذي يمكن تمويل المشروع به من دون اللجوء للسلطة

وأما المال فقد غصبوا فدكاً التي كانت ملكاً للزهراء (عليها السلام) في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وهذا معناه غصب مال مملوك للزهراء (عليها السلام) في حياة أبيها فهو ليس من الميراث كما زعم أبي بكر أن الأنبياء لا تورث، مضافاً إلى أنهم منعوها من ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً وتمت مصادرة كل مصادر التمويل التي كان يمكن للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنيتقوى بها هو ومن يقف إلى جانبه في صف المعارضة لو منع عنهم العطاء وتمت محاصرتهم ومقاطعتهم، لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم تكن له أموال خاصة به غير واردات أرض فدك، وقد طالبت الزهراء (عليها السلام) بكلا الأمرين، فدك، والميراث، لكنها أولا طالبت بميراثها من النبي (صلى الله عليه وآله) ولما يئست من القوم بدفع الميراث لها بما اختلقوه من حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث - وهذه أول مخالفة لكتاب الله ممن قال حسبنا كتاب الله حينما قال النبي (صلى الله عليه وآله) إيتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تظلوا بعدي أبداً - طالبت بأرض فدك التي كانت مملوكة لها بحياة النبي (صلى الله عليه وآله) وهي ليس من الميراث.

أما مطالبتها بالميراث فقد صرحت به في خطبتها الكبرى التي خطبتها في جمع من المهاجرين والأنصار في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث قالت فيها في جملة ما قالت:

ص: 45

{ونصبر منكم على مثل حز المُدى(1)،

ووخز السنان في الحشا، وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون }(2) أفلا تعلمون؟ ! بلى، تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته(3)، أيها المسلمون أأغلب على إرثي؟ يا بن أبي قحافة(4)، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ !

لقد جئت شيئا فريا. أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: { وورث سليمان داود }(5)؟!

وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا ( عليه السلام ) إذ قال: { رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب }(6)

وقال: { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله }(7)

وقال: { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين }(8)،

وقال: { إن ترك خيرا الوصية للوالدينوالأقربين بالمعروف حقا على المتقين }(9) وزعمتم أن لا حظوة لي، ولا أرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصّكم الله بآية أخرج منها

ص: 46


1- - المدى هي السيوف
2- - آية 50 سورة المائدة
3- - أي أني من يستحق ميراثه كاملاً لأن جميع زوجاته تشترك في الثمن والباقي يكون كله للزهراء (عليها السلام) فكلكم يعلم اني ابنته ووريثته
4- - هو أبو بكر بن أبي قحافة
5- - آية 16 سورة النمل
6- - آية 6 سورة مريم
7- - آية 75 سورة الأنفال
8- - آية 11 سورة النساء
9- - آية 180 سورة البقرة

أبي (صلى الله عليه وآله)؟ ! أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ !، أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ !، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ ! فدونكها مخطومة مرحولة(1)،

تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون، ولا ينفعكم إذ تندمون، و { لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون} (2)

{ من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم }(3). ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا معاشر الفتية، وأعضاد الملة، وأنصار الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي(4)

والسِنَةُ عن ظلامتي(5)، أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي يقول: المرء يحفظ في ولده.

ص: 47


1- - دونكها أي خذها، المخطومة هي الناقة والخطام جعله على أنفه كخطمه به بالتشديد ، أو خطمه وخطمه : إذا حز أنفه حزا غير عميق ليضع عليه الخطام . وناقة مخطومة ونوق مخطمة شدد للكثرة . وفي حديث الزكاة : " فخطم الأخرى دونها " أي : وضع الخطام في رأسها وألقاه إليه ليقودها به . قال ابن الأثير : " خطام البعير : أن يأخذ حبلا من ليف أو شعر أو كتان فيجعل في أحد طرفيه حلقة ، ثم يشد فيه الطرف الآخر حتى يصير كالحلقة ، ثم يقلد البعير ، ثم يثني على مخطمه ،والمرحولة إما من المقاربة للرحيل، أو يراد من الرحل وهو يوم وفاة الإنسان، وكأنها (عليه السلام) تريد أنه خذ حقي وهو كالناقة المشدودة بالخطام التي تقاد قهراً والمقاربة للرحيل التي لا يمكن الانتفاع بها
2- - آية 67 سورة الإنعام
3- - آية 39 سورة هود
4- - الغمز هو العصر باليد، أو مأخوذ من الغمز وهو الإغماض عن الشئ، أي تجاهل الحق الذي أدعيه من ميراثي وأنتم حاضرون
5- - السِنة بكسر السين الغفوة، ومرادها (عليه السلام) ما هذا السكوت والتغافل عن ظلامتي كأنكم نيام

سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(1)، ولكم طاقة بما أُحاوِل(2)، وقُوَةٌعلى ما أطلب وأُزَاوِل(3) أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله، فَخَطْبٌ جليل استَوسَعَ وَهَنُه(4)، واستَنهَرَ فَتْقُه(5)، وانْفَتَقَ رَتقُه(6)، واظلَمَتْ الأرض لِغَيبَتِه(7)، وكُسِفَتْ النُجومُ لِمُصيبَتِه(8).

وأَكْدَتْ الآمال(9)،

ص: 48


1- - أي ما أسرع ما غيرتم ولم تلتزموا وصايا الرسول (صلى الله عليه وآله) وأحاديثه وفي المثل ( سرعان ذا إهالة ) وذا فاعل سرعان ، وإهالة وهي الشحم الذائب تمييز كقولك سرع ذا إهالة . وأصل المثل أن أعرابيا جاء إلى راع ليشتري منه شاة، فقال: هل عندك شاة سمينة ؟ فقال : نعم عندي شاة امتلأت دسما وودكا - الودك السمن - ، وطفحت شحما ولحما ، فقال : علي بها ، فجاء الراعي بشاة يسيل رغامها - الرغام هو المخاط - لا تتحرك هزالا وسوء حال ، فقال : ما وعدتنا بمثل هذه فأين الشحم واللحم ؟ قال الراعي : ألم تر أن الشحم يسيل من منخريها ، فقال الأعرابي : (سرعان ذا إهالة) ويقال المثل للمتعجل بالأمور الذي يتصرف بلا روية، وسرعان وعجلان معناهما واحد، ومرادها هنا (عليه السلام) تعجلتم بظلامتي
2- - أي لكم القابلية بما أطلبه وهو الدفاع عني بأخذ الإرث ممن غصبه مني
3- [1]- أي ما أقوم به من المطالبة بحقي مع أنكم تتمكنون من أخذ حقي لما لكم من القدرة والقوة
4- - الخطب الجليل هو الأمر العظيم، و استوسع أي توسع وكبر، والوهن الضعف، أي أن فقد الرسول (صلى الله عليه وآله) أمر عظيم أوجب الضعف الواسع من جهة قلة الناصر بفقده (صلى الله عليه وآله)
5- - نهر أي حفر، واستنهر أي حفره، بشدة والفتق هو الشق والفتح، ومرادها (عليه السلام) أن مصيبة فقد الرسول (صلى الله عليه وآله) جرح قد حفر حفراً وأثر أثراً شديداً في النفوس
6- - الرتق ضد الفتق، أي ما كان من أمر سوي في وجوده (صلى الله عليه وآله) قد انفتق بفقده، أي ما كان يستره بوجوده (صلى الله عليه وآله) قد بان
7- - لغياب نوره المبارك (صلى الله عليه وآله) عنها فهي مظلمة بدونه
8- - وكسف الشمس والقمر كسوفا : احتجبا وذهب ضوئهما واسودا والنجوم كذلك
9- - أكدت الحنطة أي دستها ودرستها، ومرادها (عليه السلام) أن الآمال التي كانت ترجى بوجوده (صلى الله عليه وآله) قد ذهبت واندرست

