البعد الإعجازي في ولادة الزهراء علیها السلام

هوية الکتاب

البعد الإعجازي في ولادة الزهراء

علي السيد محمد حسين الحكيم

مطبعة الرائد

ص: 1

اشارة

عکس

ص: 2

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

مهما حاول الباحث أو الكاتب عن جانبٍ من جوانب حياة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) أن يحيط بذلك الجانب الذي يريد البحث عنه يقف حائراً أمام هذه الشخصية العظيمة في كلّ جوانبها الحياتية والغيبية، ويقف حائراً أمام هذا الاهتمام النبوي الكبير بهذه المولودة العظيمة ممن لا ينطق عن الهوى، وقد أبدى عِظم هذه الشخصية قولاً وفعلاً، فأكثر الحديث عنها وعن مقامها وفضائلها، وأكثر الأفعال الدّالة على مقامها وعظمتها، من الاستئذان وقراءة آية التطهير ببابها، وإخراجها للمباهلة من دون جميع نساء المسلمين حتى زوجاته، وإدخالها تحت الكساء حتى نزلت فيهم آية التطهير، واحترامها عند دخولها عليه وإجلاسها في مجلسه، وكثرة تقبيلها وشمها وغير ذلك مما يبدو منه (صلى الله عليه وآله) محط اهتمامٍ بها، ومما ألفت نظري القاصر في سيدتنا ومولاتنا الزهراء (عليها السلام)

ص: 3

هو البعد الإعجازي الذي رافق كلّ مفصل من مفاصل ولادة هذه السيدة العظيمة من تكوّن النطفة حتى الولادة، فأحببت أن اسلّط الضوء على بعض ما جال في خاطري مما وجدته من خلال مطالعاتي المتواضعة في هذا الجانب حيث لم أجد من تعرّض له مستقلاً، بعد ان تعرضت لهذا الموضوع في محفل أقيم بمناسبة ولادتها في رحاب العتبة الحسينية المقدسة وكلفت بذلك على عجالة من امري فجال في خاطري هذا الجانب ولاقى استحساناً من الحاضرين حيث طلبوا مني توثيق ذلك فاستعنت بالله تعالى في ذلك وببركات سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) راجياً منها (عليها السلام) العذر في التقصير فلا يمكنني الإحاطة بكلّ ذلك، ولكن ما لا يدرك كلّه لا يدرك جلّه، ومستمداً من الله العون ببركة أنفاسها الطاهرة (عليها السلام) متمنياً منها الشفاعة يوم القيامة وأن أكون ممن تلتقطه في عرصات المحشر.

وما لا حظته في ولادتها المباركة من البعد الإعجازي يتمثل بثلاثة مراحل خطرت بالبال وإن كان قد يكون هناك مراحل أخرى غابت عن نظري القاصر فقسمتها على محاور ثلاثة كلّ محورٍ لمرحلةٍ من تلك المراحل.

المحور الأول: مرحلة التكوين

المحور الثاني: مرحلة الحمل

المحور الثالث: مرحلة الولادة

وبحوله تعالى سأحاول أن أسلّط الضوء على هذه المراحل مما يبدو لي بحسب تتبعي القاصر من عظمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام)

ص: 4

وأنّها شخصيةٌ فريدةٌ لها من المقام السامي عند الله عزّ وجلّ مما يستوجب كلّ هذا الاهتمام بهذه الشخصية في كل مراحل حياتها، لعدم إدراك عموم الناس مقامها إلّا ببيان من السماء، وإن كان الحديث عنها (عليها السلام) لا تستوعبه موسوعات ولا يحيط به كتّاب فضلاً عن استيعابه بكتيبٍ صغير، ولذا فإن المتحدث عن شخصيّتها يقف متحيراً من أين يبدأ وأين ينتهي ولكن بكرمها (عليها السلام) تقبل من عبدها أقلّ القليل راجياً منها (عليها السلام) العذر على ما يبدر مني من تقصير، مقبّلاً أقدامها متأملاً منها قبول هذا القليل بحقّها من أقلّ أولادها وهي الأم ذات القلب الرحيم الّتي لا تردّ ما يقدّم إليها من أولادها.

كما يسعدني أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى الأخ العزيز الفاضل الحاج وارد نجل المرحوم الحاج جواد خضر الجشعمي على تبنيه طباعة هذا الجهد المتواضع في خدمة سيدة النساء (عليها السلام) ورغبته في المساهمة بنشر ما يتعلق بسيدة النساء (عليها السلام) إحياءً لذكراهم (عليهم السلام) وفقه الله لآن يكون من خدمة أهل البيت (عليهم السلام) ومنّ على والده بالرحمة والمغفرة وجعل هذا العمل في ميزان حسناته إنه نعم المولى ونعم النصير.