وَخَشَعَت الجبال(1)، وأُضِيعَ الحَريم(2)، وأُزيلَت الحُرمَةُ عند مماته(3)، فتلك والله النازلة الكبرى(4)، والمُصيبةُ العُظمى، لا مِثلُها نازلة، ولا بائِقةٌعاجلة(5)، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم ومَصْبَحِكُم(6)، هِتافَاً وصُراخاً(7)، وتِلاوَةً وأَلحانا(8)

ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله(9)، حُكمٌ فصل وقضاء حتم(10) { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على

ص: 49


1- - خشع أي خضع، وخشعت الجبال أي يبست
2- - الحريم هي الحدود والحقوق التي تكون لصاحب البئر والدار، ومراها (عليه السلام) أنه أضيع حريم الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد أن كان هناك حد لا يتجاوزه أحد، ومرادها أنها (عليه السلام) قد تُعدي عليها ولم يبق لها حد لا يتجاوزه أحد، ولم تراعى لها حرمة بعد فقد الرسول (صلى الله عليه وآله)
3- - أي حرمة أهل البيت (عليه السلام) قد أزيلت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)
4- - النازلة هو ما ينزل بالإنسان من مصائب وتريد (عليه السلام) أن فقد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) هو المصيبة الكبرى التي حلت بأهل البيت (عليه السلام)
5- - البائقة الداهية والمصيبة العظمى، والعاجلة السريعة، أي ليس هناك مصيبة سريعة حلت بنا على عجل كمصيبة فقد الرسول (صلى الله عليه وآله)
6- - الأفنية هي الدور وجوانبها، وهي تشير إلى أن الله تعالى أخبركم بذهابه عنكم بقوله تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً }
7- - الهتاف هو الصياح، والصراخ هو الصياح باستغاثة وجد وشدة
8- - التلاوة القراءة، والحاناً أي تلميحا تتجوز فيه ليفطن له السامع، كما قال الشاعر واللحن يعرفه ذوو الألباب، فهي (عليه السلام) تريد أن القرآن ذكر لكم ذلك تصريحاً وتلويحاً
9- - مرادها إما هو الموت الذي حل بالأنبياء الذين كانوا قبله وحل به أيضاً أو ما حل بالأنبياء والمرسلين (عليه السلام) قبل الرسول (صلى الله عليه وآله)، من انقلاب أممهم من بعدهم
10- - وهو الموت الحق الذي لا بد منه لكل مخلوق حتى الأنبياء والمرسلين (عليه السلام) أو الانقلاب

أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين }(1).

إِيهاً بَني قَيلَة(2) ! أأُهضَمُ تُراثَ أبي وأنتم بمرأى مني ومَسْمَع(3). وَمُنتَدى ومَجْمَع(4) ؟، تلبسكم الدعوة(5)، وتَشمُلُكُمُ الخبرة(6)

وأنتم ذا العَدَدِ والعُدَّة(7)، والأداةِ والقوة(8)، وعندكم السلاح والجِنَّة(9) }.(10)

ص: 50


1- - آية 144 سورة آل عمران
2- - قيلة أم الأوس والخزرج وهي قيلة بنت كاهل بن عذره بن سعيد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. وعدي بن حارثة بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، واسم النجار تيم الله ، قال الزبير : كانوا تيم اللات ، فسماهم النبي ، (صلى الله عليه وآله) ، تيم الله ، ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ، وهو أخو الأوس ، وإليهما نسب الأنصار.
3- - الهضم هو الكسر والظلم، والتراث هو الميراث ومرادها (عليه السلام) أنني أهضم ويؤخذ ميراثي تحت نظركم وسمعكم
4- - المنتدى هو النادي وهو مجلس القوم ومكان حديثهم، ومجمع أي مجتمعون ومرادها يؤخذ حقي وأنتم موجودون بجمعكم
5- - تلبسكم أي إن دعوتي للمطالبة بحقي قد تلبست بكم لكونكم حضور تسمعون مطالبتي، أي أنكم قد سمعتموني أطالب بحقي فقد علمتم بظلامتي فسكوتكم واعتذاركم بعدم العلم غير نافع لكم
6- - أي المعرفة بالأمر فأنتم قد علمتم الخبر بغصب حقي ولم تنصروني مع استنصاري بكم
7- - أي أن عددكم كثير وسلاحكم أيضاً كثير ومعنى ذلك أنهم لا ينقصهم شيء عن نصرتها
8- - أي معكم سيوفكم وقوتكم البدنية والاجتماعية
9- - السلاح ما يقاتل به كالسف والرمح والسهم، و الجنة هو ما يستتر به من عدة الحرب كالدرع والطاس
10- - كشف الغمة ج7 ص 109

وأما فدك فطالبت بها أيضاً في مسجد رسول الله كما ورد في كتاب سليم بن قيس في احتجاج الزهراء (عليها السلام) لإعادة فدك قال:

{ثم إن فاطمة عليها السلام بلغها أن أبا بكر قبض فدك. فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، تريد أن تأخذ مني أرضا جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتصدق بها علي من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب؟ أما كان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المرء يحفظ في ولده بعده؟ وقد علمت أنه لم يترك لولده شيئا غيرها. فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها دعا بدواة ليكتب به لها. فدخل عمر فقال: يا خليفة رسول الله، لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي. فقالت فاطمة عليها السلام: نعم، أقيم البينة. قال: من؟ قالت: علي وأم أيمن. فقال عمر: لا تقبل شهادة امرأة عجمية لا تفصح، وأما علي فيحوز النار إلى قرصه. فرجعت فاطمة عليها السلام وقد جرعها من الغيظ ما لا يوصف، فمرضت}(1)

وورد أيضاً

{ عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة عليها السلام بنت رسول الله منها، فجاءت فاطمة الزهراء عليها السلام إلى أبي بكر ثم قالت لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى؟

ص: 51


1- - كتاب سليم بن قيس ص 391

فقال: هاتي على ذلك بشهود.

فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى احتج عليك بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (أم أيمن امرأة من أهل الجنة) فقال: بلى. قالت: فأشهد: أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) {وآت ذا القربى حقه} فجعل فدكا لها طعمة بأمر الله، فجاء علي (عليه السلام) فشهد: بمثل ذلك فكتب لها كتابا ودفعه إليها،

فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة (عليها السلام) ادعت في فدك، وشهدت لها أم أيمن وعلي (عليه السلام)، فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزقه فخرجت فاطمة عليها السلام تبكي،

فلما كان بعد ذلك جاء علي (عليه السلام) إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال أبو بكر: هذا فيئ للمسلمين، فإن أقامت شهودا أنرسول الله جعله لها وإلا فلا حق لها فيه،

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين. قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك أسأل البينة، قال: فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يديها؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده، ولم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهودا، كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟ فسكت أبو بكر

ص: 52

فقال عمر: يا علي دعنا من كلامك. فإنا لا نقوى على حجتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلا فهو فيء للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قول الله عز وجل: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم، قال: فلو أن شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفاحشة ما كنت صانعا بها؟ قال كنت أقيم عليها الحد، كما أقيمه على نساء المسلمين، قال: إذن كنت عند الله من الكافرين، قال: ولم قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة، وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله، أن جعل لها فدكا قد قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها، وأخذت منها فدكا، وزعمت أنه فيء للمسلمين، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البينة على المدعي: واليمين على المدعى عليه فرددت قول: رسول الله (صلى الله عليه وآله): البينة على من أدعى، واليمين على من ادعي عليه، قال: فدمدم الناس وأنكروا، ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: صدق والله علي بن أبي طالب (عليه السلام) ورجع إلى منزله.}(1)

وكذلك ما عن علي بن أسباط

{قال: لما ورد أبو الحسن موسى (عليه السلام) على المهدي وجده يردّ المظالم فقال له: ما بال مظلمتنا لا ترد يا أمير المؤمنين؟ فقال له:

ص: 53


1- - الاحتجاج ص 119

وما هي يا أبا الحسن؟ فقال: إن الله تعالى لما فتح على نبيه (صلى الله عليه وآله) فدك وما والاها - ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب - أنزل الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله): {وآت ذا القربى حقه}، فلم يدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هم، فراجع في ذلك جبرئيل (عليه السلام)، فسأل الله تعالى عن ذلك، فأوحى إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة صلوات الله عليها، فدعاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: يا فاطمة إن الله سبحانه أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها، فيها حياة رسول الله (صلى الله عليهوآله)، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته، فسألته أن يردها عليها، فقال لها: إيتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) وأم أيمن، فشهدوا لها، فكتب لها بترك التعرض لها، فخرجت - والكتاب معها - فلقيها عمر بن الخطاب فقال لها. ما هذا معك يا بنت محمد؟ فقالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. قال: أرينيه، فأبت، فانتزعه من يدها، ونظر فيه، وتفل فيه، ومحاه، وخرّقه، وقال: هذا الآن أباك لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وتركها، ومضى. فقال المهدي: حدها لي، فحدها، فقال: هذا كثير، وأنظر فيه}(1)

ص: 54


1- - المقنعة الشيخ المفيد ص289

الأمر الرابع: دور الزهراء (عليها السلام) في التبليغ بخطورة مشروع حرف الرسالة

ثم إنها (عليها السلام) لم تترك مهمة التبليغ والإرشاد لخطورة المشروع الذي يريدونه من حرف الرسالة عن منهجها السماوي إلى اختيار بشري كما جاء ذلكعلى لسانها (عليها السلام) في خطبتها الكبرى حيث قالت موبّخةً الأنصار وما سينال الأمة من ذلك الانحراف.

{ إيها بني قَيلة(1) ! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع(2)، ومنتدى ومجمع(3)؟،

تلبسكم الدعوة(4)،

وتشملكم الخبرة(5)،

وأنتم

ص: 55


1- - قيلة أم الأوس والخزرج وهي قيلة بنت كاهل بن عذره بن سعيد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. وعدي بن حارثة بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، واسم النجار تيم الله، قال الزبير: كانوا تيم اللات، فسماهم النبي، (صلى الله عليه وآله)، تيم الله، ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، وهو أخو الأوس، وإليهما نسب الأنصار.
2- - الهضم هو الكسر والظلم، والتراث هو الميراث ومرادها (عليها السلام) أنني أهضم ويؤخذ ميراثي تحت نظركم وسمعكم
3- - المنتدى هو النادي وهو مجلس القوم ومكان حديثهم، ومجمع أي مجتمعون ومرادها يؤخذ حقي وأنتم موجودون بجمعكم
4- - تلبسكم أي إن دعوتي للمطالبة بحقي قد تلبست بكم لكونكم حضور تسمعون مطالبتي، أي أنكم قد سمعتموني أطالب بحقي فقد علمتم بظلامتي فسكوتكم واعتذاركم بعدم العلم غير نافع لكم
5- - أي المعرفة بالأمر فأنتم قد علمتم الخبر بغصب حقي ولم تنصروني مع استنصاري بكم

ذا العدد والعدة(1)، والأداة والقوة(2)،

وعندكم السلاح والجنة(3)، توافيكم الدعوة فلا تجيبون(4)

وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون(5)،

وأنتم موصوفون بالكفاح(6)، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت(7)،

والخيرة التي اختيرت(8)، قاتلتم العرب(9)،وتحملتم الكد والتعب(10)،

وناطحتم الأمم(11)،

وكافحتم البهم(12)،

فلا نبرح أو تبرحون(13)، نأمركم فتأتمرون(14)،حتى إذا دارت بنا رحى

ص: 56


1- - أي أن عددكم كثير وسلاحكم أيضاً كثير ومعنى ذلك أنهم لا ينقصهم شيء عن نصرتها
2- - أي معكم سيوفكم وقوتكم البدنية والاجتماعية
3- - السلاح ما يقاتل به كالسف والرمح والسهم، و الجنة هو ما يستتر به من عدة الحرب كالدرع والطاس
4- - أي تأتيكم دعوتي لأخذ حقي ممن ظلمني فلا تجيبوني
5- - الصرخة هي طلب الاستغاثة من مغيث وقد أتت منها (عليها السلام) ولم ينصروها
6- - الكفاح هو الدفاع، وفي الحرب المواجهة مع العدو من غير درع أو ترس كما هو المعروف من موقف الأنصار مع النبي (صلى الله عليه وآله) في غزواته فلم يعرف عنهم التخاذل
7- - النخبة الخيار، أي أنتم خيار القوم الذين اختاركم الله عز وجل لنصرة الدين
8- - أي أنتم من اختاركم الرسول (صلى الله عليه وآله) لتكونوا أنصار الإسلام وحملة الدعوة وفضل بلادكم على باقي البلدان لأن تكون مقراً لانتشار دين الإسلام
9- - أي قاتلتم قومكم من أجل إعلاء كلمة الإسلام ونصرة الرسول (صلى الله عليه وآله)
10- - الكد الشدة في العمل والتعب فيه أي تحملتم المتاعب في سبيل نصرة الرسول (صلى الله عليه وآله) والإسلام
11- - أي تحملتم شدائد الأمور بمجابهة كافة الأمم في سبيل دعوة الإسلام والمناطحة هي الوقوف بوجه العدو والأمم لعلها تشير إلى الروم والفرس لكونها أقوى إمبراطوريتين كانتا موجودتين قبل الإسلام
12- - البهم المجهولين من الرجال الذين لم يكن لهم وجود على الساحة أو الأقوياء
13- - أي كنتم لا تتحركون من مكانكم حتى نتحرك، أي كنتم طائعين لأوامرنا فماذا دهاكم بهذه العجالة
14- - أي كنتم طوع أمرنا لا تخالفون لنا أمراً نأمركم به