علي السيد محمد حسين الحكيم

من جوار المرقد العلوي الطاهر في النجف الأشرف

4 / ربيع الأول / 1444 ه- 1 / 10/ 2022 م

ص: 5

ص: 6

عکس

ص: 7

ص: 8

المحور الأول : مرحلة التكوين

بما أنّ تكوين الجنين بحسب الخلقة الطبيعية لجميع البشر يكون من نطفةٍ تنعقد في صلب الأب أولاً ثم تتحول لرحم الأم فأراد الله عزّ وجلّ أن تكون نطفة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) الّتي ستكون في صُلب أشرف أبٍ خلق على وجه الأرض قد تكونت بشكلٍ خاصٍ ونوعيةٍ خاصةٍ ليس كما تتكون نطف جميع البشر بالطرق التقليدية فلا يكون لها تميّز عن غيرها، فاختارت لها السماء التكوّن الخاص وهو كونها من ثمار الجنة، كما هو شأن النبي (صلى الله عليه وآله) أو أمير المؤمنين (عليه السلام) أو باقي الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فإنّ نطفهم المفروض أن تكون متكونةً بصفةٍ خاصةٍ تناسب عظمتهم ومقامهم، ولكنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد لا يحتاج لبيان ذلك لما هو المعلوم من علو مقامه عند جميع المسلمين ولذا قد لم تتعرّض النصوص لذلك ولكن مثل أمير المؤمنين (عليه السلام) أو الزهراء (عليها السلام) أو الأئمة (عليهم السلام) قد يحتاج لبيان ذلك لعموم الناس لما هو المعلوم من محاولة إخفاء فضلهما، أو التغافل عنه ولذلك لم تغفل هذا الجانب النصوص فقد تعرّضت لكيفية ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) وتكوّن نطفته من ثمار الجنة فقد ورد في حديث طويل ذكرت أكثره لما فيه من فوائد مهمة وبيان مقام أهل البيت (عليهم السلام) (قال جابر بن

ص: 9

عبد الله الأنصاري: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: آه آه لقد سألتني عن خير مولود ولد بعدي على سُنّة المسيح عليه السلام، إن الله تبارك وتعالى خلقني وعليا من نور واحد قبل أن خلق الخلق بخمسمائة ألف عام، فكنا نسبح الله ونقدسه، فلما خلق الله تعالى آدم قذف بنا في صلبه، واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعلي في الأيسر، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيبة، فلم نزل كذلك حتى أطلعني الله تبارك وتعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثم أطلع الله تبارك وتعالى عليا من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

ثم قال: يا جابر ومن قبل أن وقع علي في بطن أمه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال له المثرم بن دعيب بن الشيقتام، وكان مذكورا في العبادة، قد عبد الله مئة وتسعين سنة ولم يسأله حاجة، فسأل ربه أن يريه ولياً له، فبعث الله تبارك وتعالى بأبي طالب إليه، فلما أن بصر به المثرم قام إليه فقبل رأسه وأجلسه بين يديه، فقال: من أنت يرحمك الله ؟ قال: رجل من تهامة، فقال: من أي تهامة ؟ قال: من مكة، قال ممن ؟ قال من عبد مناف، قال: من أي عبد مناف ؟ قال: من بني هاشم، فوثب إليه الراهب وقبل رأسه ثانيا وقال: الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتى أراني وليه، ثم قال أبشر يا هذا فإن العلي الاعلى

ص: 10

قد ألهمني إلهاما فيهبشارتك، قال أبو طالب: وما هو ؟ قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تبارك اسمه وتعالى ذكره، وهو إمام المتقين ووصي رسول رب العالمين، فإن أدركت ذلك الولد فاقرئه مني السلام وقل له: إن المثرم يقرئ عليك السلام وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأنك وصيه حقا، بمحمد يتم النبوة وبك يتم الوصية.

قال: فبكى أبو طالب وقال له: ما اسم هذا المولود ؟ قال: اسمه علي، فقال أبو طالب إني لا أعلم حقيقة ما تقوله إلا ببرهان بين ودلالة واضحة، قال المثرم: فما تريد أن أسأل الله لك أن يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك ؟ قال أبو طالب: أريد طعاما من الجنة في وقتي هذا، فدعا الراهب بذلك فما استتم دعاؤه حتى اتي بطبق عليه من فاكهة الجنة رطبة وعنبة ورمان، فتناول أبو طالب منه رمانة ونهض فرحا من ساعته حتى رجع إلى منزله فأكلها فتحولت ماء في صلبه، فجامع فاطمة بنت أسد فحملت بعلي عليه السلام وارتجت الأرض وزلزلت بهم أياما حتى لقيت قريش من ذلك شدة وفزعوا وقالوا: قوموا بآلهتكم إلى ذروة أبي قبيس حتى نسألهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحل بساحتكم، فلما اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس فجعل يرتج ارتجاجا حتى تدكدكت بهم صم الصخور وتناثرت، وتساقطت الآلهة على وجهها، فلما بصروا بذلك قالوا: لا طاقة لنا بما حل بنا، فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه، فقال: أيها الناس إن الله تبارك وتعالى