الإسلام(1)، ودر حلب الأيام(2)،

وخضعت ثغرة الشرك(3)،

وسكنت فورة الإفك(4)

وخمدت نيران الكفر(5)،

وهدأت دعوة الهرج(6)،

واستوسق نظام الدين(7)، فأنى حِرتم بعد البيان(8)، وأسررتم بعد الإعلان(9)، ونكصتم بعد الإقدام(10)، وأشركتم بعدالإيمان(11)

{ ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم

ص: 57


1- - دارت الرحى إذا انتظم دورانها بعد أول طحن بها ومرادها (عليها السلام) أنه انتظم أمر الإسلام وانتشر، ودارت رحاه بجهادنا وتضحياتنا
2- - أي أعطت الدنيا خيراتها لكم بسبب بركة ظهور الإسلام وانتشاره وبركتنا نحن
3- - الثغر هو الموضع الذي يخاف هجوم العدو منه، فتريد (عليها السلام) أن من كان يُخشى منه من المشركين على الإسلام قد خضع لقوة الإسلام وفتوحاته وهي إشارة للروم والفرس كما مر
4- - الفورة هو الغليان، والإفك هو أسوء الكذب وأبلغه، وقيل هو البهتان، ومرادها (عليها السلام) أنه قد هدأت قوة أبواق الدعايات الكاذبة التي كان يخاف من تأثيرها على المسلمين، وكل ذلك بسبب قوة الدين بأهل البيت (عليهم السلام)
5- - أي انتهى وجود الشرك في كل مكان دخله الإسلام حتى أنه لم يبق له أثر أو شيء يدل عليه
6- - الهرج الفتنة واختلاط الأمور، وتريد أنه قد انتهى عهد الفتن وعدم وضوح الحقيقة بعد أن وصل الإسلام إلى هذه المرحلة من الظهور
7- - الاتساق الانتظام، أي انتظم أمر الدين ببيان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) معالم الدين وأحكامه وكل ما تحتاجه الأمة في أمر دينها ودنياها
8- - أي لماذا احترتم بأمركم وأمر الخلافة بعد بيان القرآن والرسول (صلى الله عليه وآله) الواضح والكافي لكم
9- - أي أضمرتم النفاق بعد إعلانكم الإيمان، أو أسررتم أمر الخلافة بعد إعلانكم البيعة بها جهاراً يوم الغدير
10- - النكص هو الرجوع القهقرى، ومرادها (عليها السلام) رجعتم عما كنتم عليه من الأقدام على طاعتنا وإتباع أوامرنا
11- - أي أنها تصف منكر الخلافة بالمشرك

مؤمنين }(1)،ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض(2)، وأبعدتم من هو أحق بالبسط، والقبض(3)، وخلوتم بالدعة(4)،

ونجوتم من الضيق بالسعة(5)، فمججتم ما وعيتم(6)،

ودسعتم الذي تسوغتم(7)

{ فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد }(8)، ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم(9)،

والغدرة التي استشعرتها قلوبكم(10)، ولكنها فيضة النفس(11)،

ص: 58


1- - آية 13 سورة التوبة
2- - أخلدتم أي ركنتم، الخفض السعة والراحة، أي اخترتم الراحة على الجهاد لأخذ حقنا المغتصب وإرجاع الخلافة إلى صاحبها الشرعي وهو الأمام علي (عليه السلام)
3- - أي مرادها من هو أحق بالأمر، وعبرت بالبسط والقبض أي بالأخذ والعطاء، وهو كناية عن إدارة الأمور وإعطاء المستحق والمنع عن غيره، ومرادها (عليها السلام) هو الإمامة والمقصود هو الإمام علي (عليه السلام)
4- - الدعة الراحة، أي خلدتم إلى الراحة ولم تقفوا مع الإمام (عليه السلام) للمطالبة بحقه
5- - أي من ضيق الحرب إلى سعة الحياة فرضيتم بإمامة من لا يستحقها
6- - يقال مج الماء إذا لفظه من فمه بقوه، والوعي الحفظ، أي أنكم لفظتم ما حفظتموه من الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) من الوصايا بأهل البيت (عليهم السلام) والوصية للإمام علي (عليه السلام) بالخلافة من بعده
7- - الدسع هو القيء، والسائغ هو المرغوب فيه، ومرادها (عليها السلام) لماذا رفضتم ما تسوغتموه أولاً من خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) حينما أوصى بها له في يوم الغدير
8- - آية 8 سورة إبراهيم، واستشهادها بها (عليها السلام) إشارة إلى أن إنكارهم للخلافة الشرعية لا يؤثر شيئاً عند الله تعالى لأنه غني عنكم وعن إيمانكم
9- - خامرتكم أي ذهبت بعقولكم، فإنها تقول لهم بأنها تعلم بخذلانهم لكن كلامها من أجل إلقاء الحجة عليهم
10- - أي أنكم كنتم ناوين على الغدر بنا وأخذ حقنا بل قلوبكم كانت تحدثكم بالغدر بنا
11- - فاض أي امتلأ حتى خرج عن حده، ومنه استعير للموت فيقال فاضت نفسه أي خرجت، ومرادها (عليها السلام) أن هذا من شدة ما تحملت من الآلام حتى فاضت بذلك نفسها وتكلمت به أمام الملأ

ونفثة الغيظ(1)،

وخور القنا(2),

وبثة الصدر(3)،وتقدمة الحجة(4)،

فدونكموها فاحتقبوها(5)، دبرة الظهر(6)،

نقبة الخف(7)،

باقية العار(8)،

موسومة بغضب الله وشنار الأبد(9)

موصولة ب} نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة }(10)

ص: 59


1- - النفث هو النفخ اللطيف بلا خروج الريق معه، ويقابله التفل وهو النفخ مع الريق، والغيظ هو النقصان والانتهاء، يقال غاض الماء إذا نقص وانتهى، ومرادها (عليها السلام) هذا آخر ما ظهر منها عند نهاية المطاف بعد اليأس من نصرتهم لها وأخذ الحق ممن ظلمها، فلم يبق لها سوى المطالبة بحقها بنفسها وإلقاء الحجة عليهم
2- - الخور الضعف، يقال خارت قواه أي ضعفت، والقنا الرمح، وما تريده (عليها السلام) هو كناية عن ضعف الحال وقلة الناصر؛ لأن ضعف آلة الحرب معناه ضعف المحارب عن أخذ حقه والدفاع عن نفسه
3- - البث أشد الحزن الذي لا يصبر عليه صاحبه حتى يبثه أي يبينه، ومرادها (عليها السلام) أنها تريد إظهار شدة المصاب الذي حل بها من طريق بيان ظلامتها
4- - أي أنها ذكرت كل هذا من اجل تقديم الحجة لهم لكي لا يقول قائل بعد ذلك لم أكن أعلم
5- - فدونكموها أي خذوها، وأحتقبوها أي خذوها حقبة بعد حقبة أي جيلاً بعد جيل، ويقال أن الحقبة هي ثمانون سنة من سني الآخرة، ومنه قوله تعالى { لابثين فيها أحقاباً }
6- - الدَبَر بفتح الدال والباء هو الجراحة التي تحدث في الظهر وغيره، وهي عبارة عن المرض والعيب في الحيوان، ومرادها (عليها السلام) أنكم أخذتم الخلافة معيبة ناقصة بتولية من ليس هو أهل لها وستجنون عاقبة ذلك
7- - نَقَبَ الخف أي رق وضعف، ويقال نقب البعير إذا صار خفه رقيقاً، فيكون عاجزاً عن المشي، وهو عبارة أخرى عن الهرم وعدم الفائدة فيه، وهي إشارة منها (عليها السلام) إلى عدم استفادتهم من الخلافة بعد أخذها غصباً ممن هو أهل لها
8- - أي العار الذي سوف يلحقكم من سوء اختياركم
9- - الشنار هو العيب والعار
10- - آية 6 من سورة الهمزة، وذكرت الآية الكريمة أي أن هذه الخلافة توصلكم إلى هذا المصير