ص: 11

قد أحدث في هذه الليلة حادثة، وخلق فيها خلقا، إن لم تطيعوه ولم تقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ولا يكون لكم بتهامة مسكن، فقالوا: يا أبا طالب إنا نقول بمقالتك، فبكى أبو طالب ورفع يده إلى الله عز وجل وقال: (إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية المحمودة وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة) فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فتدعو بها عند شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها. فلما كانت الليلة التي ولد أمير المؤمنين عليه السلام أشرقت السماء بضيائها، وتضاعف نور نجومها، وأبصرت من ذلك قريش عجبا، فهاج بعضها في بعض وقالوا: قد أحدث في السماء حادثة، وخرج أبو طالب وهو يتخلل سكك مكة وأسواقها ويقول: يا أيها الناس تمت حجة الله، وأقبل الناس يسألونه عن علة ما يرونه من إشراق السماء وتضاعف نور النجوم، فقال لهم: أبشروا فقد ظهر في هذه الليلة ولي من أولياء الله يكمل الله فيه خصال الخير، ويختم به الوصيين، وهو إمام المتقين، وناصر الدين، وقامع المشركين وغيظ المنافقين، وزين العابدين، ووصي رسول رب العالمين،امام هدى، ونجم على، ومصباح دجى، ومبيد الشرك والشبهات، وهو نفس اليقين ورأس الدين، فلم يزل يكرر هذه الكلمات والألفاظ إلى أن أصبح)((1)).

ص: 12


1- ([1]) - روضة الواعظين للفتال النيسابوري ص 76 وعنه البحار

وكذلك ورد في كيفية ولادة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فقد ورد في ذلك (عن الحسن بن راشد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ الله إذا أحبّ أن يخلق الإمام أخذ شربةً من تحت العرش فأعطاها ملكاً فسقاه إياها فمن ذلك يُخلق الامام، فإذا وُلد بعث الله ذلك الملك إلى الامام فكتب بين عينيه: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}((1)) فإذا مضى ذلك الإمام الذي قبله رفع له مناراً يُبصر به أعمال العباد، فلذلك يحتجّ به على خلقه)((2)).

(وعن يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إنّ الله إذا أراد خلق إمامٍ أنزل قطرةً من تحت عرشه على بقلةٍ من بقل الأرض أو ثمرةٍ من ثمارها فأكلها الامام الذي يكون منه الامام، فكانت النطفة من تلك القطرة، فإذا مكث في بطن أمه أربعين يوماً سمع الصوت، فإذا مضى أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}((3)) فإذا سقط من بطن أمه أُوتي الحكمة وجعل له مصباحاً يرى به أعمالهم)((4))

وكذلك فإن الله عزّ وجلّ في ولادة سيدة نساء العالمين أراد للأمة

ص: 13


1- ([2]) - آية 115 سورة الإنعام
2- ([3]) - بحار الأنوار ج 25 باب أحوال ولادة المعصومين ح3 ص37
3- ([4])- آية 115 سورة الإنعام
4- ([5])- بحار الأنوار ج 25 باب أحوال ولادة المعصومين ح12 ص41

أن تعلم بكيفية هذا التكوين وأنه قد حصل من مورد طاهرٍ مطهّر من ثمار الجنة ولما لهذا التكوين من أثر على شخصيتها الكريمة وفيه من رفعة مقام لها (عليها السلام) فلذا وردت عدة أحاديث عدةً تؤكد عن مبدأ تكوّن نطفة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) وبيان عظمتها ومقامها وأثر تكوّنها بهذه الكيفية عليها وحتى على شيعتها ومحبيها فمما ورد في ذلك ما (عن سدير الصيرفي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق نور فاطمة (عليها السلام) قبل أن تُخلق الأرض والسماء. فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية ؟ فقال (صلى الله عليه وآله): فاطمة حوراء إنسية قال: يا نبيّ الله وكيف هي حوراء إنسية ؟ قال: خلقها الله عزّ وجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلمّا خلق الله عزّ وجلّ آدم عرضت على آدم. قيل: يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟ قال: كانت في حُقّةٍ تحت ساق العرش، قالوا: يا نبي الله فما كانطعامها؟ قال: التسبيح، والتهليل، والتحميد. فلما خلق الله عزّ وجلّ آدم وأخرجني من صُلبه أحبّ الله عزّ وجلّ أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرئيل (عليه السلام) فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد، قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل. فقال: يا محمد إن ربّك يقرئك السلام. قلت: منه السلام وإليه يعود السلام. قال: يا محمد إنّ هذه تفاحةً أهداها الله عزّ وجلّ إليك من الجنة فأخذتها وضممتها إلى صدري. قال: يا محمد يقول الله

ص: 14

جلّ جلاله: كُلها. ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً ففزعت منه فقال: يا محمد مالك لا تأكل؟ كُلها ولا تخف، فإنّ ذلك النور المنصورة في السماء وهي في الأرض فاطمة، قلت: حبيبي جبرئيل، ولم سُمّيت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة؟ قال: سُمّيت في الأرض فاطمة لأنّها فطمت شيعتها من النار وفُطم أعداءها عن حبّها، وهي في السماء المنصورة وذلك قول الله عزّ وجلّ: {يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء}((1)) يعني نصر فاطمة لمحبيها)((2)).

ومما أعتقده قوياً أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى وكذلك أفعاله وتصرفاته لا تصدر عن هوىً كان مكلّفاً من السماء ببعض التصرفات الملفتة للنظر مع الزهراء (عليها السلام) من أجل أن يعرف الناس مقامها وكيفية تكوينها لأنه قد لا تتقبل الناس منه (صلى الله عليه وآله) لو صعد المنبر وذكر كيفية تكوّن نطفة ابنته من دون سببٍ يُذكر، وإن كان يبدو منه أنّه قد حاول بيان ذلك مراراً، ومع ذلك فقد ورد أنّه كان يُكثر من تقبيلها، وإن كان من الطبيعي أن يقبّل كلّ أبٍ ابناءه أمّا الإكثار من ذلك الملفت للنظر بحيث أوجب الاستغراب حتّى من بعض نسائه مما يدلّ على أنه كان يقبلها بكثرة ملفتة للنظر الذي يستدعي منها السؤال وما ذلك منه إلا لكي يُسأل عن سبب هذا الإكثار فيبين

ص: 15


1- ([1]) - آية 4 من سورة الروم
2- ([2]) - معاني الأخبار للشيخ الصدوق باب معنى نوادر المعاني ح53 ص396

لها حقيقة تكّون نطفة هذه البنت وأن ما يقوم به (صلى الله عليه وآله) لهو أمرٌ طبيعيٌ بحقها، لأنها لها خصوصية تمتاز بها عن غيرها، ولبيان ما لها من مقامٍ عند الله تعالى، لأنه لابد من الاهتمام ببيان ذلك المقام لها (عليها السلام) لأنها لا تحمل صفةً عند عموم الناس قد تؤهلها لهذا المقام فهي ليست كمقام أبيها من كونه نبياً أو زوجها من كونه وصياً فأراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يقول للأمة أن مقامها من مقامه (صلى الله عليه وآله) وأن تكوّن نطفتها قد جعل لها شأناً ومقاماً خاصاً يوجب الاهتمام بها فقد ورد في ذلكفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن الصادق (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام) فأنكرت ذلك عائشةٌ، فقال: رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): يا عائشة إنّي لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى، وناولني من ثمارها فأكلته. فحوّل الله ذلك ماءً في ظهري، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبّلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها((1)).

(وعن عائشة قالت كنت أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفعل بفاطمة عليها السلام شيئا من التقبيل والألطاف فقلت يا رسول الله تفعل بفاطمة لم أرك تفعله قبل؟ فقال يا حميراء إنّه لما كانت ليله أسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم

ص: 16


1- ([1]) - تفسير القمي ج1 في تفسير سورة الرعد في خلقة فاطمة (عليها السلام) من شجرة طوبى ص356 وعنه بحار الأنوار ج 43

أر شجرة في الجنة أحسن منها حسناً ولا أنضر منها ورقاً ولا أطيب منها ثمراً فتناولت ثمره من ثمرها فأكلتها فصارت نطفة في ظهري فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا إذا اشتقت إلى الجنة شممت ريحها من فاطمة، يا حميراء إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتللن - يعني به الحيض)((1))

(وفي تفسير فرات بن إبراهيم: بإسناده عن حذيفة اليماني قال: دخلت عائشة على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يقبل فاطمة (عليها السلام)، فقالت: يا رسول الله أتقبلها وهي ذات بعل؟ فقال لها – وساق حديث المعراج إلى أن قال - ثم أخذ جبرئيل (عليه السلام) بيدي فأدخلني الجنة وأنا مسرور فإذا أنا بشجرةٍ من نورٍ مكللةٍ بالنور، في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل، ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بتفاحٍ لم أر تفاحاً هو أعظم منه، فأخذت واحدةً ففلقتها فخرجت عليّ منها حوراء كأن أشفارها مقاديم أجنحة النسور، فقلت: لمن أنت؟ فبكت وقالت: لابنك المقتول ظلماً الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزُبد، وأحلى من العسل، فأخذت رطبةً فأكلتها وأنا أشتهيها فتحولت الرطبة نطفةً في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت

ص: 17


1- ([2])- مجمع الزوائد للهيثمي ج9 باب مناقب فاطمة ص 202 والمعجم الكبير للطبراني ج22 من مناقب فاطمة ص 400 الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد بن طاووس في مناقب أصحاب الكساء ص111

خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمةحوراء انسية، فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام)((1))

و(عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال: قيل يا رسول الله إنّك تلثم فاطمة وتلتزمها وتدنيها منك وتفعل بها مالا تفعله بأحد من بناتك ؟ فقال: إنّ جبرئيل (عليه السلام) أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحولت ماءً في صلبي، ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة فانا أشمّ منها رائحة الجنة)((2)).