فبعين الله ما تفعلون(1) { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }(2).

وأنا ابنة { نذير لكم بين يدي عذاب شديد }(3)

فاعملوا { إنا عاملون *وانتظروا إنا منتظرون }(4).

وقالت أيضاً:{معاشر الناس ! المسرعة إلى قيل الباطل(5)،

المغضية على الفعل القبيح الخاسر(6)، { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها }(7)

كلا بل ران على قلوبكم(8) ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم(9)،

وساء ما به أشرتم(10),

ص: 60


1- - أي بعلمه وتحت نظره لكنه يمهل ولا يهمل
2- - آية 227 سورة الشعراء
3- - آية 46 سورة سبأ
4- - آية 122 سورة هود
5- - القيل هو فضول الكلام، أي كلام الباطل
6- - وهو أخذ مال الغير غصباً أو مخالفة أحكام القرآن
7- - آية 24 سورة محمد
8- - النسخ الموجودة قلوبكم والآية قلوبهم، فإذا كانت (عليها السلام) قد استشهدت بالآية الكريمة الواردة في سورة المطففين ولعله الأقرب؛ لأن ذلك من عادتها (عليها السلام) وحسن كلامها (عليها السلام) تستشهد دائماً بكلام الله عز وجل وتأتي به في طيات كلامها ويكون كأنه جزء منه وذلك لبلاغتها (عليها السلام) فلابد أن تكون قلوبهم، , وإذا كان قصدها (عليها السلام) مخاطبتهم لكن بلسان الآية الكريمة فتكون مستشهدة بمضمونها لا بنصها فلابد حينئذٍ من تبديل الضمائر بما يتناسب وحال الخطاب
9- - أي الحديث الذي وضعتموه وأولتموه
10- - أي إذا كان أخذ الإرث والخلافة بمشورتكم كما ادعى إجماعكم عليه فلبئس المشورة منكم

وشر ما منه اغتصبتم(1)،

لتجدن والله محمله ثقيلا(2)

وغبه وبيلا(3)،

إذا كشف لكم الغطاء(4) وبان ما وراءه الضراء(5)، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون(6)، { وخسر هنالك المبطلون }(7).

وأشارت لذلك أيضا في خطبتها الصغرى مع نساء الأنصار لما عدنها في مرضها حيث قالت:{ويحهم أنى زعزعوها(8)،عن رواسي الرسالة(9)،وقواعد النبوة

ص: 61


1- - أي شر أكثر من غصب الخلافة من مستحقها الشرعي وعليها يقف مصير الأمة والإسلام، وأيضاً غصب حق الزهراء (عليها السلام) وهي ابنة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)
2- - أي ما تحملتم من الوزر بموافقته على ما يقول
3- - الغب بكسر الغين هو عاقبة الشيء، والوبال سوء العاقبة، أي ستجدون سوء عاقبة هذا الأمر، وهو إعطاء الخلافة لغير مستحقها الشرعي وسكوتكم عن نصرة المظلوم
4- - أي بعد الموت فإن الإنسان ينكشف له الغطاء عن نتيجة أعماله
5- - الضراء الشدة، لعلها (عليها السلام) تريد ما يتبين للإنسان بعد شدة الموت من عرض أعماله عليه للحساب
6- - أي بدا لكم الجزاء الذي سوف تنالونه بفعلتكم هذه من عذاب الله ما لم يكن بحسبانكم، وذلك يكون يوم القيامة حينما يتم العرض أمام الحكم العدل للحساب
7- - آية 78 سورة غافر
8- - ويح كلمة تعجب، وأنى استفهام، وزعزع الشيء حركه عن مكانه، وفي نسخة (زحزحوها) وهو نفس معنى الزعزعة، أي تتعجب من حرف الإمامة عن مكانها الأصيل إلى غيره
9- - الرواسي الثابتة، يقال رست أرجلهم بالحرب أي ثبتوا ولم ينهزموا، ويقال للجبال رواسي أي ثابتة، تريد (عليها السلام) التعجب منهم كيف أزالوا الإمامة عن من ثبت الرسالة المحمدية وهو الإمام علي (عليه السلام) لأنه بسيفه أثبت دعائم الإسلام

والدلالة(1)، ومهبط الروح الأمين(2),

والطبين بأمور الدنيا والدين(3)، { ألا ذلك هو الخسران المبين }(4).

وما الذي نقموا من أبي الحسن(5)

نقموا منه والله نكير سيفه(6)، وقلة مبالاته بحتفه(7)،

وشدة وطأته(8)،

ونكال وقعته(9)،وتنمره في ذات الله(10).

ص: 62


1- - القواعد هي الأصول أي أن الإمام علي (عليه السلام) هو القاعدة الأصيلة للنبوة بعد أن نص عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) في يوم الغدير وهو أيضاً القاعدة للدلالة على الطريق الحق
2- - أي المكان الذي كان يهبط فيه جبرائيل وهو بيت النبوة الذي كان الإمام (عليه السلام) موجوداً فيه، فيكون قد استلهم كل معاني الرسالة ومستلزماتها
3- - الطَبِن هو الفطن والخبير، وهو إشارة منها إلى أنه هو الأجدر بالخلافة، من جهة كونه الأعرف بأمور الدنيا من أجل تسيير أمر المسلمين في دولتهم الجديدة، وهو أعلمهم بأحكام دينهم، فهو الأولى أن يكون خليفتهم
4- - آية 15 سورة الزمر
5- - ونقم الأمر: كرهه، وقيل: بالغ في كراهته، وقيل: قوله تعالى: ( هل تنقمون منا )، أي تنكرون . ومرادها (عليها السلام) ماذا كرهوا منه حتى أبعدوه عن حقه في الخلافة
6- - النكير هو الأمر الفظيع أي كرهوا منه ما سال من دماء أحبائهم بسيفه حينما دعاهم للإسلام
7- - المبالاة الاعتناء، والحتف الموت، أي عدم اهتمامه بحياته من أجل ثبات الدين، فكان يلقي بنفسه في لهوات الحروب بين يدي الرسول (صلى الله عليه وآله) من أجل إعلاء كلمة الإسلام
8- - الوطء هو الإيقاع والإبادة، أي شدة إيقاعه الموت والإبادة بأعدائه في ساحة المعركة
9- - النكال العقوبة الشديدة، الواقعة النازلة الشديدة، ويكنى بها عن الحرب ومرادها (عليها السلام) شدته على أعداءه في الحرب
10- - التنمر صفة مأخوذ من حيوان النمر وهو إذا غضب لا يتمالك نفسه من الغضب وقد يصل به الحال إلى قتل نفسه فمرادها أنه (عليه السلام) شديد الغضب في ذات الله وليس لأجل مصلحة نفسه وهي من خصال نبي الله موسى (عليه السلام)