و(عن ابن عباس قال: دخلت عائشة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقبّل فاطمة فقالت له: أتحبّها يا رسول الله ؟ قال أما والله لو علمت حبّي لها لازددت لها حبّا، إنّه لما عُرج بي إلى السماء الرابعة اذن جبرئيل وأقام ميكائيل ثم قيل لي أذّن يا محمد، فقلت: أتقدم وأنت بحضرتي يا جبرئيل؟ قال نعم إنّ الله عزّ وجلّ فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضّلك أنت خاصةً، فدنوت فصليت بأهل السماء الرابعة ثم التفتّ عن يميني فإذا أنا بإبراهيم (عليه السلام) في روضةٍ من رياض الجنة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة ثم إنّى صرت إلى السماء الخامسة ومنها إلى السادسة فنوديت يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي فلما صرت إلى الحجب أخذ جبرئيل (عليه السلام)

ص: 18


1- ([1]) - بحار الأنوار ج8 باب العلة التي سميت الجنة عن تفسير فرات الكوفي ح165 ص190
2- ([2]) - علل الشرائع للصدوق ج1 العلة التي من أجلها كان النبي (صلى الله عليه وآله يكثر من تقبيل فاطمة (عليها السلام) ح1 ص183

بيدي فأدخلني الجنة فإذا أنا بشجرةٍ من نورٍ أصلها ملكان يطويان الحلل والحلى، فقلت حبيبي جبرئيل لمن هذه الشجرة؟ فقال هذه لأخيك علي بن أبي طالب وهذان الملكان يطويان له الحلى والحلل إلى يوم القيامة، ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطبٍ ألين من الزُبد وأطيب رائحة من المسك وأحلى من العسل فأخذت رطبة فأكلتها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي فلما أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة بفاطمة ففاطمة حوراء انسية فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة (عليها السلام))((1)).

وعن عيون المعجزات: روي عن حارثة بن قدامة قال: حدثني سلمان قال: حدثني عمار، وقال: أُخبرك عجباً؟ قلت: حدّثني يا عمار قال: نعم شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ولج على فاطمة (عليها السلام) فلما أبصرت به نادت أدن لأحدّثك بما كان وبما هو كائنٌ وبما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعةقال عمار: فرأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يرجع القهقري فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: أدن يا أبا الحسن فدنا فلما اطمأن به المجلس قال له: تحدثني أم أحدثك ؟ قال: الحديث منك أحسن يا رسول الله، فقال: كأني بك وقد دخلت على فاطمة وقالت لك كيت وكيت فرجعت، فقال علي (عليه السلام): نور فاطمة من نورنا ؟ فقال (عليه السلام): أولا تعلم؟ فسجد عليٌ شكراً لله تعالى.

ص: 19


1- ([3]) - علل الشرائع للصدوق ج1 العلة التي من أجلها كان النبي (صلى الله عليه وآله يكثر من تقبيل فاطمة (عليها السلام) ح2 ص184

قال عمّار: فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجت بخروجه فولج علي فاطمة (عليها السلام) وولجت معه فقالت: كأنك رجعت إلى أبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته بما قلته لك؟ قال: كان كذلك يا فاطمة، فقالت: إعلم يا أبا الحسن إنّ الله تعالى خلق نوري وكان يسبح الله جلّ جلاله ثم أودعه شجرةً من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك ففعل فأودعني الله سبحانه صلب أبي (صلى الله عليه وآله) ثم أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني وأنا من ذلك النور أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى((1)).

وفي إرشاد القلوب: مرفوعاً إلى سلمان الفارسي - (رضوان الله عليه) - قال: كنت جالساً عند النبي (صلى الله عليه وآله) في المسجد إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلم فرد النبي (صلى الله عليه وآله) ورحب به فقال: يا رسول الله بما فضل الله علينا أهل البيت علي بن أبي طالب والمعادن واحدة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إذن أخبرك يا عم إن الله خلقني وخلق علياً ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا لوحٌ ولا قلمٌ. فلما أراد الله عزّ وجلّ بدو خلقنا تكلّم بكلمةٍ فكانت نوراً ثم تكلّم كلمةً ثانيةً فكانت روحاً فمزج فيما بينهما واعتدلا فخلقني وعلياً منهما ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجلّ من

ص: 20


1- ([1]) - عيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب في وقت وفاة فاطمة (عليها السلام) ص 47 وعنه بحار الأنوار ج 43 ص8

العرش ثم فتق من نور عليٍ نور السماوات فعليٌ أجلّ من السماوات ثم فتق من نور الحسن نور الشمس ومن نور الحسين نور القمر فهما أجلّ من الشمس والقمر وكانت الملائكة تسبّح الله تعالى وتقول في تسبيحها: سبوحٌ قدوسٌ من أنوارٍ ما أكرمها على الله تعالى، فلما أراد الله تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحابا من ظلمة وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأفعلن فخلق نور فاطمة الزهراء (عليها السلام) يومئذ كالقنديل وعلقه في قرط العرش فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، من أجل ذلك سميت فاطمة الزهراء. وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه فقال الله: وعزتي وجلالي لأجعلن ثوابتسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها قال سلمان: فخرج العباس فلقيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فضمّه إلى صدره وقبل ما بين عينيه، وقال: بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله تعالى((1)).

ولو كانت غير فاطمة (عليها السلام) قد تكونت نطفتها بهذه الكيفية لأُلفت فيها موسوعات لبيان هذه الفضيلة مع أن غيرها ليست

ص: 21


1- ([1]) - ارشاد القلوب ج 2 ص 403 وعنه بحار الأنوار ج 43 ص16

لها هذه الفضيلة وتذكر بالتبجيل والتعظيم أكثر منها، فكان لابدّ للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من التأكيد والتركيز على هذه الفضيلة وهذا ما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) قولاً وفعلاً.

ص: 22

المحور الثاني : مرحلة الحمل

ص: 23

ص: 24

ثم ان الاعجاز يتبين أيضاً في حمل الزهراء (سلام الله عليها) فلم تكن حين حمل أمها بها طفلاً متعارفاً كبقية الأطفال فهي كانت تكلّم أمّها لكي تؤنسها في وحدتها بعد مقاطعة نساء قريش لها، قد يرد هنا سؤال كيف علمت الزهراء (عليها السلام) وهي جنين في بطن أمها بمقاطعة نساء قريش لها، وأن خديجة (عليها السلام) كانت تستوحش من تلك المقاطعة لكي تكلم أمها وتؤنسها، فلابدّ أن يكون ذلك بأمرٍ إعجازيٍّ من الله عزّ وجلّ فمما ورد في كلام فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع أمها

(عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام)؟ فقال: نعم إن خديجة (عليها السلام) لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمها حذرا عليه (صلى الله عليه وآله) فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة (عليها السلام) تحدثها من بطنها وتصبّرها وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل رسول الله يوما فسمع خديجة تحدّث فاطمة (عليها السلام) فقال لها: يا خديجة من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني، قال: يا خديجة هذا جبرئيل [ يبشرني ] يخبرني أنها أنثى

ص: 25

وأنها النسلة الطاهرة الميمونة وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه)((1)).

طبعا وهذا في الوضع الطبيعي لو لم يكن لفاطمة (عليها السلام) شأن خاص ولو لم تكن خديجة (عليها السلام) تعلم بذلك الشأن وأن الرسول (صلى الله عليه واله) قد اخبرها بكرامة ومقام هذا الحمل الذي حملته عن طريق الاعجاز أيضاً لكان المفروض أن التعجب من خديجه سلام الله عليها أن يحصل بكلام جنينها معها، بل كان ذلك الأمر المفروض يوجب لها رعباً، لأنه ليس من الطبيعي ان يكلم الجنين أمه وهو في بطنها وليس هو أمراً متعارفاً في حمل النساء، والرواية تقول أنها أخفت ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعني انها أخفت عليه كلام جنينها رأفة به (صلى الله عليه وآله) لئلا ينزعج من مقاطعة نساء قريش لها، فلابد أنها لمّا حدّثها جنينها لم تتفاجأ بذلك لمعرفتها بمقام ابنتها التي يمكن أن تتكلم معها بأمرإعجازي، ولذا كما في النص أنها لم تخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك الأمر لمعرفتها بمقام الجنين الذي تحمله فلذا يبدو منها أنها لم تتفاجأ بذلك بل يبدو أنها مسبوقة بشيء ولذا لم تضطر لأن تخبر النبي (صلى الله عليه واله) بما حصل معها وما ورد في النص من أن النبي (صلى الله عليه واله) دخل يوماً على خديجة فسمعها تتحدث والبيت خاليٍ من كلّ احدٍ فسألها يا خديجة مع من تتحدثين والبيت خالٍ لا يعني عدم معرفة النبي (صلى الله عليه وآله) بأن

ص: 26


1- ([1]) - بحار الأنوار ج 43 باب 1 ح1 ص2

خديجة كانت مع من تتكلم لأنه يعلم الغيب وإنما هو سؤال العالم بالحال كسؤال الله تعالى لنبي الله موسى (عليه السلام) {وما تلك بيمينك يا موسى}((1))

فيكون سؤاله لها من أجل أن تخبره بكلام جنينها فيزيدها معرفة عن مقام ذلك الجنين وعظمته بعد أن كانت على معرفة جزئية بمقام من تحمل، فهو سؤال منه من أجل بيان حقيقه الأمر لأن النبي (صلى الله عليه واله) يعلم أن خديجة كانت مع من تتكلم لأنه مسدد بعلم الغيب وكما ذكرنا سابقا أن النبي (صلى الله عليه واله) لا يعمل شيئاً بدون أمرٍ السماء وما ينطق عن الهوى وهذا ما نلمسه من سؤال النبي (صلى الله عليه واله) لخديجة بأنها مع من كانت تتحدث حتى تخبره بأنها كانت تتحدث مع الجنين الذي في بطنها فيخبرها بمقامها وشأنها كما تقدم في فعله (صلى الله عليه واله) من الإكثار في تقبيل فاطمة (عليها السلام) لأجل إلفات النظر حتى يحصل السؤال وتتم المعرفة بعظم ذلك الجنين، وحديث الجنين مع أمه من المعاجز الخارقة التي من المفروض أن تحصل لنبيٍّ او وصيّ نبيٍ ولكنّه حصل لسيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهذا إنما يدل على أنها بمقام تكون مؤهلة لأن تنالها المعجزة ولذا لم تستغرب خديجة سلام الله عليها من هذا الاعجاز وهذا المقام الاعجازي في الحمل هو مما يدل على رفعة ومقام سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأنها في عداد المعصومين بالمقام السامي وقد يؤيد ما ذكرناه ما ورد من حديث قدسي (لولاك يا محمد ما خلقت الأفلاك

ص: 27


1- ([1]) - آية 17 من سورة طه

ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما جميعاً)((1)).