وتالله لو مالوا عنالمحجة اللائحة(1)،وزالوا عن قبول الحجة الواضحة(2)، لردهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيرا سجحا(3)، لا يكلم خشاشه(4)،

ولا يكل سائره(5)،

ولا يمل راكبه(6)

ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويا(7)،

تطفح ضفتاه(8)،

ولا يترنق جانباه(9),

ولأصدرهم بطانا(10),

ونصح لهم سرا

ص: 63


1- - المحجة جادة الطريق، اللائحة البينة الواضحة، أي لو مالوا عن جادة الصواب والطريق الحق
2- - أي انحرفوا عن الدليل الواضح بسبب أهواء الدنيا لردهم إليها بسبب كونه لا يقبل بالباطل، ولمعرفته بالأمور
3- - السجح اللين السهل أي لسار بأمر الأمة كالسائر بالدبة السلسة في مسيرها
4- - يكلم أي يجرح، الخشاش بكسر الخاء عود يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع للانقياد، ومرادها(عليها السلام) أنه لو كان الخليفة هو الإمام علي (عليه السلام) لسار بهم سيراً ليناً كما يسير البعير الهادئ الذي لا يجرح أنفه بسبب شدة قيادته لو كان غير سهل القياد، وهو عبارة أخرى عن حسن السيرة بالأمة الإسلامية
5- - الكل الجهد والتعب أي لا يتعب من يسير معه إذا كان المسير سلساً وليناً وذلك لحسن القيادة
6- - مللت الشيء بالكسر، ومللت منه أيضا، إذا سئمته .
7- - المنهل المورد، وهو عين ماء ترده الإبل في المراعي، النمير هو عين الماء الذي لا ينقطع ماؤها أبداً، الصافي هو الماء الذي لا شائبة فيه، الروي هو الماء البارد الذي يرتوى به من العطش
8- - أي ممتلئاً من جانبيه وهو عبارة أخرى عن كثرة الخير وحسن الراعي للإبل حيث يوردها ماءً مملوءا إلى الجوانب فيكون هذا الماء قليل الشوائب بسبب كثرته وغزارته
9- - الرنق الكدر وهو يكون على ضفتي النهر لقلة غزارة الماء فيها أي لا يكون على ضفتيه الطين والكدر بسبب قلته وضعف مجراه
10- - أصدر أي رجع وعاد، وبطاناً أي مملوء البطن من الشبع، وهو عبارة عن أنه يجعلهم غير محتاجين لأحد وجعلهم غير جياع وذلك كناية منها عن أنه يكفيهم من العقيدة والدين بما يكتفون به ويمتلئون ولا يحتاجون إلى أحد أو إشارة إلى كثرة الخير على يديه بحسن إدارته بحيث يشبع الكل وتمتلئ بطونهم من الخير

وإعلانا(1), ولم يكن يتحلى من الغنى بطائل(2)،ولا يحظى من الدنيا بنائل(3)،

غير ري الناهل(4)،

وشبعة الكافل(5)،

ولبان لهم الزاهد من الراغب(6)، والصادق من الكاذب

{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}(7)، {والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين}(8).

ص: 64


1- - أي أنه لا تختلف علانيته عن سريرته، فهو ناصح لهم في السر والعلن، ولا يظهر لهم غير ما يسره عنهم، فهو لا يحمل صفة المنافقين
2- - الطَول بفتح الطاء الزيادة، وقيل الزيادة في المال واسم فاعلها طائل أي إنه لم يقف هذا الموقف حتى ينال الغنى في الدنيا
3- - النائل العطاء، أي كان لا يأخذ من الدنيا شيء غير سد الرمق، ولم يطمع في العطايا التي كان يحصل عليها غيره في الحروب
4- - الناهل العطشان، مأخوذ من نهل البعير إذا شرب الشرب الأول بعد العطش وهو بعد لم يرتوي، فتقول إنه لم يحض من الدنيا إلا بمقدار سد رمق العطشان من دون امتلاء
5- - الشبعة من الطعام بضم الشين هو ما يشبع مرة واحدة، والكافل هو المتكفل باليتامى، وذلك لأنه ليس له أن يأخذ من أموالهم إلا مقدار ما يشبعه، تريد (عليها السلام) أنه كصاحب اليتامى الذي لم يأخذ من طعام اليتامى إلا ما يكفي لمرة واحدة، وهو عبارة عن زهده في الدنيا وعدم أخذه منها إلا مقدار الضرورة، كما ذكر ذلك هو (عليه السلام) بقوله {فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً، ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة} - أي حمار مريض فيكون قليل الأكل
6- - أي الزاهد في الدنيا من الراغب فيها، ومن سعى للخلافة رغبة في الدنيا ومن يطلبها سعياً وراء الآخرة
7- - آية 96 سورة الأعراف
8- - آية 51 سورة الزمر

ألا هلم فاستمع وما عشت أراك الدهر عجبا(1)

{وإن تعجب فعجب قولهم}(2), ليت شعري إلى أي سناد استندوا(3)، وعلى أي عماد اعتمدوا(4)، وبأية عروة تمسكوا(5)، وعلى أيه ذرية أقدموا واحتنكوا(6){لبئس المولى ولبئس العشير}(7) و{بئس للظالمين بدلا}(8) استبدلوا

ص: 65


1- - أي تعالوا واسمعوا ما سيحصل من الأمور على الأمة الإسلامية بسبب سوء اختيارهم هذا، وكلما طال بكم العمر ترون الأعجب والأعجب، وهو كما قالت (عليها السلام) فبانحراف الخلافة وصلت إلى خلفاء بني أمية وبني العباس الذين عاثوا في الأرض فساداً
2- - آية 5 سورة الرعد تتمة الآية هو { أئذا كنا تراباً أإنا لفي خلق جديد } أي أنها (عليها السلام) تقول لا عجب مما حصل إذا كان الإنسان لا يعتقد برجوعه بعد الموت، مع أنه يرى نفسه أنه قد جاء من العدم، فلا عجب مما فعلوه من حرف الرسالة عن طريقها الحق
3- - (السَناد) بفتح السين المرتفع من الأرض الذي يستند عليه، وبكسر السين (السِناد) الناقة القوية، أي أنهم في تولية غير الإمام علي (عليه السلام) على ماذا استندوا في ذلك، ولا حجة لهم من كتاب الله أو تعاليم رسوله تعذرهم أمام الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة
4- - العماد هي الأعمدة التي تنحت من الجبال كما كان يفعل قوم عاد، ومرادها (عليها السلام) أنهم في ما بنوه من أمر الأمة على خلافة غير رشيدة أي شيء جعلوه عماداً لهم في ذلك
5- - العروة العقد الوثيق، إشارة منها إلى الآية الكريمة { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } فإذا هم خالفوا الرسول (صلى الله عليه وآله) فقد خرجوا عن طاعة الله عز وجل فبأي عروة سوف يتمسكون غير عروة الله عز وجل بعد مخالفتهم أمر نبيه (صلى الله عليه وآله)
6- - احتنك الذرية استولى عليهم واستأصلهم كما في قوله تعالى {لاحتنكن ذريته إلا قليلاً منهم} فإنها (عليها السلام) تتعجب من جرأتهم أقدموا على ذرية الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وتعني بذلك نفسها والحسن والحسين (عليهما السلام) حينما هجموا عليهم الدار بعد وفات الرسول (صلى الله عليه وآله) وهم الذين أنزل الله فيهم {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}
7- - آية 13 سورة الحج
8- - آية 50 سورة الكهف