حيث يبدو من ذلك أن مقامها مقرون بمقام النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا يعني هذا الحديث تفضيلها (عليها السلام) عليهما بل إن الوجود والخلق لا يتكامل إلا بوجودهم وإن كان مقام النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أعظم منهما ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعده ومقام الزهراء (عليها السلام) من بعدهما، فتوقف التكوين على وجودهم ثلاثتهم لا يلازم عدم التفاضل بينهم بالمقام فلا مانع من أن يكون النبي محمد (صلى الله عليه وآله)في المقام الأول ومن بعده أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعدهما فاطمة الزهراء (عليها السلام).

ص: 28


1- ([2]) - مختصر مفيد ج3 للسيد مرتضى العاملي سؤال (151) ص26

المحور الثالث : مرحلة الولادة

ص: 29

ص: 30

وكذلك لما حان موعد ولادة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) فيبدو أن الله تعالى اختار لها الإعجاز أيضاً في تلك الولادة أيضاً ليكتمل الأمر ببيان مقامها وعظمتها فكان يلزم وجود سبب يظهر به عظمة ومقام هذه المولودة بأن تكون ولادتها بطريقة خاصة إعجازية كما حصل لزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) في ولادته من شق جدار الكعبة ودخول فاطمة بنت أسد (عليها السلام) للكعبة المشرفة ووضع أمير المؤمنين (عليه السلام) لتكون الولادة بذلك المكان وبتلك الكيفية مصدراً لبيان عظمة ذلك المولود فكذلك الحال في سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقد ورد أن خديجة (عليها السلام) أرسلت الى نساء قريشٍ وبني هاشم تطلب منهن أن يحضرن ولادتها ويلين منها ما تلي النساء من النساء في عملية الولادة وامتنعت النساء طبعاً بسبب المقاطعة لها بسبب زواجها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والامتناع لابد أن يكون من نساء قريشٍ وبني هاشم غير المؤمنات بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله) وليس من نساء بني هاشم وبني عبد المطلب المؤمنات ولذا قد يبدو منها أنها سلام الله عليها لم تطلب من نساء بني عبد المطلب وانما طلبت من سائر نساء قريش وبعض النساء من بني هاشم الذين قد يكن لم يدخلن

ص: 31

الاسلام بعد وهو واضح من جوابهنّ؛ لأنه لو كانت تريد أن يحضر ولادتها من النساء المتعارفات لكانت أرسلت للنساء المؤمنات اللاتي أمنّ بالنبي (صلى الله عليه واله) ليحضرن معها مثل أسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أو زوجة حمزة بن عبد المطلب أو أم هاني بنت أبي طالب وقد تكون فاطمة بنت أسد موجودة على بعض الروايات وهناك غيرهن كثير من نساء بني هاشم وبني عبد المطلب المؤمنات بالدعوة المحمدية ولا يعتذرن بما اعتذرت به تلك النساء، فهي حينما أرسلت إلى نساء قريش يبدو منها لكي تلقي الحجة عليهنّ وأنها تعلم أنهن لن يحضرن لعلمها بمقاطعتهن لها قبل حملها وفي أثنائه، وعلى ذلك ستحصل الولادة الاعجازية للزهراء كما هو المخطط لها في السماء، بنزول نساءٍ من السماء يقمن بمراسيم الولادة، ومن الطبيعي سيحصل السؤال بعد ذلك من نساء قريش المقاطعات لها بمن قام بتوليد خديجة وكيف ولدت من دون مساعدة نساءقريش لها وسيأتي الجواب منها وبيان كيفية حصول الولادة وتتبين المعجزة وعظمة هذه المولودة المباركة خصوصاً بما حصل من مراسيم خاصة بولادتها وهو أن يتولى نساء من السماء الولادة وتُغسّل المولودة بماءٍ من الجنّة وتلفّ بثيابٍ من الجنّة وقد يكون في امتناع نساء قريش وطلب خديجة منهن أيضاً بأمر إعجازي كما أشرنا له سابقاً ليتجلى مقام الوليدة أكثر فأكثر لجميع الناس.

فقد ورد في كيفية ولادتها (عليها السلام) تتمة للرواية السابقة

ص: 32

فلم تزل خديجة (عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئا فاغتمت خديجة (عليها السلام) لذلك فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوةٍ سُمرٍ طِوالٍ كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنّا رُسل ربك إليك ونحن أخواتك أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدةٌ عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرةً مطهرةً.

فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور ودخل عشر من الحور العين كلّ واحدةٍ منهنّ معها طستٌ من الجنّة وإبريقٌ من الجنّة وفي الإبريق ماءٌ من الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسّلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحا من المسك والعنبر فلفتها بواحدةٍ وقنعتها بالثانية ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن أبي رسول الله

ص: 33

سيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء وولدي سادة الأسباط ثم سلمت عليهنّ وسمّت كلّ واحدةٍ منهنّ باسمها وأقبلن يضحكن إليها وتباشرت الحور العين وبشرّ أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام) وحدث في السماء نورٌ زاهرٌ لم تره الملائكة قبل ذلك وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرةً مطهرةً زكيةً ميمونةً بورك فيها وفي نسلها.فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدرّ عليها فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر وتنمي في الشهر كما ينمي الصبي في السنة)((1)).