والله الذنابا بالقوادم(1)،

والعجز بالكاهل(2)،

فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا(3) {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}(4)، ويحهم {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون}(5).أما لعمري لقد لقحت(6),

فنظرة ريثما تنتج(7)،

ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً(8), وذعافاً مبيداً(9)

ص: 66


1- - الذَنَب هو المتأخر، والذنب من الناس هو سفلتهم، مقابل رؤوسهم وهم علية القوم، والقوادم هم الرؤوس أي علية القوم، وهي إشارة منها إلى أنهم قدموا من هم لا حسب لهم ولا نسب على من هم علية القوم، وهو الأمام علي (عليه السلام) الذي هو ابن عم الرسول (صلى الله عليه وآله)، ونسبه اشرف النسب، وبشاهدة أبي بكر بذلك أنكم عترة رسول الله الطيبون كما مذكور في كلامه مع الزهراء (عليها السلام) في الخطبة الكبرى
2- - عجز كل شيء مؤخرته، وعجز الإنسان ما بين إلييه، والكاهل هو ما بين المنكبين، وهو ارفع من العجز، فهم استبدلوا المقدمة بالمؤخرة
3- - الرغم تمريغ الأنف بالتراب، المعاطس الأنوف، أي أنه سوف ترغم أنوف الذين فعلوها على أمور لم يكونوا يرغبون بها، ظناً منهم أنهم كانوا يحسنون صنعاً بحرف الإمامة عن صاحبها الشرعي
4- - آية 12 سورة البقرة
5- - آية 35 سورة يونس
6- - اللقاح الحمل، ولقاح النخل أي وضع طلع الذكر في طلع الأنثى لكي تهيئ للإنتاج، أي قد تم ما أردتم من أمر الخلافة
7- - أي انتظروا حتى يتبين لكم الناتج الذي سوف يحصل من هذا اللقاح وهو الخلافة وما سيؤول إليه مصير الأمة يما فعلتموه من حرف الرسالة عن مسارها الصحيح وهذا من إخبارها بالغيب (عليها السلام)
8- - القعب إناء من الخشب مقعر كانوا يحلبون فيه، العبيط الكثير أي سوف يكون النتاج دماء تراق في الإسلام بسبب الخلاف وهو كما قالت (عليها السلام)
9- - الذعاف السم المبيد القاتل أي سوف تتجرعون السم ممن سوف يلي أمر الأمة كما حصل لبعض خلفاء الجور كالحجاج والسفاح وغيرهم

هنالك {يخسر المبطلون}(1)، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون(2)، ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا(3) واطمئنوا للفتنة جأشا(4)

وأبشروا بسيف صارم(5)، وسطوة معتد غاشم(6)، وبهرج شامل(7)،

واستبدادٍ من الظالمين(8)، يدع فيئكم زهيدا(9)، وجمعكم حصيدا(10)، فيا حسرة لكم(11)، وأنى بكم(12)، { فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون}(13).

ص: 67


1- - آية 27 سورة الجاثية، أي في الآخرة
2- - الغب هو اللحم إذا انتن، أي سيعرف المتأخرون سوء ما فعله الأولون حتى أنها وصفته بالجيفة
3- - طابت نفسه عنه أي كرهه، أي سوف تكرهون الدنيا بسبب سوء فعلتكم
4- - الجأش أي ربط النفس عن الفرار للشجاعة، أي مرادها أنه فليكن عندكم رباطة جأش لما سيحل بكم من الفتن بسبب سوء فعلكم
5- - السيف الصارم أي القاطع، فهي تبشرهم بقتل كثير، ووضع السيف بهم من خلفاء الجور الذين سوف يصلون إلى الحكم بسبب هذه الخلافة
6- - السطوة شدة البطش، والغاشم الذي ليس في قلبه رحمة
7- - الهرج الفتنة واختلاط الأمور، والشامل يعني العام الذي يشمل الجميع
8- - الاستبداد هو الانفراد بالشيء من غير مشارك، وتريد استيلاء الظالمين على الأمور بخلافتهم وتداولها فيما بينهم وعدم إشراككم في شيء من ذلك
9- - الفيء العطاء، وزهيداً أي قليلاً، وذلك بسبب استبداد الظالمين واستحواذهم على أموال المسلمين لأنفسهم وأقاربهم
10- - الحصيد هو الزرع الذي لا يبقى منه بقيه، وتريد أن الظالمين سوف لا يبقون منكم باقية
11- - أي أنكم سوف تتحسرون بعد ذلك على ما سوف يجري لكم، وهذا من إخبارها (عليها السلام) بالغيب، وفعلاً حصل ذلك وعادوا وطلبوا من الإمام (عليه السلام) الخلافة بعد مقتل عثمان حتى أرغموه عليها كما أشار(عليه السلام) لذلك في خطبته الشقشقية
12- - تريد (عليها السلام) أنه كيف ستصل بكم الأمور
13- - آية 28 سورة هود

ص: 68

الإمر الخامس: ظلامة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاتها

وبقيت تلك المصيبة لوعة في قلب الزهراء (عليها السلام) حتى التحقت بأبيها (صلى الله عليه وآله) وأرادت أن تشعر الأمة بشدة ما جرى عليها من المصائب فأوصت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يدفنها ليلاً، وأن لا يحضر جنازتها من تسبب بظلمها، وأن يعفي موضع قبرها لتكمل بذلك ظلامتها، ولتبقى شاهداً عملياً مدى الدهر على عظم الجريمة التي ارتكبها القوم بحقها، ولما أتم أمير المؤمنين (عليه السلام) وصيتها بتجهيزها ودفنها ليلاً وعدم حضور جنازتها إلا لخواص أصحابه وبعد أن واراها في ملحودة قبرها توجّه لقبر أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن كلماته بعد دفنها يستشعر عظم المصاب الذي جرى على أهل البيت (عليهم السلام) في تلك الحقبة وعظم المصاب على الزهراء وامير المؤمنين (عليهما السلام) فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) قال:

{لما قبضت فاطمة (عليها السلام) دفنها أمير المؤمنين سراً وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلُّدي، إلّا أن لي

ص: 69

في التأسي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلى وفي كتاب الله { لي } أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد وهمٌّ لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمدٌ مقيح(1)،

وهم مُهيج سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو وستنبّئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال(2) واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين، سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.