ويتلخص مما ذكرناه أن الله تعالى اختار لفاطمة الزهراء (عليها السلام) كيفيات خاصة في تكوين النطفة وفي الحمل وفي الولادة ليكون لها تميّزٌ خاصٌ عن باقي نساء البشر وليتبين لها الفضل والمقام السامي بذلك ويبدو أن السماء كما اختارت هذا التميز أرادت أن يُبيّن من قبل رسول السماء وهو النبي محمد (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى فكُلّف بتصرفاتٍ خاصةٍ مع هذه الوليدة المتميزة ليتبين بذلك مقامها وفضلها، وهذا دليل عناية السماء بإظهار شأن ومقام هذه المرأة لما تعلمه السماء مما سيجري من محاولات لتجاهل هذا المقام والفضل فيكون بحاجة للبيان وبطرق شتى ملفتة للنظر لكي لا تغفل الأذهان عن ذلك كما حصل ذلك من أمير المؤمنين (عليه السلام) من الولادة في جوف الكعبة بطريقة ملفتة

ص: 34


1- ([1])- بحار الأنوار ج 43 باب 1 ح1 ص3

للنظر لأنه تعلم السماء أن هذا الرجل بما له من المقام سوف يحاول البعض إخفاء مقامه ومنزلته فلابد من شيء ملفت للنظر في بيان مقامه

وبهذه العجالة أرجو أن أكون قد ألفتّ النظر لبيان البعد الإعجازي في ولادة سيدة النساء (عليها السلام) تاركاً الغور في أمواج هذا البحر المتلاطم لذوي الاختصاص ومن هم أكثر مني مطالعةً وبحثاً لبيان ما هو أكثر من ذلك من الأبعاد والفضائل، وإن كان القلم يقف حائراً والذهن عاجزاً عن مقام سيدة نساء العالمين ومنزلتها عند الله عزّ وجلّ ونلتمس من الله ومنها (عليها السلام) العذر في التقصير فهو من شؤون العبد الفقير المتصف بالنقصان العاجز عن الوصول لمعرفة مقام من هم في أعلى مرتب الكمال والقرب من الله تعالى

ص: 35

ص: 36

مصادر البحث

1-القرآن الكريم الكتاب : القرآن الكريم/ مصحف المدينة النبوية / مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف

2-ارشاد القلوب المؤلف : الحسن بن محمد الديلمي الطبعة : الثانية سنة الطبع : 1415 - 1374ش المطبعة : امير – قم الناشر: انتشارات الشريف الرضي

3-الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد بن طاووس الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1399 المطبعة : الخيام - قم

4-مختصر مفيد للسيد مرتضى العاملي الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1423 - 2002 م المطبعة : المركز الإسلامي للدراسات الناشر : المركز الإسلامي للدراسات ملاحظات : المركز الإسلامي للدراسات / العنوان : بئر العبد - سنتر الإنماء (2) - بيروت - لبنان / تلفون - فاكس : 009611274519 - ص . ب - 25/52 / الإنترنت : www.alhadi.org / البريد الإلكتروني : alhadi@alhadi.org

5-المعجم الكبير للطبراني تحقيق : تحقيق وتخريج : حمدي عبد المجيد السلفي الطبعة : الثانية ، مزيدة ومنقحة الناشر : دار إحياء التراث العربي

6-بحار الأنوار للعلامة المجلسي الطبعة : الثانية المصححة سنة الطبع : 1403 - 1983 م الناشر : مؤسسة الوفاء - بيروت – لبنان ردمك: ملاحظات : دار إحياء التراث العربي

ص: 37

7-تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي تحقيق : تصحيح وتعليق وتقديم : السيد طيب الموسوي الجزائري الطبعة : الثالثة سنة الطبع : صفر 1404 الناشر : مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم – ايران ردمك : ملاحظات : منشورات مكتبة الهدى

8-روضة الواعظين للفتال النيسابوري تحقيق : تقديم : السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان الناشر : منشورات الشريف الرضي - قم

9-علل الشرائع للشيخ الصدوق تحقيق : تقديم : السيد محمد صادق بحر العلوم سنة الطبع : 1385 - 1966 م الناشر : منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف

10-عيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب سنة الطبع : 1369 المطبعة : الحيدرية – نجف الناشر : محمد كاظم الشيخ صادق الكتبي

11-مجمع الزوائد للهيثمي سنة الطبع : 1408 - 1988 م الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت – لبنان ردمك : ملاحظات : طبع بإذن خاص من ورثة حسام الدين القدسي مؤسس مكتبة القدسي بالقاهرة

12-معاني الأخبار للشيخ الصدوق تحقيق : تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري سنة الطبع : 1379 - 1338 ش الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

المصادر موجودة على القرص المدمج لمكتبة اهل البيت (عليهم السلام) الإصدار الثاني

ص: 38

الفهرس

المقدمة ..... 3

المحور الأول مرحلة التكوين ...... 7

المحور الثاني مرحلة الحمل ...... 23

المحور الثالث مرحلة الولادة ...... 29

مصادر البحث ...... 37

الفهرس ...... 39

ص: 39

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.