واهاً واهاً والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين(3)

لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً ولأعولت إعوال الثكلى(4) على جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سراً وتهضم حقها وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلُق منك الذكر(5) وإلى الله يا رسول الله المشتكى

ص: 70


1- - الكمد بالضم والفتح والتحريك الحزن الشديد والقيح المدة لا يخالطها دم .
2- - الهضم: الظلم والغصب، واحفاء السؤال: استقصاؤه والتشدد فيه.
3- - أي لولا وجود الظالمين وتسلطهم وخوفه من الدلالة على موضع قبرها (عليها السلام) وهو خلاف وصيتها لأقمت على قبرها ولا أفارقه من شدة معزتها عنده وشدة ظلامتها
4- - الثكلى هي الأم المفجوعة بولدها الوحيد الإعوال البكاء بصوت عال
5- - هذا ما ذكرنها من عظم مصيبة الزهراء (عليها السلام) كونها بنت النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقرب عهد مفارقته ومع ذلك يجري عليها كل ما جرى

وفيك يا رسول الله أحسن العزاء(1) صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان.}(2)

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين والسلام على بضعته الطاهرة سيدة النساء ورحمة الله وبركاته.

ص: 71


1- - أي أعزي نفسي بفقدها هو فقدك الذي هو من اشد المصائب
2- - الكافي للكليني أبواب التواريخ باب مولد الزهراء (عليها السلام) ح3 ص458

عکس

تم بحمد الله تعالى وتوفيقه الانتهاء من كتابته بجوار الحرم العلوي المطهر في مناسبة شهادة الزهراء (عليها السلام ) على الرواية الثالثة في جمادى الأخرة من سنة 1439 ه- وتم الانتهاء من تعديله وتهيئته للطبع في شهر رجب الأصب من سنة 1444 ه- ومنه تعالى التسديد والتوفيق

ص: 72

المصادر

1-القرآن الكريم / مصحف المدينة النبوية / مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

2-الكافي للشيخ الكليني تحقيق : تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري الطبعة : الخامسة سنة الطبع : 1363 ش المطبعة: حيدري الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران ردمك : ملاحظات: نهض بمشروعه الشيخ محمد الآخوندي.

3-المقنعة للشيخ المفيد تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي الطبعة : الثانية سنة الطبع : 1410 الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

4-الاحتجاج للشيخ الطبرسي تحقيق : تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان سنة الطبع : 1386 ه- - 1966 م الناشر : دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف.

5-كتاب سليم بن قيس لسليم بن قيس الهلالي الكوفي تحقيق : محمد باقر الأنصاري الزنجاني الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1422 - 1380 ش المطبعة : نگارش الناشر: دليل ما. ردمك : 964-7528-17-5. ملاحظات : ايران ، قم ، شارعمعلم ، زقاق 29 ، رقم 448 الهاتف : 7733413 ، 7744988 / www.dalilpub.com.

ص: 73

6-كشف الغمة في معرفة الأئمة لعلي بن أبي الفتح الأربلي الطبعة : الثانية سنة الطبع : 1405 - 1985 م الناشر : دار الأضواء - بيروت – لبنان.

7-بحار الأنوار للعلامة المجلسي الطبعة : الثانية المصححة سنة الطبع : 1403 - 1983 م الناشر : مؤسسة الوفاء - بيروت – لبنان : ملاحظات : دار إحياء التراث العربي.

8-الفضائل (لأبن شاذان) شاذان بن جبرئيل القمي سنة الطبع : 1381 - 1962 م المطبعة : الحيدرية - النجف الأشرف الناشر : منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها - النجف الأشرف.

9-الغدير للعلامة الأميني الطبعة : الرابعة سنة الطبع : 1397 - 1977 م الناشر : دار الكتاب العربي - بيروت – لبنان ملاحظات : عني بنشره الحاج حسن ايراني صاحب دار الكتاب العربي - بيروت – لبنان.

10-الإرشاد للشيخ المفيد تحقيق : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لتحقيق التراث الطبعة : الثانية سنة الطبع : 1414 - 1993 م الناشر : دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – لبنان ملاحظات : طبعت بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.

11-روضة الواعظين للفتال النيسابوري تحقيق : تقديم : السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان الناشر : منشورات الشريف الرضي – قم.

12-الآمالي للشيخ الصدوق تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة – قم الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1417ه- الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة. ردمك : 964-309-068-X.

ص: 74

13-غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من الخاص والعام للسيد هاشم البحراني تحقيق : السيد علي عاشور.

14-علل الشرائع للشيخ الصدوق تحقيق : تقديم : السيد محمد صادق بحر العلوم سنة الطبع : 1385 ه- - 1966 م الناشر : منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف.

15-المجموع للنووي الناشر : دار الفكر.

16-الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي تحقيق : الإمام أبي محمد بن عاشور ، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي. الطبعة : الأولى. سنة الطبع : 1422 ه- - 2002م المطبعة : بيروت - لبنان - دار إحياء التراث العربي. الناشر : دار إحياء التراث العربي.

17-شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني تحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1411 ه- - 1990 م الناشر : مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي- مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

18-الإمامة والتبصرة لعلي بن بابويه القمي تحقيق : مدرسة الإمام المهدي (ع) - قم المقدسة الطبعة: الأولى سنة الطبع : 1404 ه- - 1363 ش الناشر : مدرسة الإمام المهدي (ع) - قم المقدسة. ملاحظات : أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق المتوفى سنة تناثر النجوم 329 ه ق.

-19كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه تحقيق : الشيخ جواد القيومي ،

ص: 75

لجنة التحقيق الطبعة : الأولى سنة الطبع : عيد الغدير 1417ه- المطبعة : مؤسسة النشر الإسلامي الناشر : مؤسسة نشر الفقاهة.

20-عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق تحقيق : تصحيح وتعليق وتقديم : الشيخ حسين الأعلمي سنة الطبع : 1404 - 1984 م المطبعة : مطابع مؤسسة الأعلمي - بيروت – لبنان الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت – لبنان.

ص: 76

الفهرس

المقدمة ...... 5

الأول: بيان مقام فاطمة الزهراء (عليها السلام) وبيان عظم مصيبتها ...... 9

الثاني: كيف تم الاعتداء على الزهراء (عليها السلام) مع هذا المقام ...... 21

الثالث: تهديم مشروع المعارضة المتصور وهو يتضمن أموراً ...... 33

أولاً: إضعاف القائد القوي المؤمن بقضيته ...... 33

ثانياً: إضعاف الأنصار المؤمنين بمشروعه المستعدين للتضحية معه ...... 38

ثالثاً: مصادرة المال الذي يمكن تمويل مشروع المعارضة به من دون اللجوء للسلطة ...... 45

الرابع: دور الزهراء (عليها السلام) في التبليغ بخطورة مشروع حرف الرسالة ...... 55

الخامس: ظلامة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاتها ...... 69

المصادر ...... 73

الفهرس ...... 77

ص: 77

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.